الكافي للحلبي

أبو الصلاح الحلبي


[ 1 ]

الكافي في الفقه تأليف الفقيه الأقدم أبي الصلاح الحلبي 447 – 374 تحقيق رضا أستادي


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) ((الاصلاح الثقافي فوق كل إصلاح) الإمام خميني إن ثورة شعبنا المسلم المظفرة، والتي انتصرت وأثمرت بفضل العناية الإلهية: ودعاية الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وقيادة الإمام الخميني الحكيمة، والتي هي بحق ثورة عميقة الجذور، ونهضة شاملة لم يشهد الغرب ولا الشرق مثيلا لها، لم تكن في حقيقتها ذات بعد واحد بل هي كالاسلام الذي وصفت به واستلهمت منه تشمل جميع الجوانب المادية والمعنوية في حياة هذه الأمة ومن هنا فإن الثورة لم تتناول تغيير الجوانب المادية فقط بل تغيير النهج الثقافي والتربوي والبنيان الفكري هو الهدف الآخر في ظل هذا التحول العظيم. على أن من الوسائل الصحيحة لا زالة هذه الثقافة الطاغوتية البائدة وإحلال الثقافة الاسلامية الراشدة محلها هو دعوة المفكرين والكتاب والمحققين إلى إعادة التحقيق والدراسة والتحليل لقضايا الاسلام ومعارفه السامية ونشر ما يتمخض عن هذا السعي الجديد في أوساط الجماهير المسلمة ليتسنى لهذا الشعب الثائر المسلم من هذا الطريق أن يتعرف على المزيد من جوانب الثقافة الاسلامية


[ 3 ]

الأصيلة وبنحو أعمق وأفضل يتناسب مع التحول الجديد، وبصورة تمكنه من التحرر الكامل من قيود التبعية الفكرية والثقافية للشرق أو الغرب. بل وينبغي تحقيقا لهذا الهدف العظيم أن لا يكتفى بما ينتجه المفكرون والكتاب المعاصرون بل تجب الاستفادة من التراث الفكري الاسلامي العظيم الذي خلفه المفكرون والكتاب الاسلاميون الملتزمون في العهود الماضية وما تركوه من أفكار قيمة تخدم الوعي الاسلامي المطلوب والتي ترقد على رفوف المكتبات في شكل مخطوطات تنتظر الاخراج المناسب لروح ومتطلبات هذا العصر. من هنا عزمت الهيئة التأسيسية لمكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة في أصفهان تحت دعاية حجة الاسلام جناب السيد كمال الدين فقيه إيماني دامت بركاته على طبع ونشر وإحياء هذه المصنفات القيمة لتكون بذلك قد خطت خطوة أخرى في سبيل الاصلاح الثقافي والفكري للجيل الحاضر الذي دعا إليه إمام الأمة، وجعله فوق كل إصلاح. وقد حققت الهيئة التأسيسية نجاحات في هذا السبيل فهي بعد تأسيسها لمكتبة مجهزة تجهيزا كاملا في مدينة العلم والجهاد أصفهان، توفر للشباب فرصة المطالعة ولأرباب الفكر أجواء التحقيق لما تحتويه من كتب قيمة ومؤلفات نفيسة متنوعة، أقدمت على طبع ونشر سلسلة جليلة من المؤلفات والكتب النافعة حسب ما هو مدرج في الفهرست الملحق بهذا الكتاب. وهي في هذا الوقت الذي تقدم فيه خيرة شباب هذا الشعب المسلم دماءهم الطاهرة لإغناء هذه الثورة وصيانتها ويتطلب من كل مسلم أن يقدر تلك التضحيات، ترجو أن يكون هذا المشروع أداء لبعض ذلك الواجب راجية أن تجلب هذه الخدمة الثقافية رضاه سجانه وعناية إمامنا الغائب المهدي عجل الله فرجه الشريف، وترضي شعبنا المسلم المجاهد الصامد والله ولي التوفيق. أصفهان – الهيئة التأسيسية لمكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة 2 / 5 / 1362 المطابق 13 شوال 1403


[ 4 ]

بسمه تعالى بعد الحمد والصلاة على رسوله المنقذ، مشرع الاسلام، وخلفائه المعصومين أئمة أهل البيت عليهم السلام…… لا مشاحة في أن الثروة التشريعية في الفقه الاسلامي المقدس ثروة غنية واسعة ومترامية، وعلنا أن نقول إنها أوسع وأوفر ثروة تشريعية من كل الأديان ومن جميع القوانين الوضعية القديمة أو الحديثة، وما ذلك إلا ببركة الدين الاسلامي الخالد ومشرعه الرسول المنقذ صلى الله عليه وآله. فلا بد لهذا الدين المقدس أن تكون قوائمه الرصينة قوية وثابتة تتحدى الأزمان وتقهر أجيال المشرعين والمفكرين و…. على مدى العصور والدهور، كل ذلك بفضل ما يتمتع به هذا الفقه الرائع من حيوية كبيرة وبعث نحو الحياة، بخلاف كثير من القوانين والنظم التي لا تعدو أن تكون نظريات وآراء ميتة فحسب لا تنبض بالحياة ولا تدخل مع الناس في مشارب الحياة. الفقه الاسلامي وخصائصه الممتعة: ثم إن هذا الفقه الاسلامي المقدس الرائع قد أختص بخصائص عديدة جعله يساير الركب الانساني في تطوره العلمي والصناعي والتجاري


[ 5 ]

والاجتماعي، وهذه الخصائص قد بلغت من الكثرة بدرجة لا يمكن لأحد استيعابها قط ولا سيما ليس لنا بالوسع المتواضع أن نأتي بها في هذه المقدمة وأن نتحدث عنها. الفقه في الكتاب والسنة: وكفى للفقه فضلا وشرفا ومجدا أن الباري سبحانه قد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى: ((ليتفقهوا في الدين). وجاء أيضا في السنة المطهرة أحاديث جمة مأثورة عن صاحب الدعوة الاسلامية وخلفائه المعصومين كالحديث الشريف النبوي: (إذا أراد الله لعبد خيرا فقهه في الدين) وأمثاله مما لا تحصى كثرة. تحول الفقه وتقسيمه حسب الأزمان: وبديهي أن الفقه كان قبل فقهائنا العباقرة كالمفيد والطوسي يؤخذ على ضوء الكتاب والسنة فحسب، ومن بعد هؤلاء أصبح لفقهاء الاسلام اصطلاحات فقاهية خاصة اجتهادية كما هو المتعارف ليومنا هذا. وفي الدور الوسطى للفقه وهو زمن المحقق والعلامة وفخر المحققين والشهيدين أخذ الفقه مكانته الرفيعة ومقامه السامي، وقد أخذ دوره المقدس حتى أن جاء الدور الثالث وهو الدور الموجود حتى زماننا والظاهر أنه شرع منذ عهد صاحب الجواهر فالشيخ الأنصاري وحتى فقهائنا المعاصرين. وقد أصبح الفقه ولا سيما في الدور الثالث مدرسة مستجدة حيوية يستنبط الأحكام الفقهية على ضوء الكتاب والسنة والاجماع والعقل. الفقه وتطوره التدريجي: ثم إن الأحكام الفقهية قد أخذت عن الجوامع الحديثة المتقنة البدائية كالكتب الأربعة والجوامع الثانية كالوسائل والبحار والوافي، والجوامع الأخيرة وأهمها جامع الأحاديث للإمام المجدد سيد الطائفة البروجردي (ره). المذاهب الفقهية المختلفة: 1 – إن بعض المذاهب الفقهية كانت تعتمد على الرأي والقياس وهذا مما يسبب تمييع التشريع الاسلامي ويفقده صلابته وقوته وأصالته التشريعية.


[ 6 ]

2 – وهناك وفي مقابل هذا اتجاه آخر معاكس لهذا الاتجاه وهو الذي يعتمد كليا على النص، ويتمسك بظاهره مما يؤدي أيضا إلى تجميد التشريع الاسلامي وفقده المرونة والقابلية لمسايرة التطور الزمني. الاجتهاد هو المذهب المختار: ولا مراء في أن الاجتهاد هو المذهب المختار لفقه العترة الطاهرة أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد رفض الأمرين المذكورين آنفا لأن فيهما تمييع التشريع الاسلامي وفقد مروته وقابليته. ولهذا أخذ فقهاء أهل البيت عليهم السلام يستندون في استنباطهم للحكم الشرعي على الحجة، وهي عبارة عن الأدلة الشرعية من الطرق والأمارات التي تقع وسطا لاثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعي من دون أن يكون بينهما وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه حسب ما يقوله الأصوليون. آراء المجتهدين تحل كثيرا من المشاكل: ولهذا كانت نظرياتهم وآراؤهم لها الأثر الكبير في حل كثير من المشاكل والمسائل المستحدثة نتيجة التطور الاجتماعي الحديث. فقهاء الاسلام لهم المكانة المرموقة: وأن فقهاء الاسلام لهم المكانة المرموقة والمقام العظيم، ويحتلون المكانة الأولى من المجتمع لأنهم العقل المتنور المتطور لكل زمان ولكل جيل، فكانت فتاواهم تأخذ من نفوس المؤمنين وقلوبهم مأخذا كبيرا باعتبارها صادرة عن الموازين التي يستمد منها الفقه الاسلامي الشريف أحكامه العادلة. الفقه الاسلامي يستوعب جميع شؤون الحياة: ولا مشاحة في أن الفقه الاسلامي استوعب جميع شؤون الحياة سواء أكانت على صعيد العبادات أو المعاملات أو الأحوال الشخصية أو غيرها مما يحتاجه إنسان هذا العصر في تطوره الفكري والصناعي والتجاري أو تطوره الاجتماعي ولهذا نجد أبواب الفقه قد قسمت إلى: (العبادات)، (المعاملات) (الحدود)، (نظم الإدارة والسلطة).


[ 7 ]

طبع الموسوعة الفقهية القيمة، (الكافي): وبالتالي فإن هذا السفر القيم النفيس والكتاب الرائع البديع هو سفر عسجدي لدورة فقهية استدلالية كانت ولحد الآن في زوايا الخمول والنسيان ككتلة ضخمة أخرى من تلكم الروائع من تراثنا المقدس المودعات في زوايا مخازن الكتب وروازن الخزائن والمكتبات وجلها في معرض الخطر تأكلها العثة وتبيدها أخطار الملوانة حتى قيض الله سبحانه نفرا من أولئك العباقرة الأفذاذ الحريصين على إحياء ونشر مآثر الأئمة المعصومين أهل البيت عليهم السلام. وقد تم طبع ونشر وتحقيق هذا الكتاب القيم (الكافي) للشيخ الأجل الأكمل أبي صلاح الحلبي (ره) بهذه الحلة البديعة والأسلوب الرائع. – فلتفتخر أمة الاسلام قاطبة * بين العوالم في صدق وإنصاف – – رئيس مذهب أهل الحق صادقنا * وناشر العلم في الدنيا بإسراف – – أبو الصلاح هو المقدام من حلب * مجدد وكفاه سفره (الكافي)) – شكر وثناء متواصل إن إدارة مدرسة الإمام المهدي (عج) والقائمين بشؤونها ورعايتها ليس بوسعها المتواضع في هذا المجال إلا أن تعرب عن خالص شكرها المتكاثر وتقديرها المتواصل لتلكم الصفوة المنتجبة، الأعلام الأفاضل، أصحاب السماحة والفضيلة الأساتذة الحجج، الذين قاموا بإخراج هذا التراث القيم والمجهود العظيم، ونشره بهذه الحلة القشيبة، وإن كانت تعد الخطوات الأولى منهم في سبيل الوصول إلى التحقيق النهائي واللائق بهذه الموسوعة العلمية الثمينة النادرة. كما وتقدم ثناءها العاطر، وشكرها الوافر لإدارة مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام باصبهان، التي قامت بنشر هذه الموسوعة الرائعة القيمة النفيسة، فلجميعهم الشكر والثناء المتواصل، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. مدرسة الإمام المهدي (عج)


[ 1 ]

بعض منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة.
1 – موسوعة الإمام المهدي عليه السلام للشيخ محمد مهدي الفقيه الايماني.
2 – معالم الحكومة في القرآن الكريم للشيخ جعفر السبحاني.
3 – معالم النبوة في القرآن الكريم للشيخ جعفر السبحاني.
4 – خلاصة عبقات الأنوار – حديث النور – للسيد علي الميلاني.
5 – أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب لشمس الدين الجزري الشافعي.
6 – نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار للحافظ محمد البدخشاني.


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم


[ 3 ]

تقديم ترجمة المؤلف:
1 – اسمه ونسبه.
2 – مولده ووفاته.
3 – الثناء عليه.
4 – شيوخه وأساتذته.
5 – تلاميذه والراوون عنه.
6 – أولاده وأحفاده.
7 – آثاره.
8 – الكافي ونسخه.
9 – عملنا في التصحيح.
10 – مصادر الترجمة.


[ 4 ]

اسمه ونسبه. تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي، وكنيته أبو الصلاح. ومن قال: (تقي بن نجم بن عبد الله) فلعله قد نسبه إلى جده. مولده ووفاته. قال الذهبي في تاريخه والعسقلاني في لسان الميزان: ولد سنة 374، و صرح الأول بأن مولده حلب. وقالا: توفي بها سنة 447. وحكى الذهبي عن


[ 5 ]

ابن أبي طي (ره) أن وفاته كان في محرم تلك السنة بعد عوده من الحج في الرملة. (1) وفي رياض العلماء: مات بعد عوده من الحج بالرملة (2) في محرم سنة ست وأربعين وأربعمائة (3). وما في ريحانة الأدب للخياباني (4) من أن أبا الصلاح توفي وعمره مائة سنة فسهو منه نشأ من تصحيف 374 في (أعيان الشيعة) عند الطبع ب‍ 347 فراجع (5). الثناء عليه قال الشيخ الطوسي ره: تقي بن نجم الحلبي ثقة [ عدل ] له كتب قرأ علينا وعلى المرتضى [ يكنى أبا الصلاح ] (6). وقال ابن شهر آشوب المازندراني ره: أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي


(1) أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء 4 / 77 نقلا عن الذهبي – لسان الميزان 2 / 71.
(2) قال في مراصد الاطلاع: الرملة مدينة بفلسطين كانت قصبتها وكانت رباطا للمسلمين وبين بيت المقدس اثنا عشر (أو ثمانية عشر) ميلا وهي كورة منها.
(3) رياض العلماء 1 / 99 و 5 / 464.
(4) ريحانة الأدب 7 / 161.
(5) أعيان الشيعة 14 / 192.
(6) رجال الشيخ: 457 ط النجف، وزدنا كلمة (عين) تبعا لما في جامع الرواة 1 / 132 واتقان المقال: 31، والجملة الأخيرة تبعا لما في مجمع الرجال 1 / 287 و نقد الرجال: 26 والفوائد الرجالية لبحر العلوم 2 / 131، فإنهم نقلوا من رجال الشيخ هكذا.

[ 6 ]

من تلامذة المرتضى قدس الله روحه، له كتاب البداية في الفقه، الكافي في الفقه، وكتاب شرح الذخيرة للمرتضى رضي الله عنه (1). وقال الشيخ منتجب الدين ره: الشيخ التقي بن نجم الحلبي فقه عين ثقة قرأ على الأجل علم الهدى نضر الله وجهه وعلى الشيخ الموفق أبي جعفر، وله تصانيف، منها الكافي، أخبرنا غير واحد من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي عنه (2). وقال ابن إدريس ره في مسألة من مسائل المزارعة: وما اخترناه مذهب السيد المرتضى ره وخيرته في الناصريات في المسألة المأتين ومذهب أبي الصلاح الحلبي في كتابه كتاب الكافي وهو كتاب حسن فيه تحقيق مواضع و كان هذا المصنف من جمله أصحابنا الحلبيين من تلامذة المرتضى ره (3). وقال أيضا في بعض رسائله: ذكر الفقيه أبو الصلاح الحلبي تلميذ السيد المرتضى – وفي هذا الرجل المحاسن، صاحب تصانيف جيدة حسنة الألفاظ – في كتاب له يعرف بالكافي…
(4). وقال أيضا في السرائر ص 32: وذهب بعض أصحابنا في كتاب له وهو الفقيه أبو الصلاح الحلبي تلميذ السيد المرتضى ره… وعنه أيضا: الفقيه أبو الصلاح الحلبي تلميذ المرتضى له كتاب يعرف بالكافي (5).


(1) معالم العلماء ط ايران: 29 و ط النجف: 30.
(2) فهرست منتجب الدين، بأب التاء. قال في أعيان الشيعة 14 / 193 بعد نقل هذه العبارة من الفهرست: ومثله في مجموعة الجباعي إلى قوله الكافي.
(3) السرائر: 266.
(4) تكملة نقد الرجال: 1 / 234.
(5) أعيان الشيعة 14 / 193.

[ 7 ]

وقال المحقق الحلي ره في كتاب الصلاة من المعتبر: مسألة: قيل: تكره (الصلاة) إلى باب مفتوح أو إنسان مواجه. ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي ره وهو أحد الأعيان ولا بأس باتباع فتواه (1). وفي روض الجنان: و (يكره التوجه في حال الصلاة) إلى باب مفتوح. قاله أبو الصلاح وتبعه الأصحاب. قال في المعتبر: لا بأس باتباع فتواه لأنه أحد الأعيان (2). وقال العلامة الحلي ره: تقي بن نجم الحلبي أبو الصلاح رحمه الله ثقة عين، له تصانيف حسنة ذكرناها في الكتاب الكبير، وقرأ على الشيخ رحمه الله وعلى المرتضى قدس الله روحه (3). وقال ابن داود ره: تقي بن نجم الدين الحلبي أبو الصلاح عظيم القدر من علماء مشايخ الشيعة… قال الشيخ: ” قرأ علينا وعلى المرتضى ” وحاله شهير (4) وقال ابن حجر في لسان الميزان: تقي بن عمر (5) بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي أبو الصلاح مشهور بكنيته من علماء الإمامية، ولد لسنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وطلب وتمهر وصنف وأخذ عن أبي جعفر الطوسي وغيره ورحل إلى العراق فحمل عن الشريف المرتضى، ومات بحلب سنة سبع و


(1) المعتبر: 158.
(2) روض الجنان: 230.
(3) خلاصة الأقوال: 28 ط النجف.
(4) رجال ابن داود: 75 ط المحدث.
(5) قال في أعيان الشيعة بعد نقل هذه العبارة: والظاهر أن ” عمر ” تصحيف ” نجم ” منه أو من الناسخين أقول: أو من المطبعة.

[ 8 ]

أربعين وأربعمائة (1). وعن الذهبي في تاريخه: التقي بن نجم بن عبد الله أبو الصلاح الحلبي شيخ الشيعة وعالم الرافضة بالشام. قال يحيى بن أبي طي الحلبي (2) في تاريخه: هو عين علماء الشام والمشار إليه بالعلم والبيان والجمع بين علوم الأديان وعلوم الأبدان، ولد في سنة أربع وسبعين بحلب ودخل إلى العراق ثلاث مرات فقرأ على الشريف المرتضى. وقال ابن أبي دوح (3): توفي بعد عوده من الحج في الرملة في المحرم، وكان أبو الصلاح علامة في فقه أهل البيت عليهم السلام. وقال غيره: له مصنفات في الأصول والفروع منها كتاب الكافي، وكتاب التهذيب، وكتاب المرشد في طريق التعبد، وكتاب العمدة في الفقه، وكتاب تدبير الصحة صنفه لصاحب حلب نصر بن صالح، وكتاب شبه الملاحدة، و كتبه مشهورة بين أئمة القوم، وذكر عنه صلاح وزهد وتقشف زائد وقناعة مع الحرمة العظيمة والجلالة، وأنه كان يرغب في حضور الجماعة، وكان لا يصلي في المسجد غير الفريضة ويتنفل في بيته، ولا يقبل ممن يقرأ عليه هدية، وكان من أذكياء الناس وأفقههم وأكثرهم تفننا. وطول ابن أبي طي ترجمته (4).


(1) لسان الميزان 2 / 71.
(2) له تأليفات، منها تاريخ حلب، توفي سنة 630.
(3) كذا.
(4) أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء – وهو في سبعة أجزاء ط حلب – 4 / 77 نقلا عن الذهبي كما صرح به في آخر كلامه بهذه العبارة: (الذهبي من وفيات سنة سبع وأربعين وأربعمائة) وكانت عند مؤلف الأعلام نسخة من تاريخ الذهبي ونسخة من خلاصته المسماة بالمنتقى من تاريخ الاسلام للذهبي للشيخ أحمد بن محمد الملا المتوفى 1003.

[ 9 ]

وقال الشهيد الثاني ره في إجازته للشيخ حسين ره والد الشيخ البهائي ره: وعن القاضي عبد العزيز أيضا جميع مصنفات الشيخ الفقيه السعيد خليفة المرتضى في البلاد الحلبية أبي الصلاح تقي الدين (التقي) بن نجم الحلبي (1). وقال الطريحي عند ذكر سلار بن عبد العزيز الديلمي: وأبو لصلاح الحلبي قرأ عليه وكان إذا استفتي من حلب يقول: عندكم التقي (2). وقال العلامة المجلسي ره في الوجيزة: تقي بن نجم الحلبي ثقة وهو أبو الصلاح المعروف (3). وقال في مقدمة البحار: وكتاب تقريب المعارف في الكلام وكتاب الكافي في الفقه وغيرهما للشيخ الأجل أبي الصلاح تقي الدين بن نجم الحلبي (4). وقال أيضا: وكتاب تقريب المعارف جيد في الكلام وفيه أخبار طريفة أوردنا بعضها في كتاب الفتن، وشأن مؤلفه أعظم من أن يفتقر إلى البيان (5). وقال الشيخ الحر العاملي ره: الشيخ تقي الدين بن نجم الحلبي أبو الصلاح يروي عنه ابن البراج، معاصر للشيخ الطوسي، كان ثقة عالما فاضلا فقيها محدثا له كتب، رأيت منها كتاب تقريب المعارف حسن جيد.
(6). وفي رياض العلماء: أبو الصلاح الحلبي هو الشيخ تقي الدين بن نجم بن عبد الله الحلبي تلميذ الشريف المرتضى والشيخ الطوسي، وأستاذ القاضي ابن


(1) البحار 25 / 88 الطبع الحجري وكشكول البحراني 2 / 212.
(2) مجمع البحرين س ل ر.
(3) الوجيزة: 22.
(4) البحار 1 / 20 (5) البحار 1 / 38.
(6) أمل الأمل 1 / 46.

[ 10 ]

البراج. ومع أبه تلميذ الشيخ قد ذكره الشيخ في رجاله وقال: إنه قرأ علينا و على المرتضى ووثقه، وهذا يدل على عظم قدره. (1) وفي بعض الإجازات أنه خليفة المرتضى ره في علومه. وقال بعض الأفاضل: إن له تصانيف كثيرة مشهورة مات بعد عوده من الحج بالرملة في محرم سنة ست وأربعين وأربعمائة (إنتهى). ونسب إليه السيد ابن طاوس في كتاب فتح الأبواب في الاستخارات كتاب مختصر الفرائض (2). وقال البحراني ره: أبو الصلاح الحلبي فهو تقي بن نجم الحلبي كان معاصرا للشيخ رحمه الله، ذكره العلامة رحمه الله في الخلاصة فقال… و ذكر بعض مشايخنا المعاصرين: أن هذا الشيخ كان خليفة المرتضى في الديار الحلبية، وكذا ذكر ذلك شيخنا الشهيد الثاني في الإجازة المقدم ذكرها مرارا (3). وقال التستري ره في المقابيس: ومنها الحلبي لعمدة الفقهاء والمتكلمين ونخبة الفضلاء المعتمدين الشيخ أبي الصلاح تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين قدس الله سره وأنار في سماء الرضوان بدره وهو من أساطين تلامذة المرتضى والشيخ والديلمي وكان خليفة المرتضى في البلاد الحلبية وكان الديلمي إذا استفتي يقول: عندكم التقي، وكان من مشايخ القاضي وعبد الرحمن الرازي والشيخ المقرئ الصالح الفقيه التواب بن الحسن بن أبي ربيعة الخشاب


(1) قال السيد محمد صادق بحر العلوم: ومن الغريب عدم ذكر الشيخ له في فهرسته مع أنه من المصنفين. الفوائد الرجالية لبحر العلوم ذيل الصفحة 131 / 2. أقول: من الغريب ذكره في رجاله كما قال في الرياض لا عدم ذكره في الفهرست.
(2) رياض العلماء 1 / 99 و 5 / 464.
(3) لؤلؤة البحرين: 332 ط النجف.

[ 11 ]

البصري والشيخ الفقيه الصالح ثابت بن أحمد بن عبد الوهاب الحلبي وغيرهم. وله كتب أشار إليها شيخه الشيخ في الرجال وذكرها غيره، منها الكافي في أصول الدين وفروعه وهو مأخذ مذاهبه، ومنها البداية في الفقه أيضا، وشرح ذخيرة المرتضى، وتقريب المعارف، والعمدة، والشافية، والكافية. ويعبر عنه باسمه وكنيته (1). وقال الخوانساري ره: تقي الدين بن نجم بن عبد الله الحلبي الثقة العين الفاضل الإمامي كان من مشاهير فقهاء حلب ومنعوتا بخليفة المرتضى في علومه لكونه منصوبا في البلاد الحلبية من قبل أستاذه السيد المرتضى ره.. أو لنيابته عنه في التدريس حيث إن كليهما منصوص عليه كما بالبال وناهيك منزلة ومقاما… ومن جملة ما ينبغي التنبيه عليه أيضا أن من خصائص ألقاب صاحب العنوان هو التقي المطلق، وذلك لما عرفت من أن اسمه لقبه، فمهما وجد ذلك في كلمات الفقهاء مطلقا ليس يراد منه إلا إياه…
(2) وقال المحدث النوري ره: تقي الدين بن نجم بن عبيد الله الحلبي الفقيه النبيه المعروف خليفة شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في البلاد الشامية صاحب كتاب الكافي في الفقه المنقول فتاواه في الكتب المبسوطة، وشرح الذخيرة، وكتاب تقريب المعارف الذي قد أكثر المجلسي في فتن البحار النقل عنه، وغيرها، وهو المراد بالحلبي إذا أطلق في كلمات الفقهاء وهو رحمه الله يروي عن السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الطوسي (3). وقال محدث القمي ره: تقي الدين بن النجم الحلبي أبو الصلاح ثقة


(1) المقابيس: 8.
(2) روضات الجنات: 128 – 130.
(3) مستدرك الوسائل 3 / 480.

[ 12 ]

جليل عظيم الشأن الشيخ الأقدم العالم الفاضل الفقيه المحدث من أعاظم علماء الشيعة وشيوخهم معاصر للشيخ الطوسي، له الكافي في الفقه، والبداية، و تقريب المعارف، وشرح الذخيرة للسيد المرتضى، والبرهان على ثبوت الإيمان الذي نقله الديلمي بتمامه في كتابه أعلام الدين. قرأ على الشيخ والسيد المرتضى، وروي عنه ابن البراج. ومن أحفاده الفاضل الفقيه الجليل أبو الحسن علي بن منصور بن أبي الصلاح (1)… وقال في أعيان الشيعة: أبو الصلاح تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي ولد بحلب 374 وتوفي بها سنة 447… (2) وقال الشيخ الحاج آغا بزرك الطهراني ره: تقي الدين بن نجم الحلبي: التقي أبو الصلاح فقيه عين ثقة من تلاميذ الشريف المرتضى والشيخ الطوسي، له الكافي يرويه عنه المفيد عبد الرحمن النيسابوري الرازي كما ذكره منتجب الدين بن بابويه، وله أيضا البداية في الفقه، وتقريب المعارف كما في ثامن بحار الأنوار، وشرح الذخيرة لاستاذه المرتضى، ذكر الأول والآخر في معالم العلماء، وما ذكر تتلمذه على الطوسي، ولكن صرح الطوسي في باب من لم يرو من رجاله أنه قرأ عليه وله كتب وكنيته أبو الصلاح… (3) وفي معجم الثقات: تقي بن نجم الحلبي أبو الصلاح ثقة عين قاله الشيخ في الرجال والعلامة في الخلاصة، الطبقة الثانية عشر (4).


(1) الفوائد الرضوية 1 / 57.
(2) أعيان الشيعة 14 / 192 – 195.
(3) أعلام الشيعة القرن الخامس: 39.
(4) معجم الثقات: 24.

[ 13 ]

وراجع أيضا منهج المقال للاسترآبادي: 73، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي: 69 ومجمع الرجال للقهبائي 1 / 287 ونقد الرجال للتفرشي: 26 و جامع الرواة للأردبيلي 1 / 132 والفوائد الرجالية لبحر العلوم 2 / 131 واتقان المقال للشيخ طه: 31 وبهجة الآمال للعلياري 2 / 449 وتنقيح المقال للمامقاني 1 / 185 ومعجم رجال الحديث للخوئي 3 / 371 وقصص العلماء للتنكابني: 326 والروضة البهية للسيد شفيع: 212 وريحانة الأدب للخياباني 7 / 161 وقاموس الرجال للتستري 2 / 254 والكنى والألقاب 1 / 97 وهدية الأحباب: 23 و تحفة الأحباب: 35 وسفينة البحار 1 / 258 و 259 وهذه الأربعة للمحدث القمي وترجمة الروضات 2 / 308 – 316 وراهنماي دانشوران للبرقعي 1 / 226 و منية الرجال للمرعشي 1 / 58 وتراجم الرجال للبرقعي 1 / 144 و 315 وشعب المقال للنراقي: 44 ويادنامه شيخ طوسي 3 / 184 وتكملة أمل الأمل للسيد حسن الصدر ص 31، فكل من هؤلاء قد ذكره وأثنى عليه، ولنختم الكلام بقول صاحب نخبة المقال في علم الرجال وختامه مسك: – تقي النقي بو الصلاح عين فقه صاحب القداح (1) – شيوخه وأساتذته 1 – الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله عليه (355 – 436). قال الذهبي: دخل أبو الصلاح إلى العراق ثلاث مرات فقرأ على الشريف المرتضى.


(1) نخبة الرجال: 22 وقال ناظم في شرحه: صاحب القداح أي ذو سهام كثيرة من الفضل والعلم، ومنه القدح المعلى بالكسر فالسكون وهي سهام كانت تقتسم بالجاهلية.

[ 14 ]

وقال ابن شهر آشوب: أبو الصلاح. من تلامذة المرتضى قدس الله روحه. وكان خليفة المرتضى في البلاد الحلبية. قاله شيخنا الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين والد الشيخ البهائي. 2 – شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 – 460). قال في رجاله: تقي بن الحلبي ثقة عدل له كتب قرأ علينا وعلى المرتضى وقال في منتجب الدين: قرأ الحلبي على الأجل المرتضى علم الهدى نضر الله وجهه وعلى الشيخ الموفق أبي جعفر. وقال شيخنا النوري ره: الحلبي الفقيه النبيه المعروف خليفة شيخ الطائفة أبي جعفر في البلاد الشامية… وهو رحمه الله يروي عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي. 3 – سلار (سالار خ) بن عبد العزيز أبو يعلى الديلمي صاحب كتاب ” المراسم العلوية والأحكام النبوية ” المتوفي 463. قال الطريحي: أبو الصلاح التقي الحلبي قرأ على سلار وكان إذا استفتي من حلب يقول عندكم التقي. 4 – أبو الحسن محمد بن محمد. قال في تقريب المعارف في معجزات أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام: و من ذلك توضؤ أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في مسجد ببغداد يعرف موضعه بدار المسيب في أصل نبقة يابسة فلم يخرج في المسجد حتى اخضرت وأينعت. حدثني الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد قال حدثنا الشيخ أبو عبد الله محمد ابن محمد المفيد رضي الله عنه أنه أكل من نبقها وهو لا عجم له (1).


(1) تقريب المعارف: 49. وذكر المفيد هذا المعجز في الارشاد: 304 وابن شهر آشوب في المناقب 4 / 396 وابن الصباغ في الفصول المهمة: 287.

[ 15 ]

أقول: أظن أن أبا الحسن محمد بن محمد، هو (البصروي) وكان فقيها فاضلا شاعرا فصيحا قرأ على المرتضى وغيره، ويروي عنه جبرئيل بن إسماعيل القمي والد شاذان بن جبرئيل، وله كتاب المعتمد وكتاب المفيد في التكليف وديوان شعر. توفي ببغداد 443. قال في الرياض: فقيه فاضل نقلوا له أقوالا في كتب الاستدلال كما في المدارك في مسألة ماء البئر وغيرها وذكر أنه من قدمائنا كما في فقه المعالم (1). تلاميذه والراوون عنه 1 – أبو القاسم سعد الدين عز المؤمنين الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج المتوفى 481. كان قاضيا بطرابلس وله مصنفات في الأصول والفروع، والموجود منها: الجواهر، وشرح جمل العلم والعمل، والمهذب، كلها في الفقه يروي عن السيد المرتضى والشيخ الكراجكي والشيخ الطوسي وأبي الصلاح الحلبي وغيرهم (2). 2 – الشيخ عز الدين عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي القاضي (3). كان فاضلا


(1) رياض العلماء 5 / 158 و 439 – الوافي بالوفيات 1 / 120 و 3 / 262 – أعلام الشيعة 5 / 183 – أعيان الشيعة 45 / 317.
(2) راجع أمل الأمل 2 / 252 – روضات الجنات: 352 – أعلام الشيعة 5 / 107 – مقدمة شرح جمل العلم والعمل طبع مشهد: 16.
(3) راجع أمل 2 / 120 / 149 / 162 / 163 وإجازات البحار 21 – 22 الطبع الحجري وروضات الجنات 352 وأعيان الشيعة 32 / 155 وأعلام الشيعة 5 / 106.

[ 16 ]

عالما محققا فقيها عابدا، له كتب، من تلاميذ الشيخ الكراجكي، و يروي أيضا عن السيد المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج وأبي الصلاح رحمهم الله (3). 3 – الداعي بن زيد بن علي بن الحسين الافطسي الحسيني الآوي. يروي عن الشريف المرتضى والشيخ الطوسي وسلار وابن البراج والتقي الحلبي جميع كتبهم وتصانيفهم وجميع ما رووه وأجيز لهم روايته (1). 4 – الشيخ أبو محمد ريحان بن عبد الله الحبشي. قال في أمل الأمل: كان عالما فقيها محدثا يروي عن عبد العزيز بن أبي كامل والكراجكي وأبي الصلاح (2) قال السيوطي في أزهار العروش في أخبار الحبوش: ومنهم ريحان الحبشي أبو محمد الزاهد الشيعي كان بالديار المصرية من فقهاء الإمامية الكبار يكرر على النهاية والذخيرة، وقال: ما حفظت شيئا فنسيته. يصوم جميع الأيام المسنونة، وكان ابن رزيك (3) يعظمه ويقول: يقولون: ما ساد من بني حام إلا لقمان وبلال، وأنا أقول: ريحان ثالثهم. مات في حدود 560 [؟ ] (4). وفي لسان الميزان: ريحان الحبشي أبو محمد الشيع الإمامي المصري. قال ابن أبي طي: قال لي أبي: كان الفقيه ريحان من أحفظ الناس. وقيل:


(1) أمل الأمل 2 / 298 / 303 – مستدرك الوسائل 3 / 444 – أعلام الشيعة 5 / 75.
(2) أمل الأمل 2 / 120.
(3) قال في أعلام الشيعة: مراده من ابن رزيك هو الملك الصالح طلايع بن رزيك وزير الفاطميين المقتول 556. أعلام الشيعة 6 / 108.
(4) مستدرك الوسائل 3 / 480 – أعيان الشيعة 32 / 155 – أعلام الشيعة 6 / 108.

[ 17 ]

كان يصوم كثيرا ولا يأكل إلا من طعام يعلم أصله وكان ابن رزيك يعظمه ويحترمه كان بعد 550 – [؟ ] إنتهى (1) 5 – الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين المفيد النيسابوري الخزاعي نزيل الري شيخ الأصحاب في الري حافظ واعظ جليل القدر سافر في البلاد شرقا وغربا، أخذ الحديث عن المؤالف والمخالف، له مصنفات، منها سفينة النجاة في مناقب أهل البيت… (2) توفي 445. قال في لسان الميزان: قال ابن السمعاني: طالعت عدة من أماليه بالري فرأيت فيها مجلسا أملاه في إسلام أبي طالب وكان شيعيا إلا أنه كان مكثرا من الحديث وله به الشعف. وقال يحيى بن أبي طي: كان من أعلم الناس بالحديث وأبصرهم به وبرجاله ويقال: كان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة. و كان إذا قيل له هذا الحديث في الصحيحين قال: وروي في المكسورين، والله لو أنصف الناس فما سلم لهما إلا القليل. قال: وما سئل عن حديث إلا وعرف صحته من سقمه. وكان يقول: أحفظ مائة ألف حديث. وكان يقول: لو كان لي سلطان يشد على يدي لا سقطت خمسين ألف حديث يعمل بها ليس لها أصل ولا صحة… (3) قال الشيخ منتجب الدين: أخبرنا غير واحد من الثقات عنه عن الحلبي كتابه الكافي (4).
6 – الشيخ التواب (التراب خ) بن الحسن بن أبي ربيعة الخشاب البصري.


(1) لسان الميزان 2 / 469.
(2) أعيان الشيعة 47 / 169.
(3) لسان الميزان 3 / 404 – 405.
(4) راجع فهرست المنتجب باب التاء وباب العين.

[ 18 ]

قال منتجب الدين: فقيه مقرئ صالح قرأ على الشيخ التقي الحلبي وعلى الشيخ أبي على رحمهم الله (1). 7 – الشهيد المصلوب في سبيل الله الشاهد، أبو الحسن ثابت بن أسلم بن عبد الوهاب الحلبي. قال الذهبي في تاريخ الاسلام: أحد علماء الشيعة وكان من كبار النحاة صنف كتابا في تعليل قراءة عاصم وأنها قراءة قريش. وكان من كبار تلامذة أبي الصلاح، تصدر للإفادة بعده وتولى خزانة الكتب بحلب فقال من بحلب من الاسماعيلية: إن هذا يفسد الدعوة وكان قد صنف كتابا في كشف عوارهم وابتداء دعوتهم فحمل إلى صاحب مصر فأمر بصلبه فصلب وأحرقت خزانة الكتب التي بحلب وكان فيها عشرة آلاف مجلدة من وقف سيف الدولة بن حمدان. إنتهى. وكان صلبه في حدود 460 (2). أولاده وأحفاده لم نعرف من ولده وأحفاده وبيته إلا الشيخ أبا الحسن علي بن منصور بن تقي الحلبي الذي قال الشهيد الأول ره في (غاية المراد في شرح نكت الارشاد) إنه عمل فيها (المضايقة) مسألة طويلة تتضمن الرد على الشيخ أبي على


(1) فهرست منتجب الدين باب التاء.
(2) أعلام النبلاء 4 / 198 نقلا عن الذهبي. وراجع الوافي بالوفيات 10 / 470 وبغية الوعاة: 209 وسير النبلاء 11 / 178 ولسان الميزان 2 / 75 وفهرست منتجب الدين حرف الثاء – وفيه ثابت بن أحمد – وأعلام الشيعة 5 / 41 وأعيان الشيعة 15 / 12.

[ 19 ]

الحسن بن طاهر الصوري في التوسعة (1). آثاره 1 – البداية في الفقه، ذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء وغيره في غيره (2). 2 – البرهان على ثبوت الإيمان في الكلام، مختصر في سبع ورقات. نقله الديلمي بتمامه في كتابه (أعلام الدين)، وتوجد نسخة عتيقة من الأعلام في المكتبة الرضوية ع (3)، ولم يذكر في الذريعة. 3 – تدبير الصحة في الطب. ذكره الذهبي في تاريخه وقال: صنفه لصاحب حلب نصر بن صالح (4) ولم يذكر في الذريعة في حرف التاء. قال في أعلام النبلاء: نصر بن صالح حلب ولي الحكومة 426 وقتل في 429 (5). 4 – تقريب المعارف في الكلام ذكره الحلبي في الكافي (6) وكان عند العلامة المجلسي ونقل عنه في بحار الأنوار (7) ورآه الشيخ الحر واستحسنه (8)


(1) غاية المراد: 24 من نسختنا المخطوطة – رياض العلماء 4 / 268 – أعلام الشيعة 6 / 207.
(2) معالم العلماء: وراجع الذريعة 3 / 57 (3) الفوائد الرضوية 1 / 57 – فهرست المكتبة الرضوية 5 / 26.
(4) أعلام النبلاء 4 / 77 نقلا عن تاريخ الاسلام للذهبي أو مختصره للشيخ أحمد ابن الملا (5) أعلام النبلاء 1 / 426 (6) راجع الكافي: 466 و 479 و 482 و 510 و 458 (7) البحار 8 / 315 الطبع الحجري و 72 / 137 الطبع الحديث (8) أمل الأمل 1 / 46.

[ 20 ]

وكان الجزء الأول منه عند الشيخ أسد الله التستري ونقل عنه في (كشف القناع في حجية الإجماع) (1) وقال الطهراني ره في الذريعة: ينقل عنه المير محمد أشرف في فضائل السادات (2) وقال السيد الأمين في الأعيان: منه نسخة بمكتبة الحسينية بالنجف (3). أقول: توجد نسخة ناقصة منه (وهو الجزء الأول منه ظاهرا) في مكتبة آية الله المرعشي قم (4). وقال المجلسي ره في مقدمة البحار: وكتاب تقريب المعارف جيد في الكلام وفيه أخبار طريفة… (5) 5 – التلخيص في الفروع، ذكره الحلبي نفسه في تقريب المعارف والبرهان (6) ولم يذكر في الذريعة في حرف التاء. 6 – التهذيب ذكره الذهبي في تاريخه (8) والأمين في أعيان الشيعة (8) ولم يذكر في الذريعة في حرف التاء. 7 – الشافية أو المسألة الشافية ذكره الحلبي نفسه في الكافي (9) والتستري


(1) كشف القناع: 129.
(2) الذريعة 4 / 366.
(3) أعيان الشيعة 14 / 195.
(4) فهرست مكتبة آية الله المرعشي (5) البحار 1 / 38. (6) تقريب المعارف مخطوط ص 23 و 193 و 192 – البرهان مخطوط ص 10 (7) أعلام النبلاء 4 / 77.
(8) أعيان الشيعة 14 / 194.
(9) الكافي: 510.

[ 21 ]

في المقابيس (1) والأمين في الأعيان والخياباني في ريحانة الأدب (2) ولم يذكر في الذريعة في حرف الشين والميم. 8 – شبه الملاحدة، ذكره الذهبي في تاريخه (3) وذكره في أعيان الشيعة بهذا العنوان: دفع شبه الملاحدة، وكذا أيضا في الريحانة. ولم يذكر في الذريعة في حرف الشين والدال. 9 – شرح الذخيرة للسيد المرتضى في الكلام ذكره ابن شهر آشوب المازندراني في معالم العلماء والتستري في المقابيس والطهراني في الذريعة (4) 10 – العمدة في الفروع، ذكره الحلبي نفسه في تقريب المعارف والبرهان (5) والكافي (6) والذهبي في تاريخه والتستري في المقابيس والأمين في أعيان الشيعة والخياباني في ريحانة الأدب، ولم يذكر في الذريعة في حرف العين. 11 – الكافي في الفقه وهو كتابنا هذا. 12 – الكافية أو المسألة الكافية، ذكره الحلبي نفسه في الكافي (7) و التستري في المقابيس والأمين في الأعيان ولم يذكر في حرف الكاف والميم من الذريعة. 13 – اللوامع في الفقه، ذكره الخياباني في ريحانة الأدب (8) ولم نقف


(1) المقابيس: 8.
(2) ريحانة الأدب 7 / 161.
(3) أعلام النبلاء 4 / 77.
(4) معالم العلماء: 29 والمقابيس: 8 والذريعة 13 / 277 و 10 / 12.
(5) تقريب المعارف مخطوط ص 23 / 193 – البرهان مخطوط ص 10 (6) الكافي: 510 (7) الكافي: 510 (8) ريحانة الأدب 7 / 161.

[ 22 ]

14 – مختصر الفرائض الشرعية، ذكره ابن طاووس في فتح الأبواب (1) ونقل عنه، ولم يذكره غيره. 15 – المرشد في طريق التعبد، ذكره الذهبي في تاريخه والأمين في أعيان الشيعة والخياباني في ريحانة الأدب، ولم يذكر في الذريعة في حرف الميم. 16 – المعراج في الأحاديث. قال في الذريعة: هو للشيخ أبي الصلاح تقي الدين الحلبي كما استظهره في الروضات (2). تكميل قال في الكافي: إن يفسح الله تعالى في العمر نجرد أعيان مسائل الخلاف ونذكر طريق العلم بصحة كل مسألة على أصول الإمامية وعلى وجه يتمكن معه الناظر من محاجة الخصوم من غير افتقار به إلى تصحيح الأصول التي تذهب إليها… (3) ولعلة وفق لتأليفه. وفي فهرست مؤلفات الكراجكي: كتاب غاية الانصاف في مسائل الخلاف يتضمن النقض على أبي الصلاح الحلبي رحمه الله في مسائل خالف بينه وبين المرتضى نصر فيها رأي المرتضى… (4) ويحتمل كون هذه المسائل في رسالة له. الكافي (5) قد ذكره السروي في معالم العلماء والرازي في الفهرست وغيرهما. وهو


(1) فتح الأبواب مخطوط: 99.
(2) الذريعة 21 / 224.
(3) الكافي: 511.
(4) المستدرك 3 / 498 (5) ذكره الحلبي نفسه في البرهان بهذا العنوان: الكافي في التكليف.

[ 23 ]

– كما قال التستري في المقابيس – كان مأخذ مذاهبه في الفقه، وفقهاؤنا كابن إدريس في السرائر والعلامة في المختلف نقلوا فتاوى الحلبي من هذا الكتاب، وكان من مصادر البحار كما صرح المحدث المجلسي في مقدمته، وكان عند التستري ونقل عنه في كشف القناع (1) قال ابن إدريس: كتاب الكافي وهو كتاب حسن فيه تحقيق مواضع.
(2) وفي ملحقات البحار ج 110 ص 176: وكتاب الكافي في علم الفقه للشيخ أبي الصلاح وهو عند مولانا محمد طاهر القمي كما سمعته من بهاء أيده الله ناقلا عن تلميذ له. قال البحراني: وكان هذا الكتاب (الكافي) عندي فذهب في بعض الوقائع التي ذهبت فيها جملة من كتبي ونحن نرويه بالطريق المتقدم وبالطريق إلى الشيخ منتجب الدين المذكور بطرقه المذكورة إليه (3). قال الشيخ أسد الله التستري ” قال الشيخ… أبو الصلاح الحلبي في الكافي وقال في الجزء الأول من تقريب المعارف… ولم أقف على سائر كتبه التي أحال التفصيل عليها ولا على الجزء الثاني من التقريب، والجزء الأول عندي كان سقيما جدا وصححنا ما نقلنا عنه هنا بحسب الامكان، وقد وقفنا على ثلاث نسخ من كتابه الكافي، ولا تخلو أيضا من سقم وبياض في المواضع ولم أنقل عنه إلا ما وسعني نقله أو معناه (4). وقال في الروضات: وقد رأيت كتابه الكافي في الفقه على ترتيب أبوابه وهو كتاب حسن معروف بين أصحابنا معول عليه عندهم يقرب من عشرين ألف بيت


(1) كشف القناع: 129 (2) السرائر: 266 (3) لؤلؤة البحرين: 333 (4) كشف القناع: 129 – 133.

[ 24 ]

ولكن على أطراف ما رأيت من نسخه سقطات كثير تركت مواضعها مبيضة لانتهائها إلى نسخة واحدة انمحت منها تلك المواضع بسانحة الأيام: (1). وقال صاحب الذريعة: الكافي في الفقه للشيخ الفقيه أبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين بن عبد الله الحلبي تلميذ الشريف المرتضى وخليفته في البلاد الحلبية، ذكره الشيخ منتجب الدين وفي المعالم أيضا، موجود في مخزن كتب المولى محمد على الخوانساري بالنجف ومخزن السيد الحاج آغا سبط السيد حجة الاسلام الاصفهاني وخزانة المولى محمد حسين القمشهي بالنجف الموقوفة في 1288 وفي الرضوية وعند الشيخ مشكور وغيرها… (2). وفي قاموس الرجال: أقول: ويتبعه في كافيه غالبا أبو المجد الحلبي في كتابه إشارة السبق وابن زهرة الحلبي في كتابه الغنيمة إلا أن كتاب كافي هذا مشتمل على الأصولين (3) والفقه واقتصرا في كتابيهما على الفقه وأصوله (4) وكتابه التقريب الذي ينقل عنه البحار في غاية الجودة… (5) أقول: وفي بعض المواضع تتحد عبارة صفحة أو أقل منها أو أكثر من السرائر مع عبائر الكافي فراجع (6).


(1) روضات الجنات: 129.
(2) الذريعة 17 / 247.
(3) الموجود من نسخه عندنا ليس مشتملا على أصول الفقه، (4) أقول: الغنية مشتمل على الأصولين والفقه وإشارة السبق مشتمل على أصول الدين وفروعه فراجع (5) قاموس الرجال 2 / 254 (6) السرائر 467 و 415 وباب الزيارة وكتاب الهبة وغيرها.

[ 25 ]

نسخ الكافي قال في الذريعة: يوجد الكافي في: 1 – مخزن كتب المولى محمد علي الخوانساري. 2 – ومخزن السيد الحاج آغا سبط السيد حجة الاسلام الاصفهاني. 3 – وخزانة المولى محمد حسين القمشهي بالنجف. 4 – وعند الشيخ مشكور (1) أقول ويوجد أيضا في: 5 – مكتبة الحكيم بالنجف تاريخ كتابتها 1224 (2). 6 – ومكتبة مدرسة البروجردي بالنجف تاريخ كتابتها 1237 (3). 7 – والمكتبة الملية بطهران على ما قال صديقنا المدرسي الطباطبائي. 8 – وبيت آية الله البروجردي ره على ما قال آية الله الخوانساري الصفائي وبعض الأفاضل. هذه هي النسخ التي لم نفز بزيارتها إلى الآن. وأما النسخ التي كان أصلها أو صورها الفتوغرافية لدينا حين التصحيح فهي: 9 – نسخة المكتبة الرضوية تاريخ كتابتها القرن 13 ظ 10 – نسخة أخري بها أيضا تاريخ كتابتها 1249. 11 – نسخة مكتبة المجلس بطهران تاريخ كتابتها: 1244. 12 – نسخة أخرى بها، تاريخ كتابتها: 1230


(1) الذريعة 17 / 247 (2) نشريه دفتر پنجم ص 422 (3) دليل المخطوطات ص 29

[ 26 ]

13 – نسخة ثالثة بها تاريخ كتابتها: 1199 وهذه أقدم نسخنا. 14 – نسخة مكتبة ملك بطهران تاريخ كتابتها: 1259.
15 – نسخة مكتبة كلية الإلهيات بطهران تاريخ كتابتها: 1203 16 – نسخة مكتبة آية الله العظمى الگلپايگاني بقم تاريخ كتابتها: 1222 17 – نسخة مكتبة آية العظمى المرعشي بقم كتبت في القرن 13 ظ 18 – نسخة مكتبة آية الله الصفائي الخوانساري بقم من نسخ القرن 13 ظ. 19 – نسخة مكتبة حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد علي الروضاتي باصبهان تاريخ كتابتها: 1239. عملنا في التصحيح غير خفى على القارئ الخبير أن تصحيح أي كتاب من الكتب العلمية سيما مؤلفات القدماء متوقف على وجود نسخة منه أو أكثر مصححة معتبرة، ومن دونها يتعسر هذا المشروع بل يتعذر إلا لأوحدي من أهل الأدب والفضل والتحقيق. ومع الأسف لم تكن في نسخنا هذه نسخة قديمة كاملة بل كلها ناقصة وسقيمة جدا فبذلنا جهدنا لتصحيح أغلاط النسخ بالدقة والتأمل في نفس العبارات والتصحيح القياسي ولا لمراجعة إلى الكتب التي نقلت نصوصا عن الكافي كالغنيمة لابن زهرة والسرائر لابن إدريس والمختلف للعلامة رحمهم الله ومع ذلك نعلم أن طبعتنا هذه لا تخلو طبعا من أغلاط وتصحيفات ونسأل الله الهادي أن يرزقنا نسخة مصححة منه حتى ننشرها ثانيا بصورة صالحة متقنة آمين رب – العالمين.


[ 27 ]

مصادر هذه الترجمة 1 – إتقان المقال في أحوال الرجال للشيخ محمد طه ره. 2 – الإجازات من بحار الأنوار. الطبع الحجري والطبع الحديث. 3 – الارشاد للشيخ المفيد. 4 – إشارة السبق لأبي المجد الحلبي. 5 – أمل الأمل للشيخ الحر العاملي طبع النجف. 6 – أعلام الدين للديلمي. مخطوط. 7 – أعلام الشيعة القرن الخامس للعلامة الطهراني. 8 – أعلام الشيعة القرن السادس للعلامة الطهراني. 9 – أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء في سبعة أجزاء لمحمد راغب الطباخ الحلبي المطبوع في حلب في 1342 – 1345 على نفقة مؤلفه. 10 – أعيان الشيعة للسيد الأمين. الطبعة الثانية. 11 – بحار الأنوار للعلامة المجلسي ره. 12 – البرهان على ثبوت الإيمان لأبي الصلاح الحلبي. مخطوط. 13 – بغية الوعاة للسيوطي. 14 – بهجة الآمال في شرح نخبة الرجال للعياري. 15 – تاريخ الاسلام للذهبي نقلا عن أعلام النبلاء. 16 – تحفة الأحباب للمحدث القمي. 17 – تراجم الرجال للسيد البرقعي المعاصر. 18 – ترجمة روضات الجنات للشيخ محمد باقر الساعدي. 19 – تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي. مخطوط.


[ 28 ]

20 – تكملة أمل الأمل للسيد حسن الصدر مخطوط مكتبة آية الله المرعشي بقم. 21 – تكملة الرجال للشيخ عبد النبي الكاظمي. 22 – تنقيح المقال للممقاني طبع الأفست. 23 – جامع الرواة للأردبيلي. الطبعة الأولى. 24 – خلاصة الأقوال للعلامة الحلي. طبع النجف. 25 – دانشنامة لجملة من الكتاب. طبع طهران. 26 – دليل المخطوطات للسيد أحمد الحسيني. 27 – الذريعة إلى تصانيف الشيعة للعلامة الطهراني. 28 – راهنماى دانشوران للسيد علي أكبر البرقعي. 29 – الرجال لابن داود طبع المحدث. 30 – رجال الشيخ الطوسي ره 31 – روضات الجنات للخوانساري. الطبعة الثانية. 32 – الروضة البهية للسيد شفيع الجابلاقي. 33 – الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية. 34 – روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان للشهيد الثاني. 35 – رياض العلماء للمولى عبد الله الأفندي. طبع قم 36 – الأدب للخياباني. الطبعة الثانية. 37 – السرائر لابن إدريس الحلي. الطبعة الأولى. 38 – سفينة البحار للمحدث القمي ره. 39 – شعب المقال للميرزا أبي القاسم النراقي. 40 – غاية المراد في شرح نكت الارشاد للشهيد الأول.


[ 29 ]

41 – الغنية لابن زهرة الحلبي ره. 42 – فتح الأبواب في الاستخارات للسيد ابن طاووس. مخطوط. 43 – الفصول المهمة لابن الصباغ. 44 – الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم 45 – الفوائد الرضوية للمحدث القمي. 46 – فهرست المكتبة الرضوية بمشهد. 47 – فهرست مكتبة الإلهيات بطهران. 48 – فهرست مكتبة المدرسة البروجردي بنجف – دليل المخطوطات. 49 – فهرست مكتبة آية الله المرعشي بقم. 50 – فهرست مكتبة ملك بطهران. 51 – فهرست مكتبة المجلس بطهران. 52 – فهرست مكتبة آية الله الگلپايگاني بقم. 53 – فهرست منتجب الدين. الطبع الحجري والحديث. 54 – قاموس الرجال للتستري. 55 – قصص العلماء للتنكابني. الطبع الحجري. 56 – القواعد للشهيد الأول. الطبعة الحديثة. 57 – كشف القناع عن حجية الإجماع للشيخ أسد الله التستري. 58 – الكشكول للشيخ يوسف البحراني. طبع النجف. 59 – الكنى والألقاب للمحدث القمي. طبع النجف. 60 – لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني. طبع النجف. 61 – لسان الميزان لابن حجر العسقلاني. 62 – مجمع البحرين للشيخ فخر الدين الطريحي.


[ 30 ]

63 – مجمع الرجال للقهپائي. 64 – المختلف للعلامة الحلي ره. 65 – مستدرك الوسائل للمحدث النوري. 66 – معالم العلماء لابن شهر آشوب المازندراني. 67 – المعتبر للمحقق الحلي. 68 – معجم الثقات للشيخ التجليل المعاصر. 69 – معجم رجال الحديث لآية الله الخوئي. 70 – المقابيس للشيخ أسد الله التستري. 71 – مناقب آل أبي طالب للمازنداني. 72 – منتهى المقال للشيخ أبي علي الحائري 73 – منهج المقال للسيد الاسترابادي. 74 – منية الرجال في شرح نخبة المقال للسيد المرعشي. 75 – نخبة الرجال للسيد حسين البروجردي. 76 – نشريه كتابخانه مركزي المجلد الخامس. 77 – نقد الرجال للتفرشي. الطبع الحجري. 78 – الوافي بالوفيات للصفدي. 79 – الوجيزة للمحدث المجلسي ره. 80 – هدية الأحباب للمحدث القمي ره. 81 – يادنامه شيخ طوسي طبع مشهد الرضا عليه السلام. قم المشرفة العبد رضا الأستادي ج 1 سنة 1403 ه‍ ق


[ 31 ]

الكافي في الفقه لتقي الدين أبي الصلاح الحلبي ره (374 – 447) تقديم وتحقيق الشيخ رضا الأستادي


[ 32 ]

بسم الله الرحمن الرحيم


[ 33 ]

التكليف العقلي


[ 34 ]

[ حقيقة التكليف ]… واشترطنا (1) فرض الطاعة في المريد كالقديم سبحانه تعالى ومن خلق، والنبي والأمة، والإمام والرعية، والسيد وعبده، والوالد وولده. والمنعم على غيره بجميع ما تقوم به حياته وتكمل به مسرته، لأنا نعلم أنه متى أراد أحد من ذكرناه ممن تلزمه طاعته شيئا سميت إرادته تكليفا، ولا يصح ذلك في من لا طاعة له كالاغنياء والفقراء، وإنما أوجبت هذه القضية لوجوب امتثال مراد من ذكرناه وسقوط فرض الامتثال في من عداه. واشترطنا المشقة، من حيث كانت إرادة ما فيه لذة كالأكل والشرب، أو ما لا لذة فيه ولا مشقة، لا تكون تكليفا بغير شبهة. واشترطنا الابتداء، لأنه لو أراد من تجب طاعته ما فيه مشقة قد تقدمت إرادة غيره له كالصدق والانصاف واجتناب الظلم والكذب وفعل الصلاة والزكاة واجتناب الزنا والربا لم يكن مكلفا ولا إرادته تكليفا من حيث كانت إرادة القديم سبحانه سابقة لإرادته.


(1) قال المؤلف كتابه ” تقريب المعارف “: فأما حقيقة التكليف فهي إرادة الأعلى من الأدنى ما فيه مشقة على جهة الابتداء والدليل على صحة ذلك أنه متى تكاملت هذه الشرط وصف المريد بأنه مكلف والإرادة بأنها تكليف والمراد منه بأنه مكلف، متى اختل شرط لم يثبت شئ من هذا الوصف

[ 35 ]

والدليل على صحة هذا الحد أنه متى تكاملت الشروط التي بيناها سمي المريد مكلفا وإرادته تكليفا والمراد منه منه مكلفا. وقد تجوز العلماء وأتباعهم فوصفوا المراد بأنه تكليف، فقالوا: التكليف العقلي كذا والتكليف السمعي كذا، يريدون بذلك ما تعلقت إرادة المكلف سبحانه [ به ] دونها وهذا مجاز وليس بحقيقة، لتعلق… (1) سبحانه دونها وكون هذه… في تكليف من لا يجوز منه إيثار القبيح كالقديم سبحانه ومن علمت عصمته من الخلق، ولذلك وجب على كل من أراد منه من يجوز منه القبيح، النظر في مراده، فإن كان حسنا لزمه الامتثال، وإن كان قبيحا قبح الامتثال وإن كان المريد منعما بما تجب له طاعته، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصيته سبحانه، لعظم أنعامه على الحي وانغمار كل نعمة لمنعم سواه في جنبه وكون ذلك فرعا له وغير منفصل. وما أراده القديم سبحانه من الخلق على ضربين: أحدهما طريق العلم به العقول [ ثانيهما ] طريق العلم به السمع. والعقلي على ضربين: أحدهما العلم به من فعله تعالى في العاقل ابتداء فهو لذلك مضطر إلى العلم به… [ ثانيهما ] طريق العلم به نظر المكلف في الأدلة المنصوبة عليه…
(2) طريق به أخبار من ثبت صدقه بالبرهان أو بخطابه المعلوم اضافته إليه سبحانه. وطريق العلم بكلامه سبحانه أحد أمرين لا ثالث لهما: أحدهما: أن يقترن الكلام المسموع بمعجز، كمخاطبة موسى من الشجرة واقتران ذلك بانقلاب العصا ثعبانا واليد بيضاء.


(1) هنا بياض في النسخ.
(2) هنا كلمة تقرأ هكذا: والتمني. *)

[ 36 ]

الثاني: أن يخبر من ثبت صدقه في كلام مخصوص أنه كلامه كأخبار… وأخبار عيسى… وخطاب حجة (1) من تأمل ذلك وجده صحيحا وما لا يوجب العلم لا يكون طريقا إلى خطاب التكليف المتعلق بالمصالح التي لا يعلمها إلا علام الغيوب….
(2) في بيان التكليف الضروري، هذا التكليف على ضربين واجب ومندوب. والواجب على ضربين: أفعال وتروك، والمندوب إليه كذلك. فالأفعال الواجبة والانصاف وشكر المنعم ورد الوديعة وقضاء الدين والتحرز من المضار. والتروك الواجبة الكذب والظلم والخطر والاستفساد والاغراء وتكليف ما لا يطاق وإرادة القبيح. وقلنا إن العلم بوجوب تلك الأفعال وقبح هذه التروك ضروري من فعله تعالى لحصوله ابتداء لكل عاقل على وجه لا يمكنه دفعه ولا إدخال شبهة عليه، ولو كان مكتسبا من فعل العالم بمعلومه لجاز خلو بعض زمان التكليف بل كله منه، واختصاصه ببعض العقلاء، وصحة الخروج عنه مع كمال العقل كسائر العلوم المكتسبة، والمعلوم خلاف ذلك. وجهة وجوب الأفعال كونها صدقا وإنصافا وشكر النعمة، وجهة قبح التروك كونها ظلما وكذبا، لأن كل من علم إنصافا وصدقا وشكر النعمة ورد الوديعة علم بوجوبها وكل من علم ظلما وكذبا وخطرا واستقباحا علم قبحها ولو كان


(1) حججه، كذا في بعض النسخ.
(2) هنا بياض في النسخ، والظاهر أن الساقط كلمة ” فصل “.

[ 37 ]

لوجوب (1) الأفعال وقبح التروك…
(2) ولا يجوز تعلق وجوب أفعاله وقبح تروكه بغير ما هي عليه لأن ذلك يقتضي تقدم… عليه (3) وقد علمنا أنه لا تكليف قبله فثبت أن الوجه في وجوب اجتناب تروكه ما هو عليه في نفسه. فأما الأفعال واجب…
(4) تعين فرضها فالمكلف مندوب إلى العزم عليها متى تعينت. وجميعها يصح خلو العاقل من تكليفها عند كمال عقله وفي ما يليه من الأزمنة إلا التحرز من الضرر بفعل النظر الموصل إلى المعرفة الواجبة على كل عاقل في كل حال على ما نبينه إن شاء الله. وأما التروك فواجب على كل عاقل اجتنابها في كل حال ذكر للوجه الذي له قبحت فلا يصح خلو عاقل من وجوب اجتنابها. والمندوب إلى فعله الاحسان والحلم والوقار والجود والعفة وحسن السمت وحسن الصحبة والجوار ولين الكلمة والجانب والأمر بالحسن والنهي عن القبيح وأمثال ذلك. والتروك المكروهة في مقابلة هذه الأفعال المندوبة إليها بالعكس، ووجه حسن فعل هذه الأفعال واجتناب هذه التروك كونه إحسانا وحلما لأن كل من علم ذلك علم حسنه والترغيب فيه….
(5) في بيان التكليف المكتسب…
(6) العقلية شيئان: توحيد


(1) في بعض النسخ: على وجوب.
(2) هنا بياض في بعض النسخ.
(3) هنا بياض في بعض النسخ وفي بعضها الآخر هكذا: ” يقتضي تقدمه عليها ” من دون بياض.
(4) هنا بياض في النسخ.
(5) هنا بياض في النسخ، والظاهر أن الساقط كلمة ” فصل “.
(6) هنا بياض في النسخ.

[ 38 ]

وعدل، والتوحيد ينقسم… (1) فالاثبات إثبات صانع العالم سبحانه قادر…
(2) حيا مريدا بإرادة يفعلها…
(3) الصفات لتصح معرفته سبحانه بصفاته ونفي التشبيه عنه ليصح كونه قديما ونفي الحاجة عنه ليعلم كونه غنيا ونفي الادراك له بشئ من الحواس أنتج (4) نفي التشبيه عنه تعالى، وأنه لا ثاني له في القدم والصفات المذكورة لكل المعرفة بالتوحيد. والعدل تنزيه أفعاله سبحانه وما يتعلق بها من التكاليف والمباحات عن القبيح. والواجب من هذا التكليف العلم وطريقه لوقوفه عليه، وجهة وجوبه كونه شرطا في العلم بالثواب والعقاب وشكر المنعم الذي لا يصحان ولما يعلم المنعم المثيب المعاقب، وهذا التكليف لا ينفك منه عاقل، ونحن نبين وجوب العلم بهذا التكليف وجهة وجوبه والسبب الموصل إليه والأدلة المنصوبة عليه مجملا ومفصلا. فأما الدلالة على وجوب المعرفة بالتوحيد والعدل فهي أن كل حي عند كمال عقله يجد عليه آثار نفع من كونه حيا سميعا بصيرا عاقلا مميزا قادرا متكلما مدركا للمدركات منتفعا بها يجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم، ويعلم أنه إن كان ذلك نعمة فهي أعظم من كل نعمة لانغمارها في جنبها، وكونها فرعا لها واستحالة انفرادها منها، ويعلم وجوب شكر المنعم واستحقاق المدح به والذم على الاخلال بواجبه، ويجوز أن يكون له صانع صنعه وفعل النفع به محسنا إليه به تعريضا للثواب على شكره ومعاقبا على الاخلال بحمده ويجد في عقله وجوب…


(1) هنا بياض في النسخ.
(2) هنا بياض في النسخ.
(3) هنا بياض في النسخ.
(4) في جميع النسخ: اقبح، والظاهر ما أثبتناه.

[ 39 ]

المظنون والمعلوم وحسن طلب النفع المعلوم والمظنون… من يعلم نفعا هو المدح… ويظن ضررا هو العقاب فوجب لذلك عليه معرفة من خلقه وخلق النفع له ليعلم قصده فيشكره إن كان منعما فيحوز عظيم النفع من المدح والثواب وينجو من عظيم الضرر بالذم والعقاب، ولا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثار صنعته [ صنعه خ ] لوقوعها بحسبه، لعلمنا بأن من نظر في تنقل الأجسام علم حدوثها دون غيره، ومن نظر في برهان الصفات النفسية علم ثبوتها وكيفية استحقاقها دون غيرها. ومن نظر في برهان النبوة علم صحتها دون الإمامة، وأن العلم يكثر بكثرة النظر ويقل بقلته، ويرتفع من دونه، فلو كان للمعارف (1) سبب غير النظر لجاز أن ينظر العاقل في برهان حدوث الأجسام فيعلم النبوة، وينظر في برهان النبوة فيعلم الإمامة، ويحصل جميع المعارف للعامي المتشاغل بالتكسب المعرض عن النظر، ولا يحصل شئ منها للعاقل الناظر في الأدلة الموفي النظر حقه، والمعلوم خلاف ذلك، فإذا وجبت المعرفة للوجه الذي ذكرناه ولم يكن لها سبب إلا النظر وجب كونه أول الأفعال الواجبة لعموم العلم لكل عاقل بوجوب ما لا يتم الواجب إلا به. وجه وجوب النظر كونه تحرزا من ضرر لو لا فعله لم يأمن العاقل نزوله به من الذم والعقاب. وجه وجوب… شرطا في شكر النعمة التي يستحيل معرفتها من… بالمنعم سبحانه وأول منظور فيه الجواهر والأجناس…… [ الدليل ] على حدوث الجواهر أنها لو كانت قديمة لوجب أن يختص فما لم يزل بجهته، لوجوب حاجتها في الوجود إلى جهة، وذلك الاختصاص لا يكون إلا لأنفسها أو لمقتض قديم إذ كان إسناد حكم فيما لم يزل إلى مؤثر


(1) للعارف خ.

[ 40 ]

متجدد محالا، واختصاص الجواهر بالجهات لأنفسها أو لمقتض قديم محال، لأن ذلك يقتضي استحالة خروجها عنها، لأن الحكم المسند إلى النفس أو إلى مقتض قديم لا يجوز بطلانه، لاستحالة بطلان موجبه، وفي علمنا بصحة تنقلها في (1) الجهات دليل على أنها لم يختصها لأنفسها ولا لمقتض قديم. وأيضا فإن اختصاصها لأحد الأمرين يقتضي كونها بأسرها في جهة واحدة لتماثلها ووجوب المشاركة في صفة النفس وما وجب عنها من الحكم إن كان ذلك للنفس، وإن كان لمعنى قديم فكذلك، لكون القديم مثلا للقديم ومشاركا له في كل ما جاز عليه ووجب له واستحال عليه، وفي علمنا باستحالة ذلك دليل على أنها لم يختص الجهات لأنفسها ولا لمقتض قديم وذلك يحيل وجودها فيما لم يزل ويقتضي تجددها بعد عدم، وهذا هو معنى القول بحدوثها. وإذا ثبت أن الجواهر محدثة ثبت حدوث ما حلها من الأعراض لاستحالة انفرادها منها، وما يستحيل وجوده من دون وجود الحوادث يجب أن يكون محدثا، وهي على ضربين: ضرب يصح تعلقه بالمحدث وهو الاعتقادات والظنون والنظر والارادات والكراهات والاعتماد والأصوات والألوان (2) والتأليف والآلام المتولدة عن… وضرب يستحيل تعلقه بالمحدث وهي الحياة والقدرة والشهوة والنفور بالمحدثين والعلوم الضرورية والحرارة والبرودة… والآلام المبتدئة. وقلنا بتعذر جنس الجواهر وهذه الأجناس من الأعراض على كل محدث لتوفر دواعيه إلى شئ منها وخلوها من الصوارف [ الطوارق خ ] وتعذرها


(1) من.
(2) في بعض النسخ: الأكوان.

[ 41 ]

لا لوجه يعقل، وكل شئ تعذر لا لمانع معقول فإنها تعذر للاستحالة، وإذا ثبت خلاف هذه الأجناس وتعذرها على كل محدث، ثبت أن لها محدثا ليس بمحدث. وقلنا ذلك لأنا قد علمنا أن هاهنا حوادث كالكتابة والبناء وعلمنا أن لها محدثا هو من تعلقت به، بدليل وقوعها بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره واستحقاقه المدح على حسنها والذم على قبيحها، وعلمنا أنها إنما احتاجت إليه في حدوثها دون عدمها وبقائها لاستغنائها في حالتي العدم والبقاء عن مؤثر لصفتي العدم والبقاء، فيجب الحكم بحاجة كل محدث في حدوثه إلى محدث. وقد ثبت حدوث الجواهر والأجناس المخصوصة من الأعراض وتعذرها على المحدثين، فيجب أن يكون لها محدثا مخالفا لها. ووقوع هذه التأثيرات من جهته سبحانه يقتضي كونه قادرا لحصول العلم بكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه من كان عليها وجب وصفه بقادر. ووقوع الفعل مقتض للصحة وزيادة وحدوثها بحكمة (1) كالانسان والفرس والبقر والفيل يقتضي كونه سبحانه عالما لافتقار صفة الأحكام إلى حال زائدة على كون القادر قادرا لتعذره على أكثر القادرين، ومن كان عليها وجب وصفه بكونه عالما. وكونه تعالى قادرا عالما يقتضي كونه حيا موجودا بدليل تعلق المقدورات والمعلومات وصحة وقوعها من جهة واستحالة ذلك من معدوم أو موجود ليس بحي.


(1) محكمة.

[ 42 ]

وإحداثه سبحانه ما يتعذر على كل محدث دليل على كونه قديما، إذ لو كان سبحانه محدثا لتعذر عليه ما يتعذر على المحدث. وهذه الصفات نفسية لوجوبها له وثبوت صفة الجواز في صفات المعاني والفاعل، لأن (1) طريق إثبات المعاني وصفات الفاعل متعذرة في صفاته تعالى فثبت أنها للنفس. ومعنى ذلك أنه تعالى قادر عالم حي قديم لما هو عليه سبحانه، لا معنى هو غيره كسواد الجسم ولا بصفة بالفاعل ككون الصوت أمرا أو خبرا. وإذا ثبت كونه تعالى قديما وأن صفاته نفسية، ثبت استحقاقه لها فيما لم يزل، واستحالة خروجه عنها، من حيث اقتضى قدمه وجوده في كل حال ماضية ومستقبلة، وثبوت الصفة المستندة إلى النفس في جميع أحوال وجود الموصوف بها، لكونها مقتضاة عما هو عليه واستحالة وجود المقتضي وانتفاء مقتضاه. وكونه تعالى حيا لا آفة به يقتضي وصفه سبحانه بسميع بصير، ويوجب إثباته مدركا متى وجدت المدركات، بدليل وصف الحي الذي لا آفة به بسميع وبصير، ووجوب حصول حكم الادراك متى وجد المدرك وارتفعت الموانع. ووقوع أفعاله تعالى على وجه دون وجه وفي حال دون حال دليل على أنه سبحانه مريد، لعلمنا بافتقار ذلك إلى أمر زائد على كون الحي قادرا عالما لأنه قد يقدر على أشياء، ويعلم أشياء كثيرة، ويؤثر إيجاد بعضها دون بعض، وفي حال دون أخرى، وعلى وجه دون وجه، كالقادر على التجارة والكتابة و العالم بضروبهما قد يؤثر الكتابة مرة، والتجارة أخرى، ويقصد إلى نوع من إحديهما دون نوع، وفي حال دون حال، مع تساوي الكل في كونه مقدورا معلوما له، فاقتضى ذلك ثبوت صفة له زائدة على كونه قادرا عالما، تلك الصفة


(1) ولأن.

[ 43 ]

هي كونه مريدا. وإرادته تعالى فعله (1) لأن كونه مريدا لنفسه أو لمعنى قديم يقتضي قدم المرادات، أو كونه عازما، وكلا الأمرين مستحيل. وكونها من فعل قديم غيره فاسد بما نذكره من فساد إثبات قديم ثان. والحدوث (كذا) (2) لا يقدر على فعل الإرادة لغيره، لأنها لا يقع إلا مبتدءا، وابتداء الفعل بالقدرة في غير محلها محال. وهي موجودة لا في محل، لأن حلولها فيه تعالى لا يجوز، لأن المحل لا يكون إلا متحيزا وقد دللنا على حدوث المتحيزات وقدمه سبحانه، ولا يجوز حلولها في غيره من حي ولا جماد، لأن حلولها في الجماد مستحيل من حيث كانت مما يوجب حالا لحي، وحلولها في حي يوجب رجوع حكمها إليه دونه تعالى، لأن المحل بحكم ما حله أولى، فثبت وجودها لا في محل، ولوجودها على هذا الوجه الذي له، انقطعت عن (3) كل حي ما أوجب (4) اختصاصها (5) به تعالى. ولا يعجب من هذا ذو فطنة بهذا العلم، لأنه إذا ثبت كونه تعالى مريدا وفسد أن يكون مريدا لنفسه أو لمعنى قديم ثبت أنه مريد بإرادة يستحيل أن تحله أو تحل غيره، اقتضى ذلك وجودها لا في محل، وزال التعجب مما اقتضاه البرهان. ولا صفة له سبحانه زائدة على ما أثبتناه، من حيث كان طريق إثباته تعالى


(1) في بعض النسخ: فعلمه والظاهر أنه تصحيف.
(2) قال في تقريب المعارف: وكونها من فعل غيره من المحدثين محال لأن المحدث لا يقدر على فعل الإرادة في غيره لاختصاص أحداثها بالابتداء وتعذر من المحدث في غيره.
(3) على.
(4) ما وجب.
(5) اختصاصه.

[ 44 ]

الفعل، فيجب أن يقف إثبات صفاته على صفات الفعل، وليس الفعل (للفعل ظ) إلا ثلاث صفات: مجرد ووجوده وهو دال على كون فاعله قادرا، وأحكامه وهو دال على كون محكمه عالما، وترتبه على الوجوه وفي الأحوال وهو دال على أن مرتبه مريد، وإثبات صفة لا يدل عليها الفعل بنفسه ولا بواسطة محال، ولأنه لا حكم لصفة زائدة، وإثبات ما لا حكم له كنفيه، وإثبات ما لا فرق في إثباته ونفيه جهالة. إن قيل: فقد أثبت له تعالى صفات زائدة على كونه تعالى قادرا عالما مريدا فما وجهها؟ قيل: لم نثبت إلا ما له تعلق بهذه الصفات، أما كونه تعالى حيا موجودا فلثبوت كونه قادرا عالما لاستحالة ثبوت حال القادر العالم لمن ليس بحي موجود. وأما كونه مدركا سميعا بصيرا فمن أحكام كونه حيا. و كون هذه الصفات نفسية (1) في استحقاقها وليس بأمر زائد على ثبوتها. وثبوت كونه تعالى قديما مقتض لكونه سبحانه غنيا تستحيل عليه الحاجة لأن الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم لأن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله، واللذة والألم لا يجوزان إلا على ذي شهوة ونفور إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعنى ألم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر، و معنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر إليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر. إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلى محل استحال تخصيصها


(1) قال في تقريب المعارف: وكونها نفسية كيفية في استحقاقها.

[ 45 ]

به تعالى، لاستحالة كونه سبحانه محلا للأعراض، ولأنه لا دليل من جهة الفعل (كذا) إلى إثباته تعالى مشتهيا ولا نافرا، وإذا استحال عليه تعالى الشهوة والنفور استحال عليه اللذة والألم [ وإذا استحال عليه اللذة والألم (1) ] استحال الضرر والنفع، وإذا استحال الضرر والنفع، استحالت عليه تعالى الحاجة، واستحالتها يقتضي كونه غنيا. وثبوت قدمه وحدوث الجواهر والأعراض يحيل كونه تعالى مشتهيا لشئ من الجنسين، لأن ذلك يقتضي حدوثه أو قدمهما، وكلا الأمرين محال. وكونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل إدراكه سبحانه بشئ من الحواس لاختصاص الادراك المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال إدراكه تعالى. ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشئ من الحواس لوجب أن ندركه (2) الآن لأنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك أجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الآن، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه [ و عدم إدراكه ] (3) مع وجوبه لو كان ممن يدرك تعالى دليل على استحالة الادراك عليه.


(1) هذه الجملة زدناها بمقتضى السياق.
(2) في بعض النسخ: يدرك.
(3) هذه الجملة زدناها بمقتضى ترتيب العبارة.

[ 46 ]

وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل عليه التنقل والاختصاص بالحياة (1) والمجاورة لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه الحلول وإيجاب الأحوال والأحكام، لأن ذلك من خواص الأعراض، فيسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصارى والغلاة، لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره على ما سلف بيانه. وكونه تعالى بهذه الصفات يقتضي تفرده سبحانه بها ويحيل الاثبات ثان له فيها من حيث لو كان هناك قديم ثان لوجب أن يستحق جميع ما بيناه استحقاق فاعل العالم له من الصفات الواجبة والجائزة إثباتا ونفيا فيؤدي ذلك إلى إثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة وإثبات ذلك محال، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له. وقلنا ذلك لأن القدماء لو كانوا مائة فما زاد لم تزد حالهم عليه لو كان واحدا، ولا يميز فعلهم من فعل قديم واحد، من حيث كان كل ما تصح اضافته إلى هذا العدد تصح اضافته إلى القديم الواحد سبحانه، فصار إثبات ما زاد على واحد لا حكم له، ولا سبيل إلى تميزه، ولا فرق بين إثباته ونفيه، وما هذه حاله لا يصح إثباته، لكون ذلك تجاهلا ومفضيا إلى كل جهالة فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له. وأيضا فلا دليل من جهة العقل على إثبات قديم ثان وقد ورد السمع المقطوع على اضافته إلى القديم سبحانه بنفي ثان له تعالى وهو ما لا يجوز عليه سبحانه الكذب فوجب لذلك القطع على كونه واحدا، ودلالة السمع على التوحيد آكد من دلالة العقول لاحتمال جميعها لدخول الشبهة المشكلة في التوحيد وبعد ذلك برهان السمع.


(1) كذا في جميع النسخ، ولعل الصحيح: بالجهات.

[ 47 ]

فصل في مسائل العدل (1) معنى قولنا: إنه تعالى عادل هو أنه لا يخل (2) بواجب في حكمته ولا يفعل قبيحا، بالبرهان كونه تعالى عالما لا يجهل شيئا وغنيا لا يحتاج إلى شئ ثبت كونه عادلا من حيث كان وقوع القبيح لا يصح إلا لجهل به أو لسهو عنه أو حاجة إليه، وكل ذلك مستحيل فيه تعالى، فيجب القطع على كونه عادلا والحكم بجميع أفعاله وما يتعلق بها بالحسن. وهذا القدر كاف في تنزيهه سبحانه عن القبيح على جهة الجملة، وإن فقدنا العلم بوجه الحسن في كل منها على جهة التفصيل، غير أنا نسلك منهج السلف رضي الله عنهم في بيان وجه الحكمة في جميع ما فعله سبحانه وأمر به وأباحه على جهة التفصيل لتكمل الفائدة وتسقط الشبهة في ذلك من كل وجه. فأول ذلك إثبات العقل طريقا إلى العلم بوجوب واجبات وقبح قبائح وجبت وقبحت لما هي عليه ليكون الكلام في العدل وفساد الجبر مبنيا على ذلك وقد سلف بيان ذلك وأوضحنا أن العلم بوجوب الصدق والانصاف و سائر الواجبات الأولة وقبح الظلم والكذب وسائر القبائح الأولة ضروري من أوائل العقول لا تعلق للعبد به، وأنه إنما وجبت الأفعال لكونها صدقا و إنصافا وقبحت التروك لكونها ظلما وكذبا فأغنى عن إعادتها ههنا. وإذا ثبت ذلك وجب إثباته سبحانه قادرا على القبيح ليصح تنزيهه عنه، والدالة على ذلك ثبوت كونه تعالى قادرا لنفسه، وذلك يقتضي كونه سبحانه


(1) كلام في معنى العدل. كذا في بعض النسخ.
(2) في النسخ: لا يحيل.

[ 48 ]

قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والقبيح من جملة المقدورات بغير شبهة فيجب أن يكون قادرا عليه. وأيضا فإن صفة القبح وجه للفعل كالحسن (1) وليس بجنس فيجب لكونه تعالى قادرا على سائر الأجناس أن يكون قادرا على وجوهها التي يحدث عليها. ومنع النظام (2) من كونه تعالى قادرا على القبيح لما يؤدي إليه من الجهل أو الحاجة المستحيلين عليه سبحانه أو انقلاب دلالة القبيح. وذلك فاسد كاشف عن جهله بكون القديم سبحانه قادرا لنفسه، إذ لو علم ذلك وكونه مقتضيا للقدرة على كل ما يصح كونه مقدورا مع علمه بكون القبيح مقدورا للعباد لم ينف كونه تعالى قادرا على القبيح. وكذلك لو علم أن من حق القادر على الشئ أن يكون قادرا على جنس ضده مع علمه بأنه قادر على الحسن (3) لم ينف كونه قادرا على القبيح، جنسا كان القبح (4) أو وجها. وهذا يدل على جهله بالتوحيد والعدل. فأما شبهته فمبنية على فرض وقوع القبيح، وذلك بناء فاسد لأنه سبحانه لا يفعل شيئا إلا لداع مقصود، لاستحالة السهو والعبث عليه، ولا داع إلى القبيح إلا الحاجة وهي مستحيلة فيه سبحانه، فلم يبق له داع إليه فاستحال منه فعله وإن كان قادرا عليه، وسقط لذلك تقدير النظام.


(1) في جميع النسخ: كالجنس، والصحيح ما أثبتناه، راجع تقريب المعارف للمؤلف باب العدل.
(2) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام، توفي سنة 231. ويطلق على أصحابه النظامية.
(3) في جميع النسخ: الجنس، والصحيح ما أثبتناه.
(4) في جميع النسخ: القبيح.

[ 49 ]

وهو سبحانه لا يفعل القبيح لما قدمناه من علمه بقبحه وبأنه غني عنه لأن صفة القبح صارف قوي فلا يصح أن يفعله إلا من جهل ثبوتها أو دعته الحاجة إلى الفعل أو الترك لينفي الصارف بالجهل أو يقابل داعي الحاجة لصارف القبح. وكونه تعالى لا يفعل القبيح مقتضيا أن لا يريده، من حيث لو أراده لم يرده إلا بإرادة يفعلها على ما سلف بيانه، وإرادة القبيح قبيحة، لأن كل من علمها إرادة لقبيح علم قبحها، وذلك مقتض لكونه تعالى فاعلا للقبيح وقد بينا فساده (1) فثبت أنه لا يريد القبيح، وإذا ثبت أنه سبحانه لا يريد القبيح ثبت أنه كاره له، لأنه لا يجوز أن يخلوا ما كلفه تعالى من الإرادة والكراهة. وكذلك وجب كونه تعالى مريدا لما فعله وكلفه، لاستحالة فعله ما لا غرض فيه، وتكليف ما لا يريده ولا يكرهه، فما علمناه مرادا له سبحانه حكمنا بحسنه فإن علمناه كارها للاخلال به وجب الحكم بوجوبه، وما علمناه مكروها له حكمنا بقبحه ووجوب اجتنابه. وكونه تعالى مكلفا فعل المثلين والمختلفين والضدين واجتناب ما له هذا الحكم موجب إقدار المكلف على ذلك قبل وقوعه ومزيحا لعلته بالتمكين منه والعلم به واللطف فيه، وكون ذلك شاقا مقتض لكونه وصلة إلى ما لا يحسن الابتداء به من النفع، لأن خلاف ذلك ينقض كونه سبحانه عادلا. ويحسن توضيح برهان ما أجملناه مفصلا: أما برهان كون المكلف قادرا فهو أنا نعلم تعلق التأثيرات به ووقوعها من جهته وذلك مقتض لكونها من فعله على ما نبينه، وكونه فاعلا فرع لكونه قادرا لاستحالة النظر ليس بقادر.


(1) في جميع النسخ: وقدمناه، والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا في جميع النسخ، والظاهر أن العبارة ناقصة.

[ 50 ]

ولأنا نعلم حيا يصح منه التصرف في الجهات وحمل الثقيل وحيا لا يصح منه ذلك فيجب أن يكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه لو لا ثبوتها له وانتفاؤها عن الآخر لصح الفعل منهما معا أو تعذر عليهما ومن كان على تلك الصفة سماه أهل اللغة العربية قادرا، وقلنا إنه فاعل لعلمنا بوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره (1) ولو كانت فعلا لغيره لجاز أن يقصد الذهاب يمنة فيقع يسرة، ويقصد إلى الكتابة فيقع البناء، ويقع الكتابة من الأمي ويتعذر على القادر العالم بها، ويصح حمل الثقيل في الضعيف ويتعذر الخفيف على الأيد القوي، والمعلوم خلاف ذلك. وأيضا فمن المعلوم توجه المدح والتعظيم إلى من تعلق به التأثير الحسن، والذم والاستخفاف إلى من تعلق به التأثير القبيح، والذم والاستخفاف والمدح والتعظيم توابع لحدوث الفعل على وجه الحسن أو القبح (2) فيجب تعلق صفتي الحسن والقبح (3) بمحدث الحسن والقبيح (4) لاستحالة تعلقهما بغيره. ولأنا نعلم قبح مدحه أو ذمه على خلقه وهيأته، فلو كان حكم التأثيرات حكمها لقبح مدحه وذمه على شئ منها كقبحه على صورة وبناء (5)، واختلاف (6) الحال دليل واضح على تعلق التأثيرات بقدوره (7) وتعلق خلقه بالقديم سبحانه.


(1) قدوره ظ. (2، 3) في بعض النسخ: القبيح.
(4) في بعض النسخ: القبح.
(5) كذا في جميع النسخ.
(6) في بعض النسخ: ” وبناء اختلاف ” بدون الواو.
(7) في بعض النسخ: بمقدوره.

[ 51 ]

ومتى علمنا قادرا في الشاهد علمنا (1) تعلقه بالمتماثلات من مقدورات العباد كالأكوان في الجهة الواحدة والإرادة والكراهات والعلوم المتعلق كل منها بمتعلق واحد في وقت واحد على وجه واحد، وبالمختلفات كالعلم والإرادة والعلوم المتعلقة بمعلومات مختلفة والارادات المتعلقة بمرادات متغايرة أو مراد على وجوه مختلفة وبالضدين كأكوان في الجهات والعلوم وما يضاد كل واحد منها من الجهل والظن والارادات وما يضادها من الكراهات (2)، فلا يخلو أن يكون ذلك لأن كل قدرة توجب هذا التعلق أو لأن لكل متعلق قدرة تخصه، والثاني باطل لأنه يؤدي إلى وجوب عدة قادرين تصح منهم الإرادة دون الكراهة، والجهل دون العلم، والكون في جهة دون جهة، والمعلوم فساد ذلك، فثبت إيجاب كل قدرة حال التعلق بالأمثال والمختلفات والأضداد، وتعلق القادر بالضدين يوجب تقدم كونه قادرا لكونه فاعلا لأن القدرة لو وجب مصاحبتها للفعل مع تعلقها بالضدين لاقتضى ذلك وجود الضدين مع استحالته. وأيضا فإن حاجة المقدور إلى القدرة ليخرج بها من العدم إلى الوجود، فيجب متى وجد أن يستغني عنها كاستغنائه في حال البقاء، وذلك يوجب تقدم القدرة عليه في الوجود، وتأثير القدرة إيجاب حال الحي (3) لها يصح منه الفعل، لأنها متى وجدت أوجبت هذه الحال، وتأثير القادر يختص بالأحداث لأن صفتي العدم والبقاء غير متعلق بقادر، فلو لم يختص تأثيره بالأحداث لم يكن بين الفعل والفاعل تعلق. وأما برهان تمكينه مما كلف فحكمة مكلفه سبحانه تقتضي تمكينه بصحة


(1) في بعض النسخ: علينا.
(2) في بعض النسخ: المكروهات.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح هكذا: حال للحي بها.

[ 52 ]

البنية فيما يحتاج من التكاليف إليها كاليد والرجل واللسان والأذن، وإقداره على تحصيل ما يحتاج الفعل إليه من الآلات كالسيف والقوس، وتبقيته إلى أن يؤدي أو يمضي من الزمان ما يصح فيه الأداء كالحج، أو تكميل العلم كالمعارف، وفعل العلم فيه بحيث (1) لا مصلحة بكون العلم مكتسبا كالعلم الأول بوجوب الصدق والانصاف وقبح الكذب والظلم، وتكليفه تحصيل العلم بما لا يقوم فعله سبحانه فيه مقام اكتسابه في التوحيد والعدل، وإقداره على فعل السبب المولد له وهو النظر، وتبقيته الزمان الذي يصح فيه اكتساب العلوم، ووقوف تكليفه على كونه مخيرا غير ممنوع ولا ملجأ، واستصلاحه بما يدعوه إلى الحسن ويصرفه عن القبيح من غنى أو فقر أو سقم، وبيان ما له هذا الحكم من فعله كالرئاسة بالنبوة أو الإمامة والشرائع، لأن تكليفه من دون التمكين تكليف ما لا يطاق، ومن دون اللطف قبيح، من حيث كانت علة المكلف غير مزاحة، وقبح منعه كمنع التمكين. يوضح ذلك أن من صنع طعاما لقوم يريد حضورهم إحسانا إليهم فعلم أو ظن أنهم لا يأتون إلا برسوله فلم يرسل إليهم مع اقامته على إرادة الحضور يستحق الذم كما لو أغلق الباب من دونهم، فإذا كان القديم سبحانه مريدا بالتكليف نفع المكلف وعلم سبحانه أنه لا يختاره إلا أن يفعل فعلا أو يفعل هو فعلا وجب عليه أن يفعل سبحانه ما يختص به ويبين للمكلف ما يختص بمقدوره كما يجب في حق التكليف تمكين المكلف، لثبوت صفة القبح في منع اللطف كثبوتها مع منع التمكين. وبرهان حسن التكليف كونه تعريضا لنفع لا يحسن الابتداء به، والتعريض


(1) حيث. ظ.

[ 53 ]

للنفع في حكم إيصاله، فماله حسن أحدهما يجب أن يحسن له الآخر، ألا ترى أنه كما يحسن منا ابتداء الغير بالنفع فكذلك تعريضه له، وكما يحسن منا نفع أنفسنا فكذلك التعريض له بضروب المشاق، وقلنا ذلك لا يحوز (1) لأنه سبحانه لا يجوز أن يكلف لاجتلاب نفع ولا دفع ضرر لاستحالتهما عليه سبحانه، ولا لغير غرض، ولا لإغراء بالقبيح لقبحهما، ولا ليدفع بالتكليف ضررا عن المكلف، لأن دفع الضرر بالضرر لا يحسن إلا بحيث لا يندفع إلا به، وهو سبحانه قادر على دفع كل ضرر من غير إضرار، فلا يحسن تكليف المشاق له، ولا يحسن الاستحقاق (2) لأمور: منها أن ذلك يقتضي تقدم (3) تكليف قبل تكليف إلى ما لا يتناهى، وذلك محال، ولأن الضرر المستحق مقترن بالاستخفاف، وامتثال مشاق التكليف يقتضي المدح والتعظيم، ولم يبق لحسنه إلا كونه ضررا مبتدءا أو تعريضا لنفع، و الضرر المبتدء ظلم لا يجوز عليه سبحانه، فثبت كونه تعريضا لنفع لا يجوز أن يكون مما يحسن الابتداء به، لأنه سبحانه قادر على ضروب ما يحسن الابتداء به من المنافع، فلا يجوز أن يكلف المشاق لها من حيث كان ذلك عبثا لا يجوز عليه سبحانه، لكونه جاريا مجرى من أراد أن ينفع غيره فلم يفعل حتى كلفه نقل الرمل من جهة إلى أخرى لا لغرض إلا ذلك النفع في كونه عابثا، والنفع الذي لا يحسن الابتداء به هو الواقع على جهة الاعظام والاجلال، لعلمنا بقبح التفضل بالتعظيم وأنه لا يحسن إلا مستحقا. وعلمه سبحانه بأن كثيرا من المكلفين يعصي فيما كلفه فيستحق العقاب


(1) كذا في النسخ والظاهر زيادة جملة ” لا يجوز “.
(2) للاستحقاق ظ.
(3) في بعض النسخ: بقدم، وفي بعضها الآخر: وقدم، والظاهر ما أثبتناه.

[ 54 ]

دون الثواب لا يقتضي قبح تكليفه، لأنه محسن بالتكليف إليه من حيث كان تعريضا لنفع عظيم لا يوصل إليه إلا به، وإنما فات المكلف هذا النفع بسوء اختياره وقبح نظره لنفسه. ولأنه سبحانه قد فعل به ما فعله بمن علم أنه يؤمن [ من ] الاقدار والتمكين والاستصلاح، فماله حسن تكليف الطائع يجب أن يحسن له تكليف العاصي. وأيضا فإن حقيقة التكليف إرادة المكلف على ما تقدم بيانه، والإرادة إنما تكون قبيحة إذا كان مرادها قبيحا كما أنها إنما تكون حسنة إذا كان مرادها حسنا، لا وجه له بحسن أو قبح إلا ذلك، وإذا كان هذا متقررا ببرهانه، وكانت إرادته سبحانه من المكلف أن يفعل الحسن ويجتنب القبيح ليصل إلى نفع عظيم لا يصل إليه إلا به، ثبت حسنها لتعلقها بما علم حسنه، وكان ذلك إحسانا إلى المكلف في الحقيقة، إذ لا فرق في ثبوت الاحسان بين أن يكون فعلا مقصودا به الأنعام على الغير وبين تعريضه له، بل التعريض أشرف. وإذا ثبت حسن هذه الإرادة لم يؤثر في حسنها عصيان المكلف في الثاني، لأنها قد وجدت على وجه يحسن، وانتفت عن الوجود وهي على هذه الصفة فصارت معدومة، ووجد عصيان المكلف وهي معدومة والعصيان الموجود لا يقتضي قبح الإرادة المعدومة، لعدم التعلق بينهما، فكيف يتوهم عاقل قبحها به لو لا الجهل بهذا العلم. وليس لأحد أن يقول إن علمه سبحانه بأنه سيعصي مقتض لقبح إرادة الطاعة، لأن كل متعلق من الارادات والكراهات إنما يحسن أو يقبح لحسن متعلقه أو قبحه دون شئ غير ذلك، من حيث كان الحسن والقبح وجهين لحدوث الحادث دون ما عداهما، وهذا واضح ببرهانه، ووضوحه يقتضي حسن إرادته من المكلف فعل الحسن واجتناب القبيح، ويحيل قبحها لما يعلمه


[ 55 ]

سبحانه في عصيان المكلف، لانفصال حدوث إرادته سبحانه على الوجه المخصوص عن كونه عالما، وعدم تأثير علمه في قبحها أو حسنها، ويوضح ذلك أن علمنا أو ظننا بأن الغير لا يختار الحسن واجتناب القبيح لا يقتضي قبح إرادتنا منه أن يفعل الحسن ويجتنب القبيح، ولذلك يحسن منا أن نعرض الطعام على الجائع مع ظننا بأنه لا يأكل، وندلي الحبل إلى الغريق مع الظن بأنه لا يعتصم به، وندعو إلى فعل الحسن واجتناب القبيح جميع العقلاء مع علمنا بأن أكثرهم لا يقبل، ونريد من أهل الذمة وغيرهم من ضروب الكفار الإيمان مع الظن بأن جميعهم لا يؤمن، ومن العصاة المصرين التوبة مع العلم في أكثرهم والظن في الباقين بأنهم لا يختارونها، ولا يقتضي هذا العلم أو الظن قبح هذه الارادات عند أحد من العقلاء، بل حسنها معلوم ضرورة (1) وكونه إحسانا إلى من عرض بها للنفع العظيم الذي هو إحسان. والوجه في توعد العاصي بالعقاب توفير دواعيه إلى الواجبات وصوارفه عن القبائح ليصل بفعل ذلك واجتناب هذه إلى ما عرض له (2) من عظيم المنافع، لكون الخوف من الضرر في الفعل (3) والاخلال بالواجب داعيا و صارفا معلوما (4) ضرورة. [ الوجه في إنزال القرآن محكما ومتشابها ] (5) والوجه في إنزال القرآن محكما ومتشابها أمور:


(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة الواو.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: إلى أغراض له.
(3) في بعض النسخ: في العقل.
(4) في بعض النسخ: غير معلوم.
(5) ليس في النسخ هذا العنوان.

[ 56 ]

منها أنه تعالى خاطب العرب على عادتهم وهو يستعملون المجاز في كلامهم والتعريض واللحن – من قوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول – (1) كاستعمالهم الحقائق، ولذلك لم يستفهم أحد منهم عن شئ في متشابه القرآن ولا تعلق بمشتبهة (2) فقدح به في حكمة منزله سبحانه، وإنما التبس الحال فيه على من يعرف اللسان الذي نزل به القرآن فصار متشابها في حقه و احتاج العلماء معه إلى بيانه له. ومنها أن القرآن لو كان جاريا في الأحكام وفهم المراد من ظاهره مجرى واحدا لسقط فرض النظر الواجب الآن في متشابهه ليجمع الناظر بينه وبين محكمه، وذلك وجه حكمي لجعل بعضه متشابها وغرض حسن.
(3) ومنها أنه لو كان كله محكما لم يكن فرق بين الحجة والمحجوج، و العالم والمتعلم، ولهذا قال سبحانه: ” وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ” (4) وهو يعني الحجج عليهم السلام الذين أمر سبحانه بالرد إليهم وقطع على حصول العلم بجوابهم في قوله تعالى: ” ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ” (5) وهم الذين أمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله: ” فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” (6) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر، وأهل الذكر دون غيرهم.


(1) سورة محمد، الآية: 30.
(2) في بعض النسخ: مشتبهة.
(3) في بعض النسخ: وغرض جزء.
(4) سورة آل عمران، الآية: 7.
(5) سورة النساء، الآية: 83.
(6) سورة النحل، الآية: 43.

[ 57 ]

وعلى هذا يجب أن يكون المتشابه على ضروب: ضرب متعلق باللغة، وضرب متعلق بأحكام العقول، وضرب متعلق بالأحكام الشرعية، فما يتعلق منه باللغة، العلم بها كاف للناظر في العلم لمراد الحكيم سبحانه منه، وما يتعلق بالعقول، العقول كافية لمن استعملها ونظر في أدلتها في فهم المراد منه، وما يتعلق منه بالأحكام الشرعية، الشرع (1) فيه إلى تراجمته من الحجج عليهم السلام هو الطريق إلى علمه دون غيره، وكذلك القول في الألفاظ اللغة المشتركة كقرء. ويحتمل (2) ما يتعلق بالعقول (3) طريق العلم بمراد المخاطب سبحانه منه بيان الحجج المنصوبين عليهم السلام. [ الوجه في خلق المؤذيات وما لا يظهر فيه وجه الانتفاع ] (4) والوجه في خلق المؤذيات من السباع والهوام والسموم أمور: منها أن فيها منافع للعلل وأمراض ينغمر في جنبها ضررها. ومنها أنه سبحانه لما توعد العاصي بالمعاقبة بها جعلها في الشاهد تذكرة كالنار التي جعلها سبحانه مع ما فيها من النفع تذكرة للمزجورين بها. ومنها أن العاقل إذا علم بأول رتبة وجوب التحرز من هذه المؤذيات فلأن يتحرز من الضرر العظيم بالعقاب بالطاعة أولى. والوجه فيما خلقه سبحانه من شجر ونبات وبر وبحر وسهل وجبل و حيوان لا يظهر فيه وجه الانتفاع، أنه لا شئ منه إلا ويصح الانتفاع به، ويصح


(1) في بعض النسخ هكذا: الفزع.
(2) فيما ظ.
(3) كون طريق، ظ.
(4) زدنا هذا العنوان لتمتاز هذه عما قبلها.

[ 58 ]

أن يكون لطفا لبعض مكلفي البشر أو الجن أو الملائكة، إذ كان اللطف يختص جنسا بعينه. [ الكلام في الآلام والأعواض والأرزاق والأسعار والآجال ] (1) والوجه في إيلام الأطفال والحمل على البهائم وذبح الحيوان واستخدام الرقيق، ما في ذلك من الاحسان إلى المكلفين بالانتفاع بما يصح ذلك فيه، و يجوز أن ينضم إليه أن يكون لطفا، وما لا يقع فيه من إيلام الأطفال، الوجه فيه كونه لطفا للمكلفين، ولكل مؤلم من هؤلاء الأحياء عوض عظيم على إيلامه يخرجه عن صفته إلى خير الاحسان كتعويض الملدوغ بالأبرة الضياع النفيسة والأموال العظيمة، فيخرج إيلامهم بالغرض (2) عن قبيل العبث، وبالعوض عن صفة الظلم (3) وقلنا ذلك، لأن فعل هذه الآلام بغير عوض ظلم، و بمجرد العوض عبث، ولا يجوزان عليه سبحانه. وقلنا بتعاظم المستحق من العوض لعلمنا بحسن هذه الآلام، ولو كان مقابلا لها لم يحسن كالظلم الذي قد علمنا استحقاق العوض به مع ثبوت قبحه من حيث كان عوضه مقابلا له من غير زيادة. والوجه في الغنى والصحة وحسن الصورة ووجود الأولاد وطول العمر والخصب، كون ذلك إحسانا لا شبهة فيه، ولا يلزمه عمومه من حيث كان المحسن مخيرا في التعميم والتخصيص غير ملوم على أحدهما، ويجوز أن يكون فيه لطف للمفعول به أو لغيره.


(1) زدنا هذا العنوان لتمتاز هذه المسألة عما قبلها.
(2) بالعوض.
(3) في بعض النسخ هكذا: وبالصفة عن صفة الظلم.

[ 59 ]

والوجه في الفقر والمرض وقبح الصورة وإماتة الأولاد والأحباب وقصر العمر والجدب، كونه صالحا في الدين للمتعلق به أو لغيره، لأنا نعلم أن الحكيم فيما بينا قد يستصلح من يلي عليه تارة بالنفع وتارة بالضرر، و حالة بالمسرة وأخرى بالغم، وعليه عوض متى كان لطفا لغير المؤلم، ولا عوض عليه متى أختص صلاحه به ولا بدل منه من المنافع، لأن كونه لطفا له في فعل الواجب واجتناب القبيح الموصلين إلى الثواب كاف في الغرض ومغن عن العوض، لكون النفع بالثواب أعظم من العوض. والوجه في تمكين الظالم مع القدرة على منعه أنه سبحانه مكنه ليعدل فظلم، لأن القدرة على الانصاف قدرة على الظلم (1) ومنعه من الظلم ينافي التكليف، وتخليته لا يقتضي الرضا بظلمه، لكونه سبحانه كارها للقبيح وقادرا على الانتصاف وعالما بأنه سيفعله. ولذلك قلنا إنه لا يجوز أن يمكن من الظلم إلا من يمكن الانتصاف منه باستحقاق أعواض يقابل ما يستحق عليه المظلوم، أو بأن يتكفل عنه العوض على ظلمه، لأنه سبحانه على الوجه الأول عادل على الظالم ومنتصف للمظلوم، وعلى الوجه الثاني منتصف للمظلوم ومحسن إلى الظالم. وليس لأحد أن يقول: فقد يقع الفساد على كثير مما بينتم كونه صلاحا، لأن كثيرا من ذلك قد يحصل لا من قبله تعالى كالغني من مكاسب محرمة، و الفقر لتفريط الفقير مما يكتسبه من المال أو في وجه التكسب أو لتعدي بعض الظالمين عليه بأخذ ماله أو منعه من الاكتساب، وإذا خلصت إضافة الغنى والفقر إليه تعالى لم يقدح ما ذكروه في كونه صلاحا، لأن اللطف داع ومقرب إلى


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر هكذا: قدرة على ما سلف، ولعل الصحيح: قدرة على الظلم على ما سلف.

[ 60 ]

الحسن ومبعد عن القبيح وليس بملج [ بملجئ ] فسقط السؤال، ويصح أن يكون تأثيرهما تقليل القبيح وتكثير الواجب دون رفع (1) سائر القبيح وحصول جميع الحسن، ولا شبهة في وجوب ما له هذه الصفة، وما قرب وبعد يجب كوجوب ما اقتضى ارتفاع جميع القبيح وحصول كل حسن، ولتعذر العلم بعين من كانت هذه الأفعال لطفا له قطعا فتعذر لذلك العلم بتأثيرهما وانتفائه. وعلى هذا يجري القول في جميع ما عددناه ولا وجه للتكرير بتفصيله. وطريق العلم بكونه من فعله سبحانه هو أن يكون ما وصل إليه الغني من الأموال أو الضياع أو المماليك على وجه يسوغ له ولا يحسن منعه منه فلذلك [ فذلك ظ ] المال من رزقه تعالى والتمليك من قبله، لأنه وصل إليه بإقداره وتمكينه وإذنه، وما يقبح التصرف فيه من الأموال وغيرها ويحسن المنع منه فليس برزق منه تعالى ولا يحسن اضافته إليه لقبحه واستحقاق الواصل إليه الذم والعقاب، وما هذه حاله لا يصح وصفه بأنه رزقه، لأنه تعالى تمدح بكونه رازقا، ومدح على الانفاق مما رزق، وأباحه، فقال سبحانه في التمدح: ” إن الله هو الرزاق ” (2) ” هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض ” (3) ” أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ” (4). وقال في المدح: ” ومما رزقناهم ينفقون ” (5).


(1) دفع.
(2) سورة الذاريات، الآية: 58 (3) سورة الفاطر، الآية: 3 (4) سورة الملك، الآية: 21 (5) سورة البقرة الآية: 3

[ 61 ]

وقال في الإباحة: ” كلوا من طيبات ما رزقناكم ” (1) ” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ” (2) ” فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ” (3)، وذلك مانع من كون الحرام رزقا، إذ من المحال أن يكون ما تمدح سبحانه بفعله ومدح على التصرف فيه وأباح تناوله، وهو (4) ما كرههه ونهى عنه وتوعد عليه وتبعد عقلا وسمعا بالمنع من التصرف فيه، وكل شئ يوصف بأنه رزق يوصف بأنه ملك وما لا يوصف بأنه رزق لا يصح أن يوصف بملك، لا يصح أن يقال فلان مالك لكذا مع العلم بأنه غاصب له، وإنما يوصف بملك ما يصح أن يتصرف فيه من غير منع وذلك معنى الرزق. والرخص من قبله تعالى إذا كانت أسبابه من فعله تعالى بتكثير الغلات أو الثمار أو إماتة الخلق أو تقليل شهواتهم إلى المبيع، لاختصاص هذه الأمور به تعالى فإذا وقع الرخص لهذه الوجوه فهو إحسان منه تعالى، ويجوز أن يكون لطف للمحسن إليهم أو لغيرهم، وإن كان سببه تسعير الظالم وجبر أرباب السلع على بيعها بيسير الثمن فالرخص مضاف إلى فعل أسبابه، وهو قبيح لإسناده إلى تعدي المتغلب على ذوي الأملاك، وإن كان سببه إخراج ما يملكه من الغلات وغيرها إلى أسواق المسلمين، وأخذ المحتكرين بذلك فكثرت لذلك فحصل الرخص فهو مضاف إليه وهو حسن يستحق فيه الشكر بكونه إحسانا. وإنما يكون الغلاء من قبله إذا كانت أسبابه من فعله سبحانه بمنع الغيث


(1) سورة طه، الآية: 81 (2) سورة الأعراف، الآية: 33 (3) سورة الجمعة، الآية: 10.
(4) في جميع النسخ: ” وهو ” والظاهر زيادة الواو.

[ 62 ]

وحصول الجدب لذلك (1) إهلاكه الغلات أو الثمار ببعض الآفات أو تكثير الخلق أو تقليل شهواتهم إلى المنهيات، لاختصاص هذه الأمور به سبحانه دون خلقه، فلا شبهة في كون هذه الغلاء لطفا أو عقابا، وإن كان سبب الغلاء احتكار الظلمة الأقوات وغيرها أو منع المسافرة أو جبرهم على البيع بأعلى السعرين فهو مضاف إلى من فعل أسبابه دونه تعالى، والغلاء على هذا الوجه قبيح لاستناده إلى وجه قبيح. وأما الأجل فهو الوقت، يقال: دين مؤجل أي موقت، ومنه قوله تعالى: ” فإذا بلغن أجلهن ” (2) أي آخر وقت عدتهن، وإذا صح هذا فأجل الموت وقت حدوثه، وأجل القتل وقت حدوثه، فكما لا يصح أن يقال إن للموت أو القتل الحادث وقتين، كذلك لا يجوز أن يقال أجلان. فأما الموت فلا يكون إلا من فعله لكونه عبارة عن انتفاء الحيوة بغير سبب ظاهر، بل بأحد أمرين مختصين بمقدوره تعالى، إما بأن (3) يفعل سبحانه ضدا للحيوة يسمى موتا متى وجد انتفت الحيوة، أو نقض باطن البنية بنفي تأليفها بضد، أو نفي بعض ما يحتاج إليه الحيوة من المعاني، أو تكثيره على الحاجة إليه أو تقليله فتنتفي الحيوة، وبخروج محلها عن الصفة التي لا يصح حلولها فيه من دونها، وبهذا يعلم خروج الذات عن كونها حية متى زادت الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة أو نقصت عن مقدار الحاجة كما يعلم انتفاء الحيوة بقطع الرأس والتوسط (4)، وكل من هذه الأمور خارج عن مقدور


(1) وإهلاكه. ظ.
(2) سورة الطلاق، الآية: 2 (3) في بعض النسخ هكذا: إما بما يفعل سبحانه ضدا للحيوة.
(4) في بعض النسخ: التوسيط.

[ 63 ]

العباد (1). وأما القتل ففعل القاتل لكونه عبارة عن نقض ظاهر البنية كقطع الرأس أو التوسط أو الجراحة في القتل وتعلق ذلك أجمع بفاعله. والموت لا يكون إلا حسنا لاختصاص فعله به سبحانه، والقتل قد يكون حسنا إذا كان بأمره وقبيحا إذا عري من إذنه سبحانه. وقد كان جائزا في مقدوره تعالى أن يعيش من مات أو قتل أكثر مما عاش وأقل منه لو لا حدوث الموت أو القتل في الوقت الذي حدثا فيه، لكونه تعالى قادرا على كل من تبقيته واخترامه على ما أراد منهما، فمحيل ذلك جاهل بكونه تعالى قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا. فأما إذا وقع الموت أو القتل في وقت معين قد علم الله سبحانه وقوعه فيه بفعله تعالى أو فعل غيره فلا يجوز أن يقال قد كان جائزا لو لم يمت أو يقتل أن يعيش زمانا آخر أو يخترم قبل ذلك، أو لو لم يقتل لمات أو عاش، لأن وقوع الموت أو القتل في وقت مخصوص يقتضي تقدم العلم به سبحانه (2) والعلم يتعلق بالشئ على ما هو به فلا يجوز خلافه ولا ارتفاع معلومه. وكونه تعالى عالما بذلك لا يقتضي وجوب وقوعه به تعالى ولا بغيره ولا عذر للظالم فيه، لأن العلم كاشف عن كون المعلوم على ما هو عليه وليس بجاهل (3) له كذلك ولا موجب. ألا ترى أن علمنا بكون زيد مؤمنا أو عمرو كافرا وهذا الشخص بشرا


(1) في بعض النسخ: مقدر العباد.
(2) تقدم علمه سبحانه به. ظ.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: بجاعل له.

[ 64 ]

وهذا فرسا وهذا حملا (1) وهذا حيا ليس بموجب لكون هذه المعلومات على الصفة التي تعلق العلم بها، بل بعضها بإيثار المكلف والبعض الآخر بفعله تعالى، كشف العلم بها للعالم ما هي عليه في أنفسها، وإن استحال أن يكون الكافر في حال كفره مؤمنا والمؤمن كافرا والانسان في حال تعلق العلم به فرسا والفرس إنسانا والحي جمادا والجماد حيا، لأن متعلق (2) العلم يقتضي كون معلومه على ما تعلق به، وبهذا الحكم فارق سائر الاعتقادات. [ الوجه في بعثة الرسل بالشرائع ] (3) والوجه في بعثة الرسل بالشرائع كونها بيانا لمصالح المبعوث إليهم من مفاسدهم، وقد بينا وجوب ما له هذه الصفة، لكونها لطفا من حيث كان [ اللطف ] لا يختص شيئا معينا، فغير ممتنع أن يعلم سبحانه أن من جنس أفعال المكلفين أو بعضهم ما إذا فعلوه دعا إلى الواجب العقلي وصرف عن القبيح، وما إذا فعلوه أو اجتنبوه دعا إلى القبيح وصرف عن الواجب، وما إذا فعلوه أو اجتنبوه دعا إلى المندوب. وإذا علم ذلك وجب في حكمته سبحانه إعلام المكلف به ليفعل ما هو مصلحة له كصلوة الخمس وصوم الشهر، ويجتنب ما هو مفسدة له كالزنا و الربا (4) وشرب الخمر، لكون ذلك واجبا في حق كونه (5) سبحانه مريدا (6)


(1) كذا في النسخ، والظاهر: جمادا.
(2) كذا في النسخ.
(3) هذا العنوان ليس في النسخ.
(4) الريا. كذا في بعض النسخ.
(5) كذا في النسخ.
(6) في بعض النسخ: مزيدا.

[ 65 ]

به صلاح المكلف حسب ما قدمناه. ولا يعترض هذا الوجه ما تهذي به البراهمة (1) من قولهم: إن العاقل غني بعقله عن البعثة، لعلمه به حسن (2) الحسن وقبح القبيح، والبعثة لا يجوز أن تتضمن تقبيح حسن ولا تحسين قبيح فهي عبث. لاتفاقنا وهم [ وإياهم ظ ] على وجوب اللطف في حكمته سبحانه، وأنه لا يختص شيئا معينا، وأنه غير ممتنع أن يكون وجود شجرة في فلاة أو صخرة في جبل لطفا لبعض المكلفين، وذلك مسقط لشبهتهم لجواز تعلق اللطف بأفعال المكلف كتعلقه بالجماد ووجوب بيانه له. فتسليم اللطف وأنه لا يختص شيئا معينا وإنكار البعثة مناقضة ظاهرة، و المنازعة في اللطف وأحكامه جهل بحكمته سبحانه الذي لا يمكن معه كلام في النبوة ولما يرتفع بالنظر في أدلة عدله سبحانه. على أن قسمتهم يقتضيه المعقول (3) إلى قبيح لا يحسن وحسن لا يقبح فاسدة بالضرورة، لعلم كل عاقل بانقسام ما يقتضيه إلى أربعة أقسام: واجب لا يقبح كالصدق والانصاف، وقبيح لا يحسن كالظلم والكذب، و مندوب لا يقبح كالاحسان وحسن الخلق والأمر بالحسن والنهي عن القبيح، و يجوز أن يجب إذا كان وصلة إلى واجب، ومباح كالأكل والشرب والتصرف في


(1) قيل: سموا براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام، وذلك خطأ، فإنهم المخصوصون بنفي النبوات أصلا فكيف يقولون بإبراهيم عليه السلام، وقيل لانتسابهم إلى رجل يقال له براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا. راجع الملل والنحل للشهرستاني.
(2) لعمله بحسن الحسن، كذا في بعض النسخ.
(3) كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح هكذا: ما يقتضيه العقول.

[ 66 ]

الجهات المعلوم حسنه متى علم العاقل أو ظن كونه وصلة إلى حسن، ووجوبه متى كان وصلة إلى واجب وقبحه متى كان وصلة إلى قبيح. وإذا كان هذا متقررا في العقول وعلم بإخبار الرسل عليهم السلام عن علام الغيوب سبحانه كون المندوب العقلي وبعض المباح داعيا إلى الواجب العقلي وجب وكون بعض المباح داعيا إلى القبيح قبح، وكون بعض آخر داعيا إلى المندوب العقلي علم كونه مسنونا، كما تكون هذه حاله مع الظن. وهذا قاض بفساد معتمدهم وموجب للقول (1) بحسن البعثة ووجوبها متى كانت بيانا لما لا سبيل إلى بيانه إلا من قبلها لوقوف ذلك على علم مرسل الرسل سبحانه. وبعد فلو لم يكن في العقول إلا واجب وقبيح لم يمنع ذلك من حسن البعثة بالترغيب فيه وتقوية الدواعي إليه والزجر عن القبيح وتوفير الصوارف عنه ببيان المستحق على ذلك من الثواب والعقاب وكيفيتهما وصفة وفعلهما و مبلغهما والحال التي يفعلان فيها إذا كان العلم بذلك غير مستدرك بالعقل. وبهذا يسقط أيضا ما يتجاهلون به من دعواهم أن الأنبياء جاءت بما يقبح في العقول من الشرائع، لأن ما جاؤوا به من صلوة وزكوة وصوم وجهاد و اجتناب الزنا والريا [ الربا ] والخمر وغير ذلك من العبادات والقبائح لا يجري في القبح مجرى الظلم والكذب بغير شبهة، وإنما يقبح إذا خلت من غرض مثله أو كان الغرض به قبيحا، والشرائع خارجة عن الوجهين لعلمنا بكونها داعية وصارفة إلى ما يستحق به الثواب ويتحرز له [ عنه ظ ] من العقاب بقول من ثبت صدقه على العالم بذلك سبحانه، وثبوت كونها كذلك يخرجها من باب العبث ويوجب كون الغرض بها حكمة كسائر الأفعال والتروك الجارية هذا


(1) في بعض النسخ: للعقول.

[ 67 ]

المجرى في الشاهد. ومن حق المبعوث أن يكون معصوما فيما يؤديه من المصالح والمفاسد من حيث كان تجويز الخطأ عليه في شئ من ذلك عن سهو أو عمد ترفع الثقة بشئ مما جاء به، ويمنع من امتثاله، لوقوف الامتثال على علم المكلف كون ما أمر به صلاحا وما نهى عنه فسادا، وتجويز الخطأ عليه يرفع الثقة بشئ مما أتى به، فوجب لذلك القطع على عصمته فيما يؤديه، ولهذا الاعتبار أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء عليهم السلام في الأداء، لعلمهم بأن تجويز الخطاء فيه يسقط فرض الشرائع فعلا وتركا. ومن حقه أن يكون معصوما من جميع القبائح صغائرها وكبائرها، لأن تجويز القبيح عليه يقتضي التنفير عنه، لأن من علم مواقعا للقبيح أو جوز عليه ذلك تنفر النفوس عن اتباعه ولا تسكن إليه سكونها إلى من لا يجوز منه القبيح، إذا كان الغرض في بعثة النبي صلى الله عليه وآله العمل بما يأتي به وكان ذلك فرعا لصدقه الموقوف على النظر في معجزة المتعلق بحصول داع إليه وجب تنزيهه عن كل شئ نفر عنه. ولهذا الاعتبار نزهه الكل الفظاظة والغلظة والجنون والجذام والبرص وإن كان ذلك حسنا، من حيث كان مقتضيا للتنفير عنه، وله وجب تنزيهه عن كفر الآباء وخساستهم في الناس وعهر الأزواج من حيث كان المرء يعير بكفر آبائه وخساستهم وأن رتبة من تسأله الفضلاء الأبرار في النفوس بخلاف رتبة من تسأله الفجار وذوو الدنائة. ولذلك نجد العقلاء يتمدحون بفضل آبائهم وعلو قدرهم ويذمون من تسأله الأراذل ويصغرون به وإن كان فاضلا، وكذلك الحكم في عهر الأزواج وكونه غاضا من قدر أزواجهن بغير شبهة، وإذا وجب تنزيههم عليهم السلام من كل


[ 68 ]

منفر وإن كان حسنا فأولى بالتنزيه المنفر القبيح. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله يستحق التعظيم على الإطلاق والاستخفاف به كفر، ولو كان ممن يصح منه القبيح لوجه، توجه الاستخفاف إليه متى أوقعه، وكونه مستحقا لمطلق التعظيم مانع من ذلك، فاقتضى هذا الاعتبار أن لا يبعث الله تعالى من يعلم من حاله إيثار شئ من القبيح، لقبح تحريم الاستخفاف والحكم بكفر فاعله مع وجوب فعله. ولا طريق إلى معرفته إلا ظهور المعجز عليه، أو نص من علم صدقه عليه، لتعلق دعوته بما لا يعلمه إلا القديم سبحانه، فيجب وقوف تصديقه عليه سبحانه، ولا أمر يصح كونه برهانا من قبله تعالى على صدقه إلا فعل مختص بمقدوره تعالى ينوب مناب قوله تعالى: صدق هذا على فيما يؤديه عني، مختص بدعوته أو دعوة من نص على نبوته، إذ لا فرق في تصديق من ادعى الإرسال من بعض الملوك الحكماء بين أن يقول: صدق هذا المدعي، أو يفعل ما يجعله دلالة على صدقه مما لم تجر عادته به، وكذلك حكم النص المدلول على صدقه في كونه نائبا مناب التصديق بنفس القول أو الفعل الخارق للعادة. ويفتقر المعجز الدال على صدق المدعي إلى شروط ثلاثة: أحدها أن يكون خارقا للعادة، وثانيها أن يكون مختصا بمقدوراته سبحانه، وثالثها أن يكون متعلقا بدعواه. واعتبرنا الشرط الأول، لأن المعتاد وإن كان مختصا به سبحانه كخلق الولد عند الوطي ونبات الحب عند الحرث والسقي وطلوع الشمس من المشرق، لا يقف على مدع ولا يميز صادقا من كاذب، ومن شرط المعجز الابانة وطريق ذلك اعتبار ما جرت العادة به وكون الحادث خارجا عنها، كفلق البحر وحمل الجبل وقلب العصا حية.


[ 69 ]

واعتبرنا الشرط الثاني، لأن من عداه سبحانه يصح منه إيثار القبيح فلا يؤمن منه تصديق الكذاب وبعثة الصادق بالمفاسد، وذلك مانع من اتباع الداعي، وطريق العلم بذلك أن يكون الخارق للعادة مما يختص جنسه بمقدوره كالجواهر والحياة وغيرهما. واعتبرنا الشرط الثالث لأنه لو تكامل الشرطان ولم يتعلق الحادث بدعوة مدع معين لم يكن مدع بالتصديق أولى من مدع، من حيث علمنا أنه لو حدث في السماء أو في الأرض حادث لم تجر العادة به مما يختص القديم سبحانه بالقدرة عليه غير متعلق بدعوة مدع، لم يصح من أحد أن يجعله دلالة لعدم التعلق بينه وبين كل مدع. وطريق العلم بالمعجزة المشاهدة، والخبر المعلوم صحته، لاستناده إلى قول صادق لا يجوز كذبه أو تواتر، وهو على ضربين: أحدهما: بسبق العلم بمخبره لحال النظر في صفات ناقله (1) كوجود بغداد والبصرة ووجود بدر وحنين وصفين والجمل، وما هذه حاله يجري مجرى العلم الحاصل بالمدرك في البعد عن الشبهة، وإن اختلف الطريقان. والضرب الثاني: من التواتر هو ما يقف العلم به على العلم بصدق ناقليه وإنما يعلم صدقهم لتعذر الكذب عليهم، وإنما يعلم ذلك من واحد وجهين: أحدهما: بشاهد الحال كالجماعة التي تنقل ركوب الأمير أو قتل الوزير على صفة لا يصلح معها اتفاق ولا تواطؤ، وهذا الضرب من التواتر لا يفتقر إلى بلوغ الناقلين حدا متواترة (2) من الكثرة وتنائي الديار، بل كل من تأمله علم صحة المخبر عنه وإن لم يبلغوا عشرة.


(1) العبارة ناقصة ظاهرا.
(2) كذا في بعض النسخ. ولعل الصحيح: حده أو حد التواتر.

[ 70 ]

الثاني: أن يبلغوا حدا (1) من الكثرة واختلاف الدواعي وتنائي الديار ينقلون لفظا واحدا عن معروف غير ملتبس كنقل الناقلين من المسلمين معجزات نبينا صلى الله عليه وآله ومن الشيعة النص الجلي، من حيث علمنا أن مثل هذين الفريقين مع ما نجد كل فريق منها عليه من الكثرة وتنائي الديار وتباين الأغراض لا يصح فيهم افتعال لفظ واحد على جهة الاتفاق، كما لا يصح لكل شاعر من إقليم واحد أن ينتظم بيتا من الشعر فيتفق لكل شاعر فيه، والتواطؤ بالاجتماع في مكان واحد فرع لثبوت التعارف بينهم وقد علم ارتفاعه (2) ممن ذكرناه من ناقلي الفريقين، ولو وقع لارتفع الريب فيه، لأن أهل البلاد المتباعدة وذوي الأغراض المتبانية إذا رحلوا من أماكنهم إلى مكان واحد ليبرموا أمرا لم يخف ذلك من حالهم على أحد عني بالأخبار. وكثرة هؤلاء الناقلين بعد قلة يجوز منهم لها الافتعال يمنع منه سببان: أحدهما: أن النقل الذي بينا صدق ناقله يتضمن أمرين. أحدهما لفظ الخبر، والثاني صفة المنقول عنه، فما له آمنا الكذب في أحد الأمرين يجب أن نأمنه في الآخرة. والثاني: عدم العلم بأعيان مفتعله وزمانه كالعلم بابتداء الخوارج والقول بالمنزلة بين المنزلتين، ونحلة النجار والأشعري وابن كرام (3).


(1) حده. ظ.
(2) في بعض النسخ: انتفاؤه.
(3) النجارية أصحاب الحسين بن محمد النجار، وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، وقد مات في حدود سنة 230. والأشعرية أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، توفي سنة 334 والكرامية أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، مات سنة 255. وأول من قال بالمنزلة بين المنزلتين هو واصل بن عطا المتوفى 131 وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد المتوفى 144. راجع الملل والنحل للشهرستاني.

[ 71 ]

فمتى عري النقل من الأوصاف المذكورة التي يصح معها الكذب والصدق ثبت صدق الناقلين، وإن كان الأمر بخلاف ذلك تعذر العلم بصدق الناقلين ووجب الحكم على خبرهم بكونه واحدا يصح دخول الصدق والكذب فيه وإن كثر الناقلون، فإن كانوا ينقلون عن طبقة أخرى وجب أن يثبت لها ما ثبت لهذه من الصفة التي يتعذر معها الكذب، ثم هكذا حال كل طبقة تنقل عن أخرى قلوا أم كثروا، وذلك فرع العلم بأعيان الأزمنة المتصلة (1) بالمنقول حلله (2) كل زمان فيه ناقلون لا يجوز عليهم الكذب. وقلنا ذلك لأن الجهل بالزمان يقتضي الجهل بمن فيه، والعلم بالزمان مع الجهل بمن فيه و (3) من أعيان الناقلين يمنع من القطع باتصال الطبقات في النقل وتجويز انقطاعه يرفع الثقة بصحته. فمتى علم ظهور المعجز على يد مدعي الإرسال من أحد الطرق المذكورة وجب النظر فيه لحصول الخوف الشديد بتركه، ومتى يفعل مكلف النظر فيه ما يجب عليه منه بشروطه ينكشف له حال الصادق المصدق من الكاذب المخرق (4) ولا طريق إلى نبوة أحد من الأنبياء إلا من جهة نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله لانسداد طريق العلم باتصال أعيان الأزمنة مشتملة على متواترين بمعجزاتهم من الآن و (5) إلى حين دعوتهم، وتعذر العلم بصحتها من دون ذلك حسب ما


(1) في بعض النسخ: الأزمنة المتعلقة بالمنقول.
(2) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: كما حلله، ولم نهتد إلى صحيحه.
(3) الظاهر زيادة الواو.
(4) كذا في بعض النسخ.
(5) كذا في السنخ، والظاهر زيادة الواو.

[ 72 ]

دللنا عليه. وهذا برهان واضح على سقوط فرض العمل بشرائعهم، إذ لو كان تكليفا (1) ثابتا لوجب أن يكون لمكلفها 2 طريق إلى العلم بها، لقبح تكليف العمل مع تعذر العلم به. والدلالة على نبوته صلى الله عليه وآله من وجهين: أحدهما القرآن المعلوم ضرورة اختصاصه به، والآخر المعجزات الخارجة عنه. والقرآن دال على نبوته صلى الله عليه وآله من وجوه: منها: حصول العلم بتحديه الفصحاء، وتقريعهم بالعجز عن الاتيان بمثله بقوله تعالى: ” فأتوا بعشر سور مثله ” (2)، ثم اقتصر على واحدة فقال سبحانه: ” فأتوا بسورة من مثله ” (3)، ثم قطع على معينهم بتعذره فقال: ” قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ” (4) وهذا منه مع ما ضم إليه من المناقشة في رتبة الفصاحة ونظم كلمها ودعوى الرئاسة وتضليلهم وآبائهم ووعدهم ووعيدهم عاجلا وآجلا يقتضي توفير دواعيهم إلى معارضته إلى حد لم يبق لهم صارف عنها، فلما لم يحصل والحال هذه، ثبت كون القرآن خارقا للعادة من فعله تعالى عقيب دعواه صلى الله عليه وآله، فاقتضى ذلك كونه صادقا فيها. وإنما قلنا إن خرق العادة بالقرآن مختص به تعالى، لأنه لا يخلو أن يكون تعذر المعارضة لأنه خرق العادة، أو نظمه، أو بمجموعهما، أو لتعذر جنسه،


(1) في بعض النسخ هكذا: تكليفها.
(2) سورة هود، الآية: 13.
(3) سورة يونس، الآية: 38.
(4) سورة الاسراء، الآية: 88.

[ 73 ]

أو لأن الله تعالى سلبهم العادة [ العلوم ظ ] التي يتأتي معها المعارضة. والأول، ظاهر الفساد من حيث كنا وكل عارف برتب الكلام في الفصاحة يعلم فرق ما بين شعر الجاهلية وشعر المحدثين في زماننا هذا في الفصاحة على وجه لا لبس فيه، ولا يحصل لنا مثل هذا الفرق بين قصارى سور القرآن و فصيح كلام العرب، ولو كان خارقا للعادة بفصاحة لوجب أن يكون الفرق بينه وبين فصيح الكلام أضعاف الفرق الحاصل بين شعر المتقدمين والمتأخرين لكون هذا معتادا وذلك معجز، وفي تعذر هذا الفرق دليل على خروج فصاحته عن جهة الاعجاز. والثاني، مقدور لكل أحد من حيث علمنا ارتفاع التفاوت في النظم بصحة وقوعه بركيك الكلام أو فصيحه من كل عاقل. والثالث، مقدور لأنا إذا علمنا كون الفصاحة والنظم مقدورين على الانفراد صح من القادر عليهما الجمع بينهما. والرابع، ظاهر البطلان لأن القرآن من نوع الكلام، والكلام من جنس الصوت، والصوت مقدور لكل محدث بغير شبهة، وصحة وقوعه على كل وجه من ضروب الكلام، توضح (1) ذلك صحة النطق من كل قادر على الكلام بجميع ضروب (2) المماثلة لصيغة القرآن وغيرها، ولو كان القرآن متعذر الجنس لم يصح منا حكايته كما لا يصح منا حكاية شئ من الأجناس الخارجة عن مقدورنا كالجواهر والحياة والقدر وغيرها. فلم يبق لتعذر معارضته مع خلوص الدواعي إليها والقدرة عليها إلا أن


(1) توضيح ذلك، كذا في بعض النسخ.
(2) ضروبه. ظ.

[ 74 ]

الله تعالى سلبهم العلوم التي تصح معها المعارضة في كل حال تعاطوها (1). وليس لأحد أن يدعي حصول معارضة مع (2) الاسلام من ظهورها لأن السلطان كالعرب (3) المتحدين (4) بالقرآن دون النبي صلى الله عليه وآله، فلو كان هناك معارضة لوجب بقضية العادة ظهورها في سائر الأقاليم على وجه لا يصح استتارها فيما بعد، لا سيما وسلطان الاسلام لم يظهر حين ظهر وإلى الآن على جميع الكفار، بل كثير من الممالك المخالفة فيه باقية إلى هذا الزمان، فلو كان هناك معارضة لوجب على أقل الأحوال ظهورها في ممالك أهل الخلاف. وبعد فلو كان هناك معارضة لوجب أن تكون هي الحجة والقرآن هو الشبهة وذلك يوجب في حكمته تعالى توفير الدواعي إلى نقلها وشياعها ليحصل لكل مكلف مدعو إلى الاسلام طريق إلى العلم بها ليفرق بين الدليل (5) والشبهة، وفي عدم الظن بها فضلا عن العلم دليل واضح على عدمها. وليس لأحد أن يقول: إنما لم يعارضوا لأنهم رأوا أن الحرب أحسم لمادة هذا المدعى. لأن الحرب لا حجة فيها لو اقترنت بالظفر، وفيها عظيم المشقة وكبير الخطر، والمعارضة بعيدة من ذلك وفيها الحجة، والعاقل لا يعدل عن الأسهل وفيه الحجة، إلى الخطر الأعظم مع تعريه منها، وليست قريش وغيرها من عقلاء العرب المتحدين بالقرآن بهذه الصفة من السفه والغفلة. وبعد فقد كان ينبغي لما حربوا الحرب، فلم يبلغوا بها طائلا بل نهكهم


(1) في بعض النسخ: تواطؤها.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: منع.
(3) كذا في السنخ ولعل الصحيح: كان للعرب.
(4) في السنخ: المتخذين، والظاهر أنه تصحيف.
(5) في جميع النسخ:.

[ 75 ]

واصطلت (1) أماثلهم، أن يرجعوا إلى المعارضة. وأيضا فإن الحرب لم تحصل إلا بعد مضي أزمان تصح في بعضها المعارضة على أن المعلوم من حال القوم تعرضهم لها وقصورهم عنها وتصريحهم [ تخريصهم ظ ] لما عجزوا بأن النبي صلى الله عليه وآله ساحر وكاهن، وأن الجن تلقي إليه هذا الكلام، فزال بهذا اللبس عن كل متأمل بعجزهم عن المعارضة، وأنهم إنما عدلوا إلى هذا التحريص (2) المقترن بالحرب، لما أعيتهم الحيل، فعل السفيه المنقطع العاجز عن مماثلة خصمه، لأنا نعلم أن من تحدى أهل صناعة بشئ منها وقرعهم (3) بالعجز عن مماثلته، فعدلوا بعد التأمل لما أتى به إلى شتمه وضربه، أنهم عاجزون عنها مستحقون اللوم والتوبيخ من كافة العقلاء. وليس لهم أن يقولوا إنه صلى الله عليه وآله شغلهم بالحرب عن المعارضة لأن الحرب لم تحصل إلا بعد مضي أزمان يصح في بعضها المعارضة لو كانت مقدورة. وأيضا فإن الحرب لم تكن مستمرة في الأزمان فألا عارضوا في الزمان الخالي منها. وأيضا فإن الحرب لم يمنع من الروية والفكر لإيقاع الكلام الفصيح على الوجه المعارض بغير إشكال. ومن وجوه الاعجاز قوله تعالى: ” فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا ” (4) فقطع سبحانه مخبرا على أنهم لا يتمنونه إخبار قادر على منعهم منه متى أرادوا النطق به، فكان كما أخبر سبحانه، وذلك مختص بمقدوره تعالى


(1) كذا في السنخ.
(2) كذا في السنخ. والظاهر: التخريص.
(3) في جميع النسخ: وقوعهم، والظاهر ما أثبتناه.
(4) سورة البقرة الآية: 95 – 94.

[ 76 ]

على جهة خرق العادة عقيب الدعوى فدل على صدق المدعي، وهو جار مجرى من ادعى الإرسال إلى قوم قادرين على ضروب الكلام وجعل الدلالة على صدقه تعذر النطق منهم بكلام مخصوص مقدور لهم في أن تعذر ذلك من أوضح برهان على تخصيص سلب القدرة عليه بالقديم سبحانه. ومنها: أخباره تعالى بحوادث مستقبلة فوقعت مطابقة لخبره كقوله تعالى: ” لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ” (1) فكان الأمر كما أخبر سبحانه من الفتح القريب قبل فتح مكة، وهو فتح خيبر، ثم تلاه دخول مكة محلقين ومقصرين آمنين. وقوله سبحانه: ” ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ” (2) فكان الأمر كما أخبر تعالى. وقوله سبحانه: ” سيهزم الجمع ويولون الدبر ” (3) فكان الأمر كذلك من هزيمة الجمع يوم بدر، إلى غير ذلك من إخبار القرآن بالكائنات (4) المطابقة للمخبر (5) بها. وذلك مختص به تعالى، لوقوف العلم بالغائبات عليه سبحانه. وأما دلالة المعجزات الخارجة عن القرآن على نبوته صلى الله عليه وآله فهي انشقاق القمر، ورجوع الشمس، ونبوع الماء من أصابعه، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وكلام الذئب، وشكوى البعير، وحلب الشاة الحائل، وإحياء الشاة المأكولة


(1) سورة الفتح، الآية: 27.
(2) سورة الروم، الآية: 2 – 1.
(3) سورة القمر، الآية: 45.
(4) كذا في جميع النسخ.
(5) للخبر بها، كذا في النسخ.

[ 77 ]

وإشباع الخلق الكثير بيسير من الطعام، إلى غير ذلك. فطريق العلم بها المشاهدة لمن حضره، والنقل المتواتر لمن نأى عن داره وتأخر وجوده عن وجوده، لأنا وكل مخالط لأهل الاسلام يعلم ضرورة اتصال الأزمان مشتملة على جماعات كثيرة معروفة بالنقل شيعة وعامة لا يجوز على بعضها الكذب لتنائي ديارهم واختلاف دواعيهم كل طبقة تنقل عن طبقة مثلها حتى يتصل النقل بمن شاهد هذه الآيات من الصحابة، وقد بينا سالفا أن وقوع النقل على هذه الصفة يقتضي صدق الناقلين فيه. وإنما ثبت ظهور هذه الآيات عقيب دعويه صلى الله عليه وآله واعتبرنا حالها فوجدناها خارجة عن مقدور المحدثين، إما لتعذر جنسها كنبوع الماء من الأصابع، وإشباع الخلق الكثير بيسير الطعام، وحلب الشاة، لكونه مستندا إلى إيجاد الجواهر، وإحياء الشاة المأكولة، لتعلقه بجنس [ بحس ] الحياة المعلوم بما سلف برهانه تعذر ذلك عن المحدث، أو لوقوعها على وجه لا يصح تعلقه بمقدور محدث كرد الشمس وانشقاق القمر، وإذا اختصت بمقدوره تعالى مع تعلقها بدعواه صلى الله عليه وآله ثبت كونه دلالة نبوته لتكامل شروط المعجز الدال على الصدق فيها. وليس لأحد أن يقدح في ثبوت هذه الآيات وما بيناه من صدق ناقلتها بأن الأمر لو كان كذلك لم يختص نقلها بالدائن بصحتها مع اشتراك الكل في عموم الدعوة وحصول المشاهدة، لأن المعتبر في كون النقل تواترا موجبا للعلم بالمنقول وقوعه على وجه يتعذر معه الكذب، سواء كان الناقل مؤمنا أو كافرا دائنا بالمنقول أو مخالفا فيه، وهذا الشرط حاصل في نقل المعجزات، فيجب الحكم بصحتها وصدق رواتها وإن كانوا بعض من كلف النظر فيها. وبعد فالمعلوم من حال مخالفي الاسلام أنهم ليسوا أهل النقل، من أنكر


[ 78 ]

النبوات ومن أقر بها من اليهود والنصارى حسب ما بيناه، ومن ليس من أهل النقل لما يدين به كيف يكون تركه لنقل ما قامت حجته بنقل غيره دلالة على بطلانه لو لا جهل المعترض. على أنهم لو كانوا ذوي نقل لم يكن إخلالهم بنقل المعجزات قادحا في ثبوتها من حيث علمنا توفر صوارف المشاهدين [ الشاهدين ] للآيات منهم إلى كتمانها لما يؤدي إليه ظهورها من فساد دياناتهم المألوفة ورئاساتهم المستقرة، ولا شبهة في ارتفاع ما توفرت الصوارف عنه ولما كتم الأسلاف [ السلف ] ما شاهدوه للغرض الذي ذكرناه لم يجد إلا خلاف شيئا ينقلوه، فلذلك انقطع نقله منهم. وبعد فهذا منقلب على كل من أثبت نبوة، لأنه لا يجد أحدا ممن خالفه فيما يذهب إليه من النبوة ينقل معجزات من يدعي نبوته [ نبوة ظ ]، لأن البراهمة وغيرها من ضروب الكفار المنكرين للنبوات لم ينقلوا شيئا من معجزات الأنبياء عليهم السلام، واليهود وإن أثبت النبوات فغير ناقلة لمعجزات المسيح عليه السلام وتلاميذه. فمهما انفصلوا به ممن عارضهم بمثل ما عارضونا به فجوابنا لهم مثله وإذا ثبت نبوة نبينا صلى الله عليه وآله بالبراهين الواضحة وجب القطع على كونه صلى الله عليه وآله على الصفات التي يجب كون النبي عليها من العصمة فيما يؤديه، والعصمة من جميع القبائح، وتنزيهه عن كل منفر حسب ما دللنا عليه. ووجب لذلك القطع بنبوة من أخبر بنبوته على التفصيل كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ممن تضمن القرآن ذكره مفصلا، ومجملا في قوله سبحانه: ” ورسلا لم نقصصهم عليك ” (1)


(1) سورة السناء، الآية: 164. وأن جميعهم بالصفات التي

[ 79 ]

يجب كون النبي عليها، وأن اتباعهم والعمل بما جاؤوا به واجب على كل من كلف ذاك، قبيح ممن نسخ عنه وكلف غيره، وأن الإيمان بهم وبما جاؤوا به إيمان، والشك فيه كفر، وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم وخاتمهم الناسخ لشرائعهم ببرهان ما نطق به القرآن وأجمع عليه المسلمون. وثبوت ذلك يقتضي العمل بما جاء به وقبح ما خالفه من الشرائع، و يوجب الشهادة بنسخها، وكفر الدائن بها من اليهود والنصارى والمجوس و غيرهم من ضروب الكفار بشريعته، لأن قيام الدلالة بقدم فاعل العالم سبحانه وكونه واحدا لا ثاني له يقضي بفساد ما ذهب إليه النصارى والمجوس والصابئون من الشرك، لتدينهم أجمع بإلهية الأجسام المحدثة، ووقوف صحة الثالثة (1) على فاعل العالم سبحانه إذ كان معنى الإله من يحق له العبادة، والعبادة كيفية لشكر نعم لا مزيد عليها، واختصاص هذا الشكر بنعمه تعالى من الحياة وما يتبعها المعلوم انغمار كل نعمة سواه في جنب أحدها (2) واستحالة تعذر (3) نعمة من دونها لكونها أصولا لكل نعمة، وبلوغها أقصى المبالغ. وقيام الدلالة بنبوته صلى الله عليه وآله، وحكمه بكفر من خالفه، قاض بضلال الدائن بهذه المذاهب أيضا، ويلحق بها مذاهب اليهود. ونحن نفصل الكلام عليهم وإن كانت هذه الجملة كافية في فساد نحلتهم


(1) كذا في النسخ ولعل الصحيح: التاله. قال الشيخ الطوسي في الاقتصاد: والعبادة إنما تستحق بأصول النعم التي هي خلق الخلق وجعله حيا وقادرا وإكمال عقله وخلق الشهوة فيه… وكل ذلك لا يقدر عليه غير الله فيجب أن تقبح عبادته…
(2) في بعض النسخ: أحدهما.
(3) كذا في بعض النسخ والظاهر أنه تصحيف.

[ 80 ]

واليهود ثلاث فرق: فرقة تمنع من نبوة مدعي النسخ لظنها أن النسخ يؤدي إلى البداء، وفرقة تجيز النسخ عقلا ويمنع منه لظنها ثبوت السمع بخطأه، وفرقة يجيز النسخ عقلا وسمعا ويمنع منه لدعواها أنه لم يقم برهان بنبوة أحد ادعى نسخ شرع موسى عليه السلام. والكلام على الفرقة الأولى أن نبين حقيقة البداء والنسخ بمحصل [ يحصل ] العلم بفرقان ما بينهما فيسقط شبهة المماثل بينهما، ثم نبين حسن النسخ فيرتفع الريب بفساد قولهم. والبداء هو النهي عن نفس ما وقع الأمر به أو الأمر بنفس ما حصل النهي عنه، وإنما يكون كذلك بأن يكون ما تعلق به النهي والأمر واحدا والمأمور والمنهي واحدا والوقت واحدا والوجه واحدا كقول المكلف لشخص معين ألق زيدا عند طلوع الشمس مكرما له ولا يأكل (1) العسل يوم كذا طاعة…
(2) عن لقاء زيد مكرما له قبل طلوع الشمس من غده، ويأمره أو يبيحه أكل العسل قبل ذلك اليوم. وقلنا إنما (3) جمع هذه الشروط بداء لأنه لا وجه له إلا ظهور وجه الصلاح بعد خفائه، وهو جائز من كل محدث وغير قبيح، لكون جميعهم غير عالم بوجه الصلاح في المستقبل، وإنما يثبتون تكاليفهم على الظنون التي يجوز إن تحقق، وغير جائز على القديم سبحانه من وجهين: أحدهما: أنه يقتضي (4) ما علمنا استحقاقه من كونه عالما لنفسه من حيث


(1) ولا تأكل. كذا في بعض النسخ.
(2) هنا بياض في النسخ، ولعل المحذوف هذه الجملة: ثم نهاه.
(3) في بعض النسخ: إنما ما جمع.
(4) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: نقيض.

[ 81 ]

علمنا أنه لا وجه للنهي عن نفس المأمور به أو الأمر بالمنهي عنه إلا الجهل بالعاقبة. الثاني: أن أمره بالشئ دلالة حسنه ونهيه دلالة قبحه، والنهي عن الحسن والأمر بالقبيح لا يجوز عليه سبحانه. ومتى اختل شرط واحد خرج عن حد البداء، لعلمنا بصحة أمره تعالى المكلف بشئ ونهيه عن غيره، ونهي مكلف آخر عن نفس ما أمر به، و تكليفه شيئا زمانا معينا ونهيه عن مثله في زمان آخر، وأمر (1) بالفعل في وقت على وجه ونهيه عن إيقاع مثله على وجه آخر. واتفاق العلماء على حسن ما له هذه الصفة وخروجه عن صفة البداء. وأما النسخ فهو كل دليل سمعي دل على رفعه مثل الحكم الثابت بالنص الأول على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه. واشترطنا كون الناسخ دليلا لأن رفع التعبد الثابت بمطلق نصه تعالى لا يجوز بغير دلالة. واشترطنا كونه سمعا لأن النسخ لا يتعلق بما ثبت عقلا ولا يرتفع الأحكام الشرعية به. واشترطنا كونه رافعا لأن ما ليس برافع من الأدلة لتعبد ثابت لا يكون ناسخا. وقلنا: مثل الحكم، لأن رفع نفس الحكم المتعبد به لا يكون إلا بداء. واشترطنا التراخي، لأن المقارن لا يكون ناسخا وإنما هو بيان لمدة التكليف، وبيان المدة لا يكون نسخا. والدلالة على صحة هذا الحد، أنه متى تكاملت هذه الشروط وصف الدليل بأنه ناسخ والمرفوع منسوخ، ومتى اختل شرط واحد فليس بناسخ ولا منسوخ.


(1) كذا في النسخ، والظاهر: وأمره.

[ 82 ]

وإذا تقرر هذا في حد البداء والنسخ، صح فرقان ما بينهما وجهل الجامع. والدلالة على حسن النسخ كون الشرائع مبنية على المصالح التي تصح أن تختص بزمان دون زمان، وبمثل دون مثل، ومكلف دون مكلف، وبوجه دون وجه، لولا ذلك لم يكن السبت أولى بالامساك من الأحد، ولا فعل الصلوة في وقت وعلى صفة أولى من وقت وصفة أخرى، ولا تحريم الشحم المتميز أولى من المختلط. وإذا كانت الشرائع مقررة على المصالح، جاز أن يكون صلاح المكلف مختصا بفعل العبادة في زمان معين ويكون مفسدة في آخر، ولمكلف صلاح في شئ هو مفسدة لمن يتجدد بعده، وعلى وجه صلاح و على وجه آخر فساد. وإذا صح ذلك وعلمه مكلف المصالح سبحانه وجب في حكمته سبحانه بيان ذلك حسب ما وجب مثله في ابتداء التكليف، وجرى ذلك مجرى لو قرن بيان المدة بالتكليف، فكما قال سبحانه لبعض المكلفين: صلوا كل يوم خمس صلوات وصوموا كل سنة شهر رجب، مدة عشر سنين، لكان ذلك مفيدا للزوم الصلوة والصوم المعينين تلك المدة المذكورة وقبحهما فيما بعدها باتفاق، فكذلك يجب الحكم إذا قال سبحانه: صلوا كل يوم خمس صلوات وصوموا كل سنة شهر رجب، ثم قال سبحانه بعد عشر سنين: لا تصلوا ولا تصوموا ما كنتم أمرتم بمثله، لتماثلهما في بيان المدة وإن تقدم أحد البيانين وتأخر الآخر. والكلام على الفرقة الثانية: أن يقال لهم دلوا على أن موسى عليه السلام قال ما ذكرتموه مانعا من النسخ، فإنهم لا يجدون إلى إثباته سبيلا، لعدم التواتر به، بل كونه من أخبار الآحاد، لحصول العلم لكل مخالط بفقد من يعرف بنقل الأخبار في شئ من طبقاتهم التي تلينا، وإنما يضيفون ذلك إلى اعتقادات متواترة عن السلف، وصحة الاعتقادات فرع لصحة ما تستنده إليه، وإذا تعذر إثبات


[ 83 ]

ما تستند إليه هذه الاعتقادات وجب الحكم عليها بالبطلان. وبعد فلو قال موسى ذلك لم يخل أن يريد المنع من نسخ شرعه على كل حال وإن اقترن دعوى ناسخه بالمعجز أو من دون ذلك، والثاني لا ينازع فيه لأنه يقتضي رفع الشرائع الثابتة بالأدلة بمجرد الدعوى العرية من الحجة، و الأول يقتضي القدح في نبوته الموقوف صحتها على المعجز مع أمره بتكذيب من معه المعجز، وذلك مأمون منه عليه السلام فثبت تعلق منعه عليه السلام من النسخ بالوجه الأول. وليس لهم أن يقولوا إن كلام موسى عليه السلام المتضمن للمنع من النسخ متعلق بالتأبيد من غير تقييد، لأنه لو كان كذلك لوجب تقييد مطلقه وتخصيص عامه بالبرهان كصحته بقول موسى عليه السلام إذ لا فرق ين أن يقول موسى عليه السلام شريعتي لا تنسخ أبدا والزموها أبدا و [ أو. ظ ] ما دامت السموات والأرض إلا أن يأتيكم بشئ بالنسخ، في وجوب تقييد مطلق قوله ونسخ شرعه بمن يأتي بعده من الأنبياء، وبين أن يختص ذلك بقول من ثبتت نبوته من هارون عليه السلام أو عيسى عليه السلام أو رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، لاشتراك الكل في الصدق على مرسلهم سبحانه لبيان المصالح والمفاسد، وفساد القول بتصدق أحدهم دون الآخر مع ثبوت البرهان بنبوة كل منهم فليتأمل هذا فإنه يأتي على مذهبهم ويوجب عليهم الرجوع إلى القول الثالث. والكلام على الفرقة الثالثة: أن يقال لهم لم زعمتم أنه لم يقم دليل على نبوة مدعي النسخ أبضرورة علمتم ذلك أم باستدلال؟ ودعوى الضرورة مرتفعة بغير إشكال، والدلالة على نفي النبوة من جهة العقل منتفية، ومن جهة السمع وقد بينا ما يظنونه نافيا من جهته. وإذا لم يكن لهم طريق إلى العلم بتكذيب مدعي النسخ، وجب عليهم النظر في دعوته، لحصول الخوف من صدقه،


[ 84 ]

فمتى يفعلوا بشروطه يعلموا من ذلك ما جهلوه ويلزمهم الدخول فيما أنكروه لوضوح الحجة بنبوة عيسى عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله، وإن يقيموا على الأغراض [ الأعراض. ظ ] يقيموا محجوجين ويفقدوا علم ما يلزمهم معرفته من النبوات لسوء نظرهم لأنفسهم وقبح عنادهم. ثم يقال لهم دلوا بأي دليل شئتم على نبوة موسى، فإذا فعلوا قوبلوا بمثله في نبوة المسيح عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله لأنهم إنما يفرغون [ يفزعون. ظ ] (1) في ذلك إلى دعوى التواتر بظهور المعجزات عقيب دعوى موسى عليه السلام ومثل هذه الدعوى حاصل في النصارى ومعجزات تلاميذ المسيح عليه السلام، بل للنصارى عليهم أعظم المزية، لحصول العلم باتصال مملكة الروم إلى زمان دعوة المسيح عليه السلام، وتعذر ذلك فيهم. وليس لهم أن يقولوا ضلال النصارى في المسيح، ودعواهم له الإلهية أو النبوة مانع من سماع نقلهم، لأن النقل المتواتر لا يفتقر إلى صحة الاعتقاد بغير نزاع بين العلماء فيه لانفصال كل منهما من صاحبه، فإذا ثبت تواتر النصارى بالمعجزات وفهم شرط التواتر، وجب الحكم بصدقهم فيها وصدق من ظهر عليه لحصول الأمان من كذب المؤيد بالمعجز على الله تعالى، ولا يقدح في ذلك ضلال النصارى عندها (2) لما بيناه ألا ترى أنا نعلم تدين عالم عظيم بإلهية موسى ومن قبله ومن بعده ممن ثبت نبوته بالمعجزات لأجلها ولم يقدح ذلك في نبوتهم عليهم السلام، ولا أثر في نقلهم، لانفصال أحد الأمرين من الآخر. على أن هذا الاعتذار غير مقتدر (3) في تواتر المسلمين بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله


(1) في بعض النسخ: يفرعون.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: عندنا.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: معتذر.

[ 85 ]

فينبغي أن يقتصر بهم على إلزامه (1) على موجب اعتبارهم، لا سيما وحجة ثبوتها بتغير الأزمان المتصلة إلى زمان دعوته صلى الله عليه وآله مشتملة على متواترين بها واضحة ومتعذرة في نقلهم فيلزمهم مع تسليم نقلهم القول بنبوة المسيح عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله كلزومه في موسى أو التشكك في نبوة الثلاث (2) فخرجوا عن اليهودية إلى البرهمية ويكلموا بما تكلم به البراهمة. فأما القول بنبوة موسى وتكذيب عيسى ورسول الله صلى الله عليه وآله مع تساوي الكل في ظهور المعجزات فمناقضة ظاهرة، وعناد للحق لا شبهة فيه ثم يبتدي إيضاح الحجج السالفة على نبوة نبينا يلزمهم لذلك النظر فيها ومتى يفعلوه بشروطه يعلموا من صحة نبوته صلى الله عليه وآله ما علمه كل ناظر في آياته وإلا يفعلوا يجب الحكم عليهم بعناد الحق والركون إلى الباطل ولزوم حجة نبوته صلى الله عليه وآله (3). الكلام في الإمامة (4) والوجه في الرئاسة كونها لطفا للخلق، لقبح تكليفهم العقلي من دونها، لأنا نعلم ضرورة أن وجود الرؤساء المهيبين النافذي الأمر المرهوبي السطوة مقلل للقبيح ومكثر للحسن وأن فقدهم بل ضعفهم بعكس هذه القضية. وإذا علم كون الرئاسة بهذه الصفة ثبت كونها لطفا فوجبت كسائر الألطاف، والمخالف في هذا لا يعدوا خلافه أربعة مواضع، إما أن ينازع فيما ذكرنا من تأثير الرئاسة في الصلاح وحصول الفساد بفقدها، أو يقدح بما لعله يقع من فساد


(1) في بعض النسخ: الراحة، والظاهر أنه تصحيف.
(2) كان في النسخ: في نبوة الشك.
(3) هذه الصفحة من قوله: على أن هذا الاعتذار، إلى هنا تحتاج إلى تصحيح، وهو فرع الظفر بنسخة مصححة إن شاء الله تعالى.
(4) العنوان من المصحح.

[ 86 ]

عند وجود الرؤساء، أو بإيثار بعض العقلاء رئيسا دون رئيس، أو اعتقاد بعض العقلاء حصول الصلاح بفقد الرئاسة. فإن نازع على الوجه الأولى قضت المشاهدة عليه، وحكم بفساد نزاعه عموم العلم للعقلاء بصلاح الخلق بعد الرؤساء وقهرهم المفسدين في الأرض وإرهابهم، وأنه لو خلا مصر واحد من رئيس لم يتوهم صلاحه أبدا وحال المكلفين حالهم من جواز القبيح منهم. وإن نازع على الوجه الثاني لم يقدح في وجوب الرئاسة، لتعلقه بكونها لطفا في فعل الواجب واجتناب القبيح وليس بملجئ، لصحة التكليف معه و فساده مع الالجاء، فوقوع القبيح عندها لا يمنع من كونها لطفا في اجتنابه كالعلم بالثواب والعقاب المعلوم عموم كونه لطفا لكل مكلف مع وقوع القبائح من العالمين [ بها ] على أن الواقع من القبيح عند وجود الرئاسة لولاها لوقع أضعافه حسب ما يعلمه كل عاقل بمجرى [ يجري. خ ] العادة، وما أثر رفع قبيح واحد أو يبعد منه (1) لطف واجب في حكمته سبحانه كوجوب ما أثر رفع سائر القبائح بغير نزاع بين أهل العدل. وإن نازع على الوجه الثالث، لم يقدح أيضا، لأن صلاح بعض المكلفين برئيس دون رئيس لا يقدح في جهة وجوب الرئاسة في الجملة، وإنما أختص صلاحه لأمر يرجع إليه لا إلى الرئاسة، يوضح ذلك أنه لم يصلح إلا برئاسة. وإن نازع على الوجه الرابع، لم يقدح أيضا لأن اعتقاد بعض العقلاء حصول صلاحه بعدم الرئاسة، لا يمنع من وجوبها من الوجه الذي بينا ثبوته


(1) في جميع النسخ: يعد منه، والصحيح ما أثبتناه.

[ 87 ]

في أوائل العقول لأنه (1) يخص هذا المعتقد وإن كان عالما بما للخلق من الصلاح بها، كما أن اعتقاد المودع والغريم أن عليه ضررا في رد الوديعة و قضاء الدين وله صلاح في الامتناع من ذلك، وله نفع في الظلم وفي الكذب وعليه ضرر في الانصاف والصدق (2) لا يخرج رد الوديعة وقضاء الدين عن الوجوب ولا يقتضي حسن الظلم والكذب، وكذلك حكم الرئاسة وهذا المعتقد. يوضح ذلك حصول العلم لكل عاقل باختصاص هذا الاعتقاد بالمفسدين في الأرض، ليتم لهم ما يؤثرونه من الفساد لعدم الرؤساء الذين يصح منهم (3) مع وجودهم، ولا شبهة في قبح هذا الاعتقاد. والاعتراض علينا به أو بمن يعلم فسادا في رئاسة فهو يؤثر عدمها لما فيها من الفساد، ومن هذه حاله غير منكر لرئاسة العادل، ولذلك يعلمه كل عاقل متمنيا لها، أو بمن ينكر رئاسة يؤدي ثبوتها إلى فساد رئاسته كالمتقدمين على أئمة الهدى عليهم السلام جهة إنكارهم لرئاستهم اعتقادهم صلاح أمرهم لعدمها لما يعلمونه من زوال سلطانهم بها وفوت المنافع بثبوتها ولا شبهة في قبح هذا الاعتقاد، فلا قدح به في وجوب الرئاسة. ويوضح ذلك علمنا به لا أحد (4) من هؤلاء إلا وهو متدين (5) بالرئاسة و عاقد أمره وما يرومه من الصلاح بها، وإنما أنكر رياسة من يعتقد فوت أمانيه


(1) في بعض النسخ: لأمر يخص.
(2) في النسخ.
(3) منعهم. ظ.
(4) كذا في النسخ، والظاهر: أنه لا أحد.
(5) في بعض النسخ: وهو مستدبر.

[ 88 ]

بها، وهذا خارج عن مقصودنا. ولا بد من أن يكون الرئيس معصوما، لأن جهة وجوب الرئاسة كونها لطفا في وقوع الحسن وارتفاع القبيح، ويعلق هذا اللطف بكون المرؤس غير معصوم فوجب لذلك عصمة الرئيس أو من ينتهي إليه الرئاسات… (1) يقتضي أحد الأمرين كل واحد منهما فاسد، إما وجود مكلف غير معصوم ولا رئيس عليه وذلك إخلال بواجب، أو وجود رئيس لرئيس إلى ما لا يتناهى، وكلا الأمرين فاسد، فثبت ما قلناه. ولا بد من كونه أفضل الرعية، لكونه رئيسا لهم في جميع الأشياء، و حصول العلم الأول بقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه فيه. وأيضا فالمعلوم وجوب تعظيم الرئيس على كافة الرعية على وجه لا يستحقه أحد منهم عليه ولا بعض على بعض، لكونه مفترض الطاعة عليهم، والتعظيم كاشف عن استحقاق الثواب، ذا علمنا استحقاقه منه أعلى المراتب علمنا كونه أكثرهم ثوابا، وهذا معنى قولنا أفضل. إن قيل إذا كان فرض الطاعة عندكم كيفية لشكر نعمة، فما هي نعمة الرئيس التي لها وجبت طاعته وما وجه تعظيمه في الغاية، والتعظيم لا يحسن الابتداء به، قبل (2) الشكر، وإن اقتضى في بعض النعم طاعة فقد يجب الطاعة لا من هذا الوجه بأن يكون المطاع مبينا لمصالح ومفاسد لا تتم إلا بطاعته أو


(1) هنا بياض في بعض النسخ، قال المؤلف في كتابه تقريب المعارف: ولا يكون كذلك إلا بكونه معصوما… فاقتضى ذلك وجوب رجوع الرئاسات إلى رئيس معلوم وإلا اقتضى وجود ما لا يتناهى من الرؤساء والاخلال بالواجب في عدله تعالى وكلاهما فاسد.
(2) كذا في النسخ، والصحيح: قيل الشكر.

[ 89 ]

رئيسا مستصلحا به الرعية لا يتم صلاحهم إلا بطاعته فيجب الطاعة ههنا في حق صلاح المطيع وانتفاء مفاسده وإن لم يتقدم له نعمة يقتضي ذلك. على أن الرئيس يتحمل من كلفة النظر في مصالح الرعية ومعارضهم [ معرضهم. خ ] لما يوجب شكره المقتضي تعظيمه لعظيم ما أوجب طاعته (1)، فأما تعظيمه فكاشف عن استحقاقه من الثواب ما لا يستحقه أحد من رعيته حسب ما قدمناه، وذلك يقتضي ثبوت طاعات للرئيس، استحق بها ذلك لما قبل النصبة أو بها إذا كان تكلفه بأعباء الرئاسة وصبره على تحمل مشاقها من أعظم الطاعات. ولا بد من كونه أعلمهم بالسياسة، لكونها إماما فيها، وقد علمنا قبح تقليد الجاهل ما لا يعلمه وجعله إماما في شئ يفتقر فيه إلى من هو إمام عليه فيه. فأما علمه بالأحكام ففرع لكونه حاكما فيها، وقد علمنا من جهة السمع كون الإمام حاكما في جميع المسألة (2)، فيجب كونه عالما [ بها ] لقبح تكليف الحكيم (3) بما لا يعلمه مكلفه. وعلمنا من جهة منصوبا للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر، وذلك يقتضي علمه بالجميع، لأن الأمر بالشئ والحمل عليه بالقهر فرع العلم بوجوبه، والنهي عن الشئ والمنع منه بالقهر فرع للعلم بقبحه، لعلم كل عاقل بقبح الحمل على ما لا يعلم وجوبه، والمنع مما لا يعلم قبحه. وليس لأحد أن يقول: فهذا يوجب كون حكام الإمام في البلاد مساوين له في العلم. لأن ولاية الحكام خاصة فيما علموه، وما لم يعلموه مردود إلى الإمام ليحكم


(1) تعظيما أوجب طاعته. ظ.
(2) في بعض النسخ: الملة.
(3) الحكم، كذا في بعض النسخ.

[ 90 ]

فيه 1 على الحكم، وليست هذه حال الإمام لكونه إماما في جميع الأحكام وأما كونه أشجع ففرع لكونه إماما في الحرب، وقد علمنا من جهة السمع كون الإمام إماما في الجهاد، فيجب كونه أشجع الرعية بل شجاعا لا يجوز عليه الجبن، لكونه فئة يفزع إليه، فلو جاز عليه الجبن (1) ولم يؤمن من هزيمة (2) فيؤدي إلى فساد لا يتلافى، ألا ترى ثبوت رسول الله صلى الله عليه وآله يومي أحد وحنين مع انهزام جميع أصحابه إلا نفرا يسيرا على وجه لم يجر العادة بمثله، ولو فرضنا هزيمته – والعياذ بالله – لاقتضى ذلك فسادا في الدين لا يستدرك، وهذه حال أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام في بلواهم بحروب يقتضي هزيمة الجمع العظيم من الشجعان، ثبتوا فيها حتى نصروا أو استشهد من استشهد منهم. ويجب كونه أزهدهم وأعبدهم لكونه قدوة في الأمرين. وإذا وجب كون الرئيس بهذه الصفات فلا بد من تميزه بإظهار المعجز على يديه، أو النص على عينه بقول من قد علم صدقه بالمعجز، من حيث علمنا تعذر العلم بمن هذه صفاته بشئ غير نص علام الغيوب سبحانه بالمعجز أو ما يستند إليه من نص الصادق عليه سبحانه، فبطل لذلك مذهب القائلين بالاختيار والدعوة والميراث. ويبطل هذه المذاهب أن تعليق الإمامة بالاختيار يقتضي بطلان الإمامة أو وجود عدة أئمة أو فسادا لا يتلافى، من حيث كان اتفاق أهل الاختيار على اجتماع أهل الأقاليم في مكان واحد واتفاقهم على اختيار واحد كالمتعذر، لعدم الداعي إليه والباعث عليه، ووقوف الاختيار على أهل كل إقليم، يقتضي وجود عدة


(1) في بعض النسخ: الخوف.
(2) هزيمته.

[ 91 ]

أئمة، والاجماع بخلاف ذلك، وفساد الجميع يسقط الإمامة، وثبوت إمامة أحد المختارين إثبات ما لا حجة يقتضي صحته، وهو مع ذلك مؤد إلى فساد لا يتوهم صلاحه، بأن يعتقد أهل كل إقليم أن الذي اختاروه هو أحق بالامامة من كل مختار، وأنه يجب على كل مكلف الانقياد له وإلا يفعل فهو خارج عن الواجب يجب جهاده، وفي هذا من الفساد ما لا يتلافى، فبطل كون الاختيار طريقا إلى الإمامة. وبمثل هذا بعينه يبطل كون الدعوة طريقا إلى الإمامة دعوى جماعة من بني فاطمة عليها السلام يتكامل لهم الصفات في وقت واحد فأما القول بإمامة الكل أو اطراح دعوى الكل مع فساد الأمرين (1) أو [ و ظ ] القول بإمامة مدع دون مدع مع عدم الدلالة المميزة له من غيره ظاهر الفساد، وهو مقتض لما بيناه من اعتقاد أهل كل إقليم صحة إمامة من يليهم دون من عداه مع ما في ذلك من الفساد الذي لا يتوهم صلاحه. ويبطل الدعوة أيضا كون الإمامة موقوفة على مجرد الدعوى العرية من برهان ومعلوم فساد هذا بأوائل العقول. ولأن مثبت هذا المذهب لا يسنده إلى دليل عقلي ولا سمعي ولا شبهة في فساد ما لا دليل عليه. وأما الميراث فعري من حجة على كونه طريقا إلى الإمامة عقلية ولا سمعية، ولأنه يقتضي اشتراك النساء والرجال والعقلاء والأطفال والعدول والفساق في الإمامة كاشتراكهم في الإرث، والاجماع بخلاف ذلك. وإذا بطلت الطرق المدعاة عدا النص والمعجز ثبت تخصيص معرفة الإمام بهما.


(1) في لعض السنخ هكذا: مع تساوي الأمرين.

[ 92 ]

ولأن القول بأن الدعوة أو الميراث طريق إلى الإمامة حادث بعد انقراض زمن الصحابة والتابعين وأزمان بعدها خالية منه، ولا شبهة في فساد ما هذه حاله من المذاهب. وأيضا وكل من قطع بوجوب ما بيناه من الصفات للإمام قطع بفساد الاختيار والدعوة والميراث، وإذا كانت الصفات المعتبرة ثابتة بالبرهان لحقت هذه الفتيا بها في الصفة (1)، إذ كان الفرق بينهما خروجا عن مقتضى الأدلة وخارقا للاجماع. وهذه الصفات متكاملة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وللأئمة من ذريته الحسن والحسين والتسعة المعينين من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، لأن كل من أثبتها للإمام خص بها هؤلاء المذكورين، وإذا كانت ثابتة بالبرهان لحق الثاني بالأول. وأيضا فلا أحد قطع ثبوتها لأحد عداهم ممن ادعيت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وإلى الآن، فوجب لذلك القطع بفساد إمامتهم أجمع، لارتفاع القطع بثبوت ما لا يكون الإمام إماما من دونه لواحد منهم كما يجب مثله لو لم يقطع بثبوت عدالتهم من حيث كانت العصمة شرطا في الإمامة كالعدالة، فإذا بطلت إمامة من عداهم وجب لذلك القول بإمامتهم أو فساد مدلول الأدلة. وأيضا فلا أحد ادعيت إمامته دونهم إلا وقعت منه القبائح أو قرفته (2) الأمة بها أو بعضها، وحال من ذكرناه بخلاف ذلك، لأنه لم يتمكن أحد ممن والاهم أو عاداهم من عيبهم بشئ بغير (3) ثابتا ولا متحرصا (4) وهذا معنى


(1) في بعض النسخ: في الصحة.
(2) في جميع النسخ: فرقته، والظاهر ما أثبتناه.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: يعير.
(4) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: متخرصا.

[ 93 ]

المعصوم، إذ لا مشارك لهم في ذلك إلا الأنبياء، فوجب لذلك القول بإمامتهم، ولا يقدح فيما اعتبرناه ما تدين به الخوارج فيهم، لأن الخوارج تقدح في عدالتهم بما وضح برهان حسنه، وأجمع المسلمون على ذلك فيه، وكلامنا مختص بتنزيههم عما يثبت قبحه. يوضح ذلك تدين كثير من العقلاء بضلال الأنبياء عليهم السلام وكذبهم في دعويهم ولم يقدح هذا الاعتقاد في صدقهم وعلو منزلتهم من حيث أسند إلى مجرد الاعتقاد المعلوم فساده بالحجة. ومما يدل على إمامتهم صلوات الله عليهم قوله تعالى: ” فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” (5) فأمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر ليعلم، ولم يخص ذلك بشئ، دون شئ، وذلك مقتض لعلم المسئولين بكل شي يسألون عنه معصومين فيما يفتون به، لقبح الأمر بمسألة من لا يعلم ما يسئل عنه، وعدم العلم لفتيا من يجوز عليه الخطأ عن قصد أو سهو، وإذا ثبت كون أهل الذكر المأمور بمسألتهم في الآية بهاتين الصفتين ثبت تخصيصهما بالمذكورين، لأنه لا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها المذكورين. وإن شئت قل: لا أحد أثبت الصفتين لأحد عداهم، وكل من أثبتها للمذكورين قال بإمامتهم. ولأن فتياهم إذا كان موجبا للعلم وجب الاقتداء بهم فيه، لحصول الأمان من زللهم، دون من لا يوجبه فتياه ولا يؤمن فيه الضلال، ووجوب الاقتداء بهم برهان إمامتهم، وبهذا الاعتبار يسقط قول من زعم أن أهل الذكر في الآية هم اليهود والنصارى، أو القراء، أو الفقهاء، لانتفاء الصفتين الثابتتين لأهل الذكر عن كل واحد من هؤلاء باتفاق. ويدل أيضا على إمامتهم قوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و


(5) سورة النحل، الآية: 43 وسورة الأنبياء، الآية: 7.

[ 94 ]

أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” (1) فأوجب سبحانه طاعة أولي الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله على كل مكلف حاضر لنزول الآية وناشئ إلى انقضاء التكليف وفي كل أمر، فيجب عموم طاعة أولي الأمر كذلك، لوجوب إلحاق المعطوف بحكم المعطوف عليه، وذلك مقتض لإمامتهم، إذ لا أحد وجبت طاعته على هذا الوجه إلا من ثبتت إمامته بعد الرسول، ولا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها عليا والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليهم السلام، ولأن عموم طاعتهم مقتض لعصمتهم، لأنه لو جاز عليهم القبيح مع إطلاق الأمر بطاعتهم في كل شئ لكان ذلك أمرا بالقبيح المتعذر منه تعالى، وإذا ثبتت عصمة أولي الأمر ثبت توجه الآية إلى من عيناه، لأنه لم تثبت هذه الصفة لأحد ولا ادعيت له عداهم. وإن شئت قلت: لا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها من ذكرناه. ولأن الأمة في الآية رجلان: قائل إنها في أمراء (2) السرايا عن ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام خاصة، وقائل إنها في أئمة الهدى عليهم السلام، وقد علمنا اختصاص طاعة أولي الأمر بمن ولو عليه، وبما كانوا أمراء فيه، وبالزمان الذي اختصت به ولايتهم، وطاعتهم كما ترى خاصة من كل وجه، فطاعة [ وطاعة ظ ] أولي الأمر في الآية عامة من كل وجه، فيجب لفساد أحد القولين صحة الآخر، وصحته تقتضي إمامة المذكورين عليهم السلام. وقد كان بعض من لا بصيرة له قدح في عموم طاعة أولي الأمر، بأن قال: عموم طاعته سبحانه ورسوله غير مستفاد من الآية، وإنما يعلم بدليل غيرها، فيجب إقامة دليل من غير الظاهر على عموم طاعة أولي الأمر.


(1) سورة النساء، الآية: 59.
(2) أمر، كذا في النسخ. ولعل الصحيح ما أثبتناه.

[ 95 ]

فأجبنا أن مطلق الأمر بالطاعة يقتضي تناوله لكل مخاطب في كل زمان وأمر، وإنما يفتقر التخصيص إلى دلالة، وإذا كان هذا معلوما من مطلق كل خطاب، وعطف بأولي الأمر على ما تقدمت دلالة الخطاب على عمومه، وجب إلحاقهم به. وبأنا لو سلمنا أن عموم طاعته سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله معلوم بدليل غير الآية، لم يقدح ذلك في مقصودنا، من حيث كان المخاطب العالم بعموم الطاعتين إذا قيل له أطع الله ورسوله فهم بما تقدم له من الدلالة عموم الطاعة، فإذا عطف على هذه الطاعة بأولي الأمر وجب عليه إلحاقهم في عموم الطاعة بما تقدم له العلم بعمومه وخوطب به. ويدل أيضا على إمامتهم عليهم السلام قوله تعالى: ” ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ” (1) فأخبر سبحانه قاطعا بأن الرد إلى أولي الأمر يقتضي العلم بما يستنبطه الراد إليهم، كاقتضائه مع الرد إلى الرسول صلى الله عليه وآله، ذلك يقتضي صفتي العلم والعصمة لأولي الأمر حسب ما أوجبناه في آية أهل الذكر، وذلك يقتضي تخصيص الآية بأئمتنا، ووجوب الاقتداء بهم، وثبوت إمامتهم حسب ما رتبناه فيما سلف. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” (2) يعني الاقتداء بهم، إذ الأمر بالكون معهم في المكان لا فائدة فيه، وذلك يقتضي وجوب الاقتداء بهم في كل شئ، لأنه سبحانه يخص


(1) سورة السناء، الآية: 83.
(2) سورة التوبة، الآية: 119.
(3) كذا في السنخ. ولكن قال في تقريب المعارف: ومنها قوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” فأمر باتباع المذكورين ولم يخص جهة الكون بشئ فيجب اتباعهم في كل شئ…

[ 96 ]

شيئا من شئ، ولا يحسن الأمر بالاقتداء على هذا الوجه مع جواز القبيح على المقتدى به، وإذا ثبت عصمة الصادقين ثبت توجه الخطاب إلى ما ذكرناه لما بيناه من الاعتبار. ولأنه تعالى وصف المأمور باتباعهم بالصدق عنده سبحانه، وذلك مانع من توجهه إلى من يجوز عليه الكذب، لأن جوازه يمنع من القطع بالصدق عند الله، وإذا ثبت عصمتهم بهذا الاعتبار أيضا ثبت تخصيص الذكر في الآية بأئمتنا عليهم السلام. ولأنه سبحانه وصفهم بالصدق فمنع ذلك من كذبهم، من حيث كان حصوله منهم يقتضي وصفهم به وذلك مناف لخبره تعالى. فكأنه سبحانه فيما أمر به من مسألة أهل الذكر وطاعة أولي الأمر والرد إليهم الاقتداء بالصادقين، أمر بمسألة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي و الحسن والحجة المهدي عليهم السلام وطاعتهم والرد إليهم والاقتداء بهم بأسمائهم وأعيانهم، إذ لا فرق بين أن ينص على الأسماء المخصوصة، أو على الصفات المختصة بالمسمين، بل النص على الصفات أظهر في الحجة، لحصول الاشتراك في الأسماء، وانتفائه في الصفات المختصة، وإذا كان لو نص على إمامتهم والاقتداء بهم بأسمائهم وأنسابهم لم يحصل على قلب مكلف ريب في أمرهم، وكان النص على الصفة المختصة أظهر في الحجة، وجب لنصه عليها ارتفاع الشك في إمامتهم. ويدل على ذلك من جهة السنة ما اتفق عليه نقلة (1) الشيعة وفي نقلهم الحجة، ورواه أصحاب الحديث من غيرهم، أن النبي صلى الله عليه وآله قال في غير موطن: ” إني


(1) اتفق على نقله الشيعة.

[ 97 ]

مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” وقال في مقامات: ” مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها وقع في النار ” وفي رواية ” هلك ” وفي رواية ” غرق ” وقال في مواضع أخر: ” مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة من دخله كان آمنا “. ووجه الحديث الأول، أنه صلى الله عليه وآله أمر على جهة الإخبار بالتمسك بكتاب الله وعترته، وخص المرادين من العترة بصفة يقتضي عصمتهم، هي أمان المتمسك بهم من الضلال، إذ لو كان الخطاء جائزا على المتمسك لم يكن المتمسك آمنا من الضلال، ولأنه صلى الله عليه وآله جمع بينهم وبين الكتاب المهيمن على كل حجة في وجوب التمسك، وذلك مقتض لكونهم حججا يجب الاقتداء بهم كالكتاب، ولأنه صلوات الله عليه وعليهم أوجب التمسك بهم في كل شئ ببرهان إطلاق التمسك من غير تخصيص، ولمساواته في ذلك بينهم وبين الكتاب الذي يجب التمسك بجميعه، وذلك مقتض للاقتداء بأقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالتكليف، وهذا معنى فرض الطاعة الذي لا يستحقه إلا الإمام وهو دال أيضا على عصمتهم لما بيناه من أن عموم الاقتداء يقتضي عصمة المقتدى به. ووجه عموم الحديثين (1) الثاني والثالث، أنه صلى الله عليه وآله نص على نجاة متبع أهل بيته وأمانه من الضلال، وذلك برهان عصمتهم، إذ لو جاز عليهم الخطاء لم يكن القطع بنجاة متبعهم وأمانه من الضلال، وثبوت عصمتهم مقتض لإمامتهم لأنه لا أحدا فرق بين الأمرين، وثبوت هذه الأمور فيمن تعلق به مقتضى الأخبار دليل على تخصيصها بمن عيناه من الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم دون سائر الذرية، لأنها لم يثبت لأحد عداهم ولا ادعيت له.


(1) في بعض النسخ هكذا: ووجوب جهة عموم الحديثين.

[ 98 ]

ويدل أيضا على إمامتهم عليهم السلام عموم العلم لكل مخالط بنباهة (1) قدرهم البأس، وعظم [ قدر. خ ] منزلتهم عند الولي والعدو، وتعظيم الشيعة لهم، وترشيحهم لإمامة الأنام، وتدين أوليائهم بذلك فيهم، وكثرة أعدائهم له (2) من قريش المتغلبين أولا وآخرا على خلافة الاسلام وأعوانهم عليها، واجتهاد الكل في الغض منهم، وإضافة وصمة إليهم، ثابتة أو متخرصة، وسلامة أعراضهم من ذلك، وبراءة ذمتهم منه عند الكل، وشهادة الجميع بضلالة من قرفهم بشئ من القبائح، وهذا برهان عصمتهم وكونهم حججا حبس الله الألسن عن التحرز (3) عليهم ما يقدح في وقارهم إرادة منه سبحانه وتعالى للاحتجاج بهم على خلقه. ومما يدل على إمامتهم عليهم السلام بظهور (4) علمهم في العقليات والشرعيات والآداب وتبريزهم في ذلك على أهل الأعصار، وحاجة الكل إليهم واستغنائهم عنهم، وثبوت حجتهم فيه على كل مشار إليه من علماء مخالفيهم، واستمرار ذلك في الأزمان والأعيان، وسلامته من التقصير عند المعضلات، والعجز عند المشكلات، مع فقد العلم والظن بأحد يضافون إليه بتعليم، أو ينسبون إليه بتفهيم، مع دعوى شيعتهم بنبوتهم (5) بذلك (6) من جميع الأيام (7).


(1) بنهاية.
(2) كذا في نسخ.
(3) كذا في بعض النسخ وفي بعضها الآخر التحرض، ولعل الصحيح: التخرص.
(4) كذا.
(5) كذا في النسخ.
(6) في بعض النسخ: وبذلك.
(7) كذا في السنخ، ولعل الصحيح: الأنام.

[ 99 ]

واجتهاد ملوك الأزمنة من أعدائهم في تكذيبهم، وتوفر دواعيهم إلى إظهار تخرصهم، لما في ثبوته من فساد أمرهم، ولزوم الحجة لهم، وتعذر ذلك على مر الزمان وإلى الآن، برهان واضح على كونهم حججا لله تعالى وحفظة لدينه، لوقوف ذلك التخصيص على سبحانه كالانبياء عليهم السلام، إذ لم تجر العادة في أحد تقدم في علم وبرز فيه، إلا ومن يضاف إليه معروف، و من ينسب تعلمه منه مشهور، ومع ذلك فقصوره عن كثير من الأجوبة ظاهر وعجزه عند المعضلات حاصل، وانقطاعه حين المناظرة ثابت. ويدل على إمامتهم عليهم السلام ما حصل من تعظيمهم بعد الوفاة من الدائن بإمامتهم والمخالف فيها، وقصد مشاهدهم من أطراف البلاد، والخضوع لتربهم، و التوسل إلى الله بحقهم، والعياذ بها من جبابرة الزمان، والامتناع بذمتها من أهل الطغيان، مع ارتفاع الرجاء والخوف عاجلا بشئ من ذلك، وحصول ضد هذه القضية في المتغلبين عليهم في إمامة الأيام (1) مع علو سلطانهم وكثرة أعوانهم، وخمول ذكرهم بعد الوفاة واندراس قبورهم بعد الممات، من الولي الدائن بخلافتهم فضلا عن العالم بضلالتهم، وهذا برهان واضح على منزلتهم عند الله وثبوت حجتهم لديه. ومما يدل على إمامتهم عليهم السلام ثبوت النص من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن كل منهم على الذي يليه في الحجة وهو على ضربين: أحدهما نص على العدد المخصوص كقوله صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام: ” أنت إمام ” ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة حجج تسع، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحلمهم أفضلهم ” وقوله صلى الله عليه وآله: ” عدد الأئمة بعدي عدد نقباء موسى “. وحديث اللوح، وحديث الصحائف وحديث الخضر عليه السلام، وأمثال ذلك مما نقله محدثو العامة، وأطبق


(1) الأنام.

[ 100 ]

عليه ناقلوا الإمامية، ولا أحد قال بهذا العدد المخصوص إلا خصه بما ذكرنا. والضرب الثاني نص كل إمام منهم على ولده من بعده، وورود هذا الضرب من النص في نفس (1) الإمامية متواتر يقتضي ثبوته. من أراد الوقوف على ذين الضربين من النص فليتأمل ظرف (كنا) النقل وما أورده من ذلك شيوخنا رضي الله عنهم. ويدل على إمامتهم عليهم السلام ظهور المعجزات على أيديهم كظهورها على أيدي الأنبياء عليهم السلام، وطريق العلم بها تواتر الشيعة الإمامية بظهورها على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأعيان الأئمة من ذريته صلوات الله عليهم، كتواتر الناقلين لمعجزات النبي صلى الله عليه وآله، يعلم ذلك من حالهم كل متأمل لنقلهم، فإذا ظهرت المعجزات على أيديهم مقترنة بدعواهم للإمامة، وثبت النص من الله تعالى بها عليهم زال الريب في ثبوتها لهم. ويدل أيضا على إمامتهم صلوات الله عليهم حصول العلم لكل مخالط لهم وسامع لأخبارهم، بدعواهم الإمامة في أنفسهم، وكونهم حججا لا يسع أحدا مخالفتهم، وتدينهم بضلال المتقدم عليهم ومن اتبعه، وظهور هذه الدعوى من (2) شيعتهم فيهم وفي (3) من خالفهم، وصريح فتياهم بذلك واحتجاجهم له مع اختصاصهم بهم، وحمل حقوق الأموال إليهم، وأخذ معالم الدين عنهم وتدينهم بتخصيص الحق بفتياهم، وضلال من خالفها، مقتض لثبوت هذه الدعوى، والحكم بصحتها، إذ لو كانوا كاذبين فيها أوجب الحكم بضلالهم، ولا أحد من الأمة يعتد بقوله يذهب إلى ذلك فيهم، وخلاف الخوارج قد بينا


(1) في بعض النسخ: نفوس.
(2) في بعض النسخ: وشيعتهم.
(3) في بعض النسخ: ومن مخالفيهم.

[ 101 ]

سقوطه فيما سلف. وإذا ثبت إمامة من ذكرناه وعصمتهم وكونهم أعلم الأمة المأمور بالاقتداء بهم، وجب ثبوت باقي الصفات من الفضل على الرعية والتقدم عليها في الشجاعة والعبادة والزهد، ويلزم لذلك اتباعهم والأخذ عنهم والقطع على فساد إمامة من عداهم وضلال المفتي بخلافهم ومن اتبعهم متدينا بإمامة أولئك وصحة فتياها و (1) لذهاب الكل عن الحق الواضح ببرهانه. ولا يقدح فيما ادعيناه من ظهور المعجزات عليهم دعوى المعتزلة ومن وافقها في ذلك، لأن (2) المعجز موضوع لإبانة النبي صلى الله عليه وآله من غيره، وليسوا بأنبياء، وكون ذلك منفرا عن النظر في معجز النبي صلى الله عليه وآله لتجويز ظهوره على من ليس بنبي. لأن ثبوتها بالنقل المتواتر تسقط هذه المعارضة من حيث كان ثبوت الشئ فرعا لجوازه. ويؤكده أيضا حصول اليقين بظهور المعجزات على من ليس بنبي. فمن ذلك أم موسى: ” وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ” (3) ففعلت ما أمرت به، وهذا يقتضي ظهور المعجز لها من وجهين: أحدهما الوحي وهو معجز، والثاني أنها عليها السلام لا يجوز أن تقدم على جعل ولدها في التابوت وطرحه في اليم إلا بعد اليقين بأن الأمر لها بذلك هو القديم سبحانه


(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة الواو.
(2) كذا في السنخ.
(3) سورة القصص، الآية: 7.

[ 102 ]

ولا سبيل إلى ذلك إلا بظهور معجز تعلم به أن الخطاب المتضمن لذلك وحي منه سبحانه، وأم موسى ليست بنبي. ومن ذلك ظهوره لمريم في عدة مواضع: منها نزول الرزق عليها من السماء حسب ما أخبر به سبحانه بقوله: ” كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال: يا مريم إني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” (1) ولا شبهة في أن نزول الرزق من السماء معجزة، ومنها معاينة الملك المبشر لها بالمسيح عليه السلام في صورة بشرى، ومنها كلام المسيح لها من تحتها في حال الولادة في قوله تعالى: ” فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ” (2) وكلام الطفل معجز، وتساقط الرطب من النخلة اليابسة حسب ما ورد في التفسير معجز ومنها نطق المسيح عليه السلام ببرائة ساحتها في قوله تعالى: ” فأشار إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا ” (3) وهو معجز متكامل الشروط لكونه خارقا للعادة عقيب دعواها برائة ساحتها من فعله سبحانه. ومن ذلك قوله سبحانه: ” قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ” (4) فأتى به كذلك وهذا معجز باهر لوصي سليمان عليه السلام. ومن ذلك ما أجمع المسلمون عليه من ظهور المعجزات على تلاميذ


(1) سورة آل عمران، الآية: 37.
(2) سورة مريم، الآية: 24.
(3) سورة مريم، الآية: 30 – 29 (4) سورة النحل، الآية: 40.

[ 103 ]

المسيح عليه السلام وليسوا بأنبياء. ولا انفصال من ذلك بقولهم إن معجز آصف لسليمان، والتلاميذ للمسيح، لأن المعلوم تخصيص المعجز بمن ذكرناه تصديقا لهم وتشريفا دالا على علو منازلهم عنده سبحانه، ولا يجوز العدول به عنهم. وبعد فماله منعوا من ظهور المعجز على من ليس بنبي يقتضي المنع من ظهوره على من انتفت عنه النبوة، فإذا ثبت ظهوره على من ذكرنا وليسوا بأنبياء سقط معتمدهم. على أنهم إذا أجازوا ظهور المعجز على غير النبي صلى الله عليه وآله ونسبته إلى نبي الوقت أو الملة (1) جاز لنا مثل ذلك في أئمتنا، لكونهم أوصياء رسول الله وحفظة شرعه كآصف من سليمان والتلاميذ من عيسى، بل هم أعلى رتبة عند الله وأجل منزلة. فأما كون المعجز موضوعا للإبانة فمعنى ذلك إبانة الصادق من الكاذب، و المرجع في صفته إليه، فإن كان صالحا فقط لم يدع نبوة ولا إمامة، وإن كان إماما حسب لم يدع نبوة ولا رسالة، وإن كان نبيا لم يقتصر على ما دونها، من حيث كان المعجز مؤمنا من كذبه لتعلقه بمقدور من لا يجوز عليه تصديق الكذاب، وتجويز ذلك لا يقتضي النفير عن النظر في معجز النبي صلى الله عليه وآله، لأن مدعي النبوة لا بد أن يخوف من ترك النظر في معجزه بفوت ما أرسل به من المصالح، وليست هذه حال من يظهر على يديه من الأئمة والصالحين، لأنهم لا يخوفون من فرق شريعة (2).


(1) كذا في النسخ.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: لأنهم لا يخافون من ترك الشريعة، ولعل الصحيح: لا يخوفون من فوت شريعة.

[ 104 ]

على أن المعجز عندنا لا يظهر إلا على من لنا في تمييزه بظهور ه عليه و تصديقه به مصلحة، أما الأئمة عليهم السلام فقد بينا كونهم حججا في التكليف العقلي وألطافا فيه، ذوي صفات لا يمكن تمييزهم [ لها. خ ] إلا بمعجز أو نص يستند إليه وحفظة للشرع، وكونهم كذلك يقتضي كونهم على أحوال لا يمكن تعيينهم لها إلا بأحد الأمرين، فجاز ظهور المعجزات عليهم في حال ووجوبها (1) في أخرى، وتعين فرض النظر فيها عند تخويفهم كتعينه في معجزات الأنبياء. وأما الصالحون فليعلم الناظر في معجزاتهم كونهم كذلك عند الله تعالى فيتولاهم ظاهرا وباطنا، وإذا شارك الأئمة والصالحون الأنبياء عليهم السلام في حصول المصلحة بمعرفتهم وفوتها (2) للجهل بهم تعين فرض النظر في أعلامهم كتعينه في أعلام الأنبياء ولم يقتض ذلك تنفيرا عنه في موضع دون موضع (3)، إذ التنفير إنما كان يحصل لو جوزنا ظهور المعجز على من لا مصلحة لنا في العلم بصدقه، فأما والحال بخلاف ذلك فشبه الخصم ساقطة. ولا يقدح في شئ مما علمناه من صحة إمامتهم عليهم السلام إمساكهم عن المطالبة بحقوقهم للمتقدمين عليهم، وانقيادهم إليهم في الظاهر، وكفهم عن الأمور المختص فرضها بهم: من جهاد وأمر ونهي ومظاهرة الأعداء وإظهار فتيا، لأن قيام البرهان بصحة إمامتهم وعصمتهم عليهم السلام يقتضي الحكم على جميع أفعالهم وتروكهم بالحسن، كما يقطع بمثل ذلك في أفعال النبي صلى الله عليه وآله وتروكه لثبوت عصمته. ولأن ما ذكرناه وما لم نذكره من الاعتراضات إنما يتعين عليهم بشرط تكامل


(1) كذا في النسخ.
(2) في بعض النسخ: فوقها وهو تصحيف ظاهرا.
(3) كذا في النسخ.

[ 105 ]

شروط الأمر والنهي دون اختلال شئ منها، فلا يصح الاعتراض لشئ (1) من ذلك ممن لم يثبت تعين فرضه بتكامل شروط الأمر والنهي لهم وهيهات، على أن اختلاف (2) شروط الأمر والنهي فيهم معلوم لكل من عرف حالهم مع المتقدمين عليهم والمتغلبين على أمور المسلمين، وأن جميعهم وكل واحد منهم غير آمن مع لزومه منزلة (3) وانقطاعه عن شيعته، فكيف بما زاد على ذلك من المحاربة ومدافعة ذي العدد الكثير من الظالمين. وبما قدمناه من الأدلة وحل الشبه (4) يسقط سؤال من يعترض في إمامة صاحب الزمان عليه السلام أو يقدح بغيبته في وجوده، من حيث كان ما قدمناه من الأدلة على إمامة أعيان الأئمة، دالة على إمامته عليه السلام كدلالتها على إمامة آبائه عليهم السلام. ولأن المخالف في إمامته عليه السلام لا يعدوا أن يكون مسلما لإمامة آبائه عليهم السلام تسليم جدل أو دين، أو منازعا فيها، فإن كان منازعا وجب الاشتغال معه بإيضاح الأدلة عليها وحمل إمامة صاحب الزمان عليه السلام عليها، وإن كان مسلما لها سقط خلافه في إمامته عليه السلام، لأنه لا أحد من الأمة أثبت إمامة آبائه ونازع في إمامته. ولأن المعلوم من دينهم القول بإمامة الثاني عشر والنص على إمامته وصفة غيبته، فصار لذلك العلم بإمامتهم عليهم السلام علما بإمامته، كما أن العلم بنبوة نبينا علم بوجوب صلواة (5) الخمس وصوم الشهر وحج البيت، فكما لا يصح القول بنبوته مع الشك في هذه العبادات كذلك لا يصح القول بإمامة آبائه عليهم السلام مع


(1) بشئ.
(2) كذا في السنخ، والظاهر: اختلال.
(3) هذه الكلمة موجودة في بعض النسخ، ولعل الصحيح: منزله.
(4) الشبهة. كذا في بعض النسخ.
(5) في بعض النسخ: صلوات.

[ 106 ]

الشك في إمامته عليه السلام. وإذا كانت إمامته عليه السلام ثابتة كآبائه وجب تكامل الصفات الواجبة للإمام له من العصمة والفضل والعلم والعبادة والزهد والشجاعة واقتضى لذلك (1) الحكم لغيبته وما يتبعها في عدم فتياه وارتفاع ما يتعلق به فرضه مع الامكان من جهاد وإقامة حد وقبض حق بالحسن، إذ لا فرق في العلم بحسن الفعل والاخلال بين أن يعلم ذلك مفصلا وبين أن يستند إلى اختيار من لا يجوز عليه اختيار القبيح. ولهذا حكمنا لجميع ما خلقه القديم سبحانه وأراده وفعله النبي صلى الله عليه وآله ودعيا (2) إليه بالحسن، ولما كرهاه (3) بالقبح، لقيام البرهان على حكمته سبحانه وعصمة الرسول صلى الله عليه وآله ولم يحتج إلى تفصيل الوجه في ذلك. وقد تبرع شيوخنا رضي الله عنهم وتبرعنا بيان الوجه الحكمي في جميع ما يسأل عنه المخالف في إمامة صاحب الزمان عليه السلام وغيبته كما تبرعوا وتبرعنا بمثل ذلك في شبه التوحيد والعدل والنبوة، (4) الوقوف (5) عليه في مواضعه يغني إيراده ههنا، إذ كانت الجملة التي عقدناها كافية في ثبوت الحجة في إمامة صاحب الزمان عليه السلام وسقوط ما يعترضها من الشبهة. والمنة (6) لله تعالى.


(1) ذلك، كذا في بعض النسخ.
(2) في بعض النسخ: دعا.
(3) في بعض النسخ: كرهه (4) في بعض النسخ: النبوات (5) في بعض النسخ: والوقوف.
(6) في بعض النسخ: والمشية.

[ 107 ]

التكليف السمعي


[ 109 ]

فصل في بيان التكليف السمعي التكليف الشرعي على ثلاثة أضرب: عبادات ومحرمات وأحكام. والعبادات على ضربين: مفروض ومسنون، ولكل وجه يجب امتثاله له فوجه الفرائض كون فعلها لطفا في الواجب العقلي واجتناب القبيح ويقبح (1) تركها، لأنه ترك الواجب (2). وجهة السنن كونها لطفا في المندوب العقلي، ولم يقبح تركها كما لم يقبح ترك ما هي لطف فيه. وجهة قبح (3) المحرمات كون فعلها مفسدة داعيا إلى قبائح العقول، وصارفا عن واجباتها، ويجب اجتنابها لأنه اجتناب القبيح. ووجه الأحكام ليعلم المكلف الوجه الذي له يحسن التصرف فيقف (4) عليه ويجتنب ما عداه، فتكليفه فيها راجع إلى العبادات من وجه وإلى المحرمات


(1) في بعض النسخ: وتبح تركها.
(2) في بعض النسخ: ترك لواجب.
(3) في جميع النسخ هكذا: وجهه وقبح المحرمات. والظاهر ما أثبتناه.
(4) في جميع النسخ: فيقفه.

[ 110 ]

من آخر، على ما نذكره. وقلنا ذلك لأنه لا بد لكل شئ حسن أو قبيح من وجه له كان كذلك لولا ذلك لم يكن ما حسن بالحسن أولى من القبح، ولا ما قبح بالقبح أولى من الحسن، فلا يخلوا أن الوجه كونها كذلك كالصدق والانصاف والظلم والكذب، أو الأمر والنهي (1) على ما يقوله المجبرة، أو كون ذلك شكر النعمة على ما يقوله بعض أهل العدل، أو كون الترك في العبادات مفسدة وفي القبائح مصلحة، أو ما يقوله من كون فعل العبادات مصلحة وفعل القبائح مفسدة. والقسم الأول ظاهر الفساد لأنه يقتضي أن يكون كل من علم الصلوة أو الزكوة علم وجههما وإن (2) لم يختلف وجوبهما وقبح القبائح في الأزمان والأعيان كالصدق والكذب، والمعلوم خلاف ذلك. والقسم الثاني فاسد أيضا من حيث وجب كون المأمور على صفة لها حسن الأمر به قبل تعلق الأمر والنهي على صفة لها حسن النهي عنه قبل تعلقه به، وذلك مانع من وقوف وجه الحسن على الأمر والقبح على النهي، وإنما كشف الأمر والنهي منه سبحانه عن حسن المأمور وقبح المنهي لكونه تعالى حكيما لا يأمر بقبيح ولا ينهى عن حسن. ولأن الأمر والنهي لو أقتضيا الحسن والقبح لاقتضيا ذلك في كل موضع، فكان يقبح الصدق للنهي عنه ويحسن الكذب للأمر به، والمعلوم خلاف ذلك. ولأن صحة الأمر والنهي فرع للعلم بصدق الرسول الموقوف على النظر الواجب عن الخوف من فوت المصالح وتعلق المفاسد الحاصل قبل فعله، فوقوف حسن الشرائع وقبحها على الأمر والنهي


(1) في بعض السنخ: أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(2) في بعض النسخ: علم وجههما إذ لم يختلف وجوبهما. ولعل الصحيح: وإن لا يختلف.

[ 111 ]

يسد طريق العلم بصحتها على ما قررناه. والثالث أظهر فسادا من حيث كان الشكر الاعتراف بالنعمة والخضوع لفاعلها وتعظيمه، وهذه الحقيقة أجنبية من أفعال الشريعة وتروكها، ولأن شكره تعالى واجب على كل مكلف في كل حال ذكر، والشرعيات بخلاف ذلك، لاختصاص تكليفها بمكلف دون مكلف، وزمان دون زمان. وليس لأحد أن يقول: فالعبادات لا تصح إلا بعد أن تكون فاعلها معترفا بنعمه تعالى خاضعا بها له سبحانه، لأن ذلك من شرائط صحتها كالطهارة وستر العورة والنية وليس بوجه لها. والرابع أبعد من الصحة لأن التعبد والنص والإشارة والتعيين توجهت إلى فعل العبادات كالصلوة والزكاة، والمحرمات كالزنا وشرب الخمر، دون تركها، ولو كان الترك هو المعتبر في التكليف لوجب توجه النص والتعيين إليه دون الفعل، إذ هو المقصود. فثبت أن الوجه ما ذكرناه. ولأنه سبحانه قد نص على ذلك بقوله: ” إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” (1) ” وإنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون ” (2) وهذا صريح بكون الصلوة صارفة عن القبيح والخمر والميسر صارفان (3) عن الحسن. وقلنا بما ذكرناه في الأحكام، لأن مريد النكاح متى لم يعلم الوجه الذي يقع عليه العقد الشرعي لم يحل له الوطي، وكذلك مريد البيع والابتياع مع


(1) سورة العنكبوت، الآية: 45.
(2) سورة المائدة، الآية: 91.
(3) في بعض النسخ: صارفا.

[ 112 ]

الجهل بالعقد الشرعي، وكذلك القول في الإرث متى جهل الحكم لم يحل له التصرف في الموروث، فهو إذا متعبد بإيقاع العقد أو الفرقة على الوجه المشروع، وعلى هذا يجري الحال في جميع الأحكام، ورجوعها في التحقيق إلى قبيل العبادات من وجه، والتروك الشرعية من آخر، من حيث كان إمضاؤها على خلاف ما قرره الشرع مكروها له سبحانه. وإذا كان الوجه ما ذكرناه وجب على من كلف شيئا من الأفعال الشرعية أو تروكها أن يفعل ويترك الوجه (1) الذي شرع، إذ هو المقصود متقربا به إليه سبحانه، ولا يكون كذلك لما يكون طائعا (2) فيه بامتثال مراده سبحانه في جميع صفاته وشروطه وأفعاله وتروكه عامدا في حاله (3) باعترافه بنعمه سبحانه وخضوعه له سبحانه، وذلك فرع للعلم بما قدمناه من المعارف، فمتى اختل شرط من هذه لم يكن فعله ولا اجتنابه عبادة ولا مصلحة.


(1) كذا في جميع النسخ، والظاهر: للوجه.
(2) في جميع النسخ: طائفا والظاهر: ما أثبتناه.
(3) في بعض النسخ: حالة.

[ 113 ]

باب تعيين العبادات العبادات عشرة: الصلوات، وحقوق الأموال، والصيام والحج، و الوفاء بالنذور والعهود والوعود، وبر الأيمان، وتأدية الأمانات، والخروج من الحقوق، والوصايا، وأحكام الجنائز، وما تعبد (1) الله سبحانه لفعل الحسن والقبيح، ولكل من هذه العبادات أحكام وشروط، وينقسم أكثرها إلى أفعال وتروك، وينقسم كل منهما إلى مفروض ومسنون، ويعم تكليف بعضها ويخص بعض، مع عموم العلم بجملها (2) لكل مكلف في كل حال من حيث كان التصديق بها من جملة الإيمان وتعذره في الحقيقة من دون العلم، والعلم بالتفصيل موقوف على البلوى بالعمل، وفرض العلم بصلوة الخمس يتعين (3) في الأيام والمكلفين عدا النفساء والحائض فلزم لذلك العلم بتفصليها لوقوف صحة العمل على العلم بالمعمول، وما عداها من العبادات العمل بها والعلم بتفصيل أحكامها موقوف على البلوى، وإن كان العلم بالتفصيل مندوبا إليه على كل حال


(1) في بعض النسخ: وما يعبد الله.
(2) في النسخ: بحملها، والظاهر ما أثبتناه.
(3) في بعض النسخ: بتعيين.

[ 114 ]

لكون كل مكلف معرضا للبلوى بكل منها ومجوزا ذلك في زمان يضيق عن العلم بتفصيل ما بلى به. إن قيل: ما القول في من تعين عليه العمل بأحد هذه العبادات في زمان يضيق عن تحصيل العلم بها؟ قيل: يلزم هذا المكلف اجتناب العمل مع الجهل به والشروع في النظر في الطرق الموصلة إلى العلم به، فإذا علمه فكان (1) مما يصح أداؤه في الأوقات كالحج والزكوة فليؤده في المستقبل، وإن كان مما يختص بوقت ويجب قضاؤه بخروجه كالصوم فخرج ولما يكمل العلم به عن تفريط منه فهو مازور يلزمه التوبة والقضاء، وإن كان ممتثلا ما وجب عليه من النظر في ابتداء تعين فرضه ومجتهدا في فعله في جميع أحوال إمكانه، فلا تبعة عليه ولا قضاء يلزمه، وإن كان مما يتعلق بوقت يسقط فرضه بخروجه كالفطرة وصلوة العيد فهو مأزور مع التفريط بواجب النظر، تلزمه التوبة، وإن لم يكن مفرطا فلا شئ عليه.


(1) كذا في النسخ.

[ 115 ]

باب بيان حقيقة الصلاة وضروبها الصلاة الشرعية تشتمل على ثلاثة أشياء: أحكام، وشروط، وكيفية، ويتبعها شيئان: أحكام السهو فيها، والقضاء لما يلزمه قضاؤه من فوائتها. فالاحكام صفات الصلاة وهي على ضربين: أفعال كالقراءة والركوع والسجود، وتروك، كالكلام والعبث. والشروط ما به تتم الصلاة، ومن حقها أن تكون منفصلة عنها كرفع الحدث بالطهارة وستر العورة. والكيفية: ما يجب كون المصلي عليها في حال قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه منفردا وجامعا، مختارا ومضطرا. والسهو: انتفاء العلم والظن بما فعله المصلي أو تركه. والقضاء: فعل مثل الفائتة بخروج وقته. والصلوة على ضربين مفروض ومسنون، والمفروض سبع صلوات: صلاة الخمس، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، و صلاة الجنائز، وصلاة الطواف، وصلاة النذر. والمسنون ستة عشر صلاة: (1) صلاة نوافل الجمعة، ونوافل شهر رمضان. وصلاة الغدير، وصلاة المبعث


(1) صلاة النوافل اليومية و. ظ.

[ 116 ]

وصلاة نصف شعبان، وصلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وصلاة جعفر عليه السلام، وصلاة فاطمة عليها السلام، وصلاة الاحرام، وصلاة الزيارات، وصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، وصلاة الاستسقاء، وصلاة تحية المسجد. باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس الواجب فعله من أحكام الصلاة أحد عشر شيئا: عدد ركعاتها، وتكبيرة الاحرام، والقراءة، والركوع، والتسبيح فيه، والسجود، والتسبيح فيه، والجلوس للتشهدين، والشهادتان فيهما، والصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله والتسليم. فالفرض الأول على ضربين: تمام وتقصير، والتمام سبع عشرة ركعة: الظهر أربع ركعات، والعصر كذلك، والمغرب ثلاث، وعشاء الآخرة أربع، والغداة ركعتان. والتقصير إحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان، والعصر كذلك والمغرب ثلاث، وعشاء الآخرة ركعتان، والفجر ركعتان. وفرض التمام يختص الحاضر، والمسافر في معصية، والمسافر للعب والنزهة، والمسافر أقل من بريدين – وهما أربعة وعشرون ميلا – ومن سفره أكثر من حضره كالجمال (1) والمكاري والبادي، ومن عزم من المسافرين على الإقامة عشرا، والتقصير فرض من عداهم. فإن قصر المتم أعاد على كل حال، وهو مأزور مع القصد، وإن تمم المقصر (2) مع العلم والقصد أعاد على كل حال، وإن كان عن سهو أو الجهل ببعض الأحكام أعاد في الوقت.


(1) في بعض النسخ: كالحمال.
(2) في بعض النسخ: القصر.

[ 117 ]

ويلزم التقصير لمكلفه إذا غاب عنه أذان مصره. فإن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام ولو صلاة واحدة، فإن لم ينزله أو لم يكن له فيه وطن فعزم على الإقامة عشرا تمم، وإن لم يعزم على هذه المدة قصر ما بينه وبين شهر ثم تمم ولو صلاة واحدة. والفرض الثاني لا يجزي فيه غير قول المصلي: الله أكبر، دون سائر الأذكار، ومن حقه إيجاب المضي في الصلاة، وتحريم ما كان مباحا قبلها مما ليس في أفعالها أو أذكارها، فإن أخل به المصلي عن سهو أو عمد فسدت صلاته ولزمته الإعادة، وإن شك فيه وهو في حال القيام قبل القراءة فليفعله، وإن شك بعد ما قرأ أو إلى آخر الصلاة فلا يلتفت إلى شكه، وإن علم أو ظن إخلالا به بعد القراءة وإلى آخر الصلاة فعليه إعادة الصلاة. والفرض الثالث يجب مضيقا في الركعتين الأوليين من الرباعيات و المغرب وفي صلاة الغداة والتقصير الحمد وسورة مع الامكان، والحمد وحدها مع الاضطرار، وعلى جهة التخيير في الركعتين الأخرتين من الرباعيات و ثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين ثلاث تسبيحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله (1). ومن شرط القراءة وصحة الصلاة فعلها من قيام مع الامكان. ويلزم الجهر بها في أولتي المغرب وعشاء الآخرة وصلاة الغداة وببسم الله الرحمن الرحيم في أولتي الظهر والعصر في ابتداء الحمد والسورة التي تليها، والاخفات في باقي الركعات فمن جهر بحيث يجب الاخفات أو خافت بحيث يجب الجهر قاصدا بطلت صلاته، وإن كان عن سهو أو لتقية فصلاته ماضية وإن جهر بحيث يجب الجهر جهرا شديدا فقد خالف السنة، وإن خافت بحيث


(1) في بعض النسخ: والله أكبر.

[ 118 ]

يجب الاخفات بما لا تسمعه أذناه فسدت صلاته. ومن حق القراءة أن يكون بلسان العرب المعرب، فإن عبر عن القرآن بغير العربية أو لحن في قراءته عن قصد بطلت صلاته، وإن كان ساهيا فعليه سجدتا السهو. ولا يجوز أن يقرأ في فريضة بسورة من عزائم السجود وهي أربع: تنزيل السجدة ثم حم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك الذي خلق، لأن في هذه السور سجودا واجبا إن يفعله تبطل الفريضة بالزيادة فيها وإن لا يفعله يخالف الواجب. ولا يجوز أن يقرأ مع فاتحة الكتاب بعض سورة، ولا أكثر من سورة. ويكره قراءة طوال السور في الفرائض خوفا من فوت الفضل بأول الوقت، فإن خيف خروجه لقراءتها وجب تحري غيرها من قصار السور. والفرض الرابع يجب فعله شرعيا على ما نبينه في باب الكيفية، فإن أخل المصلي بركوع واحد عن سهو أو عمد أو واقعه [ أوقعه ظ ] على غير صفته بطلت صلاته. وإن شك وهو قائم فلم يدر أركع أم لم يركع فليركع، وإن ذكر بعد ما ركع أنه قد كان ركع فليسجد من غير أن يرفع رأسه وصلاته ماضية، فإن رفع رأسه من الركوع بعد الذكر فسدت صلاته لزيادته فيها ركوعا ليس منها [ فيها ظ ] وهو مأزور. وإن كان ذكره للركوع بعد ما رفع رأسه فعليه الإعادة دون الإثم. وإن شك فيه وهو ساجد لم يلتفت إلى شكه. وإن علم أو ظن ترك الركوع في حال السجود وإلى آخر الصلاة فعليه الإعادة. والفرض الخامس ثلاث تسبيحات على المختار، وتسبيحة على المضطر، أفضله سبحان ربي العظيم وبحمده، ويجوز سبحان الله، فإن أخل بالتسبيح عامدا


[ 119 ]

فسدت الصلاة، وإن كان ساهيا فالصلاة ماضية. والفرض السادس يلزم على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين و أطراف أصابع الرجلين على ما نبينه في باب الكيفية. فإن تعمد ترك سجدة واحدة أو سها عن سجدتين من ركعة فسدت صلاته. وإن سها عن سجدة فذكرها قبل أن يركع الركعة التي تلي حال السهو أرسل نفسه وسجدها فإن لم يذكرها حتى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلم سجدها قاضيا وسجد سجدتي السهو. وإن شك وهو جالس فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ أسجد واحدة أم اثنتين؟ فليسجد ما شك فيه. فإن ذكر بعد ما سجد أنه قد كان سجد، فكان بما (1) فعله مكملا سجدتين فصلاته صحيحة وإن كان زائدا عليها أعاد الصلاة. وإن شك بعد ما نهض لم يلتفت إلى شكه، وإن تيقن أو ظن فحكمه ما قدمناه. والفرض السابع كالخامس، ولفظه الأفضل: سحبان ربي الأعلى وبحمده، ويجوز سبحان الله. والفرض الثامن واجب أولا وثانيا على الصفة التي نبينها، فإذا أخل به عامدا فسدت الصلاة، وإن كان ساهيا فذكر الأول قبل أن يركع أو الثاني قبل أن ينصرف وجلس فتشهد فلا شئ عليه، وإن كان لم يذكر الأول حتى ركع الثالثة، أو الثاني حتى انصرف عن مقام الصلاة، فعليه قضاؤه وسجدتا السهو. والفرض التاسع والعاشر لازم في الجلوس الأول والثاني، فإن تعمد المصلي الاخلال بشئ منه فيهما فسدت صلاته، وإن سها عنه فالصلاة ماضية وقضاءه في الصلاة وما بقي على طهارتها أفضل. والفرض الحادي عشر: السلام عليكم ورحمة الله يعني محمدا وآله صلى الله عليه وآله


(1) في بعض النسخ: ما فعله.

[ 120 ]

والحفظة، وإن كان منفردا بالصلاة فتسليمه (1) واحدة تجاه القبلة ويشير بها ذات اليمين، وإن كان إماما فواحدة تجاه القبلة عن اليمين، وإن كان مأموما فواحدة ذات اليمين ذات الشمال. والواجب تركه في الصلاة اثنا عشر شيئا: الكلام بما ليس من جنس أذكارها، والقهقهة، والبكاء من غير خشية الله، والقئ، وكثير العبث، وقطع الصلاة لما لا يخاف معه على النفس، وإحداث ما ينقض الطهارة، والصلاة مع فقد التحصيل، والصلاة على صفة مع التمكن من الزيادة عليها، والالتفات إلى دبر القبلة، و صلاة الرجل إلى جانب المرأة والمرأة إلى جانب الرجل. فمتى تعمد المصلي فعل شئ من هذه فسدت صلاته، وإن تكلم ساهيا فصلاته ماضية وعليه سجدتا السهو، وإن قطع الصلاة وانصرف ساهيا، أو أحدث ساهيا، أو صلى على صفة يتمكن مما زاد عليها ساهيا بطلت صلاته. والمسنون فعله من أحكام الصلاة اثنا عشر شيئا: الأذان والإقامة للمنفرد والتوجه، وتكبير الركوع والسجود، والقنوت، وما زاد في الركوع على الواجب، وما زاد في السجود على الواجب، والذكر بعد الركوع، والذكر بين السجدتين، وبعدهما، وما زاد في التشهدين على الواجب، والتعقيب، و التعفير. والأذان ثمانية عشر فصلا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتان، أشهد أن محمدا رسول الله مرتان، حي على الصلاة مرتان، حي على الفلاح مرتان، حي على خير العمل مرتان، الله أكبر مرتان، لا إله إلا الله مرتان. والسنة فيه رفع الصوت به، وترتيل كلمة، والوقوف على أواخر الفصول، ويجوز الكلام فيه وفعله على غير طهارة وتجاه القبلة ودبرها وفي حال


(1) فتسليمة. ظ.

[ 121 ]

القيام والجلوس والمشي، وفعله على طهارة وفي حال القيام واستقبال القبلة أفضل. والإقامة سبعة عشر فصلا: الله أكبر، الله أكبر، فصلان وباقي الفصول (1) الأذان، ويقول المقيم بعد حي على خير العمل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله مرة واحدة. والسنة فيها حدر الكلم وموالاة الفصول، وأن لا تفعل إلا على طهارة في حال القيام تجاه القبلة ولا يتكلم فيها بما لا يجوز مثله في الصلاة. ولا يجوز أن يؤذن ويقام إلا لفريضة من الخمس بعد دخول وقتها، ومن شروطها الترتيب على الوجه الذي بيناه وتسكين أواخر فصولهما، والسنة أن يفرق بينهما بسجدة أو جلسة أو دعاء أو خطوة أو صلوة ركعتين إلا في صلاة المغرب فإنه لا يجوز الفرق بينهما إلا بدعاء أو خطوة. فأما التوجه فهو ما تفتتح به الصلاة من التكبير والدعاء، وصفته أن يقول المتوجه بعد الفراغ من الإقامة – ويداه مبسوطتان تجاه وجهه -: اللهم إني أتوجه إليك وأتقرب إليك بمن أوجبت حقهم عليك: آدم ومحمد ومن بينهما من النبيين والأوصياء والحجج والشهداء والصالحين وآل ومحمد المصطفى: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن، اللهم فصل عليهم أجمعين واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم اجعل صلاتي بهم مقبولة وعملي بهم مبرورا وذنبي بهم مغفورا وعيبي بهم مستورا ودعائي بهم مستجابا مننت اللهم (2)


(1) في بعض النسخ: فصول الأذان.
(2) في بعض النسخ هكذا: وامنن الله بهم على معرفتهم.

[ 122 ]

علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم وولايتهم واحشرني عليها (1) وجازني على ذلك الفوز بالجنة والنجاة من النار برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم يكبر ثلاث تكبيرات، يرفع بكل منها يديه تجاه وجهه، ثم يبسطهما ويدعو: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي ففزعت إليك تائبا بما (2) جنيت (3) فصل على محمد وآله واغفر إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا أهل التقوى وأهل المغفرة. ثم يكبر تكبيرتين، ويدعو بعدهما: لبيك وسعديك والخير كله لديك والشر ليس بمنسوب إليك أؤمن بك وأتوكل عليك وأومن برسولك وبما جاء به من عندك فصل على محمد وآله وزك عملي بطولك وتقبل مني بفضلك. ثم يكبر تكبيرة، ثم ينوي الصلاة ويكبر تكبيرة الافتتاح مصاحبة للنية ويقول بعدها: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين والأئمة من ذريتهما الطاهرين حنيفا (4) وما أنا من المشركين إن صلوتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. وأما التكبير فلكل ركعة من صلاة المتم والمقصر خمس تكبيرات، تكبيرة للركوع وأربع للسجود، وخمس تكبيرات للقنوت، لكل صلاة تكبيرة. والسنة في كل منه رفع اليدين تجاه الوجه و [ أن ] لا يتجاوز بالأصابع شحمتي الأذنين.


(1) في بعض النسخ هكذا: واحشرني معهم وجازنا.
(2) في بعض النسخ: مما.
(3) في بعض النسخ: جئت.
(4) ليست في بعض النسخ كلمة: حنيفا.

[ 123 ]

وأما القنوت فموضعه بعد القراءة من الركعة الثانية وقبل الركوع، يكبر له تكبيرة، ثم يبسط يديه تجاه القبلة ويدعو: لا إله إلا الله الحليم الكبير (1) لا إله إلا الله العلي العظيم سحبان الله رب السماوات السبع (2) والأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وآله الطاهرين واغفر لي وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين. ومسنون الذكر في الركوع: اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت، خشع لك لحمي ودمي وعظمي وشعري وبشري وما أقلت الأرض مني، سبحان ربي العظيم وبحمده أربع، مضافة إلى الثلاث الواجبة. ومسنون الذكر بعد الركوع قوله حين يرفع رأسه منه: سمع الله لمن حمده، وإذا استوى قائما قال: الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجبروت (3). ومسنون الذكر في السجود: اللهم لك سجدت وبك آمنت وعليك توكلت، سجد وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، سبحان ربي الأعلى وبحمده أربعا مضافة إلى الثلاث الواجبة. ومسنون الذكر بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني و اهدني وعافني واعف عني رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. ومسنونه بعد السجود قوله حين ينهض: بحول الله وقوته أقوم وأقعد. ومسنون الذكر في التشهد الأول: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء


(1) الكريم.
(2) ورب.
(3) في بعض النسخ: وأهل الجود والجبروت.

[ 124 ]

الحسنى كلها لله، لله ما طاب وزكا ونما وخلص، وما خبث فلغير الله. وبعد الشهادتين: أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ومسنون الذكر في التشهد الثاني: التحيات لله والصلوات الزاكيات الناميات المباركات الغاديات الرائحات لله ما طاب وخلص، وما خبث فلغير الله. وبعد الشهادتين: أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا. وبعد الصلوة على محمد وآله: اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين واخصص اللهم محمدا وآله بأفضل الصلاة والتسليم، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله و بركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على محمد وآله المصطفين ثم تسلم التسليم الواجب. وأما التعقيب فهو ثلاث تكبيرات يرفع لها اليدين ويقول: لا إله إلا الله وحده وحده صدق (1) ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويرزق من يشاء بغير حساب، ويسبح تسبيح الطاهرة (2) عليها السلام. ويدعو بما سنح له من الدعاء، ولكل صلاة دعاء مخصوص. والتعفير بعد الفراغ من التعقيب يطرح (3) المعفر نفسه على الأرض


* (1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر هكذا: وصدق وعده ونصر عبده.
(2) تسبيح الزهراء عليها السلام، كذا في بعض النسخ.
(3) بطرح.

[ 125 ]

يضع جبهته موضع سجوده ويقول: اللهم إليك توجهت وإليك قصدت و بفنائك حللت وبمحمد وآله تقربت وبهم توسلت وبهم استشفعت فصل عليهم أجمعين وعجل فرجهم واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم، ثم يضع خده الأيمن موضع سجوده ويقول: اللهم ارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم يا كريم يا كريم. ثم يضع خده الأيسر موضع الأيمن ويقول: إلا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا (1) لا إله إلا الله تعبدا ورقا اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم. ثم يضع جبهته موضع خده ويقول شكرا شكرا، مائة مرة أو ما تيسر، ثم يرفع رأسه ويمسح بيده اليمنى موضع تعفيره ويمسح بها وجهه وصدره. فإن أخل بشئ من هذه السنن أخل بفضل ونقص ثوابه، وصلاته ماضية، والاتيان بجميعها أفضل وأكمل لثوابه. المكروه فعله: يسير العبث، والتبسم، والتجشي (2) والتنخع والبصاق والاستنثار والتنخع (3) وإدخال اليدين في الكمين وتحت الثياب أشد كراهية والتطبيق ووضع اليمين على الشمال وتفريج الأصابع في غير الركوع والجمع بين القدمين وإتيان الصلاة ناعسا ومتكاسلا ومشغول الفكر وحاقبا (4) وحازقا (5) وحاقنا ومشدود اليدين ومعقوص الشعر والاعتماد على ما يجاور المصلي من الأبنية.


(1) وتصديقا.
(2) وكذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: التحشي بالحاء، والظاهر التجشؤ.
(3) كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح: التنخم.
(4) كذا في بعض النسخ وفي بعضها الآخر: حافيا، والصحيح هو الأول.
(5) في بعض النسخ: حاذقا.

[ 126 ]

فإن فعل شيئا من هذه التروك أخل بفضل ونقص ثوابه بحسب ما فعل، وإن اجتنب جميعها كان أكمل لثوابه. فصل في تعيين شروط الصلاة شروط الصلاة التي تصح بتكاملها وتبطل بالاخلال بواحدها عشر: الاسلام، ورفع الأحداث، وتأديتها في الوقت، والتوجه إلى القبلة، والنية، وستر العورة، وطهارة الجسم، وطهارة اللباس، واعتبار محل القيام، واعتبار محل السجود. بيان الشرط الأول: العلم بهذا الشرط في صحة الصلاة وغيرها من العبادات، لاقتصار (1) صحة العبادة إلى شروط قد بيناها يستحيل حصولها مع الكفر. الشرط الثاني: العلم بهذا الشرط يتعلق بفصول أربعة: أولها تعيين الأحداث، وثانيها ذكر المزيل لها وأحكامه، وثالثها صفة الطهارة منها، ورابعها طهارة الضرورة. الفصل الأول الأحداث المانعة من الصلاة الموجبة للطهارة حال البلوى تسع: البول. والغائط، والريح، وما يفقد معه التحصيل والجنابة، ودم الحيض، ودم الاستحاضة ودم النفاس، ومس الميت. ولا حكم لما عدا ذلك. فمتى حدث شئ من هذه صار المكلف محدثا ممنوعا من الصلاة ومس المصحف وأسماء الله تعالى بالجميع، وبأحداث الغسل من الجلوس في المسجد، ويكره فيما عداها.


(1) كذا في جميع النسخ، والظاهر: لافتقار.

[ 127 ]

والأربع الأول ترفع بالوضوء، ولا ترتفع منفردة إلا به، والخمس الأخر يفتقر لارتفاعها إلى الغسل، ولا ترتفع إلا به على كل حال. ويلزم مريد البول أن يعتزل الناس ويتقي الأرض الصلبة، واستقبال الريح والقبلة وقرصي الشمس والقمر، وما نقص من المياه المحصورة عن الكر، و الآبار جملة، ويكره له البول في الجحرة وسائر المياه، فإذا فرغ منه فليمسح من تحت الأنثيين إلى أصل القضيب بإصبعه (1) وينتره إلى رأس الحشفة مرارا ثم يغسل مخرجه بالماء، ولا يجزيه مع وجوده غيره، وأقل ما يجزي منه ما أزال عين البول عن رأس فرجه. ويلزم مريد الغائط أن يتوارى عن الناس ويتقي مواضع اللعن، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ولا قرصي الشمس والقمر. فإذا قضى حاجته فليمسح مخرج النجو بثلاثة أحجار، ويجزيه ذلك عن الماء ما لم يتعد النجو مخرجه، والماء أفضل، والجمع بينهما أفضل، فإذا تعدى لم يجز [ في ] إزالته غير الماء. فأما حدث النوم وما يجري مجراه فإنما يكون حدثا عند عدم التحصيل. وحدث الريح يحصل بإدراك الصوت أو الريح المعهودين، ولا يحتاج بحدثهما إلى الاستنجاء، لأنه لا شئ هناك يفتقر إلى إزالته. وأما حدث الجنابة فيكون بشيئين: إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل حال. والثاني بالجماع في الفرج (2) وإن لم يكن هناك إنزال. والحيض هو الدم الحادث في أزمان عادته (3) أو الأحمر الغليظ الحار


(1) في بعض النسخ: ينشفه وينتره.
(2) في بعض النسخ: بالفرج.
(3) كذا.

[ 128 ]

في زمان الالتباس وأقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، وأقل الطهر عشره أيام وأكثره ثلاثة أشهر. والنساء في الحيض ثلاث: ذات عادة مستقرة، ومختلطة، ومبتدئة. فأما ذات العادة المستقرة في الحيض والطهر وكل (1) دم تراه في زمان الحيض فحيض وإن كان رقيقا، وكل دم تراه في أيام طهرها فهو استحاضة وإن كان غليظا حارا. وإن كانت عادتها مختلفة في الحيض مستقرة في الطهر فكل دم تراه في أقل العادة وأكثرها حيض وفي الطهر دم استحاضة، فإن كانت عادتها في الحيض مستقرة ومختلفة في الطهر فكل دم تراه في أقل عادتها في الطهر فهو استحاضة وما تراه بعدها إن كان غليظا حارا فهي حائض (2) وإن كان رقيقا باردا فهي استحاضة إلى أن تبلغ غاية عادتها في الطهر ثم هي حائض. وأما المختلطة فهي التي لا تعرف زمان حيضها من طهرها، ففرضها أن ترجع إلى عادة نسائها، فتحيض بأيام حيضهن وتستحيض بأيام طهرهن، فإن لم تكن لها نساء تعرف عادتهن اعتبرت صفة الدم، فإذا أقبل الدم الأحمر الغليظ الحار فهي حائض، وإذا أدبر إلى الرقة والبرودة والاصفرار فهي مستحاضة. فإن كان الدم بصفة واحدة تحيضت في كل شهر سبعة أيام واستحاضت باقية. وأما المبتدئة فليزمها إذا رأت الدم إن تشدد وتصوم وتصلي فإن انقطع الدم لأقل من ثلاث فليس بحيض، وإن استمر ثلاثا فهي حائض، وكل دم تراه بعدها إلى تمام العشرة فهو حيض، فإن رأت بعد العشرة دما فهي مستحاضة إلى تمام العشر الثاني فإن رأت بعده دما رجعت إلى عادة نسائها، فتممت


(1) فكل دم. ظ.
(2) في بعض النسخ: فهو حيض.

[ 129 ]

استحاضتها أيام طهرهن، وتحيضت أيام حيضهن إلى أن تستقر لها عادة. يلزم (1) الحائض أن يمنع زوجها نفسها، ويجب عليه اعتزالها، فإذا طهرت – وعلامة طهرها أن تحمل قطعة وتصبر عليها زمانا وتخرج نقية – فتغتسل. وأما الاستحاضة فهو الدم الحادث في زمان الطهر المعهود والمشروع ويلزم المرأة إن كان رشحا أن تتوضأ لكل صلاة وتغير الشداد، وإن كان ينقب (2) الشداد ولا يجري فعليها أن تغتسل لصلاة الفجر وتتوضأ لباقي الصلوات، وإن كان ينقبه (3) ويجري عليه فعليها ثلاثة أغسال: غسل للفجر، وغسل للظهر و العصر، وغسل للمغرب والعشاء الآخرة، فإذا فعلت المستحاضة ما ذكرناه فهي طاهر يجب عليها ما يجب على الطاهر ويحل لها ومنها ما يحل لها ومنها. وأما النفاس فهو الدم الحادث عقيب الولادة، فإذا انقطع عنها في اليوم الثاني أو الثالث اغتسلت وصامت وصلت، إن استمر بها صبرت عشرا فإن رأت بعد العشر دما فعلت فعل المستحاضة. ويلزم الحائض والنفساء قضاء الصوم والصلاة (4). وأما مس الميت فإنما يكون حدثا إذا كان من الناس (5) بعد برده وقبل تطهيره (6) من غير حائل بين المماس وبشرة الميت.


(1) وتلزم.
(2) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: يثقب، وهو الظاهر.
(3) يثقبه.
(4) كذا في جميع النسخ، ولعل الصحيح: لا الصلاة.
(5) في بعض النسخ هكذا: إذا كان المساس بعد برده.
(6) في بعض النسخ: طهره، وفي بعضها تطهره.

[ 130 ]

الفصل الثاني لا يرتفع الأحداث ولا يزول (1) أحكام النجاسات إلا بالماء المطلق، وهو على ظاهر الطهارة حتى تخالطه النجاسة، فينجس لذلك مياه الآبار وما نقص من المياه المحصورة عن الكر. ولا ينجس الجاري وما بلغ الكر فما فوقه من المياه المحصورة، إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، فيهراق ما ينجس من المياه بالتغيير أو قليل النجاسة. ويطهر البئر بنزح جميع مائها إن كان الواقع فيها خمرا أو منيا أو فقاعا أو بولا أو خرء ما لا يؤكل لحمه أو مات فيها بعير، فإن تعذر ذلك لكثرة الماء تراوح عليها أربعة رجال من أول النهار إلى آخره، وينزح لما عدا ذلك أن يغير (2) ماء البئر له حتى يذهب التغيير، وإن لم يتغير نزح لموت الانسان سبعون دلوا، ولموت الفرس والبغل والحمار وما ماثلهم من الحيوان كرا من الماء، ولموت الكلب والثعلب والشاة والسنور وما كان في قدر شئ من ذلك أربعون دلوا، ولموت الدجاجة والحمامة وما كان في قدرهما سبع دلاء، و للفأرة ترفع لوقتها ثلاث دلاء، فإن انتفخت أو انفسخت [ تفسخت خ ] فسبع دلاء، وللعصفور وما ماثله دلو واحد، وللحية والعقرب ثلاثة دلاء، وللوزغة دلو واحد، ولبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء، فإن أكل الطعام فسبع دلاء فإذا بلغ فأربعون دلوا، وللعذرة اليابسة عشر دلاء، فإن تقطعت أو كانت رطبة فخمسون دلوا، ولقليل الدم عشر دلاء، ولكثيره خمسون دلوا، بدلو البئر


(1) في بعض النسخ: تزول.
(2) تغير.

[ 131 ]

المألوف كائنا ما كان. فإن وقع شئ من النجاسات في مايع غير الماء كالدهن والخل والمرق أو مات فيها حيوان أو لاقى (1) حيوان نجس، نجست ووجبت إراقة (2) جميعها إلا الدهن خاصة، فإن الاستصباح به جائز. وإن خالط الماء أحد الطاهرات كالورس والزعفران وشبههما فغلب عليه حتى سلبه سمة (3) الماء، لم يرتفع به الحدث ولم تزل به النجاسة، وإن لم يسلبه سمة (4) الماء فهو على ما كان عليه من التطهير وإن تغيرت أحد أوصافه. فصل في النجاسات ما يؤثر التنجيس على ثلاثة أضرب: أحدها يؤثر بالمخالطة، وثانيها بالملاقات، وثالثها بعدم الحياة. فالأول أبوال وخرء كل ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا، والشراب، والمسكر، والفقاع، والمني، والدم المسفوح، وكل مايع نجس بغيره. والثاني أن يماس الماء وغيره حيوان نجس كالكلب والخنزير والثعلب و الأرنب والكافر. والثالث أن يموت في الماء وغيره حيوان له نفس سائلة. ولا حكم لما عدا ما ذكرناه في التنجيس.


(1) لاقاها.
(2) إراقتها.
(3) في بعض النسخ: تسميته.
(4) تسميته.

[ 132 ]

الفصل الثالث الطهارة على ضربين: وضوء وغسل. وأحكام الوضوء على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض منه [ منها ظ ] سبعة أشياء: النية وحقيقتها العزم عليه بصفاته المشروعة لرفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى مكلفه سبحانه، وموضعها في ابتدائه، فإن أخل بها المتوضي أو بشئ من صفاتها فوضوءه باطل. وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن، ما دارت عليه الابهام والوسطى من اليد اليمنى عرضا، بكف من الماء. وغسل الذراعين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، يبدء الرجل بظاهر الساعد والمرأة بباطنه، فإن زاد في الحد المغسول متدينا، أو نقص منه، أو جعل موضع الغسل مسحا، على كل حال فوضوءه باطل، وكذلك حكمه إن بدأ بالأصابع وختم بالمرفق. ومسح مقدم الرأس بثلاث أصابع مضمومة مع الشعر، ويجزي بإصبع واحد. ومسح ظاهر القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين، – وهما موضع معقد الشراك – بفضل نداوة الوضوء، فإن مسح غير الجهة المشروعة، أو استأنف للمسح ماءا جديدا، أو جعل موضع المسح غسلا على حال، أو تدين بالزيادة عليها، بطل الوضوء. والترتيب، وهو أن يبدأ بوجهه ثم يده اليمنى ثم اليسرى ثم رأسه ثم رجليه، فإن خالف الترتيب عن قصد أو سهو عاد فرتب، فإن لم يفعل


[ 133 ]

فلا وضوء له. والموالاة وهي أن يصل (1) توضيه الأعضاء بعضها ببعض، فإن جعل بينهما مهلة حتى جف الأول بطل الوضوء. والمسنون وضع الاناء عن اليمين، وغسل اليدين قبل إدخالهما الاناء من النوم مرة، ومن البول مرة، ومن الغائط مرتين، المضمضة، والسواك، والاستنشاق، وتثنية الغسل في الوجه واليدين، وذكر الله، والصلوة على محمد وآله صلى الله عليه وآله، والتفرد به. ولا يجوز له أن يقوم عن مجلس وضوئه إلا وهو على يقين من فعله متكامل الواجب فإن نهض وهذه حاله لم يلتفت إلى شك يحدث. ولا تصح الصلاة إلا بطهارة متيقنة، فمتى شك فيها استأنفها. ولا يجوز له تثليث الغسل على حال فإن ثلث فسد الوضوء. والاغسال على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض ثمانية أغسال: غسل الجنابة، وغسل الحيض، غسل النفاس، وغسل الاستحاضة المخصوصة، و غسل مس الميت. وجهة وجوب هذه الأغسال الأحداث المذكورة. ويلزم مريدها الاستبراء بحيث يتعين الاستنجاء على كل (2) وغسل ما على الجسم من النجاسة. وافتتاحها بالنية وهي العزم على الغسل بصفة (3) لرفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه على الوجه [ وجه ظ ] القربة، ثم غسل الرأس في الجنابة إلى أصل العنق ثم الجانب الأيمن من العنق إلى تحت القدم، ثم الجانب الأيسر كذلك، ويختم بغسل الرجلين.


(1) يوصل توضئه.
(2) في بعض النسخ: على كل حال.
(3) في بعض النسخ: بصفة له لرفع، وفي بعضها الآخر: بصفة له رفع.

[ 134 ]

فإن ظن بقاء شئ من صدره أو ظهره لم يصل إليه الماء فليتبع (1) بإراقة الماء على صدره وظهره. وإن كان على شئ من جسده شعر فعليه تمييزه (2) ليصل الماء إلى البشرة. فإن كان عليه سوار أو دملج أو خاتم أو في وسطه سير (3) فليحركه ليدخل الماء تحته، وإن كان ضيقا لا يتحرك فلينزعه. والترتيب فيه واجب، والموالاة غير واجبة. وإذا فعل ذلك تمت طهارته وجازت (4) له الصلاة ولا يحتاج إلى وضوء. ويستحب أن يغسل يديه قبل إدخالهما الاناء ثلاث مرات. فما عدا (5) غسل الجنابة الوضوء واجب في ابتدائه ثم ترتيب غسل الجنابة. وغسل الميت، وجهة وجوبه مصلحة الحي وتكرمة المسلم. وصفته: أن يبدء الغاسل فينجي الميت ويوضيه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه إلى عنقه، ثم جانبه الأيمن من أصل عنقه إلى تحت قدمه، ثم جانبه الأيسر كذلك، بالسدر ومائه، يتولى الغسل واحد والصب آخر، ثم يغسله ثانية بماء الكافور كذلك من غير وضوء، ثم ثالثة كذلك بماء قراح. ويلزم متوليه أن يفتحه بالنية، وهي العزم على الوجه الذي بيناه (6) قاصدا تكرمة الميت لوجوبه عليه قربة إلى الله تعالى.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: فليسبع، وفي بعضها: فليسع ولعل صحيح. فليسبغ.
(2) تميزه.
(3) في بعض النسخ: شئ، والصحيح ما أثبتناه. (4) في بغض النسخ: لجازت.
(5) كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح: وفيما عدا.
(6) في بعض النسخ: رتبناه.

[ 135 ]

وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاث. وغسل المفرط في صلوة الكسوف مع العلم به وكونه احتراقا، وجهة وجوب هذين الغسلين كونهما شرطا في تكفير الذنب وصحة التوبة منه، فيلزم العزم عليهما لهذا الغرض، لكونهما مصلحة في التكليف بشرط الاخلاص له سبحانه. ويلزم افتتاحهما بالوضوء، وترتيبهما بعده كترتيب غسل الجنابة. وأما الأغسال المسنونة فثلاثون غسلا: غسل الجمعة، وغسل الفطر، وغسل الأضحى، وغسل الغدير، وغسل يوم المبعث، وغسل النصف من شعبان وغسل ليلة شهر رمضان، وغسل ليلة النصف منه، وغسل ليلة سبع عشرة منه، وغسل ليلة تسع عشرة منه، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه، وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه، وغسل ليلة الفطر، وغسل إحرام الحج، وغسل الاحرام العمرة، وغسل دخول مكة، وغسل دخول المسجد، وغسل دخول الكعبة، وغسل زيارة البيت من منى، وغسل يوم عرفة، وغسل دخول المدينة وغسل دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله وغسل زيارته صلى الله عليه وآله، وغسل زيارة مشاهد الأئمة عليهم السلام، وغسل صلاة الاستسقاء وغسل صلاة الحاجة، وغسل صلاة الاستخارة، وغسل صلاة الشكر، وغسل التوبة من الكبائر، وغسل المولود. ومن السنة من مريد شئ من هذه الأغسال أن يفتتحه بالوضوء والنية ثم ترتبه (1) ترتيب غسل الجنابة. والنية أن يعزم على فعله لصفته المشروعة لكونه لطفا له في المندوب إليه مخلصا به لمكلفه سبحانه. ولا يجوز له فعله وهو محدث حتى يرفع حدثه بطهارته المختصة به، إذ بها تستباح الصلاة دون الغسل (2)


(1) في بعض النسخ: ترتيبه.
(2) في بعض النسخ: الغسل المسنون.

[ 136 ]

الفصل الرابع في فرض التيمم فرض التيمم يتعين عند عدم الماء، أو حصول مانع منه من شدة برد، أو مرض، أو جرح، أو عطش (1) أو حصول علم أو ظن بفوت الوقت قبل الوصول إليه، أو تعذر ما يبتاع به من الثمن، أو كون الثمن مجحفا به، أو فقد الملك و الإذن فيه، أو كونه نجسا عند آخر الوقت، بعد أن يطلبه فاقده أمامه وعن يمينه وعن يساره مقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة. ولا يصح بغير التراب من جميع الأجناس. وأفضل ذلك عوالي الأرض، ويجوز من مهادها وبكل تراب طاهر. وكيفيته: أن يزيل المحدث ما على فرجه وجسده من النجاسة بالتراب وغيره، ثم يضرب الأرض بيديه جميعا ويرفعهما فينقضهما ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف، ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ثم ظاهر اليسرى بباطن اليمنى كذلك. فإن كان موجبه حدثا يوجب الغسل ضرب الأرض ضربتين: أحديهما لوجهه والأخرى ليديه. وجميعه واجب. والترتيب شرط في صحته، ولا بد من افتتاحه بنية حقيقتها العزم على فعله بصفته لتصلى به لوجوبه متقربا به إلى الله. فإذا أوقعه على هذا الوجه جازت له صلاة الليل (2) ما لم يحدث ما ينقض الطهارة، أو يتمكن من استعمال الماء. وإذا صلى المكلف بتيمم صلوة وخرج عنها ووقتها باق فعليه إعادتها وترتيبها (3) بمقدار ما بقي من الوقت


(1) في بعض النسخ هكذا: أو خوف عطش، أو حصول خوف بين المحدث وبينه أو فقد آلة يتمكن بها منه، أو حصول علم..
(2) كذا في النسخ.
(3) كذا.

[ 137 ]

فإذا تمكن من استعمال الماء توضأ إن كان حدثه الماضي من أحداث الوضوء أو اغتسل إن كان من أحداث الغسل، واستقبل الصلاة. ولا إعادة (1) عليه صلاته بتيممه (2). الشرط الثالث: يجب العلم بأوقات الصلاة لكونها شرطا في صحتها. وأول الصلوات صلاة الظهر، وأول وقتها زوال الشمس، وعلامة زوالها رجوع الظل، وآخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظل سبعي القائم، و آخر وقت الإجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه، وآخر وقت المضطر أن يصير مثله. وأول وقت العصر أن يمضي. من الزوال مقدار صلاة الظهر، وآخر وقت المختار الأفضل إلى آخر أربعة أسباع الظل، وآخر وقت الإجزاء له أن يصير الظل مثل القائم، وآخر وقت المضطر أن يبقى من غروب الشمس مقدار صلاة العصر. وأول وقت المغرب غروب الشمس – وهو أفضل – وعلامة غروبها اسوداد المشرق بذهاب الحمرة، وآخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب، وآخر وقت المضطر ربع الليل. وأول وقت عشاء الآخرة أن يمضي من غروب الشمس مقدار صلاة المغرب، وتأخيرها إلى أن تغيب الحمرة من المغرب أفضل، وآخر وقت الإجزاء ربع الليل، وآخر وقت المضطر نصف الليل.


(1) فلا إعادة.
(2) في بعض النسخ هكذا: ولا إعادة عليه لشئ صلوة بتيممه والعبارة سقيمة. لم أهتد إلى صحيحها.

[ 138 ]

وأول وقت صلاة الفجر البياض المعترض في الشرق (1) وهو الأفضل، وآخر وقتها أن يبقى طلوع الشمس مقدار فعلها. ولا يجوز الصلاة قبل وقتها، فإن صلى قبله قاصدا بطلت صلاته وإن كان جاهلا به أو ساهيا عنه، فإن دخل الوقت وهو في شئ منها فهي تجزيه، وإن خرج عنها ولما يدخل الوقت لم تجزه وعليه إعادتها فيه. وتأديتها في أول الوقت أفضل والثاني أفضل من الثالث ثم هكذا إلى آخر الوقت. ولا يجوز تأخيرها عن وقت إلى ثان له إلا بشرط العزم على أدائها فيه، فإذا لم يبق من الوقت إلا مقدار فعلها تضيق فرض الأداء ولم يثبت العزم الفعل (2). وتأخير المختار الصلاة عن وقته إلى وقت المضطر تفريط معفو عن تفريطه مؤد غير قاض، وفعلها بعد الوقت قضاء وليست بأداء، فإذا كان كذلك لضرورة فلا أثم عليه، وإن كان عن تفريط فهو مأزور، ويلزمه القضاء والتوبة من تفريطه الشرط الرابع: يلزم العلم بالقبلة لكون التوجه إليها شرطا في صحة الصلاة. وهي الكعبة، وفرض المتوجه إليها العلم بها مع إمكانه والظن مع تعذر العلم، فمن اقتصر على الظن والعلم ممكن، أو على الحدس والظن ممكن، فصلاته باطلة، وإن أصاب بتوجه القبلة. وكذلك حكم من توجه إلى غير القبلة قاصدا. ومن توجه إلى جهة يظنها جهة القبلة ثم يتبين له أن توجهه كان إلى غيرها، وكان الوقت باقيا فعليه إعادة الصلاة إليها وإن كان قد خرج فلا إعادة عليه


(1) المشرق.
(2) كذا في بعض النسخ وفي بعضها الآخر: على الفعل ولعل الصحيح: لم ينب العزم الفعل.

[ 139 ]

إلا أن يكون بتوجهه استدبر الكعبة فيعيد. ومن كان بحيث لا يعلم جهة الكعبة ولا يظنها ففرضه التوجه لصلاة (1) الحاضرة (2) إلى أربع جهات. الشرط الخامس: النية شرط في صحة الصلاة إذ بها يتميز كونها عبادة، وحقيقتها العزم على أفعال الصلاة لكونها مصلحة، على جهة الاخلاص بها له سبحانه ولكن [ ليكن. ظ ] في حال صلاته مجتنبا لتروكها. وموضع النية تكبيرة الاحرام، فمن أخل بها أو بشرط منها بطلت صلاته. ومن حق المصلي أن يكون طائعا بإيقاع الصلاة على الوجه المشروع، متكاملة الأحكام والشروط والكيفيات، عامدا في حال فعلها بكونه معترفا بنعمه سبحانه خاضعا له. ويستحب أن يرجو بفعلها مزيد الثواب والنجاة من العقاب وليقتدي به ويرغم الضالون (3). والشرط السادس: ستر العورة شرط في صحة الصلاة. وعورة الرجل من سرته إلى ركبته ولا يمكن ذلك في الصلاة إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع والسجود. وهذا القدر مجز والأفضل التجمل باللباس و التعمم والتحنك والارتداء. والمرأة كلها عورة. وأقل ما يجزي الحرة البالغ (4) درع سابغ إلى القدمين وخمار، ويجزي الإماء ومن لم يبلغ من حرائر النساء درع بغير خمار، والتجمل باللباس أفضل لهن. فإن انكشفت عورة المصلي أو شئ منها عن إيثار فسدت الصلاة. الشرط السابع: طهارة الجسم عدا مخرج النجو شرط في صحة الصلاة، ولا يزول ما عليه من نجاسة إلا بالماء، إلا ما رخص فيه من مسح اليد بالتراب بعد


(1) بصلوة.
(2) كذا.
(3) كذا في بعض النسخ.
(4) كذا في النسخ.

[ 140 ]

مصافحة الكفار، وزوال ما يتعلق بباطن القدمين من النجاسات بالمشي عليهما حتى تذهب عنهما. الشرط الثامن: طهارة اللباس وصفة (كذا) جنسه وصحة التصرف فيه شرط في صحة الصلاة، فيلزم المصلي تجرى (1) الثوب الطاهر الذي يجوز التصرف فيه بملك أو إذن، ويجتنب النجس والمغصوب وجلود الميتة وإن دبغت وجلود ما لا يؤكل لحمه وإن كان منه ما يقع عليه الذكاة وما عمل من وبر الأرانب والثعالب أو غش به (2) والحرير المحض، فإن صلى في شئ من ذلك لم تجزه الصلاة، ومعفو عن الصلاة في القلنسوة والتكة والجورب والنعلين والخفين وإن كان نجسا أو حريرا، والتنزه عنه أفضل. وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ، وأشد كراهية الأسود، ثم الأحمر المشبع والمذهب والموشح والملحم بالحرير والذهب، وما عدا ذلك جائز. وأفضل الثياب البياض من القطن والكتان. فمن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة تقدم العلم بها أو الظن لحال الصلاة من غير اعتبار فالصلاة فاسدة يلزم إعادتها على كل حال، فإن كان مع الظن وطلب النجاسة فلم يجدها فليرش الثوب ويمسح العضو بالتراب. فإن وجدها فيما بعد فليعد في الوقت ولا يعيد بعد خروجه، وإن لم يتقدم له علم بها ولا ظن فكذلك. وإن رأى النجاسة على جسمه وثوبه بعد الصلاة ولم يكن له على ثبوتها في حال الصلاة دلالة ولا أمارة فالصلاة ماضية. الشرط التاسع: لا يجوز السجود بشئ من الأعضاء السبع إلا على محل


(1) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: تحري.
(2) في بعض النسخ: أو محشو به.

[ 141 ]

طاهر، وتختص صحة (1) السجود بالجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس، فإن سجد ببعض الأعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة. الشرط العاشر: لا يجوز الوقوف في الصلاة على الأرض النجسة، ولا المغصوبة بغير إذن المالك، ولا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل ومرابض الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم وبيوت النار والمزابل ومذابح الأنعام والحمامات وعلى البسط المصورة وفي البيت المصور، ولنا في فسادها في هذه المحال نظر. وتكره على الأرض السبخة وعلى جواد الطرق…
(2) والسلاح المتواري والمصباح ومقابلة وجه الانسان والمرأة ونائمة (3) أشد كراهية. والأفضل أن يجعل المتوجه بين يديه ساترا أدناه العنزة أو الأجرة. فصل في كيفية الصلاة: على ضربين متمكن ومضطر وكل منهما على ضربين مفرد وجامع.


(1) في بعض النسخ هكذا: ويختص محل السجود.
(2) هنا بياض في جميع النسخ، قال في المختلف قال أبو الصلاح: لا يجوز التوجه إلى النار والسلاح المشهور والنجاسة الظاهرة والمصحف المنشور والقبور ولنا في فساد الصلوة مع التوجه إلى شئ من ذلك نظر. وقال في التذكرة: قال أبو الصلاح: تكره إلى باب مفتوح أو إنسان مواجه…
(4) في بعض النسخ: والمرأة نائمة أشد.

[ 142 ]

فصل في بيان كيفية صلاة المفرد المتخيرة يلزم المكلف المتمكن إذا دخل وقت الصلاة أن يرفع الحدث وطهارته ويقصد للصلاة فيفتتحها بالأذان والإقامة، يتوجه لها، ويدخل فيها بالنية، وتكبيرة الاحرام، فإذا كبر فليضع يديه على فخذيه، ويرخي ذقنه على صدره، ويغض بصره ناظرا إلى محل سجوده، ويفرق بين قدميه، ويصفهما، ويجعل أصابعهما تجاه القبلة، ويقرء على الوجه الذي تعين عليه من جهر أو إخفات، ويجتنب كل ما بينا وجوب اجتنابه والترغيب في تركه. فإذا فرغ من القراءة فليكبر ويركع مستويا، يضع يديه على ركبتيه، و يفرج أصابعهما، يمد عنقه، وينظر إلى ما بين رجليه، ويسبح، فإذا فرغ من تسبيح الركوع فليرفع رأسه وهو يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائما فليقل ما ذكرناه. ثم يكبر ويسجد فيستقبل الأرض بيديه ثم ركبتيه ثم جبهته، ويسجد على الأعضاء المذكورة متعلقا لا يلصق عضديه بجنبيه ولا بطنه بفخذيه ولا يفترش الأرض بذراعيه ولا بساقيه. فإذا فرغ من تسبيح السجدة جلس مطمئنا على إليتيه جميعا متوركا على فخذه اليسرى. ثم يكبر ويقول بعد التكبير ما ذكرناه (كذا) من الدعاء، ثم يكبر ويسجد ثانية كالأولى فإذا رفع رأسه منها جلس مطمئنا، ثم كبر ثم نهض ويقول: بحول الله (1) أقوم وأقعد. فإذا استوى قائما قرأ للثانية وركع وسجد حسب ما صنعه في الأولة، فإذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة جلس مطمئنا، فإن كانت صلوة الظهر أو العصر


(1) في بعض النسخ: وقوته.

[ 143 ]

أو المغرب أو عشاء الآخرة يشهد (1) تشهد الأول، وإن كانت الغداة يشهد (2) التشهد الثاني. وكيفية الأخرتين من الصلاة الرباعية وثالثة المغرب كالأولتين في حال القيام والركوع والسجود، ويجلس عند آخرهن مطمئنا ويشهد التشهد الثاني، ولينظر في حال تشهد (3) إلى حجره، فإذا سلم من فريضة عقب وعفر على ما تقدم شرحه. وكيفية صلاة المرأة كالرجل إلا أنها تضع يديها في حال القيام على ثديها وفي حال الركوع على فخذيها، ولا تطأطأ تطأطؤ الرجل، وتجلس من غير أن تنحني وتسجد منضمة ناصبة ركبتيها، فإذا أرادت النهوض وضعت يديها على جنبيها ونهضت حالة واحدة. فصل في صلاة الجماعة ثواب صلاة الجماعة متضاعف على صلاة الفرادى خمسة وعشرين ضعفا وأولى الناس بها إمام الملة أو من ينصبه، فإن تعذر الأمران لم ينعقد إلا بإمام عادل طاهر الولادة سليم من الجنون والجذام والبرص، وأذان وإقامة يتولاهما من يوثق بدينه، فإذا تكاملت هذه الصفات لجماعة فأولاهم بإمامة الصلاة رب المسجد والبيت، وبعدهما أقرؤهم لكتاب الله تعالى، وبعده أفقههم، وبعده القرشي دون غيره، ثم الكبير دون الصغير. وقد تتكامل صفات الإمامة لجماعة وينعقد على وجه دون وجه، وتكره على


(1) تشهد.
(2) تشهد.
(3) في بعض النسخ: تشهديه.

[ 144 ]

وجه دون وجه. فالأول: المقيد بالمطلق، والزمن بالصحيح، والخصي بالسليم، والأغلف بالمطهر، والمحدود بالبرئ والمرأة بالرجال، ويجوز أن يؤم كل منهم بأهل طبقته. الثاني: الأعمى بالبصير، والمقصر بالمتم، والمتم بالمقصر، والمتيمم بالمتوضي، والعبد بالحر، ولا كراهية في إمامة كل منهم لأهل طبقته. ويلزم إمام الصلاة تقديم دخول المسجد ليقتدي به المؤتمون، ويتعمم، ويتحنك، ويرتدي، ويجهر بالقراءة بحيث يجب الجهر ويخافت بحيث يجب الاخفات (1) ويجهر بالتكبير والقنوت والتشهد على كل حال، ويخفف من غير إخلال. ويلزم المؤتم الاقتداء عزما وفعلا. ولا يقرء خلفه بالأوليين من كل صلاة ولا في الغداة إلا أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته (2) فيما يجهر فيه فيقرأ، وهو في الأخيرتين من الرباعيات و ثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح، والقراءة أفضل، ويركع بركوعه، ويسجد بسجوده، ولا يرفع رأسه منهما حتى يرفع، ويجلس بجلوسه فإذا سلم سلم. وأولى المأمومين بالصف الأول أولوا الأحلام والنهي، ويلونهم العوام و الأعراب، ويلونهم العبيد، ويلونهم الصبيان، ويلونهم النساء. ولا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطا، ولا حائل من بناء


(1) في بعض النسخ هكذا: بالقراءة بحيث يجب الاخفات، وفي بعضها الآخر سقطت الجملتان.
(2) في النسخ: ولا قنوته والظاهر أنه تصحيف.

[ 145 ]

أو نهر. ولا يحتسب المسبوق إلا بما أدرك ركوعه، وإن سبق بركعة فأولته ثانية الإمام، فليمسك عن القراءة فإذا جلس الإمام للتشهد فليجلس مستوفرا (1) ولا يتشهد، فإذا نهض الإمام إلى الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه الحمد وسورة فإذا نهض الإمام إلى الرابعة فليجلس يتشهد خفيفا ويدركه قائما، فإذا جلس الإمام للرابعة فليجلس مستوفرا (2) ولا يتشهد، فإذا سلم فلينهض فيصلي ركعة ثم يتشهد ويسلم. وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين، فليقرأ لنفسه فيهما كقراءة المفرد (3) ويجلس بجلوسه ويتشهد الأول، فإذا سلم فلينهض فيصلي ركعتين إن كانت صلاة رباعية، وركعة إن كانت ثلاثية ويتشهد ويسلم. فإن سبق بثلاثة ركعات فرابعة الإمام له أولة، فليقرأ لنفسه فيها، فإذا سلم الإمام نهض فتمم باقي الصلاة وتشهد وسلم. فصل في كيفية صلاة المضطر فرض من اضطر إلى الاخلال ببعض أحكام الصلاة وشروطها أن يبذل جهده ويستفرغ وسعه في فعليها على غاية ما يتمكن منه ويأمن معه من التلف في آخر وقتها، فإن اقتصر على صفة يتمكن من الزيادة عليها بطلت صلاته. وتختلف كيفية صلاة المضطر بحسب الضرورات.


(1) في بعض النسخ: مستوقرا.
(2) في بعض النسخ: مستوقرا.
(3) المنفرد.

[ 146 ]

فمن ذلك صلاة الخوف وهو بانفراده موجب القصر، ويلزم المواقفين (1) للعدوان أن يقسموا الجيش قسمين: قسم يقف بإزاء العدو وقسم يعقد بهم الصلاة جماعة فيصلي بهم الإمام ركعة وينهض إلى الثانية وينهض (2) معه فيصلون لأنفسهم ويتشهدون ويسلمون وينصرفون إلى مقام أصحابهم فيقفون بإزاء العدو ويأتي أولئك فيكبرون ويدخلون معه في الصلاة فإذا دخلوا معه ركع بهم وسجد وجلس يتشهد ونهضوا فصلوا لأنفسهم ركعة وجلسوا معه فإذا علم بتشهدهم سلم بهم، وإن كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعة أو اثنتين، وبالثانية ما بقي. فإن خافوا العدو بانقسام الجيش فليصلوا في مصافهم على ظهور خيلهم متوجهين إلى القبلة إن أمكن، وإلا عند افتتاح الصلاة والتسليم منها ويؤمون بالركوع ويسجدون على قرابيس سروجهم. وإن كانت حال طراد صلوا في حاله على ظهور خيلهم يؤمون بالصلاة إلى القبلة إن أمكن في جميع الصلاة وإلا افتتحوها بالتوجه إليها وحين التسليم ويومون بالركوع والسجود. وإن كانت حاله مواقفة ومسايفة عقد كل منهم الصلاة بالنية وتكبيرة الاحرام وكبر عن كل ركعة أربع تكبيرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتشهد وسلم. وكذلك حكم مواقف الأسد وما يجري مجراه. والمضطر إلى الركوب يصلي راكبا متوجها إلى القبلة إن أمكن، وإلا حين عقدها وحلها، ويومىء بالركوع ويسجد على القربوس أو الرحل.


(1) في بعض النسخ: الموقفين.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: وينهضون معه.

[ 147 ]

والمضطر إلى المشي يصلي ماشيا يؤمي بالركوع والسجود ويتوجه إلى القبلة بحيث يمكنه. والمضطر إلى ركوب السفينة يصلي فيها قائما إن أمكن، وإلا جالسا مستقبل القبلة في جميعها، فإن كانت السفينة دائرة توجه إلى القبلة، ودار معها حيث دارت وإن لم يعرف القبلة توجه إلى صدورها وصلى حيث توجهت. والمضطر إلى السباحة يتوجه إلى القبلة ويصلي ويكون سجوده أخفض من ركوعه. والمقيد والمربوط والمتوحل والمضطر إلى الجلوس والاضطجاع يلزمه بذل الجهد في إيقاع الصلاة على غاية وسعه. والمضطر إلى العري يصلي قائما إن كان بحيث لا يراه أحد ويركع و يسجد، وجالسا إن كان بحيث يراه غيره ويومىء بالركوع والسجود إيماءا، فإن كان العراة جماعة صلوا صفا إمامهم في أوساطهم. ويصلي من عداهم من المضطرين جماعة كصلاة المختارين إمامهم أمامهم. فصل في حكم السهو في عدد الركعات قد سلف بيان أكثر أحوال السهو في أحكام الصلاة وشروطها وكيفيتها وبقي ما يتعلق بعدد الركعات وبعض الأحكام، وهو على ضروب: منها ما يوجب الإعادة، ومنها العمل بغالب الظن، ومنها ما يوجب الاحتياط، ومنها ما يوجب الجبران، ومنها ما يوجب التلافي، ومنها ما وجوده كعدمه. فأما ما يوجب الإعادة فهو أن يشك المصلي في الركعتين الأولتين من الصلاة الرباعية أو في صلاة الغداة أو للمغرب أو ركعتي التقصير فلم يدر


[ 148 ]

ركعتين صلى أم ثلاثا، اثنتين صلى المغرب أم ركعة، أم ركعتين أم ثلاثا، أو يسهو فيزيد في الفرض ركعة معلومة أو مظنونة أو ينقص ركعة ولا يذكر حتى ينصرف. وأما ما يقتضي العمل بغلبة الظن فهو أن يسهو في عدد الركعات و الأحكام ويغلب ظنه بشئ من ذلك، فعليه أن يعلم بما غلب ظنه. وأما ما يوجب الاحتياط فهو أن يسهو في الصلاة الرباعية بعد سلامة الأوليين بيقين أو ظن سهوا وشك (1) فلم يدر أصلي ركعتين أم ثلاثا فعليه أن ينهض فيصلي ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ويصلي بعد التسليم ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام. أو يشك فلم يدر أصلي ركعتين أم أربعا، فيلزمه أن يفرض أنها أربع ويتشهد ويسلم ويصلي بعد التسليم ركعتين من قيام. أو يشك فلم يدر أصلي ثلاثا أم أربعا فليفرض أنها أربع ويتشهد ويسلم ويصلي بعد التسليم ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. أو يشك فلم يدر أصلي ركعتين أم ثلاثا أم أربعا فيفرض كونها أربعا ويتشهد ويسلم ويصلي ركعتين من قيام و ركعتين من جلوس. وأما ما يوجب الجبران فهو أن يشك في كمال الفرض زيادة ركعة عليه، فيلزمه أن يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو. وهاتان السجدتان يلزم من جلس ساهيا في موضع قيام، أو قام في موضع جلوس، أو تكلم ساهيا، أو سها عن سجدة، وقد بينا ذلك وأعدناه للبيان. وصفتهما: أن يسجد كسجود الصلاة ويقول في كل واحد منهما: بسم الله و بالله وصلى الله على محمد وآله، ويجلس ويتشهد لهما تشهدا خفيفا وينصرف عنهما بالتسليم على محمد وآله صلوات الله عليه وآله.


(1) في بعض النسخ: أو شكا.

[ 149 ]

وأما ما يوجب التلافي فهو أن يسهو عن النية أو تكبيرة الاحرام ويذكر ذلك قبل أن يركع، أو عن قراءة الحمد وهو في السورة التي يليها فيلزمه تلافي ذلك بافتتاح الصلاة بالنية وتكبيرة الاحرام وقراءة الحمد، ويسهو عن التشهد الأول فيذكره قبل أن يركع أو عن الثاني فيذكره قبل أن ينصرف يلزم تلافيهما بالجلوس والتشهد، أو يسهو عن القنوت قبل الركوع فيتلافاه بعد الركوع، أو يسهو عن تسبيح الركوع أو السجود أو شئ منهما فيتلافاه ما دام الصلاة وبعدها ما لم يحدث، أو يسهو عن سجدة من ركعة ويذكرها قبل أن يركع فيتلافاها، أو يسهو عن ركعة أو اثنتين ويسلم ثم يذكر ذلك قبل أن ينصرف فيلزمه التلافي وسجدتا السهو والتسليم. وأما ما لا تأثير له فهو أن يشك المصلي في حكم من أحكام الصلاة بعد خروجه عن حال فعله، كشكه في النية بعد الدخول في الصلاة، أو في تكبيرة الاحرام وهو في حال القراءة، أو في القراءة، وهو راكع، أو في الركوع وهو ساجد، أو في السجود بعد ما ينهض، أو في شئ من ركعات الصلوة بعد ما ينصرف، فلا يلتفت إلى شكه في شئ من ذلك، لخروجه من حال العبادة بالحكم عن يقين منه، والشك لا يؤثر في الحكم المتيقن. فصل (1) في القضاء وأحكامه يجب قضاء ما فات من صلوة (2) الخمس، وهو مثل المقضي وليس هو هو ووقته حين ذكره إلا أن يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف بفعل الفائتة


(1) في بعض السنخ: كلام في القضاء وأحكامه.
(2) صلوات.

[ 150 ]

فوتها، فيلزم المكلف الابتداء بالحاضرة ثم يقضي الفائتة، وما عدا ذلك من سائر الأوقات فهو وقت الفائتة لا يجوز التعبد فيه بغير القضاء من فرض حاضر ولا نفل، فإن كان الفائت متعينا قضاه بعينه محصورا كان أو مشكوكا في عدده وإن كان في غير متعين وكان صلوة واحدة فليقض صلاة يوم كملا ينوي بكل صلوة قضاء الفائت، وإن كان عدة صلوات غير متعينات ولا محصورات فعليه أن يقضي صلوة يوم بعد يوم حتى يغلب في ظنه برائة ذمته من الفائتة. وإن كان الفائت متعينا وغير متعين كثيرا لا يتمكن من فعله في وقت واحد كصلوة عام أو عامين أو ما زاد على ذلك أو نقص منه أوقعها (1) على وجه لا يصح، بإخلاله ببعض واجباته، فعليه أن يقضي في جميع أوقات الليل والنهار إلا ما غلب عليه النوم وشبهه، أو ما استعمل فيه بحفظ الحياة من التكسب أو آخر أوقات الفرائض الحاضرة المضيقة، من حيث كان فرض القضاء مضيقا لا بدل منه، كصلاة الوقت حين يبقى منه مقدار فعلها، فكما لا يجوز التشاغل عنها فيه فكذلك حكم القضاء. فإن كان صلى صلاة الحاضر (2) قبل أن يضيق (2) وقتها وهو ذاكر للفائت فهي باطلة، وإن كان ذلك عن سهو فذكر الفائت وهو لم يخرج عنها لزمه نقل النية إلى الفائت إن أمكن ذلك، فإذا خرج عنه صلى فرض الوقت فإن لم يفعل فصلوته غير مجزية، فإن لم يذكر الفائت حتى أدى الفرض الحاضر فهو مجز عنه ويلزمه فعل الفائت عقيب الخروج عنه.


في النسخ: أو أوقعها. والظاهر ما أثبتناه.
(2) حاضرة.
(3) في بعض النسخ: يتضيق.

[ 151 ]

فصل في صلاة الجمعة لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة، أو منصوب من قبله، أو بمن يتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر الأمرين، وأذان، وإقامة، وخطبة في أول الوقت مقصورة على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلوة على محمد وآله المصطفين ووعظ وزجر، بشرط حضور أربعة نفر معه. فإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات إلى ركعتين بعد الخطبة. وتعين فرض الحضور على كل رجل بالغ حر سليم مخلى السرب حاضر بينه وبينها فرسخان فما دونهما، ويسقط فرضها عن من عداه، فإن حضرها تعين عليه فرض المدخول فيها (1) جمعة. ويلزم الإمام الغسل وتغيير الثياب ومس الطيب والتعمم والتحنك والارتداء وتقديم دخول المسجد الجامع ليتأسى به المسلمون. فإذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد المنير فخطب على الوجه الذي بيناه، فإذا انقضت الخطبة أقيمت الصلاة ونزل فصلى بالناس ركعتين، يقرأ في الأولى الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد وإذا جاءك المنافقون، يجهر بالقرائة فيهما، ويقنت في الركعة الأولة والثانية، ويتشهد ويسلم ويعقب ويعفر، ثم يأمر مؤذنيه بإقامة الصلاة وينهض فيصلي بالناس فريضة العصر، يقرأ في الأوليين منها ما قرأ في صلاة الجمعة إخفاتا ويجزيه أن يقرأ ما تيسر من السورة، والسنة ما ذكرناه من القراءة، فإذا سلم


(1) كذا.

[ 152 ]

عقب وعفر وانصرف. ويلزم المؤتمين به أن يصغوا الخطبة، ولا يتطوعون بصلاة ولا يتكلمون بما لا يجوز مثله في الصلوة هو يخطب، ويصغون إلى قرائته، ولا يقرؤون خلفه في صلاة الجمعة سمعوا قراءته أو صوته أم لم يسمعوا، وحالهم في صلاة العصر كسائر الأعصار ويقتدون (1) به بقلوبهم وجوارحهم حسب ما يلزم كل مؤتم بإمام. ويستحب لكل مسلم تقديم دخول المساجد لصلاة النوافل بعد الغسل و تغيير الثياب ومس النساء (كذا) والطيب وقص الشارب والأظافير. فإن اختل شرط من شروط الجمعة المذكورة سقط فرضا وكان حضور مسجد الجامع لصلاة النوافل وفرضي الظهر والعصر مندوبا إليه. ويلزم من حضره قبل الزوال أن يقدم النوافل عدا ركعتي الزوال، فإذا زالت الشمس صلاهما وأذن لنفسه وأقام وصلى الظهر أربعا كسائر الأيام، يقرأ في الأوليتين بعد الحمد الجمعة وإذا جاءك المنافقون، فإذا سلم بهما عقب وعفر ونهض فصلى فريضة العصر بإقامته من غير أذان، يقرأ فيها ما يقرأ في الظهر. ويستحب لمن تعين عليه فرض الجمعة أو سقط عنه أن يقرأ في أولتي صلاتي المغرب وعشاء الآخرة من ليلة الجمعة في الأولة الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وفي أولة صلاة الغداة من يوم الجمعة مع الحمد سورة الجمعة وفي الثانية معها سورة الاخلاص، ويطيل قنوته فيها حتى يصير مقدار القيام فيها كالأولة. وإن قرأ في صلاة المغرب وعشاء الآخرة والغداة بغير ما ذكرناه من السور جاز، وقرائتها أفضل. ولا يجوز أن يقرأ في الجمعة وظهر يومها بغير السورتين


(1) في أكثر النسخ: ويقيدون به.

[ 153 ]

المذكورتين. ولليلة الجمعة ويومها من الحرمة ما ليس لغيرهما من الليالي والأيام، فيلزم تمييزهما بكثرة التعبد فيهما بالصلاة والتسبيح والاستغفار والصلوة على محمد وآله وزيارتهم في مشاهدهم أو من حيث أمكن وبر الوالدين والدعاء لأحيائهم وأمواتهم وزيارتهم والتبري من متقدمي أهل الضلال ومتأخريهم مجملا و مفصلا وفعل الخيرات وإطعام الطعام وصلة الأرحام وبر الأخوان والجيران و التوسعة في النفقة على العيال وتطريفهم بما تيسر من اللحم والحلو والفاكهة والخضر اجتناب التكسب والسفر قبل الصلاة، وقطع زمانيهما أو أكثرهما بالطاعات. فإن فاتت الجمعة بأن يمضي من زوال الشمس مقدار الأذان والخطبة و صلاة الجمعة لم يجز قضاؤها ولزم أداؤها ظهرا. ويكره إخراج الدم قبل الصلاة لغير ضرورة. فصل في صلاة العيدين صلاة يوم الفطر ويوم الأضحى واجبة بشرط تكامل شروط الجمعة لها على كل من تجب عليه الجمعة. والسنة فيها الاصحار بها وبخروج (1) الأمام والمأموم مشاة، وكلما مشى الإمام قليلا وقف وكبر حتى ينتهي إلى المصلى فيجلس على الأرض ويجلسون كذلك، فإذا انبسطت الشمس قام قائما وقام الناس وكبر وكبر الناس، فإذا أمسك قال مؤذنوه: ” الصلاة، الصلاة ” برفيع أصواتهم، ثم يكبر ويدخل بهم في الصلاة ويدخلون، فيقرء الحمد والشمس وضحيها، ويكبر بعد القراءة ست تكبيرات يركع بالسادسة، ثم يسجد


(1) كذا.

[ 154 ]

سجدتين، وينهض إلى الثانية، فإذا استوى قائما كبر وقرأ الحمد وهل أتيك ويسلم، ويلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول: ” اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل العز (1) والجبروت وأهل القدرة و الملكوت وأهل (2) الجود والرحمة وأهل العفو والعافية أسألك بهذا اليوم (3) الذي عظمته وشرفته وجعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا (4) ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد وتغفر (5) لنا وللمؤمنين والمؤمنات وتجعل لنا في كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا “. فإذا سلم من هذه الصلاة عقب وعفر ثم صعد المنبر فخطب على الوجه الذي ذكرناه، ويلزم المؤتمين به الاقتداء به بقلوبهم وجوارحهم، ولا يقرؤن خلفه سمعوا صوته أم لم يسمعوا، وعليه أن يسمعهم قنوته وتكبيره ولا يسمعونه وليصغوا إلى خطبته، فإذا فرغ من الخطبة جلس على المنبر حتى ينفض الناس ثم ينزل. فإن اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة، وقبح الجمع فيها مع الاختلال، وكان كل مكلف مندوبا إلى هذه الصلاة في منزله والاصحار بها أفضل. ووقتها ممتد واجبة ومندوبة إلى أن تزول الشمس فإذا زال ولما يصل سقط فرضها. ولا تنعقد في مصر واحد جمعتان ولا عيدان، وأقل ما يكون بينهما ثلاثة أميال


(1) في بعض النسخ: وأهل الجود والجبروت.
(2) في بعض النسخ: في أهل الجود والرحمة.
(3) في بعض النسخ: بحق هذا اليوم.
(4) في بعض النسخ: ذخرا وكرامة ومزيدا.
(5) في بعض النسخ: وأن تغفر.

[ 155 ]

فإذا فاتت صلاة العيد لم يجز قضاؤها واجبة ولا مسنونة. ولا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد (1) ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا من غدا من مدينة النبي صلى الله عليه وآله لصلاة العيد فإنه مرغب في التطوع بصلاة ركعتين في مسجده (2) قبل الخروج. ولا يجوز السفر قبل صلاة العيد الواجبة ويكره قبل المسنونة. وقد وردت الرواية (3): ” إذا اجتمع عيد وجمعة أن المكلف مخير في حضور أيهما شاء ” والظاهر في الملة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك. ويلزم تمييز يوم العيد بالاكثار من فعل الخيرات، والتوسعة على العيال، والتضحية بما تيسر، وتفريق ذلك على المساكين. فصل في صلاة الكسوف صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض على كل من علم بذلك من المكلفين.


(1) قال العلامة في المختلف بعد نقل هذه العبارة: وهذه عبارة ردية فإنها توهم المنع من قضاء الفرائض إذ قضاء النوافل داخل تحت التطوع، فإن قصد بالتطوع ابتداء النوافل، وبالقضاء ما يختص بقضاء النوافل فهو حق في الكراهة، وإن قصد المنع من قضاء الفرائض فليس كذلك وتصير المسألة خلافية. راجع المختلف ص 114.
(2) كان في بعض نسخنا هكذا: ” فإنه مر غلب في التطوع بصلاة ركعتين في سجدة ” والظاهر ما أثبتناه.
(3) في بعض النسخ: الروايات.

[ 156 ]

وصفتها: أن يفتتحها بالنية وتكبيرة الاحرام ويقرأ عشرا ويركع (1) عشرا ويكبر عشرا ويقنت خمسا ويسجد أربعا ويتشهد ويسلم. ووقتها ممتد بمقدار الكسوف أو الخسوف. والجهر بالقراءة والجمع فيها أفضل من الأفراد والاخفات. فإن خرج عن الصلاة ولما ينجل المكسوف والمخسوف فعليه إعادتها. فإن دخل وقت فريضة من الخمس وهو فيها فليقمها ثم يصلي الفرض، فإن خاف من إتمامها فوات الفرض قطعها ودخل فيه، فإذا فرغ منه بنى على ما مضى له من صلاة الكسوف. وإن لم يعلمه حتى تجلى (1) القرص فعليه القضاء حسب، فإن علم ففرط (3) في الصلاة فهو مأزور تلزمه التوبة والقضاء، وإن (4) كان الكسوف أو الخسوف (5) احتراقا فعليه مع التوبة الغسل كفارة لمعصيته. فصل في صلاة الجنائز فرض هذه الصلاة متوجه إلى كل من علم بحال الميت على الكفاية، وأولى الناس بإمامة الصلاة عليه إمام الملة، فإن تعذر حضوره وإذنه فولي الميت أو من يؤهل للإمامة، وأحق من أهل (6) لها الفاضل من بني هاشم.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: هكذا: ويكبر ويركع عشرا و يقنت…
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: تجلو، وفي المختلف: انجلى.
(3) وفرط.
(4) فإن.
(5) والخسوف.
(6) وهل.

[ 157 ]

وموقفه للرجل عند وسطه وللمرأة عند صدرها حافيا. يفتتح الصلاة بتكبيرة يعزم معها على فعل الصلاة بصفتها لوجوبها مخلصا له سبحانه، فيتشهد بعدها الشهادتين، ثم يكبر ثانية ويصلي بعدها على محمد وآله صلى الله عليه وآله، ثم يكبر ثالثة ويدعو بعدها للمؤمنين والمؤمنات ويستغفر الله سبحانه لهم، ثم يكبر رابعة ويدعو للميت إن كان مؤمنا ويترحم عليه ويستغفر له، وإن كان مستضعفا دعا للمؤمنين والمؤمنات وإن كان ممن لا يعرف حاله اشترط الدعاء له وعليه، وإن كان طفلا لمؤمن دعا لوالده أو لهما إن كانا كذلك، ثم يكبر خامسة وينصرف من غير تسليم. ويرفع يديه في التكبيرة الأولة دون ما بعدها ولا يبرح من موضعه حتى يرفع الجنازة. وإن كان مخالفا للحق بجبر أو تشبيه أو اعتزال أو خارجية أو إنكار إمامة لعنه بعد الرابعة وانصرف. ولا يجوز الصلاة على من هذه حاله إلا لتقية. وحكم المأمومين في جميع ما ذكرناه حكم الإمام. فإن حضرت جنازة رجل وامرأة جعلت المرأة مما يلي القبلة والرجل مما يلي الإمام. وكذلك الحكم إن كان بدل المرأة عبدا أو صبيا أو خصيا. وإن كان الموتى جماعة جعلوا صفا رأس كل منهم عند وركي الآخر وصلى عليهم صلاة واحدة. ويصلي على القتيل المسلم ظالما كان أو مظلوما. وإذا اختلط قتلى المسلمين والكفار صلى على أهل الإيمان بالقصد إليهم. ويصلي على المصلوب ولا يستقبل على وجهه الإمام في التوجه. فصل في صلاة الطواف يجب على كل من طاف بالبيت عند فراغه من أسبوعه أن يصلي ركعتين


[ 158 ]

عند إبراهيم عليه السلام يقرأ في الأولة الحمد وسورة الاخلاص وفي الثانية مع الحمد قل يا أيها الكافرون يتوجه فيهما ويقنت، ويجوز تأديتها في غير المقام من المسجد الحرام، فإن خرج منه ولما يؤدهما فعليه الرجوع لتأديتهما فيه. فصل في صلاة النذر ومن نذر صلاة على صفة مخصوصة أو في مكان معين أو عدد مخصوص وجب عليه فعلها متى تعين فرض النذر، على الوجه الذي شرط من مبلغ عدد أو صفة قراءة سور وآيات أو تسبيحات مخصوصة في المكان أو الزمان الذي علق النذر به، فإن أداها على غير الصفة التي شرطها أو في غير المكان أو الزمان الذي شرط لم يجزه ولزمه إعادتها على ما نذره. فإن كان علق فعلها بزمان معين لا مثل له كيوم معلوم من شهر مخصوص ففرط حتى خرج الوقت فعليه التوبة وكفارة بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وإن كان لضرورة فلا أثم عليه ويلزمه قضاؤها في غيره. فصل في أحكام الصلوات المسنونة [ النوافل خ ] من وكيد السنة على المتم أن يصلي في اليوم والليلة أربعا وثلاثين ركعة: ثمان منها بعد الزوال وقبل الظهر يتوجه في أولها كتوجه الفرائض، ثمان ركعات بعد الظهر وقبل العصر، وأربع ركعات بعد فريضة المغرب يفتتحها بالتوجه وركعتين من جلوس بعد عشاء الآخرة يفتتحهما بالتوجه، يقنت في كل ركعتين من هذه النوافل ويسلم، وأوقات نوافل كل فريضة ممتدة بامتداد أوقات فرائضها، وثمان ركعات صلوة الليل يفتتحها بالتوجه ويقنت في كل ركعتين ويسلم، وركعتي


[ 159 ]

الشفع يسلم منها، وركعة الوتر يتوجه لها ويسلم منها، وركعتي الفجر متصلة بصلاة الليل. وأول وقت هذه الصلاة أول النصف الثاني وأفضله الربع الأخير. وعلى المقصر سبع عشرة ركعة: نوافل المغرب أربع وصلاة الليل ثلاث عشرة ركعة. والمسنون في نوافل النهار الاخفات بالقراءة وفي نوافل الليل الإجهار، ويجوز الجهر في تلك والاخفات في هذه. ولكل ركعتين من هذه النوافل دعاء مخصوص طالبه يظفر به حيث طلبه من كتب العمل. وكيفيتها في حال القيام والركوع والسجود والجلوس كالفرائض. فإن فاته شئ منها فهو مرغب في قضائه أي وقت تمكن كترغيبه في الابتداء. ومن وكيد السنة على المتم أن يتطوع يوم الجمعة بعشرين ركعة: ست ركعات في صدر النهار وستا إذا ارتفع النهار وستا قبل الزوال وركعتين في أول الزوال، فإن لم يتسع له ترتيبها كذلك صلاها متوالية، فإن زالت الشمس وقد بقي منها بقية قضاها بعد العصر. ومن السنة أن يتطوع الصيام (1) في شهر رمضان بألف ركعة يصلي من ذلك في العشرتين الأولتين كل ليلة عشرين ركعة: ثمان ركعات بعد نوافل المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد عشاء الآخرة وقبل الركعتين من جلوس، ويصلي كل ليلة من العشر الأخير ثلاثين ركعة: اثنتي عشرة ركعة بعد نوافل المغرب وثماني عشرة ركعة بعد عشاء الآخرة، ويصلي ليلة تسع عشر مائة ركعة مضافة إلى الموظف فيها من الركعات، ويصلي ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة وليلة


(1) كذا في جميع النسخ، وفي المختلف: قال أبو الصلاح: من السنة ن يتطوع الصائم.

[ 160 ]

ثلاث وعشرين مائة ركعة. ويصلي ليلة العيد ركعتين يقرأ في الأولة منهما مع الحمد سورة الاخلاص ألف مرة وفي الثانية مع الحمد سورة الاخلاص مرة واحدة، ولكل ركعتين من نوافل الشهر دعاء وتسبيح مذكور في كتب العمل. ومن وكيد السنة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة بالخروج إلى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة بمن تتكامل له صفات إمام الجماعة بركعتين يقرأ في كل ركعة منهما الحمد مرة وسورة الاخلاص عشرا وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدي به المؤتمون، فإذا سلم دعا [ بدعاء ] هذا اليوم (1) ومن صلى خلفه. وليصعد المنبر قبل (2) الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلوة على محمد وآله والتنبيه على عظيم حرمة يومه وما أوجب الله تعالى من إمامة أمير المؤمنين والحث على امتثال مراد الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله فيه. ولا يبرح أحد من المؤتمين والإمام يخطب فإذا انقضت الخطبة تصافحوا (3) وتفرقوا. ومن السنة أن يصلي ليلة النصف من شعبان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الحمد مائة مرة سورة الاخلاص ويقنت في كل ركعة (4) منها ويسلم ويعقب ويعفر. ومن السنة أن يصلي يوم المبعث – وهو السابع والعشرين من رجب – اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة يس ويقنت في كل ركعتين


(1) صححنا هذه العبارة مستفيدا من مختلف العلامة.
(2) كذا في جميع النسخ.
(3) في المختلف: تصافحوا وتعانقوا وتفارقوا.
(4) كذا.

[ 161 ]

ويسلم ويكثر بعدها من التسبيح والدعاء. ومن السنة الاقتداء بأمير المؤمنين عليه السلام في صلاة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الاخلاص خمسين مرة ويقنت في كل ركعتين ويتشهد ويسلم ويعقب ويعفر. ومن السنة أن يقتدي بفاطمة عليها السلام في صلاة ركعتين يقرأ في الأولة بعد الحمد سورة القدر مائة مرة وفي الثانية سورة الاخلاص مائة مرة ويقنت فيها ويسلم ويعقب ويعفر. ومن السنة صلاة الحياة (1) وهي صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام أربع ركعات يفتتح بالتوجه ويقرأ في الأولة الحمد وإذا زلزلت ويسبح (2) بعد القراءة خمسة عشر فصلا كل فصل أربع تسبيحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يكبر ويركع ويسبح في الركوع عشر فصول، ثم يرفع رأسه فيسبح عشرا ثم يكبر ويسجد فيسبح في السجود عشرا، ثم يرفع رأسه ويجلس فيسبح عشرا ثم يسجد فيسبح عشرا، ثم يجلس فيسبح عشرا، ثم ينهض إلى الثانية فيقرأ الحمد والعاديات ويسبح بعد القراءة وفي حال الركوع وبعده وفي السجود وبعده كما سبح في الأولة، ويتشهد ويسلم، ثم ينهض فيصلي ركعتين يقرأ في الأولة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الثانية الحمد وسورة الاخلاص، ويسبح في كل منهما كما سبح في كل من الأولتين ويتشهد ويسلم ويعقب ويعفر، فيكون جملة التسبيح في هذه الصلاة ثلاثمائة فصل. ولا يختص أداء هذه الصلوات الثلاث بوقت من دون وقت. والسنة حين إحرام المتعة أو حج أو عمرة مبتولة صلاة ست ركعات، ويجزي اثنتان، يفتتحهما بالتوجه ويقرأ في الأولة الحمد وسورة الاخلاص


(1) الحباء. ظ.
(2) في أكثر النسخ: والتسبيح.

[ 162 ]

وفي الثانية بعد الحمد قل يا أيها الكافرون أي وقت قصد إلى الاحرام من ليل أو نهار وأفضل الأوقات بعد صلوة الظهر. ومن السنة بعد الفراغ من زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام عند قبورهم صلاة ركعتين عند الرأس يحسن ركوعهما وسجودهما ويجتهد بعدهما في الدعاء والاستغفار. ويصلي لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام ست ركعات، لأن زيارته تشتمل على زيارة ثلاثة حجج: آدم ونوح وهود عليهم السلام (1). وإن كانت أو أحدهم عليهم السلام من بلد الزائر النائي عن مشاهدهم بدأ بصلوة ركعتين ثم عقبهما بالزيارة. ومن السنة فيمن عرض له أمران يشتبهان: أن يستخير الله سبحانه بصلوة ركعتين يقول بعدهما وهو ساجد. أستخير الله – مائة مرة – اللهم إني أستخيرك بعلمك وأشهد بك (2) بقدرتك، اللهم إنك تعلم وأنت علام الغيوب أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تخير لي في جميع أموري خيرة في عافية خيرة للدنيا والآخرة برحمتك وجميل لطفك. فإذا عزم على مطلوبه بدأ بصلاة ركعتين يبتهل بعدهما إلى الله تعالى في نجاح حاجته، فإذا قضيت حاجته فيصل صلاة الشكر ركعتين يسجد بعدهما ويقول: ” شكرا شكرا ” مائة مرة. ومن السنة إذا منعت السماء قطرها والأرض نبتها أن يفزع أهل المصر و الإقليم إلى صوم ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا انبسطت الشمس من يوم الجمعة خرج إمام الصلاة ومعه المؤذنون وكافة أهل البلد إلى ظاهره وقد نصب له منبر فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد يقنت بين (3) التكبير بما


(1) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: آدم ونوح وهو عليهم السلام.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: وأستهديك بقدرتك.
(3) في بعض النسخ: بعد التكبير.

[ 163 ]

سنح من التحميد، ثم يصعد المنبر فيخطب خطبة يحمد الله تعالى فيها، ويثني عليه بما هو أهله، ويصلي على محمد وآله، ويعظ، ويخوف، ويحث على فعل الخير، ويزجر عن ارتكاب القبيح، ويرغب في التوبة، ويشعر الحاضرين أن القحط سبب (1) القبائح ليبعثهم ذلك على التوبة منها، فإذا فرغ من خطبته فليقلب رداءه، فيحول الذي على منكبه الأيمن إلى الأيسر، والذي على الأيسر إلى الأيمن، ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر الله مائة تكبيرة ويكبر الناس معه ثم يحول وجهه إلى يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة ويسبح الناس معه، ثم يحول وجهه إلى يساره فيحمد الله مائة مرة ويحمد الناس معه، ثم يحول وجهه إلى الناس فيستغفر الله مائة مرة ويستغفر الناس معه، كل ذلك يرفع به صوته ويرفعونه، ثم يحول وجهه إلى القبلة ويدعوا: اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها، يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع والنبات و محيي الأموات (2) الشتات، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مرئيا ينبت (3) به الزرع وتدر به (4) الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقي به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا. وليؤمن الحاضرون على دعاءه ثم ينزل. ومن السنة على من دخل مسجدا أن يبدأ الصلاة ركعتين تحية له ثم يشرع فيما شاء من عبادة (5).


(1) كذا في النسخ، والظاهر: بسبب.
(2) في بعض النسخ: بعد موتها.
(3) تنبت.
(4) في جميع النسخ: تدريه الزرع والظاهر ما أثبتناه.
(5) في بعض النسخ: عبادته

[ 164 ]

فصل في بيان حقوق الأموال (1) حقوق الأموال تسعة: الزكاة، والفطرة، والخمس، والأنفال، وفي سبيل الله، والنذور، والكفارات، وصلة الأرحام، وبر الأخوان، ولكل حكم. فصل في ذكر ما يجب فيه الزكاة وأحكامها فرض الزكاة يتعلق بثلاثة أصناف: الأموال والحرث والأنعام. فأما فرض زكاة المال فيختص بكل حر بالغ كامل العقل، بشرط أن يكون المال عينا أو ورقا بالغا نصابه، حائلا عليه الحول من غير أن يتخلله نقصان ولا تبدلت أعيانه، وبحيث يتمكن مالكه من التصرف فيه بالقبض أو الإذن، فإذا تكاملت هذه الشروط وبلغ العين عشرين مثقالا والورق مائتي درهم ففي العين نصف دينار، وفي الورق خمسة دراهم، ولا شئ فيما زاد على ذلك حتى تبلغ زيادة العين أربعة دنانير وزيادة الورق أربعين درهما، فيكون في ذلك عشر دينار، وفي هذه درهم. ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ العين والورق، من كل عشرين مثقالا


(1) في بعض النسخ: فصل بيان حقوق الأموال تسعة. *)

[ 165 ]

نصف مثقال، ومن كل أربعة دنانير بعد العشرين عشر مثقال، وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل أربعين درهما درهم، ولا زكاة فيما بين النصابين. ومن مسنون الزكاة تزكية البضايع (1) إذا حال عليها الحول وهي تفي برأس المال أو زيادة بحسب ما ابتيعت يا (2) من عين أو ورق كزكاة العين. ومن ذلك أن يقرر ذو المال على ماله في كل جمعة أو كل شهر شيئا معينا يخرجه في أبواب البر. ومن ذلك افتتاح النهار واختتامه بالصدقة، وافتتاح السفر والقدوم منه بها، وإعطاء السائل ولو بشق تمرة، واصطناع ذوي اليسار الطعام في كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر لذوي الفاقة من المؤمنين، وتفقد مخلفي المؤمن في غيبته وبعد وفاته، وقرض ذوي الحاجة وإنظاره إلى ميسرة، وتحليل المؤمن بعد وفاته مما في ذمته من الدين، والتكفل به لمدينه. وأما فرض زكاة الحرث فمختص بالحنطة والشعير والتمر والزبيب دون سائر ما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار والخضر، إذا بلغ كل صنف منها بانفراده خمسة أوسق والوسق، ستون صاعا والصاع تسعة أرطال بالعراقي. على كل مالك بعد المؤن وحق المزارع أن يخرج منه أو وليه، إن كان يسقى حرثه سيحا أو بماء المطر العشر، وإن كان يسقى بالقرب والنواضح فنصف العشر، وإن سقي بعض مدة الحاجة بماء المطر وبعضها بالنواضح والقرب زكى بأكثر المدتين، فإن تساوت مدة الشربين زكى نصفه بالعشر ونصفه بنصف العشر. ويزكي ما زاد على النصاب بزكاته ولو كان صاعا.


(1) في بعض النسخ: الصنائع، والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا في جميع النسخ، ولعل الصحيح: بها.

[ 166 ]

ولا يلزم تكرير الزكاة فيه وإن بقي في ملك مزكيه أحوالا. ومن مسنون صدقة الحرث أن يزكي كل ما دخل المكيال من الحبوب إذا بلغ كل جنس منها خمسة أوسق بالعشر أو نصف العشر، فإن نقص عن لك تصدق بما تيسر. ومن ذلك الصدقة حين صرام النخل، وقطاف الكرم، وجذاذ الزرع بالضغث من الزرع والضغثين، والعذق من الرطب والعذقين، والعنقود من العنب والعنقودين، فإذا صار الرطب تمرا والعنب زبيبا والغلة حبا وأراد المالك دفع (1) ذلك تصدق منه بالقبضة والقبضتين. ومن ذلك أن يجعل مالك التمر أو الخضر قسطا لمن لا يتمكن من التفكه والتطرف بالخضر من فقراء المؤمنين. ومن ذلك إباحة عابر السبيل تناول اليسير مما تنبت من الثمار و الزرائع.
(2) وأما فرض زكاة الأنعام فمتعين على كل مالك أو وليه، بشرط أن تكون سائمة، وتبلغ كل جنس منها النصاب، ويحول عليه الحول كاملا لا يتخلله نقصان ولا تبدل أعيانه، ولكل منها حكم. أما الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا ففيها شاة، وفي عشرين أربع شياة وفي خمس وعشرين خمس شياة، وفي ست وعشرين بنت مخاض – وهي التي كملت حولا وسميت بصفة أمها المتمخضة بالحمل – إلى خمس و ثلاثين، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون – وهي التي قد كملت حولين ودخلت في الثالث وسميت بأمها اللبون بأختها – إلى خمس وأربعين، فإذا


(1) في جميع النسخ: رفع، والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا في جميع السنخ.

[ 167 ]

بلغت ستا وأربعين ففيها حقة – وهي التي قد كمل بها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وسميت بذلك من حيث يحق لها أن تطرق الفحل ويحمل على ظهرها – إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة – وهي التي قد كمل بها أربع سنين ودخلت في الخامسة – إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على ذلك أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل أربعين بنت لبون، ومن كل خمسين حقة. ومن وجبت عليه سن ولم تكن عنده وكان عنده أعلى منها بدرجة، أخذت منه وأعطي شاتان أو عشرين درهما فضة، وإن كان عنده أدنى منها بدرجة أخذت منه ومعها شاتان أو عشرون درهما، وإن كان بينهما درجتان فأربع شياة، وإن كان ثلاث درج فست شياة، أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم. وحكم البخت – والبخت الإبل – حكم العربية. وأما زكاة البقر فلا شئ فيها حتى تبلغ ثلاثين، ففيها تبيع حولي إلى تسع وثلاثين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم على هذا بالغ (1) ما بلغت البقر من كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة. وحكم الجواميس حكم البقر. فأما زكاة الغنم فلا شئ فيها حتى يبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مأتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمأة، فإذا زادت عليها واحدة ففيها أربع شياة، فإذا زادت على ذلك أسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة. وحكم المعز حكم الشياة. ولا يعد في شئ من الأنعام فحل الضراب، ولا ما لم يحل عليه الحول


(1) بالغا ما بلغت.

[ 168 ]

في الملك مبيع ولا منتوج (1)، ولا زكاة فيما بين النصابين من الأعداد. ومن مسنون صدقة الأنعام أن يجعل من أوبارها وأصوافها وأشعارها و ألبانها قسط للفقراء، وتمنح الناقة والشاة والبقرة الحلوبة من لا حلوبة له، و يعان [ يعاون ظ ] بظهور الإبل وأكتاف البقر على الجهاد والحج والزيارة من لا ظهر له ويسعد [ يساعد ظ ] بذلك الفقراء على مصالح دينهم ودنياهم. ومن وكيد السنة أن تزكى إناث الخيل السائمة بعد حول الحول، عن كل فرس عتيق ديناران، وعن كل هجين دينار.


(1) وفي بعض النسخ: متبع ومتبوع ولم أهتد إلى صحيحها.

[ 169 ]

فصل في الفطرة زكاة الفطرة واجبة على كل حر بالغ كامل العقل غني، يخرجها عنه وعن كل من يعول من ذكر وأنثى، صغير وكبير، حر وعبد، مسلم وكافر، قريب وأجنبي، عن كل منهم صاع من فضل ما يعتاده من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط أو ذرة أو أرز أو غير ذلك من الأقوات. والصاع تسعة أرطال بالعراقي. ووقتها من عند طلوع الفجر من يوم الفطر إلى أن يصلي صلاة العيد، فإن أخرها إلى بعد الصلاة سقط فرضها، إلا أن يعزلها من ماله انتظارا لوجود من يخرجه إليه فتجزي، وهو مندوب إلى التصدق بها، فإن كان عن تفريط لزمته التوبة مما فرط فيه. ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت. ومن وكيد السنة وأفضل الأعمال تفطير الصوام ولو بكف سويق أو تمر أو شربة ماء بارد.


[ 170 ]

فصل في الخمس فرض الخمس مختص بقليل (1) المستفاد بالحرب من الكفار من مال أو رقيق أو كراع أو سلاح أو غير ذلك مما يصح نقله قليله وكثيره، وما بلغ من الكنوز ما تجب فيه أو في مثل قيمته الزكاة، وما بلغ من المأخوذ من المعادن والمخرج بالغوص قيمة دينار فما زاد، وما فضل عن مؤنة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو صناعة أو زراعة أو إجارة أو هبة أو صدقة أو ميراث أو غير ذلك من وجوه الافادة، وكل ما اختلط حلاله بحرامه ولم يتميز أحدهما من الآخر ولا يعين مستحقه (2). فصل في الأنفال فرض الأنفال مختص بكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، و قطائع الملوك، والارضون الموات، وكل أرض عطلها مالكها ثلاث سنين


(1) كذا في النسخ، ولم أهتد إلى صحيحها.
(2) في بعض النسخ: ولا تعين لمستحقه، وفي بعضها الآخر: ولا تعين له مستحقه وفي بعضها الآخر: ولا تعين مستحقه.

[ 171 ]

ورؤوس الجبال (1) وبطون الأودية من كل أرض، والبحار، والآجام، وتركات من لا وإرث له من الأموال وغيرها.


(1) قال في المختلف: وأبو الصلاح لما عد الأنفال ذكر من جملتها جميع المعادن ورؤوس الجبال وبطون الأودية من كل أرض والبحار والآجام. *)

[ 172 ]

فصل في جهة هذه الحقوق يجب على كل من تعين عليه فرض زكوة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الاسلام المنصوب من قبله سبحانه، أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذر، أو آثر (1) المكلف تولى ذلك نفسه (2) فمستحق الزكوة والفطرة الفقير المؤمن العدل دون من عداه. وأقل ما يعطى من زكاة المال خمسة دراهم، ومن الفطرة صاع. ويجوز أن يعطي الفقير الواحد ما يغنيه ما لم يكن هناك جماعة من الفقراء. وفقراء بني هاشم أحق بذلك من غيرهم، ومن لا يجب نفقته من الأقارب أولى من الأجانب، والجيران أولى من الأباعد، وأهل المصر أولى من قطان غيره، فإن لم يكن في المصر (3) من تتكامل فيه صفات مستحقها أخرجت إلى


(1) وآثر.
(2) بنفسه.
(3) كذا في نسخة وهو الصحيح، وفي باقي النسخ هكذا: فإن لم يكن فالأولى من تتكامل.

[ 173 ]

من يستحقها. وإذا أريد حملها إلى مصر آخر مع فقد من يستحقها في المصر فلا ضمان على مخرجها في هلاكها، فإن كان السبيل مخوفا لم يخرجها إلا بإذن الفقير، فإن حملت من غير إذنه فهي مضمونة حتى تصل إليه، فإن كان في مصره من يستحقها فحملها إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه، إلا أن يكون حملها إليه بإذنه فيسقط الضمان. فإن أخرجها إلى من يظن به تكامل صفات مستحقها ثم انكشف له كونه مختل الشروط، رجع عليه بها، فإن تعذر ذلك فكان المنكشف هو الغني وجب إعادتها ثانية، وإن كان غير ذلك فهي مجزية. ويجوز إخراجها إلى أيتام المؤمن لحرمته (1) فإذا بلغوا حكم فيهم بحسب ما يذهبون إليه مما يقتضي ولايتهم أو قطعها. ويجوز عتق أهل الإيمان وقضاء ديونهم في الصلاح من مال الزكوة. ويجوز إخراج الزكاة والفطرة قبل دخول وقتهما على جهة القرض، فإذا دخل الوقت عزم المطالب (2) على إسقاط المطالبة وجعل المسقط الزكوة. ويلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لولي الأمر انتظارا للتمكن من إيصاله إليه، فإن استمر التعذر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه وبصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل علي وجعفر وعقيل والعباس وأيتامهم وأبناء سبيلهم، لكل


(1) كذا في بعض النسخ. (2) كذا في جميع النسخ، وفي موضع من المختلف: المخاطب، وفي موضع آخر منه: المطالب.

[ 174 ]

صنف ثلث الشطر وشطر (1) ثبوت الإيمان بحسب ما يراه من تفضيل بعضهم على بعض. ويلزم من تعين عليه شئ من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه في شطر الخمس، لكون جميعها حقا للإمام عليه السلام. فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس [ وحق الأنفال خ ] كان عاصيا لله سبحانه، ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد عليهم السلام، وآجل العقاب، لكونه مخلا بالواجب عليه لا فضل مستحق. ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن وإجماع الأمة، وإن اختلفت فيمن يستحقه، ولاجماع آل محمد عليهم السلام على ثبوته وكيفية استحقاقهم (2) وحمله إليهم وقبضهم إياه و مدح مؤديه وذم المخل به، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: وشرط، ولعل الصحيح: وشرطه.
(2) في بعض النسخ: استحقاقه.

[ 175 ]

فصل في الانفاق في سبيل الله تعالى قد تعبد الله سبحانه بالانفاق في سبيله كما تعبد بالجهاد بالأنفس، فقال تعالى: ” وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله. ” (1) فسوى سبحانه بين فرض الانفاق في سبيله والجهاد بالأنفس. وقال سبحانه: ” وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” (2) فأمر بالانفاق وتوعد المخل به بالهلاك، و ذلك برهان وجوبه في أمثال هذه الآيات. فلزم كل ذي مال معونة المجاهدين بالخيل والسلاح والأزواد والظهر وما جرى مجرى ذلك من سد الثغر وحراسته من العدو بحسب الحاجة إلى ذلك والغنى عنه، سواء كان المنفق من أهل الحرب أو لم يكن. وفرض الانفاق على من ليس من أهل الحرب لعدم أو زمانة أشد لزوما.


(1) سورة التوبة، الآية: 41.
(2) سورة البقرة، الآية: 195.

[ 176 ]

فصل في النذر ومن نذر لبلوغ طاعة أو مباح أن يتصدق بمال أو يخرج شيئا من ماله في بعض أبواب البر، فبلغ ما علق النذر به فعليه الخروج مما نذره، فإن فرط فيه فهو مأزور، ويلزمه تلافي ما فرطه (1) بتأديته (2) إن أمكن فيه، وإن تعذر لتعلقه بزمان لا مثل له فعليه التوبة وكفارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وإن كان لضرورة أو سهو فعليه الخروج مما نذره ولا أثم عليه. فصل في الكفارات يلزم من وجب عليه إخراج شئ من ماله لكفارة تعينت عليه من أحد الوجوه التي بينتها في مواضعها، أن يبادر بإخراجها في أول أحوال التمكن، فإن تعين فرضها وهو غير مستطيع في الحال لأدائها ففرضه العزم عليه أول أحوال الامكان وفعله له فيها.


(1) في بعض النسخ: تلافى فارطه.
(2) في بعض النسخ: بتأديه.

[ 177 ]

فصل في حق ذوي الأرحام بر ذوي الأرحام على ضربين: واجب وندب. فالواجب [ بر ] الوالدين على الولد بشرط الحاجة، والولد عليهما بشرط السعة أو الحاجة مع عدم الاستطاعة للتكسب. وأما الزوجة وملك اليمين ففرض القيام بهما واجب على كل حال، فإن عجز الزوج عن القيام بحق الزوجة لزمه التطليق لتصرف المرأة في نفسها. فإن عجز المالك لزمه البيع أو العتق أو إباحة العبد أو الأمة التصرف بما يحفظان به حياتهما وإن استطاعا العود على مالكهما لزمهما ذلك. والمسنون بر الوالدين والولد وإن كانا ذوي يسار، ومن عداهم من الأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم. فإذا امتنع من تجب عليه نفقة الوالد أو الولد أو الزوجة أو الرقيق أجبره الناظر في أحكام المسلمين على ذلك، ولا يجبره على نفقة من عداهم لكنه مرغب في ذلك.


[ 178 ]

فصل في حق الأخوان بر الأخوان في الدين على ضربين: واجب وندب فالواجب: بر من علم عجزه عما يحفظ به حياته بما يبقي معه من غداء أو لباس، وهو على الكفاية، إن قام به بعض الأغنياء سقط عن غيره، وإن لم يقم به أحد فكل منهم مخاطب به وملام للاخلال بفرضه. وأما المندوب: فبر من عدا من ذكرناه من فقرائهم، وصلة أوساطهم (1) واتحافهم ومهاداة (2) أمثالهم وبذل المصون (3) لهم وتخفيف الثقل (4) عنهم.


(1) في بعض النسخ: أرحامهم.
(2) في بعض النسخ: محاراة.
(3) كذا.
(4) في بعض النسخ: النقل.

[ 179 ]

باب حقيقة الصيام وضروبه وبيان أحكامه حقيقة الصوم في الملة العزم على كراهية أمور مخصوصة في زمان مخصوص لكون (1) ذلك مصلحة مخلصا به لمكلفه سبحانه. والأمور التي بكراهيتها يكون المكلف صائما: الأكل والشرب والازدراد والجماع واستنزال المني والكذب على الله تعالى أو على رسوله أو على أحد الأئمة من آله عليهم السلام والتصبح على الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس والارتماس في الماء وجلوس النساء فيه إلى أوساطهم والقئ والسعوط والحقنة والتقطير في الأذن والوقوف في الغبار المتكاثف. ومن توابعه الواجبة اجتناب قبائح الأصوات كالعود والطنبور، والأقوال الكاذبة كالكذب والنميمة، ورؤية المحرمات، والبطش، والسعي فيما لا يحل والعزم على شئ من ذلك. ومن فضائله قطع زمانه بتلاوة القرآن، والتسبيح والصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله والاجتهاد في العبادة، والاكثار من فعل الخيرات، وصلة الأرحام، وبر الأخوان وتفطير الصوام، واجتناب مجالسة الحلائل ومحادثتهن فما فوق ذلك من ضم أو تقبيل، والتبرد بالماء، وشم المسك والزعفران والنرجس، والسواك بالرطب


(1) ليكون.

[ 180 ]

ومضغ العلك، والفصاد، والحجامة، ودخول الحمام، وإتعاب الجسم بالأعمال وقطع الزمان بما لا يجدي نفعا دينيا ولا دنيويا من المباح. والزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. والمصلحة إن كان صومه فرضا فلكونه لطفا في واجبات العقول، وإن كان نفلا فلكونه لطفا في مندوبها. والاخلاص أن يفعله قربة إلى الله تعالى بريئا من كل غرض سواها. وهو على ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض ستة عشر ضربا: (1) صوم شهر رمضان، وصوم قضاء الفائت وصوم كفارته، وصوم النذر، وصوم كفارة من أفطر فيه، وصوم الاعتكاف [ وصوم كفارة الافطار فيه ] (2) وصوم جزاء الصيد، وصوم كفارة حلق الرأس، وصوم دم المتعة وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة القتل، وصوم نقض العهد، وصوم كفارة البر (3) وصوم كفارة اليمين، وصوم مفوت العشاء الآخرة. والمسنون على ضروب: منها صوم ثلاثة أيام في كل شهر: خميس في أوله وأربعاء في وسطه وخميس في آخره، وصوم شعبان، وصوم رجب، وصوم المحرم وصوم السابع عشر من ربيع الأول مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويوم السابع والعشرين من رجب مبعث النبي صلى الله عليه وآله، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، ويوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير، وأول يوم من ذي الحجة وهو يوم مولد إبراهيم عليه السلام، ويوم عرفة، والأيام البيض من


(1) كذا في جميع النسخ، وما ذكره، خمسه عشر.
(2) هذا القسم مستفيدا من كلام المؤلف في تفصيل الأقسام.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: كفارة البراءة أي الحلف بالبراءة من الله أو رسوله أو واحد من الأئمة عليهم السلام.

[ 181 ]

كل شهر، والخميس والجمعة والسبت من كل شهر محرم، وصوم الحاجة وستة أيام من شوال، وصوم داود عليه السلام. ولا يجوز (كذا) التطوع بالصوم في غير ما ذكرناه من الأزمنة، ولا شئ من مفروضه ولا مسنونه في العيدين وأيام التشريق، وصوم الدهر والوصال ونذر المعصية ويوم الشك على أنه من شهر رمضان. فصل في صوم شهر رمضان فرض صوم الشهر يتعين على كل مكلف صحيح مخاطب بتام الصلوة إلا المتصيد للتجارة. وعلامة دخوله رؤية الهلال، وبها يعلم انسلاخه، ويقوم مقامها شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض، وفي الصحو وانتفائها إخبار خمسين رجلا، فإن تعذر الأمران وجب تكميل شعبان ثلاثين يوما وعقد النية. فإن قامت البينة برؤية الهلال ليلة يوم قد أفطر في أوله فعليه قضاؤه، وإن كان قد صام من شعبان فهو مجز في تكليفه ولا قضاء عليه. ويجزيه أن ينوي ليلة الشهر قبل طلوع الفجر صيامه، وتجريد النية لكل يوم قبل طلوع فجره أفضل. والنية هي العزم على كراهية الأمور المذكورة للوجوه المبينة. فأما اجتناب هذه الأمور فواجب في كل حال. فإن كان مريضا مرضا يرجى زواله لم يجز له الصوم، وفرضه صيام أيام آخر. فإن كان مريضا مرضا لا يرجى زواله فعليه أن يكفر عن كل يوم بإطعام المسكين


[ 182 ]

فإن عجز عن الصوم لكبر سقط عنه فرض الصوم وهو مندوب إلى إطعام مسكين عن كل يوم. والحامل والمرضع إذا أضر بهما الصوم أفطرتا وكفرتا عن كل يوم بإطعام مسكين، فإذا أفصلت المرضع وطهرت الحامل قضتا ما أفطرتاه. وإذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا، وإن وافق دخوله وهو مسافر لم يحل له الصوم، فإن صام لم يجزه. والنفاس والحيض مانعان من صحة الصوم، فإذا طهرت المرأة قضت ما تركته لهما. ولا يجوز لمن سقط عنه فرض الصوم ببعض ما ذكرناه من الأعذار أن يتملى من الطعام والشراب، بل يقتصر على ما يمسك الرمق، ولا يجوز له الجماع مختارا ما لم يخف فسادا في الدين. فإذا قدم المسافر وبرئ المريض وطهرت الحائض والنفساء وبلغ الغلام وأسلم الكافر وقد بقيت من النهار بقية أمسك كل منهم عن الطعام تأديبا. وإذا رأت المرأة الحيض أو نفست وقد بقي من النهار جزء وإن قل أفطرت يومها وقضته. وإذا عزم المرء على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حاضرا فإن خرج قبل الزوال أفطر، وإن تأخر إلى أن تزول الشمس أمسك بقية يومه وقضاه. وإن عزم على السفر بعد طلوع الفجر ليوم قد نفذت نية صومه لزمه صومه. فإن تعمد الأكل والشرب أو الازدراد أو الجماع أو إنزال الماء أو الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على أحد الأئمة عليهم السلام أو الصباح على الجنابة أو عزم على ذلك فسد صومه، ولزمه القضاء بصيام يوم، والكفارة عن كل يوم


[ 183 ]

بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وقد روي: ” أنه إن أفطره بشرب خمر أو جماع حرام فعليه الثلاث كفارات “. وإن تعمد القيئ أو السعوط أو الحقنة أو التقطير في الأذن أو ارتمس الرجل في الماء أو جلست المرأة إلى وسطها أو فرط في الغسل حتى أصبح أو أصغى إلى حديث أو ضم أو قبل فأمنى أو وقف في غبرة مختارا فعليه القضاء بصيام يوم مكان يوم. وإن أتى شيئا من ذلك ساهيا أو مع فقد التحصيل لجنون أو غيره فلا شئ عليه. ومن أدخل إلى فمه شيئا لغير ضرورة ولا عبادة فسبق إلى حلقه فعليه القضاء وإن كان لضرورة أو عبادة فبلغه (1) من غير قصد فلا شئ عليه. وإن أفطر ظانا أن الشمس قد غربت ثم ظهر له أنها كانت طالعة، أو أكل أو شرب أو فعل ما يفسده ظانا أن ما عليه (2) ليلا ثم تبين له أن الفجر كان طالعا فعليه القضاء. فإن كان بما فعله مستحلا فهو مرتد (3) بالأكل والشرب والجماع، وكافر بما عدا ذلك، يحكم فيه بأحكام المرتدين أو الكفار. وإن كان محرما فعلى سلطان الاسلام أن يحده إن كان ما أتاه مما يوجب حدا كالزنا أو شرب الخمر، ويؤدبه لحرمة الشهر، وإن كان مما لا يوجب حدا بالغ في تأديبه، وتلزمه في حقه التوبة مما أتاه.


(1) فبلعه. ظ (2) في بعض النسخ: ما عينه.
(3) في بعض النسخ: إن كان بالأكل.

[ 184 ]

فإن قصد إلى رؤية ذات محرم أو أصغى إلى محظور أو نطق بقبيح قول أو بطش أو سعى فيما لا يحل أو عزم على شئ من ذلك فهو مأزور، وصومه ماض ولا قضاء عليه ولا كفارة. وإن كان عن سهو فلا شئ عليه. وإن خالف في شئ من فضائل الصوم التي ذكرناها نقص ثواب صومه ولا أثم عليه. فصل في صوم القضاء والكفارة يلزم من تعين عليه فرض القضاء لشيئ من شهر رمضان أن يبادر به في أول أحوال الامكان، والموالاة أفضل، وإن دخل الشهر الثاني وعليه شئ من فائت الأول لم يتمكن من قضائه ما بين الشهرين فليصم الحاضر [ ويكفر عن كل يوم من الفائت ] (1)، فإذا أكمله قضى الفائت، وإن كان ممن تمكن من القضاء بينهما ففرط فيه فليصم الحاضر، ويكفر عن كل يوم من الفائت بإطعام مسكين، فإذا أكمل الشهر فليصم ما فاته من الأول. ولا يجوز لمن عليه فائت أن يتطوع بصوم حتى يقضيه. فإذا أفطر في يوم عزم على صومه قضاءا قبل الزوال فهو مأزور، وإن كان بعد الزوال تعاظم وزره، ولزمته الكفارة: صيام ثلاث أيام، أو إطعام عشرة مساكين، وإن كان القضاء لإفطار ما تجب له الكفارة ففرضها متعين مع القضاء. فصل في صوم النذر والافطار فيه من تعين عليه بالنذر صوم كل خميس أو جمعة أو كل رجب أو شعبان أو


(1) الظاهر زيادة هذه الجملة.

[ 185 ]

أول الخميس من شهر كذا أو ثاني يوم قدومه إلى غير ذلك من الأزمنة المتعينة التي لا مثل لها، وجب عليه صوم ما نذره بعينه وجوبا مضيقا، فإن أفطر في شئ (1) مختارا فعليه ما على من أفطر في يوم من شهر رمضان مختارا، فإن كان لضرورة يطيق معها الصوم لمشقة (2) فعليه كفارة إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام، وإن كان لضرورة لا يطيق معها الصوم فلا كفارة عليه، والقضاء لازم له على كل حال. وإن اتفق نذره المعين في شهر رمضان سقط فرضه، وإن اتفق في يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فليفطر ولا قضاء عليه لشئ من ذلك ولا كفارة، لأن النذر إنما يتعلق بما يصح صومه وإفطاره قبل النذر فيجب به، وشهر رمضان واجب قبل النذر بأمره تعالى، وصوم عيدين وأيام التشريق محرم، فلا يدخل النذر على شئ منه. وإن علق نذره بزمان معين له مثل يوم (3) خميس ما (4) أو شهر محرم وجب عليه صوم ذلك فإن صام غيره لم يجزه ولزمه الصوم في الزمان المتعين بالنذر. وإن شرط في نذره الموالاة ففرق مختارا لم يجزه ولزمه الاستئناف وإن كان مضطرا بنى على ما مضى. وإن نذر أن يصوم يوما ويفطر يوما صوم داود عليه السلام فوالى الصوم أو الافطار مختارا ” لم يجزه ولزمه الاستيناف وإن كان مضطرا بنى على ما مضى. وإن نذر أن يصوم في موضع بعينه كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام وجب ذلك.


(1) في بعض النسخ هكذا: فإن أفطر وأتى بشئ مختارا.
(2) في بعض النسخ: لمشقته، ولعل الصحيح: بمشقة.
(3) كيوم. ظ (4) كذا.

[ 186 ]

وإن لم يتمكن وكان نذره متعلقا بزمان معين لا مثل له صام بحيث هو، وإن كان غير ذلك تربص إلى حين التمكن، فإن ظن استمرار العذر صام ما وجب عليه بحيث هو. وإن أفطر في يوم عزم على صومه لنذر أوجبه عليه وله مثل فهو مأزور وعليه مثله. وإن نذر أن يصوم شهرا فهو مخير في الشهر، فإن ابتدأ بشهر لزمه اكماله فإن أفطر فيه مضطرا فليبن على ما صام منه، وإن كان مختارا في النصف الأول فليستأنف الصوم وإن كان في الثاني فليبن وهو مأزور. فصل في صوم الاعتكاف وكفارة الافطار فيه الاعتكاف اللبث المتطاول للعبادة في مكان مخصوص، واللبث ثلاثة أيام فما فوقها، ولا اعتبار بها من دون التعبد، والمكان مكة ومسجد النبي صلى الله على وآله و مسجد الكوفة الأعظم ومسجد البصرة كذلك، دون سائر الأمكنة، ومن شرطه الصوم. وهو على ضربين: أحدهما يجب الدخول فيه والثاني لا يجب. فالأول ما وجب عن نذر فإن كان معلقا بزمان معدود وجب تكميله بحيث نذر وإن لم يكن معدودا اعتكف ثلاثة أيام، وهو بالخيار فيما بعد. وإن كان تطوعا فهو بالخيار ما لم يعزم على صومه ويدخل المسجد عازما عليه فيلزمه المضي فيه ثلاثة أيام، ثم هو فيما زاد عليها بالخيار. وإن استأنف اعتكافا بعد ما مضى ثلاثة أيام في الواجب والمندوب فهو بالخيار في المضي والفسخ ما لم يمض له يومان، فإن مضيا لزمه تكميله ثلاثا


[ 187 ]

ومن شروطه ملازمة المسجد ليلا ونهارا واجتناب الخروج منه إلا لإزالة حدث أو عيادة مريض أو تشييع جنازة، ولا يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود إليه، ويلزمه في النهار ما يلزمه الصائم، ويجتنب الجماع في الليل كالنهار فإن أفطر نهارا أو جامع ليلا فسخ اعتكافه ووجب على استينافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان. ولا يجوز للمرأة أن تعتكف تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا للعبد والأمة إلا بإذن السيد. وإذا مرض المعتكف فاضطر إلى الخروج منه خرج فإن زال العذر رجع فبنى على ما مضى من اعتكافه. فصل في صوم كفارة جزاء الصيد يجب على من قتل نعامة ولم يتمكن من بدلها ولا الاطعام عنها أن يصوم ستين يوما، وعن حمار الوحش أو بقرة الوحش صوم ثلاثين يوما، وعن الذئب (1) أو الثعلب أو الأرنب صوم ثلاثة أيام، وعن كل ما لا مثل له من النعم بالكل نصف صاع من بر من قيمته صيام يوم. فإن كان قاتل الصيد محرما في الحرم فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم. وهو بالخيار في تفريق هذا الصوم وموالاته، والموالاة أفضل. فصل في كفارة حلق الرأس يجوز للمحرم إذا أضر به طول الشعر حلق رأسه، ويكفر عن ذلك إن


(1) كذا في النسخ، وفي المختلف: قال أبو الصلاح: يجب أن يصوم عن الظبي والثعلب والأرنب ثلاثة أيام.

[ 188 ]

لم يقدر على النسك والاطعام بصيام ثلاثة أيام متوالية، فإن فرق مختارا استأنف وإن كان مضطرا بنى. فصل في صيام دم المتعة يلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج وتعذر عليه الذبح وثمنه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج: يوم السابع من ذي الحجة والثامن والتاسع، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله متوالية، فإن فرق مختارا استأنف، وإن كان مضطرا بنى، فإن لم يصم إلا يومين قبل يوم النحر صام بعد أيام التشريق يوما، وإن صام يوما واحدا قبله أو لم يصم شيئا فليصم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق، وإن جاور بمكة أو صد عن وطنه فلينتظر أن يمضي من الزمان ما كان يصل فيه إلى أهله ويصوم السبعة الأيام (كذا). فصل في كفارة اليمين وفوت عشاء الآخرة يلزم من حنث في يمين توجب الكفارة وتعذر عليه العتق أو الكسوة أو الاطعام أن يصوم ثلاثة أيام متوالية، فإن فرق مختارا أو مضطرا فحكمه ما تقدم. ويتعين على من فرط في صلوة عشاء الآخرة حتى جاوز النصف الأول من الليل أن يصبح صائما، فإن أفطر يومه فهو مأزور وتلزمه التوبة مما فرط فيه. فصل في بيان أحكام صيام شهرين متتابعين ويلزم من تعين عليه صيام شهرين متتابعين لأحد ما ذكرناه من إفطار يوم


[ 189 ]

من شهر رمضان أو نذر معين أو اعتكاف أو لنقض عهده أو لظهار أو لقتل عمد أو خطأ أو ليمين البر (1) أو لنذر صومهما، أن يبتدئ صوم شهرين قريبين يمكن الموالاة فيهما، دون شعبان لأجل شهر رمضان، دون شوال لأجل يوم الفطر ودون ذي القعدة وذي الحجة لأجل يوم النحر وأيام التشريق. فإذا دخل في الصوم وجب عليه المضي فيه حتى يكمل الشهرين فإذا أفطر في شئ منهما مضطرا بنى على ما صامه ولو كان يوما واحدا، وإن كان مختارا في الشهر الأول وقبل أن يدخل في الثاني استأنف الصوم من أوله، وإن أفطر بعد ما يصوم من الثاني يوما فما زاد تم بذلك وجاز له البناء على ما مضى، والاستيناف أفضل. ومن مات وعليه شئ من ضروب الصوم لم يؤده مع تعين فرضه عليه وتفريطه فيه فعلى وليه القضاء عنه، فإن لم يكن له ولي أخرج من ماله إلى من يقضي عنه، وإن لم يتعين ذلك عليه فلا شئ على وليه ولا حق في ماله. فصل في مسنون الصيام أفضل الصوم ثلاثة أيام في كل شهر: خميس في أوله وأربعاء في وسطه وخميس في آخره، ويليه صوم شعبان، ويليه صوم رجب، ويليه صوم الأربعة الأيام: السابع عشر من ربيع الأول مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، والسابع والعشرين من رجب وهو يوم المبعث، والخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، والثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير، ويليه صوم أول يوم من ذي الحجة، ويليه صوم المحرم والأيام البيض من كل شهر إلى باقي ضروبه.


(1) كذا في النسخ: ولعل الصحيح: أو ليمين البراءة.

[ 190 ]

باب حقيقة الحج وأحكامه وشروطه يجب العلم من هذا التكليف بأمور ستة: أولها حقيقة الحج، وثانيها ضروبه وثالثها تعين (1) مكلفه، ورابعها بيان أحكامه، وخامسها شروطه، وسادسها كيفية فعله. الفصل الأول الحج في أصل الوضع القصد، وفي الشريعة مناسك مقصودة في زمان ومكان مخصوصين، فالمناسك: الاحرام والتلبية والطواف والسعي وشهادة الموقفين ونزول المنى والذبح والحلق والرمي واشترطناها بالقصد إذ به تكون مناسك. والزمان للاحرام (2) أشهر الحج والحج (3) يوم التروية للمتعة (4) والذي


(1) تعيين ظ.
(2) في بعض النسخ: والزمان للحج والاحرام، وفي بعضها الآخر: والزمان للحج للاحرام.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: وإلى يوم.
(4) كذا.

[ 191 ]

يليه الوقوف (1) بعرفة، والذي يليه الوقوف (2) بالمشعر ونزول المنى والذبح والحلق ورمي جمرة العقبة والطواف والسعي، وأيام التشريق بعده لرمي الجمرات. والمكان البيت للطواف به، والصفا والمروة للسعي بينهما، وعرفة والمشعر للوقوف بهما، ومنى للذبح والحلق والرمي. الفصل الثاني الحج على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران من الحج، وإفراد للحج. فصفة المتعة أن يضيف المتمتع إلى مناسك الحج عمرة يحل منها ويستأنف الاحرام للحج، والقران يقرن إحرام الحج بسياق الهدي، والإفراد أن يفرد الحج من العمرة وسياق الهدي. والحج من حيث كان حجا لا يختلف (3) مناسكه، وإنما تضاف إليه في التمتع عمرة هي: طواف وسعي، وفي القران سياق الهدي، ويتجرد في الأفراد منهما. وأما التمتع ففرض من نأى عن مكة وحاضريها لا يجزيهم في حجة الاسلام غيره، والتطوع به أفضل من الاقران والإفراد. فأما الاقران والإفراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن كانت داره أثنى عشر


(1) للوقوف.
(2) للوقوف.
(3) لا تختلف.

[ 192 ]

ميلا من أي جهاتها كان. وهو على ضربين: واجب ومندوب. والواجب ضروب ثلاثة: حج الاسلام، وحج النذور، وحج الكفارة. والتطوع ما ابتدأ به. والفرق بين حج الفرض والنفل أن الفرض يجب الابتداء به، والنفل بخلاف ذلك، فإذا دخل فيه بالاحرام له وجب المضي فيه وساوت أحكامه بعد الاحرام في الوجوب لأحكام ما وجب الدخول فيه من ضروب الحج الواجبة. الفصل الثالث العلم بالحج واجب على كل مكلف، لكون ذلك من جملة الإيمان المتعين على كل مكلف من حر وعبد ومسلم وكافر وذكر وأنثى وغني وفقير ومستطيع وممنوع. وفرض أدائه يختص بكل حر بالغ كامل العقل مستطيع له بالصحة والتخلية والأمن ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعول والعود إلى كفاية من صناعة أو تجارة أو غير ذلك، سواء كان مؤمنا أو كافرا، لكون الكفار مخاطبين بالشرائع مسؤولين عن الاخلال بها، لصحة وقوعها من جهتهم بأن يؤمنوا، وجروا في ذلك مجرى المحدث المخاطب بالصلوة الملوم على تركها لكونه متمكنا من فعلها بتمكنه من رفع الحدث. وصحة الحج موقوفة على ثبوت الاسلام، والعلم بتفصيل أحكام الحج وشروطه، وتأديته لوجهه الذي له شرع، مخلصا به، مع كون مؤديه مطهرا بالختانة، من حيث كانت صحته من دون الاسلام محالا، ومع ثبوته وحصول الجهل به إذ كان العلم شرطا في صحة العمل، ومع ثبوت الأمرين وفعل الحج


[ 193 ]

لغير وجهه والاخلاص به لا يكون عبادة صحيحة بالاتفاق، ومع فقد الاحرام (1) لا يصح كمالا تصح الصلاة من دون الطهارة، ومع تكامل ما قدمناه من الشروط وكون الحاج أغلف لا يصح حجه بإجماع آل محمد عليهم السلام. الفصل الرابع أحكام الحج: التلبية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر ونزول منى والمبيت بها لياليها والرمي والذبح والحلق. فأما التلبية من أركان الحج، وهي على ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض أربع: لبيك اللهم لبيك [ لبيك ] إن الحمد والنعمة لك والملك [ لك ] لا شريك لك لبيك. والمسنون: لبيك ذا المعارج لبيك لبيك ذا الجلال والاكرام لبيك لبيك مبدء الخلق ومعيده لبيك لبيك غافر الذنوب لبيك لبيك قابل التوبة لبيك لبيك كاشف الكرب العظام لبيك لبيك فاطر السموات والأرض لبيك لبيك أهل التقوى وأهل المغفرة لبيك. وأوقات التلبية أدبار الصلوات، وحين الانتباه من النوم، وبالأسحار، وكلما علا نجدا أو هبط غورا أو رأى راكبا. والسنة فيها على الرجال رفع الصوت. وابتداء فرضها عقيب الاحرام وآخر وقتها للمتمتع إذا عاين بيوت مكة ولكل حاج زوال الشمس من يوم عرفة، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا عاين البيت.


(1) كذا في جميع النسخ.

[ 194 ]

ويجوز فعلها للمحدث كالطاهر، وعلى طهارة أفضل. وتعمد الاخلال بها يفسد الحج، والسهو عنها من دون عقد بغيرها كذلك. ولا يصح شئ في (1) التلبية إلا بنية هي العزم علينا بوجهها على جهة القربة إليه سبحانه. وأما الطواف فسبعة أشواط حول البيت مشيا فوق الهوينا ودون الهرولة بما يشتمل عليه من الأفعال والأذكار التي نبينها. ولكل طواف صلوة ركعتين قد بيناهما. وهو على ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض على ثلاثة أضرب: طواف المتعة وطواف الزيارة وطواف النساء. والمسنون ثلاثمائة وستون شوطا، وروي: ” أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع (2) “. فأما طواف المتعة فوقته من حيث يدخل المتمتع مكة وإلى أن تغرب الشمس من يوم التروية للمختار، وللمضطر إلى أن يبقى من الزمان ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها. فإن فاته بخروج وقته وتفريطه بطلت متعته وبطل حجه إن (3) كان فرض العمرة أو واجبا عن نذر أو كفارة تعينا (4) وإن كان تطوعا فهو مأزور وعليه


(1) كذا في النسخ.
(2) راجع الوسائل، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب السادس. (3) في المختلف: وإن كان.
(4) وفي بعض النسخ: معينا: ولم أهتد إلى صحيح هذه العبارة. *)

[ 195 ]

أيضا الاحرام للحج وقضاء المتعة بعد الفراغ منه، وإن كان فوته لضرورة فحجه ماض على كل حال وعليه قضاؤه بعد الفراغ من مناسك الحج. وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج، ووقته للمتمتع بعد الرمي والحلق والذبح من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وللمفرد والقارن من حين دخولهما مكة إلى انقضاء أيام التشريق، فمن أخل به على حال بطل حجه، ولزمه استينافه من قابل. وأما طواف النساء فمن مناسك الحج، وأول وقته يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، فإن خرج وقته ولما يطفه لم تحل له النساء حتى يطوف من قابل أو يطاف عنه، ويأثم إن كان ذلك عن إيثار (1) ولا أثم عليه إن كان لسهو أو لضرورة. ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلوة فريضة أو لضرورة، فإن قطعه لصلوة فريضة بنى على ما طاف ولو شوطا واحدا، وإن كان لضرورة أو سهو وكان ما طاف أكثر من النصف بنى عليه، وإن كان أقل منه استأنف منه. وإن قطعه مختارا أثم وعليه استينافه على كل حال. فإن مسها في شئ منه فليبن على ما تيقنه أو ظنه فإن كان شاكا فليبن على الأقل وإن لم يحصل له شئ أعاده. وإن ذكر وهو في السعي أنه قد ترك شيئا من أسبوعه فليقطعه ويعد إلى البيت فيطوف ما تركه إن كان أقل من النصف وإن كان أكثر منه استأنفه. وإن لم يستطع المكلف الطواف ماشيا فليطف راكبا ومحمولا. ولا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث. ويلزم مريده افتتاحه بالعزم على أدائه بصفته المخصوصة لكونه مصلحة


(1) إثارة.

[ 196 ]

متقربا به إليه سبحانه، فإن أخل بالنية لم يكن طوافه عبادة، ولا مجزيا، فليستأنفه مفتتحا بالنية. فأما السعي بين الصفا والمروة فمن أركان الحج، ولا مسنون فيه وهو على ضربين سعي المتمتع للمتعة وسعي الحج بعد طواف الزيارة. ووقت كل منهما ممتد بامتداد وقت طوافه وحكم المخل به حكم المخل بطوافه. والسنة فيه الابتداء بالصفا والختام بالمروة، والسعي بينهما سبعة أشواط، يمشي في كل شوط طرفيه ويهرول وسطه، يبدء المشي من الصفا إلى الميل ثم يهرول حتى يقطع سوق العطارين ثم يمشي من الميل إلى المروة، ثم يعود منها ماشيا إلى الميل ثم يهرول من السوق إلى الميل ثم يمشي منه إلى أن يصعد الصفا، حتى يكمل سبعا. ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة، ويجوز الوقوف عند الاعياء حتى تستريح (1) ويجوز الجلوس على الصفا والمروة. فإن عجز عن المشي أو الهرولة فليركب، ويجوز له السعي راكبا من غير عجز والمشي أفضل. وإذا سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة ويجب افتتاحه بالنية. وحكم من قطعه عن إيثار أو اضطرار أو لسهو حكم الطواف، فليتأمل ويعمل بحسبه. ويصح السعي من المحدث وطاهرا (2) أفضل. وأما الوقوف بعرفة – وحدها من المأزمين إلى الموقف – فمن أركان الحج


(1) كذا.
(2) في بعض النسخ: والطاهر أفضل.

[ 197 ]

ووقته للحج للمختار من زوال الشمس من التاسع إلى غروبها، وللمضطر إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فإن فات الوقوف بها عن إيثار بطل الحج، وإن كان عن اضطرار وأدرك المشعر الحرام في وقت المضطر فحجه ماض. ويلزم افتتاحه بالنية وقطع زمانه بالدعاء والتوبة والاستغفار. وأفضل المواقف يسرة (1) الجبل ولا يفيض منه المختار حتى تغرب الشمس ويجوز الوقوف به للمحدث وطاهرا (2) أفضل. وأما الوقوف بالمشعر الحرام وهو من جمع وهي المزدلفة – وحد ها من المأزمين إلى وأدى محسر – يصح الوقوف بكل منهما، وأفضله ما قرب من المشعر.
(3) ووقت المختار من طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس يلزمه (4) افتتاحه بالنية، وقطع هذا الزمان بالدعاء والتوبة والاستغفار. ووقت المضطر ممتد إلى الليل كله وإلى أن تزول الشمس من نهاره أقل ما يقع عليه اسم الوقوف داعيا. فإن فات الوقوف به على حال بطل الحج ووجب استينافه. ولا يجوز للمختار أن يفيض منه حتى تطلع الشمس، فإن اضطر إلى الافاضة فلا يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس. ويجوز للنساء إذا خفن مجئ الدم الافاضة ليلا وإتيان منى والرمي، و الذبح والتقصير ودخول مكة يوم النحر لطواف الزيارة والسعي وطواف


(1) ميسرة.
(2) في بعض النسخ: وطاهر أفضل وفي بعضها الآخر: والطاهر أفضل.
(3) كذا.
(4) يلزم فيه.

[ 198 ]

النساء. ويستحب للصورة أن يطأ المشعر. ويصح الوقوف به للمحدث وطاهرا أفضل. وأما نزول منى فمن وكيد السنة المبيت بها ليلة عرفة، وصلاة المغرب وعشاء الآخرة والغداة، ليكون الافاضة منها إلى عرفات، ولا يفيض إمام الصلوة منها حتى تطلع الشمس. ومن مناسك الحج المبيت بها ليالي أيام التشريق إلى حين الافاضة منها فإن بات بغيرها مختارا لغير عبادة فعليه دم، ويجوز الخروج منها للبائت بها بعد مضي النصف الأول من الليل، والتصبح بها أفضل. وإذا عاد إليها قبل أن يمضي النصف الأول فهو بائت بها، ونزولها قبل غروب الشمس أفضل. وحدها من طرف وادي محسر إلى العقبة. والنفر الأول يوم الثالث من النحر، والأخير اليوم الرابع، ولا يجوز للصرورة أن ينفر في الأول، ويجوز ذلك لغيره، وتأخيره النفر إلى الأخير أفضل. وأما رمي الجمار فهو سبعون حصاة تؤخذ من الحرم دون المسجد الحرام ومسجد الخيف والحصاة المقذوف به مرة، وأفضله المشعر الحرام، ومقدار الحصاة رأس الأنملة، ملتقطة غير مكسورة، وأفضل الحصاة البرش، ثم البيض والحمر، وتكره السود، يرمي منها يوم النحر جمرة العقبة – وهي القصوى – بسبع، ويرمي في كل يوم بعده بإحدى وعشرين حصاة، يبدء بالجمرة الأولة – وهي العظمى – (1) فيرميها بسبع، ثم الوسطى بسبع، ثم العقبة بسبع، فإن


(1) العظماء، خ.

[ 199 ]

خالف الترتيب استدركه. فإن رمى حصاة فوقعت في محمل أو عطى طهر (1) ثم سقطت على الأرض أجزأت وإلا فعليه أن يرمي عوضها عنها. ولا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس ولا بعد غروبها إلا للمرأة الخائفة من مجئ الدم وفوت الطواف لمجيئه، وأفضل الأوقات للرمي قبل الزوال. فإن فات رمي يوم فليرم في اليوم الثاني ما فاته في صدر النهار وليومه بعد الزوال، ومن عجز عن الرمي فليرم عنه وليه. ويجوز للمحدث أن يرمي الجمار، وعلى طهارة أفضل. وإذا أفاض في النفر الأول فليدفن ما بقي من الحصى بمنى. فإن خرجت أيام التشريق ولما يرم ما وجب عليه قبل النفر أو بعضه (2) فليرمه من قابل في أيام التشريق إن تمكن بنفسه، وإلا استناب من يرمي عنه. فإن أخل برمي الجمار أو شئ منه ابتداء أو قضاءا أثم بذلك، ووجب عليه تلافي ما فاته، [ فرطه خ ] وحجه ماض. وأما الهدي فعلى ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض على ضروب أربعة: هدى النذر، وهدي الكفارة، وهدي القران، وهدي التمتع. فأما هدى النذر فيجب سياقه من حيث نذر سياقه منه، فإن لم ينذر شيئا ابتاعه بحيث نذر ذبحه وذبحه، وكل منهما مضمون يلزم الناذر عوض ما انكسر منه أو مات أو ضل، ولا يحل له أن يأكل منه شيئا. وأما هدى الكفارة عن قتل الصيد فسياقه واجب من حيث قتل الصيد


(1) لم أهتد إلى صحيح هذه الجملة أو الكلمة، وفي بعض النسخ: غطى ظهر.
(2) كذا.

[ 200 ]

إن أمكن ذلك، وإلا فمن حيث أمكن، ويذبح أو ينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة بمكة قبال (1) الكعبة، وفي إحرام الحج بمنى. وإن كان لتعد (2) في الاحرام عدا الصيد فسياقه غير واجب. وإن تعذر السياق أو الابتياع بحيث يجب الذبح والنحر في عامه فعليه ذلك من قابل، أو عدله صياما، أو صدقة حسب ما نبينه. وحكم هذا الهدي في الضمان وتحريم الأكل حكم هدى النذر. وأما هدى القران فابتداؤه تطوع فإذا أشعر أو قلد لزمه سياقه. فإن انكسر أو هلك قبل بلوغ محله فعليه بدله، فإن لم يتمكن فلا شئ عليه غير ذبح لمنكسر والتصدق بلحمه، وإذا بلغ محله سليما ذبح أو نحر فأكل منه وأطعم. وأما هدى التمتع فأدناه شاة والفضل فيما زاد عليها بحسب الامكان. والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي. ولا يجوز إعطاء الجزاز شيئا من جلال شئ من الهدي ولا قلائده ولا إهابه ولا لحمه على جهة الأجر، ويجوز على وجه الصدقة. ومن السنة أن يتولى مهدي الأنعام ذبحها أو نحرها بيده أو يشارك الذابح. ولا يجوز لمن ذبح هديا بمنى أن يخرج منها شيئا من لحومه، ويجوز ذلك للمتصدق عليه. والمسنون ما تبرع المكلف بهديه وليس بمضمون. والسنة فيه أن يأكل منه مهديه ويتصدق بالباقي. وأما الحلق فمن مناسك الحج، ومحله منى يوم النحر بعد رمي جمرة


(1) قبالة.
(2) كذا في بعض النسخ.

[ 201 ]

العقبة، ويجوز قبل الرمي، وتأخيره إلى آخر أيام التشريق. ولا يجزي الصرورة من الرجال غير الحلق، ويجزي من عداه التقصير، و كذلك حكم النساء. والسنة فيه أن يبدأ الحلاق (1) بالناصية ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر، و يدفن الشعر بمنى. فإن حلق بغيرها أثم ولزمه أن يدفنه بها. ولا يجوز الحلق قبل محله مختارا فإن اضطر لأذى يلحقه جاز الحلق والتكفير بشاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. ويلزم افتتاح الرمي وسياق الهدي وذبحه وحلق الرأس بالنية كسائر الفرائض. الفصل الخامس شروط الحج التي بها يصح ويفسد لاختلال بعضها الاسلام لفساد كل عبادة من دونه لما بيناه، والعلم بأحكامه وشروطه وكيفية فعله لوجوهه لما ذكرناه، وتأديته للوجه الذي له شرع مخلصا به لما أوجبناه، والختنة، والاحرام، وصحته موقوفة على العلم بالوقت المشروع لعقده، والميقات المنصوص على تعلق مخصوصية فعله به، ليقصد إليه، وبيان ما يجتنبه المحرم لكون فعله مفسدة فيه، وكفارة ما يأتيه لتبرأ ذمته من تبعته. فأما الوقت للاحرام فأشهر الحج: شوال وذو القعدة وثمان من ذي الحجة فإن أهل بالحج من دونها لم ينعقد، ووجب تجديده فيها، فإن لم يفعل فلا إحرام له.


(1) في بعض النسخ: الحالق.

[ 202 ]

وأما الميقات فلكل أهل إقليم ميقات، فميقات أهل العراق ” بطن العقيق ” وأوله ” المسلخ ” وأوسطه ” الغمرة “، وآخره ” ذات عرق “، وميقات أهل المدينة ” مسجد الشجرة ” وهو ” ذو الحليفة “، ومرخص لصبيانهم وضعفائهم أن يحرموا من ” الجحفة “، وميقات أهل الشام ” الجحفة ” وميقات أهل الطائف ” قرن المنازل وميقات أهل اليمن ” يلملم “. فمن سلك طريق أحد هذه المواقيت فميقاته ميقاتهم. فمن أحرم من دون ميقاته لم ينعقد إحرامه، وعليه إذا انتهى إليه أن ينعقد الاحرام منه، فإن لم يفعل فلا حج له. وإن تجاوزه من غير إحرام فعليه الرجوع إليه ليهل منه، فإن لم يتمكن أحرم من موضعه. ويجوز لمن منزله دون الميقات أن يحرم منه وخروجه إلى الميقات أفضل. وميقات المجاور ميقات بلده ويجوز له أن يحرم من ” الجعرانة “، وإن ضاق عليه الوقت فمن خارج الحرم. وميقات المعتمر ميقات أهله، فإن اعتمر من مكة فمن خارج الحرم، و ميقات أهله أفضل. وأهل مكة مخيرون بين سائر المواقيت. وأما ما ينعقد به الاحرام فالتلبية أو إشعار الهدي أو تقليدها، لا ينعقد بشئ سوى هذا مما يتقدم ذلك أو يصاحب أو يتأخر من الصلاة والتجرد ولبس ثوبي الاحرام وقول وفعل. ولا يصح إلا بنية هي العزم عليه موجبا أفعالا مخصوصة هي ما قدمناه من المناسك واجتناب أمور نذكرها لوجوبه مخلصا له سبحانه. وأما ما يجتنبه فالنساء رؤية وسماعا وضما وتقبيلا ومباشرة، والطيب


[ 203 ]

كله والادهان الزكية، وما خالطه شئ من ذلك، والصيد، والدلالة عليه، و الجدال، والكذب، وحك الجلد حتى يدمى، وإماطة الشعر عن الجسم، وقص الأظفار، وطرح القمل عنه، وقتله، ولبس المخيط، وتغطية الرجل رأسه، والمرأة وجهها، والتظلل في المحمل، وعقد النكاح له ولغيره، وقطع شجرة الحرم، واختلاء خلاه، [ ها ظ ] وقتل شئ من الحيوان عدا الحية والعقرب والفأرة والغراب ما لم يخف (1) شيئا منه، والفصاد، والحجامة من غير ضرورة والنظر في المرآة، والاغتسال للتبريد، (2) وحمل السلاح واشهاره إلا (3) للمدافعة. وأما كفارة ما يأتيه المحرم فعلى ضربين: أحدهما موجب لها بشرط الذكر للاحرام والقصد دون السهو والخطأ، والثاني موجب لها على كل حال وهو الصيد، والأول ما عداه مما ذكرناه، ولكل كفارة تخصه. ففي النظر إلى المرأة بشهوة والاصغاء إلى حديثها أو حملها أو ضمها الإثم فإن أمنى فدم شاة، وفي القبلة دم شاة، فإن أمنى فعليه بدنة، وفي الوطي في إحرام المتعة قبل طوافها أو سعيها فساد المتعة، وكفارته (4) بدنة، وفي إحرام الحج قبل العرفة بدنة، فإن كان في الفرج فسد الحج ولزمه استينافه، وبعد عرفة (5) بدنة، وفي الاستمناء والتلوط وإتيان البهائم بدنة.


(1) وفي الروايات: كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله.
(2) للتبرد.
(3) في بعض النسخ: لا للمدافعة.
(4) كفارة. خ.
(5) العرفة. خ.

[ 204 ]

وفي أكل الصيد أو بيضه، أو شم مسك أو عنبر أو زعفران أو ورس، أو أكل طعام فيه شئ منه دم شاة، وفيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة. وفي تظليل المحمل وتغطية رأس الرجل ووجه المرأة مختارا لكل يوم دم شاة، ومع الاضطرار بجملة المدة دم شاة. وفي قص ظفر كف من طعام، وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم شاة، وكذلك حكم أظفار رجليه، فإن قص أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد. وفي قص الشارب أو حلق العانة والإبطين دم شاة، وفي حلق الرأس دم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. وفي المجادلة وهي قوله: لا والله ثلاث مرات فما فوقهن صادقا دم شاة وفي مرة كاذبا شاة، ومرتين دم بقرة، وفي ثلاث مرات فما فوقهن دم بدنة. وفي حك الجسم حتى يدمى مد من طعام لمسكين. وفي قطع بعض شجر الحرم من أصله دم شاة، ولقطع بعضها، أو اختلاء خلاها ما تيسر من الصدقة. وفي لبس المخيط بعد الاحرام شقه وإخراجه من قبل الرجلين، وللاحرام فيه نزعه، وفي كل منهما دم شاة. وفي قلع الضرس دم شاة. وعقد النكاح فاسد وعاقده آثم. وفي إتيان ما عدا ما بيناه (1) لزوم الكفارة منه (2) مما يلزم المحرم اجتنابه الإثم.


(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة الهاء.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: فيه.

[ 205 ]

فأما الصيد فيلزم من قتله أو ذبحه أو شارك في ذلك أو دل عليه فقتل إن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداؤه بمثله من النعم، وإن كان محرما في الحرم فالفداء والقيمة، وروي الفداء مضاعفا. وكفارة العبد والأمة إن كان إحرامهما بإذن السيد عليه، وبغير إذنه عليهما بالصوم دون الهدي والاطعام. وكفارة الصغير والمأوف العقل على وليه. ووقوع ذلك عن قصد يقتضي مع الكفارة استحقاق العقاب، وعن خطأ أو سهو الكفار حسب، والندم يجب من المقصود، وهو مقسط للذم والعقاب دون الكفارة. وتكرير (1) القتل يوجب تكرير الكفارة. فإن كان المقتول نعامة ففيها، بدنة، فإن لم يجد فقيمتها، فإن لم يجد فض القيمة على البر، وصام لكل نصف صاع يوما. وإن كان حمار وحش أو بقرة وحش فعليه بقرة. فإن لم يجدها تصدق بقيمتها، فإن لم يجد فض القيمة على البر، وصام لكل نصف صاع يوما. وإن كان ظبيا أو ثعلبا أو ارنبا فعليه شاة، فإن لم يجدها فقيمتها، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما. ويجوز له إن فقد الفداء أو القيمة أن يصوم للنعامة ستين يوما، وللبقرة ثلاثين يوما، وللظبي ثلاثة أيام، وإن صام بالقيمة أقل من هذه المدة أجزأ وإن زادت القيمة عليها لم يتجاوزها. وإن كان المقتول لا مثل له من الأنعام كالطير والوحش ففيه القيمة أو عدلها صيام على ما بيناه وصفه.


(1) وتكرر.

[ 206 ]

وفي قتل الزنبور كف من طعام، فإن قتل زنابير فصاع، وفي قتل الكثير دم شاة. وفي كل حمامة من حمام الحرم شاة، وفي فراخها حمل، وفي بيضها درهم وفي حمامة الحل درهم، وفي فراخها نصف درهم، وفي بيضها ربع درهم. وفي القنفذ والضب واليربوع حمل قد فطم ورعى من الشجر. وفي صغار الصيد مثله من صغار الأنعام. وفي بيض النعام إذا تحرك فيها الفراخ لكل بيضة فصيل، وإن لم يتحرك فيها الفراخ فإرسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر فما نتج كان هديا فإن لم تكن له إبل فلكل بيضة شاة ولبيض القبج والدجاج (1) إرسال فحولة الغنم على إناثها فما نتج كان هديا. ومن رمى صيدا فأصابه فمر لوجهه ولم يعرف حاله فعليه فداؤه، وإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه ما بين قيمته سليما وكسيرا، وإن رآه سليما تصدق بشئ. وإذا اشترك جماعة في قتل صيد والدلالة عليه فعلى كل منهم فداؤه. وسياق فداء الصيد واجب من حيث قتل إلى محله، ومحل فداء ما أتاه في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة، وفي إحرام الحج منى، فإن تعذر السياق فمن حيث أمكن لميقاته، أو من قابل، أو عدل ذلك من الاطعام أو الصوم. الفصل السادس إذا أراد المكلف الحج فليصل ركعتي الاستخارة، وبعدهما ركعتي الحاجة يسبح بعدهما تسبيح الطاهرة، ويدعو ويستخير الله سبحانه ويستحفظه دينه


(1) الدراج.

[ 207 ]

ونفسه وأهله وماله، ويعفر (1) ويجمع أهله فيوصي إليهم وصية مفارق لا يظن إيابا، وليكثر في سفره من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن والصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله، وليحسن صحبة من صحبه من رفيق ومعين، وليوطن نفسه على حمل الأذى، وليجهد في فعل الخير. فإذا انتهى إلى الميقات فليقص أظفاره وشاربه، ويحلق إبطيه وعانته، و يغتسل غسل الاحرام، ويلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، وأفضل ذلك ثياب البياض الجدد من القطن والكتان، ولا يجوز الاحرام فيما لا تجوز فيه الصلاة من اللباس. ثم يصلي ركعتي الاحرام يتوجه لها كتوجهه للفرائض، فإن كان وقت فريضة قدم صلاة الاحرام ثم الفريضة، وأحرم دبرها، فإن كان الوقت ضيقا بدأ بالفرض ثم صلى صلاة الاحرام وأحرم. وقال إن كان يريد التمتع بالعمرة إلى الحج: اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فيسر لي أمري وبلغني قصدي وأعني على أداء مناسكي، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني (2) حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، اللهم إن لم تكن عمرة فحجة، أحرم لك لحمي ودمي وعصبي وعروقي وشعري وبشري من النساء و الطيب والصيد، ومن كل ما حرم على المحرمين، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. وإن كان قارنا قال: اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على مناسكي – إلى آخر الكلام -.


(1) في بعض النسخ: ويغفر، والظاهر ما أثبتناه.
(2) في بعض النسخ فخلني.

[ 208 ]

وإن كان مفردا قال: اللهم إني أريد الحج مفردا فسلم لي مناسكي وأعني على أدائها – إلى آخر الكلام -. ثم يعقد إحرامه بالتلبية الواجبة، أو بإشعار هديه أو تقليده إن كان قارنا. وليفتح ذلك بالنية على الوجه الذي بيناه. وليلب بالواجبة كلما علا هضبة أو هبط واديا، وفي الأسحار، وأدبار الصلوات، وعند اليقظة من النوم، وهو مرغب في التلبية المسنونة. وليكثر من ” لبيك ذا المعارج لبيك… ” وليقل المتمتع: ” لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك ” ولا يقل ” بحجة وعمرة تمامها عليك “. لأن ذلك تعليق منه للاحرام بالحج والعمرة وهو فاسد باتفاق. فإذا عاين المتمتع بيوت مكة قطع التلبية، وأكثر من حمد الله تعالى على بلوغها. فإذا انتهى الحرم فليغتسل ويدخله ماشيا عليه السكينة والوقار، ويجوز راكبا، وليدخل مكة من أعلاها، وليغتسل قبل دخولها فإذا عاين البيت فليقل: الحمد لله – إلى آخر الدعاء -. ثم ليحرز رحله ويغتسل لدخول المسجد ويأتيه ماشيا ذاكرا لله تعالى عليه ذلة وخشوع، فإذا انتهى إلى باب بني شيبة فليقف عليه وليقل قبل دخوله: بسم الله وبالله – إلى آخر التقديس -. ثم يدخل المسجد فإذا عاين البيت فليقل: اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدي للعالمين – إلى آخر الدعاء -. ثم يفتتح الطواف بالحجر الأسود فيستقبله بوجهه ويرفع يديه ويقول: الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله والحمد


[ 209 ]

لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله. ثم يدنو منه فيقبله فإن لم يتمكن من تقبيله فليمسحه بيديه ويقبلهما (1) ويقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة عند الله تعالى، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الأئمة من ذريته – ويسميهم – حججه في أرضه وشهداءه على عباده – إلى آخر الدعاء -. ثم يستلمه (2) ويطوف وهو ذاكر فإذا بلغ الكعبة فليقل: ” اللهم صل على محمد وآله وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع علي من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والأنس “. وإذا استقبل الميزاب فليقل: ” اللهم أعتقني من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والأنس، وأدخلني الجنة برحمتك “. ويقول بين الركن الغربي واليماني (3): ” اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واعف عني وأقلني عثرتي وأقبل توبتي أتوب إلى الله – ثلاث مرات – ويطابق ذلك بالندم والعزم ويقول ثلاث مرات: استغفر الله. ويقول كلما استقبل الحجر الأسود: ” الله أكبر الله أكبر السلام على رسول الله وآله الطاهرين ” ويقبله في كل شوط، فإن لم يقدر فليفتتح به ويختم،


(1) في بعض النسخ: بيده ويقبلها.
(2) في بعض النسخ: يستقبله.
(3) في بعض النسخ: بين الركن والمقام العراقي واليماني، وفي بعضها الآخر: بين الركن والمقام الغربي واليماني.

[ 210 ]

فإن لم يتمكن منه فليمسحه بيده ويقبلها، فإن لم يقدر على ذلك فليشر إليه بيده ويقبلها. ويقول في طوافه: ” اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض، وأسألك بكل اسم عظمته، أن تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وتجاوز عن زلتي وتشكر سعيي في مرضاتك وتضاعف ثوابي على طاعتك وتوسع علي من رزقك الحلال “. ويدعو في أثناء ذلك بما أحب، ويسأل الله تعالى ما أحب. ويقول عند باب الكعبة: ” سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة “. فإذا بلغ الركن اليماني فليستلمه ويقبله وليسر منه (1) إلى زاوية المسجد مقابلة (2) ويقول: ” السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار ” يصنع هذا في كل شوط. فإذا كان في الشوط السابع فليقف على المستجار، ويبسط يديه على البيت وليلصق بطنه وخده به ويقول: ” اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللائذ بعفوك من سخطك المستجير برحمتك من عذابك فارحم اللهم ذل موقفي بين يديك وارزقني في مقامي هذا الفوز بالجنة وأجرني من النار وزوجني من الحور العين ” ويتعلق بأستار الكعبة ويدعو ويتضرع ويلج (3) في المسألة للدنيا والآخرة.


(1) في بعض النسخ: وليشر منه: (2) كذا.
(3) يلح. ظ.

[ 211 ]

ويقبل الركن اليماني في كل شوط ويعاقبه (1) ويقول: ” اللهم تب علي حتى أتوب، واعصمني حتى لا أعود، وأتوب إلى الله أتوب إلى الله أتوب إلى الله، اللهم إني تائب إليك مما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت وسهوت عنه وأحصيته (2) علما، نادم على ما مضى، عازم ألا أعود إلى مثله أبدا أبدا “، فاقبل توبتي واعف عني واغفر لي ما بيني وبينك، وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك وسعة رحمتك يا أرحم الراحمين “. فإذا فرغ من أسبوعه فليأت مقام إبراهيم عليه السلام، فيجعله أمامه، ويصلي ركعتي الطواف على الوجه الذي تقدم ذكره، وليعقب بعدهما ويدعو و يجتهد ويعفر. ثم ينهض خاشعا ذاكرا حتى يخرج من الباب المقابل للحجر الأسود إلى الصفا، فإذا انتهى إلى الصفا فليصعد عليه ويستقبل البيت بوجهه ثم يكبر الله سبعا ويحمده سبعا ويهلله سبعا ويسبحه سبعا ويصلي على محمد وآله ما تيسر ثم يدعو ربه، وينحدر إلى السعي فيفتتحه بالنية، ويمشي إلى الميل فإذا انتهى إليه هرول ملأ فروجه (3) حتى يقطع سوق العطارين، وينتهي إلى الميل فيقطع الهرولة، ويمشي حتى يصعد المروة، فيستقبل البيت بوجهه و يقول: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ” ثلاث مرات. ثم يقول: ” اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، وصدق النية


(1) كذا في بعض النسخ وفي بعضها الآخر: والعاقبة.
(2) كذا يقرء ما في بعض السنخ.
(3) كذا في بعض النسخ، وقال في السرائر: فإذا انتهى إلى الموضع الذي يرمل فيه أي يهرول فيه، والرمل الإسراع وهو أن يملأ فروجه. *)

[ 212 ]

في التوكل عليك “. ثم ينحدر منها حتى يفعل ذلك سبع مرات، يهرول في كل شوط ما بين الميلين، ويمشي بين كل منهما إلى ما يليه من الصفا والمروة. وليكثر قوله في سعيه: ” رب اغفر وأرحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم “. فإذا فرغ من سعيه فليقصر من شعر رأسه ولحيته وشاربه أو من إحداهما (1) ويحل له كل شئ أحرم منه، والأولى أن يتشبه بالمحرمين إلى يوم التروية. فإذا زالت الشمس منه فليغتسل ويلبس ثوبي إحرامه، ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار، فيطوف بالبيت أسبوعا، ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يحرم بعدهما، ويجزيه أن يصلي ركعتي الاحرام حيث شاء من المسجد الحرام، وأفضله تحت الميزاب أو عند المقام، فإذا سلم فليقل: ” اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على مناسكي فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني، أحرم لك وجهي وشعري وبشري ولحمي ودمي وعصبي وعروقي ومخي من النساء والطيب والثياب والصيد وكل محرم على المحرم أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة “. ثم يلبي مستسرا، فإذا نهض به بعيره أعلى (2) بالتلبية، وإن كان ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود، وليلب بالواجبة والمندوبة، ثم يتوجه إلى منى وهو يقول: ” اللهم إياك أرجو وإياك أدعوا فبلغني أملي وأصلح لي عملي وتقبل مني وأعطني سؤلي من رضوانك وأجرني من عذابك “. فإذا انتهى إلى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته


(1) كذا.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي المختلف: أعلن، وهو الصحيح.

[ 213 ]

بالتلبية حتى يأتي منى فإذا انتهى إليها فليقل: ” الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغني هذا المكان في عافية اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تتم علي فيها بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك حيث أطلب رحمتك وأؤم رضوانك فاجعل حظي منها أوفر حظ برحمتك يا أرحم الراحمين “. وليصل بها المغرب وعشاء الآخرة والفجر من يوم عرفة، ويجوز أن يصلي بغيرها إذا تعذر ذلك بها، وليقطع ليله أو أكثره بالصلوة والدعاء والتقديس فإذا طلع الفجر فيصل الفرض ويفض إلى عرفات، ولا يجوز له أن يفيض منها قبل الفجر مختارا، ولا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس. فإذا توجه إلى عرفات فليلب ويقول: ” اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ولوجهك أردت أسألك أن تصلي على محمد وآله وبارك لي في رحلتي ” – إلى آخر الدعاء -. وليلب إلى أن تزول الشمس من يوم عرفة، فإذا أتى عرفات فليضرب خباه بنمرة قريبا من المسجد اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وآله – ونمرة هي بطن عرنة – فإذا زالت الشمس فليقطع التلبية ويغتسل ويصلي لظهر والعصر يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين أمام (1) الدعاء والعمل. ثم يأتي الموقف، وأفضله ميسرة الجبل، فيستقبل القبلة فيهلل الله سبحانه مائة مرة، ويكبر مائة مرة، ويسبح مائة مرة، ويصلي على محمد وآله صلى الله عليه وآله مائة مرة، ويستغفر سبعين مرة، ويقول: أتوب إلى الله أتوب إلى الله – حتى ينقطع نفسه – أتوب إلى الله تعالى من جميع ذنوبي، صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، توبة نصوحا.


(1) في أكثر النسخ: أيام، والظاهر ما أثبتناه.

[ 214 ]

وليقرن ذلك بالندم على ماضي القبائح لوجه قبحها، والعزم على اجتناب أمثالها في المستقبل، لكون ذلك مصلحة له مخلصا له سبحانه. اللهم فصل على محمد وآله واقبل توبتي وامح حوبتي واغفر لي اللهم ما بيني وبينك وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك العفو العفو سبعين مرة – ما شاء الله لا قوة إلا بالله – مائة مرة – لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك – إلى آخرها مائة مرة -، ويقرأ من أول البقرة عشر آيات وآية الكرسي، وآخر البقرة: لله ما في السموات وما في الأرض – إلى آخرها – وآيات السخرة: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض – إلى قوله – إن رحمة الله قريب من المحسنين، وثلاث آيات في آخر الحشر، وسورتي القدر والاخلاص، والمعوذتين، ثم يدعو بدعاء الموقف حتى تغرب الشمس. ثم ليفض إلى المشعر الحرام وعليه السكينة والوقار مستغفرا، فإذا انتهى إلى الكثيب الأحمر الذي عن يمين الطريق فليقل: ” اللهم صلي على محمد وآل محمد وزك عملي وارحم ذل موقفي وسلم لي ديني وتقبل مني مناسكي اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني فإذا انتهى إلى المزدلفة فلينزل قريبا من المشعر، وليصل بها المغرب وعشاء الآخرة يجمع بينهما، ويصلي نوافل المغرب بعد الفراغ من عشاء الآخرة، وليقطع الليلة أو أكثرها بالعبادة. ويستحب له أن يطأ المشعر الحرام وذلك في حجة الاسلام آكد. فإذا صعده فليكثر من حمد الله تعالى على ما مر به ويجتهد في الدعاء فإذا طلع الفجر من يوم النحر فليؤذن وليقم لصلاة الغداة، فإذا سلم منها فليقف داعيا إلى أن تطلع الشمس. وليفتتح وقوفه بعرفة والمشعر الحرام بالنية.


[ 215 ]

ثم ليفض إلى منى خاشعا داعيا مقدسا، فإذا انتهى إلى وأدى محسر فليقطعه ماشيا مهرولا أو أكثره، ويجزيه أن يهرول فيه مائة خطوة. وليلقط من المشعر حصى الجمار: سبعين حصاة كرأس الأنملة أفضلها البرش، وتكره السودة. فإذا انتهى إلى منى فلينزل بها، ويأت جمرة العقبة فليقف من قبل وجهها ولا يقف من أعلاها، وليكن بينه وبينها قدر عشر أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ويقول والحصى في يده (1): ” اللهم هؤلاء حصياتي فاحصهن لي وارفعهن في عملي ” ثم ليرم خذفا يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها بظاهر مسبحته ويقول مع كل حصاة إذا رميها: ” بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد الله أكبر اللهم ادحر عني الشيطان وجنوده اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ” حتى يرمي بسبع حصيات. ثم يرجع إلى منى فيشتري هديا لمتعة (2) إن كان متمتعا، أعلاه بدنة وأدناه شاة، تستقبل بما يذبح أو ينحر من هدى متعته أو ما ساق منه إن كان قارنا القبلة ويقول: ” وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية (3) أهل بيته الطاهرين وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم بك ومنك وإليك بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم “. ثم يمر الشفرة ويذبح ولا ينخع، وينحر في اللبة لما ينحر، وهو معقول


(1) في بعض النسخ: في بطن يده.
(2) لمتعته. ظ.
(3) في بعض النسخ: وولاية على وأهل بيته.

[ 216 ]

اليد اليسرى، وهو قائم في الجانب الأيمن ولا يمسها حتى تبرد. فإن ضعف عن ذلك أو لم يحسنه فليستنب مسلما يجعل يده مع يده ويقول ما ذكرناه. وليأكل من هديه ويطعم الباقي، ولا يعطي الجزاز منها ولا من جلالها ولا قلائدها شيئا. ثم ليحلق رأسه يجلس متوجها إلى الكعبة ويأمر الحلاق أن يبدأ بالناصية من الجانب الأيمن، لا يجزي في حج الاسلام غير الحلق، وفيما عداه التقصير والحلق أفضل، وفرض النساء التقصير على كل حال وليقل: ” اللهم اعطني بكل شعرة يوم القيامة نورا وحسنات مضاعفات، وكفر عني السيئات إنك على كل شئ قدير “. وليفتتح الرمي والذبح والحلق بالنية. ثم ليدخل مكة لطواف الزيارة وهي طواف الحج، ويصنع قبل دخولها والمسجد ما فعله حين دخل مكة في الابتداء. وليطف بالبيت طواف الزيارة، ويسعى بعده بين الصفا والمروة، ويرجع إلى البيت فيطوف به طواف النساء يصنع في كل ذلك ما صنعه حين طاف وسعى للمتعة، فبالطواف الأول والسعي يحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، وبالطواف الآخر يحل منهن. ثم ليخرج ليومه (1) إلى منى فيبيت بها وليرم في غده الجمرات الثلاث يبدء بالعظمى فيرميها بسبع حصيات، ثم الوسطى، ثم العقبة، ويرمي في اليوم الذي يليه كذلك، وفي الثالث كذلك، على الوجه الذي ذكرناه، ثم لينفر منها إلى مكة، وقد مضى (2) جميع المناسك.


(1) في بعض النسخ: من يومه.
(2) قضى. ظ.

[ 217 ]

ومن السنة أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه ست ركعات عند المنارة التي في وسطه، ثم يسبح تسبيح فاطمة عليها السلام ويدعو بما أحب، فإذا جاوز جمرة العقبة فليحول وجهه إلى منى ويرفع يديه إلى السماء ويقول: ” اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المقام وارزقنيه أبدا ما أبقيتني ” فإذا بلغ مسجد الحصباء (1) فليدخله ويصل فيه ويدع ويسترح بالاستلقاء فيه على ظهره. ثم ينهض حتى يدخل مكة فيطوف بالبيت ما شاء تطوعا، ويستحب له أن يتطوع بطواف بثلاثمائة وستين أسبوعا. ويجوز تأدية جميع مناسك الحج ومكة (2) محدثا، وطاهرا أفضل، إلا الطواف بالبيت، فمن شرطه أن يكون الطائف طاهرا. فإذا أراد المسير عن مكة فيأت المسجد فيطوف بالبيت ويدخله ويصلي في زواياه وعند المقام وعلى الرخامة الحمراء ويدعو ويجتهد، ويأتي زمزم ويشرب من مائها، ويدعو بدعاء الوداع ويودع. فإن كان الحاج قارنا أو مفردا أقاموا (3) على إحرامه حتى يقضي المناسك ولا يقطع التلبية حتى تزول الشمس من يوم عرفة. ومناسكهما كمناسك المتمتع بعد المتعة، إذ كانت مناسك ضروب الحج لا تختلف وإنما يتميز المتمتع بالمتعة التي هي طواف وسعي، والقارن بسياق الهدي. وحكم النساء في فروض الحج وشروطه وكيفية فعله حكم الرجال، إلا في التجرد للاحرام والحلق، ويلزمهن كشف الوجوه والتقصير بعد الذبح حسب ولا يرفعن أصواتهن في التلبية كرفع الرجال.


(1) الحصبة.
(2) كذا.
(3) كذا.

[ 218 ]

فإن حاضت المرأة أو نفست قبل الاحرام اغتسلت (1) وشدت ولبست ثيابا طاهرة وأحرمت ولبثت، فإن طهرت قبل فوات المتعة اغتسلت وطافت وسعت وإن خافت الفوت قبل الطهر فليسع بين الصفا والمروة، فإذا قضت المناسك قضت الطواف. وإن حاضت بعد ما أحرمت فليقض جميع المناسك إلا الطواف، فإن طهرت في زمان الحج أدت، وإن خرج الزمان ولما يطهر، فليقض ما فاتها من طواف. ويجوز للمرأة إذا خافت مجئ الدم إن تقدم طواف الزيارة والسعي على شهادة الموقفين، وتقف بالمشعر ليلا وتفيض منه وتأتي منى فترمي الجمرة وتذبح وتقصر وتدخل مكة لطواف الزيارة والسعي إن لم تكن قدمتهما. وإذا صد المحرم بالعدو أو أحصر بالمرض عن تأدية المناسك فلينفذ القارن هديه، والمتمتع والمفرد ما يبتاع به شاة فما فوقها، فإذا بلغ الهدي محله – وهو يوم النحر – فيحلق رأسه ويحل المصدود بالعدو من كل شئ أحرم منه، ويحل المحصور بالمرض من كل شئ إلا النساء حتى يحج من قابل له (2) يحج عنه.


(1) في بعض النسخ: اغتسلت له.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: أو يحج عنه.

[ 219 ]

فصل في النيابة في الحج ومن تعلق عليه التمكن بالسعة في المال فمنعه مانع، فليخرج عنه نائبا يدفع إليه من ماله ما يكفيه لنفسه وأهله في مدة سفره ذاهبا وراجعا، وفضلا يرجع إليه ويجوز إعطاؤه ما يرضى به وإن قل، والأفضل ما ذكرناه. ومن حق النائب أن يكون عارفا بالحج وأحكامه وما يبنى عليه من المعارف العقلية، ظاهر الورع والعدالة، باعتقاد الحق واجتناب القبائح، وتصح نيابة من لم يحج ما لم يكن مخاطبا بالحج، وتجزي (1) من قد حج للنيابة أولى. ويستحب لمن قد حج أو حج عنه إذا كان ذا سعة أن يخرج عنه في كل سنة نائبا من بلده، ويجوز من ميقات أهله. فإذا تمكن المستنيب من الحج بنفسه وجب عليه أداؤه. ويلزم النائب إذا أراد الاحرام أن ينوي به الحج على جهة النيابة عن مستنيبه، وليقل: ” اللهم ما أصابني في سفري هذا من نصب ولغوب فأجر فلان ابن فلان فيه وأجرني بنيابتي عنه “. وليقصد بكل منسك يؤديه من أركان الحج وفرائضه تأديته لوجوبه عليه في حق النيابة فيه عن مستنيبه مخلصا به لله تعالى.


(1) في بعض النسخ: وتحرى: ولعل الصحيح: وتحرى.

[ 220 ]

فإن صد أو مات النائب أو أحصر قبل أن يؤدي المناسك، فله من المال بحسب ما قطع من المسافة، ولم تجز الحجة عن المستنيب إلا أن يضمن العود. وإن مات بعد ما أحرم ودخل الحرم لم يرجع على ورثته بشئ من مال النيابة، وأجزأت الحجة عن المستنيب. وإذا أتى النائب في إحرامه ما يوجب الكفارة أو ما يوجب الحج من قابل، فهو لازم من ماله، دون مال مستنيبه. وإذا فضل من نفقة الحج شئ فهو له، وإن عجزت عن النفقة فعليه، إلا أن يشترط (1) فيكون لهما ما اشترطاه.


(1) كذا.

[ 221 ]

فصل في العمرة المبتولة العمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر، متمتعة (1) بالعمرة إلى الحج يجزيه مثل عمرة مفردة، وكل منهم مرغب بعد تأدية الواجب عليه إلى الاعتمار في كل شهر مرة أو في كل سنة مرة وأفضل [ أوقات ] (2) السنة للاعتمار شهر رجب. وصفتها أن يحرم حاضروا مكة من أي المواقيت (3) ويحرم أهل كل مصر من ميقاتهم بعد الغسل ولبس ثوبي الاحرام وصلاة ركعتين، يقول بعدهما مريده: ” اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وأعنى على أدائها، فإن عرض لي عارض فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، أحرم لك شعري و بشرى ” – إلى آخر الكلام الذي قلناه في إحرام الحج -. ثم ينهض فيلبي ولا يزال ملبيا لتلبيته الواجبة والمندوبة، ويقول في تلبيته: ” لبيك اللهم بعمرة (4) تمامها عليك لبيك “، فإذا عاين البيت قطع التلبية وأتى


(1) كذا.
(2) زدنا كلمة ” الأوقات ” لتكميل العبارة.
(3) هنا بياض في بعض النسخ. (4) لعمرة.

[ 222 ]

المسجد فوقف على بابه ودعا بما ذكرناه في طواف الحج. ثم يدخل المسجد، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، على الوجه الذي تقدم شرحه. ثم يرجع إلى البيت فيطوف طوافا آخر وهو طواف النساء لازم في العمرة المبتولة كالحج. ثم يحلق رأسه ويذبح إن كان قد ساق هديا أو تبرع بالذبح إن شاء. وحكم هدى العمرة حكم هدى الحج في السياق، إلا أنه ينحر أو يذبح هدى العمرة قبالة الكعبة، وقد أحل من كل شئ أحرم منه. فإن أحصر بمرض أو صد بعدو فحكمه ما قدمناه في المحصور والمصدود عن الحج.


[ 223 ]

فصل في الزيارة زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله عند قبره وكل واحد من الأئمة عليهم السلام من بعده في مشاهدهم من السنن المؤكدة والعبادات المعظمة، في كل جمعة أو في كل شهر أو في كل سنة إن أمكن ذلك، وإلا فمرة في العمر. ويلزم قاصد الزيارة أن يخرج من منزله عازما عليها لوجهها مخلصا بها له سبحانه، فإذا انتهى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أو مشهد الإمام عليه السلام فليغتسل قبل دخوله، ويلبس ثيابا طاهرة جددا إن أمكن، أو مغسولة، ويأت القبر مما يلي الرأس وظهره إلى القبلة، ووجهه تلقاء وجه المزور عليه السلام ويسلم عليه و يذكره بما هو أهله. فإذا فرغ من الزيارة فليضع خده الأيمن على القبر ويدعو الله تعالى و يتضرع إليه بحقه ويرغب إليه أن يجعله من أهل شفاعته، ثم يضع خده الأيسر ويدعو ويجتهد، ثم يتحول إلى عند الرأس فيسلم عليه ويعفر خديه على القبر ويدعو، ثم يصلي عنده ركعتين، يعقبهما بتسبيح فاطمة عليها السلام ويدعو و يتضرع، ثم يتحول إلى عند الرجلين فيسلم ويدعو ويعفر خديه على القبر ويودع وينصرف. وإذا كانت زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فليبدأ بالتسليم على آدم ونوح


[ 224 ]

ثم عليه السلام، لكون الجميع مدفونا في لحد واحد، فإذا فرغ من الزيارة فليصل عند الرأس ست ركعات لزيارة كل حجة منهم ركعتان. وتفصيل ما أجملناه من الزيارات وشرح أذكارها موجود في غير موضع من كتب السلف رضي الله عنهم من طلبه وجده. ومن لم يتمكن من زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بحيث (1) قبورهم لبعد داره أو لبعض الموانع فليزر من شاء منهم من حيث هو مصحرا أو من علو داره أو من مصلاه في كل يوم أو في كل جمعة أو في كل شهر. ومن السنة زيارة أهل الإيمان أحياءا وأمواتا، ومن زار أخاه فلينزل على حكمه ولا يحتشمه ولا يكلفه، ومن زاره أخوه فليستقبله ويصافحه ويعتنقه ويقبل كل واحد منهما موضع سجود الآخر، وليكرم كل واحد منهما صاحبه ويخفى (2) له، وعلى المزور الاعتراف بحق زائره، وليتحفه بما يحضره من طعام وشراب وفاكهة وطيب، أو ما تيسر من ذلك، وأدناه شرب الماء، أو التوضي وصلاة ركعتين عنده والتأنيس بالحديث، والتشييع له عند الانصراف. وإذا زار قبر بعض الأموات فليستظهره، ويجعل وجهه إلى القبلة، ويقرأ سورة الاخلاص سبعا وسورة القدر سبعا، ويدعو له بالرحمة والرضوان، و يستغفر الله لذنبه وينصرف.


(1) في السرائر: بجنب.
(2) كذا في النسخ، وفي السرائر المطبوع: وذكر بعض أصحابنا في تصنيفه: ويقبل كل واحد منهما موضع سجود الآخر – وقد روي في الأخبار التقبيل للقادم من الحج وليكرم كل واحد منهما صاحبه وليتحف به وعلى المزور..

[ 225 ]

فصل في النذور والعهود والوعود لا ينعقد النذر إلا في طاعة خالصة لله، مماثلة لما تعبد به الله سبحانه في شريعتنا، معلقة ببلوغ طاعة أو مباح، أو نجاة من مخوف ديني أو دنيوي. فإن نذر مباحا لم ينعقد، وإن علق نذر الطاعة بمعصية لم ينعقد أيضا، و كذلك إن علقه بفعل ما الأولى تركه، أو ترك ما الأولى فعله، أو بطاعة تخالف المشروع. وهو على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض أن يقول الناذر في حال عقده: لله علي إن كان كذا وكذا من الأمور الحسنة كذا من الطاعات فعلا أو تركا أو يعزم (1) على الايجاب، فمتى بلغ ما علق النذر به وجب عليه ما نذره على الوجه الذي نذره في وقته. فإن كان متعينا له مثل، كيوم خميس أو شهر محرم، فليفعله في أول الأزمنة من تمكنه، وإن كان متعينا لا مثل له، كشهر معين من سنة معينة أو من كل سنة أو كل خميس، فعليه فعله فيه، فإن فرط حتى فات فعليه قضاؤه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.


(1) كذا في النسخ، والظاهر: ويعزم.

[ 226 ]

وإن حضر الزمان وهو غير متمكن من فعله فهو في ذمته إلى حين إمكانه. وإن علق فعله بمكان معين كمكة أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله أو بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام، أو شرط فيه صفة، فعليه فعله في المكان، وعلى الصفة، ولا يجزيه من دونهما. والمسنون أن يقول المكلف: إن كان كذا وكذا من المباح أو الطاعة فعلت كذا من الطاعات، ولا يقول لله علي، ولا يلزم على (1) الايجاب، فهو بالخيار في الوفاء بالنذر والاخلال به، والأداء أفضل. ومن عاهد الله سبحانه أن لا يفعل قبيحا، أو يفعل طاعة في زمان معين لا مثل له، ففعل القبيح فيه، أو أخل بالطاعة مع ثبوت تكليفه، لزمه ما يلزم المخل بفرض النذر المعين مختارا. وكذلك حكمه إذا عاهد الله أن لا يفعل قبيحا معينا أبدا ففعله. وإن كان المعهود معلقا بوقت له مثل أو بصفة ففعله في غيره أو بغير صفته فعليه استينافه في وقته وبصفته. ومن وعد غيره بما يحسن الوفاء به فعليه الوفاء به، لأن خلفه كذب يجب اجتنابه، وإن كان لو لم يف بالوعد لم يجب في الحكم إلزامه به. وإن كان الوعد قبيحا لم يجز الوفاء به ويلزم الاستغفار منه لقبحه.


(1) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: ولا يعزم

[ 227 ]

فصل في الأيمان لا يمين شرعية إلا باسم من أسماء الله تعالى الحسنى دون غيرها من كل مقسم به، وهو على ضربين: أحدهما يوجب الكفارة والآخر لا كفارة فيه. فأما ما يوجب الكفارة فمن شرطه أن يتعلق بأن لا يفعل الحالف في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه، أو يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله معتقدا (1) لليمين بالقصد، مطلقا لهما من الاشتراط بالمشية، فيلزم الوفاء، فإن حنث الحالف فعليه التوبة من كذبه في قسمه، والكفارة بعتق رقبة أو طعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام. والكسوة على الموسر ثوبان، وعلى المعسر ثوب واحد، والاطعام شبع المسكين في يومه، فإن لم يجد إلا واحدا كرر الاطعام عشره أيام. ولا يجوز الانتقال إلى الصوم إلا لمن لم يجد ثوبا زائدا على ستر عورته وطعاما زائدا على قوته وعياله ليومه. ولا كفارة قبل الحنث. فإن علق اليمين بالمشية فقال: ” والله لا فعلن كذا إن شاء الله ” أبطل حكمها ولم تلزمه كفارة مع الحنث.


(1) كذا

[ 228 ]

فأما ما لا كفارة فيه فعلى ضروب: منها أن يتعلق اليمين بفعل تركه أولى، أو ترك فعله أولى في الدين، فتكون مخالفتها أولى ولا كفارة. ومنها أن يحلف على ماض وهو كاذب فيه كقول: والله ما فعلت كذا وقد فعل، أو والله لقد فعلت كذا وما فعله، فهو مأزور لكذبه في قسمه تلزمه التوبة دون الكفارة. ومنها أن يحلف على جحد حق لغيره يتمكن من أدائه إليه، فهو مأزور يلزمه الخروج إلى ذي الحق منه ولا كفارة عليه. ومنها أن يحلف على غيره ليفعلن كذا فهو مأثوم يلزمه التوبة، والمحلوف عليه بالخيار، والأفضل أن يبر قسمه ما لم يكن عامة (1) ضرر فيه، ولا كفارة عليهما. ومنها أن يستحلف غيره شافعا إليه في مندوب أو مباح، فالمشفوع إليه باليمين بالخيار، والأفضل قبول الشفاعة، ولا كفارة عليهما بحال. ومنها اللغو، وهو قول القائل: لا والله بلى والله، من غير أن يعقد (2) القسم بالنية فلا تلزمه كفارة والأولى تجنب ذلك. واليمين بالمصحف والنبي والإمام وذي الرحم المؤمن خلاف للسنة والحالف مرغب في الوفاء بما حلف عليه، وإن حنث أثم لكذبه ولا كفارة عليه. ولا يمين بطلاق ولا عتاق ولا ظهار، والحالف آثم لتدينه بخلاف المشروع، ولا يلزم حكم ما حلف عليه.


(1) كذا في السنخ، ولعل الصحيح: ما لم يكن عليه ضرر فيه. (1) في بعض النسخ: أن يقصد.

[ 229 ]

ولا يمين للولد مع والده، ولا للعبد والأمة مع السيد، ولا للمرأة مع الزوج فيما يكرهونه من المباح. ولا يجوز لأحد أن يحلف لغيره ليفعل (1) قبيحا أو يخل بطاعته مختارا كاستحلاف الظلمة لأعوانهم، فإن اضطر جاز ذلك، ولا يحل له الوفاء باليمين. ومن طالبه ظالم بتسليم ما لا يستحقه لم يجز له ذلك، فإن استحلفه عليه فليحلف ويوري في يمينه بما يخرج به عن الكذب، ولا شئ عليه، وهو مأجور وإن لم يفعل خوفا من اليمين وسلم ما لا يستحقه تسليمه فهو ضامن له. ولا يحل لمدين أن يضطر غريمه المعسر إلى اليمين، فإن اضطره إليها فهو مأزور. ويجوز للغريم إذا خاف من الاقرار الحبس أن ينكر حقه ويحلف له و يوري في إنكاره ويمينه عليه بما يخرج به عن الكذب. وقول القائل: هو برئ من الله أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام مطلقا مختارا يقتضي كونه مأثوما تجب عليه التوبة وكفارة ظهار، فإن كان مكرها فلا شئ عليه. وإن علق ذلك بشرط أثم، فإن خالف ما علق عليه البراءة فعليه الكفارة المذكورة. وإن قال: هو برئ من الاسلام، أو هو كافر، أو هو مشرك، أو فاسق إن كان كذا، أو لم يكن، أو قد كان، أو ما كان كذا فهو مأزور صادقا كان أم كاذبا. وكذلك حكمه إن استحلف غيره بالبراءة (2)، وذلك الغير مرغب في الاجابة، ولا كفارة في شئ من ذلك على حال.


(1) أن يفعل.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي أكثرها: البراء.

[ 230 ]

فصل في الوديعة (1) الوديعة أمانة يجب حفظها وردها عقلا، ولها أحكام شرعية اقتضت إيرادها هاهنا: فمنها أن المرء مخير في قبولها، والامتناع منه أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع، فإذا قبلها وجب عليها حفظها كماله، ولم يجز له التفريط، و لا التصرف في عينها، ولا تعدي المرسوم، فإن فرط في حفظها أو تعدى مرسوما أو تصرف في عينها ضمنها وما أربحت وهو مأزور، وتلزمه إضافة ربحها إليها ورد الجميع إلى المودع متى طلبها أو من يقوم مقامه في استحقاقها. فإن طلبها من لا يستحقها لم يجز له الاقرار بها، ولا تسليمها، فإن أكره على الاقرار بها بالقتل جاز له ولا يجوز له أن يسلمها وإن خاف القتل، فإن سلمها بيده أو بأمره ضمنها. فإن هجم الغاصب منزله فأخذها قسرا (2) فلا ضمان عليه. فإن مات المودع قام ورثته مقامه في حفظها وتسليمها إلى مستحقها، و


(1) في بعض النسخ: فصل في الأمانات.
(2) في بعض النسخ: قهرا.

[ 231 ]

إن مات المودع لم يجز للمودع ولا من يقوم مقامه تسليمها إلى ورثته حتى يحيط علما بتكاملهم وتعين (1) استحقاقهم، ولا يجوز له تسليمها إلى من يعلم أنه لا يستحقها (2) من الأهل وإن حكم بها ظالم على غير موجب الشريعة في التوريث، وليخص بتسليمها من يعلم كونه مستحقا لها في الملة. فإن اضطر إلى الجور (3) فليسلمها إلى من يعلم أنه يستحقها دون غيره فيكون التعدي عليه دون المودع، فإن أعطاها أو بعضها من لا يستحقها من أقارب المودع فهو ضامن. وإن أخذها أو أخذت له غلبة فلا ضمان عليه فيها. وإن لم يخلف المودع وارثا فهي من مال الأنفال. وإن هلكت من غير تفريط ولا تعد لم يضمن، فإن ادعى المودع تفريطا فعليه البينة، فإن لم يقمها فالقول قول المودع إن كان مأمونا، وإن ارتيب به استحلف على ما يقول، فإن اعترف بتعد فيها أو قامت به بينة فعليه قيمتها، و إن اختلفا في القيمة أخذ منه ما أقر به، وطولب المودع بالبينة على ما زاد على ذلك، فإن أقام بينة حكم بها وإلا حلف المودع وبرئ، وقد روي: ” أن اليمين في القيمة على المودع ” وفي هذا نظر. وإن كان المودع لا يملك الوديعة أو لا يصح منه الايداع كالغاصب والكافر الحربي فعلى المودع أن يحمل ما أودعه الحربي إلى سلطان الاسلام العادل عليه السلام (4) ويرد المغصوب إلى مستحقه، فإن لم يتعين له ولا من ينوب منابه حملها إلى الإمام العادل، فإن تعذر ذلك في المسألتين فعلى المودع حفظ الوديعة


(1) تعيين.
(2) كذا في النسخ، والظاهر زيادة ” لا ” في إحدى الجملتين.
(3) كذا.
(4) كذا.

[ 232 ]

إلى حين التمكن من إيصالها إلى مستحق ذلك، والوصية بها إلى من يقوم مقامه فيها، ولا يجوز ردها إلى المودع مع الاختيار. فإن كانت الوديعة مختلطة بحلال وحرام فتميز أحدهما من الآخر فعلى المودع رد الحرام إلى أهله إن عرفهم، وإلا صنع ما رسمناه، والحلال إلى المودع، فإن لم يتميز له الحلال من الحرام فهي أمانة للمودع يجب ردها متى طلبها. ويجب على من استؤجر لعمل، أو استأجر شيئا، أو استعار، أو منح منيحة (1)، أو عمل صناعة، أو كلف رسالة، أو توسط صلحا، أو باع شيئا، أو ابتاع، أو استسر سرا، أو استشير في أمر، أو فعل ما يتعدى ضرره أو نفعه إلى غيره أو ترك (2) أن يؤدي في جميع ذلك الأمانة، ويجتنب الخيانة، فإن لم يفعل فهو مأزور وضامن لما يجنيه بخيانته في مال غيره، ومحرم عليه ثمن البيع وأجر الصنعة والاجارة والوساطة مع الخيانة، ومتى علم ذلك كان العقد مفسوخا.


(1) كذا يقرء ما في بعض النسخ.
(2) تركه. ظ.

[ 233 ]

فصل في الخروج من الحقوق يجب على من تعين عليه حق لآدمي في ماله بقرض أو بيع أو إجارة أو غير ذلك أن يخرج منه في أول أحوال الامكان، ويقصد بذلك الوجه الذي له وجب فإن منع حقا أو أخره عن محله مختارا فهو مأزور، يجب عليه تلافي فارطه (1) بالخروج منه، والتوبة من عصيانه. فإن كان معسرا وجب على غريمه إنظاره. وإن تعين عليه شئ من حقوق التكليف كالنذور والكفارات وغيرهما وجب عليه فعله على الفور من أحوال تمكنه، بصفته المشروعة، لكونه مصلحة متقربا بها إليه سبحانه. فإن تعذر فعله لبعض الأعذار فهو في ذمته، فإن مات قبل الخروج من حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين فهو ثابت في تركته قبل الوصية والميراث، وسيورد تفصيل ما لم يمض تفصيله من هذه الجملة فيما بعد بعونه تعالى.


(1) في بعض النسخ: ما فارطه، وفي بعضها الآخر: ما فاته.

[ 234 ]

فصل في الوصايا الوصية واجبة على كل مكلف وجوبا موسعا مع ظهور أمارات البقاء، ومضيقا مع ظهور أمارات الموت، وتقديمها أولى على كل حال وأحوط في الدين. والواجب منها الاقرار بجمل التكليفين عقلا وسمعا ليظهر ذلك من حال الموصي فيعتقده فيه من لم تتقدم له معرفة، ويتأكد اعتقاد العارف. وإن كان عليه حقوق دينية كالنذور والكفارات والخمس والأنفال والصدقات، أو دنيوية كالديون وقيم المتلقات وأروش الجنايات والاجارات وغير ذلك، بدأ بذكره ثم بحجة الاسلام، وليس ذلك من الثلث. فإن لم يكن له مال يوفي بما عليه من الحقوق فليوص إلى أوليائه وإخوانه ليقوموا بها من حقوق أموالهم أو يتبرعوا عليه به. فإن لم تكن عليه حقوق يعلمها فهو مرغب في الوصية من ثلثه بجزء من النذور والكفارات، وجزء في الحج التطوع، وجزء في الزيارات، وجزء يصرف إلى من لا يرث من ذوي أرحامه، وجزء في فقراء آل محمد صلى الله عليه وآله وأيتامهم وأبناء سبيلهم، وجزء في فقراء المؤمنين. وإن لم يكن له مال اقتصر على ما ذكرناه من الاقرار بجمل التكاليف والوصية لمن حضره أو غاب عنه بتقوى الله تعالى والتمسك بما هو عليه من الحق وليرغب


[ 235 ]

فيه، ويخوف من خلافه، ويأمر في وصيته بتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه على السنة. وليشر من يتولى ذلك من ذوي البصيرة والورع، وليستند وصيته إلى من يعلم (1) عدالته ومعرفته بالدين واطلاعه بما يستند إليه (2) وليشهد عليها من أمكن اشهاده من عدول أهل الإيمان أدناه رجلين، ويجوز إشهاد النساء في الوصية عند عدم الرجال ومع وجودهم. فإن كان بحيث لا يجد مسلما ولا مسلمة فليشهد ذوي العدالة من أهل الكتاب. ويجوز تغيير الوصية والاستبدال بالأوصياء، ولا يجوز ذلك لأحد بعد وفاته. فإذا قبض الموصي فليخرج ما أوصى به من الحقوق الواجبة في حياته من أصل التركة وإن لم يوص بها، وما عدا ذلك من الثلث، وإن تجاوز الوصية به الثلث (3) رد إلى الثلث. فإن استغرقت الوصية جملة التركة امضى منها الثلث. والوصية ماضية للوارث كالأجنبي. وإذا مات الوصي فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن ينصب بدلا منه وإن ضعف فليضم إليه غيره. وإذا نظر الوصي للورثة بالمعروف مضى نظره، فإن خالفه أو تعدى المشروع وإن كان أنفع للورثة بطل ما فعله. وإذا كان الوصي فقيرا فقطعه النظر فيما أسند إليه عن التكسب فله أجرة مثله من مال الورثة بالمعروف ويحل له مثل ذلك وإن كان غنيا، والتنزه عنه أفضل.


(1) في بعض السنخ: من لا يعلم عدالته.
(2) في بعض النسخ: واضطلاعه بما يسند إليه.
(3) وإن تجاوز في الوصية الثلث.

[ 236 ]

فصل في أحكام الجنائز من فروض الكفاية فيلزم من حضر مسلما قد احتضر أن ينقله إلى موضع مصلاه، وليوجهه إلى القبلة، ويلقنه جمل المعارف وكلمات الفرج، فإذا قضى نحبه فليغمض عينيه، ويطبق فاه، ويمد يديه مع جنبيه ويمد رجليه، ويتولى ذلك منه الرجال، وإن كانت امرأة تتولى ذلك منها النساء المأمونات العارفات، وإن فقد الرجال في حق الرجل تولى ذلك ذو أرحامه من النساء أو المأمونات من الجانب. وكذلك الحكم في المرأة مع عدم النساء، ولا يقرب موضعه بنوح (1) ولا غيره من القبائح. وليكثر عنده من تلاوة القرآن، وإن كان ليلا أسرج عليه في البيت مصباح، ولا يجعل عليه حديد. فإذا أريد غسله فلينتقل إلى سريره متوجها إلى القبلة ويغسل على الوجه الذي ذكرناه في باب الأغسال، يتولى ذلك العارف، ويصب الماء عليه آخر، وليكثر من قوله: عفوك عفوك. وإن كان الميت رجلا بين النساء غسله ذوات أرحامه، فإن لم يكن له


(1) هذه الكلمة أثبتت في النسخ على أشكال مختلفة، ويحتمل أن يقرء كما أثبتناه.

[ 237 ]

فيهن ذات محرم غسلته المأمونات في قميصه وهم مغمضات، وإن كانت امرأة بين الرجال غسلها زوجها أو بعض محارمها، فإن لم يكن فيهم محرم غسلها المأمون (1) مغمضا في ثيابها. ويغسل المحرم كالمحل، ولا يقرب بطيب. ويغسل القتيل ظالما كان أو مظلوما إلا قتيل معركة الجهاد، فإنه لا يغسل وإن كان جنبا، ويدفن بثيابه إلا السراويل والخف والفروة والقلنسوة، فإن أصاب شيئا من ذلك دم دفن معن إلا الخف وإذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء غسلوا غسلا واحدا. فإذا فرغ من تغسيله فليغسل يديه إلى المرفقين، ويطرح عليه ثوبا ينشفه به، ويحشو أسفله بقطن، ويؤزره بالخامسة، ثم يكفنه في درع ومئزر ولفافة ونمط، ويعممه ويحتنكه ويرخي له ذوابتين على صدره أحديهما على يمينه والآخر عن شماله والأفضل أن يكون الملاف (2) ثلاثا إحديهن حبرة يمنية، وتجزي واحدة. وأفضل الأكفان الثياب البياض (كذا) من القطن والكتان، ويجوز بغيرها مما تجوز فيه الصلاة. وإن لم يكن له إلا قميص واحد كفن فيه بعد قطع الأزرار حسب. وليحصل (3) معه جريدتان خضراوان من جرائد النخل، إحديهما لاصقة بجلده، والأخرى بين الدرع واللفافة. ويحنط بثلاثة عشر درهما وثلث كافورا، ويجزي مثقال واحد، يجعل على مساجده السبع (4) وطرف أنفه.


(1) في بعض النسخ: المؤمن.
(2) كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح: اللفاف.
(3) ولتجعل. ظ.
(4) السبعة.

[ 238 ]

ثم يعقد كفنه وينقل إلى سريره، ولتكن حملته أربعة من المسلمين، وليمش مشيعوه ولا يركبون خلف الجنازة وعليهم السكينة والوقار والخشوع، مستغفرين الله تعالى له شافعين إليه سبحانه فيه. ويستحب للرجل أن يحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه دون من عداهم. وإذا رأى المرئ جنازة فليقل: ” الله أكبر الله أكبر، هذا ما وعدنا (1) الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما، سبحان المتعزز بالاقتدار على العباد سبحان المتفرد (2) بالبقاء وقاهر الخلق بالموت “. فإذا أصحر به فليصل عليه حسب ما تقدم وصفه من صلوة الجنائز. ثم ينتقل إلى قبره، فيحط رأسه إلى رجلي (3) القبر وبينهما مسافة، فإذا استقرت الجنازة تركت مهلة ثم قربت إلى القبر، فتركت هنيئة ثم قربت إلى شفير القبر، فإذا عاين المشيعون القبر، فليقولوا: ” اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفيرة من حفر النار، هذا ما وعدنا (4) الله ورسوله وصدق الله ورسوله “. ثم لينزل (5) إلى القبر من قبل الرجلين اثنان مؤمنان عارفان يحط رأسه أولا ثم يسلانه حتى يضعاه في لحده، ويحلا (6) عقد الكفن من قبل رأسه و


(1) في بعض النسخ: هذا ما وعد الله. (2) المنفرد.
(3) رجل.
(4) في بعض النسخ: هذا ما وعد الله.
(5) في بعض النسخ: ثم لينزله.
(6) يحل.

[ 239 ]

رجليه، ويضع خده على التراب على جانبه الأيمن متوجها إلى القبلة، وليلقنه ملحده (1) منهما الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام ويقول: ” اللهم صل وحدته و آنس وحشته وارحم غربته واغفر زلته، نزل بك اللهم وأنت خير منزول به فاجعل نزله لديك اللهم الفوز بالجنة والنجاة من النار “. ثم يشرح (2) عليه اللبن، ويصعدان من قبل الرجلين، ثم يهال عليه التراب فإذا امتلأ القبر وارتفع التراب عن الأرض فليصب عليه الماء، يبدء بذلك من عند الرأس ويدور حتى ينتهي إليه من الجانب الآخر، ويرفع قبره ويسطح، ولا يرفع أكثر من أربع أصابع مفرجات، ثم ينادي بالانصراف. فإذا انصرف المشيعون فليتخلف عنده رجل عارف، فإذا انقطع عنه حس (3) المشيعين فليقف مستدبر القبلة ووجهه تجاه وجه الميت وينادي، برفيع صوته: ” يا فلان بن فلان أذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين ويعد الأئمة إلى الحجة بن الحسن عليهم السلام – خلفاء رسوله وحفظة شرعه، وأن الموت حق، والبعث حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، إذا أتاك الملكان المقربان فسائلاك (4) فقل: الله ربي لا أشرك به شيئا، ومحمد نبي، وعلى والحسن والحسين (5) – وفلان وفلان إلى آخرهم – أئمتي، و


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: وليلقنه أحدهما.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: يسرح. ولعل الصحيح: يشرح.
(3) خبر المشيعين. خ.
(4) يسألانك. خ.
(5) في بعض النسخ: والأئمة الاثني عشر فلان و…

[ 240 ]

الاسلام ديني، والقرآن شعاري وحجتي، والكعبة قبلتي، والمسلمون إخواني ” ثم ينصرف. ومن السنة تعزية أهله ثلاثة أيام، وحمل الطعام إليهم لشغلهم بمصابهم عن اصطناعه.


[ 241 ]

فصل في ما تعبد الله سبحانه لفعل الحسن والقبيح يجب على كل مكلف علم غيره مؤمنا – لتصديقه بجملة المعارف و الشرائع – عدلا – باجتناب سائر القبائح فعلا وإخلالا – أن يتولاه ويمدحه ويعظمه بحسب منزلته في الإيمان، ويجري عليه أحكام المسلمين العدول، و يقطع له بالثواب، بشرط مطابقة الباطن للظاهر عن يقين لوجهه. وإن علم ثبوت إيمانه عند الله تعالى ووقوع طاعاته موقعها كعمار وسلمان وأبي ذر بنصه تعالى على ذلك بخطابه أو بعض (1) حججه، تولاه على الظاهر والباطن، ومدحه وعظمه على الإطلاق وقطع له بالثواب، حيا كان من ذكرناه أولا وثانيا أو ميتا. فإن أخل بواجب عقلي وسمعي أو فعل قبيحا محرما، مدحه على إيمانه على الوجه الذي ثبت عنده من ظاهر أو باطن، وذمه على ما فعله من القبيح ذما مقيدا مشترطا من (2) العفو والتوبة فيمن لم يعلم إصراره، وحكم له بالفسق وأجرى عليه أحكام الفساق من اجتناب الصلوة خلفه وقبول شهادته وإعطائه


(1) في بعض النسخ: أو لبعض حجته.
(2) كذا.

[ 242 ]

شيئا من حقوق الأموال الواجبة وكراهية مناكحته حيا وميتا (1). وإن علم غيره كافرا أن يلعنه ويبرأ منه ويقطع ولايته ويحرم مودته و يحكم بدوام عقابه، ويجري عليه أحكام من تخير (2) إليه من ضروب الكفار ويدين ذلك فيه حيا وميتا. فإن علم أحدهما تائبا أو نص له على غفران ذنبه سقطت أسماء الفسق والكفر وأحكامهما. وتلزم كلا منهما التوبة بما اقترفه (3) من كفر أو فسق، ليخرج بها عن قبيح الاصرار والعزم على القبيح، ولكونها من جملة الواجبات الشرعية المؤثرة لاستحقاق الثواب لفعلها والعقاب للاخلال بفرضها، ولحصول الإجماع على سقوط العقاب بها. وحقيقتها: الندم على ماضي القبيح لوجه قبحه، والعزم على اجتناب مثله في المستقبل. وهذه الحقيقة ثابتة في كل توبة من القبيح، وربما وقفت صحتها في مواضع على أمور أخر. والقبيح على ضربين: أحدهما: يختص بعصيانه سبحانه. والثاني: ينضم إلى عصيانه فيه ظلم غيره. وما يختص بعصيانه تعالى على ضربين: أحدهما الاخلال بالواجب، والثاني فعل القبيح.


(1) كذا.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: اقترنه.

[ 243 ]

والواجبات على ضروب: منها ما يجب قضاؤه كصلاة الخمس وصوم الشهر، ومنها ما يجب أداؤه كالحج وحقوق الأموال، ومنها ما لا يتلافى بقضاء ولا أداء كصلاة الجمعة والعيدين والفطرة. فيلزم المفرط في حق الله تعالى التوبة مع الندم والعزم على القضاء والأداء مع الامكان، ولا تصح التوبة من دون ذلك، لأن إصراره على الاخلال بواجب القضاء أو الأداء، يمنع من كونه نادما، فإن عزم على القضاء أو الأداء وشرع في ذلك وبذل الجهد فتوبته ماضية وإن مات قبل أن تبرأ ذمته منهما. وأما ما لا يتلافى فوته كصلاة الجمعة فحكمه حكم ما فعله من القبائح كالكذب والزنا يكفيه في التوبة الندم والعزم حسب. ومظالم العباد على ضربين: أحدهما يصح قبضه واستيفاؤه كالأموال والرباع والحيوان وسائر المملوكات فمن شرط صحة التوبة من ذلك، الخروج إلى المظلوم من عين الظلامة أو بدلها إن كان حيا، وإلى ورثته إن كان ميتا، والاعتذار إليه والرغبة في التحليل مما دخل عليه من غم، وفات من نفع، وينوب مناب إيصالها إسقاط مستحقها. فإن تعذر ذلك لفقد عين الظلامة وبدلها أو المظلوم، ففرضه على الوجه الأول استحال المظلوم، فإن عفى عن الحق سقطت تبعته، وإن أبى فليعزم على الخروج إليه من الظلامة في أول أحوال الامكان، ويلزمه التقتير على نفسه وعياله وعزل ما يفضل عن حفظ الحياة للمظلوم وعلى الوجه الثاني عزل الظلامة من ماله والعزم على إيصالها إلى مستحقها، والوصية بها إن احتضر دون ذلك، فإن قطع يقينا بانقراض مستحقي الظلامة فهي من جملة الأنفال. فإذا فعل ما يلزمه من ذلك صحت التوبة وإن لم يفعل لم تصح. والثاني ما لا يصح قبضه واستيفاؤه وهو على ضروب:


[ 244 ]

منها السب والتعريض، فيلزمه من حق التوبة إكذاب نفسه مما قال مفتريا أو معرضا بمحضر ممن (1) سمعه إن كان خاصا أو على رؤوس الاشهاد إن كان عاما. فإن كان المقذوف قد علم بالقذف فليعتذر إليه ويكذب نفسه لديه ويستنزله عن الحد والتعزير، فإن عفى سقط، وإن طالب فعليه التمكين من نفسه. وليتول ذلك منه سلطان الاسلام. وإن كان المقذوف جاهلا بالافتراء عليه لم يجز إعلامه به. وعلى القاذف أن يقيد (2) نفسه إلى سلطان الاسلام أو من يصح منه إقامة الحد ليجلده بحسب ما وقع منه من قذف أو تعريض، ولا يجوز له إسقاط ما وجب من دون وليه. ومنها القتل والجراح والضرب، فيلزم في حق التوبة الانقياد للقصاص أو العفو، ومنها تحسين القبيح أو تقبيح الحسن والدعوة إلى الضلال، فيلزم في حق التوبة تلافي الفارط (3) من ذلك بالبيان عن وجه الخطاء واستفراغ الوسع في إيضاح الصواب منه. فإذا فعل التائب ما يجب عليه من ذلك صحت توبته، وإن فرط فيه واقتصر على مجرد الندم والعزم لم تصح. وإذا وقعت التوبة من كفر أو فسق بشروطها سقط وعيد التائب وما تبعه من أسماء الذم واستحق بها المدح والثواب وما يتبعهما من أسماء المدح والولاية


(1) من.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: الفائت.

[ 245 ]

في الدين. وإن علم إصرار العاصي على ماضي القبيح والعزم على استينافه (1) وجب على كل مكلف علم ذلك أو ظنه مع ما ذكرناه من الأحكام إنكاره بقلبه وكراهيته وتعين (2) على المتمكن منعه من القبيح وحمله على الواجب المتوقعين في المستقبل أو الفعل، لكون ذلك أمرا بمعروف ونهيا عن منكر اتفق الكل على وجوبهما، ومقابلته بما يستحقه على ما أتاه من كفر أو فسق من قتل أو جلد أو تعزير، لكون ذلك قسطا من عقابه اقتضت المصلحة تعجيله. ولكل من المتعبد (3) على ماضي الكفر والفسق ومستقبله تفصيل يورده (4) والفاسق من ثبت إيمانه وأخل بواجب أو أتى قبيحا عقليا أو سمعيا على جهة التحريم، والكافر من لم يثبت إيمانه. والكفار أربعة أصناف: كتابيون وهم اليهود والنصارى والمجوس، و مشركون وهم الوثنيون والصائبون وغيرهم من الكفار، ومرتدون عن الاسلام، ومنافقون، ولكل حكم في الجهاد نبينه.


(1) في بعض النسخ: استيفائه، والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: التعبد. (4) نورده.

[ 246 ]

فصل في الجهاد وأحكامه يجب جهاد كل من الكفار والمحاربين من الفساق، عقوبة على ما سلف [ من ] كفره أو فسقه، ومنعا له من الاستمرار على مثله بالقهر والاضطرار، لكون ذلك مصلحة للمجاهد على جهة القربة إليه سبحانه والعبادة له، على كل رجل حر كامل العقل سليم من العمى والعرج والمرض مستطيع للحرب، بشرط وجود داع إليه يعلم أو يظن من حاله السير (1) في الجهاد بحكم الله تعالى لكل من وصفناه من المحاربين. فإن كان ذو العذر غنيا فعليه معونة المجاهدين بماله في (2) الخيل والسلاح والظهر والزاد وسد الثغر. وإن كان الداعي إليه غير من ذكرناه، وجب التخلف عنه مع الاختيار، فإن خيف جانبه جاز النفور معه لنصرة الدين دونه. فإن خيف على بعض بلاد الاسلام من بعض الكفار أو المحاربين، وجب على أهل كل إقليم قتال من يليهم ودفعه عن دار الإيمان، وعلى قطان البلاد النائية عن مجاورة دار الكفر أو الحرب، النفور إلى أقرب ثغورهم، بشرط


(1) في بعض النسخ: اليسرة، وفي بضعها الآخر: الصيرورة.
(2) من الخيل

[ 247 ]

الحاجة إلى نصرتهم، حتى يحصل بكل ثغر من أنصار المسلمين من يقوم بجهاد العدو ودفعه عنه، فيسقط فرض النفور عن من عداهم. وليقصد المجاهد والحال هذه نصرة الاسلام والدفع عن دار الإيمان، دون معونة المتغلب على البلاد من الأمر (1). وخالف الثاني الأول، لأن الأول جهاد مبتدأ، وقف فرض النصرة فيه على داعي الحق لوجوب معونته، دون داعي (2) الضلال لوجوب خذلانه، وحال الجهاد الثاني بخلاف ذلك، لتعلقه بنصرة الاسلام ودفع العدو عن دار الإيمان لأنه إن لم يدفع العدو، درس الحق وغلب على دار الإيمان وظهرت بها كلمة الكفر. ولا يحل لأحد من اتباع الظالم في (3) جهاد الكفار للتقية أو الدفع عن الاسلام، أن يأخذ من الغنيمة شيئا إلا على الوجه المشروع في المغانم. وحكم جهاد المحاربين من المسلمين حكم جهاد من خيف منه على دار الإيمان من الكفار، في عموم الفرض من غير اعتبار صفة الداعي. ومن السنة الرباط في الثغور الاسلامية، وارتباط الخيل وإعداد السلاح وإن لم يتكامل فيها شروط الجهاد المبتدأ، انتظارا لدعوة الحق وعزما على إجابة الداعي إليه ودفع العدو إن قصدها وحمايتها من مكيدها.


(1) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: الأمور، ولعل الصحيح: الأمراء.
(2) في أكثر النسخ: دواعي.
(3) في بعض النسخ: من جهاد.

[ 248 ]

فصل في سيرة الجهاد سيرة الجهاد على ضربين: أحدهما أحكام الحرب والمحاربين، والثاني قسمة الغنائم. الضرب الأول من السيرة: إذا عزم سلطان الجهاد عليه فليقدم الدعوة إليه والاستنفار (1) في البلاد لتجمع له الأنصار، فإذا اجتمعوا سار بهم ليطأ دار الكفر أو محل المحاربين، فإذا انتهى إليهم فليدعهم إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وما جاء به، وليجتهد في الدعاء وليتلطف، ويكرر ذلك بنفسه وذوي البصائر من أصحابه، فإذا أجابوا إلى الحق ووضعوا السلاح أقرهم في دارهم إن كانوا ذوي دار ولم يعرض (2) لشئ منها، وولى عليهم من صلحاء المسلمين وعلمائهم من يفقههم في دينهم ويحمي بيضتهم ويجبي أموال الله تعالى منهم. وإن كانوا بغاة أو متأولين أو مرتدين أو محاربين، ردهم إلى دار الأمن (3) إن كانوا قد خرجوا عنها، وإلا أقرهم فيها.


(1) في بعض النسخ: الاستنصار.
(2) ولم يتعرض.
(3) في بعض النسخ: دار الحرب.

[ 249 ]

وإن أبوا الاجابة وسألوا النظرة لينظروا لأنفسهم أنظرهم مدة معلومة ينصب لهم فيها من يحاجهم وينبئهم على فساد ما هم عليه، فإن أقروا بالحق سار فيهم بما ذكرناه وإن أقاموا على الآباء وكانوا كتابيين وهم اليهود و النصارى والمجوس عرض عليهم الجزية والدخول تحت الذمة. فإن أجابوا ضرب الجزية على رؤوسهم وأقرهم في دارهم وجعل على أراضيهم قسطا يؤدونه مع جزية رؤوسهم، وإن امتنعوا قاتلهم حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. وجزية الرؤوس مختصة بأحرار رجالهم العقلاء البالغين السليمين دون النساء والعبيد والأطفال والمجانين وذوي العاهات من فقرائهم بحسب ما يراه مما ينهضهم ويجدون منه في كل سنة مرة في وقت معين فمن أسلم قبل حلول الأجل سقطت عنه (1) الجزية. ويشترط عليهم أن لا يجاهروا المسلمين بكفرهم، ولا يتناولوا المحرمات عندهم، ولا يسبوا مسلما ولا يصغروا به (2)، ولا يعينوا على أهل الاسلام بنفس ومال ولا رأي، ولا يجددوا (3) بيعة ولا كنيسة، ولا يعيدوا ما استهدم منها. فإنهم متى خالفوا شيئا من ذلك برئت ذمتهم وحلت دماؤهم وأموالهم ونساؤهم وذراريهم. فإن أجابوا ودخلوا تحت هذه الشروط فهم في ذمة الله تعالى ورسوله، يجب نصرهم والمنع منهم. ويلزم إحضارهم مجالس العلماء بالحجة ليسمعوا الدعوة وتثبت عليهم الحجة.


(1) في المختلف: بقية الجزية.
(2) ولا يصغرونه: ظ.
(3) ولا يتخذوا. كذا في بعض الكتب الفقهية.

[ 250 ]

وإن خرقوا [ خرجوا. خ ]. الذمة بمخالفة أحد هذه الشروط فدماؤهم هدر، وأموالهم وذراريهم فئ للمسلمين. وإن كانوا مشركين وهم من عدا الكتابيين من الكفار وأبوا الاجابة قاتلهم حتى يؤمنوا، ويلزم قتل الجميع مقبلين ومدبرين، ويجهز على جرحاهم، وأموالهم وذراريهم وأهليهم (كذا) فئ للمسلمين. وإن كانوا مرتدين بخلع ربقة الاسلام من أعناقهم أو جحد فرض أو استحلال محرم معلومين من دين النبي صلى الله عليه وآله كصلاة الخمس والزكاة والخمر والميتة، وكانوا ممن ولدوا على الفطرة قتلوا من غير استتابة. وإن كانوا ممن ولد على كفر ثم أسلم، عرضت عليه التوبة والرجوع إلى الحق، ونبه على خطائه بالحجة الواضحة، فإن أناب إلى الحق فلا سبيل عليه، وإن أبى إلا الإقامة على ردته قتل، وإن كان ممن استتيب مرة قتل من غير استتابة ثانية ولا سبيل على أموالهم الخارجة عن محل الحرب ولا ذراريهم على حال ولا نسائهم المقيمات على الاسلام. وإن ارتددن النساء عرضت عليهن التوبة فإن أبينها خلدن الحبس وضيق عليهن في المطعم والمشرب حتى يؤمن أو يهلكن. فإن خرجن إلى رجالهن إلى دار الحرب سبين، وحكم واحد المرتدين حكم الجماعة. وإن كانوا متأولين وهم الذين يتظاهرون بجحد بعض الفروض واستحلال بعض المحرمات المعلومة بالاستدلال كإمامة أمير المؤمنين أو أحد الأئمة عليهم السلام أو مسح الرجلين أو الفقاع أو الجري أو وصف الله تعالى بغير صفاته الراجعة إليه تعالى نفيا وإثباتا وإلى أفعاله، دعوا إلى الحق ويبين لهم ما اشتبه عليهم بالبرهان، فإن أنابوا قبلت توبتهم وإن أبوا إلا المجاهرة بذلك قتلوا صبرا.


[ 251 ]

وإن كانوا مستسرين به في دار الأمن لم يعرض (1) لهم بغير الدعوة إلى الحق بالحجة، فإن خرجوا بتأولهم هذا عن دار الأمن، وأظهروا السلاح وأخافوا سلطان الحق ومتبعيه (2) كطلحة والزبير وعائشة وأتباعهم ومعاوية وأنصاره وأهل النهروان، فإن الخلال المذكورة اجتمعت فيهم، من جحد إمامة الإمام العادل، واستحلال دماء المسلمين، وإظهار السلاح في دار الأمن، وقتل أنصار الحق على اتباعه وخلافهم، والسيرة فيمن جرى مجراهم بعد الدعوة وإقامة الحجة وحصول الاصرار بمنابذتهم بالحرب وقتلهم والحرب قائمة مقبلين ومدبرين، والاجهاز على جرحاهم. فإن انهزموا وكانت لهم فئة يرجعون إليها كمعاوية وأصحابه، فحالهم بعد الانهزام كحالهم والحرب قائمة، وإن لم تكن لهم فئة ترجعون إليها كانصار الجمل لم يتبع منهزمهم، ولم يجهز على جريحهم، ولم يعرض لمن رجع منهم إلى دار الأمن أو ألقى سلاحه أو لحق بأنصار الحق. ويقسم ما حواه معسكر (3) الجميع وما استعانوا به على الحرب من الأموال والكراع والسلاح دون ما خرج عنه من ذلك ولا يعرض لنسائهم وذراريهم على حال. وإن كانوا محاربين وهم الذين يخرجون عن دار الأمن لقطع الطريق وإخافة السبيل والسعي في الأرض بالفساد، فعلى سلطان الاسلام أو من تصح دعوته أن يدعوهم إلى الرجوع إلى دار الأمن ويخوفهم من الإقامة على المحاربة من تنفيذ أمر الله فيهم، فإن أنابوا ووضعوا السلاح ورجعوا إلى دار الأمن فلا


(1) لم يتعرض.
(2) في بعض النسخ: ومشيعيه.
(3) عسكر.

[ 252 ]

سبيل عليهم، إلا أن يكونوا قد أخذوا مالا فيردوه أو قتلوا مسلما أو ذميا أو جرحوا فيقتص منهم للمسلم وتؤخذ دية الذمي. وإن أصروا على الحرب قصد بأنصار الاسلام إليهم وهم كل متمكن من الحرب وإن كان الداعي ظالما. وفرض النصرة في قتال المحاربين على الكفاية وإذا ظهر (1) عليهم فدم قتلاهم (2) هدر وقتلى المسلمين بهم شهداء. ويرد ما تعين من الأموال إلى أربابها، ويقسم ما عدا ذلك بين الأنصار ويقبض (3) ممن بقي بمن قتلوه في حال المحاربة وقبل الدعوة. ولا يعرض لشئ من أموالهم وأملاكهم الخارجة عن محل الحرب. وفرضه في الأسرى إن كانوا في محاربتهم قتلوا ولم يأخذوا مالا أن يقتلهم، وإن ضموا إلى القتل أخذ المال صلبهم (4) بعد القتل، وإن تفردوا بأخذ المال أن يقطعهم من خلاف، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا أن ينفيهم من الأرض بالحبس أو النفي من مصر إلى مصر حتى يؤمنوا أو يرى الصفح (5) عنهم. ولا يجوز له ولا لأحد من الأولياء العفو عن القتل ولا القتل متى استحقا (6)


(1) أظهر.
(2) في بعض النسخ: فدمائهم هدر.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: ويقتص.
(4) كان في نسخنا: وصلبهم، وحذفنا الواو، ولعل الصحيح: وإن ضموا إلى القتل أخذ المال، أخذ المال وصلبهم بعد القتل.
(5) في بعض النسخ: التصفح.
(6) كذا في النسخ.

[ 253 ]

بعد الأسر ويصح قبله مع ظهور التوبة العفو عن القتل، وعن القصاص (1) بالجراح مع الاصرار. وإذا عزم على قتال أحد الفرق بعد الاعذار والانذار فليستخر الله تعالى في ذلك، ويرغب إليه في النصر وليعب أصحابه صفوفا، ويجعل كل بني أب وكل أهل مصر تحت راية أشجعهم وأبصرهم بمكيدة الحرب، ويجعل لهم شعارا يعرف به بعضهم بعضا، ويقدم الدارع أمام الحاسر، ويقف هو في القلب ومعه الرحل، ويقدم أصحاب الخيل للطراد، ويجعل بإزاء أهل القوة من العدو أولي (كذا) القوة من المسلمين. وليوصهم بتقوى الله العظيم، والاخلاص في طاعته، وبذل الأنفس في مرضاته، وصدق النية في لقاء عدوه، ويذكرهم ما لهم في ذلك من الثواب ويرغبهم في الشهادة وما لهم من الفضل بالظهور على الأعداء من علو الكلمة، وما يستحقونه من جزيل الثواب على الشهادة إن فاتهم الظفر، ويخوفهم الفرار وما فيه من عاجل العار وآجل الدمار، ويتلو آيات الجهاد ويأمرهم بسد الخلل وتقوية ما ضعف من الصفوف، والاقبال براياتهم على اللقاء وبذل الجهد واستفراغ الوسع، وغض الأبصار، والامساك عن الكلام إلا بذكر الله والتكبير، وتوطين الأنفس على الصبر. وإذا أراد الحملة فليأمر بعضا فليحملوا حملة رجل واحد ويبقي بعض معه فئة لهم يتجاوزوا إليها (2) وليصدقوا الحملة (3) ويجمعوا القلوب على الأقدام


(1) كذا في النسخ.
(2) في الغنية: يتخير إليها صفوفهم.
(3) في بعض النسخ: الجملة.

[ 254 ]

غير مكذبين ولا متناكسين (1) فيقتلوهم مقبلين ومدبرين، فإن تضعضع لهم القوم فليزحف أمير الجيش بمن معه زحفا يبعث المقابلة (2) وفرسان الطراد على الأخذ بكظم (3) القوم حتى يفضوا صفوفهم ويزيلوها عن أماكنها فإذا كان ذلك فليحمل بمن معه حملة واحدة ويحملون أمامهم فيوشك الفتح لا محالة. وليوصهم بما كان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي به أصحابه إذا صافوا العدو: عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار واخفضوا الأصوات وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمنابذة والمعانقة والمكارمة وأنيبوا إلى ربكم (4) واذكروا الله (5) لعلكم تفلحون.
(6) إن الله تعالى دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وتسعى (7) بكم إلى الخير: الإيمان بالله والجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب (8) ومساكن طيبة في جنات عدن (9) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص فسووا صفوفكم كالبنيان (10) وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا


(1) ولا متناكصين.
(2) المقاتلة.
(3) كذا في النسخ، وفي الغنية المطبوعة: بضم القوم.
(4) في الوسائل: ” واثبتوا ” مكان ” وأنيبوا إلى ربكم “.
(5) في الوسائل: كثيرا.
(6) الوسائل 11 / 71.
(7) في الوسائل: ويشفى بكم على الخير.
(8) للذنب.
(9) وقال عز وجل.
(10) المرصوص.

[ 255 ]

على النواجد فإنه أنبى للسيوف (1) والتووا على أطراف الرماح فإنه أمر (2) للأسنة وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار ولا تميلوا براياتكم (3) ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم (4) ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تكشفوا عورة (5) ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف (6) القوى والأنفس والعقول: رحم الله امرءا واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة (7) ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وقد فرض الله عليه سبحانه (8) قتال الاثنين وهو ممسك يده عن قرنه قد خلاه على أخيه (9) هاربا منه ينظر إليه ومن يفعل ذلك يمقته الله فلا تتعرضوا لمقت الله [ فإن ممركم إلى الله ] وقد قال الله عز وجل: ” قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم


(1) عن الهام.
(2) كذا في النسخ، وفي الوسائل: أمور.
(3) في الوسائل: ولا تزيلوها.
(4) في الوسائل: فإن المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ.
(5) ليست هذه الجملة في الوسائل.
(6) في الوسائل: ناقصات القوى.
(7) كذا في الوسائل، وفي نسخنا: فيكسب ذلا.
(8) في الوسائل مكان هذه الجملة: وهو يقاتل الاثنين.
(9) في الوسائل: وهذا ممسك يده قد خلا قرنه على أخيه.

[ 256 ]

من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ” وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيف الآجلة واستعينوا بالصبر والصدق (1) فإنما ينزل النصر بعد النصر، فجاهدوا (2) في الله حق جهاده ولا قوة إلا بالله (3). ومن السنة أن يؤخر إلى أن تزول الشمس ويصلي الصلاتان، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: ” إذا زالت الشمس تفتح أبواب السماء و تنزل الرحمة والنصر وهو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم ” (4). ولا تبدأ (5) العدو بالحرب بعد الاعذار حتى يكونوا هم الذين يبدؤن به لتحق الحجة ويتقلدوا البغي. ولا يجوز لمسلم أن يستبرز كافرا إلا بإذن سلطان الجهاد، ويجب عليه أن يبرز إلا من استبرز (6) بغير إذن. ولا يجوز قتل الشيخ الفاني إلا أن يكون من أهل الرأي ك‍ ” دريد بن الصمة ” ولا المرأة ولا الصبي ولا المريض المدنف ولا الزمن ولا الأعمى ولا المأوف العقل ولا لمتبتل في شاهق إلا أن يقاتلوا فيحل قتلهم. ولا يجوز حرق الزرع ولا قطع شجرة الثمر (7) ولا قتل البهائم ولا خراب المنازل ولا التهتك بالقتلى.


(1) في بعض النسخ: والصلاة.
(2) وجاهدوا.
(3) الوسائل: 11 / 71 – 72.
(4) راجع الوسائل: 11 47.
(5) كذا.
(6) استبرزه.
(7) الشجر المثمر.

[ 257 ]

ولا يجوز لمسلم أن ينهزم من محاربين، ويجوز ذلك من ثلاثة نفر (كذا)، والثبوت أفضل ولو كان ألفا. ولا يجوز أن يستأسر إلا أن يغلب على نفسه ويثخن جراحا. وإذا أسر المسلمون كافرا عرض عليه الاسلام ورغب فيه فإن أسلم أطلق سراحه، وإن أبى وكان أسره والحرب قائمة (1) فالإمام مخير بين قتله وصلبه حتى يموت وقطعه من خلاف وتركه يجوز (2) في دمه حتى يموت أو الفداء به، وإن كان أسره بعد ما وضعت الحرب أوزارها لم يجز له قتله وكان الإمام مخيرا بين استعباده والمفاداة به والمن عليه، ولا يجوز لغير الإمام العادل المن عليه ويسوغ له ما عداه. ويلزم من يفرد بغنيمة أو أسير أن يرده إلى المقسم. ولا سبيل على من نزل دار الكفر من المسلمين مختارا ” أو مضطرا ولا على ماله إلا أن ينصر الكفار فيحل قتله وأخذ ما استعان به من المال على قتال المسلمين دون ما عداه، ولا سبيل على أهله وولده، وحكم رباعه وأراضيه حكم الدار التي هو فيها على كل حال. ويجوز الابتداء بقتال الكتابيين والمرتدين والمتأولين ومن خرج إلى دار الاسلام من ضروب الكفار لكيد أهلها في الأشهر الحرم، ولا يجوز الابتداء فيها بقتال مشركي العرب، فإن بدؤا بالقتال فيها وجب قتالهم. ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يجير كافرا ولا يؤمن أهل حصن ولا قرية ولا مدينة ولا قبيلة إلا بإذن سلطان الجهاد فإن أجار بغير إذنه أثم ووجبت إجازة جواره ولم تحقر ذمته وإن كان عبدا، وأمسك عمن أجاره من الكفار حتى يسمع كلام الله فإن أسلم وإلا أبلغ مأمنه وكذلك حكم من أتى مستجيرا من الكفار.


(1) في المختلف: وكان أسره قبل انقضاء الحرب كان الإمام مخيرا…
(2) كذا.

[ 258 ]

الضرب الثاني من سيرة الجهاد مغانم المحاربين على ضربين: أحدهما يصح نقله وهو الأموال والسلاح والرقيق والكراع وأمثال ذلك والثاني لا يصح نقله وهو الأرضون والرباع. الضرب الأول من المغانم يجب في جميع ما غنمه المسلمون من ضروب المحاربين منفردين به و متناصرين، بجملة الجيش أو السرايا، بحرب وغير حرب، إحضاره إلى ولي الأمر، فإذا اجتمعت المغانم، كان له إن كان إمام الملة أن يصفي قبل القسمة لنفسه الفرس والسيف والدرع والجارية، وأن يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الاسلام وثغوره ومصالح أهله، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليه وإن استغرق جميع المغنم. ويجوز ذلك لمن عداه من أولياء السلطان في الجهاد عن تشاور من صلحاء المسلمين، ثم يخرج الخمس من الباقي لأربابه، ويقسم الأربعة الأخماس الباقية بين من قاتل عليها دون من عداهم من المسلمين، للراجل سهم، وللفارس


[ 259 ]

سهمان، فإن كان مع الفارس فرس آخر سهم بسهم واحد، ولا يسهم لما زاد على ذلك. وغنائم السرايا عن الجيش رد على جميع الجيش، وغنائم السرايا من المصر يختصهم، وإذا أنفذت سرية من المصر فأردفت بأخرى، فغنمت الأولة فالثانية مشاركة لها في الغنيمة. ومن السنة تنفيل النساء قبل القسمة لأنهن يداوين الجرحى ويعللن المرضى ويصلحن أزواد (كذا) المجاهدين. وإذا غنم المسلمون غنيمة بغير حرب فهي للإمام خاصة لكونها من الأنفال التي خصه الله تعالى بها. وإذا ركب المسلمون في البحر فغنموا لم يختلف حال الغنيمة للفارس سهمان وللراجل سهم. وإذا غلب الكفار على شئ من أموال المسلمين وذراريهم ثم ظهر عليهم المسلمين وأخذوا منهم ما كانوا غلبوا عليه، فالأهل والذراري خارجون عن الغنيمة، والرقيق قبل القسمة لمالكيه، وبعد القسمة لا سبيل لهم عليه، والأموال والخيل والكراع والسلاح وغير ذلك بعد حصوله في حرز الكفار وتملكهم له على ظاهر الحال فهي للمقاتلين عليه، وقبل ذلك راجع إلى أربابه من المسلمين. ويجب صرف الجزية وما صولح عليه الكتابيون على أراضيهم وأنعامهم في أنصار الاسلام خاصة حسب ما جرت به السنة من النبي صلى الله عليه وآله. القسم [ الضرب ظ ] الثاني من الغنائم أراضي المحاربين خمس: فأرض أسلم أهلها عليها، وأرض أخذت عنوة بالسيف، وأرض صولح أهلها عليها، وأرض سلمها أهلها من غير حرب أو


[ 260 ]

جلوا عنها، وأرض المرتدين وكفار التأويل والمحاربين. فأما الأرض التي أسلم أهلها فهي لهم وملك في أيديهم، وعليهم فيما يخرجه من الأصناف الأربعة الزكاة حسب. فإن باع المسلم الأرض أو وهب أو صدق أو وقف أو آجر لزم من انتقلت إليه ما كان على الأول من حقوق الأرض. فإن تركها حتى بارت ثلاثا أخذت منه وسلمت إلى من يعمرها ويخرج منها الحق. وأما الأرض المأخوذة عنوة فيلزم الناظر تقبيلها بما يراه مدة معلومة، و يشترط على متقبلها إخراج الزكاة من أصل ما يخرجه من الأصناف الأربعة إلى أهلها وأخذ ما بقي عن شرط القبالة فيصرف إلى أنصار الاسلام. فإن قصر المزارع في عمارتها وزراعتها كان له فسخ العقد وأخذ الأرض منه وتسليمها إلى من يراه. وله صرف ذلك في مصالح الاسلام وسد ثغوره وتقويته بالخيل والسلاح على أعدائه، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليه في ذلك. وأما أرض الصلح فمختصة بأرض الكتابيين دون من عداهم من ضروب الكفار الذين لا تجوز هدنتهم ولا مصالحتهم على شئ، فلا حد لمقدار ما يقع الصلح عليه، وإنما هو بحسب ما يراه سلطان الاسلام، ولمن بعده من الأئمة عليهم السلام (كذا) الزيادة عليه والنقصان منه. ويصح صلحهم على جزية الرؤوس خاصة وعلى الأمرين. فإن باع الذمي أو وهب أو صدق أو وقف شيئا من أرض الصلح لذمي حرا أو عبدا فعلى من انتقلت إليه من الخراج ما كان على الأول، فإن كان انتقالها إلى مسلم فعليه فيها ما كان على الذمي: العشر أو نصفه من الأصناف الأربعة إلى


[ 261 ]

أهلها. وإن آجرها من مسلم أو ذمي فعلى المستأجر خراجها، ويرجع على المالك به ما لم يشترطه (1) في عقد الإجارة. وإذا انتقلت بأحد الوجوه إلى عبد مسلم أو ذمي أو مدبر أو مكاتب مشروط فحق الأرض يختص بالسيد، وإن كان مكاتبا قد عتق بعضه فعليه من حق الأرض بحساب ما عتق منه، وعلى مكاتبه الباقي. وخراج أرض الذمي لازم له وإن يردها (كذا) أو عجز عن عمارتها وزراعتها. وإن كان شرط الصلح مختصا بما يخرج الأرض وصفته من جدب وخصب أخذت منه وسلمت إلى من يعمرها من أهل دينه ويؤدي خراجها، فإن لم يجد من يأخذها من أهل دينه أعطيت لغيره، فما فضل عن حق المزارع والخراج فهو للذمي، ولا شئ عليه فيما نقص. وإن كان شرط الأرض مختصا بمساحتها كان على كل ضريب (2) درهم فهو مضاف إلى جزية الرؤوس، يلزم الذمي العاجز عن عمارتها أداؤه كجزية رأسه يصنع بأرضه ما شاء. فأما أرض الأنفال فقد تقدم بعينها (3) فهي للإمام ليس لأحد من الذرية ولا غيرهم فيها نصيب، يصنع بها بما يشاء مدة حياته، فإذا مضى قام الإمام القائم بعده مقامه في الاستحقاق، وهو بالخيار بين إمضاء ما قرره الماضي ونقضه. ولا يحل لأحد أن يتصرف في شئ من أرض الأنفال بغير إذن من يستحقها مع إمكانه، وإن تعذر الايذان جاز التصرف فيها بشرط إخراج الخمس من


(1) يشترط.
(2) جريب.
(3) تعينها – تعيينها.

[ 262 ]

جميع ما يخرجه، يصنع فيه ما رسمناه سالفا فيما يختص الإمام من الحقوق الآن (1). وأما أرض الكافر والمتأولين والمرتدين وبغاة (2) المحاربين، فحكمها حكم الأصل إن كان ملكا أو صلحا أو فتحا أو نفلا. وحكم زرع هذه الأراضي حكمها. ولا يجوز لإمام ولا مأموم أن يحكم في شئ منها بغير ما قرره الشرع فإن فعل لم يمض، وكان على المتمكن من الانكار إبطاله، ورد الأرض والمسكن إلى حكم الأصل.


(1) كذا.
(2) والبغاة.

[ 263 ]

وأما الفسق فمستحق بكل معصية ليست بكفر، وهو مقتض لفرضين: أحدهما يختص الماضي، والثاني يختص المستقبل. فالفرض الأول مختص بسلطان الاسلام أو من تصح نيابته عنه وهو على خمسة أضرب: منها ما يوجب الحد وهو الزنا واللواط والسحق والجمع بين أهل الفجور له والقذف والسرق والفساد في الأرض وشرب الخمر والفقاع. ومنها ما يوجب التعزير وهو إتيان البهائم والاستمناء والتعريض بالسب ومواقعة (1) ما ذكرناه من القبائح والاخلال ببعض الواجبات العقلية أو السمعية. ومنها ما يوجب القصاص بالقتل والجراح وهو مختص بتعمد ما يوجبهما. ومنها ما يوجب الدية وهو مختص بما يقع عن خطأ من قتل أو جراح. ومنها ما يوجب الأرش أو القيمة وهو مختص بما يحصل من إتلاف لملك الغير أو تنقص قيمته عن خطأ أو عمد. وسيرد تفصيل أحكام هذه المستحقات الخمس (كذا) في مواضعه إن شاء الله تعالى.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بضعها الآخر: موافقة.

[ 264 ]

والفرض الثاني هو الأمر والنهي وكل منهما على ضربين: واجب وندب. فما وجب فعله عقلا أو سمعا، الأمر به واجب، وما ندب إليه، الأمر به مندوب وما قبح عقلا أو (1) سمعا “، النهي عنه واجب، وما كره منهما، النهي عنه مندوب. والأمر والنهي على مقتضى الأصول عبارة عن قول الأعلى للأدنى: أفعل، أو لا تفعل، مقترنا بالإراداة والكراهة، وفيما قصدناه عبارة عما أثر وقوع الحسن وارتفاع القبيح من الغير من الأقوال والأفعال. وطريق وجوب ما له هذه الصفة السمع وهو الإجماع، دون العقل، إذ لو كان العقل طريقا لوجوبه لاشترك فيه القديم والمحدث، وذلك يقتضي وقوع سائر الواجبات وارتفاع سائر القبائح، لكونه سبحانه قادرا على حملهم على ذلك كما يجب مثل ذلك على كل متمكن منا، والمعلوم بخلاف ذلك. وأيضا وكل شئ وجب عقلا فإنما وجب لما هو عليه كالصدق والانصاف، أو لكونه لطفا كالعلم بالثواب والعقاب، فطريق العلم بوجوب حمل الغير على


(1) في بعض النسخ: وسمعا.

[ 265 ]

الواجب ومنعه من القبيح لكونه كذلك أو لكونه لطفا متعذر، وإنما علم ذلك بعد التعبد بسائر الفرائض الشرعية. فما يتعلق منه بأفعال القلوب من إرادة الواجب وكراهية القبيح فرض يعم كل مكلف علمهما، وما عدا ذلك من الأقوال والأفعال المؤثرة في وقوع الحسن وارتفاع القبيح يقف وجوبه على شروط خمس: منها العلم بحسن المأمور وقبح المنهي، ومنها التمكن من الأمر والنهي، ومنها غلبة الظن بوقوع القبيح والاخلال بالواجب مستقبلا، ومنها تجويز تأثيرهما ومنها أن لا تكون فيها [ فيهما. ظ ] مفسدة. واعتبرنا العلم، لأن الحمل على ما يجوز الحامل كونه قبيحا، والمنع مما لا يقطع على قبحه، بالقهر قبيح لا يحسن على حال فضلا عن وجوبه، ولا سبيل إلى لقطع على الحسن والقبح إلا بالعلم. واعتبرنا قوة الظن بما يتوقع دون الماضي، لأن الغرض بهذا التكليف وقوع الواجب وارتفاع القبيح، والماضي لا يتقدر هذا فيه، والتجويز لو كفى في الايجاب لوجب الانكار على كل من لا تعلم عصمته من أبرار الأمة وعبادها لتجويز وقوع القبيح منهم وذلك فاسد. واعتبرنا التمكن، لقبح التكليف من دونه عقلا وسمعا. واقتصرنا في الايجاب على التجويز دون غلبة الظن بالتأثير، لأن أدلة إيجاب الأمر والنهي مطلقة غير مشترطة بظن التأثير، وإثباته شرطا يقتضي إثبات ما لا دليل عليه، ويؤدي إلى تقييد مطلق الوجوب بغير حجة. وأيضا فقد علمنا وجوب الجهاد مع قوة الظن بأن المجاهد لا يؤمن، ومع حصول العلم بذلك يبطل اعتبار الظن في الوجوب. إن قيل: إذا كان الغرض بالأمر والنهي حصول التأثير فينبغي إذا غلب


[ 266 ]

الظن بعدمه أن يقبحا، لكون ذلك عبثا، ولهذا يقبح منا الانكار على أهل الماصر ما يؤتونه [ يأتونه. خ ] فيه من أخذ الاعشار. قيل: المقصود في هذا التكليف مصلحة من وجب عليه، والتأثير تابع، فجاز وجوبه وإن علم انتفاء التأثير كسائر المصالح. وبعد يحس تكليف من علم حاله سبحانه وعلمنا أو ظننا أنه لا يختار ما كلف (1) ظاهرا وهو مانع من اعتبارهم وقوف الحسن على التأثير. وأيضا فجهاد الكفار واجب مع الامكان وحصول العلم تارة الظن أخرى بعدم تأثيره الإيمان. واتفاق الكل على وجوب الانكار على ” أبي لهب ” مع العلم بأنه لا يؤمن، وعلى كثير من الكفار المعلوم أو المظنون كونهم ممن لا يختار الإيمان، وذلك يبطل ما ظنوه. وأما أصحاب الماصر فإنما قبح الانكار عليهم في كثير من الأحوال لحصول الخوف من ضررهم، أو استهزائهم بالمنكر، وذلك قبيح يحصل عند الانكار لولاه لم يحصل، ولا شبهة في سقوط فرض الأمر والنهي والحال هذه، لكونه مفسدة، ولهذا متى أمنا منهم الأمرين وجب الانكار عليهم وإن ظنننا ارتفاع التأثير، فواضح أن قبح الانكار عليهم إنما كان للمفسدة، لا لارتفاع الظن بالتأثير. واشترطنا عدم المفسدة، لعلمنا بوجوب اجتناب ما أثر وقوع قبيح أو كان لطفا فيه، لقبحه كالقبيح المبتدأ، فالأمر أو (2) النهي متى كان سببا لوقوع قبيح من المأمور المنهي (3) أو من غيره بالأمر الناهي (كذا) أو بغيره، يزيد على المنكر


(1) ما كلفه.
(2) والنهي.
(3) كذا.

[ 267 ]

أو ينقص، لولاه لم يقع، يجب الحكم بقبحه ووجوب اجتنابه، لأنه لا يجوز عقلا ولا سمعا من المكلف أن يختار القبيح ليرتفع من غيره. وإذا تكاملت هذه الشروط ففرضهما على الكفاية، إذا قام به بعض من تعين عليه سقط عن الباقين، لأن الغرض منهما وقوع الحسن وارتفاع القبيح، فإذا حصل المقصود ببعض من تعين عليه لم يكن لتكليف الباقين وجه، وإن لم يقم به أحد فكل مخاطب به، ومستحق لذم الاخلال وعقابه. والواجب من ذلك ما يغلب في الظن حصول الواجب وارتفاع القبيح معه فإن ظن مكلفه أن الدعوة والتذكار والتنبيه على قبح الفعل والاخلال وعظيم المستحق بهما، كاف اقتصر عليه، فإن أثر حصول المقصود وإلا انتقل إلى اللعن والتغليظ في الزجر والتهديد فإن أثر وإلا انتقل إلى الضرب والايلام وإلى أن يقع الواجب ويرتفع القبيح. فإن غلب في الظن ابتداءا عدم تأثير القول، ابتدأ بما يظن كونه مؤثرا من الفعل وما زاد عليه، حتى يحصل المقصود من وقوع الواجب وارتفاع القبيح فإن أدى ذلك إلى فساد عضو أو تلف نفس فلا ضمان على المنكر. وليس لأحد أن يقول: أي فائدة في وقوع الحسن وارتفاع القبيح عن الجاء منافاته (1) للتكليف؟ لأن في ذلك وجوها حكمية: منها كونه لطفا للأمر الناهي بغير شبهة. ومنها أنه ليس كلما يقع من حسن عند الأمر وارتفع من قبيح عند النهي يحصل عن الجاء. ومنها أن الالجاء يختص أفعال الجوارح، فيصح أن يصحبها (2) العزم على


(1) كذا في بعض، ولعل الصحيح: مع منافاته.
(2) يصححها.

[ 268 ]

تأدية الواجب واجتناب القبيح للوجه الذي له كانا كذلك. ومنها كون ذلك لطفا في المستقبل للمأمور المنهي ولغيره من المكلفين من حيث كان علم العاقل أنه (1) متى دام القبيح منع منه ومتى عزم على الاخلال بالواجب حمل عليه، يبعثه بغير شبهة على فعل الواجب ابتداءا واجتناب القبيح. يوضح هذا علمنا بكثرة الواجبات وقلة القبائح في أزمنة التمكن من الأمر والنهي وفي الأمكنة. ولهذا قال أهل العدل: إنه متى علم القديم سبحانه أن الجاء المكلف إلى فعل حسن واجتناب قبيح يبعثه إلى اختيار مثله من الحسن واجتناب مثله من القبيح أو خلافهما (2) وجب في حكمته سبحانه فعل ذلك الالجاء كوجوب مثله علينا مع الأمر والنهي.


(1) بأنه. ظ.
(2) كذا.

[ 269 ]

فصل في ذكر الاكراه وأحكامه ما قدمناه من أحكام الكفار والفساق وما يتعلق بهم ولهم من التعبد يختص المختارين، وللمكرهين أحكام أخر يجب بيانها، وما يقع به الاكراه، وما يكون به إكراها مؤثرا، وما يؤثر فيه الاكراه، وما لا يؤثر. فأما ما يقع به الاكراه، فالخوف على النفس متى فعل الحسن واجتنب القبيح، لحصول الإجماع بكون ذلك إكراها، وعدم دليل بما دونه من ضروب الخوف، فلا يجوز الانتقال عن لزوم فعل الواجب واجتناب القبيح المعلوم وجوبهما إلا بدليل قاطع. وأيضا فلو كان ما دون الخوف على النفس إكراها لم يقف على كثير من يسير، فيؤدي ذلك إلى أن من خاف ضياع درهم واحد من كثير ماله أو لطمة ولده، أن يترك سائر الواجبات يفعل جميع القبائح، والمعلوم خلاف ذلك، فثبت اختصاصه بالخوف على النفس. مع ارتفاع الظن من التمكن من فعل الواجب واجتناب القبيح من دون ذلك. فإذا حصل شرطا الاكراه المذكوران فما أكره عليه المكلف من فعل القبيح


[ 270 ]

والاخلال بالواجب على ضربين: أحدهما لا يصح فيه الاكراه وحكمه معه حكم الايثار، والثاني يصح فيه الاكراه. فالأول أفعال القلوب كلها لأن المكره لا سبيل له إلى علمها، فلا يصح الالجاء إلى شئ منها، وما يصح فيه الاكراه أفعال الجوارح، وهي على ضربين: أحدهما لا يؤثر فيه الاكراه، والثاني يؤثر فيه. فالأول القبائح الفعلية كلها كالظلم والكذب، لأنها إنما قبحت لما عليه، ولا تعلق لها بغيرها، فلا يجوز أن يؤثر فيها الاكراه حسنا، ومن السمعيات الزنا بإجماع الأمة وشرب الخمر بإجماع الفرقة المحقة. والثاني الواجبات العقلية والسمعية وما عدا ما ذكرناه من المحرمات. فأما الواجبات فيؤثر فيها التأخير عن أوقاتها، وتغير كيفياتها، والنيابة فيها، وسقوط ما لا يصح ذلك فيه (1). وأما المحرمات فيؤثر إباحتها كالميتة ولحم الخنزير والصيد في الحرم أو الاحرام وغير ذلك. وقلنا بتغير الوجوب في العقليات بالاكراه لأن كل شئ حسن أو واجب فمشترط بانتفاء وجوه القبح، فإذا حصل في رد الوديعة أو قضاء الدين الخوف على النفس فذلك وجه قبيح يقتضي تأخير الرد والقضاء. وأما الشرعيات فمبنية على المصالح والمفاسد التي يصح تغيرها فإذا قرر الشرع تأثير الاكراه في بعضها حصل العلم للمكلف بتغير المصلحة والمفسدة كتغيرهما في كثير من الأحوال متى اختل شرط من شروط الايجاب أو التحريم. فأما إظهار كلمة الكفر أو إنكار الإيمان أو كتمان كلمة مع الخوف على النفس مع الامساك عن الأولة وإظهار الثانية فيختلف الحال فيه.


(1) كذا. *)

[ 271 ]

فإن كان مظهر الإيمان والحجة به ومنكر الكفر والممتنع من إظهار شعاره في رتبة من يكون ذلك منه إعزازا للدين كرؤساء المسلمين في العلم والدين والعبادة وتنفيذ الأحكام، فالأولى به إظهار الإيمان والامتناع من كلمة الكفر، فإن قتل على ذلك فهو شهيد، ويجوز له ما أكره عليه. وإن كان من أطراف الناس وممن لا يؤثر فعله ما أكره عليه أو اجتنابه عزا (1) في الدين ففرضه ما دعى إليه فليور في كلامه ما يخرج به عن الكذب، ولا يحل له ما جاز لمن ذكرناه من رؤساء الملة على حال. فأما الاكراه على مكان معين فحكمه حكم ما لا ينفك الإقامة منه، فإن كان ما يؤثر فيه الاكراه كتأخير الصلوة وأكل الميتة حل له المقام مع الاكراه وتعذر التخلص، وإن كان مما..
(2) بل أفحشها فماله قبحت الإقامة مع القبيح له يقبح معه (3). ولأنه مقتض لإجراء أحكام الكفر على مظهره (4) فلا يجوز له ذلك مع الاختيار على حال. الثاني ألا يكون الإقامة مؤثرة لوقوع قبيح ولا شعار كفر لولاها لم يقعا، فيحل وإن لم يتمكن المقيم من الانكار بلسانه ولا يده، فيقتصر على ما يختص القلب من كراهية القبيح والعزم على إنكاره متى تمكن منه. وقلنا ذلك لأن الإقامة لو قبحت بحيث يقع الكفر المتعذر إنكاره مع كراهية، لقبحت الإقامة في كل دار وقع فيها كفر ما أو فسق لا يتمكن المقيم من


(1) كان في الأصل: عصا. والظاهر ما أثبتناه.
(2) هنا بياض في النسخ.
(3) كذا في النسخ.
(4) كذا.

[ 272 ]

إنكاره بيده ولسانه، وقد أجمع المسلمون على خلاف ذلك. يوضحه علمنا بإقامة رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة وهي دار كفر مع تعذر الانكار وكذلك حال أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة في خلافة المتقدمين عليه في مقام الإمامة، وحال ذريته بكل دار دخلوها من دور أهل الضلال وحال جميع علماء القبلة وعبادها. وذلك برهان على أن الإقامة بدار الكفر لا يقبح من حيث كانت إقامة بها وإنما يقبح إذا كانت مقيدة (1) وإن كان الأولى تجنبها إلا أن يكون المقيم متمكنا من المظاهرة بالحق ونصرته بالحجة، فيكون الإقامة أفضل. وليس لأحد أن يقول: إن الإقامة مع الامساك عن النكير إبهام..
(2) وصية (3) من وراء ذلك لأنه أقام بها لمصلحة دينية أو دنيوية لإنكارها (4) للكفر لولا هذا لقبحت الإقامة بكل دار يقع فيها شئ منكر لغير الانكار لأنه لا وجه لحضورها إلا الرضا بالقبيح فلذلك قبحت وليست هذه حال الإقامة بدار الكفر على ما سلف بيانه. إن قيل: أليس العاقل يعلم وجوب التحرز من الضرر فكيف يحسن منه مع هذا أن يتعرض لضرر التلف باجتناب ما لا يؤثر فيه الاكراه من القبائح ولا يحسن منه التحرز بما أكره عليه من القبيح من ضرر القتل. قيل التحرز من الضرر وإن كان واجبا فقد بينا أن كل شئ وجب فيشترط انتفاء (5) وجوه القبح، وهاهنا وجه قبح يخرج التحرز عن صفة الحسن فضلا عن الوجوب.


(1) كذا.
(2) هنا بياض في النسخ.
(3) كذا.
(4) في بعض النسخ: لا كارها.
(5) فمشترط بانتفاء.

[ 273 ]

وأيضا فإن وجوب التحرز من الضرر يقتضي وجوب التحرز من الأعظم بالأقل، وذلك يقتضي صبره على ضرر القتل ليدفع به عظيم ضرر عقاب القبيح لانغماره في جنبه. وأيضا فكما نعلم وجوب التحرز من الضرر نعلم وجوب تحمل الضرر لاجتلاب ما زاد عليه من النفع، فالقتل وإن كان ضررا ففي مقابلته نفع يوازيه وهو العوض المستحق على القاتل، ونفع عظيم وهو الثواب على اجتناب القبيح وتحمل ألم القتل وذلك مقتض لوجوبهما. إن قيل: تراكم قد فصلتم بين فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين سائر الشرعيات لسقوط فرضهما بخوف أدنى ضرر ولزوم فرض الشرعيات مع كل ضرر دون النفس، فما الوجه في ذلك؟ قيل: لا يجوز حمل الفرائض الشرعية بعض (1) على بعض في لزوم أو سقوط، لكونها معلقة بما يعلم (2) سبحانه للمكلف من الصلاح المختص بزمان دون زمان، وبشرط دون شرط، وبمكلف دون مكلف، بل يجب الحكم لكل منها بحسب ما قرره الشرع، وقد علمنا بإجماع الأمة وقوف فرض الأمر والنهي على الشروط التي بيناها وتميز الشرعيات منه ووجوبها من دون ذلك، فلا يصح الجمع بين التكليفين مع وضوح التعبد بفرقان ما بينهما. وأيضا فإن المقصود من الأمر والنهي مع ما فيه من لطف الأمر والناهي وقوع الواجب من الغير وارتفاع القبيح، فإذا صار سببا لوقوع القبيح منه قبح فعلهما من حيث قبح من المكلف إيثار القبيح لأن لا يختاره غيره، كما يقبح دفع الضرر عن الغير بإدخاله على أنفسنا.


(1) كذا.
(2) كان في الأصل: بما يعظم، والظاهر ما أثبتناه.

[ 274 ]

وليست هذه حال ما كلفه العاقل من فعل الفرائض واجتناب المحرمات الشرعيات ابتداء لأنه غير ممتنع لزومها له وإن خاف على نفسه، ولا يكون ما يفعله من واجب أو يجتنبه من قبيح مفسدة لأجل ما يختاره غيره من القبيح بظلمه، من حيث كان علمه بوجوب الفرائض عليه وقبح القبائح على كل حال ومع كل خوف دون القتل ومع خوفه في القبائح المخصوصة يؤمنه من كون شئ منها مفسدة ويكون ذلك دلالة له (1) أن هذا المختار للقبيح، عند امتثاله ما كلفه فعلا واجتنابا لا بد أن يختاره، وقع منه الامتثال أم لا، لولا هذا لسقطت سائر العبادات وحسنت جميع القبائح الشرعيات عند ظن مكلفها إيثار غيره بعض القبائح، والمعلوم خلاف ذلك. يوضح ذلك من امتثل ما كلفه من فعل الواجب واجتناب القبائح مع خوف الضرر لا يخلو أن يقع به ذلك الضرر أم لا فإن لم يقع فقد تجرد تكليفه من المفسدة بغير شبهة، وإن وقع فباختيار الظالم وقع، ووقوعه في الوقت الذي وقع فيه كاشف عن كونه معلوما له تعالى، وما تعلق العلم بوقوعه في وقت معين لا بد من وقوعه فيه، وذلك برهان واضح على أن طاعة هذا المظلوم ليست لطفا في ظلم غيره، ولا يلزم مثل ذلك مع خوف القتل لما بيناه من حصول الاتفاق على تأثيره في التكليفين، وكون ذلك دلالة على تغير المصلحة والمفسدة، وحالنا فيما دونه بخلاف ذلك فافترق الأمران. وهذا يسقط اعتراض من يقول: أليس الجهاد عندكم من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يحسن فعله ويجب مع حصول الظن بل العلم بوقوع قبيح لولا الجهاد لم يحصل، لأن الجهاد في الحقيقة من جملة العبادات الشرعية كالصلاة وإقامة الحدود التي قرر الشرع وجوبهما وإن وقع عندهما قبيح


(1) على

[ 275 ]

ولا يكون ذلك مقتضيا لقبحه كما لم يكن ما يقع عند فعل الصلاة واجتناب الزنا من القبيح مصلحة مقتضية لقبحهما لما سلف إيضاحه. وبعد فالجهاد وإن كان من عبادات المجاهد فالمقصود منه عقاب المجاهد على ماضي كفره كالحدود، فكما لا يقتضي قبح استيفائها (1) إيثار من يستحق عليه القبيح عندها باتفاق وكذلك حكم الجهاد ولهذا يجب القصد به إلى إضرار الكافر على جهة الاستحقاق والنكال كالحدود، وليست هذه حال الأمر والنهي المقصود بهما وقوع الواجب وارتفاع القبيح دون إضرار المأمور المنهي. وببعض ما ذكرناه تسقط شبهة من يقدح في النبوات بجهاد الكفار، من حيث كان ذلك يقتضي إلجاءهم إلى الإيمان، الذي لا يصح التكليف معه، لأن كونه عقابا على ماضي الكفر يسقط الشبهة المبنية على كون الجهاد مقصودا به إيمان الكفار، فإذا لم يكن كذلك زال الترتيب (2) في سقوطها. على أنه لو كان مختصا بالحمل على الإيمان كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان الوجه فيه ما تقدم بيانه من مصلحة المجاهد والمجاهد وغيرهما على الوجه الذي يصح ذلك (3).


(1) استينافها، كذا في بعض النسخ.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: الريب.
(3) هنا بياض في أكثر النسخ، وفي بعضها: تم الكتاب بعون الله.

[ 276 ]

بسم الله الرحمن الرحيم (1) باب تعيين المحرمات إذا كان ما عدا واجبات العقول ومندوباتها وقبائحها على الإباحة، لأنه القسم الرابع في أوائل العقول كالحسن والقبيح، ولكونه نفعا خالصا لا ضرر فيه، وحصول العلم الأول بإباحة ما له هذا الحكم – وقد استوفينا الكلام في ذلك في غير موضع – وقف العلم بنقل العلم (2) بنقلها عن هذا الأصل إلى وجوب أو ندب أو تحريم على السمع، وقد بينا فيما سلف ما ورد به السمع من العبادات فرضا ونفلا، ونورد هاهنا ما ثبت تحريمه من المآكل والمشارب والمدركات وضروب التصرف والمناكح وتفصيل ذلك، ليعلمه المكلف فيجتنبه ويستبح ما عداه. فصل في بيان ما يحرم أكله ما يحرم أكله على ضربين: أحدهما يتعلق التحريم بعينه، الثاني بوقوعه


(1) كذا في بعض نسخنا.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: وبنقلها ولعل الصحيح: وقف العلم بنقله عن هذا..

[ 277 ]

على وجه. الضرب الأول: البغل والخنزير والكلب والسنور والقرد والدب والفيل والثعلب والأرنب والضب واليربوع والفأر والسلحف (1) والقنفذ والدبى من الجراد وكل ذي ناب ومخلب من الوحش وكل ذي مخلب من الطير وما لا حوصلة له ولا قانصة وما لا فلس له من المسك ودواب البحر وحشار الأرض والدم المسفوح والطحال والقضيب والأنثيان والغدد والمشيمة والمثانة والطين وبيض ما لا يؤكل لحمه ولبنه وما اتفق طرفاه من مجهول البيض والسموم القاتلة. الضرب الثاني: ميتة ذوات الأنفس السائلة ابتداء، أو منخنقة بماء أو حبل أو غيرهما، أو غير متحركة بعد الذبح، أو لم يسل منها دم، أو موقوذة بحجر أو عصا (2) أو بندق، أو متردية من علو، أو فائتة بالنطح، أو أكيلة سبع، أو مقتولة طعنا أو ضربا مع إمكان الذكاة، أو مقتولة بما عدا كلب المسلم المعلم، أو إرساله من الجوارح، أو يذبح لغير الله تعالى، أو من دون التسمية تدينا، أو بفعل كافر كاليهود والنصراني (3)، أو جاحد النص، أو بذكاة في غير محلها، وقتيل مصيد الطير بغير النشاب، وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها قبل أن تجب جنوبها وتبرد بالموت. – وكل هذه المذكورات ميتة وإن اختلف جهات موتها – وصيد الحرم على المحل والمحرم، وصيد الحل على المحرم، وما نبت لحمه بلبن الخنزير من الأنعام، وما أدمن شرب النجاسات حتى يمنع منها عشرا، أو جلالة الغائط حتى تحبس الإبل والبقر أربعين يوما والشاة سبعة أيام والبط والدجاج خمسة أيام، وروي في الدجاج


(1) السلحفاء.
(2) في بعض النسخ: أو حصا.
(3) والنصارى.

[ 278 ]

خاصة بثلاثة أيام، وجلالة ما عدا العذرة من النجاسات حتى تحبس الأنعام سبعا والطير يوما وليلة، ومنكوح الانسان من الأنعام، وكل طعام شيب بشئ من المحرمات أو النجاسات، وطعام الكفار، وما باشروه ببعض أعضائهم، وما شرب عليه الخمر من الطعام، والطعام في آنية الذهب والفضة، والطعام في جلود الميتة والأنجاس من الحيوان وإن دبغت، وجلود السباع بعد الذكاة وقبل الدباغ [ قبل الذكاة وبعد الدباغ. كذا في نسخة ].


[ 279 ]

فصل في ما يحرم شربه قليل المسكر وكثيره خمر محرم وإن اختلفت أجناسه من عنب أو زبيب أو تمر أو عسل أو غير ذلك، نيا كان أو مطبوخا أو مشمسا، والفقاع، وأعيان النجاسات المايعات، وما نجس من الطاهرات، والشرب فيما لا يجوز الأكل فيه من الأواني، والمعاقرة بالماء وغيره من أنواع الأشربة الحلال من دونها. فصل فيما يكره أكله وشربه يكره أكل الكليتين، والنخاع، والعروق، وأذني القلب، والمرارة، وحبة الحدقة، وخرزة الدماغ، وجرجير البقل، ولحوم الجواميس، والبخت وحمر الوحش والأهلية، ولحم الغريض، والأكل باليد اليسرى، وبملعقة (1)، ومتكئا، ومما يلي غيره ومن وسط الصحفة والطعام الحار، وطعام من لم يدع إليه، وطعام من دعا له الأغنياء دون الفقراء، وطعام ولائم القبائح والافراط في الشبع وعرق العظم. ويكره شرب الماء بالليل قائما، والعب، والنهل في نفس واحد، ومن ثلمة الكوز، ومما يلي الأذن، وشرب الماء المالح والكبريتي والمتغير اللون أو الطعم أو الرائحة بغير النجاسات.


(1) كان في الأصل: وبمعقله، والظاهر ما أثبتناه.

[ 280 ]

فصل فيما يحرم إدراكه يحرم سماع العود والطنبور وكل ذي وتر مطرب والطبول والمزامير وسائر الأغاني وآلاتها كالقضيب [ كالقصب ظ ] وشبهه – والنوح (1) بالباطل، ومدح من يستحق الذم، وذم من يستحقه (2) والكذب، – ومنه الاسمار وقصص القصاص بالمغازي المخترعة أو المزيد فيها – والنميمة، وغيبة أهل الإيمان، وجميع الأقوال القبيحة كالأمر بالقبيح والنهي عن الحسن، ورؤية من حرم الله تعالى من النساء ومباشرتهن، والاصغاء إلى حديثهن، والتلذذ برؤية المرد (3) للريبة (4) ومباشرتهم، ومشاهدة المنكرات لغير الانكار. فصل فيما يكره من ذلك يكره سماع الشعر الحسن في زمان الصوم وليلة الجمعة ويومها وفي المساجد، والغزل منه على كل حال، والأقوال الخالية من غرض ديني ودنيوي.


(1) في بعض النسخ: والفرح بالباطل.
(2) في بعض النسخ: يستحق المدح.
(3) في بعض النسخ: المرء: والظاهر ما أثبتناه.
(4) في بعض النسخ: المريبة.

[ 281 ]

فصل فيما يحرم فعله يحرم آلات الملاهي كالعود والطنبور والطبل والمزمار وأمثال ذلك، و إعمالها للاطراب بها، والغناء كله، والنوح بالباطل، ومدح من يستحق الذم وذم من يستحق المدح بمنظوم أو منثور من الكلام، وعمل النرد والشطرنج وسائر آلات القمار، واللعب بها، والقمار، وعمل الصلبان والأصنام والتماثيل وعمل آلات الأشربة المحرمة، وصناعتها، وغرس المعتصرة (1) منه لذلك، وعمارته وسقيه وقطافه وصرامه وحمله وعصاره وابعاؤه، (2) وتركيب الأدوية المحرمة والسموم القاتلة، وافتتاح (3) المؤذيات كالسباع والهوام والكلب العقور، وخصاء (4) شئ من الحيوان، وذبح ما لم يرد الشرع بذبحه، وإيلام ما لم يرد بإباحة ذلك منه، وتعدي ما أبيح من الانتفاع بالحيوان، وعمل الزينة للرجال، ووشم وجوه النساء وتدليسهن بزخرفة الأفعال، وزخرفة المساجد، وتعدي المشروع في بنائها، وزخرفة المصاحف، وبناء البيع والكنائس وبيوت


(1) في بعض النسخ: المعصرة منه.
(2) كذا في النسخ.
(3) كذا في النسخ.
(4) كان في الأصل: وخصي، والظاهر ما أثبتناه.

[ 282 ]

النيران وغير ذلك [ من ] معابد أهل الضلال، والرمي عن قوس الجلاهق، والبخس والتطفيف في الكيل والوزن، والغش في جميع الأشياء، والجمع بين أهل الفسق للفجور، وعمل السلاح وغيره لمعونة أعداء الدين من ضروب المحاربين، والمظالم، (1) ومعونة فاعلي القبائح وأصناف الظالمين والمتغلبين على البلاد ومؤيدي (2) ذلك بشئ من الأقوال أو الأفعال أو الآراء، وتجديد (3) الكفر والشبه القادحة في الأدلة في الصحف عرية من النقض بالحجة، والنطق بقبيح الأقوال من الكذب والغيبة وغيرهما، والسعي والبطش في شئ من القبائح العقلية والسمعية، وحضور مجالس اللهو والمناكر، والحكم والفتيا بالباطل أو بما لا يعلمه الحاكم والمفتي حقا، وتعلم شئ من هذه الأعمال المحرمة، وتعليمها، وإرادة شئ من القبائح وكراهية الواجب.


(1) كذا. ولعل الصحيح: الظالم.
(2) في بعض النسخ: مريدي ذلك.
(3) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: تجليد، وقال في السرائر: وإيراد الشبه القادحة وتخليدها – بالخاء – الكتب من غير نقض لها.

[ 283 ]

فصل فيما يحرم من المكاسب كل شئ ثبت تحريمه لعينه أو لوقوعه على وجه أو علمه أو عمله أو تعليمه، فثمنه وأجر عمله وحمله وابعائه (1) وحفظه والمعونة عليه بقول أو فعل أو رأي والتعوض عنه محرم، وأجر تعليم المعارف والشرايع وكيفية العبادة من النظر فيها والفتيا بها وتنفيذ الأحكام وتلقين القرآن وعقد الجمع والجماعات والأذان والإقامة وتغسيل الأموات وتجهيزهم وحملهم والصلاة عليهم ومواراتهم وجهاد الكفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر العبادات والمعونة على ذلك محرم. فصل فيما يكره من المكاسب يكره التكسب بالصرف وصياغة الذهب والفضة وذبح الحيوان والنياحة والحجامة والنساجة وبيع الأكفان والاطراق واحتكار الغلات.


(1) كذا.

[ 284 ]

فصل فيما يحرم من النكاح تحريم الاستمتاع بالمباشرة على ضروب ستة: منها تحريم ذلك بما عدا النساء، ومنها بهن من غير عقد ولا ملك يمين، ومنها بهن بعدهما في حال دون أخرى، ومنها تحريمه بأعيان منهن بهما (1) على كل حال، ومنها تحريمه معهما في حال دون حال، ومنها تحريم ذلك عليهن بعض ببعض. الضرب الأول: التلوط بالغلمان ومباشرتهم بضم أو تقبيل أو اضطجاع، وإتيان جميع البهائم، والاستمناء. الضرب الثاني: الزنا ومقدماته من رؤية وضم وتقبيل ومحادثة وخلوة واضطجاع. الضرب الثالث: وطؤ الحائض والنفساء حتى تطهرا، والمستحاضة حتى تستنجي، والمظاهر منها قبل التكفير، والمعقود عليها بعد الزنا حتى تستبرئ والمحرم حتى يحل، وبالمحرمة حتى تحل، والصائم حتى يفطر، وبالصائمة حتى تفطر، وبالأمة المبتاعة حتى تستبرئ بحيضة، وبالأمة الحامل من غير المبتاع حتى تضع.


(1) كذا.

[ 285 ]

الضرب الرابع: الأسباب الموجبة للتحريم على كل حال ثلاثة: نسب ورضاع وسبب ليس بنسب ولارضاع. والمحرمات بالنسب ست: الأمهات وإن علون، والولد وإن هبط، والأخوات من جميع الجهات، والعمات والخالات وإن ذهبن (1) في النسب، وبنات الأخوة وإن بعدت (2). والمحرمات بالرضاع ست كالمحرمات بالنسب، مثال ذلك: غلام رضع من امرأة بلبن بنت لها فصار بذلك ولدا لها ولأبي ابنتها (3) وتحرم عليه وآباؤها (4) وأمهاتها وإن علون وأخواتها وأولادها من الفحل وغيره بالنسب خاصة، كما تحرم أم النسب وأمهاتها وأخواتها وأولادها، ويحرم الزوج وآباؤه وأمهاته و أخواته وأولاده من هذه المرضعة ومن غيرها بالنسب والرضاع كما يحرم أب النسب وآباؤه وأمهاته وأولاده وأخواته، وتحرم أولاد الأخوة بالرضاع من جميع الجهات كأولاد الأخوة بالنسب. وإنما يقتضي التحريم بشروط: منها أن يكون الراضع والمرتضع من لبنه ينقص سنهما عن الحولين، ومنها أن يكون لبن ولادة لا در. ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويقوي العظم بكونه يوما وليلة أو عشر رضعات متواليات كل منها تملأ البطن لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى.


(1) كذا.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: ولدا لها وأخا لابنتها.
(4) الظاهر زيادة جملة: وآباؤها.

[ 286 ]

فمتى اختل شرط من هذه لم يثبت نسب (1) الرضاع. وأما المحرمات بالأسباب أم المرأة المعقود عليها، وابنة المدخول بها، وأم المزني بها قبل العقد، وابنتها، وزوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة، وزوجة الابن، وأمته الموطوءة، والزانية على أب الزاني وابنه قبل العقد، والزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية على الزاني، وأم الغلام الموقب وأخته وابنته قبل العقد عليهن، والمعقود عليها في عدة معلومة، والمدخول بها في عدة على كل حال، والمعقود عليها في إحرام معلوم، والمدخول بها فيه على كل حال، والمطلقة للعدة تسعا يملكها بينها رجلان، والملاعنة، و المقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء عليه. وحكم الأم والأخت والبنت بالرضاع في هذا التحريم حكم ذوات النسب وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع والسبب حكم الحرائر. الضرب الخامس المحرمات في حال دون حال: الكافرة حتى تسلم وإن اختلفت جهات كفرها، وأخت المعقود عليها حتى يثبت حلها بموت أو ردة أو لعان أو طلاق بائن أو تخرج عن عدة الرجعي، وأخت الأمة الموطوءة حتى تخرج عن الملك، والمعتمدة من الغير حتى ينقضي أجلها، والمطلقة للعدة ثلاثا حتى تتزوج ويطلق وتعتد، والمحرمة حتى تحل، والمحصنة حتى تبرأ عصمتها وتعتد، والخامسة حتى تنقص الأربع بموت أو ردة أو لعان أو طلاق بائن أو تخرج من عدة الرجعي، وبنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها حتى تأذنا، والأمة على الحرة حتى تأذن، والزانية حتى تتوب. الضرب السادس: تحرم على المرأة مباشرة من لا رحم بينها وبينه بضم أو تقبيل أو نظر لريبة، والنوم في أزار واحد على كل حال، وما فوق ذلك من عمل قوم لوط في تمتع بعضهن ببعض على جهة السحق.


(1) كذا في النسخ. *)

[ 287 ]

باب الأحكام يلزم من يلي (1) بشئ من الأحكام الشرعية حكما أو فتيا أو عملا أن يعلم ما يلي (2) به والوجوه والشروط التي تصح عليها وتبطل. لأن الحكم موجب للحكم على الخصم في تسليم ما حكم به، ولا يحسن منه ذلك من دون العلم بجهة الاستحقاق وكيفيته. والمفتي مخبر عن الله سبحانه بالايجاب والترغيب والتحريم والحكم فيجب كونه صادقا في خبره، والصدق في الفتيا متعذر من دون العلم. والعامل مستبيح بعقد النكاح أو البيع أو الإجارة أو الإرث أو غير ذلك ما كان محرما قبل ذلك، ومحرما بالطلاق واللعان والظهار وأمثال ذلك ما كان محللا، فلا يحسن منه العمل في شئ من ذلك ولما يعلم حكم الله فيه، لقبح استحلال المحرم وتحريم المحلل من دون العلم بذلك من دينه تعالى. وهو على ضروب نذكرها ونفصل أحكامها. إن قيل: أبينوا عن الأحكام الشرعية أمن العبادات هي أم من المحرمات؟ فإنا لم نجد أحدا من المصنفين أشار إلى ذلك فإن كانت خارجة عن القبيلتين


(1) في بعض النسخ: بلى.
(2) في بعض النسخ: بلى.

[ 288 ]

فليست من الشرعية، وإن كانت داخلة في أحد النوعين وكيف (1) بذلك، ولا أحد من الأمة يقول: أن النكاح والطلاق والظهار والبيع إلى سائر الأحكام فرض ولا نفل ولا محرم. قيل: من تأمل حال الأحكام علم لحوقها في التعبد بما يفعل من الطاعات وكونها طريقا إلى المحرمات. أما دخولها في جملة العبادات فمن معلوم الملة تعبد الأئمة ومن استنابوه في التنفيذ بالحكم بمقتضاها من صحة أو فساد أو إمضاء أو رد أو تسليم أو استحقاق أو منع، كما تعبدوا بأخذ حقوق الأموال وصرفها في وجوهها و إقامة الحدود وغير ذلك مما يختصهم من التعبد ويلزم الأمة معونتهم عليه و نصرتهم فيه وثبوت تعبد العلماء بحفظها والفتيا بها على الوجه الذي قرره الشرع منها ولزوم فرض العلم والعمل بها على الوجه المشروع لكل مبتلى ليكون من الاستباحة والتملك والاستحقاق بالعقود الشرعية كالنكاح والبيع والاجارة وما يجري مجراها من الإرث وغيره ومن الفسخ والتحريم بالطلاق والظهار وما يناسبهما على يقين. وإذا وجب العلم والعمل بالأحكام مع اقتران المشقة بذلك لحقت بسائر العبادات المقصود بها التعريض للثواب، فالاباحة إذا إنما يتعلق بإرادة النكاح والبيع والاجارة والتصرف بعد العقد في المعقود عليه، دون العقد نفسه و الحكم به والخبر عنه، لأن الله تعالى تعبد العالم بأن يخبر بالأحكام على ما علمه منها، ويعتقد صحة ما وافق المشروع فيها وفساد ما خالفه، وتعبد الحاكم أن يحكم بصحة العقد الموافق للمشروع وما يقتضيه من استحقاق وتسليم، و فساد ما خالفه، ويحكم بالفرقة مع الطلاق واللعان الشرعيين، التحريم مع


(1) فكيف. ظ. *)

[ 289 ]

الظهار والايلاء الشرعيين، دون ما خرج عن ذلك، وتعبد مريد النكاح أو البيع أو الإجارة والطلاق واللعان والظهار بأن يعلم المشروع من ذلك، و يوقعه على الوجه الذي علمه، ومريد الإرث بالعلم بما يثبت معه استحقاقه و يسقط، وأعيان المستحقين وترتبهم في الاستحقاق، وكيفية سهامهم فيه ليعلم ما يستحق من ذلك مما لا يستحق، فيقف العمل بحسبه (1)، ومن بلى بوديعة أو عارية أو رهن أو لقطة إلى غير ذلك أن يعلم ما قرره الشرع له من الأحكام فيعمل عليه. وأما دلالتها على المحرمات فإن ورود الشرع بتخصيص إباحة البضع أو التصرف في ملك الغير بعقود مخصوصة من طلاق أو لعان أو ظهار أو غير ذلك، يقتضي تحليله لثبوت العقد المبيح له من دونها، (2) وكذلك ثبوت النص بكيفية سهم الوارث وترتب الوارث يدل على تحريم ما زاد على المسمى على من سمي له وتحريمه جملة على من غيره أولى به. ويجري ذلك مجرى لو ابتدأ سبحانه بالنص على تحريم ما عدا المشروع إذ لا فرق بين أن ينص تعالى على تحريم البضع وتناول مال الغير بكل قول وفعل يخالف المشروع الآن في الاستباحة (كذا)، وبين أن ينص تعالى على صفة العقد المقتضي للإباحة. وكذلك لا فرق بين أن ينص على تحريم الإرث على الأخ وبين أن ينص على استحقاق الولد جميع المال معه، إذ كون الولد أحق بالإرث دلالة على تحريمه على من هو أحق منه. ووقوف استباحة البضع على عقد غبطة أو متعة أو ملك يمين دلالة على


(1) في بعض النسخ: العمل به بحسبه.
(2) كذا في جميع النسخ.

[ 290 ]

تحريمه بغير ذلك. ووقوف التصرف في ملك الغير وانتقاله على عقد بيع أو هبة أو إجارة أو صدقة أو إرث إلى غير ذلك من العقود الشرعية دلالة على قبح التصرف و فساد الانتقال من دونها أو مع إيقاعها بخلاف المشروع فيها. فصار على ما تراه المقصود بالأحكام مساويا للمقصود بسائر العبادات، و دلالة واضحة على التحريم على الوجه الذي ذكرناه. ولدخول الأحكام في التكليف هذا المدخل، لم ندخلها في جملة ما يطلق عليه سمة العبادات ولا سمة المحرمات، لتعارف أهل الشريعة إطلاق سمة العبادات على ما ابتدأ سبحانه بإيجابه كصلاة الخمس والزكاة وصوم الشهر، و الترغيب فيه كصلاة الليل والصدقة وصوم شهر شعبان، وليس النكاح والبيع والابتياع والاجارة والطلاق والظهار من ذلك بسبيل، (1) لأنه تعالى لم يبتدئ العاقل بالتعبد بشئ منه، وإنما تعبده إذا أراد استباحة البضع أن يعقد عقدا مخصوصا، وإذا أراد تحريمه بإيقاع مخصوص، وإذا أراد التملك بعقد مخصوص لا تصح الإباحة والتملك والتحريم من دونهما (2). فلو وصفنا الأحكام بأنها عبادات لأوهم ذلك لحوقها بالصلاة والزكاة والصوم في كيفية التعبد، فوضع لها في عرف الشرع عبارة تبين بها من هذه العبادات المبتدأة وإن كان التعبد بها ثابتا على الوجه الذي تقدم ذكره. ولو وصفناها بأنها محرمات للحقت بالزنا وشرب الخمر والميتة والدم و أمثال ذلك من محرمات المآكل والمشارب والمناكح والمكاسب، وليست كذلك، وإنما هي دلالة على التحريم، والدلالة على المدلول عبادة كان أو


(1) في بعض النسخ: سبيل.
(2) من دونها. ظ.

[ 291 ]

محرما غيره في الحقيقة. فليتأمل ما نبهنا عليه من كيفية التعبد في الأحكام، فمن تأمله علم بلوغنا منه حدا في التحريم (1) لم نسبق عليه مع وضوح حجته وعظيم النفع بفهمه والضرر للجهل به. والأحكام ضروب ثمانية: منها أحكام العقود المبيحة للوطء. ومنها أحكام الايقاعات الموجبة لتحريمه. ومنها أحكام الذكاة وما يناسبها. ومنها أحكام العقود والأسباب الموجبة للاستحقاق وإباحة التصرف في ملك الغير. ومنها أحكام القصاص. ومنها أحكام الديات. ومنها قيم المتلفات وأرش الجنايات. ومنها أحكام الحدود والآداب. ويتبع ذلك تنفيذها والقضاء بها بين الناس.


(1) كذا.

[ 292 ]

الضرب الأول من الأحكام النكاح على ثلاثة أضرب: نكاح غبطة ونكاح متعة وملك يمين. فأما نكاح الغبطة وهو نكاح الدوام، فمن شرط صحته الولاية، وعقد الولي له بلفظ مخصوص يقتضي الايجاب، وقبول المعقود له أو النائب عنه، والولاية مختصة بأب المعقود عليها وجدها له في حياته، فإذا حضرا فالجد أولى، و يصح لكل منهما أن يعقد من دون إذن صاحبه، والأولى بالأب إيذان أبيه. فإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه، فأين كانت صغيرة جاز عقدهما عليها، ولا خيار لها بعد البلوغ. وإن عقد عليها غيرهما كان العقد موقوفا على بلوغها وإمضائها، وإن كانت بالغا (1) لم يجز لهما العقد عليها إلا بإذنها، فإن عقدا بغير إذنها خالفا السنة، وكان عليها القبول ولها الفسخ، فإن أبت العقد بطل. ولا يجوز لها العقد على نفسها بغير إذنهما، فإن عقدت خالفت السنة، و كان العقد موقوفا على إمضائهما. فإن عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء، كان لها أن تعقد على نفسها بغير إذن منهما، ولم يكن لهما الفسخ.


(1) كذا.

[ 293 ]

وإن كانت ثيبا فالأولى أن لا نعقد إلا بإذنهما أو ترد الأمر إليهما، ويجوز لها تولي ذلك بنفسها من غير إذنهما. وإن لم يكن لها جد ولا أب فالأولى بها رد ولايتها إلى بعض أهلها أو غيره من فضلاء المسلمين، وإذا وضعت نفسها في غير موضعها أو عقدت على غير كفو، فلأبيها أو جدها فسخ العقد وإن كانت ثيبا. واللفظ الموجب إذا كانت هي المتولية للعقد عليها: ” قد زوجتك أو أنكحتك نفسي على صداق مبلغه كذا ” ويقول الولي: ” فلانة بنت فلان ” دون سائر الألفاظ من ” أبحتك ” و ” حللت ” و ” وهبت لك ” و ” آجرتك ” وغير ذلك. والقبول أن يقول الزوج: ” قد قبلت هذا النكاح ” ويقول النائب عنه: ” قد قبلت هذا النكاح لفلان بن فلان ورضيت به “. فإذا تكاملت هذه الشروط انعقد النكاح (1) و [ إن ] لم يذكر المهر ويكون لها مهر مثلها. ومن السنة في هذا العقد الاعلان به، واجتماع الناس له، والخطبة، و تعيين المهر، والاشهاد، وليس ذلك من شروطه. وإذا عين المهر حين العقد لم يكن للزوجة غيره وإن كان درهما أو صاعا من بر أو ذرة أو ما نقص عن ذلك أو زاد عليه أضعافا كثيرة، ولا يصح العقد على عين محرمة كالخمر ولحم الخنزير وعين الغصب. ومهر المثل يعتبر فيه السن والنسب والجمال والتحصين، فإن نقص عن مهر السنة لم يكن لها غيره، وإن تجاوزه رد إليه، وهو خمسمائة درهم فضة أو قيمتها خمسون دينارا.


(1) كذا في النسخ، والظاهر: وإن لم يذكر.

[ 294 ]

وإذا انعقد النكاح استحقت الزوجة الصداق، والزوج التسليم، إن كانت ممن يصح الدخول بها ببلوغها تسع سنين فما زاد، وإن نقصت سنها عن هذا وقف استحقاق الأمرين إلى حين البلوغ المذكور. وإذا صح التسليم وحمل الزوج الصداق، كان له نقل الزوجة إلى بيته ولم يكن لها خيار، ولها الامتناع والتمكين ما لم تقبض جميعه، وإذا سلمت نفسها وقد قبضت شيئا لم يكن لها غيره إلا أن توافقه على الباقي وتشهد عليه به، فإن ادعت باقيا ولم تكن لها بينة فعليه اليمين، وإن ثبت بالبينة أو الاقرار فلها مطالبته به وليس لها منع نفسها منه، وإنما لها ذلك قبل الدخول. ولا يلزم الزوج قبل التسليم إنفاق ولا سكنى إلا أن يكون ذلك من قبله مع صحته ببلوغها ومطالبته (1) فيلزمه الأمران. وإذا تسلم الزوجة فعليه إسكانها من حيث تسكن (كذا)، والانفاق عليها بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدرة، ويلزمها طاعته في نفسها وملازمة منزله دون ما عدا ذلك، فإن قبضته في منزله فمنعت نفسها أو تسلطت عليه بالقول أو الفعل وعظها وخوفها الله تعالى فإن أثر ذلك وإلا هجرها بالأعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير إخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس، فإن أثر ذلك وإلا ضربها ضربا غير مبرح، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو بإذنه وامتنعت من الرجوع إليه فله ردها، وإن أبت فله تأديبها بالاعراض عنها وقطع الانفاق، فإن أصرت على الشقاق وهي في منزله أو خارجة عنه رفع خبرها إلى الناظر في الأحكام ليبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ينظران بينهما فإن أمكنهما الاصلاح أنجزاه وإن رأيا الصلاح في الفرقة أعلما الحاكم بذلك فألزم الزوج بالطلاق.


(1) هكذا كانت العبارة في جميع النسخ.

[ 295 ]

ولا يحرم وطؤ الزوجة إلا إيلاء أو ظهار ولا ينفسخ هذا العقد إلا بردة أو طلاق أو لعان أو موت أحد الزوجين. ويجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر أو أمتين، والعبد بين أربع أماء أو حرتين، ويلزم الزوج إذا كان عنده أربع حرائر أو أمتان والعبد أربع إماء أو حرتان أن يعدل بينهن في المبيت، ولا يفضل واحدة على أخرى إلا أن ترضى. ويجوز للحر إذا كان عنده حرتان أو ثلاث، وللعبد إذا كان عنده أمتان أو ثلاث أن يفضل إحديهن بما زاد على ليلة لكل واحدة من أربع ليال، فيبيت عند أحد الثلاث ليلتين وعند كل واحدة ليلة، وعند الواحدة من اثنتين ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة. وإذا سوى الزوج بين الأزواج في القسمة والمبيت والسكنى والكسوة جاز له أن يفضل بعضهن على بعض فيما زاد على الواجب من سنى الطعام واللباس. وإذا تزوج الرجل بحرة فخرجت أمة، أو بنت حرة فخرجت بنت أمة، أو سليمة فخرجت برصاء أو عمياء أو رتقاء أو عرجاء أو مجذومة أو مجنونة أو مفضاة أو محدودة أو من تحل فخرجت محرمة، كان له ردها واسترجاع ما نقد من الصداق ما لم يطأها، فإن وطئها قبل العلم بحالها فلها ما أخذت، ويرجع به على من دلسها، فإن كانت هي التي دلست نفسها لم يرجع عليها بشئ مما أخذت بعد الوطي فإن وطئها بعد العلم بحالها لم يكن له ردها ولا رجوع بشئ مما نقد. وكذلك الحكم إذا علم بالعيب ورضي به، ولا تبين منه بعد الأمرين إلا بطلاق أو أحد أسباب الفرقة.


[ 296 ]

وإن حدثت هذه العيوب بعد الدخول لم تقتض (1) الرد، ولم تبن الزوجة إلا بأحد أسباب الفراق. وإن تزوج بكرا فوجدها ثيبا فأقرت الزوجة بذلك حسب أو قامت به البينة فليس بعيب يوجب الرد (2) ولا نقصانا في المهر وإن فقدت البينة والاقرار فقذفها الزوج بذلك عزر. وإذا تزوجت المرأة بحر فظهر لها أنه عبد، وبسليم فظهر لها أنه عنين وبعاقل فظهر أنه به جنة، وبمن يحل فظهر أنه محرم، فعليها أن تصبر على العنة سنة، فإن تعالج ووصل إليها فيها مرة فلا خيار لها وإن لم يصل إليها في السنة كان لها رده وما أخذت منه، وترده بباقي العيوب بأن تعزله، فإن لم تعلم بالعيب حتى وطئها فلها ما انعقدت عليه النكاح، وإذا علمت بالعيب ثم رضيت لم يكن لها خيار. وإذا أراد نكاح امرأة جاز أن ينظر إلى وجهها وبدنها وماشية في ثيابها، وكذلك يجوز للمرأة إذا أرادت نكاح رجل أن ترى وجهه وأطرافه وماشيا، ولا يحل لأحدهما ذلك من دون إرادة التزويج. وإذا تزوج الحر أمة بإذن سيدها فولدها حر، وطلاقها بيده، فإن مات عنها سيدها أو باعها، فالوارث والمبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه. وإن تزوجت الحرة بعبد بإذن سيده فولدها حر، فإن شرط سيد الأمة على الحر رق الولد وعلى الحرة فولدهما رق. وإذا تزوج الحر بأمة يعلم رقها والحرة بعبد تعلم عبوديته بغير إذن السيد فولدهما رق لسيد العبد أو الأمة.


(1) في بعض النسخ: لم يقبض الرد.
(2) أخذنا هذه الجملة من مختلف العلامة

[ 297 ]

وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة فولدها لاحق به في الحرية ويرجع السيد بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم يرجع على أحد بشئ. وكذلك القول في الحرة إذا تزوجت بحر فخرج عبدا. وإذا زوج السيد عبده بأمة غيره فالطلاق بيده، ولسيده أن يجبره على طلاقها فإن مات سيد الأمة أو باعها، فالوارث والمبتاع بالخيار في إمضاء العقد وفسخه. وإن أعتقها فهي بالخيار في الإقامة على نكاح العبد واعتزاله والاعتداد منه وولدها رق لسيدها إلا أن يشترط رق الولد سيد العبد فيكون له. وإذا زوج السيد عبده بأمة (1) فليعطه شيئا من ماله وإن قل يجعله صداقا لها وطلاقها بيده، يأمرها أي وقت شاء باعتزاله والاعتداد منه.


(1) بأمته، كذا في بعض النسخ.

[ 298 ]

وأما نكاح المتعة فمن شرط صحته أمران: تعيين الأجر والأجل، فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل كان دواما، وإن ذكر الأجل دون الأجر فسد العقد. وصفته أن يقول مريده لمن يريد التمتع بها وتصح ولايتها في نفسها والعقد عليها ببلوغها وكمال عقلها وخلوها من زوج وعدة وحمل: أريد أن تمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا وكذا درهما أو دينارا أو بما يتعين مما له قيمة على أن لا ترثيني ولا أرثك وأن أضع الماء حيث شئت وأنه لا سكنى لك ولا نفقة وعليك إذا انقضت المدة العدة ” فإذا رضيت قال لها: ” متعيني نفسك على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله كذا وكذا بكذا وكذا على الشروط المذكورة ” فإذا أنهى قوله فلتقل: ” قد قبلت ورضيت ” والأولى أن تقول هي: ” قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا ” وتذكر الشروط فيقبل عنها. فإذا انعقد هذا النكاح فعلى المتمتع تسليم جميع الأجر، ويجوز تأخير بعضه برضاها وقد استحق بضعها ولا سكنى لها ولا عليها ولا إنفاق ولا توارث بينهما وإن شرط ذلك، ولا يقع بها إيلاء ولا طلاق ولا يصح بينها لعان. ويصح الظهار.


[ 299 ]

فإذا انقضت المدة حرمت عليه، وله أن يستأنف عقدا ثانيا، وعليها العدة. فإن جاءت بولد وكان قد وطئها في الفرج لزمه الاعتراف به وإن عزل الماء، وإن كان وطئها دون الفرج لم يجز له الاعتراف به، فإن اعترف به لحق بنسبه (1)، وإن أنكره على كل حال فهو أعلم بنفسه. ولا يجوز التمتع بالبكر إلا بإذن أبيها، ويجوز بالثيب من غير إذنه، ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع، ولا يلزم بينهن العدل في المبيت. ويجوز التمتع باليهودية والنصرانية دون من عداهما من ضروب الكفار.


(1) بنسبته خ.

[ 300 ]

وأما ملك اليمين فيكون بأحد أسباب التمليك من بيع أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو ميراث ويحل وطؤ الأمة المبتاعة والمسبية – وإن لم تخرج منها الخمس إلى أهله – لشيعة مستحقي الخمس وآبائهم دون سائر الفرق لتحليلهم شيعتهم وآباءهم (1) من ذلك لتطيب مواليدهم. ويحل الجمع بين كثير العدد وقليله من الإماء [ في ] الملك والوطئ. والأمة بعد الولد رق على ما كانت قبل وجوده، تجري عليها جميع أحكام الرق حيا كان الولد أو ميتا، إلا بيعها وولدها حي في غير ثمنها، فإنه محرم وإذا مات سيدها وخلف ولدا منها جعلت في نصيبه وعتقت عليه. ويجوز وطؤ اليهودية والنصرانية بملك اليمين دون غيرهما من الكفار وإن صح ملكهن. وإذا ملك الرجل أبويه أو أحد المحرمات بالنسب عتقوا عليه، ولا يعتقون إذا كن كذلك بالرضاع وإن كانوا محرمات. ولا يحل وطؤ الأمة المنتقلة إلى ملك الرجل بأحد الأسباب حتى تستبرئ بحيضة، ولا يحل وطؤ الحامل من غيره حتى تمضي لها أربعة أشهر إلا دون الفرج، وفيه بشرط عزل الماء، واجتنابها حتى تضع أولى.


(1) في بعض النسخ: من ذلك لطيب أموالهم.

[ 301 ]

ولو وطئ الحامل لم يحل له بيع ولدها ولا الاعتراف به ولدا، ولكن يجعل له قسطا من ماله لأنه غذاه بنطفته. وإذا كانت الأمة بين شريكين فما زاد لم يحل لواحد منهم، فإن وطئها بعضهم أثم ووجب تأديبه، فإن جاءت بولد لحق به، واغرم ما يفضل من قيمته على سهمه لشركائه، وإن وطأها الجميع أدبوا جميعا، فإن جاءت بولد أقرع بينهم فأيهم خرج اسمه ألحق به، وأغرم ما يفضل من قيمته على سهمه لباقي الشركاء.


[ 302 ]

الضرب الثاني من الأحكام ما يقتضي تحريم المعقود عليها غبطة على ضربين: أحدهما مصاحب للعقد والآخر يقتضي فسخه. والأول ضربان: إيلاء وظهار، والثاني على ضروب ثلاثة: طلاق ولعان وارتداد، لكل حكم نبينه. فصل في بيان حكم الايلاء الايلاء حلف الزوج بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة أن لا يقرب زوجته، ولا يلزم حكمه ألا بعد الدخول، فمتى قربها حنث ولزمته كفارة يمين، فإن استمر اعتزاله لها، فهي بالخيار بين الصبر عليه، ومرافعته إلى الحاكم. فإن ترافعا فكان إيلاؤه في صلاحه لمرض يضر به الجماع، أو في صلاح الزوجة لمرض أو حمل أو رضاع، فعلى الحاكم إنظاره، وعلى الزوجة التصبر عليه، حتى تزول العذر، فإن لم يكن هناك عذر أمره بما يقتضي حنثه والكفارة عن يمينه، فإن فعل وإلا أنظره أربعة أشهر، فإن فعل وإلا ألزمه بالطلاق، فإن امتنع ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفيء إلى أمر الله من مباشرة أو طلاق. فإن حلف أن لا يقرب أمته أو متعته فعليه الوفاء، فإن حنث كفر، وإن أقام على مقتضى الايلاء لم يكن لهما عليه حكم على كل حال.


[ 303 ]

فصل في الظهار لا يكون الظهار ظهارا شرعيا إلا بقصد من المظاهر إلى التحريم لزوجته حرة كانت أو أمة غبطة أو متعة، وصريح قول: ” أنت على كظهر أمي أو أحد المحرمات ” دون ما عداه من الألفاظ، مطلقا من الاشتراط، بمحضر من شاهدي عدل، في طهر لا مساس فيه بحيث يمكن اعتباره، فإن اختل شرط لم يكن ظهارا. وإذا تكاملت حرمت على (1) المظاهر منها حتى يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. فإن وطئها قبل التكفير فعليه كفارتان. وإن أصر على تحريمها فزوجة الغبطة خاصة حرة كانت أو أمة بالخيار بين الصبر عليه ومرافعته إلى الحاكم، وعلى الحاكم أن يأخذه بالتكفير والرجوع إلى مباشرتها، أو الطلاق، فإن امتنع أنظره ثلاثة أشهر، فإن فاء إلى أمر الله تعالى وإلا ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفيء إلى أمر الله سبحانه من طلاق، أو رجوع إليها وتكفير. فإذا طلق المظاهر قبل التكفير فتزوجت المرأة، ثم طلقها الثاني أو مات


(1) عليه ظ.

[ 304 ]

عنها، وتزوج بها الأول، لم يحل له وطؤها حتى يكفر. وإذا ظاهر من عدة أزواج حر من ولزمته للعزم على وطئ كل منهن كفارة. ولا يصح الظهار في ملك اليمين، ويلزم العبد المظاهر من زوجته الحرة أو الأمة إذا أراد وطأها أن يكفر بالصوم، إلا أن يبيحه السيد ما معه يكون معتقا فيلزمه العتق، وفرضه في الصوم كفرض الحر.


[ 305 ]

فصل في الطلاق وأحكامه صحة الطلاق الشرعي تفتقر إلى شروط يثبت حكمه بتكاملها ويرتفع باختلال واحدها: منها كون المطلق ممن يصح تصرفه، ومنها إيثاره الطلاق، ومنها قصده إليه، ومنها لفظه بصريحه دون كناياته، ومنها كونه مطلقا من الشروط، ومنها توجهه إلى المعقود عليها (1)، ومنها تعيينها، ومنها الاشهاد، ومنها إيقاعه في طهر لا مساس فيه بحيث يمكن اعتباره. واشترطنا صحة التصرف احترازا ” من ا لصبي والمجنون والسكران و فاقد التحصيل بأحد الآفات. اشترطنا الايثار احتراز ” من المكره. واشترطنا القصد احتراز ” من الحلف واللغو والسهو. واشترطنا إطلاق اللفظ احتراز ” من مقارنة الشروط كقوله: ” أنت طالق إن دخلت الدار ” و ” إن دخلت الدار فأنت طالق “. واشترطنا صريح قوله ” أنت طالق ” أو ” هي فلانة ” (كذا) احترازا ” من


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بضعها الآخر: والمقصود عليها.

[ 306 ]

الكنايات كقوله: ” أنت حرام ” أو ” بائنة ” أو ” خلية ” أو ” برية ” أو ” ألحقي بأهلك ” أو ” حبلك على غاربك ” أو ” اعتدى ” أو ” لا حاجة لي فيك ” وأشباه ذلك. واشترطنا تعيين المطلقة احترازا من قوله: ” زوجتي طالق ” وله عدة أزواج، أو ” أحد زوجاتي طالق ” من غير تعيين لها بقول ولا عزم. واشترطنا الاشهاد احترازا من وقوعه بغير شهادة. واشترطنا الطهر الخالص احترازا من الحيض والنفاس ومما حصل (1) فيه مباشرة. وقلنا بحيث يمكن، لصحته ممن لا يمكن ذلك فيها، وهي التي لم يدخل بها، والتي لم تبلغ، والآيسة، (2) والحامل، والغائبة، لتعذر العلم به فيهن، و قبح التكليف مع التعذر. فإذا تكاملت هذه الشروط فهو على ضربين: رجعي وبائن. والبائن على ثلاثة أضرب: طلاق العدة والخلع والمباراة، ولكل حكم. أما الرجعي فصفته أن يطلق واحدة ويدعها تعتد في سكناه ونفقته، و يحل له النظر إليها، وهو أملك برجعتها ما لم تخرج عن العدة، وإذا أراد مراجعتها فليشهد عليها، ويجوز من دون الاشهاد وهي زوجته بالعقد الأول، و تبقى معه على تطليقتين، فإن لم يراجع حتى خرجت من العدة ملكت نفسها عليه وصار كبعض الخطاب، فإن تراضيا بالمراجعة فبعقد جديد ومهر جديد وهي معه على اثنين. وأما طلاق العدة فمختص بمن يمكن اعتبار طهرها بكونها مدخولا بها، مستقيمة الحيض والطهر، فإذا عزم على ذلك فليرقب طهرها بعد الحيض، فيطلقها بمحضر من شاهدي عدل ثم يراجعها فيه أي وقت شاء منه بشاهدي


(1) حصلت.
(2) واليائسة

[ 307 ]

عدل ويطأها فيه، فإذا حاضت وطهرت طلقها ثانية بشاهدي عدل ثم يراجعها فيه بشاهدي عدل ويطأها، فإذا حاضت وطهرت الثالثة (كذا) طلقها ثالثة بشاهدي عدل، فإذا لفظ بها حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وتبين منه وتعتده. ويلزمه سكناها ونفقتها إلى أن يتلفظ بالثالثة فيسقط فرضها (1) عنه، و تحرم رؤيتها، فإن حملت في بعض المراجعتين أو يئست من الحيض فهو بالخيار بين الإقامة عليها وبين تطليقها. وأما الخلع فهو أن تكره الزوجة صحبة الرجل وهو راغب فيها فتدعوه إلى تسريحها، فله إجابتها والامتناع، حتى تقول له: لأن لم تفعل لأعصين الله فيك ولا أطيعه في حفظ نفسي عليك ولأوطئن فراشك غيرك، فلا يحل له لذلك (2) إمساكها، ويجوز له والحال هذه أن يأخذ منها أضعاف ما أعطاها. فإذا أراد خلعها فليقل: ” قد خلعتك على كذا فأنت طالق ” مع تكامل جميع الشروط المذكورة، فإذا قال ذلك بانت منه، ولا سكنى لها ولا نفقة، ولا يحل له النظر إليها، وأمرها بيدها، فإن اختار مراجعتها في العدة وبعدها ورضيت فبعقد جديد ومهر جديد، ولا تحل لغيره حتى تخرج من العدة. وأما المباراة فمن شرطها أن يكره كل واحد من الزوجين صاحبه فيصطلحا على المباراة على أن ترد ما أخذت منه أو بعضه، ولا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإذا أراد مباراتها فليقل: ” قد بارأتك على كذا وكذا فأنت طالق ” مع تكامل الشروط، فإذا لفظ بذلك بانت منه، وسقط عنه فرض سكناها ونفقتها وحرم عليه ما كان حلالا منها، فإن آثر مراجعتها في العدة أو بعدها ورضيت فبعقد جديد ومهر جديد بخلاف غيره (كذا).


(1) كذا.
(2) إذ ذاك.

[ 308 ]

وللمختلعة والمبارأة الرجوع بما افتدته (1) أو بعضه ما دامت في العدة، وإذا رجعت بشئ منه كان الزوج أملك برجعتها بالعقد الأول ولا خيار لهما بعد العدة. وإذا طلق للسنة أو خلع أو بارأ ثلاثا ساوى تطليقه للعدة ثلاثا وتحريمها (2) حتى تنكح زوجا غيره. وهذا مختص بحرائر النساء سواء كان المطلق حرا أو عبدا، فأما الأمة إذا كانت زوجة فاقتضى (3) طلاقها بحر أو عبد تطليقتان.


(1) افتدت به.
(2) كذا، ولعل الصحيح في تحريمها.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: فأقصى.

[ 309 ]

فصل في اللعان اللعان أن يقذف الرجل حرا كان أو عبدا، زوجته بنكاح الغبطة حرة كانت أو أمة، بمعاينة الزنا أو ينكر حملها أو يجحد ولدها، فتنكر ما قذفها به، ففرض الحاكم بينهما أن يجلس مستدبر القبلة، ويوقف الرجل بين يديه ووجهه إلى القبلة، والمرأة عن يمينه كذلك، ويخوفهما الله تعالى، فإن رجع الزوج عن القذف جلده حد المفتري إلا أن تعفو عنه الزوجة، وإن أقرت رجمها إن كانت حرة، وإن كانت أمة جلدها خمسين جلدة على كل حال. وإن أصرا قال له: قل: أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة لمن الصادقين، فإذا قالها أعادها عليه حتى يكمل أربع شهادات كذلك، ثم يعظه ويخوفه الله تعالى ويغلظ عليه ويحذره الدخول في لعنة الله، فإن رجع عن القذف جلده وإن أصر قال له: قل: إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قالها أقبل على المرأة فوعظها وخوفها، فإن أقرت رجمها، وإن أصرت قال لها: قولي: أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا شهدت كررها حتى تشهد أربع شهادات كذلك، فإذا شهدت أربعا خوفها الله وقال: إن لعنة الله شديدة وعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة، فإن أقرت رجمها، وإن


[ 310 ]

أصرت قال لها: قولي: إن غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإذا قالتها فرق بينهما، فلا تحل له أبدا. وإذا قذف الرجل مطلقته بما يوجب اللعان وهي في العدة وكان الطلاق رجعيا تلاعنا، وإن كان بائنا جلد مع فقد البينة والاقرار حد المفتري. وإذا قذفها وهي حامل أخر اللعان إلى أن تضع. وإذا قذفها وهي صماء أو خرساء فرق بينهما وجلد حد المفتري. وإذا قال لها: يا زانية، أو زنى بك فلان، أو ما يفيد ذلك ولم يدع معاينة ولا بينة له وأنكرت فعليه حد المفتري، ولا لعان بينهما. وإذا قذفها بما يوجب اللعان وهي حامل، واعترف بالحمل، تلاعنا ولحق به الولد، وإذا أنكر الحمل أو عين الولد فتلاعنا لم يلحق به ما أصر، فإن رجع عن الانكار ورثه الولد ومن يتعلق بنسبه ونسب الأب، ولا يرثه الأب و لا من يتعلق بنسبه ولا نسب الولد. وإذا قذف متعته ولم تكن له بينة جلد حد المفتري، وإن قذف أمته فهو مأزور ولا لعان بينهما ولا يجب عليه حد، وإن أنكر ولدها لم يلحق به وهو أعلم بنفسه، ولا يحل له مع وطئ الأمة والشبهة إنكاره، وإذا أنكر الرجل ولدا قد أقربه حد حد المفتري ولم يسمع إنكاره.


[ 311 ]

فصل في أحكام الردة الردة إظهار شعار الكفر بعد الإيمان بما يكون معه منكر نبوة النبي صلى الله عليه وآله أو بشئ من معلوم دينه كالصلاة والزكاة والزنا وشرب الخمر. فأما ما يعلم كونه كافرا له (1) باستدلال من جبر أو تشبيه أو إنكار إمامة إلى غير ذلك فليس بردة وإن كان كفرا. وإذا ارتد المؤمن وكان ولد على الفطرة قتل على ردته وإن كان ذميا أو كافرا غيره أسلم بعد كفر عرضت عليه التوبة، فإن رجع إلى الحق وإلا قتل، فإن أسلم هذا المرتد ثم ارتد ثانية قتل على ردته. وتعتد زوجة المرتد عدة الوفاة قتل أم أفلت (2) فإذا خرجت من العدة حللت للأزواج. فإن رجع إلى الاسلام من يصح ذلك منه وزوجته في العدة فهو أحق بها بالنكاح الأول، وإن خرجت عن العدة قبل رجوعه إلى الاسلام فلا سبيل له عليها إلا أن يختار مراجعتها فبعقد جديد ومهر جديد.


(1) كافرا به. ظ (2) في بعض النسخ: قتل أم لا.

[ 312 ]

فصل في العدة وأحكامها سبب العدة شيئان: طلاق وموت وما يجري مجراه. فأما الطلاق فإن وقع من حر أو عبد، بحرة أو أمة، قبل الدخول، أو بعده وقبل أن تبلغ تسع سنين، أو بعد ما يئست من الحيض ومثلها لا تحيض فلا عدة عليها، وإن كان بحرة بعد الدخول وقبل الحيض (1) أو بعد ارتفاعه لعلة ومثلها من تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت أمة فخمسة وأربعون يوما. وإن كانت الحرة ممن تحيض فعدتها ثلاثة قروء والأمة قرءان، فإن أعتقت وهي في العدة تممتها عدة الحرة – والقرء الطهر بين الحيضتين -. وإن كانت الحرة أو الأمة حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. وعدة المتمتع بها قرءان فإن كانت ممن لا تحيض فخمسة وأربعون يوما وعدة الأمة الموطوءة إذا أعتقت عدة الحرة. وحكم المعتدة في الطلاق الرجعي ملازمة منزل مطلقها، ولا تخرج منه إلا بإذنه، ولا يخرجها إلا أن تؤذيه أو تأتي في منزله ما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها إليه، ولا تبيت إلا فيه، ويخرجها للأذى من غير رد، وتحل لها الزينة.


(1) كذا في النسخ.

[ 313 ]

والبائنة تسكن حيث شاءت، ولا تبيت خارجة عن بيت سكناها، وتحل لها الزينة. ونفقة عدة الطلاق الرجعي واجبة، ولا تجب للبائن إلا أن تكون حاملا. وأما عدة الحرة من الوفاة قبل الدخول وبعده ومع الحيض وارتفاعه فأربعة أشهر وعشرا، فإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين، وتعتد الأمة بشهرين وخمسة أيام، فإن كانت حاملا فبأبعد الأجلين. فإن طلق الحر أو العبد أمة أو حرة فتوفي وهي في العدة وكان الطلاق رجعيا فعليها أن تعتد بأبعد الأجلين حاملا كانت أم خلية، وإن كانت بائنا لم يلزمها إلا عدة الطلاق. وعدة أم الولد لوفاة سيدها أربعة أشهر وعشرا، وكذلك حكم المتمتع بها لوفاة المتمتع قبل انقضاء أيامها، تعتد أربعة أشهر وعشرا، فإن توفي بعد ما انقضت أيامها وهي في العدة لم يلزمها غير عدة المتعة المذكورة. وإذا أعتقت الأمة المتوفى عنها زوجها قبل خروجها من العدة فعليها تكميل عدة الحرة. وتعتد المرتد عنها زوجها عدة الوفاة. ويلزم المعتدة للوفاة الحداد باجتناب الزينة في الهيئة واللباس ومس الطيب وتبيت حيث شاءت. وإذا كانت المتوفي عنها زوجها حاملا أنفق عليها من مال ولدها حتى تضع. وحكم جميع العدد المنع من الأزواج. وإذا طلق الغائب أو مات فعليها أن تعتد لكل منهما من يوم بلغها الطلاق أو الوفاة، لكون العدة من عبادات النساء وافتقار العبادة إلى نية تتعلق بابتدائها.


[ 314 ]

فصل في أحكام الأولاد السنة في المولود حال وضعه تحنيكه بماء الفرات أو بماء فيه عسل، و الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، فإذا كان يوم السابع حلق رأسه و تصدق بزنته ذهبا أو فضة وختن وعق عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى وتصدق بلحم العقيقة على فقراء المؤمنين، تعطى منها للقابلة (1) الورك بالرجل (كذا)، ولا يعطى منها الجزار شيئا، وإن طبخ لحمها وجمع له فقراء المؤمنين فهو أفضل. ويسمى في هذا اليوم بأحسن الأسماء، وهي أسماء الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وذراريهم، وأفضل ذلك أسماء شريعتنا. وأقل الطهر عشرة أيام، وأكثره ثلاثة أشهر، وأقل الحمل ستة أشهر وأكثره تسعة أشهر، والريب ثلاثة أشهر، فتصير الغاية في أكثر الحمل سنة كاملة. وإذا طلق الرجل زوجته أو مات عنها فتزوجت وجاءت بولد لستة أشهر فما زاد من يوم دخل الثاني بها فالولد لاحق به، وإن كان لأقل من ستة أشهر لم يلحق به. فإن كان لمدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونهما فهو لا حق


(1) القابلة

[ 315 ]

بالأول، وإن كان لأكثر من ذلك لم يلحق به، وكذلك الحكم فيها إذا لم تتزوج بعد الطلاق أو الوفاة وجاءت بولد لسنة فما دونها، في لحوقه بالمطلق أو المتوفى، ولا يلحق به بعد السنة. وإذا باع الرجل أمة كان يطأها فجاءت بولد لستة أشهر من ملك الثاني فما فوقها فهو لاحق به، وإن كان لأقل من ذلك فهو لاحق بالأول، فإن أنكره فهو رق للثاني. فإن عتقها فتزوجت فجاءت بولد لستة أشهر فهو للزوج، وإن كان لأقل منها فهو للمعتق، فإن أنكره فهو حر لا يلحق بأحد، وإن لم تتزوج وجاءت بولد لسنة من يوم عتقها فما دونها فهو للمعتق إن اعترف به، وإن أنكره أو كان لأكثر من سنة لم يلحق به وكان سائبة. وإذا تزوج الرجل أو ملك أمة فوطئ في الفرج فجاءت بولد حي لستة أشهر فهو لاحق به وإن عزل الماء، وإن كان لأقل من ستة أشهر لم يلحق به، ولم يحل له الاعتراف به فإن اعترف به الحق به على الظاهر، وإن أنكره وكانت المدة معلومة فلا لعان بينهما، وإن تعذر العلم بها وما يجري مجراه في الحكم تلاعنا. ولا يحل لزوج امرأة ولا سيد أمة أن يعترف بولد يعلم أنه لم يطأ أمه منذ سنة أو منذ أقل من ستة أشهر حاضرا كان أم غائبا، وإذا ثبت ذلك حكم به وإن لم يثبت لا عن الحرة دون الأمة، ولا يلحق بالزوج ولد التي لم يدخل بها حاضرة كانت أم غائبة. وإذا بلغ الزوجة وفاة الزوج أو طلاقه فاعتدت وتزوجت، ثم حضر فأنكر الطلاق ولم يكن له (1) بينة فهي زوجته وعليه اعتزالها إن كان الثاني وطئها ثلاثة


(1) كذا.

[ 316 ]

قروء فإن ظهر بها حمل فإلى أن تضع، فإن لم تضع لتسع كملها سنة، فإن جاءت بولد لأقل منها وكان لستة أشهر فما فوقها من يوم دخل بها الثاني فهو لاحق به وإن كان لأقل منها فهو لاحق بالأول، فإن أنكره تلاعنا، وإن لم يكن الثاني قربها فليستبرئها بحيضة ثم يطأها إن شاء. وولد المتعة كولد الزوجة في جميع الأحكام المذكورة إلا اللعان في إنكاره فإنه لا لعان بين المتمتعين. ولا يجوز لأحد أن يبيع أمة موطوءة ولا يطأ مبتاعه حتى يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض وإلا بخمسة وأربعين يوما. وإذا طلق الزوجة وله منها ولد يرضع فهي أحق برضاعه وكفالته، ولها أجر الرضاع، فإن طلبت شططا فوجد من يرضعه بالأجر القصد فرضيت به فهي أحق به وإن أبت سلم إلى المرضعة، ولها كفالته على كل حال، ولها تسليمه إلى أبيه.


[ 317 ]

فصل فيما يقتضي فسخ الرق ينفسخ الرق ويتحرر المرقوق بعتق أو مكاتبة أو تدبير. فأما العتق فتفتقر صحته إلى لفظ مخصوص، وقصد إليه، مطلق من الشروط، ممن يصح ذلك منه، لوجهه متقربا إلى الله تعالى به. فاللفظ قوله: ” أنت أو فلان أو فلانة حر لوجه الله تعالى ” عن إيثار من عاقل لا يولى على مثله، ولا يصح من محجور عليه، ولا مكره، ولا سكران، ولا ساه، ولا غالط، ولا حالف، ولا مشترط، ولا لغير الله، ولا له تعالى مع الجهل بالوجه، أو مع معرفته وإيقاعه لغيره. وينقسم إلى واجب في حق التكفير ومبتدئ للترغيب، ومعتوق القسم الأول سائبة، لا ولاء عليه لمعتقه، إلا أن يتولاه. والثاني ولاؤه لمن أعتقه و لعصبته من بعده. ويجوز عتق الأمة مطلقا “، ويصح أن يجعل عتقها صداقها. وصفته مع تكامل الشروط أن يقول سيدها: ” قد أعتقتك وزوجتك و جعلت عتقك صداقك لوجه الله تعالى ” وإذا كان مالك العبد أو الأمة واحدا فأعتق ربعه أو ربعها أو ما زاد على ذلك أو نقص عنه عتق الجميع. وإن كان مشتركا فعتق أحد الشركاء لوجه الله تعالى تحرر منه بمقدار حصته واستسعى


[ 318 ]

في الباقي. ومن السنة أن يشهد على العتق، وما دعا إليه من تكفير أو ترغيب وإن كتب بذلك وأشهد كان أولى. وإذا أعتق عبدا أو أمة وله مال يعلم به فهو للمعتق يملكه بإباحته، وإن لم يعلم به أو علم به فاشترطه فهو له دون المعتق. وإذا عجز المرقوق عن الخدمة لعمى أو زمانة أو مرض سقط عنه فرضها. ولا يجوز عتق الكافر، ولا يعتق في الكفارة الأعمى ولا الأعرج ولا الأشل ولا المجذوم. وأم الولد رق حيا كان أم ميتا، ويجوز بيعها بعد موته على كل حال، ومع بقائه إذا كان ثمنها دينا (1) خاصة، ويجوز عتقها في الكفارة، وإذا مات سيدها وولدها حي جعلت في سهمه وعتقت عليه. والولاء لمن أعتق دون البائع وإن اشترطه، وميراث ولد المعتق لولي نعمته سواء كانوا (كذا) قبل العتق أو بعده. وأما المكاتبة فهي بيع المرقوق منه، وصفتها أن يشترط المالك على عبده أو أمته تأدية شئ معلوم يعتق بالخروج منه إليه وهي على ضربين: أحدهما أن يشترط عليه أنه إن عجز إلى مدة معلومة عن جملة الأداء أو بعضه رجع رقا وسقط أداؤه، والثاني أن يكاتبه ولا يشترط. وعلى الوجه الأول متى عجز عن الأداء أو بعضه رجع رقا، وعلى الوجه الثاني يتحرر منه بحسب ما أدى من مكاتبته. ويستحب أن تسمح له بشئ من مال المكاتبة ويعينه على الأداء من مال الزكاة، ويجوز ذلك لغير مكاتبه.


(1) دينها. *)

[ 319 ]

وأما التدبير فعتق تفتقر صحته إلى شروط العتق، ويفارقه من حيث كان العتق منجزا والتدبير بعد الوفاة، وصفته أن يقول المالك لعبده أو أمته: ” أنت حر بعد وفاتي ” ويشهد بذلك، فيكون رقا في حياته، فإذا مات صار حرا، وله الرجوع في تدبيره، لأنه جار مجرى الوصية. وليس للورثة خيار على المدبر وإن لم يكن لمدبره مال غيره. ويجوز بيعه في حال تدبيره، فإذا مات مدبره تحرر على مبتاعه، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه وإلى أن مات مدبره فلا شئ له، وإن لم يكن يعلم رجع على التركة بما نقد فيه، وإن كان بيعه بعد ما رجع في تدبيره لم يتحرر بموت مدبره.


[ 320 ]

الضرب الثالث من الأحكام ذكاة السمك والجراد صيد المسلم له خاصة، وحكم ما يكون في الماء من الحيوان حكم حيوان البر في الذكاة، وذكاة ما يحل من الحيوان ذبح المسلم أو نحره، وينوب مناب ذلك قتل الطير بالنشاب خاصة، وقتل ما عداه من صيد البر بسائر السلاح وبالكلب المعلم بشرط كون المتصيد بالسلاح ومرسل الكلب مسلما. وإذا استعصى شئ من الأنعام جرى مجرى الوحش في صحة ذكاته بسائر السلاح، وكذلك حكمه إذا وقع في زبية وتعذر فيه الذبح والنحر. ولا تقع الذكاة بشئ من الأنعام وغيرها مما تقع عليه إلا من مسلم. وإذا أراد التذكية فليستقبل بالإبل القبلة ويعقل إحدى اليدين ويطعنها في لبتها ويسمي، ويضجع باقي الذبائح تجاه القبلة ويسمي ويذبح في الحلق، ولا يفصل الرأس حتى تبرد الذبيحة، فإذا وجبت جنوبها وبردت حل الانتفاع بها بأكل ما يؤكل منها والتصرف فيما لا يؤكل من السباع، فإن لم تتحرك الذبيحة أو تحركت ولم يخرج منها دم فهي منخنقة لا يحل الانتفاع بها. وذكاة ما أشعر أو أوبر من الأجنة ذكاة أمه. وكذلك حكم ما يوجد من سمك


[ 321 ]

في أجواف غيره من السمك. فإن تعمد توجيهها إلى غير القبلة، أو ترك التسمية فهي ميتة، وإن كان ساهيا فهي ذكية. وتصح ذكاة المرأة المسلمة وولد المسلم المراهق، والذكاة بالحديد مع إمكانه، وبما يقوم مقامه في (1) النحر وفري الأوداج عند تعذره. ويؤكل ما يوجد في ضروع ميتة الأنعام وأمثالها من الوحش من اللبن، وما في أجواف ميتة الطير من البيض ذي القشر دون المائع. ويجوز الانتفاع من ميتة ما تقع عليه الذكاة بالشعر والصوف والوبر والقرن والظلف والخف والمخلب والسن واللبن والأنفحة والريش. وإذا وجد لحم لا تعلم ذكاته طرح على النار، فإن تقلص واجتمع فهو ذكي، وإن انبسط فهو ميتة، ويعتبر ذكي السمك من ميتته بطرحه في الماء فإن رسب فهو ذكي وإن طفا فهو ميتة.


(1) في بعض النسخ: من النحر.

[ 322 ]

الضرب الرابع من الأحكام لا يصح التصرف فيما عدا الملك والمباح إلا بإذن المالك أو نحلة أو منحة أو صدقة أو هدية أو عارية أو قرض أو شركة أو إجارة أو لقطة أو بيع أو قيمة متلف أو أرش جناية أو دية نفس أو عضو أو غنيمة أو وصية أو سكنى أو رقبى أو عمرى أو ميراث، ولكل حكم. فصل في الإذن إذن المالك بالقول أو ما يقوم مقامه من العالم بالقصد وجه مبيح للتصرف، وإباحة القديم تعالى عابري السبيل الانتفاع بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا فساد ينوب مناب إذن المالك في حسن التصرف. فصل في النحلة النحلة وجه لإباحة التصرف في المنحول ويعبر عنها بالهبة، وتفتقر صحة تملكها إلى قبض المنحول أو وليه فيما يصح قبضه ورفع الحظر عما لا يصح قبضه، والقبول له، وهي على ضربين: مقصود بها وجه الله تعالى ومقصود بها التكرم (1)


(1) في بعض النسخ: المتكرم.

[ 323 ]

أو التقرب إلى المنحول. القسم الأول مختص بمن يصح التقرب بصلته من أهل الإيمان وذوي الأرحام دون الأجانب من الكفار والفساق المعلنين، وإذا قبضت لم يجز الرجوع فيها ولا التعوض عنها. القسم الثاني على ضربين: لذي رحم وأجنبي، فنحلة ذي الرحم مملوكة بالقبض أو ما يقوم مقامه من قبض الولي، وإذا كان الموهوب له في حجر الواهب فإمضاؤه لها وعزلها ورفع الحظر عنها ينوب مناب قبضه أو غيره من الأولياء ولا يجوز للواهب الرجوع فيها على حال. ونحلة الأجنبي معتاض عنها وغير معتاض، فالمعتاض عنها لا يجوز الرجوع فيه على وجه، وغير المعتاض منه (كذا) على ضربين: قائم العين ومستهلك، فالقائم العين يصح الرجوع فيه، والمستهلك لا يصح الرجوع فيه. فصل في المنحة المنحة جهة لإطلاق الانتفاع بالممنوح، وصفتها أن يمنح المرء غيره الشاة أو البقرة أو الناقة يحلبها مدة معلومة، فإن قصد بذلك وجه الله تعالى مع من يصح التقرب إليه سبحانه بمعونته فعليه الوفاء بالمدة، وإن كان لغير ذلك فله الرجوع أي وقت شاء، والوفاء أفضل. فإن هلكت المنحة أو نقصت من غير تعد (1) من الممنوح ولا تفريط لم يضمن، وإن تعدى أو فرط ضمن قيمة هلاكها وأرش نقصانها.


(1) في النسخ: من غير فعل.

[ 324 ]

فصل في الصدقة الصدقة وجه لتحريم التصرف على المتصدق وإباحته للمتصدق عليه، وإنما يكون كذلك بأن يقع بما يصح التصرف فيه بملك أو إذن، على من تصح القربة فيه، بشرط القبض أو ما يقوم مقامه، وإيقاعها للوجه الذي له شرعت، مخلصا بها لله تعالى. فإذا تكاملت هذه الشروط فهي صدقة ماضية لا يجوز الرجوع فيها، وإن اختل شرط فهي على ملك المتصدق. وهي على ضربين: أحدهما يقتضي تمليك الرقبة والثاني إباحة المنافع. فالأول أن يتصدق المرء بما يصح تصرفه من الأعراض والأموال أو الحيوان أو الرباع أو الأرض قاصدا إلى تمليك الرقبة من غير شرط، فتقبص أو يرتفع الحظر ويقبل فيخرج عن ملك المتصدق إلى ملك المتصدق عليه إن شاء أمسك وإن شاء باع أو وهب. والثاني على ضربين: مشترط ومؤبد. والمشترط على ضروب: منها أن يتصدق بمنافع داره أو أرضه أو رقيقه أو دابته على شخص معين مدة معلومة ثم ذلك راجع إلى ملكه أو إلى جهة من الجهات، فهي


[ 325 ]

على شروطها. أو يتصدق على أقاربه أو غيرهم بذلك مطلقا ويجعل إليهم بيع الرقبة عند الحاجة أو عند خرابها بالصدقة دون حالتي الغنا وعمارتها. أو يتصدق بمنافع الدار والأرض على قوم بشرط أن لا يفسقوا في الجملة، أو فسقا مخصوصا، أو ينتقلوا عن بلد، أو مذهب، فمتى اختل الشرط رجعت الصدقة ملكا، أو انتقلت إلى جهة غير ذلك (1) من وجوه الاشتراط، فالحكم إيقاف الصدقة على ما شرط المتصدق. والمؤبد أن يحبس الرقبة ويجعل منافعها لموجود معين من نسله أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب وعلى من يتجدد من ولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا أو إلى غاية معلومة فإذا انقرضوا أو انتهوا إلى الغاية فذلك راجع إلى بني علي أو حسين أو جعفر عليهم السلام أو إلى جهة من أبواب البر. ويشترط ما شاء من مساواة في المنافع بين أهلها، أو تفضيل بعض على بعض، أو ترتيب الأعلى على الأدنى أو تساويهم. ويؤبدها ويحرم بيعها و نقلها عن جهاتها وتغيير شروطها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها، وحرم تغيير شئ منها. وإذا تصدق على أحد الوجوه المذكورة وأشهد على نفسه بذلك ومات قبل التسليم فكانت الصدقة على مسجد أو مصلحة فهي ماضية، وإن كانت على من يصح قبضه أو وليه فهي وصية يحكم فيها بأحكام الوصايا. وإذا تصدق على من لم يوجد فقال: هذه الدار أو القرية أو الأرض على من يولد لي أو لفلان لم تمض الصدقة، وإن تعلقت بموجود وبمن لم يوجد


(1) إلى غير ذلك. ظ.

[ 326 ]

كقوله: ” على فلان – وهو حي – وعلى ولده من بعده ” مضت الصدقة. ولا يحل لمسلم محق أن يتصدق على مخالف للاسلام أو معاند للحق إلا أن تكون ذا رحم، ولا يوقف على شئ من مصالحهم، ولا على بيعة ولا على كنيسة ولا بيت نار إلى غير ذلك من معابد الضلال ومجامعهم، فإن فعل لم يمض فعله ووجب على الناظر في مصالح الدين فسخه (1). ويجوز لأهل النحل الفاسدة من اليهود والنصارى والمجبرة والمشبهة و غيرهم أن يتصدق بعضهم على بعض وعلى مصالحهم وبيوت عباداتهم. وإذا اقتضى شرط صدقة المسلم المحق مصيرها إلى من لا يجوز القربة بصلته، أو تغيرت حال أهلها أو بعضهم عن صفة من تحل معها بشرط (2) الصدقة أو حكم الملة صلته بطل استحقاقه وصار حكمه حكم الميت. وإذا تصدق على الإطلاق، أو حبس شيئا على ولده ولم يخص بالذكر درجة من درجة، ولا ذكرا من أنثى، فهي على جميع ولد الصلب وولدهم و إن سفلوا، ذكرانهم وإناثهم بينهم بالسوية، لدخول الكل تحت اسم الولادة و البنوة لغة وشرعا، وإن خص بعضا من بعض، أو رتبهم فهي على ما شرط. وإن تصدق على جيرانه ولا يعين ولا علم قصده (3) فهي على من يلي داره من جميع الجهات إلى أربعين ذراعا. وإن عرف أهل الصدقة بأب كعلي أو الحسن أو عباس أو ربيعة أو قرارة (كذا) أو حمير، أو بلد كمصر أو بغداد، أو محلة كالكرخ وباب الطاق، أو صناعة


(1) في بعض النسخ: نسخه.
(2) كذا في النسخ.
(3) في بعض النسخ: ولا علم قصده فهي من بعض أو رتبهم من يلي داره، والظاهر ما أثبتناه.

[ 327 ]

كالنجارة (1)، أو مذهب كالإمامية أو الزيدية، أو طريقة كالعدالة، أو حفظ القرآن، أو العلم بشئ مخصوص، أو ملازمة مشهد أو مسجد أو عبادة متميزة، وجب صرف صدقته إلى من تسوغ في الملة معونته من جميع جيرانه وبني الأب و أهل المصر والمحلة وأرباب الصناعة ومنتحلي المذهب وذوي الطريقة والمحاورة المنسوب إليها الموجودين من الذكور والإناث بالسوية، إلا أن يخص بعضا من بعض، أو يفضل بعضا على بعض، فيعمل فيها بموجب شرطه. وإذا تصدق على قومه أو عشيرته عمل بالمعلوم من قصده، فإن لم يعرف مقصوده عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق وصرفت الصدقة إلى من يصح ذلك فيه منهم. وإذا تصدق على أهل الخمس والزكاة فهي لمن بيناه من المستحقين لذلك من أهل بلده إلا أن يشترط صرفها إلى غيرهم أو مشاركتهم فيعمل لمتقضى (2) شرطه.


(1) كالتجارة.
(2) بمقتضى. ظ.

[ 328 ]

فصل في الهدية من وكيد السنة وكريم الأخلاق الاهداء. وقبول الهدية على ضروب ثلاثة: أحدها أن يدعو إليها داعي الولاية الدينية فيقصد وجهها قربة إليه سبحانه، فيلزم في السنة قبولها، ويخرج بالقبول عن يد المهدي ويحرم الرجوع فيها والتعوض عنها، وإن لم يقبلها خالف السنة، وللمهدى التصرف فيها و إن كان قد فصلها عن ماله وليست كالصدقة. وثانيها أن يدعو إليها داعي المودة الدنيوية والتكرم، فيحس قبولها إذا عريت من وجوه القبح، ويقبح القبول مع ثبوته، ويخرج بالقبول عن يد المهدي وله الرجوع فيها ما لم يتصرف فيها من أهديت إليه، وإمضاؤها أفضل، ولا تجب المكافأة عليها، وفعلها أفضل. وثالثها أن تدعوا إليها الرغبة في العوض عنها، وهي مختصة بهدية الأدنى للأعلى في الدنيا، فهو مخير في قبولها وردها، فإن قبلها لزمه العوض عنها بمثلها، والزيادة أفضل، ولا يجوز له التصرف فيها ولما يعوض عنها أو يعزم على ذلك، وإذا عوض عنها وقبل المهدي العوض لم يكن له الرجوع فيها وإن كان دونها، وإن لم يقبل العوض فله الرجوع فيها ما دامت عينها


[ 329 ]

قائمة وإن بذل له زيادة عليها، فإن تصرف فيها فعليه قيمتها إلا أن يتبرع بالفضل. فصل في العارية العارية وجه يحسن التصرف وهو على ضربين. مضمونة، وغير مضمونة، فالمضمونة العين والورق على كل حال، وما عداهما من الأعيان بشرط التضمين أو التعدي، فمتى هلكت أو نقصت والحال هذه فعلى المستعير ضمان مثل ما هلك من المال وقيمة ما تلف من الأعيان وأرش ما نقص. فإذا اختلفا في التضمين والتعدي فعلى المالك البينة، وعلى المستعير اليمين، وله ردها مع دعوى التضمين عليه، وأيهما حلف حكم بمقتضى يمينه. وإن اختلفا في مبلغها أو قيمتها أخذ ما أقر به المستعير، ووقف ما زاد عليه على بينة أو يمين المستعير (كذا). وما ليس بمضمون من العواري ما عدا ما ذكرناه من العين والورق و المضمن والمعتدى فيه من العواري المطلقة من التضمين العرية من التعدي و التفريط، وما هذه حاله لا يلزم المستعير فيه قيمة ولا أرش.


[ 330 ]

فصل في القرض والدين وأحكامهما القرض أو تأخير الحق (كذا) سبب لإباحة التصرف في ملك الغير، وكل منهما في حق المالك إحسان وفي حق الغير مكروه مع الغنا عنه، محرم مع فقد القدرة على قضاءه وعدم الضرورة إليه، وأخذ الزكاة مع الحاجة إليه أولى منه، فإن لم يجدها المحتاج فالقرض أفضل من الطلب بالكف، وليقتصر على ما يحفظ الحياة، ولينو أداءه في أول أحوال التمكن منه، ويقتصد (1) في الانفاق مما يكتسبه على البلغة ويعزل ما فضل لمدينه. ويكره للمدين المطالبة بالدين مع الغنا عنه وظن حاجة الغريم إلى التوسع به، ولا يحل له ذلك مع العلم أو الظن بعجز الغريم عن أدائه، و يلزم النظرة إلى حين التمكن منه. وله الاحتساب به من الزكاة إذا كان الغريم من أهلها. وإن كان مخالفا للحق أو منفقا ما استدانه في حرام فله حبسه (2). وإذا ألح المدين على غريمه بالمطالبة وأحضره مجلس الحكم فخاف من الاقرار الحبس، فله الانكار واليمين عليه والتورية فيها بما تخرج به عن


(1) ويقتصر. ظ.
(2) في بعض النسخ، فله حسابه.

[ 331 ]

الكذب، بشرط العزم على قضائه متى تمكن، وإعلامه بذلك قبل اليمين وبعدها، وعليه متى تمكن، الخروج إليه مما أحلف عليه. ويكره للمدين النزول على غريمه وقبول هديته لأجل الدين، ويحرم ذلك عليه مشترطا في حال الادانة، والنزول عليه أكثر من ثلاث على كل حال. ولا يجوز بيع المسكن والغلام وستر العورة ودابة الجهاد في الدين، ويباع ما عدا ذلك ولا تحل مطالبة في الغريم ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد الأئمة صلوات الله عليهم. ويلزم الزوج قضاء ما استدانته الزوجة وأم الولد وغيرهما ممن تجب عليه نفقته في غيبته بالمعروف. ويجوز القرض بشرط أن تزوجه أو يخطب له أو يعامله في بيع أو إجارة أو أن يعطيه عوض الغلة (1) صحاحا وعوض المصوغ من الذهب عينا ومن الفضة ورقا وعوض نقد مخصوص من خالص الذهب والفضة من الغش من نقد غيره، ويلزم ذلك مع الشرط، ومع عدمه ليس له إلا مثل ما أقرض إلا أن يتبرع أحدهما. ويكره للمدين أن يستحلف الغريم المنكر، لأن في ذلك تضييعا للحق، وتعريضا لليمين الكاذبة، وإذا حلف الغريم فتمكن المدين من مقدار حقه لم يحل له أخذه مجاهرة، فإن أذن له أو جاء مبتدئا بحقه حل له أخذه. وإن أنكره فلم يستحلفه جاز له إذا ظفر بشئ من ماله أن يأخذ منه بمقدار حقه، إلا أن تكون وديعة فلا يحل اقتصاص الحق منها إلا بإذن الغريم. وإذا استدان العبد بإذن سيده فعليه القضاء عنه، فإن عتق فالدين في ذمته إلا أن


(1) في مجمع البحرين: الدرهم الغلة: المغشوش.

[ 332 ]

تكون الاستدانة للسيد فيلزمه القضاء دون العبد، وإن استدان بغير إذن السيد فلا ضمان عليه ولا على العبد إلا أن يعتق فيلزمه الخروج إلى مدينه مما عليه. ومن مات وله وصية وعليه دين بدئ بالكفن ثم الدين وباقي الصداق منه، ثم الوصية، ثم الميراث، فإن لم يترك ما يوفي بالدين تحاص الغرماء فإن وجد بعضهم عين سلعته قائمة فهي له دون الغرماء، وهذه حال المفلس، وإن لم يخلف إلا ما يكفن به فلا شئ للغرماء، ويجوز قضاء دينه من مال الزكاة وهو أفضل من إعطائها للحي إذا كان المتوفى من أهلها، واحتساب المدين ذلك من زكاة ماله أفضل من استيفائه دينه من زكاة غيره على غريمه المتوفى و الحي. ولا يثبت الدين في تركة المتوفى إلا بإقرار جميع الورثة أو بينة المدعي مع يمينه، فإن أقر بعض الورثة لزمه الأداء بمقدار سهمه من الإرث ولا تحل الدعوى على الورثة ولا تسمع إلا أن يعلم علمهم بالدين أو يدعي ذلك وإذا شهد نفسان من الورثة بدين وكانا عدلين لا يرتاب في شهادتهما حكم بالدين في التركة مع يمين المدعي، وإن كانا بخلاف ذلك أو أحدهما فهما مقران يلزمهما من الدين بحساب سهمهما من الإرث. وإذا قتل الغارم عمدا أو خطأ قضي دينه من الدية وورث ما فضل عنه و إذا لم يخلف المقتول عمدا ما يقضي دينه لم يجز لأوليائه القود (1) حتى تتكلفوا بما عليه منه.


(1) في بعض النسخ: العفو، وهو تصحيف.

[ 333 ]

وإذا مات حل (1) ماله من دين مؤجل عليه. وتكره الادانة بغير رهن ولا بينة، والأولى الجمع بينهما فمن لم يفعل لم يؤجر على ضياع ماله. والكفالة والحوالة تسقطان حق المطالبة بالدين وتقتضيان براءة ذمة الغريم منه. وعجز الغارم عن الأداء يسقط حق المطالبة ويوجب التأخير إلى حين اليسر. وينوب فعل الوكيل في المطالبة مناب موكله. ونحن نذكر أحكام الرهن والوكالة والحوالة والكفالة والتفليس لتعلق ذلك بأحكام الديون.


(1) في جميع نسخنا هكذا: وإذا مات المؤجل ماله. والصحيح ما أثبتناه كما يظهر من المختلف للعلامة فراجع.

[ 334 ]

فصل في أحكام الرهن تفتقر صحة الارتهان إلى قبض الرهن فيما يصح قبضه أو رفع الحظر فيما لا يصح قبضه وقبول ذلك. وثمر الشجر الظاهر وولد الحيوان الحامل ونبات الأرض الحاصل قبل الارتهان خارج عنه، وما تجدد من ذلك في حاله لا حق بالأصل. ولا يجوز للراهن ولا المرتهن التصرف في الرهن ولا الانتفاع به إلا عن اتفاق قبل عقدة الرهن أو في حالها ويجوز للمرتهن إذا كان حيوانا فتكفل بمؤنته أن ينتفع بظهره أو خدمته أو صوفه أو لبنه وإن لم يتراضيا، ولا يحل شئ من ذلك من غير تكفل مؤنة (1) ولا مراضاة، والأولى أن تصرف قيمه منافعه في مؤنته. وإذا كان للرهن غلة يصح بقاؤها كالحنطة والشعير رهن مع الأصل، و إن كانت مما لا يصح بقاؤها كالخيار والأترج فعلى المرتهن بيعه وقبض ثمنه و الاحتساب به عن إذن الراهن إن أمكن وإلا فهو رهن مع الأصل. وإذا عمر المرتهن الأرض وغرس فيها عن إذن الراهن في حال الارتهان فله غلة ذلك، وإن كان بغير إذنه فهو أثم وعليه أجر الأرض وله غلتها. ورهن المشاع جائز كالمقسوم، وإذا رهن ما يملك بعضه صح الرهن


(1) مؤنته. *)

[ 335 ]

فيما يملك، وكان رهنا على جملة الدين، ويبطل فيما لا يملكه، ولا يصح بيع الرهن إلا عن تراض منهما (1) متقدم أو متأخر، فإن هلك الرهن في مدة السوم لأجله (كذا) وكان البيع سائغا (2) فهو من مال الراهن وعليه الخروج من الحق إلى المرتهن، وإن كان ممنوعا منه فهو من مال المرتهن. وإذا كان هلك الرهن من غير تفريط فهو من مال الراهن، وعليه الخروج إلى المرتهن مما عليه من الحق، وإن كان عن تفريط فهو من مال المرتهن، فإن اختلفا في الاحتياط والتفريط فكانت لأحدهما بينة حكم بها وإلا فالقول قول المرتهن مع يمينه، وإذا ثبت التفريط واختلف في قيمة الرهن وفقدت البينة فالقول قول الراهن مع يمينه. وإذا ادعى المرتهن مبلغا من الدين فأقر الراهن ببعضه وأنكر البعض قبل إقراره فيما أقربه وحلف على ما أنكر. وإذا اختلف اثنان في شئ فقال أحدهما هو عندي رهن وقال الآخر هو وديعة، فعلى مدعي الرهن البينة فإن فقدت طولب الآخر بها، فإن تعذرت حلف أنه وديعة وتسلمه (3)، فإن نكل عن اليمين فهو رهن. وإذا حل الدين وتعذر إيذان الراهن في بيعه فالأولى تركه إلى حين تمكن الايذان، ويجوز بيعه، فإن نقصت قيمته عن الدين لم يكن له غيرها، وإن كان بيعه بإذنه فعليه القيام بما بقي من الدين عن ثمن الرهن، وإن فضل عن مقدار الدين فهو للراهن. وإذا لم يعلم ما عليه من دين ضمن قيمته فإذا حضر الراهن فالقول قوله مع يمينه.


(1) في بعض النسخ: أو متقدم أو متأخر.
(2) في جميع النسخ: شايعا والصحيح ما أثبتناه.
(3) ويسلمه.

[ 336 ]

وإذا فلس الغريم أو مات فالمرتهن أحق بالرهن من باقي الغرماء، فإن فضل عنه شئ كان لهم، وإن نقص حاصهم فيما عداه. وإذا رهن عصيرا فصار خلا فهو رهن، وإن صار خمرا بطلت وثيقة الرهن ووجبت إراقته، وعلى الغريم القيام بالدين، وإن كان مائعا طاهرا فصار نجسا بفعل المرتهن أو تعديه فهو من ماله يوم نجسه، وإن لم يتعد فهو من مال الراهن يهراق ما لا يصح الانتفاع به كالخل، ويباع ما يصح الانتفاع به كالدهن ويحتسب بثمنه من مال الدين. ولا يصح للراهن ولا المرتهن وطئ الأمة المرهونة ويجوز استخدامها عن تراض من الراهن والمرتهن، وإن وطئها الراهن أثم وعليه التعزير، وإن وطئها المرتهن فهو زان، وولده منها رق لسيدها ورهن معها.


[ 337 ]

فصل في الوكالة وأحكامها صحة الوكالة تفتقر إلى إيجاب الموكل وقبول الوكيل حاضرا كان أم غائبا بحسب شرطه، إن أطلق عمت الوكالة سائر الأشياء إلا الاقرار بما يوجب حدا، وإن خصصت بشئ اختصت به. وإذا انعقدت الوكالة قام الوكيل فيما جعل له مقام موكله في المطالبة وقبض الحقوق وإسقاطها، وإن فعل ما لم يجعل له لم يمض، فإن كان فيه درك فهو لازم له دون موكله. والوكالة في الطلاق جائزة كالنكاح بشرط غيبة أحد الزوجين، وإن كانا في مصر واحد لم تمض، والأولى أن يتولى ذلك بنفسه حاضرا كان أم غائبا. ويلزم كل ناظر في أمور المسلمين أن يوكل لأطفالهم وسفهائهم وذوي النقص من ينظر في أموالهم ويطالب بحقوقهم ويؤدي ما يجب عليهم منها. وينبغي لذوي المرواة أن يوكلوا في مطالبة الحقوق وإسقاط الدعاوى، ولا يباشروا الخصومة بأنفسهم. ولا يجوز لمسلم أن يوكل إلا المسلم العاقل الأمين الحازم (1) البصير بلحن الحجة العالم لمواقع الحكم العارف باللغة التي يتحاور بها، ولا يحل


(1) في بعض النسخ: الجازم.

[ 338 ]

له أن يوكل كافرا على مسلم، ويجوز له أن يوكل المسلم والكفار على الكافر، ولا يتوكل لكافر على مسلم، ويتوكل له على كافر وإن اختلفت جهات الكفر، ولا يحل لأحد أن يتوكل فيما لا يغلب ظنه بالقيام به من حق ولا نصرة باطل على حال. وإذا أراد الموكل عزل الوكيل أو تخصيص وكالته فليشهد على ذلك ويعلمه به إن أمكن إعلامه، فإذا فعل بطلت الوكالة فيما أشهد به ولم يمض شئ مما يفعل الوكيل بعد الاشهاد والاعلام مع إمكانه، ومن دون الاعلام مع تعذره، فإن لم يعلم الوكيل مع التمكن من ذلك لم تنفسخ الوكالة وإن أشهد بالفسخ، وكان ما يفعله الوكيل ماضيا حتى يعلم العزل. وإن اختلفا فادعى الموكل الاعلام وأنكر الوكيل، فعلى الموكل البينة بإعلامه، ولم يكفه ثبوت عزله مع إمكان إعلامه، فإن فقدت البينة حلف الوكيل ومضى ما فعله. وإذا أقام الحاكم قيما للمحجور عليهم مضى فعله الموافق للمعروف لهم وعليهم، وبطل ما خالف.


[ 339 ]

فصل في الكفالة والحوالة صحة الكفالة والحوالة تفتقر إلى تعيين الأجل فيما يحتاج إلى الأجل فيه، وكون الكفيل والمحال عليه مليا في حالة الكفالة والحوالة، أو يرضى المكفول له أو المحال بالكفيل والمحال عليه بعد العلم بحاله، فإذا رضي الغريم وقبل الكفيل أو المحال عليه انتقل الحق إلى ذمته وبرئ المكفول عنه والمحيل، وكان للكفيل الرجوع بما كلفه على المكفول عنه إن كان كان مشفوعا مشفوعا إليه في ذلك، وإن كان متبرعا لم يرجع عليه بشئ إلا أن يكون قد وافقه على ذلك فيرجع بمال الكفالة عليه. وإذا ظن المكفول له أو المحال كون الكفيل مليا وانكشف أنه غير ملي في حال الكفالة أو الحوالة رجع إلى غريمه الأول بمال الحوالة، وإن كان في الحال مليا ثم أفلس فيما بعد أو كان معلوم الحال ورضي به لم يكن له رجوع على الأول بشئ. وضمان إحضار الغريم في وقت معين أو أي وقت شاء المضمون له من مدة معلومة بشرط البقاء صحيح يلزم معه إحضاره، فإن طلبه فلم يحضره وهو حي فعليه الخروج مما ثبت عليه. وإن مات قبل ذلك فلا شئ عليه إلا أن يشترط على نفسه أنه إن لم يأت به


[ 340 ]

فعليه ما عليه، فيلزمه متى لم يحضره، القيام بما ثبت عليه حيا كان أو ميتا. وضمان المجهول جائز كالمتعين، كقول الضامن: ” كل حق عليه لازم لي ” ويلزمه من ذلك ما قامت به البينة أو أقر به الغريم خاصة. ومن خلص غريما من يد غيره بالغلبة فعليه الخروج إلى من خلصه منه مما ثبت له عليه من حق، وإن خلصه بشفاعة لم يضمن شيئا مما عليه إلا أن يضمنه. وإذا لم يبرء الغريم إلى المحال في مال الحوالة ورضي (1) المحال عليه (2) بذلك لم تبرء ذمته منه ويحسب ما قبضه من المحال عليه ورجع على غريمه الأول بالباقي، وإن برئ إليه ورضي كل منها بذلك لم يرجع عليه بشئ من مال الحوالة.


(1) في بعض النسخ: وترضى.
(2) في بعض النسخ هكذا: ورضي المحال أو المحال عليه.

[ 341 ]

فصل في التفليس عجز الغريم عن الأداء يسقط حق المطالبة والملازمة والحبس، ويحرم على مدينه كل من ذلك مع العلم به، ويلزم الحاكم إذا قامت البينة عنده بذلك أو صدقه الغريم أن يمنعه من ملازمته ولا يحبسه له، وإن ادعى إعسارا وأنكر المدين وفقد البينة في الحال توقف الحاكم حتى ثبت له ما يحكم بمقتضاه فإن ثبت له اعساره بعد ما حبسه أطلقه، وإذا ثبت عند الحاكم الاعسار طالب الغارم بإقامة ضمين لمدينه يحفظ عليه ماله معجلا أو مؤجلا أو مقسطا، فإن تعذر ذلك نظر في مقدار مكسبه فألزمه بتأدية الفاضل منه عن مقدار الحاجة إلى مدينه، فإن لم يكن ذا مكسب أو كان مكسبه لا فضل فيه مما يحفظ حياته فلا سبيل عليه. ويلزم الحاكم إشهار المفلس ليعرفه الناس بذلك فلا يعامل إلا من قد رضي بإسقاط دعواه عليه، وإذا أشهره لم تسمع دعوى أحد علم بتفليسه. وإذا وجدت عند المفلس سلعة لبعض الغرماء فهي له دون سائرهم، وإن لم يعرف صاحبها فهي بينهم. وإن كان له ملك يزيد على بيت سكناه وستر عورته وخادمه ودابة جهاده


[ 342 ]

أخذ الحاكم بيعه (1) في حقوق الغرماء، فإن امتنع باع عليه الحاكم وقسم الثمن بين غرمائه على قدر حقوقهم. وإقرار المفلس بعد الحجر ماض لكونه عاقلا. ولا يحل الدين المؤجل بالتفليس.


(1) أخذه الحاكم ببيعه.

[ 343 ]

فصل في الشركة وأحكامها الشركة جهة لإباحة التصرف، وصحتها مختصة بالأموال المتجانسة بعد الخلط لها، فإن اختلفت قوم أحدهما بالآخر وجعل مالا واحدا. فإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت الشركة وأوجبت لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار ماله ومن الوضيعة بحسبه. فإن اصطلحوا في الربح على أكثر من ذلك حل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة، ويجوز لمبيحها الرجوع بها ما دامت عينها قائمة. وإن اشترط في عقد الشركة تفاضل في الوضيعة صحت الشركة وبطل الشرط وكان الوضيعة بحسب الأموال إلا أن يتبرع أحد الشريكين على الآخر فإن كان أحد الشريكين عاملا في البضاعة فجعل له الآخر فضلا (1) والربح بإزاء عمله لم يمض الشرط وكان للعامل أجر عمله ومن الربح بحسب ماله. وإن كانا متساويين في العمل لم يكن لأحدهما أجر. ولا يجوز لشريك أن يعمل في مال الشركة ما لم يجعله له شريكه، فإن تعدى ضمن وإن لم يتعد لم يضمن. ولا تنعقد الشركة بالأبدان في الأعمال والصنايع والأسفار، لكون ما


(1) في الربح، كذا في المختلف.

[ 344 ]

تقع عليه الشركة غير متميز ويحل لكل منهم ما تراضيا عليه، ويجوز الرجوع به والحكم لكل منهم بأجر عمله، فإن لم يتميز عمل كل واحد منهم قضي بينها بالصلح. ولا تأثير للتأجيل في عقد الشركة، ولكل شريك مفارقة شريكه أي وقت شاء وإن كانت مؤجلة. وإذا مات أحد الشركاء بطلت الشركة، وإذا انفسخت الشركة بموت أو غيره كان كل شريك من عين المال والمتاع بحساب ماله، ولا يقسم الدين، لكن يتقاضونه جميعا فما حصل اقتسموه بحسب أموالهم. وإذا دفع المرء إلى غيره ما لا ليتجر به أو متاعا ليبيعه، وجعل له قسطا من الربح، لم تنعقد بينهما شركة، وإنما له في الحكم أجر مثله دون ما شرطه والأولى الوفاء به ولا ضمان عليه فيما هلك أو نقص إلا أن يتعدى مرسوما فيضمن. وإذا دفع إليه مالا ليبتاع به متاعا، فابتاعه ثم بدا لصاحب المال، لم يكن له إلا المتاع، وللمضارب أجر مثله. وإذا عين ابتياع متاع معين فابتاع غيره فهو في ذمته، ولذي المال ماله من غير زيادة ولا نقصان، إلا أن يرضى بالمتاع فيكون له. والشريك المأذون له التصرف مؤتمن على مال الشركة لا يجوز تهمته، والقول قوله إلا أن يرتاب به شريكه فيحلف على قوله. وكذا حكم المأذون له في التجارة وبيع السلع وابتياعها.


[ 345 ]

فصل في ضروب الإجارة الإجارة سبب يمنع المالك من التصرف في الملك، ويبيحه للمستأجر، ويوجب استحقاق الأجر له عليه، وتفتقر إلى صحة ولايتهما وتميير المستأجر وتسليمه وتعيين الأجر والأجل والمسافة والمقدار والصفة إلى غير ذلك مما تتعلق به الإجارة. فإن اختل شرط بحيث تفتقر إليه لم تنعقد، وإذا انعقدت اقتضت استحقاق الأجر معجلا إلا أن يشترط التأجيل. وهي على ضروب: منها إجارة الرباع والأرض، ولا بد فيها من تعيين الأجر والمستأجر ووصفه وتحديده والأجل والتسليم، فإن منع مانع ظالم من التصرف أو هدم المسكن أو قطع الشجر أو أحرق نبات الأرض أو عزلها (كذا) قبل التسليم سقطت الأجرة، وإن كان بعد التسليم فالاجارة ماضية والأجرة مستحقة، و يرجع بها على المتعدي في الدنيا أو يعوضها في الآخرة، وإن كان ذلك بفعل المستأجر فالأجرة لازمة وهو ضامن لما أفسد من بناء أو غرس، وإن كان شئ من قبله تعالى لم يضمن شيئا وسقطت عند الأجرة حتى يعيد المالك الربع والأرض إلى حالتهما الأولى. ولا يسقط الإجارة والأجر هلاك ثمرة الأرض ولا نبتها بفعله تعالى ولا فعل


[ 346 ]

ظالم، ويرجع على الظالم بالدرك عاجلا فإن فات ففي الآجلة. ولا يجوز للمستأجر أن يؤاجر ما استأجره بأكثر مما استأجره إلا أن يحدث فيها (كذا) المستأجر شيئا. ولا تصح إجارة ما لا يصح لمالكه التصرف فيه بحجر أو رهن أو إجارة أو غير ذلك، ولا يجوز رهن المستأجر ويجوز بيعه وهبته والتصدق به ولا تبطل الإجارة بشئ من ذلك. وإذا غرس المستأجر أو بنى بغير إذن المؤاجر فهو غاصب يضمن ما نقص ولمؤاجره قلع ما غرس ونقض ما بني، وله تركه وتسليم القيمة عنه، وإن كان بإذنه فله شرطه، فإن لم يشترط كان له قلع الغرس ونقض البناء، ولا ضمان على الغارس والباني لما نقص واستدركه (1) وإذا استحقت الأرض بعد عقد الإجارة تسلمها المستحق ورجع المستأجر بما نقد على مؤاجره. ومنها إجارة الدابة والسفينة. وصحتها موقوفة على بيان المدة أو المسافة فإن تعلق شرطها بحمل مقدار معلوم أو سلوك طريق مخصوص لم يجز للمستأجر تجاوزهما، فإن تعدى الشرط في المدة أو المسافة أو المقدار أو سلوك الطريق ضمن الهلاك والنقص وأجر الزائد على الشرط، وإن لم يعين مقدارا ولا طريقا ولا مدة ولا مسافة لم يضمن إلا أن يتعدى المعهود في الحمل أو التسيير فيضمن، ولا تنعقد هذه الإجارة لحمل محظور كالخمر ولا في المعونة على قبيح وكذلك حكم إجارة المسكن والوعاء والاناء في محظور. ومنها استيجار الغير ليعمل عملا أو يحمل شيئا أو يقطع مسافة بنفسه أو دابته أو يبيع له أو يبتاع إلى غير ذلك من الأغراض، فلا بد في هذه الإجارة


(1) في بعض النسخ: واستدركه ولمؤاجره قلع ما غرس وإذا.

[ 347 ]

تعيين ما انعقدت عليه ووصفه بما يبين به ويتعين (1) الأجر فإن وافق عمل المستأجر لشرط الإجارة استحق الأجر ولم يضمن نقصا ولا هلاكا إلا ما جناه مفرطا أو مختارا ” دون ما هلك من حرزه أو غلب عليه. فإن اختلفا في هلاك ما استؤجر لصلاحه كالقصارة والصياغة والنساجة، و فقدت البينة، فعليه اليمين بصحة دعواه. وإن خالف شرط الإجارة سقط أجره وضمن ما نقص بفعله أو تلف. وأجر ما يبتاعه المرء لغيره أو يبيعه بإذنه عليه دون من يبتاع له منه أو يبيع عليه، وأجر الكيال ووزان البضاعة على البائع، وأجر وزان الثمن وناقده على المبتاع. والمضاربة خارجة عن باب الإجارة والشركة، وإمضاء شرطها أفضل فإن تنازعا فللمضارب أجر مثله ولا ضمان عليه ما لم يتعد مأذونا فيه. ولا يجوز استيجار العبد ولا الأمة ولا المحجور عليه لسفه أو صغر إلا بإذن الولي، وضمان ما يفسدونه عليه، ويجوز استيجار العبد والأمة المأذون لهما في التصرف. ولا يجوز حبس الأجير عن الصلاة ولا الجمعة ولا العيدين ولا صلاة الكسوف ولا الجنازة المتعينة، ويجوز منعه من الجماعة وإيذانه أفضل. وإذا سقطت الدابة بحملها ضمن مؤاجرها ما تفسده من حملها، ولا يضمن ما يغصب عليه، والملاح ضامن لما يغرق من المتاع بتفريطه، ولا يضمن ما يغلب عليه بفعله تعالى أو تعدى غيره. وأجر رد الضالة مستحق بحسب ما بذله مالكها لردها، فإن لم يبذل شيئا فأجر وجدان العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة، وفي غير


(1) وتعيين.

[ 348 ]

المصر أربعون درهما وما عدا ذلك يقضى فيه بالصلح. ومنها مزارعة الأرض أو مساقاتها، وتفتقر صحة ذين (كذا) الإجارتين إلى تعيين المدة وصفة ما تتعلقان به. وكل منهما على ضربين: أحدهما أن يشترط المالك للمزارع والمساقي ثلث غلة الأرض أو ما زاد على ذلك أو نقص عنه، فيجب له ذلك مما يرتفع (1) قل أم كثر، فإن هلكت الغلة بأحد الأسباب السماوية أو الأرضية فلا شئ له. الثاني أن يجعل له على مزارعته أو مساقاته أجرا معلوما، عينا أو ورقا، أو مكيلا أو موزونا، منفصلا من مقدار غلتها، فيجب له ذلك متى وفى بشرط العقد هلكت الغلة أم سلمت. فإن خالف شرط العقد في نوعي المزارعة أو المساقاة بطل المشروط وكان له أجر عمله إن كان صلاحا، وإن كان فسادا ضمن ما أثره بتعديه. فإذا انقضت مدة المزارعة فللمزارع قلع ما غرس أو زرع، وتركه بإذن المالك، وكذلك حكم (2). وخراج أرض المزراعة والمساقاة وحق الصلح على المالك إلا أن يشترطه المزارع والمساقي فيلزمهما، وخراج الأرض المتقبلة على المتقبل إلا أن يشترطه على المالك. ولا تبطل الإجارة بالموت ويقوم ورثة كل واحد من المالك والمستأجر مقام موروثه، والسفر لا يبطل الإجارة وإن فسخها المستأجر وحكم بها (كذا) حاكم جور إلا أن يفسخها المالك.


(1) في بعض النسخ: مما يرفع.
(2) كذا في النسخ.

[ 349 ]

وإذا لم يشترط في عقد الإجارة تأخير الأجر أو تقسيطه فهو (فهي خ) عاجل لجميع المدة. وإذا كان شرط الإجارة كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر بقسط معلوم انعقدت الإجارة وإن لم يعين أجر المدة، واستحق أجر الزمان المذكور بالدخول فيه، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني ولا تجوز الإجارة لمدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحتها إلى التسليم. ولا تصح الإجارة بغير أجر معلوم من سكنى بسكنى، أو عمل بعمل، أو خدمة بخدمة، أو على نظر في كتاب، أو إطراق فحل، إلى غير ذلك، ويحل لكل من هؤلاء التصرف للتراضي دون عقد الإجارة المفتقر إلى تعيين (1) الأجر.


(1) في بعض النسخ: تعين. *)

[ 350 ]

فصل في اللقطة اللقطة على وجهين: أحدهما يحرم التقاطه والثاني يحل وتركه أولى. فالأول الإداوة والقربة وغيرهما من أوعية الماء، والحذاء، والسوط، والشاة والبقرة والحمار في الأرض ذات الكلاء والماء، والبعير على كل حال. والثاني ما عدا ذلك، وهو على ضربين: أحدهما يصح التصرف فيه من غير تعريف، وهو على ضربين: مضمون وغير مضمون، فالمضمون ما يخاف فساده بالتعريف مما تزيد قيمته على درهم كالأطعمة، وغير المضمون ما نقصت قيمته عن درهم من جميع اللقطة، وما يوجد في الملك المتوارث والمباح والدارس في الديار المجهولة (1) من الكنوز وشبهها. والثاني يجب تعريفه وضمانه وهو على ضروب: منها أن يكون مما يصح بقاؤه ولا يفسد بطول المكث (2) كالذهب والفضة وسائر العروض، فيجب تعريفه سنة كاملة في أيام الجمع والأعياد والمواسم والأسواق، فإن جاء صاحبه


(1) في بعض النسخ: المهجورة المجهولة.
(2) في بعض النسخ هكذا: بطول المكث والوسم.

[ 351 ]

رده عليه وإلا فلا قطه بالخيار بين أن يتصرف فيه ويضمن المثل دون الربح، أو يتصدق به عن صاحبه، أو يعزله انتظارا للتمكن منه وهو أحوط الأمرين. فإن هلك في مدة التعريف من غير تعد فلا ضمان عليه، وإن كان هلاكه لتعد أو بعد ما تصرف فيه من غير تعريف فهو ضامن. وإذا حضر صاحب اللقطة وقد تصرف فيها الملتقط فعليه رد مثلها أو قيمتها إن كان تصرفه بعد التعريف، وإن كان قبله رد معها ما أفادت من ربح فإن كان قد تصدق بها فهو بالخيار بين إمضاء الصدقة وله ثوابها وبين الرجوع عليه بها ويكون ثواب الصدقة له دونه. فإن كانت اللقطة حيوانا عرفها ثلاثا فإن جاء صاحبها، وإلا رفع خبرها إلى سلطان الاسلام لينفق عليها من بيت المال. فإن تعذر ذلك فهو بالخيار بين الانفاق عليها متبرعا أو محتسبا على صاحبها وبين بيعها وعزل ثمنها لصاحبها. وإذا ملك الطائر جناحه فهو حل لمن صاده من غير تعريف. ومن وجد شيئا في دار انتقلت إليه من غيره ببيع أو غيره فعليه تعريفه منه فإن عرفه رده عليه وإلا تصرف فيه. ومن وجد شيئا في داره (2) أو صندوقه أو بيته لا يعرفه وكان هناك متصرف غيره في الدار أو البيت أو الصندوق عرفه منه فإن عرفه أعطاه وإلا تصرف فيه، وإن كان التصرف مختصا به فهو له. وإذا سيب المرء دابته لجهدها في أرض لا كلاء فيها، فهي لمن التقطها وإن كانت في أرض ذات ماء وكلاء فهي لا يحل التقاطها على ما سلف بيانه وحكمه (2). ولقطة العبد والأمة متعلق بالمالك، وما يلتقطه المحجور عليه لوليه.


(1) كان في النسخ: في ذلك، والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: وحكم لقطة العبد…

[ 352 ]

فصل في عقد البيع وشروط صحته وأحكامه البيع عقد يتقضى استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما، وتفتقر صحته إلى شروط ثمانية: صحة الولاية في المبيعين، وتعيينهما بالصفة أو المبلغ أو بهما، وتعيين الأجل في المؤجل، وإمكان التسليم، وقول يقتضي إيجابا من البائع وقبولا من المبتاع، وافتراق عن مجلس العقد بالأبدان، وحصول ذلك عن إيثار، ووقوعه على أمر يسوغ. واعتبرنا صحة الولاية لتأثير حصولها بثبوت الملك أو الإذن وصحة الرأي (كذا) في صحة العقد وعدم ذلك في فساده. واعتبرنا التعيين بالوصف أو المقدار لفساد العقد على المجهول. واعتبرنا تعيين الأجل لفساده مؤجلا بما لا يتحدد. واعتبرنا إمكان التسليم لفساد بيع ما لا يمكن تسليمه كالطير في الجو والسمك في الماء وأمثال ذلك من بيع الغرر. واشترطنا الايجاب والقبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع. واعتبرنا الافتراق بالأبدان لوقوف مضيه عليه. واعتبرنا الايثار لفساد بيع الاكراه. واعتبرنا وقوعه على الوجه المشروع احترازا من بيع المحرم أو ابتياعه


[ 353 ]

بالمحرم (1) والمحلل وعقود الربا والعقود الفاسدة. فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع ولم يستحق التسليم، وإن جاز التصرف مع اختلال بعضها للراضي (2) دون عقد البيع، ويصح معه الرجوع. وإذا تكاملت الشروط صح العقد وإن لم يتقابضا، واقتضت صحته تسليم المبيع في الحال إن كان العقد مطلقا من التأجيل، فإن امتنع البائع من تسليم المبيع حتى هلك فهو من ماله ويرد ما قبضه من الثمن، وإن امتنع المبتاع من قبض المبيع أو رضي بتركه عند البائع فهلاكه من ماله، فإن شفع (كذا) إلى البائع في إنظاره بالثمن وقتا معينا فأجابه فهو من ماله دون البائع. وإن لم يعين وقتا فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بعدهن بين الفسخ ومطالبة الثمن، فإن هلك المبيع في مدة الثلاثة الأيام فهو من مال المبتاع وبعدهن من مال البائع. وإن اقترن بالعقد شرط الخيار فالعقد صحيح ولمشرط (كذا) الخيار في مدته فإن لم يعين مدة فله الخيار ثلاثة أيام حسب. والخيار في جميع الحيوان ثلاثة أيام، اشترط أو لم يشترط، وفي الأمة مدة استبرائها، فإن هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يحدث المبتاع فيه حدثا يدل على الرضا، فيبطل الخيار ويكون هلاكه من ماله. وإذا تصرف مستحق الخيار في المبيع بغير إذن البائع بطل حكم الخيار. وإذا وقع العقد بشرط حكم البائع أو المبتاع في الثمن فالعقد فاسد، وإن تراضيا فحكم المبتاع بالقيمة فما فوقها أو حكم البائع بالقيمة فما دونها مضى ما حكما به، وإن حكم المبتاع بأقل والبائع بأكثر منها لم يمض حكمهما.


(1) في بعض النسخ: بالمحرم أو المحلل. (2) للتراضي.

[ 354 ]

وإذا اقترن العقد باستثناء لبعض ما تناوله معينا كالشاة إلا رأسها أو جلدها أو ربعها (كذا)، والشجر إلا الشجرة الفلانية مضى العقد فيما عدا المستثنى، وإن كان مجهولا فالبيع فاسد. وإذا اشترط البائع أو المبتاع في العقد شيئا معلوما يمكن تسليمه كبيع ثوب على أن يخيطه أو يصبغه، أو غزل على أن ينسجه، أو جلد على أن يعلمه حقا (1) أو شرط عليه صفة مخصوصة طول كذا أو عرض كذا أو سلك كذا، أو شرط أن يبيعه شيئا أو يبتاع منه أو يسلفه أو يستسلف منه فالعقد ماض والشرط ثابت. وإن شرط ما لا يمكن تسليمه كالرطب على أن يصير تمرا، والحصرم على أن يصير زبيبا أو عنبا، والزرع على أن يسنبل، وكثوب من غزل امرأة بعينها، أو حنطة من أرض بعينها، وزيت من شجر معين فالعقد فاسد. وإن وقع العقد على ما تصح فيه الولاية وما لا يصح، فالبيع ماض فيما يصح بيعه وفاسد فيما لا يصح ذلك فيه. ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره، ومعرفة مقداره بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو شم أو ذوق أو مشاهدة وتقليب، ولا يصح من دون ذلك، وإن تعذر الاختبار إلا بالافساد كالبيض والجوز والبطيخ وأشباه ذلك فالبيع ماض بشرط الصحة أو البراء من العيوب، فإن خرج ما لم يبرء إليه منه معيبا فله رد الجميع أو أرش المعيب أو الرضا به، دون رد المعيب (2) خاصة. وإن كان المبيع (3) غائبا أو مشدودا في وعاء جاز بيعه موصوفا بما يختصه، فإن وجد على الصفة فالبيع ماض، وإن خالفها فالعقد فاسد.


(1) يعمله خفا. ظ.
(2) في بعض النسخ: العيب.
(3) في النسخ: المعيب، والظاهر ما أثبتناه.

[ 355 ]

ويصح بيع الحيوان والثمار والعقار والأرضين موصوفا بشرط خيار الرؤية ويصح بيع ما استحق تسليمه قبل قبضه وينوب قبض الثاني عن الأول. وإذا انعقد البيع ولم يتقابضا واختلفا في مقدار المبيع أو الثمن وفقدت البينة لزم كلا منهما ما أقر به وحلف على ما أنكره، وفسخ البيع أولى. ومن ابتاع شيئا بثمن معلوم غير متعين فنقده من مال حرام فالبيع ماض والمبيع مستحق، وتصرفه في المال قبيح، ولا يحل للبائع مع العلم به قبضه، وإن علم به بعد قبضه فعليه رده ومطالبته بثمن مبيعه من مال حل، وإن وقع العقد على عين المال المحرم فهو فاسد، وكذلك القول في المبيع المحرم وإذا وقع العقد فاسدا على وجهه (1) يحرم معه التصرف حكم بفسخه والرجوع (2) على كل منهما بما قبض، وإن كان مع كون العقد فاسدا مما يصح التصرف فيه للتراضي فلكل منهما الرجوع بعين ما رضي بتسليمه خاصة، فإن هلكت العين في يد أحدهما لم يصح الرجوع. وإذا وقع العقد على متاع متعين فلم يقبضه المبتاع حتى هلك بعضه أو حدث فيه عيب فهو بالخيار بين رد الجميع، وبين قبض السليم واسترجاع ثمن الهالك بحساب البيع، وبين مطالبته بقيمة يوم طالبه فامتنع من التسليم وبين أرش المعيب. فإن هلك جملة المبيع لم يكن له إلا ما نقد من الثمن. فإن كان لتعد من البائع أو لمنع واجب فالمبتاع بالخيار بين المطالبة بما نقد، وبين قيمة يوم استحق تسليمه. فإن كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه ونقصه من ماله.


(1) على وجه.
(2) كذا في بعض النسخ.

[ 356 ]

ولا يصح البيع على من لا يولي على مثله إلا بإذنه، وسكوته ليس بأذن يعتد به. ولا يصح بيع الثمار سنة واحدة حتى يبدو صلاحها ويجوز ذلك سنتين فما زاد، ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس الشجر بكيل ولا وزن منها، ولا بيع الزرع بكيل ولا وزن، ويصح ذلك بالعين والورق، ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم ولا اللبن في ضروع الأنعام، ويجوز ذلك أرطالا مسماة، ويجوز أن يستثني البائع من الثمرة أرطالا مسماة. ومن باع نخلا قدو برأ وشجرا قد أثمر أو أرضا فيها زرع أو نبات، فحمل النخل والشجر والزرع والنبات خارج عن البيع إلا أن يشترطه المبتاع. ولا يصح أن يبتاع المرء من تحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه ومتى يفعل يعتقوا عليه عند مضي عقد ابتياعهم. ومن ابتاع أمة حاملا أو حيوانا حاملا فحمله خارج عن البيع (1)، ولا يصح بيع الآبق إلا أن يكون معه شئ آخر، ومن ابتاع عبدا أو أمة ومعه مال فهو للبائع إلا أن يشترطه في عقد البيع فيكون له، وكذلك حكم ما يصاحب مبيع (2) سائر الحيوان من الأداة والدثار (الآثار – خ). ويجوز ابتياع ما سباه الظالمون من الرقيق ويحل وطؤه بملك اليمين. وإذا ابتاع رقيقا من سوق المسلمين فادعى الحرية لم تسمع دعواه، إلا أن تقوم بينة فيفسخ العقد ويرجع بالدرك. ومطلق العقد يقتضي التعجيل في المبيعين، والتأجيل موقوف على الاشتراط


(1) المبيع.
(2) مع. ظ.

[ 357 ]

وهو مختص بمبيع العين والورق، وتحديد الأجل بزمان معين ومضي (1) العقد يقتضي تسليم المعجل منهما وتأخير المؤجل وتسليمه عند حلول أجله سواء كان التأجيل مشروطا في المبيع أو الثمن، وإذا حل الأجل ولم يكن عنده عين ما عقد عليه فعليه إحضاره، ويصح إقامة العوض عنه من غير جنسه، ولا يجوز له ابتياعه من مستحقه عليه بمثل ما باعه منه في الجنس ولا بزيادة عليه نقدا ولا نسية ولا نقله إلى سلف آخر، ويجوز له ابتياعه يغير ما قبضه منه نقدا، ويجوز تقديم المؤخر عن أجله بشرط النقص منه، ولا يجوز تأخيره عنه بشرط الزيادة فيه. وتعلق البيع بأجلين إلى مدة كذا بكذا أو إلى ما زاد عليها بكذا، وبأجل واحد غير محدود كقدوم الحاج وقدوم القافلة وبلوغ الغلات يقتضي فساده. ودخول التأجيل في بيع العروض بعض ببعض والعين بالعين والورق بالورق والورق بالعين وسائر ما يكال ويوزن يقتضي فساد العقد وتحريم التصرف لكونه ربا. ولا يجوز التفاضل بين متماثل ما يكال ويوزن وإن اختلفت عليه الأسماء كاللبن والسمن والجبن، والعنب والزبيب، والرطب والتمر والبسر، والحنطة والدقيق والخبز، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة والنحاس بالنحاس والحنطة بالحنطة أو الشعير والأرز بالأرز والزيت بالزيت وأشباه ذلك، ويجوز بين مختلفيه كالعين بالورق والحنطة بالذرة وأمثال ذلك، وكذلك حكم العروض والحيوان، بيع الفاضل جائز فيه سواء اتفق الجنس أم اختلف كثوب بثوبين ودار بدارين وفرس بفرسين. ولا يجوز بيع ما يكال ويوزن في غير السلم إلا يد بيد، ويجوز في غيرهما


(1) مقتضى.

[ 358 ]

من سائر المبيعات بالعين والورق تأخير تسليم المبيع أو الثمن. ولا يجوز لمن أسلم في متاع إلى أجل أن يبيعه من مستسلمه ولا غيره قبل حلول أجله، فإذا حل جاز بيعه منه بمثل ما نقد وأكثر منه من غير جنسه، ومن غير المستسلم بمثل ذلك وأكثر من ذلك من جنسه وغيره. ومقتضى العقد المطلق يوجب تسليم المبيع صحيحا والثمن جيدا فإن ظهر عيب واحدهما (1) فللمبتاع الرد والأرش، فإن كان العيب في بعض المبيع فله أرشه أو رد الجميع وليس له رد المعيب خاصة، وإن كان العيب ببعض الثمن أو جميعه فللبائع بدل الردي، وليس له الفسخ. وإذا برئ أحدهما من العيوب إلى الآخر فلا درك يلزمه لما يوجد من عيب، وتعيين العيوب في بيع البر (2) أحوط. وإذا علم البائع بالعيب في النقد ورضي به لم يكن له يد (3) منه، وإذا علم المبتاع بالعيب في المبيع جاز له أن يمضي البيع ويطلب الأرش، ولا يكون تصرفه دلالة الرضا بالعيب، وإنما هو دلالة الرضا بالبيع، وإذا رضي بالبيع والعيب لم يكن له رد ولا أرش. وحكم الحيوان في العيوب حكم العروض، ويرد العبد والأمة بالجنون والجذام والبرص إلى مدة سنة، فإن وطئ الأمة لم يجز ردها بشئ من العيوب وله الأرش إلا الحبل فإنها ترد بعد الوطئ ويرد معها عشر قيمتها، فإن كان الوطؤ بعد علمه بالحمل ورضاه بالبيع لم يكن له رد وله الأرش. ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان كسائر العروض وإذا ابتاع اثنان أو أكثر من ذلك حيوانا أو متاعا ” فظهر به عيب فأراد أحدهما الرد والآخر الأرش.


(1) في أحدهما. ظ.
(2) البرء.
(3) بدل. ظ.

[ 359 ]

لم يكن لهما إلا أحد الأمرين. وبيع المرابحة مفتقر إلى ثبوت العقد وتعيين ما وقع عليه من الثمن بصفته وتعليق الربح بعين المبيع دون ثمنه، فإن كان العقد بعين لم يجز له أن يخبر بورق وإن نقد ورقا، وإن كان بورق لم يجز له أن يخبر بعين وإن كان ما نقده عينا، وإذا قوم التاجر المتاع على الواسطة إن كان بيعا منجزا جاز له تخبير (1) الشرى وإن كان موقوفا لم يجز له تخبير (2) الشرى. ولا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله: أربح عليك في كل عشرة دراهم من ثمنه درهما أو درهمين، وإنما يصح بيع المرابحة بأن بخبر بجملة الثمن ويربح في عين (3) المبيع. ومن ابتاع متاعا بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين كيفية ما وقع العقد به. ومن حفر بئرا أو قناتا أو نهرا أو كان شريكا في شئ من ذلك جاز له بيع ما يستحقه منه وبعضه كسائر المملوكات، وكذلك حكم ما يتناوله من الماء المباح وغيره، لأنه بالحيازة صار ملكا. ويصح بيع ما تنبته أرضه من الكلاء وإباحة الغير التصرف فيه بنفسه أو أنعامه كل شهر أو كل سنة بشئ معلوم. ويصح بيع ما ليس عند البائع ويلزم بعد مضي العقد إحضاره. ومن ابتاع غصبا يعلمه كذلك فعليه رده إلى المالك ولا درك له على الغاصب، وإن لم يعلمه فللمالك انتزاعه منه ويرجع هو بالدرك على من باع، فإن هلك قبل ثبوت استحقاقه رجع على الغاصب بقيمته، وإن كان المغصوب أرضا أو دارا فبنى المبتاع فيها أو غرس فله أعيان ما وقع البناء به من الآلات ونفس


(1 و 2) تخيير.
(3) في المختلف: في غير المبيع.

[ 360 ]

الغرس، فإن كان ذلك من جملة المغصوب لم يرجع على المالك بشئ منه، ويرجع على الغاصب بما لزمه من غرامة البناء والغرس وثمن المبيع إن كان جاهلا بالغصب، وإن كان عالما لم يرجع بشئ، وعليه أجر المسكن والأرض لمدة تصرفه وما نقص بالبناء والغرس من قيمة المسكن والأرض. ومن قال لغيره: ابتع لي متاعا أو حيوانا على أن أربحك فيه كذا وارضيك في الربح فابتاع ما سأله فيه لم ينعقد بينهما بيع، وكان له بيعه منه بما شرطه وهو أفضله وبيعه من غيره. ويكره لمن سأله غيره أن يبتاع له متاعا أن يبيعه من عنده، أو يبتاع منه ما سأله بيعه له، وليس بمحرم. ويكره تلقي الركبان لابتياع ما يجلبونه إلى المصر خارج المصر إلى مسافة أربعة فراسخ فما دونها، ولا تلقى فيما زاد عليها، وليس بمحرم. ولا يحل لأحد أن يحتكر شيئا من أقوات الناس مع الحاجة الظاهرة إليها، وإذا فعل خوطب (كذا) في إخراجها إلى أسواق المسلمين، فإن امتنع أكره على ذلك، وإن كانت الغلاة كثيرة جاز حرسها (1) رجاء للربح فيها وإن كان الأولى تجنب ذلك. ويكره احتكار ما عدا الأقوات من المطعومات. ويستحب لذوي الأقوات في زمان القحط إخراجها إلى أسواق المسلمين ومشاركتهم في الاقتيات مما يقتاتونه.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: خزنها، وفي بعضها: حرثها.

[ 361 ]

فصل في الشفعة الشفعة استحقاق الشريك في المبيع تسليمه على المبتاع بمثل ما نفد، وإنما يثبت حقها بشروط: منها كون المبيع سهما من اثنين، ومشاعا باختلاط أو الشرب أو الطريق، وأن يكون الشفيع مسلما، أو يتساوى رأي الشفيع والمبتاع، ولا يسقط حق المطالبة إلا أن (1) يعجز الشفيع عن الثمن، وأن يكون جملة السهم مبيعا، والثمن معلوم القدر أو القيمة، وأن يمضي العقد. فمتى اختل شرط لم تثبت شفعته، وإن كان السهم المبيع سهم شريك من ثلاثة فما زاد فلا شفعة لواحد منهم ولا جميعهم، وإن انتقل سهم الشريك عن ملكه بهبة أو صدقة أو مهر زوج إلى غير ذلك مما ليس ببيع فلا شفعة فيه، وإن كان المبتاع مسلما والشريك كافرا فلا شفعة له عليه، وإن علم بالبيع وأسقط حق المطالبة بطلت الشفعة، وإن طالبه المبتاع بإحضار مثل ما نقد فمضت ثلاثة أيام ولما يحضره من المصر بطلت الشفعة، وإن ادعى إحضاره من غير المصر وجب الصبر عليه بمقدار مضيه إليه وعوده وزيادة ثلاثة أيام ثم لا شفعة له، وإن وهبه بعض السهم أو صدق به أو مهره وباعه الباقي بطلت فيه الشفعة،


(1) ولا يسقط حق المطالبة، وأن لا يعجز الشفيع عن الثمن. ظ.

[ 362 ]

وإن وقع البيع على غير معلوم القيمة كالسيف والفص (1) والفرس المفقودي العين مضى البيع وبطلت الشفعة. والشفعة مستحقة على المبتاع دون البايع، وعلى الشفيع أن ينقده مثل ما نقد البائع ويكتب عليه (2) ويضمنه الدرك ويضمن هو للبائع. وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في مبلغ الثمن وفقدت البينة فالقول قول المبتاع مع يمينه. وإذا كان الشريك غائبا فله المطالبة بالشفعة متى حضر، وإن كان صغيرا أو مأوف العقل فلوليه أو الناظر في أمور المسلمين المطالبة، فإن لم يفعل فللصغير إذا بلغ والمأوف إذا عقل المطالبة بالشفعة. وإذا استهدم المبيع أو هدمه المبتاع من غير علم بالمطالبة فليس للشفيع إلا الأرض والآلات، وإن هدمه بعد المطالبة فعليه رده إلى أصله، وإن أحدث فيه شيئا يزيد في قيمته فهو له يأخذه بعينه أو قيمته. والشفعة مستحقة في جميع المبيعات من العروض والحيوان كالرباع و الأرضين.


(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: القص.
(2) كذا في النسخ.

[ 363 ]

فصل في القيمة والأرش والدية والغنيمة قيمة المتلف وأرش الجناية ودية النفس والعضو والجراح وغنم من يحق جهاده جهات لاستحقاق التصرف، فأما المغنم فقد سلف بيانه، وأما القيمة و الأرش والدية فسيرد بيان أحكامها وجهات استحقاقها وكيفيته في أبوابها. فصل في السكنى والرقبى والعمرى اسكان المرء غيره ورقباه وتعميره وجوه يحسن لها التصرف، وكل من ذلك على ضربين: أحدهما يصح الرجوع فيه وهو ما يفعل تكرما أو لبعض الأغراض الدنيوية، والثاني لا يصح الرجوع فيه وهو ما يفعل لوجه الله تعالى. والسكنى أن يسكن المالك غيره في داره مدة معلومة بغير أجر فإذا انقضت المدة رجعت الدار إليه. والرقبى أن يسكنه فيها مدة حياته، فإذا مات المالك انتقلت إلى ورثته، فإن شاؤوا أقروا المراقب على الرقبى وإن شاؤوا فسخوا. والعمرى أن يسكنه فيها بغير أجر طول عمره، فإذا مات المعمر والمالك حي رجعت إليه، وإن مات قبل المعمر لم ينفسخ التعمير حتى يموت هو،


[ 364 ]

فرجع الدار إلى ورثة المعمر. وهذا الحكم في السكنى والرقبى والعمرى مختص بما يقصد به وجه الله تعالى. ومن شرطه أن يتعلق بذي رحم أو من يصح القربة بمعونته من المسلمين، وما عدا ذلك يجوز فسخه أي وقت شاء المالك أو من يقوم مقامه من الورثة. ويصح مثل ذلك في الأراضي وكل ما يصح الانتفاع به من العروض و الحيوان تكرما ولبعض الأغراض الدنيوية، ولوجه الله تعالى، بحيث يصح ذلك فيه، وحكم الفسخ والامضاء ما تقدم في المساكن. فصل في الوصية قد بينا في كتاب العبادات (1) وجوب الوصية ودخولها في جملة ما ابتدأ الله تعالى التعبد به كغيره، وكيفية الوصية، وما يفتقر إليه من إشهاد وقيم بها، وما يجب أن تكون عليه من الصفة، وما معه تصح وتفسد، لدخولها في العبادات وذكرناها ها هنا لكونها سببا مبيحا للتصرف بما هي وصية به من مال الموصي. وهي ماضية في الصحة والمرض مع سلامة الرأي، لوارث وغيره، ولا يمضي من وصية من لم يبلغ عشر سنين والمحجور عليه إلا ما تعلق بأبواب البر، وإذا أوصى لكافر لا رحم بينه وبينه على جهة الصدقة الواجبة أو المسنونة لم تمض الوصية، وإن كان ذا رحم مضت إذا كان تبرعا (2) بصلته، ولا تمضي الواجبة بحال، وإن أطلق الوصية للكافر الأجنبي ولم يجعلها صدقة أو صرح بكونها مكافأة على مكرمة دنيوية أو مبتدئا بها فهي ماضية. ولا تمضى وصية من جرح نفسه أو فعل بها ما تلف لأجله بعد حدثه، وتمضى


(1) راجع ص 234: فصل في الوصايا.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: متبرعا.

[ 365 ]

إذا كانت قبل الحدث. وإذا أوصى لغيره بصندوق مقفل أو جراب مشدود أو كيس مختوم أو سفينة فيها غلة فالوعاء وما فيه للموصى له إلا أن يستثنيه أو يزيد ما فيه على الثلث فتكون الزيادة ميراثا. وتمضى الوصية للحمل فإن ولد حيا فهي له، وإن مات بعد الاستهلال فلورثته، وإن ولد ميتا فهي ميراث. وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو أوصى له بثلث ماله وكانت قيمة العبد الثلث فما دونه عتق وأعطي ما يفضل له عن قيمته من الثلث، وإن كانت قيمته أكثر عتق منه بحساب ثلث التركة واستسعى في الباقي. وإذا أوصى بعتق واحد من عبيده أو اثنين أو أكثر من ذلك أو ربعهم أو ثلثهم ولم يعين أعتق المبلغ المذكور في الوصية بالقرعة. وإذا أوصى بحجة أو دين أو كفارة أو مال زكوة أو خمس أو نفل أو غير ذلك من الحقوق الواجبة عليه في حياته فهي من أصل التركة، وإن كان متبرعا بشئ من ذلك فهي من الثلث. وإذا أوصى بثلث ماله في عدة أبواب من البر فلكل باب منها مثل ما للآخر إلا أن يشترط ترجيحا فيحكم به. وإذا أوصى لجماعة بأقساط مسماة لكل منهم فلم يف الثلث بما سمى به (1) وكان قد رتبهم في التسمية فليبدأ بالأول ثم الثاني حتى ينتهي إلى تكميل الثلث فإن لم يرتبهم كان قال: اعطوا كل واحد من هؤلاء – وأشار إلى جماعة معينة – مائة درهم فهم متساوون في الثلث. وإذا أوصى إلى غيره وهو حاضر فقبل الوصية لم يجز له الرجوع، وإن


(1) في بعض النسخ: بما يسمى.

[ 366 ]

أباها لم يلزمه القيام بها، وإن كان غائبا فبلغه استنادها إليه والموصي حي فهو بالخيار في قبولها وردها، وإن لم يبلغه حتى مات الموصي أو أباها في حياته ولم يبلغ الموصي فالقيام بها لازم له. وإذا كان الوصي ضعيفا فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن يعضده بمأمون قوي ولا يعزله، وإن كانا اثنين فما زاد لم يجز لأحدهم التفرد بشئ من النظر إلا أن يجعل ذلك له الموصي، فإن تشاحوا رد الناظر في المصالح الأمر في التنفيذ إلى أعلمهم به وأقواهم فيه وجعل الباقين تبعا له. ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يجعل له الموصي، فإن مات الوصي فعلى الناظر في المصالح رد القيام بما كان إليه إلى من يراه أهلا لذلك. وإذا مات الموصى له والموصي حي لم يغير الوصية ثم مات بعده لم تنتقض الوصية، وإن رجع الموصي فيها بعد موت الموصى له بطلت. وللموصي ما دام حيا تغيير الوصية بالزيادة والنقصان وتغيير الشروط و الأوصياء، ولا يجوز ذلك لأحد بعد وفاته، وإذا فقد الناظر العادل فلفقهاء الحق المأمونين النظر في ذلك إذا تمكنوا، وإذا فقد التمكن سقط فرض ذلك عنهم.


[ 367 ]

فصل في الإرث الإرث سبب لاستحقاق الوارث مال الموروث، وهذا التكليف يقتضي العلم بمسائل ستة: أولها الأسباب التي يستحق بها الإرث، وثانيها الأسباب المانعة منه، وثالثها مقادير سهامه، ورابعها مراتب التوريث، وخامسها كيفية سهام الوارث، وسادسها قسمة سهامهم. الباب الأول الأسباب التي يستحق بها الإرث نسب وزوجية وولاء وفرض طاعة. وأصل النسب – وإن تفرع – (كذا) الأبوان، والمستحق به مفصل ومجمل، ويترتب بحسبه في القرب والبعد. والزوجية مختص بنكاح الغبطة، وما يستحق بها مفصل بالنص وأن يترتب بوجود الولد وفقده. والولاء موجب عن العتق تبرعا، أو قبوله عن الحر. وفرض الطاعة مختص بإمام الملة عليه السلام. الباب الثاني الأسباب المانعة من الإرث: كفر وإن اختلفت جهاته بوثنية أو مجوسية


[ 368 ]

أو صائبة أو يهودية أو نصرانيه أو ثنوية أو تشبيه أو جبر أو كفر بفرض يعم، أو رق، أو قتل الموروث عمدا. الباب الثالث السهام الستة: الثلثان وهو سهم الأب مع الأم، والابنتين، والأختين للأب فما زاد عليهما. والنصف وهو سهم الزوج مع عدم الولد، والبنت، والأخت للأب. والثلث وهو سهم الأم مع عدم الولد والأخوة، والاثنين فما زاد من كلالة الأم. والربع وهو سهم الزوج مع وجود الولد، والزوجة مع عدمه. والسدس وهو سهم كل واحد من الأبوين مع الولد، وواحد الإخوة و الأجداد من قبل الأم. والثمن وهو سهم الزوجة مع الولد. الباب الرابع رتب التوريث وهي خمس: أولها الأبوان والولد، لا يرث مع جميعهم ولا واحدهم أحد ممن عداهم من ذوي الأنساب، ويقوم ولد الولد وإن هبطوا مقام آبائهم وأمهاتهم الأدنين في استحقاق كل منهم ميراث من تقرب به ومشاركته للآباء في الإرث وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع من عداهم من الأقارب. والرتبة الثانية الأخوة والأخوات والأجداد والجدات، واستحقاقهم


[ 369 ]

الإرث موقوف على عدم الرتبة الأولى جملة، ولا يرث مع جميعهم ولا واحدهم أحد ممن عداهم من ذوي الأنساب، ويقوم ولد الإخوة وإن هبطوا مقام آبائهم وأمهاتهم في استحقاق كل منهم ميراث من تقرب به ومشاركة الأجداد ومنع من حجبه آبائهم الأدنون عن الإرث. والرتبة الثالثة الأعمام والعمات والأخوال والخالات، واستحقاقهم موقوف على عدم ذوي الرتبتين الأولة والثانية وآحادهم، ويقوم أولاد كل منهم مقام أبيه أو أمه، والأقرب من أهل هذه الرتب الثلاث أولى بالإرث ممن بعد (كذا)، فالولد الأدنى أحق من ولد الولد وإن كان الأدنى بنتا والأبعد ابن ابن، وبنت البنت أولى بالإرث من ابن ابن الابن، والأخت للأم أحق من ابن الأخ للأب والأم، وابن الأخت للأم أحق من ابن ابن الأخ للأب والأم، والعمة والخالة أحق من ابن العم، وبنت العمة والخالة أحق من ابن ابن العم وبنت بنت العمة. ثم على هذا التنزيل لا يختلف حال التوريث إلا في ابن عم لأب وأم وعم لأب في توريث ابن العم دونه. والارث بالزوجة ثابت مع جميع الرتب فلذلك لم نفرده بترتيب. والرتبة الرابعة ميراث المولى وهو مستحق بشرط عدم ذوي الأنساب الدانية والقاصية، أو ما يفضل عن إرث الزوجة وهو مختص بذوي الولاء و عصبته. والرتبة الخامسة ميراث سلطان الاسلام وهو مستحق بشرط عدم ذوي الأنساب والولاء و (كذا) ما يفضل عن حق الزوجة.


[ 370 ]

الباب الخامس أول المستحقين الأبوان والولد: للأبوين منفردين المال كله، للأم الثلث وللأب الثلثان، ولأحدهما المال كله بالتسمية والرد، وإن كان معهما زوج أو زوجة فللزوج النصف وللزوجة الربع والباقي له (1)، وإن كانا معا فللزوج سهمه وللزوجة فرضها وللأم الثلث من الأصل والباقي للأب، فإن كان هناك أخوان أو أربع أخوات أو أخ واختان للأب أو لأب وأم فللأم السدس وللزوجة أو الزوج فرضه والباقي للأب وإن لم يكن هناك زوجية (2) فالباقي للأب، فإن كان معهما أو أحدهما ولد ذكر أو أنثى واحدا وجماعة فلهما السدسان ولأحدهما السدس والباقي لواحد الولد الذكر أو جماعتهم، أو ولده وإن سفل، وإن كانت بنتا فلها النصف والباقي رد عليها وعلى الأبوين أو أحدهما بحساب السهام، وإن كانت ابنتان فما زاد فلهما الثلثان وللأبوين السدسان ولأحدهما السدس والباقي رد عليهم بحساب السهام، فإن كان مع الأبوين والبنت إخوة يحجبون الأم اختص الرد بالأب و البنت، وإن كان مع الأبوين أو أحدهما والولد زوج أو زوجة فللزوج الربع وللزوجة الثمن وللأبوين السدسان ولأحدهما السدس وللولد الذكر والأنثيين فما زاد عليهما ما يبقى وللبنت النصف فإن فضل شئ فهو رد عليهما (3) وعلى الأبوين أو أحدهما وإن لم يف الباقي بالمسمى للبنت أو الابنتين لم يكن لهن غيره


(1) كذا في النسخ.
(2) كذا.
(3) كذا.

[ 371 ]

وللولد إذا انفرد من الأبوين ذكرا كان أو أنثى واحدا أم جماعة المال كله يتساوى الذكور فيه والإناث، فإن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان مع الولد زوج أو زوجة فله الربع ولها الثمن والباقي للولد بحسب فرائضهم. وولد الصلب الأدنى أحق بالإرث من ولد الولد وإن كان الأدنى بنتا والأبعد ابن ابن. وإذا فقد الولد الأدنى قام ولد الولد مقامه في حجب الأبوين والزوجين عن أعلى الفرضين إلى أدناها. وورث كل منهم ميراث من تقرب به كابن بنت وبنت ابن لبنت الابن الثلثان ميراث أبيها ولابن البنت الثلث ميراث أمه، فإن كان ولد البنت أو الابن الثلثان ميراث أبيها ولابن البنت الثلث ميراث أمه، فإن كان ولد البنت أو الابن جماعة فلكل منهم ميراث من تقرب به بينهم بالسوية إن كانوا ذكرانا أو إناثا، وإن كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يرث من بعد عن الموروث من أهل هذه الرتب الثلاث برتبتين مع من هو أدنى منه برتبة ولا ذو الرتب الثلاث مع ذي الرتبتين، هكذا أبدا لا يختلف الحكم فيه. ومن السنة أن يحبى الأكبر من ولد الموروث بسيفه ومصحفه وخاتمه و ثياب مصلاه دون سائر الورثة ويقسم الباقي. وثاني المستحقين الأخوة والأخوات والأجداد، والجدات فلواحدهم إذا انفرد المال كله. وإن انفرد بالإرث إخوة الأم والجد والجدة لها فلهم جميع الإرث بينهم بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء. وحكم الجد والجدة معهم كحكمهم في الاستحقاق وكيفيته. فإن كان معهم أخ لأب وأم أو أخت أو جماعة لهما أو للأب خاصة أو جد


[ 372 ]

أو جدة لأب فللاثنين من كلالة الأم فما زاد عليهما الثلث بينهم بالسوية و لواحدهم السدس أخا كان أم أختا جدا أم جدة والباقي لكلالة الأب أو الأب والأم واحدا كان منهما أخا أم أختا، جدا أم جدة، أو جماعة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والجد كالأخ والجدة كالأخت. ولا يرث أحد من إخوة الأب خاصة مع واحد إخوة الأب والأم أخا كان أم أختا أم جماعة، كان هناك كلالة أم أم لم يكن، وإنما يرثون مع كلالة الأم ومع فقدهم إذا انفردوا من واحد الأخوة للأب والأم وجميعهم. ويقوم ولد الإخوة بعد فقد آبائهم وإن هبطوا في استحقاق الإرث و مقاسمة الأجداد ومنع من منعه الأخوة مقامهم، يرث الواحد من ولد الأخ أو الأخت أو الجماعة ميراث أبيه أو أمه، للواحد جميع السهم وللجماعة من قبل الأب أو الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ومن قبل الأم خاصة الذكر و الأنثى سواء كآبائهم. ولا يرث أحد من ولد الإخوة مع واحد الأخوة ولا جميعهم، لا يرث ابن الأخ للأب والأم الأخت للأم وولد الإخوة الأدنون أحق بالإرث ممن هبط عنهم بدرجة، ثم هكذا ذو الرتبتين أولى من ذوي الثلاث وذو الثلاث أولى من ذي الأربع، واكان الأدنى ابن أخت الأم والأبعد ابن ابن الأخ لأب وأم. فإن كان مع أحد الكلالتين زوج أو زوجة فله النصف ولها الربع و الباقي للكلالة بحسب فرائضهم المبينة، وإن اجتمع الكلالتان فللزوج أو الزوجة فرضه ولواحد كلالة الأم السدس وللاثنين فما زاد عليهما الثلث كاملا وما يبقى لكلالة الأب أو الأب والأم واحدا كانوا أم جماعة يقسم بينهم بحسب ما فرض لهم.


[ 373 ]

وحكم ولد الإخوة مع الأزواج حكم آبائهم، وحكم الأجداد والجدات وإن علوا مع الأخوة حكم الأجداد الأدنين بشرط فقدهم، ويترتبون في التوريث ترتب ولد الولد، فلا يرث من علا بدرجتين مع الجد الأدنى ولا ذو الثلاث درج مع ذي الدرجتين هكذا أبدا إذا كانوا متساوين في الكلالة، فإن اختلفوا لم يحجب بعضهم بعضا [ كما ] لا يحجب الجد الأدنى من قبل الأب أو الأم الأعلى من قبل الأم أو الأب. وثالث المستحقين الأعمام والعمات والخؤلة والخالات، لواحدهم إذا انفرد جميع المال عما كان أم عمة خالا أو خالة، فإن انفرد بالإرث أحد الكلالتين فلهم جميع المال قسمة كلالة الأم الذكر والأنثى سواء وكلالة الأب للذكر سهمان وللأنثى سهم، وإن اجتمع الكلالتان فلواحد كلالة الأم خالا كان أو خالة ولجميعهم الثلث يتساوون فيه والباقي لكلالة الأب واحدا كان منها (1) عما أو عمة أو جماعة للذكر سهمان وللأنثى سهم. فإن اختلفت جهات أحد الكلالتين كعم أو عمة أو أعمام لأب، وعم أو عمة أو أعمام لأم، وعم أو عمة أو أعمام لأب وأم فلواحد الأعمام للأم السدس و لجميعهم الثلث والباقي لأعمام الأب والأم واحدا كانوا أم جماعة دون أعمام الأب خاصة، وكذلك القول في الأخوال المتفرقة. فإن اجتمعت الأعمام المتفرقون مع الأخوال المتفرقين فللأخوال الثلث لأخوال الأم منه السدس والباقي لأخوال الأب والأم دون أخوال الأب، و للأعمام الثلثان لأعمام الأب منه السدس والباقي لأعمام الأب والأم دون أعمام الأب. ويقوم الأعمام إخوة الأب لأبيه خاصة مقام الأعمام إخوة الأب لأبيه وأمه


(1) في بعض النسخ: منهما.

[ 374 ]

في مقاسمة الأعمام إخوة الأب لأمه، وكذلك القول في الأخوال وأي واحد وجد من الأعمام المختلفي الجهات قام مقام أي عم وجد في مقاسمة أي واحد وجد من الأخوال المختلفي الجهات. ويرث الواحد من ولد العم أو العمة أو الخال أو الخالة والجماعة منهم ميراث أبيه أو أمه بشرط فقدهم يتاقسمون مقاسمة آبائهم، ذكور وله الأخوال كآناثهم وذكور ولد الأعمام كالأعمام وإناثهم كالعمات، ولا يرث أحد منهم مع وجود من هو أقرب منه، لا يرث ابن العم مع الخالة ولا العمة ولا ذو الدرجتين مع ذي الدرجة الدنيا ولا ذو الثلاث درج مع ذي الدرجتين إلا بحيث ذكرناه في مسألة ابن عم لأب وأم مع عم لأب. ورابع المستحقين موالي النعمة وفرضهم مختص بوليها وعصبته من بعده بشرط فقد ذوي الأنساب، فإن كان معه زوج أو زوجة فللزوج النصف بالتسمية والباقي رد عليه دون مولى النعمة، وللزوجة الربع، والباقي لمولى النعمة أو لعصبته، وأولاهم الولد ثم الإخوة ثم الأعمام ثم بنوا العم الذكور منهم دون الإناث. وخامس المستحقين سلطان الاسلام المفترض الطاعة على الأنام وفرضه ثابت بشرط عدم ذوي الأنساب والزوج ومولى النعمة، وهو من جملة الأنفال فإن كانت هناك زوجة فلها الربع والباقي للإمام فإن لم تكن زوجة فله المال كله. ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئا وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث. ولا يرث الكافر المسلم وإن اختلفت جهات كفره وقرب نسبه، ويرث المسلم الكافر وإن بعد نسبه كابن خال مسلم لموروث مسلم أو (كذا) كافر له ولد


[ 375 ]

كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة، ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر، فإن كان جميع ورثة المسلم كفارا بأحد أسباب الكفر فميراثه لمولى نعمته المسلم، فإن لم يكن له ولي نعمة فتركته لسلطان الاسلام. وإن كان الموروث كافرا ولا قرابة له من المسلمين وله قرابة أو مولى نعمة يضارعونه في الكفر ورثوه. وإن كان للكافر أولاد أصاغر وقرابة مسلم أنفق عليهم من التركة حتى يبلغوا فإن أسلموا فلهم الميراث وإن دانوا بالكفر فميراثه لقرابته المسلم دونهم. ويرث الكفار بعضهم بعضا وإن اختلفت جهات كفرهم ما عدا كفار ملتنا فإنهم يرثون غيرهم من الكفار ولا يرثونهم. ولا يرث القاتل مقتوله عمدا، ويرثه إن كان القتل خطأ ما خرج عن الدية المستحقة عليه، ويرثه إن كان قتله إياه بحق قصاص أو جهاد أو غير ذلك. ولا يرث ولد الملاعنة ملاعن أمه المصر على نفيه ولا من يتعلق بنسبه ولا يرثونه ومن يتعلق بنسبه ويرثه بعد الاعتراف به والرجوع عن نفيه ومن يتعلق بنسبه، ولا يرثه الأب ولا من يتعلق بنسبه، وترثه أمه ومن يتعلق بنسبها ويرثهم على كل حال. ويورث الخنثى وهو ذو الفرجين بحسب المبال ومن لا فرج له بالقرعة. ويرث المكاتب بحسب ما عتق منه، وإذا عتق المملوك أو أسلم الكافر قبل القسمة ورث، وبعدها لا يرث وإذا لم يكن للموروث إلا وارث مملوك ابتيع من الإرث وعتق وورث الباقي. وإذا كان للوراث أب أو أم رق لموروثه حصل في سهمه وعتق عليه. وإذا أقر بعض الورثة بوارث وأنكره الباقون لزمه حكم الاقرار في سهمه دونهم، مثال ذلك أخوان أو ولدان أقر أحدهما بثالث في البنوة أو الأخوة وأنكره


[ 376 ]

الآخر، فعلى المقر أن يعطيه ثلث سهمه. وإن شهد اثنان من الورثة بوارث وكانا عدلين ثبت نسبه ولحق بالوارث وإن لم يكونا كذلك فهما مقران بنسبه يلزمهما اعطاء ما يستحقه من إرثهما حسب ما تقدم بيانه. ولا يرث من الدية أحد من كلالة الأم ويرثها من عداهم من ذوي الأنساب والأسباب فإن لم يكن للمقتول وارث بنسب ولا زوجية فهي لمولى نعمته، فإن لم يكن له مولى نعمة فميراثه من الأنفال. وإذا مات جماعة في وقت واحد ورث كلا منهم مستحقوا ميراثه، وإن علم ترتب موتهم حكم في تركاتهم بحسبه، وإن لم يعلم ذلك من حالهم لهدم أو غرق أو قتل معركة أو غير ذلك ورث بعضهم من بعض ما كان له قبل الموت بالهدم والغرق دون ما ورثه من صاحبه والأولى تقديم الأضعف في التوريث مثال ذلك أب وابن غرقا جميعا ولكل منهم وارث غير صاحبه وتركة، فالحكم أن يفرض أن الابن مات أولا إذ كان هو ذا السهم الأوفر ويورث منه الأب فرضه ثم يفرض أن الأب مات فيورث منه الابن ما كان يملكه قبل الموت دون ما ورثه منه فيكون ما ورثه الأب من الابن وما بقي من ماله بعد توريث الابن منه بين ورثته على فرائضهم وما ورثه الابن من الأب وما بقي من ماله بعد توريث الأب منه بين ورثته على فرائضهم بحسب استحقاقهم. وأهل الملل المختلفة في الكفر إذا تحاكموا إلى أهل الاسلام ورثوا على الأنساب والأسباب الثابتة في ملة الاسلام بحسب ما قررته من السهام لذوي الأنساب والأسباب الصحيحة دون ما يرونه في ملتهم نسبا وسببا لا يصح مثلهما فيها ودون ما يثبتونه من سهام المستحقين، مثال ذلك ابن وبنت يهوديان تحاكما إلى أهل الاسلام في ميراث أبيهم فالحكم أن يعطي الابن الثلثان والبنت الثلث


[ 377 ]

دون ما يرون في ملتهم من المساواة إلى غير ذلك مما يخالف فيه أحكامهم لأحكام الاسلام، أو مجوسيان تحاكما إلينا أحدهما ابن وزوج لموروثه و الآخر أب وأخ فالحكم أن يبطل ميراث الأبوة والأخوة، لأن الأب هاهنا تزوج بأمه فأولدها هذه الموروثة فهي ابنته وأخته لأمه وكلا النسبتين باطل في ملتنا بغير شبهة ويبطل من الآخر حق الزوجية لفساد عقد الابن على الأم في ملتنا، و تورثه بالبنوة خاصة إن كانت صحيحة في ملتنا وإن كانت باطلة لكونه ابنها من أخيه الذي هو ابنها أو لغير ذلك من النكاح الفاسد أبطلناها أيضا وورثنا من بعد نسبه الصحيح أو ثبت سببه أو ولايته، فإن فقد جميع المستحقين فميراثها من الأنفال. ثم على هذا يجري الحكم في توريثهم عند التحاكم إلينا وإن أمضوا الأحكام بينهم على ما يرونه شرعا لهم لم يجز الاعتراض عليهم لحق ذمتهم. وميراث المرتد للأولى به من ذوي نسبه وإن كانوا أصاغر. وإذا كان العاقد على الصبيين أبويهما توارثا، وإن كان العاقد غيرهما لم يتوارثا حتى يبلغا ويمضيا العقد، وإن كان الزوج عاقلا (1) والمعقود عليها صغيرة وليها أبوها توارثا، وإن كان غير الأب فمات الزوج قبل بلوغها تربص بالميراث بلوغها فإن أبت العقد فلا ميراث لها وإن أمضته أحلفت أنها لم ترض به للإرث فإن حلفت ورثت وإن امتنعت فلا ميراث لها. والمطلقة في الصحة طلاقا رجعيا ترث المطلق ما لم تخرج عن عدتها، و إن كان بائنا لم ترثه [ و ] في المرض ترث مطلقها ما لم يتزوج أو يمضي لطلاقها سنة أو يبرأ فيمضى الطلاق فلا ترثه. وولد الزنا يرث أمه ومن يتعلق بنسبها ويرثونه، ولا يرث الفحل ومن يتعلق بنسبه ولا يرثونه، ولا يحل لأحد أن يعترف بنسب لا يثبت مثله في ملتنا و


(1) بالغا. ظ.

[ 378 ]

لا يورثه. ومن السنة إطعام الجدة أو الجد للأب السدس من نصيب ابنها إذا كان حيا وسهمه الأوفر، فإن وجدا معا فالسدس بينهما نصفان، وإن فقد الابن أو كان سهمه الأقل فلا طعمة لهما ولا طعمة لأجداد الأم. وإذا فقد أحد الورثة عزل سهمه حتى يكشف السلطان خبره أربع سنين فإن عرفت حياته فهو له وإلا قسم بين الورثة، وإن كان المفقود أولى بالميراث ممن وجد عزل جملة الإرث المدة المذكورة إلى أن ينكشف الحال فيه فيحكم بما شرع في أمره. ويورث المولود بالاستهلال وبالحركة الكبيرة التي لا تكون إلا من حي لأنه ربما كان أخرس. الباب السادس قسمة الرباع والأرضين بين وراثها تفتقر إلى تصحيح السهام لاستغناء ما عداهما من التركات عن ذلك. وطريق إخراج السهام صحاحا أن ينظر مريد ذلك في فريضة أهل الإرث فإنها لا تخلو أن يكون فيها ذو نصف أو ثلث أو ربع أو سدس أو ثمن معه غيره فيفرضها من عدد يخرج منه ذلك السهم صحيحا ثم ينظر في التفاضل (1) عنه وسهام من عدا مستحقه فإن انقسم عليهم من غير انكسار وإلا ضرب سهامهم في أصل الفريضة فما انتهت إليه فسهام الكل تخرج منه صحاحا بغير انكسار. وفهم هذه الجملة كاف ونفصلها ليقع العلم بأعيان مسائلها:


(1) في التفاصيل، كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح: في الفاضل عنه.

[ 379 ]

فمن ذلك فريضة النصف، أصلها من اثنين، لذي النصف سهم ويبقى سهم، فإن كان الوارث معه واحد فهو له من غير انكسار، وإن كانا اثنين يتساويان كاخ وأخت من قبل الأم أو أخوين أو أختين من قبل الأب انكسر الباقي عليهم، فالوجه أن تضرب سهامهم وهي اثنان في أصل الفريضة فتصير أربعة لذي النصف سهمان ولكل واحد من هذين سهم، وإن كانوا ثلاثة يتساوون في السهام كأخوة الأم أو اثنين يختلفان كاخ وأخت لأب فلتضرب سهامهم و هي ثلاثة في أصل الفريضة فتصير ستة للزوج ثلاثة ولكل واحد من الثلاثة المتساوين سهم ولواحد الاثنين سهمان وللأنثى سهم، وإن كان ذو السهام خمسة متساوين كأخوة أم أو أخوة أب منفردين أو أخوات له أو أخوان لأب وأخت له فإن الفاضل ينكسر عليهم فلتضرب سهامهم وهي خمسة في أصل الفريضة فتصير عشره، لذي النصف خمسة أسهم ولكل واحد من الخمسة المتساوين سهم ولكل واحد الأخوين مع الأخت سهمان وللأخت سهم. ثم على هذا يجري الحساب في جميع أهل هذه الفريضة وإن كثروا. ومن ذلك فريضة الثلث، أصلها من ثلاثة، لذي الثلث سهمه وهو واحد وهو سهم الأم مع الأب والباقي له، فإن كان معهما زوج أو زوجة فأصل الفريضة من عدد له ثلث صحيح وربع صحيح، فتعطى الأم منه الثلث والزوج النصف والزوجة الربع والباقي للأب، فإن كان الزوجات جماعة ينكسر عليهم الربع ضربت سهامهم في أصل الفريضة فما انتهت إليه أخرجت منه السهام صحاحا وإن كانت فريضة إخوة أم وإخوة أب وكان الفاضل عن فريضة إخوة الأم وهو اثنان ينكسر على من معهم من إخوة الأب فلتضرب سهام المنكسر عليهم في أصل الفريضة فما بلغت أخرجت منه السهام صحاحا كأنهم كانوا أربعة متساوين أو أخا أو


(1) واختين. ظ.

[ 380 ]

أختين فسهامهم أربعة تضرب في ثلاثة فتصير اثنا عشر سهما، لأخوة الأم الثلث أربعة وتبقى ثمانية أسهم للأخ أربعة منها ولكل أخت سهمان، ثم على الحساب. ومن ذلك فريضة الربع أصلها من أربعة، لذي الربع حقه واحد و الباقي لمشاركيه إن كانوا ثلاثة يتساوون لكل واحد منهم سهما، وإن اختلفوا فزادوا أو نقصوا ضربت سهامهم في أصل الفريضة فما انتهت إليه أخرجت منه السهام صحاحا، مثال ذلك ثلاثة بنين وبنتان مع زوج، أو ثلاثة إخوة لأب واختان مع زوجة، فسهام كل مع ذي الربع ثمانية تضرب في أصل الفريضة وهي أربعة تصير اثنين وثلاثين سهما، لذي الربع ثمانية أسهم ولكل ذكر من الولد أو الأخوة ستة أسهم ولكل أنثى ثلاثة أسهم. ثم على هذا يجري الحكم في حساب سهام جميع من يرث معه ذو الربع (1). ومن ذلك فريضة السدس وأصلها من ستة، لذي السدس سهم ولمشاركيه إن كانوا خمسة يتساوون لكل واحد سهم، وإن كانوا أخوين لأب وأخت أو ابنين وبنت فلكل ذكر سهمان وللأنثى سهم، وإن زادت السهام عليهم أو نقصت ضربت سهامهم في أصل الفريضة فما بلغت أخرجت منه صحاحا، مثال ذلك ثلاثة إخوة لأب وأربع أخوات له مع أخ لأم، أو ثلاثة بنين وأربع بنات مع أحد الأبوين فسهامهم عشرة تضرب في الأصل فتصير ستين سهما، لذي السدس عشرة أسهم، ولكل واحد من الذكور عشرة أسهم، ولكل أنثى خمسة أسهم. ثم على هذا يجري حساب هذه الفريضة بالغا ما بلغ أهلها. ومن ذلك فريضة الثمن وأصلها من ثمانية، لذي الثمن واحد وتبقى سبعة فإن كان مشاركوه ممن تصح قسمتها عليهم صحاحا قسمت، وإن انكسرت عليهم ضربت سهامهم في أصل الفريضة فما بلغت أخرجت منها السهام صحاحا


(1) مع ذي الربع. *)

[ 381 ]

مثال ذلك خمس بنين، أو ابنان وبنت، أو ابن وثلاث بنات، سهامهم خمسة تضرب في الفريضة وهي ثمانية فتصير أربعين سهما، لذي الثمن خمسة و يبقى خمسة وثلاثون سهما لكل واحد من البنين الخمس سبعة أسهم ولكل واحد من الابنين مع البنت أربعة عشر سهما وللبنت سبعة أسهم، وللابن أربعة عشر سهما ولكل بنت من الثلاث سبعة أسهم. ثم على هذا تجري القسمة في هذه الفريضة بالغا ما بلغت سهام أهلها. فإن اجتمع في الفريضة ربع وسدس وهي فريضة الزوجة مع واحد الأخوة من الأم وإخوة الأب فأصلها من اثني عشر، للزوجة ثلاثة وللأم سهمان ويبقى سبعة لكلالة الأب، فإن أمكنت قسمتها عليهم صحاحا وإلا ضربت سهامهم في أصل الفريضة فما بلغت أخرجت منه السهام صحاحا. وكذلك القول في فريضة إخوة الأم والزوجة أو الزوج عملها كالأول، فإن كان ما يستحقه كل واحد من الكلالتين ينكسر عليهم ضربت سهام كل واحد من أهل الكلالتين في سهام الأخرى فما بلغ ضرب في أصل الفريضة فما بلغ أخرجت منه السهام صحاحا. فإن كان في الفريضة ذوو سهام مسماة ورد ينكسر كزوج وأحد الأبوين وبنت فأصل الفريضة من اثني عشر، للزوج الربع ثلاثة ولأحد الأبوين السدس سهمان وللبنت النصف ستة أسهم، يبقى سهم ينكسر في الرد على البنت والأب فالوجه أن يضرب سهامهما وهي أربعة في أصل الفريضة وهي اثنا عشر فتصير ثمانية وأربعين سهما، للزوج الربع اثني عشر سهما ولأحد الأبوين السدس ثمانية أسهم وللبنت النصف أربعة وعشرون سهما ويبقى أربعة أسهم للبنت ثلاثة أسهم ولأحد الأبوين سهم. ثم على هذا الوجه يجري حكم حساب جميع الفرائض فليعمل بحسبه. واستقصاء مسائل جميع الفرائض في القسمة وما يتفرع منها ويتناسخ يخرج عن الغرض بهذا المختصر وفيما ذكرناه بلغة لمن فهم.


[ 382 ]

الضرب الخامس من الأحكام القصاص واجب على كل عاقل قصد الجناية على غيره من الناس في نفسه، وهو على ضربين: قود عن قتل، والثاني قصاص عن جروح. وإنما يكون القاتل قاتلا قتلا يوجب القود منه بأن يقصد إلى قتل غيره فيقع مقصوده أو يفعل به ما جرت العادة بانتفاء الحياة معه من ضرب في مقتل (1) أو خنق بحبل أو تغريق (2) أو تحريق أو تردية من علو أو طرح بعض الأجسام الثقال عليه وأشباه ذلك مما جرت العادة بانتفاء الحياة معه، من غير استحقاق. وإنما يكون جارحا ما يوجب القصاص مع تكامل الشروط المذكورة في القود إذا كان ما قصده مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد والرجل والإصبع إلى غير ذلك ولا يخاف معه تلف المقتص منه، فأما الكسر والفك المنجبر والجرح الملتئم والمأمومة في الشجاج والجائفة في الجوف وما يجري مجراهما فلا قصاص في شئ منه. والمسلمون الأحرار تتكافأ دماؤهم في القتل والجراح. ولا يقتص لعبد من حر ولا لذمي من مسلم ولا لمبطل من محق، ويقتص للعبد من العبد وللذمي من الذمي وللضال عن الحق من الضال. فإذا قتل


(1) في بعض النسخ: في قتل.
(2) في بعض النسخ: أو تفريق وفي بعضها: أو تعريق.

[ 383 ]

الحر المسلم مسلما فولي الدم مخير بين قتله وأخذ الدية إن افتدى بها نفسه و العفو عنه، وإذا أراد القود تولى ذلك منه سلطان الاسلام أو من يأذن له في النيابة عنه، فإن سبق الولي إلى قتله فعلى السلطان المبالغة في عقوبته ولا حق له ولا عليه غير ذلك. فإن كان الأولياء جماعة واختار بعضهم القتل والبعض الدية أو العفو لم يجز لمريد قتله ذلك إلا بعد أن يؤدي أقساط مريدي الدية إليهم أو إلى ورثة المقاد منه أقساط من عفا، وكذلك الحكم إن كان بعض الأولياء صغيرا أو مأوف العقل وأراد العاقل القتل. وإن قتل اثنين حرين مسلمين فما زاد عليهما فأولياء الدم بالخيار، إن رضوا جميعا بقتله قتلهم ولا شئ لهم غير ذلك، وإن عفوا جميعا فهو سائبة، و إن أرادوا الديات فعليه أن يؤدي بعدد من قتل ديات كاملة إلى أوليائهم، وإن أراد بعض القتل وبعض الدية أدى إلى مريد الدية ما طلب منها وقتل بمن عدا من رضي منه بديته، وإن عفا أولياء بعض المقتولين سقط حقهم وبقي حق من لم يعف على مراده إن قتلا فقتلا أو دية فدية. وإن كان القاتلون جماعة والمقتول واحدا فأولياؤه مخيرون إن شاؤوا عفوا وإن شاؤوا طالبوا بالدية فهي واجبة على كل منهم بالغا ما بلغوا، وإن شاؤوا قتلوا الجميع وأدوا ديات من يزيد على واحد إلى ورثة الجميع وبين (1) أن يقتلوا واحدا ويؤدي الباقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثته. وإذا اشترك جماعة من أحرار المسلمين في قتل جماعة منهم فالحكم فيهم ما بيناه. وإذا قتل الحر المسلم امرأة حرة مسلمة فأولياؤها مخيرون بين قتله و


(1) كذا. *)

[ 384 ]

رد ما يفضل من ديته عن ديتها إلى ورثته وبين أخذ الدية وهي نصف دية الرجل. وإن قتلت المرأة رجلا حرا مسلما فأولياؤه مخيرون بين قتلها ولا شئ لهم غيره وبين أخذ الدية كاملة. وحكم الواحد فما زاد إذا قتل أو قتلوا امرأة أو جماعة رجال ما تقدم شرحه. وحكم الحرة المسلمة مع مثلها حكم الحر المسلم مع مثله وحكم العبد مع العبد والذمي مع الذمي حكم الحر المسلم مع مثله وحكم الأمة مع الأمة والذمية مع الذمية حكم الحرة المسلمة مع مثلها وحكم الأمة مع العبد و الذمية مع الذمي حكم حر المسلم مع الحرة (1). فإن قتل الحر المسلم عبدا أو أمة فعليه قيمة كل منهما ما لم تتجاوز قيمة العبد دية الحر وقيمة الأمة دية الحرة فترد إليها، وينهك عقوبة، وإن كان المقتول من رقيقه أغرمه السلطان قيمته وتصدق بها وبالغ في تأديبه وتلزمه الكفارة على كل حال. فإن كان معتادا لقتل الرقيق ضريا عليه قتل لفساده في الأرض، وإن كان القاتلون جماعة فهم شركاء في دم من قتلوه، وإن كان المقتول صغيرا أو مجنونا فعلى القاتل الدية دون القود، وإن كان قاتلوا الأصاغر والمجانين جماعة أو المقتولين منهم جماعة فالحكم على ما تقدم. وإن قتل ذميا أو ذمية فعليه الدية، فإن كان معتادا لقتل أهل الذمة ضربت عنقه لفساده في الأرض لا على جهة القصاص. وحكم المرأة الحرة المسلمة في قتل العبد أو الأمة أو الذمي أو الذمية أو الصغير أو الماؤف حكم الحر المسلم. فإذا قتل الصغير أو الماؤف العقل حرا أو عبدا مسلما أو ذميا ذكرا أو أنثى


(1) النسخ في هذين السطرين مختلفة وما أثبتناه هو الصحيح ظاهرا. *)

[ 385 ]

فعلى وليهما الدية. فإن كان مقتول المأوف العقل يعرض له بأذية فدفعه عن نفسه فقتله فلا دية له. وإذا قتل الذمي أو الذمية حرا مسلما أو عبدا أو حرة أو أمة مسلمة منفردين بذلك أو مشاركين فيه وجب قتل الذمي، لخروجه بقتل المسلم عن الذمة، والرجوع على تركته أو أهله بدية الحر وقيمة الرق أو ما يلحقه من قسط ذلك. وإن كان القاتل من أهل الذمة صغيرا أو مأوفا فعلى وليهما دية ما جنياه. وإن كان القاتل عبدا ذميا أو أمة قتلا ورجع على مولاهما بالدية. وإذا قتل الواحد من أهل الذمة جماعة من المسلمين قتل ورجع على تركته بدياتهم. وإن كان القاتلون جماعة والمقتول من المسلمين واحدا قتلوا جميعا لخروجهم عن الذمة ورجع على مواريثهم أو أوليائهم بدية المسلم. وإذا قتل العبد أو الأمة حرا مسلما أو حرة وجب تسليم كل منهما إلى ولي الدم برمته (1) إن شاؤوا قتلوا أو (2) تملكوا ما معه من مال وولد، وإن شاؤوا استرقوه وولده وتصرفوا في ماله (3). والعبد يكافئ العبد والأمة الأمة في القود والدية، فإن قتل العبد أمة أو الأمة عبدا فولى (4) المقتول مخير بين القتل أو أخذ قيمة الأمة أو العبد من السيد. وحكم جماعة العبيد أو الإماء إذا قتلوا واحدا أو جماعة من الأحرار أو العبيد أو أهل الذمة أو كان قاتل الواحد منهم أو الجماعة واحدا أو جماعة


(1) في بعض النسخ: بذمته.
(2) وتملكوا. ظ.
(3) في المختلف: في ملكه.
(4) كان في النسخ: مولى المقتول، والظاهر ما أثبتناه.

[ 386 ]

ما تقدم بيان حكمه. وإذا اشترك العبد والحر والأمة والحرة والخنثى الذي لم يبن أمره في قتل فأراد ولي الدم الدية فهم متساوون في استحقاقها، وإن أراد قتل أحدهم رد الباقون ما يجب عليه من أقساط الدية على ورثته، وإن أراد قتل الجميع رد ولي الدم ما يفضل عن دية وليه على ورثتهم. وإذا قتل الخنثى الذي لم يبن أمره فأراد وليه الدية فله نصف دية الرجل ونصف دية المرأة حرا فحرا وعبدا فعبدا. وإن أراد القود بحيث يصح فكانت دية قاتله تزيد على ديته لم يجز له ذلك حتى يرد الفضل على ولي المقاد منه. وتقاد أولوا الأرحام بعض ببعض إلا الأب بالابن. وإذا قتل الحر والعبد حرا فاختار وليه الدية فعلى الحر النصف وعلى سيد العبد النصف، وإن اختار قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر، وإن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، وإن اختار قتل العبد قتله ويؤدي الحر إلى سيده نصف قيمته. ومن هدم على قوم دارا أو أضرم عليهم فيها نارا أو ثبق عليها ماءا فهو قاتل عمدا لمن يهلك بفعله، واحدا كان أو جماعة. وإذا اشترك ثلاثة في قتل: أمسك أحدهم وضرب الآخر والثالث عين لهم، فالحكم أن يقتل القاتل ويخلد الممسك الحبس حتى يموت وتسمل عين الرقيب. وإذا أقر من يعتد بإقراره بقتل يوجب القود وأقر آخر بأنه أتاه (1) خطأ فأولياء المقتول بالخيار إن شاؤوا قتلوا المقر بالعمد ولا سبيل لهم على المقر


(1) في المختلف: وأقر آخر بقتله إياه.

[ 387 ]

بالخطأ، وإن شاؤوا طالبوهما بالدية نصفين، وإن كان المقر بالعمد ممن لا يقاد بالمقتول لكونه صغيرا أو مأوفا أو ذميا أو عبدا فعليهما جميعا الدية. وا قامت البينة على قاتل وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود عليه من قتله، فأولياؤه مخيرون إن شاؤوا قبلوا الدية منهما نصفين وإن شاؤوا قتلوهما وردوا نصف الدية على ورثة المشهور عليه دون المقر ببراءة الآخر منها وإن شاؤوا قتلوا المشهود عليه وأدى المقر إلى ورثته نصف ديته وإن شاؤوا قتلوا المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه [ هذا إذا برء المقر المشهود عليه من قتله ] (1) وإن لم يبرأ المقر المشهود عليه فهما شريكان في القتل متساويان فيما يقتضيه. ومن قتل أو جرح غيره بغير حق لأمر آمر أو إكراهه فالقود والقصاص مستحق عليه دون الأمر والمكره لما بيناه من عدم تأثير الأمر والاكراه في الظلم ويخلد الأمر والمكره الحبس حتى يموت، وإذا كان الأمر سيد العبد معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس، وإذا كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس. وإذا قامت البينة على عاقل بقتل أو أقر به ثم خولط قتل من قتل وإن قامت الشهادة به في حال اختلاطه فالدية من ماله إن كان له مال وإلا فعلى عاقلته ولا يعتد بإقراره في حال الاختلاط. ويقاد الكفار بعض ببعض وإن اختلفت جهات كفرهم، ولا يقاد كفار التأويل من المجبرة والمشبهة وغيرهم بذمي ولا وثني، ويستفاد لهم من أهل الإيمان ويستقاد لهم منهم.


(1) كذا في مختلف العلامة.

[ 388 ]

وأما القصاص في الجروح فبين الحر المسلم والحر المسلم (1) والحرة المسلمة فيما كان من أعضائها وجراحها (2) مقابلا لدية أعضاء الرجل وجراحه وبين العبد والعبد والأمة والأمة والعبد والأمة كالحر والحر والحر والحرة وبين الذمي والذمي والذمية والذمية والذمي والذمية كالمسلم والمسلمة بشرط انفصال العضو من الجملة كاليد أو ثبوت فساده كالشلل والعماء. ولا يجوز القصاص بجرح ولا قطع ولا كسر ولا خلع حتى يحصل اليأس من صلاحه فإن اقتص بجرح فبرأ المجروح والمقتص منه أو لم يبرء فلا شئ لأحدهما على صاحبه وأن يبرأ أحدهما والتأم جرحه أعيد القصاص من الآخر إن كان القصاص بإذنه وإن كان بغير إذنه، رجع المقتص منه على المتعدي دون المجني عليه. فإن كان الجرح مما يخاف للاقتصاص به تلف المقتص منه كالجائفة و المأمومة وما يجري مجراهما لم يجز الاقتصاص به وإذا وقع القصاص موقعه من غير تعد فيه فمات المقتص منه والمقتص له حي فلا تبعة على المقتص له و إن تعدى فيه وكان هو متولي القصاص رجع أولياؤه عليه بما يفضل من ديته عن أرش الجراح، وإن كان متوليه غيره رجع عليه بذلك دونه، إلا أن يقصد المقتص منهما (3) بتعديه فعل ما جرت العادة بانتفاء الحياة معه كالقصاص للموضحة بالمأمومة وللجرح في الحلق بالذبح فيموت المقتص منه والمقتص له حي فيكون لأوليائه القود من متولي ذلك بعد رد أرش ما أتاه صاحبهم على


(1) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: ” فبين الحر المسلم والحرة المسلمة ” بحذف جملة: ” والحر المسلم “.
(2) في بعض النسخ: وجوارحها.
(3) كذا.

[ 389 ]

ورثة المستفاد منه. وإذا قلع الأعور عين سليم قلع عينه وإن عمى. وإن قطع الأشل يد غيره قطعت يده الصحيحة، ومن قطع يد غيره اليمنى ولا يمنى له قطعت يده اليسرى، فإن لم يكن له يد قطعت رجله، وإن قطع يديه وليس له إلا يد واحدة قطعت وإحدى رجليه، وإن قطع يمنى رجليه وليست له يمنى قطعت اليسرى، وإن لم يكن له رجل قطعت يده. وكذلك القول في أصابع اليدين والرجلين والأسنان ومن قطع يد غيره ولا يد له أو رجله ولا رجل له أو قلع عينه ولا عين له إلى غير ذلك، فليس للمجروح إلا الدية. وإذا قطع أصابع غيره أو واحدة منها وقطع آخر يده من الزند أو المرفق أو الإبط أو إصبعا من رجله أو أصابعها وقطع آخر رجله من المفصل أو الركبة أو من أصل الورك، فأراد الدية. فعلى الأول دية ما جناه، وعلى الثاني دية ما بقي عنه، وإن اختار اقتص من الأول والثاني ورد دية ما جناه الأول، وإن اختار أخذ الدية من الأول عن جنايته فدفعها إلى الثاني، وكذلك الحكم في سائر الأعضاء. والمجروح ولي القصاص له المطالبة به أو الدية أو العفو، وهذا حكم أولياء المقتول وهم من عدا كلالة الأم من الأخوة والأخوال وأولادهم، وأولاهم بذلك أولاهم بالميراث. فإن كان أولياؤه كفارا فأسلم أحدهم فهو وليه، وإن لم يسلم منهم أحد أو لم يكن له ولي فوليه سلطان الاسلام وهو مخير في قتل العمد بين أخذ الدية والقود، وفي قتل الخطأ يأخذ الدية وليس له العفو على حال. وإن اقتص ولي الدم من القاتل بضربة أو ضربات ثم عاش بعد ذلك كان


[ 390 ]

له قتله بعد تمكينه من الاقتصاص منه بما اتاه إليه من الجراح، ولا قود إلا بضرب العنق وإن كان القاتل قد نكل بالمقتول أو غرقه (1) أو خنقه أو غير ذلك من ضروب القتل، بضربة واحدة وإن ترتب فعله فقطع يديه أو رجليه أو قلع عينيه إلى غير ذلك ثم قتله بفعل آخر فليقتص منه ثم يقتل. ولا يقاص بين الأحرار والعبيد، ولا بين المسلمين والكفار، ولا بين الصغار والكبار، ولا المأوفين والعقلاء، ولا قصاص فيما لم يكن (2) تميزه كنقص السمع أو البصر أو الشم أو العقل أو النطق أو ذهاب جملته ببعض الجنايات. وإذا قطع يمنى يدي رجلين فيده اليمنى للمقطوع الأول والثاني بالخيار بين قطع يده اليسرى والدية، وإذا قطع بعض عضو كالاصبع والساعد والعضد والساق والفخذ واللسان فيسر إلى مثله (3) واقتص (4) من القاطع كذلك.


(1) في بعض النسخ: عرقه.
(2) لم يمكن. ظ.
(3) هذه العبارة سقيمة ظاهرا.
(4) في بعض النسخ: واقتصر.

[ 391 ]

الضرب السادس من الأحكام ديات الأنفس والجوارح والجراح مستحقة بالخطأ كالعمد، فدية قتل الحر المسلم ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا أو مائة من الإبل أو مائة بقرة أو مائتا حلة أو ألف شاة بحسب ما يملك من تجب عليه الدية، ودية الحرة المسلمة النصف من جميع ديات الحر المسلم، ودية رقيق المسلمين قيمته ما لم تتجاوز قيمة العبد دية الحر والأمة دية الحرة فترد إليهما، ودية الحر الذمي ثمانمائة درهم وضحا، ودية الحرة الذمية نصف دية الحر الذمي، ودية رقيقهم قيمته ما لم تتجاوز قيمة العبد دية الحر الذمي والأمة دية الحرة فترد إليهما، وحال الصغار وذوي النقص حال العقلاء البالغين. فإن كان القتل عمدا في الحل فالدية مغلظة على القاتل نفسه إن كان حرا عاقلا مائة من مسان الإبل تستأدى منه في مدة الحول، وإن كان القتل في الحرم أو في شهر حرام فقد روي: ” أن عليه دية وثلثا ” (1) وإن كان القاتل عبدا فالدية على سيده إن اختار فداه، وإن كان صغيرا أو ماؤفا فالدية على وليه. فإن امتنع من أدائها في الحول أخذت قسرا إن كان القاتل أو وليه غنيا، وإن كان فقيرا لم يكن للأولياء إلا القود من العاقل الحر أو العبد أو النظرة بالدية


(1) راجع الوسائل أبواب النفس، الباب الثالث.

[ 392 ]

أو العفو، وكذلك الحكم فيمن لا يصح منه القود. وإن كان القاتل ذميا لمسلم قتل وأخذ الدية من ورثته ولا يجوز العفو عنه. ودية الخطأ على العاقلة وعاقلة الحر المسلم عصبته، وعاقلة الرقيق مالكه، وعاقلة الذمي الفقير الإمام، فإن كان الخطأ خالصا وهو أن يرمي غرضا أو طائرا فيصيب انسانا وأشباه ذلك فديته على أهل الإبل ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وتستأدى في ثلاث سنين. وإن كان الخطأ شبيه العمد وهو أن يضرب غيره ضربا لم تجر العادة بانتفاء الحياة معه عن قصد أو خطأ أو يعالجه بدواء أو يفصده أو يقطع بعض أعضائه مداويا فيموت عند ذلك أو يحصل التلف عند فعله بنفسه أو دابته متعديا فديته ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية وتستأدى منه في سنتين، ومن البقر والغنم في هذه الديات مثل أسنان الإبل. فإن لم يكن من وجبت عليه لعمد أو خطأ من أهل الأنعام فما عداها من العين أو الورق أو الحلل. ومن أخرج غيره منزله ليلا ضمن ديته من ماله دون عاقلته حتى يرده إليه أو يقيم البينة بسلامته أو موته حتف أنفه أو قتل غيره له. والظئر الحاضنة (1) ضامنة لدية الصبي في مالها حتى يقيم البينة ببراءتها من هلكه. وإذا عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها فعليه لها دية النطفة عشرة دنانير، وإن كان بإفزاع غيره له فالدية عليه لهما، وإن ضربها غيره فألقت نطفة فديتها عشرون دينارا، وإن ألقت علقة وهي قطعة دم كالمحجمة فأربعون دينارا، وإن


(1) في بعض النسخ: الخاصة، وهو تصحيف.

[ 393 ]

ألقت مضغة وهي بضعة من لحم فستون دينارا، وإن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع (1) عقد فثمانون دينارا، وإن ألقت جنينا قد كملت صورته قبل أن يلجه الروح فمائة دينار، وإن ألقت حيا فاستهل أو تحرك تحركا يدل على الحياة ثم مات فديته كاملة، إن ذكرا فدية الذكر وإن أنثى فدية الأنثى. وإن مات الجنين المعلوم كماله وحياته من الضرب في بطنها فنصف دية فإن كان الزوج هو الضارب فالدية للأم خاصة، وإن كانت المرأة هي التي أسقطته، بدواء وغيره فالدية واجبة عليها للزوج، وأن كان الحمل له أحكام الرق أو أهل الذمة فبحساب دياتهم. ودية قطع رأس الميت عشر ديته، وفي قطع أعضائه بحساب ذلك، يتصدق بها عنه ولا تورث، وهذه الدية مختصة بالجاني دون عاقلته. ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميزة أو الدرب أو الدار أو القبيلة ولا يعرف له قاتل بإقرار أو بينة على أهل المحل الذي وجد فيه، فإن وجد بين القريتين أو الدارين أو المحلتين أو القبيلتين فديته على أقربهما إليه وإن كان وسطا فالدية نصفان. وإذا وجد صبي في بئر لقوم فكانوا متهمين على أهله فعليهم الدية وإن كانوا مأمونين فلا شئ عليهم. ودية قتيل الزحام على الجسور وأبواب الجوامع وفي مواسم الحج لا يعرف قاتله وبكل أرض لا مالك لها كالجبال والبراري وبحيث لا يمكن اضافته إلى أحد على بيت المال. ودية كل قتل يحصل بفعل القاتل وعند فعله عن تعد وخطأ واجبة عليه


(1) كذا. *)

[ 394 ]

كوقوعه من علو على غيره وهدمه حائطة (1) عليه من غير قصد إلى ذلك و إحداثه في طريق المسلمين أو ملك الغير ما يحصل التلف عنده وما يقتضي تضمينه من جناية دابته إلى غير ذلك. وإذا اشترك جماعة فيما يوجب الدية فهم أو عاقلتهم مشتركون فيها. وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في ستة نفر كانوا يسبحون في الفرات فغرق أحدهم فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه: أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسا الدية (2). وقضى عليه السلام في أربعة نفر تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان مجروحان: أن على الباقيين ديتي المقتولين يقاصان منهما بأرش الجراح (3). وقضى عليه السلام في امرأة ركبت عنق أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة فاندق عنقها: بأن على القارصة ثلث الدية وعلى المركوبة الثلث وأسقط الثلث لركوبها [ عبثا ] ولو كانت راكبة بأجر لكانت الدية على القارصة والقامصة كاملة وإنما كانت لاعبة (لاغية خ) (4). وإذا قتل المسلم ذميا عمدا فالدية في ماله وخطأ على عاقلته، ودية قتل العبد على سيده، والصغير والمحجور عليه على وليه، فإن كان خطأ فعلى عاقلتهما.


(1) في بعض النسخ: حائطة.
(2) راجع الوسائل، كتاب الديات أبواب موجبات الضمان، الباب الثاني، والمقنعة للمفيد ص 118.
(3) راجع الوسائل، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان الباب الأول، و المقنعة للمفيد ص 118.
(4) راجع الوسائل، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان، الباب السابع، والمقنعة ص 118.

[ 395 ]

وإذا قتل الذمي مسلما خطأ فديته عليه، فإن لم يكن له مال ولا يستطيع السعي فيها فعلى بيت مال المسلمين. وحكم المدبر والمكاتب الذي لم يتحرر منه شئ حكم العبد فإن كان قد تحرر بعض المكاتب فعليه من الدية بحسب ما تحرر منه وعلى مكاتبه منها ما بقي. وإذا جنى العبد على حر جناية توفى بقيمة فعلى سيده تسليمة أو فداؤه، وإن كانت أقل من قيمته فعليه فداؤه أو تسليمة وأخذ الفاضل من قيمته عن أرش الجناية. وإن جنى الحر على العبد ما يوجب الدية كقطع الأنف أو اليدين فعليه قيمته لسيده وأخذه إليه. وإذا قامت البينة على واحد بقتل خطأ وقامت بينة أخرى على إضافة ذلك القتل إلى غيره خطأ فالدية على المشهود عليهما نصفان. وإذا هرب قاتل العمد فمات قبل أن يقدر عليه فالدية من ماله، فإن لم يكن مال فعلى عاقلته. ومن خلص قاتل عمد من أولياء مقتوله قسرا (1) أخذ بإحضاره فإن أحضره وإلا حبس حتى يحضره فإن مات القاتل فعليه الدية ومن طفر من علو على فوق غيره قاصدا فقتله فهو قاتل عمد وإن كان لغير (2) ذلك فوقع عليه من غير قصد إليه فالدية على عاقلته، وإن كان بدفع غيره فالدية على الدافع، وإن كان بهبوب الرياح فالدية من بيت المال. وإذا لم تكن لقاتل الخطأ عاقلة وله مال فالدية من ماله، فإن لم يكن ذا مال فالدية من بيت المال. ولا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا إقرارا ولا ما وقع عن تعد كحدث الطريق


(1) في بعض النسخ: قهرا.
(2) في بعض النسخ: لغرض غير ذلك.

[ 396 ]

والدابة وكل مضمون ولا ما دون الموضحة. فعلى هذا التحرير يتنوع القتل ستة أنواع: عمد يوجب القود، وخطأ محض، وخطأ شبيه العمد يوجبان الدية على العاقلة، ومضمون بالتعدي وهو ما عدا الأنواع الثلاثة المعلوم إضافتها وديته لازمة للمتعدي في ماله، وقتل لا يعرف فاعله وتصح اضافته إلى محل وجوده كالقرية والمحلة وشبههما، وقتل لا يعرف ولا تصح اضافته كقتيل الزحام ونظائره فديته على بيت المال. فأما ذهاب الحواس والجوارح والجروح: ففي ذهاب العقل الدية كاملة. وفي ذهاب شعر الرأس أو اللحية لا ينبت (1) الدية الكاملة، فإن نبت ففي شعر رأس الرجل أو لحيته عشر ديته وفي شعر المرأة مهر مثلها. وفي ذهاب البصر الدية كاملة، وفي ذهابه من إحدى العينين نصف الدية، ويعتبر بفتح العين مقابل عين الشمس فإن لم تطرف فهو أعمى وإن أطرف فهو بصير وإن أطرف بأحديهما فالأخرى ذاهبة النور، وفي نقصه منهما أو من إحديهما بحساب ذلك، ويعتبر بالجسم الظاهر اللون في المسافة، وفي قلع العينين الدية كاملة، وفي قلع إحديهما نصف الدية، وفي ذهاب بصر الأعور خلقة أو قلع عينه الدية، كاملة وإن كان ذهاب الأخرى لتعد عليه في حرب أو بحق لجناية على نفسه فنصف ديتها (2) وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين وفي الأسفل نصف ديتها. وفي خسف العين الواقفة العمياء ثلث ديتها، وفي طبق (3) المفتوحة أو ذهاب سوادها مع تقدم العمى ربع ديتها.


(1) في بعض النسخ: إذا لم ينبت.
(2) في بعض النسخ: فنصف دية.
(3) طبقها. ظ.

[ 397 ]

وفي ذهاب شعر الحاجبين نصف الدية، وفي أحدهما ربع الدية، فإن نبت فالأرش. وفي ذهاب السمع جملة الدية كاملة، وفي ذهابه من إحدى الأذنين نصف الدية، ويعتبر بالصوت الرفيع من حيث لا يعلم فإن ارتاع فهو سميع وإن لم يرتع فهو أصم، وفي نقصانه فيهما (1) باعتبار التصويت بالطست في المسافة وقياس ذلك إلى مماثله في السن، وفي إحديهما بسد السليمة بالقطن واعتبار حال الناقصة بالتصويت في الجهة وقياس ذلك بالسليمة، وفي قطع الأذنين الدية كاملة، وفي قطع إحديهما نصف الدية، وفي شحمة الأذن ثلث ديتها، وفي بعض الأذن بحساب ديتها، يقاس بالخيط (كذا). وفي ذهاب الشم الدية كاملة، ويعتبر بتقريب الحراق إلى الأنف فإن دمعت عينه فهو سليم وإن لم تدمع فقد ذهبت حاسة شمه، وفي استيصال الأنف الدية كاملة، وفي الأرنبة نصف الدية، وفي إحدى المنخرين ربع الدية، وفي النافذة فيهما نصف الدية، فإن صلحت والتأمت فخمس الدية، وفي النافذة في إحدى المنخرين سدس الدية، فإن التأمت فعشر الدية، وفي كسره وجبره من غير عيب ولا عثم عشر الدية. وفي ذهاب النطق الدية كاملة، ويعتبر بالأبرة فإن خرج الدم أسود أو لم يخرج دم فهو أخرس وإن خرج أحمر فهو سليم، وفي بعضه (2) بحساب حروف المعجم، يلزم الجاني من أقساط الدية بعدد ما يختل النطق به منها، وفي اللسان الدية كاملة، وفي بعضه بحساب ذلك يقاس بالميل، وفي قطع لسان الأخرس ثلث ديته، وفي بعضه بحساب ذلك.


(1) كذا في النسخ.
(2) وفي نقصه.

[ 398 ]

وفي الشفتين الدية كاملة، وفي العليا منهما ثلث الدية، وفي السفلى ثلثا الدية، وفي بعضها بحساب ذلك، وفي شق إحديهما ثلث الدية، فإن التأمت فخمس ديتها. وفي الأسنان وهي ثمانية وعشرون سنا الدية كاملة، وفي كل سن من مقاديم الفم وهي اثنا عشر سنا نصف عشر الدية وفي كل سن من مآخير الفم وهي ستة عشر سنا ربع عشر الدية، وفيما زاد على هذا العدد من الزوايد الأرش، وفي سن الصبي قبل أن يثغر عشر عشر ديته (1)، وفي كسر بعض السن بحساب ديتها، يقاس ذلك بنظيرها السالمة، وفي صدعها أو سوادها ثلثا ديتها. وفي اليدين الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية، وفي كل إصبع عشر الدية إلا الابهام فديتها ثلث الدية (2)، وفي مفصلها نصف ديتها، وفي مفصل الطرف من كل إصبع عدا الابهام ثلث ديتها، وفي الثاني (3) ثلثا ديتها، وفي الإصبع الزائدة ثلث إصبع الخلقة المستقيمة، وفي شلل اليد والإصبع ثلثا ديتها، وفي قطعها شلاء ثلث ديتها. وفي الساعدين الدية وفي إحديهما نصف. وفي العضدين الدية وفي إحديهما نصف الدية، وفي بعض ذلك بحسابه، يقاس ويؤخذ دية ما قطع بحساب دية الساعد أو العضد. وفي الرجلين الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية، وفي كل إصبع من أصابعها عشر دية (4)، وفي مفصلها نصف ديتها، وفي الإصبع الزائدة ثلث


(1) عشر عشر الدية.
(2) في بعض النسخ: ثلث دية اليد.
(3) في المختلف: وفي الباقي.
(4) في بعض النسخ: ديته.

[ 399 ]

الإصبع المعتادة. وفي الساقين الدية، وفي إحديهما نصف الدية. وفي الفخذين الدية وفي إحديهما نصف الدية. وفي نقص هذه الأعضاء بمقدار المقطوع من العضو. وفي كسر الصلب الدية كاملة، فإن جبر وصلح من غير عيب فعشر الدية. وفي قطع الحشفة وهي الكمرة من الذكر فما زاد الدية كاملة. وفي الخصيتين الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية. وفي فرج المرأة الدية كاملة، وفي ذهاب حيضها ثلث ديتها. وفي افضاء الحرة ديتها وفي الأمة قيمتها. وفيما ولد كون المجني عليه ادر (1) خمسا الدية. وفي الفحج الذي لا يقدر معه على المشي أو يستطيع منه ما لا ينتفع به في التكسب أربعة أخماس الدية. وفي كسر عظم عضو خمس دية العضو، فإن جبر فصلح من غير عثم فأربعة أخماس كسره، وإن بطل العضو به فثلثا ديته. وفي موضحة العضو ربع دية كسره. وفي رضه ثلث ديته فإن جبر فصلح من غير عيب فأربعة أخماس رضه. وفي فك العضو وبطلانه له ثلثا ديته فإن جبر فصلح من غير عيب فأربعة أخماس فكه. وفي الطعنة النافذة في العضو عشر ديته، وفي الناقلة في الجسد ثلث دية العضو. وحكم الشجاج في الوجه حكمه في الرأس وهي ثمان: أولها الدامية


(1) آدرا.

[ 400 ]

وهي الخدش الذي يقشر الجلد ويسيل الدم ففيها عشر عشر دية المشجوج، ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم ففيها خمس عشر ديته، ثم النافذة وهي التي تنفذ في اللحم وتزيد على الباضعة وتسمى المتلاحمة ففيها خمس عشر وعشر عشر، ثم السمحاق وهي التي تبلغ إلى القشرة الخفيفة الرقيقة المتغشية للعظم ففيها خمسا عشر ديته، ثم الموضحة وهي التي توضح إلى العظم ففيها نصف العشر، ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم ففيها عشر الدية، ثم الناقلة التي تكسر العظم وتزيد على الهاشمة ويحتاج معها إلى نقل العظام من موضع إلى آخر ففيها عشر ونصف عشر دية (1) ثم المأمومة التي تصل إلى أم الدماغ ففيها ثلث الدية. وفي لطمة وجه الحر المسلم إذا احمر موضعها دينار ونصف، فإن اخضر أو اسود ثلاثة دنانير. وفي لطمة الجسد النصف من لطمة الوجه وفيمن عداه بحساب ديته. وفي الجائفة تصل إلى الجوف ثلث الدية. وفيما بيناه من ديات الأعضاء والجراح والشجاج بحسب دية المجروح.


(1) الدية. *)

[ 401 ]

الضرب السابع من الأحكام ويضمن الحر العاقل قيمة ما أفسده وارش ما جناه عن عمد أو خطأ عن قصد أو سهو، وما يحصل عند فعله، أو ممن يلي عليه. فالأول أن يقتل ما يملكه غيره من حيوان أو يجرحه أو يكسر آلته أو يحرق ثوبه أو يفسد حرثه أو يهدم بناءه إلى غير ذلك عن عمد أو خطأ أو سهو فتلزمه في ماله قيمة ما هلك وأرش ما نقص. والثاني على ضروب: منها أن يحدث في طريق المسلمين أو في الملك المشترك بغير إذن الشركاء أو في ملك الغير بغير إذنه فضمن ما أثر ذلك من فساد أو حصل عنده من تلف أو نقص. ومن ذلك أن يرسل كلبا عقورا أو جملا هائجا أو دابة مفسدة فيضمن ما يجنونه، فإن ربط واحترزت فأفلت من غير تفريط منه لم يضمن. ومن ذلك أن يرسل غنمه ليلا فيضمن ما تجنيه على كل حال، ولا يضمن ما تجنيه نهارا إلا أن يرسلها في ملك غيره. ومن ذلك ما تجنيه دابة (1) المركوبة بيديها على كل حال، وكذلك حكمه إن كان قائدا، وبيديها ورجليها إن كان سائقا ولم يحذر، أو موقوفا لها في غير ملكه


(1) الدابة. ظ

[ 402 ]

والمباح عدا الطريق على كل حال، وحاملا عليها من لا يعقل (1) على كل حال، ومنفرا لها كذلك، إلا أن ينفرها عن أذيته ومن يجري مجراه وعما يملكه من حرث فلا يضمن (2). ومنها أن يفصد غيره أو يحجمه أو يسقيه دواءا أو يقطع له عضوا معالجا أو يعالج له دابة ولا يبرأ إليه أو إلى وليه من تبعة ذلك، فإنه يضمن جميع ما يحدث عنه فعله من موت أو فساد عضو أو نقص، وإن برء إليه لم يضمن. والثالث ما يقع من الرقيق أو المضمون الجريرة والمحجور عليه من قتل خطأ أو فساد عن (3) مقصود أو عمد ممن لا يعقل فيلزم الولي دية النفس وقيمة المتلف وأرش الجناية. ولا دية ولا قيمة ولا أرش لما يحدث من البهيمة في ملك صاحبها، أو المباح كالجبال والبراري، ولا البئر في الملك، وللانتفاع بها في غيره، ولا انهدام البنيان ابتداءا ولا بفعل الهالك (4)، ويضمن ما يحصل (5) من ذلك إلى ملك غيره أو طريق المسلمين. ولا دية للغريق بإيثاره السباحة وللهالك بشرب الدواء أو السم أو قطع العضو باختياره أو وليه مع التبري إليه من جريرته. ولا دية للمتردي من علو بنفسه أو تفريطه أو بهبوب الرياح. ولا دية للمستأجر فيما يحدث عليه في إجارته بفعله أو عبد له في نفسه ولا أعضائه ولا آلته ولا دابته إلى غير ذلك. ولا دية للص والمفسد المدافع عن النفس والمال.


(1) من لا يغفل. خ.
(2) في بعض النسخ: فلا يضمن بدونها.
(2) في بعض النسخ: أو مقصود، وفي المختلف: غير مقصود.
(4) كذا.
(5) كذا، ولعل الصحيح: يحمل.

[ 403 ]

ولا دية للمحمول على الواجب والممنوع من القبيح بالأمر والنهي في حقه كشرب الخمر وترك الصلوة وحق غيره كمريد المرأة على نفسها أو الغلام عليه (1). ولا دية للهاجم دار غيره أو المطلع على عورته. ولا دية لمقتول الحدود أو الآداب المشروعة أو القصاص من غير تعد و المقابل بمثل اعتدائه. وكل موضع تسقط فيه الدية يسقط فيه قيمة المتلف وارش الجناية، ولا ضمان على من حذر، ولا دية ولا قيمة ولا أرش لما يهلك بعد تحذيره، ولا دية ولا قود لمن قتل على سب رسول الله صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام أو المجاهرة بالسحر. ويلزم من سمع سابا لبعض الحجج عليهم السلام أو رأى مجاهرا بالسحر أن يرفع خبره إلى السلطان ليقتله، وإن سبق عليه فقتله لم يكن لأحد عليه سبيل إذا ثبت أنه قتله لذلك.


(1) في بعض النسخ: غلبة.

[ 404 ]

الضرب الثامن من الأحكام قد بينا انقسام القبائح العقلية والسمعية إلى فعل كالظلم والكذب والزنا والربا وشرب الخمر، والاخلال بواجب كالصدق والانصاف والصلاة والزكوة. وإيثار القبائح والاخلال بالواجب على ضربين: أحدهما يوجب الحد، والثاني يوجب التعزير، فالأول: الكفر والقتل والحرب – وقد بينا أحكام ما يقتضونه (1) – والزنا واللواط والسحق والقيادة والسرق وشرب الخمر وشرب الفقاع، ونحن نذكر ما يقتضيه كل واحد من هذه القبائح، والضرب الثاني: ما عدا ما ذكرناه من القبائح فعلا وإخلالا. فصل في حد الزنا إنما يكون المرء زانيا في الشريعة بأن يقر به أربع مرات عاقلا مختارا، أو يشهد به أربعة رجال عدول في وقت واحد ولفظ واحد متفق المعنى بمعاينة الفرج في الفرج كالميل في العين، أو يعلمه سلطان الحد زانيا، وهو ممن يصح منه القصد إليه سواء كان مختارا أو مكرها، صاحيا أم سكران، صحيحا


(1) راجع ص 248 – 251 و 282.

[ 405 ]

أو مريضا أو ذا عمى أو عرج. فإن كان حرا ” مسلما محصنا بزوجة غبطة حرة أو أمة أو ملك يمين حاضرة يتمكن من الوصول إليها وكان شيخا جلد مائة سوط وأمهل حتى يبرأ الضرب ثم رجم حتى يموت، وإن كان شابا رجم حسب، وإن كان أحدهما محصنا بغايبة عنه أو حاضرة لا يتمكن من الوصول إليها جلد مائة سوط وغرب عاما، وإن لم يكن محصنا جلد مائة سوط، سواء كانت المزني بها حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية، صغيرة أو كبيرة أو معقودا عليها عقدا لا تحل معه لنسب أو رضاع أو سبب، عاقلة أو مجنونة، حية أو ميتة. وإن كانت الزانية حرة مسلمة عاقلة مؤثرة فعليها إن كانت محصنة بزوج حاضر يصل إليها الرجم، وإن كانت بكرا أو محصنة بزوج لا يصل إليها جلدت مائة ولا تغريب عليها، سواء كان الزاني بها حرا أو عبدا، مسلما أو كافرا، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا. وإن كان الزاني عبدا أو الزانية أمة فعلى كل واحد منهما نصف الحد خمسون سوطا على كل حال. وإن كانت ذمية فولي الحد مخير بين أن يحكم فيها بحكم الاسلام وبين أن يسلمها إلى أهل دينها ليحكموا فيها بحكمهم. وإن كانت مجنونة لا تفيق فلا شئ عليها، وإن كانت ممن تفيق وأقرت بالزنا أو قامت به البينة أو حصل العلم به في حال إفاقتها، فعليها ما على العاقلة. وإن كانت صغيرة عزرت. وإن كانت من المحرمات بالنسب قتلا جميعا محصنين كانا أو بكرين، حرين أم عبدين.


[ 406 ]

وإن كان الزاني عبدا أو مكاتبا لم يتحرر منه شئ أو مدبرا جلد خمسين سوطا، محصنا كان أو غير محصن، وإن كان مكاتبا قد تحرر منه بعضه جلد من حد الحرية بحسب ما تحرر منه ومن حد العبودية بحسب ما رق منه. وإن كان ذميا بذمية فولي الحد مخير بين ما ذكرناه في أهل الذمة، وإن كان بمسلمة حرة أو أمة صغيرة أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، حية أو ميتة قتل لخروجه عن حرمة الذمة، وغلظ الحد على المسلمة، فإن أسلم قبل إسلامه وأجريت عليه أحكامه ولم يدرأ ذلك عنه الحد. وإن كان مجنونا مطبقا لا يفيق ولا يهتدي شيئا فلا شئ عليه، وإن كان ممن يصح منه القصد إلى الزنا وقامت بفعله البينة أو علمه الإمام جلد مائة جلدة محصنا كان أو غير محصن، ولا يعتد بإقراره، وإن كان ممن يفيق فيثبت إقراره به في حال إفاقته أو قامت به البينة أو حصل العلم للإمام رجم إن كان محصنا، وجلد إن كان بكرا، وإن كان ذلك في حال جنونه فلا شئ عليه. وإن كان غاصبا مغالبا للمرأة على نفسها قتل صبرا، حرا كان أم عبدا، مسلما كان أم كافرا، ولا شئ عليها. والصبي إذا فعل بالصبية أو فعل ببالغ أو فعل بها بالغ أدبا بحسب سنهما. فإن رجع المقر بالزنا عن إقراره قبل إقامة الحد عليه أو في حاله لم يعرض له. وإن رجع الشهود أو بعضهم عن الشهادة أو اختلفت أقوالهم جلدوا جميعا حد المفتري ودرئ الحد عن المشهود عليه، فإن كان ذلك بعد اقامته فليقتص ممن رجع منهم بما وقع بالمشهود عليه من قتل أو رجم أو جلد. فإذا أراد ولي الأمر إقامة الحد على الزانيين أو أحدهما فليكن ذلك بمحضر من جماعة المسلمين، وإن كان حدهما أو أحدهما رجما فليحفر زبية


[ 407 ]

ويجعل فيها المرجوم ويرد (كذا) التراب عليه إلى صدره إن كانت إقامة الحد بعلم الإمام أو بينة، وإن كانت بإقرار لم يرد عليهما التراب، ثم يرجمهما ويبدء بالرجم الإمام فيما علم والشهود فيما يقلم بشهادتهم، ثم ولي الأمر، ثم من حضر من أبرار المسلمين وعدولهم دون الفساق حتى يفوت المرجوم، فإن فر من العذاب رد إليه ويرجم حتى يموت، ويبدأ فيما يقام بالاقرار الإمام ثم أبرار الأمة، فإن فر المقر من العذاب لم يعرض له لأن فراره رجوع عن الاقرار. وإن كان حدهما أو أحدهما جلدا ورجما بدئ بالجلد، فإذا برئ الضرب أوقع الرجم وإن كان الحد جلدا فقط وجب عن بينة تولى إقامته الشهود، وإن كان عن إقرار أو علم تولاه ولي الأمر أو من يأذن له. فإن قامت البينة أو حصل العلم أو الاقرار بفعله عاريا جلد عريانا، وإن كان في ثيابه جلد فيها ويضرب سائر بدنه أشد الضرب ما عدا رأسه وفرجه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة قد شدت عليها ثيابها لأن لا تبدو عورتها، ولا تجلد في زمان القبط في الهواجر ولا في زمان القر في السوابر، وإن كان المجلود مريضا حفف ضربه فإن مات فلا قود له ولا دية. فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وحمدت طريقته سقط عند الحد، وإن تاب بعد قيام البينة فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة وليس ذلك لغيره إلا بإذنه، وتوبة المرء سرا أفضل من إقراره ليحد. وإذا جلد الحر أو الحرة في الزنا ثلاث مرات قتل في الرابعة، ويقتل العبد والأمة في الثامنة بعد قيام الحد سبع مرات.


[ 408 ]

فصل في اللواط وحده اللواط يثبت في الشريعة بما يثبت به الزنا من إقرار أربع مرات أو شهادة أربعة نفر أو علم الإمام على الشروط المعتبرة في الزنا. وهو على ضربين: إيقاب وهو الايلاج والثاني ما دونه من التفخيذ، ففي الايقاب قتل الفاعل والمفعول به إن كانا كاملي العقل، ويقتل الفاعل إذا كان عاقلا، محصنا كان أو غير محصن، حرين كانا أو عبدين مسلمين أو ذميين أو مسلما أو ذميا (1) أو حرا أو عبدا (2) وفيما دونه جلد مائة سوط للفاعل (3) والمفعول به. وحكم الصبي والمجنون في التلوط أو التلوط به ما بيناه في الزنا. وإذا تلوط الذمي بمسلم صغير أو كبير، حر أو عبد، قتل على كل حال. وإذا أراد ولي الحد اقامته فليقمه بمحضر من جماعة أهل المصر من المسلمين فإن كان الواجب منه قتلا فهو مخير بين قتله صبرا (4) بضرب العنق وبين الرجم وبين الدهدهة (5) من العلو حتى يهلك أو طرح الحائط عليه حتى يهلك تحته وإن كان مما يوجب الجلد جلد أشد الضرب كالزنا وفي وقته وعلى صفته. فإن كان عن شهادة ابتداه الشهود بالرجم وتولوا الجلد، وإن كان بإقرار أو علم تولاه ولي الأمر أو من يأمره، فإن فرا أو أحدهما فكانت (6) اقامته ببينة أو علم رد الفار وكمل إقامة الحد عليه وإن كان بإقرار لم يعرض له، لأن


(1) وذميا. ظ.
(2) وعبدا. ظ. (3) كذا.
(4) في بعض النسخ: وضرب.
(5) في بعض النسخ: الدحرجة.
(6) وكانت. ظ.

[ 409 ]

فراره رجوع عن الاقرار. وإذا تابا أو أحدهما قبل قيام البينة والاقرار توبة ظاهرة ظهر معها صلاحهما سقط عن التائب الحد، وإن كانت التوبة بعد الاقرار أو العلم أو البينة فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة، وإن كانت التوبة بعد الاقرار فلا خيار لغيره في العفو (1). وإذا جلد المرء العاقل في اللواط ثلاث مرات قتل في الرابعة صبرا أو رجما أو دهدهة حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا أو ذميا. ومن غصب غلاما على نفسه قتل على كل حال ولا شئ على الغلام. وإذا تفاعل الصبيان أو أتى ذلك أحدهما أو أتى إليه وجب التأديب بحسب السن. وإذا تزيا الذكر بزي المرأة واشتهر بالتمكين من نفسه وهو المخنث في عرف العادة قتل صبرا وإن فقد البينة والاقرار بإيقاع الفعل به، لنيابة الشهرة منا بهما. فصل في السحق وحده يثبت السحق في الشريعة بما يثبت به الزنا من الاقرار أو البينة وبشروطه، ويجب حده بحيث يجب حد الزنا ويسقط بحيث يسقط وهو مائة جلده، محصنتين كانتا المتفاعلتان أو خليتين، حرتين أو أمتين، أو حرة وأمة، مسلمتين أو ذميتين


(1) كذا في النسخ، وفي المختلف: قال أبو الصلاح: وإذا تابا أو أحدهما قبل قيام البينة والاقرار توبة ظاهرة ظهر معها صلاح عملهما سقط عن التائب الحد فإن تاب بعد الاقرار أو العلم أو البينة فالإمام العادل مخير في العفو والإقامة ولا خيار لغيره في العفو.

[ 410 ]

أو مسلمة وذمية. وإذا أراد ولي الأمر اقامته فبمحضر جماعة النساء مشدودتا الثياب في طرفي نهار القبط ووسط نهار القر. وحكمهما أو إحديهما في الرجوع عن الاقرار وظهور التوبة قبل البينة والاقرار وبعدهما ما سلف مثله في حد الزنا واللواط. فإذا حدت المرأة في السحق ثلاثا قتلت في الرابعة حرة كانت أو أمة، مسلمة أو ذمية. فصل في القيادة وحدها إنما يثبت هذا الحكم بشاهدي عدل أو بإقرار من يعتد بإقراره مرتين بالجمع بين الرجال والنساء والغلمان، أو النساء والنساء، فيه جلد خمسة وسبعين سوطا ويحلق رأس الرجل ويشهر في المصر ولا يحلق رأس المرأة ولا تشهر. وحكم المقر والمعلوم والمشهود عليه بهذا الفعل في إقامة حده والتوبة منه قبل ذلك وبعده والفرار والرجوع عن الاقرار ما تقدم في الحدود الماضية. فإن عاد ثانية جلد ونفي عن المصر، فإن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة استتيب فإن تاب قبلت توبته وجلد، وإن أبى التوبة قتل، وإن تاب ثم أحدث بعد التوبة خامسة قتل على كل حال. وحد القيادة للمرقوق كالحر والذمي (1) كالمسلم وللمرأة كالرجل.


(1) وللذمي. ظ.

[ 411 ]

فصل في السرق وحده السرق الموجب للقطع مشترط بكون السارق عاقلا، مختارا له (1) لاحظ له في المسروق، ولا شبهة عليه فيه، ما مقداره ربع دينار فما زاد، من حرز لا يجوز له دخوله إلا بإذن وإخراجه عنه، بإقرار من يعتد بإقراره من الأحرار مرتين، أو شهادة عدلين بذلك على كل حال. فإذا تكاملت هذه الشروط وجب قطع أصابع السارق الأربع من اليد اليمنى من أصولها دون الراحة والابهام، حرا كان أو عبدا، مسلما أو ذميا، قريبا أو أجنبيا إلا سرق الوالدين من ولدهما على كل حال، أو الولد منهما بشرط الحاجة وإخلالهما بفرضه، فإن سرق ثانية قطع مشط رجله اليسرى من المفصل دون مؤخر القدم والعقب، فإن سرق ثالثة خلد الحبس، فإن سرق في الحبس قتل صبرا. فإن كان السراق جماعة مشتركين في المسروق قطعوا جميعا بربع دينار فما زاد، وإن كانوا منفردين كل منهم يسرق لنفسه قطع منهم من بلغ ما أخذه ربع دينار فما فوقه، ولا يقطع من نقصت سرقته عن ذلك. وإذا ثبت سرق الصبي هدد في الأولة، وحكت أصابعه بالأرض حتى تدمى في الثانية، وقطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول في الثالثة ومن المفصل الثاني في الرابعة، ومن أصول الأصابع في الخامسة. ولا يتعد بإقرار العبد فيما يوجب قطعه، ولا الرجوع بما أقر به على سيده لأنه أقر في مال غيره لكن يؤدب. ولا يقبل إقرار الصبي ولا الماؤف العقل ويؤدبا، ولا يعتد بإقرار المكره


(1) كذا.

[ 412 ]

ولا الملجأ إليه بالضرب. والغرم لازم للسارق الحر وإن كان المسروق ينقص عما يوجب القطع، وإذا رجع المقر بالسرق عن إقراره أغرم ما أقر به ولم يقطع. ويقطع النباش إذا أخذ من الأكفان ما يجب في مثله القطع ويقطع الطرار من الجيب والكم الباطن ويؤدب طرار الكم الظاهر. وإذا سرق ولم يخرج السرق من الحرز، أو اختل بعض الشروط أخذ منه ما أخذوا نهك عقوبة ولم يقطع وإذا أقر بسرقات كثيرة أو قامت بذلك بينة قطع لأولها أغرم جميعا (1). ويجوز لمن ظفر بالسارق اطلاقه قبل أن يرفعه إلى ولي الأمر فإذا رفعه وجب على ولي الحد قطعه ولم يجز له العفو عنه، فإن تاب السارق وظهر صلاحه قبل أن يرفع خبره إلى السلطان سقط عنه القطع، وعليه غرم ما سرق، وإن تاب بعد ما رفع إليه فالإمام خاصة مخير بين قطعه والعفو عنه، ولا خيار لغيره. ومن باع حرة زوجة أو أجنبية قطع (2) لفساده في الأرض، وفرق بين المبتاع وبينها (3) فإن كان قد وطئها مع (4) العلم بحالها حد حد الزاني وحدت إن طاوعته، وإن غصبها نفسها قتل ولا شئ عليها، ولا يرجع على بايعها بشئ، بل يؤخذ الثمن فيسلم إلى المغلوبة على نفسها، ويتصدق به في المطاوعة، وإن لم يكن يعلم بحالها فلا شئ عليه ويرجع على البايع بما أخذه فيعطى للمغلوبة ويتصدق به مع المطاوعة (5).


(1) جميعها.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: وبينهما.
(4) بعد العلم.
(5) راجع المختلف كتاب الحدود ص 224.

[ 413 ]

وقد تقدم أحكام قاطع الطريق ومخيف السبيل في كتاب الجهاد فلا وجه لإعادته. فصل في حد الخمر والفقاع يجب على من أقر مرتين أو قامت البينة عليه بشاهدين بشرب قليل المسكر وإن اختلفت أجناس ما يعتصر منه، صرفا أو مختلطا بماء أو دواء أو بغيرهما، أو بقيئه أو حصول السكر منه أن يجلد ثمانين جلدة عريانا على ظهره وكتفيه من أشد الضرب، فإن عاد جلد ثانية فإن عاد قتل في الثالثة. وحكم شارب الفقاع محرما له، صرفا أو ممزجا (1) بغيره حكم شارب المسكر (2) في الحد، وإن كان مستحلا فهو كافر يجب قتله. فإن تاب شاربهما أو أحدهما قبل الاقرار (3) والبينة توبة يظهر صلاح التائب معها درأت عنه الحد وإن تاب بعد ذلك فالإمام مخير بين الاستيفاء والعفو. فصل في القذف وحده القذف قول يفيد بصريحه أو دلالة عرف قائله كون المقذوف زانيا أو لاطيا (4) أو متلوطا به، سواء قصد السبب أو شهد بمعناه أو أخبر عنه، بشرط توجهه إلى حر أو حرة من حر أو عبد مسلم أو ذمي. فمتى تكاملت هذه الشروط فالقائل قاذف بإقرار مرتين أو شهادة عدلين، والمقول فيه مقذوف يستحق مطالبة بحق القذف جلد السلطان ثمانين جلدة،


(1) ممتزجا.
(2) في المختلف: شارب الخمر.
(3) أو البينة.
(4) لائطا.

[ 414 ]

وله العفو عنه، وإن اختل شرط فهو تعريض يوجب التأديب فإن كان القاذف عبد أو حرة أو أمة جلد كل منهم حد الرجل الحر، وإن كان القاذف ذميا لذمي أو ذمية ترافعا إلى حاكم المسلمين فعليه أن يجلده كما يجلد المسلم للمسلم، وإن كان المقذوف منه مسلما أو مسلمة حرا أو رقيقا قتل لخروجه عن الذمة بسبب أهل الإيمان. والصريح يا زان، أو زانية أو قد زنيت (1) أو قد زنا بك فلان، أو قد زنيت بفلانة، أو يا لائط، أو لطت بفلان، أو ليط بك أو فلان لائط. والكناية المفيدة يا قحبة أو يا فاجرة أو يا عاهرة أو يا فاجر أو يا عاهر أو يا فاسق أو يا فاسقة أو يا مواجر (2) أو يا علق (3) أو يا مأبون أو يا قرنان أو يا كشخان أو ديوث إلى غير ذلك من الألفاظ الموضوعة لكون الموصوف بها زانيا أو لائطا أو متلوطا به. والمعتبر في كنايات القذف عرف القاذف دون المقذوف. فإن قال لغيره زنيت بفلانة أو زنا بك فلان أو لطت بفلان أو لاط بك فلان فهو قاذف للاثنين يحد لكل منهما حدا، وإن قذف جماعة بلفظ واحد فقال يا زناة أو يا لاطة (4) أو يا أولاد الزنا أو ما يفيد ذلك فهو قاذف لجميعهم فإن جاؤوا به مجتمعا جلد حدا واحدا وإن جاء به كل واحد منهم منفردا حد له حدا منفردا، وإن قذف كل واحد من جماعة بلفظ مفرد فقال لكل منهم يا زان أو فلان زان وفلان زان فعليه لكل واحد منهم حد، جاؤوا به مجتمعين أو متفرقين


(1) في الأصل: وقد زنيتا.
(2) كذا.
(3) في بعض النسخ: يا غلق.
(4) في بعض النسخ: يا لائطة.

[ 415 ]

وإن قذف جماعة لجماعة فعلى كل واحد منهم حد. وقذف الرجل زوجته بالزنا يوجب الجلد، والمعاينة أو إنكار الحمل أو الولد يوجب اللعان مع الاصرار، والحد للرجوع عنه، وشهادة الواحد والاثنين والثلاثة بالزنا أو اللواطة يوجب جلد كل منهم حد المفتري وشهادة الأربعة بالزنا أو اللواطة أو قذفهم أو إخبارهم من غير شهادة بمعاينة الفرج في الفرج تقتضي جلد جميعهم حد المفتري. وكذلك حكمهم إذا اختلفوا في الشهادة أو جاؤوا بها متفرقين، وإن كان أحد الشهود الزوج جلد (1) الثلاثة حد المفتري ولا عن الزوج. وإذا أقر الرجل بالزنا بامرأة بعينها أو عدة نساء معينات، أو أقرت المرأة بالزنا مع رجل بعينه أو رجال معينين، وأنكر المدعى عليهم، فعلى كل واحد منهما حد الزنا لإقراره وبعدد (2) المقذوفات أو المقذوفين من حدود الافتراء. ومن قال لولد ملاعنته أو لقيط أو ولد أمة أو ذمية من حر مسلم يا ولد زنا فهو قاذف يجب عليه الحد. فإن كان القذف مختصا بالمقذوف صريحا أو كناية كقوله يا زان أو يا زانية أو يا عاهر أو يا عاهرة أو يا لائط أو ليط بك، فالولاية فيه للمقذوف، إن شاء طالب بالحد وإن شاء عفا عن القاذف ما دام حيا، ويقوم ورثته في ذلك مقامه. وإن كان القذف مقصودا به استخفاف المخاطب وسب غيره صريحا (3) أو كناية كقوله يا بن الزانية أو أخا الزانية أو زوج الزانية أو أبا الزانية أو


(1) حدوا. كذا في المختلف.
(2) في بعض النسخ: تعدد.
(3) في بعض النسخ: صريح.

[ 416 ]

يا قرنان أو يا كشخان في كون (1) ذلك استخفافا بالمخاطب وسبا لأمه أو بنته أو أخته أو زوجته فالولاية لهما، فإن مات أحدهما قام ورثته في ذلك مقامه. وإذا كانت الولاية في القذف لاثنين فما زاد عليهما فلكل واحد منهما المطالبة بالحد، فإذا أقيم له سقط حق الباقين، وإن عفا بعضهم سقط حقه وكان لمن لم يعف المطالبة بالحد واستيفاؤه والعفو عنه، فإن مات المقذوف وليس له ولي فعلى سلطان الاسلام الأخذ بحقه وليس له العفو. وتوبة القاذف قبل رفعه إلى السلطان وبعده لا تسقط عنه حد القاذف ولا يسقط ذلك إلا بعفو المقذوف أو وليه من ذوي الأنساب. ومن سب رسول الله صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة من آله أو بعض الأنبياء عليهم السلام فعلى السلطان قتله، وإن قتله من سمعه من أهل الإيمان لم يكن للسلطان سبيل عليه، وإن أضاف إلى بعضهم قبيحا جلد مغلظا لحرمتهم عليهم السلام وثبوت عصمتهم، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ” لا أوتي برجل يزعم أن داود عشق امرأة ” أو رياه ” إلا حددته حدين حدا للاسلام وحدا للنبوة ” (2). فصل فيما يوجب التعزير التعزير تأديب تعبدا لله سبحانه به لردع المعزر وغيره من المكلفين، و هو مستحق للاخلال بكل واجب وإيثار كل قبيح لم يرد الشرع بتوظيف الحد


(1) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: فيكون ذلك.
(2) رواه في المبسوط بهذه العبارة: روي عن علي عليه السلام أنه: لا أوتي برجل يذكر أن داود صادف المرأة إلا جلدته مائة وستين، فإن جلد الناس ثمانون وجلد الأنبياء مائة وستون.

[ 417 ]

عليه، وحكمه يلزم بإقرار مرتين أو شهادة عدلين. فمن ذلك أن يخل ببعض الواجبات العقلية كرد الوديعة وقضاء الدين، أو الفرائض الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج إلى غير ذلك من الواجبات والفرائض المبتدئة والمسببة والمشترطة، فيلزم سلطان الاسلام تأديبه بما يردعه وغيره عن الاخلال بالواجب ويحمله وسواه على فعله. ومن ذلك أن يفعل بعض القبائح وهي على ضروب: منها وجود الرجل والمرأة لا عصمة بينهما في إزار واحد، أو بيت واحد، إلى غير ذلك من ضم أو تقبيل فما فوقهما، فيعزرا بحسب ما يراه ولي التأديب من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، وكذلك حكم الرجلين في شعار واحد مجردين، والمرأتين كذلك، والرجل والغلام في بيت واحد وفي شعار واحد مع الريبة على كل حال، إلى غير ذلك مع (1) ضم وتقبيل يوجب التعزير. ويعزر الصبي المتلوط به، والناقص العقل، والصبيان المتلاوطان، والصغيرتان المتفاعلتان، والصبي العابث بالمرأة، (2) والصغير والصبية والمأوفة المفعول بها، والأمة إذا ادعت إكراه السيد لها على السحق، والعبد المفعول به إذا ادعى إكراه السيد له على التلوط به، ويعزر مالك الأمة إذا أكرهها على البغاء وتحد هي. ويعزر من أقر على نفسه بزنا أو لواط أو سحق أقل من أربع مرات مع الإقامة عليه، ويعزر من أقر مرتين أو شهد عليه شاهدان بوطئ دون الفرج. ويعزر واطي الأمة المشتركة بالابتياع أو الغنيمة، والأمة المكاتبة إذا تحرر بعضها. وكذلك حكم من عقد نكاح شبهة ووطئ معه، ويعزر من افتض بكرا


(1) كذا في النسخ، والظاهرة: من ضم.
(2) في بعض النسخ: أو الصغير والصبية و..

[ 418 ]

بإصبعه ويغرم مهر مثلها. ويعزر من استمنى بكفه أو أتى بهيمة أو جامع بعض حلائله بعد الموت أو بعض المحرمات بعد الحد. ويعزر من عرض بغيره بما يفيد القذف بالزنا (1) أو اللواط كقوله يا ولد خبث، أو حملت أمك بك في حيضها، أو أتيت بهيمة، أو استمنيت، أو سرقت، أو قدت، أو شربت خمرا، أو أكلت محرما أو كذبت، وللمرأة يا ساحقة. أو نبزه بما يقتضي النقص كقوله يا سفلة، أو يا ساقط، أو يا سفيه، أو يا أحمق، أو فاسق، أو مجرم، أو كافر، أو تارك الصلاة، أو الصوم، وهو غير مشهور بما يقتضي ذلك، فإن كان مشهورا به لم يعزر من قرنه بفعله أو وصفه بما يقتضيه كالمجاهرين بشرب الخمر أو الفقاع أو بيعهما، أو ضرب العود وغيره من الملاهي، أو ترك الصلوة والافطار في الصوم، لا تأديب على من قال لمن هذه حاله يا فاسق أو ساقط أو مجرم أو عاص، كما لا حد على من قال لمعترف بالزنا يا زان وباللواط يا لائط. وإذا تقاذفا العاقلان عزرا جميعا. وإذا قذف الحر المسلم أو المسلمة الحرة عبدا أو أمة أو ذميا أو ذمية أو صبية أو مجنونا أو مجنونة عزر. ويعزر العبيد والإماء وأهل الذمة إذا تقاذفوا. وإذا قذف المسلم أو الكافر غيره بما هو مشهور به ومعترف بفعله من كفر أو فسق فلا شئ عليه، بل المسلم عابد (كذا) بذلك. وإذا عير المسلم ببعض الآفات كالعمى والعرج والجنون والجذام والبرص


(1) في بعض النسخ: والزنا.

[ 419 ]

عزر، وإن عيره بذلك كافر أنهك (1) عقوبة، وإن كان المعير كافرا من مسلم فلا شئ عليه. وحكم تعريض الواحد بالجماعة بما يوجب التعزير بلفظ واحد أو لكل منهم بتعريض يخصه (2) ما قدمناه في القذف. وإذا قذف المرء ولده أو عبده أو أمته عزر. ويعزر من سرق ما لا يوجب القطع لاختلال بعض الشروط، كسرقة العبد من سيده، والوالد (3) من ولده، ومن تجب نفقته ممن تجب عليه، و الشريك من شريكه، والمتأول (4)، وما نقص عن ربع دينار، وما بلغه فما فوقه من غير حرز مأذون فيه (5)، أو منه ولما يخرجه عنه، أو من مال مشترك كالمغنم، أو اختلس، أو مكر، أو بنج غيره، أو طفف (6) عليه ويرجع عليه بما أخذه. ويعزر من أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تعلم أو علم أو نظر أو سعى أو بطش أو أصغى (7) أو آجر (8) أو استأجر أو أمر أو نهي على وجه قبيح (9). فإن كان من أتى ما يوجب التعزير عاقلا في يوم أو ليلة معظمان كيوم


(1) نهك.
(2) في بعض النسخ: بحصة، والظاهر ما أثبتناه.
(3) في بعض النسخ: ” والولد من والده ” مكان هذه الجملة. والصحيح ما أثبتناه.
(4) كذا.
(5) كذا في السنخ، والصحيح هكذا: من غير حرز أو من حرز مأذون فيه.
(6) كذا في بعض النسخ. وفي السرائر: طفف في كيل.
(7) في بعض النسخ: أصفى. وهو تصحيف ظاهرا.
(8) في بعض النسخ: أخر، وهو تصحيف ظاهرا.
(9) يقبح.

[ 420 ]

الجمعة والعيد وزمان الصوم أو ليلته أو مكان معظم كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مسجد الجامع أو المحلة غلظت عليه العقوبة. وإن كان ذلك مما يوجب الحد أضيف إليه لحرمة الزمان أو المكان تعزير مغلظ. فإن رجع من وجب عليه التأديب بإقراره عنه، أو تاب قبل رفعه إلى السلطان وكان من حقوق الله، سقط عنه فرض اقامته، وإن كان من حقوق الآدميين لم تؤثر التوبة ولا الرجوع عن الاقرار في إسقاطه، وكان ذلك إلى ولي الاستيفاء والعفو. والتعزير لما يناسب القذف من التعريض والنبز والتلقب (1) من ثلاثة أسواط إلى تسعة وسبعين (2) سوطا ولما عدا ذلك من ثلاثة إلى تسعة وتسعين سوطا. وحكمه يلزم القاصد العالم أو المتمكن من العلم دون الساهي بفعله والطفل الذي لا يصح منه القصد والمجنون المطبق. وإذا عاود المعزر إلى ما يوجبه، عزر ثانية وثالثة ورابعة واستتيب، فإن أصر وعاود بعد التوبة قتل (4) صبرا.


(1) في بعض النسخ: والتلقيب.
(2) كان في بعض النسخ ” تسعين ” والصحيح ما أثبتناه.
(3) في بعض النسخ: ختم صبرا، وهو تصحيف ظاهرا.

[ 421 ]

فصل في تنفيذ الأحكام المقصود في الأحكام المتعبد بها تنفيذها، وصحة التنفيذ يفتقر إلى: معرفة من يصح حكمه ويمضي تنفيذه ممن لا يصح ذلك منه. الثاني بيان ما يصح الحكم به وترتبه. الثالث كيفية إيقاعه. الفصل الأول من التنفيذ تنفيذ الأحكام الشرعية والحكم بمقتضى التعبد فيها من فروض الأئمة عليهم السلام المختصة بهم دون من عداهم ممن لم يؤهلوه لذلك، فإن تعذر تنفيذها بهم عليهم السلام وبالمأهول لها من قبلهم لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم تولي ذلك ولا التحاكم إليه ولا التوصل بحكمه إلى الحق ولا تقليده الحكم مع الاختيار، ولا لمن لم يتكامل له شروط النائب عن الإمام في الحكم من شيعته، وهي: العلم بالحق في الحكم المردود إليه، والتمكن من إمضائه على وجهه، واجتماع العقل والرأي، وسعة الحلم، والبصيرة بالوضع، وظهور العدالة، والورع، والتدين بالحكم، والقوة على القيام به ووضعه مواضعه.


[ 422 ]

ومنعنا من صحة الحكم لغير أهل الحق لضلالهم عنه، وتعذر العلم عليهم بشئ منه لأجله وتدينهم (1) بالباطل وتنفيذه، وفقد الإذن من ولي الحكم بالحق فيما يحكمون به منه، وذلك مقتض لاختلال معظم الشروط فيهم، و لبعض ذلك حرم على من لم يتكامل شروط الحكم فيه من أوليائهم النيابة في تنفيذ الأحكام وتقليده ذلك والتحاكم إليه. واعتبرنا العلم بالحكم لما بيناه من وقوف صحة الحكم على العلم، لكون الحاكم مخبرا بالحكم عن الله سبحانه وتعالى ونائبا في إلزامه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وقبح الأمرين من دون العلم. واعتبرنا التمكن من إمضائه على وجهه من حيث كان تقلد الحكم بين الناس مع تعذر تنفيذ الحق يقتضي الحكم بالجور، وفيه مع كونه كذلك ما في الحكم بغير علم (2). واعتبرنا اجتماع العقل والرأي، لشديد (3) حاجة الحكم إليهما وتعذره صحيحا من دونهما. واعتبرنا سعة الحلم، لتعرضه بالحكم بين الناس للبلوى بسفهائهم فيسعهم بحلمه. واعتبرنا البصيرة بالوضع، من حيث كان الجهل بلغة المتحاكمين إليه يسد طريق العلم بالحكم عنه، ويمنع من وضعه موضعه. واعتبرنا الورع، من حيث كان انتفاؤه لا يؤمن معه الحيف في الحكم


(1) في بعض النسخ وفي السرائر: وإقدامهم بالباطل.
(2) في بعض النسخ وفي السرائر هكذا: وهو مع كونه كذلك ينافي الحكم لغير علم.
(3) لشدة. *)

[ 423 ]

لعاجل رجاء أو خوف من غيره سبحانه. واعتبرنا الزهد (1)، لأن لا تطمح نفسه إلى ما لم يؤته سبحانه فيبعثه ذلك إلى تناول أموال الناس لقدرته عليها وانبساط يده بالحكم فيها. واعتبرنا التدين، من حيث كان تقلد الحكم رئاسة دنيوية، أو للاستعلاء على النظراء، أو للمعيشة لا يؤمن معه جوره ولا ينفي (2) ضرره. واعتبرنا القوة وصدق العزيمة في تنفيذ الأحكام، من حيث كان الضعف مانعا من تنفيذ الحكم على موجبه ومقصرا بصاحبه عن القيام بالحق لصعوبته وعظم المشقة في تحمله. فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقلد الحكم وإن كان مقلده ظالما متغلبا، وعليه متى عرض لذلك أن يتولاه، لكون هذه الولاية أمرا بمعروف ونهيا عن منكر تعين فرضها بالتعريض للولاية عليه، وإن كان في الظاهر من قبل المتغلب، فهو نائب عن ولي الأمر عليه السلام في الحكم ومأهول له لثبوت الإذن منه وآبائهم عليهم السلام لمن كان بصفته في ذلك، ولا يحل له القعود عنه. وإن لم يقلد من هذه حاله النظر بين الناس فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر، وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه والتمكين من أنفسهم لحد أو تأديب تعين عليهم، لا يحل لهم الرغبة عنه ولا الخروج عن حكمه، وأهل الباطل محجوجون بوجود من هذه صفته مكلفون الرجوع إليه وإن جهلوا حقه لتمكنهم من العلم (3) لكون ذلك


(1) الزهد لم يعتبر من قبل إلا أن يكون هو المقصود من ظهور العدالة.
(2) ولا يتقي.
(3) من العلم به. كذا في السرائر.

[ 424 ]

حكم الله سبحانه وتعالى الذي تعبد (يعتد – خ) بقوله وحظر خلافه. ولا يحل له مع الاختيار وحصول الأمن من معرة (1) أهل الباطل الامتناع من ذلك، فمن رغب عنه ولم يقبل حكمه من الفريقين فعن دين الله رغب، ولحكمه سبحانه رد، ولرسول الله صلى الله عليه وآله خالف، ولحكم الجاهلية ابتغى، و إلى الطاغوت تحاكم. وقد تناصرت الروايات عن الصادقين عليهما السلام بمعنى ما ذكرناه: فروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء، كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل: (2) ” ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ” (3). وعنه صلى الله عليه وآله أنه (4) قال: إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته (5) قاضيا فتحاكموا إليه (6). وروي عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من


(1) مضرة.
(2) سورة النساء، الآية: 60 (3) الوسائل، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب الأول، الحديث الثاني.
(4) كذا.
(5) في بعض النسخ: جعلته عليكم قاضيا.
(6) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الأول، الحديث الخامس، وفيه ” يحاكم ” مكان ” يخاصم “. *)

[ 425 ]

أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القاضي أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل أن يكفر بها قلت: كيف يصنعان؟ قال: أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرتضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله (1). واعلم أن فرض هذا التحاكم مشترط بوجود عارف من أهل الحق و كون المتنازعين من أهله، فأما إن فقد العارف وكان الخصم الدافع للحق (2) جاز التوصل بحكم المنصوب من قبل الظالم إلى المستحق، ولا يحل ذلك بين أهل الحق، فإن فقد العارف بالحق من إخوانهما في مصرهما فليرحلا إليه أو يصطلحا. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي (3). يعني بالشقي من جلس بغير إذن من الله ورسوله وولي الأمر، لأن المأذون له في الحكم، بحكم الله يحكم فيجلس في الحكم مجلسهما (4). وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: الحكم حكمان: حكم الله وحكم


(1) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الأول، الحديث الرابع، والباب 11 الحديث الأول، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
(2) في السرائر: للحق مخالفا.
(3) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الثالث، الحديث الثاني.
(4) في السرائر: في الحكم مجلسهما.

[ 426 ]

الجاهلية، وقد قال الله تعالى: ” ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ” وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية (1). وروي عن أبي عبد الله أنه قال: الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله فقد حكم بحكم الجاهلية.
(2) وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرضا وملائكة العذاب فيلحقه وزره ووزر من يعلم بفتياه (3). وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله فهو كافر بالله العظيم (4) وقد قال الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون. وروي عنه عليه السلام أنه قال: إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه وعن يساره ما ترى؟ ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ألا يقوم من مجلسه ويجلسهما مكانه (5). مقتضى هذا الحديث ظاهر، لأن الحاكم إذا كان مفتقرا إلى مسألة غيره كان جاهلا بالحكم، وقد بينا قبح الحكم بغير علم، وجواب من يسأله لا يقتضي حصول العلم له بالحكم بغير شبهة، فلهذا حقت عليه اللعنة، ولأنه عند مخالفينا إن كان من أهل الاجتهاد فهو مستغن عن غيره ولا يحل له تقليده، وإن


(1) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الرابع، الحديث الثامن، والآية في سورة المائدة: 50.
(2) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الرابع، الحديث السابع.
(3) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الرابع، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(4) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الخامس، الحديث الثاني.
(5) الوسائل، أبواب آداب القاضي، الباب الرابع، الحديث الأول.

[ 427 ]

كان عاميا لم يحل له تقليد الحكم بين الناس، فقد حقت لعنته (1) بإجماع. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو لا يعلم أنه جور فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم أنه حق فهو من أهل النار، ورجل قضى بالجور وهو يعلم أنه جور فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم أنه حق فهو في الجنة (2). وهذا صريح بوقوف الحكم على العلم ووجوبه واستحقاق الحاكم به الثواب، وفساده من دونه واستحقاق الحاكم من دونه النار. وقد تجاوز التحريم الحكم بالجور والتحاكم إلى حكامه إلى تحريم مجالسته أهله. فروي عن محمد بن مسلم الثقفي أنه قال: مر بي أبو جعفر عليه السلام أو أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عند قاضي المدينة، فدخلت عليه من الغد فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟ فقلت: جعلت فداك إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إليه، فقال عليه السلام لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس (3). لفظ الحديث ومعناه مطابق لما تقرر الشرع به من وجوب إنكار المنكر وقبح الرضا به، والحكم بالجور من أعظم المنكرات، فمجالس الحكام به لغير الانكار والتقية راض بما يجب إنكاره من الجور واستحقاق اللعنة (4) معا وإذا كانت هذه حال الجليس فحال الحاكم بالجور ومقلده النظر والتحاكم إليه والأخذ بحكمه أغلظ، لارتفاع الريب في رضا هؤلاء بالقبيح.


(1) في السرائر: فلهذا حقت عليه اللعنة.
(2) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الرابع، الحديث السادس.
(3) الوسائل، أبواب صفات القاضي، الباب الأول، الحديث العاشر.
(4) كذا في أكثر النسخ وفي السرائر وفي بعض النسخ فاستحقا اللعنة معا وهو الصحيح. *)

[ 428 ]

الفصل الثاني من تنفيذ الأحكام لا يصح الحكم إيجابا ولا حظرا ولا تمليكا ولا منعا ولا إلزاما ولا إسقاطا ولا إمضاءا ولا فسخا إلا عن علم بما يقتضي ذلك أو إقرار المدعي عليه، أو ثبوت البينة بالدعوى، أو يمين المدعي، دون ما عدا ذلك، ولكل حكم. فصل في العلم بما يقتضي الحكم علم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته ومغن عن إقرار و بينة ويمين، سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها، لسكون نفس الحاكم العالم إلى ما علمه في حال حكمه بمقتضاه، سواء كان علمه حادثا في حال (1) أو باقيا إليها (2) أو متولدا عن أمثاله الماضية أو حادثا حالا بعد حال في كيفية تعلقه (3) بالمعلوم على حد واحد وانتفاء الشبهة عنه في صحته، وعدم السكون لصحة (4) الدعوى مع الاقرار أو البينة أو اليمين و (5) انتفاء الثقة بشئ من ذلك وإنما يعلم الحاكم مع الاقرار أو الشهادة أو اليمين صحة التنفيذ متى علم التعبد دون صدق المدعي مع ذلك أو المدعى عليه مع يمينه، وهو مع ذلك العلم عالم بالأمرين صدق المدعي في الدعوى وصحة الحكم بها، ولا


(1) في بعض النسخ: حادثا في الحال ثابتا أو.
(2) في السرائر المطبوع: ومتولدا.
(3) في بعض النسخ: في كيفية التعلق بالمعلوم.
(4) بصحة.
(5) في بعض النسخ: أو انتفاء

[ 429 ]

شبهة على متأمل في أن الظن لا حكم له مع إمكان العلم فكيف بثبوته. وكيف يتوهم عاقل صحة الحكم مع صحة الظن (1) وفساده مع العلم به وهو يفرق بين حالتي العالم والظان. وأيضا فصحة الحكم بالاقرار أو البينة أو اليمين فرع للعلم بالاقرار و قيام البينة وحصول اليمين وثبوت التعبد، فلو كان العلم بصحة الدعوى أو الانكار غير متعبد به لم يصح حكم بإقرار ولا بينة ولا يمين، لوقوف صحته على العلم الذي لا يعتد بمثله، لأن العلم بالشئ إن اعتد به في موضع فهذا حكمه في كل موضع (2) وفي هذا خروج عن الحق جملة إذ لا برهان عليه عليه له يميز من الباطل غير العلم (3). وأيضا فلو لم يلزم الحاكم الحكم بما علمه من غير توقف على إقرار أو بينة أو يمين، لاقتضى ذلك الحكم بما يعلم خلافه إذا حصل به إقرار أو بينة أو يمين، من تسليم ما يجب المنع منه، والمنع مما يجب تسليمه، وقتل وقطع من علم عدم استحقاقه لهما، والحاق نسب من يعلم براءته منه إلى غير ذلك مما لا شبهة في فساده. وأيضا فلو لم يكن الحكم بالعلم معتبرا لم يصح للحاكم تنفيذ ما تقدم الاقرار به أو الشهادة لزمان التنفيذ، لأنه إن حكم في هذه الحال فإنما يحكم لعلمه بماضي الاقرار أو البينة، فإذا كان الحكم بالعلم لا يصح هاهنا (4) والمعلوم خلاف ذلك، إذ لا فرق بين أن يحكم للعلم بالاقرار والبينة وبين العلم بصحة


(1) في السرائر: مع ظن الصدق.
(2) في السرائر: وإن ألغى حكمه في موضع فهذا حاله في كل موضع.
(3) في بعض النسخ: عن العلم وهو تصحيف.
(4) في السرائر: لا يصح لم يصح هاهنا.

[ 430 ]

الدعوى أو الانكار، بل الثاني أظهر. وأيضا فلو كان يعتبر في الحكم بالاقرار (1) والبينة واليمين دون العلم لم يجز إبطال ذلك متى علم الحاكم كذب المقر أو الشهود أو الحالف، والاجماع بخلاف ذلك، فثبت كون العلم أصلا في الأحكام، وسقط قول من منع من تنفيذها له (2). وليس لأحد أن يمنع من الحكم بالعلم للنهي عنه أو فقد تعبد بمقتضاه، من (3) حيث كان ما قدمناه من الأدلة على صحة الحكم به وكونه غير مستند إلى علم أصلا فيها وتعذر الحكم فيها من دونه مسقطا لهاتين الدعويين، وكيف يشتبه فسادهما على عارف بالتكليف الموقوف صحته في الأصول والفروع على العلم وحصول اليقين بفساد (4) الظن فيهما مع إمكان العلم وبالظن مع تعذر العلم والمظنون غير مستند إلى علم. وكيف يجتمع له اعتقاد ذلك مع علمه بصحة الحكم مع ظن صدق المدعي أو المنكر ونفي الحكم مع العلم بصدق أحدهما لولا جهل الذاهب إلى ذلك بمقتضى التكليف وطريق صحة العمل فيه وتعويله على استحسان فاسد ورأي قائل. وليس (5) العلم حاصلا لكل سامع للاخبار بإمضاء رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم لخزيمة بن ثابت وسماه لذلك ذا الشهادتين (6)، وإمضاء ما حكم به أمير


(1) في السرائر: في الاقرار: ولعل الصحيح: الاقرار، بدون الواو وفي.
(2) في السرائر: به.
(3) العبارة لا تخلو من سقم فلا تغفل.
(4) في السرائر: وفساد.
(5) في بعض النسخ: إذ ليس، ولعل الصحيح: أو.
(6) راجع الوسائل ج 18 ص 201.

[ 431 ]

المؤمنين عليه السلام في قصة الأعرابي والناقة (1) لعلمهما بصدقه صلى الله عليه وآله، مع ما ينضاف إلى ذلك من مشهور إنكار أمير المؤمنين على شريح لما طالبه بالبينة على ما ادعاه في درع طلحة: ويلك خالفت السنة بمطالبة إمام المسلمين بينة وهو مؤتمن على أكثر من ذلك (2)، فأضاف الحكم بالعلم إلى السنة على رؤوس الجميع (3) من الصحابة والتابعين، فلم ينكر عليه منكر، وهذا مع ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وآله برهان واضح على جهل طالب البينة مع العلم وكونه مقدما عليها. وليس للمخالف فيما نصرناه أن يمنع منه لظنه أن الحكم بالعلم يقتضي تهمة الحاكم به، لأن ذلك رجوع عن مقتضى الأدلة استحسانا ولا شبهة في فساده، على أن ذلك لو منع من الحكم بالعلم لمنع من الحكم بالشهادة والاقرار الماضين، إذا كان الحكم في المجلس الثاني بالاقرار الحاصل في المجلس الأول أو البينة مستندا إلى العلم وإذا لم تمنع التهمة هاهنا من الحكم بالعلم فكذلك هناك. وبعد فحسن الظن بالحاكم المتقابل (4) الشروط يقتضي الرجوع إلى (5) حكمه بالعلم، ويمنع من تهمته، بالاقرار (6) أو البينة، لولا ذلك لم يستقر له حكم ولم يسمع قوله أقر عندي بكذا أو قامت البينة بكذا أو ثبت عندي كذا أو صح عندي، إلا أن يكون حصول الاقرار والبينة بمحضر من لا يجوز الكذب عليه وهذا يقتضي نقص نظام الأحكام بغير إشكال.


(1) راجع الوسائل ج 18 ص 200.
(2) راجع الوسائل ج 18 ص 194.
(3) جمع.
(4) في السرائر: المتكامل للشروط.
(5) في السرائر: لحكمه.
(6) كذا في النسخ.

[ 432 ]

وإذا كان علمه بالمدعى عليه (1) مقرا أو مشهودا عليه أوله أو حالفا أو محلوفا له موجبا عليه الحكم وإن لم يعلم ذلك أحد سواه ولا يحل له (2) الامتناع لخوف التهمة، فكذلك يجب أن يحكم متى علم صدق المدعي أو المنكر بأحد أسباب العلم من مشاهدة أو تواتر أو نص صادق أو ثبوت عصمة إلى غير ذلك من طرق العلم لعدم الفرق، بل ما توزعنا (3) فيه أولى. إن قيل: فلو شاهد الإمام أو الحاكم رجلا يزني أو يلوط أو سمعه يقذف غيره أو يطلق زوجته أو يظاهر منها أو يعتق غلامه أو يبيع غيره شيئا أكان يحكم بعلمه أو يبطل ذلك؟ قيل: إن كان ما علمه الإمام عقدا أو إيقاعا شرعيا حكم بعلمه، وإن كان بخلاف ذلك لاختلال بعض الشروط كعلمه بغيره ناطقا بكنايات الطلاق أو صريحه (4) في الحيض أو بغير شهادة، أو ظهار بغير لفظه أو بغير إشهاد أو قصد، أو بيع من غير افتراق إلى غير ذلك، لم يحكم، لفقد ما معه يصح الحكم من صحة العقد أو الايقاع، فأما ما يوجب الحد فإن كان العالم بما يوجب الإمام فعليه الحكم بعلمه، لكونه معصوما مأموما، فإن كان غيره من الحكام الذين يجوز عليهم الكذب لم يجز له الحكم بمقتضاه، لأن إقامة الحد أولا ليست من فرضه، ولأنه بذلك شاهد على غيره بالزنا واللواط وغيرهما وهو واحد، وشهادة الواحد بذلك قذف يوجب الحد وإن كان عالما، يوضح ذلك أنه إذا علم ثلاثة نفر غيرهم زانيا لم يجز لهم الشهادة عليه، فالواحد أحرى أن لا يشهد عليه، وليست هذه حال الإمام المعصوم ولا تنفيذ الأحكام بالعلم على من أمل ذلك.


(1) في السرائر: بكون المدعى عليه.
(2) كان في الأصل: سواه دلالة الامتناع. (3) كذا يقرأ ما في بعض النسخ.
(4) في بعض النسخ: صريحة.

[ 433 ]

فصل في الاقرار الاقرار مقتض لسقوط حق المقر فيما أقر به لغيره، إذا كان من حر كامل العقل سليم الرأي مريضا كان أو صحيحا. فإن كان مبتدءا مما وصفنا حاله كقوله هذه الدار لفلان، أو هذا الثوب أو المال لفلان، أو لفلان على كذا، وكان غير مأمون لم يمض إقراره، وإن كان مأمونا مضى إقراره، واستحق المقر له تسليم ما أقر به ما لم يمنع مانع من يد أو بينة أو وثيقة أو رهن أو دين فيبطل الاقرار، فإن تسلم المقر له ما حصل الاقرار به واستحق بعض وجوه الاستحقاق نزع من يده، ورد إلى مستحقه ولأدرك له على المقر لاختصاص فائدة الاقرار بإسقاط حق المقر حسب فإن اقترن إقراره بضمان الدرك فمنع المانع من التسليم أو استحق بعده فعليه دركه من حيث كان ضمان المقر للدرك دلالة للحكم على أن الاقرار حصل عن استحقاق يقتضي ضمان الدرك. وإن كان الاقرار بعد تقدم دعوى بقائم العين كالدار أو الفرس، أو بمعين في الذمة كالدين وثمن المبيع والأجر والأرش وأمثال ذلك، فعلى الحاكم إلزامه بالخروج إلى المقر له مما تعلق بذمته وتسليم ما في يده من الأعيان القائمة، فإن قامت بينة بعد التسليم باستحقاق عين المقر به بالضمان أو تكون من حقوق


[ 434 ]

الذمم كالديون وغيرها فيضمن على كل حال. ولا يعتد بإقرار الصبي ولا المأوف العقل والسفيه ولا العبد ولا الأمة فيما يتعدى ضرره إلى المالك كالمال والجراح والقتل ولا بما يعلم كذب المقر فيه. وإذا اشتبه الأمر على الحاكم في صفة المقر فقبل إقراره ثم انكشف له كونه ممن لا يعتد بإقراره لأجل ما ذكرنا لسقط (1) حكمه ورجع بما حكم به على المحكوم له به. وإذا أقر بعض الورثة بوارث لزمه في حق إرثه، وإن كانا اثنين وكانا عدلين قبلت شهادتهما وثبتت نسبته إلى الموروث، وإن لم يكونا كذلك فهما مقران يلزمهما حكم نسبه في حقهما دون سائر الورثة. وإذا رجع المقر بحق غيره عليه لم يؤثر رجوعه عنه في صحة الحكم به. وقد سلف بيان حكم الاقرار بما يوجب القصاص أو الحد أو التأديب بصفة المقر وأين يعتد بإقراره ويعتد برجوعه عنه وأين لا يعتد بذلك بما أغنى عن تكراره هاهنا.


(1) أسقط، كذا في بعض النسخ.

[ 435 ]

فصل في الشهادات تنفيذ الأحكام بالشهادة يتعلق بتكاليف خمسة: أولها العلم بما معه تقبل، وثانيهما ما يلزم متحملها ومؤديها، وثالثها معرفة كمية أعيانها، ورابعها الحكم بها إذا تعارضت، وخامسها معرفة ما يبطلها. التكليف الأول من الشهادات العدالة شرط في صحة الشهادة على المسلم ويثبت حكمها بالبلوغ و كمال العقل والايمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنة بالعداوة أو الحسد أو المناقشة (1) أو المملكة أو الشركة، والعلم بتكامل هذه الشروط للشاهد من فروض المشهود عنده في حال اقامتها دون تحملها. فإذا تكاملت ثبتت العدالة ولزم القبول حرا كان الشاهد أو عبدا قريبا أو أجنبيا رجلا أم امرأة بحيث يصح شهادتهما، وإن اختل شرط لم تقبل الشهادة. ولا تقبل شهادة العبد على سيده ولا الولد على والده فيما ينكرانه و تقبل شهادتهما عليهما بعد الوفاة، ولا تقبل شهادة العبد لسيده على كل حال،


(1) كذا في النسخ، الصحيح: المنافسة كما في مختلف العلامة.

[ 436 ]

ولا تقبل شهادة الشريك فيما هو شريك فيه ولا الأجير لمستأجره ولا ذمي على مسلم (1) ولا مبطل على محق وتقبل شهادة بعضهم على بعض ولأهل الحق عليهم. ولا تقبل شهادة النساء فيما يوجب الحد إلا شهادة امرأتين مع ثلاثة رجال في الزنا خاصة ولا الطلاق ولا رؤية الهلال، ويقبل فيما عدا ذلك امرأتان برجل، ولا يقتص بشهادتهن ويؤخذ بها الدية، ولا تقبل شهادة أحد من أهل الضلال على مسلم إلا عدول (2) الذمة في الوصية في السفر خاصة بشرط عدم أهل الإيمان. وتقبل شهادة الصبيان فيما يجري بينهم بعض على بعض فيما دون القتل ويؤخذ بأول كلامهم قبل أن يتفرقوا دون ما عدا ذلك. وتقبل شهادة ذوي الأرحام بعض لبعض وعليهم والأجانب، والزوج لزوجته وعليها، والزوجة له وعليه، وتقبل شهادة الأعمى والخصي والخنثى (3) إذا تكاملت شروط العدالة فيهم. التكليف الثاني من الشهادات يلزم من دعي من أهل الشهادة أو تحملها أو (إلى ظ) إقامة ما تحمله منها الاجابة إلى ذلك إذا كان تحمله عن إشهاد، ولا يجوز له أن يشهد إلا أن يستشهد، وهو مخير فيما يسمعه ويشاهده بين تحمله وإقامته وتركهما، ولا يحل له أن يتحمل ولا يقيم شهادة لا يعلم مقتضاها من أحد طرق العلم وإن رأى خطه.


(1) في بعض النسخ: لمسلم، والظاهر ما أثبتناه.
(2) أهل الذمة. ظ.
(3) والأصم، كذا في المختلف نقلا عن أبي الصلاح.

[ 437 ]

فإن كانت شهادة بما يوجب حدا أو تعزيرا لم يحل له أن يشهد بما لا يعلمه مشاهدة على الوجه الذي قررته الشريعة وسلف بيانه، وعلى إقرار الفاعل أو المفعول به، وإن كانت بإقرار بحق أو وصية أو هبة أو صدقة أو غير ذلك فبعد العلم بعين المقر والموصي والمتصدق والواهب واسمه ونسبه وتميزه من غيره وصحة رأيه وولايته وإيثاره للاقرار. وإن كانت بملك فبعد العلم بسببه من بيع أو ميراث وغيرهما من أسباب التمليك أو ظاهر تصرف لا مانع منه، وعين المستحق. وإن كان بعقد أو إيقاع أو إسقاط أو فسخ إلى غير ذلك، فبعد العلم بنفس العقد أو الايقاع أو الاسقاط أو الفسخ وما يناسب ذلك وموافقته للمشروع فيه ومعرفة المتعاقدين والموقع والمسقط والفاسخ ومن يتعلق به ذلك. ولا يجزيه في ذلك شهادة (1) المشهود له أو عليه ولا تخليته (2) ولا وجود خطه ولما يعلم ما تضمنه، ولا شهادة من لا يوجب خبره العلم من العدد وإن كانوا عدولا، لأنه مخبر بما يشهد به ولا يجوز الإخبار بما لا يعلمه المخبر. وإذا أشهد على تمليك ما يصح تمليكه وما لا يصح وعلى ما يسوغ في الشريعة وما لا يسوغ فليشهد بما يصح تمليكه وما يسوغ في الشريعة دون ما لا يصح ويسوغ ولا يجوز لأحد أن يقيم شهادة تبطل حقا أو تقتضي باطلا أو تعديا على من لا يستحق أو ضررا في الدين أو عند حاكم جور يعلم أو يظن أنه لا يقبلها وإن كان عالما بمقتضاها. ولا يجوز الشهادة على شهادة من ليس بعدل في الحقيقة، ولا حكم لشهادة


(1) في أكثر النسخ: مشاهدة المشهود له.
(2) كذا.

[ 438 ]

الواحد على شهادة الواحد، ويحكم بشهادة الاثنين على شهادة الواحد ويقوم شهادتهما مقام شهادته. ولا يجوز لمن شهد على شهادة غيره أن يشهد بنفس ما شهد به الأول، لكن يقول: أشهد أن فلانا أشهدني أنه يشهد بكذا. وإذا كان الشاهد عالما بتملك (1) غيره دارا أو أرضا أو غير ذلك ثم رأى غيره متصرفا فيها من غير منازعة من الأول ولا علم بإذن وما يقتضي إباحة التصرف من إجارة أو غير ذلك لم يجز له أن يشهد بملكها لواحد منهما حتى يعلم ما يقتضي ذلك في المستقبل. وإذا غاب العبد أو الأمة عن مالكه لم يجز له أن يشهد بما كان يعلمه من تملكه لهما إلا أن يعلم غيبته (غيبتهما ظ) لإباق أو إذن المالك. وإذا لم يعلم الشاهد في حال إقامة الشهادة كون المشهود له مالكا للشئ لم يجز له أن يشهد بالملك وإن كان عالما بسببه الماضي. التكليف الثالث من الشهادات بينة الزنا واللواط والسحق أربعة رجال عدول بمعاينة الفرج في الفرج بلفظ واحد في وقت واحد، أو ثلاثة رجال وامرأتان في الزنا خاصة، وبينة ما عدا ذلك مما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا بقتل أو جراح وغير ذلك من جميع الحقوق بشاهدي عدل (2) بلفظ واحد، وليس من شرط صحتها الوقت، ويقوم شهادة الواحد ويمين المدعي في الديون خاصة مقام الشهادة الكاملة، * (الهامش) * (1) في بعض النسخ: بتمليك..
(2) في بعض النسخ: بشاهدين.


[ 439 ]

وتقوم شهادة امرأتين بحيث تصح شهادة النساء مناب الرجل الواحد، ويحكم بشهادتهما منفردتين فيما لا يعاينه الرجل من أحوالهن، وتقبل شهادة القابلة المأمونة في الولادة والاستهلال، ويحكم بربع الدية أو الميراث. والقسامة في القتل خمسون رجلا يقسمون مع ولي الدم خمسين يمينا، فإن نقصوا عن ذلك كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسون يمينا، ولا يحل له ولا لغيره ممن يتقسم (1) معه على قتل صاحبهم أن يقسموا على قاتل معين بالشبهة حتى يعلموا ذلك من حاله مشاهدة أو بما يقوم مقامها من طرق العلم. والقسامة فيما يوجب الدية من الأعضاء ستة نفر، وفيما دون ذلك بحساب الستة، وأدناه يمين واحدة. فإن لم يقسم أولياء الدم أقسم المتهم بالقتل وأولياؤه خمسين يمينا أنهم لم يقتلوا أو برئوا، وكذلك القول في الجراح، فإن لم يكن للمتهم أولياء أقسم هو خمسين يمينا. وتقبل شهادة امرأتين في نصف دية النفس أو العضو أو الجرح، أو المرأة الواحدة في الربع، ويجوز شهادتهن في النكاح مع الرجال، ولا يجوز في الطلاق على حال (2). التكليف الرابع من الشهادات البينة يبطل حكم اليد، ويقتضي تسليم ما قامت به (3). فإن كان للمدعي بينة وللمدعى عليه بينة ولا يد لأحدهما حكم لأعدلهما شهودا، فإن تساووا


(1) يقسم معه.
(2) في بعض النسخ: على كل حال.
(3) في بعض النسخ: ما فاتت به.

[ 440 ]

في العدالة حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه، فان تساووا في العدد والعدالة أقرع بينهما وأحلف من خرج سهمه وحكم له بالملك، وإن كان لأحدهما يد وبينة تشهد باليد وللآخر بينة تشهد بالملك حكم للخارج اليد، بالملك، وإن كانت البينتان تشهدان بالملك حكم به لذي اليد، فإن كانا جميعا متصرفين فيه ولا بينة لأحدهما قسم بينهما، وإن كان لأحدهما بينة نزعت يد (1) الآخر وسلم إلى ذي البينة. التكليف الخامس من الشهادات إذا انكشف أن الشاهد شهد بالزور بإقراره أو بينة أو علم عزر وأشهر (2) في المصر، فإن كان الحاكم حكم بها أبطل حكمه ورجع على المحكوم له بما أخذه فإن لم يقدر على ذلك رجع به على الشاهد (3) بالزور فإن كان قتلا أو جراحا أو حدا قيد (4) بالقتل واقتص منه بالجراح والحد. وإن رجع عن الشهادة لشبهة دخلت عليه فعليه الدية في القتل والجراح وارضاء المحدود ومثل المستهلك بشهادته. وإن كانوا جميع الشهود شهدوا زورا أو راجعين عن شهادتهم بالشبهة فالقصاص أو الدية أو المثل لازم لجميعهم كلزومه لكل جماعة اشتركت في جناية عمدا أو خطأ. وإذا انكشف أن الشهود أو بعضهم فساق أبطل الحكم.


(1) كذا.
(2) وشهر.
(3) في بعض النسخ: الشهادة.
(4) في بعض النسخ: قتل بالقتل. *)

[ 441 ]

وإذا قامت البينة بطلاق وتزوجت المرأة ورجع الشاهدان أو أحدهما أغرما أو أحدهما المهر للزوج الثاني إن كان دخل بها وردت إلى الأول، و لا يقربها حتى تعتد من الثاني، وإن لم يقربها فرق بينهما ولا شئ لها وهي زوجة الأول ولا عدة عليها. وكذلك الحكم فيمن شهد بوفاة زوج [ و ] تزوجت امرأته. وإذا قامت البينة على امرأة بالزنا فادعت أنها بكر فوجدت كذلك درئ عنها الحد. وإذا قامت البينة بما يعلم الحاكم كذب الشهود فيه أو كون الأمر بخلافها أبطلهما لعلمه وعزر الشهود لتعمد الكذب، مثال الأول أن تقوم بينة بما يوجب قودا أو قصاصا أو حدا على شخص معين في وقت معين يعلم الحاكم برائته منه في ذلك الوقت بكونه جليسا له فيه، ومثال الثاني أن تقوم بينة بحق معين من جهة معينة يعلم الحاكم خروج المدعى عليه مما قامت به، ولا تأديب على الشهود هاهنا لجواز كونهم عالمين بأصل الاستحقاق دون الخروج منه إلا أن يقولوا تعمدنا كذبا فيؤدبوا.


[ 442 ]

فصل في الأيمان الأيمان واجبة في حق كل دعوى عدا ما يوجب القصاص على المنكر، وتأثيرها إسقاط الدعوى في الحال وما يليها، فإن حلف برئ من حق الدعوى وإن نكل عنها لزمه مقتضاها، وله ردها على المدعي ومتى يفعل يجب عليه، فإن نكل عنها سقط حق (1) دعواه وإن حلف ثبت حقه. وأما دعوى القتل والجروح مع الانكار وفقد البينة فموجبة لليمين على المدعي حسب ما بيناه من القسامة، فمتى يفعل يجب له الحكم بصحة الدعوى، وله أن يطالب المدعي عليه بها قسامة (2) فمتى يفعل تبرأ ذمته من تهمة الدعوى، وإن تنكل (كذا) يلزم الحكم بمقتضاها. ولا يمين إلا بعد دعوى ولا يحل دعوى ولا يمين عليها إلا عن يقين بصحة استحقاق ما تعلقت به. ويكفي فيها اسم الله الأعظم كقوله ” والله ” متجردا عن (3) الصفات، و التأكيد بتكريرها ” الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك الضار


(1) في بعض النسخ: حتى دعواه.
(2) في بعض النسخ: قسامته.
(3) في بعض النسخ: من الصفات.

[ 443 ]

النافع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ” أبلغ في الزجر. ويجوز الاستحلاف بكل مكان، وفي المسجد الجامع تجاه القبلة أولى. ولا يحل لمن علم غريمه معسرا أن يحبسه مقرا ولا يستحلفه منكرا، و يكره له استحلافه مع الانكار واليسار (1) تعظيما لاسمه سبحانه، وجزما في بقاء الاستحاق وصحة الدعوى به، فإن أحلفه أخل بالفضل وفرط بالجزم، و لم تحل له مطالبته فيما بعد، ولا إقامة بينة عليه وإن أقامها لم تقبل، فإن ظفر له بمال لم يحل له أخذه غيلة، وإن جاءه بحقه بعد اليمين له نادما من عصيانه حل له أخذه والعفو عنه أفضل، وإن احتسبه عند الله تعالى قبل اليمين أو بعدها لم يجز له أخذه بحال. والأولى بذي الدين والفضل إذا بلى بدعوى باطلة أن يخرج منها ولا يحلف إن كانت لا تؤثر في حاله، وإن رد غريمه اليمين عليه فيما يعلم صحته أن لا يحلف تنزها عن الحلف وتعظيما لأسماء الله تعالى، ومحرم ذلك على المدعي عليه، ويكره له أن يرد اليمين على ذي الدعوى الباطلة ليسلمها إليه بل يمينه هاهنا أولى. وأولى من الجميع ما قدمناه من الخروج عن موجبها و لا يحلف ولا يستحلف وإن كان لو حلف صادقا أو استحلف من يعلمه كاذبا لم يأثم وإنما يخل بفضل ويرغب عن نفل (2). ولا يجوز الاستحلاف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله على ما لا يوجب مثله القطع.


(1) في بعض النسخ: الايسار.
(2) في بعض النسخ: نقل.

[ 444 ]

الفصل الثالث من تنفيذ الأحكام يلزم المؤهل لتنفيذ الأحكام أن يفرد (1) لنظره بين الناس وقتا لا يثبتونه (2) بشئ من الأغراض الدينية ولا الدنيوية سواه وينظر في ما عداه من الأوقات فيما يؤثره منهما (3). ولا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مهموم ولا ذا داع إلى بعض المشتهيات، وأولى المجالس به مسجد الجامع أو مسجد المحلة ولا حرج في الجلوس عليه في منزله. فإذا عزم على ذلك فليتطهر ويلبس أجمل زيه ويمس طيبا ويصلي ركعتين يعقبهما بالتسبيح والرغبة إلى الله تعالى في توفيقه وتسديده ومعونته على ما يبتلى به، ثم ليجلس مستدبر القبلة ليكون وجوه الخصوم إليها، وعليه السكينة والوقار، وليتق في مجلسه المجون والدعابة بنفسه ولينزهه عنهما من غيره، وليجلس شهوده ناحية عنه، وليوطن نفسه على القوة في أمر الله تعالى وصحة العزيمة في تنفيذ حكمه. ثم ليأمر أمينا أن يكتب أسماء كل خصمين في رقعة ويرفع الرقاع إليه


(1) في بعض النسخ: يفرده.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: لا يشوبه.

[ 445 ]

فيخلطها ثم يخرج منها رقعة فيقدم النظر بين من تضمنت ذكره من المتحاكمين إليه، ثم كذلك ثانية وثالثة حتى يأتي على (1) جميعها، وإن لم يحضر إلا خصمان أحضرهما بغير رقعة. فإذا انتهى الخصمان إليه فليسو بينهما في المجلس واللحظ (2) والإشارة، فإن سلما أو أحدهما فليرد عليهما، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يصمتا فيقول: إن كنتما حضرتما لشئ فاذكراه فإن أمسكا أقامهما ونظر في حكومة غيرهما. وإن ادعى أحدهما شيئا مجهولا قال له حقق دعواك فإن فعل وإلا أقامهما وإن كان متميزا أقبل الحاكم على خصمه وقال له ما تقول في دعواه؟ فإن أقربها اعتبر حاله فإن كان حرا عاقلا مختارا للاقرار ألزمه الخروج إلى خصمه مما أقر به، فإن امتنع أمره بملازمته، (3) وإن سام (4) حبسه حبسه وإن سام إثبات اسمه في ديوان حكمه لم يجز له ذلك إلا أن يكون عارفا بالمقر بعينه واسمه ونسبه أو يشهد بذلك عنده شاهدا عدل، وإن كان المقر عبدا أو أمة أو مؤف العقل أو صغيرا أو سفيها أو مكرها على الاقرار لم يعتد بإقراره. وإن أنكر فكان عالما بصدق المدعي أو المدعى عليه على كل حال وفي تلك القضية حكم بعلمه ولم يحتج إلى بينة ولا يمين إلى صحة دعوى ولا إنكار إلا أن تقوم بينة تمنع من استمرار العلم فيحكم بمقتضاها، كعلمه بأن زيدا باع دارا من عمرو فالحكم بالعلم يقتضي تسليم الدار إلى عمرو، فان قامت بينة عادلة بأن زيدا ابتاع تلك الدار بعينها من عمرو بعد تاريخ علمه، فالواجب


(1) في بعض النسخ: عليه بجميعها.
(2) في بعض النسخ: واللفظ.
(3) في بعض النسخ: بملازمة.
(4) كان في النسخ: إن سام وحبسه حبسه.

[ 446 ]

أن يحكم في ذلك بالبينة، لأن العلم بالابتياع الأول لم يسلم استمراره، ونظائر ذلك من المعلومات. ولا يتوقع قيام ببينة تكذب من علمنا صدقة بالبرهان في دعوى أو إنكار لعصمته أو لغير ذلك، وإن حصلت حكم ببطلانها. وإن لم يعلم صدق أحدهما قال للمدعي: قد أنكر دعواك فما تريد؟ فإن قال: لي بينة، قال: أحضرها، فإن حضرت بينة قد تقدم للحاكم العلم بتكامل شروطها حكم بمقتضاها كإقرار، وإن كان عالما باختلال الشروط فيها ردها، وإن كانت مجهولة أوقف الحكم حتى يكشف عن حالها، فإن وضح له تكامل الشروط المعتبرة في قبول الشهادة حكم بها، وإن ظهر له خلاف ذلك أو التبس الحال فيها ألغاها. وإن ادعى بينة غائبة ضرب له أجلا لإحضارها وفرق بينه وبين خصمه، فإن سام تضمين إحضاره متى حضرت البينة الزم خصمه بذلك، فإن قضت (1) المدة ولما يحضر بينة سقط تضمين (2) خصمه فإن لم يكن له إلا شاهد واحد وامرأتان قال له: أتحلف مع بينتك على دعواك؟ فإن حلف الزم خصمه بالخروج إليه من الدعوى وإن امتنع أقامها. وليفرق بين الشهود في حال إقامة الشهادة فيسمع ما يشهد به كل واحد منهم منفردا ويكتبه، فإن اتفق معنى الشهادتين والدعوى حكم بها، وإن اختلفت أبطلها وإن تعتع الشاهد أو تشكك لم يسدده فإن تسدد وحقق الشهادة (3) أثبتها وإلا أبطلها، وكذلك يجب أن يصنع في الشهادات الموجبة للحدود والقصاص.


(1) فإن انقضت.
(2) في بعض النسخ: سقط تضمين، إحضاره ومتى خصمه.
(3) في بعض النسخ: وحقق الشهادة فليسمع ما يشهد به كل واحد منهم منفردا أثبتها.

[ 447 ]

ولا يحتاج مع البينة إلى يمين إلا فيما يثبت بها على ميت أو غائب. وإن لم تكن له بينة قال له: ما تريد؟ فإن أمسك أقامهما، وإن قال: يمينه أقبل على خصمه فقال: أتحلف؟ فإن قال: نعم، خوفه الله تعالى وبالغ في تخويفه، فإن أقر بالدعوى ألزمه الخروج إليه منها، وإن أقام على الانكار عرض عليهما الصلح، فإن أجابا إليه رفعهما إلى من يتوسط بينهما ولا يتولى ذلك بنفسه لأن الحاكم نصب للقطع بالحكم وبت الحق والوسيط شافع ويجوز له في الاصطلاح ما يحرم على الحاكم. فإن أبيا الصلح أعلم المدعي أن استحلاف خصمك يسقط حق دعواك ويمنع من سماع بينة إن كانت لك، فإن رغب عن الاستحلاف أقامهما، وإن رضي استحلفه فإذا حلف برئ من حق دعواه وتأثير بينة إن قامت له. وإن نكل عن اليمين ألزمه الخروج إليه من حق دعواه، وإن قال: يحلف ويأخذ ما ادعاه، أقبل الحاكم على المدعي فقال له: أتحلف على دعواك؟ فإن قال: لا، أقامهما وإن قال: نعم، خوفه الله تعالى، فإن رجع عن اليمين أقامهما وإن حلف الزم خصمه الخروج إليه مما حلف عليه، وإن قال لا أحلف حتى يحضر حقي ألزم الحاكم خصمه بذلك. فإن عاد بعد رد اليمين على المدعي فقال: أنا أحلف، لم يلتفت الحاكم إلى قوله إلا أن يختار خصمه. وإن امتنع المردود عليه اليمين منها سقط حق دعواه في المجلس، فإن أقام بينة فيما بعد بصحة دعواه حكم بها. وإن ادعى المقر أو المشهود عليه إعسارا يعلمه الحاكم أو تقوم به بينة في الحال لم يحبسه ولكن يقرر عليه ما يفضل من مكسبه عن قوته وعياله لغريمه، وإن لم يعلم ذلك من حاله ولا قامت به البينة حبسه وكشف عن أمره، فإن وضح


[ 448 ]

له اعساره أخرجه من الحبس وصنع فيما عليه من الحق ما تقدم. فإن تجلد الغريم على الحبس وأصر على الامتناع من الخروج إلى خصمه من الحق وله ذمة ضيق عليه أصر أخذ من ماله باليد وفي غريمه (1) وإن لم يكن له مال باع عليه العقار والرقيق والأنعام والدواب وغير ذلك حتى يستوفى غريمه ما ثبت له في الحكم. وكذلك يصنع الحاكم في أموال المحجور عليهم وما يثبت عليهم من الحقوق. ويلزم الحاكم إخراج المحبسين في الحقوق إلى الجمعة والعيدين فإذا قضيت الصلوة ردهم الحبس (2). فإن ورد عليه ما لا يعلم وجه الحق فيه أوقفه إلى أن يصح له (3) ذلك، فإن حكم بما يظنه حقا أثم، فإن انكشف له أنه حق فهو ماض، وإن انكشف خطأه فيه عن الصواب أبطل ما حكم به، فإن لم يتمكن في استدراكه فهو ضامن لما أخذ بحكمه من مال ومطالب بما نفذ بقضائه من قتل أو جراح أو حد أو تأديب. وإن انكشف له أن المقر كان عبدا أو أمة أو مأوف العقل أو مكرها رجع في القضية ورد ما أخذ بحكمه من المحكوم له أن تمكن منه وإلا من ماله (4) على سيد العبد أو الأمة وولي المحجور عليه والمكره. وإذا انكشف له كذب الشهود أو فسقهم أو شهادتهم بما لا يعلمون أو رجوعهم عن الشهادة أبطل الحكم ورجع بما أخذ بشهادتهم حسب ما تقدم بيانه.


(1) كذا في النسخ.
(2) المحبس.
(3) كذا والظاهر: يتضح.
(4) كان في النسخ: والأمر ما له.

[ 449 ]

وإذا تقابلت عنده البينات حكم بما سلف ذكره. فإذا تساوت الأيدي في التصرف وفقدت البينات حكم بالشركة، أرضا كانت أم دارا أم سقفا أم حائطا عقد فيه إلى أحد المتصرفين ولا تصرف خاص، فإن كان عقد الحائط إلى أحدهما أو التصرف مختص (1) به كالخشب وشبهه حكم له به دون الآخر. ولا يجوز له أن يحكم بقول غيره من الحكام: ثبت عندي حق فلان على فلان بعلم أو إقرار أو بينة، ولا بكتابة منفردا من بينة تشهد بضمنه لذوي الدعوى أو إقرار، لخروج (2) ذلك عن موجبات الحكم من العلم والاقرار والبينة واليمين. فإن شهد عنده بإقرار الخصم عنده بدعوى أو يمين وكان عدلا حكم بشهادته ويمين المدعي. وإن شهد عنده بقيام البينة عليه مع إنكاره لم يحكم إلا أن يشهد عنده شاهد آخر بصفة الشهادة فيحكم بشهادتهما من غير يمين لقيام شهادة الاثنين مقامهما. فإن شهد عنده اثنان على شهادة واحد حكم بها مع يمين المدعي كشهادة الواحد المنفرد على ما سلف بيانه، ولا مزية للحاكم العدل هاهنا [ على ] غيره. وإذا علم عقدا أو إيقاعا أو تملكا مخالفا للمشروع فيه أو قامت بذلك بينة أو حصل به إقرار حكم بفساد مقتضاه. وإذا ثبت عنده ردة (3) بعض الناس حكم بها وإن شهد عنده ألف بالبراءة منها، وإذا ثبت عنده التسبب (كذا) لم يسمع بينة ولا إقرارا بنفيه، ولا يحل لأحد


(1) يختص به.
(2) في النسخ: الخروج، والظاهر ما أثبتناه.
(3) رده. كذا في السنخ. ظ.

[ 450 ]

أن يدعي على غيره ما لا يعلم استحقاقه وإن كانت هناك شبهة ظاهرة وظن قوي. وإذا قال المدعي في مجلس الحكم: أدعي عليه، أو اتهمه، أو حدث ما يقتضي استناد دعواه إلى التهمة دون العلم أسقط دعواه، ولا يقبل من الدعاوي إلا قوله: ” أستحق ” وما أفاد معنى ذلك، وليتق الله هذا المدعي من دعوى الكذب والمطالبة بالباطل، وليتق الله هذا المنكر ومن الكذب ودفع الحق. وإذا تحاكم إليه بعض كفار الأصل كاليهود والنصارى أو كفار الملة كالمجبرة والمشبهة والوعيدية فليحكم بينهم بما يقتضيه المشروع دون ما يرونه أولئك في دينهم وهؤلاء في مذهبهم. وليعلم أن الحكم بين الناس رتبة عظيمة ومنزلة جليلة ورئاسة نبوية وخلافة إمامية لم يبق في أعصارنا هذه وما قبلها بأعصار من رئاسات الدين غيرها، فبحسب قوة المأهول لها (1) في الدين وصحة عزيمته في تنفيذ الأحكام وصادق نيته في القيام بما جعل إليه واضطلاعه به وبصيرته فيه تعلوا كلمة الاسلام ويعز الدين، وبحسب ضعفه عن ذلك أو جهله به يضمحل الحق وتندرس أعلامه. فليتق الله من عرض لذلك، فلا يتقلده إلا بعد الثقة من نفسه بالقيام بما جعل إليه، وإذا علم من نفسه تكامل الشروط فعرض للحكم وجب عليه تكلفه، لكونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، فإذا تقلده فليصمد (2) للنظر في مصالح المسلمين وما عاد بنظام الملة وقوى الحق، وليجتهد في إحياء السنن وإماتة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبطال ما يمكن منه من أحكام الجور وإنفاذ ما استطاعه من الحق. وليتخير الحكام النائبين عنه في البلاد، ولا يقلد الحكم من لا يتكامل له


(1) كذا يقرء ما في بعض النسخ.
(2) في بعض النسخ: فليحمل.

[ 451 ]

شروطه، فإن لم يجد فليجعل وسائط يمنعهم عن إنفاذ حكم من غير رأيه، فليجتهد في تخيره المأهولين في الوساطة (1) بين الناس، ولا يعدل شاهدا لم يتكامل شروط العدالة فيه ولا يجعل أمينا على أموال الناس إلا بعد سبر (2) حاله والاجتهاد في تخيره. فإن انكشف له أن من قلده الحكم أو جعل إليه الصلح أو أهله للشهادة أو تحمل الأمانة (3) غير متكامل الشروط فليعزل الحاكم وليستبدل بالوسيط والأمين ويسقط عدالة الشاهد. فإن وقع من بعضهم ما يتعدى ضرره إلى غيره في الأنفس أو الأموال بغير حق فليرجع عليه بدركه حسب ما تقدم ذكره. وليجعل لدرس العلم وإدامة الفكر فيه وقتا خاليا له وللمذاكرة به والمناظرة وقتا ليكون ذلك عونا على ما يلي به من الحكم بين الناس، وما لعله يحدث مما لم يتقدم له علمه.


(1) في بعض النسخ: للوساطة.
(2) في بعض النسخ: سير.
(3) في بعض النسخ: الإمامة.

[ 452 ]

فصل في الصلح الصلح حكم جائز لا خيار لأحد الخصمين بعد مضيه سواء كان المصلح عالما بما يقع عليه أو جاهلا، ولا يحل لأحد الخصمين أن يأخذ بالصلح ما لا يستحقه ولا يمنع له ما يستحق عليه كما لا يحل ببينة ولا يمين. فإن اقترن بالصلح تحليل في الحقيقة لم يصح الرجوع بشئ منه على حال، وإن كان لضرورة دعت إلى حفظ بعض الحق بالصلح فلذي الحق بالباقي بعد مضيه أن يتوصل بغير الحكم إلى أخذه وإن لم يأذن له غريمه، ولا حق له بعده في الحكم. ويلزم من أخذ بالصلح ما لا يستحقه أو أسقط به ما يستحق عليه أن يخرج منه إلى مستحقه أو يستحله، ولغريمه أخذه والعفو عنه. ويجوز لمن اضطره غريمه إلى ما لا يقدر عليه من جملة الحق أن يصالح على بعضه بشرط العزم على أداء ما يسقط بالصلح حين التمكن منه أو العفو عنه. ومن كان عليه حق لغيره فمات قبل الخروج إليه منه لم يجز للغريم مصالحة الورثة على بعضه إلا بعد علمهم بمبلغه وإن كان لو صالحهم من دون ذلك لمضي الصلح في الظاهر وبقيت تبعته عند الله عز وجل إلا أن تحلله الورثة. ومن كان عليه دين إلى أجل فقال له صاحبه: عجل لي البعض واترك لك


[ 453 ]

الباقي، ففعل، مضى (1) إسقاطه وحل للغريم ما أسقط ولم يصح رجوعه بشئ منه. وإذا تنازع اثنان شيئين في أيديهما أو لا يد لأحدهما فيهما فقال الواحد منهما: هما لي، وقال الآخر: هما شركة بيننا، فأحد الشيئين لمن قال: هما لي، ويقسم الآخر بينهما صلحا، وإن قال كل واحد منهما: هما لي قسما بينهما. ومن كان عليه سلف في ثبوت عشرون درهما وفي ثوب ثلاثون درهما فعملهما وانفذهما إلى المسلمين فلم يتميزا، فالحكم أن يباعا ويكون لصاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن وللآخر خمسان. ومن كان عنده وديعة ديناران لمودع ولآخر دينار فهلك من حرزه دينار لم يتميز فالحكم لصاحب الدينارين دينار خاص ويقسم الآخر بينهما. ” تم التكليف السمعي بحمد الله تعالى.


(1) في بعض النسخ: ففعل ما مضى إسقاطه.

[ 454 ]

المستحق بالتكليف وأحكامه


[ 456 ]

فصل في المستحق بالتكليف وأحكامه إذا كنا قد أتينا على ذكر جملة التكليف عقلا وسمعا فينبغي أن نبين المستحق به وأحكامه وكيفية استحقاقه وشروط ثبوته وزواله وحال اتصاله، إذ هو الغرض المجرى (1) بالتكليف إليه والباعث عليه وما له حسن تحمل (2) مشاقه فعلا واجتنابا. والمستحق بالتكليف مدح وثواب وشكر وذم وعقاب. فأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح. وقلنا: القول، لتميزه من سائر الأجناس عداه، و: المنبئ، ليخصه بنوع الإخبار، ولهذا يحسن فيه التصديق أو التكذيب، و: عن عظم حال الممدوح، لتميزه من كل خبر لا يفيد ذلك. ويفتقر إلى شرطين: أحدهما أن يكون موضوعا في عرف المادح للمدح، الثاني أن يقصد به تعظيم الممدوح. واشترطناه بالوضع لوقوف الفائدة عليه، واشترطناه بالقصد لأن الساهي والملجأ والخائف والراجي واللاهي لا يكون مادحا بما وضع من الألفاظ للممدوح


(1) كان في النسخ: المجرد.
(2) في بعض النسخ: يحمل.

[ 457 ]

من حيث تجرد قوله من القصد. وينقسم في عرفنا إلى شيئين: أسماء ودعاء. والأسماء: مؤمن وصالح وبر وتقي ومسلم وعابد وزاهد وأمثال ذلك. والدعاء: رحمه الله، ورضي الله عنه، ورفع درجته، وأعلاه، وصلوات الله عليه، وعليه السلام (1) وهذا اللفظان مختصان بالانبياء ومن ضارعهم في الحجة من الأئمة. والدليل على صحة هذا الحد أنه متى تكاملت هذه الشروط وصف القائل مادحا وقوله مدحا والمقول فيه ممدوحا. وهو مستحق بفعل الندب والواجب واجتناب القبيح، لعلم كل عاقل اختصاص استحقاقه بذلك. ومن شرط حسنه أن يعلم المادح ثبوت ما يستحق به المدح ولا يكفي فيه. الظن، لأن المادح مخبر والإخبار بما لا يعلمه المخبر قبيح، فإن علم الطاعة ووقوعها لوجهها أطلق المدح وإن علمها دون الوجه اشترطه. وطريق العلم باستحقاقه من الوجوه المذكورة الضرورة، ولعموم العلم بذلك لكل عاقل وحال (2) على وجه لا يمكن دخول شبهة فيه. وهو مستحق على جهة الدوام، لوجوب فعله في كل حال، وإذا ثبت لم يسقط بندم ولا زائد مستحق على ما نبينه. ومن شرط استحقاقه أن يفعل الواجب والندب للوجه الذي له كانا كذلك ويتجنب القبيح لوجه قبحه، لما بيناه من تخصيص التكليف في جميع ضروب الحسن والقبيح بالوجوه التي لها كانت كذلك.


(1) الجملتان الأخيرتان تجودان في بعض النسخ.
(2) كذا.

[ 458 ]

وأما الثواب فهو النفع المستحق الواقع على جهة التعظيم. وقلنا: نفع، لأن الضرر لا يكون ثوابا، و: مستحق، لقبح التفضل بالثواب، واشترطنا التعظيم لتميزه من العوض. وهو مستحق من الوجوه التي استحق منها المدح بشرط اقتران المشقة به، واشترطناها إذ لا وجه من دونها يجب له استحقاق الثواب، ولأنه تعالى يستحق المدح بما يستحق به الثواب ولا يستحقه لفقد شرطه من المشقة، وشرطنا ثبوته بشرط ثبوت المدح من اعتبار الوجوه في إيثار الحسن واجتناب القبيح. وطريق العلم باستحقاقه العقل، وسبب حصوله النظر حسب ما سلف لنا (1) في بيان الغرض بالتكليف، والمعلوم من جهة العقل استحقاقه دون دوامه، لعلمنا ضرورة بحسن تحمل المشاق لنفع منقطع، ولو كان دوام المستحق شرطا في حسن تحمل المشاق لم يحسن منا في الشدائد تحمل شئ من المشاق لنفع منقطع، والمعلوم خلاف ذلك، وقد ذكرنا ما يتعلق به من قال بدوامه في كتاب ” التقريب ” وبينا فساد متعلقه، وإنما نعلم دوامه بالسمع، وهو العلم العام لكل مخالط من دين نبينا صلى الله عليه وآله بدوامه، وإذا ثبت استحقاقه لم يزل بندم ولا زائد عقاب على ما نوضحه. واستحقاقه مختص به تعالى، لاختصاص شرط استحقاقه به سبحانه من المشاق المستندة إلى جعله تعالى الحي نافرا عن الحسن ومائلا إلى القبيح، وهو مستحق عقيب الطاعة وفي كل حال مستقبلة أقساطا مخصوصة إلى ما لا آخر له، والتزايد بين ثوابي الطاعتين والمطيعين يرجع إلى المقادير المفعولة في كل وقت من الكثرة والقلة وإن كان الجميع لا آخر له. ولا بد أن يكون المستحق منه بالغا مبلغا يحسن لمثله تحمل مشقته وخالصا


(1) راجع 37 – 38.

[ 459 ]

من الشوائب حسب ما أخبر به تعالى. وأما الشكر فهو الاعتراف بالنعمة على وجه التعظيم للمنعم. وقلنا ذلك، لأنه متى قرن بالتعظيم كان شكرا ومتى انفرد أحدهما من الآخر لم يكن شكرا. وهو من أفعال القلوب ومن جنس الاعتقادات والعلوم، ولذلك يوصف من علم معترفا خاضعا بأنه شاكر وإن كان ساكتا أو أخرس، وإنما يفتقر إلى القول المعرب عن حال الشاكر ليعلم أنه قد أدى ما يجب عليه منه، فهو واجب لرفع الابهام، فإن زال اللبس سقط فرض النطق بما ينبئ عنه، ولذلك لم يجب النطق به في حق شكره سبحانه في كل حال ذكر وإن كان شكره فيها واجبا، فأما ما يختص القلب في الاعتراف والخضوع فواجب في كل حال ذكر. والحمد والشكر صيغتان وضعتا لمعنى واحد، إذ لا فرق بين قولنا: حامد وشاكر. وهو مستحق بالانعام خاصة، وهو كل عمل قصد به نفع الغير أو من يتعدى إليه نفعه أو دفع ضرر عنه أو عن من يتعدى إليه ضرره، أو ما أدى إليهما، لأن كل من علم ما له هذه الصفات علمه نعمة، وقد تقع النعمة على وجه فيكون شكرها عبادة، وعلى وجه فيكون طاعة، وعلى وجه فيكون اعترافا وخضوعا فقط. فالأول أن تكون أصولا للنعم وبالغة مبلغا لا تبلغه نعمة منهم ولا يتقدر نعمة من دونها، وذلك مختص بنعمه سبحانه، لكونها أصولا للنعم من الحياة والعقل والحواس ومدركاتها والشهوة والمشتهيات، وغاية في الانعام لبلوغها مبلغا لا يوفي جميع نعم المنعمين بواحدها ولا يتقدر من دونها كالحياة والشهوة، فلذلك استحق سبحانه من الشكر مبلغا لا يدانيه شكر منعم، ووصف لذلك بعبادة، لكونه غاية في الخضوع له تعالى، وكون الخاضع عابدا، ولذلك قلنا: إن


[ 460 ]

العبادة لا يحق لغيره تعالى من حيث كانت كيفية لشرك لا يصح أن يستحقه سواه. والثاني أن تكون النعمة مستغرقة جميع منافع المنعم عليه كنعمة الوالد على ولده والسيد على رقيقه وما يجري مجرى ذلك من الانعام، لعلمنا بوجوب طاعة من هذه حاله حسب ما سلف في أول الكتاب (1). وما خرج عن ذين النعمتين فرض شكره مختص بالاعتراف والخضوع. ويترتب في العظم والصغر بحسب تعاظم الانعام وصغره. ومن شرط ثبوته علم المنعم عليه أو ظنه أو تمكنه من ذلك بأن المنعم قصد به الاحسان إليه على وجه يحسن، لأنه متى لم يعلمه أو يظنه قاصدا نفعه لم يتعين عليه شكره، ومتى علم أو ظن قبح ما قصده وإن كان نفعا قبح شكره من حيث علمنا فساد استحقاق المدح والشكر بما يستحق الذم (2). وطريق العلم باستحقاقه أوائل العقول، لعمومه لكل عاقل وحال على وجه لا مجال للشبهة فيه. وهو مستحق على جهة الدوام وإذا ثبت لم يزل بندم ولا عظم إساءة على ما نوضحه. وإذا تكاملت شروط الانعام استحق به المدح على من علمه والشكر على المنعم عليه خاصة، وأما التعظيم والتبجيل فكيفية للقول الموضوع للمدح للعبارة (3) عن الشكر بالقلب والاعتراف بالنعمة وللنفع المقصود به الاثابة على ما تقدم بيانه، فلذلك لم نفردهما بذكر. وقد يفردان من ذلك أجمع فيقعان بأفعال الجوارح التي ليست قولا


(1) راجع ص 33.
(2) في بعض النسخ: للذم.
(3) كذا في بعض النسخ.

[ 461 ]

ولا اعترافا ولا مدحا ولا نفعا مدركا في الحقيقة كالقيام للغير في المجلس، وتقبيل يده أو رجله، والجلوس دونه، وغض البصر والصوت له، والقيام على رأسه، وأعلاه السجود وتقبيل الأرض، ولا تكون هذه الأفعال تعظيما إلا بقصد ولا يحسن معه إلا مستحقا، وتحسن صورها من غير استحقاق خوفا أو رجاءا أو مداراة، ولا يجوز أن يقصد بها التعظيم لقبح فعله بغير استحقاق. وأما الذم فهو القول المنبئ عن اتضاع حال المذموم. وخصصناه بالقول والأنباء عن خفوض رتبة المذموم، لما قدمناه في المدح. ويفتقر إلى الوضع والقصد كالمدح وبرهانه. ويفتقر حسنه إلى العلم بما به يستحق، لكونه خبرا عن حال المذموم وقبح الإخبار عن غير علم، ولا شرط فيه. وينقسم إلى أسماء ودعاء: فالاسماء: فاسق وكافر وظالم وضال وفاجر وزان ولائط وأمثال ذلك. والدعاء… الله جدد عليه العذاب وأخزاه (1) وأشباه ذلك…. هذا متى تكاملت هذه الشروط وصف القول بأنه ذم وقائله ذام والمقول فيه مذموم. وهو حقيقة في القول ومجاز في الفعل على ما ذكرناه في المدح. وهو مستحق بفعل القبيح والاخلال بالواجب، بشرط كون من تعلقا (2) به عالما بهما أو متمكنا من العلم بكمال العقل، بدليل عموم العلم باستحقاقه بهما لكل عاقل علم فاعلا لقبيح أو مخلا بواجب وفي كل حال. وهذا برهان كون العلم بذلك ضروريا من أوائل العقول.


(1) في بعض النسخ: وأجزاه.
(2) في بعض النسخ: تعلق به.

[ 462 ]

وهو مستحق على جهة الدوام، ويجوز إسقاطه بالعفو عنه ابتداءا وعند توبة أو شفاعة حسب ما نبينه. وأما العقاب فهو الضرر المستحق الواقع على جهة الاستخفاف والاهانة وقلنا: ضرر، لأن النفع لا يكون عقابا من حيث كان النفع داعيا والعقاب صارفا، و: مستحق، لتميزه من ضروب المضار الحسنة، وقيدناه بالاستخفاف بيانا، إذ به يتميز من أقسام الضرر، وأما الاستخفاف فكيفية للقول المعرب عن الذم والضرر المستحق، ولا يكون كذلك إلا بالقصد، وقد ينفرد منهما فيقع بأفعال الجوارح كالتعظيم، كرفع الصوت على الغير للاستعلاء عليه والاعراض عن حديثه وترك القيام لمن جرت العادة بالقيام له فما فوق ذلك، لعلمنا بكون الفاعل مستخفا بكل واحد من هذه الأفعال كالقول. والعقاب مستحق بفعل القبيح والاخلال بالواجب بشرط كونه لطفا. وطريق حسنه العقول من حيث كان العلم باستحقاقه على فعل القبيح صارفا عنه وبالاخلال بالواجب داعيا إليه. وكونه بهذه الصفة لا يقتضي القطع باستحقاقه، لصحة قيام استحقاق الثواب بفعل الواجب واجتناب القبيح مقامه. وطريق ثبوته السمع دون العقل، وقد علم من دينه صلى الله عليه وآله ذلك ضرورة وهو على ضربين: دائم وهو مختص بالكفر، ومنقطع وهو مستحق بما دونه من جميع القبائح فعلا وإخلالا. وأيهما ثبت لم يزل عقلا ولا سمعا إلا عن تفضل مبتدء أو عند توبة أو شفاعة دون ما تدعيه ” الوعيدية ” من سقوطه بندم أو زائد ثواب عليه. والعفو المبتدء جائز من طريق العقل عن جميعه، وقد منع السمع من الابتداء به عن الكفر وعند الشفاعة، وورد بسقوطه عند التوبة، وورد مؤكدا


[ 463 ]

لسقوط عقاب ما عداه ابتداءا وعند توبة أو شفاعة. ونحن ندل على صحة ما ذهبنا إليه من هذه المسائل ونسقط شبهة المخالف. أما الدلالة على خلو العقل من دليل بالقطع على العقاب فهي أنه لا يخلو أن يكون ذلك ضروريا أو مكتسبا وليس من قبيل الضروريات لحسن الخلاف فيه، وقبحه فيما يعلم ضرورة، وليس مكتسبا لأنه قد سبرنا أدلة العقل فلم نجد فيها ما يدل على استحقاقه. إن قيل: ألسنا جميعا متفقين على أن العلم باستحقاق العقاب على فعل القبيح والاخلال بالواجب داع إلى الواجب وصارف عن القبيح، فكيف لا تكون العقول دالة على استحقاقه؟ قيل: العلم بذلك إنما يقتضي حسن استحقاقه دون ثبوته الموقوف على عدم بدل منه في الاستغلاظ (1) وقد علمنا أن استحقاق الثواب بفعل الواجب واجتناب القبيح كاف للدعاء والصرف، ولهذا اقتصر الكل من أهل العدل في الدلالة على حسن تكليف المشاق فعلا واجتنابا على استحقاق الثواب دون العقاب. ولو كان شرطا في حسنه كالثواب… حسنه على إثباته (2) والمعلوم خلاف ذلك واعتمادا به سبحانه… الفعل والاجتناب مع (3) عظيم المشقة و كونه… على رفعها بتقوية الشهوة إلى الواجب والنفور عن القبيح لا… خوف الضرر لولا ذلك لوجبت النوافل والمكاسب ظاهر الفساد، لاتفاقنا جميعا على ما وضح برهانه من القول بأن كل شئ وجب فإنما وجب لأحد


(1) في بعض النسخ: في الاصطلاح.
(2) في بعض النسخ: على الثانية.
(3) من عظيم.

[ 464 ]

أمرين: إما لما هو عليه كالصدق والانصاف، أو لكونه داعيا إليهما كالصلاة و الزكاة، واستحقاق الثواب والعقاب تابع لثبوت الوجه فيما به يستحقان، فكيف يجعل من هذه أصوله استحقاقهما أو أحدهما وجها لما به استحقا لولا الغفلة عنها أو الجهل بوجه المناقضة فيها وأي شبهة على ذي بصيرة بالتكليف [ على ذا استحقاق العقاب دون غيره لا ] (1) يفرقان ما بين ما له وجب الواجب مما استحق به، وأدنى ما في ذلك أن لا يعلم وجوب فعل الصدق والانصاف و اجتناب الظلم والكذب إلا من يعلم استحقاق العقاب للاخلال بذين وفعل هذين والمعلوم خلاف ذلك. وبعد فكان يجب عليهم أن يقتصروا في حسن التكليف على استحقاق العقاب دون غيره، إذ هو الوجه عندهم، وهم لم يفعلوا ذلك، ولو فعلوه لنقضو الأصول الثابتة بالأدلة. فأما المشاق فشرط في التكليف، وجهة تكليفها ما اتفقنا عليه وقاد إليه البرهان من التعريض للثواب من غير افتقار بنا إلى استحقاق العقاب. فأما النوافل والمكاسب فإنما لم تحب لأنه لا وجه لوجوبها، وما لا وجه لوجوبه لا يجوز الحكم بإيجابه. وتعلقه وأصحابه في ذلك أن العقاب لو لم يكن مستحقا لكان المكلف مغرى بالقبيح من حيث كان النفع بالثواب المتأخر لا يقابل داعي الشهوة البطلان…
(2) لأن علم المكلف باستحقاق الثواب بفعل الواجب… الدعاء والصرف (3) ومجز في حسن تكليفها، إذ لا… بالنفع العظيم في الفعل و مصروفا عن القبيح.. العلم بكون العاقل ملجئا برجاء النفع العظيم وفوته


(1) ما بين [ ] ليس في بعض النسخ.
(2) كذا في بعض النسخ، ولعل الصحيح: واضح البطلان.
(3) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: أدعى وأصرف.

[ 465 ]

حاصل كحصوله مع خوف الضرر. وبعد فلو كان استحقاق العقاب شرطا في حسن التكليف للمشاق، لم يصح أن يعتمد أحد منهم في حسن التكليف على مجرد التعريض للثواب، إذ كان غير كاف في وجه الحسن، وفي اتفاقهم على ذلك مع وضوح البرهان به دليل على سقوط هذه الشبهة. فأما تأخير الثواب فغير قادح في كونه داعيا وصارفا لعلمنا بكون النفع المرجو داعيا وصارفا كالحاضر، لو لا ذلك لقبح التكليف، إذ كان وجه حسنه بغير شبهة التعريض لثواب آجل. على أن التأخير لو أثر في كون الثواب داعيا وزاجرا لأثر تأخير العقاب وكان اعتباره في الزجر مع التأخير جهلا منهم. على أنه لو سلم أن الزجر بالضرر شرط في حسن التكليف لكان التجويز كافيا دون القطع، كسائر المضار المخوفة في الشاهد (1)، الزجر حاصل بها وإن كانت مجوزة غير مقطوع بها. وإذا لم يكن في العقل دليل على استحقاق العقاب سقط ما يتعلقون به فيه من الاعتبار على دوامه، إذ القول بذلك فرع لثبوت استحقاقه. وإذا خلى العقل من دليل على الأمرين وجب الرجوع فيهما إلى السمع، وقد علم كل مخالط من دينه صلى الله عليه وآله استحقاق العقاب بكل قبيح واتفقت الأمة… انقطاع عقاب ما عداه إلى زمان حدوث…
(2) الحادث بعد انقراض العصر بالاجماع لا…
(3) العقاب السمع إلا قال بانقطاع عقاب لاقتضى اجتماع دائم


(1) كذا.
(2) هنا بياض في بعض النسخ.
(3) هنا بياض في بعض النسخ.

[ 466 ]

ثواب المعارف ودائم عقاب القبيح أو منع الثواب أو انحطاط (1) أحدهما بالآخر. واجتماعهما ومنع الثواب فاسد بإجماع، والتحابط باطل على ما نبينه، ولأن طريق استحقاق العقاب السمع على ما وضحت حجته، وليس في السمع ما يقتضي دوام عقاب ما ليس بكفر، وسنورد ما يتعلقون به من السمع ونبين فساد متعلقهم منه. وقلنا: إن المستحق لا يسقط بندم ولا زائد ثواب، لانفصال أحد الأمرين من الآخر وعدم التنافي بينهما، إذ لا تنافي بين عقاب المعصية والندم عليها، لكون العقاب معدوما في حال وجود الندم والموجود لا ينافي المعدوم (2)، وإن كان التنافي بين ثواب الندم وعقاب المعصية فأبعد، لكونهما معا معدومين واستحالة التنافي بين المعدومات. بهذا يبطل قولهم إن إسقاط الزائد من الثواب أو العقاب لما نقص عنه من الآخر. ولأن (3) الثواب من جنس العقاب وليس بضد له في الجنس فلا يصح بينهما تناف. وبهذا الاعتبار يعلم فساد القول بسقوط ثواب الطاعة بالندم عليها أو زائد عقاب. وقد استوفينا الكلام في التحابط في كتاب ” التقريب ” وبينا فساد ما يتعلقون به من الشبهة، (4) وفيما ذكرناه هاهنا بلغة.


(1) كذا.
(2) في بعض النسخ: للمعدوم.
(3) في بعض النسخ: ” لأن ” بدون الواو.
(4) في بعض النسخ: الشبه.

[ 467 ]

وقلنا: أن التوبة وجه لسقوط العقاب عندها لإجماع الأمة على ذلك. وقلنا: إن العقاب يسقط عندها تفضلا منه تعالى لأنه توبة ولأنها لو أسقطت عقاب ما هي توبة منه… الاحباط وقد أفسدناه، ولأنها لو أسقطت العقاب على جهة… فيمن تاب من الكفر أن لا يضره عقاب شئ من المعاصي… من حيث تزايد عقابه على عذاب ما عداه من العصيان، فينبغي أن يكون ما زاد ثوابه من التوبة على عقابه أعظم من عقاب كل معصية دونه، فيلزم على ذلك أن يمنع ثواب التوبة من الكفر من ثبوت عقاب ما دونه، وذلك ينقض جملة ما يذهبون إليه في الوعيد، وقد استوفينا الكلام في التوبة وما يتعلق بها بحيث ذكرناه من الكتاب. وقلنا: إن العفو ابتداءا جائز من طريق العقل وأن العقاب يسقط به لحصول العلم الضروري بكونه إحسانا كالابتداء بالنفع وأنه حق مستحق إليه قبضه واستيفاؤه، فيجب أن يسقط بإسقاطه كالدين، ولا نزاع فيما ذكرناه بين العقلاء، وإنما يدعى ” البغداديون ” من المعتزلة أن هناك وجه قبح من كون ذلك إغراءا، ولأن الزجر من فعل القبيح والاخلال بالواجب مع تجويزه غير واقع موقعه. وتلك دعوى ظاهرة الفساد لما بيناه ودللنا عليه أولا من حسن التكليف من دون ثبوت العقاب فضلا عن تجويز زواله بعد ثبوته، ولعلمنا ضرورة أن تجويز الضرر كاف في الزجر، ولو لا ذلك لم يكن في الشاهد أحد مزجورا لضرر لا يعلمه أو يعلمه ولا يقطع على نزوله به والمعلوم حصول الالجاء (1) في أكثر المواضع مع التجويز فضلا عن الزجر. وبعد فيلزم على قول هذا قبح قبول التوبة لحصول أعظم المزية لها على العفو للقطع على سقوط… وارتفاع ذلك في العفو فإن كان تجويز العفو يقتضي… فأما


(1) في بعض النسخ: حصول الحياء وهو تصحيف.

[ 468 ]

غاية الزجر فإن أرادوا به ما يقتضيه… مع التجويز كالقطع وإن أرادوا كل ممكن لزم عليه… حتى يعلم المكلف أنه لا طريق إلى الخلاص من عقاب عصيانه فهو زجر بغير شبهة وحتى يكون العقاب عاجلا أو عقيب انقطاع التكليف، والمعلوم فساد ذلك، وأن السمع ورد مؤكدا لجواز العفو عن الفساق لعلمنا بتمدحه سبحانه في غير موضع من كتابه بالعفو والغفران والرحمة المعلوم تخصصه بإسقاط المستحق من العقاب، وفساد توجه ذلك إلى الكفار وإلى ذوي الصغائر والتائبين، لوجوب سقوط عقاب القبيلتين وقبح التمدح بالواجب، ولأن سقوط عقاب الصغيرة عندهم مؤثر عن زائد الثواب عليها، وسقوط العقاب بالتوبة مؤثر بها دون فعله تعالى، ودلالة صريح الظاهر يقتضي إضافة الغفران إليه تعالى وذلك يحيل تناوله لذوي الصغائر والتائبين بغير إشكال. ومن ذلك قوله تعالى: ” وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ” (1) وهذا نص صريح بتمدحه بغفران ذنب الظالم في حال ظلمه. وقوله تعالى: ” وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ” (2). وقوله تعالى: ” ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم ” (3) وهذا خطاب لا يجوز توجهه إلى الكفار ولا إلى من لا ذنب له من المؤمنين، لقبح التمدح بالغفران عن الفريقين، فلم يبق إلا توجهه إلى من جمع بين طاعته ومعصيته. وبهذا يسقط حملهم الآيات على ذوي الصغائر والتائبين، لأن أولئك لا ذنب لهم يغفر، ولما قدمناه من إضافتهم سقوط عقاب الصغائر بثواب الكبائر من الطاعات


(1) سورة الرعد، الآية: 6.
(2) سورة التوبة، الآية: 106.
(3) سورة الاسراء، الآية: 54.

[ 469 ]

وعقاب معاصي التوبة (1) بها دونه سبحانه وكون الآيات… الغفران إليه سبحانه. وقلنا: إن الشفاعة وجه…
(2) عندها لإجماع الأمة على ثبوتها له صلى الله عليه وآله ومضى…
(3) إلى زمان حدوث ” المعتزلة ” على الفتيا بتخصيصها بإسقاط العقاب فيجب الحك بكونها حقيقة في ذلك لانعقاد الإجماع في الأزمان السابقة لحدوث هذه الفرقة. ويدل على ذلك ما نقله محدثو الشيعة وأصحاب الحديث ولم ينازع في صحته أحد من العلماء من قوله صلى الله عليه وآله: ” ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ” (4) وقوله صلى الله عليه وآله: ” لي اللواء الممدود (كذا) والحوض المورود والمقام المحمود وأني اسجد أمام العرش لا أرفع رأسي وفي النار أحد من أمتي “. وهذان الحديثان صريحان بتخصيص الشفاعة بإسقاط العقاب، ولا قدح بما يتأولون به الحديث الأول من حمله على التائبين من الكبائر، لأنه رجوع عن الظاهر بغير دلالة، ووصف التائبين من الكبائر بكونهم أهل كبائر، والاجماع بخلاف ذلك، ولاجماع آل محمد صلى الله عليه وآله على ذلك وإجماعهم حجة. وقد تعلقوا في تخصيص الشفاعة بزيادة المنافع لأهل الجنة بآيات لا دلالة لها على موضع الخلاف:


(1) كذا.
(2) هنا بياض في بعض النسخ.
(3) هنا بياض في بعض النسخ.
(3) رواه الشيخ في التبيان 1 / 213 مرسلا، وقال الطبرسي في مجمع البيان 104 / 1 تلقته الأمة بالقبول.

[ 470 ]

منها قوله تعالى: ” ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ” (1) قالوا: وهذا يدل على تخصيص الشفاعة بالمرتضين. وقوله تعالى: ” وما للظالمين من أنصار ” (2) فنفى أن يكون للظالم ناصر. وقوله تعالى: ” فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ” (3). وقوله تعالى: ” ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ” (4). والجواب عن ذلك من وجوه: أولها أن تكون محمولة على الكفار بدلالة إجماعنا على حصول الشفاعة لأهل… بتخصيصها بزيادة المنافع ولما قدمناه من… في مرتكبي الكبائر ولأنه لا دلالة في شئ منها… فيها متعلق بمن لا يرتضي ولا يتم لهم ما يرمونه إلا بتقدير ليس… من قولهم ارتضى أفعاله وليسوا بذلك بأولى منا إذا قدرنا لمن ارتضى أن يشفع له، على أنا لو حملناها على ما قالوه لم يمنع من مقصودنا لها لأنها لا نجيز (5) الشفاعة إلا لمن (6) ارتضى إيمانه وطاعاته دون من لم يرتض شيئا من أفعاله إذ ذاك هو الكافر. وأما الآية الثانية فمتعلقة بنفي النصرة دون الشفاعة، وهما مختلفان، لأن الشفاعة سؤال وطلب إلى المشفوع إليه، والنصرة مدافعة عن المنصور، ولا شبهة في أنه لا ناصر للظالمين منه تعالى ولا مدافع عنهم. وأما الآية الثالثة فصريح في الكفار لأنه تعالى قال: ” فما لنا من شافعين


(1) سورة الأنبياء، الآية: 28.
(2) سورة البقرة، الآية: 270.
(3) سورة الشعراء، الآية: 101.
(4) سورة الغافر، الآية: 18.
(5) نخير. خ.
(6) فيمن. خ.

[ 471 ]

ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ” (1) فأخبر أن المذكورين غير مؤمنين إذ لو كانوا مؤمنين لم يتمنوا الرجعة ليؤمنوا ومن لا إيمان له لا يكون إلا كافرا لا تصح الشفاعة فيه وسنبين أن الإيمان قد يثبت مع ارتكاب الكبائر. وأما الآية الرابعة فمختصة بنفي شفيع يطاع ولسنا نقول أن الشفيع يطاع، وإنما يطاع الأمر وليس بمأمور تعالى، والشافع سائل وقبول شفاعته إجابة وإنما كان (كذا) يكون في الآية حجة لو تضمنت: ” ولا شفيع يجاب “. ولا يمنع من تجويز العفو عن فساق المسلمين وسقوط عقاب المعفو عنه ما يتعلقون به من الآيات: كقوله تعالى: ” ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ” (2). وقوله سبحانه: ” والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا ” (3). [ وقوله تعالى: ” من يقتل ] مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ” (4) ونظائر ذلك. قالوا: وهذه الآيات عامة في كل عاص وقاتل وزان وقد تضمنت.
(5) الوعيد للمذكورين فيها بالخلود، لأن التعلق بها في موضع الخلاف مبني على


(1) سورة الشعراء، الآية: 1 10 – 102 (2) سورة النساء، الآية: 14.
(3) سورة الفرقان، الآية: 68 – 69.
(4) سورة النساء، الآية: 93.
(5) هنا بياض في بعض النسخ.

[ 472 ]

العموم وليس بصحيح على ما ذكرناه في غير موضع وذكره غيرنا. وأيضا فإن ورودها عامة عندهم لم يمنع من خروج التائب وذي الصغيرة منها، لتقدم العلم بسقوط عقابهما، فكذلك لا يمنع من خروج المعفو عنه لتقدم العلم بجواز العفو وسقوط العقاب بتركهما لعدم الفرق بين الجميع. وأيضا فعمومهما (كذا) معارض بعمومين: أحدهما آيات العفو التي ذكرناها وما لم نذكره، الثاني عموم آيات الوعيد للمطيعين، والعمومان إذا تعارضا وقف العمل بهما أو خص أحدهما بالآخر، والوجه الأول لا يمكن في خطابه تعالى، فلا بد من تخصيص أحدهما بالآخر، وعموم آيات العفو لا يحتمل غير ما ذكرناه ولا يجوز تخصيصها بمن ذكروه، فإنه [ مخالف ] لظواهرها فلم يبق إلا حمل ما ذكروه من الآيات على الكفار إن كان وعيدها دائما، أو إنها عامة في كل عاص ووعيدها منقطع، ويكون لفظ الخلود والتأبيد فيها مفيدا لطول المكث على ما يعهده المخاطبون لها من معاني لفظ الخلود والتأبيد. وكذلك القول في معارضة عموم آيات الوعيد لها مع فساد التحابط وقبح المنع من الثواب وفساد اجتماع الثواب والعقاب الدائمين في اقتضائه توجه وعيدها إن كان… بانقطاعه إن كان عاما من حيث كان القول بدوامه… لكل مؤمن أو مطيع أو مضل أو مزل أو تائب… بدوام كلها فاسد إما اجتماع الثواب الدائم والعقاب الدائم… أو منعه سبحانه من الثواب وهو ظلم لا يجوز عليه سبحانه أو إحباط أحد المستحقين للآخر وقد بينا فساده وقد بلغنا من استيفاء (1) الكلام على متعلقهم في الآيات في الكتاب المذكور أبعد غاية لم ينته إليها غيرنا وفيما ذكرناه هاهنا مقنع. وقدمنا الكلام في أسماء فاعلي الحسن والقبح وأحكامهم عاجلا وآجلا بحيث


(1) استقصاء.

[ 473 ]

يجب ذكره من أبواب العبادات فلا وجه لإيراده هاهنا. وإذا كانت الأمة متفقة على دوام ثواب الإيمان وعقاب الكفر وأنهما لا يجتمعان لمكلف وقبح منع الثواب وإسقاط عقاب الكفر وفسد التحابط، فلا بد من القول بأن من ثبت إيمانه عند الله تعالى لا يكفر فيما بعد، لما يؤدي إليه ذلك من اجتماع ثواب دائم وعقاب دائم أو المنع من الثواب أو إسقاط عقاب الكفر أو إحباط أحدهما الآخر مع فساد ذلك أجمع. ولا يعترض هذا ظهور الكفر ممن كان مظهرا للايمان، ولا ما تضمنه القرآن من الإخبار بالكفر بعد الإيمان في قوله تعالى: ” إن الذين آمنوا ثم كفروا ” (1) وأمثال ذلك، لأن الثواب إنما يستحق بالايمان عنده تعالى دون الظاهر، ولا مظهر له إلا ويجوز خلافه، وليست هذه حال الكفر لأنه لا باطن له ولا شك في ثبوته لمظهر شعاره بإجماع… على الإيمان الصحيح اقتضى ذلك (2) حملها على من كان مظهرا للايمان أو معتقدا له على الوجه المتعبد به (3). فصل القطع على استحقاق المصدق بجملة المعارف الموصوف لذلك بالايمان حسب ما دل الدليل عليه وذكرناه العقاب الدائم والمنع من سقوطه تفضلا فرع لكون عقاب ما ليس بكفر من المعاصي دائما لا يجوز سقوطه بعفو ولا شفاعة وأن هناك كبير يزيد عقابه على ثواب الإيمان وما يقاربه من الطاعات وأن زيادته عليه تقتضي سقوطه، لأن انقطاع عقاب ما ليس بكفر، أو جواز


(1) سورة النساء، الآية: 137.
(2) العبارة ناقصة ظاهرا.
(3) في بعض النسخ: المعتد به.

[ 474 ]

إسقاطه تفضلا بعد ثبوته، أو فقد العلم بتزايده على ثواب الإيمان وما يضاهيه من الطاعات، أو فساد إحباط هذا الثواب بالزائد عليه، يمنع كل واحد من ذلك من القول بوعيد الفساق من المسلمين على ما يذهبون إليه فيه. فأما فساد القول بدوامه فقد سلف برهانه وسقوط دعوى ثبوته عقلا وسمعا. وأما سقوطه بالعفو فقد بينا جوازه عقلا وثبوته سمعا. وأما طريق العلم بتزايد العقاب على ثواب الإيمان فمتعذر عقلا وسمعا حسب ما بيناه في الكتاب المذكور. وأما إحباط العقاب لثواب الإيمان فقد تقدم فساد دعوى صحته واستوفينا الكلام… واجتنب سائر الكبائر المعينة وأخل بما عدا ذلك من جميع الواجبات وارتكب سائر القبائح العقلية والسمعية بم تسمعون وتحكمون عليه؟ فإن قالوا: نسميه فاسقا ونحكم عليه بعقاب الفساق من الخلود في النار قيل لهم: وأي يدلكم (1) مع قولكم بأن إطلاق هذا الاسم وإثبات حكمه مختص بذوي الكبائر وهذا قد اجتنبها، وكيف يصح وصفه بالفسق والحكم عليه بما يقتضيه مع تجويز ثبوت إيمانه واجتنابه الكبائر وثبوت ثوابهما وسقوط عقاب جميع ما أتاه من القبح في جنب هذا الثواب. وبعد فكلكم يذهب إلى أن اجتناب الكبائر مقتض لتكفير ما عداها ويعتمد في ذلك على قوله تعالى: ” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ” (2) فكيف يتم لكم مع هذا المذهب وصف مجتنبها بالفسق والحكم عليه بحكمه؟ فإن قالوا: تكفير السيئات وثبوت ثواب الإيمان مشترط باجتناب سائر


(1) كذا.
(2) سورة النساء، الآية: 31.

[ 475 ]

الكبائر، وهذا قد أتى ببعضها وإن لم يتميز لنا كتميز معاصي الحدود فلذلك سميناه فاسقا وحكمنا عليه بحكم الفساق. قيل لهم: ومن أين لكم أن في جملة ما أتاه كبير، مع تجويزكم أن تكون جملته صغائر مكفرة بثواب… ذلك انتقالا عن المعلوم بالظن وذلك معلوم الفساد وهم لا يذهبون فكفونا مؤنة الاحتجاج له وإن كنا قد أوضحناه فتعذر عليهم وصفه بالفسق والحكم عليه بموجبه. وبعد فإذا كان القديم تعالى قد نص عندهم على أن اجتناب الكبائر يكفر ما عداها من السيئات ودانوا به عقلا ودل عندهم الدليل بزعمهم على أن فعلها أو واحدة منها يسقط ثواب الإيمان وسائر الطاعات الماضية والمستقبلة ويقتضي بعد ذلك تعذيب العاصي عذابا دائما لا آخر له، وجب في عدله تعالى تعيينها كمعاصي الحدود ليجتنبها المكلف فيحوز بذلك ثواب طاعاته المقصود بالتكليف ويسقط عذاب معاصيه الخارجة عنها لأنه قد كلف اجتنابها ودل في الجملة على عظيم عقابها وكونها مانعا من ثبوت ثواب شئ من طاعاته، إذ من القبيح أن يكلف ما له هذه الصفة مع تعذر العلم به. ألا ترى أن التوبة لما كانت عندهم مسقطة للعقاب كلفها ودل عليها بصفتها وشروطها، فما له وجب تعيين التوبة قائم في كبائر الطاعات والمعاصي، وما له قبح التكليف للتوبة من دون العلم بها له يقبح تكليف الكبائر من دون العلم. وإذا وجبت هذه القضية وكانوا لا يعينون كبيرا إلا ما أوجب حدا وجب القطع على أنها كسائر الآثام حسب… لا يوصف فاعلها بالفسق ولا يحكم.. عليه… أو فساد ما يذهبون إليه… مسقطا للعقاب وهم… القطع على أن ما عدا… فاسقا والحكم عليه… لكان المكلف مغري بما عداها من القبائح والاغراء قبيح لا يجوز في حكمته.


[ 476 ]

قيل: لا شبهة في أن تعيينها مع ثبوت التحابط يقتضي الاغراء بما عداها، وكذلك تكليف اجتنابها مع ما هي عليه من الصفة مع تعذر العلم بها قبيح أيضا، فلم يبق بعد هذا إلا القول بنفي كبائر على ما يقولونه لما يؤدي إليه من الفساد. وإن قالوا: نسميه مسلما ومؤمنا ونحكم بالثواب الدائم. قيل لهم: وكيف لكم بذلك، وقد أتى بمعاصي تجيزون أن يكون معظمها كبائر تمنع من وصفه بالايمان وحكمه ويقتضي خلوده في النار مع ما تضمن التنزيل من وعيدها كمعاصي الحدود، كأكل مال اليتيم والفرار من الزحف والحكم بغير ما أنزل الله سبحانه والظلم والهمز واللمز والاخلال ببعض الفرائض ومن أي جهة أمنتم عذابه؟ وعلى أي وجه وصفتموه بالايمان وحكمتم له بثوابه مع تجويز كونه فاسقا لدائم العقاب وورود النص من الله تعالى بذمه وعقابه مع قولكم باستحالة اجتماع الاسمين وما يستحق بهما مع مدح ذم، وثواب عقاب؟. وإن قالوا: نسميه مسلما بشرط أن لا تكون فيما أتاه كبيرة. قيل لهم: هذا أولا مخالف لأصولكم لأن… على الإطلاق ومستحقا للثواب حسب اوقا… كافرا يزيد عقابه على عقابه… عن مذهبكم ودخول… يخلو أن يكون التعظيم… مؤمن على الإطلاق وقد بينا ما يلزمهم على القول بإيمانه… فهو فاسق على الإطلاق وقد بينا ما يلزمهم على القول بفسقه، وسقوط فرض المدح والذم مع ثبوت تكليفه لا يجوز بإجماع، فلم يبق إلا القول باستحقاقه سمة الإيمان بتصديقه وطاعاته واجتناب كبائر المعاصي والثواب على ذلك، ووصفه بالفسق مقيدا بما فعله من القبائح واستحقاقه العقاب المنقطع المرجو سقوطه بعفو مبتدء أو شفاعة، وسقط لذلك ما يذهبون إليه من القول بكبير مسقط وصغير ساقط وما تفرع على ذلك من التحابط والوعيد.


[ 477 ]

وبعد فإذا كان وعيد من ثبت إيمانه على القبيح وسلبه سمة الإيمان وحكمه فرعا لثبوت كبائر معينة يزيد عقابها على ثوابه وكانوا يجيزون فيما عدا معاصي الحدود كونه صغيرا وكنا ومن سبقنا من السلف رضي الله عنهم قد بينا في كتابنا وغيره وبينوا أن ثبوت الحد على المعصية لا يقتضي تزايد عقابها على ثواب الإيمان لتجويز كون الحد امتحانا أو قسطا من عقابه أو جميعه مع ثبوت ثوابه، تعذر طريق العلم باثبات شئ من المعاصي كبيرا، واقتضى ذلك فساد ما يذهبون إليه من التحابط المتفرع عليه، وسقط مذهبهم في الوعيد وأسماء العصاة إليه… إلزام آخر يقال لهم: إذا كنتم… بوعيدها وحكم على فاعلها… على معاصي الحدود دون سائرها… الفسق ونفي العدالة بفعلها… والقذف لأنه تعالى قد نص على عقاب أكل مال اليتيم والفرار من الزحف والحكم بغير ما أنزل الله تعالى وفعل الربا وسائر المحرمات وترك الصلاة والحج ومنع الزكاة وسائر الفرائض، وأجمع المسلمون به وطابق إجماعها قوله تعالى: ” ومن يعمل سوء يجز به ” (1) فعم بالجزاء كل شئ، وقوله تعالى: ” ومن يعص الله ورسوله… الآية ” (2) فعم كل عاص بالوعيد، وقوله تعالى: ” ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ” (3) وهذا متناول لقليل الظلم وكثيره، وأمثال ذلك من وعيد القرآن الوارد مورد معاصي الحدود. وأجمع المسلمون على تفسيق من وقع منه بعض القبائح وذمه ونفي عدالته ورد شهادته وكراهية مناكحته وإبطال عقد النكاح عند كثير منهم، ومنع آخرون الصلاة خلفه كاجماعهم


(1) سورة النساء، الآية 123.
(2) سورة الجن، الآية 23.
(3) سورة الفرقان، الآية 19.

[ 478 ]

على وصف الزاني والسارق والقاذف بذلك، وأجروا الأحكام عليه، فإن صاروا إلى مقتضى الحجة من هذا الالزام سقط ما يذهبون إليه من كبير وصغير، وفسد لذلك ما يتفرع عليه من التحابط ويبنى عليه من الوعيد، ودخلوا في مذهبنا المحكوم فيه باستحقاق العقاب بكل معصية وثبوت ذلك إلا أن يتفضل مالكه بإسقاطه ابتداءا أو عند توبة أو شفاعة، لأن كل من قال بأحد الأمرين قال بالآخر، وإن امتنعوا من ذلك نقضوا ما يذهبون إليه من أن القطع بوعيد المعصية وثبوت سمة الفسق بها… فإن قالوا: لم تنازع في استحقاق العقاب بكل معصية… الكبائر وإن لم يتعين لنا منها… جهة الاستحقاق دلالة على انتفاء ما يقابله… اجتماعها فأما ما عداها فوعيدها مشترط بأن يكون… تفرقتكم بين الأمرين مع تناول الوعيد لهما على وجه واحد وثبوت سمة الفسق وأحكامه بكل منهما وتعلق الذم واللعن عليه لأن قوله تعالى: ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” (1) وقوله: ” ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ” (2) ” ومن يعص الله ورسوله… الآية ” (3) ومن يعمل سوءا يجز به الآية (4) ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا… الآية ” (5) ” والذين يكنزون الذهب والفضة… الآية ” (6) وأمثال ذلك من الوعيد


(1) سورة النساء، الآية 10.
(2) سورة الفرقان، الآية 19.
(3) سورة النساء، الآية 14.
(4) سورة النساء، الآية 123.
(5) سورة البقرة، الآية 278.
(6) سورة التوبة، الآية 34.

[ 479 ]

القاطع لكل فاعل قبيحا أو مخل بواجب مساو لقوله تعالى: ” ومن يقتل مؤمنا ” (1) ” والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ” (2) ” والذين يرمون المحصنات ” (3) ” والسارق والسارقة ” (4).. الآيات فإن جاز لهم أن يشترطوا عند أحد الظاهرين جاز لنا اشتراط الآخر وتخصيصه بالمستحيل (كذا) من حيث كان تقييد بعض دون بعض اقتراحا. فأما اقتران الحدود بالاستخفاف ومنافاته للتعظيم فقد استوفينا الكلام عليه في كتاب ” التقريب ” ونبهنا فيما سلف على ذلك، وإن الحد امتحان مساو للتنكيل، (للتكبيل خ) وأن وقوعه عقوبة لا يمنع من ثبوت الثواب لكونه بعض المستحق أو جملته، وأن اجتماع المدح والذم والثواب معلوم حسنه بشرط اختلاف الفعلين فبطل بذلك معتمدهم من الحدود على… قبيحا أو أخل بفرض بالفسق وإجراء احكامه… مع قولهم أن ثبوت سمة الفسق علم… مساواة ذلك لمعاصي الحدود في الكبير… معاصي الحدود وليس لهم أن يقولوا… كافة أهل الوعيد لأن المعلوم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله وكافة المسلمين تسمية من ترك الصلاة ومنع الزكاة أو أفطر من الصوم مختارا أو قعد عن الجهاد المتعين عليه أوفر من زحف يجب عليه فيه الثبوت أو أكل مال اليتيم أو عامل بربا أو أكل ميتة أو لحم خنزير إلى غير ذلك من القبائح بالفسق ونفي العدالة ورد الشهادة إلى غير ذلك من أحكامه كحصول العلم من دينه صلى الله عليه وآله ودينهم


(1) سورة النساء، الآية 93.
(2) سورة الفرقان، الآية 68.
(3) سورة النور، الآية 4 و 23.
(4) سورة المائدة، الآية 38.

[ 480 ]

بوصف الزاني والقاذف بالفسق والحكم عليهما بأحكامه وأي مسلم يتحاسر (1) وعيدي أو مرجئ تقدم وجوده أو تأخر يحكم بعدالة من اجتنب معاصي الحدود وأتى ما عداها من القبائح؟ وكل من الفريقين قد نص على ذلك في كتبه وصرح به في فتياه وعم العلم بتدين كافة المسلمين به من زمنه وصحابته وإلى الآن، فمنع ذلك من دعوى خلاف يعتد به. وإنما ذهبت ” الوعيدية ” إلى اتفاق (كذا) سمة الفسق على مرتكب ما علموه كبيرا في كتب الكلام حسب ما اقتضته فيها أصولهم الفاسدة في الوعيد اطراحا لما عم العلم به من دين المسلمين عنادا للحق أو سهوا عنه مع بعده أو قلة تأمل. وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن نجدهم أجمع يحكمون برد شهادة من علموه مرتكبا لبعض المعاصي وقد نصوا على ذلك في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وتجاوزوه إلى تفسيق من أخطأ فيما طريقته الاجتهاد من الولاية والعداوة في الدين… في الوعيد حين ذكروا أحكام العدالة في أصول الفقه… من ذلك فيها مع مطابقة المعلوم من دين الأمة من اتفاق… معاصي الحدود خاصة وليس لهم أن يقولوا إنما لم يحكم بعد… لتجويزنا أن يكون ما أتاه كبيرا ” لأن ذلك يوجب عليهم كما… بالعدالة لتجويزهم كون ما أتاه كبيرا لا يصفوه بالفسق لتجويزهم كونه صغيرا ” ويقفوا فيه والاجماع بخلاف ذلك وهم داخلون فيه ومذهبهم ينافيه لأنهم لا يقفون في مكلف بل يقطعون بكفره أو فسقه أو إيمانه ويبدعون (كذا) من شك أو قطع باجتماع الإيمان و الفسق. وليس لهم أن يقولوا إن العدالة حكم شرعي منعت الشريعة من ثبوته


(1) كذا في أقدم نسخنا، وفي بعض النسخ: يتحانب.

[ 481 ]

مع بعض القبائح وإن كان صغيرا، لأن أول ما في ذلك أنه ترك المعلوم من مذهبهم في أن الصغائر لا يقدح في العدالة، فكيف نسوا ذلك هاهنا؟ للغفلة أم عنادا أم رغبة عنه، والغفلة والعناد لا يليقان بالمحققين من العلماء لا سيما منتحلي الحذق والتحقيق والتدقيق، والرغبة عنه توجب عليهم نفي عدالة الأنبياء والأئمة وإجماع الأمة، لاتفاقهم على صحة الصغائر منهم ووقوعها من أكثرهم، وذلك ضلال، فلم يبق إلا تمسكهم بأن الصغائر لا يقدح في العدالة فتسقط الشبهة، ويلزمهم الحكم بكبر كل معصية منعت من العدالة، فإذا كانت الأمة وهم من جملتهم ينفون عدالة من أثر بعض القبائح فعلا وإخلالا كحكمهم ذلك في معاصي الحدود وجب عليهم أن يحكموا بكبر الجميع. وبعد فليس بين التعديل والتفسيق… إما أن يثبت الفسق فتنتفي العدالة ويتبعها رد… أو يجهل ما يقتضي أحد الأمرين فيتوقف على البيان… من دين الأمة ووجدناها ترد شهادة من علمته مرتكبا… كفعلها مثل ذلك في الزاني و القاذف دل ذلك على… وكون ما أتاه كبيرا لاتفاقنا جميعا على أن طريق إثبات أسماء أهل الطاعة أو المعصية السمع دون العقل والاجماع آكد دلالة السمع غير إشكال. إن قيل: فإذا كان الوعيد ثابتا بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد وكيف يتم لكم ما تذهبون إليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟ قيل: ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة، لأنا نقول بموجبه، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار، وثبوته منقطعا يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه لا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن، من حيث كان الإجماع حاصلا باستحقاق العقاب وسمة الفسق في العاجل دون دوامه وفعله في الأجل، وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر وفعله في الآخرة.


[ 482 ]

فأما آيات الخلود والتأبيد فقد بينا فيما سلف واستوفيناه في الكتاب المذكور أنه ليس في لغة العرب لفظ يفيد ما لا آخر له، فلا يجوز حمل خطابه تعالى على ما لا يعرفه المخاطبون، وقلنا: إن لفظة الخلود مختصة بالسكون و الطمأنينة فمن قوله تعالى: ” أخلد إلى الأرض ” (1) أي سكن إليها واطمأن، و قولهم: قد أخلد فلان إلى كذا إذا سكن إليه واطمأن، وأن لفظ التأبيد عبارة عما يعهده المخاطبون… حسب من قولهم لا أكلمك أبدا ولا أقاتل أبدا لا يخطر له ببال مما (2) لا آخر له وبينا أنا إنما علمنا أن… الكفار لا آخر لهما من قصده… العقاب دائما أو منقطعا على كل معصيته أو منقسما… برهانه لا يمنع مما نذهب إليه من جواز سقوطه عن عصاة الملة لعفو مبتدء أو عند شفاعة كما لم يمنع كونه دائما عند جميعهم من جواز سقوطه عند أكثرهم عقلا وعند كافتهم بتوبة أو زائد ثواب. وفي هذا القدر من الكلام في أحكام المستحق كفاية ومريد الغاية منه يجده في كتاب ” التقريب “.


(1) سورة الأعراف، الآية 176.
(2) ما. ظ.

[ 483 ]

الحال التي يثبت فيها المستحق والتي يفعل فيها


[ 485 ]

فصل في بيان الحال التي يثبت فيها المستحق والتي يفعل فيها إذا كان الغرض بالتكليف التعريض للثواب واقتضت المصلحة ما ورد السمع به من الزجر بالعقاب، وجب الحكم بثبوت استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية لوقوع كل منهما على الوجه المقتضي للاستحقاق، فلو لم يكونا مستحقين عقبيهما لم يثبت استحقاقهما، لأنه لا حال بثبوته أولى من حال، والحكمة تقتضي تأخيرهما عن زمان التكليف وحال انقطاعه زمانا غير معلوم، لأنهما لو أوصلا إلى مستحقهما… لاقتضى ذلك الالجاء إلى فعل الواجب واجتناب القبيح وذلك مناف… شاق تنغمر مشقته في جنبه، وإلى ضرر عظيم متى أخل به تنغمر في جنبه راحة تركه… تنفع على الاجتناب والضرر على الفعل هو ملجأ… والحال المفعول فيها الثواب والعقاب غير معلومة.. وقد نص عليها سبحانه في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وعين المستحقين وكيفيتهما ومحل إيصالهما فوجب القطع به. وتأخيرهما إلى تلك الحال وهو يوم البعث، للمانع الذي ذكرناه، لا يمنع من استحقاقهما عقيب الطاعة والمعصية، لأنه قد يعرض في الحقوق ما يقتضي تأخيرها إذا علم أو ظن أن في تعجيلها فسادا، فإذا أوصل المثاب إلى مستحقه فرقت عليه في أوقات الاثابة ما فاته من الأقساط المستحقة في الأزمنة الماضية


[ 486 ]

إلى حين وصل إليه، من حيث كان منع ذلك ظلما لا يجوز عليه تعالى. وكذلك القول في عقاب الكفار وما لا يتفضل سبحانه بإسقاط من ماضي عقاب الفساق، لقيام الدلالة على قبح العفو عن الكفار وحسنه فيمن عداهم، وذلك يقتضي انقطاع تكليف كل عاقل، لأنه إن لم ينقطع تكليفه مع ما ثبت قبحه من إيصاله إلى مستحقه عقيب فعله اقتضى ذلك انتقاض الغرض المجرى بالتكليف إليه، وقد كان جائزا من جهة العقل استمرار إيجاد جميع الخلق حالا بعد حال إلى ما لا نهاية له وتكليفهم أبدا، وإيصاله جميع من انقطع تكليفه منهم إلى مستحقه، لكن السمع ورد بانقطاع تكليف البشر وإماتتهم أجمع وقطع إيجاد أمثالهم… بعد الموت للاثابة والمعاقبة والتعويض والتفضل، فقطعنا بذلك وارد (كذا). وبقينا في الجن والملائكة على ما كنا عليه من جواز إيجادهم وتكليفهم حالا فحالا لفقد دليل فيهم بمثل ما علمناه في البشر والدلالة.. بمقدوره سبحانه العالم في كل ما يصح تعلق القدرة به والجواهر.. الأعراض الباقية في مقدوراته تعالى وقد أحدثها تعالى ابتداءا.. بكونه سبحانه قادرا على إعادتها بعد الفناء ثانية إذ كانت… للثانية فما له وجب تعلق الأولة به تعالى له يصح تعلق الثانية، والدلالة على ذلك حصول العلم بفناء العالم بقوله تعالى: ” هو الأول والآخر ” (1) وإنما كان أولا لكونه تعالى سابقا للموجودات، فكذلك إنما يكون آخرا ببقائه بعدها. وقوله تعالى: ” كل من عليها فان ويبقى… ” (2). والدلالة على وجوب إعادة الخلق بعد فنائه حصول العلم بذلك من دينه صلى الله عليه وآله


(1) سورة الحديد، الآية 3.
(2) سورة الرحمن، الآية 27.

[ 487 ]

وتضمن القرآن له. والواجب من جهة العقل إعادة من له مستحق لم يصل إليه في دار التكليف من أهل الثواب، ومن لم يستوف عوض إيلامه به سبحانه أو بغيره، لما تقتضيه حكمته سبحانه من ذلك، وما في منعه من وجوه القبح التي لا تجوز عليه تعالى. فأما المعاقب والمتفضل عليه فإعادتهما غير واجبة لحسن العفو عن المعاقب أو إيقاف معاقبته أبدا وانتفاء وجوه القبح عن منع التفضل. وإنما علمنا وجوب إعادة الجميع بالسمع المعلوم من دينه صلى الله عليه وآله. والواجب إعادته من جملة الحي عقلا ما به يكون حيا من البنية وهي التي إذا انتقضت خرج عن كونه حيا، دون أعضائه وسمته وما ليس من جملته… حيا من دون ذلك أجمع. وإنما قلنا إن الله يعيد الأحياء على… الكاملة لحصول الإجماع بذلك. وقد أجمعت الأمة على إعادة الحي بعد الموت في القبر والمسائلة والتنعيم أو التعذيب. وأجمعت الفرقة المحقة على إعادة من محض الكفر أو الإيمان من أمتنا في دولة المهدي عليه السلام. وكل واحد… من جهة العقل لتعلقه بمقدوره سبحانه وطريق القطع… المذكور. وليس لأحد أن يقول: كيف يصح إحياء الميت في القبر مع… لأن محييه سبحانه قادر على توسيعه لبشارة المؤمن وتعذيب الكافر ولأن أجسام متولي التعذيب شفافة لا تفتقر إلى كثير سعة.


[ 488 ]

إن قيل: فقد كان ينبغي أن يسمع كلام الملائكة والمحى (1) لأن حصول ذلك بحيث يكون بقر القبر سامع ليس بواجب، فإذا لم يجب وانتفى إدراك ذلك وجب القطع على تخصصه بوقت لا يكون هناك سامع، وبمثل هذا نجيب من سأل فقال: كيف يصح ذلك ونحن أي وقت كشفنا عن الميت وجدناه بحاله، لأن حالة إحيائه غير مختصه بوقت. وبعد فالعلم بنشر كل ميت مرتفع. فإن قيل: في الراجعة (كذا) أخبرونا عن المكرورين أعقلاء أم لا، فإن كانوا عقلاء فمن كمال العقل التكليف وذلك يصح إيمان الكافر وكفر المؤمن أو فسقه، والاجماع بخلاف ذلك. قيل: المكرورون عقلاء، ويصح أن يكونوا مكلفين، ولا يلزم كفر المؤمن لما بيناه من وجوب الموافاة بالايمان وتعذر حصول الكفر بعد ثبوته، وفسقه مأمون لأنه تعالى لا يرجع من يعلم من حاله أنه يفسق، وأما إيمان الكافر فذلك جائز من جهة العقل، لكن الإجماع مانع منه وهو اتفاقهم على أن من مات كافرا فلا بد أن يوافي القيامة بكفره، وقد نطق القرآن بذلك في غير موضع ونص سبحانه زائدا على ذلك بأنهم لو ردوا لعادوا بقوله تعالى: ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ” (2) فعلى هذا لا يكر من الكفار من يعلم حاله أنه يختار الإيمان. ويصح أن يكونوا غير مكلفين… في نشرهم تعجيل قسط من الثواب لأهل الإيمان بمشاهدة دولة… ذلك من المسار وتعجيل قسط من العقاب لأهل الضلال… الغم عليهم بما يشاهدونه من علو الحق وأهله المستضعفين.. أو أمرهم وهلاك إخوانهم فيه والإشارة بذم المعظمين عندهم… بالقتل نكالا فيكون حال الفريقين


(1) العبارة ناقصة ظاهرا.
(2) سورة الأنعام، الآية 28.

[ 489 ]

في الرجعة كحالهم في الآخرة على ما نبينه. أن قيل: أفليس قد منعهم من تعجيل المستحق قبل البعث فكيف بذلك وما قطعتم به من عذاب القبر والرجعة وثوابهما؟ قيل: إنما منعنا من تعجيل ما يقتضي الالجاء وذلك مختص بجملة المستحق، فأما ما ليست له هذه الصفة فتعجيله جائز. يوضح ذلك المدح والذم وإقامة الحد والقصاص. وأما الإعادة القصوى فمختصة بيوم البعث، وهو يوم القيامة (1) ويوم الآزفة ويوم القارعة ويوم الحاقة والصارخة والطامة ويوم النشور وبعثرة القبور ويوم الحساب والمآب، إلى غير ذلك من أسمائه المفيدة للمعاني المختلفة المعلومة وما يقع من المسمى بها وكيفيته بالسمع، وقد قطع التعذر صحة (كذا) بأن الله تعالى يبعث الخلق لهذا اليوم وتكور له الشمس ويخسف القمر وتنشر الكواكب وتكشط السماء وتبدل الأرض وتسجر البحار وتسير الجبال وتدكدك وتنسف وتسعر الجحيم وتبرز وتزلف الجنة وتزخرفت ويضع كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا [ أحصاها ]… وتنشر صحف الأعمال ويضع الموازين القسط فلا تظلم نفس شيئا ويصح (كذا) الصراط لأهل النعيم، ويحشر الخلق كله كاملي العقول عالمين بما كلفوا علمه… ولا مرجئين بل ملجئين إلى ترك القبيح… من الحجج المأمونين (2) وتبدوا ملائكة الغضب… للتنعيم، وتدعى كل أمة بإمامها. ويحبسون لأول… الانتصاف للمظلومين فلا يجاوزه أحد عليه تبعة لم تخرج منها، وكل مرتهن بعمله، مشغول بنفسه عن أهله و


(1) أكثر هذه العبارات إلى قوله: متميزة… مقتبسة من القرآن الكريم ومستفادة منه.
(2) في بعض النسخ: المأمومين.

[ 490 ]

خاصته وأخلائه وأهل مودته، محاسب في حقه تعالى. وأصحاب اليمين مبيضة وجوههم، فرحة قلوبهم، مبشرون بالرضوان، لا يحزنهم الفزع الأكبر، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، كتبهم بأيمانهم، معظمون في الموقف، محشورون إلى ما وعدوا به من دائم الثواب، كل على قدر مستحقه، مستغن به عن غيره، راض بنعيمه عن كل نعيم لسواه، بالغ منه غاية مأثورة. وأصحاب الشمال مسودة وجوههم، كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم، موبخون على فارط زللهم، مبكتون على قبيح عملهم، محاسبون على ما أسلفوا، عاجزون عن عذر، شاهدة عليهم جوارحهم بقبيح فعلهم، نادمون على ما فرطوا، يتمنون الراجعة (كذا) ولات حين مناص، مسحوبون على وجوههم، في أعناقهم الأغلال، وفي النار هم يسجرون، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار، لهم من جهنم مهاد، ومن فوقهم غواش، نزلهم الزقوم، وشرابهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما نضجت جلودهم وأشرفوا على الفوت وظنوه الموت بدلوا جلودا طرية ليذوقوا العذاب بما كسبوا وهم لا يظلمون، ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، كذلك نجزي كل كفور، كل معذب على قدر جريرته. متميزة حال فساق المؤمنين من الفريقين بخروجهم بالايمان… الكفار وبالفسق عن مراتب الأبرار معرضون… فإن يعف عنهم أو يشفع فيهم يصيروا من جملة الأبرار… ثواب الإيمان والطاعات وأن يحرموهما… عذابا منقطعا لا دليل على غايته، كل منهم على حسب فارطه ومتى يقطع بالاستيفاء أو الشفاعة فلا بد من مصيرهم إلى ما استحقوا من الثواب. مخالف لحال الكل حال من ابتدأه الله تعالى في النعيم أو عوض ممن ليس بكامل من البهائم والأطفال والمجانين لتعذر استحقاق الثواب والعقاب عنهم.


[ 491 ]

ولرسول الله صلى الله عليه وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم، له اللواء المعقود (كذا) ولواء الحمد والحوض المورود والمقام المحمود والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم. وكل شئ خص به من التفضيل ورشح له من التأهل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه السلام شريك فيه وهو صاحب الأعراف وقسيم الجنة والنار بنصه الصريح وقوله الفصيح. وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوان عليه و مساهمون فيه حسب ما أخبر به وأشار بذكره. ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر لتحققهم بالاسلام ممن عداهم وتخصصهم بالايمان دون من سواهم… الكفر وشيعتهم وأنصار الباطل … دعونا إليه. فأهل الجنة على ثلاثة… استحقاقهم وهو دائم غير منقطع… مختلفة بحسب تزايد مستحقهم… على دوامه لأنه لو كان دائما لم يحسن منا إدخال ضرر على أنفسنا ولا تعريض الغير له لنفع منقطع، والمعلوم خلاف ذلك، ويجوز أن يتفضل الله تعالى بإدامة نعيم المعوضين عقلا وقد قطع السمع به في أهل الجنة. والضرب الثالث أهل التفضل خاصة ممن لم يألم في الدنيا وإن كان مستبعدا، وإذا لم يكن في العقل دليل على لزوم التفضل فكيف بدوامه، وإنما يعلم دوام من يتفضل تعالى بتنعيمه بالسمع ويجوز أن يتفضل على أهل الثواب بمنافع تقترن بثوابهم خالصة من صفة الثواب. ويجوز أن يقترن إلى ذلك ما يستحقونه من أعواض على ما دخل عليهم من


[ 492 ]

الآلام ويجوز أن ينقطع ما يتفضل به تعالى عليهم من النعيم ويجوز أن يديمه بدوام الثواب، فأما العوض فلا بد من انقطاعه لكون المستحق منه محصورا وإذا قطع التفضل أو انقطع العوض عن المثاب فلا بد أن يصرفه الله تعالى عن الفكر فيه أو يكون يسيرا منغمرا في جنب ثوابه فلا يجد لفقده مسالان لا يتكدر ثوابه الواجب خلوصه حسب ما أخبر به سبحانه، ويجوز أن يكون ما يتفضل به تعالى من النعيم على أهل الثواب وغيرهم من أهل الجنة أو يفعل لهم… في المقدار على الثواب إنما يبين من العوض والتفضل بوقوعه… التزايد ومن جملة نعيمهم وكامل سرورهم… العذاب وما ورثوه من منازلهم التي كانت أعدت… منازل أهل النار التي كانت أعدت لهم في الجنة لو أطاعوا… في ذلك حال الرجال. وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان: كفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض على بعض بحسب كفره، وفساق مقطوع على خروجهم من النار بعفو مبتدء أو عند شفاعة أو انتهاء عقابهم إلى غاية مستحقه، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم، ولا يجوز أن يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار لاقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصي تعالى والخوف منه والرجاء لفضله و تسويف التوبة، وانتفاء ذلك أجمع عن عصيان الكفار. ولا سبيل إلى العلم بمقدار إقامتهم فيها. فالنار إذا لا يدخلها إلا مستحق للتعذيب لقبح الابتداء به. والجنة يدخلها المستحق والمتفضل عليه لحسن الابتداء بالتنعيم. إن قيل: ما الوجه الحكمي في ما ذكرتموه من أحوال الموقف وأهله؟ قيل: وجه ذلك أولا كونه مستندا إلى إرادة حكيم لا يجوز عليه تعالى العبث ولا يقع منه القبيح. وبعد فهو محتمل لوجوه كل منها يصح أن يكون مقصودا يحسن لأجله: منها تعجيل قسط من ثواب أهل الإيمان وعقاب الكفار.


[ 493 ]

ومنها أن العلم بذلك الآن لطف في التكليف، إذ لا شبهة في أن العلم الآن بما ذكرناه من حال أهل الموقف داع إلى الحسن وصارف عن القبيح. ومنها أن… أهل الإيمان وتسويد وجوه الآخرين… التعظيم فتعظمه الملائكة والمؤمنون… به الملائكة والصالحون فكل من هذه… فيما ذكرناه بل جميعها حاصل فيه لمن تأمل ذلك بحسن بصره لارتفاع الشبهة في كون ما يفعله تعالى باهل الموقف ثوابا لأهل طاعته وعقابا لأهل معصيته ولطفا للمكلفين العالمين به الآن ولتمكنهم من ذلك وكونه مميزا لمستحقي التعظيم من مستحقي الاستخفاف. إن قيل: فعلى أي وجه تنطق الجوارح وليست حية ولا مبنية بنية يصح منها النطق؟ قيل: يصح ذلك على وجوه: منها: أن يبني الله تعالى كل جارحة بنية يصح منه النطق فينطق بما وقع من الحي لكونها بعضا له. ومنها: أن يبنيها الله تعالى بنية يصح بها النطق كاللسان، فيكون المتكلم الحي وهي آلة في الكلام كاللسان واللهوات (كذا) ويصح أن يكون المتكلم الشاهد على نفسه هو الحي وعبر عنه ببعضه كقولهم: يد فلان لا تبطش ولسانه لا ينطق ورجله لا تسعى، وهم يريدون بالجميع الحي، وإنما عبروا عنه بالآلة من حيث كانت آلة في الفعل الموصوف به. ومنها: أن يريد تعالى بشهادة الجوارح وضوح الأمر وقوة الحجة وحصول العلم لهم بما فعلوه كما يقول الفصيح لم يعلم مثل هذا من حاله: شهدت عيناك بكذا وأقرت يداك واعترفت جوارحك، وإنما يريد وضوح الأمر له وتيقنه ما أخبر أن جوارحه شاهدة به.


[ 494 ]

ومنها: أن يكون تقريره سبحانه العصاة على افعال جوارحهم المعلوم لهم إضافتها إليها شهادة منها بها بمعنى أنها لو كانت… ” قالتا أتينا طائعين ” (1) ” و [ تقول ] هل من مزيد ” (2) وهو تعالى… كانت ممن تقول لقالت: أتينا طائعين وهل ومن مزيد… عيناك تخبرني بكذا وتشهد بكذا قال الشاعر: يخبرني… وقال الآخر: امتلأ الحوض وقال: قطني * مهلا رويدا قد ملأت [ بطني ] [ وقال الآخر ]: وقالت له العينان: أهلا ومرحبا * وحدرتا كالدر لما يثقب والمراد أن الحوض لو كان ممن يقول لقال: حسبي، ولو كانت العينان قائلتين لقالتا: أهلا ومرحبا، ونظائر ذلك من كلام العرب نظما ونثرا. إن قيل: على الوجهين الأولين كيف يجوز أن يصف ما بنى بنية حي أو بنية لسان بأنه يد أو رجل وليس كذلك؟. قيل: ذلك جائز لأن جواهر أيديهم وأرجلهم وما فيها من المعاني إذا كانت هي بعينها المبنية حيا أو آلة نطق جاز أن يطلق عليه بأنها أيديهم وأرجلهم، لأنها هي هي في الحقيقة وليست غيرها، كما أن من بنى من جواهر بعض الأجسام جسما آخر فالثاني في الحقيقة هو الأول ويصح أن يسمى باسمه. إن قيل: فما معنى الموازين والأعمال أعراض يستحيل وزنها أو وزن المستحق بها لعدمه؟. قيل: الموازين عبارة عن العدل في أهل الموقف وإيصال كل منهم إلى مستحقه، ألا ترى قوله تعالى: ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس


(1) سورة فصلت، الآية 11.
(2) سورة ق، الآية 30.

[ 495 ]

شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ” (1) فنص سبحانه على أن الموازين عبارة عن عدله في توفية كل ذي حق حقه، وقد وصفت العرب المخاطبون التسوية الصحيحة والقسمة العادلة بذلك فقالوا: أفعال فلان موزونة وكلامه بالميزان، وإنما يعنون… أن يكون هناك موازين في الحقيقة ويكون الوزن مختصا بصحف الأعمال… يصح وزنها وتكون العبادة بالرجحان والثقل مختصة… من المعاصي والعبادة يخصها من عدم الطاعات جملة… كلها تتضمن القطع بثواب من ثقلت موازينه… بعذاب وعقاب من خفت موازينه وبائنة (2) من الثواب وذلك يقتضي تخصيص الوزن بمن تخص الإيمان أو الكفر دون المؤمن العاصي لقيام البرهان على انتفاء القطع له بالثواب أو العقاب، وهذا شايع في عرف المخاطبين بالقرآن يقولون: ميزان فلان راجح عندي أو عند فلان، أي أعماله ثابتة كبيرة، وميزان فلان خفيفة ولا وزن لأفعاله، أي لا طاعة له ولا فعل يقتضي مدحه. ويحتمل أن يجعل سبحانه لذي الطاعات نورا في كفة الميزان فيرجح، وظلمة للكافر فيخف، ليكون ذلك دلالة على نجاة الطائع وهلاك الكافر. وكل هذه الوجوه شائع والمعتمد الوجه الأول. إن قيل ما معنى الصراط وأنتم لا تجيزون التكليف في الآخرة؟ قيل: يحتمل أحد أمرين: أحدهما أن يكون المراد به طريق الجنة والنار فأما أهل الجنة فيتسع لهم مسلكه مقترنا بتعظيم الملائكة وتبشيرهم بالثواب فيكون ذلك قسطا من ثوابهم، وأما أهل النار فيضيق عليهم مسلكه ويصعب عليهم قطعة مقترنا بإهانة الزبانية واستحقاقهم وسحبهم على وجوههم إلى النار فيكون ذلك قسطا من عذابهم.


(1) سورة الأنبياء، الآية 37.
(2) كذا تقرأ ما في بعض النسخ.

[ 496 ]

والذي يقتضيه الظاهر كونه طريقا لأهل الجنة خاصة لأن كل موضوع ذكر سبحانه فيه الصراط وصفه بالاستقامة ومدح سالكه، فمنه قوله تعالى: ” أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ” (1) وقوله سبحانه: ” إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ” (2) وأمثال ذلك. وهذا الظاهر مانع من كونه. وقد سمى الله تعالى برهان الحق صراطا فقال تعالى: ” وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ” (3) وقوله تعالى: ” وإنك لتدعوهم إلى صراط [ مستقيم ] (4) ” وهذا صراط ربك مستقيما ” (5) فذكر الصراط هاهنا لا يحتمل إلا برهان الحق الذي تعبد به سبحانه. إن قيل فإذا كان القديم تعالى يستحيل إدراكه واختصاصه بالجهات فعلى أي وجه تقع المحاسبة؟. قيل: يصح ذلك منه تعالى بأن يفعل لكل واحد من المحاسبين كلاما يتضمن تقريره على أعماله ويضطره إلى العلم بكونه كلاما له وإلى الاعتراف بما عمله وعلم المستحق عليه ثم يأمر ملائكة الرضوان بإدخاله الجنة إن كان من أهلها وملائكة التعذيب بإدخاله النار إن كان من أهلها، ويصح أن يرد ذلك إلى بعض خلقه لولا قوله تعالى متمدحا بتولي المحاسبة: ” وهو أسرع الحاسبين ” (6) ما ورد من النص على وقوع المحاسبة على وجه لا يصح من


(1) سورة الملك، الآية: 22.
(2) سورة الحمد.
(3) سورة الأنعام، الآية: 153.
(4) سورة المؤمنون، الآية 73.
(5) سورة الأنعام، الآية: 126.
(6) سورة الأنعام، الآية: 62.

[ 497 ]

محدث من سرعة تجاز (1) حساب الخلق مع كثرتهم. إن قيل: فإذا كانت الاثابة والمعاقبة مختصتين به تعالى فكيف يصح لكم ما تذهبون إليه من الحوض واللواء والوقوف على الأعراف وقسمة النار و إدخال بعض إليها وإخراج بعض منها مع كون ذلك ثوابا وعقابا. قيل: لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالى غير أنه تعالى إذا ردها أو مارد (كذا) منها إلى المصطفين من خلقه رسول الله وأمير المؤمنين و الأئمة من آلهما صلوات الله عليهم فأوردوها عن أمره وأصدروها. كما يضاف تعذيب أهل النار وتنزيل أهل الجنة… حاصلا بملائكة المأذون لهم فيه فأما معنى… إن الله تعالى أعطى أمير المؤمنين عليه السلام بمعرفة… فيأمر به إلى الجنة والكافر بسيماه فيأمر به إلى النار… سبحانه على ذلك بقوله سبحانه: ” وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ” (2) بعينه والأئمة من ذريته عليهم السلام وقوله تعالى: ” يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ” (3). وتحتمل القسمة وجها آخر وهو أن الله تعالى لما جعل ولايته عليه السلام علما على الإيمان وعداوته علما على الضلال، لكونهما من جملة المعارف وكان مستحق الإيمان الجنة ومستحق الضلال النار صار لذلك قاسما لهما. وتحتمل وجها آخر وهو أنه عليه السلام لما كان شفيعا لمرتكبي المعاصي من شيعته دون منكري إمامته صار قسيما للنار، يخرج منها من استحقها من عصاة شيعته دون منكري ولايته. وليس لأحد أن يقول: فأي ميزة لهم بتولي هذه الأمور على غيرهم في


(1) كذا.
(2) سورة الأعراف، الآية: 46.
(3) سورة الرحمن، الآية: 41.

[ 498 ]

الفضل وهي موقوفة على إذنه تعالى. لأن الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين، وجعل الله سبحانه إلى هؤلاء المصطفين أفضل منازله وأسنى درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار دل على تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه. وإنما قلنا بسقوط تكليف أهل الآخرة لأمور: منها إجماع الأمة على أنه لا يستحق أحد في الآخرة ثوابا ولا عقابا لم يستحقها في دار الدنيا وتجويز… هذا الإجماع بغير ريب. وأيضا فإن فتيا الأمة بأسرها بأنه لا تكليف في الآخرة سابق لحدوث المخالف في ذلك فلا يجوز… الثواب ويخرجه عن صفته. ويصحح… المعاقب يقتضي صحة سقوط عقابه.. لا يستحق ثوابا ولا عقابا لا حق بهما… الآخرة بحضور المستحق من الثواب والعقاب العظيمي القدر… يقتضي قبحه لكون ذلك ملجئا والالجاء ينافي التكليف. ولا اعتراض على ما قلنا بقوله تعالى لأهل الجنة: ” كلوا واشربوا ” (1) وأن هذا أمر والأمر تكليف. لأن الأمر لم يكن أمرا للصيغة وإنما كان أمرا بالإرادة، ولهذا لم يكن قوله تعالى: ” وإذا حللتم فاصطادوا ” (2) ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ” (3) أمرا وإن كانت الصيغة حاصلة، من حيث لم يرد سبحانه ما تعلقت الصيغة به، فكذلك قوله تعالى لأهل الجنة: ” كلوا واشربوا ” إنما هو إباحة.


(1) سورة الحاقة، الآية: 24 وغيرها.
(2) سورة المائدة، الآية: 2.
(3) سورة الجمعة، الآية: 10.

[ 499 ]

ويصح أن يريد تعالى أكلهم وشربهم لكونه ثوابا مفتقرا إلى إرادة المثيب إيقاع النفع منه على جهة التعظيم، إذ به يتميز من نوعي العوض و التفضل، وليس بتكليف لفقد المشقة فيه، كما لم تكن إرادة أحدنا من غيره أن يلتذ بتناوله الطعام إحسانا إليه تكليفا. فأما شكر أهل الجنة فما يتعلق منه بالقلب ضروري من فعله تعالى كسائر المعارف على ما نبينه، وما يتعلق منه اللسان فيه لذة فلا يكون تكليفا. وقلنا بوجوب إكمال عقولهم وكونهم بجملة المعارف (كذا) والمعاقب (كذا) والعوض (كذا) لأنه لا بد أن يعلم كل واحد منهم وصوله إلى مستحقه ليعلم… عليه ويعلم المتفضل عليه كونه محسنا إليه وذلك مفتقر… يقصد فاعل المستحق إلى الاثابة أو لمعاقبة… الاحسان وقد يقتضي معرفة القاصد وصفاته… لا تصح من دون كمال العقل. وقلنا: إن المعرفة… تكليفهم في الآخرة فلم يبق مع وجوب كونهم… ضرورية. وقلنا: إن أهل الجنة والنار مختارون لأفعالهم من أكلهم وشربهم وغير ذلك من تصرفهم لأن ذلك أبلغ في نعيم أهل الجنة. وقد أجمعت الأمة على وقوع الثواب على أشرف الوجوه وأبلغ المسار. وأيضا فإنها واقعة على استحقاق ووفاء بوعد، فيجب وقوعها على الوجه المعهود في الدنيا من الايثار. ولأن ظواهر قوله تعالى: ” كلوا واشربوا ” وأمثال ذلك تقتضي وقوع أفعالهم عن إيثار. وأهل النار لاحقون في ذلك باهل الجنة لأنه لا أحد فرق بين الفريقين.


[ 500 ]

وقلنا: إنهم ملجئون إلى ترك القبيح لأنه لو لا المنع منه مع كونهم متخيرين في أفعالهم لصح منهم إيثاره واستحقاق العذاب به، والاجماع بخلاف ذلك وإنما يكونون ملجئين بأحد أشياء: إما أن يفعل تعالى في قلوبهم العلم بأنهم متى راموا القبيح منعوا منه، أو بأن يغنيهم بالحسن عن القبيح فلا يبقى لهم داع إليه، أو بأن يفعل في قلوبهم العلم بأنهم متى فعلوه نزل بهم الضرر العظيم عقيب فعله. وقلنا: إن أهل الجنة لا يهرمون ولا يمرضون ولا يحزنون ولا يخافون ولا يتنافسون ولا يتحاسدون، لإجماع الأمة على ذلك، ولما نص عليه تعالى في كتابه، ولا يستبعد ذلك عارف بمثيبهم سبحانه لأنه… والمرض متولدان عن أمور يفعلها تعالى وعن. متخير في أفعاله فيصح أن لا يفعلها وإذا صح… به وكذلك القول في بقائهم أبدا لتعلقه بمقدوره… فحادثان عن أمور هي منتفية عن أهل الجنة بغير شبهة… فمتولدان عن حصول شهوات لمنازل الغير مع تعذرها… منتفي عن أهل الجنة لأنه تعالى لا يفعل لأحد من أهلها شهوة لمنزلة غيره، وإنما يفعل فيه منها بحسب ما يستحقه أو يتفضل عليه به، وإذا لم يفعل فيهم شهوة لمنازل غيرهم مع بلوغهم أدناهم منزلة إلى غاية منتهاه من النعيم العظيم لما يتألموا بفوتها… وبمثل هذا يجاب من يقول: أخبرونا عن من ذهبت نفسه إلى منزلة لا يستحقها أو إلى مناكح غيره، لأنه إذا لم يفعل له شهوة إلا لما قد أبيح تناوله [ له ] سقطت الشبهة. وكذلك لو قيل لنا: ماذا يكون حال المثاب إن ذهبت نفسه إلى سماع المطربات من الأغاني والملاهي أو الالتذاذ ببعض المحرمات، لكان الجواب: إن ذلك مما لا يقبح عقلا وإنما قبح هاهنا لتعلقه بالتكليف ولا تكليف هناك، فإن فرضنا


[ 501 ]

أنه تعالى فعل في المثاب شهوة لذلك أو لبعضه أو لما زاد عليه فلا بد من تمكينه من الوصول إليه وإن لم يفعل له شهوة لشئ من ذلك سقطت الشبهة فيه. وقلنا بدوام الثواب وعقاب الكفر، لحصول العلم بذلك من دينه صلى الله عليه وآله، و معنى الدوام هو أن جميع المستحق في المعلوم لم يخرج إلى الوجود وإنما يفعل منه في كل وقت ما يقتضيه استحقاق المثاب أو المعاقب فيها هكذا حالا بعد حال إلى ما لا آخر له، لأن خروج جميع المستحق إلى الوجود… القول بدوامه وتزايد أحد المستحقين على… من الزائد في كل وقت على غيره وقد ذكرنا. إن قيل: كيف يصح بقاء أهل النار أحياء… وانتفاء ما معه يستحيل وجود حياتهم من البرودات… بناهم بنفوذها في أجسامهم. قيل: يصح ذلك بأن يفعل القديم تعالى في كل معذب بالبرودة والرطوبة والتأليف (كذا) مثل ما نفته (1) النار بحرارتها وشدة نفوذها في جسم المعذب بها حالا بعد حال، فتأثير النار حاصل في تفكيك بنية المعذب ونفي ما يكون به حيا من المعاني، والحياة باقية بخلق أمثال ما نفته النار حالا فحالا ليستمر العذاب الذي لولا إحداثه لانتفت الحياة وبطل التعذيب، وقد نص سبحانه على ذلك بقوله تعالى: ” كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ” (2) يعني سبحانه كلما نضجت النار أجسامهم وأشرفوا على الفوت أعادها الله تعالى إلى هيئتها الأولى ليذوقوا العذاب دائما. أعاذنا الله تعالى برحمته من ذلك. إن قيل: هل للمعذبين في النار ما يغتذون به أكلا وشربا أم لا؟ فإن كانوا


(1) في بعض النسخ: (2) سورة النساء، الآية: 56.

[ 502 ]

يغتذون ففي ذلك التذاذ وأهل النار عندكم لا يلتذون، وإن كانوا لا يغتذون فكيف تبقى حياتهم؟. قيل: لولا ما أخبر به تعالى من أكلهم الزقوم وشربهم الحميم لجوزنا فقد الاغتذاء، ولم يمنع ذلك من بقاء حياتهم، لأن ذلك إنما علم في الشاهد لكونه معتادا غير موجب، إذ لا تأثير للغذاء في بقاء الحيوان، وإنما أجرى تعالى العادة بفعل ما تبقى الحياة معه عند الاغتذاء بالمآكل والمشارب المخصوصة، وهو سبحانه قادر على ذلك من دون الاغتذاء، فعلى هذا قد كان جائزا… وإن فقدوا الأغذية فتبقى معه حياتهم لكنه… به لا لما توهمه السائل، كونهم ذوي أكل وشرب. والمشروب لأن الحي لا يلتذ بنفس تناوله الغذاء وإنما يكون ملتذا للمتناول. (كذا). ولهذا نجد أحدنا يألم في حال بما كان ملتذا… بالاجماع أن أهل النار لا يلتذون بشئ مع إخباره تعالى عن أكلهم وشربهم، قطعنا على أنه تعالى لم يفعل فيهم شهوة لشئ منه، فكيف وقد أخبر بسوء حالهم وعظم المهم عند تناول ذلك الغذاء، بقوله تعالى: ” إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ” (1) وقوله سبحانه: ” ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ” (2) وقوله سبحانه متوعدا: ” ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ” (3) وقال سبحانه في شرابهم: ” وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ” (4) وأمثال هذه الآيات


(1) سورة الدخان، الآية: 46 – 45.
(2) سورة الغاشية، الآية: 6.
(3) سورة الواقعة، الآية: 55 – 50.
(4) سورة الكهف، الآية 29.

[ 503 ]

المتضمنة بوصف طعامهم وشرابهم بغاية الايلام، وذلك يدل على أنه من عذابهم. إن قيل: فما القول في خزنة النار وزبانية العذاب؟ قيل يصح أن يكونوا مكلفين لما يعانوه، ومستحقين به الثواب فيما بعد، ويستبدل بهم غيرهم. والقول في صحة بقائهم إن كانوا مباشرين للنار كالقول في بقاء أهل النار… ويصح أن يكونوا. مكلفين ويستحقون أعواضا بما يدخل عليهم من ألم إن فعل فيهم سبحانه نفورا عن النار وإن فعل فيهم شهوة لإدراكها فهم بذلك ملتذون إحسانا إليهم واثابة لهم… في ملائكة الرضوان وكونهم مكلفين أو غير… إن قيل: ما حكم أهل الجنة إذا شاهدوا… عليهم إيلامه في النار وأعداءهم في الدنيا ينعمون في… أهل النار أولادهم وإخوانهم وأهل مودتهم في الجنة يجبرون وأعداءهم في… يقتضي تنقيص عيش المثاب وتكدير ثوابه وتخفيف عذاب الكافر وعظيم مسرته. قيل: إذا علمنا إجماع الأمة وصريح التنزيل بخلوص ثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار من شوائب، وجب حمل ما ذكر في السؤال على ما يليق بالمعلوم من محتملاته وهي أشياء: منها: أن يصرف الله تعالى أهل الجنة والنار عن مشاهدة ذلك ويلهيهم عن الفكر فيه. ومنها أن يغلظ الله تعالى قلوب أهل الجنة على من في النار من خلصائهم، وينزع ما في صدورهم من غل وحسد على أهل الجنة كما أخبر سبحانه، ويبغض أهل الجنة إلى أهل النار بمعنى [ أن ] يفعل لهم نفورا عنهم ويجب إليهم أعدائهم من أهل النار. ومنها أن يكون العلم بذلك منغمرا في جنب عقاب أهل النار لعظمه و


[ 504 ]

ثواب أهل الجنة لتزايده، فلا يؤثر فيها شيئا كما لا يؤثر مسح الغبار عن وجه المضروب بالسياط ولا قرض البرغوث في المنغمر في النعيم، ولا شبهة في عظم عقاب أهل النار لكونه مقابلا لعظيم عصيانهم واستهانتهم وقد نص على ذلك تعالى وفخم أمر العقاب (1) وعظم موقعه مجملا ومفصلا لكونه مقابلا لتحمل عظيم المشاق في الأفعال والتروك، وقد نص سبحانه على ذلك في غير موضع لو لم يكن منه إلا قوله تعالى: ” وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ” (2) وقوله سبحانه: ” فإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ” (3) فعظم سبحانه ما أعد لأهل طاعته مع تصغيره… بايع الآخرة مع حصول العلم الضروري بتفاوت نعيم كثير… سبحانه لم يذكر الدنيا في موضع من كتابه إلا… إليها وضرب أمثالها بأحقر مذكور واسفة مطلوب… وما وعد فيها من ثواب أهلها. وذلك يدل على أن تفاوت ثواب كل مطيع من الجميع نعيم العاجلة، ولا يجوز أن يعلق التفاوت بالدوام حسب، لأنه تعالى: ” قال وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق. الآيات ” (4) وذلك يقتضي تعلق العظم بما يشاهد من الاثابة ويدرك من النعيم، وذلك مختص بالموجود منه في كل وقت دون ما لم يوجد، فيجب أن يكون المفعول منه في كل حال لكل مطيع ما يصغر في جنبه نعيم الدنيا بأسره، ولا يجوز أن يحمل وصفه تعالى الثواب بالعظم على جميعه، لأنه تعالى وعد بما وصفه من ذلك لكل مطيع بإجماع، فيجب الحكم بصدق هذا الوعد فيه دون ثواب غيره من


(1) كذا، والصحيح: أمر الثواب.
(2) سورة الزخرف، الآية 71.
(3) سورة الدهر، الآية 20.
(4) سورة الدهر. الآية 21.

[ 505 ]

المطيعين. وأيضا فلا فائدة في ترغيب كل مكلف بتعظيم ثواب جميع المطيعين فيجب تخصيص وصفه بالعظم بثواب كل مطيع. فعلى هذا يصح أن يكون ثواب أدنى أهل الجنة ينغمر في جنبه نعيم الدنيا بأسره، ولا يستبعد هذا من عرفه سبحانه قادرا من إيجاد المنافع لكل مكلف على ما يزيد على الموجود في الدنيا لجميع أهلها أضعافا كثيرة، ولا من علمه سبحانه منعما في الدنيا على بعض الكفار أو متملكا (كذا) بإقداره وتمكينه من المنافع ما لا يجده واصف ولا يبلغ نعته ذاكر وينغمر في جنب بعضه نعيم عالم من الناس لا يخصصهم غيره مع جحد به سبحانه وعبادة غيره، فكيف تكليف المشاق… ومعرفة المخلص في عبادته والعمل بطاعته مع سابق… إنعامه على أهل ولايته على عاجل إحسانه في… خلقه.


[ 506 ]

[ وجوب الرجوع إلى فتيا الأئمة المعصومين عليهم السلام ] وإذا وضح برهان ما قدمناه من مسائل التوحيد والعدل… على الوجه الذي له وجبت على براهينها آمنا من معراتها وضرر ما خالفها قاطعا بفوز من دان بها ووصوله إلى عظيم المستحق بها وضلال من خالفها متدينا أو شاكا أو معتقدا عن غير علم أو علم لغير وجهها وإغناه (1) ذلك عن تتبع ما خالفها من تفاصيل المسائل وسقط عنه فرض النظر في إعيانها إذا كان قيام البرهان بصحة المذهب كافيا في اعتقاد صحته وفساد ما خالفه بغير إشكال. وعلم من جملة ذلك إمامة أئمتنا عليهم السلام، وكونهم حفظة للشرع مؤمونا منهم الخطاء لعصمتهم، فوجب عليه الرجوع إليهم والعمل بفتياهم والقطع على خطأ من خالفهم، لحصول اليقين بفتياهم وصحة اضافته إلى مختارهم لحفظ ملته سبحانه وانتفاء الشبهة عن الحكم بخطأ من خالف الحق المقطوع به وتبليغها (كذا) إلى من جعلهم حججا عليه من خلفه. وطريق العلم بفتياهم سماعه شفاها عنهم أو بالتواتر عنهم أو قول من نصوا


(1) كذا في النسخ والظاهر زيادة الواو

[ 507 ]

على صدقه، لكون كل واحد من هذه طريقا للعلم على ما سلف لنا في أول الكتاب، وطريق العلم الآن وما قبله من أزمنة الغيبة بفتياهم تواتر شيعتهم عنهم أو إجماع علمائنا، إذ كان التواتر طريقا للقطع بغير إشكال بصحة المنقول، وإجماع العلماء من الإمامية يقتضي دخول الحجة المعصوم في جملتهم لكونه واحدا منهم دون من عداهم من الفرق الضالة بجحد الأصول وإنكار إمامته عليه السلام [ و ] دون عامتهم لأن الحجة المعصوم المنصوب لحفظ… من أهل الضلال ولا من عامة المحققين لكونه سيد العلماء… لذلك القطع بصحة إجماعهم لكون المعصوم الذي… واحدا منهم. وطريق العلم بالتواتر والاجماع الاختلاط… وسماع نقلهم وفتياهم و قراءة تصانيفهم وتأمل… به فإنه متى يسلك مكلف العمل بالشريعة طريق العلم بها من الوجه الذي أمر به، يعلم تواتر الإمامية بمعظم إحكام المسألة (كذا) عن أئمتهم الصادقين عن الله سبحانه، وإجماع العلماء على ما تواتروا به وما لا تواتر فيه من أحكام الملة فيعلمه (1) به، ويجد ما تضمنه كتابنا هذا وأمثاله من تصانيف علمائنا رضي الله عنهم من الفتيا السمعي مستندا إلى الحفظة المعصومين، ويعلم اختصاصه بهم كما يعلم اختصاص ما تضمن كتاب ” المزني ” بمذهب ” الشافعي ” وما تضمنه ” الطحاوي ” بمذهب ” أبي حنيفة ” وأصحابه، فيلزم العمل بمقتضاها آمنا من زلل مصنفيها وخطأهم في ذلك لتعلقه بفتيا المأمونين من آل محمد عليهم السلام، لاختصاصه بالتواتر عنهم والاجماع الذي قد بينا كونهما طريقين إلى فتياهم عليهم السلام. ويكتفي بذلك عن النظر في أعيان المسائل إذ لا فرق في صحة المسألة بين أن يدل دليل مفرد عليها من كتاب أو سنة أو إجماع وبين أن يعلم استنادها إلى


(1) في بعض النسخ: فيعمله به.

[ 508 ]

فتيا صادق عن الله نبيا كان أو إماما مبلغا عنه، كما نكتفي جميعا فيما نعلم من دين نبينا صلى الله عليه وآله عن تطلب برهان مفرد بشئ منه، ولهذا لم يتكلف سلفنا الاستدلال على أعيان المسائل المعلوم إضافتها إلى أئمتهم عليهم السلام واقتصروا في… إمامة أئمتهم وعصمتهم وكونهم حفظة… من الحجة بالشريعة على مخالفهم على إيضاح… عليه فإن يقروا بها يعلموا ما جهلوه منه… على إنكارها مع ثبوت صحتها يقيموا (كذا) محجوجين بالنبوة وما تضمنه من المصالح والمفاسد، فكذلك القول في المنقول عن أئمتنا عليهم السلام أن يقر مكلفه إلى (كذا) ما اقتضاه البرهان من إمامتهم وعصمتهم لكونهم حفظة له يعلم بما جهله من صحة المضاف إليهم وصوا به وأن يعاند يقم محجوبا بإمامتهم وما فقده من العلم بالمروي عنهم. وإن اعرض عن سلوك ما نهجناه لبعض الأغراض الفاسدة فالحجة لازمة له، لأنه أتى في فقد العلم بما كلف العمل به من قبل نفسه كالمعرض من عامة المسلمين عن تأمل حال الفتيا الاسلامي الفاقد لذلك العلم بما اجمعوا عليه أو حصل العلم به من دينه صلوات الله عليه، وهو محجوج بما كلف علمه لتمكنه منه، ولا عذر له في الجهل به، لحصول ذلك بأعراضه عن سلوك طريقه مع قربه، إذ كان الطريق إلى فتيا أئمتنا عليهم السلام مساويا للطريق إلى فتيا نبينا صلى الله عليه وآله و مشاركا لكل سبيل إلى مقالة كل متكلم، كابي علي وأبي هاشم والبلخي والنجار وابن كرام، وكل فقيه، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وداود بن علي الاصفهاني و غيرهم من أرباب المذاهب والمقالات. وإلا فليذكر أي طريق شاء يصل سالكه إلى علم ما اجتمعت الأمة عليه أو


(1) كذا في بعض النسخ.

[ 509 ]

علم من دينه صلى الله عليه وآله أو ثبتت به… لمعتزلي أو أشعري أو كرامي أو نجاري… حتى نريه مثله واضحا إلى فتيا أئمتنا عليهم السلام… وسطروه في كتبهم وسطرناه في كتابنا هذا بل نجد… إلى أحد ما ذكرناه أكبر مزية وأوضح دلالة… واحد من الأئمة عليهم السلام لأخذ معالم الدين عنه… لم يبلغ عشيرة ولا عشر عشيرة صحابة أحد من أرباب المقالات مع شديد ورعهم وبارع فضلهم وتنسكهم و تحرجهم، فكما لا عذر لمن فقد العلم بما ذكرناه من مسائل الإجماع وما يجرى مجراها ومقالات رؤساء الفقهاء والمتكلمين من العوام وقطان السواد والأعراب والجند (كذا) والأكراد في ذلك لوضوح طريقه، فكذلك لا عذر لمن فقد العلم بفتيا أئمتنا عليهم السلام لاشتراك كل واحد من فاقدي العلم بما يلزمه في الأعراض عن سلوك طريقه مع وضوحه. فإن قيل: أشيروا على كل حال إلى الطريق الموصل إلى فتيا أئمتكم عليهم السلام لنعتبره. قيل: قد مضى من التنبيه على ذلك ما يغني عما نستأنفه، غير أنا نفصل ما أجملناه عنه فنقول: طريق ذلك أن يرجع الطالب المعرض عن سماع دعوتنا إليها فليتأمل حال ناقلينا وأهل الفتيا والمصنفين وأهل الاحتجاج فينظر في نقلهم وفتياهم وتصانيفهم وحجاجهم الذي قد طبق المشرق والمغرب وانتشر في الآفاق رواية وتصنيفا ومناظرة من زمن أئمة الهدى عليهم السلام وإلى الآن، مع تطابق معانيه وانتظام مبانيه ووفق الفروع الشرعية لما اقتضته الأصول العقلية، فمتى يفعل ذلك يعلم صحة إضافة ما نفتي به إلى أئمتنا عليهم السلام كما يعلم من سلك هذا المسلك صحة إضافة كل مقالة إلى مبديها ونحلة إلى منشيها وإن لا يفعل فالحجة لازمة له لتقصيره عما يجب عليه.


[ 510 ]

وبهذا التحرير يسقط ما لا يزالون… من الاعتذار لاجتناب فتيانا بفقد العلم بصدق الشيعة… أو الطعن في عدالتهم بضروب القدح لأن برهان صحة… أئمة الهدى المعصومين عليهم السلام على الوجه الذي ثبتت منه إضافة كل مقالة ومذهب إلى القائل بهما مسقط لهذا الاعتذار بغير شبهة على متأمل. واستيفاء ما يتعلق بهذا الفن من الكلام يطول، وقد بسطناه في مقدمة كتاب ” العمدة ” ومسألتي ” الشافية ” و ” الكافية ” وفيما ذكرناه هاهنا مقنع ومريد الغاية في الاستيفاء يجدها بحيث ذكرناه. فإن قيل: فقد استغنيتم إذا كان الأمر على ما ذكرتموه في حفظ الشريعة وتبليغها عن الإمام، ولستم تذهبون إلى ذلك. قيل: قد أجبنا عن هذا السؤال ونحوه بحيث ذكرناه وجملته: إنا وإن علمنا صحة إضافة ما تفتى به الإمامية إلى أئمة الهدى من أباء حجة الزمان عليهم السلام فلولا وجود الحجة المعصوم من وراء نقلهم ومن جملة المجمعين منهم لم نقطع على صحة إجماعهم ولا تيقنا الوصول إلى جملة الشريعة بنقلهم لتجويزنا بقاء كثير من الأحكام الشرعية لم تنقل إلينا وإن علمنا صحة إضافة المنقول إلى الصادقين عليهم السلام، وإطباق علمائهم على الخطأ، وإنما ارتفع هذا الجائز من الخطأ عن المجمعين لدخول الحجة المعصوم في جملتهم، وزال الريب عن بلوغنا جملة ما كلفناه من الشرعيات لوجود الحجة المعصوم المنصوب لبيان ما لا سبيل إلى بيانه إلا من جهته وإمساكه عن النكير وإيراد زائد (كذا) على المضاف إلى آبائه عليهم السلام. فكيف يتوهم عاقل أن وصولنا إلى الحق في أزمان الغيبة الذي لم يتم إلا بوجود الحجة عليه السلام استغناء عن الحجة لو لا الغفلة الشديدة عن الصواب. وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الفن وغيره من مسائل الغيبة بحيث ذكرنا وفي كتاب ” التقريب ” في الأصول ومسألة… وما أوردناه هاهنا كاف في العلم بصحة


[ 511 ]

ما تضمنه… شيوخنا رضي الله عنهم وعن السلف ونصر الحق كالمكلف من القضاء الشرعي أن يفسخ (1) الله تعالى في العمر نجرد أعيان مسائل الخلاف ونذكر طريق العلم بصحة كل مسألة على أصول الإمامية وعلى وجه يتمكن معه الناظر من محاجة الخصوم من غير افتقار به إلى تصحيح الأصول التي تذهب إليها وإن كان تكليفها علما عاما لكل عاقل فيجتمع له علم الحق على الجملة والتفصيل وما ناظره المخالف في أعيان مسائله حسب ما تقتضيه الأصول الصحيحة وما يذهب إليه المخالف من طريق الاحتجاج استظهارا لحجج الله الواضحة للحق وأهله على الباطل وأهله. وإذا كان طريق العلم بفتيا الصادقين عليهم السلام واضحا لم يجز لأحد أن يعمل بما لا يعلم من فتياهم بخبر واحد أو تقليد عالم، لأنه لا حكم للظن مع إمكان العلم والعلم هاهنا… ولما ذكرناه في هذا الكتاب وغيره من معلوم المذهب في فساد العمل بغير علم، وأبطلنا أن يكون إلى العمل بجملة الملة طريق غير فتياهم عليهم السلام، وما أوضحناه من برهان مسائل المستحق بالتكليف وكيفيته وحالة إيصاله إلى مستحقه موجب لاعتقادها والتدين (2) بها وضلال من خالف في شئ منها أو جهله أو شك فيه أو اعتقد على غير وجهه لما قدمناه من وجوب ضلال من لم يعتقد الحق في المعارف على وجهه. وقد وفينا بما شرطناه على أنفسنا من تقريب العبارة عن جملة التكليفين وكيفية العبارة عن الاستدلال على مسائلهم، وترتيبها على الوجه الذي اقتضاه التكليف وجهته، وبلغنا من تحرير ذلك وتهذيبه حدا يعلم كل مصنف (كذا) ذو بصيرة تأمله تميزه عن كثير من تصانيف العلماء، ويقف من فهمه على ما لعله


(1) كذا، ولعل الصحيح: يفسح. (2) في بعض النسخ: التدبر.

[ 512 ]

لم يقف عليه من غيره من كبار الكتب، متقربين إلى الله سبحانه بتأدية ما تعين فرض نشره والإشارة بذكره، راغبين إليه سبحانه بالمصطفين من خلقه صلوات الله عليهم في توفير حظنا من مستحقه، ضارعين إليه سبحانه بأكرم الوسائل عنده في غفران زللنا والصفح عن فارط سيآتنا وما لعله وقع من تقصير فيما سطرناه أو عدول عن سنن حق فيما نحوناه، شافعين إلى الحضرة النبوية (كذا) في الأنعام بتأمله وقبول شكر أياديها بتأليفه، طالبين إليه تعالى بآبائها المختارين لحجته المصطفين لتبليغ ملته صلوات الله عليهم وسلامه ورحمته عليها في الآخرين تكميل النعمة على كافة أهل الحق ببقائها ودوام نعمائها ونصرة الحق وأهله بدوام سلطانها واجزال حظها من عاجل الثناء (1) وأطيب الثناء وآجل الثواب وحميد الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


(1) كذا في النسخ، والعل الصحيح: السناء

اترك تعليقاً