كليات في علم الرجال

الشيخ السبحاني


[ 1 ]

مركز مديريت حوزهء علميهء قم كليات في علم الرجال محاضرات: الاستاذ المحقق الشيخ جعفر السبحاني الموضوع: رجال الطبعة: الثالثة المطبوع: 2000 نسخة التاريخ: ذي العقدة الحرام 1414 ه‍ مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة كليات في علم الرجال


[ 2 ]

كليات في علم الرجال محاضرات: الاستاذ المحقق الشيخ جعفر السبحاني الموضوع: رجال الطبعة: الثالثة المطبوع: 2000 نسخة التاريخ: ذي القعدة الحرام 1414 ه‍ مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الهادي الامين وعترته الطيبين الطاهرين. أما بعد، فإن الحضارة البشرية وهي سائرة نحو التقدم تستدعي التوسع في كل ما يكون مؤثرا فيها بمرور الزمن، ومما يكون مؤثرا فيها هو معرفة أحوال الرجال أولا، ثم معرفة آثارهم وما قدموه للبشرية من عطاء ثانيا. وقد ازدادت ضرورة هذه التوسعة في خصوص مذهب الشيعة الامامية من جهة توقف الاجتهاد إلى حد ما على ذلك، والاجتهاد هو المحور الاساسي الذي يدور عليه فقه أهل البيت عليهم السلام، والذي يمثل نقطة التفوق على سائر المذاهب الفقهية الاخرى، وهو الذي أعطى الفقه الامامي صبغة الحيوية والمؤونة والمضي مع الزمن، وأما وجه توقف الاجتهاد على معرفة أحوال الرجال فواضح بعد أن كانت السنة النبوية المبينة من طريق أهل البيت عليهم السلام تشكل مصدرا أساسيا لمعرفة الاحكام الالهية بعد القرآن، وقد وصلت هذه السنة إلى أيدي العلماء الذين دونوا الاصول والموسوعات الحديثية بطرق، وفي هذه الطرق رجال فيهم من يعتمد عليه، وفيهم من لا يعتمد عليه، وفيهم المجهول وغير ذلك، ولما كان الحجة في الاستدلال هو الحديث المروي


[ 4 ]

عنهم عليهم السلام بطريق يعتمد عليه حسبما ثبت في محله كان في اللازم معرفة الطريق المعتبر عن غيره لتتم الحجة للفقيه في الاستدلال على الاحكام. ولما كان هناك فراغ في الحوزات العلمية من هذا العلم علم الرجال وعدم دراسة طلبة العلوم الاسلامية في مرحلة السطوح لهذا العلم حتى موجزه وكلياته بحيث يكونون متهيئين لمرحلة السطوح العالية ودراستها ونقدها قام سماحة الاستاذ المحقق الشيخ السبحاني لسد هذا الفراغ وألف هذا السفر المبارك خدمة للعلم والعلماء فجزاه الله عن الاسلام خير الجزاء. وقد قامت المؤسسة والحمد لله بإعادة طبعه ونشره ليكون في متناول أيدي رواد العلم والفضيلة سائلة الله سبحانه أن يمد في عمر المؤلف ويوفق الجميع لنشر تعاليم الدين المبين إنه خير ناصر ومعين. مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه وآله وعلى رواة سنته وحملة أحاديثه وحفظة كلمه.


[ 7 ]

تصدير لما كانت السنة المطهرة الشاملة لاحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة، هي المصدر الرئيسي الثاني من مصادر التشريع الاسلامي، وكان الوقوف على الاحاديث الشريفة، والاستفادة منها تتطلب التثبت منها، والتحقق من صدورها، أو الحصول على ما يجعلها حجة على المكلفين، لذلك يجب الوقوف على أحوال الرواة الذين حملوا إلينا تلك الاحاديث جيلا بعد جيل، منذ عصر الرسالة والامامة، وهذا هو ما يسمى ب‍: ” علم الرجال ” الذي يتعين على كل فقيه يريد استنباط الاحكام، وممارسة عملية الاجتهاد، الالمام به على نحو يمكنه من تمحيص الاحاديث، والتثبت منها. وإحساسا باهمية هذا العلم في الدراسات الاسلامية، طلبت مني ” لجنة إدارة الحوزة العلمية بقم المقدسة “، إلقاء سلسلة منتظمة من المحاضرات على طلاب الحوزة العلمية المباركة لتكون مقدمة لمرحلة التخصص. فاستجبت لهذا الطلب، ووفقنا الله لالقاء هذه المحاضرات التي تشتمل على قواعد وكليات من هذا العلم، لاغنى للمستنبط عن الوقوف عليها، وقد استخرجناها عما ذكره أساطين الفن في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيمها، وهم بين موجز في القول، ومفصل ومسهب في الكلام شكر الله مساعيهم


[ 8 ]

الجميلة ونحن نقتصر على امهات المطالب وأهم مفاتيح هذا العلم الشريف التي يسهل على الطالب تناولها وفهمها، سائلين من المولى سبحانه التوفيق لتحصيل مرضاته. وقد ارتأت ” لجنة الادارة ” أن تقوم بطبع وإخراج هذه المحاضرات تعميما للفائدة، فكان هذا الكتاب، فحيا الله هذه اللجنة وشكر مساعيها الخالصة، في خدمة الاسلام، ونرجو من القراء الكرام إرسال نظرياتهم القيمة حتى تتكامل هذه المجموعة بإذن الله تعالى وتتبع هذه الخطوة العلمية المباركة، خطوات أوسع في هذا الصعيد. قم المقدسة. الحوزة العلمية جعفر السبحاني يوم ميلاد فاطمة الزهراء (ع) 20 / جمادي الآخرة / 1408


[ 9 ]

الفصل الاول * المبادئ التصورية لعلم الرجال. * علم الرجال، موضوعه ومسائله. * التراجم وعلم الرجال. * الدراية وعلم الرجال.


[ 11 ]

ما هو علم الرجال ؟ الرجال: علم يبحث فيه عن أحوال الرواة من حيث اتصافهم بشرائط قبول أخبارهم وعدمه. وإن شئت قلت: هو علم يبحث فيه عن أحوال رواة الحديث التي لها دخل في جواز قبول قولهم وعدمه. وربما يعرف بأنه علم وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا، ومدحا وقدحا. والمراد من تشخيص الراوي ذاتا، هو معرفة ذات الشخص وكونه فلان بن فلان. كما أن المراد من التشخيص الوصفي، هو معرفة أوصافه من الوثاقة ونحوها. وقوله: ” مدحا وقدحا ” بيان لوجوه الوصف، إلى غير ذلك من التعاريف. والمطلوب المهم في هذا العلم حسبما يكشف عنه التعريف، هو التعرف على أحوال الرواة من حيث كونهم عدولا أو غير عدول، موثقين أو غير موثقين، ممدوحين أو مذمومين، أو مهملين، أو مجهولين (1) والاطلاع على مشايخهم وتلاميذهم وحياتهم وأعصارهم وطبقاتهم في الرواية حتى يعرف


(1) سيوافيك الفرق بين المهمل والمجهول. [ * ]

[ 12 ]

المرسل عن المسند ويميز المشكترك، إلى غير ذلك مما يتوقف عليه قبول الخبر. ما هو موضوع علم الرجال ؟ موضوعه عبارة عن رواة الحديث الواقعين في طريقه، فبما أن كل علم يبحث فيه عن عوارض موضوع معين وحالاته الطارئة عليه، ففي المقام يبحث عن أحوال الرواة من حيث دخالتها في اعتبار قولهم وعدمه، أما حالاتهم الاخرى التي ليست لها دخالة في قبول قولهم فهو خارج عن هذا العلم، فالبحث في هذا العلم إنما هو عن اتصاف الراوي بكونه ثقة وضابطا أو عدلا أو غير ذلك من الاحوال العارضة للموضوع، أما الاحوال الاخرى ككونه تاجرا أو شاعرا أو غير ذلك من الاحوال التي لا دخالة لها في قبول حديثهم فهي خارجة عن هذا العلم. ما هو مسائله ؟ إن مسائل علم الرجال هو العلم بأحوال الاشخاص من حيث الوثاقة وغيرها، وعند ذلك يستشكل على تسمية ذلك علما، فإن مسائل العلم تجب أن تكون كلية لا جزئية، وأجيب عن هذا الاشكال بوجهين: الاول: ان التعرف على أحوال الراوي كزرارة ومحمد بن مسلم يعطي ضابطة كلية للمستنبط بأن كل ما رواه هذا أو ذاك فهو حجة، والشخص مقبول الرواية، كما أن التعرف على أحوال وهب بن وهب يعطي عكس ذلك، وعلى ذلك فيمكن انتزاع قاعدة كلية من التعرف على أحوال الاشخاص، فكانت المسألة في هذا العلم تدور حول: ” هل كل ما يرويه زرارة أو محمد بن مسلم حجة أو لا ؟ ” والبحث عن كونه ثقة أو ضابطا يعد مقدمة لانتزاع هذه المسألة الكلية. وهذا الجواب لا يخلو من تكلف كما هو واضح، لان المسألة الاصلية


[ 13 ]

في هذا العلم هو وثاقة الراوي المعين وعدمها، لا القاعدة المنتزعة منها. الثاني: وهو الموافق للتحقيق أن الالتزام بكون مسائل العلوم مسائل كلية، التزام بلا جهة، لانا نرى أن مسائل بعض العلوم ليست الا مسائل جزئية، ومع ذلك تعد من العلوم، كالبحث عن أحوال الموضوعات الواردة في علمي الهيئة والجغرافية، فإن البحث عن أحوال القمر والشمس وسائر الكواكب بحوث عن الاعيان الشخصية، كما أن البحث عن الارض وأحوالها الطبيعية والاقتصادية والاوضاع السياسية الحاكمة على المناطق منها، أبحاث عن الاحوال العارضة للوجود الشخصي، ومع ذلك لا يوجب ذلك خروجهما عن نطاق العلوم، ويقرب من ذلك ” العرفان “، فإن موضوع البحث فيه هو ” الله ” سبحانه ومع ذلك فهو من أهم المعارف والعلوم، وبذلك يظهر أنه لا حاجة إلى ما التزموا به من لزوم كون مسائل العلوم كلية خصوصا العلوم الاعتبارية كالعلوم الادبية والرجال التي يكفي فيها كون المسألة (جزئية كانت أو كلية) واقعة في طريق الهدف الذي لاجله أسس العلم الاعتباري. علم التراجم وتمايزه عن علم الرجال وفي جانب هذا العلم، علم التراجم الذي يعد أخا لعلم الرجال وليس نفسه، فان علم الرجال يبحث فيه عن أحوال رجال وقعوا في سند الاحاديث من حيث الوثاقة وغيرها، وأما التراجم فهو بحث عن أحوال الشخصيات من العلماء، وغيرهم، سواء كانوا رواة أم لا وبذلك يظهر أن بيمن العلمين بونا شاسعا. نعم، ربما يجتماعان في مورد، كما إذا كان الراوي عالما مثلا، كالكليني والصدوق، ولكن حيثية البحث فيهما مختلفة، فالبحث عن أحوالهما من حيث وقوعهما في رجال الحديث واتصافهما بما يشترط في قبول الرواية، غير البحث عن أحوالهما وبلوغهما شأوا عظيما من العلم وأنهما مثلا قد ألفا كتبا


[ 14 ]

كثيرة في مختلف العلوم. وقد أدخل القدماء من الرجاليين تراجم خصوص العلماء من علم التراجم في علم الرجال، من دون أن يفرقوا بين العلمين حتى إن الشيخ منتجب الدين ابن بابوية (الذي ولد سنة 504 وكان حيا إلى سنة 585) ألف فهرسا في تراجم الرواة والعلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي (المتوفي سنة 460) وتبع في ذلك طريقة من سبقه من علماء الرجال أعني الشيخ الكشي والنجاشي والشيخ الطوسي الذين هم أصحاب الاصول لعلم الرجال والتراجم في الشيعة، وكذلك فعل الشيخ رشيد الدين ابن شهر آشوب (المتوفي عام 588) فألف كتاب ” معالم العلماء ” وألحق بآخره أسماء عدة من أعلام شعراء الشيعة المخلصين لاهل البيت. وبعده أدرج العلامة الحلي (المتوفي عام 726) في كتاب ” الخلاصة ” بعض علماء القرن السابع، كما أدرج الشيخ تقي الدين الحسن بن داود (المولود عام 647) أحوال العلماء المتأخرين في رجاله المعروف ب‍ ” رجال ابن داود ” واستمر الحال على ذلك إلى أن استقل ” التراجم ” عن ” علم الرجال ” فصار كل، علما مستقلا في التأليف. ولعل الشيخ المحدث الحر العاملي من الشيعة أول من قام بالتفكيك بين العلمين فألف كتابه القيم ” أمل الآمل في تراجم علماء جبل عامل ” في جزئين: الجزء الاول بهذا الاسم والجزء الثاني باسم ” تذكرة المتبحرين في ترجمة سائر علماء المتأخرين ” وقد توفي الشيخ عام ” 1104 ” وشرع في تأليف ذلك الكتاب عام ” 1096 “، وبعده توالى التأليف في التراجم فألف الشيخ عبد الله الافندي التبريزي (المتوفي قبل عام 1134)، ” رياض العلماء ” في عشر مجلدات إلى غير ذلك من التآليف القيمة في التراجم ك‍ ” روضات الجنات ” للعلامة الاصفهاني و ” أعيان الشيعة ” للعلامة العاملي و ” الكنى والالقاب ” للمحدث القمي و ” ريحانة الادب ” للمدرس التبريزي (قدس الله أسرارهم).


[ 15 ]

والغرض من هذا البحث ايقاف القارئ على التمييز بين العلمين لاختلاف الاغراض الباعثة إلى تدوينهما بصورة علمين متمايزين، والحيثيات الراجعة إلى الموضوع، المبينة لاختلاف الاهداف، فنقول: ان الفرق بين العلمين يمكن بأحد وجوه على سبيل مانعة الخلو: 1 العلمان يتحدان موضوعا ولكن الموضوع في كل واحد يختلف بالحيثية، فالشخص بما هو راو وواقع في سند الحديث، موضوع لعلم الرجال، وبما أن له دورا في حقل العلم والاجماع والادب والسياسة والفن والصناعة، موضوع لعلم التراجم. نظير الكلمة العربية التي من حيث الصحة والاعتلال موضوع لعلم الصرف، ومن حيث الاعراب والبناء موضوع لعلم النحو. ولاجل ذلك يكون الموضوع في علم الرجال هو شخص الراوي وان لم تكن له شخصية اجتماعية، بخلاف التراجم فإن الموضوع فيه، الشخصيات البارزة في الاجتماع لجهة من الجهات. 2 العلمان يتحدان موضوعا ويختلفان محمولا، فالمحمول في علم الرجال وثاقة الشخص وضعفه، وأما التعرف على طبقته وعلى مشايخه وتلاميذه ومقدار رواياته كثرة وقلة، فمطلوب بالعرض والبحث عنها لاجل الوقوف على المطلوب بالذات وهو تمييز الثقة الضابط عن غيره، إذ الوقوف على طبقة الشخص والوقوف على مشايخه والراوين عنه خير وسيلة لتمييز المشتركين في الاسم، ولا يتحقق التعرف على الثقة الا به. كما أن الوقوف على مقدار رواياته ومقايسة ما يرويه مع ما يرويه غيره من حيث اللفظ والمعنى، سبب للتعرف على مكانة الراوي من حيث الضبط. أما المطلوب في علم التراجم فهو التعرف على أحوال الاشخاص لا من حيث الوثاقة والضعف، بل من حيث دورهم في حقل العلم والادب والفن والصناعة من مجال السياسة والاجتماع وتأثيره في الاحداث والوقائع إلى غير ذلك مما يطلب من علم التراجم.


[ 16 ]

إن علم الرجال من العلوم التي أسسها المسلمون للتعرف على رواة آثار الرسول صلى الله عليه وآله والائمة من بعده حتى يصح الركون إليها في مجال العمل والعقيدة، ولولا لزوم التعرف عليها في ذاك المجال لم يؤسس ولم يدون. وأما علم التراجم فهو بما أنه كان نوعا من علم التاريخ وكان الهدف التعرف على الاحداث والوقائع الجارية في المجتمع، كان علما عريقا متقدما على الاسلام، موجودا في الحضارات السابقة على الاسلام. وبهذه الوجوه الثلاثة نقتدر على تمييز أحد العلمين عن الاخر. الفرق بين علم الرجال والدراية علم الرجال والدراية كوكبان في سماء الحديث، وقمران يدوران على فلك واحد، يتحدان في الهدف والغاية وهو الخدمة للحديث سندا ومتنا، غير أن الرجال يبحث عن سند الحديث والدراية عن متنها، وبذلك يفترق كل عن الآخر، افتراق كل علم عن العلم الآخر بموضوعاته. وان شئت قلت: إن موضوع الاول هو المحدث، والغاية، التعرف على وثاقته وضعفه ومدى ضبطه، وموضوع الثاني، هو الحديث والغاية، التعرف على أقسامها والطوارئ العارضة عليها. نعم، ربما يبحث في علم الدراية عن مسائل مما لا يمت إلى الحديث بصلة مثل البحث عن مشايخ الثقات، وأنهم ثقات أو لا ؟ أو أن مشايخ الاجازة تحتاج إلى التوثيق أو لا ؟ ولكن الحق عد نظائرهما من مسائل علم الرجال، لان مآل البحث فيهما تمييز الثقة عن غيرها عن طريق القاعدتين وأمثالهما. فإن البحث عن وثاقة الشخص يتصور على ثلاثة أوجه:


[ 17 ]

1 البحث عن وثاقة شخص معين ك‍ ” زرارة ” و ” محمد بن مسلم ” و… 2 البحث عن وثاقة أشخاص معينة ك‍ ” كون مشايخ الاقطاب الثلاثه: محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى والبزنطي ” ثقات. 3 البحث عن وثاقة عدة ينطبق عليهم أحد العنوانين المذكورين ك‍ ” كونهم من مشايخ الاجازة أو من مشايخ الثقة أو الثقات “. مدار البحث في هذه المحاضرات لما كان علم الرجال يركز البحث على تمييز الثقة عن غيره، يكون أكثر أبحاثه بحثا صغرويا وأنه هل الراوي الفلاني ثقة أو لا ؟ ضابط أو لا ؟ وهذا المنهج من البحث، لا يليق بالدراسة وإلقاء المحاضرة لكثرتها أولا وغنى القارئ عنها بالمراجعة إلى الكتب المعدة لبيان أحوال تلك الصغريات ثانيا. نعم هناك نمط آخر من البحث وهو المحرك لنا إلى إلقاء المحاضرة، وهو البحث عن ضوابط كلية وقواعد عامة ينتفع منها المستنبط في استنباطه وعند مراجعته إلى الكتب الرجالية، وتوجب بصيرة وافرة للعالم الرجالي وهي لا تتجاوز عن عدة امور نأتي بها واحدا بعد آخر، وقد طرحها الرجاليون في مقدمات كتبهم أو مؤخراتها. شكر الله مساعيهم.


[ 19 ]

1 أدلة مثبتي الحاجة إلى علم الرجال * حجية خبر الثقة * الامر بالرجوع إلى صفات الراوي. * وجود الوضاعين والمدلسين والعامي في الاسانيد وبين الرواة.


[ 21 ]

الحاجة إلى علم الرجال لقد طال الحوار حول الحاجة إلى علم الرجال وعدمها، فمن قائل بتوقف الاستنباط عليه وأن رحاه يدور على امور، منها العلم بأحوال الرواة، ولولاه لما تمكن المستنبط من استخراج كثير من الاحكام عن أدلتها، إلى قائل بنفي الحاجة إليه، محتجا بوجوه منها: قطعية أخبار الكتب الاربعة صدورا، إلى ثالث قال بلزوم الحاجة إليه في غير ما عمل به المشهور من الروايات، إلى غير ذلك من الانظار، وتظهر حقيقة الحال مما سيوافيك من أدلة الاقوال، والهدف إثبات الحاجة إلى ذاك العلم بنحو الايجاب الجزئي، وأنه مما لابد منه في استنباط الاحكام في الجملة، في مقابل السلب الكلي الذي يدعى قائله بأنه لا حاجة إليه أبدا، فنقول: استدل العلماء على الحاجة إلى علم الرجال بوجوه نذكر أهمها: الاول: حجية قول الثقة لاش أن الادلة الاربعة دلت على حرمة العمل بغير العلم قال سبحانه وتعالى: * (قل الله أذن لكم أم على الله تفترون) * (1) وقال عز من قائل * (ولا


(1) يونس، 59. [ * ]

[ 22 ]

تقف ما ليس لك به علم) * (1) وقال أيضا: * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (2). وأما الروايات الناهية عن العمل بغير العلم فكثيرة لا تحصى، يقف عليها كل من راجع الوسائل كتاب القضاء الباب ” 12 11 10 ” من أبواب صفات القاضي فيرى فيها أحاديث كثيرة تمنع من العمل بغير العلم غير أنه قد دلت الادلة الشرعية على حجية بعض الظنون، كالظواهر وخبر الواحد إلى غير ذلك من الظنون المفيدة للاطمئنان في الموضوعات والاحكام، والسر في ذلك هو أن الكتاب العزيز غير متكفل ببيان جميع الاحكام الفقهية، هذا من جانب. ومن جانب آخر إن الاجماع الكاشف عن قول المعصوم قليل جدا. ومن جهة ثاثة إن العقل قاصر في أن يستكشف به أحكام الله، لعدم احاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الاحكام الشرعية. نعم هو حجة في ما إذا كانت هناك ملازمة بين حكم العقل والشرع، كما في ادراكه الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها، ووجوب الشئ وحرمة ضده، والملازمة بين حرمة الشئ وفساده، إلى غير ذلك من الامور التي بحث عنها الاصوليون في باب الملازمات العقلية. فهذه الجهات الثلاث أوجبت كون خبر الواحد بشرائطه الخاصة حجة قطعية، وعند ذلك صارت الحجج الشرعية وافية باستنباط الاحكام الشرعية. ومن المعلوم أنه ليس مطلق الخبر حجة، بل الحجة هو خصوص خبر العدل، كما مال إليه بعض، أو خبر الثقة أعني من يثق العقلاء بقوله، ومن المعلوم أن إحراز الصغرى أعني كون الراوي عدلا أو ثقة يحتاج إلى الرجوع إلى علم الرجال المتكفل ببيان أحوال الرواة من العدالة والوثاقة، وعند ذلك


(1) الاسراء، 36. (2) يونس، 36. [ * ]

[ 23 ]

يقدر المستنبط على تشخيص الثقة عن غيره، والصالح للاستدلال عن غير الصالح، إلى غير ذلك من الامور التي لا يستغني عنها المستنبط الا بالرجوع إلى الكتب المعدة لبيانها. وهناك رأي ثالث يبدو أنه أقوى الاراء في باب حجية الخبر، وهو أن الخارج عن تحت الظنون المنهية، هو الخبر الموثوق بصدوره وان لم تحرز وثاقة الراوي، ومن المعلوم أن إحراز هذا الوصف للخبر، يتوقف على جمع أمارات وقرائن تثبت كون الخبر مما يوثق بصدوره. ومن القرائن الدالة على كون الخبر موثوق الصدور، هو العلم بأحوال الرواة الواقعة في اسناد الاخبار. وهناك قول رابع، وهو كون الخارج عن تحت الظنون التي نهي عن العمل بها عبارة عن قول الثقة المفيد للاطمئنان الذي يعتمد على مثله العقلاء في امورهم ومعاشهم، ولا شبهة أن إحراز هذين الوصفين أعني كون الراوي ثقة والخبر مفيدا للاطمئنان لا يحصل الا بملاحظة امور. منها الوقوف على أحوال الرواة الواقعة في طريق الخبر، ولاجل ذلك يمكن أن يقال: إنه لا منتدح لاي فقيه بصير من الرجوع إلى ” علم الرجال ” والوقوف على أحوال الرواة وخصوصياتهم، إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في ذلك العلم. وانما ذهب هذا القائل إلى الجمع بين الوصفين في الراوي والمروي (أي وثاقة الراوي وكون المروي مفيدا للاطمئنان)، لان كون الراوي ثقة لا يكفي في الحجية، بل يحتاج مع ذلك إلى إحراز كون الخبر مفيدا للاطمئنان، ولا يتحقق إلا إذا كان الراوي ضابطا للحديث ناقلا إياه حسب ما ألقاه الامام عليه السلام، وهذا لا يعرف إلا بالمراجعة إلى أحوال الراوي، ومن المعلوم أن عدم ضابطية بعض الرواة مع كونهم ثقات أوجد اضطرابا في الاحاديث وتعارضا في الروايات، حيث حذفوا بعض الكلم والجمل الدخيلة في فهم الحديث، أو نقلوه بالمعنى من غير أن يكون اللفظ كافيا في إفادة مراد الامام عليه السلام.


[ 24 ]

وبذلك يعلم بطلان دليل نافي الحاجة إلى الرجال، حيث قال: ” إن مصير الاكثر إلى اعتبار الموثق، بل الحسن، بل الضعيف المنجبر، ينفي الحاجة إلى علم الرجال، لان عملهم يكشف عن عدم الحاجة إلى التعديل “. وفيه: أن ما ذكره إنما يرد على القول بانحصار الحجية في خبر العدل، وأن الرجوع إلى كتب الرجال لاجل إحراز الوثاقة بمعنى العدالة. وأما على القول بحجية الاعم من خبر العدل، وقول الثقة، أو الخبر الموثوق بصدوره أو المجتمع منهما فالرجوع إلى الرجال لاجل تحصيل الوثوق بالصدق أو وثاقة الراوي. ثم إن المحقق التستري استظهر أن مسلك ابن داود في رجاله ومسلك القدماء هو العمل بالممدوحين والمهملين الذين لم يردا فيهم تضعيف من الاصحاب، ولاجل ذلك خص ابن داود القسم الاول من كتابه بالممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب، بخلاف العلامة فإنه خص القسم الاول من كتابه بالممدوحين، ثم قال: وهو الحق الحقيق بالاتباع وعليه عمل الاصحاب فترى القدماء كما يعملون بالخبر الذي رواته ممدوحون، يعملون بالخبر الذي رواته غير مجروحين، وإنما يردون المطعونين، فاستثنى ابن الوليد وابن بابويه من كتاب ” نوادر الحكمة ” عدة أشخاص، واستثنى المفيد من شرائع علي بن ابراهيم حديثا واحدا في تحريم لحم البعير، وهذا يدل على أن الكتب التي لم يطعنوا في طرقها ولم يستثنوا منها شيئا كان معتبرا عندهم، ورواتها مقبولو الرواية، إن لم يكونوا مطعونين من أئمة الرجال ولا قرينة، وإلا فتقبل (1) مع الطعن ثم ذكر عدة شواهد على ذلك فمن أراد فليلاحظ (2). وعلى فرض صحة ما استنتج، فالحاجة إلى علم الرجال في معرفة الممدوحين والمهملين والمطعونين قائمة بحالها.


(1) كذا في المطبوع والظاهر ” فلا تقبل “. (2) قاموس الرجال، ج 1 الصفحة 27 25. [ * ]

[ 25 ]

هذا هو الوجه الاول للزوم المراجعة إلى علم الرجال. واليك الوجوه الباقية. الثاني: الرجوع إلى صفات الراوي في الاخبار العلاجية إن الاخبار العلاجية تأمر بالرجوع إلى صفات الراوي من الاعدلية والافقهية، حتى يرتفع التعارض بين الخبرين بترجيح أحدهما على الآخر في ضوء هذه الصفات. ومن المعلوم أن إحراز هذه الصفات في الرواة لا يحصل إلا بالمراجعة إلى ” علم الرجال “، قال الصادق عليه السلام في الجواب عن سؤال عمر بن حنظلة عن اختلاف القضاة في الحكم مع استناد اختلافهما إلى الاختلاف في الحديث: ” الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ” (1). فإن الحديث وإن كان واردا في صفات القاضي، غير أن القضاة في ذلك الوقت كانوا رواة أيضا، وبما أن الاجتهاد كان في ذلك الزمن قليل المؤنة، بسيط الحقيقة، لم يكن هناك فرق بين الاستنباط ونقل الحديث إلا قليلا، ولاجل ذلك تعدى الفقهاء من صفات ” القاضي ” إلى صفات ” الراوي “. أضف إلى ذلك أن الروايات العلاجية غير منحصرة بمقبولة عمر بن حنظلة، بل هناك روايات اخر تأمر بترجيح أحد الخبرين على الآخر بصفات الراوي أيضا، يقف عليها من راجع الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من الوسائل (ج 18، كتاب القضاء). الثالث: وجود الوضاعين والمدلسين في الرواة إن من راجع أحوال الرواة يقف على وجود الوضاعين والمدلسين


(1) الوسائل، ج 18 كتاب القضاء، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث الاول، الصفحة 75. [ * ]

[ 26 ]

والمتعمدين للكذب على الله ورسوله فيهم، ومع هذا كيف يصح للمجتهد الافتاء بمجرد الوقوف على الخبر من دون التعرف قبل ذلك على الراوي وصفاته. قال الصادق عليه السلام: ” إن المغيرة بن سعيد، دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا محمد ” (1). وقال أيضا: ” إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ” (2). وقال يونس بن عبد الرحمن: وافيت العراق فوجدت جماعة من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم، وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أصحاب أبي عبد الله قال: ” إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسون من هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ” (3). إن الاستدلال بهذه الروايات على فرض تواترها أو استفاضتها سهل، ولعل المراجع المتتبع يقف على مدى استفاضتها وتواترها. ولكن الاستدلال بها يتم وإن لم تثبت بإحدى الصورتين أيضا، بل يكفي كونها أخبار آحاد مرددة بين كونها صحيحة أو مكذوبة، فلو كانت صحيحة، لصارت حجة على المقصود وهو وجود روايات مفتعلة على لسان النبي الاعظم


(1) رجال الكشي، الصفحة 195. (2) رجال الكشي، الصفحة 257. (3) رجال الكشي، الصفحة 195. ترجمة المغيرة الرقم 103. [ * ]

[ 27 ]

وآله الاكرمين، وإن كانت مكذوبة وباطلة، فيثبت المدعي أيضا بنفس وجود تلك الروايات المصنوعة في الكتب الروائية. وهذا القسم من الروايات مما تثبت بها المدعي على كل تقدير سواء أصحت أم لا تصح، وهذا من لطائف الاستدلال. ولاجل هذا التخليط من المدلسين، أمر الائمة، عليهم السلام بعرض الاحاديث على الكتاب والسنة، وأن كل حديث لا يوافق كتاب الله ولا سنة نبيه يضرب به عرض الجدار. وقد تواترت الروايات على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة، يقف عليها القارئ إذا راجع الباب التاسع من أبواب صفات القاضي من الوسائل (ج 18، كتاب القضاء). ويوقفك على حقيقة الحال ما ذكره الشيخ الطوسي في كتاب ” العدة ” قال: ” إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم ” (1). وهذه العبارة تنص على وجود المدلسين والوضاعين والمخلطين بين رواة الشيعة، فكيف يمكن القول بحجية كل ما في الكتب الاربعة أو غيرها من دون تمييز بين الثقة وغيره. وما ربما يقال من أن أئمة الحديث، قد استخرجوا أحاديث الكتب


(1) عدة الاصول، ج 1 للشيخ الطوسي، الصفحة 366. [ * ]

[ 28 ]

الاربعة من الاصول والجوامع الاولية بعد تهذيبها عن هؤلاء الاشخاص، وإن كان صحيحا في الجملة، ولكن قصارى جهدهم أنه حصلت للمشايخ الثلاثة وحضرت عندهم قرائن تفيد الاطمئنان على صدور ما رووه في كتبهم الاربعة أو الثلاثة (1) عن الائمة، ولكن من أين نعلم أنه لو حصلت عندنا تلك القرائن الحاصلة عندهم، لحصل لنا الاطمئنان ايضا مثل ما حصل لهم. أضف إلى ذلك أن ادعاء حصول الاطمئنان للمشايخ في مجموع ما رووه بعيد جدا، لانهم رووا ما نقطع ببطلانه. هذا مضافا إلى أن ادعاء حصول الوثوق والاطمئنان للمشايخ بصدور عامة الروايات حتى المتعارصين أمر لا يقبله الذوق السليم. الرابع: وجود العامي في أسانيد الروايات إن من سبر روايات الكتب الاربعة وغيرها، يقف على وجود العامي في أسانيد الروايات، وكثير منهم قد وقعوا في ذيل السند، وكان الائمة يفتون لهم بما هو معروف بين أئمتهم، وقد روى أئمة الحديث تلك الاسئلة والاجوبة، من دون أن يشيروا إلى كون الراوي عاميا يقتفي أثر أئمته وأن الفتوى التي سمعها من الامام عليه السلام صدرت منه تقية، وعندئذ فالرجوع إلى أحوال الرواة يوجب تمييز الخبر الصادر تقية عن غيره. الخامس: اجماع العلماء أجمع علماء الامامية، بل فرق المسلمين جميعا في الاعصار السابقة، على العناية بتأليف هذا العلم وتدوينه من عصر الائمة عليهم السلام إلى


(1) الترديد بين الاربعة والثلاثة، انما هو لاجل الترديد في أن الاستبصار كتاب مستقل أو هو جزء من كتاب التهذيب، وقد نقل شيخنا الوالد (قدس الله سره) عن شيخه شيخ الشريعة الاصفهاني، أنه كان يذهب إلى أن الاستبصار ذيل لكتاب التهذيب وليس كتابا مستقلا. ولكن الظاهر من العدة ج 1 الصفحة 356 أنهما كتابان مستقلان. [ * ]

[ 29 ]

يومنا هذا، ولولا دخالته في استنباط الحكم الالهي، لما كان لهذه العناية وجه. والحاصل ; أن التزام الفقهاء والمجتهدين، بل المحدثين في عامة العصور، بنقل أسانيد الروايات، والبحث عن أوصاف الرواة من حيث العدالة والوثاقة، والدقة والضبط، يدل على أن معرفة رجال الروايات من دعائم الاجتهاد.


[ 31 ]

2 أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال * حجية أخبار الكتب الاربعة. * عمل المشهور جابر لضعف السند. * لا طريق إلى اثبات عدالة الرواة. * تفضيح الناس بهذا العلم وعدم اجتماع شرائط الشهادة.


[ 33 ]

الفصل الثاني الحاجة إلى علم الرجال 1 أدلة المثبتين. 2 أدلة النافين.


[ 35 ]

حجة النافين للحاجة إلى علم الرجال قد عرفت أدلة القائلين بوجود الحاجة إلى علم الرجال في استنباط الاحكام عن أدلتها. بقيت أدلة النافين، واليك بيان المهم منها: الاول: قطعية روايات الكتب الاربعة ذهبت الاخبارية إلى القول بقطعية روايات الكتب الاربعة وأن أحاديثها مقطوعة الصدور عن المعصومين عليهم السلام وعلى ذلك فالبحث عن حال الراوي من حيث الوثاقة وعدمها، لاجل طلب الاطمئنان بالصدور، والمفروض أنها مقطوعة الصدور. ولكن هذا دعوى بلا دليل، إذ كيف يمكن ادعاء القطعية لاخبارها، مع أن مؤلفيها لم يدعوا ذلك، وأقصى ما يمكن أن ينسب إليهم أنهم ادعوا صحة الاخبار المودعة فيها، وهي غير كونها متواترة أو قطعية، والمراد من الصحة اقترانها بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها عن الائمة عليهم السلام. وهل يكفي الحكم بالصحة في جواز العمل بأخبارها بلا تفحص أو لا، سنعقد فصلا خاصا للبحث في ذلك المجال، فتربص حتى حين. أضف إلى ذلك أن أدلة الاحكام الشرعية لا تختص بالكتب الاربعة، ولاجل ذلك لا مناص عن الاستفسار عن أحوال الرواة. وقد نقل في الوسائل


[ 36 ]

عن سبعين كتابا، أحاديث غير موجودة في الكتب الاربعة وقد وقف المتأخرون على اصول وكتب لم تصلى إليه يد صاحب الوسائل أيضا، فلاجل ذلك قام المحدث النوري بتأليف كتاب اسماه ” مستدرك الوسائل ” وفيه من الاحاديث ما لاغنى عنها للمستنبط. الثاني: عمل المشهور جابر لضعف السند ذهب بعضهم إلى أن كل خبر عمل به المشهور فهو حجة سواء كان الراوي ثقة أو لا، وكل خبر لم يعمل به المشهور ليس بحجة وإن كانت رواتها ثقات. وفيه: أن معرفة المشهور في كل المسائل أمر مشكل، لان بعض المسائل غير معنونة في كتبهم، وجملة اخرى منها لا شهرة فيها، وقسم منها يعد من الاشهر والمشهور، ولاجل ذلك لا مناص من القول بحجية قول الثقات وحده وإن لم يكن مشهورا. نعم يجب أن لا يكون معرضا عنه كما حقق في محله. الثالث: لا طريق إلى اثبات العدالة إن عدالة الراوي لا طريق إليها إلا بالرجوع إلى كتب أهل الرجال الذين أخذوا عدالة الراوي من كتب غيرهم، وغيرهم من غيرهم، ولا يثبت بذلك، التعديل المعتبر، لعدم العبرة بالقرطاس. وفيه: أن الاعتماد على الكتب الرجالية، لاجل ثبوت نسبتها إلى مؤلفيها، لقراءتهم على تلاميذهم وقراءة هؤلاء على غيرهم وهكذا، أو بقراءة التلاميذ عليهم أو بإجازة من المؤلف على نقل ما في الكتاب، وعلى ذلك يكون الكتاب مسموعا على المستنبط أو ثابتة نسبته إلى المؤلف. والحاصل ; أن الكتاب إذا ثبتت نسبتها إلى كاتبها عن طريق التواتر والاستفاضة، أو الاطمئنان العقلاني الذي يعد علما عرفيا أو الحجة الشرعية


[ 37 ]

يصح الاعتماد عليها. ولاجل ذلك تقبل الاقارير المكتوبة والوصايا المرقومة بخطوط المقر والموصي أو بخط غيرهم، إذا دلت القرائن على صحتها، كما إذا ختمت بخاتم المقر والموصي أو غير ذلك من القرائن. ومن يرفض الكتابة فإنما يرفضها في المشكوك لا في المعلوم والمطمئن منها. أضف إلى ذلك أن تشريع اعتبار العدالة في الراوي، يجب أن يكون على وجه يسهل تحصيلها، ولو كان متعسرا أو متعذرا، يكون الاعتبار لغوا والتشريع بلا فائدة. وعلى هذا فلو كانت العدالة المعتبرة في رواة الاحاديث، ممكنة التحصيل بالطريق الميسور وهو قول الرجاليين فهو، وإلا فلو لم يكن قولهم حجة، يكون اعتبارها فيهم أمرا لغوا لتعسر تحصيلها بغير هذا الطريق. وللعلامة المامقاني جواب آخر وهو: أن التزكية ليست شهادة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في ذلك، من الاصالة والشفاه وغيرها، وإلا لما جاز أخذ الاخبار من الاصول مع أنها مأخوذة من الاصلو الاربعمائة، بل المقصود من الرجوع إلى علم الرجال هو التثبت وتحصيل الظن الاطمئناني الانتظامي الذي انتظم امور العقلاء به فيما يحتاجون إليه وهو يحتلف باختلاف الامور معاشا ومعادا ويختلف في كل منهما باعتبار زيادة الاهتمام ونقصانه (1). وهذا الجواب انما يتم على مذهب من يجعل الرجوع إلى الكتب الرجالية من باب جمع القرائن والشواهد لتحصيل الاطمئنان على وثاقة الراوي أو صدور الحديث. وأما على مذهب من يعتبر قولهم حجة من باب الشهادة فلا. فالحق في الجواب هو التفصيل بين المذهبين. فلو اعتبرنا الرجوع إليهم من باب الشهادة، فالجواب ما ذكرناه. ولو اعتبرناه من باب تحصيل القرائن


(1) تنقيح المقال ج 1 الصفحة 175، من المقدمة. [ * ]

[ 38 ]

والشواهد على صدق الراوي وصدور الرواية، فالجواب ما ذكره قدس سره. ثم إن محل البحث في حجية قولهم، إنما هو إذا لم يحصل العلم من قولهم أو لم يتحقق الاطمئنان، وإلا انحصر الوجه، في قبول قولهم من باب التعبد، وأما الصورتان الاوليان، فخارجتان عن محل البحث، لان الاول علم قطعي، والثاني علم عرفي وحجية قطعية وإن لم تكن حجيته ذاتية مثل العلم. الرابع: الخلاف في معنى العدالة والفسق إن الخلاف العظيم في معنى العدالة والفسق، يمنع من الاخذ بتعديل علماء الرجال بعد عدم معلومية مختار المعدل في معنى العدالة ومخالفته معنا في المبنى، فإن مختار الشيخ في العدالة، أنها ظهور الاسلام، بل ظاهره دعوى كونه مشهورا، فكيف يعتمد على تعديله، من يقول بكون العدالة هي الملكة. وأجاب عنه العلامة المامقاني (مضافا إلى أن مراجعة علماء الرجال إنما هو من باب التبين الحاصل على كل حال)، بقوله: إن عدالة مثل الشيخ والتفاته إلى الخلاف في معنى العدالة، تقتضيان ارادته بالعدالة فيمن أثبت عدالته من الرواة، العدالة المتفق عليها، فإن التأليف والتصنيف إذا كان لغيره خصوصا للعمل به مدى الدهر.. فلا يبني على مذهب خاص الا بالتنبيه عليه (1). توضيحه ; أن المؤلف لو صرح بمذهبه في مجال الجرح والتعديل يؤخذ به، وإن ترك التصريح به، فالظاهر أنه يقتفي أثر المشهور في ذاك المجال وطرق ثبوتهما وغير ذلك مما يتعلق بهما، إذ لو كان له مذهب خاص وراء


(1) تنقيح المقال ج 1 الصفحة 176، من المقدمة. [ * ]

[ 39 ]

مذهب المشهور لوجب عليه أن ينبه به، حتى لا يكون غارا، لان المفروض أن ما قام به من العبء في هذا المضمار، لم يكن لنفسه واستفادة شخصه، بل الظاهر أنه ألفه لاستفادة العموم ومراجعتهم عند الاستنباط، فلابد أن يكون متفق الاصطلاح مع المشهور، وإلا لوجب التصريح بالخلاف. يقول المحقق القمي في هذا الصدد: ” والظاهر أن المصنف لمثل هذه الكتب لا يريد اختصاص مجتهدي زمانه به، حتى يقال إنه صنفه للعارفين بطريقته، سيما وطريقة أهل العصر من العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا، وإنما تنفع المصنفات بعد موت مصنفيها غالبا إذا تباعد الزمان. فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر وانتفاع من سيجئ بعدهم منهم، فإذا لوحظ هذا المعنى منضما إلى عدالة المصنفين وورعهم وتقويهم وفطانتهم وحذاقتهم، يظهر أنهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعنى الذي هو مسلم الكل حتى ينتفع الكل. واحتمال الغفلة للمؤلف عن هذا المعنى حين التأليف سيما مع تمادي زمان التأليف والانتفاع به في حياته في غاية البعد ” (1). وهناك قرينة أخرى على أنهم لا يريدون من الثقة، مجرد الاسلام مع عدم ظهور الفسق، وإلا يلزم توثيق أكثر المسلمين، ولا مجرد حسن الظاهر، لعدم حصول الوثوق به ما لم يحرز الملكة الرادعة. قال العلامة المامقاني: ” إن هناك قرائن على أنهم أرادوا بالعدالة معنى الملكة وهو أنا وجدنا علماء الرجال قد ذكروا في جملة من الرواة ما يزيد على ظهور الاسلام وعدم ظهور الفسق، بل على حسن الظاهر بمراتب ومع ذلك لم يصرحوا فيهم بالتعديل والتوثيق، ألا ترى أنهم ذكروا في إبراهيم بن هاشم، أنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم، وهذا يدل على ما هو أقوى من حسن


(1) القوانين ج 1 الباب السادس في السنة الصفحة 474. [ * ]

[ 40 ]

الظاهر بمراتب، لان أهل قم كان من شأنهم عدم الوثوق بمن يروي عن الضعفاء، بل كانوا يخرجونه من بلدهم، فكيف بمن كان هو في نفسه فاسقا أو على غير الطريقة الحقة. فتحقق نشر الاخبار بينهم يدل على كمال جلالته ومع ذلك لم يصرح فيه أحد بالتوثيق والتعديل ” (1). الخامس: تفضيح الناس في هذا العلم إن علم الرجال علم منكر يجب التحرز عنه، لان فيه تفضيحا للناس، وقد نهينا عن التجسس عن معايبهم وامرنا بالغص والتستر. وفيه أولا: النقض بباب المرافعات. حيث إن للمنكر جرح شاهد المدعي وتكذيبه، وبالامر بذكر المعايب في مورد الاستشارة، إلى غير ذلك مما يجوز فيه الاغتياب. وثانيا: إن الاحكام الالهية أولى بالتحفظ من الحقوق التي اشير إليها. أضف إلى ذلك أنه لو كان التفحص عن الرواة أمرا مرغوبا عنه، فلماذا أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين عند سماع الخبر، إذ قال سبحانه * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * الحجرات: 6. والامر به وإن جاء في مورد الفاسق، لكنه يعم المجهول للتعليل الوارد في ذيل الآية * (أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * فإن احتمال إصابة القوم بجهالة لا يختص بمن علم فسقه، بل يعم محتمله كما لا يخفى. السادس: قول الرجالي وشرائط الشهادة لو قلنا باعتبار قول الرجالي من باب الشهادة، يجب أن يجتمع فيه


(1) تنقيح المقال ج 1 الصفحة 176 من المقدمة. [ * ]

[ 41 ]

شرائطها التي منها الاعتماد على الحس دون الحدس. وهو شرط اتفق عليه العلماء، ومن المعلوم عدم تحقق هذا الشرط، لعدم تعاصر المعدل (بالكسر) والمعدل (بالفتح) غالبا. والجواب أنه يشترط في الشهادة، أن يكون المشهود به أمرا حسيا أو يكون مبادئة قريبة من الحس وإن لم يكن بنفسه حسيا، وذلك مثل العدالة والشجاعة فإنهما من الامور غير الحسية، لكن مبادئها حسية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة، وقرع الابطال في ميادين الحرب، والاقدام بالامور الخطيرة بلا تريث واكتراث في الشجاعة. وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة، أو بقيام القرائن والشواهد على عدالته، أو شهرته وشياعه بين الناس، على نحو يفيد الاطمئنان، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والامارات والقرائن المنقولة متواترة عصرا بعد عصر المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان. ولا شك أن الكشي والنجاشي والشيخ، بما أنهم كانوا يمارسون المحدثين والعلماء بطبع الحال كانوا واقفيمن على أحوال الرواة وخصوصياتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط، فلاجل تلك القرائن الواصلة إليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة، شهدوا بوثاقة هؤلاء. وهناك جواب آخر ; وهو أن من المحتمل قويا أن تكون شهاداتهم في حق الرواة، مستندة إلى السماع من شيوخهم، إلى أن نتتهي إلى عصر الرواة، وكانت الطبقة النهائية معاشرة معهم ومخالطة إياهم. وعلى ذلك، لم يكن التعديل أو الجرح أمرا ارتجاليا، بل كان مستندا، إما إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو


[ 42 ]

ضعفه، أو إلى السماع من شيخ إلى شيخ آخر. وهناك وجه ثالث ; وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدمة عليهم، التي كانت أصحابها معاصرين مع الرواة ومعاشرين معهم، فإن قسما مهما من مضامين الاصول الخمسة الرجالية، وليدة تلك الكتب المؤلفة في العصور المتقدمة. فتبين أن الاعلام المتقدمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم على وثاقة الرجل، على الحس دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة: 1 الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلفيها بالطرق الصحيحة. 2 السماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة. 3 الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الاصحاب وهذا من أحسن الطرق وأمتنها، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الانصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاص. ويدل على ذلك (أي استنادهم إلى الحس في التوثيق) ما نقلناه سالفا عن الشيخ، من أنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة، فوثقت الثقات وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره إلى آخر ما ذكره (1). ولاجل أن يقف القارئ على أن أكثر ما في الاصول الخمسة الرجالية لا جميعها مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة،


(1) لاحظ عدة الاصول ج 1، الصفحة 366. [ * ]

[ 43 ]

نذكر في المقام أسامي ثلة من القدماء، قد ألفوا في هذا المضمار، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجالية المؤلفة قبل الاصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير. 1 الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (المتوفي 381) ترجمة النجاشي (الرقم 1049) وعد من تصانيفه كتاب ” المصابيح ” في من روى عن النبي والائمة عليهم السلام وله أيضا كتاب ” المشيخة ” ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ، طبع في آخر ” من لا يحضره الفقيه ” (1). 2 الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف ب‍ ” ابن عبدون ” (بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة)، كما في رجال النجاشي (الرقم 211) وب‍ ” ابن الحاشر ” كما في رجال الشيخ (2)، والمتوفي سنة 423 وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب ” الفهرس “. أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي (3). 3 الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف ب‍ ” ابن عقدة ” (بضم العين المهملة وسكون القاف المولود سنة 249 والمتوفي سنة 333) له كتاب ” الرجال ” وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار وجمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الامام الصادق من الائمة الطاهرين عليهم السلام (4).


(1) ترجمة الشيخ في الرجال، في الصفحة 495، الرقم 25 وفي الفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 156، تحت الرقم 695، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 184، تحت الرقم 709. (2) رجال الشيخ، الصفحة 450، ترجمة الشيخ ب‍ ” أحمد بن حمدون “. (3) الفهرس، ” الطبعة الاولى “، الصفحة 6 4، تحت الرقم 7 و ” الطبعة الثانية “، الصفحة 29 27. (4) ذكره الشيخ في الرجال، الصفحة 44، الرقم 30 وفي الفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 28، [ * ]

[ 44 ]

4 أحمد بن علي العلوي العقيقي (المتوفي عام 280) له كتاب ” تاريخ الرجال ” وهو يروي عن أبيه، عن إبراهيم بن هاشم القمي (1). 5 أحمد بن محمد الجوهري البغدادي، ترجمة النجاشي (الرقم 207) والشيخ الطوسي (2) وتوفي سنة 401، ومن تصانيفه ” الاشتمال في معرفة الرجال “. 6 الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن نوح، ساكن البصرة له كتاب ” الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله عليه السلام (3). 7 أحمد بن محمد القمي (المتوفي سنة 350) ترجمه النجاشي (الرقم 223). له كتاب ” الطبقات “. 8 أحمد بن محمد الكوفي، ترجمه النجاشي (الرقم 236) وعد من كتبه كتاب ” الممدوحين والمذمومين ” (4). 9 الحسن بن محبوب السراد (بفتح السين المهملة وتشديد الراء) أو الزراد (المولود عام 149، والمتوفي عام 224) روى عن ستين رجلا من


= تحت الرقم 76، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 52، تحت الرقم 86، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233. (1) ترجمة النجاشي في رجاله، تحت الرقم 196، والشيخ في الفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 24، تحت الرقم 63، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 48، تحت الرقم 73، وفي الرجال في الصفحة 453، الرقم 90. (2) رجال الشيخ، الصفحة 449، الرقم 64، والفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 33، تحت الرقم 89، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 57، تحت الرقم 99. (3) ترجمة الشيخ في رجاله، الصفحة 456، الرقم 108 وفي الفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 37، تحت الرقم 107، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 61، تحت الرقم 117 (4) ذكره الشيخ في الرجال، الصفحة 454، وقال في الفهرس ” الطبعة الاولى ” بعد ترجمته في الصفحة 29، تحت الرقم 78: ” توفي سنة 346 ” ويكون في ” الطبعة الثانية ” من الفهرس في الصفحة 53، تحت الرقم 88. [ * ]

[ 45 ]

أصحاب الصادق عليه السلام وله كتاب ” المشيخة ” وكتاب ” معرفة رواة الاخبار ” (1). 10 الفضل بن شاذان، الذي يعد من أئمة علم الرجال وقد توفي بعد سنة 254، وقيل 260، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام وتوفي في أيام العسكري عليه السلام (2) ينقل عنه العلامة في الخلاصة في القسم الثاني في ترجمة ” محمد بن سنان ” بعد قوله: والوجه عندي التوقف فيما يرويه ” فإن الفضل بن شاذان رحمهما الله قال في بعض كتبه: إن من الكذابين المشهورين ابن سنان ” (3). إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرجال وقد جمع أسماءها وما يرجع إليها من الخصوصيات، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب اسماه ” مصفى المقال في مصنفي علم الرجال ” (4). والحاصل، أن التتبع في أحوال العلماء المتقدمين، يشرف الانسان على الاذعان واليقين بأن التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الاعلام الخمسة وغيرها، يستند إما إلى الوجدان في الكتاب الثابت نسبته إلى مؤلفه، أو إلى النقل والسماع، أو إلى الاستفاضة والاشتهار، أو إلى طريق يقرب منها.


(1) راجع رجال الشيخ الطوسي، الصفحة 347، الرقم 9 والصفحة 372، الرقم 11 والفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 46، تحت الرقم 151، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 72، تحت الرقم 162. (2) ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس ” الطبعة الاولى ” الصفحة 124، تحت الرقم 552، وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 150، تحت الرقم 564، وفي الرجال في الصفحة 420، الرقم 1، والصفحة 434، الرقم 2. (3) الخلاصة، الصفحة 251، طبع النجف. (4) طبع الكتاب عام 1378. [ * ]

[ 46 ]

السابع: التوثيق الاجمالي إن الغاية المتوخاة من علم الرجال، هو تمييز الثقة عن غيره، فلو كان هذا هو الغاية منه، فقد قام مؤلفو الكتب الاربعة بهذا العمل، فوثقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التفصيل، فلو كان التوثيق التفصيلي من نظراء النجاشي والشيخ واضرابهما حجة، فالتوثيق الاجمالي من الكليني والصدوق والشيخ أيضا حجة، فهؤلاء الاقطاب الثلاثة، صححوا رجال أحاديث كتبهم وصرحوا في ديباجتها بصحة رواياتها. يقول المحقق الكاشاني في المقدمة الثانية من مقدمات كتابه الوافي في هذا الصدد، ما هذا خلاصته (1): ” إن أرباب الكتب الاربعة قد شهدوا على صحة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أول كتابه في جواب من التمس منه التصنيف: ” وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدي فرض الله وسنة نبيه.. إلى أن قال قدس الله روحه: وقد يسر الله له الحمد تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت “. وقال الصدوق في ديباجة ” الفقيه “: ” إني لم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع “. وذكر الشيخ في ” العدة ” أن جميع ما أورده في كتابيه (التهذيب والاستبصار)، إنما أخذه من الاصول المعتمد عليها. والجواب: أن هذه التصريحات أجنبيه عما نحن بصدده، أعني وثاقة


(1) الوافي، الجزء الاول، المقدمة الثانية، الصفحة 11. [ * ]

[ 47 ]

رواة الكتب الاربعة. أما أولا: فلان المشايخ شهدوا بصحة روايات كتبهم، لا بوثاقة رجال رواياتهم، وبين الامرين بون بعيد، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستندا إلى إحراز وثاقة رواتها، يمكن أن يكون مستندا إلى القرائن المنفصلة التي صرح بها المحقق البهائي في ” مشرق الشمسين ” والفيض الكاشاني في ” الوافي ” ومع هذا كيف يمكن القول بأن المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم ؟ والظاهر كما هو صريح كلام العلمين، أنهم استندوا في التصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة، ويدل على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات، قال قدس سره بعد بيان اصطلاح المتأخرين في تنويع الحديث المعتبر: ” وسلك هذا المسلك العلامة الحلي رحمه الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا قدس الله أرواحهم كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، واقترن بما يوجب الوثوق به، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الاصول الاربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم (2) وكتكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار (4)، أو على تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (5)، أو العمل بروايتهم، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الائمة المعصومين عليهم السلام فأثنوا على مؤلفيها، ككتاب عبيدالله الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع


[ 48 ]

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفوها من الامامية، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد، وعلي بن مهزيار أو من غير الامامية، ككتاب حفص بن غياث القاضي، والحسين بن عبيدالله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.. إلى أن قال: فحكموا بصحة حديث بعض الرواة من غير الامامية كعلي بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الذيمن انعقد الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم.. إلى أن قال: فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال: نعم، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترجيح بينهما، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اشير إليه في الاخبار الواردة في التراجيح بقولهم عليهم السلام ” فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدقهما في الحديث ” وهو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها، وهذا هو عمدة الاسباب الباعثة لنا على ذكر الاسانيد في هذا الكتاب ” (1). وثانيا: سلمنا أن منشأ حكمهم بصحتها هو الحكم بوثاقة رواتها، لكن من أين نعلم أنهم استندوا في توثيقهم إلى الحس، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحس، بل من المحتمل قويا، أنهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها، ومثله يكون حجة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن. وثالثا: نفترض كونهم مستندين في توثيق الرواة إلى الحس، ولكن الاخذ بقولهم إنما يصح لو لم يتظهر كثرة أخطائهم، فإن كثرتها تسقط قول


(1) الوافي، الجزء الاول، المقدمة الثانية، الصفحة 12 11. [ * ]

[ 49 ]

المخبر عن الحجية في الاخبار عن حس أيضا، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلا إن كثيرا من رواة الكافي ضعفهم النجاشي والشيخ، فمع هذه المعارضة الكثيرة تسقط قوله عن الحجية. نعم، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإن الشيخ قد ضعف كثيرا من رجال ” التهذيب والاستبصار ” في رجاله وفهرسه، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التصحيح. فظهر أنه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات، وأن مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب. الثامن: شهادة المشايخ الثلاثة إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحة روايات كتبهم، وأنها صادرة عن الائمة بالقرائن التي أشار إليه المحقق الفيض، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا ؟ الجواب: أن خبر العدل وشهادته إنما يكون حجة إذا أخبر عن الشئ عن حس لا عن حدس، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجة إلا على نفس المخبر، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة، كالمفتى بالنسبة إلى المستفتى. وإخبار هؤلاء عن الصدور إخبار عن حدس لا عن حس. توضيح ذلك ; أن احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين: الاول: التعمد في الكذب وهو مرتفع بعدالته. الثاني: احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالاصل العقلائي المسلم بينهم من اصالة عدم الخطأ والاشتباه، لكن ذاك الاصل عند العقلاء مختص بما إذا أخبر بالشئ عن حس، كما إذا أبصر وسمع، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس، واحتمال الخطأ في الابصار والسمع مرتفع بالاصل المسلم بين العقلاء، وأما احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدمة إلى النتيجة،


[ 50 ]

فليس هنا أصل يرفعه، ولاجل ذلك لا يكون قول المحدس حجة الا لنفسه. والمقام من هذا القبيل، فإن المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم، وتنطق أئمتهم بها، وإنما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرتهم إلى الاطمئنان بالصدور، وهو إخبار عن الشئ بالحدس، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولا يكون حجة في حق الغير. وإن شئت قلت: ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحة الروايات وصدورها أمرا يشترك فيه الجميع أو الاغلب من الناس، بل هو أمر تختلف فيه الانظار بكثير، فرب إنسان تورثه تلك القرائن اطمئنانا في مقابل إنسان آخر، لا تفيده إلا الظن الضعيف بالصحة والصدور، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لاغلب الناس بصدور جميع روايات الكتب الابعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث، وليس الاخبار عن صحتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته، فإن لهما مبادئ خاصة معلومة، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم، فيكون قول المخبر عنهما حجة وإن كان الاخبار عن حدس، لانه ينتهي إلى مبادئ محسوسة، وهي ملموسة لكل من أراد أن يتفحص عن أحوال الانسان. ولا يلحق به الاخبار عن صحة تلك الروايات، مستندا إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحة إلى حد ربما لا تفيد لبعض الناس إلا الظن الضعيف. وليس كل القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الامام ونظيره، حتى يقال إنها من القرائن الحسية، بل أكثرها قرائن حدسية. فان قلت: فلو كان إخبارهم عن صحة كتبهم حجة لانفسهم دون غيرهم، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها ؟ قلت: إن الفائدة لا تنحصر في العمل بها، بل يكفي فيها كون هذا الاخبار باعثا وحافزا إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد، لعله يقف


[ 51 ]

أيضا على مثل ما وقف عليه المؤلف وهو جزء علة لتحصيل الركون لا تمامها. ويشهد بذلك أنهم مع ذاك التصديق، نقلوا الروايات بإسنادها حتى يتدبر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صح لديهم، ولو كانت شهادتهم على الصحة حجة على الكل، لما كان وجه لتحمل ذاك العبء الثقيل، أعني نقل الروايات بإسنادها. كل ذلك يعرب عن أن المرمي الوحيد في نقل تلك التصحيحات، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتى يقوم بنفس ما قام به المولفون ولعله يحصل ما حصلوه.


[ 53 ]

الفصل الثالث المصادر الاولية لعلم الرجال 1 الاصول الرجالية الثمانية. 2 رجال ابن الغضائري.


[ 55 ]

الاصول الرجالية الثمانية * رجال الكشي. * فهرس النجاشي. * رجال الشيخ وفهرسه. * رجال البرقي. * رسالة أبي غالب الزراري. * مشيخة الصدوق. * مشيخة الشيخ الطوسي.


[ 57 ]

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين إلى يومنا هذا بعلم الرجال، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب ” عبيدالله بن أبي رافع ” كاتب أمير المؤمنين عليه السلام، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا عليا وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع. وألف عبد الله بن جبلة الكناني (المتوفي عام 219) وابن فضال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني إلى أوائل القرن الثالث، كتبا في هذا المضمار، واستمر تدوين الرجال إلى أواخر القرن الرابع. ومن المأسوف عليه، أنه لم تصل هذه الكتب إلينا، وإنما الموجود عندنا وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية (1) ما دون في القرنين الرابع والخامس، وإليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال، وإليك أسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.


(1) المعروف أن الاصول الرجالية أربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي، لكن عدها ثمانيه بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة، فلاحظ. [ * ]

[ 58 ]

1 رجال الكشي هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي، والكش بالفتح والتشديد بلد معروف على مراحل من سمرقند، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف ” مساحة الارض والبلدان والاقاليم ” بفتح الكاف وتشديد الشين، وقال: ” بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ “. وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي: ” محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو، كان ثقة عينا وروى عن الضعفاء كثيرا، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه في داره التي كان مرتعا للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة ” (1). وقال الشيخ في الفهرس: ” ثقة بصير بالاخبار والرجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال ” (2). وقال في رجاله: ” ثقة بصير بالرجال والاخبار، مستقيم المذهب ” (3). وأما استاذه العياشي أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة.. قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو


(1) رجال النجاشي: الرقم 1018. (2) فهرس الشيخ: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 141، الرقم 604، و: ” الطبعة الثانية “، الصفحة 167، الرقم 615. (3) رجال الشيخ: الصفحة 497. [ * ]

[ 59 ]

مقابل أو قارئ أو معلق، مملوءة من الناس (1) وله كتب تتجاوز على مائتين. وقد أسمى الكشي كتابه الرجال ب‍ ” معرفة الرجال ” كما يظهر من الشيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري (2). وربما يقال بأنه أسماه ب‍ ” معرفة الناقلين عن الائمة الصادقين ” أو ” معرفة الناقلين ” فقط، وقد كان هذا الكتاب موجودا عند السيد ابن طاووس، لانه تصدى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمه إلى كتب اخرى من الكتب الرجالية وأسماه ب‍ ” حل الاشكال في معرفة الرجال ” وكان موجودا عند الشهيد الثاني، ولكن الموجود من كتاب الكشي في هذه الاعصار، هو الذي اختصره الشيخ مسقطا منه الزوائد، وأسماه ب‍ ” اختيار الرجال “، وقد عده الشيخ من جملة كتبه، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيرا المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقا رائعا وفهرس له فهارس قيمة شكر الله مساعيه. كيفية تهذيب رجال الكشي قال القهبائي: ” إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ، الخاصة ” (3). والظاهر عدم تماميته، لانه ذكر فيه جمعا من العامة رووا عن أئمتنا


(1) راجع رجال النجاشي: الرقم 944. (2) ذكره في ” ترتيب رجال الكشي ” الذي رتب فيه ” اختيار معرفة الرجال ” للشيخ على حروف التهجي، والكتاب غير مطبوع بعد، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله. (3) راجع فهرس الشيخ: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 34، الرقم 90، و: ” الطبعة الثانية ” الصفحة 58، الرقم 100. [ * ]

[ 60 ]

كمحمد بن إسحاق، ومحمد بن المنكدر، وعمرو بن خالد، وعمرو بن جميع، وعمرو بن قيس، وحفص بن غياث، والحسين بن علوان، وعبد الملك بن جريج، وقيس بن الربيع، ومسعدة بن صدقة، وعباد بن صهيب، وأبي المقدام، وكثير النوا، ويوسف بن الحرث، وعبد الله البرقي (1). والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه. ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءا بأصحاب الرسول والوصي إلى أن يصل إلى أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام ثم إلى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة. 2 فهرس النجاشي هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس (2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس، الشهير بالنجاشي، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال: ” أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي، الذي ولي الاهواز وكتب إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله وكتب إليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة (3) ولم ير لابي عبد الله عليه السلام مصنف غيره.


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 17. (2) يكنى ب‍ ” أبي العباس ” تارة وب‍ ” أبي الحسين ” اخرى. (3) هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة، لاحظ: الجزء 12، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به. [ * ]

[ 61 ]

مصنف هذا الكتاب له كتاب ” الجمعة وما ورد فيه من الاعمال “، وكتاب ” الكوفة وما فيها من الآثار والفضائل، وكتاب ” أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم “، وكتاب ” مختصر الانوار ” و ” مواضع النجوم التي سمتها العرب ” (1). وقد ذكر في ديباجة الكتاب، الحوافز التي دعته إلى تأليف فهرسه وقال: ” فإن وقفت على ما ذكره السيد الشريف أطال الله بقاه وأدام توفيقه من تعيير قوم من مخالفينا أنه لاسلف لكم ولا مصنف، وهذا قول من لاعلم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحدا فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره.. إلى أن قال: على أن لاصحابنا رحمهم الله في بعض هذا الفن كتبا ليست مستغرقة لجميع ما رسم، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحد إن شاء الله، وذكرت لكل رجل طريقا واحدا حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض ” (2). أقول: الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه، وحاز قصب السبق في ميدانه، قال العلامة في الخلاصة: ” ثقة معتمد عليه، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين وأربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ” (3). وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام: ” وابن جمهور ضعيف جدا، ذكر ذلك النجاشي في كتاب الرجال ” (4).


(1) رجال النجاشي: الرقم 253. (2) رجال النجاشي: الصفحة 3. (3) رجال العلامة: الصفحة 21 20، طبعة النجف. (4) المعتبر: ج 1 الصفحة 92. [ * ]

[ 62 ]

وأطراه كل من تعرض له، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى، ولكتابه هذا امتيازات نشير إليها: الاول: اختصاصه برجال الشيعة كما ذكره في مقدمته، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عاميا روى عنا، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه، كالمدائني والطبري، وكذا في شيعي غير إمامي فيصرح كثيرا وقد يسكت. الثاني: تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالبا استقلالا أو استطرادا، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير، وربما أعرض عن التعرض بشئ من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم. نعم، ربما يقال: كل من أهمل فيه القول فذلك آية أن الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن، ولكنه غير ثابت، حيث إن كتابه ليس إلا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين، وليس يجب على مؤلف حول الرجال، أن يتعرض للمدج والذم، فسكوته ليس دليلا على المدح ولا على كونه شيعيا إماميا، وإن كان الكتاب موضوعا لبيان الشيعي أو من صنف لهم، لكن الاخير (عدم دلالته على كونه شيعيا إماميا) موضع تأمل، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم، فما دام له يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه إماميا. الثالث: تثبته في مقالاته وتأمله في إفاداته، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم وأضبط من الشيخ والعلامة، لان البناء على كثيرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وإن كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب. الرابع: سعة معرفته بهذا الفن، وكثرة اطلاعه بالاشخاص، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة إحاطته بما يتعلق بهذا


[ 63 ]

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم، كما يشهد استطرافه ذكر امور لا يطلع عليها إلا المصاحب ولا يعرفها عدا المراقب الواجد (1). وقد حصل له ذاك الاطلاع الواسع بصحبته كثيرا من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي (2)، وأحمد بن محمد ” ابن الجندي ” (3)، وأبي الفرج محمد بن علي ابن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة الكاتب (4) وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه (5). الخامس: أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ (6) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظرا لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه مخالفا لما في فهرس الشيخ كان لغاية التصحيح وكان المحقق البروجردي قدس سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ. وأخيرا نقول: إن المعروف في وفاته هو أنه توفي عام 450، ونص عليه العلامة في خلاصته، لكن القارئ يجد في طيات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام 463 (7). ولازم ذلك أن يكون حيا إلى هذه السنة، ومن المحتمل أن يكون الزيادة من النساخ أو القراء، وكانت


(1) لاحظ ترجمة سليمان بن خالد، الرقم 484، وترجمة سلامة بن محمد، الرقم 514، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على احوال الرجال. (2) رجال النجاشي: الرقم 209. (3) قال في رجاله بالرقم 206: أحمد بن محمد بن عمران بن موسى، أبو الحسن المعروف ب‍ ” ابن الجندي ” أستاذنا رحمه الله ألحقنا بالشيوخ في زمانه. (4) لاحظ رجال النجاشي: الرقم 1066. (5) لاحظ سماء المقال: ج 1 الصفحة 66 59. (6) لاحظ رجال النجاشي: الرقم 1068. (7) لاحظ رجال النجاشي: الرقم 1070. [ * ]

[ 64 ]

الزيادة في الحاشية، ثم أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد. ثم إن الشيخ النمجاشي قد ترجم عدة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم، كما أنه لم يترجم عدة من الرواة مستقلا، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم، ولاجل إكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلا يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم. الاول: من لهم تراجم ولكن وثقوا في تراجم غيرهم. 1 أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري، وثقة في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك (الرقم 313). 2 سلمة بن محمد بن عبد الله الخزاعي، وثقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد (الرقم 1099). 3 شهاب بن عبد ربه الاسدي، وثقه في ترجمة ابن أخيه إسماعيل بن عبد الخالق (الرقم 50). 4 صالح بن خالد المحاملي الكناسي، وثقه في باب الكني في ترجمة أبي شعيب المحاملي (الرقم 1240). 5 عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي، وثقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال (الرقم 133). 6 محمد بن عطية الحناط، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط (الرقم 93). 7 محمد بن همام بن سهيل الاسكافي، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري (الرقم 313). الثاني: من ليس لهم ترجمة ولكن وثقوا في تراجم الغير.


[ 65 ]

1 أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وثقه في ترجمة ابنه الحسن (الرقم 151). 2 أسد بن أعفر المصري، وثقه في ترجمة ابنه داود (الرقم 414). 3 إسماعيل بن أبي السمال الاسدي، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم (الرقم 30). 4 إسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل (الرقم 131). 5 جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري، وثقه في ترجمة ابنه سليمان (الرقم 483). 6 حسن بن أبي سارة الروائي، وثقه في ترجمة ابنه محمد (الرقم 883). 7 حسن بن شجرة بن ميمون الكندي، وثقه في ترجمة أخيه علي (الرقم 720). 8 حسن بن علوان الكلبي، وثقه في ترجمة أخيه الحسين (الرقم 116). 9 حسن بن محمد بن خالد الطيالسي، وثقه في ترجمة أخيه عبد الله (الرقم 572). 10 حفص بن سابور الزيات، وثقه في ترجمة أخيه بسطام (الرقم 280). 11 حفص بن سالم، وثقه في ترجمة أخيه عمر (الرقم 758). 12 حيان بن علي العنزي، وثقه في ترجمة أخيه مندل (الرقم 1131).


[ 66 ]

زكريا بن سابور الزيات، وثقه في ترجمة أخيه بسطام (الرقم 280). 14 زياد بن سابور الزيات، وثقه في ترجمة أخيه بسطام (الرقم 280). 15 زياد بن أبي الجعد الاشجعي، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة (الرقم 447). 16 زياد بن سوقة العمري، وثقه في ترجمة أخيه حفص (الرقم 348). 17 سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي، وثقه في ترجمة ابنه رافع (الرقم 447). 18 شجرة بن ميمون بن أبي أراكة الكندي، وثقه في ترجمة ابنه علي (الرقم 720). 19 صباح بن موسى الساباطي، وثقه في ترجمة أخيه عمار (الرقم 779). عبد الاعلى بن علي بن أبي شعبة الحلبي، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر (الرقم 245) وأخويه عبيدالله (612) ومحمد (الرقم 885). 21 عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي، وثقه في ترجمة ابنه إسماعيل (الرقم 50). 22 عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري، وثقه في ترجمة ابن ابنه إسماعيل بن همام (الرقم 62). 23 عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي، وثقه في ترجمة ابن أخيه إسماعيل بن عبد الخالق (الرقم 50). 24 عبد الله بن رباط البجلي، وثقه في ترجمة ابنه محمد (الرقم 955).


[ 67 ]

25 عبد الله بن عثمان بن عمرو الفزاري، وثقه في ترجمة أخيه حماد (الرقم 371). 26 عبد الملك بن سعيد الكناني، وثقه في ترجمة أخيه عبد الله (الرقم 565). 27 عبد الملك بن عتبة النخعي، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي (الرقم 635). 28 علي بن أبي شعبة الحلبي، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله (الرقم 612). 29 علي بن بشير، وثقه في ترجمة أخيه محمد (الرقم 927). 30 علي بن عطية الحناط، وثقه في ترجمة أخيه الحسن (الرقم 93). 31 عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر (الرقم 245) وأخويه عبيدالله (الرقم 612) ومحمد (الرقم 885). 32 عمر بن أبي شعبة الحلبي، وثقه في ترجمة ابن أخيه عبيدالله بن علي (الرقم 612). 33 عمرو بن مروان اليشكري، وثقه في ترجمة أخيه عمار (الرقم 780). 34 قيس بن موسى الساباطي، وثقه في ترجمة أخيه عمار (الرقم 779). 35 أبو خالد، محمد بن مهاجر بن عبيد الازدي، وثقه في ترجمة ابنه إسماعيل (الرقم 46).


[ 68 ]

36 محمد بن الهيثم العجلي، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد (الرقم 151). 37 محمد بن سوقة العمري، وثقه في ترجمة أخيه حفص (الرقم 348). 38 معاذ بن مسلم بن أبي سارة، وثقه في ترجمة ابن عمه محمد بن الحسن (الرقم 883). 39 همام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري، وثقه في ترجمة ابنه إسماعيل (الرقم 62). 40 يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي، وثقه في ترجمة أخيه عمرو (الرقم 772). 41 أبو الجعد الاشجعي، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد (الرقم 447). 42 أبو شعبة الحلبي، وثقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي (الرقم 612). 43 أبو عامر بن جناح الازدي، وثقه في ترجمة أخيه سعيد (الرقم 512). 3 رجال الشيخ: تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (المولود عام 385، والمتوفي عام 460) فقد جمع في كتابه ” أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام ” حسب ترتيب عصورهم. يقول المحقق التستري دام ظله: ” إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير


[ 69 ]

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء أصحابهم ومن روى عنهم مؤمنا كان أو منافقا، إماميا كان أو عاميا، فعد الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من أصحاب النبي، وعد زياد بن أبيه وابنه عبيدالله بن زياد من أصحاب أمير المؤمنين، وعد منصورا الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام بدون ذكر شئ فيهم، فالاستناد إليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في أصحاب غير النبي وأمير المؤمنين، فكيف في أصحابهما ؟ ” (1). ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة، ولا بكل أصحاب الائمة، ويمكن أن يقال: إن الكتاب حسب ما جاء في مقدمته الف لبيان الرواة من الائمة، فالظاهر كون الراوي إماميا ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعيا فتدبر. وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول: ” إن كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله، ولاجل ذلك نرى أنه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئا من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط “. 4 فهرس الشيخ: وهو له قدس سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف (2). إن الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرف، إذ هو الحبر الذي يقتطف منه أزهار العلوم، ويقتبس منه أنواع الفضل، فهو رئيس المذهب والملة، وشيخ المشايخ الاجلة، فقد أطراه كل من ذكره، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق، ورئيسها الذي تلوي إليه الاعناق. صنف في


(1) قاموس الرجال: ج 1، الصفحة 19. (2) سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية. [ * ]

[ 70 ]

جميع علوم الاسلام، فهو مضافا إلى اختيار الكشي، صنف الفهرس والرجال. أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات، وذكر الطرق إليها غالبا وهو يفيد من جهتين: الاولى: في بيان الطرق إلى نفس هذه الاصول والمصنفات. الثانية: إن الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات، ولم يذكر طريقه إلى تلك الاصول والمصنفات، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس، بل ربما يكون مفيدا من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ إلى هذه الاصول والمصنفات ضعيفا في التهذيب، ولكنه صحيح في الفهرس، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان إماميا أو غيره. قال في مقدمته: ” فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الاصول فلابد أن اشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا، وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له ؟ لان كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة، فإذا سهل الله إتمام هذا الكتاب فإنه يطلع على أكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم ” (1). ولكنه قدس سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة، فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئا، مع أنه كان واقفيا كما


(1) الفهرس: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 2 و: ” الطبعة الثانية ” الصفحة 25 24. [ * ]

[ 71 ]

صرح به الكشي والنجاشي، ولم يذكر شيئا في كثير من الضعفاء حتى في مثل الحسن بمن علي السجاد الذي كان يفضل أبا الخطاب على النبي صلى الله عليه وآله والنمجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه. أكثر ذكرا منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء (1). 5 رجال البرقي كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ، أتى فيه أسماء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والائمة إلى الحجة صاحب الزمان عليهم السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وترجيح، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال: ” كتاب الرجال ” (الرقم 182). والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن (المتوفي عام 274 أو عام 280) أو تأليف أبيه، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين وإليك بيانها: 1 إنه كثيرا ما يستند في رجاله إلى كتاب سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري القمي (المتوفي 301 أو 299) وسعد بن عبد الله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه، ولا معنى لاستناد البرقي إلى كتاب تلميذه (2). 2 وقد عنون فيه عبد الله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه منه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، فيكون البرقي شيخه، فكيف يصرح بسماعه منه ؟ (3).


(1) لاحظ قاموس الرجال: ج 1، الصفحة 18. (2) رجال البرقي: الصفحة 23، 32، 34، 35، 46، 53. (3) رجال البرقي: الصفحة 60، 61. [ * ]

[ 72 ]

3 وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبد الله، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلامة وابن داود في كتابيهما (1). 4 وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر إلى أنه أبوه (2). وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده، وهو إما من تأليف ابنه أعني عبد الله بن أحمد البرقي الذي يروي عنه الكليني، أو تأليف نجله أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي الذي يروي عنه الصدوق، والثاني أقرب لعنوانه سعد والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنجل (3). 6 رسالة أبي غالب الزراري وهي رسالة للشيخ أبي غالب، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه إلى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين، وتراجم المحدثين منهم، كتبها أبو غالب إلى ابن ابنه ” محمد بن عبد الله بن أبي غالب ” وهي إجازة منه سنة 356 ه‍، ثم جددها في سنة 367 ه‍، وتوفي بعد ذلك بسنة (أي سنة 368 ه‍) وكانت ولادته سنة 285 ه‍. ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه، منهم: جده أبو طاهر الذي مات سنة 300 (4) ومنهم: عبد الله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة 297 (5).


(1) رجال البرقي: الصفحة 59 57. (2) رجال البرقي: الصفحة 50، 54، 55. (3) لاحظ قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 31. (4) رسالة في آل أعين: الصفحة 38، من النسخة المطبوعة مع شرح العلامة الابطحي. (5) رسالة في آل أعين: الصفحة 38. [ * ]

[ 73 ]

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده، التي يرويها هو عن مؤلفيها، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا، وجزء، وأجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال: ” ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدمت ذكرها ” (1). قال العلامة الطهراني: ” وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد أربعون محدثا. قال فيه: ولم يبق في وقتي من آل أعين أحد يروي الحديث، ولا يطلب العلم، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم، ويدرس رسمهم، ويبطل حديثهم من أولادهم ” (2). وبالجملة، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعد من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في ” كشكول ” المحدث البحراني. وطبعت أخيرا مع شرح العلامة الحجة السيد محمد علي الابطحي شكر الله مساعيه وفيه فوائد مهمة. 7 مشيخة الصدوق: وهي تأليف الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عام 306، والمتوفي عام 381، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكا غير ما سلكه الشيخ الكليني، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالبا إلا قليلا، اعتمادا على ما ذكره في الاخبار السابقة، وأما الشيخ الصدوق في كتاب ” من لا يحضره


(1) رسالة في آل أعين: الصفحة 45. (2) رسالة في آل أعين الصفحة 42. [ * ]

[ 74 ]

الفقيه ” فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد، وحذف أوائل الاسناد، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب، وهذه المشيخة إحدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد، وقد أدرجها الصدوق رحمه الله في آخر كتابه ” من لا يحضره الفقيه “. 8 مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي: التهذيب والاستبصار وهي كمشيخة الصدوق، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء أصحاب الاصول والمصنفات، وذكر سنده إليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين. توالي التأليف في علم الرجال وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين. الفرق بين الرجال والفهرس قد أومأنا إلى أن الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال، ولاكمال البحث نقول: الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات، أن الرجال ماكان مبنيا على بيان طبقات أصحابهم عليه السلام (1) كما عليه رجال الشيخ،


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 33، وأضاف أن أصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر أنه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات أصحابهم عليهم السلام، والموجود من الكشي هو النمط الاول. [ * ]

[ 75 ]

حيث شرع بتدوين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ثم الامام علي عليه السلام وهكذا. وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق إليها، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم، ” ذكره أصحاب الفهرس “، وفي بعضهم: ” ذكره أصحاب الرجال “، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي ومقدمة الجزء الاول من الكتاب (1) وفي أول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله: ” الجزء الثاني من كتاب فهرس أسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذم ” (2). قال المحقق التستري: ” إن كتب فن الرجال العام على أنحاء: منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال، ومنها بعنوان تاريخ الرجال، ومنها بعنوان الفهرس، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين، ومنها بعنوان المشيخة، ولكل واحد موضوع خاص ” (3).


(1) رجال النجاشي: الصفحة 3. (2) رجال النجاشي: الصفحة 211. (3) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 18. [ * ]

[ 77 ]

2 رجال ابن الغضائري * ترجمة الغضائري. * ترجمة ابن الغضائري. * كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء. * هل الكتاب للغضائري أو لابنه ؟ * الضعفاء رابع كتبه. * قيمته عند العلماء.


[ 79 ]

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية، الكتاب الموسوم ب‍ ” رجال الغضائري ” تارة و ” رجال ابن الغضائري ” اخرى، وليس هو إلا كتاب ” الضعفاء ” الذي أدرجه العلامة في خلاصته، والقهبائي في مجمعه. ولرفع الستر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور. وإليك البحث عنها واحدا بعد الآخر: أ ترجمة الغضائري. الحسين بن عبيدالله بن ابراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار. قال النجاشي: ” شيخنا رحمه الله له كتب ” ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة إلى أربعة عشر كتابا ولم يسم له أي كتاب في الرجال، ثم قال: ” أجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه ومات رحمه الله في منتصف شهر صفر سنة إحدى عشر وأربعمائة ” (1).


(1) رجال النجاشي: الرقم 166. [ * ]

[ 80 ]

وقال الشيخ في رجاله: ” الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله، كثير السماع، عارف الرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة إحدى عشر وأربعمائة ” (1) ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منه رحمه الله سهوا، أو سقط من النسخ المطبوعة، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ، وقد ثبت في محله وسيوافيك أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات. ب ترجمة ابن الغضائري: هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله، ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال: ” إني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب صحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول، ولم أجد أحدا استوفي ذلك.. إلا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله رحمه الله فإنه عمل كتابين، أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه ” (2). وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثير. والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه. ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال: ” له كتب لا يعرف منها إلا


(1) رجال الشيخ: الصفحة 470، الرقم 52. (2) ديباجة فهرس الشيخ: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 2 1 وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 24 23. [ * ]

[ 81 ]

النوادر، قرأته أنا وأحمد بن الحسين، رحمه الله على أبيه ” (1) كما يظهر ذلك أيضا في ترجمة علي بن الحسن بن فضال حيث قال: ” قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق و.. على أحمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه ” (2) ويظهر ذلك في ترجمة عبد الله بن أبي عبد الله محمد بن خالد بن عمر الطيالسي قال: ” ولعبدالله كتاب نوادر إلى أن قال: ونسخة اخرى نوادر صغيرة رواه أبو الحسين النصيبي، أخبرناها بقراءة أحمد بن الحسين ” (3). نعم يظهر من ترجمة علي بن محمد بن شيران أنه من أساتذة النجاشي حيث قال: ” كنا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين ” (4) والاجتماع عند العالم لا يكون الا للاستفادة منه. والعجب أن النجاشي مع كمال صلته به ومخالطته معه لم يعنونه في فهرسه مستقلا، ولم يذكر ماقاله الشيخ في حقه من أنه كان له كتابان.. الخ، نعم نقل عنه في موارد وأشار في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي إلى كتاب تاريخه ويحتمل أنه غير رجاله، كما يحتمل أن يكون نفسه، لشيوع إطلاق لفظ التاريخ على كتاب الرجال كتاريخ البخاري وهو كتاب رجاله المعروف، وتاريخ بغداد وهو نوع رجال، ويكفي في وثاقة الرجال اعتماد مثل النجاشي عليه والتعبير عنه بما يشعر بالتكريم، وثقد نقل المحقق الكلباسي كلمات العلماء في حقه فلاحظ (5).


(1) رجال النجاشي: الرقم 200. (2) رجال النجاشي: الرقم 676. (3) رجال النجاشي: الرقم 572. (4) رجال النجاشي: الرقم 705. (5) لاحظ سماء المقال: ج 1 الصفحة 15 7. [ * ]

[ 82 ]

ج كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء إن أول من وجده هو السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسني الحلي (المتوفي سنة 673) فأدرجه موزعا له في كتابه ” حل الاشكال في معرفة الرجال ” الذي ألفه عام 644، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجالية وهي رجال الطوسي وفهرسه واختيار الكشي وفهرس النجاشي وكتاب الضعفاء المنسوب إلى ابن الغضائري. قال السيد في أول كتابه بعد ذكر الكتب بهذا الترتيب: ” ولي بالجميع روايات متصلة سوى كتاب ابن الغضائري ” فيظهر منه أنه لم يروه عن أحد وإنما وجده منسوبا إليه، ولم يجد السيد كتابا آخر للممدوحين منسوبا إلى ابن الغضائري وإلا أدرجه أيضا ولم يقتصر بالضعفاء. ثم تبع السيد تلميذاه العلامة الحلي (المتوفي عام 726) في الخلاصة وابن داود في رجاله (المؤلف في 707) فأدرجا في كتابيهما عين ما أدرجه استاذهما السيد بن طاووس في ” حل الاشكال “، وصرح ابن داود عند ترجمة استاذه المذكور بأن اكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من إشارات هذا الاستاذ وتحقيقاته. ثم إن المتأخرين عن العلامة وابن داود كلهم ينقلون عنهما، لان نسخة الضعفاء التي وجدها السيد بن طاووس قد انقطع خبرها عن المتأخرين عنه، ولم يبق من الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري إلا ما وضعه السيد بن طاووس في كتابه ” حل الاشكال “، ولولاه لما بقي منه أثر، ولم يكن ادراجه فيه من السيد لاجل اعتباره عنده، بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة، ويطلع على جميع ما قيل أو يقال في حق الرجل حقا أو باطلا، ليصير ملزما بالتتبع عن حقيقة الامر. وأما كتاب ” حل الاشكال ” فقد كان موجودا بخط مؤلفه عند الشهيد


[ 83 ]

الثاني، كما ذكره في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد، وبعده انتقل إلى ولده صاحب المعالم، فاستخرج منه كتابه الموسوم ب‍ ” التحرير الطاووسي ” ثم حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبد الله بن الحسين التستري (المتوفي سنة 1021) شيخ الرجاليين في عصره، وكانت مخرقة مشرفة على التلف فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء، المنسوب إلى ابن الغضائري، مرتبا على الحروف وذكر في أوله سبب استخراجه فقط. ثم أدخل تلميذه المولى عناية الله القهبائي، تمام ما استخرجه المولى عبد الله المذكور، في كتابه مجمع الرجال المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية حتى إن خطبها ذكرت في أول هذا المجمع (1). وإليك نص ما ذكره المولى عبد الله التستري حسب ما نقله عنه تلميذه القهبائي في مقدمة كتابه ” مجمع الرجال “: ” اعلم أيدك الله وإيانا أني لما وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال، فرأيته مشتملا على نقل ما في كتب السلف، وقد كنت رزقت بحمد الله النافع من تلك الكتب، إلا كتاب ابن الغضائري، فإني كنت ما سمعت له وجودا في زماننا وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملا عليه فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفردا عنه راجيا من الله الجواد، الوصول إلى سبيل الرشاد ” (2) وعلى ذلك فالطريق إلى ما ذكره ابن الغضائري عبارة عما أدرجه العلامة وابمن داود في رجاليهما وأخيرا ما أدرجه القهبائي مما جرده استاذه التستري عن كتاب ” حل الاشكال ” وجعله كتابا مستقلا، وأما طريق السيد إلى الكتاب فغير معلوم أو غير موجود. هذا هو حال كتاب ابن الغضائري وكيفية الوقوف عليه ووصوله إلينا.


(1) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 1 الصفحة 288 9، وج 10 الصفحة 88 9. (2) مجمع الرجال: ج 1 الصفحة 10. [ * ]

[ 84 ]

د الكتاب تأليف نفس الغضائري أو تأليف ابنه هيهنا قولان: أما الاول ; فقد ذهب الشهيد الثاني إلى أنه تأليف نفس الغضائري ” الحسين بن عبيدالله ” لا تأليف ابنه، أي ” أحمد بن الحسين “، مستدلا بما جاء في الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي حيث قال: ” وقد كاتب أبا محمد العسكري عليه السلام على يد محمد بن عبد الحميد العطار في المنتصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين. ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين رحمهما الله. وقال ابن الغضائري: انه كان ضعيفا (1) قال الشهيد الثاني: ” إن عطف ابن الغضائري على أحمد بن الحسين يدل على أنه غيره ” (2). ولا يخفى عدم دلالته على ما ذكره، لان ما ذكره العلامة (.. ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين) من تتمة كلام النجاشي الذي نقله العلامة عنه في كتابه، فإن النجاشي يعرف ” السهل ” بقوله: ” كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري، وكان يسكنها وقد كاتب أبا محمد إلى قوله: رحمهما الله ” (3). وبالاسترحام (رحمهما الله) تم كلام النجاشي، ثم إن العلامة بعدما نقل عن النجاشي كلام ابن نوح وأحمد بن الحسين في حق الرجل، أراد أن يأتي بنص كلام ابن الغضائري أيضا ي كتاب الضعفاء، ولاجل ذلك عاد وقال: ” قال ابن الغضائري: إنه كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن


(1) رجال العلامة: الصفحة 229 228. (2) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 22. (3) رجال النجاشي: الرقم 490. [ * ]

[ 85 ]

السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل ” (1). وعلى هذا فعطف جملة ” وقال ابن الغضائري ” على ” أحمد بن الحسين ” لا يدل على المغايرة بعد الوقوف على ما ذكرناه (2). ويظهر هذا القول من غيره، فقد نقل المحقق الكلباسي، أنه يظهر من نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي في كتابه المسمى ب‍ ” نظام الاقوال ” أنه من تأليف الاب حيث قال فيه: ” ولقد صنف أسلافنا ومشايخنا قدس الله تعالى أرواحهم فيه كتبا كثيرة ككتاب الكشي، وفهرس الشيخ الطوسي، والرجال له أيضا، وكتاب الحسين بن عبيدالله الغضائري إلى أن قال: وأكتفي في هذا الكتاب عن أحمد بن علي النجاشي بقولي ” النجاشي ” إلى أن قال: وعن الحسين بن عبيدالله الغضائري ب‍ ” ابن الغضائري ” (3). وعلى ما ذكره كلما اطلق ابن الغضائري فالمراد هو الوالد، واما الولد فيكون نجل الغضائري لا ابنه. ويظهر التردد من المحقق الجليل مؤلف معجم الرجال دام ظله حيث استدل على عدم ثبوت نسبة الكتاب بقوله: ” فإن النجاشي لم يتعرض له مع أنه قدس سره بصدد بيان الكتب التي صنفها الامامية، حتى إنه يذكر ما لم يره من الكتب وإنما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيدالله أو ابنه أحمد ؟ وقد تعرض قدس سره لترجمة الحسين بن عبيدالله وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، كما أنه حكى عن أحمد بن


(1) رجال العلامة: الصفحة 229 228. (2) لاحظ سماء المقال: ج 1 الصفحة 7، وقاموس الرجال: ج 1 الصفحة 32. (3) سماء المقال: ج 1 الصفحة 5 في الهامش. وكان نظام الدين الساوجي نزيل الري وتلميذ الشيخ البهائي، توفي بعد 1038 بقليل، وفرغ من تأليف نظام الاقوال في سنة 1022، وهو بعد مخطوط لم يطبع. [ * ]

[ 86 ]

الحسين في عدة موارد ولم يذكر أن له كتاب الرجال ” (1). ولكن النجاشي نقل عن ابن الغضائري كثيرا وكلما قال: ” قال أحمد بن الحسين ” أو ” ذكره أحمد بن الحسين ” فهو المراد، وصرح في ترجمة البرقي بأن له كتاب التاريخ ومن القريب أن مراده منه هو كتاب رجاله، لشيوع تسمية ” الرجال ” بالتاريخ كما سيوافيك. وأما الثاني، فهو أن الكتاب على فرض ثبوت النسبة، من تآليف ابن الغضائري (أحمد) لا نفسه أعني الحسين ويدل عليه وجوه: الاول: إن الشيخ كما عرفت ذكر لاحمد بن الحسين كتابين: أحدهما في الاصول والآخر في المصنفات، ولم يذكر للوالد أي كتاب في الرجال، وإن وصفه الشيخ والنجاشي بكونه كثير السماع، عارفا بالرجال، غير أن المعرفة بالرجال لا تستلزم التأليف فيه، ومن المحتمل أن هذا الكتاب هو أحد هذين أو هو كتاب ثالث وضع لذكر خصوص الضعفاء والمذمومين، كما احتمله صاحب مجمع الرجال، ويحتمل أن يكون له كتاب آخر في الثقات والممدوحين وإن لم يصل إلينا منه خبر ولا أثر، كما ذكره الفاضل الخاجوئي. محتملا أن يكون كتاب الممدوحين، أحد الكتابين اللذين صرح بهما الشيخ في أول الفهرس على ما نقله صاحب سماء المقال (2) ولكن الظاهر خلافه، وسيوافيك حق القول في ذلك فانتظر. الثاني: إن أول من وقف على هذا الكتاب هو السيد الجليل ابن طاووس الحلي، فقد نسبه إلى الابن في مقدمة كتابه على ما نقله عنه في التحرير الطاووسي، حيث قال: إني قد عزمت على أن أجمع في كتابي هذا أسماء


(1) معجم رجال الحديث: ج 1 الصفحة 114 113 من المقدمة طبعة النجف، والصفحة 103 101 من طبعة لبنان. (2) سماء المقال: ج 1 الصفحة 2. [ * ]

[ 87 ]

الرجال المصنفين وغيرهم من كتب خمسة إلى أن قال: وكتاب أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصة ” (1). الثالث: إن المتتبع لكتاب ” الخلاصة ” للعلامة الحلي، يرى أنه يعتقد بأنه من تآليف ابن الغضائري، فلاحظ ترجمة عمر بن ثابت، وسليمان النخعي، يقول في الاول: ” إنه ضعيف، قاله ابن الغضائري ” وقال في الثاني: ” قال ابن الغضائري: يقال إنه كذاب النخع ضعيف جدا “. وبما أنه يحتمل أن يكون ابن الغضائري كنية للوالد، ويكون الجد منسوبا إلى ” الغضائر ” الذي هو بمعنى الطين اللازب الحر، قال العلامة في إسماعيل بن مهران: ” قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري رحمه الله: إنه يكنى أبا محمد، ليس حديثه بالنقي ” وعلى ذلك فكلما أطلق ابن الغضائري يريد به أحمد ابن الحسين، لا غيره. ومما يؤيد أن الكتاب من تأليف ابن الغضائري، أن بعض ما ينقله النجاشي في فهرسه عن أحمد بن الحسين موجود في هذا الكتاب، وأما الاختلاف من حيث العبارة فسيوافيك وجهه. وهناك قرائن اخر جمعها المتتبع الخبير الكلباسي في كتابه سماء المقال فلاحظ (2). ه‍ كتاب الضعفاء رابع كتبه الظاهر أن ابن الغضائري ألف كتبا أربعة وأن كتاب الضعفاء رابع كتبه. الاول والثاني ما أشار إليهما الشيخ في مقدمة الفهرس ” فإنه (أبا الحسين) عمل كتابين: أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا


(1) سماء المقال: ج 1 الصفحة 6 5. (2) سماء المقال: ج 1 الصفحة 7 6. [ * ]

[ 88 ]

واخترم هو رحمه الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه ” (1). والثالث هو كتاب الممدوحين ولم يصل إلينا أبدا، لكن ينقل عنه العلامة في الخلاصة، والرابع هو كتاب الضعفاء الذي وصل إلينا على النحو الذي وقفت عليه، والظاهر أن النجاشي لاجل مخالطته ومعاشرته معه قد وقف على مسوداته ومذكراته فنقل ما نقل عنها. ومن البعيد جدا أن يكون كتاب الضعفاء نفس الكتابين اللذين ذكرهما الشيخ في مقدمة الفهرس، وما عمل من كتابين كان مقصورا في بيان المصنفات والاصول، كفهرس الشيخ من دون تعرض لوثاقة شخص أو ضعفه، فعلى ذلك يجب أن يكون للرجل وراءهما كتاب رجال لبيان الضعفاء والممدوحين، كما أن من البعيد أن يؤلف كتابا في الضعفاء فقط، دون أن يؤلف كتابا في الثقات أو الممدوحين، والدليل على تأليفه كتابا في الممدوحين وجود التوثيقات منه في حق عدة من الرواة، ونقلها النجاشي عنه. أضف إلى ذلك أن العلامة يصرح بتعدد كتابه ويقول في ترجمة سليمان النخعي: ” قال ابن الغضائري سليمان بن هارون النخعي أبو داود يقال له: كذاب النخع، روى عن أبي عبد الله ضعيف جدا ” وقال في كتابه الآخر: ” سليمان بن عمر أبو داود النخعي. الخ ” (2) وقال في ترجمة عمر بن ثابت: ” ضعيف جدا قاله ابن الغضائري وقال في كتابه الآخر عمر بن أبي المقدام.. ” (3) وقال في ترجمة محمد بن مصادف: ” اختلف قول ابن الغضائري فيه ففي أحد الكتابين إنه ضعيف وفي الآخر إنه ثقة ” (4). وهذه النصوص تعطي أن للرجل كتابين،


(1) ديباجة فهرس الشيخ: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 2 1 وفي ” الطبعة الثانية ” الصفحة 4. (2) رجال العلامة: الصفحة 225. (3) المصدر: الصفحة 241. (4) المصدر: الصفحة 256. [ * ]

[ 89 ]

أحدهما للضعفاء والمذمومين، والآخر للممدوحين والموثقين، وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ في أول الفهرس لا صلة لهما بهذين الكتابين. فقد مات الرجل وترك ثروة علمية مفيدة. وكتاب الضعفاء وقيمته العلمية عند العلماء لقد اختلف نظرية العلماء حول الكتاب اختلافا عميقا، فمن ذاهب إلى أنه مختلق لبعض معاندي الشيعة أراد به الوقيعة فيهم، إلى قائل بثبوت الكتاب ثبوتا قطعيا وأنه حجة ما لم يعارض توثيق الشيخ والنجاشي، إلى ثالث بأن الكتاب له وأنه نقاد هذا العلم ولا يقدم توثيق الشيخ والنجاشي عليه، إلى رابع بأن الكتاب له، غير أن جرحه وتضعيفه غير معتبر، لانه لم يكن في الجرح والتضعيف مستندا إلى الشهادة ولا إلى القرائن المفيدة للاطمئنان بل إلى اجتهاده في متن الحديث، فلو كان الحديث مشتملا على الغلو والارتفاع في حق الائمة حسب نظره، وصف الراوي بالوضع وضعفه وإليه هذه الاقوال: النظرية الاولى إن شيخنا المتتبع الطهراني بعد ما سرد وضع الكتاب وأوضح كيفية الاطلاع عليه، حكم بعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري، وأن المؤلف له كان من المعاندين لاكابر الشيعة، وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة، ولاجل ذلك ألف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويها ليقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقائع والقبائح (1) ويمكن تأييده في بادئ النظر بوجوه: 1 إنه كانت بين النجاشي وابن الغضائري خلطة وصداقة في أيام الدراسة والتحصيل، وكانا يدرسان عند والد ابن الغضائري، كما كانا يدرسان عند غيره، على ما مر في ترجمتهما فلو كان الكتاب من تآليف ابن الغضائري،


(1) الذريعة: ج 4 الصفحة 289 288، وج 10 الصفحة 89. [ * ]

[ 90 ]

اقتضى طبع الحال وقوف النجاشي عليه وقوف الصديق على أسرار صديقه، وإكثار النقل منه، مع انه لا ينقل عنه إلا في موارد لا تتجاوز بضعة وعشرين موراد، وهو يقول في كثير من هذه الموارد ” قال أحمد بن الحسين ” أو ” قاله أحمد بن الحسين ” مشعرا بأخذه منه مشافهة لا نقلا عن كتابه. نعم، يقول في بعض الموارد: ” وذكر أحمد بن الحسين ” الظاهر في أنه أخذه من كتابه. 2 إن الظاهر من الشيخ الطوسي أن ما ألفه ابن الغضائري اهلك قبل أن يستنسخ حيث يقول: ” واخترم هو (ابن الغضائري) وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه ” (1). 3 إن لفظ ” اخترم ” الذي أطلقه الشيخ عليه، يكشف عن أن الرجل مات بالموت الاخترامي، وهو موت من لم يتجاوز الاربعين وبما أن النجاشي الذي هو زميله تولد عام 372، يمكن أن يقال إنه أيضا من مواليد ذلك العام أو ما قبله بقليل، وبما أن موته كان موتا اختراميا، يمكن التنبؤ بأنه مات بعد أبيه بقليل، فيكون وفاه حوالي 412، وعلى ذلك فمن البعيد أن يصل الكتاب إلى يد النجاشي ولا يصل إلى يد الشيخ، مع أن بيئة بغداد كانمت تجمع بين العلمين (النجاشي والشيخ) كل يوم وليلة، وقد توفي الشيخ سنة 460، وتوفي النجاشي على المشهور عام 450، فهل يمكن بعد هذا وقوف النجاشي على الكتاب وعدم وقوف الشيخ عليه ؟ وأقصى ما يمكن أن يقال: إن ابن الغضائري ترك أوراقا مسودة في علم الرجال، ووقف عليها النجاشي، ونقل عنه ما نقل، ثم زاد عليه بعض المعاندين ما تقشعر منه الجلود وترتعد منه الفرائص من جرح المشايخ ورميهم بالدس والوضع، وهو كما قال السيد الداماد في رواشحه ” قل أن يسلم أحد من


(1) مقدمة فهرس الشيخ: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 2، و ” الطبعة الثانية ” الصفحة 24. [ * ]

[ 91 ]

جرحه أو ينجو ثقة من قدحه “. تحليل هذه النظرية هذه النظرية في غاية التفريط، في مقابل النظرية الثالثة التي هي في غاية الافراط ولا يخفى وهن هذه الامور: أما الاول: فيكفي في صحة نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري تطابق ما نقله النجاشي في موارد كثيرة مع الموجود منه، وعدم استيعابه بنقل كل ما فيه، لاجل عدم ثبوته عنده، ولذلك ضرب عنه صفحا إلا موارد خاصة لاختلاف مشربهما في نقد الرجل وتمييز الثقات عن غيرها. وأما الثاني: فلما عرفت من أن كتاب الضعفاء، غير ما ألفه حول الاصول والمصنفات، وهو غير كتاب الممدوحين، الذي ربما ينقل عنه العلامة كما عرفت، وتعمد الورثة على إهلاك الاولين لا يكون دليلا على إهلاك الآخرين (1). وأما الثالث: فيكفي في الاعتذار من عدم اطلاع الشيخ على بقية كتب ابن الغضائري، أن الشيخ كان رجلا عالميا مشاركا في أكثر العلوم الاسلامية ومتخصصا في بعض النواحي منها، زعيما للشيعة في العراق. والغفلطة عن مثل هذا الشخص المتبحر في العلوم، والمتحمل للمسؤوليات الدينية والاجتماعية، أمر غير بعيد. وهذا غير النجاشي الذي كان زميلا ومشاركا له في دروس أبيه وغيره، متخصصا في علم الرجال والانساب، والغفلة عن مثله أمر على خلاف العادة. وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث دام ظله من قصور المقتضى


(1) نعم الظاهر من مقدمة الفهرس للشيخ تعمد الورثة لاهلاك جميع آثاره بشهادة لفظة ” وغيرهما “. [ * ]

[ 92 ]

وعدم ثبوت نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه (1) غير تام، لان هذه القرائن تكفي في ثبوت النسبة، ولولا الاعتماد عليها للزم رد كثير من الكتب غير الواصلة إلينا من طرق الرواية والاجازة. وعلى الجملة لا يصح رد الكتاب بهذه الوجوه الموهونة. النظرية الثانية الظاهر من العلامة في الخلاصة ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري ثبوتا قطعيا، ولاجل ذلك توقف في كثير من الرواة لاجل تضعيف ابن الغضائري، وإنما خالف في موارد، لتوثيق النجاشي والشيخ وترجيح توثيقهما على جرحه. النظرية الثالثة إن هذا الكتاب وإن اشتهر من عصر المججلسي بأنه لا عبرة به، لانه يتسرع إلى جرح الاجلة، إلا أنه كلام قشري وأنه لم ير مثله في دقة النظر، ويكفيه اعتماد مثل النجاشي الذي هو أضبط أهل الرجال عليه، وقد عرفت من الشيخ أنه أول من ألف فهرسا كاملا في مصنفات الشيعة واصولهم، والرجل نقاد هذا العلم، ولم يكن متسرعا في الجرح بل كان متأملا متثبتا في التضعيف، قد قوي من ضعفه القميون جميعا كأحمد بن الحسين بن سعيد، والحسين بن آذويه وزيد الزراد وزيد النرسي ومحمد بن أورمة بأنه رأى كتبهم، وأحاديثهم صحيحة. نعم إن المتأخرين شهروا ابن الغضائري بأنه يتسرع إلى الجرح فلا عبرة بطعونه، مع أن الذي وجدناه بالسبر في الذين وقفنا على كتبهم ممن طعن


(1) معجم رجال الحديث: ج 1 الصفحة 114 من المقدمة (طبعة النجف) والصفحة 102 طبعة لبنان. [ * ]

[ 93 ]

فيهم، ككتاب الاستغاثة لعلي بن أحمد الكوفي، وكتاب تفسير محمد بن القاسم الاسترآبادي، وكتاب الحسين بن عباس ابن الجريش أن الامر كما ذكر (1). ولا يخفى أن تلك النظرية في جانب الافراط، ولو كان الكتاب بتلك المنزلة لماذا لم يستند إليه النجاشي في عامة الموارد، بل لم يستند إليه إلا في بضعة وعشرين موردا ؟ مع أنه شعف كثيرا من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار. إن عدم العبرة بطعونه ليس لاجل تسرعه إلى الجرح وأنه كان جراحا للرواة خارجا عن الحد المتعارف، بل لاجل أنه لم يستند في جرحه بل وتعديله إلى الطرق الحسية، بل استند إلى استنباطات واجتهادات شخصية كما سيوافيك بيانه في النظرية الرابعة. النظرية الرابعة إن كتاب الضعفاء هو لابن الغضائري، غير أن تضعيفه وجرحه للرواة والمشايخ لم يكن مستندا إلى الشهادة والسماع، بل كان اجتهادا منه عند النظر إلى روايات الافراد، فإن رآها مشتملة على الغلو والارتفاع حسب نظره، وصفه بالضعف ووضع الحديث، وقد عرفت أنه صحح روايات عدة من القميين بأنه رأى كتبهم، وأحاديثهم صحيحة (أي بملاحظة مطابقتها لمعتقده). ويرشد إلى ذلك ما ذكره المحقق الوحيد البهبهاني في بعض المقامات حيث قال: ” اعلم أن الظاهر أن كثيرا من القدماء سيما القميين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للائمة عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 5141. [ * ]

[ 94 ]

كانوا يجوزون التعدي عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعا وغلوا حسب معتقدهم، حتى إنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض (جعلوا كل ذلك) ارتفاعا أو مورثا للتهمة به، سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين. وبالجملة، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضا فربما كان شئ عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوا أو تفويضا أو جبرا أو تشبيها أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده أو لا هذا ولاذاك. وربما كان منشأ جرحهم بالامور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم كما أشرنا آنفا أو ادعاء ارباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه، إلى غير ذلك، فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة إلى أن قال: ثم اعلم أنه (أحمد بن محمد بن عيسى) والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضا بعد ما نسباه إلى الغلو وكأنه لروايته ما يدل عليه ” (1). اجابة المحقق التستري عن هذه النظرية إن المحقق التستري أجاب عن هذه النظرية بقوله: ” كثيرا ما يرد المتأخرون طعن القدماء في رجل بالغلو، بأنهم رموه به لنقله معجزاتهم وهو غير صحيح، فإن كونهم عليهم السلام ذوي معجزات من ضروريات مذهب


(1) القوائد الرجالية للوحيد البهبهاني: الصفحة 39 38 المطبوعة في اخر رجال الخاقاني، والصفحة 8 من المطبوعة في مقدمة منهج المقال. [ * ]

[ 95 ]

الامامية، وهل معجزاهم وصلت إلينا إلا بنقلهم ؟ وإنما مرادهم بالغلو ترك العبادة اعتمادا على ولايتهم عليهم السلام. فروى أحمد بن الحسين الغضائري، عن الحسن بن محمد بن بندار القمي، قال: سمعت مشايخي يقولون: إن محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلو بعث إليه الاشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلي الليل من أوله إلى آخره، ليالي عدة فتوقفوا عن اعتقادهم. وعن فلاح السائل (1) لعلي بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال: قلت لاحمد بن مليك الكرخي (2) عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلو، فقال: معاذ الله، وهو والله علمني الطهور. وعنون الكشي (3) جمعا، منهم علي بن عبد الله بن مروان وقال إنه سأل العياشي عنهم فقال: وأما علي بن عبد الله بن مروان فإن القوم (يعني الغلاة) تمتحن في أوقات الصلوات ولم أحضره وقت صلاة. وعنون الكشي (4) أيضا الغلاة في وقت الامام الهادي عليه السلام وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى أنه كتب إليه عليه السلام في قوم يتكلمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها


(1) فلاح السائل: الصفحة 13 وفيه أحمد بن هليل الكرخي. (2) كذا وفي رجال السيد بحر العلوم ” احمد بن هليك ” وفي تنقيح المقال ” أحمد بن مليك ” والظاهر وقوع تصحيف فيه، والصحيح هو أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي، للشواهد التالية: الاول: كون الحسين بن أحمد المالكي في سند الخبر الذي هو راو عن احمد بن هلال الكرخي (راجع روضة الكافي: الحديث 371). الثاني: كون محمد بن سنان فيه، الذي يروي عنه أحمد بن هلال الكرخي (راجع أيضا روضة الكافي: الحديث 371). الثالث: ان أبا علي بن همام ينقل بعض القضايا المرتبطة بأحمد بن هلال الكرخي كما في غيبة الشيخ (الصفحة 245) وهو أيضا يذكر تاريخ وفاة أحمد هذا كما نقل عنه السيد بن طاووس. أضف إلى ذلك أنا لم نعثر على ترجمة لاحمد بن هليل، أو هليك أو مليك في كتب الرجال المعروفة. (3) رجال الكشي: الصفحة 530. (4) رجال الكشي: الصفحة 517 516. [ * ]

[ 96 ]

إليك وإلى آبائك إلى أن قال: ومن أقاويلهم أنهم يقولون: إن قوله تعالى * (إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * معناها رجل، لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأولوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت ” (1). أقول: ما ذكره دام ظله من أن الغلاة كانوا يمتحنون في أوقات الصلاة صحيح في الجملة، ويدل عليه مضافا إلى ما ذكره، بعض الروايات. قال الصادق عليه السلام: احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم، فإن الغلاة شر خلق الله إلى أن قال: إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصر فنقبله، فقيل له: كيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزوجل أبدا وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع (2). وكتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام: أن علي بن حسكة يدعي أنه من أوليائك وأنك أنت الاول القديم وأنه بابك ونبيك أمرته أن يدعو إلى ذلك ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك إلى آخره (3). ونقل الكشي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام عن الغلاة: أن معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة (4).


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 51 50. (2) بحار الانوار: ج 25 ص 266 265 الحديث 6 نقلا عن أمالي الطوسي طبعة النجف الصفحة 264. (3) بحار الانوار: ج 25 الصفحة 316، الحديث 82 نقلا عن رجال الكشي: الصفحة 518. (4) بحار الانوار: ج 25 الصفحة 302، الحديث 67 نقلا عن رجال الكشي: الصفحة 324. [ * ]

[ 97 ]

ومع هذا الاعتراف إن هذه الروايات لا تثبت ما رامه وهو أن الغلو كان له معنى واحد في جميع الازمنة، ولازمه ترك الفرائض، وأن ذلك المعنى كان مقبولا عند الكل من عصر الامام الصادق عليه السلام إلى عصر الغضائري إذ فيه: أما أولا: فإنه يظهر عما نقله الكشي عن عثمان بن عيسى الكلابي أن محمد بن بشير أحد رؤساء الغلاة في عصره، وأتباعه كانوا يأخذون بعض الفرائض وينكرون البعض الآخر، حيث زعموا أن الفرائض عليهم من الله تعالى إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان، وفي الوقت نفسه، أنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض (1). وعلى ذلك فما ذكره من امتحان الغلاة في أوقات الصلاة راجع إلى صنف خاص من الغلاة دون كلهم. وثانيا: أن الظاهر من كلمات القدماء أنهم لم يتفقوا في معنى الغلو بشكل خاص على ما حكى شيخنا المفيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه قال: أول درجة في الغلو، نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله والامام، ثم قال الشيخ: فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر، مع أنه من علماء القميين ومشيختهم، وقد وجدنا جماعة وردت إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين، ينزلون الائمة عليهم السلام عن مراتبهم، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية، حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء (2). فإذا كانت المشايخ من القميين وغيرهم يعتقدون في حق الائمة ما نقله


(1) بحار الانوار: ج 25 الصفحة 309، الحديث 76 نقلا عن رجال الكشي: الصفحه 478 – 479. (2) بحار الانوار: ج 25 الصفحة 345 – 346، نقلا عن تصحيح الاعتقاد، باب معنى الغلو والتفويض الصفحة 65 – 66. [ * ]

[ 98 ]

الشيخ المفيد، فإذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بحسب الطبع بالضعف وراويها بالجعل والدس. قال العلامة المجلسي رحمه الله بعد ما فسر الغلو في النبي والائمة عليهم السلام: ” ولكن أفرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الائمة عليهم السلام، وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم: من الغلو نفي السهو عنهم، أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون ” (1). وعلى ذلك، فليس من البعيد أن الغضائري ونظراءه الذين ينسبون كثيرا من الرواة إلى الضعف والجعل، كانوا يعتقدون في حق النبي والائمة عليهم السلام عقيدة هذه المشايخ، فإذا وجدوا أن الرواية لا توافق معتقدهم اتهموه بالكذب ووضع الحديث. والآفة كل الآفة هو أن يكون ملاك تصحيح الرواية عقيدة الشخص وسليقته الخاصة فإن ذلك يوجب طرح كثير من الروايات الصحيحة واتهام كثير من المشايخ. والظاهر أن الغضائري كان له مذاق خاص في تصحيح الروايات وتوثيق الرواة، فقد جعل إتقان الروايات في المضمون، حسب مذاقه، دليلا على وثاقة الراوي، ولاجل ذلك صحح روايات عدة من القميين، ممن ضعفهم غيره، لاجل أنه رأى كتبهم، وأحاديثهم صحيحة. كما أنه جعل ضعف الرواية في المضمون، ومخالفته مع معتقده في ما يرجع إلى الائمة، دليلا على ضعف الرواية، وكون الراوي جاعلا للحديث،


(1) بحار الانوار: ج 25 الصفحة 347. [ * ]

[ 99 ]

أو راويا ممن يضع الحديث، والتوثيق والجرح المبنيان على إتقان المتن، وموافقته مع العقيدة، من أخطر الطرق إلى تشخيص صفات الراوي من الوثاقة والضعف. ويشهد على ما ذكرنا أن الشيخ والنجاشي ضعفا محمد بن أورمة، لانه مطعون عليه بالغلو وما تفرد به لم يجز العمل به (1) ولكن ابن الغضائري أبرأه عنه، فنظر في كتبه ورواياته كلها متأملا فيها، فوجدها نقية لافساد فيها، إلا في أوراق الصقت على الكتاب، فحمله على أنها موضوعة عليه. وهذا يشهد أن مصدر قضائه هو التتبع في كتب الراوي، وتشخيص أفكاره وعقائده وأعماله من نفس الكتاب. ثم إن للمحقق الشيخ أبي الهدى الكلباسي كلاما حول هذا الكتاب يقرب مما ذكره المحقق البهبهاني، ونحن نأتي بملخصه وهو لا يخلو من فائدة. قال في سماء المقال: ” إن دعوى التسارع غير بعيدة نظرا إلى أمور (2): الاول: إن الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره، أنه كان يرى نقل بعض غرائب الامور من الائمة عليهم السلام من الغلو على حسب مذاق القميين، فكان إذا رأى من أحدهم ذكر شئ غير موافق لاعتقاده، يجزم بأنه من الغلو، فيعتقد بكذبه وافترائه، فيحكم بضعفه وغلوه، ولذا يكثر حكمه بهما (بالضعف والكذب) في غير محلهما. ويظهر ذلك مما ذكره من أنه كان غاليا كذابا كما في سليمان الديلمي، وفي آخر من أنه ضعيف جدا لا يلتفت إليه، أو في مذهبه غلو كما في


(1) رجال الشيخ الصفحة 512 رقم 112، الفهرس: ” الطبعة الاولى ” الصفحة 143. الرقم 610، وفي ” الطبعة الثانية “: الصفحة 170 الرقم 621، ورجال النجاشي: الرقم 891. (2) ذكر رحمه الله امورا واخترنا منها أمرين. [ * ]

[ 100 ]

عبد الرحمن بن أبي حماد، فإن الظاهر أن منشأ تضعيفه ما ذكره من غلوه، ومثله ما في خلف بن محمد من أنه كان غاليا، في مذهبه ضعف لا يلتفت إليه، وما في سهل بن زياد من أنه كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم. والظاهر أن منشأ جميعه ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور من أنه كان يشهد عليه بالغلو والكذب، فأخرجه عنه (1) وما في حسن بن مياح من أنه ضعيف غال، وفي صالح بن سهل: غال كذاب وضاع للحديث، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه “، وفي صالح بن عقبة ” غال كذاب لا يلتفت إليه “، وفي عبد الله بن بكر ” مرتفع القول ضعيف، وفي عبد الله بن حكم ” شعيف مرتفع القول “، ونحوه في عبد الله بن سالم وعبد الله بن بحر وعبد الله بن عبد الرحمان. الثاني: إن الظاهر أنه كان غيورا في دينه، حاميا عنه، فكان إذا رأى مكروها اشتدت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته، مكثرا على مقترفه من الطعن والتشنيع واللعن والتفظيع، يشهد عليه سياق عبارته، فأنت ترى أن غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف، بخلافه فإنه يرخي عنان القلم في الميدان باتهامه بالخبث والتهالك واللعان، فيضعف مؤكدا وإليك نماذج قال في المسمعي: ” إنه ضعيف مرتفع القول، له كتاب في الزيارات يدل على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذابة أهل البصرة “. وقال حول كتاب علي بن العباس: ” تصنيف يدل على خبثه وتهالك مذهبه لا يلتفت إليه ولا يعبأ بما رواه “. وقال في جعفر بن مالك: ” كذاب متروك الحديث جملة، وكان في مذهبه ارتفاع، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه “.


(1) رجال النجاشي: الرقم 490. [ * ]

[ 101 ]

والحاصل أنه كان يكبر كثيرا من الامور الصغيرة وكانت له روحية خاصة تحمله على ذلك. ويشهد على ذلك أن الشيخ والنجاشي ربما ضعفا رجلا، والغضائري أيضا ضعفه، لكن بين التعبيرين اختلافا واضحا. مثلا ذكر الشيخ في عبد الله بن محمد أنه كان واعظا فقيها، وضعفه النجاشي بقوله: ” إنه ضعيف ” وضعفه الغضائري بقوله: ” إنه كذاب، وضاع للحديث لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به “. ومثله علي بن أبي حمزة البطائني الذي ضعفه أهل الرجال، فعرفه الشيخ بأنه واقفي، والعلامة بأنه أحد عمد الواقفة، وقال الغضائري: ” علي بن أبي حمزة لعنه الله، أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم “. ومثله إسحاق بن أحمد المكنى ب‍ ” أبي يعقوب أخى الاشتر ” قال النجاشي: ” معدن التخليط وله كتب في التخليط ” وقال الغضائري: ” فاسد المذهب، كذاب في الرواية، وضاع للحديث، لا يلتفت إلى ما رواه ” (1). وبذلك يعلم ضعف ما استدل به على عدم صحة نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري من أن النجاشي ذكر في ترجمة الخيبري عن ابن الغضائري، أنه ضعيف في مذهبه، ولكن في الكتاب المنسوب إليه: ” إنه ضعيف الحديث، غالي المذهب ” فلو صح هذا الكتاب، لذكر النجاشي ما هو الموجود أيضا (2). وذلك لما عرفت من أن الرجل كان ذا روحية خاصة، وكان إذا رأى


(1) لاحظ سماء المقال: ج 1، الصفحة 21 19 بتلخيص منا. (2) معجم رجال الحديث: ج 1، الصفحة 114 من المقدمات طبعة النجف، والصفحة 102 طبعة لبنان. [ * ]

[ 102 ]

مكروها، اشتدت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته، فيأتي بألفاظ لا يصح التعبير بها إلا عند صاحب هذه الروحية، ولما كان النجاشي على جهة الاعتدال نقل مرامه من دون غلو وإغراق. وبالجملة الآفة كل الآفة في رجاله هو تضعيف الاجلة والموثقين مثل ” أحمد بن مهران ” قال: ” أحمد بن مهران روى عنه الكليني ضعيف ” ولكن ثقة الاسلام يروي عنه بلا واسطة، ويترحم عليه كما في باب مولد الزهراء سلام الله عليها (1) قال: ” أحمد بن مهران رحمه الله رفعه وأحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار الشيباني ” إلى غير ذلك من الموارد. ولاجل ذلك لا يمكن الاعتماد على تضعيفاته، فضلا عن معارضته بتوثيق النجاشي خبير الفن والشيخ عماد العلم. نعم ربما يقال توثيقاته في أعلى مراتب الاعتبار ولكنه قليل وقد عرفت من المحقق الداماد من أنه قل أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه (2). وقد عرفت آنفا وسيأتي أن الاعتماد على توثيقه كالاعتماد على جرحه. النظرية الخامسة وفي الختام نشير إلى نظرية خامسة وإن لم نوعز إليها في صدر الكلام وهي أنه ربما يقال بعدم اعتبار تضعيفات ابن الغضائري لانه كان جراحا كثير الرد على الرواة، وقليل التعديل والتصديق بهم ومثل هذا يعد خرقا للعادة وتجاوزا عنها، وإنما يعتبر قول الشاهد إذا كان انسانا متعارفا غير خارق للعادة. ولاجل ذلك لو ادعى رجلان رؤية الهلال مع الغيم الكثيف في السماء وكثرة الناظرين، لا يقبل قولهما، لان مثل تلك الشهادة تعد على خلاف العادة، وعلى ذلك فلا يقبل تضعيفه، ولكن يقبل تعديله.


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 458، الحديث 3. (2) لاحظ سماء المقال: الصفحة: 22. [ * ]

[ 103 ]

وفيه: أن ذلك إنما يتم لو وصل إلينا كتاب الممدوحين منه، فعندئذ لو كان المضعفون أكثر من الممدوحين والموثقين، لكان لهذا الرأي مجال. ولكن يا للاسف ! لم يصل إلينا ذلك الكتاب، حتى نقف على مقدار تعديله وتصديقه، فمن الممكن أن يكون الممدوحون عنده أكثر من الضعفاء، ومعه كيف يرمي بالخروج عن المتعارف ؟ ولاجل ذلك نجد أن النسبة بين ما ضعفه الشيخ والنجاشي أو وثقاه، وما ضعفه ابن الغضائري أو وثقه، عموم من وجه. فرب ضعيف عندهما ثقة عنده وبالعكس، وعلى ذلك فلا يصح رد تضعيفاته بحجة أنه كان خارجا عن الحد المتعارف في مجال الجرح. بل الحق في عدم قبوله هو ما أوعزنا إليه من أن توثيقاته وتضعيفاته لم تكن مستندة إلى الحس والشهود والسماع عن المشايخ والثقات، بل كانت مستندة إلى الحدس والاستنباط وقراءة المتون والروايات، ثم القضاء في حق الراوي بما نقل من الرواية، ومثل هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق. نعم، كلامه حجة في غير هذا المجال، كما إذا وصف الراوي بأنه كوفي أو بصري أو واقفي أو فطحي أو له كتب، والله العالم بالحقائق.


[ 105 ]

الفصل الرابع المصادر الثانوية لعلم الرجال 1 الاصول الرجالية الاربعة. 2 الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة. 3 الجوامع الرجالية الدارجة. 4 تطور في تأليف الجوامع الحديثة.


[ 107 ]

1 الاصول الرجالية الاربعة * فهرس الشيخ منتجب الدين. * معالم العلماء. * رجال ابن داود. * خلاصة الاقوال في علم الرجال.


[ 109 ]

الاصول الرجالية الاربعة قد وقفت بفضل الابحاث السابقة، على الاصول الاولية لعلم الرجال، التي تعد امهات الكتب المؤلفة في العصور المتأخرة، ومؤلفو هذه الاصول يعدون في الرعيل الاول من علماء الرجال، لا يدرك لهم شأو، ولا يشق لهم غبار، لانهم قدس الله أسرارهم قد عاصروا أساتذة الحديث وأساطينه، وكانوا قريبي العهد من رواة الاخبار ونقلة الآثار، ولاجل ذلك تمكنوا تمكنا تاما مورثا للاطمئنان، من الوقوف على أحوالهم وخصوصيات حياتهم، إما عن طريق الحس والسماع كما هو التحقيق أو من طريق جمع القرائن والشواهد المورثة للطمئنان الذي هو علم عرفي، كما سيوافيك تحقيقه في الابحاث الآتية. وقد تلت الطبقة الاولى، طبقة اخرى تعد من أشهر علماء الرجال بعدهم، كما تعد كتبهم مصادر له بعد الاصول الاولية، نأتي باسمائهم وأسماء كتبهم، وكلهم كانوا عائشين في القرن السادس. إن أقدم فهرس عام لكتب الشيعة، هو فهرس الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري، الذي قد تعرفت عليه وما حوله من الاقوال والآراء. نعم، إن فهرس أبي الفرج محمد بن إسحاق المعروف بابن النديم


[ 110 ]

(المتوفي عام 385) وإن كان أقدم من فهرس ابن الغضائري، لكنه غير مختص بكتب الشيعة، وإنما يضم بين دفتيه الكتب الاسلامية وغيرها، وقد أشار إلى تصانيف قليلة من كتب الشيعة. وقد قام الشيخ الطوسي بعد ابن الغضائري، فألف فهرسه المعروف حول كتب الشيعة ومؤلفاتهم، وهو من أحسن الفهارس المؤلفة، وقد نقل عنه النجاشي في فهرسه واعتمد عليه، وإن كان النجاشي أقدم منه عصرا وأرسخ منه قدما في هذا المجال. وقد قام بعدهم في القرن السادس، العلامتان الجليلان، الشيخ الحافظ أبو الحسن منتجب الدين الرازي، والشيخ الحافظ محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، فأكملا عمل الشيخ الطوسي وجهوده إلى عصرهما، وإليك الكلام فيهما إجمالا: 1 فهرس الشيخ منتجب الدين وهو تأليف الحافظ علي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين (أخى الشيخ الصدوق قده) بن علي (والد الصدوق). عرفه صاحب الرياض بقوله: ” كان بحرا لا ينزف، شيخ الاصحاب، صاحب كتاب الفهرس. يروي عن الشيخ الطبرسي (المتوفي عام 548) وأبي الفتوح الرازي وعن جمع كثير من علماء العامة والخاصة. ويروي عن الشيخ الطوسي بواسطة عمه الشيخ بابويه بن سعد، عن الشيخ الطوسي (المتوفي عام 460). وهذا الامام الرافعي و (هو الشيخ أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الشافعي، المتوفي عام 623) يعرفه في تاريخه (التدوين): الشيخ علي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه شيخ ريان من علم الحديث سماعا وضبطا وحفظا وجمعا، قل من يدانيه في هذه الاعصار في كثرة الجمع والسماع، قرأت عليه بالري سنة 584، وتولد سنة 504، ومات بعد


[ 111 ]

سنة 585، ثم قال: ولئن أطلت عند ذكره بعض الاطالة فقد كثر انتفاعي بمكتوباته وتعاليقه فقضيت بعض حقه بإشاعة ذكره وأحواله ” (1). وقال الشيخ الحر العاملي في ترجمته: ” الشيخ الجليل علي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمي، كان فاضلا عالما ثقة صدوقا محدثا حافظا راوية علامة، له كتاب الفهرس في ذكر المشايخ المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين إلى زمانه ” (2). وقد ألفه للسيد الجليل أبي القاسم يحيى بن الصدر (3) السعيد المرتضى باستدعاء منه حيث قال السيد له: ” إن شيخنا الموفق السعيد أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي رفع الله منزلته قد صنف كتابا في أسامي مشايخ الشيعة ومصنفيهم، ولم يصنف بعده شئ من ذلك ” فأجابه الشيخ منتجب الدين بقوله: ” لو أخر الله أجلي وحقق أملي، لاضفت إليه ما عندي من أسماء مشايخ الشيعة ومصنفيهم، الذين تأخر زمانهم عن زمان الشيخ أبي جعفر رحمه الله وعاصروه ” ثم يقول: ” وقد بنيت هذا الكتاب على حروف المعجم اقتداء بالشيخ أبي جعفر رحمه الله وليكون أسهل مأخذا ومن الله التوفيق ” (4). وكلامه هذا ينبئ عن أنه لم يصل إليه تأليف معاصره الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب، الذي كتب كتابه الموسوم ب‍ ” معالم العلماء ” تكملة لفهرس الشيخ، ولاجل ذلك قام بهذا العمل من غير ذكر لذلك الكتاب.


(1) رياض العلماء، ج 4، الصفحة 141 140، ولكن التحقيق انه كان حيا إلى عام 600. لاحظ مقال المحقق السيد موسى الزنجاني المنشور في مجموعة حول ذكرى العلامة الاميني قدس الله سره. (2) أمل الامل: ج 2 الصفحة 194. (3) المدفون ب‍ ” ري ” المعروف عند الناس بامام زادة يحيى وربما يحتمل تعدد الرجلين. (4) فهرس الشيخ منتجب الدين: الصفحة 6 5. [ * ]

[ 112 ]

وقد ألف الشيخ الطوسي الفهرس بأمر استاذه المفيد الذي توفي سنة 413، وفي حياته، كما صرح به في أوله. وقد أورد الشيخ منتجب الدين في فهرسه هذا، من كان في عصر المفيد إلى عصره المتجاوز عن مائة وخمسين سنة. وفي الختام، نقول: ” إن الحافظ بن حجر العسقلاني (المتوفي عام 852) قد أكثر النقل عن هذا الفهرس في كتابه المعروف ب‍ ” لسان الميزان “، معبرا عنه ب‍ ” رجال الشيعة ” أو ” رجال الامامية ” ولا يريد منهما إلا هذا الفهرس، ويعلم ذلك بملاحظة ما نقله في لسان الميزان، مع ما جاء في هذا الفهرس، كما أن لصاحب هذا الفهرس تأليفا آخر أسماه تاريخ الري، وينقل منه أيضا ابن حجر في كتابه المزبور، والاسف كل الاسف أن هذا الكتاب وغيره مثل ” تاريخ ابن أبي طي ” (1) و ” رجال علي بن الحكم ” و ” رجال الصدوق ” التي وقف على الجميع، ابن حجر في عصره ونقل عنها في كتابه ” لسان الميزان ” لم تصل إلينا، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ثم إن الغاية من اقتراح السيد عز الدين يحيى، نقيب السادات، هو كتابة ذيل لفهرس الشيخ على غراره، بأن يشتمل على أسامي المؤلفين، ومؤلفاتهم واحدا بعد واحد، وقد قبل الشيخ منتجب الدين اقتراح السيد، وقام بهذا العمل لكنه قدس سره عدل عند الاشتغال بتأليف الفهرس عن هذا النمط، فجاء بترجمة كثير من شخصيات الشيعة، يناهز عددهم إلى 540 شخصيه علمية وحديثية من دون أن يذكر لهم أصلا وتصنيفا، ومن ذكر لهم كتابا لا يتجاوز عن حدود مائة شخص. نعم ما يوافيك من الفهرس الآخر لمعاصره أعني معالم العلماء فهو على غرار فهرس الشيخ حذو القذة بالقذة.


(1) راجع في الوقوف على وصف هذا التاريخ وما كتبه في طبقات الامامية أيضا ” الذريعة إلى تصانيف الشيعة ” ج 3، ص 220 219 هذا وتوفي ابن أبي طي سنة 630 ه‍. [ * ]

[ 113 ]

2 معالم العلماء في فهرس كتب الشيعة وأسماء المصنفين وهو تأليف الحافظ الشهير محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني، المولود عام 488، والمتوفي سنة 588، وهو أشهر من أن يعرف، فقد أطراه أرباب المعاجم من العامة والخاصة. قال صلاح الدين الصفدي: ” محمد بن علي بن شهر آشوب أبو جعفر السروي المازندارني، رشيد الدين الشيعي، أحد شيوخ الشيعة. حفظ القرآن وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في اصول الشيعة، كان يرحل إليه من البلاد، ثم تقدم في علم القرآن والغريب والنحو، ذكره ابن أبي طي في تاريخه، وأثنى عليه ثناء بليغا، وكذلك الفيروزآبادي في كتاب البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، وزاد أنه كان واسع العلم، كثير العبادة دائم الوضوء، وعاش مائة سنة إلا ثمانية أشهر، ومات سنة 588 ” (1). وذكره الشيخ الحر العاملي في ” أمل الآمل ” في باب المحمدين، وذكر كتبه الكثيرة، التي أعرفها ” مناقب آل أبي طالب ” وقد طبع في أربعة مجلدات، و ” متشابه القرآن ” وهو من محاسن الكتب وقد طبع في مجلد واحد، و ” معالم العلماء ” الذي نحن بصدد تعريفه، وهذا الكتاب يتضمن 1021 ترجمة وفي آخرها ” فصل فيما جهل مصنفه ” و ” باب في بعض شعراء أهل البيت ” وهذا الفهرس، كفهرس الشيخ منتجب الدين تكملة لفهرس الشيخ الطوسي، والمؤلفان متعاصران، والكتابان متقاربا التأليف، وقد أصبح معالم العلماء من المدارك المهمة لعلماء الرجال، كالعلامة الحلي في ” الخلاصة “، ومن بعده.


(1) الوافي بالوفيات: ج 4 الصفحة 164. [ * ]

[ 114 ]

3 رجال ابن داود وهو تأليف تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي، المولود سنة 647، أي قبل تولد العلامة بسنة، والمتوفي بعد سنة 707. تتلمذ على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس (المتوفي سنة 673) قرء عليه أكثر كتاب ” البشرى ” و ” الملاذ ” حتى قال: ” وأكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته، رباني وعلمني وأحسن إلي ” (1). كما قرء على الامام نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى المعروف بالمحقق، وقال في حقه: ” قرأت عليه ورباني صغيرا، وكان له علي إحسان عظيم والتفات، وأجاز لي جميع ما صنفه وقرأه ورواه ” (2). مميزات رجال ابن داود ومن مزايا ذلك الكتاب، أنه سلك فيه مسلكا لم يسبقه أحد من الاصحاب، لانه رتبه على الحروف، الاول فالاول، من الاسماء وأسماء الآباء والاجداد، وجمع ما وصل إليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب، فنقل ما في فهرس الشيخ والنجاشي، ورجال الكشي، والشيخ وابن الغضائري والبرقي والعقيقي وابن عقدة والفضل بن شاذان وابن عبدون، وجعل لكل كتاب علامة، ولم يذكر المتأخرين عن الشيخ إلا أسماء يسيرة، وجعل كتابخه في جزئين، الاول يختص بذكر الموثقين والمهملين، والثاني بالمجروحين والمجهولين. وذكر في آخر القسم الاول، تحت عنوان خاص، جماعة وصفهم النجاشي بقوله ” ثقة ثقة ” مرتين، عدتهم أربعة وثلاثون رجلا مرتبين على


(1) لاحظ رجال ابن داود: الصفحة 46 45 طبعة النجف. (2) رجال ابن داود: الصفحة 62 طبعة النجف. [ * ]

[ 115 ]

حروف الهجاء، ثم أضاف بأن الغضائري جاء في كتابه خمسة رجال زيادة على ما ذكره النجاشي، ووصف كلا منهم بأنه ” ثقة ثقة ” مرتين، ثم ذكر خمسة فصول لاغنى للباحث عنها، كل فصل معنون بعنوان خاص. ثم ذكر في آخر القسم الثاني، سبعة عشر فصلا لا يستغني عنها الباحثون، كل فصل معنون بعنوان خاص ثم أورد تنبيهات تسعة مفيدة. وبما أنه وقع في هذا الكتاب اشتباهات عند النقل عن كتب الرجال، مثلا نقل عن النجاشي مطلبا وهو للكشي أو بالعكس، قام المحقق الكبير السيد محمد صادق آل بحر العلوم في تعليقاته على الكتاب، بإصلاح تلك الهفوات، ولعل أكثر تلك الهفوات نشأت من استنساخ النساخ، وعلى كل تقدير، فلهذا الكتاب مزية خاصة لا توجد في قرينه الآتي أعني خلاصة العلامة أعلى الله مقامه. قال الافندي في ” رياض العلماء “: ” وليعلم أن نقل ابن داود في رجاله عن كتب رجال الاصحاب، ما ليس فيها، مما ليس فيه طعن عليه، إذ أكثر هذا نشأ من اختلاف النسخ والازدياد والنقصان الحاصلين من جانب المولفين أنفسهم بعد اشتهار بعض نسخها وبقي في أيدي الناس على حاله الاولى من غير تغيير، كما يشاهد في مصنفات معاصرينا ايضا ولا سيما في كتب الرجال التي يزيد فيها مؤلفوها، الاسامي والاحوال يوما فيوما، وقد رأيت نظير ذلك في كتاب فهرس الشيخ منتجب الدين، وفهرس الشيخ الطوسي، وكتاب رجال النجاشي وغيرها، حتى إني رأيت في بلدة الساري نسخة من خلاصة العلامة قد كتبها تلميذه في عصره وكان عليها خطه وفيه اختلاف شديد مع النسخ المشهورة بل لم يكن فيها كثير من الاسامي والاحوال المذكورة في النسخ المتدوالة منه ” (1).


(1) رياض العلماء ج 1، ص 258. [ * ]

[ 116 ]

أقول: ويشهد لذلك أن المؤلفات المطبوعة في عصرنا هذا تزيد وتنقص حسب طبعاتها المختلفة، فيقوم المؤلف في الطبعة اللاحقة بتنقيح ما كتب باسقاط بعض ما كتبه وإضافة ما لم يقف عليه في الطبعة الاولى، ولاجل ذلك تختلف الكتب للمعاصرين حسب اختلاف الطبعات. وفي الختام نذكر نص اجازة السيد أحمد بن طاووس، لتلميذه ابن داود مؤلف الرجال، وهي تعرب عن وجود صلة وثيقة بين الاستاذ والمؤلف فانه بعد ما قرأ ابن داود كتاب ” نقض عثمانية جاحظ ” (1) على مؤلفه ” أحمد بن طاووس ” كتب الاستاذ اجازة له وهذه صورته: ” قرأ علي هذا ” البناء ” من تصنيفي، الولد العالم الاديب التقي، حسن بن علي بن داود أحسن الله عاقبته وشرف خاتمته وأذنت له في روايته عني. وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن طاووس حامدا لله ومصليا على رسوله، والطاهرين من عترته، والمهديين من ذريته “. وفي آخر الرسالة ما هذه صورته: ” أنجزت الرسالة، والحمد لله على نعمه، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى، حسن بن علي بن داود ربيب صدقات مولانا المصنف ضاعف الله مجده وأمتعه الله بطول حياته وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله وسلامه “. وكان نسخ الكتاب في شوال من سنة خمس وستين وستمائة (1).


(1) وقد أسماه المؤلف ب‍ ” بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية للجاحظ ” ويقال اختصارا ” البناء “. [ * ]

[ 117 ]

مشايخه قال الافندي: ويروي ابن داود عن جماعة من الفضلاء: منهم: السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس. ومنهم: الشيخ مفيد الدين محمد بن جهيم الاسدي على ما يظهر من ديباجة رجاله (1). أقول: وهو يروي عن جماعة اخرى أيضا. منهم: المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي (المتوفي عام 676). ومنهم الشيخ نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن سعيد الحلي ابن عم المحقق المذكور (المتوفي عام 689). ومنهم الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي والد العلامة الحلي. ونقل الافندي في الرياض أنه كان شريك الدرس مع السيد عبد الكريم بن جمال الدين (2) أحمد بن طاووس الحلي (المتوفي عام 693) عند المحقق. ولكن العلامة الاميني عده من مشايخه (3) والظاهر اتقان الاول. تلاميذه يروي عنه جماعة كثيرة:


(1) نقض عثمانية جاحظ المطبوع حديثا ب‍ ” عمان “. (2) رياض العلماء، ج 1، الصفحة 256. (3) الغدير: ج 6، الصفحة 7. [ * ]

[ 118 ]

منهم: الشيخ رضي الدين علي بن أحمد المزيدي الحلي (1)، استاذ الشهيد الاول، المتوفي عام 757. ومنهم: الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن طراد المطارآبادي، المتوفي بالحلة 754. تآليفه للمترجم له تآليف قيمة تبلغ ثلاثين كتابا ذكر أسماءها في رجاله. ومن شعره الرائق قوله في حق الوصي: وإذا نظرت إلى خطاب محمد * يوم الغدير إذ استقر المنزل من كنت مولاه فهذا حيدر * مولاه لا يرتاب فيه محصل لعرفت نص المصطفى بخلافة * من بعده غراء لا يتأول وله ارجوزة في الامامة، طويلة، مستهلها: وقد جرت لي قصة غريبة * قد نتجت قضية عجيبة (2) وفاته قد عرفت أنه قد فرغ من رجاله عام 707، ولم يعلم تاريخ وفاته على وجه اليقين، غير أن العلامة الاميني ينق عن ” رياض العلماء ” أنه رأى في مشهد الرضا نسخة من ” الفصيح ” بخط المترجم له، في آخرها: ” كتبه مملوكه حقا حسن بن علي بن داود غفر له في ثالث عشر شهر رمضان المبارك سنة احدى وأربعين وسبعمائة حامدا مصليا مستغفرا “.


(1) وفي رياض العلماء مكان ” المزيدي “، و ” المرندي “، وهو تصحيف. (2) لاحظ الغدير، ج 6، الصفحة 6 3، وذكر شطرا منها السيد الامين في أعيان الشيعة ج 22 الصفحة 343. [ * ]

[ 119 ]

فيكون له من العمر حينذاك 94 عاما، فيكون من المعمرين، ولم يذكر منهم (1). 4 خلاصة الاقوال في علم الرجال وهي للعلامة (2) على الاطلاق الحسن بن يوسف بن المطهر، المولود عام 648، والمتوفي عام 726، الذي طارت صيته في الآفاق، برع في المعقول والمنقول، وتقدم على الفحول وهو في عصر الصبا. ألف في فقه الشريعة مطولات ومتوسطات ومختصرات، وكتابه هذا في قسمين: القسم الاول ; فيمن اعتمد عليه وفيه سبعة عشر فصلا، والقسم الثاني ; مختص بذكر الضعفاء ومن رد قوله أو وقف ليه، وفيه أيضا سبعة عشر فصلا، وفي آخر القسم الثاني خاتمة تشتمل على عشر فوائد مهمة، وكتابه هذا خلاصة ما في فهرس الشيخ والنجاشي وقد يزيد عليهما. قال المحقق التستري: ” إن ما ينقله العلامة من رجال الكشي والشيخ وفهرس النجاشي مع وجود المنقول في هذه الكتب غير مفيد، وإنما يفيد في ما لم نقف على مستنده، كما في ما ينقل من جزء من رجال العقيقي، وجزء من رجال ابن عقدة، وجزء من ثقات كتاب ابن الغضائري، ومن كتاب آخر له في المذمومين لم يصل إلينا، كما يظهر منه في سليمان النخعي، كما يفيد أيضا فيما ينقله من النجاشي في ما لم يكن في نسختنا، فكان عنده النسخة الكاملة من النجاشي وأكمل من الموجود من ابن الغضائري، كما في ليث البختري، وهشام بن إبراهيم العباسي، ومحمد بن نصير، ومحمد بن أحمد بن محمد بن سنان، ومحمد بن أحمد بن قضاعة، ومحمد بن الوليد الصيرفي، والمغيرة بن


(1) الغدير نقلا عن روضات الجنات الصفحة 357. (2) إن العلامة غني عن الاطراء، وترجمته تستدعي تأليف رسالة مفردة، وقد كفانا، ما ذكره أصحاب المعاجم والتراجم في حياته وفضله وآثاره. [ * ]

[ 120 ]

سعيد، ونقيع بن الحارث، وكما ينقل في بعضهم أخبارا لم نقف على مأخذها، كما في إسماعيل بن الفضل الهاشمي، وفيما أخذه من مطاوي الكتب كمحمد بن أحمد النطنزي ” (1). وبما أن هذا الكتاب ورجال ابن داود متماثلان في التنسيق وكيفية التأليف، يمكن أن يقال: إن واحدا منهما اقتبس المنهج عن الآخر، كما يمكن أن يقال: إن كليهما قد استقلا في التنسيق والمنهج، بلا استلهام من آخر، غير أن المظنون هو أن المؤلفين، بما أنهما تتلمذا على السيد جمال الدين أحمد بن طاووس المتوفي سنة 673، وقد كان هو رجالي عصره ومحقق زمانه في ذلك الفن، قد اقتفيا في تنسيق الكتاب ما خطه استاذهما في ذلك الموقف، والله العالم. الفروق بين رجالي العلامة وابن داود ثم إن هنا فروقا بين رجالي العلامة وابن داود يجب الوقوف عليها، وإليك بيانها: 1 إن القسم الاول من الخلاصة مختص بمن يعمل بروايته، والثاني بمن لا يعمل بروايته، حيث قال: ” الاول ; في من اعتمد على روايته أو ترجح عندي قبول قوله. الثاني ; فيمن تركت روايته أو توقفت فيه “. ولاجل ذلك يذكر في الاول الممدوح، لعمله بروايته، كما يذكر فيه فاسد المذهب إذا عمل بروايته كابن بكير وعلي بن فضال. واما الموثقون الذين ليسوا كذلك، فيعنونهم في الجزء الثاني لعدم عمله بخبرهم، هذا. والجزء الاول من كتاب ابن داود فيمن ورد فيه أدنى مدح ولو مع ورد ذموم كثيرة أيضا فيه ولم يعمل بخبره، والجزء الثاني من كتابه، فيمن ورد فيه


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 15. [ * ]

[ 121 ]

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره، ولاجل ذلك ذكر بريدا العجلي مع جلالته في الثاني، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضا لاجل ورود ذم ما فيه، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق. 2 إن العلامة لا يعنون المختلف فيه في القسمين، بل إن رجح المدح يذكره في الاول، وإن رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني. وأما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه، وفي الثاني باعتبار جرحه. 3 إن العلامة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرس الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند، بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة أو رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما، يصرح بالمستند. كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل، يصرح بأسمائهم، وحينئذ فان قال في عنوان شيئا وسكت عن مستنده، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا. وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه، فلو لم يذكر المستند، علم أنه سقط من نسختنا رمزه، إلا ما كان مشتبها عنده فلا يرمزه. 4 إن العلامة يقتصر على الممدوحين في الاول، بخلاف ابن داود، فإنه يذكر فيه المهملين أيضا، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه. قال ابن داود: ” والجزء الاول من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون، لم يذكروا بمدح ولا قدح، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وإن استقصى الممدوحين، لكنه لم يستقص المهملين.


[ 122 ]

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين. المجهول في مصطلح العلامة وابن داود إن هناك فرقا بيمن مصطلح العلامة وابن داود، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية، وهو أحد ألفاظ الجرح، ولذا لم يعنوناه إلا في عالجزء الثاني من كتابيهما، المعد للمجروحين، وقد عقد ابن داود لهم فصلا في آخر الجزء الثاني من كتابه، كما عقد فصلا لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم. لكن المجهول في كلام المتأخرين، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح. وقد عرفت أن العلامة لا يعنون المهمل أصلا، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح، وكان القدماء يعلمون بالمهمل كالممدوح، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود (1). فهذه الكتب الاربعة، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. الف الاول والثاني منهما في القرن السادس، كما الف الثالث والرابع في القرن السابع، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتماثلو التنسيق والمنهج كما عرفت. وقد ترجم ابن داود العلامة في رجاله، ولم يترجمه العلامة في الخلاصة، وإن ذا مما يقضي منه العجب. هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئا ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتاب ” مصفي المقال في مؤلفي الرجال ” للعلامة


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 31. [ * ]

[ 123 ]

المتتبع الطهراني رحمه الله. وهذه هي الاصول الاولية الثمانية والثانوية الاربعة لعلم الرجال، وأما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرها عن قريب.


[ 125 ]

2 الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة * مجمع الرجال. * منهج المقال. * جامع الرواة. * نقد الرجال. * منتهى المقال.


[ 127 ]

قد وقفت على الاصول الرجالية، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف بها، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى اواخر القرن الثاني عشر، تلقاها العلماء بالقبول وركنوا إليها ولابد من التعرف عليها. * * * 1 مجمع الرجال تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي، من تلاميذ المقدس الاردبيلي (المتوفي سنة 993). والمولى عبد الله التستري (المتوفي عام 1021) والشيخ البهائي (المتوفي سنة 1031). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الاولية، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجزاء. 2 منهج المقال تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن ابراهيم الاسترآبادي (المتوفي


(1) قاموس الرجال: ج 1 الصفحة 31. [ * ]

[ 128 ]

سنة 1028) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترآبادي صاحب ” الفوائد المدنية “. له كتب ثلاثة في الرجال: الكبير وأسماه ” منهج المقال “. والوسيط، الذي ربما يسمى ب‍ ” تلخيص المقال ” أو ” تلخيص الاقوال “، والصغير الموسوم ب‍ ” الوجيز “. والاول مطبوع، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها. 3 جامع الرواة تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة، معلومة الحال، صحيحة مسنده، وطبع الكتاب في مجلدين، وقدم له الامام المغفور له الاستاذ الحاج آقا حسين البروجردي قدس الله سره مقدمة وله أيضا ” تصحيح الاسانيد ” الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك. ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روي عنهم، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك، النقص الموجود في كتب الرجال. قال في مقدمته: ” سنح بخاطره (يعني نفسه) الفاتر بتفضله غير المتناهى أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر، من الراوي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض، وعلماء الرجال رضوان الله عليهم لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة، منهم فلان وفلان، ولم يكن هذا كافيا في حصول المطلوب إلى أن قال: صار متوكلا على رب الارباب، منتظما على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير، حتى إنه رأى الكتب الاربعة المشهورة، والفهرس للشيخ رحمه الله تعالى والفهرس


[ 129 ]

للشيخ منتجب الدين.. ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها، ورأى أيضا كثيرا من الرواة رووا عن المعصوم، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنه عليه السلام، والبعض الذين عدوه من رجال الصادق، رأى روايته عن الكاظم عليه السلام مثلا، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهم عليهم السلام رأى أنه روي عنهم عليهم السلام إلى أن قال: إن بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا أنه روي عن المعصوم عليه السلام ورأى أنه روي عنه عليه السلام ضبطه أيضا، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمرا إلى أن قال: (ومن فوائد هذا الكتاب) أنه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم أنه غلط وواقع غير موقعه. (ومن فوائده أيضا) أن رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد أنه كان حسن الحال أو كان من مشايخ الاجازة ” (1). والحق ان الرجل مبتكر في فنه، مبدع في عمله، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات، ومع أنه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة، جهودا جبارة، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ، والراوي عن المروي عنه، ولكن لم يجعل كتابه على أساس الطبقات حتى يقسم الرواة إلى طبقة وطبقة، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه، أو رووا عنه، مع أنه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بإمعان ودقة. 4 نقد الرجال تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام 1015، وهو من تلاميذ المولى عبد الله التستري وقد طبع في مجلد.


(1) لاحظ المقدمة: الصفحة 5 4 بتصرف يسير. [ * ]

[ 130 ]

قال في مقدمته: ” أردت أن أكتب كتابا يشتمل على جميع أسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين، يخلو من تكرار وغلط، ينطوي على حسن الترتيب، يحتوي على جميع أقوال القوم قدس الله أرواحهم من المدح والذم إلا شاذا شديد الشذوذ “. 5 منتهى المقال في أحوال الرجال المعروف برجال أبي علي الحائري، تأليف الشيخ أبي علي محمد بن اسماعيل الحائري (المولود عام 1159 ه‍، والمتوفي عام 1215 أو 1216 في النجف الاشرف). ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه، ثم بكلمات اخرى، وقد شرح نمط بحثه في أول الكتاب، وترك ذكر جماعة بزعم أنهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم، ولكنهم ليسوا بمجاهيل، بل أكثرهم مهملون في الرجال، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل. وهذه الكتب الخمسيه كلها الفت بين أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي أو ضعفها، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات. هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات الفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدراج بين العلماء في عصرنا هذا.


[ 131 ]

3 الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء * بهجة الآمال. * تنقيح المقال. * قاموس الرجال.


[ 133 ]

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر، وهناك مؤلفات رجالية الفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر، ولكنها على صنفين: صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي، والقضاء بين كلمات أهل الفن، إلى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين، وصنف آخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوبا خاصا لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه، ومدى علمه وفضله، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة، ومقدار ضبطه للرواية، وإتقانه في نقل الحديث، من أهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي، وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالبا إلا على وجه نادر. وهذا الاسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة. وعلى ذلك يجب علينا أن نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه، وكل ذي فضل فضله، بلا تحيز إلى فئة، ولا إنكار فضيلة لاحد.


[ 134 ]

1 ” بهجة الامال في شرح زبدة المقال في علم الرجال ” تأليف العلامة الحاج الشيخ علي بن عبد الله محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي (المولود عام 1236، والمتوف عام 1327) وهذا الكتاب قد الف في خمسة مجلدات كبار، ثلاثة منها شرح مزجى ل‍ ” زبدة المقال في معرفة الرجال ” تأليف العلامة السيد حسين البروجردي وهو منظومة في علم الرجال قال: سميته بزبدة المقال * في البحث عن معرفة الرجال ناظمه الفقير في الكونين * هو الحسين بن رضا الحسيني واثنان منها شرح ل‍ ” منتهى المقال ” وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي، وحيث إن البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة، فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلا، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضا عدة أبحاث متفرقة، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع. 2 ” تنقيح المقال في معرفة علم الرجال “. للعلامة الشيخ عبد الله المامقاني (المتوفي عام 1351) في ثلاثة أجزاء كبار، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع، وقد جمع جل ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتأخرة. قال العلامة الطهراني: ” هو أبسط ما كتب في الرجال، حيث إنه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة إلى القرن الرابع، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار، لم


[ 135 ]

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدا، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال، ومن تنقيح ما أتى بمثله الامثال ” (1). ومما اخذ عليه، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فإن الاول عبارة عمن لم يذكر فيه مدح ولا قدح، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح، زعما منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون. وأما المجهول فإنه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويعاملون معه معاملة المجروح. وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال، الذي طبع مستقلا وسماه المؤلف ” نتيجة التنقيح ” لا ترى فيه إلا المجاهيل، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح. وهذا الخلط لا يختص به، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي إلى عصره، مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه: ” لا يجوز إطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال ” (2). وقد ذب شيخنا العلامة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال: ” إن المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد، وصرح في الجزء الاول (أواخر الصفحة 184) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشئ من ترجمة أحواله أبدا فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة، لسعة دائرة هذا العلم، وكثرة مدارك معرفة الرجال، ومن هذا


(1) الذريعة: ج 4، الصفحة 466. (2) الرواشح: الصفحة 60. [ * ]

[ 136 ]

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله ” مجهول ” ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفا، بل مرادة أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله ” (1). 3 ” قاموس الرجال ” للعلامة المحقق الشيخ محمد تقي التستري، كتبه أولا بصورة التعليقة على رجال العلامة المامقاني، وناقش كثيرا من منقولاته ونظرياته، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في 13 جزء، والمؤلف حقا أحد أبطال هذا العلم ونقاده، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب، ونشرته صحيفة كيهان في نشرته المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام. غير أنه لا يتبع في تأليف الكتاب روح العصر، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة إلا بالرموز، وذلك أوجد غلقا في قراءة الكتاب وفهم مقائده، أضف إلى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية، ولا يعين مواضعها، ولكن ما ذكرناه يرجع إلى نفس الكتاب، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر إلا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة. وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات التي يجب أن ننبه إليها.


(1) الذريعة: ج 4، الصفحة 467 بتصرف وتلخيص. [ * ]

[ 137 ]

4 تطور في تأليف الجوامع الرجالية * جامع الرواة. * طرائف المقال. * مرتب اسانيد الكتب الاربعة. * معجم رجال الحديث.


[ 139 ]

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها، فاقدة لبعض ما يهم المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الراوي وضعفه إجمالا، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه: 1 إن هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون، مع أهميتها وجلالتها، لا تخرج عن إطار التقليد لائمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الراوي وضعفه وقليل من سائر أحواله، مما ترجع إلى شخصيته الحديثية، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي، فضلا عمن يرجع إليه ويطالعه، للتعرف على أحوال الراوي، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كل ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا، ومدى الضبط والاتقان ثانيا، وكمية رواياته كثرة وقله ثالثا، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعا، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه، فإن العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد، على هذه الامور وأشباهها. وإن شئت قلت: إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال، تستمد من قول أئمة الفن في جرح الرواة وتعديلهم، وبالاخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة، التي نبهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم


[ 140 ]

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف. ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعد من الطرق الوثيقة، لكنه ليس طريقا وحيدا في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم، بل طريق تقليدي لائمة الرجال، وليس طريقا مباشريا إلى أحوال الرواة، ولا يعد طريقا أحسن وأتم. 2 لاشك أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها، وربما سقط الراوي من السند من دون أن يكون هناك ما يدلنا عليه، وعلى ذلك يجب أن يكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواه من حيث المشايخ والتلاميذ، حتى يقف الباحث ببركة التعرف على الطبقات، على نقصان السند وكماله، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدأة بالالف ومنتهية بالياء، لا يعرف الانسان عصر الراوي وطبقته في الحديث، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية، وبصورة قليلة دون الاحصاء، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، فقد عقد لكل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام أبوابا خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه. وهذا النمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الامنية الكبرى كلها، لكنه يفي بها إجمالا، حيث نرى أنه يقسم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء، وعندئذ يمكن تمييز السند الكامل من السند الناقص، ولو كان الرجاليون بعد الشيخ يتبعون أثره لاصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه. 3 إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدة أشخاص. بين ثقة يركن


[ 141 ]

إليه، وضعيف يرد روايته، وعندما يلاحظ المستنبط الاسماء المشتركة في الاسناد لا يقدر على تعيين المراد. ولاجل ذلك عمد الرجاليون إلى تأسيس فرع آخر لعلم الرجال أسموه ب‍ ” تمييز المشتركات “، أهمها وأعظمها هو ” تمييز المشتركات للعلامة الكاظمي ” ولذلك يجب على المستنبط في تعيين المراد من الاسماء المشتركة، إلى مراجعة فصل ” تمييز المشتركات “، ولولاه لما انحلت العقدة، غير أن كثيرا من كتب الرجال فاقدة لهذا الفرع، وإنما يذكرون الاسماء بالآباء والاجداد، من دون أن يذكروا ما يميز به المشترك عن غيره. ولقد أدخل العلامة المامقاني ما كتبه العلامة الكاظمي في رجاله، وبذلك صار كتابا جامعا بالنسبة، وقد تطرق ذلك النقص إلى أكثر الكتب الرجالية خ، لاجل أنها الفت على ما رسمه القدماء على ترتيب الحروف الهجائية، دون ترتيب الطبقات. بروز نمط خاص في تأليف الرجال ولاجل هذه النقائص الفنية في هذه الخطة، نهضت عدة من الاعلام والمشايخ في العصر الماضي والحاضر إلى فتح طريق آخر في وجوه المجتهدين والمستنبطين، وهذا الطريق هو لمس حالهم بالمباشرة لا بالرجوع إلى أقوال أئمة الرجال بل بالجروع إلى سند الروايات المتكررة في الكتب الحديثية المشتملة على اسم الراوي، فإن في هذا الطريق إمكان التعرف على ميزان علم الراوي وفقهه وضبطه ووثاقته في النقل، إذ بالرجوع إلى متون أحاديث الراوي المبعثرة على الابواب وملاحظتها لفظا ومعنى، وكما وكيفا يعرف امور: 1 يفهم من رواياته، مدى تضلع الراوي في الفقه والكلام والتاريخ والتفسير وغيرها من المعارف، كما يعرف عدم مهارته وحذاقته في شئ منها، إذا قيست رواياته بعضها ببعض، وبما رواه آخرون في معناها. 2 يعرف مقدار رواياته قلة وكثرة، وأنه هل هو ضابط فيما يروي أو


[ 142 ]

مخلط أو مدلس. 3 تعرف طبقات الرواة مشايخهم وتلاميذهم. 4 يحصل التعرف على وضع الاسناد من حيث الكمال والسقط، فربما تكون الرواية في الكتب الاربعة مسندة إلى الامام، ولكن الواقف على طبقات الرجال يعرف الحلقة المفقودة أثناء السند. يقول الاستاذ الشيخ ” محمد واعظ زاده الخراساني ” في رسالة نشرت بمناسبة الذكرى الالفية للشيخ الطوسي قدس الله سره: ” إن الرجاليين كانوا وما يزالون يتعبدون في الاكثر بقول أئمة هذا الفن ويقلدونهم في جرح الرواة وتعديلهم، إلا أن الامر لا ينحصر فيه، فهناك بإزاء ذاك، باب مفتوح إلى معرفة الرواة ولمس حالهم بالمباشرة. وهذا يحصل بالرجوع إلى أمرين: 1 الرجوع إلى أسناد الروايات المتكررة في الكتب الحديثية المشتملة على اسم الراوي، وبذلك يظهر الخلل في كثير من الاسانيد، وينكشف الارسال فيها بسقوط بعض الوسائط وعدم اتصال السلسلة، ويمكننا معرفة الحلقة المفقودة في سلسلة حديث باستقراء الاشباه والنظائر إذا توفرت وكثرت القرائن، وقامت الشواهد في الاسانيد المتكثرة. 2 الرجوع إلى متون أحاديث الراوي المبعثرة على الابواب، واعتبارها لفظا ومعنى وكما وكيفا، فيفهم منها أن الراوي هل كان متضلعا في علم الفقه أو التفسير أو غيرهما من المعارف، أو لم يكن له مهارة وحذاقة في شئ منها ؟ يفهم ذلك كله إذا قيست رواياته بعضها ببعض وبما رواه الآخرون في معناها، ويلاحظ أنه قليل الرواية أو كثيرها وأنه ثبت ضابط فيما يرويه أو مخلط مدلس. وإذا انضم إليه أمر ثالث ينكشف حال الراوي أتم الانكشاف، وهو مراجعة الاحاديث التي وردت في حال الرواة، وقد جمع معظمها أبو عمرو


[ 143 ]

الكشي في رجاله، فهي تعطينا بصيرة بحال رواة الحديث من ناحية اخرى وهي موقف الرواة من الائمة الهداة، ودرجات قرب الرجال وبعدهم عنهم. وعلى الجملة فمعرفة الرواة وطبقاتهم عن طريق أحاديثهم وملاحظتها متنا وسندا، تكاد تكون معرفة بالمباشرة والنظر لا بالتقليد والاثر ” (1). 1 جامع الرواة إن أول من قام بهذا العمل بصورة النواة، هو الشيخ المحقق الاردبيلي (مؤلف جامع الرواة) المعاصر للعلامة المجلسي، فإنه يلتقط في ترجمة الرجال جملة من الاسانيد عن الكتب الاربعة وغيرها، ويجعلها دليلا على التعرف على شيوخ الراوي وتلاميذه وطبقته وعصره. 2 طرائف المقال وقام بعده بهذا العمل السيد محمد شفيع الموسوي التفريشي، فألف كتابه المسمى ب‍ ” طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال “. فقد جعل مشايخه الطبقة الاولى، ثم مشايخ مشايخه، الطبقة الثانية، إلى أن ينتهي إلى عصر النبي صلى الله عليه وآله، فجاء الكل في اثنتين وثلاثين طبقة وجعل الشيخ الطوسي ومن في طبقته، الطبقة الثانية عشر. توجد نسخة من هذا الاثر النفيس في مكتبة آية الله المرعشي دام ظله وهو بعد لم يطبع. 3 مرتب الاسانيد وقام بعده المحقق البروجردي، إمام هذا الفن بعملين ضخيمين يعد من أبرز الاعمال وأعمقها في الرجال. الاول: رتب أسانيد كل من الكتب الاربعة وسماها، مرتب أسانيد


(1) لاحظ الرسالة، الصفحة 685 683 بتلخيص منا. [ * ]

[ 144 ]

الكافي ” و ” مرتب أسانيد التهذيب “، ثم انصرف إلى ترتيب أسانيد الكتب الاربعة الرجالية وغيرها من كتب الحديث، مراعيا فيها ترتيب الحروف، فباستيفاء الاسانيد وقياس بعضها مع بعض يعرف جميع شيوخ الراوي وتلاميذه وطبقته وغيرها من الفوائد. فبالرجوع إلى هذا الفهرس يعلم مقدار مشايخ الراوي وتلاميذه، كما يعرف من هو مشاركه في نقل الحديث وكان في طبقته، كما يعلم مشايخ كل واحد من هؤلاء الرواة وطرقهم إلى الامام. الثاني: قام بتأليف كتاب باسم ” طبقات الرجال ” فقد جعل سلسلة الرواة من عصر النبي الاكرم صلى الله عليه وآله إلى زمان الشيخ الطوسي اثنتي عشرة طبقة، فجعل الصحابة الطبقة الاولى، ومن أخذ عنهم الحديث الطبقة الثانية، وهكذا والعمل الثاني منتزع من العمل الاول أعني تجريد الاسانيد، وهذا الاثر النفيس، بل الآثار النفيسة بعد غير مطبوعة، بل مخزونة في مكتبته الشخصية العامرة، نسأل الله سبحانه أن يوفق أهل الجد والعلم للقيام بطبع هذه التركة النفيسة. يقول الاستاذ ” واعظ زاده ” وهو يحدث عن الامام البروجردي في تلك الرسالة وأنه أحد من سلك هذا الطريق، وإن لم يكن مبتكرا في فتح هذا الباب: ” إن الاشراف على جميع روايات الراوي يستدعي جمعها في كراس واحد، وهذا ما عمله قديما علماء الحديث من الجمهور، وسموا هذا النوع من الكتب ” المسند “، وكان الغرض الاهم لهم من هذا العمل، التلاقي مع الرواة في أحاديثهم. أما الشيعة الامامية فلم يهتموا بالمسانيد وكان الامام البروجردي، يحبذ هذا العمل ويرغب طلاب العلم بالاشتغال به، ولا ريب أنه فراغ في حديثنا يجب أن يسد.


[ 145 ]

والامام البروجردي اكتفى من ذلك بجمع أسانيد كل راو إلى الامام فقط، ورتبها في فهارس كاملة. هذا ما ابتكره الامام ولم يسبقه فيه غيره. نعم، استخبار طبقة الرواة وشيوخهم وتلاميذهم من سند الاحاديث لم بتغافل عنه السابقون، كيف وإنهم يستدلون بذلك في كتبهم، وقد أكثر الشيخ محمد الاردبيلي في كتابه ” جامع الرواة ” منه. فإنه يلتقط في ترجمة الرجال، جملة من الاسانيد من الكتب الاربعة وغيرها، ويستدل بها على شيوخ الراوي وتلاميذهم وطبقته من دون استقصاء. نعم، إن البروجردي ليس أول من تفطن والتفت إلى مدى تأثير الاسانيد في معرفة الرواة وطبقاتهم، وإنما الاستاذ أول من رتب الاسانيد واستقصاه في فهارس جامعة، وبذلك وضع أمام المحققين ذريعة محكمة للاستشراف على شتى أسانيد للرواة والانتفاع بها. إن الاستاذ لما أحس بضرورة استقصاء الاسانيد التي وقع فيها اسم الراوي، وكانت الاسانيد مبعثرة مع أحاديثها في ثنايا الكتب، بحيث يصعب أو يستحيل الاحاطة بها عادة، تفطن بأنه يجب أن يلتقطها من مواضعها فيرتبها في قوائم وفهارس. وابتدأ عمله هذا بأسانيد الكتب الاربعة وسماها، مرتب أسانيد الكافي “، ثم ” مرتب أسانيد التهذيب ” وهكذا. ثم انصرف إلى الكتب الاربعة الرجالية وكثير من غيرها من كتب الحديث مراعيا ترتيب الحروف. وها نحن نعرض نموذجا من عمل الامام الاكبر حتى يعرف منها ما تحمله من المشاق في سد هذا الفراغ. ومن لاحظ هذا الانموذج، يعرف مدى ما لهذه الفهارس من الاثر في علم الرجال كما يقف على اسلوبها، ولتوضيح حال هذا الانموذج نقول: إن الشيخ الطوسي مؤلف ” التهذيب والاستبصار ” أخذ جميع ما يرويه في


[ 146 ]

هذين الكتابين، من كتب وجوامعهم ظهرت في القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري، فيكتفي في نقل الحديث باسم صاحب الكتاب في أول السند، ثم يذكر طريقه إلى أرباب الكتب في خاتمة الكتابين، في باب أسماه المشيخة، وقد سبقه إلى هذا العمل الشيخ الصدوق في ” من لا يحضره الفقيه “. وممن نقل في التهذيب عنه ” الحسن بن محمد بن سماعة ” فقد نقل من كتابه أحاديث كثيرة في مختلف الابواب. فالامام البروجردي ذكر طرق ابن سماعة إلى الائمة على ترتيب الحروف، فيبدأ باسم أحمد بن أبي بشير، ثم أحمد بن الحسن الميثمى، ثم إسحاق. فمن تأمل في هذا الانموذج يعلم مشايخ ابن سماعة في التهذيب ويعلم مشايخ هذه المشايخ وطرقهم إلى الامام، فإذا ضم ترتيب أسانيد الحسن بن محمد بن سماعة في التهذيب إلى سائر الكتب يعلم من المجموع مشايخه ومشايخ مشايخه وطبقاتهم، كما يعرف من ملاحظة المتون مقدار تضلعه في الحديث وضبطه وإتقانه إلى غير ذلك من الفوائد “. 4 معجم رجال الحديث وأخيرا قام العلامة المحقق الخوئي دام ظله الوارف بتأليف كتاب أسماه ” معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة ” ومن خصائص ومزايا هذا الكتاب هي أنه قد ذكر في ترجمة كل شخص جميع رواته ومن روى هو عنهم في الكتب الاربعة، وقد يذكر ما في غيرها أيضا ولا سيما رجال الكشي، فقد ذكر أكثر ما فيه من الرواة والمروي عنهم، وبذلك خدم علم الرجال خدمة كبيرة. أولا: يعرف بالمراجعة إلى تفصيل طبقات الرواة أعني الذي ذيل به كل جزء من أجزاء كتابه البالغة 23 جزء طبقات الرواة من حيث العصر والمشايخ والتلاميذ، وبذلك يقف الانسان على كمال السند ونقصانه، وربما


[ 147 ]

يعرف الحلقة المفقودة في أثنائه إذا كان حافظا للمشايخ والتلاميذ. ثانيا: يحصل التمييز الكامل بين المشتركات غالبا، فإن قسما كبيرا من الرواة مشترك الاسم في الشخص والاب فلا يعرف الانسان أنه من هو، ولكن بالوقوف على تفصيل طبقات الرواة يميز المشترك ويعين الراوي بشخصه، والكتاب من حسنات الدهر. رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الباقين منهم وجعلنا مقتفين لآثارهم إن شاء الله.


[ 149 ]

الفصل الخامس التوثيقات الخاصة * نص أحد المعصومين أو الاعلام المتقدمين أو المتأخرين. * دعوى الاجماع أو المدح الكاشف. * سعي المستنبط على جمع القرائن.


[ 151 ]

المراد من التوثيقات الخاصة، التوثيق الوارد في حق شخص أو شخصين من دون أن يكون هناك ضابطة خاصة تعمهما وغيرهما، وتقابلها التوثيقات العامة، ويراد منها توثيق جماعة تحت ضابطة خاصة وعنوان معين، وسنذكرها في فصل قادم، إن شاء الله. ويثبت التوثيق الخاص بوجوه نذكرها واحدا بعد آخر: الاول: نص أحد المعصومين عليهم السلام إذا نص أحد المعصومين عليهم السلام على وثاقة الرجل، فإن ذلك يثبت وثاقته قطعا، وهذا من أوضح الطرق وأسماها، ولكن يتوقف ذلك على ثبوته بالعلم الوجداني، أو برواية معتبرة، والاول غير متحقق في زماننا، إلا أن الثاني موجود كثيرا. مثلا ; روى الكشي بسند صحيح عن علي بن المسيب قال: ” قلت للرضا عليه السلام: شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت، فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال: من زكريا بن آدم القمي، المأمون على الدين والدنيا ” (1).


(1) رجال الكشي: الصفحة 496. [ * ]

[ 152 ]

نعم يجب أن يصل التوثيق بسند صحيح، ويترتب عليه أمران: الاول: لا يمكن الاستدلال على وثاقة شخص برواية نفسه عن الامام، فإن إثبات وثاقة الشخص بقوله يستلزم الدور الواضح، وكان سيدنا الاستاذ الامام الخميني (1) دام ظله يقول: ” إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوي، فإن ذلك يثير سوء الظن به، حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملا الاسلامي “. الثاني: لا يمكن إثبات وثاقة الرجل بالرواية الضعيفة، فإن الرواية إذا لم تكن قابلة للاعتماد كيف تثبت بها وثاقة الرجل ؟ وربما يستدل على صحة الاستدلال بالخبر الصعيف لاثبات وثاقة الراوي إذا تضمن وثاقته، بادعاء انسداد باب العلم في علم الرجال، فينتهي الامر إلى العمل بالظن لا محالة، على تقدير انسداد باب العلم إجماعا، ولكنه مردود بوجهين: الاول: باب العلم والعلمي بالتوثيقات غير منسد، لما ورد من التوثيقات الكثيرة من طرق الاعلام المتقدمين بل المتأخرين، لو قلنا بكفاية توثيقاتهم، وفيها غنى وكفاية للمستنبط، خصوصا إذا قمنا بجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي، فإن كثرة القرائن توجب الاطمئنان العقلائي على وثاقة الراوي وهو علم عرفي، وحجة بلا إشكال. الثاني: إن ما ذكره يرجع إلى انسداد باب العلم في موضوع التوثيقات، ولكن ليس انسداد باب العلم في كل موضوع موجبا لحجية الظن في ذلك الموضوع، وإنما الاعتبار بانسداد باب العلم في معظم الاحكام الشرعية، فإن ثبت الاخير كان الظن بالحكم الشرعي من أي مصدر جاء حجة، سواء كان باب


(1) كان الامام عندما يجري القلم على هذه الصحائف حيا مرزقا فوافاه الاجل ليلة التاسعة والعشرين من شهر شوال المكرم من شهور عام 1409 فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا. [ * ]

[ 153 ]

العلم في الرجال منسدا أم لم يكن، وإذا كان باب العلم والعلمي بمعظمها مفتوحا، لم يكن الظن الرجالي حجة سواء كان أيضا باب العلم بالتوثيقات منسدا أم لم يكن. وبالجملة ; انسداد باب العلم والعلمي في خصوص الاحكام الشرعية هو المناط لحجية كل ظن (ومنه الظن الرجالي) وقع طريقا إلى الاحكام الشرعية، أما إذا فرضنا باب العلم والعلمي مفتوحا في باب الاحكام، فلا يكون الظن الرجالي حجة وإن كان باب العلم والعلمي فيه منسدا. وقد أشار إلى ما ذكرنا الشيخ الاعظم في فرائده عند البحث عن حجية قول اللغوي حيث قال: ” إن كل من عمل بالظن في مطلق الاحكام الشرعية، يلزمه العمل بالظن بالحكم الناشي من الظن بقول اللغوي، لكنه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات، بل العبرة عندهم بانسداد باب العلم في معظم الاحكام، فإنه يوجب الرجوع إلى الظن بالحكم، الحاصل من الظن باللغة، وإن فرض انفتاح باب العلم في ما عدا هذه المورد من اللغات ” (1). الثانية: نص أحد أعلام المتقدمين إذا نص أحد أعلام المتقدمين كالبرقي والكشي وابن قولويه والصدوق والمفيد والنجاشي والشيخ وأمثالهم على وثاقة الرجل، يثبت به حال الرجل بلا كلام، غير أن هناك بحثا آخر وهو: هل يكتفي بتوثيق واحد منهم أو يحتاج إلى توثيقين ؟ وتحقيق المسالة موكول إلى محلها في الفقه وخلاصة الكلام هو أن حجية خبر الثقة هل يختص بالاحكام الشرعية أو تعم الموضوعات أيضا ؟ فعلى القول الاول لا يصح الاعتماد على توثيق واحد، بل يحتاج إلى ضم توثيق


(1) الفرائد: بحث حجية قول اللغوي الصفحة 47 46. طبعة رحمة الله. [ * ]

[ 154 ]

آخر، وعلى الثاني يكتفي بالتوثيق الواحد، ويكون خبر الثقة حجة في الاحكام والموضوعات، إلا ما قام الدليل على اعتبار التعدد فيه، كما في المرافعات وثبوت الهلال، والمشهور هو الاول، والاقوى هو الثاني وسيوافيك بيانه في آخر البحث. الثالثة: نص أحد أعلام المتأخرين ومما تثبت به وثاقة الراوي أو حسن حاله هو نص أحد أعلام المتأخرين عن الشيخ وذلك على قسمين: قسم مستند إلى الحس وقسم مستند إلى الحدس. فالاول ; كما في توثيقات الشيخ منتجب الدين (المتوفي بعد عام 585) وابن شهر آشوب صاحب ” معالم العلماء ” (المتوفي عام 588) وغيرهما فإنهم لاجل قرب عصرهم لعصور الرواة، ووجود الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة بينهم، كانوا يعتمدون في التوثيقات والتضعيفات إلى السماع، أو الوجدان في الكتاب المعروف أو إلى الاستفاضة والاشتهار ودونهما في الاعتماد ما ينقله ابن داود في رجاله، والعلامة في خلاصته عن بعض علماء الرجال. والثاني ; كالتوثيقات الواردة في رجال من تأخر عنهم، كالميرزا الاسترآبادي والسيد التفريشي والاردبيلي والقهبائي والمجلسي والمحقق البهبهاني وأضرابهم، فإن توثيقاتهم مبنية على الحدس والاجتهاد، كما تفصح عنه كتبهم، فلو قلنا بأن حجية قول الرجالي من باب الشهادة، فلاتعتبر توثيقات المتأخرين، لان آراءهم في حق الرواة مبنية عى الاجتهاد والحدس، ولا شك في أنه يعتبر في قبول الشهادة إحراز كونها مستندة إلى الحس دون الحدس، كيف وقد ورد في باب الشهادة أن الصادق عليه السلام قال: ” لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك ” (1). وفي حديث عن النبي


(1) الوسائل: الجزء 18 أبواب الشهادات، الباب 20، الحديث 1 و 3. [ * ]

[ 155 ]

صلى الله عليه وآله وقد سئل عن الشهادة، قال: ” هل ترى الشمس ؟ على مثلها فاشهد أو دع ” (1). هذا إذا قلنا بأن العمل بقول الرجالي من باب الشهادة، وأما إذا قلنا بأن الرجوع إليهم من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فإجمال الكلام فيه أنه لا يشترط في الاعتماد على قول أهل الخبرة أن يكون نظره مستندا إلى الحس، فإن قول المقوم حجة في الخسارات وغيرها، ولا شك أن التقويم لا يمكن أن يكون مستندا إلى الحس في عامة الموارد. وعلى ذلك فلو كان الرجوع إلى علماء الرجال من ذاك الباب، فالرجوع إلى أعلام المتأخرين المتخصصين في تمييز الثقة عن غيره بالطرق والقرائن المفيدة للطامئنان مما لا بأس به. وما يقال من أن الفقيه غير معذور في التقليد، فيجب على الفقيه أن يكون بنفسه ذا خبرة في التعرف على أحوال الرواة، غير تام، لان تحصيل الخبروية في كل ما يرجع إلى الاستنباط أمر عسير، لو لم يكن بمستحيل، فإن مقدمات الاستنباط كثيرة، وقد أنهاها بعضهم إلى أربعة عشر فنا، ولا يمكن للمجتهد في هذه الايام أن يكون متخصصا في كل واحد من هذه الفنون، بل يجوز أن يرجع في بعض المقدمات البعيدة أو القريبة إلى المتخصصين الموثوق بهم في ذاك الفن، وقد جرت على ذلك سيرة الفقهاء، بالاخص في ما يرجع إلى الادب العربي ولغات القرآن والسنة وغير ذلك، وليكن منها تمييز الثقة عن غيره. هذا على القول بأن الرجوع إلى أهل الرجال من باب الرجوع إلى أهل الخبرة الموثوق بقولهم. وهناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم عليه السلام لا خصوص خبر الثقة، وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقا بالصدور.


(1) المصدر السابق. [ * ]

[ 156 ]

ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقا بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة، ولكن القرائن والامارات تشهد على عدم صدور الخبر من الامام عليه السلام، وأن الثقة قد التبس عليه الامر، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور، إذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من إحدى الامارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولا تنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقة الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحته يجوز الاخذ به. وهذا القول غير بعيد بالنظر إلى سيرة العقلاء، فقد جرت سيرتهم على الاخذ بالخبر الموثوق الصدور، وإن لم تحرز وثاقة المخبر، لان وثاقة المخبر طريق إلى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الاخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه. ويوضح هذا مفاد آية النبأ وهو لزوم التثبت والتوقف حتى يتبين الحال، فإذا تبينت وانكشف الواقع انكشافا عقلائيا بحيث يركن إليه العقلاء يجوز الركون إليه والاعتماد عليه. فلاحظ قول سبحانه: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * فإن ظاهره أن المناط هو تبين الحال وإن كان الراوي غير ثقة. وعلى هذا (أي حجية الخبر الموثوق الصدور) يجوز الركون إلى توثيقات المتأخرين المتخصصين الماهرين في هذا الفن، إذا كان قولهم ورأيهم أوجب الوثوق بصدور الخبر، خصوصا إذا انضم إليها ما يستخرجه المستنبط من قرائن اخر مما يوقفه على صحة الخبر وصدوره. الرابعة: دعوى الاجماع من قبل الاقدمين ومما تثبت به الوثاقة أو حسن حال الراوي أن يدعي أحد من الاقدمين، الاجماع على وثاقة الراوي إجماعا منقولا، فإنه لا يقصر عن توثيق مدعي الاجماع بنفسه، وعلى ذلك يمكن الاعتماد على الاجماع المنقول في حق


[ 157 ]

إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم القمي، فقد ادعى ابن طاووس الاتفاق على وثاقته. فهذه الدعوى تكشف عن توثيق بعض القدماء لا محالة وهو يكفي في إثبات وثاقته. بل يمكن الاعتماد على مثل تلك الاجماعات المنقولة حتى إذا كانت في كلمات المتأخرين، فإنه يكشف أيضا عن توثيق بعض القدماء لا محالة. الخامسة: المدح الكاشف عن حسن الظاهر إن كثيرا من المدائح الواردة في لسان الرجاليين، يكشف عن حسن الظاهر الكاشف عن ملكة العدالة، فإن استكشاف عدالة الراوي لا يختص بقولهم: ” ثقة أو عدل ” بل كثير من الالفاظ التي عدوها من المدائح، يمكن أن يستكشف بها العدالة، وهذا بحث ضاف سيوافيك شرحه. السادسة: سعي المستنبط على جمع القرائن إن سعي المستنبط على جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان على وثاقة الراوي أو خلافها، من أوثق الطرق وأسدها، ولكن سلوك ذاك الطريق يتوقف على وجود قابليات في السالك وصلاحيات فيه، ألزمها التسلط على طبقات الرواة والاحاطة على خصوصيات الراوي، من حيث المشايخ والتلاميذ، وكمية رواياته من حيث القلة والكثرة، ومدى ضبطه، إلى غير ذلك من الامور التي لا تندرج تحت ضابط معين، ولكنها تورث الاطمئنان الذي هو عم عرفا ولا شك في حجيته، وبما أن سلوك هذا الطريق لا ينفك عن تحمل مشاق لا تستسهل، قل سالكه وعز طارقه، والسائد على العلماء في التعرف على الرواة، الرجوع إلى نقل التوثيقات والتضعيفات. هذه الطرق مما تثبت بها وثاقة الراوي بلا كلام وهي طرق خاصة تثبت بها وثاقة فرد خاص، وهناك طرق عامة توصف بالتوثيقات العامة، تثبت بها وثاقة جمع من الرواة وسيأتي البحث عنها في الفصل القادم إن شاء الله.


[ 158 ]

بحث استطرادي وهو هل يكفي تزكية العدل الواحد ؟ قد وقفت على أن كثيرا من العلماء، يعتبرون قول الرجالي من باب الشهادة، وعندئذ اختلفوا في أنه هل يكتفي في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد أو لا ؟ على قولين: الاول ; هو المشهور بين أصحابنا المتأخرين. والثاني ; هو قول جماعة من الاصوليين وهو مختار المحقق وصاحب ” منتقى الجمان “. استدل صاحب ” المنتفى ” للقول الثاني بأن اشتراط العدالة في الراوي، يقتضي اعتبار العلم بها، وظاهر أن تزكية الواحد لا يفيده بمجردها، والاكتفاء بالعدلين مع عدم إفادتهما العلم، إنما هو لقيامهما مقامه شرعا، فلا يقاس تزكية الواحد عليه (1). استدل المتأخرون بوجوه. منها: أن التزكية شرط لقبول الرواية، فلا تزيد على شروطها وقد اكتفى في أصل الرواية بالواحد. ولا يخفى أن الاستدلال أشبه شئ بالقياس، إذ من الممكن أن يكتفي في أصل الرواية بالواحد ولا يكتفي في إحراز شرطها به. منها: أن العلم بالعدالة متعذر غالبا فلا يناط التكليف به (2). وفيه أنه ادعاء محض مع كفاية العدلين عنه. ولا يخفى أن استدلال صاحب ” المنتقى متين لو لم يكن هناك إطلاق في حجية خبر الواحد في الموضوعات والاحكام جميعا، والظاهر وجود الاطلاق في حجية قول العادل أو حجية خبر الثقة في الموارد كلها، حكما كان أو موضوعا، من غير فرق بينهما إلا في التسمية، حيث إن الاول يسمى بالرواية


(2 1) منتقى الجمان ج 1 الصفحة 15 14. [ * ]

[ 159 ]

والثاني بالشهادة. فظاهر الروايات أن قول العدل أو الثقه حجة إلا في مورد خرج بالدليل، كالمرافعة والهلال الذي تضافرت الروايات على لزوم تعدد الشاهد فيهما (1). ويدل على ما ذكرنا أعني حجية قول الشاهد الواحد في الموضوعات السيرة العقلائية القطعية، لانهم يعتمدون على أخبار الآحاد في ما يرجع إلى معاشهم ومعادهم، وحيث لم يردع عنها في الشريعة المقدسة تكون ممضاة من قبل الشارع في الموضوعات والاحكام. نعم لا يعتبر الشاهد الواحد في المرافعات بل يجب تعدده بضرورة الفقه والنصوص الصحيحة. وتدل على حجية قول الشاهد الواحد في الموضوعات، مضافا إلى السيرة العقلائية التي هي أتقن الادلة، عدة من الروايات التي نشير إلى بعضها: 1 روى سماعة عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إن هذه امرأتي وليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه (2). 2 وروى عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه، عن جده عن علي عليه السلام، قال: المؤذن مؤتمن والامام ضامن (3). 3 روى الصدوق وقال: قال الصادق عليه السلام في المؤذنين أنهم الامناء (3). 4 وروى أيضا بإسناده عن بلال، قال: سمعت رسول الله صلى الله


(1) الوسائل الجزء 7 كتاب الصوم الباب 11، مضافا إلى ما ورد في باب القضاء. (2) الوسائل، الجزء 14، الباب 23 من أبواب عقد النكاح واولياء العقد، الحديث 2. (3) الوسائل، الجزء 4 ابواب الاذان والاقامة، الباب 3، الاحاديث 2، 6 و 7. [ * ]

[ 160 ]

عليه وآله يقول: المؤذنون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم (1). 5 روى عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاما، ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الارض، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح حين وقع إلى الارض، ثم مات، قال: على الامام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام (2). 6 وقد تضافرت الروايات على قبول قول المرأة الواحدة في ربع الوصية. روى الربعي عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل، فقال: يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها. 7 ويشعر بحجية قول المؤذن الواحد ما رواه الفضل بن شاذان في ما ذكره من العلل لامر الناس بالاذان (3). 8 كما يشعر بذلك أيضا ما رواه أحمد بن عبد الله القزويني عن أبيه في مذاكراته مع الفضل بن ربيع (4). وهذه الروايات (مع إمكان الخدشة في دلالة بعضها) مع السيرة الرائجة بين العقلاء، تشرف بالفقيه إلى الاذعان بحجية قول الثقة في الموضوعات كحجية قوله في الاحكام، إلا ما خرج بالدليل، كباب القضاء والمرافعات وهلال الشهر، والتفصيل موكول إلى محله (5).


(1) الوسائل، الجزء 18، ابواب الشهادات، الباب 24، الحديث 6. (2) الوسائل، الجزء 13 كتاب الوصايا، الباب 22، الحديث 1 إلى 5. (3) الوسائل، الجزء 4 أبواب الاذان والاقامة، الباب 19، الحديث 14. (4) الوسائل، الجزء 3 ابواب المواقيت، الباب 59، الحديث 2. (5) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى مقباس الهداية في علم الدراية الصفحة 92 88. [ * ]

[ 161 ]

الفصل السادس التوثيقات العامة 1 أصحاب الاجماع. 2 مشايخ الثقات. 3 العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة. 4 رجال أسانيد ” نوادر الحكمة “. 5 رجال أسانيد ” كامل الزيارة “. 6 رجال أسانيد ” تفسير القمي “. 7 أصحاب ” الصادق ” عليه السلام. 8 شيخوخة الاجازة. 9 الوكالة عن الامام عليه السلام. 10 كثرة تخريج الثقة عن شخص.


[ 163 ]

1 اصحاب الاجماع * ما هو الاصل في ذلك. * ” اصحاب الاجماع ” اصطلاح جديد. * عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم. * كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته. * مفاد ” تصحيح ما يصح عنهم “.


[ 165 ]

قد وقفت على الطرق التي تثبت بها وثاقة راو معين وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة، وإليك هذه الطرق واحدا بعد واحد. وأهمها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الالسن وهم ثمانية عشر رجلا على المشهور. إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهم أبحاث الرجال، وقد أشار إليه المحدث النوري وقال: ” إنه من مهمات هذا الفن، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها ” (1). ولتحقيق الحال يجب البحث عن امور: الاول: ما هو الاصل في ذلك ؟ الاصل في ذلك ما نقله الكشي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع. 1 ” تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر


(1) مستدرك الوسائل: ج 3. الصفحة 757. [ * ]

[ 166 ]

عليه السلام وأصحاب أبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الاولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الاسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا: أفقه الستة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ” (1). 2 ” تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه من دون اولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم (2) وهم ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون (3) أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ” (4). 3 ” تسمية الفقهاء من أصحاب ” أبي إبراهيم وأبي الحسن عليهما السلام: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم، وهم ستة نفر آخر دون ستة نفر الذين ذكرناهم (5) في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم: يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن مغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وقال بعضهم مكان الحسن بن


(1) رجال الكشي: الصفحة 206. (2) يريد بذلك العبارة المقدمة التي نقلناها آنفا. (3) قال النجاشي (بالرقم 302): ” كان وجها في أصحابنا قارئا فقيها نحويا لغويا راوية وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام “. (4) رجال الكشي: الصفحة 322، والمراد من الاحداث: الشبان. (5) يريد العبارة الثاني التي نقلناها عن رجاله. [ * ]

[ 167 ]

محبوب، الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب (1) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب، عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى (2) “. ويظهر من ابن داود في ترجمة ” حمدان بن أحمد ” أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح منهم والاقرار لهم بالفقه (3) ونسخ الكشي خالية عنه، ولعله أخذه من الاصول، لا من منتخب الشيخ، كما احتمله المحدث النوري، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة ب‍ ” حماد بن عيسى ” المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النساخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة أشخاص بالترتيب الآتي: 1 حماد بن عثمان الناب. 2 حماد بن عثمان بن عمرو. 3 حماد بن عيسى. 4 حمدان بن أحمد وصرح في ترجمة حماد بن عثمان الناب أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهاذ المضمون في ترجمة حمدان، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوبا في صفحة واحدة فزاغ البصر، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان (4). أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خص الفصل الاول من خاتمة القسم الاول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع كما سيوافيك عبارته وذكر أسماءهم


(1) الظاهر أن ” الواو ” بمعنى ” أو ” أي أحد هذين، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد. (2) رجال الكشي: بالرقم 1050. (3) رجال ابن داود: الصفحة 84، الرقم 524. (4) والجدير بالذكر أن تغاير حمادين ” الاولين محل نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال: ج 3، الصفحة 398 397 ومعجم رجال الحديث: ج 6 الصفحة 215 212. [ * ]

[ 168 ]

مصرحا بكون حماد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد. والعجب أنه ذكر الطبقة الثالثة بعنوان الطبقة الثالثة وقال: إنهم من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، مع أنه صرح في ترجمة كل منهم أنهم كانوا من أصحاب الرضا عليه السلام وبعضهم من أصحاب أبي ابراهيم وأبي جعفر الثاني عليهما السلام (1). هذا، مضافا إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به ابن داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات. الثاني: ” أصحاب الاجماع ” اصطلاح جديد. إن التعبير عن هذه الجماعة ب‍ ” أصحاب الاجماع ” أمر حدث بين المتأخرين، وجعلوه أحد الموضوعات التي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيمها، ولكن الكشي عبر عنهم ب‍ ” ” تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرين عليهما السلام ” أو ” تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق عليه السلام ” أو ” تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام ” فهو رحمه الله كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الائمة، الذين لهم شأن كذا وكذا، والهدف من تسميتهم دون غيرهم، هو تبيين أن الاحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالبا، فكأن الفقه الامامي مأخوذ منهم، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه، لما قام له عمود، ولا اخضر له عود، ولتكن على ذكر من هذا المطلب، فإنه يفيدك في المستقبل. الثالث: في عددهم. قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عد ” حمدان بن أحمد ” من أصحاب الاجماع، فلابد من الرجوع إلى عبارة


(1) الرجال طبعة النجف الرقم 118، 442، 454، 782، 909 و 1272. [ * ]

[ 169 ]

الكشي، فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقين عليهما السلام وهم: زرارة بن أعين، 2 معروف بن خربوذ، 3 بريد بن معاوية، 4 أبو بصير الاسدي، 5 الفضيل بن يسار، 6 محمد بن مسلم الطائفي. ونقل أيضا اتفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام فقط وهم: 7 جميل بن دراج، 8 عبد الله بن مسكان، 9 عبد الله بن بكير، 10 حماد بن عثمان، 11 حماد بن عيسى، 12 أبان بن عثمان. كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضا عليهما السلام وهم: 13 يونس بن عبد الرحمان، 14 صفوان بن يحيى بياع السابري، 15 محمد بن أبي عمير، 16 عبد الله بن مغيرة، 17 الحسن بن محبوب، 18 أحمد بن محمد بن أبي نصر. هذا ما اختار الكشي في من أجمعت العصابة عليهم، ولكن نقل في حق الستة الاولى، أن بعضهم قال مكان أبي بصير الاسدي، أبو بصير المرادي، فالخمسة من الستة الاولى موضوع اتفاق من الكشي وغيره، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره، حيث قال: ” ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب، عثمان بن عيسى ” فيكون خمسة من الطبقة الثالثة ورد اتفاق بينه وبين غيره، وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصا موضع اتفاق من الكل، وانفرد الكشي بنقل الاجماع على شخصين وهما أبو بصير الاسدي من الطبقة الاولى، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الآخرون، الاتفاق على أربعة وهم: أبو بصير المرادي من الستة الاولى، والحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة، فيكون المجموع: اثنين وعشرين شخصا، بين ما اتفق الكل على


[ 170 ]

كونهم من أصحاب الاجماع، أو قال به الكشي وحده أو غيره، فالمتيقن هو 16 شخصا، والمختلف فيه هو 6 أشخاص. ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلا: ” إنه لا منافاة بين الاجماعين في محل الانفراد، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر، وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة، وإنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر، والجمع بينهما ممكن، فيكون الجميع موراد للاجماع. ونقل عن بعض الاجلة الاشكال عليه، بأن الكشي جعل الستة الاولى أفقه الاولين وقال: ” فقالوا أفقه الاولين ستة ” ومعناه: هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالاسدي الذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي، وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي، فيحصل التكاذب بين النقلين، فواتحد منهم يقول: الافقه هو الاسدي، والآخر يقول: الافقه هو المرادي ” (1). وفيه أولا: أنه يتم في القسم الاول من هذه الطبقات الثلاث، حيث اشتمل على جملة ” أفقه الاولين ستة ” دون سائر الطبقات، فهي خالية عن هذا التعبير. وثانيا: أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه، لا الافقهية من الكل، فلاحظ وتأمل. الرابع: فيما نظمه السيد بحر العلوم إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الاولى، قال قدس سره: قد أجمع الكل على تصحيح ما * يصح عن جماعة فليعلما


(1) مستدرك الوسائل: الجزء الثالث، الفائدة السابعة الصفحة 757. [ * ]

[ 171 ]

وهم أولوا نجابة ورفعة * أربعة وخمسة وتسعة فالستة الاولى من الامجاد * أربعة منهم من الاوتاد زرارة كذا بريد (1) قد أتى * ثم محمد (2) وليث (3) يا فتى كذا الفضيل (4) بعده معروف (5) * وهو الذي ما بيننا معروف والستة الوسطى اولوا الفضائل * رتبتهم أدنى من الاوائل جميل الجميل (6) مع أبان (7) * والعبدلان (8) ثم حمادان (9) والستة الاخرى هم صفوان (10) * ويونس (11) عليهما الرضوان ثم ابن محبوب (12) كذا محمد (13) * كذاك عبد الله (14) ثم أحمد (15) وما ذكرناه الاصح عندنا * وشذ قول من به خالفنا (16) قوله: ” وما ذكرناه الاصح ” إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته، حيث اختار الكشي أن أبا بصير الاسدي منهم، واختار غيره أن أبا


(1) المراد بريد بن معاوية. (2) المراد محمد بن مسلم. (3) ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري، وقد خالف فيه مختار الكشي. (4) الفضيل بن يسار. (5) معروف بن خربوذ. (6) جميل بن دراج. (7) أبان بن عثمان. (8) عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير. (9) حماد بن عثمان وحماد بن عيسى. (10) صفوان بن يحيى. المتوفي عام 220. (11) يونس بن عبد الرحمن. (12) الحسن بن محبوب. (13) محمد بن أبي عمير. (14) عبد الله بن المغيرة. (15) أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. (16) قد مضى القولان في عبارة الكشي. [ * ]

[ 172 ]

بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الاول إلى الشذوذ. الخامس: في كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الاصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الاجماع المنقول، فاستنتج منها، إن الاصحاب قد تلقوا بالقبول وإليك الاشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منا حسب القرون: 1 إن أول من نقله من الاصحاب هو أبو عمرو الكشي، وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصرا للكليني (المتوفي عام 329) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير. 2 ويتلوه في النقل، الشيخ الطوسي، وهو من علماء القرن الخامس (المتوفي عام 460) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته، وأملاه على تلاميذه وشرع بالاملاء يوم الثلاثاء، السادس والعشرين من صفر سنة 456، بالمشهد الشريف الغري ونقل سبط الشيخ، السيد الاجل ” علي بن طاووس ” في كتاب ” فرج المهموم ” عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال: ” هذه الاخبار اختصرتها من كتاب الرجال لابي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها ” (1) وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه. أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة: ” سوت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به، وبين ما


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 757، نقلا عن فرج المهموم. [ * ]

[ 173 ]

أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ” (1). فإن قوله ” وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسولن إلا ممن يوثق به ” دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة، ولا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء. 3 وممن تلقاه بالقبول، رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب من علماء القرن السادس (المتوفي عام 588) فقد أتى بما ذكره الكشي في أحوال الطبقة الاولى والثانية، وترك ذكر الثالثة، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه (2). 4 وممن تلقاه بالقبول، فقيه الشيعة، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن (المتوفي عام 726) وقد أشار بما ذكره الكشي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة ” عبد الله بن بكير ” و ” صفوان بن يحيى ” و ” البزنطي ” و ” أبان بن عثمان “. 5 وقال ابن داود مؤلف الرجال وهو من علماء القرن الثامن، حيث ولد عام 648 وألف رجاله عام 707: ” أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج ” (3). 6 وقال الشهيد الاول (المستشهد عام 786) في ” غاية المراد ” عند


(1) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 386، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي، وانما ذكرناه في المقام تبعا للمحدث النوري. (2) المناقب: ج 4، أحوال الامام الباقر، الصفحة 211، والامام الصادق عليهما السلام، الصفحة 280. (3) رجال ابن داود خاتمة القسم الاول، الفصل الاول، الصفحة 209 طبعة النجف والصفحة 384 طبعة دانشگاه تهران. [ * ]

[ 174 ]

البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب: ” وقد قال الكشي: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن الحسن بن محبوب “. نعم، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السابع كالحسن بن زهرة (المتوفي عام 620)، ونجيب الدين ابن نما (المتوفي عام 645)، وأحمد بن طاووس (المتوفي عام 673)، والمحقق الحلي (المتوفي عام 676) ويحيى بن سعيد (المتوفي عام 689). كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التاسع كالفاضل المقداد (المتوفي عام 826) وابن فهد الحلي (المتوفي عام 841). نعم ذكره الشيهد الثاني (وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام 966) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال: ” نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيا، وهذا كله خارج عن تعريف الصحيح الذي ذكروه “. كما نقل في الروضة البهية، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال: ” إن العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقروا له بالفقه والثقة ” (1). وأما القرون التالية، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي (المتوفي عام 1031). والمحقق الداماد (المتوفي عام 1041)، والمجلسي الاول، وفخر الدين الطريحي (المتوفي عام 1085) والمحقق السبزواري (المتوفي عام 1090) مؤلف ” ذخيرة المعاد في شرح الا راشد “. كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني


(1) الروضة البهية: ج 2، كتاب الطلاق، الصفحة 131. [ * ]

[ 175 ]

(المتوفي عام 1110) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم (1). أقول: إن الاصحاب وإن تلقوه بالقبول، لكن ذلك التلقي لا يزيدنا شيئا، لانهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاخه لما كان من ذلك الاجماع أثر، ولاجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرس، ولا نجد منه أثرا في رجال البرقي وفهرس النجاشي، وذكره ابن شهر آشوب تبعا للكشي وتصرف في عبارته، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختارا عنده، لانه هذبه عن الاغلاط، لا عن كل محتمل للصدق والكذب، وإبقاؤه يكشف عن عدم كونه مردودا عنده، لا كونه مقبولا. السادس: في وجه حجية ذاك الاجماع عقد الاصوليون في باب حجية الظنون، فصلا خاصا للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها، فذهب البعض إلى الحجية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الاعظم عدمها، قائلا بأن أدلة حجية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس، وناقل الاجماع ينقله حدسا لا حسا وذلك من ناحيتين: الاولى: من ناحية السبب وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الامام عليه السلام ووجه كونه حدسيا، لا حسيا، أن الجل لولا الكل يكتفون في إحراز السبب، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع. الثانية: من ناحية المسبب، وهو قول الامام، فإنهم يجعلون اتفاق


(1) لاحظ المستدرك: ج 3 الصفحة 759 758 بتحرير وتلخيص واضافات منا. [ * ]

[ 176 ]

العلماء دليلا على موافقة قولهم لقول الامام عليه السلام حدسا لا حسا، مع أن الملازمة بين ذاك الاتفاق، وقول الامام غير موجودة، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب (اتفاق الكل) والمسبب (قول الامام) حدسا لا حسا، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية. والاشكال في ناحية السبب، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة، حيث إن المظنون أن أبا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى، وهي لا تلازم اتفاق الكل. وهناك إشكال آخر يختص بالمقام، وهو أن الاجماع المنقول لو قلنا بحجيته، إنما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي، لا على الموضوع، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لاحكم من الاحكام، كما تفصح منه عبارة الكشي: ” أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة.. “. والاجماع على موضوع ولو كان محصلا، ليست بحجة، فكيف إذا كان منقولا. والجواب عن الاشكال الاول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الاعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضا وغيرها كما ستوافيك فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال إنه أمر حدسي، بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس، وليس الاطلاع على هذا القدر أمرا عسيرا حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه. نعم، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتمادا على القرائن الخارجية،


[ 177 ]

فالاشكال باق بحاله، لان العلم بالصحة ليس أمرا محسوسا حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة، كلها من قبيل عرض الكتاب على الامام عليه السلام وتصديقه إياه، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة، حتى يقال ” إنها من قبيل الامور الحسية، وأن المسبب أعني صحة روايات هؤلاء وإن كان حدسيا، لكن أسبابه حسية، ولا يلزم في حجية قول العادل كون المخبر به أمرا حسيا، بل يكفي كون مقدماته حسية “، وذلك لان القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسية دائما، وإنما هي على قسمين: محسوس وغير محسوس، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه، عند البحث عنم شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته. وقد حاول بعض الاجلة الاجابة عنه (ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء) بأن نقل الكشي، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها، وإن لم يكن كافيا في إثبات الاتفاق الحقيقي، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنان من علماء الطائفة، لان التساهل في دعوى الاجماع وإن كان شائعا بين المتأخرين، لكنه بين القدماء ممنوع جدا، هذا من جانب. ومن جانب آخر، إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة، يورث الاطمئنان بها، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين: حسي واستنباطي، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الايام قليلة، وكان الاساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها، هو الحس والمشهود، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضا، ككونه من كتاب عرض على الامام، أو وجد في أصل معتبر، أو تكرر في الاصول، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.


[ 178 ]

والحاصل ; أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي، كون صحة روايات هؤلاء، أمرا مشهورا بين الطائفة، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الاعصار. أقول: لو صحت تلك المحاولة، لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه، من صحة رواياته، ومثله الصدوق في مقدمة ” الفقيه “، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه ” التهذيب والاستبصار “، والاعتماد على هذه التصحيحات، بخجه أن النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلا، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جدا، وقد مر إجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ، على أن إحراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة. وأما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة، لانه يكفي في شمول الادلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته أثر شرعي، ولا يجب أن يكون دائما نفس الحكم الشرعي، فلو ثبت بإخبار الكشي، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة أخبارهم، لكفى ذلك في شمول أدلة الحجية كما لا يخفى. السابع: في مفاد ” تصحيح ما يصح عنهم ” وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه، كما فصل في الامور السابقة شكر الله مساعيه. والخلاف مبني على أن المقصود من الموصول في ” ما يصح ” ما هو ؟ فهل المراد، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري، أو أن المراد المروي ونفس الحديث ؟


[ 179 ]

فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة، وأما الاحتمالات الاخر، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ويتلخص المعنيان في جملتين: 1 المراد تصديق حكاياتهم. 2 المراد تصديق مروياتهم. وان شئت قلت: هل تعلق الاجماع على تصحيح نفس الحكاية وأن ابن أبي عمير صادق في قوله، بأنه حدثه ابن اذينة أو عبد الله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي، وأن الرواية قد صدرت عنهم عليهم السلام. وبعبارة اخرى ; هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه ” ابن اذينة “، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الامام بواسطة استاذه. والمعنى الاول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية، فإن اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لاجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم. وأما المعنى الثاني فله احتمالات: 1 صحة نفس الحديث والرواية وإن كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لاجل كونها محفوفة بالقرائن. 2 صحتها لاجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الاول. 3 صحتها لاجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الامام عليه السلام فعلى الاحتمال الثالث، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممن


[ 180 ]

لم يوثقوا خصوصا، في عداد الثقات، فإن لمحمد بن أبي عمير مثلا ” 645 ” حديثا يرويها عن مشايخ كثيرة (1). وإليك توضيح هذين المعنيين (2). المعنى الاول: وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه: ” أن ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي ” (3) وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الاجماع على عدالته. ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال ” أبان ” أن متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري، أي قولهم أخبرني، أو حدثني، أو سمعت من فلان، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحدا من هؤلاء إذا ثبت أنه قال: حدثني، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده. وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال: ” اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه (الامام الصادق عليه السلام) وهم جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان. الخ ” فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير، والتصديق مفاد مطابقي، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.


(1) لاحظ معجم رجال الحديث: ج 14، الصفحة 304 303 طبعة النجف. (2) وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة، لان وثاقة هؤلاء ليست موردا للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشائخهم (3) الكافي: المقدمة الثالثة، الصفحة 12، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال، والظاهر أنه في طوله، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ. [ * ]

[ 181 ]

ويظهر ذلك أيضا من استاذ الفن، الشيخ عبد الله بن حسين التستري، الذي كان من مشايخ الشيخ عناية الله القهبائي مؤلف ” مجمع الرجال “، حيث نقل عن استاذه ما هذا عبارته: ” قال الاستاذ مولانا النحرير المدقق، والحبر المحقق المجتهد في العلم والعمل عبد الله بن حسين التستري قدس سره (1)، هكذا: وربما يخدش بأن حكمهم بتصحيح ما يصح عنهم، إنما يقتضي الحكم بوقوع ما أخبروا به، وهذا لا يقتضي الحكم بوقوع ما أخبر هؤلاء عنه في الواقع، والحاصل أنهم إذا أخبروا أن فلانا الفاسق حكم على رسول الله مثلا بما يقتضي كفره (نستغفر الله منه) فإن ذلك يقتضي حكمهم بصحة ما أخبروا به، وهو وقوع المكفر عن الفاسق المنسوب إليه ذلك لا صحة ما نسب إلى الفاسق في نفس الامر إلى أن قال: إن الجماعة المذكورين في هذه التسميات الثلاث إذا أخبروا عن غير معتبر في النقل، فإنه لا يلزم الحكم بصحة ما أخبروا عنه في الواقع، نعم يلزم ذلك إذا أخبروا عن معتبر “. وأضاف التلميذ: ” ولا يخفى أن المذكورين في التسميات المذكورات هنا لا يروون إلا عنهم عليهم السلام إلا قليلا، ولا عن غير معتبر إلا نادرا وهذا ظاهر مع أدنى تتبع، فما أفاد الاستاذ رحمه الله من المعنى الدقيق والمحمل الصحيح لا يؤثر فيما نفهم منها في أول الامر ” (2) ويظهر النظر في كلام التلميذ فيما سننقله من رواية هؤلاء عن غير الائمة بكثير فتربص. وقد نقله أبو علي في رجاله عن استاذه صاحب الرياض حيث قال: ” المراد دعوى الاجماع على صدق الجماعة، وصحة ما ترويه إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه، فإذا قال أحد الجماعة: حدثني فلان، يكون الاجماع منعقدا على صدق دعواه وإذا كان ضعيفا أو غير معروف، لا يجديه نفعا،


(1) توفي مولانا التستري عام 1021، ويظهر من قوله ” قدس سره ” في حق استاذه أن المؤلف كان حيا عام وفاه وتوفي بعده. (2) تعليقة مجمع الرجال: ج 1، الصفحة 286. [ * ]

[ 182 ]

وذهب إليه بعض أفاضل العصر وهو السيد مهدي الطباطبائي ” (1). وأقول: هذا هو المختار ويؤيده امور: 1 إن الكشي اكتفى في تسمية الطبقة الاولى بقوله: ” اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الاولين ستة ” ولم يذكر في حقهم غير تلك الجمل، فلو كان المفهوم من قوله ” تصحيح ما يصح عن جماعة ” إجماعهم على تصديق مروياتهم (لا حكاياتهم)، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في حق الستة الاولى، لانهم في الدرجة العالية بالنسبة إلى الطبقتين، وهذا يعرب عن كون المقصود من التصحيح، هو الحكم بصدقهم وتصويب نفس نقلهم، وبالدلالة الالتزامية يدل على وثاقتهم. 2 فهم عدة من الاعلام ذلك المعنى من العبارة. إن ابن شهر آشوب قد فهم من كلام الكشي نفس ما ذكرناه، ولاجل ذلك حذف كلمة ” تصحيح ما يصح ” عنه التعرض للطبقة الثانية فعبر عنه بقوله: ” اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهاء أصحاب الامام الصادق عليه السلام وهم: جميل بن دراج إلى آخره “. نرى أنه وضع التصديق مكان ” تصحيح ما يصح عنه ” وهذا يعرف عن وحدة المقصود، ويظهر ذلك من بعض كلمات العلامة في المختلف حيث قال: لا يقال: عبد الله بن بكير فطحي، لانا نقول: عبد الله بن بكير وإن كان فطحيا، إلا أن المشايخ وثقوه ” ونقل عبارة الكشي، وقال بنظيره في ترجمة أبان بن عثمان الاحمر: “..، إلا أنه كان ثقة وقال الكشي: إنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ” والظاهر أن التمسك بقول


(1) * مستدرك الوسائل: ج 2، الصفحة 760. [ * ]

[ 183 ]

الكشي، لاجل الاستدلال على قوله: ” إن المشايخ وثقوه ” أو ” إلا أنه كان ثقة “. كما يظهر ذلك من ابن داود حيث قال: ” أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم، غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج ” (1). 3 إمعان النظر في ما يتبادر من قوله: ” ما يصح من هؤلاء ” فإذا قال الكليني: ” حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا ابن أبي عمير، قال: حدثنا ابن أذينة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ” فلو فرضنا وثاقة الاولين من السند كما هو كذلك فإنه يقال صح عن ابن أبي عمير كذا، فيجب تصحيح نفس هذا، لا غير، وبعبارة اخرى يجب علينا إمعان النظر في أنه ما هو الذي صح عن ابن أبي عمير، حتى يتعلق به التصحيح. فهل هو حكاية كل واحد عن آخر ؟ أو هو نفس الحديث ومتنه ؟. لا سبيل إلى الثاني، لان من صدر به السند، لا ينقل إلا حكاية الثاني ولا ينقل نفس الحديث، وإنما يكون ناقلا لو نقله من الامام بلا واسطة، ومثله من وقع في السند بعده، فإنه لا ينقل إلا حكاية الثالث له، فعندئذ ما صح عن ابن أبي عمير ليس نفس الحديث، بل حكاية الاستاذ لتلميذه، وعليه يكون هذا بنفسه متعلقا للتصحيح، وأن ابن أبي عمير مصدق في حكايته عن ابن اذينة، وهو صادق في نقله عنه، وأما ثبوت نفس الحديث، فهو يحتاج إلى كون الناقل لابن أبي عمير صادقا وثقة وإلا فلا يثبت، نعم يثبت بتصحيح ما صح عن ابن أبي عمير كونه ثقة، لكن لا بالدلالة المطابقية، بل بالدلالة الالتزامية. واختار هذا المعنى سيدنا الاستاذ دام ظله وقال: ” المراد تصديقهم لما أخبروا به وليس إخبارهم في الاخبار مع الواسطة إلا الاخبار عن قول


(1) رجال ابن داود: خاتمة القسم الاول، الفصل الاول الصفحة 209 طبعة النجف، والصفحة 384 طبعة جامعة طهران. [ * ]

[ 184 ]

الواسطة وتحديثه، فإذا قال ابن أبي عمير ” حدثني زيد النرسي، قال: حدثني علي بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام كذا ” لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلا تحديث زيد، وهذا في ما ورد في الطبقة الاولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الاخيرتين أي الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم، لان ما يصح عنهم ليس متن الحديث في الاخبار مع الواسطة لو لم نقل مطلقا، فحينئذ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صح عنهم يكون لازمه قيام الاجماع على صحة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة أو لا، إلا أنه في الاخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم، وتصحيح ما يصح عنهم، غيرهم من الوسائط، فلابد من ملاحظة حالهم وثاقتهم وعدمها ” (1). وإلى ما ذكر يشير الفيض في كلامه السابق ويقول: ” ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي، وأما ما اشتهر في تفسير العبارة من العلم بصحة الحديث المنقول منهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرد صحته عنهم، من دون اعتبار العدالة فيمن يروون عنه، حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بوضع، فضلا عما لو أرسلوا الحديث، كان ما نقلوه صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل العصمة، فليست العبارة صريحة في ذلك ” (2). هذا حال الوجه الاول ودلائلة. غير أن المحدث النوري أورد عليه وجوها نذكرها واحدا بعد واحد. الاول: إن هذا التفسير ركيك خصوصا بالنسبة إلى هؤلاء الاعلام. الثاني: لو كان المراد ما ذكروه، اكتفى الكشي بقوله ” اجتمعت العصابة على تصديقهم “. الثالث: إن أئمة فن الحديث والدراية صرحوا بأن الصحة والضعف


(1) الطهارة: ج 1، صفحة 187 186. (2) الكافي: ج 1، المقدمة الثالثة، الصفحة 760. [ * ]

[ 185 ]

والقوة والحسن وغيرها من أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند، وقد يطلق على السند مسامحة، فيقولون: ” في الصحيح عن ابن أبي عمير ” وهو خروج عن الاصطلاح، فالمراد بالموصول في ” ما يصح عنه ” هو متن الحديث، لانه الذي يتصف بالصحة والضعف. ولكن الكل غير واضح، أما الاول فأي ركاكة في القول بأن العصابة اتفقت على وثاقة هؤلاء ؟ ولو كان ركيكا، فلم ارتكبها نفس الكشي في الطبقة الاولى، حيث اكتفى فيهم مكان ” تصحيح ما يصح عنهم ” بقوله ” أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب الامامين عليهما السلام “. وأما الثاني، فإنما يرد لو قدم قوله ” وتصديقهم ” في الذكر على قوله ” تصحيح ما يصح عنهم “، إذ عندئذ لا حاجة إلى الثاني، ولكن الكشي عكس في الذكر، فاحتاج الكلام إلى الجملة التوضيحية، فأتى بلفظ ” وتصديقهم “. وأما الثالث، فلان الصحة سواء فسرت بمعنى التمامية أم بمعنى الثبوت، يقع وصفا للسند والمتن معا إذا كان في كل ملاك للتوصيف به، وليس للصحة مصطلح خاص حتى نخصه بالمتن دون السند. وأما تخصيص هؤلاء الثمانية عشر بالذكر دون غيرهم، مع أن هناك رواة اتفقت كلمتهم على وثاقتهم، فلاجل كونهم مراجع الفقه ومصادر علوم الائمة عليهم السلام ولاجل ذلك أضاف على قوله ” بتصديقهم “، قوله ” وانقادوا لهم بالفقه ” وأقروا لهم بالفقه والعلم ” فلم ينعقد الاتفاق على مجرد وثاقتهم، بل على فقاهتهم من بين تلاميذ الائمة عليهم السلام. فهذه المميزات أوجبت تخصيصهم بالذكر دون غيرهم. على أن الكشي كما عرفت لم يعنونهم باسم ” أصحاب الاجماع ” بل هو اصطلاح جديد بين المتأخرين، بل عنونهم في مواضع ثلاثة ب‍ ” تسمية الفقهاء


[ 186 ]

من أصحاب الباقرين عليهما السلام ” و ” تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق عليه السلام ” و ” تسمية الفقهاء من أصحاب الامامين الكاظم والرضا عليهما السلام “، فالسؤال ساقط من رأسه. وأما التخصيص بالستة في كل طبقة فلاجل فقاهتهم اللامعة التي لم تتحقق في غيرهم في كل طبقة. إلى هنا تبين صحة المعنى الاول وأنه المتعين. ثم إن ما جعله شيخنا النوري قولا ثانيا وذكره تحت عنوان ” ب “، من أن المراد كون الجماعة ثقات، يرجع إلى ذلك القول لبا والتفاوت بينهما هو أن الوثاقة مذلول المعنى بالدلالة الالتزامية في القول الاول، ومدلول المعنى بالدلالة المطابقية في القول الثاني كما لا يخفى، ولاجل ذلك جعلنا القولين قولا واحدا. إذا عرفت المعنى الختار فإليك الكلام في المعنى الثاني. المعنى الثاني: قد عرفت أن لها احتمالات ثلاثة فنبحث عنها واحدا بعد واحد. الاحتمال الاول: هو الحكم بصحة رواياتهم لاجل القرائن الداخلية أو الخارجية. وبعبارة أخرى ; المراد من ” تصحيح ما يصح، هو الحكم بصحة روايات هؤلاء بالمعنى المعروف عند القدماء، وهو الاطمئنان بصدق رواياتهم من دون توثيق لمشايخهم، وهذا مبني على أن المراد من ” الموصول ” هو نفس المروي والحديث، فإذا صح المروي إلى هؤلاء فيحكم بصحته وإن كان السند مرسلا أو مشتملا على مجهول أو ضعيف فيعمل به. توضيح ذلك ; أن الصحيح عند المتأخرين من عصر العلامة أو عصر شيخه أحمد بن طاووس الحلي (المتوفي عام 673) هو ماكان سنده متصلا إلى


[ 187 ]

المعصوم بنقل الامامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات. ولكن مصطلح القدماء فيه عبارة عما احتفت به القرائن الداخلية أو الخارجية الدالة على صدقه، وإن اشتمل سنده على ضعف، وقد مرت القرائن الخارجية عند البحث عن الحاجة إلى علم الرجال. وبعبارة اخرى ; إن الحديث في مصطلح القدماء كان ينقسم إلى قسمين: صحيح وغير صحيح، بخلافه في مصطلح المتأخرين، فإنه على أقسام أربعة: الصحيح والموثق والحسن والضعيف. نعم، إن من القرائن الدالة على صدق الخبر هو كون رواته ثقاتا بالمعنى الاعم، أي صدوقا في النقل، ولكنه إحدى القرائن لا القرينة المنحصرة. ثم لما اندرست تلك القرائن الخارجية عمد المتأخرون في تمييز المعتبر عن غيره إلى القرائن الداخلية، من المراجعة إلى أسناد الروايات (1). وعلى هذا فمعنى اتفاق العصابة على تصحيح أحاديث هؤلاء، أنهم وقفوا على أن رواياتهم محفوفة بالقرائن الداخلية أو الخارجية الدالة على صدق الخبر وثبوته، وقد اختار هذا المعنى، المحقق الداماد في رواشحه وقال: ” أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، والاقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة، وإن كانت روايتهم بإرسال أو رفع أو عمن يسمونه وهو ليس بمعروف الحال ولمة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة، غير مستقيمي المذهب إلى أن قال: مراسيل هؤلاء ومرافيعهم ومقاطيعهم وماسنيدهم إلى من يسمونه من غير المعروفين، معدودة عند الاصحاب رضوان الله عليهم من الصحاح من غير اكتراث منهم لعدم صدق حد الصحيح على ما قد علمته (من المتأخرين) عليها ” (2).


(1) لاحظ ” منتفى الجمان “: ج 1، الصفحة 13، والتكملة للمحقق الكاظمي: ج 1، الصفحة 20 19. (2) الرواشح السماوية: الصفحة 41. [ * ]

[ 188 ]

واختاره المحقق البهبهاني على ما في تعليقته حيث قال: ” المشهور أن المراد صحة ما رواه حيث تصح الرواية إليه، فلا يلاحظ من بعده إلى المعصوم وإن كان فيه ضعيف ” (1). ولا يترتب على هذا الاحتمال ثمرة رجالية من توثيق هؤلاء أو توثيق مشايخهم إلى أن ينتهي السند إلى المعصوم، كترتبها على الاحتمال الثاني من المعنى الثاني على ما سيوافيك. وأقصى ما يترتب عليه، صحة الحديث وجواز العمل به. وقد أورد عليه المحدث النوري، بأن ذاك التفسير مبني على تغاير الاصطلاحين في لفظ الصحيح، وأنه في مصطلحهم، الخبر المؤيد بالقرائن الدالة على صدقه، وفي مصطلح المتأخرين كون الراوي إماميا عدلا ضابطا وهذا غير ثابت، بل الصحيح عند القدماء هو نفسه عند المتأخرين، عدا كون الراوي إماميا، فيكفي كونه ثقة بالمعنى الاعم، وما ذكره شيخنا البهائي في فاتحة ” مشرق الشمسين ” أو المحقق صاحب المعالم في ” منتقى الجمان ” من أن المدار في توصيف الرواية بالصحة هو الوثوق بالصدور ولو من جهة القرائن، غير ثابتة، بل لنا أن نسألهما عن مأخذ هذه النسبخ ة، فإنا لم نجد ما يدل على ذلك، بل هي على خلاف ما نسباهما ومن تبعهما، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثقة وإن كان غير إمامي. والحاصل أن الصحيح عند القدماء، نفسه عند المتأخرين من كون الراوي ثقة، ولو كان هناك فرق بيمن المصطلحين فإنما هو في شرطية المذهب، فالمتأخرون على شرطيته ولزوم كون الراوي إماميا في اتصاف الحديث بالصحة، والقدماء على كفاية الوثاقة فقط. أقول: الظاهر أن توصيف الخبر بالصحة لاجل القرائن الداخلية أو


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 762. [ * ]

[ 189 ]

الخارجية أمر ثابت. أما القرينة الداخلية كوثاقة رواته، فعليه المتأخرون كلهم، واعترف به المحدث نفسه، وأما القرائن الخارجية، فقد أشار إليها المحقق أبو الهدى الكلباسي في تأليفه المنيف ” سماء المقال ” وإليك القول فيه موجزا: 1 العنوان الذي ذكره الشيخ في كتاب ” العدة ” عند البحث عن التعادل والتراجيح، فإنه يوضح المراد من الصحة وأن المقصود منها ما يقابل الباطل، لا ما رواه الثقات من الامام حيث قال: ” في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها “. 2 القرائن التي تدل على صحة مضمون أخبار الآحاد وأنها أربعة. منها: أن يكون موافقا لادلة العقل وما اقتضاه. ومنها: أن يكون الخبر مطابقا لنص الكتاب. ومنها: أن يكون الخبر موافقا للسنة المقطوع بها من جهة التواتر. ومنها: أن يكون موافقا لما أجمعت عليه الفرقة المحقة. ثم قال: فهذه القرائن كلها تدل على صحة متضمن أخبار الآحاد، ولا تدل على صحتها أنفسها، لامكان كونها مصنوعة وإن وافقت الادلة، فمتى تجرد الخبر من واحد من هذه القرائن كان خبر واحد محضا (1). وهذا نص من الشيخ على أن الخبر في ظل هذه القرائن يوصف بالصحة من حيث المضمون، كما يتصف بها ببعض القرائن الاخر من حيث الصدور، فالقرائن تارة تدعم المضمون واخرى الصدور، وعلى كل تقدير يتصف بالصحة (2).


(1) عدة الاصول: الطبعة المحققة المحشاة بحاشية الشيخ خليل بن الغازي القزويني ج 1، الصفحة 267. (2) والعجب ان العلامة المحقق الكلباسي لم يستشهد بهذا النص الوارد في كلام الشيخ. [ * ]

[ 190 ]

3 وكذلك القول فيما يرويه المضعفون، فإن كان هنا ما يعضد روايتهم ويدل على صحتها، وجب العمل بها، وإن لم يكن ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في أخبارهم (1). إلى غير ذلك من العبائر الموجودة في ” العدة “، الحاكية عن كون الصحيح عبارة عما دلت القرائن على صدق مضمونه أو صدوره، لا خصوص ماروته الثقات. ثم إن المحدث النوري أورد إشكالا آخر وقال: ” إن العلم باقتران أحاديث هؤلاء بالقرائن مع كثرتها أمر محال عادة، فكيف يحصل العلم بها ؟ “. هذا وسنبين ما يمكن الاجابة به عليه عند التعرض للاحتمال الثالث الذي هو مختار المحدث النوري نفسه. الاحتمال الثاني والثالث: الحكم بصحة رواياتهم استنادا إلى وثاقتهم ووثاقة مشايخهم (2). إن هذين الاحتمالين كما مر يتشعبان من المعنى الثاني وهو القول بأن المراد من الموصول ” ما يصح ” هو نفس الحديث ومتنه لكن الحكم بصحة الحديث ليس لاقترانه بالقرائن الخارجية الدالة على صدق نفس الحديث، بل لوثاقة هذه الجماعة ومن بعدهم إلى أن ينتهي إلى المعصوم. وهذا الاحتمال يفترق عن المعنى الاول، لانه يهدف إلى تصديقهم بالدلالة المطابقية، وإلى وثاقتهم بالدلالة الالتزامية، كما يفترق عن الاحتمال الاول للمعنى الثاني لانه يهدف إلى صحة أحاديثهم (وإن اشتمل السند على


(1) العدة: ج 1، الصفحة 383. (2) وفي هذا المقام بحثنا عن الاحتمالين الثاني والثالث من المعنى الثاني بصفقة واحدة كما مر. [ * ]

[ 191 ]

ضعف من بعدهم) لاجل القرائن ولا تترتب عليهما ثمرة رجالية حتى على المعنى الاول لان وثاقة هؤلاء التي دلت العبارة عليها بالدلالة الالتزامية، ثابتة من غير طريق اتفاق العصابة، وأما على هذا الاحتمال (الاحتمال الثاني للمعنى الثاني) فيترتب على ثبوته ثمرة رجالية وهو التعديل الخاص لمشايخ هؤلاء، إلى أن ينتهي إلى الامام، فتدخل في عداد الثقات مجموعة كبيرة من المجاهيل والضعاف، فإن التسة الاولى وإن كانوا يروون عن الصادقين عليهما السلام بلا واسطة غالبا، لكنهم يروون عن غيرهما معها بكثير أيضا، كما أن الطبقتين ترويان عنهما مع الواسطة بكثير، فلاحظ طبقات المشايخ تجد لهم مشايخ كثيرة. وهذا الاحتمال هو مختار المحدث النوري الذي بسط الكلام في تقريره وتوضيحه، بعد تسليم أن المراد من الموصول هو الحديث والمروي لا الحكاية والرواية، وأن الصحة وصف لمتن الحديث لا لسنده. واستدل على مختاره بوجوه ثلاثة: الوجه الاول: إن إحراز صحة الاحاديث عن طريق القرائن الخارجية، أمر محال عادة، فلابد أن يستند ذلك الاحراز إلى القرائن الداخلية، وليست هي إلا وثاقة هؤلاء ووثاقة من يروون عنه، هذا خلاصته وإليك تفصيله: إن القرائن التي تشهد على صدق الخبر إما داخلية كوثاقة الرواة، وإما خارجية كوجود الخبر في كتاب عرض على الامام، أو في أصل معتبر، ولكن التصحيح في المقام يجب أن يكون مستندا إلى الجهة الاولى لا الثانية، لان العلم بوثاقة هؤلاء وأنهم لا يروون إلا عن ثقة أمر سهل، وأما الحكم بصحة رواياتهم من جهة القرائن الخارجية، فأمر قريب من المحال حسب العادة، لان العصابة حكموا بصحة كل ما صح عن هؤلاء، من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معينة، وبالجملة حكموا بتصحيح الكل، وما صح عنهم غير


[ 192 ]

محصور لعدم انحصار رواياتهم بما في كتبهم، والعلم باقتران هذه الروايات بها أمر مشكل جدا. والحاصل أن الحكم بصحة روايات هؤلاء، لو كان مستندا إلى القرائن الداخلية كوثاقة من يروون عنه، لكان لهذه الدعوى الكلية وجه، لامكان إحراز ديدنهم على أنهم لا يروون إلا عن ثقة، كما هو المشهور في حق ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي، وأما لو كان الحكم بالصحة مستندا إلى القرائن الخارجية التي تفيد الاطمئنان بصدق الخبر، فإحراز تلك القرائن في عامة ما يروونه من الاخبار، إنما يصح إذا كانت أحاديثهم محصورة في كتاب أو عند راو سمعها منهم، يمكن معه الاطلاع على الاقتران بالقرائن أو عدمه، وأما إذا لم يكن كذلك، فالحكم بصحة كل ما صح عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معينة، يعد من المحالات العادية، ولاجله يكون ذلك الاحتمال ساقطا من الاعتبار. وبعبارة ثالثة ; إنه يمكن احراز ديدن جماعة خاصة والتزامهم بعدم الرواية إلا عن ثقة، فإذا صح الخبر إلى هؤلاء، يمكن الحكم بالصحة لوثاقة من يروون عنه، لاجل الالتزام المحرز، وأما إحراز كون عامة أخبارهم مقرونة بالقرائن حتى يصح الحكم بصحة أخبارهم من هذه الجهة، فإحراز تلك القرائن مع كثرة رواياتهم، وتشتتها في مختلف الابواب والكتب، محال عادة. ولا يخفى ما فيه، أما أولا: فلان معناه أن هؤلاء كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي روتها الثقات لهم، وكانوا يحترزون عن نقل الروايات إذا روتها الضعاف، وعلى هذا يجب أن يتحرزوا عن نقل الروايات المتواترة أو المستفيضة إذا كان رواتها ضعافا، وهذا مما لا يمكن المساعدة معه، إذ لا وجه لترك الرواية المتواترة أو المستفيضة وإن كان رواتها ضعافا أو مجاهيل، إذ لا تشترط الوثاقة فيهما، فبطل القول بأنهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات التي ترويها الثقات فقط، وعندئذ كيف يمكن الحكم بوثاقة عامة مشايخهم بمجرد


[ 193 ]

الرواية عنهم، من أنهم رووا عن الضعاف فيما إذا كانت الرواية متواترة أو مستفيضة، ولا يمكن تفكيف المتواتر والمستفيض في أيامنا هذه حتى يقال: إن الكلام في أخبار الآحاد التي نقلوها لا غير، فإن الكل غالبا يتجلى بشكل واحد. وثانيا: كما إن حصر وجه الصحة بالقرائن الخارجية بعيد، كذلك حصر وجهها بالقرائن الداخلية التي منها وثاقة الراوي بعيد مثله، والقول المتوسط هو الادق، وهو أنهم كانوا ملتزمين بنقل الروايات الصحيحة الثابت صدورها عن الامام، إما من جهة القرائن الخارجية أو من جهة القرائن الداخلية، وعندئذ لا يمكن الحكم بوثاقة مشايخهم، أعني الذين رووا عنهم إلى أن ينتهي إلى الامام، لعدم التزامهم بخصوص وثاقة الراوي، بل كانوا يستندون إلى الاعم منها ومن القرائن المورثة للاطمئنان بالصدور. والاستبعاد الذي بسط المحدث النوري الكلام فيه، إنما يتجه لو قلنا باقتصارهم بما دلت القرائن الخارجية على صحتها كما لا يخفى. وثالثا: لو كان المراد هو توثيقهم وتوثيق من بعدهم لكان عليه أن يقول، ” أجمعت العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء ” أو نحو ذلك من العبارات حتى لا يشتبه المراد، وما الداعي إلى ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود (1). ورابعا. فان اطلاع العصابة على جميع الافراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومعها بعيد في الغاية لعدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الاعصار بنحو يصل الكل إلى الكل. الوجه الثاني: إن الشيخ قال في ” العدة “: ” وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل


(1) الطهارة لسيدنا الاستاذ: ج 1، ص 188. [ * ]

[ 194 ]

إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير (1) وصفوان بن يحيى (2) وأحمد بن محمد بن أبي نصر (3) وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ” (4). قال المحدث النوري بعد نقل هذا الكلام: ” إن المنصف المتأمل في هذا الكلام، لا يرتاب في أن المراد من قوله ” من الثقات الذين.. الخ ” أصحاب الاجماع المعهودون، إذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون بصفة خاصة مشتركون فيها، ممتازون بها عن غيرهم، غير هؤلاء، فإن صريح كلامه أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة، ولا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء، ومنه يظهر أن ما اشتهر من أن الشيخ ادعى الاجماع على أن ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي خاصة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وشاع في الكتب حتى صار من مناقب الثلاثة وعد من فضائلهم، خطأ محض منشأه عدم المراجعة إلى ” العدة ” الصريحة في أن هذا من فضائل جماعة، وذكر الثلاثة من باب المثال “. أقول: إن الاستدلال بعبارة ” العدة ” على أن المراد من عبارة الكشي هو توثيق رجال السند بعد أصحاب الاجماع غير تام. إذ الظاهر أن مراد الشيخ من


(1) محمد بن ابي عمير زياد بن عيسى أبو أحمد الازدي، بغدادي الاصل والمقام، لقي ابا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وسمع منه احاديث، وروى عن الرضا عليه السلام توفي عام 217. (2) صفوان بن يحيى، كوفي ثقة ثقة عين روى عن الرضا عليه السلام وقد توكل للرضا وابي جعفر عليهما السلام، مات سنة 210. (3) احمد بن محمد بن عمرو بن ابي نصر لقي الرضا وابا جعفر عليهما السلام، مات سنة 221. (4) العدة الطبعة الحديثة: الصفحة 386. (5) مستدرك الوسائل ج 3، صفحة: 758. [ * ]

[ 195 ]

قوله ” وغيرهم ” هو الجماعة المعروفة بين الاصحاب بأنهم لا يروون إلا عن ثقة وهم عبارة عن: 1 أحمد بن محمد بن عيسى. 2 جعفر بن بشير البجلي. 3 محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني. 4 علي بن الحسن الطاطري. 5 بنو فضال كلهم (على قول) وسيوافيك الكلام عن هؤلاء، ولا نظر لها إلى الفقهاء المعروفين من أصحاب الائمة الاربعة، وقد عرفت أن كلام الكشي خال عن هذا العنوان وأنه عرفهم بعنوان: ” تسمية الفقهاء من أصحاب الائمة ” في مواضع ثلاثة، وإنما افيض عليهم هذا العنوان في كلمات المتأخرين وجعل موضوعا للبحث، وأما تخصيص الكشي هؤلاء الجماعة بالبحث، فلاجل فقاهتهم وتبحرهم في الفقه، لما مر أن أكثر الروايات تنتهي إليهم، وأما عدم ذكره أبا حمزة الثمالي، وعلي بن يقطين، وزكريا بن آدم، وعلي بن مهزيار فلقلة رواية الثلاثة الاول مع جلالتهم بالنسبة إلى أصحاب الاجماع. فظهر من هذا البحث أيضا أن الحق هو المعنى الاول، وأن المراد هو تصديقهم فيما يروون بلا واسطة، وتصديق حكاياتهم ونقولهم فيما يروون، فهم فقهاء وعلماء مصدقون في نقولهم، وأن لفظ ” التصحيح ” مرادف للفظ ” التصديق ” سواء اجتمعا كما في الطبقتين الثانية والثالثة، أم افترقا كما في الطبقة الاولى. وإن أبيت إلا ن تغايرهما وأن ” التصحيح ” يفيد غير ما يفيده ” التصديق “، فالاحتمال الاول من المعنى الثاني، من تصحيح رواياتهم وحجيتها هو المتعين، والمراد أن العصابة في ظل التفحص والتتبع وقفت على أن رواياتهم صحيحة إما لوثاقة رجال السند بعد أصحاب الاجماع، أو لقرائن خارجية كما مرت، وأما كون صحتها لخصوص وثاقة رجال السند إلى أن ينتهي إلى الامام كما هو المقصود في الاحتمال الثاني والثالث للمعنى الثاني فلا، وعلى هذا فليست العبارة مفيدة لقاعدة رجالية، هي أن مشايخ هؤلاء إلى الامام ثقات.


[ 196 ]

وبعبارة اخرى ; لا يستفاد منها أنهم لا يروون إلا عن ثقة حتى ينتهي السند إلى الامام. وعلى ذلك فلا يكون رواية أصحاب الاجماع عن شيخ دليلا على وثاقته، فإذا وقع ذلك الشيخ في سند، وكان الراوي عنه غيرهم لا يحكم بوثاقته وصحة السند، فما اشتهر بين المتأخرين من تصحيح الاسناد إذا كان الراوي مهملا، بحجة أنه من مشايخ أصحاب الاجماع مما لادليل عليه. تفصيل من العلامة الشفتي (1): قد عرفت أن الكشي ذكر اتفاق العصابة على هؤلاء في مواطن ثلاثة، وعرفت المحتملات المختلفة حول عبارته المرددة بين كون المراد: 1 تصديق هؤلاء فيما ينقلون 2 أو تصحيح صدور رواياتهم من المعصوم لاجل القرائن الداخلية أو الخارجية. 3 أو توثيق مشايخهم إلى أن ينتهي السند، وعلى كل تقدير المراد من العبارة في المواضع الثالثة واحد. لكن يظهر من المحقق الشفتي، التفصيل بين العبارة الاولى والثانية والثالثة، بأن المراد من الاولى هو تصحيح الحديث ومن الاخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلى آخر السند، ولاجل ذلك اكتفي في اولى العبارات بذكر التصديق من دون إضافة قول ” تصحيح ما يصح “، دون الاخيرتين. وإنما فعل ذلك لان الطبقة الاولى يروون من الامام بلا واسطة، وهذا بخلاف الواقعين في الثانية والثالثة، فهم يروون بلا واسطة ومعها. وقال في هذا الصدد: ” إن نشر الاحاديث لما كان في زمن الصادقين عليهما السلام، وكانت روايات الطبقة الاولى من أصحابهما غالبا عنهما من غير واسطة، فيكفي للحكم بصحة الحديث تصديقهم، وأما المذكورون في الطبقة الثانية والثالثة، فقد كانوا من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليه السلام، وكانت رواية الطبقة الثانية عن مولانا الباقر عليه السلام مع


(1) البحث عن هذا التفصيل، كلام معترض واقع بين الوجه الثاني والوجه الثالث للمحدث النوري، وسيوافيك ثالث الوجوه من أدلته بعد هذا التفصيل. [ * ]

[ 197 ]

الواسطة، وكانت الطبقة الثالثة كذلك بالنسبة إلى الصادق عليه السلام، ولم يكن الحكم بتصديقهم كافيا في الحكم بالصحة فما اكتفي بالتصديق وأضاف: ” اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ” ولما روى كل من في الطبقة الثانية، عن الصادق عليه السلام، والطبقة الثالثة عن الكاظم والرضا عليهما السلام، أتى بتصديقهم أيضا. والحاصل ; أن التصديق فيما إذا كانت الرواية عن الائمة عليهم السلام من غير واسطة والتصحيح إذا كانت معها ” (1). ولا يخفى أنه تفسير ذوقي لا يعتمد على دليل، بل الدليل على خلافه، ففيه: أولا: إن ما ذكره من أن رواية الطبقة الاولى كانت عن الامام بلا واسطة غالبا، غير تام، يعرف بعد الوقوف على مشايخهم في الحديث من أصحاب الائمة المتقدمين كالسجاد ومن قبله: وهذا زرارة يروي عن ما يقرب من أربعة عشر شيخا وهم: 1 أبو الخطاب 2 بكر 3 الحسن البزاز 4 الحسن بن السري 5 حمران بن أعين 6 سالم بن أبي حفصة 7 عبد الكريم بن عتبة الهاشمي 8 عبد الله بن عجلان 9 عبد الملك 10 عبد الواحد بن المختار الانصاري 11 عمر بن حنظلة 12 الفضيل 13 محمد بن مسلم 14 اليسع (2). وهذا محمد بن مسلم يروي عن ستة مشايخ وهم: 1 أبو حمزة الثمالي 2 أبو الصباح 3 حمدان 4 زرارة 5 كامل 6


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 769. بتصرف يسير. (2) معجم رجال الحديث: ج 7، الصفحة 218، 260 الرقم 4663. [ * ]

[ 198 ]

محمد بن مسعود الطائي (1). وبريد بن معاوية يروي عن شيخ واحد وهو مالك بن اعين (2). وهذا الفضيل بن يسار يروي عن شيخين وهما: 1 زكريا النقاض 2 عبد الواحد بن المختار الانصاري (3). وهذا معروف بن خربوذ يروي عن شيخيمن وهما: 1 أبو الطفيل 2 الحكم بن المستور (4). وهذا أبو بصير الاسدي (يحيى بن القاسم أو أبي القاسم) يروي عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم (5). ومع ذلك كيف يمكن أن يقال إن مروياتهم عن الائمة بلا واسطة غالبا. وثانيا: لو كان المراد ما ذكره لوجب عليه التصريح بذلك، فإن ما ذكره ليس أمرا ظاهرا متبادرا من العبارة، والظاهر في الجميع تصديقهم فيما يقولون ويحكون. الوجه الثالث: إن جماعة من الرواة وصفوا في كتب الرجال بصحة الحديث، كما نجده في حق الافراد التالية: 1 إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي، روى عن أبي عبد الله وأبي


(1) معجم رجال الحديث: ج 17، الصفحة 286 262 الرقم 11780 و 11783. (2) معجم رجال الحديث: ج 3، الصفحة 277 و 278 و 280 و 287، الرقم 1166 و 1174. (3) معجم رجال الحديث: ج 13، الصفحة 368 362 الرقم 9437. (4) معجم رجال الحديث: ج 18، الصفحة 231. (5) معجم رجال الحديث: ج 18، الصفحة 265 262 الرقم 12483. وجامع الرواة: ج 2، باب حدود الزنا، وايضا في معجم رجال الحديث: ج 13، الصفحة 167 166 في ترجمة عمران بن ميثم: روى محمد بن يعقوب بسنده عن ابي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم. [ * ]

[ 199 ]

الحسن عليهما السلام، ثقة، صحيح الحديث. 2 أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار الكوفي، ثقة، صحيح الحديث. 3 أبو حمزة أنس بن عياض الليثي، ثقة، صحيح الحديث. 4 أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي، صحيح الحديث. 5 الحسن بن علي بن بقاح الكوفي، ثقة مشهور، صحيح الحديث. 6 الحسن بن علي بن النعمان الاعلم، ثقة، ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث. 7 سعد بن طريف، صحيح الحديث. 8 أبو سهل صدقة بن بندار القمي، ثقة، صحيح الحديث. 9 أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، روى عن الرضا عليه السلام، ثقة، صحيح الحديث. 10 أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد الجواني ثقة، صحيح الحديث. 11 النضر بن سويد الكوفي، ثقة، صحيح الحديث. 12 يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي ثقة ثقة، صحيح الحديث. 13 أبو الحسين محمد بن جعفر الاسدي الرازي، كان ثقة، صحيح الحديث. هؤلاء الجماعة عرفوا في كتب الرجال بصحح الحديث، ولا يمكن الحكم بصحة حديث راو على الاطلاق، إلا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى


[ 200 ]

المعصوم، واحتمال كونه من جهة القرائن فاسد كما مر، ولا فرق بينهم وبين أصحاب الاجماع إلا من جهة الاجماع في هؤلاء دونهم، وهم جماعة أيضا كما عرفت (1). أقول: أما دلالة لفظة ” صحيح الحديث ” على وثاقة نفس هؤلاء فمما لا يخفى على أحد، وقد عده الشهيد الثاني من الالفاظ الدالة على الوثاقة. قال في بداية الدراية وشرحها: ” قوله: وهو صحيح الحديث، يقتضي كونه ثقة ضابطا ففيه زيادة تزكية “. أضف إليه أنه غير محتاج إليه، لوجود لفظ ” ثقة ” في ترجمة هؤلاء إلا في مورد السمرقندي وابن طريف. إنما الكلام في دلالته على وثاقة مشايخهم سواء كانت واسطة أو معها. فقد اختار المحدث النوري دلالتها على وثاقة المشايخ عامة. ولكن إنما يتم ما استظهره من قولهم ” صحيح الحديث ” إذا لم تكن قرينة على كون المراد صحة أحاديث كتبه، لا وثاقة مشايخه، كما ورد في حق الحسين بن عبيدالله السعدي ” له كتب صحيحة الحديث ” فلابد من الحمل على الموجود في الكتاب، ومثله إذا قال: ” كان ثقة الحديث إلا أنه يروي عن الضعفاء ” كما ورد في حق أبي الحسين الاسدي (2). ولا يخفى أنه لو ثبت ما يدعيه ذلك المحدث، لزم تعديل كثير من المهملين والمجهولين، فتبلغ عدد المعدلين بهذه الطريقة إلى مبلغ كبير والاعتماد على ذلك مشكل جدا. أما أولا: فلان صحة الحديث كما تحرز عن طريق وثاقة الراوي، تحرز عن طريق القرائن الخارجية، فالقول بأن إحراز صحة أحاديث هؤلاء كانت مستندة إلى وثاقة مشايخهم فقط، ليس له وجه، كالقول بأن إحرازها كان


(1) مستدرك الوسائل: ج 1، الصفحة 769 بتصرف يسير. (2) لاحظ مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 770. [ * ]

[ 201 ]

مستندا إلى القرائن، بل الحق أن الاحراز كان مستندا إلى الوثاقة تارة وإلى القرائن اخرى، ومع هذا العلم الاجمالي كيف يمكن إحراز وثاقة المشايخ بصحة الاحاديث مع أنها أعم منها. وثانيا: إن أقصى ما يمكن أن يقال ما أفادة بعض الاجلة من التفصيل بين الاكثار عن شيخ وعدمه، فإذا كثر نقل الثقة عن رجل، ووصف أحاديث ذلك الثقة بالصحة، يستكشف كون الاحراز مستندا إلى وثاقة الشيخ، إذ من البعيد إحراز القرينة في واحد واحد من المجموعة الكبيرة من الاحاديث، وهذا بخلاف ما إذا قل النقل عنه ووصف أحاديثه بالصحة، فمن الممكن جدا إحراز القرينة في العدد القليل من الاحاديث. هذا كله لو قلنا بأن الصحة من أوصاف المتن والمضمون، وإلا فمن الممكن القول بأنها من أوصاف نفس النقل والتحدث والحكاية، وأن المقصود منها كونه صدوقا في النقل وصادقا في الحكاية في كل ما يحكيه، كما ذكرناه في أصحاب الاجماع فلاحظ. ثم إن الذي يدفع الاحتمال الثاني للمعنى الثاني رواية أصحاب الاجماع عن الضعفاء والمطعونين، ومعها كيف يمكن القول بأنهم لا يروون إلا عن الثقة وإليك بعض ما يدل على المقصود. 1 روى الكليني في ” باب من أوصى وعليه دين ” وكذا في ” باب إقرار بعض الورثة بدين في كتاب الميراث ” عن جميل بن دراج، عن زكريا بن يحيى الشعيري، عن الحكم بن عتيبة (1) وقد ورد عدة روايات في ذمه (2). 2 حكى الشيخ في الفهرس أن يونس بن عبد الرحمن روى كتاب


(1) جامع الرواة: ج 1 الصفحة 266. (2) لاحظ رجال الكشي: الصفحة 137. [ * ]

[ 202 ]

” عمرو بن جميع الازدي البصري قاضي الري ” (1) وقد ضعفه الشيخ والنجاشي (2). وسيوافيك بعض القول في ذلك عند الكلام في أن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، فانتظر.


(1) الفهرس للشيخ الصفحة 111. (2) رجال الشيخ: الصفحة 249، رجال النجاشي: الصفحة 205. [ * ]

[ 203 ]

2 مشايخ الثقات * محمد بن أبي عمير. * صفوان بن يحيى. * أحمد بن أبي نصر البزنطي.


[ 205 ]

قد عرفت أن التوثيق ينقسم إلى توثيق خاص، وتوثيق عام. فلو كان التوثيق راجعا إلى شخص معين، فهو توثيق خاص، ولو كان راجعا إلى توثيق عدة تحت ضابطة فهو توثيق عام، وقد عد من الثاني ما ذكره الكشي حول جماعة اشتهرت بأصحاب الاجماع، وقد عرفت مدى صحته وأن العبارة لا تهدف إلا إلى وثاقتهم، لا إلى صحة أخبارهم، ولا إلى وثاقة مشايخهم. ومن هذا القبيل ما اشتهر بين الاصحاب من أن محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، فيترتب على ذلك أمران: 1 إن كل من روى عنه هؤلاء فهو محكوم بالوثاقة، وهذه نتيجة رجالية تترتب على هذه القاعدة. 2 إنه يؤخذ بمراسيلهم كما يؤخذ بمسانيدهم وإن كانت الواسطة مجهولة، أو مهملة، أو محذوفة، وهذه نتيجة اصولية تترتب عليها، وهي غير النتيجة الاولى. ثم إن جمعا من المحققين القدامى والمعاصرين، قد طرحوا هذه القاعدة على بساط البحث فكشفوا عن حقائق قيمة. لاحظ مستدرك الوسائل (ج 3،


[ 206 ]

ص 655 648) ومعجم رجال الحديث (ج 1، ص 69 63) ومشايخ الثقات (هو كتاب قيم الف حول القاعدة وطبع في 306 صحيفة والكتاب كله حول القاعدة وفروعها) ومعجم الثقات (ص 197 153). وفيما أفاده بعض الاجلة في دروسه الشريفة غنى وكفاية فشكر الله مساعيهم الجميلة. ونحن في هذا نستضئ من أنوار علومهم. رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الباقين منهم. فنقول: الاصل في ذلك ما ذكره الشيخ في ” العدة ” حيث قال: ” وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم، فأما إذا لم يكن كذلك ويكون ممن يرسل عن ثقة وعن غير ثقة فإنه يقدم خبر غيره عليه، وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به ” (1). غير أن تحقيق الحال يتوقف على البحث عن هذه الشخصيات الثلاث واحدا بعد واحد وإليك البيان: 1 ابن أبي عمير (المتوفي عام 217) قد يعبر عنه بابن أبي عمير تاره، وبمحمد بن زياد البزاز أو الازدي اخرى، وبمحمد بن أبي عمير ثالثة. وقد عرفت أنه يترتب على تلك الدعوى نتيجتان مهمتان، فلاجل ذلك


(1) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 386 من الطبعة الحديثة. [ * ]

[ 207 ]

نقدم لتحقيقها امورا: الاول: إن ابن أبي عمير كما قال النجاشي: ” هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى، أبو أحمد الازدي، من موالي المهلب بن أبي صفرة، بغدادي الاصل والمقام، لقي أبا الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث، كناه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرضا عليه السلام. جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين، الجاحظ يحكي عنه في كتبه. وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية، وقالا في ” البيان والتبيين “: حدثني إبراهيم بن داحة، عن ابن أبي عمير، وكان وجها من وجوه الرافضة، وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء، وقيل إنه ولي بعد ذلك، وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة، وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، وروي أنه ضرب أسواطا بلغت منه إلى حد كاد أن يقر لعظيم الالم. فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتق الله يا محمد بن أبي عمير، فصبر، ففرج الله عنه، وروي أنه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد، وقل: إن اخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدث من حفظه، ومما كان سلف له في أيدي الناس، ولهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، وقد صنف كتبا كثيرة. ثم نقل النجاشي عن أحمد بن محمد بن خالد أن ابن أبي عمير صنف أربعة وتسعين كتابا منها المغازي إلى أن قال: مات سنة سبع عشرة ومائتين ” (1). وقال الشيخ في الفهرس: ” كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا، وأورعهم وأعبدهم، وقد ذكره الجاحظ في كتابه ” فخر قحطان على عدنان “.. أنه كان أوحد أهل زمانه في الاشياء كلها وأدرك من


(1) رجال النجاشي الصفحة 326، رقم الترجمة 887. [ * ]

[ 208 ]

الائمة ثلاثة: أبا ابراهيم موسى عليه السلام ولم يرو عنه. وأدرك الرضا عليه السلام وروى عنه. والجواد عليه السلام. وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال الصادق عليه السلام ” (1). الثاني: إن شهادة الشيخ على التسوية، لا تقصر عن شهادة الكشي على إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة، فلو كانت الشهادة الثانية مأخوذا بها، فالاولى مثلها في الحجية. وليس التزام هؤلاء بالنقل عن الثقات أمرا غريبا، إذ لهم نظراء بين الاصحاب وسيوافيك بيانهم أمثال: أحمد بن محمد بن عيسى القمي، وجعفر بن بشير البجلي، ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، وعلي بن الحسن الطاطري، والرجالي المعروف: النجاشي، الذين اشتهروا بعدم النقل إلا عن الثقة. وأما اطلاع الشيخ على هذه التسوية، فلانه كان رجلا بصيرا بأحوال الرواة وحالات المشايخ. ويعرب عن ذلك ما ذكره في العدة عند البحث عن حجية خبر الواحد حيث قال: ” إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، فوثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم. وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ” (2). وهذه العبارة ونظائرها، تعرب عن تبحر الشيخ في معرفة الرواة وسعة


(1) الفهرس: الصفحة 168، رقم الترجمة 618. (2) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 366 من الطبعة الحديثة. [ * ]

[ 209 ]

اطلاعه في ذلك المضمار، فلا غرو في أن يتفرد بمثل هذه التسوية، وان لم ينقلها أحد من معاصريه، ولا المتأخرون عنه إلى القرن السابع إلا النجاشي، فقد صرح بما ذكره في خصوص ابن أبي عمير من الرجال الثلاثة، كما عرفت. وعلى هذا فقد اطلع الشيخ على نظرية مجموعة كبيرة من علماء الطائفة وفقهائهم في مورد هؤلاء الثلاثة وأنهم كانوا يسوون بين مسانيدهم ومراسيلهم، وهذا يكفي في الحجية، ومفادها توثيق جميع مشايخ هؤلاء، وقد عرفت أنه لا يحتاج في التزكية إلى أزيد من واحد أو اثنين، فالشيخ يحكي اطلاعه عن عدد كبير من العلماء، يزكون عامة مشايخ ابن أبي عمير، ولاجل ذلك يسوون بيمن مراسيله ومسانيده. والسابر في فهرس الشيخ ورجاله يذعن بإحاطته بالفهارس وكتب الرجال، وأحوال الرواة، وأنه كانت تحضره مجموعة كبيرة من كتب الرجال والفهارس وكان في نقضه وإبرامه وتعديله وجرحه، يصدر عن الكتب التي كانت تحضره، أو الآراء والنظريات التي كان يسمعها من مشايخه وأساتذته. نعم نجد التصريح بالتسوية من علماء القرن السابع إلى هذه الاعصار. فقد أتى المحدث المتتبع النوري بأسماء وتصريحات عدة من هذه الثلة ممن صرحوا بالقاعدة، ونحن نأتي بما نقله ذلك المتتبع، بتصرف يسير، مع تعيين مصادر النقل بقدر الامكان. 1 قال السيد علي بن طاووس (المتوفي عام 664، في فلاح السائل بعد نقل حديث عن أمالي الصدوق، بسند ينتهي إلى محمد بن أبي عمير، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أحب الله من عصاه..): ” رواة الحديث ثقات بالاتفاق ومراسيل محمد بن أبي عمير كالمسانيد عند أهل الوفاق ” ويأتي خلاف ذلك من أخيه، جمال الدين السيد أحمد بن طاووس


[ 210 ]

(المتوفي عام 673) فانتظر. 2 قال المحقق في المعتبر في بحث الكر: ” الثالثة: رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكر ألف ومائتا رطل، وعلى هذه عمل الاصحاب ولا طعن في هذه بطريق الارسال، لعلم الاصحاب بمراسيل ابن أبي عمير ” (1). 3 وقال الفاضل الآبي في كشف الرموز الذي هو شرح للمختصر النافع في رواية مرسلة لابن أبي عمير: ” وهذه وإن كانت مرسلة، لكن الاصحاب تعمل بمراسيل ابن أبي عمير، قالوا: لانه لا ينقل إلا معتمدا ” (2). وممن صرح بصحة القاعدة من علماء القرن الثامن. 4 العلامة في النهاية قال: ” الوجه المنع إلا إذا عرف أن الراوي فيه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن أبي عمير في الرواية “. 5 وعميد الدين الحلي ابن اخت العلامة الحلي وتلميذه (المتوفي عام 754) في كتابه ” منية الليب في شرح التهذيب ” المطبوع في بلاد الهند. قال في بحث المرسل: ” واختيار المصنف المنع من كونه حجة ما لم يعلم أنه لا يرسل إلا عن عدل كمراسيل محمد بن أبي عمير من الامامية “. 6 وقال الشهيد (المتوفي 786) في الذكرى في أحكام أقسام الخبر: ” أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح، ولهذا قبلت الاصحاب


(1) المعتبر: ج 1، الصفحة 47، الطبعة الحديثة. (2) والفاضل الآبي هو حسن بن أبي طالب المعروف بالآبي تارة، وابن الزينب اخرى، من أجلاء تلاميذ المحقق وقد فرغ من شرح كتاب استاذه (المختصر النافع) عام 672، وله آراء خاصة في الفقه، منها: الف انه لا تجوز الزيادة في النكاح على الاربع دائما كان العقد أو انقطاعا. ب القول بالمضائقة في القضاء. ج انه لا يصح الاداء مع وجود القضاء في الذمة. [ * ]

[ 211 ]

مراسيل ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي لانهم لا يرسلون إلا عن ثقة ” (1). وممن صرح بها من علماء القرن التاسع: 7 ابن فهد الحلي (المتوفي عام 841) في ” المهذب البارع ” في مسألة وزن الكر بعد نقل رواية ابن أبي عمير قال ” ولا يضعفها الارسال، لعلمهم بمراسيل ابن أبي عمير “. وممن صرح بها من علماء القرن العاشر: 8 المحقق الثاني، علي بن عبدالعالي (المتوفي عام 940) مؤلف كتاب ” جامع المقاصد ” قال: ” والروايتان صحيحتان من مراسيل ابن أبي عمير الملحقة بالمسانيد “. 9 الشهيد الثاني (المتوفي عام 965) في الدراية وشرحها قال: ” المرسل، ليس بحجة مطلقا على الاصح، إلا أن يعلم تحرز مرسله عن الرواية عن غير الثقة، كان أبي عمير من أصحابنا، على ما ذكره كثير، وسعيد بن المسيب. عند الشافعي، فيقبل مرسله ويصير في قوة المسند “. وممن شصرح بها من علماء القرن الحادي عشر: 10 الميرزا الاسترآبادي في كتابه ” منهج المقال ” قال ما هذا حاصله (2): ” إبراهيم بن عمر ثقة عند النجاشي وضعفها ابن الغضائري ويرجح الاول برواية ابن أبي عمير بواسطة حماد ” (3).


(1) ذكرى الشيعة: الصفحة 4. (2) منهج المقال: الصفحة 25، وقد طبع هذا الكتاب في مجلد كبير، وهو حسب تجزئة المؤلف في ثلاثة اجزاء، وفرغ المؤلف عنه عام 986، وقد علق عليه الوحيد البهبهاني بعض التعاليق، وطبعا معا في مجلد كبير. (3) منهج المقال: الصفحة 25. [ * ]

[ 212 ]

وقال في ” ابن أبي الاغر النحاس “: ” يعتبر روايته ويعتد بها لاجل رواية ابن أبي عمير وصفوان، عنه ” (1). 11 الشيخ البهائي (المتوفي عام 1030) قال في شرح الفقيه: ” وقد جعل أصحابنا رضوان الله عليهم مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة “. 12 وممن نقل كلام الشيخ الطوسي، المحدث الحر العاملي في خاتمة الوسائل في الفائدة السابعة (ج 20 ص 88). 13 وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: ” ومنها رواية صفوان بن يحيى وابن أبي عمير عنه. فإنها أمارة الوثاقة لقول الشيخ في ” العدة “: إنهما لا يرويان إلا عن ثقة، والفاضل الخراساني في ذخيرته جرى على هذا المسلك ” (2). 14 وقال الشيخ عبد النبي بن علي بن أحمد بن الجواد في كتابه ” تكملة نقد الرجال ” الذي فرغ منه سنة 1240، في حق ” برد الاسكاف “: ” قال المحقق السبزواري في الذخيرة: لم يوثقه علماء الرجال إلا أن له كتابا يرويه ابن أبي عمير ويستفاد من ذلك توثيقه ” (3). ثم إن المتتبع النوري نقل عن مفاتيح السيد المجاهد (المتوفي عام 1242) دعوى المحقق الاردبيلي (وهو من علماء القرن العاشر) اتفاق الاصحاب على العمل بمراسيله.


(1) منهج المقال: الصفحة 28. (2) تعليقة المحقق البهبهاني: الصفحة 10. (3) التكملة: ج 1، الصفحة 221. [ * ]

[ 213 ]

وقد اكتفينا بهذا القدر من نصوص القوم وتجد التضافر عليها من المتأخرين. ولا نرى حاجة لذكر نصوصهم. نعم هناك ثلة من المحققين استشكلوا في هذه التسوية وسيوافيك بعض كلماتهم. والظاهر أن دعوى غير الشيخ والنمجاشي من باب التبعية لهما، وأن الاشتهار في الاعصار المتأخرة من القرن السابع إلى العصر الحاضر، كان من باب حسن الظن بدعوى شيخ الطائفة وزميله النجاشي، لا من باب التتبع في أحوال مشايخه والوقوف على أنه لا يروي إلا عن ثقة، وعلى ذلك فما ذكره المحدث النوري من بلوغ دعوى الاجمال إلى الاستفاضة وإمكان علمهم بذلك بأخباره (ابن أبي عمير) المحفوفة بالقرائن أو بتتبعهم في حال مشايخه المحصورين أو بهما، مما لا يمكن الركون إليه. ومع ذلك فلا يضر ما ذكرناه بحجية دعوى الشيخ، فإنه وإن كان لا يثبت به اتفاق علماء الامامية على التسوية، ولكن يثبت به توثيق المشهور لمشايخ ابن أبي عمير، وأنه كانت هناك شخصيات يزكون جميع مشايخه، ولاجله يعاملون مع جميع مراسيله معاملة المسانيد. هذا، وهناك ثلة من العلماء لم يأخذوا بهذه التسوية، ولم يقولوا بحجية مراسيله، منهم: 1 شيخ الطائفة، في غير موضع من تهذيبه واستبصاره قال: ” فأما ما رواه محمد بن أبي عمير (قال: روى لي عن عبد الله يعني ابن المغيرة يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام: أن الكر ستمائة رطل) فأول ما فيه أنه مرسل غير مسند، ومع ذلك مضاد للاحاديث التي رويناها ” (1).


(1) التهذيب: ج 1، الصفحة 43. [ * ]

[ 214 ]

وقال (في باب بيع المضمون): ” إن الخبر الاول (خبر ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله) مرسل غير مسند ” (1). وقال (في باب ميراث من علا من الآباء وهبط من الاولاد): ” إن الخبر الاول مرسل مقطوع الاسناد ” (2). ولكن ما ذكره في ” العدة ” هو الذي ركن إليه في اخريات حياته، وكأنه عدل عما ذكره في التهذيب والاستبصار، وكيف لا، وقد قام بتأليف التهذيب كالشرح لمقنعة استاذه المفيد في زهرة شبابه وفي أواسط العقد الثالث من عمره، حيث ولد الشيخ عام 385، وتوفي استاذه المفيد عام 413، وهو يدعو له في كتابي الطهارة والصلاة بعد نقل عبارته بقوله ” أيده الله تعالى “، وهذا يعرب عن أنه شرع في تأليف ” التهذيب ” وهو في حوالي خمس وعشرين سنة أو أزيد بقليل، بينما هو في زمان ألف فيه ” العدة ” قد صار فحلا في الفقه والرجال، وعارفا بكلمات الاصحاب وأنظارهم حول الشخصيات الحديثية. 2 ما ذكره المحقق في ” المعتبر ” على ما نقله المحدث النوري قال: ” والجواب ; الطعن في السند لمكان الارسال ولو قال قائل: مراسيل ابن أبي عمير تعمل بها الاصحاب، منعنا ذلك، لان في رجاله من طعن الاصحاب فيه، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم ” (3). وأجاب عنه الشيخ البهائي في وجيزته بقوله: ” وروايته أحيانا عن غير الثقة، لا يقدح في ذلك كما يظن، لانهم ذكروا أنه لا يرسل إلا عن ثقة، لا أنه لا يروي إلا عن ثقة ” (4).


(1) التهذيب: ج 7، الصفحة 31. (2) التهذيب: ج 9، الصفحة 313. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 650. (4) الوجيزة: الصفحة 6 طبع المكتبة الاسلامية. [ * ]

[ 215 ]

ولا يخفى أن ما ذكره الشيخ البهائي قدس سره لا ينطبق ما ذكره الشيخ في ” العدة ” حيث قال: ” عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثقه به ” وعلى ذلك فهؤلاء كما لا يرسولن إلا عن ثقة، فهكذا لا يروون إلا عن ثقة. وعلى ذلك فلو وجد مورد أو موارد أنهم نقلوا عن المطعونين، لبطلت القاعدة المذكورة. وسيوافيك الكلام في روايته عن بعض المطعونين في بحث مستقل. 3 السيد جمال الدين بن طاووس (المتوفي عام 673) صاحب ” البشرى “، ونقل خلافه الشهيد الثاني في درايته. 4 الشهيد الثاني في درايته حيث قال: ” وفي تحقق هذا المعنى وهو العلم بكون المرسل لا يروي إلا عن الثقة، نظر ” ثم ذكر وجهه (1) وسيوافيك لب إشكاله عند البحث عن إشكالات ” معجم رجال الحديث “. 5 السيد محمد صاحب المدارك سبط الشهيد الثاني (المتوفي عام 1009) في مداركه. 6 ولد الشهيد الثاني، الشيخ حسن صاحب ” المعالم ” (المتوفي عام 1011) فقد استشكل في حجية مراسيله (2). فمن أراد فليرجع إلى معالمه. الثالث: إن المتتبع في أسانيد الكتب الاربعة وغيرها، يقضي بكثرة مشايخه. فقد أنهاها بعض الاجلة إلى أربعمائة وعشرة مشايخ. وقد ذكر الشيخ في الفهرس انه روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى القمي كتب مائة رجل من رجال الصادق عليه السلام. ولعل المتتبع في الاسانيد يقف على هذه الكتب ومؤلفيها. وعلى كل تقدير ; فلو ثبت ما ادعاه الشيخ والنجاشي، لثبت وثاقة جمع


(1) شرح البداية في علم الدراية: الصفحة 142. (2) المعالم، طبعة عبد الرحيم: الصفحة 214. [ * ]

[ 216 ]

كثير من مشايخه، وإنما المهم هو الوقوف على مشايخه بأسمائهم وخصوصياتهم. فقد ذكر المتتبع النوري منهم مائة وثلاثة عشر شيخا وقال: ” هذا ما حضرني عاجلا ولعل المتتبع في الطرق والاسانيد يقف على أزيد من هذا ” (1) وأما المائة كتاب التي رواها عنه أحمد بن محمد بن عيسى، فتعلم من المراجعة إلى فهرس الشيخ. وأنهاهم صاحب ” معجم الرجال ” في ترجمة ابن أبي عمير (ج 22 ص 139 101، رقم الترجمة 14997) إلى ما يقارب المائتين وسبعين شيخا بعد حذف المكررات. وقد جمع في ” مجمع الثقات ” (ص 153) أسماء مشايخ الثقات الثلاث (ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي) وحذف من ورد فيه توثيق بالخصوص، فبلغ ثلاثمائة وواحدا وستين شيخا. ولقد أحسن مؤلف ” مشايخ الثقات ” وأتحف لمن بعده، بوضع فهرس خاص لمشيخة كل واحد من هؤلاء الثلاثة، مع تعيين مصادرها في المجامع الحديثية فبلغ ثلاثمائة وسبعة وتسعين شيخا (2). ولعل البحاث يقف على أزيد من ذلك. وقد عرفت أن بعض الاجلة أنهى أساتذته إلى أربعمائة وعشرة مشايخ. وهذا يعرب عن تضلع ابن أبي عمير في علم الحديث وبلوغه القمة في ذلك العلم، حتى توفق للاخذ عن هذه المجموعة الكبيرة وقد عرفت أن أحمد بن محمد بن عيسى قد نقل بواسطته مائة كتاب لمشايخ الاصحاب.


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة الخامسة، الصفحة 649. (2) لاحظ مشايخ الثقات: الصفحة 223 134، في خصوص ابن أبي عمير. [ * ]

[ 217 ]

الرابع: إن مؤلف ” مشايخ الثقات ” قد عد في فهرسه الذي وضعه لبيان مشايخ ابن أبي عمير، أناسا من مشايخه وليسوا منهم. والمنشأ له، إما سقم النسخة وعدم صحتها، أو عدم التدبر الكافي في ألفاظ السند. وما ذكرناه هنا يعطي استعدادا للقارئ، للاجابة عن بعض النقوض المتوجهة إلى الضابطة. وإليك بيانها: 1 محمد بن سنان: روى الشيخ الحر العاملي عن الصدوق في ” علل الشرايع ” عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن سنان، عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: ” أن نبيا من الانبياء بعثه الله إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك فقال له: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت فقال: لي اسوة بما يصنع بالحسين عليه السلام ” (1). فعد محمد بن سنان من مشايخ ابن أبي عمير استنادا إلى هذه الرواية. ولكن الاستظهار غير تام، فإن محمد بن سنان من معاصري ابن أبي عمير، لا من مشايخه وقد توفي ابن سنان سنة 220 وتوفي ابن أبي عمير سنة 217، فطبع الحال يقتضي أن لا يروي عن مثله. أضف إليه أن الموجود في ” علل الشرايع (2) ” ومحمد بن سنان ” مكان ” عن محمد بن سنان ” فاشتبه ” الواو ” ب‍ ” عن “. ويؤيد ذلك أن الشيخ ابن قولويه نقله في ” كامل الزيارات ” بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، ويعقوب بن يزيد، جميعا عن محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله


(1) مستدرك الوسائل ج 2، ابواب الجنائز، الباب 77، الحديث 19. (2) علل الشرايع: الباب 67، الحديث 2، الصفحة 77 من طبعة النجف. [ * ]

[ 218 ]

عليه السلام (1). ترى أن يعقوب بن يزيد في هذا السند يروي عن محمد بن سنان بلا واسطة، ولو صح ما في ” الوسائل ” لوجب أن يتوسط بينهما شخص ثالث، كابن أبي عمير وغيره، مع أنه ليس كذلك. إن تبديل لفظة ” الواو ” ب‍ ” عن ” كثير في الاسانيد، وقد نبه عليه المحقق صاحب ” المعالم ” في مقدمات ” منتقى الجمان “، وبالتأمل فيه ينحل كثير من العويصات الموجودة في الاسانيد، كما ينحل كثير من النقوض التي اوردت على القاعدة كما ستوافيك. ولاجل كونه أساسا لحل بعض العويصات ورد النقوض، نأتي بعبارة ” المنتقى ” بنصه: (2) قال: ” حيث إن الغالب في الطرق هو الوحدة ووقع كلمة ” عن ” في الكتابة بين أسماء الرجال، فمع الاعجال يسبق إلى الذهن ما هو الغالب، فيوضع كلمة ” عن ” في الكتابة موضع واو العطف، وقد رأيت في نسخة ” التهذيب ” التي عندي بخط الشيخ رحمه الله عدة مواضع سبق فيها القلم إلى إثبات كلمة ” عن ” في موضع ” الواو “، ثم وصل بين طرفي العين وجعلها على صورتها واوا والتبس ذلك على بعض النساخ فكتبها بالصورة الاصلية في بعض مواضع الاصلاح. وفشا ذلك في النسخ المتجددة، ولما راجعت خط الشيخ فيه تبينت الحال. وظاهر أن إبدال ” الواو ” ب‍ ” عن يقتضي الزيادة التي ذكرناها (كثرة الواسطة وزيادتها) فإذا كان الرجل ضعيفا، ضاع به الاسناد فلابد من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا، وعدم القناعة بظواهر الامور. ومن المواضع التي اتفق فيها هذا الغلط مكررا، رواية الشيخ عن سعد


(1) كامل الزيارات: الباب 19، الحديث 1، الصفحة 46. (2) منتقى الجمان: الفائدة الثالثة، الصفحة 26 25. [ * ]

[ 219 ]

بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، وعلي بن حديد، والحسين بن سعيد. فقد وقع بخط الشيخ رحمه الله في عدة مواضع منها، إبدال أحد واوي العطف بكلمة ” عن ” مع أن ذلك ليس بموشع شك أو احتمال، لكثرة تكرر هذا الاسناد في كتب الرجال والحديث “. ثم ذكر نموذجا فلاحظ. 2 نجية بن إسحاق الفزاري: روى الصدوق عن أبيه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن زياد مولى بني هاشم، قال: حدثنا شيخ لنا ثقة، يقال له نجية بن إسحاق الفزاري، قال حدثنا عبد الله بن الحسن قال: قال لي أبو الحسن: ” لم سميت فاطمة فاطمة.. الخ ” (1). ولكن كون المراد من محمد بن زياد هو ابن أبي عمير، لا دليل عليه، لانه لا يعبر عنه في كتب الحديث ب‍ ” محمد بن زياد ” الا مقيدا ب‍ ” الازدي ” أو ” البزاز ” وقد عنون في الرجال عدة من الرواة بهذا الاسم، يبلغ عددهم إلى تسعة (2). أضف إليه أن أحدا من الرجاليين لم يصفه ب‍ ” مولى بني هاشم “. بل النجاشي وغيره، وصفوه بأنه من موالي المهلب، أو بني امية، قال: والاول أصح. وأما نجية بن إسحاق فلم يعنون في كتب الرجال وإنما المعنون ” نجية بن الحارث ” فلاحظ. 3 معاوية بن حفص: روى الصدوق عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد (المتوفي عام 343) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا


(1) علل الشرايع ج 1، الصفحة 178، الباب 142، الحديث 2. (2) لاحظ تنقيح المقال للمامقاني: ج 2، الصفحة 117. [ * ]

[ 220 ]

الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، ومعاوية بن حفص، عن منصور، جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ” كان أبو عبد الله عليه السلام في المسجد الحرام.. الخ ” (1). فقد عد المؤلف معاوية بن حفص، من مشايخ ابن أبي عمير. وهو غير معنون في الكتب الرجالية ولكن الدقة في طبقات الرواة وملاحظة لفظة ” جميعا ” تدل على خلافه، إذ لا معنى لارجاع ” جميعا ” في قوله ” عن منصور جميعا ” إلى منصور، فإنه شخص واحد، فهذان الامران، أي ملاحظة طبقات الوسائط، ولفظة ” جميعا “، تقتضيان كون معاوية بن حفص، معطوفا على ابن أبي عمير، لا على حماد بن عثمان، ففي الحقيقة يروي الحسين بن سعيد عن الامام الصادق عليه السلام بسندين: 1 الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام. 2 الحسين بن سعيد، عن معاوية بن حفص، عن منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام. وعلى ذلك فمعاوية بن حفص، في نفس طبقة ابن أبي عمير، لا من مشايخه. 4 عبد الرحمن بن أبي نجران: روى الشيخ في ” التهذيب ” عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، ومحمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن جميل وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن حمران قال: ” سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم،


(1) علل الشرايع: ج 2، الصفحة 453، الباب 210، الحديث 4. [ * ]

[ 221 ]

أينزع.. الخ ” (1). فزعم المؤلف أن عبد الرحمن بن أبي نجران من مشايخ ابن أبي عمير وهو ثقة أيضا. والاستظهار مبني على أن عبد الرحمن عطف على جميل، وهو غير صحيح. لان عبد الرحمن ليس في طبقة ” جميل بن دراج ” الذي هو من تلامذة الامام الصادق عليه السلام. بل أبوه ” أبو نجران ” من أفراد تلك الطبقة. قال النجاشي: ” عبد الرحمن بن أبي نجران: كوفي روى عن الرضا، وروى أبوه، أبو نجران، عن أبي عبد الله عليه السلام ” وعلى ذلك فعبد الرحمن من رواة طبقة ابن أبي عمير، لا من مشايخه. ويؤيده رواية ” عبد الله بن محمد بن خالد ” الذي هو من رواة الطبقة المتأخرة عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، كما في ” رجال النجاشي ” وعلى ذلك فمفاد السند: أن الحسين بن سعيد تارة يروي عن فضالة بن أيوب، ومحمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام. واخرى يروي عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام. وبالنتيجة ; إن عبد الرحمن عطف إلى فضالة ابن أيوب، لا على جميل. ويوضح ذلك ما رواه الشيخ في ” التهذيب ” عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن جميل بن دراج. وابن أبي نجران، عن محمد بن حمران، جميعا، عن إسماعيل الجعفي (2).


(1) التهذيب: ج 5، الصفحة 380، الحديث 1328. (2) التهذيب: ج 5، الصفحة 87، الحديث 290. [ * ]

[ 222 ]

فالحسين تارة يروي عن صفوان، عن جميل بن دراج، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام. واخرى عن ابن أبي نجران، عن محمد بن حمران، عن اسماعيل الجعفي، عن الامام الباقر عليه السلام. وإنما توسط الجعفي بين محمد بن حمران والامام، لاجل كون الرواية السابقة عن الامام الصادق عليه السلام، فيصح لمحمد بن حمران الرواية عنه، بخلاف هذه الرواية. فإن المروي عنه هو أبو جعفر الباقر عليه السلام، فيحتاج إلى توسط راو آخر بينه وبين أبي جعفر الباقر عليه السلام. 5 المعلي بن خنيس: روى الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد يعني ابن أبي عمير، عن معلي بن خنيس، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ” أشترى الزرع ؟ قال: إذا كان على قدر شبر ” (1). ونقل صاحب ” مشايخ الثقات ” روايته عنه عن رجال الكشي (الرقم 460). والظاهر سقوط الواسطة بين ابن أبي عمير والمعلي، لانه قتل في زمان الامام الصادق عليه السلام. قتله داود بن علي بأمر المنصور. ومن البعيد أن يروي عنه ابن أبي عمير (المتوفي عام 217). لان داود بن علي توفي عام 133 كما نقله الجزري في الكامل (2)، فالمعلي قتل قبل هذا العام، وعليه لا يمكن لابن أبي عمير أن ينقل منه الحديث إلا إذا كان من مواليد 117، وعند ذلك يكون من المعمرين الذين عاشوا قرابة مائة سنة، ولو كان كذلك، لذكروه في حقه، لانه من الشخصيات البارزة عند الشيعة، ويؤيد ذلك أن صفوان بن يحيى (المتوفي عام 210) يروي كتاب المعلي، عنه بواسطة معلي بن زيد


(1) الوسائل: الجزء 13، الباب 11 من ابواب بيع الثمار، الحديث 4. (2) كامل الزيارات: ج 5، الصفحة 448. [ * ]

[ 223 ]

الاحول. لاحظ رجال النجاشي (الرقم: 1114). فالنتيجة ; أن المعلي ليس من مشايخ ابن أبي عمير، سواء كان ثقة كما هو الاصح بل الصحيح، أم لا. وهذا قليل من كثير ممن عدوا من مشايخه، وليسوا منه، وإنما قدمنا ذلك لتكن كالمقدمة لحل بعض النقوض التي اوردت على الضابطة. الخامس: هل المراد من قوله: ” فإن كان ممن يعلم أمنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ” هو الانسان الموثوق به، سواء أكان اماميا أم غيره، أو خصوص العدل الامامي ؟ توضيحه ; أنه قد تطلق الثقة ويراد منها الصدوق لسانا وإن كان عاصيا بالجوارح، وهي في مقابل الكذوب الذي يعصي بلسانه، كما يعصي بسائر أعضائه، وهذا هو الظاهر عند التوصيف بأنه ثقة في الحديث. وقد تطلق ويراد منها المتحرز عن المعاصي كلها، ومنها الكذب، سواء كان اماميا أم غيره. والوثاقة بهذا المعنى في الراوي توجب كون خبره موثقا لا صحيحا. وقد طلق ويراد ذاك المعنى بإضافة كونه صحيح المذهب، أي كونه إماميا. إن بعض الاجلة استظهر أن المراد منها في عبارة الشيخ هو المعنى الثالث، فقال ما هذا مفاده: 1 ذكر الشيخ عند البحث عن ترجيح أحد الخبرين على الآخر، بأن رواية المخالف شيعيا كان أم غيره، إنما يحتج بها إذا لم يكن في مقابلها خبر مخالف مروي من الفرقة المحقة، وإلا فلا يحتج بها، وإليك نصه: ” فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لاصل المذهب، وروى مع ذلك عن الائمة عليهم


[ 224 ]

السلام، نظر فيما يرويه، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه، وجب إطراح خبره. وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به، وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضا العمل به ” (1). وذكر نظير ذلك في حق سائر فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية. 2 إن الطائفة سوت بين مراسيل الثلاثة ومسانيد غيرهم، وبما أن المراد من مسانيد الغير، هو الاحاديث المروية عن طرق أصحابنا الامامية، فيجب أن يكون المراد من الثقة الذي يرسل عنه هؤلاء الثلاثة، العدل الامامي، حتى تصح التسوية بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم، وإلا فلو كان المراد منها هو الثقة بالمعنى الاعم، بحيث يشمل الامامي وغيره من فرق الشيعة وغيرهم، لكانت التسوية مخالفا لما حققه واختاره من التفصيل، فلا تصح التسوية إلا إذا كان الثقة الذي يرسل عنه ابن أبي عمير وأضرابه، عدلا إماميا. وعلى ذلك فهؤلاء الاقطاب الثلاثة كانوا ملتزمين بأن لا يرووا إلا عن الثقة بالمعنى الاخص، فلو وجدنا موردا من مسانيد هؤلاء رووا فيه عن ضعيف في الحديث، أو صدوق ولكن مخالف في المذهب، تكون القاعدة منقوضة، فليست نقوض القاعدة منحصرة بالنقل عن الضعاف، بل تعم ما كان النقل عن موثق في الحديث مخالف للمذهب الحق. ولا يخفى أن ما اسنتبطه من كلام الشيخ مبني على ثبوت أحد أمرين: الاول: أن يكون الثقة في مصطلح القدماء من يكون صدوقا إماميا، أو عدلا إماميا، بحيث يكون للاعتقاد بالمذهب الحق دخالة في مفهومها حتى يحمل عليه قوله ” لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به “.


(1) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 379 الطبعة الحديثة. [ * ]

[ 225 ]

الثاني: أن يكون مذهبه في حجية خبر الواحد هو نفس مذهب القدماء، بأن يكون المقتضى في خبر المخالف ناقصا غير تام، ولاجل ذلك لا يعارض خبر الموافق، بخلاف الموافق فإن الاقتضاء فيه تام، فيقدم على خبر المخالف، ولكن يعارض خبر الموافق الآخر. وفي ثبوت كلا الامرين نظر. أما الاول، فلا ريب في إفادتها المدح التام وكون المتصف بها معتمدا ضابطا، وأما دلالتها على كونه إماميا فغير ظاهر، إلا إذا اقترنت بالقرائن، كما إذا كان بناء المؤلف على ترجمة أهل الحق من الرواة وذكر غيره على وجه الاستطراد، ففي مثل ذلك يستظهر كونها بمعنى الامامي، كما هو الحال في رجال النجاشي وغيره. وأما دلالتها على كون الراوي إماميا على وجه الاطلاق فهي غير ثابتة، إذ ليس للثقة، إلا معنى واحد، وهو من يوثق به في العمل الذي نريده منه، فالوثاقة المطلوبة من الاطباء غير ما تطلب من نقلة الحديث. فيراد منها الامين في الموضوع الذي تصدى له. وعلى ذلك يصير معنى الثقة في مورد الرواة من يوثق بروايته، وتطمئن النفس بها لاجل وجود مبادئ فيه تمسكه عن الكذب، وأوضح المبادئ الممسكة هو الاعتقاد بالله ورسله وأنبيائه ومعاده، سواء كان مصيبا في سائر ما يدين، أو لا. نعم نقل العلامة المامقاني في ” مقباس الهداية ” عن بعض من عاصره بأنه جزم باستفادة كون الراوي إماميا من اطلاق لفظ الثقة عليه، ما لم يصرح بالخلاف، كما نقل عن المحقق البهبهاني دلالته على عدالته (1). ولكن كلامها منزل على وجود قرائن في كلام المستعمل تفيد كلا من هذين القيدين، وإلا فهو في مظان الاطلاق لا يفيد سوى ما يتبادر منه عند أهل اللغة والعرف. هذا ولم يعلم كون الثقة في كلام القدماء الذين يحكي عنهم الشيخ


(1) مقياس الهداية: الصفحة 112. [ * ]

[ 226 ]

قوله: ” سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم ” غير معناه المتبادر عند العرف، فإن تفسير ” عمن يوثق به ” بالامامي الصدوق أولا الامامي العادل، يحتاج إلى قرينة دالة عليه. وأما الثاني، فإن ما أفاده الشيخ من التفصيل في أخبار غير الامامي إنما هو مختار نفسه، لا خيرة الاصحاب جميعا، ولاجل ذلك قال عند الاستدلال على التفصيل: ” فأما ما اخترته من المذهب، فهو أن خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالامامة.. الخ ” (1). ثم أخذ في الاستدلال على التفصيل المختار على وجه مبسوط، ويظهر من ثنايا كلامه أن الاصحاب يعملون بأخبار الخاطئين في الاعتقاد مطلقا، حيث قال: ” إذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين وتحرجهم من الكذب ووضع الاحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الائمة عليهم السلام، نحو عبد الله بن بكير، وسماعة بن مهران، ونحو بني فضال من المتأخرين عنهم، وبني سماعة ومن شاكلهم، فإذا علمنا أن هؤلاء الذين أشرنا إليهم وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك، كانوا ثقاتا في النقل، فما يكون طريقه هؤلاء، جاز العمل به ” (2). نعم يظهر من بعض عبائره أن ما اختاره من التفصيل هو خيرة الاصحاب أيضا (3). ومع ذلك كله فلا تطمئن النفس بأن ما اختاره هو نفس مختار قدماء


(1) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 336 الطبعة الحديثة. (2) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 350. (3) لاحظ ما ذكره في عمل الاصحاب بما رواه حفص بن غياث ونوح بن دراج والسكوني في ج 1، الصفحة 380 من عدة الاصول. [ * ]

[ 227 ]

الاصحاب، وعلى ذلك فلا يكون مختاره في حجية خبر الواحد، قرينة على أن المراد من الثقة في قولهم ” لانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ” هو الثقة بالمعنى الاخص، إلا إذا ثبت أن خيرته وخيرة الاصحاب في حجية خبر الواحد سواسية. وعلى ذلك فينحصر النقض بما إذا ثبت رواية هؤلاء عن الضعيف في الرواية، لا في المذهب والاعتقاد ولا أقل يكون ذلك هو المتيقن في التسوية الواردة في كلام الاصحاب. وبذلك يسقط النقض بكثير ممن روى عنه ابن أبي عمير وقد رموا بالناووسية، أو الوقف، أو الفطحية والعامية، وإليك أسامي هؤلاء سواء كانوا ثقات من غير ذلك الوجه أم لا. أما الواقفة فيقرب من ثلاثة عشر شيخا أعني بهم: 1 إبراهيم بن عبد الحميد الاسدي 2 الحسين بن مختار 3 حنان بن سدير 4 داود بن الحصين 5 درست بن أبي منصور 6 زكريا المؤمن 7 زياد بن مروان القندي 8 سماعة بن مهران 9 سيف بن عميرة 10 عثمان بن عيسى 11 محمد بن إسحاق بن عمار 12 منصور بن يونس بزرج 13 موسى بن بكر. وأما الفطحية من مشايخه فنذكر منهم: 14 إسحاق بن عمار الساباطي 15 إسماعيل بن عمار 16 يونس بن يعقوب 17 عبد الله بن بكير 18 خالد بن نجيح جوان (1). وقد روي عن جماعة من العامة فنذكر منهم:


(1) لاحظ في الوقوف على روايته عنهم ” مشايخ الثقات ” القائمة المخصوصة لمشايخه. [ * ]

[ 228 ]

19 مالك بن أنس على ما في فهرس الشيخ في ترجمة مالك 20 محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي المعروف، كما في كمال الدين ص 411. 21 محمد بن يحيى الخثعمي على ما في فهرس الشيخ في ترجمته. 22 أبا حنيفة على ما في الاختصاص ص 109. وقد روى عن بعض الزيدية نظير 23 زياد بن المنذر على ما في فهرس الشيخ. وقد روي عن بعض الناووسية مثل أبان بن عثمان المرمي بالناووسية، وإن كان احلق براءته منها. وعلى الجملة فروايته عن هؤلاء من أجل كونهم من الواقفة والفطحية، أو العامة، لا تعد نقضا إذا كانوا ثقات في الرواية، وإنما تعد نقضا إذا كانوا ضعافا في نقل الحديث. السادس: إن القدر المتيقن من التزامه بكون المروي عنه ثقة، إذا كان روى عنه بلا واسطة، وأما النقل بواسطة فلم يظهر من العبارة التزامه به أيضا، ولاجل ذلك لو ثبت نقله عن غير ثقة بواسطة الثقة فلا يعد نقضا. وبذلك يظهر أن حجية مراسيله مختصة بما إذا أرسل عن واسطة واحدة، كما إذا قال: عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام. وأما إذا علم أن الارسال بواسطتين، فيشكل الاخذ به إلا ببعض المحاولات التي سنشير إليها في خاتمة البحث. السابع: قد عرفت الايعاز على أن الشهيد الثاني استشكل على هذه التسوية كما نقله المحدث النوري في مستدركه وتبعه سبطه صاحب المدارك وولده في المعالم، وقد كان الوالد المغفور له، ينقل عن شيخه ” شيخ الشريعة الاصفهاني ” أنه كان معترضا على هذه التسوية وغير مؤمن بصحتها، وقد صب صاحب معجم الرجال (1) ما ذكره الشهيد، وما أضاف إليه، في قوالب


(1) معجم رجال الحديث: ج 1، الصفحة 68 64. [ * ]

[ 229 ]

خاصة. ونحن نذكر الجميع مع ما يمكن أن يقال في دفعه فقال دام ظله: إن هذه التسوية لا يتم بوجوه: أولا: لو كانت التسوية صحيحة لذكرت في كلام أحد من القدماء فمن المطمأن به أن منشأ هذه العدوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، وقد مر أن مفاده ليس توثيق مشايخهم، ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخص ما ذكره بالثلاثة المذكورين، بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به، وفي الظاهر أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح، ومما يكشف عن أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الاصحاب مبتنية على اجتهاده، أن الشيخ بنفسه رد في مواضع رواية ابن أبي عمير للارسال. وقد عرفت بعض موارد الرد. وفيه: أن قوله ” لو كانت أمرا متسالما عليه لذكرت في كلام أحد من القدماء ” وإن كان صحيحا، إلا أن ما رتب عليه من قوله ” وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر ” غير ثابت، لانه إنما تصح تلك الدعوى لو وصل إلينا شي ء من كتبهم الرجالية، فإن مظان ذكر هذا هو مثل هذه الكتب، والمفروض أنه لم يصل إلينا منها سوى كتاب الكشي الذي هو أيضا ليس أصل الكتاب، بل ما اختاره الشيخ منه، وسوى ” رجال البرقي ” الذي عبر عنه الشيخ في فهرسه ب‍ ” الطبقات الرجال ” وعندئذ كيف يصح لنا أن نقول ” وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر ” ؟ أضف إلى ذلك أنه من الممكن أن الشيخ استنبطها من الكتب الفقهية غير الواصلة إلينا، حيث رأى أنهم يعاملون مراسيلهم عند عدم التعارض معاملة المسانيد، أو يعاملونها معاملة المعارض إذا كان في مقابلها خبر مخالف. وما ذكره من ” أن الشيخ لم يخصه بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به ومن المعلوم أنه لم


[ 230 ]

يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح ” غير تام أيضا، فإن الظاهر أن مراده من ” وغيرهم من الثقات ” هم المعروفون بأنهم لا يروون إلا عنهم، وقد ذكرنا أسماء بعضهم، والمتتبع في معاجم الرجال وفهارسها يقف على عدة كان ديدنهم عدم النقل إلا عن الثقات، ولاجل ذلك كانوا يعدون النقل عن الضعفاء ضعفا في الراوي ويقولون: ” أحمد بن محمد بن خالد البرقي ثقة إلا أنه يروي عن الضعفاء ” وهذا يكشف عن تجنب عدة من الاعاظم عن هذا، ومعه كيف يصح أن يدعي ” ولم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي “. ثم إنه أي فرق بين دعوى الكشي في حق أصحاب الاجماع فتقبل ثم يناقش في مدلولها، ودعوى الشيخ في حق هؤلاء الثلاثة فلا تقبل من رأس وترمي بأنها مستنبطة من كلام الكشي. وأما مخالفة الشيخ نفسه في موارد من التهذيب والاستبصار فقد عرفت وجهه، وأنه ألف جامعيه في أوائل شبابه، ولم يكن عند ذاك واقفا على سيرة الاصحاب في مراسيل هؤلاء، فلاجل ذلك رد مراسيلهم بحجة الارسال. ولكنه وقف عليها بعد الممارسة الكثيرة بكتب الاصحاب الرجالية والفقهية، وكتب وألف كتاب ” العدة ” في أيام الشريف المرتضى (المتوفي عام 436) وهو في تلك الايام يتجاوز الخمسين سنة، وقد خالط الفقه والرجال لحمه ودمه، ووقف على الاصول المؤلفة في عصر الائمة وبعده. وثانيا: فرضنا أن التسوية ثابتة، لكن من المظنون قويا أن منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق، وعدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب إلى القدماء، واختاره جمع من المتأخرين منهم العلامة على ما سيجئ في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبد الله (1) وعليه لا أثر لهذه التسوية


(1) معجم رجال الحديث: ج 2، الصفحة 51. مراجعة. [ * ]

[ 231 ]

بالنسبة إلى من يعتبر الوثاقة (1). وفيه: أن نسبة العمل بخبر كل إمامي لم يظهر منه فسق إلى قدماء الامامية، تخالف ما ذكره عنهم الشيخ في ” العدة “، وهو أبصر بآرائهم حيث قال في ضمن استدلاله على حجية الاخبار التي رواها الاصحاب في تصانيفهم: ” إن واحدا منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف، أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الائمة عليهم السلام ” (2). ترى أنه يقيد عملهم وقبولهم الرواية بكون راويه ثقة والقول بحجية كل خبر يرويه إمامي لم يظهر فسقه، أشبه بقول الحشوية، وقريب من رأيهم في الاخبار ولو كان ذلك مذهب القدامى من الامامية لما صح للسيد المرتضى ادعاء الاتفاق على عدم حجية خبر الواحد فإن ذلك الادعاء مع هذه النسبة في طرفي النقيض. ولو كان بناء القدماء على أصالة العدالة في كل من لم يعلم حاله، فلا معنى لتقسيم الرواة إلى الثقة، والضعيف، والمجهول، بل كان عليهم أن يوثقوا كل من لم يثبت ضعفه، ومن المعلوم ثبوت خلافه. وأما ما نقل عن العلامة في حق أحمد بن إسماعيل من قوله ” لم ينص علماءنا عليه بتعديل ولم يرو فيه جرح، فالاقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض ” (3) فمن الممكن أن يكون اعتماده عليه لاجل ما قاله النجاشي في ترجمته من أن ” له عدة كتب لم ينصف مثلها، وأن أباه كان من غلمان أحمد بن


(1) معجم رجال الحديث: ج 1، ص 65. (2) عدة الاصول: ج 1، الصفحة 338، الطبعة الحديثة. (3) الخلاصة: الصفحة 16. [ * ]

[ 232 ]

أبي عبد الله البرقي وممن تأدب عليه وممن كتبه ” (1) وما قال الشيخ في فهرسه: ” كان من أهل الفضل والادب والعلم وله كتب عدة لم يصنف مثلها فمن كتبه كتاب العباسي، وهو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في أخبار الخلفاء والدولة العباسية مستوفى، لم يصنف مثله ” (2) وقال في رجاله: ” أديب أستاذ ابن العميد ” (3). وهذه الجمل تعرب عن أنه كان من مشاهير علماء الشيعه الامامية وأكابرهم وفي القمة من الادب والكتابة. ومثل ذلك لا يحتاج إلى التوثيق، بل إذا لم يرد فيه جرح يحكم بوثاقته، فإن موقفه بين العلماء غير موقف مطلق الراوي الذي لا يحكم في حقه بشئ إلا بما ورد فيه، وإلا فيحكم بالجهل أو الاهمال، ولاجل ذلك كله كان ديدن العلماء في حق الاعاظم والاكابر هو الحكم بالوثاقة، وإن لم يرد في حقهم التصريح بها، فلاجل ذلك نحكم بوثاقة نظراء إبراهيم بن هاشم والصدوق وغيرهما، وإن لم يرد في حقهم تصريح بالوثاقة. وثالثا: إن إثبات أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، دونه خرط القتاد، فإن الطريق إليه اما تصريح نفس الراوي بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عنه، أو التتبع في مسانيدهم ومشايخهم وعدم العثور على رواية هؤلاء عن ضعيف. أما الاول ; فلم ينسب إلى أحد من هؤلاء إخباره وتصريحه بذلك، وأما الثاني ; فغايته عدم الوجدان، وهو لا يدل على عدم الوجود، على أنه لو تم، فإنما يتم في المسانيد دون المراسيل، فإن ابن أبي عمير قد غاب عنه أسماء من


(1) فهرس النجاشي: الرقم 242. (2) فهرس الشيخ: الصفحة 23. (3) رجال الشيخ: الصفحة 455، الرقم 103. [ * ]

[ 233 ]

روى عنهم، فكيف يمكن للغير أن يطلع عليهم ويعرف وثاقتهم. وفيه: أنا نختار الشق الاول وأنهم صرحوا بذلك، ووقف عليه تلاميذهم والرواة عنهم، ووقف الشيخ والنجاشي عن طريقهم عليه، وعدم وقوفنا عليه بعد ضياع كثير من كتب القدماء من الاصحاب، أشبه بالاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود، كما أن من الممكن أن يقف عليه الشيخ من خلال الكتب الفتوائية من معاملة الاصحاب مع مراسيلهم معامله المسانيد، وعدم التفريق بينهما قيد شعرة. ولنا أن نختار الشق الثاني، وهو التتبع في المسانيد، وما ذكره من أن غايته عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود، غير تام، لانه لو تتبعنا مسانيد هؤلاء ولم نجد لهم شيخا ضعيفا في الحديث، نطمئن بأن ذلك ليس إلا من جهة التزامهم بعدم الرواية إلا عن ثقة، ولم يكن ذلك من باب الصدفة، ولو ثبت ذلك لما كان هناك فرق بين المسانيد والمراسيل، واحتمال وجود الضعاف في الثانية دون الاولى، احتمال ضعيف لا يعبأ به. إلى هنا ثبت عدم تمامية الاشكالات الثلاثة، والمهم هو الاشكال الرابع، وهو ثوبت رواية هؤلاء عن الضعاف، وذلك بالتتبع في مسانيدهم، ومعه كيف يمكن ادعاء أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.


[ 235 ]

نقض القاعدة بالنقل عن الضعاف ذكر صاحب معجم الرجال من مشايخه الضعاف أربعة شيوخ يعني بهم: 1 علي بن أبي حمزة البطائني. 2 يونس بن ظبيان. 3 علي بن حديد. 4 الحسين بن أحمد المنقري. ولو صح نقله عنهم مع ثبوت كونهم ضعافا بطلت القاعدة وإليك تفصيل ذلك: 1 علي بن أبي حمزة البطائني: روى الكليني عن ابن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام الوسواس.. (1). روى الكشي عن ابن مسعود العياشي قال: سمعت علي بن الحسن


(1) الكافي: ج 3، كتاب الجنائز، باب النوادر، الحديث 20، الصفحة 355. [ * ]

[ 236 ]

بن فضال يقول: ابن أبي حمزة كذاب ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت تفسير القرآن من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا (1). أقول: إن علي بن أبي حمزة البطائني من الواقفة، وهو ضعيف المذهب، وليس ضعيفا في الحديث على الاقوى (2) وهو مطعون لاجل وقفه في موسى بن جعفر عليه السلام وعدم اعتقاده بامامة الرضا عليه السلام وليس مطعونا من جانب النقل والرواية، وقد عرفت أن المراد من ” عمن يوثق به ” في عبارة الكشي هو الموثوق في الحديث، فيكفي في ذلك أن يكون مسلما متحرزا عن الكذب في الرواية، وأما كونه إماميا فلا يظهر من عبارة ” العدة ” وعلى ذلك فالنقض غير تام. وأما ما نقل من العياشي في حق ابن أبي حمزة من أنه كذاب ملعون، فهو راجع إلى ابنه، أي الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، لا إلى نفسه، كما استظهره صاحب المعالم في هامش ” التحرير الطاووسي ” (3)، وابن أبي حمزة مشترك في الاطلاق بين الوالد والولد. والشاهد على ذلك أمران: الاول: إن الكشي نقله أيضا في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني. قال (العياشي): سألت علي بن الحسن بن فضال، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، فقال: ” كذاب ملعون رويت عنه أحاديث كثيرة ” فلا يصح القول جزما بأنه راجع إلى الوالد، والظاهر من النجاشي أنه راجع إلى الولد، حيث نقل طعن ابن فضال في ترجمة الحسن.


(1) رجال الكشي: الصفحة 345. (2) لاحظ دلائل الطرفين في تنقيح المقال: ج 2، الصفحة 262، وقد بسط المحقق الكلباسي الكلام فيه في سماء المقال: ج 1، الصفحة 154 134. (3) تنقيح المقال: ج 2، الصفحة 262. [ * ]

[ 237 ]

الثاني: إن علي بن أبي حمزة توفي قبل أن يتولد علي بن الحسن بن فضال بأعوام، فيكف يمكن أن يكتب منه أحاديث، وتفسير القرآن من أوله إلى آخره، وإنما حصل الاشتباه من نقله الكشي في ترجمة الوالد تارة، وترجمة الولد اخرى (1)، وذلك لان علي بن أبي حمزة مات في زمن الرضا عليه السلام حتى أخبر عليه السلام أنه أقعد في قبره فسئل عن الائمة فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي فسئل فوقف، فضرب على رأسه ضربة امتلا قبره نارا (2)، فإذا توفي الرضا عليه السلام عام 203، فقد توفي ابن أبي حمزة قبل ذلك العام. ومن جانب آخر مات الوالد (الحسن بن فضال) سنة أربع وعشرين ومائتين كما أرخه النجاشي في ترجمته. وكان الولد يتجنب الرواية عن الوالد وهو ابن ثمان عشرة سنة يقول: ” كنت اقابله (الوالد) وسني ثمان عشرة سنة بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الروايات ولا أستحل أن أرويها عنه ” ولاجل ذلك روى عن أخويه عن أبيهما. فإذا كان سنه عند موت الوالد ثماني عشرة فعليه يكون من مواليد عام 206، فمعه كيف يمكن أن يروي عن علي بن أبي حمزة توفي في حياة الامام الرضا عليه السلام ؟ وعلى كل تقدير فقد روى ابن أبي عمير كتاب علي بن أبي حمزة عنه، كما نص به النجاشي في ترجمته (3). أقول: إن من المحتمل في هذا المورد وسائر الموارد، أن ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حال استقامته، لان الاستاذ والتلميذ أدركا عصر الامام أبي


(1) رجال الكشي: الصفحة 462، رقم الترجمة 425. (2) رجال الكشي: الصفحة 345. (3) فهرس النجاشي: الرقم 676. [ * ]

[ 238 ]

الحسن الكاظم عليه السلام، قد كان ابن أبي حمزة موضع ثقة منه، وقد أخذ عنه الحديث عندما كان مستقيم المذهب، صحيح العقيدة فحدثه بعد انحرافه أيضا، نعم لو لم يكن ابن أبي عمير مدركا لعصر الامام الكاظم عليه السلام وانحصر نقله في عصر الرضا عليه السلام يكون النقل عنه ناقضا للقاعدة، ولكن عرفت أنه أدركه كلا العصرين. أضف إلى ذلك أنه لم يثبت كون علي بن أبي حمزة من الواقفة، وما اقيم من الادلة فهي معارضة بمثلها أو بأحسن منها، وسيجئ الكلام فيه إجمالا عند البحث عن رواية صفوان عنه فارتقب. 2 يونس بن ظبيان: روى الشيخ عن موسى بن القاسم، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن بريد أو يزيد ويونس بن ظبيان قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان، حتى إذا كان أوان الحج أتي متمتعا، فقال: لا بأس بذلك (1). ويونس بن ظبيان ضعيف، قال النجاشي: ” ضعيف جدا لا يلتفت إلى ما رواه، كل كتبه تخليط ” (2). وقال الكاظمي في التكملة: ” علماء الرجال بالغوا في ذمه ونسبوه إلى الكذب، والضعف، والتهمة، والغلو، ووضع الحديث، ونقلوا عن الرضا عليه السلام لعنه ” (3). والاجابة بوجوه: الاول: الظاهر أن محمد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة إذا انفرد هو


(1) التهذيب: ج 5، الصفحة 32، رقم الحديث 95، كتاب الحج باب ضروب الحج، وكتاب الاستبصار: ج 2، رقم الحديث 513. (2) رجال النجاشي: الصفحة 448، رقم الترجمة 1210 من طبعة جماعة المدرسين بقم. (3) التكملة: ج 2، الصفحة 630. [ * ]

[ 239 ]

بالنقل، ولاجله لم يرو عن يونس بن ظبيان، إلا هذا الحديث فقط، كما هو الظاهر من معجم الرجال عند البحث عن تفصيل طبقات الرواة (ج 22 ص 320). وأما إذا لم يتفرد، كما إذا نقله الثقة وغيره فيروي عنهما تأييدا للخبر. وبعبارة اخرى لا يروي عن الضعيف إذا كان في طول الثقة لا في عرضه. وأما المقام فقد روى عن بريد ويونس بن ظبيان معا. ويونس وإن كان ضعيفا، لكنه كما رواه عنه، رواه عن بريد أيضا كما في نسخة التهذيب والوافي والوسائل، أو عن يزيد كما في نسخة الاستبصار (1) والاول بعيد، لان رواية ابن أبي عمير عن بريد بن معاوية المتوفي في حياة الامام الصادق عليه السلام، قبل (148) بعيدة، فالثاني هو المتعين. ويحتمل أن يكون المراد من ” يزيد ” أبا خالد القماط وهو ثقة يروي عن أبي عبد الله عليه السلام ويروي عنه صفوان، كما في رجال النجاشي، فيصح نقل ابن أبي عمير عنه، كما يحتمل أن يكون المراد منه يزيد بن خليفة الذي هو من اصحاب الصادق عليه السلام، ويروي عنه صفوان أيضا كما في الاستبصار (ج 3، الحديث 372). الثاني: احتمال وجود الارسال في الرواية بمعنى وجود الواسطة بين ابن أبي عمير ويونس، وقد سقطت عند النقل، وذلك لان يونس قد توفي في حياة الامام الصادق عليه السلام، كما يظهر من الدعاء الآتي. وقد توفي الامام عليه السلام عام 148، ومن البعيد أن يروي ابن أبي عمير (المتوفي عام 217) عن مثله، إلا أن يكون معمرا قابلا لاخذ الحديث عن تلاميذ الامام الذين توفوا في حياته، وهو غير ثابت. الثالث: إنه لم يثبت ضعف يونس، لا لما رواه الكشي عن هشام بن سالم، قال: ” سألت أبا عبد الله عليه السلام عن يونس بن ظبيان فقال: رحمه الله وبنى له بيتا في الجنة، كان والله مأمونا في الحديث ” وذلك لان في


(1) لاحظ معجم رجال الحديث: ج 22، الصفحة 114. [ * ]

[ 240 ]

سنده ضعفا، وهو وجود ابن الهروي المجهول، وقد نص به الكشي، بل لرواية البزنطي ذلك الخبر في جامعه بسند صحيح، وقد نقله ابن إدريس في مستطرفاته. وما في معجم رجال الحديث من أن طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي مجهول، فالرواية بكلا طريقيها ضعيفة، غير تام، لان جامعه كسائر الجوامع كان من الكتب المشهورة التي كان انتسابها إلى مؤلفيها أمرا قطعيا، ولم يكن من الكتب المجهولة، كيف وقد كان مرجع الشيعة قبل تأليف الجوامع الثانوية كالكافي وغيره. ولاجل هذه الوجوه الثلاثة لا تصلح الرواية لنقض القاعدة. 3 علي بن حديد: روى الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن بعض أصحابه، عن احدهما عليهما السلام في رجل كانت له جارية فوطئها ثم اشترى امها أو ابنتها، قال: لا تحل له (1). ذكر الشيخ علي بن حديد في رجاله (2) في أصحاب الرضا عليه السلام، وفي الامام الجواد عليه السلام (3)، وفي فهرسه قائلا بأن له كتابا. وقال الكشي في رجاله: ” فطحي من أهل الكوفة، وكان أدرك الرضا عليه السلام ” (4)، وقال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة: ” علي بن حديد بن الحكيم، ضعفه شيخنا في كتاب الاستبصار والتهذيب، لا يعول


(1) التهذيب: ج 7، الصفحة 276، الحديث 1171 من كتاب النكاح الباب 25، والاستبصار: ج 3 الحديث 575، وليس لابن ابي عمير رواية عن علي بن حديد، حسب الظاهر الا هذه الرواية، وهذه قرينة على ان علي بن حديد معاصره، لا المروي عنه فقد روى الحسين عنهما جميعا. لاحظ تفصيل طبقات الرواة لمعجم رجال الحديث: ج 22، الصفحة 293 كما سيوافيك بيانه. (2) رجال الشيخ: الصفحة 282. (3) رجال الشيخ: الصفحة 402. (4) الفهرس: الصفحة 115. [ * ]

[ 241 ]

على ما ينفرد بنقله ” (1). أقول: إن الشيخ ضعفه في موضعين من الاستبصار، أحدهما باب البئر تقع فيها الفأرة وغيرها، فروى فيه عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي ابن حديد، عن بعض أصحابنا قال: ” كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في طريق مكة، فصرنا إلى بئر، فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلوا، فخرج فيه فأرتان.. ” فقال الشيخ: ” فأول ما في هذا الخبر أنه مرسل، وراويه ضعيف، وهذا يضعف الاحتجاج بخبره ” (2). وقال في باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة، في ذيل حديث عباد: ” وأما خبر زرارة فالطريق إليه علي بن حديد، وهو ضعيف جدا لا يعول على ما ينفرد بنقله ” (3). والجواب بوجهين، الاول: لم يثبت ضعف علي بن حديد، بل الظاهر عما رواه الكشي وثاقته، قال في ترجمة هشام بن الحكم: ” علي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن راشد، عن أبي جعفر الثاني قال: جعلت فداك، قد اختلف أصحابنا، فاصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال: عليك بعلي بن حديد، قلت: فآخذ بقوله ؟ قال: نعم، فلقيت علي بن حديد فقلت: نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال: لا ” (4). وقال في ترجمة يونس بن عبد الرحمن: ” آدم بن محمد القلانسي البلخي قال: علي بن محمد القمي قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي، عن يعقوب بن يزيد، عن أبيه يزيد بن حماد، عن أبي الحسن قال:


(1) الخلاصة: الصفحة 234، ونحوه في القسم الثاني المختص بالضعفاء. (2) الاستبصار: ج 1، الصفحة 40 ابواب المياه، باب البئر تقع فيه الفأرة، الحديث 70. (3) الاستبصار: ج 3، الصفحة 95 باب النهي عن بيع الذهب بافضة نسيئة، الحديث 325. (4) رجال الكشي: الصفحة 237، وفي سند المروي في رجال الكشي ضعف. [ * ]

[ 242 ]

قلت اصلي خلف من لا أعرف ؟ فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه، فقلت له: اصلى خلف يونس وأصحابه ؟ فقال: يأبى ذلك عليكم علي بن حديد، قلت: آخذ بقوله في ذلك ؟ قال: نعم، قال: فسألت علي بن حديد عن ذلك، فقال: لا تصل خلفه ولا خلف أصحابه ” (1). وربما يؤيد وثاقته كونه من رجال ” كامل الزيارات ” (2) التي نص ابن قولويه في أوله بأنه يروي عن الثقات في كتابه هذا (3). كما يؤيد وثاقته أيضا كونه من رجال تفسير القمي (4) الذي نص في أول تفسيره بأن رجال تفسيره هذا من الثقات. وسوف يوافيك الكلام في هذين التوثيقين، غير أن تضعيف الشيخ مقدم على ما نقله الكشي، لان في سند روايته ضعفا، فلم يبق إلا كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي. والظاهر تقديم جرح الشيخ على التوثيق العمومي الذي مبناه كونه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي، وسيوافيك الكلام بأن التوثيق العمومي المستفاد من مقدمة الكتابين، على فرض صحته، حجة ما لم يعارض بحجة صريحة اخرى، مضافا إلى ما في نفس هذا التوثيق العمومي الذي نسب إلى الكتابين من الضعف. الثاني: وجود التصحيف في سند الرواية. والظاهر أن لفظة ” عن علي بن حديد ” مصحف ” وعلي بن حديد ” ويدل عليه امور: الف كثرة رواية ابن أبي عمير عن جميل بلا واسطة. قال في معجم رجال الحديث: ” ورواياته عنه تبلغ 298 موردا ” (5) وعلى ذلك فمن البعيد


(1) رجال الكشي: الصفحة 418، ترجمة يونس بن عبد الرحمن. (2) كامل الزيارات: الصفحة 4، الباب 8 في فضل الصلاة في مسجد الكوفة ومسجد السهلة. (3) كامل الزيارات: الصفحة 4، وسيوافيك ان مضمون كلام صاحب كامل الزيارات لا يفيد الا وثاقة مشايخة الذين يروي عنهم بلا واسطة، فلا دلالة لوقوعه في اسناد كامل الزيارات على وثاقة من لا يروي عنه بلا واسطة. (4) راجع تفسير القمي في تفسير قوله تعالى: * (من الجنة والناس) *. (5) معجم رجال الحديث: ج 22، الصفحة 102. [ * ]

[ 243 ]

جدا، أن ابن أبي عمير الذي يروي عن جميل هذه الكمية الهائلة من الاحاديث بلا واسطة، يروي عنه رواية واحدة مع الواسطة، ولاجل ذلك لا تجد له نظيرا في كتب الاحاديث. ب وحدة الطبقة، لان الرجلين في طبقة واحدة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام، ونص النجاشي على رواية علي بن حديد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام (1). ج لم يوجد لابن أبي عمير أي رواية عن علي بن حديد في الكتب الاربعة غير هذا المورد، كما يظهر من قسم تفاصيل طبقات الرواة لمعجم الرجال (2) وهذا يوكد كون علي بن حديد، معطوفا على ابن أبي عمير وأنه لم يكن شيخا له، وإلا لما اقتصر في النقل عنه على رواية واحدة. 4 الحسين بن أحمد المنقري: فقد روى عن ابن أبي عمير، عددا من الروايات جاء في بعضها لفظ المنقري دون الآخر، والقرائن تشهد على وحدتهما. وإليك مجموع ما ورد عنه في الكتب الاربعة: 1 روى الكليني عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري قال: سمعت أبا ابراهيم يقول: من استكفى بآية من القرآن.. (3). 2 روي عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري عن خاله قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أكل طعاما لم يدع إليه فإنه أكل قصعة من النار (4).


(1) فهرس النجاشي: رقم الترجمة 717. (2) معجم رجال الحديث: ج 22، الصفحة 292. (3) الكافي: ج 2 كتاب فضل القرآن، الباب 13، الحديث 18. (4) الكافي: ج 5، كتاب المعيشة، الباب 5، الحديث 5 ورواه الشيخ في التهذيب: ج 9، الحديث 398. [ * ]

[ 244 ]

3 روي في الروضة عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل.. (1). 4 روي أيضا بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد، عن شهاب بن عبد ربه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إن ظننت أن هذا الامر كائن في غد، فلا تدعن طلب الرزق (2). 5 روي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن أحمد المنقري، عن عيسى الضرير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل قتل رجلا متعمدا ما توبته ؟.. (3). وهذا الحديث لم يذكره في معجم الرجال في هذا المقام، لكنه ذكره في ترجمة الحسين بن أحمد المنقري، وربما يتخيل أن ” الحسين ” في الاخير هو المحسن بن أحمد، كما في الفقيه (4) لكنه ضعيف، لان المحسن من أقران ابن أبي عمير، ومن أصحاب الرضا عليه السلام، ومن مشايخ أحمد بن محمد بن خالد، الذي يروي عن ابن أبي عمير بلا واسطة، وعندئذ كيف يصح نقل ابن أبي عمير عن ” المحسن ” ؟ والجواب عن النقض يظهر بالاحاطة بكلمات النجاشي وابن الغضائري في حقه. قال النجاشي: ” الحسين بن أحمد المنقري التميمي أبو عبد الله، روى عن أبي عبد الله عليه السلام رواية شاذة لم تثبت، وكان ضعيفا، ذكر ذلك


(1) الروضة: الحديث 561. (2) الكافي: ج 5، كتاب المعيشة، الباب 5، الحديث 9. (3) الكافي: ج 7، كتاب الديات، الباب 4، الحديث 4. (4) الفقيه: الجزء 4، باب تحريم الدماء والاموال، الحديث 206. [ * ]

[ 245 ]

أصحابنا، رحمهم الله. روي عن داود الرقي وأكثر، له كتب “. وقال الشيخ في الفهرس: ” الحسين بن أحمد المنقري له كتاب رويناه ” (الفهرس: الرقم 216). وعده في رجاله من أصحاب الباقر عليه السلام (الرقم 25)، ومن أصحاب الكاظم عليه السلام قائلا: ” إنه ضعيف ” (الرقم 8). إن كون الرجل من أصحاب الباقر عليه السلام مع إكثاره النقل من داود الرقي، محل تأمل وقد توفي داود الرقي بعد المائتين بقليل بعد وفاة الرضا عليه السلام (سنة 203). وعلى أي تقدير، فالظاهر أن ضعفه راجع إلى العقيدة لا الرواية وذلك لامرين: الاول: إن النجاشي وصفه بقوله: ” روي عن داود الرقي وأكثر ” وقد قال في حق داود ” ضعيف جدا والغلاة تروي عنه “، فيمكن أن يكون هو أحد الغلاة الذين رووا عن داود. الثاني: إن الشيخ ذكر داود الرقي في أصحاب الكاظم عليه السلام، وقال: ” داود الرقي مولى بني أسد وهو ثقة، من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام “،، ومع ذلك نرى ابن الغضائري يقول في حقه: ” داود بن كثير بن أبي خالد الرقي مولى بني أسد، روي عن أبي عبد الله عليه السلام، كان فاسد المذهب، ضعيف الرواية لا يلتفت إليه “. فاتضح أن الطعن فيه لم يكن لاجل كونه غير ثقة في نقل الحديث، بل الطعن لاجل وجود الارتفاع في العقيدة بقرينة إكثار النقل عن داود الرقي، المتهم بالارتفاع في العقيدة، ونقل الغلاة عنه، والكل غير مناف للوثاقة في مقام النقل الذي كان ابن أبي عمير ملتزما فيه بعدم النقل إلا عن الثقة.


[ 246 ]

هذه النقوض هي التي ذكرها صاحب معجم رجال الحديث، وقد عرفت مدى صحتها. ثم إن صاحب مشايخ الثقات جعل ثابتي الضعف منهم خمسة، وهم: 1 الحسين بن أحمد المنقري. 2 علي بن حديد. 3 يونس بن ظبيان. 4 ابوالبخترى وهب بن وهب. 5 عمرو بن جميع. وبعد أن عرفت حقيقة الحال في الثلاثة الاول، فهلم معي نبحث في الاخيرين منهم: ألف: أبوالبختري وهب بن وهب العامي: قال النجاشي: ” وهب بن وهب أبوالبختري، روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكان كذابا، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. قال سعد: تزوج أبو عبد الله عليه السلام بامه، له كتاب يرويه جماعة ” ثم ذكر سنده إليه (1). وليس لابن أبي عمير في الكتب الاربعة رواية عنه إلا ما ورد في صلاة الاستسقاء، ورواها الشيخ بسنده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد ابن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، عن علي عليه السلام أنه قال: مضت السنة إنه لا يستسقي إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء ولا يستسقي في المساجد إلا بمكة (2).


(1) رجال النجاشي: الرقم 1155. (2) التهذيب: ج 3، الحديث 325. [ * ]

[ 247 ]

أقول: يمكن التخلص عن النقض بوجهين: الاول: كون الرجل ثقة عند ابن أبي عمير وقت تحمل الحديث، وهذا كاف في العمل بالالتزام. الثاني: إن أبا البختري كان عاميا، ومن المحتمل أن يكون التزام المشايخ راجعا إلى أبواب العقائد والاحكام الشرعية، وأما ما يرجع إلى أدب المصلي في صلاة الاستسقاء، فلم يكن من موارد الالتزام، ولم يكن في نقل مثل ذلك أي خطر وإشكال فتأمل. ب عمرو بن جميع الزيدي البتري: قال النجاشي: ” عمرو بن جميع الازدي البصري، أبو عثمان، قاضي الري، ضعيف، له نسخة يرويها عنه سهل بن عامر ” ثم ذكر سنده إلى الكتاب (1). أقول: وليس لابن أبي عمير رواية عنه في الكتب الاربعة، بل روى عنه الصدوق في معاني الاخبار، ولا يتجاوز الروايتين: 1 روى الصدوق في معاني الاخبار عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمرو بن جميع قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين (2). 2 وبهذا الاسناد أيضا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مشت امتي المطيطا، وخدمتهم فارس والروم، كان بأسهم بينهم. المطيطا:


(1) فهرس النجاشي: الرقم 769. (2) وسائل الشيعة: ج 4، الباب 8 من أبواب السجود، الحديث 6، نقلا عن معاني الاخبار للصدوق. [ * ]

[ 248 ]

التبختر، ومد اليدين في المشي (1). إن عمرو بن جميع مع ضعفه كان زيديا بتريا، وقد صرح بكونه بتريا أبو عمرو في رجاله، في ترجمة محمد بن إسحاق صاحب المغازي (2). ومن استظهر من عبارة ” العدة ” بأن المشايخ التزموا أن لا يرووا إلا عن إمامي ثقة يكون النقض هنا وفيما تقدم، من جهتين: من جهة المذهب، حيث إن أبا البختري كان عاميا، وعمرو بن جميع كان بتريا، ومن جهة الوثاقة، لكون الرجلين ضعيفين، وعلى المختار يكون النقض من جهة واحدة، وعلى كل تقدير فإحدى الروايتين لا صلة لها بالاحكام الشرعية، وإنما هي نقل تنبؤ عن مستقبل الامة إذا ساد فيهم الكبر والتبختر. نعم الرواية الاخرى تتضمن حكما شرعيا. ولعل ابن أبي عمير كان يعتقد بوثاقته عند التحمل والنقل. ثم ان سيدنا الاستاذ دام ظله أورد على القاعدة نقضا بعدة أشخاص: 1 يونس بن ظبيان. 2 علي بن أبي حمزة. 3 علي بن حديد. 4 أبي جميلة. 5 عبد الله بن قاسم الحضري (3). وقد عرفت الحال في الثلاثة الاول وسيوافيك الكلام في أبي جميلة عند البحث عن مشايخ صفوان الذي عدت رواية عن أبي جميلة نقضا على القاعدة


(1) وسائل الشيعة: ج 8، الباب 63 من ابواب آداب السفر، الحديث 3 نقلا عن معاني الاخبار. (2) رجال الكشي: الصفحة 332. (3) كتاب الطهارة: ج 1، ص 191. [ * ]

[ 249 ]

واليك الكلام في الخامس أعني عبد الله بن قاسم الحضرمي. قال النجاشي: عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل: كذاب غال يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتد بروايته، له كتاب يرويه عنه جماعة (1). وذكره الشيخ في ” الفهرس ” وقال: له كتاب، وذكر سنده إليه، (2) وعنونه في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام قائلا: عبد الله بن القاسم الحضرمي واقفي (3). وقال ابن الغضائري: عبد الله بن القاسم الحضرمي كوفي ضعيف أيضا غال متهافت ولا يرتفع به (4). روى محمد بن أبي عمير عنه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه، عن جده عن علي عليه السلام قال: ” كن لما لا ترجو أرجي منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس لاهله نارا فكلمه الله عزوجل فرجع نبيا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين ” (5). بلاحظ عليه: أولا: من المحتمل، اعتماد النجاشي في تضعيفه إلى تضعيف ابن الغضائري، يعرف عنه تقارب العبارتين، وقد عرفت قيمة تضعيفاته. وثانيا: إن ابن أبي عمير لم يرو عنه إلا رواية واحدة ولا صلة لمضمونها


(1) رجال النجاشي رقم الترجمة 594. (2) فهرس الشيخ رقم الترجمة 465. (3) رجال الشيخ رقم الترجمة 50. (4) الخلاصة، القسم الثاني باب ” عبد الله ” رقم الترجمة 9. (5) الفقيه ج 4 في النوادر رقم الحديث 850. [ * ]

[ 250 ]

بالاحكام ولعله كان ملتزما بأن لا يروي إلا عن ثقة فيما يمت بالحكم الشرعي بصلة لا في الموضوعات الاخلاقية أو التربوية كما هو مورد الحديث. ثالثا: إنه لم يرد في الفقيه توصيفه بالحضرمي فيحتمل كونه ” عبد الله بن القاسم الحارثي وهو وإن كان ضعيفا حيث يصفه النجاشي بالضعف والغلو ويقول: ضعيف غال (1) لكنه أين هو من قوله في الحضرمي ” كذاب “، عندئذ يقوى أن يكون ضعفه لاجل غلوه في العقيدة لا لضعفه في لسانه، وقد عرفت أن التضعيف بين القدماء لاجل العقيدة لا يوجب سلب الوثوق عن الراوي، لان أكثر ما رآه القدماء غلوا أصبح في زماننا من الضروريات في دين الامامية فلاحظ. هذا كله حول أسانيد ابن أبي عمير وحال النقوض التي جاءت في ” معجم رجال الحديث ” و ” مشايخ الثقات ” وغيرهما. غير أن النقوض لا تنحصر فيما ذكر بل هناك موارد اخر، ربما يستظهر منها أن ابن أبي عمير نقل فيها عن الضعفاء، وستجئ الاشارة الكلية إلى ما يمكن الجواب به عن هذه الموارد المذكورة وغير المذكورة. وقد حان وقت البحث عن مشايخ عديله وقرينه وهو صفوان بن يحيى. 2 صفوان بن يحيى بياع السابري (المتوفي عام 210 ه‍) قد تعرفت من الشيخ أن صفوان، أحد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والارسال إلا عن ثقة، وقبل دراسة هذه الضابطة عن طريق أسانيده نأتي بما ذكره النجاشي في حقه. قال: ” صفوان بن يحيى البجلي بياع السابري، كوفي ثقة، ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى هو عن الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة، ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى عليه السلام. وقد توكل للرضا وأبي جعفر عليهما السلام، وسلم


[ 251 ]

مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكانت جماعة الواقفة بذلوا له أموالا كثيرة إلى أن قال: وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته رحمه الله، وصنف ثلاثين كتابا كما ذكر أصحابنا “، ثم ذكر كتبه (1). وقال الشيخ في الفهرس: ” أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث، وأعبدهم، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كل سنة ثلاث مرات “. مشايخه فقد أنهى في ” معجم رجال الحديث ” مشايخه في الكتب الاربعة إلى 140 شيخا، وقد أحصاها مؤلف ” مشايخ الثقات ” فبلغ مشايخه في الكتب الاربعة وغيرها 213 شيخا، والثقات منهم 109 مشايخ، والباقون إما مهمل أو مجهول، وقليل منهم مضعف، وهذا إن دل شئ فإنما يدل على جلالة الرجل وعظمته وإحاطته بأحاديث العترة الطاهرة. ومع ذلك فقد ادعى وجود ضعاف في مشايخه نأتي بما جاء في ” معجم الرجال ” أولا ؟ ثم بما جاء في كتاب ” مشايخ الثقات ” ثانيا. 1 يونس بن ظبيان: روى الشيخ عن موسى بن القاسم، عن صفوان وابن أبي عمير، عن بريد (يزيد) ويونس بن ظبيان قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتى إذا كان أوان الحج.. (2). أقول: مر الجواب عنه بوجوه ثلاثة في البحث السابق فلا نعيد.


(1) رجال النجاشي: الرقم 524، ورجال الكشي: الصفحة 433، طبعة الاعلمي. (2) التهذيب: ج 5، الصفحة 32، الحديث 95 من ابواب ضروب الحج. [ * ]

[ 252 ]

2 علي بن أبي حمزة البطائني: روى الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم صمدي نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على ما يشاء من خلقه. فقال عليه السلام: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، لا يحد، ولا يحس، ولا يجس ولا تدركه الابصار ولا الحواس، ولا يحيط به شئ، ولا جسم ولا صورة، ولا تخطيط ولا تحديد (1). وليس لصفوان بن يحيى رواية عن علي بن أبي حمزة في الكتب الاربعة غير ما ذكر. والجواب من وجهين الاول: ما عرفت أن وزان علي بن أبي حمزة، وزان زياد بن مروان القندي، فالرجلان قد ابتليا بالطعن واللعن، وليس وجهه إلا الانتماء إلى غير مذهب الحق، وهو لا يمنع من قبول روايتهما إذا كانا ثقتين في الرواية، والنجاشي والشيخ وإن صرحا بوقف الرجل وأنه من عمده، ولكنه لا يضر باعتبار قوله إذا كان متجنبا عن الكذب. الثاني: إن أبا عمرو الكشي روى مسندا ومرسلا ما يناهز خمس روايات (2) تدل على انحراف عقيدته، كما روى الشيخ في غيبته ما يدل على أنه تعمد الكذب (3) إلا أن هنا روايات تدل على كونه باقيا على مذهب الامامية، أو أنه رجع عن الوقف وصار مستبصرا وهذه الروايات مبثوثة في غيبة النعماني، وكمال الديمن للصدوق، وعيون أخبار الرضا عليه السلام، بل


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 104 باب النهي عن الجسم والصورة، الحديث 1. (2) رجال الكشي: رقم الترجمة 310 و 332. (3) غيبة الشيخ الطوسي: الصفحة 46، طبعة النجف. [ * ]

[ 253 ]

في رجال الكشي ما يدل على رجوعه عن الوقف، ولاجل هذه المعارضة لا يمكن رمي الرجل بالبقاء على الوقف بقول قاطع. ولاجل إيقاف القارئ الكريم على هذه النصوص نأتي بها: الف: ما رواه أبو زينب في غيبته عن علي بن أبي حمزة، قال: كنت مع أبي بصير ومعناه مولى لابي جعفر الباقر عليه السلام فقال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: منا اثنا عشر محدثنا، السابع من ولدي القائم، فقام إليه أبو بصير فقال: أشهد أني سمعت أبا جعفر، عليه السلام يقوله منذ أربعين سنة (1). ب: روى الصدوق في كمال الدين بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الائمة بعدي إثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على امتي بعدي، المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر (2). ج: روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عن الحسن بن علي الخزاز قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة، ومعه مال ومتاع، فقلنا ما هذا ؟ قال: هذا للعبد الصالح عليه السلام، أمرني أن أحمله إلى علي ابنه عليه السلام وقد أوصى إليه (3). كل ذلك يدل على خلاف ما نسب إليه الكشي من القول بالوقف وقد نقل


(1) الغيبة للنعماني: الصفحة 61، طبعة الاعلمي بيروت. (2) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1، الصفحة 259 الحديث 4 طبعة الغفاري. (3) عيون اخبار الرضا: ج 1 الحديث 4، الصفحة 19 من الطبعة الحجرية القديمة. [ * ]

[ 254 ]

الكشي نفسه ما يظهر منه عناية الامام الرضا عليه السلام (1) به ويصد الانسان عن التسرع في القضاء. خصوصا إذا وقف الانسان على ما رواه الشيخ بسند صحيح في ” التهذيب ” عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، الذي رمى بالوقف مثل أيه، روى أنه قال لابي الحسن (الرضا) عليه السلام: إن أبي هلك وترك جاريتين قد دبرهما، وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير، فما رأيك ؟ فقال: رضي الله عن أبيك، ورفعه مع محمد صلى الله عليه وآله قضاء دينه خير له إن شاء الله (2). ولو صحت هذه الروايات لما صح ما ذكرهخ ابن الغضائري في حق ابن أبي حمزة، أنه أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم. وقد قام الفاضل المعاصر الشيخ غلام رضا عرفانيان، بتأليف رسالة في شأن الاعتبار الروائي لعلي بن أبي حمزة، ونجله الحسن شكر الله مساعيه. والقضاء الصحيح في حق الرواة خصوصا المشايخ منهم، لا يتم بصرف المراجعة إلى كلمات الرجاليين، خصوصا رجال الكشي الذي فيه ما فيه من اللحن والخلط، فلابد من بذل السعي في الروايات الواردة في المجاميع الحديثية. هذا كله حول ” علي بن أبي حمزة ” ومن تتبع الكتب الفقهية يرى أن الاصحاب يأخذون برواياته ويعملون بها إذا لم يكن هناك معارض. وإليك الكلام في باقي النقوض: 3 أبو جميلة خ المفضل بن صالح الاسدي: روى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن صفوان بن يحيى، عن أبي


(1) رجال الكشي: رقم الترجمة 310. (2) التهذيب: ج 8، الصفحة 262 الحديث 953، ولا يخفى أن سؤال الحكم الشرعي عن أبي الحسن عليه السلام يعرب عن اعتقاده بإمامته وكونه كأبيه إماما وقدوة. [ * ]

[ 255 ]

جميلة، عن حميد الصيرفي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل بناء ليس بكفاف فهو وبال على صاحبه يوم القيامة (1). والمراد منه المفضل بن صالح الاسدي الذي عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا: ” المفضل بن صالح أبو على مولى بني أسد، يكنى بأبي جميلة، مات في حياة الرضا عليه السلام ” (2). ولكن النجاشي ضعفه عندما ذكر جابر بن يزيد الجعفي (المتوفي عام 128 ه‍) وقال: ” روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب ” (3). وقال العلامة في الخلاصة ” مفضل بن صالح أبو جميلة الاسدي النحاس مولاهم، ضعيف كذاب، يضع الحديث، روي عن أبي عبد الله وعن أبي الحسن عليهما السلام ” (4). أقول: ليس لصفوان أية رواية عن المفضل في الكتب الاربعة إلا هذه الرواية (5) ومع ذلك كله فلم يثبت ضعفه، أما ما ذكره العلامة فهو مأخوذ عن ابن الغضائري، وإليك نص عبارته: ” المفضل بن صالح أبو جميلة الاسدي النحاس مولاهم، ضعيف كذاب يضع الحديث “. وقد ذكرنا أنه لا اعتبار بتضعيفاته وتعديلاته، لعدم استناده فيهما إلى السماع بل إلى قراءة المتون كما مر غير مرة. وأما ما ذكره النجاشي فمن القريب جدا أن تضعيفه لاجل الاعتقاد فيه


(1) الكافي: ج 6، الصفحة 531 كتاب الزي والتجمل، باب النوادر، الحديث 7. (2) رجال الشيخ: الصفحة 315. (3) فهرس النجاشي: الرقم 332. (4) الخلاصة: الصفحة 258. (5) معجم رجال الحديث: ج 11، الصفحة 431. [ * ]

[ 256 ]

بالغلو، فصار ذلك الاعتقاد مبدءا للتضعيف، ومن تتبع رجاله يقف على أن النجاشي متأثر جدا بطريقة ابن الغضائري، وأن بعض تضعيفاته أو كثيرا منها إذا لم يذكر لها وجها، كان لاعتقاد الغلو في الراوي. وقد عرفت عند البحث عن كتاب ابن الغضائري أن مفهوم الغلو لم يكن محدودا آنذاك، حتى يعرف به الغالي من المقصر. وهذا الاحتمال وإن لم يكن له دليل، إلا أنه مظنون لمن راجع رجال النجاشي. وعلى ذلك فلا يعد تضعيفه نقضا للقاعدة التي استنبطها الاصحاب من طريقة هؤلاء الثقات، والتزامهم بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. 4 عبد الله بن خداش المنقري: روى الكليني عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الله بن خداش المنقري أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل مات وترك ابنته وأخاه، قال: المال للابنة (1). قال النجاشي ” عبد الله بن خداش، أبوخداش المهري ضعيف جدا، وفي مذهبه ارتفاع، له كتاب أخبرناه ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبي، قال حدثنا سلمة بن الخطاب عنه بكتابه ” (2). أقول: إن النجاشي وإن ضعفه، لكن تضعيفه بقرينة قوله ” وفي مذهبه ارتفاع ” لاجل اعتقاده بأنه غال، لا لانه ليس بصدوق. والظاهر كما عرفت أن النجاشي كان متأثرا بابن الغضائري في تضعيف الراوي في بعض الاحيان لاجل كونه راويا لبعض ما يتراءى منه الغلو، حسب عقيدة النجاشي وزميله ابن الغضائري، ومثل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه.


(1) الكافي: ج 7 كتاب المواريث باب ميراث الولد، الحديث 4، ومستدرك الوسائل الجزء 17، الباب 5 من ابواب ميراث الابوين، الحديث 2. (2) رجال النجاشي: الرقم 604. [ * ]

[ 257 ]

أضف إلى ذلك أن الكشي نقل وثاقته عن عبد الله بن أبي عبد الله، محمد بن خالد الطيالسي، فتوثيقه مما يعتنى به. قال الكشي: ” محمد بن مسعود، قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن خالد: (1) أبو خداش، عبد الله بن خداش المهري. ومهرة: محلة بالبصرة وهو ثقة ” ثم نقل عنه أنه كان يقول: ” ما صافحت ذميا قط، ولا دخلت بيت ذمي، ولا شربت دواءا قط، ولا افتصدت ولا تركت غسل يوم الجمعة قط، ولا دخلت على وال قط، ولا دخلت على قاض قط “. وقد اختلف ضبط اسم والده، والمشهور هو بالدال كما في مواضع من رجال الشيخ في أصحاب الكاظم وأصحاب الجواد عليهما السلام، فضبطه بأبي خداش المهري البصري، ولكن ابن داود ذكر أنه رأى في كتاب الرجال للشيخ بخطه في رجال الصادق عليه السلام عبد الله بن خداش البصري. ثم الظاهر أن المنقري هو تصحيف المهري. وقد قال الفيض قده في هامش الوافي: ” الصحيح المهري بفتح الميم والهاء الساكنة قبل الراء مكان المنقري ” 5 معلي بن خنيس: وقد روى عنه صفوان على ما في فهرس الشيخ في ترجمة معلي. قال: ” معلي بن خنيس يكنى أبا عثمان الاحول له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه عن صفوان، عنه ” (2). والاجابة عن هذا النقض واضحة. أما أولا: فقد مر أن المعلي بن خنيس ثقة، وما اثير حوله من الشبهات ليست بتامة، وكفى بذلك ما نقله الشيخ في ” الغيبة ” في حقه، يقول:


(1) المراد منه ابو العباس الطيالسي وقد يكنى بابي محمد فلا تغفل. (2) الفهرس: الرقم 721. [ * ]

[ 258 ]

” وكان معلي بن قوام أبي عبد الله عليه السلام وإنما قتله داود بن علي بسببه، وكان محمودا عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور، فروى عن أبي بصير قال: لما قتل داود بن علي ” المعلي بن خنيس “، فصلبه، عظم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتد عليه وقال له: يا داود، على ما قتلت مولاي وقيمي في مالي وعلى عيالي ؟ والله إنه لاوجه عند الله منك في حديث طويل. وفي خبر آخر أنه قال: أما والله لقد دخل الجنة ” (1). وثانيا: إن المعلي قتل قبل الثالث وثلاثين ومائة، كما مر في بحث مشايخ ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى ممن توفي عام 210، فكيف يمكن له أن ينقل عنه، مع أن بين الوفاتين 77 سنة فما زاد، ولم يكن صفوان من المعمرين الذين عاشوا إلى مائة وأزيد، ولذلك إن من القريب سقوط الواسطة بين صفوان ومعلي بن خنيس. ويشهد على ذلك قول النجاشي في ترجمة معلي بن خنيس: ” له كتاب… أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان، قال: حدثنا علي بن حاتم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن أيوب بن..، عن صفوان بن يحيى، عن أبي عثمان معلي بن زيد الاحول، عن معلي بن خنيس بكتابه ” (2). فيظهر من ذلك أن ما نقلناه آنفا من الفهرس هو ترجمة معلي بن عثمان (أو ابن زيد) الاحول، لا معلي بن خنيس والنسخة محرفة لما عرفت من بعد رواية صفوان عن معلي بن خنيس أولا، ولان ” أبا عثمان ” كنية معلي بن عثمان (أو ابن زيد) كما ذكر النجاشي والشيخ نفسه في رجاله ثانيا. إلى هنا وقفت على حال النقوض المتوجة إلى الضابطة التي نقلها الشيخ


(1) الغيبة (طبعة النجف) الصفحة 210، ولاحظ ما ورد حول قتله من الروايات في تنقيح المقال الجزء الثالث، الصفحة 230. (2) رجال النجاشي: الرقم 1114. [ * ]

[ 259 ]

في حق الفقهاء الثلاثة وليس النقض منحصرا بما ذكره صاحب ” معجم رجال الحديث ” أو مؤلف ” مشايخ الثقات ” بل هناك نقوض اخر يعرف الجواب عنها بالاحاطة بما ذكرناه. وإليك الكلام في أحوال البزنطي الشيخ الثالث، الذي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة. 3 أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي (المتوفي عام 221) قال النجاشي: ” أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد، مولي السكون، أبو جعفر، المعروف بالبزنطي، كوفي لقي الرضا وأبا جعفر عليهما السلام، وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب منها: الجامع قرأناه على أبي عبد الله الحسين بن عبيدالله، قال: قرأته على أبي غالب أحمد بن محمد الزراري، قال حدثني به خال أبي محمد بن جعفر، وعم أبي علي بن سليمان قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه به. وكتاب النوادر إلى أن قال: ومات أحمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر. ذكر محمد بن عيسى بن عبيد أنه سمع منه سنة عشرة ومائتين ” (1) والبزنطي أحد الفقهاء الثلاثة الذين ادعى الشيخ أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. وقد جاء في الكتب الاربعة في أسناد روايات تبلغ زهاء 788 موردا، وقد أنهى صاحب ” معجم رجال الحديث ” مشايخه في الكتب الاربعة وغيرها فبلغ 115 شيخا، والثقات منهم 53 شيخا، والباقي إما مهمل أو مجهول، وقليل منهم مضعف نظراء. 1 المفضل بن صالح: روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن أبي نصر وابن محبوب، جميعا عن المفضل بن صالح، عن


(1) فهرس النجاشي: الرقم 180. [ * ]

[ 260 ]

محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلي إذا أتاه رجل فجلس إليه فلما انصرف، سلم عليه ثم قال: إني أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلا أنت ورجل آخر، قال: ماهي.. الخ (1). وقد تعرفت على حال هذا النقض عند البحث عن مشايخ صفوان فلا نعيد. 2 حسن بن علي بن أبي حمزة: روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: إن أبي هلك وترك جارتين.. الخ (2). وفيه أولا: إن علي بن أبي حمزة ونجله الحسن ومعاصرهما زياد بن مروان القندي، ابتلوا بالشتم والطعن واللعن، لذهابهم إلى الوقف، ولكنه كان راجعا إلى اعتقادهم الفاسد، ولا ينافي وثاقتهم الروائية. وثانيا: إن هناك روايات تدل على رجوع الوالد والولد عن الوقف وصيرورتهما مستبصرين، وقد نقلا النص على إمامة الامام الرضا عليه السلام، ومنها هذه الرواية، فترى أن النجل يذهب إلى الامام الرضا عليه السلام يسأله عن مسألة شرعية راجعة إلى تركة أبيه، ولولا اعتقاده لما كان لسؤاله معنى، وقد عرفت بعض هذه الروايات عند البحث عن النقوض المتوجهة إلى مشايخ ابن أبي عمير، فلا نعيد. 3 عبد الله بن محمد الشامي: روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن


(1) الكافي: ج 4، كتاب الحج، باب بدء البيت والطواف، الحديث 2. (2) التهذيب: ج 8 باب التدبير، الحديث 953، الصفحة 262. [ * ]

[ 261 ]

حسين بن حنظلة، عن أحدهما عليهما السلام قال: أكل الكباب يذهب بالحمى (1). وروى أيضا عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسين بن حنظلة قال: الدباء يزيد في الدماغ (2). وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسين بن حنظلة، عن أحدهما عليهما السلام قال: السمك بذيب الجسد (3). أما وجه النقض فإن عبد الله بن محمد، من رجال كتاب ” نوادر الحكمة ” وقد ضعف عدة من رجالها، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها، منهم عبد الله بن محمد الشامي، وإليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري القمي: ” كان ثقة في الحديث إلا أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شئ، وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى، ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني إلى أن قال: أو عبد الله بن محمد الشامي، أو عبد الله بن أحمد الرازي.. ” (4). أقول: إن عبد الله بن محمد الشامي، الذي يروي عنه محمد بن أحمد ابن يحيى صاحب ” نوادر الحكمة ” غير عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي، فإن الاول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن


(1) الكافي: ج 6 كتاب الاطعمة باب الشواء والكباب، الحديث 4. (2) الكافي: ج 6 كتاب الاطعمة باب القرع، الحديث 4، الصفحة 371. (3) المحاسن: الصفحة 476، الحديث 483. (4) رجال النجاشي: الرقم 939. [ * ]

[ 262 ]

عيسى، قال الشيخ: ” عبد الله بن محمد يكنى أبا محمد الشامي الدمشقي، يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى، وغيره من أصحاب العسكري عليه السلام ” وقال في فصل من لم يرو عنهم عليهم السلام ” عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ” وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب ” نوادر الحكمة “. وأما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، فهو متقدم على سميه بواسطتين: 1 أحمد بن محمد بن عيسى 2 أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وذلك لان ابن عيسى يروي كثيرا عن البزنطي، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي، فلا يمكن أن يكونا شخصا واحدا. وبعبارة اخرى ; توفي مؤلف النوادر حوالي 290، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد 274، أو بعد 280، وتوفي البزنطي 221، فكيف يمكن أن يروي صاحب ” نوادر الحكمة ” عن شيخ البزنظي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة. ولاجل أن يقف القارئ على تعددهما ذاتا وطبقة، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا باب النص علي الرضا عليه السلام قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، ومحمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنهم قالوا حدثمنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري (مؤلف نوادر الحكمة) عن عبد الله بن محمد الشامي، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد الله عليه السلام.. الخ (1). ترى فيه أن عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي


(1) عيون اخبار الرضا، الطبعة الحجرية، الصفحة 16. [ * ]

[ 263 ]

بن أسباط بواسطة، وكان علي بن أسباط معاصرا لعلي بن مهزيار، وقد دارت بينهما رسائل، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي (1) وليسا في طبقة واحدة، فكيف يمكن أن يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر، شيخا للبزنطي ؟ ولاجل ذلك يحكم بتعدد الراويين. 4 عبد الرحمن بن سالم: روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم، عن إسحاق بمن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر.. الخ (2). وروى أيضا بهذا السند عن عبد الرحمن بن سالم، عن مفضل بن عمر قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم.. الخ (3). وروى أيضا عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن سالم، عن مفضل بن عمر قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: من غسل فاطمة عليها السلام ؟.. الخ (4). أقول: ويروي عنه ابن أبي عمير أيضا. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه،


توفي ابن مهزيار في أيام إمامة الامام الحسن العسكري عليه السلام، روى الكليني مكاتبته عنه في الحج لاحظ ج 4، الصفحة 30 باب بلا عنوان بعد باب الحج عن المخالف، وقد تقلد الامام العسكري عليه السلام الحكم بعد وفاة أبيه عام 254 ه‍، وعلى ذلك يكون موت ابن مهزيار حوالي تلك السنة. (2) الوسائل: ج 1 باب 4 من ابواب الوضوء، الحديث 4. (3) الوسائل: ج 2 باب 22 من ابواب غسل الميت، الحديث 1. (4) الوسائل: ج 2 باب 24 من ابواب غسل الميت الحديث 6 والظاهر سقوط الواسطة بين احمد بن محمد بن عيسى، وعبد الرحمن بن سالم وهو احمد بن محمد بن ابي نصر، كما في الاستبصار الرقم (730) ويشهد بذلك السندان السابقان. [ * ]

[ 264 ]

عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: هل يكره الجماع في وقت من الاوقات وإن كان حلالا ؟.. الخ (1). وقع بعنوان ” عبد الرحمن بن سالم ” في أسناد ثلاث وعشرين رواية، فهو يروي عن أبي بصير وأبيه، وإسحاق بن عمار، والمفضل بن عمر، وروى عنه ابن أبي عمير، وابن أبي نصر، والحسن بن ظريف، وسهل بن زياد، ومحمد بن أسلم وغيرهم. قال النجاشي: ” عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الكوفي العطار وكان سالم بياع المصاحف وعبد الرحمن أخو عبد الحميد بن سالم، له كتاب ” ثم ذكر سنده إليه (2) وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام كما عده البرقي من أصحابه (3). ولم يضعفه إلا ابن الغضائري وقال: ” روى عن أبي بصير، ضعيف ” ومن المعلوم أن تضعيفاته غير موثوق بها، لما أوضحنا حالها. حصيلة البحث: قد تعرفت على النقوض المتوجهة إلى الضابطة من جانب المحقق مؤلف ” معجم رجال الحديث ” والفاضل المعاصر مؤلف ” مشايخ الثقات ” وأن شيئا منها لا يصلح لان يكون نقضا للقاعدة، وذلك لجهات شتى نشير إليها: 1 إن كثيرا من هؤلاء الضعاف لم يكونوا مشايخ للثقات، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم، وإنما توهمت الرواية عنهم بسبب وجود ” عن ” مكان ” الواو ” فتصحيف العاطف بحرف الجر، صار سببا لاوهام كثيرة. وقد نبه


(1) الكافي: ج 5 كتاب النكاح باب الاوقات التي يكره فيها الباه، الصفحة 497. (2) فهرس النجاشي: الرقم 629. (3) رجال الشيخ: الرقم 711. [ * ]

[ 265 ]

على هذه القاعدة صاحب ” منتقى الجمان ” كما أوضحناه فتصور العديل استاذا لهم. 2 إن كثيرا ممن اتهم بالضعف، مضعفون من حيث المذهب والعقيدة، لا من حيث الرواية، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على أن المراد من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث لا المذهب، وبعبارة اخرى، كانوا ملتزمين بالنقل عن الثقات سواء كانوا إماميين أم غيرهم. 3 إن منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في الاسم بين المضعف وغيره، كما مر نظيره في عبد الله بن محمد الشامي. 4 إن بعض من اتهم بالضعف لم يثبت ضعفهم أولا، ومعارض بتعديل الآخرين ثانيا. وعلى ضوء ما تقدم، تقدر على الاجابة عن كثير من النقوض المتوجهة إلى الضابطة، التي ربما تبلغ خمسة وأربعين نقضا. وأغلبها مستند إلى سقم النسخ وعدم إتقانها. نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة، وميز الشيخ عن التلميذ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الاسناد التي لم تقابل على النسخ الصحيحة. فابتلاؤنا بكثير من هذه الاشتباهات وليد التقصير في دراسة الحديث، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة، وطبقاتهم ومشايخهم وتلاميذهم، وفقدان النسخ الصحيحة. محاولة للاجابة عن النقوض إن هنا محاولة للاجابة عن هذه النقوض لا بأس بطرحها، وهي: أن شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه وعلي بن


[ 266 ]

إبراهيم في أول كتابيهما بأنهما لا يرويان فيهما إلا عن ثقة. فكما أنه يجب الاخذ بشهادتهما مطلقا، إلا إذا عارضها تنصيص آخر، وعند التعارض إما أن يتوقف، أو يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة إلا إذا ثبت خلافها، أو تعارضت مع نص آخر، فكما أن ثبوت الخلاف في مورد شهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم، لا يضر بالاخذ بقولهما في غير مورده فهكذا المقام. وجه ذلك أن الشهادة الاجمالية في هذه المقامات تنحل إلى شهادات حسب عدد الرواة، فالتعارض أو ثبوت الخلاف في موارد خاصة يوجب عدم الاخذ بها في الموارد التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت. وقد اورد على هذه المحاولة بوجهين: الوجه الاول: أن هذا الجواب إنما يتم لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس هؤلاء الثلاثه ؟ بأن كانوا مصرحين بأنهم لا يروون ولا يرسولن إلا عن ثقة. فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم إلا في صورة التعارض أو ثبوت الخلاف، أما إذا كانت الشهادة مستندة إلى نفس الشيخ، بأن يشهد هو قدس سره بأن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، فعندئذ يكون الوقوف على مشايخ لهم مضعفين بنفس الشيخ، موجبا لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار فلا يبقى لها وثوق. والفرق بين كون الشهادة منتهية إلى نفس الاقطاب الثلاثة، وكونها منتهية إلى نفس الشيخ واضح، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس المشايخ، يكون معناه أنهم شهدوا على أنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة عندهم. فإذا تبين الخلاف، أو تعارض مع تنصيص آخر، يحمل على أنه صدر اشتباها من هؤلاء في هذه الموارد المتبينة، فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه. وهذا لا يضر بالاخذ بها في غير تلك الموارد وكم له من نظائر في عالم الشهادت.


[ 267 ]

وأما إذا كانت الشهادة منتهية إلى نفس الشيخ، وكانت شهادته على أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، مبينة على استقرائه في مشايخهم، فلا تعتد بها إذا تبين الخلاف، واعلم أنهم يروون عن غير الثقة أيضا، إذ عندئذ يتبين أن استقراء الشيخ كان استقراء ناقصا غير مفيد لامكان انتزاع الضابطة الكلية، فلا يصح الاخذ بها لبطلان أساسها. هذا ما يرومه معجم رجال الحديث. وإن كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير، ولكن الاجابة عن هذا الاشكال ممكنة بعد الدقة في عبارة ” العدة “. لان الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة التزامهم بأنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، على وجه كانت القضية مشهورة في الاوساط العلمية قبل زمن الشيخ إلى أن انتهت إليه، فعند ذاك يكون الشيخ حاكيا لهذا الاستكشاف، لا أنه هو الذي كشف ذلك، وادعى الاجماع عليه. ألا ترى أنه يقول: ” سوت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثقه به ” فالطائفة التي سوت بين ما يرويه هؤلاء هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرفها الشيخ، وبذلك يسقط الاشكال عن الصلاحية، لانه كان مبنيا على أن الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء، وبالعثور على مشايخ ضعفهم الشيخ نفسه في كتبه، يكون ذلك دليلا على نقصان الاستقراء. ولكنك عرفت أن احتمال كون الشيخ هو المستكشف، فضلا عن كون استكشافه مبنيا على الاستقراء، أمر لا توافقه عبارة ” العدة. وعلى ذلك يؤخذ بههذ الشهادة، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامة، وإن لم يذكروا في الكتب الرجالية بشئ من الوثاقة والمدح. الوجه الثاني: ربما يقال إن هذه المحاولة إنما تنتج في المسانيد، فيحكم بوثاقة كل من جاء فيها إلا من ثبت ضعفه. وأما المراسيل فلا تجري


[ 268 ]

فيها، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه فعنذئذ لا يمكن الاخذ بها، لانه يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية (1). وأجاب عنه السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه على أساس حساب الاحتمالات، وحاصله: أن الوسيط المجهول إذا افترضنا أنه مردد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة اخرى، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعفة ؟ ؟، وإذا افترضنا أن ثابت الضعف من الاربعمائة هم عشرة، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم ؟ ؟ ومثل هذا الاحتمال لا يضر بالاطمئنان الشخصي، وليس العقلاء ملتمزمين على العمل والاتباع، إذا صاروا مطمئنين مائة بالمائة. ثم إنه قدس سره أورد على ما أجاب به إشكالا هذا حاصله: إن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت الاحتمالات الاربعمائة في الوسيط المجهول، متساوية في قيمتها الاحتمالية، إذ حينئذ يصح أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعفين قيمة ؟ ؟، وإذا فرضنا أن ثابت الضعف عشرة في أربعمائة، كان احتمال كون الوسيط أحدهم ؟ ؟، وأما إذا لم تكن الاحتمالات متساوية، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة، فسوف يختل الحساب المذكور، ويمكن أن ندعي وجود عامل احتمالي، يزيد من قيمة هذا الاحتمال، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل أو بعض أصحابه، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء، وعدم الوثوق بالرواية، يناسب أن يكون المروي عنه أحد اولئك الخمسة، وإلا لما


(1) معجم رجال الحديث: ج 1، الصفحة 80، ومشايخ الثقات: الصفحة 41. [ * ]

[ 269 ]

كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختل الحساب المذكور، ويكون المظنون كون المروي هو أحد الخمسة، لا أحد الباقين، فتنقلب المحاسبة المذكورة (1). ولا يخفى أن الجواب المذكور غير واف لدفع الاشكال، وعلى فرض صحته فالذي اورد عليه غير تام. أما الاول، فلان العقلاء في الامور المهمة، يحتاطون بأكثر من ذلك، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة ؟ ؟ فلو علم العقلاء أن قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية، لا يقدمون على السكنى في أحدها، كما أنه لو وقفوا على أن السيل سيجرف إحدى السيارات التي تبلغ العدد المذكور لا يجرؤون على ركوب أي منها، وهكذا غير ذلك من الامور الخطيرة. نعم الامور الحقيرة التي لا يهتم العقلاء بإضرارها، ربما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتى بأقل من النسبة المذكورة. والشريعة الالهية من الامور المهمة، فلا يصح التساهل فيها، مثل ما يتساهل في الامور غير المهمة. ولاجل ذلك قلنا إن أصل الجواب غير تام. أللهم إلا أن يقال: إن تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة، يكشف عن أنه اكتفى في العمل بالشريعة، بالمراتب النازلة من الاطمئنان، وإلا لما سوغ العمل بقول الثقة على وجه الاطلاق، وليس قول كل ثقة مفيدا للدرجة العليا من الاطمئنان. وأما الثاني، وهو أن الاشكال غير وارد على فرض صحة الجواب، فلان النجاشي يصرح بأن وجه إرساله الروايات، هو أن اخته دفنت كتبه في حال استتاره، وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدث من حفظه ومما كان سلف له في أيدي


(1) مشايخ الثقات: الصفحة 45 44. [ * ]

[ 270 ]

الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله (1). وعلى هذا فقوله ” عن رجل ” وما شاكله، لاجل أنه نسي المروي عنه، وإلا لصرح باسمه، لا كأنه بلغ من الضعف إلى درجة يأنف عن التصريح باسمه، حتى يستقرب بأنه من أحد الخمسة الضعاف. نعم هاهنا محاولة لحجية مراسيلة لو صحت لا طمأن الانسان بأن الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف. وحاصلها أن التتبع يقضي بأن عدد رواياته عن الضعاف قليل جدا بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات، مثلا إنه يروي عن أبي أيوب في ثمانية وخمسين موردا، كما يروي عن ابن اذينة في مائة واثنين وخمسين موردا، ويروي عن حماد في تسعمائة وخمسة وستين موردا، ويروي عن عبد الرحمن بن الحجاج في مائة وخمسة وثلاثين موردا، كما يروي عن معاوية بن عمار في أربعمائة وثمانية وأربعين موردا، إلى غير ذلك من المشايخ التي يقف عليها المتتبع بالسبر في رواياته. وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف إلا رواية أو روايتين أو ثلاثة، وقد عرفت عدد رواياته في الكتب الاربعة عن هذه الضعاف. فإذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف، يطمئن الانسان بأن الواسطة المحذوفة في المراسيل هي من الثقات، لا من الضعاف. ولعل هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الاشكال. نعم لما كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في أبواب الفقه، فلا جرم إن الانسان يذعن بأن بعض الوسائط المحذوفة فيها من الضعفاء.


(1) رجال النجاشي: الرقم 887. [ * ]

[ 271 ]

ولكن مثل هذا العلم الاجمالي أشبه بالشبه غير المحصورة، لا يترتب عليها أثر، كالعلم بأن بعض الاخبار الصحيحة غير مطابق للواقع، ولا صادر عن المعصوم.


[ 273 ]

3 العصابة المشهورة بأنهم لا يروون الا عن الثقات * احمد بن محمد بن عيسى. * بنو فضال كلهم. * جعفر بن بشير البجلي. * محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني. * علي بن الحسن الطاطري. * احمد بن علي النجاشي صاحب الفهرس.


[ 275 ]

قد عرفت حقيقة الحال في ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. هلم معي ندرس حال الباقين ممن قيل في حقهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة، وهم عبارة عن عدة من أجلاء الاصحاب منهم: ألف احمد بن محمد بن عيسى القمي لا شك أن أحمد بن محمد بن عيسى ثقة جليل وثقه النجاشي والشيخ، ونقل العلامة في خلاصته (1) أنه أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي القمي من قم لانه كان يروي عن الضعاف، لكنه أعاده إليها، معتذرا إليه، ولما توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافيا حاسرا ليبرء نفسه مما قذفه به وهذا يدل على أن أحمد بن محمد بن عيسى ما كان يروي عن العاف وإلا لما أخرج سميه ومعاصره من قم، فيعد هذا دليلا على أنه لا يروي إلا عن ثقة. والظاهر بطلان هذا الاستنتاج، لانه لم يخرج البرقي من قم لاجل روايته عن ضعيف أو ضعيفين أو ضعاف معدودة، بل لاجل أنه كان يكثر الرواية عن


(1) الخلاصة: الصفحة 14، طبعة النجف. ونقل النجاشي في فهرسه (الرقم 490) قريبا منه في حق سهل بن زياد الآدمي، وان ابن عيسى اخرجه من قم وكان يشهد عليه بالغلو والكذب. [ * ]

[ 276 ]

الضعاف ويعتمد عليهم. قال الشيخ في ترجمته: ” وكان ثقة في نفسه غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ” (1) وقال العلامة في ” الخلاصة “: ” أصله كوفي ثقة غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل، قال ابن الغضائري: طعن عليه القميون وليس الطعن فيه، إنما الطعن فيمن يروى عنه فإنه كان لا يبالي عمن أخذ على طريقة أهل الاخبار “. والمتحصل من ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى أخذ على البرقي إكثار الرواية من الضعاف، وهو يدل على عدم إكثاره منها لا أنه يروي عن ضعيف قط. أضف إلى ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدة من الضعفاء نظراء: 1 محمد بن سنان: روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العلماء أمناء، والاتقياء حصون (2). ومحمد بن سنان هذا ممن ضعفه النجاشي وقال: ” قال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد: إنه روى عن الرضا عليه السلام قال: وله مسائل عنه معروفة، وهو رجل ضعيف جدا لا يعول عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به، وقد ذكره أبو عمرو في رجاله، قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان: لا احل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان ” (3). 2 علي بن حديد: روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن


(1) فهرس الشيخ: الرقم 55. (2) الكافي: ج 1، كتاب فضل العلم، الباب الثاني، الحديث 5 الصفحة 33. (3) فهرس النجاشي: الرقم 888، ورجال الكشي: الصفحة 428. [ * ]

[ 277 ]

محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ (1). وقد مضى أن علي بن حديد في الضعاف. 3 إسماعيل بن سهل: روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن اسماعيل بمن سهل، عن حماد، عن ربعي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الندم على الشر يدعو إلى تركه (2). وإسماعيل بن سهل هذا ضعفه النجاشي، قال: ” إسماعيل بن سهل الدهقان ضعفه أصحابنا، له كتاب ” (3) وقال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة وابن داود مثله (4). 4 بكر بن صالح: روى الكلبني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح (5). وبكر بن صالح هذا ممن ضعفه النجاشي. قال: ” مولى بني ضبة روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام، ضعيف له كتاب نوادر ” (6).


(1) الكافي: ج 1، كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث 21، الصفحة 59. (2) الكافي: ج 2، كتاب الايمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب، الحديث 7، الصفحة 427. (3) فهرس النجاشي: الرقم 56. (4) الخلاصة: الصفحة 200، ورجال ابن داود: الصفحة 231 وذكراه في القسم الثاني. (5) الكافي: ج 2 باب حسن الخلق، 101، الحديث 12. (6) فهرس النجاشي: الرقم 276. [ * ]

[ 278 ]

وقال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة: ” بكر بن صالح الرازي مولى بن ضبة وروى عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام، ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب ” (1). ب بنو فضال قد استدل على وثاقة كل من روى عنه بنو فضال بالحديث التالي: روى الشيخ في كتاب ” الغيبة ” عن أبي محمد المحمدي قال: وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه قال: سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر (2) بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاى ؟ فقال: أقول فيها ماقاله أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاى ؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (3). وهذه الرواية مما استند إليه الشيخ الانصاري رحمه الله في كتاب صلاته عند ما تعرض لرواية داود بن فرقد وقال: ” روى الشيخ عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي بمقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر.. الخ ثم قال: وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضال صحيح وبنو فضال ممن أمروا بالاخذ بكتبهم ورواياتهم ” (4).


(1) الخلاصة: الصفحة 208 207. (2) هو محمد بن علي الشلمغاني المعروف بان ابي العزاقر وقد خرج التوقيع بلعنه على يد الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح في ذي الحجة من شهور سنة 312 وله كتاب ” التكليف “. (3) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: الصفحة 239 طبعة النجف. (4) صلاة الشيخ الانصاري: الصفحة 1. [ * ]

[ 279 ]

غير أن الاستدلال بهذا الحديث على فرض صحة سنده قاصر، لان المقصود من الجملة الواردة في حق بني فضال هو أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضر بحجية الرواية المتقدمة على الفساد، لا أنه يؤخذ بكل رواياتهم ومراسيلهم ومسانيدهم من غير أن يتفحص عمن يروون عنه، بل المراد أنه يجري على بني فضال الحكم الذي كان يجري على سائر الرواة، فكما أنه يجب التفتيش عنهم حتى تتبين الثقة منهم عن غيرها فهكذا بنو فضال. ج جعفر بن بشير قد استدل المحدث النوري في مستدركه (1) على وثاقة كل من روى جعفر بن بشير عنهم ومن رووا عنه بما ذكره النجاشي في رجاله حيث قال: ” جعفر بن بشير البجلي الوشاء من زهاد أصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة وله مسجد بالكوفة إلى أن قال: مات جعفر رحمه الله بالابواء سنة 208. كان أبو العباس بن نوح يقول: كان يلقب فقحة العلم (2) روى عن الثقات ورووا عنه، له كتاب المشيخة ” (3). ولكن الظاهر أن العبارة غير ظاهرة في الحصر، بل المراد أن جعفر بن بشير يروي عن الثقات كما تروي الثقات عنه، وأما إنه لا يروي عنه إلا الثقات وهو لا يروي إلا عنهم، فلا تفيده العبارة، كيف ومن المستبعد عادة أن لا تروي عنه إلا ثقة وهو خارج عن اختياره، وأقصى ما تفيده العبارة أن القضية غالبية. كيف وقد روى جعفر بن بشير عن الضعيف أيضا.


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة العاشرة، الصفحة 777. (2) هكذا ضبطه في الايضاح على ما نقله قاموسي الرجال والفقحة من النبت الزهرة، كما ضبطه في الخلاصة: الصفحة 32، ورجال ابن داود ب‍ ” قفة العلم “. (3) رجال النجاشي: الرقم 304. [ * ]

[ 280 ]

روى الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن صالح بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة.. إلى آخره. وصالح بن الحكم ممن ضعفه النجاشي وقال: ” صالح بن الحكم النيلي الاحول، ضعيف ” (2). د محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني وقد قيل (3) في حقه ما قيل في حق جعفر بن بشير مستدلا بما ذكره النجاشي في حقه أيضا حيث قال: ” محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني أبو عبد الله ثقة عين روى عن الثقات ورووا عنه ولقي أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ” (4). والمراد من هذه العبارة ما ذكرناه في حق المتقدم عليه. ه‍ علي بن الحسن الطاطري قال الشيخ في ترجمة الرجل: ” كان واقفيا شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الامامية وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلاجل ذلك ذكرناها ” (5). استدل بذيل كلام الشيخ من أن كل من روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة، لان الشيخ شهد على أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم


(1) التهذيب: ج 3 باب الصلاة في السفينة، الحديث 897، الصفحة 296. (2) فهرس النجاشي: الرقم 533. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة العاشرة، الصفحة 777. (4) فهرس النجاشي: الرقم 933. (5) فهرس الشيخ: الصفحة 118 الرقم 392. [ * ]

[ 281 ]

وبروايتهم، ولكن غاية ما يستفاد من هذه العبارة أن الطاطري لا يروي في كتبه إلا عن ثقة، وأما إنه لا يروي مطلقا إلا عن ثقة فلا يدل عليه. وعلى ذلك كلما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري فهو دليل على أن الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية فعندئذ فالسند صحيح إلى آخره، وهذا غير القول بأنه لا يروي إلا عن ثقة، حتى يحكم بصحة كل سند وقع فيه الطاطري إلى أن ينتهي إلى المعصوم، على أن من المحتمل أن يكون كلام الشيخ محمولا على الغالب، فلاحظ كتابه واطمأن بوثاقة كثير من رواة كتابه، فقال في حقه ما قال، والله العالم. نعم هذه التوثيقات في حق هؤلاء الرجال، قرائن ظنية على وثاقة كل من يروون عنه ولو انضمت إليه القرائن الاخر ربما حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه، فلاحظ. وأحمد بن علي النجاشي صاحب الفهرس إن للشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله النجاشي مشايخ معروفة سنشير إليهم، وجده النجاشي هو الذي ولي على الاهواز وكتب إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله فكتب الامام إليه رسالة معروفة بالرسالة الاهوازية التي نقلها السيد محي الدين في أربعينه والشهيد الثاني في كشف الريبة مسندا إليه (1). وقد تقدم ترجمة النجاشي عند البحث عن الاصول الرجالية. ويظهر من الشيخ النجاشي أن كل مشايخه ثقات، بل يظهر جلالة قدرهم وعلو رتبتهم فضلا عن دخولهم في زمرة الثقات، وهذا ظاهر لمن لاحظ كلماته


(1) رواها الشيخ الانصاري عند البحث عن الولاية، لاحظ: الصفحة 60 من المكاسب طبعة تبريز. [ * ]

[ 282 ]

في أحوال بعض مشايخه، وإليك بعض ما قال في حق مشايخه: 1 قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور: ” كوفي كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي ابن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله وليس هذا موضع ذكره ” (1) وتعجبه من روايات شيخيه عن هذا الرجل قرينة على أنه لم يكن يجوز لنفسه الرواية عن غير الثقة في الحديث، والاعتماد في النقل على المنحرف الضعيف، ولكن التعجب من النقل عن واضح الحديث لا يدل إلا على التحرز عن مثله لا عن كل ضعيف كما هو المطلوب، وغاية ما يمكن أن يقال إنه كان محترزا عن مثله لا عمن دونه من الضعفاء. 2 وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري: ” كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره وذكر مصنفاته ثم قال: رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوادي وسمعت عنه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه شيئا وتجنبته وكان من أهل العلم والادب القوي وطيب الشعر وحسن الخط رحمه الله وسامحه ومات سنة 401 ” (2). 3 وقال في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران: ” ابو الحسين العقرائي التمار كثير السماع ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علوا فلم أسمع منه شيئا، له كتاب الرد على الغلاة، وكتاب نفي السهو عن النبي، وكتاب عدد


(1) فهرس النجاشي: الرقم 313. ابو علي محمد بن همام البغدادي (المتوفي عام 333) وابو غالب الزراري هو مؤلف رسالة ابي غالب (المتوفي عام 368) ويروي النجاشي عنهما مع الواسطة كيف وقد تولد النجاشي عام 372 كما تقدم. (2) فهرس النجاشي: الرقم 207. [ * ]

[ 283 ]

الائمة ” (1). 4 وقال في ترجمة أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول: ” كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي وكان في أول أمره ثبتا، ثم خلط ورأيت جل أصحابنا يغمزونه، له كتب إلى أن قال: رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه ” (2). ولعل استثناء ما ترويه الواسطة لاجل أنها كانت تروي عنه حال الاستقامة والثبت، والاعتماد على الواسطة بناء على أن عدالته تمنع عن روايته عنه ما ليس كذلك، كذا وجهه السيد العلامة الطباطبائي، ووجهه المحدث النوري، بأن نقله بالواسطة كان مجرد تورع واحتياط عن اتهامه بالرواية عن المتهمين ووقوعه فيه كما وقعوا فيه (3). 5 وقال في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب أبو نصر المعروف بابن برنية: ” كان يذكر أن امه ام كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري سمع حديثا كثيرا وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس أبي الحسين ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتابا وذكر أن الائمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أن الائمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام. له كتاب في الامامة، وكتاب في اخبار أبي عمرو وأبي جعفر العمريين، ورأيت أبا العباس ابن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه أخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة أربعمائة بمشهد أمير المؤمنين


(1) فهرس النجاشي: الرقم 178. (2) فهرس النجاشي: الرقم 1059. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 504. [ * ]

[ 284 ]

عليه السلام ” (1). قال المحدث النوري: ” ولم يعتمد عليه في كتابه، ولا أدخله في طرقه إلى الاصول والكتب لمجرد تأليفه الكتاب المذكور. قال السيد العلامة الطباطبائي بعدما نقل ما ذكرناه: ويستفاد من ذلك كله غاية احتراز النجاشي وتجنبه عن الضعفاء والمتهمين، ومنه يظهر اعتماده على جميع من روى عنه من المشايخ، ووثوقه بهم، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز، وأن ما قيل في أبي العباس ابن نوح (2) من المذاهب الفاسدة في الاصول لا أصل له، وهذا أصل نافع في الباب يجب أن يحفظ ويلحظ ” (3). 6 ونقل في ترجمة عبيدالله بن أبي زيد أحمد المعروف بأبي طالب الانباري، عن شيخه الحسين بن عبيدالله قال: ” قدم أبو طالب بغداد واجتهدت أن يمكنني أصحابنا من لقائه فأسمع منه فلم يفعلوا ذلك ” (4) وقال المتتبع المحدث النوري: ” إن ذلك يدل على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء وعدم تمكينهم الناس من الاخذ عنهم، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن سابور (5) غرابة ولا للمنع من لقاء الانباري وجه، ويشهد ذلك قولهم (6) في مقام التضعيف: ” يعتمد المراسيل ويروي عن العضعفاء والمجاهيل ” فإن هذا الكلام من قائله في قوة التوثيق لكل من يروي عنه وينبه عليه أيضا قولهم (7) ضعفه أصحابنا أو غمز عليه أصحابنا أو بعض


(1) فهرس النجاشي: الرقم 1185. (2) ابو العباس ابن نوح من مشايخ النجاشي. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 504. (4) فهرس النجاشي: الرقم 617. (5) نقل ذلك في ترجمة جعفر بن مالك حيث تعجب النجاشي من نقل أبي علي ابن همام وابي غالب الزراري عنه. (7 6) والظاهر افراد الضمير في الكل، لان البحث في النجاشي لا في كل عالم رجالي، اللهم الا ان يريد المحدث النوري بهذه العبارة ان هذا المسلك لا يختص بالنجاشي، بل يعم كل من يعبر بهذه الالفاظ. [ * ]

[ 285 ]

أصحابنا من دون تعيين، إذ لولا الوثوق بالكل لما حسن هذا الاطلاق، بل وجب تعيين المضعف والغامز أو التنبيه على أنه من الثقات. ويدل على ذلك اعتذارهم عن الرواية عن الطاطريين وبني فضال وأمثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم، بعمل الاصحاب برواياتهم، لكونهم ثقات في النقل، وعن ذكر ابن عقدة (مع أنه من الزيدية) باختلاطه بأصحابنا وعظم محله وثقته وأمانته وكذا اعتذار النجاشي عن ذكره لمن لا يعتمد عليه، بالتزامه لذكر من صنف من أصحابنا أو المنتمين إليهم، ذكر ذلك في ترجمة محمد بن عبد الملك والمفضل بن عمر ” (1). وهذه الكلمات من الشيخ النجاشي يعرفنا بطريقته وأنه كان ملتزما بأن لا يروي إلا عن ثقة، ولاجل ذلك يمكن أن يقال، بل يجب أن يقال: إن عامة مشايخه ثقات إلا من صرح بضعفه. وقد استخرج المحدث النوري مشايخه في المستدرك فبلغ اثنين وثلاثين ونقله العلامة المامقاني في خاتمة التنقيح (2) ونحن نذكر مشايخه على ما جمعه واستخرجه المحدث النوري شكر الله سعيه. مشايخ النجاشي كما استخرجهم النوري 1 الشيخ المفيد وهو المراد بقوله: شيخنا أبو عبد الله. 2 أبو الفرج الكاتب محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة القنائي، الذي وثقه في الكتاب وأثنى عليه. 3 أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني، الذي أكثر رواياته عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار.


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 504. (2) تنقيح المقال: ج 2، الصفحة 90. [ * ]

[ 286 ]

4 أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمي. القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي. 6 محمد بن جعفر الاديب وقد يعبر عنه ب‍ ” المؤدب ” و ” القمي ” و ” التميمي ” و ” النحوي “. 7 أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي الذي صرح بأنه شيخه ومستنده ومن استفاد منه. 8 أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي. 9 أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز. 10 أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري المعروف. 11 أحمد بن محمد بن عبد الله الجعفي، الذي يروي غالبا عن أحمد ابن محمد بن عقدة الحافظ. 12 أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الاهوازي المعروف بابن الصلت الذي هو من مشايخ الشيخ. 13 والده علي بن أحمد بن علي بن العباس النجاشي. 14 أبو الحسين علي بن احمد بن أبي جيد القمي. 15 أبو القاسم علي بن شبل بن أسد الملقب بالوكيل وهو من مشايخ الشيخ. 16 القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف. 17 الحسن بن أحمد بن إبراهيم.


[ 287 ]

18 أبو محمد الحسن بن أحمد بن الهيثم العجلي الذي قال فيه ” أنه من وجوه أصحابنا “. 19 أبو عبد الله الحسين بن عبيدالله بن ابراهيم الغضائري، الذي هو من أجلاء شيوخ الشيخ. 20 أبو عبد الله الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري. 21 أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية. 22 القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر. 23 أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني. 24 أبو الخير الموصلي سلامة بن ذكا وهو من رجال التلعكبري. 25 أبو الحسن العباس بن عمر بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي مروان الكلوذاني المعروف بابن المروان، الذي أكثر رواياته عن علي ابن بابويه. 26 أبو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبد الله البصري. 27 أبو محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الله الدعجلي. 28 عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي. 29 أبو محمد هرون بن موسى التلعكبري. 30 أبو جعفر أو أبو الحسين محمد هرون التلعكبي. 31 أبو الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي الكاتب الذي روى


[ 288 ]

عنه السيد الاجل المرتضى. 32 أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام (1).


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 503 502. وسقط فيه ك‍: ” أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى “. [ * ]

[ 289 ]

4 كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بلا واسطة في ” نوادر الحكمة “


[ 291 ]

ولتوضيح هذا النوع من التوثيق نقدم مقدمة وهي: أن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري القمي الذي يعد من أجلاء الاصحاب، قد ألف كتابا أسماه ” نوادر الحكمة ” وهو يشتمل على كتب أولها كتاب التوحيد وآخرها كتاب القضايا والاحكام كما ذكره الشيخ في الفهرس (1). والنجاشي يصف الكتاب بقوله: ” لمحمد بن أحمد بن يحيى كتب منها كتاب ” نوادر الحكمة ” وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون ب‍ ” دبة شبيب ” قال: وشبيب فامي كان بقم له دبة ذات بيوت، يعطي منها ما طلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بذلك “. ويعرف شخصيته بقوله: ” محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري القمي كان ثقة في الحديث، إلا أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شئ وكان محمد بن الحسن بن الوليد (2) يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما


(1) فهرس الشيخ: الصفحة 171 170. (2) محمد بن الحسن بن الوليد القمي، جليل القدر، عارف بالرجل، موثوق به، له كتب راجع فهرس الشيخ: الصفحة 184. وقال النجاشي في فهرسه: ” محمد بن الحسن بن احمد بن وليد ابو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ويقال انه نزيل قم وما كان [ * ]

[ 292 ]

رواه عن 1 محمد بن موسى الهمداني، 2 أو ما رواه عن رجل. 3 أو يقول بعض أصحابنا 4 أو عن محمد بن يحيى المعاذي 5 أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني 6 أو عن أبي عبد الله السياري 7 أو عن يوسف بن السخت 8 أو عن وهب بن منبه 9 أو عن أبي علي النيشابوري 10 أو عن أبي يحيى الواسطي 11 أو عن محمد بن علي أبي سمينة 12 أو يقول في حديث أو كتاب ولم أروه 13 أو عن سهل بن زياد الآدمي 14 أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع 15 أو عن أحمد بن هلال 16 أو محمد بن علي الهمداني 17 أو عبد الله بن محمد الشامي 18 أو عبد الله بن أحمد الرازي 19 أو أحمد بن الحسين بن سعيد 20 أو أحمد بن بشير الرقي 21 أو عن محمد بن هارون 22 أو عن مموية بن معروف 23 أو عن محمد بن عبد الله بن مهران 24 أو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي 25 وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك 26 أو يوسف بن الحارث 27 أو عبد الله بن محمد الدمشقي (1). طبقته في الحديث يروي هو عن مشايخ كثيرة، منهم ابن أبي عمير (المتوفي عام 217) وأحمد بن أبي نصر البزنطي (المتوفي عام 221) وأحمد بن خالد البرقي (المتوفي عام 274 أو 280). ويروي عنه أحمد بن إدريس الاشعري (المتوفي عام 306) وسعد بن عبد الله القمي (المتوفي عام 299 أو 301).


اصله منها ثقة ثقة عين مسكون إليه مات سنة 343 ” اقول: وهو شيخ الصدوق الذي قال في حقه انه يسكن إليه في تصحيحاته وتضعيفاته، فكل ما صححه ابن الوليد فهو صحيح وما ضعفه فهو ضعيف. لاحظ الفقيه ج 2 باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة ذيل الحديث 241. (1) هؤلاء الجماعة استثناها ابن الوليد عن مشايخ مؤلف نوادر الحكمة ومعناه ان غير هؤلاء الواردين في ذلك الكتاب ممن روى عنهم بلا واسطة محكوم بالصحة ” رجال النجاشي: الرقم 939 “. [ * ]

[ 293 ]

والرجل من أساتذه الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث. وزاد الشيخ في الفهرس: 28 جعفر بن محمد الكوفي 29 والهيثم بن عدي. غير أن أبا العباس بن نوح قال: ” وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه (1) لانه كان علي ظاهر العدالة والثقة ” (2). فاستدلوا بأن في استثناء المذكورين وبالاخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حق محمد بن عيسى بن عبيد الذي يدل على التزامهم بإحراز العدالة في الراوي، شهادة على عدالة كل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثن روايته (3). وباختصار قالوا باعتبار كل من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استنثاه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد عنه، فإن اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة. والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كل من جاء اسمه في أسناد ذلك الكتاب منتهيا إلى الامام. نظرنا في الموضوع يستفاد من هذه الكلمات أن مشايخه في الحديث المذكورين في رجال


(1) في بعض النسخ ” رأيه ” والظاهر ما أثبتناه من الريب بمعنى الشك، أي ما لاذي أوجد الشك في حقه. (2) فهرس النجاشي: الرقم 939. (3) لاحظ تكلمة الوحيد البهبهاني وغيره. [ * ]

[ 294 ]

نوادر الحكمة غير من استثنى، محكوم بالوثاقة والعدالة عند هؤلاء الثلاثة (أعني ابن الوليد وابن نوح والصدوق لاجل اعتماد الاخير على تعديل ابن الوليد وجرحه في عامة الموارد) وتوثيقاتهم حجة ما لم تعارض بتضعيف آخر. وربما يورد عليه بأن اعتماد ابن الويد أو غيره من الاعلام المتقدمين، فضلا عن المتأخرين، على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أن الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العداة، ويرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجية خبره (1). ولا يخفى أن ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما نقله النجاشي في فهرسه عن ابن نوح فإنه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال: ” لا أدري ما رابه فيه أي ما هو السبب الذي أوقعه في الشك فيه لانه كان على ظاهر العدالة والثقة ” والمتبادر من العبارة أن الباقين ممن قد أحرزت عدالتهم ووثاقتهم، لا أن عدالتهم كانت محرزة بأصالة العدالة. وأضعف من ذلك ما ذكرخه ” لعله كان يرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ” فإن هذا الاحتمال لا يناسب العبارة. ويوضح هذا النظر ما ذكره الصدوق في مورد من الفقيه حيث قال: ” كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه، ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا غير ثقة، وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح “. وقال أيضا: ” كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي


(1) معجم رجال الحديث: ج 1 الصفحة 86، طبعة النجف، والصفحة 74 طبعة بيروت. [ * ]

[ 295 ]

الله عنه سيئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي، راوي هذا الحديث، وإني قد أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لانه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي ” (1). فإن هذه التعابير تشعر بأن توصيف الباقين بالوثاقة، والمستثنين بالضعف كان بالاحراز بالاعتماد على أصالة العدالة في كل راو أو على القول بحجية قول كل من لم يظهر منه فسق. أضف إليه أنه لو كان المناط في صحة الرواية هذين الاصلين، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق أو تضعيف شيخه ابن الوليد، لان نسبة الاصل إلى الاستاذ والتلميذ سواسية. هذا وإن العلامة المامقاني نقل عن الحاوي: أن استثناء اولئك الجمع لا يقتضي الطعن فيهم، لان رد الرواية أعم من الطعن لا سيما محمد بن عيسى حيث قبل روايته باسناد غير منقطع (2). والظاهر خلافه، ولاجل كون الاستثناء دليلا على الطعن تعجب ابن نوح استثناء محمد بن عيسى بن عبيد، مع كونه ظاهر العدالة والوثاقة نعم لم يرد رواية محمد بن عيسى مطلقا إلا فيما إذا كانت أسنادها منقطعة. هذا وإن صاحب ” قاموس الرجال ” فسر ” انقطاع الاسناد ” بما إذا كان متفردا بالرواية ولم يشاركه فيها غيره، واستشهد على ذلك بقول ابن الوليد في موضع آخر، قال في كتب يونس: ” ما لم يتفرد محمد بن عيسى بروايتها عنه، صحيحة وليس محمد بن عيسى متفردا بهذا الشرط بل روايات الحسن


(1) عيون اخبار الرضا: ج 2 باب في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المنثورة ذيل الحديث 45، طبع طهران. (2) تنقيح المقال: ج 2 الصفحة 76 في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى الاشعري القمي. [ * ]

[ 296 ]

اللؤلؤي ومحمد بن اورمة كذلك ” (1). وهذا التوجيه مما يأباه ظاهر العبارة أعني قوله: ” منقطع الاسناد ” والظاهر هو انقطاع الاسناد بين محمد بن أحمد بن يحيى ومحمد بن عيسى ولاجل ذلك يروي النجاشي كتب محمد بن عيسى بن عبيد عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن الحميري، عن محمد بن عيسى بن عبيد (2). وقد أضاف الشيخ إلى ” منقطع الاسناد ” قوله ” يتفرد به ” وهذا يدل على تغايرهما. وعلى كل تقدير فبعض اولئك المستثنين كالحسن اللؤلؤي ممن وثقه النجاشي، ولابد من إعمال قواعد التعارض في التوثيق والتضعيف. وعلى كل تقدير فكون الرجل من مشايخ مؤلف كتاب ” نوادر الحكمة ” يورث الظن أو الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء المستثنين، فلاحظ.


(1) قاموس الرجال: ج 8، الصفحة 41. (2) فهرس النجاشي: الرقم 896. [ * ]

[ 297 ]

5 ما وقع في اسناد كتاب ” كامل الزيارة “


[ 299 ]

لا شك أن مؤلف كامل الزيارات (وهو الشيخ الاقدم والفقيه المقدم الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه المتوفي سنة 367 أو 369 على احتمال والمدفون بالكاظمية في الرواق الشريف، وفي محاذاة تلميذه الشيخ المفيد) أحد أجلاء الاصحاب في الحديث والفقه، ووصفه النجاشي (1) في فهرسه بأنه من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الفقه والحديث، وتوارد عليه النص بالوثاقة في فهرس الشيخ (2) والوجيزة، والبحار، وبلغة الرجال، للشيخ سليمان الماحوزي، والمشتركات للشيخ فخر الدين الطريحي، والمشتركات للكاظمي، والوسائل، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي، في ترجمة أخيه، والسيد رضي الدين ابن طاوس وغيرهم من الاعلام (3).


(1) فهرس النجاشي: الرقم 318 وقال: كل ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه، وله كتب حسان. (2) الفهرس: الرقم 141 وذكر الشيخ في رجاله انه مات سنة 368، وقال العلامة في الخلاصة: انه مات سنة 369 ويحتمل كون التسع مصحف ” السبع “. (3) لاحظ مقدمة كامل الزيارة بقلم العلامة محمد علي الغروي الاردوبادي، فقد حقق احوال المترجم ونقل عبائر العلماء في حقه، وقال النجاشي: ” روى عن ابيه واخيه عن سعد ” ومراده سعد بن عبد الله الاشعري القمي (المتوفي 301 وقيل 299) ولم يرو هو عن سعد الا حديثين كما في فهرس النجاشي في ترجمة سعد الرقم 467، أو اربعة احاديث كما في ترجمة نفسه الرقم 318. [ * ]

[ 300 ]

وكتابه هذا من أهم كتب الطائفة واصولها المعتمد عليها في الحديث، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدثين، وهو من مصادر الشيخ الحر العاملي في وسائله، وعدة فيه من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وقامت القرائن على ثبوتها، وعلم بصحة نسبتها إليه، وذكره النجاشي في فهرسه بعنوان كتاب ” الزيارات ” كما ذكره الشيخ في الفهرس بعنوان ” جامع الزيارات ” وعبر عنه في بقية الكتب باسم ” كامل الزيارة “. وهو قدس سره ذكر في مقدمة كتابه ما دعاه إلى تصنيف كتابه في هذا الموضوع، ثم قال: ” ولم اخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ماروي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين، غير المعروفين بالرواية، المشهورين بالحديث والعلم، وسميته كتاب ” كامل الزيارات ” وفضلها وثواب ذلك ” (1). وربما يستظهر من هذه العبارة أن جميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث ذلك الكتاب ممن روي عنهم إلى أن يصل إلى الامام من الثقات عند المؤلف، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يعد كل من جاء في أسناد هذا الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ابن قولويه. وقد وضع الشيخ الفاضل محمد رضا عرفانيان فهرسا في هذا الموضوع فاستخرج أسامي كل من ورد فيها فبلغت 388 شخصا. وقد أشار بما ذكرنا الشيخ الحر العاملي في الفائدة السادسة من خاتمة الكتاب وقال: ” وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره، وأنها


(1) مقدمة كامل الزيارة: الصفحة 4. [ * ]

[ 301 ]

مروية عن الثقات عن الائمة وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فإنه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره ” (1). وذهب صاحب معجم رجال الحديث إلى أن هذه العبارة واضحة الدلالة على أنه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا، ثم أبد كلامه بما نقلناه عن صاحب الوسائل، ثم قال: ” ما ذكره صاحب الوسائل متين فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته، اللهم إلا أن يبتلى بمعارض ” (2). أقول: أما رواة تفسير القمي فسيوافيك الكلام في نفس الكتاب، وأنه لم يثبت أن مجموع التفسير من تأليفه، وأما ادعاء دلالة العبارة المذكورة في مقدمة ” كامل الزيارات ” على أنه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله فغير تام. والحق ما استظهره المحدث المتتبع النوري، فقد استظهر منه أنه نص على توثيق كل من صدر بهم سند أحاديث كتابه، لا كل من ورد في أسناد الروايات، وبالجملة يدل على توثيق كل مشايخه لا توثيق كل من ورد في أسناد هذا الكتاب وقد صرح بذلك في موردين: الاول: في الفائدة الثالثة من خاتمة كتابه المستدرك (ج 3، ص 523 522) قال: إن المهم في ترجمة هذا الشيخ العظيم استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف، فإن فيه فائدة عظيمة لم تكن في من قدمنا من مشايخ الاجلة، فإنه رحمه الله قال في أول الكتاب: وقال بعد نقل عبارته في مقدمة الكتاب على النحو الذي نقلناه: ” فتراه نصا على توثيق كل من روي عنه فيه، بل كونه من المشهورين في الحديث والعلم، ولا فرق في


(1) الوسائل: الجزء 20، الصفحة 68. (2) معجم رجال الحديث: ج 1، الصفحة 50. [ * ]

[ 302 ]

التوثيق بين النص على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاص، وكفى بمثل هذا الشيخ مركبا ومعدلا “. الثاني: في الفائدة العاشرة (ج 3، ص 777) وقال: ” من جملة الامارات الكلية على الوثاقة كونها من مشايخ جعفر بن قولويه في كتابه كامل الزيارات “. وعلى أي تقدير فيدل على المختار امور: 1 إنه استرحم لجميع مشايخه حيث قال: ” من أصحابنا رحمهم الله برحمته ” ومع ذلك نرى أنه روى فيه عمن لا يستحق ذلك الاسترحام، فقد روى في هذا الكتاب عن عشرات من الواقفة والفطحية وهل يصح لشيخ مثل ابن قولويه أن يسترحمهم ؟ 2 روى في الباب الثامن في فضل الصلاة في مسجد الكوفة عن ليث بن أبي سليم وهو عامي بلا اشكال (1). كما روى عن علي بن أبي حمزة البطائني المختلف فيه، فقد روى عنه في هذا الكتاب في الصفحات التالية: 246 119 108 84 63 (294 248.) كما روى عن حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني في الصفحات التالية 100 49. كما روى عن عمر بن سعد في الصفحات التالية 90 72 71 93. (2).


(1) كامل الزيارة: الباب 8، الصفحة 31. (2) وربما يتوهم ان المراد منه هو عمر بن سعد الوقاص وليس بصحيح. كيف وهو من مشايخ نصر بن مزاحم (المتوفي عام 212) وفي بعض النسخ ” عمرو بن سعد ” وفي آخر ” عمر بن سعيد ” = [ * ]

[ 303 ]

كما روى فيه عن بعض امهات المؤمنين التي لا يركن إلى حديثها (الصفحة 31، الباب الثامن، الحديث 16). 3 القدماء من المشايخ كانوا ملتزمين بأن لا يأخذوا الحديث إلا ممن صلحت حاله وثبتت وثاقته، والعناية بحال الشيخ كانت أكثر من عنايتهم بمن يروي عنه الشيخ، قد عرفت التزام النجاشي بأن لا يروي إلا عن شيخ ثقة، لا أن يكون جميع من ورد في سند الرواية ثقات. ولاجل ذلك كانت الرواية بلا واسطة عن المجاهيل والضعفاء عيبا، وكانت من أسباب الجرح، ولم يكن نقل الرواية المشتملة على المجهول والضعيف جرحا. كل ذلك يؤيد ما استظهره المتتبع النوري رحمه الله. ثم إن أكثر أحاديث الكتاب يرويه المؤلف عن أبيه محمد بن جعفر. قال النجاشي: ” كان أبوه من خيار أصحاب سعد (1) وأصحاب سعد أكثرهم ثقات كعلي بن الحسين بن بابويه (والد الصدوق) ومحمد بن الحسن بن الوليد (شيخ الصدوق) وحمزة بن القاسم ومحمد بن يحيى العطار القمي “. والوالد هو المدفون بقم في مقبرة ” شيخان ” فلاحظ. وأما اخو المؤلف فهو أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر، ونقل عنه في الكتاب كثيرا. قال النجاشي: ” روى الحديث ومات حدث السن لم يسمع منه، له كتاب فضل العلم وآدابه، أخبرنا محمد والحسين بن هدية، قالا: حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه، قال: حدثنا أخي به ” (2).


واحتمل العلامة الاميني في تعاليقة ان الراوي هو عمرو بن سعيد المدائني الساباطي الثقة الراوي عن الامام الرضا عليه السلام والظاهر انه عمر بن سعد من مشايخ نصر. (1) فهرس النجاشي: الرقم 318. (2) فهرس النجاشي: الرقم 685. [ * ]

[ 304 ]

وإذا كان الحق ما استظهره المحدث النوري، وأن العبارة لا تدل إلا على وثاقة مشايخه فعلينا بيان مشايخه التي لا تتجاوز 32 شيخا حسب ما أنهاهم المحدث النوري وإليك أسماؤهم: 1 والده محمد بن قولويه الذي هو من خيار أصحاب سعد بن عبد الله (المتوفي عام 299). 2 أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين الزعفراني نزيل بغداد. 3 أبو الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان الجعفي الكوفي، المعروف بالصابوني صاحب كتاب الفاخر في الفقه. 4 ثقة الاسلام الكليني. 5 محمد بن الحسن بن الوليد. 6 محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار. 7 أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن القرشي الرزاز (المتولد عام 233، المتوفي سنة 316). 8 محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي. 9 الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى يروي عنه، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب. 10 أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه. 11 أخوه علي بن محمد بن قولويه. 12 أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن موسى بن جعفر الموسوي العلوي. 13 أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة الرقي بن هاشم بن


[ 305 ]

غالب بن محمد بن علي الرقي الانصاري. 14 محمد بن عبد المؤمن المؤدب القمي الثقة صاحب النوادر. 15 أبو الحسن علي بن حاتم بن أبي حاتم القزويني. 16 علي بن محمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار الصيرفي (المتوفي سنة 332). 17 أبو الحسن علي بن الحسين السعد آبادي القمي الذي يروي عنه الكليني. 18 أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب البغدادي، شيخ الطائفة ووجهها المولود بدعاء العسكري عليه السلام (المتوفي سنة 332). 19 أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعد التلعكبري الشيباني (المتوفي سنة 385). 20 القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية المقدسة بهمدان. 21 الحسن بن زبرقان الطبري. 22 أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي بكر الاشعري القمي، الذي أكثر الكليني من الرواية عنه. 23 أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الاشعري القمي (المتوفي سنة 306). 24 أبو عيسى عبيدالله بن فضل بن محمد بن هلال الطائي البصري، وفي بعض النسخ ” عبد الله “. 25 حكيم بن داود بن حكيم يروي عن سلمة بن خطاب.


[ 306 ]

26 محمد بن الحسين وفي بعض المواضع، الحسن بن مث الجوهري. 27 محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب. 28 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب بن اسحاق بن عمار. 29 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب. واحتمل المحدث النوري اتحاده مع سابقه بل اتحاد الثلاثة الواردة في الارقام 27، 28، 29. 30 أبو عبد الله الحسين بن علي الزعفراني. 31 أبو الحسين أحمد بن عبد الله بن علي الناقد. 32 أبو الحسن محمد بن عبد الله بن علي (1).


(1) مستدرك الوسائل ج 3 الصفحة 523. [ * ]

[ 307 ]

6 ما ورد في اسناد تفسير القمي


[ 309 ]

ربما يستظهر أن كل من وقع في أسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم السلام ثقة، لان علي بن إبراهيم شهد بوثاقته، وإليك عبارة القمي في ديباجة تفسيره قال: ” نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم، وأوجب رعايتهم، ولا يقبل العمل إلا بهم ” (1). وقال صاحب الوسائل: ” قد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره، وأنها مروية عن الثقات عن الائمة ” (2). وقال صاحب معجم رجال الحديث معترفا بصحة استفادة صاحب الوسائل: ” إن علي بن إبراهيم يريد بما ذكره، إثبات صحة تفسيره وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام وأنها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة، كما زعمه بعضهم ” (3).


(1) تفسير علي بن ابراهيم القمي: الجزء 1، ص 4. (2) الوسائل: الجزء 20، الفائدة السادسة، الصفحة 68. (3) معجم رجال الحديث: الجزء 1، المقدمة الثالثة، الصفحة 50 49. [ * ]

[ 310 ]

وتحقيق الحق يستدعي بيان امور: 1 ترجمة القمي إن علي بن إبراهيم بن هاشم أحد مشايخ الشيعة في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، وكفى في عظمته أنه من مشايخ الكليني، وقد أكثر في الكافي الرواية عنه، حتى بلغ روايته عنه سبعة آلاف وثمانية وستين موراد (1) وقد وقع في أسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة واربعين موردا (2). وعرفه النجاشي بقوله: ” علي بن إبراهيم، أبو الحسن القمي، ثقة في الحديث، ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فأكثر وصنف كتبا ” (3). وقال الشيخ الطوسي في الفهرس: ” علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، له كتب: منها كتاب التفسير، وكتاب الناسخ والمنسوخ ” (4). 2 مشايخه 1 إبراهيم بن هاشم ورواياته عنه تبلغ ستة آلاف ومائتين وأربعة عشر موردا. 2 صالح بن السندي ورواياته عنه تبلغ ثلاثة وستين موردا. 3 محمد بن عيسى ورواياته عنه تبلغ أربعمائة وستة وثمانين موردا. 4 محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ورواياته عنه تبلغ اثنين وثمانين موردا. 5 هارون بن مسلم ورواياته عنه تبلغ ثلاثة وثمانين موردا.


(1) معجم رجال الحديث: الجزء 18، الصفحة 54 في ترجمة الكليني، الرقم 12038. (2) معجم رجال الحديث: الجزء 11، الصفحة 194 في ترجمته، الرقم 7816. (3) رجال النجاشي: الصفحة 260، الرقم 680. (4) الفهرس: الصفحة 115، الرقم 382. [ * ]

[ 311 ]

إلى غير ذلك من المشايخ التي أنهاها صاحب معجم رجال الحديث في الجزء 11، الصفحة 195. 3 طبقته في الرجال كان في عصر أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام وبقي إلى سنة 307 فإنه روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم سنة 307 (1). وحمزة بن محمد ترجمه الشيخ في باب من لم يرو عنهم، بقوله: ” حمزة بن محمد القزويني العلوي، يروي عن علي بن إبراهيم ونظرائه وروى عنه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ” (2). وفي بعض أسانيد ” الامالي ” و ” كمال الدين ” هكذا: حدثنا حمزة بن محمد إلى قوله: ” بقم في رجب 339 قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم فيما كتبه إلي في سنة سبع وثلاثمائة “. 4 تعريف للتفسير التفسير المنسوب إلى القمي تفسير روائي، وربما جاءت فيها أنظار عن نفس علي بن ابراهيم بقوله: قال علي بن إبراهيم.. أورد في أول تفسيره مختصرا من الروايات المبسوطة المسندة المروية عن الامام الصادق عليه السلام عن جده أمير المؤمنين عليه السلام في بيان أنواع علوم القرآن. ثم إن محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني، تلميذ ثقة الاسلام


(1) عيون اخبار الرضا عليه السلام: الصفحة 161، الطبعة القديمة. (2) رجال الشيخ الطوسي: الصفحة 469 468 في باب من لم يرو عنهم. [ * ]

[ 312 ]

الكليني، مؤلف كتاب ” الغيبة ” رواها باسناده إلى الامام، وجعلها مقدمة تفسيره، وقد دونت تلك المقدمة مفردة مع خطبة مختصرة وسميت ” المحكم والمتشابه ” وطبع في ايران، وربما ينسب إلى السيد المرتضى، وطبع تلك المقدمة مع تفسير القمي تارة، ومستقلة اخرى، وأوردها بتمامها العلامة المجلسي في مجلد القرآن من ” البحار ” (1). وقد ابتدأ القمي بنقل تلك الروايات مع حذف السند بقوله: ” فأما الناسخ والمنسوخ فإن عدة النساء كانت في الجاهلية.. ” (2). 5 الراوي للتفسير أو من املي عليه يروي التفسير عن علي بن إبراهيم، تلميذه أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام. ومع الاسف، إنه لم يوجد لراوي التفسير (العباس بن محمد) ذكر في الاصول الرجالية، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف ب‍ ” محمد الاعرابي ” وجده ” القاسم ” فقط. فقد ترجم والده الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الامام الهادي عليه السلام بعنوان محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى العلوي (3). قال شيخنا الطهراني: ” وترجم أبو عمرو الكشي جده بعنوان ” القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر ” وذكر أنه يروي عن أبي بصير، ويروي عنه أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي ” (4).


(1) البحار: الجزء 90 طبعة بيروت، والجزء 93، طبعة ايران الصفحة 97 1. (2) تفسير القمي: الجزء 1، الصفحة 27 26. (3) رجال الطوسي: الصفحة 424 في اصحاب الهادي حرف الميم، الرقم 41. (4) كذا في الذريعة ولم نجده في رجال الكشي المطبوع بالعراق مثل ما في المتن، ولم يعنونه مستقلا وانما جاء اسمه في ترجمة ابي عبد الله بن خالد هكذا: قال نصر بن الصباح: لم يلق البرقي ابا بصير بل بينهما قاسم بن حمزة. [ * ]

[ 313 ]

وأما العباس فقد ترجم في كتب الانساب، فهو مسلم عند النسابين وهم ذاكرون له ولاعمامه ولاخوانه ولاحفاده عند تعرضهم لحمزة بن الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. فقد ذكر شيخنا المجيز الطهراني أنه رأى ترجمته في المجدي، وعمدة الطالب ص 218 من طبع لكنهو، وبحر الانساب، والمشجر الكشاف، والنسب المسطر المؤلف في حدود 600، فعندما ذكر عقب محمد الاعرابي بن القاسم بن حمزة بن موسى عليه السلام، ذكروا أن محمدا هذا أعقب من خمسة بنين موسى، وأحمد المجدور، وعبد الله، والحسين أبي زيبة، والعباس، وذكروا من ولد العباس، ابنه جعفر بن العباس، ثم ابن جعفر زيدا الملقب ب‍ ” زيد سياه “.. وذكر مؤلف ” النسب المسطر ” (المؤلف بين 600 593) أعقاب العباس. قال: ” وأما العباس بطبرستان ابن محمد الاعرابي فله أولاد بها منهم جعفر وزيد والحسن ولهم أعقاب، ويظهر من ” النسب المسطر ” أنه نزل بطبرستان ولاولاده الثلاثة أعقاب بها وكانت طبرستان في ذلك الاوان مركز الزيدية ” (1). 6 التفسير ليس للقمي وحده إن التفسير المتداول المطبوع كرارا (2) ليس لعلي بن إبراهيم وحده، وإنما هو ملفق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس، وما رواه التلميذ بسنده الخاص عن أبي الجارود من الامام الباقر عليه السلام.


(1) الذريعة: الجزء 4، الصفحة 308. بتصرف وتلخيص. (2) طبعة على الحجر تارة سنة 1313 واخرى مع تفسير الامام العسكري، وطبع اخيرا على الحروف في جزءين. [ * ]

[ 314 ]

وإليك التعرف على أبي الجارود وتفسيره: أما ابو الجارود ; فقد عرفه النجاشي بقوله: ” زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني الخارفي الاعمى،.. كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام. وروى عن أبي عبد الله عليه السلام وتغير لما خرج زيد رضي الله عنه وقال أبو العباس ابن نوح: هو ثقفي، سمع عطية، وروى عن أبي جعفر، وروى عنه مروان بن معاوية وعلي بن هاشم بن البريد يتكلمون فيه، قاله البخاري ” (1). وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام: ” زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني، الحوفي الكوفي تابعي زيدي أعمي، إليه تنسب الجارودية منهم “. والظاهر أن الرجل كان إماميا، لكنه رجع عندما خرج زيد بن علي فمال إليه وصار زيديا. ونقل الكشي روايات في ذمه (2)، غير أن الظاهر من الروايات التي نقلها الصدوق، رجوعه إلى المذهب الحق (3). وأما تفسيره فقد ذكره النجاشي والشيخ وذكرا سندهما إليه، وإليك نصهما: فقال الاول: ” له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر عليه السلام. أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا أبو سهل كثير بن عياش القطان، قال: حدثنا أبو الجارود بالتفسير ” (4).


(1) رجال النجاشي: الرقم 448. (2) رجال الطوسي: الصفحة 122 في اصحاب الباقر عليه السلام الرقم 4، وفي الصفحة 197 في اصحاب الصادق عليه السلام الرقم 31. (3) رجال الكشي: الصفحة 199، الرقم 104. (4) معجم رجال الحديث: الجزء السابع، الصفحة 326 325 فقد نقل الروايات الدالة على رجوعه. [ * ]

[ 315 ]

فالنجاشي يروي التفسير بواسطة عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وهو أيضا زيدي. كما أن الشيخ يروي التفسير عن ابن عقدة بواسطتين. قال: ” وأخبرنا بالتفسير أحمد بن عبدون، عن أبي بكر الدوري، عن ابن عقدة، عن أبي عبد الله جعفر بن عبد الله المحمدي، عن كثير بن عياش القطان وكان ضعيفا وخرج أيام أبي السرايا معه فأصابته جراحة، عن زياد بن المنذر أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ” (1). إذا عرفت هذا فاعلم أن أبا الفضل الراوي لهذا التفسير قد روى في هذا التفسير روايات عن عدة من مشايخه. 1 علي بن إبراهيم، فقد خص سورة الفاتحة والبقرة وشطرا قليلا من سورة آل عمران بما رواها عن علي بن ابراهيم عن مشايخه. قال قبل الشروع في تفسير الفاتحة: ” حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن ابراهيم، قال: حدثني أبي رحمه الله، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام “. ثم ذكر عدة طرق لعلي بن إبراهيم (2). وساق الكلام بهذا الوصف إلى الآية 45 من سورة آل عمران، ولما وصل إلى تفسير تلك الآية، أي قوله سبحانه: * (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يشترك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) * أدخل في التفسير ما أملاه الامام الباقر عليه السلام لزياد بن


(1) الفهرس: الرقم 293. (2) تفسير القمي: ج 1، الصفحة 27، الطبعة الاخيرة. [ * ]

[ 316 ]

المنذر أبي الجارود في تفسير القرآن، وقال بعد ذكر الآية: ” حدثنا أحمد بن محمد الهمداني (المراد به أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة وهو زيدي من قبيلة همدان اليمن) قال: حدثنا جعفر بن عبد الله (المراد المحمدي) قال: حدثنا كثير بن عياش، عن زياد بن المنذر أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ” (1). وهذا السند بنفسه نفس السند الذي يروي به النجاشي والشيخ تفسير أبي الجارود، ولما كان الشيخ والنجاشي متأخرين من جامع التفسير، نقل النجاشي عن أحمد بن محمد الهمداني (ابن عقدة) بواسطة عدة من أصحابنا، ونقل الشيخ عنه أيضا بواسطة شخصين وهما: أحمد بن عبدون وأبي بكر الدوري عن ابن عقدة. وبهذا تبين أن التفسير ملفق من تفسير علي بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود، ولكل من التفسيرين سند خاص، يعرفه كل من راجع هذا التفسير، ثم إنه بعد هذا ينقل عن علي بن إبراهيم كما ينقل عن مشايخه الاخر إلى آخر التفسير. وبعد هذا التلفيق، كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لو ثبت كون الديباجة لعلي بن إبراهيم نفسه ؟ فعلى ذلك فلو أخذنا بهذا التوثيق الجماعي، يجب أن يفرق بين ما روى الجامع عن نفس علي بن ابراهيم، وما روى عن غيره من مشايخه، فإن شهادة القمي يكون حجة في ما يرويه نفسه، لا ما يرويه تلميذه من مشايخه. ثم إن الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جدا، خصوصا مع ما فيه من الشذوذ في المتون.


(1) تفسير القمي: ج 1، الطبعة الاخيرة. [ * ]

[ 317 ]

وقد ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن النسخة المطبوعة تختلف عما نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب، وعند ذلك لا يبقى اعتماد على هذا التوثيق الضمني أيضا، فلا يبقى الاعتماد لا على السند ولا على المتن. ثم إن في الهدف من التلفيق بين التفسيرين احتمالا ذكره شيخنا المجيز الطهراني، وهو أن طبرستان في ذلك الاوان كانت مركز الزيدية، فينقدح في النفس احتمال أن نزول العباس (جامع التفسير) إليها، إنما كان لترويج الحق بها، ورأى من الترويج، السعي في جلب الرغبات إلى هذا التفسير (الكتاب الديني المروي عن أهل البيت عليهم السلام) الموقوف ترويجه عند جميع أهلها على إدخال بعض ما يرويه أبو الجارود عن الامام الباقر عليه السلام في تفسيره، المرغوب عند الفرقة العظيمة من الزيدية الذين كانوا يسمون بالجارودية، نسبة إليه ” (1). ثم إن مؤلف التفسير كما روى فيه عن علي بن ابراهيم، روى عن عدة مشايخ اخر استخرجها المتتبع الطهراني في تعليقته على كتابه القيم ” الذريعة إلى تصانيف الشيعة ” وإليك بيان بعضها: 2 محمد بن جعفر الرزاز: قال (راوي التفسير): حدثنا محمد بن جعفر الرزاز، عن يحيى بن زكريا، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: * (ما أصاب من مصيبة..) * (2). ومحمد بن جعفر بن محمد بن الحسن الرزاز هو شيخ أبي غالب الزراري (المتوفي عام 368) وشيخ ابن قولويه المعروف (المتوفي عام 367 أو 369) فلا يمكن أن يكون القائل بقوله: ” حدثنا ” هو علي بن إبراهيم.


(1) الذريعة: ج 4 الصفحة 308. (2) تفسير القمي: ج 2، الصفحة 351 سورة الحديد. [ * ]

[ 318 ]

والرزاز يروي عن مشايخ كثيرين. منهم خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (المتوفي عام 262). ومنهم أبو جعفر محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري صاحب ” نوادر الحكمة ” فقد صرح النجاشي برواية الرزاز عنه. 3 أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عامر الاشعري: قال (راوي التفسير): أخبرنا الحسين بن محمد بن عامر الاشعري، عن المعلي بن محمد البصري عن ابن أبي عمير، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (1). والحسين بن محمد بن عامر يروي تفسير المعلي البصري عنه، وقد أكثر الكليني من الرواية عنه في الكافي، ويروي عنه علي بن بابويه (المتوفي عام 329) وابن الوليد (المتوفي عام 343) وابن قولويه (المتوفي عام 369). 4 أبو علي محمد بن أبي بكر همام بن سهيل: قال (راوي التفسير): حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا القاسم بن ربيع، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * (2). وأبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الاسكافي (المتوفي عام 336، كما ضبطه تلميذه التلعكبري) يروي عنه ابو قولويه في كامل الزيارات وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني، تلميذ الكليني في كتاب ” الغيبة “.


(1) تفسير القمي ج 1، الصفحة 160 سورة المائدة. (2) تفسير القمي: ج 2، الصفحة 104 سورة النور. [ * ]

[ 319 ]

وقد ذكر شيخنا المجيز الطهراني ثلة ممن روى عنه جامع التفسير، وإليك أسماء بعضهم على وجه الاجمال. 1 ابو الحسن علي بن الحسين السعد آبادي القمي الراوي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي. 2 الشيخ أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الاشعري القمي (المتوفي 306). 3 الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن ثابت، الراوي عن الحسن بن محمد بن سماعة (المتوفي عام 263). 4 أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي، الراوي عن أبيه كتاب ” قرب الاسناد “. 5 محمد بن أبي عبد الله، وهو أبو الحسين محمد بن عون الاسدي (المتوفي 312) وهو من مشايخ الكليني. 6 حميد بن زياد النينوائي (المتوفي 310) وهو أيضا من مشايخ الكليني. 7 الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه علي. 8 أبو القاسم الحسني الراوي لتفسير الفرات عن مؤلفه، وفرات وعلي بن إبراهيم كانا متعاصرين. إلى غير ذلك من المشايخ الذين يروي عنهم في هذا التفسير، مع أنه لم يوجد رواية علي بن إبراهيم عن أحد من هؤلاء في جميع رواياته المروية عنه في الكافي وغيره (1).


(1) لاحظ الذريعة: ج 4، الصفحة 307 302. [ * ]

[ 320 ]

وعندئذ لا يصح القول بأن كل ما ورد في أسناد تفسير علي بن ابراهيم القمي ثقات يتوثيق المؤلف في ديباجة الكتاب، لما عرفت أن التفسير ملفق مما رواه جامع التفسير عن علي بن إبراهيم، عن مشايخه إلى المعصومين عليهم السلام ومما رواه عن عدة من مشايخه عن مشايخهم إلى المعصومين عليهم السلام. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن القول بأن مراد القمي من عبارته: ” رواه مشايخنا وثقاتنا ” كل من وقع في سنده إلى أن ينتهي إلى الامام، بل الظاهر كون المراد خصوص مشايخه بلا واسطة، ويعرف عنه عطف ” وثقاتنا ” على ” مشايخنا ” الظاهر في الاساتذه بلا واسطة، ولما كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف، دون النقل عن الثقة إذا روى عن غيرها خص مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه سهم النقد والاعتراض، كما ذكرنا في مشايخ ابن قولويه، وإلا فقد ورد في أسناد القمي من لا يصح الاعتماد عليه من امهات المؤمنين فلاحظ.


[ 321 ]

7 اصحاب الصادق عليه السلام في رجال الشيخ


[ 323 ]

قيل: إن جميع من ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات، وقد استدل عليه بما ذكره الشيخ المفيد في إرشاده، وهذا لفظه: ” نقل الناس عن الصادق عليه السلام من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء، ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار، ونقلة الاخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل ” (1). وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: ” نقل عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل ” (2). وقال الشيخ محمد بن علي الفتال في ” روضة الواعظين “: ” قد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عن الصادق عليه السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف ” (3).


(1) الارشاد: الصفحة 289 طبعة ايران. (2) المناقب: ج 4، الصفحة 247. (3) روضة الواعظين: الصفحة 177. [ * ]

[ 324 ]

وهؤلاء الاثبات الثلاثة وصفوا تلك الصفوة بالثقات وإن كان كلام الشيخ والنجاشي خاليا عن ذلك الوصف كما سيوافيك. وقد ذكر أهل الرجال أن أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المكنى ب‍ ” أبي العباس ” المعروف ب‍ ” ابن عقدة ” قد ضبط أصحاب الصادق عليه السلام في كتاب رجاله. قال النجاشي في ترجمته ; ” له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليه السلام ” (1). ومثله الشيخ في فهرسه، حيث قال: ” له كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليه السلام ” (2). وليس في كلام النجاشي والشيخ توصيف رجاله بالوثاقة. وعلى كل تقدير، فما ذكره الشيخ المفيد لو كان ناظرا إلى ما جمعه ابن عقدة من أصحاب الصادق عليه السلام، يكون ما ذكره نفسه ومن تبعه كابن شهر آشوب والفتال شهادة منهم على وثاقة أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام. هذا من جانب. ومن جانب آخر إن الشيخ قد أخرج أسماء هؤلاء الرواة في رجاله مع غيرهم. قال في ديباجة رجاله: ” ولم أجد لاصحابنا كتابا جامعا في هذا المعنى (أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة من بعده إلى زمن القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ومن تأخر عنهم) إلا مختصرات، قد ذكر كل انسان منهم طرفا، إلا ما ذكره ابن عقدة، فإنه قد بلغ الغاية في ذلك، ولم يذكر رجاله باقي الائمة عليهم السلام، وأنا أذكر ما ذكره، واورد من بعد ذلك من لم يذكره ” (3).


(1) فهرس النجاشي: الرقم 233، الصفحة 94. (2) الفهرس للشيخ: الصفحة 53. (3) رجال الشيخ الطوسي: الصفحة 2. [ * ]

[ 325 ]

فبملاحظة هذين الامرين تصبح النتيجة هي أن ما ذكره الشيخ من أسماء الرواة من أصحاب الصادق عليه السلام كلهم ثقات حسب توثيق الشيخ المفيد ومن تبعه. ثم إن جماعة من المتأخرين تبعوا الشيخ المفيد واقتفوا أثره في ما ذكره، وإليك نقل بعض كلماتهم: قال علم الدين المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد النسابة، الذي هو من علمائنا في أوائل القرن الثامن في كتابه ” الانوار المضيئة “: ” ومما اشتهر بين العامة والخاصة أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة عنه عليه السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف ” (1). وقال الشيخ الطبرسي في الباب الخامس من كتابه ” إعلام الورى بأعلام الهدى ” في ذكر مناقب الصادق عليه السلام: ” ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامئي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات، فكانوا أربعة آلاف رجل ” (2). ثم إن بعض المتأخرين اكتفوا بذكر عدد الرواة عن الصادق عليه السلام من دون توصيفهم بكونهم من الثقات. 1 قال المحقق في ” المعتبر “: ” انتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول إلى أن قال: وروى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل ” (3).


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 770، وكتاب (الانوار المضيئة) مخطوط يوجد في مكتبة السيد مير حامد حسين، راجع الذريعة: ج 2، الصفحة 442. (2) اعلام الورى: الصفحة 166 165 من الفصل الرابع. (3) المعتبر: الصفحة 6 5 في ضمن الوجه الاول. [ * ]

[ 326 ]

ما لفظه: ” قال الشيخ الطوسي: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها واذاكر بثلاثمائة ألف حديث وله كتب ذكرناها في كتابنا الكبير. منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه السلام أربعة آلاف رجل، وأخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه، مات بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ” (1). وما ذكره الشيخ في رجاله يختلف مع ما نقله العلامة عنه حيث قال: ” سمعت جماعة يحكون أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها، واذاكر بثلاثمائة ألف حديث، روى عنه التلعكبري من شيوخنا وغيره، وسمعنا من ابن المهدي ومن أحمد بن محمد المعروف بابن الصلت، رويا عنه وأجاز لنا ابن الصلت عنه بجميع رواياته، ومولده سنة تسع وأربعين ومائتين، ومات سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة ” (2) وقد وقفت على عبارة الشيخ في الفهرس فلاحظ، وليس في عبارة الشيخ في رجاله وفهرسه مما ذكره العلامة من عدد الرواة عنه أثر. 3 وقال الشهيد في ” الذكري “: ” إن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف، ودون من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق والحجاز والشام إلى أن قال: ومن رام معرفة رجالهم، والوقوف على مصنفاتهم، فليطالع كتاب الحافظ بن عقدة وفهرس النجاشي و.. ” (3). 4 وقال الشيخ الكبير والد الشيخ البهائي مثل ما قاله المحقق في ” المعتبر ” وإليك نصه: ” ومنهم جعفر الصادق عليه السلام الذي اشتهر عنه


(1) الخلاصة: الصفحة 204 203. (2) رجال الشيخ: في ” باب من لم يرو عن الائمة ” الصفحة 442. (3) الذكرى: الصفحة 6 في ضمن الوجه التاسع. [ * ]

[ 327 ]

من العلوم ما بهر العقول إلى أن قال: ودون العامة والخاصة ممن برز ومهر بتعلمه من العلماء والفقهاء أربعة آلاف رجل، كزرارة بن أعين و.. ” (1). 5 وقال العلامة المجلسي في شرحه على الكافي بعد ما نقل ما ذكره العلامة في ” الخلاصة “: ” وذكر الاصحاب أخبارا من ابن عقدة في كتاب الرجال والمسموع من المشايخ أنه كان كتابا بترتيب كتب الحديث والفقه وذكر أحوال كل واحد منهم، وروى عن كتابه خبرا أو خبرين أو أكثر، وكان ضعف الكافي ” (2). ولا يخفى أن ما ذكره المجلسي يتفاوت مع ما ذكره العلامة في مختلفه، فإن الظاهر من عبارة العلامة أنه كان على حسب ترتيب الكتب الرجالية، وأنه أخرج لكل رجل كل الاحاديث التي رواه عن الصادق عليه السلام. هذه هي الكلمات الواردة في المقام التي قد جمعها المتتبع الخبير العلامة النوري في الفائدة الثامنة من خاتمة كتاب ” مستدرك الوسائل ” وقد راجعنا نفس المصادر فنقلناها عنها. نظرنا في الموضوع 1 إن أقصى ما يمكن أن يقال: إنه صدر توثيق من الشيخ المفيد في حق أربعة آلاف رجل من أصحاب الصادق عليه السلام، وأما إن مراده هو نفس ما ورد في رجال ابن عقدة، فأمر مظنون أو محتمل، إذ لم يكن التأليف في الرجال في هذه العصور مختصا بابن عقدة، كيف والمؤلفون في علم الرجال من عصر الحسن بن محبوب إلى زمن الشيخ الطوسي أكثر من أن يذكر (3) فلا يصح أن يقال إن الشيخ المفيد ناظر في عبارته هذه إلى ما كتبه ابن


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 770. (2) مرآة العقول كما في مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 770. (3) لاحظ مصفى المقال للعلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني. [ * ]

[ 328 ]

عقدة مع وفور كتب الرجال، بل هي ناظرة لما جاء في الكتب الرجالية المؤلفة في تلك العصور في أصحاب الصادقين، بل الائمة الطاهرين عليهم السلام، ويؤيد ذلك أن الشيخ المفيد عبر بلفظ الجمع وقال: ” إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات ” فتخصيص عبارة الشيخ المفيد بما جاء في رجال ابن عقدة، أمر لا دليل عليه. والدليل على أن المقصود من أصحاب الحديث ليس خصوص ابن عقدة، أن الشيخ قد التزم في مقدمة رجاله أن يأتي بكل ما ذكره ابن عقدة في رجاله مع زيادات لم يذكرها ابن عقدة، ومع ذلك لم يبلغ عدد أصحاب الصادق عليه السلام في رجال الشيخ أربعة آلاف. فلو كان مقصود المفيد من أصحاب الحديث هو خصوص ما ذكره ابن عقدة، يجب أن يبلغ عدد أصحاب الصادق عليه السلام في رجال الشيخ أيضا إلى أربعة آلاف، لما التزم به الشيخ في مقدمته، مع أن المذكور في رجاله لا يتجاوز عن ثلاثة آلاف وخمسين رجلا. نعم اعتذر عنه المحدث النوري بأن ما أسقطه الشيخ في باب أصحاب الصادق عليه السلام أثبته في باب أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام وفي باب أصحاب أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام، لان بعض أصحاب الصادق عليه السلام أدرك عصر الامام الباقر عليه السلام، كما أدرك عصر الامام الكاظم عليه السلام، فاكتفى الشيخ في رجاله في الباب المعقود لخصوص أصحاب الصادق عليه السلام بذكر من اختص بالصادق ولم يدرك الامام الباقر، ولا الامام الكاظم عليهما السلام، ولكن ” ابن عقدة ” جعل المناط كل من روى عن الصادق عليه السلام وإن كانت له رواية عن غيره (1).


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 773. [ * ]

[ 329 ]

ولكن الاعتذار غير موجه، لان أبا العباس ابن عقدة قد أفرد لاصحاب كل امام قبل الصادق عليه السلام كتابا خاصا. قال الشيخ في فهرسه: ” وله كتاب من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب من روى عن الحسن والحسين، وكتاب من روى عن علي بن الحسين عليهما السلام وأخباره، كتاب من روى عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام وأخباره، كتاب من روى عن زيد بن علي ومسنده، كتاب الرجال وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليه السلام ” (1). ومع هذا التصريح لا يصح هذا الاعتذار، نعم لو كان أبو العباس ابن عقدة مكتفيا في التأليف بذكر خصوص أصحاب الامام الصادق عليه السلام أمكن أن يقال إن ما أسقطه الشيخ من أصحابه، أدرجه في أصحاب الامامين الهمامين، الباقر والكاظم عليهما السلام، والمفروض أن ابن عقدة قد أفرد لاصحاب الامام أبي جعفر عليه السلام كتابا خاصا وإن لم يؤلف في أصحاب الامام الكاظم عليه السلام كتابا. 3 إن الظاهر من عبارة المتتبع، العلامة النوري، أن ابن عقدة هو الذي وثقهم حيث قال: ” الذين وثقهم ابن عقدة، فإنه صنف كتابا في خصوص رجاله، وأنهاهم إلى أربعة آلاف، ووثق جميعهم ” (2) مع أن العبارات الحاكية لعمل ابن عقدة ليست فيها أية إشارة إلى توثيق ابن عقدة، وإنما الظاهر من عبائر النجاشي والشيخ في رجالهما وفهرسه هو أن ابن عقدة جمع أسماء الرواة عنه، لا أنه وثقهم، وبذلك يسقط البحث الذي عقده العلامة النوري في توثيق ابن عقدة، فإنه زيدي، وهل يكون توثيقه حجة أو لا ؟ وقد أطنب الكلام فيه. 4 إن المراجع لما نقلناه من المشايخ يقف على أن المصدر الاساسي


(1) الفهرس: الصفحة 52. (2) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 770. [ * ]

[ 330 ]

لوثاقة هؤلاء الرواة من أصحاب الصادق عليه السلام هو الشيخ المفيد، وأما البواقي فقد اقتفوا أثره، وتؤيد ذلك وحدة كثير من العبارات، على أن عدة من المشايخ قد اقتفت الشيخ المفيد في عدد الرواة، من غير تصريح بكونهم ثقات أو لا، كما أوعزنا إليه. نعم قد أسند الشيخ الحر العاملي في ترجمة ” خليد بن أوفي ” التوثيق إلى المفيد وابن شهر آشوب والطبرسي، من دون إسناده إلى ابن عقدة. قال: ” ولو قيل بتوثيقه (خليد) وتوثيق أصحاب الصادق عليه السلام إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيدا، لان المفيد في ” الارشاد “، وإبن شهر آشوب في معالم العلماء “، والطبرسي في ” إعلام الورى ” قد وثقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام والموجود منهم في جميع كتب الرجال والحديث، لا يبلغون ثلاثة آلاف. وذكر العلامة وغيره أن ابن عقدة جمع الاربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال ” (1). 5 الاعتماد على هذا التوثيق وإن صدر من شيخ الامة ومفيدها وأيدته جماعة من الاصحاب، مشكل جدا، لانه إن أراد بذلك أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا أربعة آلاف وكلهم كانوا ثقات، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كلهم كانوا عدولا، وإن أراد أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا كثيرين، إلا أن الثقات منهم كانوا أربعة آلاف، فهذا أمر يمكن التسالم عليه لكنه غير مفيد، إذ ليس لنا طريق إلى معرفة الثقات منهم، وليس لنا دليل على أن ما ذكره الشيخ في رجاله كلهم من الثقات. 6 أضف إلى ذلك أن الشيخ قد ضعف عدة من أصحاب الصادق عليه السلام، فقال في الباب المختص بهم: ” إبراهيم بن أبي حية ضعيف،


(1) امل الآمل: ج 1، الصفحة 83 لاحظ ترجمة ” خليد بن اوفي “. [ * ]

[ 331 ]

الحارث بن عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف، عمرو بن جميع البصري الازدي ضعيف الحديث، محمد بن حجاج المدني منكر الحديث، محمد بن عبد الملك الانصاري الكوفي ضعيف، محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي ملعون غال ” (1) إلى غير ذلك من العبارات في حق بعض أصحابه، فكيف يمكن أن يقال: إن كل ما جاء به رجال الشيخ نفس ما ذكره الشيخ المفيد. 7 نعم قد أتعب المتتبع العلامة النوري نفسه الشريفة في توجيه هذه التصريحات بوجود الضعاف بين أصحاب الصادق عليه السلام بما لا يمكن الاعتماد عليه، فقال: ” إن المراد من الضعف ما لا ينافي الوثاقة كالرواية عن الضعفاء، أو رواية الضعفاء عنه، أو الاعتماد على المراسيل، أو الوجادة (2) أو رواية ما ظاهره الغلو والجبر والتشبيه ” (3). وأنت ترى أن ما ذكره من التوجيه خلاف الظاهر جدا، والرواية عن الضعفاء والاعتماد على المراسيل وإن كانا من أسباب الضعف عند القدماء، لكن الانصاف أنه إذا اريد الضعف من هذه الناحية يجب أن يصرح به، ولو اطلق، فالظاهر أن الضعف راجع إلى نفسه. أضف إلى ذلك أنه قال في حق بعضهم: ” ملعون غال “. فقد خرجنا بهذه النتيجة: أنه لم يثبت التوثيق العمومي لاصحاب الامام الصادق عليه السلام الموجودة في رجال الشيخ أو ما بأيدينا في كتب الرجال.


(1) لاحظ رجال الشيخ: الصفحة 146، 178، 232، 249، 285، 302. (2) المراد من الوجادة نقل الحديث بمجرد وجوده في كتاب من دون أن يكون له طريق إلى نفس الكتاب. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 773. [ * ]

[ 333 ]

8 هل شيخوخة الاجازة دليل الوثاقة عند المستجيز ؟


[ 335 ]

إن قسما من مشايخ الاجازة الذين يجيزون رواية أصل أو كتاب لغيرهم، غير موصوفين في كتب الرجال بالوثاقة، فهل استجازة الثقة عن واحد منهم آية كونه ثقة أو لا ؟ وهذا نظير ما روى الصدوق والشيخ كثيرا من الاصول والكتب بالاستجازة عن عدة من المشايخ الذين يعدون من مشايخهما في الرواية، فهل استجازة ذينك العلمين أو غيرهما من هؤلاء دليل على وثاقتهم مطلقا أو عند المتسجيزين خاصة أو لا يدل على شئ من ذلك ؟ توضيحه مع تحقيقه لو قلنا إن رواية الثقة عن شخص آية كون المروي عنه ثقة عند الراوي، فلا كلام في كلام مشايخ الاجازة لامثال الصدوق والشيخ وغيرهما ثقات، لكن ذلك الاصل مما لا أصل له، إلا إذا أكثر الرواية عنه، كما سيوافيك، وقد عقد المحقق الداماد فضلا خاصا في رواشحه، فراجع الراشحة الثلاثة والثلاثين، الصفحة 104، والكلام في المقام على غير هذا الاصل. فنقول: إن الاجازة على أقسام: 1 أن يجيز الشيخ كتاب نفسه، فيشترط في الشيخ المجيز ما يشترط في سائر الرواة من الوثاقة والضبط، وحكم شيخ الاجازة في هذا المجال حكم


[ 336 ]

سائر الرواة الواقعين في سند الحديث، فيشترط فيه ما يشترط فيهم، ولا يدل استجازة الثقه على كونه ثقة حتى عنده، إذ لا تزيد الاستجازة على رواية الثقة عنه، فكما أنها لا تدل على وثاقة المروي عنه، فهكذا الاستجازة، فيجب إحراز وثاقة المجيز من طريق آخر. نعم لو كان جميع أحاديث كتابه مطابقا لاحاديث كتاب معتبر، يكون أحاديثه مقبولة سواء أكان في نفسه ثقة أو ضعيفا، ولذا قال ابن الوليد استاذ الصدوق في ” محمد بن اورمة ” المطعون فيه بالغلو: ” إن كل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره، فإنه يعتمد عليه ويفتي به، وكل ما تفرد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد ” (1). غير أن تحصيل هذا الشرط مما لا يمكن في هذه العصور، لاندراس المصنفات والاصول بعد الشيخ الطوسي، فقد أصبحت تلك الكتب بعد الجوامع الثانوية (الكتب الاربعة) مرغوبة عنها، لعدم إحساس الحاجة إلى كتابتها واستنساخها مع وجود تلك الجوامع، خصوصا بعد كلام الشيخ في آخر الاستبصار حيث قال: ” وأرجو من الله تعالى أن تكون هذه الكتب الثلاثة (التهذيب والاستبصار والنهاية) التي سهل الله تعالى الفراغ منها، لا يحتاج معها إلى شئ من الكتب والاصول، لان الكتاب الكبير الموسوم ب‍ ” تهذيب الاحكام ” يشتمل على جميع أحاديث الفقه المتفق عليه والمختلف فيه، وكتاب النهاية يشتمل على تجريد الفتاوى في جميع أبواب الفقه وذكر جميع ما روي فيه، على وجه يصغر حجمه وتكثر فائدته ويصلح للحفظ، وهذا الكتاب يشتمل على جميع ما روي من الاخبار المختلفة وبيان وجه التأويل فيها والجمع


(1) قال النجاشي: ” وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد انه قال: محمد بن اورمة طعن عليه بالغلو، فكل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به وما تفرد به فلا تعتمده ” لاحظ فهرس النجاشي: الرقم 891. [ * ]

[ 337 ]

بينها ” (1). 2 إذا أجاز كتاب غيره وكان انتساب الكتاب إلى مصنفه مشهورا فالاجازة لاجل مجرد اتصال السند، لا لتحصيل العلم بالنسبة إلى مصنفه والاجازات الرائجة بالنسبة إلى الكتب الاربعة وغيرها من المؤلفات الحديثية المشهورة كلها من هذا القبل، فليست الاجازة إلا لاجل تحصيل اتصال السند وتصحيح الحكاية عند نقل الحديث عن شيخ الاجازة بلفظ ” حدثنا ” إلى أن يصل إلى أرباب الكتب الاربعة وينتهي السند إلى المعصوم عليه السلام، وفي هذه الصورة لا يحرز وثاقة الشيخ بالاستجازة أيضا، لان نسبة الكتب إلى أربابها ثابتة، وإنما الغاية من تحصيلها، تصحيح الحكاية والتمكن من القول ب‍ ” حدثنا ” إلى أن ينتهي الامر إلى الامام، ويكفي فيه نفس اإجازة سواء كان المجيز ثقة أم لا. ثم إن الظاهر من الصدوق بالنسبة إلى الكتب التي أخذ منها الحديث في ” الفقيه ” أنها كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع، وأن ما ذكره في المشيخة في آخر الكتب، لاجل تحصيل اتصال السند، لا لتصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فلا تدل استجازته على وثاقة من روي عنهم في هذه الكتب. توضيحه، أن الشيخ الكليني ذكر تمام السند في كتابه ” الكافي “، فبدأ الحديث باسم شيخ الاجازة عن شيخه إلى أن ينتهي إلى الشيخ الذي أخذ الحديث عن كتابه، حتى يصل إلى الامام، وهذه سيرته في غالب الروايات الا ما شذ. لكن الشيخ الصدوق وكذا الشيخ الطوسي قد بنيا على حذف أوائل السند والاكتفاء باسم من اخذ الحديث من أصله ومصنفه، حتى يصل السند إلى


(1) الاستبصار: ج 4، الصفحة 305. [ * ]

[ 338 ]

الامام، ثم وضعا في آخر كتبهم ” مشيخة ” يعرف بها طريقتهما إلى من أخذا الحديث من كتابه، فهي المرجع في اتصال السند في أخبار كتابهما، وربما أخلا بذكر السند إلى بعض أصحاب الكتب فصار معلقا. هذا هو دأب الشيخين الصدوق والطوسي. والظاهر من مقدمة ” الفقيه ” أن الكتب التي أخذ الصدوق منها الاحاديث وبدأ السند بأسامي مؤلفيها، كتب مشهورة معروفة غير محتاجة إلى إثبات النسبة، فوجود السند إلى هذه الكتب وعدمه سواسية. قال في مقدمة الفقيه: ” وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني، وكتاب عبيدالله ابن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد، ونوادر محمد بن أبي عمير، وكتب المحاسن لاحمد بن أبي عبد الله البرقي، ورسالة أبي إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفه في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي ” (1). وهذه العبارة من المحدث الاكبر نص على ثبوت نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها، ولم يكن هناك أية حاجة إلى طريق يدل على النسبة، وأن ما أتى به في المشيخة من الاسماء لمجرد اتصال السند، فلو اكتفينا بمثل هذا التنصيص من الصدوق، لكان البحث عن صحة طريق الصدوق وعدمها بالنسبة إلى هذه الكتب ونظائرها بحثا زائدا غير مفيد، اللهم إلا في الكتب غير المعروفة التي لم تثبت نسبتها إلى مؤلفيها، لو نقل عنها فيه، وإلى ذلك كان يميل السيد


(1) الفقيه: ج 1، الصفحة 4 3. [ * ]

[ 339 ]

المحقق البروجردي قدس سره في درسه الشريف عندما أفاض البحث في المشيخة، وبذلك يعلم وجه ما أفاده الشيخ الطوسي من تقديم رواية السامع على رواية المستجيز إلا فيما إذا روى المستجيز باجازته أصلا معروفا أو مصنفا مشهورا فيسقط الترجيح (1). وبذلك يمكن أن يقال: إن البحث عن طرق الشيخ الطوسي أيضا إلى أصحاب الكتب المعروفة الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها، بحث زائد غير مفيد، فلا وجه لعد الحديث ضعيفا أو حسنا لاجل ضعف طريقه أو عدم ثبوت وثاقة مشايخ إجازته إلى هذه الكتب. نعم، الكلام في تشخيص حال هذه الكتب من حيث ثبوت انتسابها إلى مؤلفيها وعدمه لولا الاحراز، يدخل في القسم الثالث الذي سيوافيك الكلام فيه. قال المحقق التستري: ” لو كنا نعرف الاصول المشهورة والمصنفات المعروفة كالقدماء، حكمنا بصحة كثير من أحاديث الكافي التي حكموا بعدم صحتها بالاصطلاح الحادث المتأخر، فإن أكثر الوسائط، مشايخ إجازة، وأكثر أحاديثها مأخوذة من مصنفات أصحاب الائمة واصولهم، وذكر سائر المشايخ لمجرد اتصال السلسلة كما هو ديدن أصحاب الحديث، كالمفيد في إرشاده. عند الاخذ من الكافي، والصدوق في غير فقيهه، والشيخ في الجزئين الاولين من استبصاره، لكن الاسف ضياع تلك الاصول والمصنفات ” (2). أما استثناء الفقيه، فلما عرفت من أن الصدوق لا يذكر في بدء السند إلا اسم الشخص الذي أخذ الحديث عن كتابه، ولا يذكر مشايخ الاجازة إلا في خاتمة الكتاب المسماة بالمشيخة، وقد عرفت أن البحث عن طرق الصدوق


(1) عدة الاصول: الصفحة 57 طبعة الهند. (2) قاموس الرجال: ج 1، الصفحة 60. [ * ]

[ 340 ]

غير مفيد، لان الكتب المنقولة عنها معروفة مشهورة. وأما استثناء الجزئيمن الاولين من الاستبصار، فلانه سلك فيهما على غير النحو الذي سلك في بقية الكتاب. قال في آخر ” الاستبصار “: ” وكنت سلك في أول الكتاب إيراد الاحاديث بأسانيدها وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الاول والثاني، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعولت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله، على أن اورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الاسانيد يتوصل بها إلى هذه الكتب والاصول، حسب ما عملته في كتاب ” تهذيب الاحكام ” إلى أن قال: فما ذكرته عن محمد بن يعقوب.. ” (1). والحاصل، أنه لو كانت نسبة الكتب التي اخذ منها الحديث إلى مؤلفيها، مثل نسبة كتاب الكافي إلى مؤلفه أو أدنى منها، لما دلت الاستجازة على وثاقة مجيزها وأيضا لما ضر عدم وثاقة شيخ الاجازة فضلا عن كونه مشكوك الوثاقة بالنقل عن هذه الكتب، لما عرفت أن نسبة الكتب التي أخذ الصدوق عنه الحديث إلى مؤلفيها، كمثل نسبة الكافي إلى مؤلفه أو أقل منها بقليل، وقد عرفت أن البحث عن طرق الصدوق إلى الكتب غير مفيدة ووافقنا في ذلك المحقق التستري حيث قال: ” بل يمكن أن يقال بعدم الاحتياج إلى ما فعل في طرق الصدوق، حيث إنه صرح في الفقيه بمعروفية طرقه إلى الكتب وأن الكتب في نفسها مشهورة ” (2) وقد عرفت منا ما ذكره السيد المحقق البروجردي في درسه. وأما ” التهذيبان ” فلو كنا متمكنين من تشخيص الكتب الثابتة نسبتها إلى مؤلفيها عن غيرها، لاستغنينا عن كثير من المباحث التي تدور حول مشيخة


(1) الاستبصار: ج 4، الصفحة 305 304 طبعة النجف. (2) قاموس الرجال: ج 1، الصفحة 59. [ * ]

[ 341 ]

الشيخ الطوسي حتى صارت سببا لتقسيم أحاديثهما حسب اختلاف حال المشايخ إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف، لان جميع الوسائط بينه وبين صاحب الكتاب، أو صاحب الاصل، في الحقيقة مشايخ اجازة لكتاب الغير وأصله، ولكنه أمنية لا تحصل إلا بالسعي الجماعي في ذاك المجال، وقيام لجنة بالتحقيق في المكتبات. 3 إذا أجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلفه إلا بواسطة الشيخ المجيز ولا شك أنه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز، إذ لولاه لما ثبت نسبته إلى المؤلف، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما احتواه من السند والمتن وعادت الاجازة أمرا لغوا فلو كان توثيق المستجيز أو ثبوت وثاقة المجيز عند المتسجيز كافيا لنا نأخذ بالرواية. وباختصار، إن الهدف الاسمى في هذا القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى أصحاب هذه الكتب، هو إثبات نسبة هذه الكتب إلى أصحابنا ومؤلفيها لا غير، ولا يتحقق هذا الهدف إلا أن يكون الشيوخ المجيزون واحدا بعد واحد، ثقات يعتمد على قولهم، فلو لم يكن الشيخ ثقة عند المستجيز، لما كان للاستناد إليه أية فائدة. وبالجملة، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة، هو إثبات نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها إثبابا لا غبار عليه، وهذا الهدف لا يتحقق عند المستجيز إلا بكون شيخ الاجازة ثقة عنده، وإلا فلو كان مجهولا أو ضعيفا أو مطعونا بإحدى الطرق، لما كان لهذه الاستجازة فائدة. وهذا هو ما يعني به من أن شيخوخة الاجازة دليل على وثاقة الشيخ عند المستجيز. وربما يقال بأن الحسن بن محمد بن يحيى، المعروف بابن أخي طاهر، عرفه النجاشي بقوله: ” روى عن المجاهيل أحاديث منكرة. رأيت


[ 342 ]

أصحابنا يضعفونه ومات في شهر ربيع الاول سنة 358 ” (1). مع أنه من مشايخ الاجازة للتلعكبري. قال الشيخ في رجاله: ” روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة سبع وعشرين وثلاثمائة إلى سنة خمس وخمسين وله منه إجازة ” (2). ولكنه لا ينافي ما ذكرنا، لامكان ثبوت وثاقته عند المستجيز كما لا يخفى، فلو كان ثبوت وثاقته عند المستجيز كافيا لنا، ما لم يدل دليل على خلافه، نأخذ بالحديث إذا وقع في السند وإلا فلا.


(1) فهرس النجاشي: الرقم 149. (2) رجال الشيخ: الصفحة 465، الرقم 23، في باب من لم يرو عن الائمة. [ * ]

[ 343 ]

9 الوكالة عن الامام عليه السلام


[ 345 ]

ربما تعد الوكالة من الامام، طريقا إلى وثاقة الراوي، لكنه لا ملازمة بينها وبين وثاقته، نعم لو كان وكيلا في الامور المالية، تكون أمارة على كونه أمينا في الامور المالية، وأين هو من كونه عادلا، ثقة ضابطا ؟ نعم إذا كان الرجل وكيلا من جانب الامام طيلة سنوات، ولم يرد فيه ذم يمكن أن تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه، إذ من البعيد أن يكون الكاذب وكيلا من جانب الامام عدة سنوات ولا يظهر كذبه للامام فيعزله. وربما يستدل على وثاقة كل من كان وكيلا من قبل المعصومين بما رواه الكليني عن علي بن محمد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككت في أمر ” حاجز ” فجمعت شيئا، ثم صرت إلى العسكر، فخرج إلي ليس فينا شك ولا في من مقامنا، بأمرنا، رد ما معك إلى حاجز بن يزيد ” (1). فلو لم تك الوكالة ملازمة للعدالة، لما كان للذم معنى. لكن الرواية أخص من المدعي، فإن الظاهر أن المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الائمة بأمرهم، وهذا غير كون الرجل وكيلا للامام في أمر ضيعته أو أمر من الامور.


(1) الكافي: ج 1، باب مولد الصاحب عليه السلام، الحديث 14. [ * ]

[ 347 ]

10 كثرة تخريج الثقة عن شخص


[ 349 ]

إن نقل الثقة عن شخص لا يدل على كون المروي عنه ثقة، لشيوع نقل الثقات من غيره، نعم كانت كثرة النقل عن الضعاف أمرا مرغوبا عنه بين المشايخ وكانت معدودة من جهات الضعف، ولاجل هذا أخرج أحمد بن محمد بن عيسى القمي، زميله أحمد بن محمد بن خالد عن قم، لكثرة النقل عن الضعفاء، وقال العلامة في ” الخلاصة “: ” إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل قال ابن الغضائري: طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه، إنما الطعن فيمن يروى عنه، فإنه كان لا يبالي عمن أخذ، على طريقة أهل الاخبار، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم، ثم أعاده إليها واعتذر إليه ” (1) *. وقال النجاشي في ترجمة سهل بن زياد: ” كان ضعيفا في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها ” (2). وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال: إن كثرة تخريخ الثقات عن شخص دليل


(1) الخلاصة: القسم الاول، الصفحة 14. (2) فهرس النجاشي: الرقم 490. [ * ]

[ 350 ]

على وثاقته لوجهين: الاول: ما عرفت أن كثرة الرواية عن الضعاف كانت تعد من أسباب الضعف حتى آل أمر أحمد بن محمد بن خالد، وسهل بن زياد الآدمي إلى الاقصاء من قم. الثاني: إن كثرة النقل عن شخص آية كون المروي عنه ثقة، وإلا عاد النقل لغوا ومرغوبا عنه، وهذا بخلاف قلة النقل، فإنه مع كونه أمرا متعارفا يمكن أنم يكون للنقل غايات اخرى، غير الاعتماد وهو تعضيد سائر الروايات والنقول، وهذه منتفية فيما إذا كثر النقل عن شخص. هذا، وإن صاحب المستدرك قد أفرط في تكثير أسباب التوثيق وجعل نقل الثقة عن شخص آية كون المروي عنه ثقة، وتمسك بوجوه غير نافعة يقف عليها السابر في كتابه. هذه نهاية الدراسة حول التوثيقات العامة، فقد عرفت الصحيح عن السقيم، وأن المفيد منها قليل بالنسبة إلى غيره. وبذلك نختم الحديث حول هذا الموضوع ونخوض في موضوع آخر، وهو بيان مدى اعتبار الكتب الاربعة من حيث الصحة والاعتبار، وهو بحث قيم لا يستغني عنه الفقيه، كما أنه لا يمكن أن يكتفي بما ورد في هذه الدراسة، بل لابد من مواصلة البحث والدراسة في هذا المجال، بدقة ومزيد إمعان.


[ 351 ]

الفصل السابع دراسة حول الكتب الاربعة 1 الكافي. 2 من لا يحضره الفقيه. 3 التهذيب والاستبصار.


[ 353 ]

1 تقييم احاديث ” الكافي “


[ 355 ]

إن البحث عن كتاب الكافي للشيخ الاجل الكليني يقع على وجهين: الاول: هل كل من ورد في أسناد الكافي ثقة أو لا ؟ وهذا هو الذي استقصينا البحث عنه عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الجال وأوضحنا الحال فيه فلا نعود إليه. الثاني: هل هناك قرائن تدل على أن كل ما ورد فيه من الروايات صحيح، بمعنى أنه معتبر يصح العمل به أو لا ؟ وهذا ما نبحث عنه في المقام، ولنقدم كلمة في حق المؤلف وكتابه. إن كتاب الكافي أحد الكتب الاربعة التي عليها تدور رحى استنباط مذهب الامامية، فإن أدلة الاحكام وإن كانت أربعة (الكتاب والسنة والعقل والاجماع) على ما هو المشهور بين الفقهاء، إلا أن الناظر في فروع الدين يعلم أن العمدة في استعلام الفرائض والسنن، والحلال والحرام، هو الحديث وأن الحاوي لجلها، هو الكتب الاربعة، وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء، والمؤلف أغنى من التوصيف وأشهر من التبجيل. فقد وصف الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق كتاب الكافي بأنه أجل


[ 356 ]

كتب الشيعة وأكثرها فائدة (1). وقال المحقق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى: ” ومنها جميع مصنفات ومرويات الشيخ الامام السعيد الحافظ المحدث الثقة، جامع أحاديث أهل البيت عليهم السلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمى بالكافي، الذي لم يعمل مثله..، وقد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية، والاسرار الربانية ما لا يوجد في غيره، وهذا الشيخ يروي عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام ورجالهم ومحدثيهم مثل علي بن إبراهيم بن هاشم.. الخ ” (2). وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في الكتاب الموسوم ب‍ ” وصول الاخيار “: ” أما كتاب الكافي، فهو للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، شيخ عصره في وقته، ووجه العلماء والنبلاء، كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به، صنف كتاب الكافي وهذبه في عشرين سنة، وهو يشتمل على ثلاثين كتابا يحتوي على مالايحتوي عليه غيره ” (3). وقال العلامة المجلسي في مقدمة شرحه على الكافي: ” وابتدأت بكتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الاسلام مقبول طوائف الانام، ممدوح الخاص والعام، محمد بن يعقوب الكليني حشره الله مع الائمة الكرام لانه كان أضبط الاصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الغرفة الناجية وأعظمها ” (4). إلى غير ذلك من كلمات الثناء والاطراء مما لا مجال لذكرها. قال النجاشي في ترجمة الكليني: ” محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو


(1) الصفحة 27، طبعة تبريز. (2) بحار الانوار: ج 108، الصفحة 76 75. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة الرابعة، الصفحة 532. (4) مرآة العقول: ج 1، الصفحة 34. [ * ]

[ 357 ]

جعفر الكليني وكان خاله علان الكليني الرازي شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي في عشرين سنة، شرح كتبه: كتاب العقل، كتاب فضل العلم إلى أن عد أحدا وثلاثين كتابا ” (1). ثم إن صاحب ” لؤلؤة البحرين ” نقل عن بعض مشايخه المتأخرين: ” أما الكافي فجميع أحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا، الصحيح منها باصطلاح من تأخر خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثا والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثا، والموثق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثا، والقوي منها اثنان وثلاثمائة، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثا ” (2). وقال المحقق المتتبع المحدث النوري بعد نقل ذلك الكلام: ” الظاهر أن المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده أو كله، الممدوح من غير الامامي ولم يكن فيه من يضعف به الحديث ” (3). وقال الشهيد في ” الذكري “: ” إن ما في الكافي يزيد على ما في مجموع الصحاح الستة للجمهور وعدة كتب الكافي اثنان وثلاثون ” (4). قال في ” كشف الظنون ” نقلا عن الحافظ بن حجر: ” إن جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرر، سوى المعلقات والمتابعات، على ما حررته وحققته، سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثا، والخالص من ذلك بلا تكرير ألفا حديث وستمائة وحديثان، وإذا انضم إليه المتون المعلقة المرفوعة


(1) فهرس النجاشي: الرقم 1026. (2) لؤلؤة البحرين للمحدث البحراني الطبعة القديمة غير المرقمة في احوال شيخنا الكليني وذكر بعد هذا عدد سائر الكتب الثلاثة. وما ذكره من الارقام ينقص عند الجمع 78 حديثا فلاحظ. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة الرابعة، الصفحة 541. (4) الذكرى: الصفحة 6. [ * ]

[ 358 ]

وهي مائة وخمسون حديثا، صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وأحدا وستين حديثا. وروي أيضا عن مسلم أن كتابه أربعة آلاف حديث دون المكررات وبالمكررات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا. وقال أبو داود في أول سننه: ” وجمعت في كتابي هذا اربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث من الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ” (1). وقد جمع الامام أبو السعادات مبارك بن محمد بن الاثير الجزري (المولود عام 544)، والمتوفي عام 606) جميع ما في هذه الصحاح في كتاب أسماه ” جامع الاصول من أحاديث الرسول ” فبلغ عدد أحاديثه ” 9483 “. قال ياقوت في معجمه: جمع الجرزي فيه بين البخاري والمسلم والموطأ وسنن أبي داود وسنن النسائي والترمذي، عمله على حروف المعجم وشرح غريب الاحاديث ومعانيها وأحكامها وصنف رجالها ونبه على جميع ما يحتاج إليه منها (2). هذا حال الكتاب ومكانته وإليك بيان مدى صحة رواياته. الصحيح عند القدماء والمتأخرين تقسيم الحديث إلى الاقسام الاربعة المشهورة تقسيم جديد حدث من زمن الرجالي السيد أحمد بن طاوس استاذ العلامة وابن داود الحليين، بعد ما كان التقسيم بين القدماء ثنائيا غير خارج عن كون الحديث معتبرا أو غير معتبر، فما أيدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي، أو الخارجية كوجوده في أصل معتبر


(1) كشف الظنون، كما في مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 541. لا حظ فتح الباري في شرح احاديث البخاري: ج 1، الصفحة 465، الفصل العاشر في عد احاديث الجامع. (2) راجع مقدمة جامع الاصول: الجزء 12. [ * ]

[ 359 ]

معروف الانتساب إلى جماعة كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار، فهو صحيح، أي معتبر يجوز الاستناد إليه، والفاقد لكلتا المزيتين غير صحيح، بمعنى أنه غير معتبر لا يمكن الركون إليه، وإن امكن أن يكون صادرا عنهم. هذا هو التقسيم المعروف بين القدماء إلى عصر الرجالي المعروف بن طاوس. أما بعده، فقد آل الامر إلى التقسيم الرباعي، بتقسيمه إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف، وأما الباعث لهذا التقسيم ورفض التقسيم الدارج بين القدماء، فليس هنا محل ذكره، ولعل السبب هو أن القرائن المورثة للاطمئنان آل إلى القلة والندرة حسب مرور الزمان، وأوجب ضياع الاصول والمنصفات المؤلفة بيد أصحابهم الثقات، فالتجأ إلى وضع التقسيم الرباعي الذي يبتني على ملاحظة السند وأحوال الراوي، وعلى كل تقدير فهناك اصطلاحان للحديث الصحيح. والهدف من البحث هنا، هو استعراض صحة أحاديث الكافي حسب اصطلاح القدماء، أعني اعتبارها لاجل القرائن الداخلية أو الخارجية، وممن أصر بذلك شيخ مشايخنا المحدث النوري في الفائدة الرابعة من خاتمة المستدرك، واعتمد في ذلك على وجوه أربعة، أهمها الوجه الرابع الذي استعرضناه عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال، لانه كان وجها عاما يعم الكافي وغيره من سائر الكتب الاربعة، وهو الاعتماد على ما صرح به مؤلفوه على صحة ما ورد فيها، وقد عرفت مدى متانة ذلك الوجه، وهنا نستعرض الوجوه الثلاثة الباقية، فهي حسب اعتقاده تثبت اعتبار أحاديثه وتغني الباحث عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الاحاديث المودعة فيه، وتورث الوثوق والاطمئنان بصدورها وصحتها بالمعنى المعروف بين القدماء، وإليك تلك الوجوه الثلاثة:


[ 360 ]

الوجه الاول: المدائح الواردة حول الكافي إن المدائح الواردة في حق الكتاب، تقتضي غناء الفقيه من ملاحظة آحاد رواته، وإليك المدائح إجمالا وإن مر تفصيلها في صدر البحث. 1 وصفه الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق بأنه أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة. 2 وعرفه المحقق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى بأنه لم يعمل مثله. 3 وقال الشهيد في إجازته للشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن الخازن: ” لم يعمل للامامية مثله “. 4 وقال محمد أمين الدين الاسترآبادي: ” وقد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه “. 5 ووصفه العلامة المجلسي بأنه أضبط الاصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها. وهذه المدائح لا ترجع إلى كبر الكتاب وكثرة أحاديثه، فإن مثله وأكبر منه ممن تقدم أو تأخر عنه، كان كثيرا متداولا بينهم، كالمحاسن لاحمد بن محمد ابن خالد البرقي، ونوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، وإنما هي لاجل إتقانه وضبطه وتثبته. أقول: لا يخفى أنه يستفاد من هذه المدائح اعتبار الكتاب بما هو هو، في مقابل عدم صلاحيته، للمرجعية والمصدرية، لانه لازم قولهم ” أجل الكتب وأكثرها فائدة ” أو ” إنه لم يعمل مثله في الاسلام “. أما استفادة غنى المستنبط عن ملاحظة آحاد رجال أحاديثه، وأن كل ما فيه معتبر فلا، إذ ليس معنى اعتبار الكتاب صحة كل واحد من أحاديثه، بحيث يغني الباحث عن أية مراجعة،


[ 361 ]

ولاجل ذلك لا يتبادر ذلك المعنى من توصيف غير الكافي بهذه الصفات، كمعاجم اللغة والتاريخ والسير، مثلا إذا قيل: ” لسان العرب ” من أجل الكتب في اللغة أو إن تاريخ الطبري لم يعمل مثله. وقد ذكر قدس سره في ضمن الوجه الثالث الذي سيوافيك، ما يمكن أن يكون مؤيدا لكلامه هذا وقال: ” إن هناك كتبا لا ينظر إلى أسانيد احاديثها، فلا يكون الكافي أجل هذه الكتب إلا إذا اشتمل على تلك المزية، وإلا فلا يصح أمن يعد من أجلها “. أقول: لم أقف على كتاب يشتمل على تلك المزية، ولو أراد منه الاصول المؤلفة في عصر الائمة، فصريح الشيخ في ” العدة ” إشتراط صحة الاحتجاج بها بكون راويها ثقة. قال في بيان ما هو المختار في باب حجية خبر الواحد: ” وجدت الفرقة المحقة مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم، ودونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه، حتى إن واحدا منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه، سألوه من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف، أو أصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه، سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله ” (1). وهذه العبارة صريحة في أن ورود الخبر في الاصول المدونة، لم يكن كافيا في الاحتياج ما لم يحرز وثاقة راويه، فإذا كان هذا حال الاصول فغيرها أولى بلزوم المراجعة. وعلى فرض وجود ما لا ينظر إلى أسانيده، فالظاهر أن المراد من قولهم ” إن الكافي أجل الكتب ” وما أشبه هذا، تفوقه على سائر الكتب الحديثية من جهة الاسلوب والتبويب والجامعية والضابطية، إلى غير ذلك من المزايا التي لا توجد في نظائرها المتقدمة عليه أو المتأخرة عنه، لا أنه جامع لمزية كل كتاب


(1) عدة الاصول: الصفحة 338، الطبعة الحديثة. [ * ]

[ 362 ]

كان قبله، ويعلم مفاد هذه المدائح من إمعان النظر في الكتب التي مدحت بهذه المدائح مثلا يقال: ” البحار جامع حديثي لم يعمل مثله ” أو ” الجواهر من جلائل الكتب الفقهية ” فليس النظر تصحيح كل ما في البحار من الروايات، وتصديق كل ما جاء في الجواهر من الفتيا، بل الجامعية في الاول، وكثرة الفروع ودقة النظر في الثاني هي الباعثة إلى توصيفهما بما ذكرناه، ولى المراد أن كل مزية موجودة في الكتب الحديثية أو الفقهية موجودة فيهما. الوجه الثاني: المدائح الواردة في حق المؤلف ذهب المحدث النوري إلى أن المدائح الواردة في حق الكليني، تستلزم صحة روايات كتابه واعتبارها وعدم لزوم المراجعة إلى آحاد أسناد رواياتها، وإليك بعض تلك المدائح: 1 قال النجاشي: ” إن الكليني أوثق الناس في الحديث وأثبتهم “. 2 وقال العلامة في ” الخلاصة ” بمثله. وهذا القول من مثل النجاشي لا يقع موقعه إلا أن يكون الكليني واجدا لكل ما مدح به الرواة والمؤلفون مما يتعلق بسند الحديث واعتبار الخبر، ومن أجل المدائح وأشرف الخصال المتعلقة بالمقام، الرواية عن الثقات ونقل الاخبار الموثوق بها، كما ذكروه في تراجم جماعة. قال الشيخ في ” الفهرس “: ” علي بن الحسن الطاطري كان واقفيا شديد العناد في مذهبه إلى أن قال: وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم “. وقال أيضا: ” جعفر بن بشير، كثير العلم ثقة روى عن الثقات ورووا عنه “.


[ 363 ]

وقال النجاشي بمثله في ترجمة محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني. وقال الشيخ في ” العدة “: ” سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم “. وصرح العلامة في ” المختلف ” بأن ابن أبي عقيل شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته. فإذا كان أبو جعفر الكليني أوثقهم وأثبتهم في الحديث، فلابد وأن يكون جامعا لكل ما مدح به آحادهم من جهة الرواية فلو روى عن مجهول، أو ضعيف ممن يترك روايته، أو خبرا يحتاج إلى النظر في سنده، لم يكن أوثقهم وأثبتهم، فان كل ما قيل في حق الجماعة من المدائح والاوصاف المتعلقة بالسند، يرجع إليهما، فان قيس مع البزنطي وأضرابه وجعفر بن بشير لابد وأن يحكم بوثاقة مشايخه، وإن قيس مع الطاطري وأصحاب الاجماع، فلا مناص من الحكم بصحة حديثه وأنه لم يودع في كتابه إلا ما تلقاه من الموثوقين بهم وبرواياتهم. ثم إن النجاشي قال بعد توصيفه بالاوثقية بأنه ألف الكافي في عشرين سنة، وظاهر أن ذكره لمدة تأليفه لبيان أثبتيته وأنه لم يكن غرضه مجرد جمع شتات الاخبار، فإنه لا يحتاج إلى هذه المدة الطويلة، بل ولا إلى عشرها، بل الغرض جمع الاحاديث المعتبرة المعتمدة الموثوق بها، وهذا يحتاج إلى هذه المدة، لاحتياجه إلى جمع الاصول والكتب المعتبرة، واتصالها إلى أربابها بالطرق المعتبرة والنظر في متونها وتصحيحها وتنقيحها. ويظهر من أوثقيته وأثبتيته أيضا، أنه مبرء عن كل ما قدح به الرواة وضعفوا


[ 364 ]

به من حيث الرواية، كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وعمن لم يلقه، وسوء الضبط، واضطراب ألفاظ الحديث، والاعتماد على المراسيل التي لم يتحقق وثاقة الساقط عنده، وأمثال ذلك مما لا ينافي العدالة ولا يجتمع مع التثبت والوثاقة (1). وقد نقلنا كلامه بطوله لما فيه من فوائد ونكات، ومع ذلك كله، فالنتيجة التي استنبطها غير صحيحة لوجوه: أولا: إن الاوثقية صفة تفضيل من الوثاقة، والمراد منه التحرز عن الكذب لاجل العدالة والورع، كما أن الاثبتية وصف تفضيل من التثبت، والمراد منه قلة الزلة والخطأ وندرة الاشتباه، فلو كان غير متحرز عن الكذب لا يكون ثقة، ولو كان كثير الزلة، والخطأ لا يكون ثبتا. هذا حال المادة، وعليه يكون معنى ” الاوثق ” هو الواقع في الدرجة العليا من التحرز عن الكذب، كما يكون معنى ” الا ثبت ” هو المصون عن الزلة والعثرة بوجه ممتاز. وعلى ذلك فلا يدل اللفظان على ما رامه المحدث النوري وإن أتعب نفسه الشريفة في جمع الشواهد لما قصده. وبالجملة، لا يستفاد من اللفظين أن كل ما يوصف به معدود من الرواة في الفضائل فهو حاصل فيه على الوجه الاتم والاشد بل المراد تنزيهه من جهة التحرز عن الكذب، وتوصيفه من جهة الصيانة عن الاشتباه والزلة، وأنه من تينك الجهتين في الدرجة العليا. وأين هو من صحة عامة رواياته لاجل وثاقة رواتها، أو اكتنافها بالقرائن الداخلية، كما هو المدعي ؟


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 535 534. [ * ]

[ 365 ]

ثانيا: اتصاف جماعة من أصحابنا بعدم الرواية أو الارسال إلا عن ثقة، على فرض ثبوتة فضيلة لهم، ليست لها دخالة في الاتصاف بالوثاقة، بحث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون أوثق الناس وأثبتهم، لما عرفت من أن المادة والهيئة لا ترميان إلا إلى التحرز عن الكذب، والسداد عن الزلة وقلة الاشتباه، من دون نظر إلى سائر الجهات. ثالثا: إن الرواية عن الضعفاء مع ترك التسمية يخالف الوثاقة، وأما الرواية عنهم معها فلا يخالفها أبدا، نعم إكثار الرواية من الضعفاء كان أمرا مذموما، وقد رمى به أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأما النقل عنهم على الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والثبت، فلا مانع من أن يروي الكليني مع ذكر أسمائهم ومع ذلك يكون من أوثق الناس وأثبتهم. رابعا: إن المتحرزين في النقل عن الضعفاء، إنما يتحرزون في النقل عنهم بلا واسطة، وأما النقل عنهم بواسطة الثقات، فقد كان رائجا، وهذا هو النجاشي لا يروي إلا عن ثقة بلا واسطة، وأما معها فيروي عنها وعن غيرها، ولاجل ذلك يقول في ترجمة أبي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد: ” كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي وكان في أول امره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه، له كتب إلى أن قال: رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه ” (1). وعلى ذلك فأقصى ما يمكن أن يقال: إن الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلا عن الثقات، وأما معها فيروي عن الثقة وغيرها، وأما الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة فلم يثبت في حق أحد، إلا المعروفين بهذا الوصف، أعني ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي كما أوضحناه.


(1) فهرس النجاشي: الرقم 1059. [ * ]

[ 366 ]

خامسا: إن تأليف الكافي في عشرين سنة، لم يكن لاجل تمييز الصحيح عن غيره، وجمع الروايات الموثوق بها فقط، بل كان هذا أحد الاهداف، ولكن كان هناك أسباب اخر لطول المدة، وهو السعي في العثور على النسخ الصحيحة المقروءة على المشايخ، أو المسموعة عنهم وانتخاب الصحيح عن الغلط، والاصح من الصحيح، والدقة في مضمون الرواية، ووضعها في الباب المناسب له، إلى غير ذلك من الاسباب التي تأخذ الوقت الثمين من المؤلف، ولم يكن التأليف يومذاك أمرا سهلا، ولم تكن الكتب مطبوعة منتشرة حتى يمهد الطريق للمؤلف. نعم، مع ذلك لم يكن هدفه أيضا مجرد الجمع بلا دقة، والتأليف بلا ملاحظة الاسناد والمتون، ولكن لا على وجه يغني عن ملاحظة الاسناد مطلقا، وعلى كل حال، فالكتاب مع جلالته عمل فردي لا يمكن أن يكون نقيا عن الاشتباه والزلة غير محتاج إلى التنقيب والتفتيش، فجهوده الكبرى مشكورة لا نستغني عنها، ولكن لا يكتفى بها. الوجه الثالث: كون المؤلف في عصر الغيبة الصغرى أشار السيد علي بن طاوس في ” كشف المحجة ” في مقام بيان اعتبار الوصية المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام وقد نقلها من كتاب ” رسائل الائمة ” للكليني، إلى وجه آخر لاعتبار أحاديث الكافي وقال ما هذا لفظه: ” والشيخ محمد بن يعقوب كان حيا في زمن وكلاء المهدي صلوات الله عليه: عثمان بن سعيد العمري، وولده أبي جعفر محمد، وأبي القاسم بن روح، وعلي بن محمد السيمري رحمهم الله، وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السيمري، لان علي بن محمد السيمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، والكليني توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة فتصانيف الكليني ورواياته في زمن الوكلاء


[ 367 ]

المذكورين في وقت يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته ” (1). ونقله المحدث الحر إلى قوله ” في زمن الوكلاء المذكورين ” (2) ولم ينقل تتمة كلامه الذي هو أوفى دلالة على ما هو بصدد إثباته. وقال المحدث النوري بعد نقل كلام السيد: ” نتيجة ما ذكره من المقدمات عرض الكتاب على أحدهم وإمضاؤه وحكمة بصحته، وهو عين إمضاء الامام عليه السلام، وهذا وإن كان أمرا غير قطعي يصيب ويخطئ، ولا يجوز التشبث به في المقام، إلا أن التأمل في مقدماته يورث الظن القوي والاطمئنان التام أو الوثوق بما ذكره، فإنه رحمه الله كان وجه الطائفة وعينهم ومرجعهم كما صرحوا به، في بلد إقامة النواب، وكان غرضه من التأليف، العمل به في جميع ما يتعلق بامور الدين، لاستدعائهم وسؤالهم عنه ذلك، كما صرح به في أول الكتاب، وكان بمحضره في بغداد، يسألون عن الحجة عليه السلام بتوسط أحد من النواب عن صحة بعض الاخبار، وجواز العمل به، وفي مكاتيب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إليه عليه السلام من ذلك جملة وافرة وغيرها، فمن البعيد أنه رحمه الله في طول مدة تأليفه وهي عشرون سنة لم يعلمهم بذلك، ولم يعرضه عليهم مع ما كان فيما بينهم من المخالطة والمعاشرة بحسب العادة وكانت الشيعة يسألون عن الابواب حوائج وامورا دنيوية تعسرت عليهم يريدون قضاءها وإصلاحها، وهذا أبو غالب الزراري استنسخ قسما كبيرا من أبواب الكافي ورواه عن مؤلفه بالقراءة عليه أو بالاجازة، فمن البعيد أن لا يعرضه على الابواب مع أنه رفع مشكلة زوجته فوافاه الجواب.


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 532. وجاءت العبارة المذكورة في المحجة المطبوعة (الصفحة 159) إلى قوله ” تحقيق منقولاته ” وليس من الجملة الاخيرة فيها اثر، نعم توجد في النسخة المكتوبة المصححة بقلم المحدث النوري في حاشيتها العبارة الاخيرة. (2) الوسائل: الجزء 2، الصفحة 71. [ * ]

[ 368 ]

وكان عرض الكتاب على النواب مرسوما، روى الشيخ في غيبته أنه لما عمل الشلمغاني كتاب التكليف، قال الشيخ أبو القاسم بن روح: اطلبوا إلي لانظره، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره، فقال ما فيه شئ إلا وقد روى عن الائمة إلا في موضعين أو ثلاثة، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله. وقد سئل الشيخ من كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل: كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاى ؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاى ؟ فقال صلوات الله عليه: ” خذوا ما رووا وذروا ما رأوا “. فمن البعيد غاية البعد أن أحدا منهم (النواب) لم يطلب من الكليني هذا الكتاب الذي عمل لكافة الشيعة، أو لم يره عنده ولم ينظر إليه، وقد عكف عليه وجوه الشيعة وعيون الطائفة، وبالجملة فالناظر إلى جميع ذلك لعله يطمئن إلى ما أشار إليه السيد الاجل، وتوهم أنه لو عرض على الامام عليه السلام، أو على أحد من نوابه لذاع واشتهر، منقوض بالكتب المعروضة على آبائه الكرام صلوات الله عليهم، فإنه لم ينقل إلينا كل واحد منها إلا بطريق أو بطريقين ” (1). أقول: ما ذكره مبني على أمرين غير ثابتين، بل الثابت خلافه. 1 كون الكليني مقيما ببغداد وقام بتأليفه بمرأى ومسمع من النواب، وكان بينه وبينهم مخالطة ومعاشرة. 2 إن الجهة الباعثة إلى عرض كتاب (التكليف) على أبي القاسم بن روح، كانت موجودة في الكافي أيضا وإليك بيان الامرين:


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 533 532. [ * ]

[ 369 ]

أما الاول: فيه أولا: أن صريح قول النجاشي في ترجمته ” شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ” أنه كان مقيما بالري، مؤلفا فيها، وإنما انتقل في اخريات عمره إلى بغداد، ولم نقف على سنة انتقاله إلى بغداد ومدة إقامته فيها، وإن ادعى بعضهم أنه أقام بها سنتين ثم توفي، ومن البعيد أن لا يستنسخ منه في موطنه عدة نسخ بواسطة تلاميذه قبل الانتقال إلى بغداد، ولا ينتشر في الاقطار الاسلامية، ولو صح ذلك فلا فائدة من العرض بعد النشر، ولا في الاستظهار بعد البث، وإنما يكون مفيدا لو عرض قبل النشر واستظهر قبل البث، حتى يعالج ما يحتاج إلى الاصلاح. وثانيا: إنه لم تكن بينهما مخالطة ومعاشرة، بشهادة أنه لم يرو عن أحد من النواب في أبواب الكافي، حتى ما يرجع إلى الامام الحجة عليه السلام، وهذا يعرب عن عدم خلطته ومعاشرته معهم، وإلا لنقل منهم رواية أو روايات في الابواب المختلفة، ومع هذا فيكف يصح أن يدعي أنه عرض كتابه عليهم واستظهر منهم الحال. وثالثا: إنه لو عرض هو نفسه أو أحد تلاميذه، كتابه عليهم، لذكره في ديباجة الكتاب، وقد كتب الديباجة بعد تأليف الكتاب كما هو ظاهر لمن لاحظها، وما ذكره المحدث النوري من أن هنا كتبا معروضة على الامام، لم ينتقل إلا بطريق أو طريقين غير تام، لان هذه الكتب عرضت على الامام بعد وفاة مؤلفيها، والمدعي أنه عرض الكافي بواسطة المؤلف أو تلاميذه في حياة مؤلفه، فطبع الحال يقتضي أنه لو كان نفس المؤلف عرضه، لاثبته في المقدمة قطعا، تثبيتا لموقف الكتاب الذي ألفه ليكون مرجعا للشيعة في جميع الاعصار. وأما الثاني: فلان الداعي إلى عرض كتاب الشلمغاني، هو احتمال انه أدخل فيه لاجل انحرافه ما لم يصدر عنهم عليهم السلام، وكان كتاب التكليف الرسالة العملية ينظر فيه كل عاكف وباد، وعمل بما فيه، وأين هو


[ 370 ]

من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثبت الورع، الذي نقطع بعدم كذبه على الائمة عليهم السلام، فلا حاجة للعرض، وإلا لوجب عرض غيره من الجوامع، مثل جامع البزنطي، ومحاسن البرقي، ونوادر الحكمة للاشعري. كل ذلك يؤيد أنه كان هنا سبب خاص لعرض كتاب التكليف دون غيره من الكتب. وعلى الجملة، إن قياس كتاب الكافي بكتاب التكليف، قياس مع الفارق، وقد ألف الشيخ الشلمغاني كتاب التكليف حال استقامته، ثم ادعى ما ادعى، فخرج التوقيع على لعنه والبراءة منه من الناحية المقدسة عام 312، وصار ذلك مظنة للسؤال عن كتابه الذي كان كالرسالة العملية، فصار العمل به مظنة الضلال، كما أن تركه كان مظنة ترك ما يصح العمل به. ولاجل هذا المحذور المختص به، رفع الامر إلى الشيخ أبي القاسم بن روح، فطلب الكتاب وطالعه وعين مواضع ضلاله، وأين هذا من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثبت ليكون مصدرا ومرجعا للفقهاء ولا بأس بنقل ما ورد حول كتاب التكليف. منها: ما رواه الشيخ في كتاب ” الغيبة ” عن ابن زهومة النوبختي، قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: ” لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف، قال أبو القاسم الحسين بن روح: اطلبوه إلي لانظره، فقرأه من أوله إلى آخره، فقال: ما فيه شئ إلا وقد روى عن الائمة، إلا في موضعين أو ثلاثة، فإنه كذب عليهم في روايتهم لعنه الله (1). ومنها: ما رواه أيضا بسنده عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح قال: ” سئل الشيخ يعني أبا القاسم عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة، وقيل له فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاى ؟ فقال: أقول


(1) الغيبة للشيخ الطوسي: الصفحة 252 251 طبعة النجف. [ * ]

[ 371 ]

فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منه ملاى ؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ” (1). وروى أيضا عن سلامة بن محمد قال: ” أنفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التأديب (2) إلى قم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها فقال لهم: انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم ؟ فكتبوا إليه: إنه كله صحيح، وما فيه شئ يخالف، إلا قوله ” الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام ” و ” الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع ” (3). قال العلامة المجلسي: ” أما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضا على القائم عليه السلام، لكونه في بلد السفراء فلا يخفي ما فيه، نعم عدم انكار القائم وآبائه صلوات الله عليه وعليهم عليه وعلى أمثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم السلام راضين بفعلهم ومجوزين للعمل بأخبارهم ” (4). تقييم العرض على وكيل الناحية ثم إن الشيعة عرضت كتب الشلمغاني على الشيخ أبي القاسم وكيل الناحية لاجل، درايته بالحديث وتعرفه على كلمات الائمة عليهم السلام، ولاجل ذلك لما عرض عليه كتاب التكليف قال: ” ما فيه شئ إلا وقد روي عن الائمة إلا موضعين أو ثلاثة ” لا لاجل عرضه على القائم عليه السلام، حتى انه قد أنفذ الكتاب نفسه (التأديب) إلى فقهاء قم، والتمس نظرهم فيه، فكتبوا في حقه ما عرفته، فإذا كان عرض الكتاب على الشيخ أبي القاسم لاجل


(1) كتاب الغيبة: الصفحة 240 239 طبعة النجف. (2) هذا الكتاب لنفس الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح، راجع الذريعة: ج 3، الصفحة 210. (3) الغيبة للطوسي: الصفحة 240 طبعة النجف. (4) مرآة العقول: ج 1 مقدمة المؤلف، الصفحة 22. [ * ]

[ 372 ]

تعرفه بالحديث، لا لاجل عرضه على القائم عليه السلام فالكليني كان في غنى عن عرضه عليه، لان الشيخ لم يكن أقوى منه في الحديث وعرفان الكلم. نعم لو كان الهدف عرضه على القائم عليه السلام لكان لما ذكر وجه. وأما ما ذكره العلامة المجلسي من حصول الظن المتاخم للعلم بكونه عليه السلام راض بفعله فهذا مما لاشك فيه، كيف ولولا الكافي وأضرابه لما بقي الدين، ولضاعت السنة، ولكنه لا يقتضي أن يؤخذ بكل رواياته من دون تحقيق في الاسناد. وقد قال العلامة المجلسي في نفس كلامه: ” الحق عندي أن وجود الخبر في أمثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به، ولكن لابد من الرجوع إلى الاسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض ” (1). ومما يدل على أنه لم يكن جميع روايات الكتاب صحيحة عند المؤلف نفسه أنه قدس سره عنون في مقدمة الكافي الخبرين المتعارضين وكيفية علاجهما، بأن من المتعارضين ما أمر الامام بترجيحه بموافقة الكتاب ومخالفته العامة وكونه موافقا للمجمع عليه، وفيما لا يوجد المرجحات المذكورة، يجوز الاخذ بأحدهما من باب التسليم. ومع ذلك، كيف يمكن القول بأن كل ما ورد في الكافي كان صحيحا عند الكليني، وإليك نص عبارته: ” فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلف الرواة فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: ” اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه ” وقوله عليه السلام: ” دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم ” وقوله عليه السلام: ” خذوا


(1) مرآة العقول: ج 1، الصفحة 22. [ * ]

[ 373 ]

بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ” ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقلة ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله عليه السلام: ” بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم “. وهذا الكلام ظاهر في أن الكليني لم يكن يعتقد بصدور روايات كتابه عن المعصوم جزما، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بما له مرجح. أضف إلى ذلك أنه لو كان كل ما في الكافي صحيحا عند الكليني لنقل منه إلى غيره بعبارة واضحة، وكان للصدوق الذي يعد في الطبقة التالية للكليني نقل ذلك القول في أحد كتبه، بل كان عليه أن يصحح ما صححه الكليني، ويزيف ما زيفه، إذ ليس الكليني بأقل من شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، فقد نرى أنه يقول في حقه في ” فقيهه “: ” أما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة، وكل ما لا يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ” (1). وقال أيضا: ” كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي، راوي الحديث، وإني أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لانه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي ” (2). كل ذلك يشير إلى أنه لم يكن كتاب الكافي عند الصدوق بهذه المنزلة.


(1) الفقيه: الجزء الثاني، باب صوم التطوع وثوابه، ذيل الحديث 241. (2) العيون: الجزء 2، باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المنثورة، دبل الحديث 45. [ * ]

[ 374 ]

نعم ربما يستدل على عدم صحة ما في الكافي بأن الشيخ الصدوق إنما كتب كتاب ” من لا يحضره الفقيه ” اجابة لطلب السيد الشريف أبي عبد الله المعروف ب‍ ” نعمة الله ” ولا شك أن كتاب الكافي أوسع من الفقيه، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق، فضلا عن أن تكون قطعية الصدور، لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب الفقيه، بل كان على الشيخ الصدوق إرجاع السائل إلى كتاب الكافي (1). ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، فان السيد الشريف طلب من الشيخ الصدوق كتابا أشبه بالرسائل العملية الرائجة في هذه الاعصار، ولم يكن الكافي بهذه المثابة، فلاجل ذلك لم يرجعه الشيخ الصدوق إلى ذلك الكتاب، لا لاجل عدم قطعية رواياته أو عدم صحته. نعم ربما يورد على المستدل بقطعية أحاديث الكافي أن الشيخ الكليني روى في كتابه روايات كثيرة عن غير أهل البيت المعصومين عليهم السلام. وهذا لا يجتمع مع ما صرح به في ديباجة كتابه من أنه يأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام وقد نقل ذلك الشيخ المتتبع النوري رضوان الله عليه عن رسالة الاستاذ الاكبر، المحقق البهبهاني فقال: ” فقد أكثر من الرواية عن غير المعصوم في أول كتاب الارث، وقال في كتاب الديات في باب وجوه القتل: علي بن إبراهيم قال: وجوه القتل على ثلاثة أضرب إلى آخر ما قال. ولم يورد في ذلك الكتاب حديثا آخر، وفي باب شهادة الصبيان عن أبي أيوب قال: سمعت إسماعيل بن جعفر إلى آخره، وأكثر أيضا في اصول الكافي من الرواية عن غير المعصوم منه ما ذكره في مولد الحسين من حكاية الاسد الذي دعته فضة إلى حراسة جسده عليه السلام وما ذكره في مولد أمير المؤمنين


(1) معجم رجال الحديث: ج 1، الصفحة 41 40. [ * ]

[ 375 ]

عليه السلام عن أسيد بن صفوان ” (1). وقد جاء بعض ما رواه الشيخ الكليني عن غير المعصوم في ” معجم رجال الحديث أيضا (2). ولا يخفى أن نقل هذه الكلمات مع التصريح بأسماء المروي عنهم لا يضر المستدل، فان نقل هذه الكلمات عن أصحابها مع كونهم غير معصومين، كنقل معاني اللغة عن أصحابها ولا ينافي كون مجموع الكتاب مرويا عن الصادقين عليهم السلام. إلى هنا تبين أن كتاب الكافي كتاب جدير بالعناية، ويعد أكبر المراجع وأوسعها للمجتهدين، وليست رواياته قطعية الصدور فضلا عن كونها متواترة أو مستفيضة، ولا أن القرائن الخارجية دلت على صحتها ولزوم الاعتماد عليها، بل هو كتاب شامل للصحيح والسقيم، فيجب على المجتهد المستنبط تمييز الصحيح عن الضعيف. ولاجل ايقاف القارئ على عبض ما لا يمكن القول بصحته نقلا وعقلا نشير إلى نموذجين: 1 فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله * (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون) * الزخرف: 44 فرسول الله صلى الله عليه وآله الذكر وأهل بيته المسؤولون وهم الذكر (3). ولو كان المراد من ” الذكر ” هو النبي، فمن المخاطب في قوله ” لك ” وهو سبحانه يقول: ” إنه لذكر لك ” أي لك أيها النبي. نعم وجود هذه


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة الرابعة من الخاتمة، الصفحة 540. (2) لاحظ معجم رجال الحديث، ج 1، الصفحة 103 101. (3) الكافي: ج 1، الصفحة 210، باب ان اهل الذكر الذين امر الله الخلق بسؤالهم هو الائمة عليهم السلام الحديث 2 و 4. [ * ]

[ 376 ]

الروايات الشاذة النادرة لا ينقص من عظمة الكتاب وجلالته، وأي كتاب يعد كتاب الله العزيز، ليس فيه شئ ؟ وأما الثاني، فنرجو المراجعة إلى المصدر التالي (1).


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 237. [ * ]

[ 377 ]

2 تقييم احاديث ” من لا يحضره الفقيه “


[ 379 ]

إن كتاب ” من لا يحضره الفقيه ” تأليف الشيخ الصدوق محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه المولود بدعاء صاحب الامر عليه السلام (1) حدود عام 306 والمتوفي سنة 381، من أصح الكتب الحديثية وأتقنها بعد الكافي، وهي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار. وقد ذكر الشيخ الصدوق في ديباجة كتابه أنه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل أرض بلخ، وردها الشريف الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن المعروف بنعمة، فدام سروره بمجالسته، وانشرح صدره بمذاكرته، وقد طلب منه أن يصنف كتابا في الفقه والحلال والحرام ويسميه ب‍ ” من لا يحضره الفقيه ” كما صنف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتابا في الطب وأسماه ” من لا يحضره الطبيب ” فأجاب مسؤوله وصنف هذا الكتاب له. ويصف هذا الكتاب بقوله: ” ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع مارووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره، وتعالت قدرته وجميع ما فيه


(1) لاحظ فهرس النجاشي: الصفحة 184، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: الصفحة 201 عند ذكر التوقيعات، واكمال الدين واتمام النعمة: الصفحة 276. [ * ]

[ 380 ]

مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول،، وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله الاشعري، وجامع شيخنا محمد بن الحسمن بن الوليد رضي الله عنه ونوادر محمد بن أبي عمير، وكتب المحاسن لاحمد بن أبي عبد الله البرقي، ورسالة أبي رضي الله عنه إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم وبالغت في ذلك جهدي مستعينا بالله ” (1). وقد سلك رحمه الله في كتابه هذا مسلكا غير ما سلكه الشيخ الكليني، فان ثقة الاسلام كما عرفت جرى في الكافي على طريقة السلف من ذكر جميع السند غالبا، وترك أوائل الاسناد ندرة اعتمادا على ما ذكره في الاخبار المتقدمة عليها وأما الشيخ الصدوق فانه بنى في ” الفقيه ” من أول الامر على اختصار الاسانيد، وحذف أوائل السند، ووضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلى من روى عنه، فهي المرجع في اتصال اسناده في أخبار هذا الكتاب، وربما أخل بذكر الطريق إلى بعض فيكون السند باعتباره معلقا. ثم إنهم أطالوا البحث عن أحوال المذكورين في المشيخة، ومدحهم وقدحهم وصحة الطريق من جهتهم أو من جهة القرائن الخارجية، وأول من دخل في هذا الباب العلامة في ” الخلاصة ” وتبعه ابن داود، ثم أرباب المجاميع الرجالية وشراح الفقيه كالتفريشي والمجلسي الاول وغيرهما (2). ولا يخفى أن البحث في تقييم الكتاب، يقع في عدة نقاط:


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، الصفحة 5 2. (2) مستدرك الوسائل: ج 3 الفائدة الخامسة، الصفحة 547. [ * ]

[ 381 ]

الاولى: إنه استدل على أن روايات كتاب ” الفقيه ” كلها صحيحة، بمعنى كون من جاء في أسانيده من الرواة ثقات، بقوله قدس سره: ” بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحته ” والمراد من الصة في هذه العبارة، هو الحكم بعدالة الراوي أو وثاقته، فتكون هذه العبارة تنصيصا من الشيخ الصدوق على أن من ورد في أسناد ذلك الكتاب، كلهم عدول أو ثقات، ولا يخفى أن استفادة ذلك من تلك العبارة مشكل جدا. أما أولا، فلان الصحيح في مصطلح القدماء ومنهم الصدوق، غير الصحيح في مصطلح المتأخرين، إذ الصحيح عند المتأخرين هو كون الراوي عدلا إماميا، ولكن الصحيح عند القدماء عبارة عما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق والركون إليه وأسبابه عندهم مختلفة. ومنها: وجوده في كثير من الاصول الاربعمائة المؤلفة في عصور الائمة عليهم السلام، أو وجوده في أصل معروف الانتساب لمن اجتمعت العصابة على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما. ومنها: اندراجه في إحدى الكتب التي عرضت على الائمة صلوات الله عليهم فأثنوا على مصنفيها، ككتاب عبيدالله الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام وكتاب يونس بن عبد الرحمن وفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام. ومنها: كونه مأخوذا من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء الفت بيد رجال الفرقة المحقة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله، وكتب الحسن والحسين ابني سعيد، وعلي بن مهزيار، أو بيد غيرهم ككتاب حفص بن غياث، وكتب الحسين بن عبيدالله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن


[ 382 ]

الحسن الطاطري (1)، وقد جرى الشيخ الصدوق على متعارف القدماء فحكم بصحة جميع أحاديثه، وهذا غير ما نحن بصدده من عدالة الراوي أو وثاقته. قال المحقق البهبهاني: ” إن الصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات، أو أمارات اخر، ويكونوا قطعوا بصدوره عنهم أو يظنون ” (2). وعلى ذلك فبين صحيح القدماء وصحيح المتأخرين العموم والخصوص المطلق، فحكم الشيخ الصدوق رحمه الله بصحة أحاديثه لا يستلزم صحتها باصطلاح المتأخرن، من كون الرواة في الاسانيد كلهم ثقات، لاحتمال كون المنشأ في الجميع أبو بعضها هو القرائن الخارجية. وثانيا: سلمنا أن الصدوق بصدد الحكم بوثاقة أو عدالة كل من وقع في أسناد كتابه، ولكنه مخدوش من جانب آخر، لانه قد علم من حاله أنه يتبع في التصحيح والتضعيف شيخه ابن الوليد، ولا ينظر إلى حال الراوي نفسه، وأنه ثقة أو غير ثقة، ومعه كيف يمكن أن يكون قوله هذا شهادة حسية على عدالة أو وثاقة كل من ذكر في أسناد كتابه، وقد مر عند دراسة كتاب الكافي طريقته في التصحيح والتضعيف. اللهم إلا أن يكون طريقة شيخه، موافقة لطريقة المتأخرين ويكون قوله إخبارا عن شهادة أستاذه بعدالة أو وثاقة الواردين في هذا الكتاب. وثالثا: إن المتبادر من العبارة التالية، أنه يعتمد في تصحيح الرواية على وجود الرواية في كتب المشايخ العظام غالبا. قال قدس سره: ” كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث، وإني أخرجت هذا الخبر في هذا


(1) لاحظ مشرق الشمسين للشيخ البهائي. (2) تعليقة البهبهاني: الصفحة 27، وفي العبارة حزازة. [ * ]

[ 383 ]

الكتاب، لانه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي ” (1) وهذا يعرب عن أنه ما كان يتفحص عن أحوال الراوي عند الرواية، وهذا إن لم يكن كليا لكنه أمر ذائع في تصحيحاته. الثانية: إن أحاديث كتاب الفقيه لا تتجاوز عن 5963 حديثا، منها ألفان وخمسون حديثا مرسلا، وعند ذلك يقع الكلام كيف يمكن الركون على هذا الكتاب بلا تحقيق عن اسناده، مع أن جميع الاحاديث المسندة فيها 3913 حديثا، والمراسيل 2050 حديثا، ومرادهم من المرسل ما لم يذكر فيه اسم الراوي بأن قال ” روى ” أو قال ” قال الصادق عليه السلام ” أو ذكر الراوي وصاحب الكتاب، ونسي أن يذكر طريقه إليه في المشيخة، وهم على ما صرح به المجلسي أزيد من مائة وعشرين رجلا. الثالثة: في اعتبار مراسيل الفقيه وعدمه. ذهب بعض الاجلة إلى القول باعتبار مراسيله، قال التفريشي في شرحه على الفقيه: ” الاعتماد على مراسيله ينبغي أن لا يقصر في الاعتماد على مسانيده، حيث حكم بصحة الكل “. وقد قيل في وجه ترجيح المرسل: ” إن قول العدل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يشعر باذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: حدثني فلان ” وقال بحر العلوم: ” إن مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار، وإن هذه المزية من خواص هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الاصحاب “. وقال الشيخ بهاء الدين في شرح الفقيه عند قول الصدوق: ” وقال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر “


(1) العيون: الجزء الثاني، باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المنثورة، الحديث 45. [ * ]

[ 384 ]

” هذا الحديث من مراسيل المؤلف، وهي كثيرة في هذا الكتاب، تزيد على ثلث الاحاديث الموردة فيه، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده، من حيث تشريكه بين النوعين في كونه مما يفتي به ويحكم بصحته، ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربه، بل ذهب جماعة من الاصوليين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده متجين بأن قول العدل ” قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذا ” يشعر باذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال ” حدثني فلان، عن فلان أنه صلى الله عليه وآله قال كذا ” وقد جعل أصحابنا قدس الله أرواحهم مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة (1). وقال المحقق الداماد في الرواشح: ” إذا كان الارسال بالاسقاط رأسا جزما، كما قال المرسل ” قال النبي، أو قال الامام ” فهو يتم فيه، وذلك مثل قول الصدوق في الفقيه ” قال الصادق عليه السلام: الماء يطهر ولا يطهر ” إذ مفاده الجزم أو الظن بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنه، وإلا كان الحكم الجازم بالاسناد هادما لجلالته وعدالته ” (2). ولا يخفى أن غاية ما يقتضيه الاسناد جازما، هو جزم الصدوق أو اطمئنانه على صدور الرواية من الامام عليه السلام، وهذا لا يقتضي أن يكون منشأ جزمه هو عدالة الراوي أو وثاقته، فيمكن أن يكون مشؤه هو القرائن الحافة على الخبر التي يفيد القطع أو الاطمئنان بصدور الخبر، ولو كان اطمئنانه حجة للغير، يصح للغير الركون إليه وإلا فلا. الرابعة: قد عرفت أن الصدوق كثيرا ما ذكر الراوي ونسي أن يذكر طريقه إليه في المشيخة، أو ذكر طرقه ولكن لم يكن صحيحا عندنا، فهل هنا طريق


(1) مستدرك الوسائل: الفائدة الخامسة، الصفحة 718. (2) الرواشح: الصفحة 174. [ * ]

[ 385 ]

يعالج هذه المشكلة ؟ فقد قام المحقق الاردبيلي صاحب كتاب ” جامع الرواة ” على تصحيح هذه الروايات بطريق خاص نذكره عند البحث عن كتاب ” التهذيب “. والذي عند سيد المحققين، البروجردي قدس الله سره من الاجابة عن هذا السؤال هو أن الكتب التي نقل عنه الصدوق في هذا الكتاب كانت كتبا مشهورة، وكان الاصحاب يعولون عليها ويرجعون إليها، ولم يكن ذكر الطريق إلى هذه الكتب إلا تبرعا وتبركا، أي لاخراج الكتب عن صورة المرسل إلى صورة المسند وإن كان لبا جميعها مسانيد، لشهرة انتساب هذه الكتب إلى مؤلفيها، وبذلك كانت تستغني عن ذكر الطريق. والذي يدل على ذلك، قوله في ديباجة الكتاب: ” وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني (1)، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي (2)، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا “. وبعد هذه العبارة لا يبقى شك للانسان أن ذكر الطريق إلى هذه الكتب في المشيخة، لم يكن إلا عملا تبرعيا غير إلزامي، ولاجل ذلك نرى أنه لم يذكر طريقا إلى بعض هذه الكتب، أو ذكر طريقا فيه ضعف، لعدم المبالاة بصحة الطريق وعدمها، لانه لم تكن الغاية إثبات انتساب الكتب إلى أصحابها، فإن الكتب كانت مشهورة الانتساب إلى مؤلفيها، ولاجل ذلك نرى أن المحقق المولى محمد تقي المجلسي (المولود عام 1003، والمتوفي عام 1070) ذكر في شرحه على الفقيه عند تفسير العبارة المتقدمة ما هذا لفظه: ” من كتب


(1) قال حماد بن عيسى للصادق عليه السلام اني اعمل به وقرره الامام. روضة المتقين: ج 1، الصفحة 14. (2) عرض كتابه على الصادق عليه السلام فصححه الامام ومدحه. روضة التقين: ج 1 الصفحة 14. [ * ]

[ 386 ]

مشهورة بين المحدثين، بالانتساب إلى مصنفيها ورواتها، والظاهر أن المراد بالشهرة التواتر. عليها المعول، يعني كلها محل اعتماد الاصحاب ” (1). وقال ايضا: ” الظاهر منهم النقل من الكتب المعتبرة المشهورة، فإذا كان صاحب الكتاب ثقة يكون الخبر صحيحا، لان الظاهر من نقل السند إلى الكتاب المشهور المتواتر، مجرد التيمن والتبرك لا سيما إذا كان من الجماعة المشورين كالفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم رضي الله عنهما فإن الظاهر أنه لا يضر جهالة سنديهما ” (2). وقال أيضا: ” مع كثرة التتبع يظهر أن مدار ثقة الاسلام (الكليني) أيضا كان على الكتب المشهورة، وكان اتصال السند عنده أيضا لمجرد التيمن والتبرك، ولئلا يلحق الخبر بحسب الظاهر بالمرسل، فإن روى خبرا عن حماد بن عيسى، أو صفوان بن يحيى، أو محمد بن أبي عمير فالظاهر أنه أخذ من كتبهم فلا يضر الجهالة التي تكون في السند إلى الكتب بمثل محمد بن إسماعيل عن الفضل، أو الضعف بمثل سهل بن زياد ” (3). وبعد ذلك نرى أن البحث عن طرق الصدوق إلى أصحاب الكتب أمر زائد، فاللازم البحث عن مؤلف الكتاب وطرقه إلى الامام عليه السلام. هذا ما كان سيدنا المحقق البروجردي يميل إليه ويقربه. نعم، على ذلك كلما علم أن الشيخ الصدوق أخذ الحديث من الكتب المعروفة، فالبحث عن الطريق أمر غير لازم، وأما إذا لم نجزم بذلك واحتملنا أن الحديث وصل إليه بالطرق المذكورة في المشيخة، فالبحث عن صحة الطرق يعد أمرا لازما.


(1) روضة المتقين: ج 1، الصفحة 14. (2) روضة المتقين: ج 1، الصفحة 29. (3) روضة المتقين: ج 1، الصفحة 31. [ * ]

[ 387 ]

ونقول بمثل ذلك في طرق الكافي، فإذا علم أنه أخذ الحديث من الكتب التي ثبت إسنادها إلى الراوي، فلا وجه للبحث عن ضعف الطريق أو صحته. وبذلك نستغني عن كثير من المباحث حول طرق الصدوق إلى أرباب الكتب. ثم إنهم أطالوا البحث عن أحوال المذكورين في المشيخة ومدحهم وقدحهم وصحة الطرق من جهتهم. وقد عرفت أن أول من دخل في هذا الباب هو العلامة في ” الخلاصة “، وتبعه ابن داود ثم أرباب المجاميع الرجالية وشراح الفقيه، كالعالم الفاضل المولى مراد التفريشي والعالم الجليل المجلسي الاول وغيرهما (1).


(1) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 547 و 719، ولاحظ مقدمة الحدائق. [ * ]

[ 389 ]

3 تقييم احاديث ” التهذيب ” و ” الاستبصار “


[ 391 ]

إن كتاب ” تهذيب الاحكام ” في شرح المقنعة للشيخ المفيد، تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المولود عام 385، والمتوفي عام 460) من أعظم كتب الحديث منزلة وأكثرها منفعة، وقد شرع الشيخ في تأليف هذا الكتاب لما بلغ سنه ستا وعشرين وهذا من خوارق العادة. قال المحقق البروجردي: ” يظهر من أدعيته للمفيد في كتاب ” التهذيب ” عند نقل عبارة المقنعة حيث يقول في أول الكتاب إلى أواخر كتاب الصلاة منه: ” قال الشيخ أيده الله تعالى ” ومنه إلى آخر الكتاب يقول: ” قال الشيخ رحمه الله ” أنه كتب الطهارة والصلاة في حال حياة الشيخ المفيد وقد قدم الشيخ الطوسي العراق عام 408، وتوفي الشيخ المفيد عام 413، وأنت إذا نظرت إلى كلماته في الكتابين ” التهذيب والاستبصار ” وما جادل به المخالفين في المسائل الخلافية، كمسألة مسح الرجلين، وما أفاده في مقام الجمع بين الاخبار، واختياراته في المسائل، وما يستند إليه فيها وما يورده من الاخبار في كل مسألة، لاذعنت أنه من أبناء سبعين ” (1).


(1) مقدمة الخلاف للمحقق البروجردي قدس الله سره. [ * ]

[ 392 ]

ثم إن طريقة الشيخ في نقل الاحاديث في هذا الكتاب مختلفة. قال السيد الاجل بحر العلوم رحمه الله: ” إنه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند، كما في الكافي، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدر، كما في الفقيه، ولكنه استدرك المتروك في آخر الكتابين، فوضع له مشيخته المعروفة، وهي فيهما واحدة غير مختلفة، قد ذكر فيهما جملة من الطرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممن صدر الحديث بذكرهم وابتدأ بأسمائهم، ولم يستوف الطرق كلها، ولا ذكر الطريق إلى كل من روى عنه بصورة التعليق، بل ترك الاكثر لقلة روايته عنهم، وأحال التفصيل إلى فهارس الشيوخ المصنفة في هذا الباب، وزاد في ” التهذيب ” الحوالة على كتاب ” الفهرس ” الذي صنفه في هذا المعنى. قال الشيخ في مشيخة تهذيبه: ” والآن فحيث وفق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب، نحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الاخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات. ثم قال: فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله فقد أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن نعمان رحمه الله، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله، عن محمد بن يعقوب رحمه الله وأخبرنا به أيضا الحسين بن عبيدالله، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبي عبد الله أحمد بن رافع الصيمري، وأبي المفضل الشيباني، وغيرهم، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني. وأخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتنيس وبغداد


[ 393 ]

عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني جميع مصنفاته وأحاديثه سماعا وإجازة ببغداد بباب الكوفة، بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ” (1). وعلى ذلك فربما يتصور أنه يجب التفتيش والتفحص عن طرق الشيخ إلى أصحاب الكتب والاصول. أقول: قد عرفت مذهب سيد المحققين آية الله البروجردي وهو أحد المعنيين في علم الرجال، وأنه كان يذهب تبعا للمجلسي الاول إلى أن المشيخة للصدوق وللشيخ، لم تكن إلا لمجرد إظهار الاحاديث بصور المسندات لا لاجل تحصيل العلم بنسبة الكتب إلى مؤلفيها، فإن نسبة هذه الكتب إلى أصحابها كانت ثابتة غير محتاجة إلى تحصيل السند، وبالجملة ذكر المشيخة لاجل التبرك والتيمن، ولاتصال السند كما هو المرسوم في هذه الاعصار أيضا، حيث يستجيزون عن المشايخ بالنسبة إلى الكتب الاربعة وغيرها حتى يصح لهم نقل الاحاديث عن هذه الكتب مسندا، وأما كون المشيخة لاجل تحصيل صحة نسبة هذه الكتب إلى أصحابها فهذا مما ينافيه كلام الصدوق والشيخ في المشيخة. أما الصدوق فقد قدمنا كلامه، وأما الشيخ فهو يقول في مشيخة التهذيب: ” لتخرج الاخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات ” فإن هذه العبارة تعطي أن الغاية من ذكر المشيخة جعل الحديث وإخراجه بصورة المسانيد لا غير، ولاجل ذلك نرى أن الشيخ يبتدأ في المشيخة بذكر الطرق إلى كتاب الكافي للكليني، مع أن ثبوته له أظهر من الشمس، وبذلك تعرف أن البحث في طرق الشيخ إلى أصحاب الكتب في المشيخة مما لا طائل تحته، وليس على الفقيه إلا التفتيش عن أحوال أصحاب الكتب ومن يروون عنهم. اللهم إلا إذا كانت الكتب غير معروفة، فعندئذ يجب الفحص عن كل


(1) التهذيب: ج 10، الصفحة 29 25 من المشيخة. [ * ]

[ 394 ]

من في الطريق كما لا يخفى. تصحيح أسانيد الشيخ ثم إنه لما كان كثير من طرق الشيخ الواردة في مشيخة التهذيب، معلولا بضعف، أو إرسال، أو جهالة، أو بدء الحديث باناس لم يذكر لهم طريق في المشيخة، حاول بعض المحققين لرفع هذه النقيصة من كتاب التهذيب بالرجوع إلى فهرس الشيخ أولا، وطرق من تقدمه عصرا ثانيا، أو عاصره ثالثا. أما الاول، فلانم للشيخ في الفهرس طرقا إلى أرباب الكتب والاصول الذين أهمل ذكر السند إلى كتبهم في التهذيب، فبالرجوع إلى ذلك الكتاب يعلم طريق الشيخ إلى أرباب الكتب التي لم يذكر سنده إليها في التهذيب. أما الثاني، فبالرجوع إلى مشيخة الفقيه ورسالة الشيخ أبي غالب الزراري، إذا كان لهما سند إلى الكتب التي لم يذكر سنده إليها في التهذيب، لكن إذا أوصلنا سند الشيخ إلى هؤلاء، وبالنتيجة يحصل السند إلى أصحاب هذه الكتب. أما الثالث، فبالرجوع إلى طريق النجاشي، فانه كان معاصرا للشيخ، مشاركا له في أكثر المشايخ كالمفيد والحسين بن عبيدالله الغضائري، وابنه أحمد بن الحسين، وأحمد بن عبدون الشهير بابن الحاشر، فإذا علم رواية النجاشي للاصل والكتاب بتوسط أحد هؤلاء كان ذلك طريقا للشيخ أيضا. ثم إن المتتبع الخبير الشيخ محمد الاردبيلي (المتوفي عام 1101) أحد تلاميذ العلامة المجلسي قد قام بتأليف كتابين في الرجال، ولكل دور خاص. 1 ” جامع الرواة “. وقد عرفنا مكانته عند البحث عن الاصول الرجالية المتأخرة في الفصول السابقة، والكتاب مطبوع.


[ 395 ]

2 ” تصحيح الاسانيد ” وهو بعد غير مطبوع، ولم نقف عليه إلى الآن، لكن ذكر المؤلف مختصره، وديباجته في آخر كتاب ” جامع الرواة ” (1) واختصره المحدث النوري ونقله في ” خاتمة المستدرك ” وأضاف عليه زيادات (2). وقد حاول المؤلف في هذا الكتاب تصحيح أسانيد الشيخ في التهذيبين بطريق آخر غير ما ذكرناه من الرجوع إلى مشيخة الفهرس، أو مشيخة من تقدمه، أو عاصره، وإليك بيانه: إن العلامة الحلي في ” الخلاصة “، والسيد الجليل الميرزا الاسترآبادي في ” تلخيص المقام ” والسيد مصطفى التفريشي في ” نقد الرجال ” عمدوا إلى ذكر الشيوخ الذين اخذت أحاديث ” التهذيب ” و ” الاستبصار ” من اصولهم وكتبهم، وابتدأ الشيخ في معظم أسانيدها بذكرهم اختصارا، مع أنه لم يدرك زمانهم، ولكن ذكر طريقه إليهم في آخر الكتابين، وهم تسعة وثلاثون شيخا. وقد اعتبر العلامة والاسترآبادي من هؤلاء المشيخة خمسة وعشرين، وتركا الباقي ولعل منشأة أن طريق الشيخ إلى غير هؤلاء غير معتبر عندهم. وأما السيد التفريشي (3) فقد زاد على مشيخة التهذيبين أحدا وثلاثين شيخا، الذين لم يذكر الشيخ سنده إليهم في خاتمة الكتابين، وقام هو باستخراج سنده إليهم من الفهرس، فبلغت المشايخ حسب عده سبعين شيخا، ولكن المعتبر عنده من مجموع الطرق ثلاثون طريقا، وقد أوجب هذا اضطرابا وإشكالا في اعتبار أحاديث الكتابين، حيث صار ذلك سببا لعدم اعتبار


(1) لاحظ الجزء الثاني من جامع الرواة: الفائدة الرابعة من خاتمته، الصفحة 473، ونقله العلامة المامقاني في خاتمة التنقيح. (2) مستدرك الوسائل: ج 3، الفائدة السادسة، الصفحة 719. (3) نقد الرجال: في الفائدة الرابعة من الخاتمة، الصفحة 417. [ * ]

[ 396 ]

أحاديث أربعين شيخا من سبعين ممن صدر الحديث بأسمائهم. ولاجل ذلك حاول المحقق الاردبيلي لتصحيح أسانيد الكتابين بشكل آخر، ذكره في مقدمة كتاب ” تصحيح الاسانيد ” وحاصله: ” إن ما ذكره علماء الرجال من طرق الشيخ قليل في الغاية، ولا يكون مفيدا في ما هو المطلوب، والشيخ لما أراد إخراج الروايات التي لم يذكر طريقه إلى أرباب الكتب في نفس التهذيب والاستبصار من الارسال، ذكر في المشيخة والفهرس طريقا أو طريقين أو اكثر إلى كل واحد من أرباب الكتب والاصول، فمن كان قصده الاطلاع على أحوال الاحاديث، ينبغي له أن ينظر إلى المشيخة ويرجع إلى الفهرس. ثم قال: إني لما راجعت إليهما رأيت أن كثيرا من الطرق المورودة فيهما معلول على المشهور، بضعف أو إرسال، أو جهالة وأيضا رأيت أن الشيخ رحمه الله ربما بدأ في أسانيد الروايات باناس لم يذكر لهم طريقا أصلا، لا في المشيخة ولا في الفهرس، فلاجل ذلك رأيت من اللازم تحصيل طرق الشيخ إلى أرباب الاصول والكتب، غير الطرق المذكورة في المشيخة والفهرس، حتى تصير تلك الروايات معتبرة، فلما طال تفكري في ذلك وتضرعي، القي في روعي أن أنظر في أسانيد روايات التهذيبين، فلما نظرت فيها وجدت فيها طرقا كثيرة إليهم غير ما هو مذكور في المشيخة والفهرس، أكثرها موصوف بالصحة والاعتبار فصنفت هذه الرسالة وذكرت فيها جميع الشيوخ المذكورين في المشيخة والفهرس، وذيلت ما فيهما من الطرق الضعيفة أو المجهولة بالاشارة إلى ما وجدته من الطرق الصحيحة أو المعتبرة مع تعيين موضعها، وأضفت إليهم من وجدت له طريقا معتبرا ولم يذكر طريقه فيهما ” (1).


(1) لاحظ في توضيحه ما ذكره المؤلف في الفائدة الرابعة من خاتمة كتابه ” جامع الرواة ” الصفحة (475 473) وما ذكرناه ملخص ما اورده المحقق البروجردي في تصديره على كتاب ” جامع الرواة ” ج 1، الصفحة 266. [ * ]

[ 397 ]

ولزيادة التوضيح نقل: انه روى الشيخ في ” التهذيب ” روايات عن علي ابن الحسن الطاطري بدأ بذكر اسمه في أسانيده. مثلا روى في كتاب الصلاة هكذا: ” علي بن الحسن الطاطري قال: حدثني عبد الله بن وضاح، عن سماعة بن مهران قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إياك أن تصلي قبل أن تزول، فإنك تصلي في وقت العصر خير لك أن تصلي قبل أن تزول ” (1). وقال في المشيخة: ” وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري فقد أخبرني به أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة، عن علي بن الحسن الطاطري “. وهذا الطريق ضعيف بجهالة اثنين منهم: ابن الزبير وابن كيسبة ومقتضاه عدم اعتبار تلك الروايات التي يبلغ عددها إلى ثلاثين حديثا في ” التهذيب “. وأما المحاولة، فهي أنا إذا رأينا أن الشيخ روى في باب الطواف أربع روايات بهذا السند. ” موسى بن القاسم، عن علي بن الحسن الطاطري، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان “، ثم وقفنا على أمرين: 1 إن موسى بن القاسم أعني من صدر به السند ثقة. 2 طريق الشيخ إليه صحيح، فعند ذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلى الطاطري، لكن لا عن طريقه إليه في المشيخة ولا في الفهرس، بل عن طريقه في المشيخة إلى موسى بن القاسم. ولاجل ذلك يقول الاردبيلي في مختصر تصحيح الاسانيد: ” وإلى علي بن الحسن الطاطري، فيه علي بن محمد بن الزبير في المشيخة والفهرس، وإلى الطاطري صحيح في التهذيب في باب الطواف “.


(1) التهذيب: ج 2، الحديث 549. [ * ]

[ 398 ]

وهذا يعطي أن موسى بن القاسم ليس راويا لهذه الروايات الاربع فقط، بل راو لجميع كتاب الطاطري عنه، فيعلم من ذلك أن الشيخ روى الكتاب الطاطري تارة بسند ضعيف، واخرى بسند معتبر وبذلك يحكم بصحة كل حديث بدأ الشيخ في سنده بالطاطري. وقس على ذلك سائر الطرق التي للشيخ في الكتابين إلى المشايخ الذين لم يذكر سنده إليهم في المشيخة ولا في الفهرس، أو ذكر لكنه ضعيف عليل، وبهذا التتبع يحصل له طرق صحيحة أنهاها صاحب الكتاب إلى خمسين وثمانمائة طريق تقريبا، وعدد المعتبر منها قريب من خمسمائة طريق. هذه خلاصة المحاولة وقد نقده المحقق البروجردي بوجوه: الاول: إن ما صح طرقه إلى المشايخ وإن كان قليلا، ولكن الروايات التي رواها الشيخ بهذه الطرق القليلة عن هؤلاء المشايخ في غاية الكثرة مثلا: 1 إن ما رواه بطرقه عن أحمد بن محمد بن عيسى يقرب من 1200 حديث. 2 إن ما رواه بطرقه عن الحسن بن محمد بن سماعة قريب من 800 حديث. 3 إن ما رواه بطرقه عن الحسين بن سعيد يقرب من 2500 حديث. 4 إن ما رواه بطرقه عن سعد بن عبد الله يقرب من 600 حديث. 5 إن ما رواه بطرقه عن محمد بن أحمد بن يحيى يقرب من 950 حديثا. 6 إن ما رواه بطرقه عن محمد بن علي بن محبوب يقرب من 700 حديث. هذا، وإن نقله عن سائر المشايخ الذين صحت طرقه إليهم أيضا كثير


[ 399 ]

جدا، فكيف لا يكون مفيدا فيما هو المطلوب من إخراج معظم روايات الكتاب عن الارسال. الثاني: إذا روى موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، فهو يحتمل من جهة النقل من كتب المشايخ وجوها: 1 يحتمل أن موسى بن القاسم أخذ الحديث عن كتاب الطاطري وحينئذ روى موسى هذا الحديث وجميع كتاب الطاطري، وبذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلى كتاب الطاطري وهذا هو الذي يتوخاه المتتبع الاردبيلي. 2 يحتمل أن موسى بن القاسم أخذ الحديث عن كتاب درست بن أبي منصور وروى هذا الكتاب عنه بواسطة الطاطري. 3 يحتمل أن موسى أخذ الحديث عن كتاب ابن مسكان، وروى هذا الكتاب عنه بواسطة شخصين: الطاطري، ودرست بن أبي منصور. وعلى الاحتمالين الاخيرين يحصل للشيخ الطوسي طريق صحيح إلى كتاب درست بن أبي منصور، وكتاب ابن مسكان ولا يصحل طريق صحيح إلى نفس كتاب الطاطري الذي هو الغاية المتوخاة. والحاصل أنه إذا كان طريق الشيخ إلى أحد المشايخ الذين صدر الحديث بأسمائهم وأخذ الحديث من كتبهم، ضعيفا، فلا يمكن إصلاحه بما إذا وقع ذلك الشيخ في أثناء السند، وكان طريقه إليه طريقا صحيحا، لان توسط الشيخ (الطاطري) في ثنايا السند لا يدل على أخذ الحديث عن كتابه، بل من الممكن كون الحديث مأخذوا عن كتاب شيخه أعني درست بن أبي منصور، أو شيخ شيخه أعني ابن مسكان. وهذا الاحتمال قائم في جميع ما استنبطه في أسانيد التهذيبين.


[ 400 ]

الثالث: إن هدف الشيخ الطوسي من تصنيف الفهرس وذكر الطرق إلى من ذكر فيه أن له كتابا أو أصلا، ليس إخراج التهذيبين من الارسال ولم يبدأ الشيخ في أسانيدهما بهؤلاء المذكورين في الفهرس سوى قليل منهم، وهم المشيخة المذكورون في آخر الكتابين. نعم ربما يوجد في بدء أسانيدهما شيوخ لم يذكر لهم طريقا في المشيخة وعدد رواياتهم لا يزيد على خمسمائة تقريبا، ولا تخرج هذه الروايات عن الارسال بسبب الطرق المذكورة في الفهرس غالبا. ولا يخفى أن الشيخ تفنن في الفهرس ايضا في ذكر الطرق إلى أصحاب الكتب والاصول على وجوه، فتارة ذكرهم وذكر طريقه إلى كتبهم واخرى ذكر كتبهم واصولهم ولم يذكر الطريق إليهم، وثالثة ذكر جماعة وأشار إلى من ذكرهم أو روى عنهم ولم يصل إسناده فيه إلى من ذكر أو روى، وقد جمع القسمين الاخيريمن العلامة السيد محمد صادق الطباطبائي في مقدمة الفهرس (1).


(1) الفهرس: الصفحة 15 12. [ * ]

[ 401 ]

الفصل الثامن في فرق الشيعة الواردة في الكتب * الكيسانية والزيدية. * الناووسية والاسماعيلية. * الفطحية والواقفية. * الخطابية والمغيرية. * الغلاة.


[ 403 ]

ربما يضعف الراوي لاجل انتمائه إلى بعض فرق الشيعة كالكيسانية والطحية والواقفية، كما يضعف من غير جانب العقيدة ككونه متساهلا في الرواية، غير ضابط في النقل، إلى غير ذلك من موجبات التضعيف في جانب العمل، ولاجل إيقاف القارئ على مبدء تكون هذه الفرق وعقائدها إجمالا عقدنا هذا الفصل، ليكون القارئ على بصيرة عند الوقوف على أسماء هذه الفرق. نعم أكثر هذه الفرق بائدة هالكة، لم يبق منهم إلا الزيدية وإلا الاسماعيلية، وإنما تشكل أكثرية الشيعة، الفرقة الامامية التي تطلق عليها الاثنا عشرية أيضا. الشيعة هم المسلمون الذين بقوا على ما عهد إليهم النبي صلى الله عليه وآله من كون الامام بعده علي بن أبي طالب عليه السلام وأن ذلك المنصب، منصب يعين صاحبه من عند الله سبحانه، كما أن منصب النبوة كذلك. وليست الشيعة فرقة حادثة بعد النبي صلى الله عليه وآله كسائر الفرق التي تكونت بعد النبي في ظل الابحاث الكلامية. إن المسلمين اختلفوا بعد النبي صلى الله عليه وآله في مسألة الامامة، فذهبت عدة كثيرة منهم إلى أن الامامة سياسة زمنية تناط باختيار العامة


[ 404 ]

وينتصب بنصبهم، وذهبت عدة اخرى إلى أنها قضية اصولية وهي ركن الدين، ولا يجوز للرسول صلى الله عليه وآله إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة، واستدلوا على ذلك بما ورد في الكتاب حول الامامة، وما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله في يوم الدار ويوم الغدير وغيرهما من المقامات. وأما تسميتهم بالشيعة فإنما هو لاجل أن النبي صلى الله عليه وآله سمى محبي علي بن أبي طالب ومقتفيه شعية. روى السيوطي في تفسير قوله سبحانه: * (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) * البينة: 7 أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي، فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ” والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة “. ونزلت ” ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية “. فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: ” جاء خير البرية ” وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا: ” على خير البرية “. وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) * قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: ” أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين “. وأخرج ابن مردويه عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ألم تسمع قول الله * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) * أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جيئت الامم للحساب تدعون غرا محجلين ” (1). والحاصل ; أن الشيعة على وجه الاجمال هم الذين بقوا على ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله في حق الوصي ولم يغيروا طريقه، فالشيعة ليست


(1) الدر المنثور تأليف جلال الدين السيوطي: ج 6، الصفحة 379. والمراد من المحجلين هو المشرقون والمضيئون. [ * ]

[ 405 ]

فرقة مختلفة بعد النبي ” صلى الله عليه وآله ولم يخلقهم السياسات الزمنية، ولا الابحاث الكلامية، بل لم تتكون الشيعة إلا في نفس عصر النبي، فبقوا على ما كان النبي عليه وإن كانوا من حيث العدد قليلين. هذا هو أصل الشيعة الذي يجمع جميع فرقها الاعتقاد بأن الامامة قضية اصولية غر مفوضة إلى الامة، بل إلى الله سبحانه وتعالى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله. نعم تفرقت الشيعة حسب مرور الزمان وحسب السياسات الوقتية والابحاث الكلامية إلى فرق مختلفة، غير أنه لم يبق من تلك الفرق إلا ثلاث فرق وهم: الامامية، الزيدية، والاسماعيلية، والفرقة الشاخصة من بينها هو الامامية المعتقدة بامامة الائمة الاثني عشر، أولهم علي بن أبي طالب فالحسن، فالحسين، فعلي بن الحسين، فمحمد بن علي، فجعفر بن محمد، فموسى بن جعفر، فعلي بن موسى، فمحمد بن علي، فعلي بن محمد، فالحسن بن علي، فمحمد بن الحسن القائم الذي يملا الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا صلوات الله عليهم أجمعين. فكلما اطلقت الشيعة في زماننا تنصرف إلى الشيعة الامامية، وأما غيرهم كالزيدية والاسماعيلية فيحتاج إلى قرينة. نعم كانت الفرق الشيعية الاخرى موجودة في عصر الائمة وبعده، ولاجل ذلك جاء أسماء عدة من فرق الشيعة في أسناد الروايات، فلاجل ذلك نبحث عن الفرق الشائعة الرائجة في عصرهم عليهم السلام وبعده بقليل، وإن شرب عليهم الدهر وأبادتهم وأهلكتهم، فلم يبق منهم أثر في الازمنة الاخيرة، وإليك بيانها: 1 الكيسانية قيل: ان كيسان مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.


[ 406 ]

وقيل: هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وعلي كل تقدير، هم الذين يعتقدون بامامة محمد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليه السلام وقيل لا بل بعد الحسن والحسين وكان كيسان يدعو الناس إليه وقد نسب إلى تلك الفرقة عقائد سخيفة في كتاب الملل والنحل (1). قال أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر البغدادي: والكيسانية يرجع محصلها إلى فرقتين: احداهما تزعم أن محمد بن الحنفية حي لم يمت، وهم على انتظاره ويزعمون أنه المهدي المنتظر، والفرقة الثانية منهم يقرون بامامته في وقته وبموته وينقلون الامامة بعد موته إلى غيره ويختلفون بعد ذلك في المنقول إليه (2). وكان السيد الحميري أيام عدم استبصاره يذهب مسلك الكيسانية، وإن رجع عنه واستبصر، وقد قال في ذلك الزمان أشعاره التالية: ألا إن الائمة من قريش * ولاة الحق، أربعا سواء علي والثلاثة من بنيه * هم الاسباط ليس بهم خفاء (3) ثم إن الكيسانية تفرقوا إلى هاشمية، إلى بيانية، إلى رزاميخ ة، ولا حاجة إلى البحث عن عقائدهم ومن أراد فليراجع إلى محالها. 2 الزيدية وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عدلوا عن إمامة الامام الباقر عليه السلام إلى إمامة أخيه ” زيد ” وهم ساقوا الامامة في أولاد فاطمة سلام الله عليها ولم يجوزوا


(1) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 147. (2) الفرق بين الفرق: الصفحة 23. (3) الملل والنحل: الصفحة. 190 150. [ * ]

[ 407 ]

ثبوت الامامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالامامة، اماما واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين عليهما السلام، ولما قتل زيد بن علي وصلب سنة 121، قام بالامامة بعده يحيى بن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة، وقد وصل إليه الخبر من الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام بأنه يقتل كما قتل أبوه ويصل كما صلب أبوه، فجرى عليه الامر كما اخبر في سنة 126، وقد فوض الامر بعده إلى محمد وإبراهيم اللذين خرجا بالمدينة، ومضى إبراهيم إلى البصرة واجتمع الناس عليه وقتل أيضا. فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة، قتله هشام بن عبد الملك، ويحيى ابن زيد قتل بجوزجان خراسان، قتله أميرها، ومحمد الامام قتل بالمدينة، قتله عيسى بن ماهان، وإبراهيم الامام قتل بالبصرة أمر بقتله المنصور. والزيدية أصناف ثلاثة: الجارودية، والسليمانية، والبترية. والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد. الف الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر، وقد نقل عنهم الشهرستاني بأنهم زعموا أن النبي نص على علي بالوصف دون التسمية، وقد خالفوا في هذه المقالة إمامهم زيد بن علي، فإنه لم يعتقد هذا الاعتقاد وقد وردت في ذم أبي الجارود روايات في رجال الكشي (1). قال النجاشي: ” زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني الخارفي.. كان من أصحاب أبي جعفر وروى عن أبي عبد الله عليهما السلام وتغير لما خرج زيد رضي الله عنه إلى أن قال: له تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر عليه السلام ” (2) وتفسيره هذا هو الذي بثه تلميذ القمي في تفسيره، كما


(1) رجال الكشي: الرقم 104. (2) رجال النجاشي: الرقم 448. [ * ]

[ 408 ]

أوضحنا حاله، والرجل انحرف عن إمامة أبي جعفر بعد خروج زيد أخيه، وأسس المذهب الجارودية. ب السليمانية: وهم أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الامامة شورى في ما بين الخلق، ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها تصح في المفضول مع وجود الافضل، وقالوا إن الامة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق، وذلك الخطأ خطأ اجتهادي، غير أنه طعن في عثمان للاحداث التي أحدثها وكفره بذلك. ج الصالحية والتبرية: الصالحية، أصحاب الحسن بن صالح بن حي، والبترية، أصحاب كثير، وهما متفقان في المذهب وقولهم في الامامة كقول السليمانية، إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر (1). قال عبدالقاهر بن طاهر البغدادي: ” فأما الزيدية فمعظمها ثلاث فرق وهي: الجارودية والسليمانية وقد يقال الجريرية أيضا، والبترية، وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بامامة زيد بن علي بن الحسين في أيام خروجه، وكان ذلك في زمن هشام بن عبد الملك ” (2). ثم إن النوبختي مؤلف ” فرق الشيعة ” وهو من أعلام القرن الثالث ذكر فرق الزيدية في كلام مبسوط (3). 3 الناووسية وهم الذين قالوا إن جعفر بن محمد عليهما السلام حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي امور الناس، وأنه هو المهدي عليه السلام وزعموا


(1) راجع فيما نقلناه حول الزيدية إلى الملل والنحل: ج 1، الصفحة 161 154. (2) الفرق بين الفرق: الصفحة 22. (3) لاحظ: الصفحة 38 من فرق الشيعة. [ * ]

[ 409 ]

أنهم رووا عنه أنه قال: ” إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدوقه، فإني أنا صاحبكم ” وأنه قال لهم: ” إن جاءكم من يخبركم عني أنه غسلني وكفنني فلا تصدقوه، فإني صاحبكم صاحب السيف ” وهذه الفرقة تسمى الناووسية، وسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس (1). وقال عبدالقاهر: ” وهم أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى ” ناووس ” بها وهم يسوقون الامامة إلى جعفر الصادق بنص الباقر عليه وأنه المهدي المنتظر (2). وقال الشهرستاني قريبا منه ; غير أنه قال: ” هم أتباع رجل يقال له ناووس ” (3). 4 الاسماعيلية هم طائفة يقولون إن الامام بعد جعفر الصادق عليه السلام هو ابنه إسماعيل، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه، فمنهم من قال: لم يمت إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس، ومنهم من قال: موته صحيح، والنص لا يرجع قهقري، والفائدة في النص بقاء الامامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم، فالامام بعد إسماعيل هو محمد بن إسماعيل، وهؤلاء يقال لهم المباركية. ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته. ومنهم من ساق الامامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين


(1) فرق الشيعة: الصفحة 78. (2) الفرق بين الفرق: الصفحة 61. (3) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 166. [ * ]

[ 410 ]

من بعدهم وهم الباطنية (1). قال عبدالقاهر البغدادي: ” إن الاسماعيلية ساقوا الامامة إلى جعفر وزعموا أن الامام بعده إسماعيل وافترق هؤلاء فرقتين: فرقة منتظرة لاسماعيل بن جعفر مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه، وفرقة قال: كان الامام بعد جعفر، سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر، حيث إن جعفرا نصب ابنه إسماعيل للامامة بعده، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه إسماعيل، للدلالة على إمامة ابنه محمد بن اسماعيل وإلى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية ” (2). قال النوبختي: ” فرقة زعمت أن الامام بعد جعفر بن محمد، ابنه إسماعيل بن جعفر وأنكرت موت اسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك عى جهة التلبيس من أبيه على الناس، لانه خاف فغيبه عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الارض ويقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم لان أباه أشار إليه بالامامة بعده، وقلدهم ذلك له وأخبرهم أنه صاحبه، والامام لا يقول إلا الحق، فلما ظهر موته علمنا أنه قد صدق وأنه القائم وأنه لم يمت وهذه الفرقة هي الاسماعيلية الخالصة ” (3). وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى أن الامام حسب عقيدة الشيعة الامامية لم يقل بامامة إسماعيل قط، وإنما الناس كانوا يزعمون ذلك لكبره وما تسالموا عليه من أن الامر في الاكبر ما لم يكن به عاهة.


(1) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 168 167. (2) الفرق بين الفرق: الصفحة 63. (3) فرق الشيعة: الصفحة 89. [ * ]

[ 411 ]

5 الفطحية أو الافطحية وهم الذين يقولون بانتقال الامامة من الصادق إلى ابنه عبد الله الافطه، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأمه وكان أسن أولاد الصادق، زعموا أنه قال: الامامة في أكبر اولاد الامام، وهو ما عاش بعد أبيه إلا سبعين يوما ومات ولم يعقب له ولدا ذكرا (1). سماهم عبدالقاهر في ” فرق الشيعة ” باسم العمارية، وهم منسوبون إلى زعيم منهم يسمى عمارين، وهم يسوقون الامامة إلى جعفر الصادق عليه السلام ثم زعموا أن الامنام بعده ولده عبد الله وكان أكبر أولاده ولهذا قيل لاتباعه ” الافطحية ” (2). وقال النوبختي: ” هذه الفرقة هي القائلة بامامة عبد الله بن جعفر، وسموا الفطحية لان عبد الله كان أفطح الرأس (عريضه) إلى أن قال: وما إلى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة وفقهائهم ولم يشكوا في أن الامامة في عبد الله بن جعفر وفي ولده من بعده، فمات عبد الله ولم يخلف ذكرا، فرجع عامة الفحطية عن القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليهما السلام، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبد الله إلى موسى بن جعفر عليهما السلام ثم رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به، وبقي بعضهم على القول بإمامته، ثم إمامة موسى بن جعفر من بعده وعاش عبد الله بن جعفر بعد أبيه سبعين يوما أو نحوها ” (3).


(1) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 167. (2) الفرق بين الفرق: الصفحة 62. (3) فرق الشيعة: الصفحة 89 88. [ * ]

[ 412 ]

6 الواقفة وهم الذين ساقوا الامامة إلى جعفر بن محمد، ثم زعموا أن الامام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر عليهما السلام، وزعموا أن موسى بن جعفر حي لم يمت، وأنه المهدي المنتظر، وقالوا إنه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها وقد علمنا إمامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلا بتعيين، هذا مع أن مشهد موسى بن جعفر معروف من بغداد (1). وقال الشهرستاني: ” كان موسى بن جعفر هو الذي تولى أمر الصادق وقام به بعد موت أبيه ورجع إليه الشيعة واجتمعت عليه مثل المفضل بن عمر وزرارة بن أعين وعمار الساباطي، ثم إن موسى لما خرج وأظهر الامامة حمله هارون الرشيد من المدينة، فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد عند السندي بن شاهك، وقيل إن يحيى بن خالد بن برمك سمه في رطب فقتله، ثم اخرج ودفن في مقابر قريش واختلفت الشيعة بعده إلى أن قال: ومنهم من توقف عليه وقال: إنه لم يمت وسيخرج بعد الغيبة ويقال لهم الواقفية ” (2). وقال النوبختي: ” إن وجوه أصحاب أبي عبد الله ثبتوا على إمامة موسى بن جعفر، حتى رجع إلى مقالتهم عامة من كان قال بامامة عبد الله بن جعفر فاجتمعوا جميعا على إمامة موسى بن جعفر، ثم إن جماعة المؤمنين بموسى بن جعفر بعد ما مات موسى في حبس الرشيد صاروا خمس فرق، فمن قال مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء الواقفية ” (3). غير أن هؤلاء لم يشيروا إلى أنه كيف برزت تلك الفرقة ولكن أبا عمرو


(1) الفرق بين الفرق: الصفحة 63. (2) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 169 168. (3) فرق الشيعة: الصفحة 91 89. [ * ]

[ 413 ]

الكشي صاحب الرجال المعروف قد كشف الستر عن كيفية نشوء هذه الفرقة وقال ما هذا خلاصته: ” كان بدء الواقفية أنه كان اجتمع ثلاثون ألف رجلا عند الاشاعثة لزكاة أموالهم وما كان يجب عليهم فيها، فحملوها إلى وكيلين لموسى بن جعفر عليهما السلام بالكوفة، أحدهما حنان السراج وآخر كان معه وكان موسى عليه السلام في الحبس، فاتخذا بذلك دورا وعقارا واشتريا الغلات، فلما مات موسى عليه السلام وانتهى الخبر إليهما، أنكرا موته وأذاعا في الشيعة أنه لا يموت، لانه القائم، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه السلام واستبان للشيعة أنهما إنما قالا ذلك حرصا على المال ” (1). واعلم أن إطلاق الوقف ينصرف إلى من وقف على الكاظم عليه السلام ولا ينصرف إلى غيرهم إلا بالقرينة. نعم ربما يطلق على من وقف على الكاظم من الائمة في زمانه عليه السلام، ويستفاد من الروايات المروية في رجال الكشي في ترجمة يحيى بن أبي القاسم إطلاق الوقف في حال حياة الكاظم عليه السلام (2). وبهذا يعلم أن الواقفية صنفان، صنف منهم وقفوا على الكاظم في زمانه واعتقدوا كونه قائم آل محمد عليهم السلام وماتوا في زمانه كسماعة، وصنف وقفوا عليه بعد موته ولا يصح تضليل من وقف على الكاظم في زمان حياته لشبهة حصلت له، لانه عرف إمام زمانه. وها هنا كلمة قيمة للوحيد البهبهاني، يرشدنا إلى علة حصول شبهة الوقف في بعض الشيعة وهو أن الشيعة من فرط حبهم دولة الائمة وشدة تمنيهم إياها وبسبب الشدائد والمحن التي كانت عليهم وعلى أئمتهم، كانوا دائما


(1) رجال الكشي: الصفحة 390، الرقم 329. (2) رجال الكشي: الصفحة 403 402 الرقم 346 و 347. [ * ]

[ 414 ]

مشتاقين إلى دولة قائم آل محمد عليهم السلام، متوقعين لوقوعه عن قريب، ولاجل ذلك قيل إن الشيعة تربي بالاماني، ومن ذلك أنهم كانوا كثيرا ما يسألون عن أئمتهم عن قائمهم، فلربما قال واحد منهم فلان يعني الذي يجئ بعد تسلية لخواطرهم، تصوروا أن المراد هو الذي يجئ بعد ذلك الامام بلا فاصلة وهم من فرط ميل قلوبهم وزيادة حرصهم ربما كانوا لا يتفطنون (1). 7 الخطابية وهم فرقة يتظاهرون بالوهية الامام الصادق عليه السلام وأن أبا الخطاب أعني محمد بن مقلاص أبا زينب الاسدي الكوفي الاجدع، البرار نبي مرسل، أمر الصادق عليه السلام بطاعته وهم أحلوا المحارم وتركوا الفرائض، وقد أورد الكشي في رجاله روايات كثيرة في ذمه وقد قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور في الكوفة. روى الكشي عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام عندما ذكر أبو الخطاب عنده فقال: اللهم العن أبا الخطاب فانه خوفني قائما وقاعدا وعلى فراشي، اللهم أذقه حر الحديد. وقد نقل عن إبراهيم بن أبي أسامة قال: قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: اؤخر المغرب حتى تستبين النجوم ؟ فقال: خطابية إن جبرائيل أنزلها على رسوله حبن سقط القرص. ونقل أيضا عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كتب أبو عبد الله إلى أبي الخطاب بلغني أنك تزعم أن الزنا رجل، وأن الخمر رجل، وأن الصلاة رجل، والصيام رجل، والفواحش رجل وليس هو كما تقول. أنا أصل الحق، وفروع الحق طاعة الله، وعدونا أصل الشر،


(1) الفوائد الرجالية، الفائدة الثانية: الصفحة 40. [ * ]

[ 415 ]

وفروعهم الفواحش، وكيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع ؟ (1). ثم إن الخطابية لما بلغهم أن جعفر بن محمد عليهما السلام لعنه وبرأ منه ومن أصحابه تفرقوا أربع فرق. قال الشهرستاني: ” إن أبا الخطاب عزى نفسه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه، تبرأ منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلك، وبالغ في التبري منه واللعن عليه فلما اعتزل عنه ادعى الامامة لنفسه “. ثم ذكر قسما من آرائه الفاسدة والفرق المنتمية إليه (2). 8 المغيرية وهم أتباع المغيرة بن سعيد العجلي خرج بظاهر الكوفة في أمارة خالد بن عبد الله القسري فظهر به فأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 (3). روي الكشي عن الرضا عليه السلام: ” كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر فأذاقه الله حر الحديد “. وروى عن ابن مسكان عمن حدثه من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ” لعن الله المغيرة بن سعيد، إنه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا ” (2). وروى أيضا عن يونس بن عبد الرحمن أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر


(1) راجع في هذه الروايات واضرابهما إلى رجال الكشي: الصفحة 246، رقم الترجمة 135. (2) الملل والنحل: ج 1، الصفحة 181 179. (3) تاريخ الطبري: ج 5، الصفحة 456 تحت عنوان: خروج المغيرة بن سعيد في نفر وذكر الخبر عنم مقتلهم. (4) رجال الكشي: الصفحة 196 195، رقم الترجمة 103. [ * ]

[ 416 ]

فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الاحاديث ؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ” لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي “. وروى الكشي عن يونس قال: ” وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متضافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون أحاديث أبي عبد الله عليه السلام وقال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن “. وروى أيضا عن يونس عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ” كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي، ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرها أن يبثوها في الشيعة، فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم ” (1). وهذه الاحاديث تعطي بوضوح أن الدس كان يرجع إلى الغلو في الفضائل والمغالاة، كما يصرح به قوله: ” فكان يدس فيها الكفر والزندقة ” وقوله:


(1) راجع رجال الكشي: الصفحة 196 195. [ * ]

[ 417 ]

” فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو ” وكانت الاحاديث المروية حول الفروع والاحكام محفوظة عن الدس. قال النوبختي: ” أما المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد فإنهم نزلوا معهم (مع الزيدية) إلى القول بامامة محمد بن عبد الله بن حسن وتولوه وأثبتوا إمامته، فلما قتل صاروا لا إمام لهم ولا وصي ولا يثبتون لاحد إمامة بعده ” (1). وما ذكره النوبختي يكشف عن وجه عداوته للامام الباقر عليه السلام، فان الزيدية ومن لف لفهم يعتقدون بإمامة زيد بن علي بعد الحسين، ثم إمامة يحيى بن زيد بن علي، وبعده بإمامة عيسى بن زيد بن علي، ثم بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية المقتول في المدينة سنة 145. والرجل لانحرافه عن الامام الباقر كان يدس في كتب أصحابه ليشوه سمعته بادخال الاحاديث الحاكية عن المغالاة في الفضائل (2). 9 الغلاة وهم الذين غلوا في حق النبي وآله حتى أخرجوهم من حدود الخليقة، والخطابية والمغيرية من هذه الصنوف غير أن كثيرة ورودهم في ألسن الائمة وفي طيات الاحاديث صارت سببا لعنوانهم مستقلين وإن كان الكل داخلا تحت هذا العنوان (الغلاة). ثم إن الغلاة صنوف قد عدهم الشهرستاني أحد عشر صنفا منهم: السبائية، الكاملية، العليائية، المغيرية، المنصورية، الخطابية، الكيالية الهشامية، النعمانية، اليونسية، والنصيرية (الاسحاقية) ثم ذكر آراءهم وعقائدهم (3).


(1) فرق الشيعة: الصفحة 72 71. (2) راجع في تفسير احواله إلى الملل والنحل: ج 1، الصفحة 177 176. (3) لاحظ الملل والنحل: ج 1، الصفحة 190 174. [ * ]

[ 418 ]

أقول: ما ذكره من الصنوف وما نسب إليهم من الآراء السخيفة غير ثابت جدا، خصوصا ما زعم من الفرقة السبائية التي أصبحت اسطورة تاريخية اختلقها بعض المؤرخين ونقلها الطبري بلا تحقيق وأخذ عنه الآخرون وهكذا ساق واحد بعد واحد (1). ويتلوه في البطلان ما نسبه إلى هشام بن حكم من الآراء كالتشبيه وغيره، فإن هذه الآراء مما يستحيل أن ينتحل بها تلميذ الامام الصادق عليه السلام الذي تربى في أحضانه، ومن الممكن جدا، بل هو الواقع أن رمى هشام بهذه الآراء إنما جاء من جانب المخالفين والحاسدين لفظه والمنكرين لفضل بحثه، فلم يجدوا مخلصا إلا تشويه سمعته بنسبة الاقاويل الباطلة إليه (2). ومثله ما نسبه إلى محمد بن نعمان أبي جعفر الاحول الملقب بمؤمن الطاق وإن لقبه مخالفوه بشيطان الطاق عصيانا لقوله سبحانه: * (ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق) * الحجرات: 11. هذه ليست أول قارورة كسرت في التاريخ، بل لها نظائر وأماثل كثيرة، فكم من رجال صالحين شوه التاريخ سمعتهم، وكم من أشخاص طالحين قد وزن لهم التاريخ بصاع كبير، وعلى أي تقدير فلا نجد لاكثر هذه الفرق بل جميعها مصداقا في أديم الارض، ولو وجد من الغلاة من الطراز الذي ذكره الشهرستاني في الجوامع الاسلامية، فإنما هي فرقة العلياوية وهم الذين يقولون بربوبية علي بن أبي طالب عليه السلام وربما يفسر النصيرية أيضا بهذا المعنى (3).


(1) لاحظ كتاب عبد الله بن سباء للعلامة العسكري. (2) انظر كتاب هشام بن حكم للعلامة الشيخ نعمة، فقد ألف كتابا في ترجمة هشام بن حكم ونزه ساحته عن تلك المغالاة. (3) نقله العلامة المامقاني عن بعض معاصريه. لاحظ مقباس الهداية: الصفحة 146. [ * ]

[ 419 ]

قال الكشي: ” وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول، وأن علي بن محمد العسكري أرسله، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن الهادي عليه السلام ويقول فيه بالربوبية إلى آخر ما قاله ” (1). وقال النوبختي: ” فرقة من القائلين بامامة علي بن محمد في حياته قالت بنوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري، وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن الهادي، ويقول فيه بالربوبية ويقول بالاباحة للمحارم ” (2). وعلى كل تقدير، فلا جدوى في البحث عن الغلاة على النحو الذي ذكره الشهرستاني وغيره في كتابه، فان الرواة الواردين في أسناد الروايات، منزهون عن الغلو بهذا المعنى الذي يوجب الخروج عن التوحيد والاسلام، ويلحق الرجل بالكفار والمشركين، كالقول بالربوبية ورسالة غير نبينا أو غير ذلك. نعم وصف عدة من الرواة بالغلو ووقعوا في أسناد الروايات، فيجب البحث عن هذا الطراز من الغلو لان وضع كتابنا لا يقتضي إلا البحث فيما يرجع إلى الرواة والرجال الذين جاءت أسماؤهم في أسناد الروايات. التفويض ومعانيه إن الفرقة المعروفة بالغلو هي فرقة المفوضة، غير أنه يجب تحقيق معناها حتى يتبين الصحيح عن الزائف فنقول: إن التفويض يفسر بوجوه: الاول: تفويض خلقة العالم إلى النبي والائمة عليهم السلام وأنهم هم الخالقون والرازقون والمدبرون للعالم.


(1) رجال الكشي الصفحة 438. (2) فرق الشيعة: الصفحة 103 102. [ * ]

[ 420 ]

وغير خفي أن التفويض بهذا المعنى شرك على وجه، وباطل على وجه آخر. فلو قالوا بأن الله سبحانه فوض أمر الخلق والتدبير إليهم عليهم السلام واعتزل هو عن كل شئ، فهذا هو الشرك والكفر، يخالفه العقل والبرهان، ويضاده صرحي الآيات. قال سبحانه * (بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل) * الانعام: (102 101.) وقال سبحانه: * (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون) * يونس: 3. ولو زعموا أن النبي والائمة من جملة الاسباب لخلق العالم وتدبيره، وأن الفاعل الحقيقي والسبب الواقعي هو الله سبحانه، وهو لم يعتزل بعد، وإنما جعلهم في مرتبة الاسباب والعلل، فهذا القول وإن كان لا يوجب الشرك، لكنه غير صحيح، فان النبي والائمة عليهم السلام ليسوا من أسباب الخلقة، بل هم يستفيدون من تلك الاسباب الطبيعية وتتوقف حياتهم على وجود العلل والاسباب المادية، فكيف يكونون في مرتبة العلل والاسباب ؟ فالنبي والامام يستنشقان الهواء، ويسدان جوعهما بالطعام، ويداويان بالادوية إلى غير ذلك من الامور التي يتصف بها كل الناس. نعم إن للعالم الامكاني ظاهره وباطنه، دنياه واخراه مدبرا ومدبرات يدبرون الكون بأمره سبحانه كما ينبئ عنه قوله تعالى: * (فالمدبرات أمرا) * النازعات: 5. وقال سبحانه: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * التحريم: 6.


[ 421 ]

وقال الصادق عليه السلام: ” أبي الله يجري الاشياء إلا بأسباب فجعل لكل شئ سببا، وجعل لكل سبب شرحا، وجعل لكل شرح علما، وجعل لكل علم بابا ناطقا، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن ” (1). ومع هذا الاعتراف فليس النبي والامام من أسباب الخلق والتدبير، وإنما هم وسائط بين الخالق والخلق في إبلاغ الاحكام وإرشاد العباد، وسائر الفيوض المعنوية من الهداية الظاهرية والباطنية. فان قلت: قد تواترت الروايات بأنه لولا الحجة لساخت الارض بأهلها، وقد عقد الكليني في كتاب الحجة بابا لذلك وقال: ” إن الارض لا تخلو من حجة ” وأورد فيه روايات تبلغ ثلاث عشرة رواية (2). قلت: لا إشكال في صحة هذه الروايات، ولكنها لا تهدف إلى كون النبي والامام من الاسباب والمدبرات التي نزل به الذكر الحكيم، ونطق به الحديث الصحيح، وإنما تهدف إلى أحد أمرين: الاول: إن النبي والامام غاية لخلق العالم، ولولا تلك الغاية لما خلق الله العالم، بل كان خلقه أمرا لغوا. وبعبارة اخرى إن العالم خلق لتكون الانسان الكامل فيه، ومن أوضح مصاديقه هو النبي والامام، ومن المعلوم أن فقدان الغاية يوجب فقدان ذيها، ولاجل ذلك يصح أن يقال: إن الانسان الكامل يكون من بسببه الوجود سببية غائية، لا منه الوجود سببية فاعلية معطية له فهو سبب غائي لا علة فاعلية، فاحفظ ذلك فإنه ينفعك. الثاني: إن الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله،


(1) الكافي: ج 1، كتاب الحجة، الصفحة 183، الحديث 7. (2) الكافي: ج 1، الصفحة 178. [ * ]

[ 422 ]

وأنه لولاه لما عرف الحق من الباطل، وقد جرت مشيئته الحكيمة على أن يهديهم إلى سبل الرشاد بعد خلقهم ولا يتركهم سدى. قال سبحانه: * (وما كان ربك مهلك القرى حت يبعث في امها رسولا) * القصص: 59. وإلى كلا الوجهين تصريحات في روايات الباب. أما الاول، فعن أبي حمزة قال: ” قلت لابي عبد الله أتبقى الارض بغير إمام ؟ قال: لو بقيت الارض بغير إمام لساخت “. وأما الثاني، فعن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: ” إن الله لم يدع الارض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل ” (1). ولشيخنا العلامة المجلسي كلام في التفويض نتقله بنصه قال: ” وأما التفويض فيطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهم السلام وبعضها مثبت لهم. الاول: التفويض في الخلق والرزق والتربية والاماتة والاحياء، فإن قوما قالوا: إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق، فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون، وهذا الكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن يقال: إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقة، وهذا كفر صريح دلت على استحالته الادلة العقلية والنقلية ولا يستريب عاقل في كفر من قال به. وثانيهما: أن الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لارادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات، فان جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مقارنا لارادتهم لظهور صدقهم، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم، ثم خلق


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 178، الحديث 5 و 10 وغيرهما من الروايات. [ * ]

[ 423 ]

كل شئ مقارنا لارادتهم ومشيتهم. وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا، لكن الاخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صراحا، مع أن القول به قول بما لا يعلم، إذ لم يرد ذلك في الاخبار المعتبرة فيما نعلم. وما ورد من الاخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها، فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم، مع أنه يحتمل أن يكون المراد كونهم علة غائية لايجاد جميع المكونات، وأنه تعالى جعلهم مطاعين في الارضين والسماوات، ويطيعهم باذن الله تعالى كل شئ حتى الجمادات، وأنهم إذا شاؤوا أمرا لا يرد الله مشيئتهم ولكنهم لا يشاؤون إلا أن يشاء الله. وأما ما ورد من الاخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم، وأنه لا ينزل ملك من السماء لامر إلا بدأ بهم، فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك ولا الاستشارة بهم، بل له الخلق والامر تعالى شأنه، وليس ذلك إلا لتشريفهم إكرامهم وإظهار رفعة مقامهم ” (1). وما ذكره هو الحق، إلا أن ظواهر الآيات والروايات في المعاجز على خلاف ما اختاره، لظهورها في كون المعجزات مستندة إليهم أنفسهم بإذن الله. قال سبحانه: * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والابرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) * المائدة 110 فان الخطايات دليل على أنهم عليهم السلام قائمون بها باذن الله. وللبحث مجال آخر. الثاني: تفويض الحلال والحرام إليهم، أي فوض إليهم أن يحللوا ما شاؤوا ويحرموا أيضا ما شاؤوا، وهذا أيضا ضروري البطلان، فان النبي ليس


(1) بحار الانوار: ج 25، الصفحة 347. [ * ]

[ 424 ]

شارعا للاحكام، بل مبين وناقل له، وليس شأنه في المقام إلا شأن ناقل الفتيا بالنسبة إلى المقلدين، قال سبحانه: * (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقائ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * يونس: 15 وقال سبحانه: * (واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) * الاحزاب: 2 وقال سبحانه: * (اتبع ما اوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) * الانعام: 106 وهذه الآيات والروايات المتضافرة، تفيد بوضوح أن النبي لم يكن شارعا بل كان ناقلا ومبينا لما اوحي إليه، فلم يكن له إلا تحليل ما أحل أو تحريم ما حرم الله، وقد نقل سيدنا الاستاذ الاكبر دام ظله أن الصدوق قد عد إطلاق لفظ الشارع على النبي الاكرم من الغلو في حقه صلى الله عليه وآله. نعم عقد الكليني في كتاب الحجة من اصول الكافي بابا أسماه ” التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الائمة عليهم السلام في أمر الدين ” فربما يتبادر منه إلى الذهن أن النبي قد شرع بعض الاحكام. فروى بسند صحيح عن الامام الصادق عليه السلام يقول: ” إن الله عزوجل أدب نبيه فأحسن أدبه، فلما أكمل له الادب، قال: إنك لعلى خلق عظيم ثم فوض إليه أمر الدين والامة ليسوس عباده فقال عز وجل: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب الله، ثم إن الله عزوجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الركعتين، ركعتين وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله عزوجل له ذلك كله، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله النوافل أربعا وثلاثيمن ركعة مثلي الفريضة، فأجاز الله عزوجل له ذلك، والفريضة والناقلة


[ 425 ]

إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر، وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسمن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان، وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة، فأجاز الله عزوجل له ذلك وحرم الله عزوجل الخمر بعينها، وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله.. الخ ” (1). أقول: إن مضمون الروايات يوجه بوجهين: الاول: إن الله سبحانه علم الرسول مصالح الاحكام ومفاسدها، وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها، ولما كانت الاحكام تابعة لمصالح ومفاسد كاملة في متعلقاتها، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفا على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها، كان له أن ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرف على عللها بأقصر من الطرق الاخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه، وإلى هذا يشير الامام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: ” عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل ” (2) غير أن اهتداءه صلى الله عليه وآله إلى الاحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق، قيل جدا لا تتجاوز عما ذكرناه إلا بقليل، وبذلك يعلم حال الائمة المعصومين عليهم السلام في هذا المورد. الثاني: إن عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرد طلب، وقد أنفذ الله طلبه، لا أنه قام بنفسه بتشريع وتقنين، ويشير إلى ذلك بقوله: ” فأجاز الله عزوجل له ذلك “. ولو أن النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوض إليه أمر التقنين على


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 266، الحديث 4، وقد ذكر بعض الاجلة موارد اخر من هذا القبيل. (2) نهج البلاغة: الخطبة 234، طبعة عبده. [ * ]

[ 426 ]

نحو ما تفيده كلمة التفويض، لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجددة، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى، فالحاصل أن ما صدر من النبي لم يكن بصورة التشريع القطعي، بل كان دعاء وطلبا من الله سبحانه لما وقف على مصالح في ما دعاه وقد استجاب دعاءه كما يفيده قوله في الحديث ” فأجاز الله عزوجل له ذلك “. قال العلامة المجلسي: ” التفويض في أمر الدين يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والائمة عموما أن يحلوا ما شاؤوا ويحرموا ما شاؤوا من غير وحي وإلهام، أو يغيروا ما اوحي إليهم بآرائهم، وهذا باطل لا يقول به عاقل، فإن النبي كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل، ولا يجيبه من عنده وقد قال تعالى * (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى) * النجم: 4. وثانيهما: أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الامور شيئا إلا ما يوافق الحق والصواب، ولا يخطر بباله ما يخالف مشيئته تعالى في كل باب، فوض إليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم، وطعمة الجد وغير ذلك مما مضى وسيأتي، إظهارا لشرفه وكرامته عنده، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي، ولم يكن الاختيار إلا بالالهام، ثم كان يؤكد ما اختاره بالوحي، ولا فساد في ذلك عقلا، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه مما تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا من المجلد السادس. ولعل الصدوق رحمه الله أيضا إنما نفى المعنى الاول، حيث قال في الفقيه: ” وقد فوض الله عزوجل إلى نبيه أمر دينه، ولم يفوض إليه تعدي حدوده ” وأيضا هو رحمه الله قد روى كثيرا من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرض لتأوليها.


[ 427 ]

الثالث: تفويض بيان العلوم والاحكام، وهذا مما لا شك ولا شبهة فيه، قال سبحانه: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * النحل: 89 وقال سبحانه: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * النحل: 44 وهذه الآية تفيد أن من شؤون النبي مضافا إلى التلاوة هو تبيين ما نزل إليه من الآيات الحكيمة. والآيات والاحاديث في ذلك كثيرة جدا. قال الباقر عليه السلام مخاطبا لجابر: ” يا جابر لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا، كنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ” وفي رواية ” ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله واصول علم عندنا نتوارثها كابرا عن كابر “. وفي رواية محمد بن شريح عن الصادق عليه السلام: ” والله ما تقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولكن نقول ما قال ربنا “. وفي رواية عنه: ” مهما أجبتك فيه بشئ فهو عن رسول الله. لسنا نقول برأينا من شئ ” (1) إلى غير ذلك من الاحاديث المفيدة أن أحاديثهم مأخوذة عن نبيهم. غير أنهم عليهم السلام يبينون الاحكام حسب اختلاف عقول الناس، ويفتون حسب المصالح، فتارة يبينون الاحكام الواقعية، واخرى الاحكام الواقعية الثانوية حسب مصالح المكلفين كما هو معلوم منم إفتائهم بالتقية. قال العلامة المجلسي رحمه الله: ” تفويض بيان العلوم والاحكام بما رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام، وبعضهم بالتقية، ويبينون تفسير الآيات وتأويلها، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل، ولهم أن يبينوا ولهم أن يسكتوا كما


(1) راجع جامع احاديث الشيعة: ج 1، المقدمة، الصفحة 17. [ * ]

[ 428 ]

ورد في أخبار كثيرة: ” عليكم المسألة وليس علينا الجواب ” كل ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما ورد في خبر ابن أشيم وغيره “. روى محمد بن سنان في تأويل قوله تعالى * (لتحكم بين الناس بما أريك الله) * فقال: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله) * وهي جارية في الاوصياء (1). ولعل تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، لعدم تيسر هذه التوسعة لسائر الانبياء والاوصياء عليهم السلام، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر. والتفويض بهذا المعنى أيضا ثابت حق بالاخبار المستفيضة. الرابع: تفويض سياسة الناس وتأديبهم إليهم، فهم اولوا الامر وساسة العباد كما في الزيارة الجامعة وامراء الناس، فيجب طاعتهم في كل ما يأمرون به وينهون عنه قال سبحانه: * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * النساء: 64 وقال سبحانه: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * النساء: 59 وقال سبحانه: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * النساء: 80 إلى غير ذلك من الآيات والروايات. قال العلامة المجلسي: ” تفويض امور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم، وأمر الخلق باطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا، وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا، وهذا حق لقوله تعالى: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * وغير ذلك من الآيات والاخبار، وعليه يحمل قولهم عليهم السلام ” نحن المحللون حلاله والمحرمون حرامه ” أي بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيهما إلينا “.


(1) بصائر الدرجات: الصفحة 114، ورواه في الاختصاص عن عبد الله بن مسكان. لاحظ البحار: ج 25، الصفحة 334. [ * ]

[ 429 ]

نعم وجوب إطاعة الرسول واولي الامر في طول إطاعته سبحانه فالله تعالى مطاع بالذات والرسول واولوا الامر مطاعون بالعرض وقد اوضحنا ذلك في ” مفاهيم القرآن ” (1). وهناك تفويضان آخران يظهر من العلامة المجلسي رحمه الله. 1 الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة، أو بعلمهم، أو بما يلهمهم الله من الوقايع ومخ الحق في كل واقعة، وهذا أظهر محامل خبر ابن سنان وعليه أيضا دلت الاخبار. 2 التفويض في العطاء، فان الله تعالى خلق لهم الارض وما فيها، وجعل لهم الانفال والخمس والصفايا وغيرها، فلهم أن يعطوا ما شاؤوا ويمنعوا ما شاؤوا، كما مر في خبر الثمالي، وإذا أحطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الاخبار الواردة فيه، وعرفت ضعف قول من نفى التفويض مطلقا ولما بحط بمعانيه. هذه هي المعاني المعقولة المتصورة من التفويض، وأما تفسير التفويض بما عليه المعتزلة كما عن العلامة المامقاني (2) فخارج عن موضوع البحث، فان التفويض بذلك المعنى يقابل الجبر. فقدان الضابطة الواحدة في الغلو المراجع إلى كلمات القدماء يجد أنهم يرمون كثيرا من الرواة بالغلو حسب ما اعتقد به في حق الائمة، وإن لم يكن غلوا في الواقع، ويعجبني أن أنقل كلام الوحيد البهبهاني في هذا المقام، والتأمل فيه يعطي أن كثيرا من هذه النسب لم يكن موجبا لضعف الراوي عندنا، وإن كان موجبا للضعف عند الناقل.


(1) لاحظ الجزء الاول: الصفحة 532 530. (2) مقباس الهداية: الصفحة 148. [ * ]

[ 430 ]

قال قدس الله سره: ” فاعلم أن الظاهر أن كثيرا من القدماء لا سيما القميين منهم والغضائري، كانوا يعتقدون للائمة، عليهم السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معينة من العصمة والكمال، بحسب اجتهادهم ورأيهم وما كانوا يجوزون التعدي عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعا وغلوا حسب معتقدهم، حتى إنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أو التفويض الذي اختلف فيه، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض، (جعلوا كل ذلك) ارتفاعا مورثا للتهمة به، لا سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين. وبالجملة، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضا، فربما كان شئ عند بعضهم فاسدا، أو كفرا، أو غلوا، أو تفويضا، أو جبرا، أو تشبيها، أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده أو لا هذا ولا ذاك. وربما كان منشأ جرحهم بالامور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم كما أشرنا آنفا أو ادعاء أرباب المذاهب كونهم منهم، أو روايتهم عنه، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه، إلى غير ذلك، فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة. ومما ينبه بذلك على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة مثل ترجمة إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد بن نوح، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومحمد بن جعفر بن عوف، وهشام بن الحكم، والحسين بن شاذويه، والحسين بن زيد وسهل بن زياد، وداود بن كثير، ومحمد بن اورمة، ونصر بن الصباح، وإبراهيم بن عمر، وداود بن القاسم، ومحمد بن عيسى بن عبيد، ومحمد بن سنان، ومحمد بن علي الصيرفي، ومفضل بن عمر،


[ 431 ]

وصالح بن عقبة، ومعلي بن خنيس، وجعفر بن محمد بن مالك، وإسحاق بن محمد البصري، وإسحاق بن الحسن، وجعفر بن عيسى، ويونس بن عبد الرحمن، وعبد الكريم بن عمر، وغير ذلك. ثم اعلم أن ابن عيسى والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضا، بعد ما نسباه إلى الغلو، وكأنه لروايته ما يدل عليه، ولا يخفى ما فيه وربما كان غيرهما أيضا كذلك فتأمل ” (1). فيجب على العالم الباحث، التحقيق في كثير من النسب المرمي بها الاجلة، لما عرفت من أنه لم يكن في تلك الازمنة ضابطة واحدة ليتميز الغالي عن غيره. قال العلامة المامقاني: ” لابد من التأمل في جرحهم بأمثال هذه الامور ومن لحظ مواضع قدحهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن، ومحمد بن سنان، والمفضل بن عمر وأمثالهم، عرف الوجه في ذلك، وكفاك شاهدا إخراج أحمد بن محمد بن عيسى، أحمد بن محمد بن خالد البرقي من قم، بل عن المجلسي الاول، أنه أخرج جماعة من قم، بل عن المحقق الشيخ محمد ابن صاحب المعالم، إن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب فيه. فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم فكيف يعول على جرحهم وقدحهم بمجرده، بل لابد من التروي وبالحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن، كيف لا، ولو كان الاعتقاد بما ليس بضروري البطلان عن اجتهاد، موجبا للقدح في الرجل، للزم القدح في كثير من علمائنا المتقدمين، لان كلا منهم نسب إليه القول بما ظاهره مستنكر فاسد ” (2).


(1) الفوائد الرجالية: الصفحة 39 38 المطبوعة بآخر رجال الخاقاني. (2) مقياس الهداية: الصفحة 49 للمامقاني. [ * ]

[ 432 ]

ومما يؤيد ذلك ما ذكره الوحيد البهبهاني في ترجمة أحمد بن محمد بن نوح السيرافي قال: ” إنه حكى في الخلاصة أن الشيخ كان يذهب إلى مذهب الوعيدية (وهم الذين يكفرون صاحب الكبيرة ويقولون بتخليده في النار)، وهو وشيخه المفيد إلى أنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد كما هو مذهب الجبائي، والسيد المرتضى إلى مذهب البهشمية من أن إرادته عرض لا في محل، والشيخ الجليل إبراهيم بن نوبخت إلى جواز اللذة العقلية عليه سبحانه، وأن ماهيته معلومة كوجوده وأن ماهيته الموجود، والمخالفين يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة، والصدوق وشيخه ابن الوليد والطبرسي إلى جواز السهو على النبي، ومحمد بن عبد الله الاسدي إلى الجبر والتشبيه، وغير ذلك مما يطول تعداده، والحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزمه أحد يؤمن بالله، والذي ظهر لي من كلمات أصحابنا المتقدمين، وسيرة أساطين المحدثين، أن المخالفة في غير الاصول الخمسة لا يوجب الفسق، إلا أن يستلزم إنكار ضروري الدين كالتجسيم بالحقيقة لا بالتسمية، وكذا القول بالرؤية بالانطباع أو الانعكاس، وأما القول بها لا معهما فلا، لانه لا يبعد حملها على إرادة اليقين التام، والانكشاف العلمي، وأما تجويز السهو عليه وإدراك اللذة العقلية عليه تعالى مع تفسيرها بارادة الكمال من حيث إنه كمال فلا يوجب فسقا. ثم قال: ونسب ابن طاووس ونصير الدين المحقق الطوسي وابن فهد والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وجدي العلامة وغيرهم من الاجلة إلى التصوف، وغير خفي أن ضرر التصوف إنما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول أو الواحدة في الوجود أو الاتحاد أو فساد الاعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير من المتصوفة في مقام الرياضة أو العبادة، وغير خفي على المطلعين على أحوال هؤلاء الاجلة من كتبهم وغيرهم أنهم منزهون من كلتا المفسدتين قطعا، ونسب جدي العالم الرباني والمقدس الصمداني مولانا محمد صالح المازندراني وغيره من الاجلة إلى القول باشتراك اللفظ، وفيه أيضا ما أشرنا إليه ونسب المحمدون الثلاثة والطبرسي إلى القول بتجويز السهو على


[ 433 ]

النبي، ونسب ابن الوليد والصدوق ايضا منكر السهو إلى الغلو، وبالجملة أكثر الاجلة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا إليه، ومن هذا يظهر التأمل في ثبوت الغلو وفساد المذهب بمجرد رمي علماء الرجال من دون ظهور الحال ” (1). ونحن بعد ما قرأنا ذلك انتقلنا إلى ما ذكره العلامة الزمخشري في حق نفسه حيث يقول: تعجبت من هذا الزمان وأهله * فما أحد من السن الناس يسلم (2) والذي تبين لنا من مراجعة هذه الكلم هو أن أكثر علماء الرجال، أو من كان ينقل عنه علماء الرجال لم يكن عندهم ضابطة خاصة لتضعيف الراوي من حيث العقيدة، بل كلما لم تنطبق عقيدة الراوي عقيدته رماه بالغلو والضعف في العقيدة، وربما يكون نفس الرامي مخطئا في اعتقاده بحيث لو وقفنا على عقيدته لحكمنا بخطئه، أو وقف في كتاب الراوي على أخبار نقلها هو من غير اعتقاد بمضمونها فزعم الرامي أن المؤلف معتقد به، إلى غير ذلك مما يورث سوء الظن، مثل ما إذا ادعى بعض أهل مذاهب الفاسدة أن الراوي منهم وليس هو منهم. وجملة القول في ذلك ما ذكره المحقق المامقاني حيث قال: ” إن الرمي بما يتضمن عيبا، فضلا عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الاخذ به بمجردة إذ لعل الرامي قد اشتبه في اجتهاده، أو عول على من يراه أهلا في ذلك وكان مخطئا في اعتقاده، أو وجد في كتابه أخبارا تدل على ذلك وهو برئ منه ولا يقول به، أو ادعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنه منهم وهو كاذب، أو روى أخبارا ربما توهم من كان قاصرا أو ناقصا في الادراك والعلم أن ذلك ارتفاع وغلو، وليس كذلك، أو كان جملة من الاخبار يرويها ويحدث بها ويعترف


(1) تعليقة المحقق البهبهاني. (2) الكشاف: الجزء الثالث ص 376 طبعة مصر. [ * ]

[ 434 ]

بمضامينها ويصدق بها من غير تحاش بها واتقاء من غيره من أهل زمانه، بل يتجاهر بما لا تتحملها أغلب العقول فلذا رمى ” (1). فتلخص أن تضعيف الراوي من جانب العقيدة لا بتم إلا بثبوت أمرين: الاول: أن يثبت أن النظرية مما توجب الفسق. الثاني: أن يثبت أن الراوي كان معتقدا بها. وأنى لنا باثبات الامرين. أما الاول، فلوجود الخلاف في كثير من المسائل العقيدية حتى مثل سهو النبي في جانب التفريط أو نسبة التفويض في بعض معانيها في جانب الافراط، فان بعض هذه المسائل وإن صارت من عقائد الشيعة الضرورية بحيث يعرفها العالي والدائي، غير أنها لم تكن بهذه المثابة في العصور الغابرة. وأما الثاني، فإن إثباته في غاية الاشكال، خصوصا بالنظر إلى بعض الاعمال التي كان يقوم بها بعض الرواة في حق بعض، من الاخراج والتشديد بمجرد النقل عن الضعفاء وإن كان ثقة في نفسه، أو لبعض الوجوه المحتملة التي ذكرها العلامة المامقاني، وما لم يثبت الامران لا يعتني بهذه التضعيفات الراجعة إلى جانب العقيدة. تضعيف الراوي من حيث العمل قد عرفت في صدر البحث أن تضعيف الراوي يرجع إلى أحد الامرين: إما تضعيف في العقيدة أو تضعيف في جانب العمل، وقد وقفت على التضعيف من الجانب الاول وحان الوقت أن نبحث في الضعف من الجانب الثاني. فنقول: إن تضعيف الراوي من جانب العمل على قسمين: تارة يرجع


(1) مقباس الهداية: الصفحة 150. [ * ]

[ 435 ]

إلى عمله غير المرتبط بنقله وحديثه، كما إذا ارتكب بعض الكبائر وأصر بالصغائر ولم يكن مرتبطا بالحديث، واخرى كون مربوطا بالحديث ويعرف ذلك بملاحظة الكلمات الواردة في حقه. منها قولهم: مضطرب الحديث ومختلط الحديث، وليس بنقي الحديث، يعرف حديثه وينكر، غمز عليه في حديثه، أو في بعض حديثه، وليس حديثه بذاك النقي، وهل هذه الالفاظ قادحة في العدالة أو لا، قال المحقق البهبهاني: إن هذه الالفاظ وأمثالها ليست بظاهرة في القدح في العدالة لورود هذه الالفاظ في حق أحمد بن محمد ابن خالد وأحمد بن عمر (1). تم الكلام حول فرق الشيعة التي ربما يوجب الانتماء إلى بعضها تضعيف الراوي وعدم الاعتماد على نقله. بقيت هنا فوائد رجالية لا تجتمع تحت عنوان واحد، نبحث عنها في الخاتمة إن شاء الله.


(1) الفوائد الرجالية: الفائدة الثانية: الصفحة 43. [ * ]

[ 437 ]

خاتمة في فوائد رجالية


[ 439 ]

ان هناك فوائد رجالية متفرقة لا تدخل تحت ضابطة واحدة وقد ذكرها الرجاليون في كتبهم ونحن نكتفي بما هو الاهم من تلك الفوائد، التي لا غنى للمستنبط عن الاطلاع عليها. ولاجل تسهيل الامر نأتي بكل واحدة منها تحت فائدة خاصة، عسى أن ينتفع بها القارئ الكريم، بفضله ومنه سبحانه. الفائدة الاولى روى أصحابنا في كتب الاخبار عن رجال يذكرون تارة كناهم أو ألقابهم، واخرى ما اشتهروا به، وثالثة أسماءهم غير المعروفة عند الاكثر. فيعسر تحصيل أسمائهم ومعرفة حالهم. لان الغالب في كتب الفهرس والرجال سرد الرواة بأسمائهم المشهورة، وعدم الاعتناء بما وقع في أسناد الروايات، كما هو الحال في فهرس النجاشي مثلا. ولا يخفى أن كل من له كنية أو لقب، لا يصح التعبير عنه بكنيته أو لقبه إلا إذا كان مشتهرا بواحد منهما بحيث كان عنوانه في الكنى صحيحا كأبي جميلة وأبي المغرا وغيرهم. وقد جمع العلامة في خاتمة الخلاصة (1) وابن داود في خاتمة القسم الاول من الرجال (2) أكثر


(1) الخلاصة: الفائدة الاولى الصفحة 271 269. (2) الرجال لابن داود: الفصل 5، الصفحة 214 212. [ * ]

[ 440 ]

المشهورين بالكنى، فذكر أسماءهم ليعلم المراد بهم إذا وردوا في الاخبار (1) ونحن نأتي بالاهم منهم مع ذكر أشخاص اخر لم يذكروا في الكتابين مرتبين على حروف التهجي، مبتدئين بالكنى فالالقاب. 1 أبو أحمد الازدي هو محمد بن أبي عمير. 2 أبو أيوب الانصاري، اسمه خالد بن زيد. 3 أبو أيوب الخراز (بالراء المهملة قبل الالف والمعجمة بعدها) هو ابراهيم بن عيسى. وقيل عثمان (2). 4 أبو بكر الحضرمي، اسمه عبد الله بن محمد. قال العلامة: ” أخذت ذلك من كتاب من لا يحضره الفقيه “. 5 أبو البلاد، اسمه يحيى بن سليم. 6 أبو جعفر، روى الشيخ وغيره في كثير من الاخبار عن ” سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر “. والمراد بأبي جعفر هنا هو أحمد بن محمد بن عيسى (3). 7 أبو جعفر الاحول، هو محمد بن النعمان يلقب ب‍ ” مؤمن الطاق “. 8 أبو جعفر الزيات، اسمه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الهمداني.


(1) والجدير بالذكر ان هذا الباب غير باب الكنى الذي يعنون فيه الرجل بالكنية ويذكر حاله كما ذكر في قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 172 171، واضاف ان المتأخرين خلطوا بين الامرين ولم يفرقوا بين البابين. (2) هذا هو المذكور في فهرس النجاشي. لكن ابن داود ذكره بعنوان ابراهيم بن زياد نقلا عن الشيخ (الرجال: الصفحة 31، الرقم 19 من القسم الاول). (3) الخلاصة: الصفحة 271، الفائدة الثانية. الرجال لابن داود: الصفحة 307. منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 37، ذيل الفائدة السادسة. [ * ]

[ 441 ]

9 أبو جعفر الرواسي، اسمه محمد بن الحسن بن أبي سارة. 10 أبو جميلة هو المفضل بن صالح السكوني. 11 أبو الجوزاء، هو منبه بن عبد الله. 12 أبو الجيش، اسمه مظفر بن محمد بن أحمد البلخي. 13 أبو حمران، اسمه موسى بن إبراهيم المروزي. 14 أبو حمزة الثمالي، اسمه ثابت بن أبي صفية دينار. 15 أبو حنيفة سائق الحاج، اسمه سعيد بن بيان (1). 16 أبو خالد القماط، اسمه يزيد (2). 17 أبو خديجة، هو سالم بن مكرم. 18 أبو الخطاب. ملعون، اسمه محمد بن مقلاص، يكنى أيضا أبو إسماعيل وأبو الظبيان (3). 19 ابو داود المسترق (بتشديد القاف) المنشد، اسمه سليمان بن سفيان. قال ابن داود: ” انما سمي المسترق لانه كان يسترق الناس بشعر السيد الحميري “. 20 أبو الربيع الشامي، اسمه خليد بن أوفى.


(1) فهرس النجاشي: الرقم 476. وفي رجال ابن داود: الرقم 686 من القسم الاول: ” سائق الحاج “. (2) ذكره النجاشي في فهرسه بالرقم 1223، وابن داود في رجاله بالرقم 1722. فما في الفصل الخامس من خاتمة رجاله بان اسمه ” خالد بن يزيد ” من هفوات قلمه الشريف. (3) رجال ابن داود: الرقم 482 من القسم الثاني. اما العلامة قدس سره فخلط عند ذكر ابي الخطاب في خاتمة خلاصته وقال: ” ابو الخطاب، ملعون يقال له مقلاص ومحمد بن ابي زينب الرواسي. اسمه محمد بن ابي سارة ” وفيه من الخطأ ما لا يخفى عصمنا الله من الزلل. [ * ]

[ 442 ]

21 أبو سعيد القماط، هو خالد بن سعيد. 22 أبو سمينة، اسمه محمد بن علي بن إبراهيم القرشي. 23 أبو الصباح الكناني، اسمه إبراهيم بن نعيم العبدي. 24 أبو علي الاشعري، اسمه محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك، شيخ القميين، من أصحاب الرضا وأبي جعفر الثاني عليهما السلام. 25 أبو علي الاشعري القمي، اسمه أحمد بن إدريس، من مشايخ أبي جعفر الكليني. مات سنة 306 بالقرعاء. 26 أبو عبيدة الحذاء اسمه زياد بن عيسى. 27 أبو غالب الزراري، اسمه أحمد بن محمد بن سليمان. 28 أبو الفضل الحناط اسمه سالم. 29 أبو القاسم. قال العلامة: ” يرد في بعض الاخبار: الحسن بن محبوب، عن أبي القاسم. والمراد به معاوية بن عمار ” (1). 30 أبوالمغرا، اسمه حميد بن المثني (2). 31 أبو ولاد الحناط، اسمه حفص بن سالم. 32 أبو هاشم الجعفري، اسمه داود بن القاسم بن إسحاق. 33 أبو همام، اسمه إسماعيل بن همام.


(1) الخلاصة: الفائدة الثانية. الصفحة 271، الرجال لابن داود: الصفحة 307. (2) رجال ابن داود: الرقم 538، من القسم الاول. فهرس النجاشي: الرقم 340. اما ” ابو المعز ” المذكور في الخلاصة فليس بصحيح قطعا. [ * ]

[ 443 ]

34 ابن حمدون الكاتب، هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل. 35 ابن عقدة، اسمه أحمد بن محمد بن سعيد (المتوفي عام 333). 36 البزوفري، اسمه الحسين بن علي بن سفيان. 37 البقباق، اسمه الفضل بن عبد الملك. 38 الحجال، اسمه عبد الله بن محمد الاسدي (1). 39 الخشاب، اسمه الحسن بن موسى. 40 سجادة، اسمه الحسن بن أبي عثمان. 41 السمكة، اسمه أحمد بن إسماعيل. 42 الشاذاني هو محمد بن أحمد بن نعيم. 43 الصفواني، اسمه محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة (2). 44 الطاطري، اسمه علي بن الحسن بن محمد الطائي. 45 علان، اسمه علي بن محمد بن إبراهيم الكليني. 46 القلانسي أبو جعفر، هو محمد بن أحمد بن خاقان (حمدان النهدي). 47 القلانسي أبو عبد الله، هو الحسين بن مختار. 48 النوفلي، اسمه الحسين بن يزيد. يروي عن السكوني.


(1) يعبر عنه بأبي محمد الحجال ايضا. كما في الكشي: الرقم 497. (2) الرجال لابن داود: الرقم 1296 من القسم الاول. فهرس النجاشي: الرقم 1050. فما في خاتمة القسم الاول من الرجال: الصفحة 213، وخاتمة الخلاصة: الصفحة 269، من ثبت ” ابي عبد الله ” بدل ” عبد الله ” لعله سهو. [ * ]

[ 444 ]

49 الوشاء، اسمه الحسن بن علي بن زياد. 50 حمدان النهدي، اسمه محمد بن أحمد بن خاقان. 51 محمد بن زياد الازدي هو محمد بن أبي عمير. 52 محمد بن زياد البزاز، متحد مع ما قبله. الفائدة الثانية توجد في كثير من طرق الكافي لا سيما في أوائلها، عبارة ” عدة من أصحابنا بعنوان مطلق، مع ذكر بعضهم أحيانا. كما في الحديث الاول من كتاب العقل والجهل: ” عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب.. ” (1). أو في الحديث الثاني من باب ” أن الائمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وعلم ما يكون.. ” من كتاب الحجة: ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، وعدة من أصحابنا، منهم عبد الاعلى، وأبو عبيدة، وعبد الله بن بشر الخثعمي، سمعوا أبا عبد الله عليه السلام.. ” (2). فوقع البحث عند المحدثين والرجاليين قديما وحديثا في تعيين المراد منهم، كما بحثوا في أنه هل يجب معرفة أسمائهم وتمييز ما ابهم منهم لاجل الحكم بصحة الحديث أو عدم صحته أو لا يجب ذلك، وأن الطريق المذكور فيه ” عدة من أصحابنا ” ليس مرسلا أو ضعيفا من هذه الجهة ؟ حتى إن بعضهم أفرد رسالة مستقلة حول المذكورين بهذا العنوان، كما حكى في المستدرك (3).


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 10. (2) الكافي: ج 1، الصفحة 261، الحديث 2. (3) مستدرك الوسائل ج 3، الصفحة 541. [ * ]

[ 445 ]

ونحن نذكر ملخص ما قيل في هذا المضمار لما فيه من الفوائد فنقول: حكى النجاشي رحمه الله في كتابه عند ترجمة أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني هذه العبارة عنه ” كل ما كان في كتابي: ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى ” فيهم: محمد بن يحيى (العطار) وعلي بن موسى الكميذاني وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن إبراهيم بن هاشم ” (1). ونقله العلامة في الخلاصة عن النجاشي (2) وزاد عليه أن الكليني قال أيضا: ” وكل ما ذكرته في كتابي المشار إليه: ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ” فهم: علي بن إبراهيم، وعلي بن محمد بن عبد الله بن اذينة، وأحمد بن عبد الله بن امية (3) وعلي بن الحسن (4) “.


(1) فهرس النجاشي: الرقم 1026. (2) الخلاصة: الصفحة 271. وفيها ” الكمنذاني ” بدل ” الكميذاني ” وهو منسوب إلى قرية من قرى قم. (3) قال المحقق التستري: ” الظاهر وقوع التحريف فيهما واصلهما: علي بن محمد بن عبد الله ابن ابنته واحمد بن عبد الله ابن ابنه قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 42 ” مرجع الضمير في ” بنته ” و ” ابنه ” هو احمد بن محمد بن خالد البرقي. (4) ذكره المحدث النوري ايضا في المستدرك: ج 3، الصفحة 541 نقلا عن الخلاصة مع تفاوت يسير: منها ” علي بن الحسين السعدبادي ” بدل ” علي بن الحسن “. قال صاحب سماء المقال بعد نقل العدة الثانية عن الخلاصة ما هذا لفظه: ” واستظهر جدنا السيد انه علي بن الحسين السعد آبادي، نظرا إلى ما ذكره الشيخ في رجاله من ان علي بن الحسين السعد آبادي روى عن الكليني والزراري، وكان معلمه، وانه روى عن احمد بن محمد بن خالد، على ما يظهر مما ذكره في الفهرس. فانه بعد ذكر اسامي كتب البرقي، قال: اخبرنا بهذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة من اصحابنا منهم الشيخ المفيد والغضائري واحمد بن عبدون وغيرهم عن احمد بن سليمان الزراري، قال: حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ابو الحسن القمي، قال حدثنا احمد بن ابي عبد الله (البرقي).. ” ويشهد عليه أي على استظهار السيد. ملاحظة الاسانيد. راجع: سماء المقال: ج 1، الصفحة 78. [ * ]

[ 446 ]

قال: ” وكل ما ذكرته في كتابي المشار إليه: ” عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ” فهم: علي بن محمد بن علان (1)، ومحمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني “. هذا ما تبين من أسامي الرواة المذكورين بعنوان العدة، ولكنه لم يتبين كثير منهم، مثل: 1 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر. 2 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد. 3 عدة من أصحابنا، عن أبان بن عثمان، عن زرارة. 4 عدة من أصحابنا، عن جعفر بن محمد، عن ابن الفضال. 5 عدة من أصحابنا، عن سعد بن عبد الله. وقد استوفى المحدث المتتبع النوري في خاتمة مستدركه والعلامة الكلباسي في سماء المقال البحث عن أكثر العدد المذكورة في الكافي مع ذكر مواضيعها، فليراجع (2). لكن الشيخ حسن بن زين الدين صاحب المنتقي ادعى في كتابه بعد حكاية كلام النجاشي والعلامة، أن محمد بن يحيى العطار أحد العدة مطلقا، واستتنج أن الطريق صحيح من جهة العدة مطلقا، لان الرجل كان شيخ أصحابه في زمانه وكان ثقة عينا كثير الحديث (3).


(1) صحيحه كما في فهرس النجاشي: الصفحة 260، الرقم 682: ” علي بن محمد بن ابراهيم المعروف بعلان “. صرح بذلك ايضا المحقق التستري في قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 42. (2) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 545، سماء المقال: ج 1، الصفحة 83. (3) فهرس النجاشي: الرقم 946. [ * ]

[ 447 ]

قال: ” ويستفاد من كلامه أي أبي جعفر الكليني رحمه الله في الكافي، أن محمد بن يحيى أحد العدة مطلقا، وهو كاف في المطلوب. وقد اتفق هذا البيان في أول حديث ذكره في الكتاب (1)، وظاهره أنه أحال الباقي عليه. ومقتضى ذلك عدم الفرق بين كون رواية العدة عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، وإن كان البيان إنما وقع في محل الرواية عن ابن عيسى، فإنه روى عن العدة عن ابن خالد بعد البيان بجملة يسيرة من الاخبار (2)، ويبعد أن لا يكون محمد بن يحيى في العدة عن ابن خالد ولا يتعرض مع ذلك للبيان في أول روايته عنه، كما بين في أول روايته عن ابن عيسى ” (3). يلاحظ عليه: ” أنه بعد تصريح الكليني على ما نقل عنه العلامة، بأسماء العدة عن أحمد بن محمد بن خالد (إذ لم يذكر فيه محمد بن يحيى) لا سبيل لهذا الاحتمال. ولذا ذكر الكلباسي أن الكلام المزبور أشبه شئ بالاجتهاد في مقابلة النص (4). إن قيل: يمكن استظهار ما ذكره صاحب المنتقي، مما حكاه المحدث النوري عند نقل كلام العلامة في العدة عن البرقي بأنه يوجد في بعض نسخ الكافي في الباب التاسع من كتاب العتق هذا الاسناد: ” عدة من أصحابنا علي بن إبراهيم، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن يحيى، وعلي بن محمد بن عبد الله القمي وأحمد بن عبد الله وعلي بن الحسين جميعا عن أحمد بن محمد ابن خالد عن عثمان بن عيسى “.


(1) المراد منه اول حديث من كتاب العقل والجهل، بهذا الاسناد: عدة من أصحابنا، منهم محمد بن يحيى العطار، عن احمد بن محمد… (الكافي: ج 1، الصفحة 10). (2) راجع الكافي: ج 1، الصفحة 11، الحديث 7: عدة من أصحابنا، أحمد بن محمد بن خالد. (3) منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 43. (4) سماء المقال: ج 1، الصفحة 80. [ * ]

[ 448 ]

قلنا: أولا إن ورود هؤلاء في طريق هذه الرواية لا يدل على أن المراد من العدة عن البرقي في جميع الموارد هم المذكورون هنا، بل يدل على أن الوارد في طريق هذه الرواية، غير الذين اشتهروا بعنوان العدة عن البرقي فيما حكاه العلامة. وبعبارة اخرى: إن السبب لذكر أسامي أفراد العدة في هذا الطريق هو التنبيه على أن المراد من العدة هنا، غير المراد من العدة في الروايات الاخر عن البرقي. ثانيا ما أفاده المحقق التستري وأجاد في إفادته بأن المنقول لا ينبغي أن يعتمد عليه، لانه نقل عن نسخة مختلطة الحواشي بالمتن. والصحيح ما نقله الحر العاملي في ” الوسائل ” وموجود في أكثر نسخ الكافي وهو: ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد ” (1). هذا، والذي يسهل الخطب هو أن المذكورين بعنوان العدة في طرق الكليني هم مشايخ إجازته إلى كتب رواة كابن البرقي، وسهل بن زياد، وابن عيسى، والبزنطي، وسعد بن عبد الله وغيرهم من أصحاب المنصفات والكتب (2)، كما صرح بذلك العلامة النوري في خاتمة كتاب المستدرك (3). وحيث إن أكثر هذه الكتب والمؤلفات معلومة الانتساب إلى مؤلفيها، وقد رام الكليني من ذكر العدة إكثار الطريق إلى الكتب المذكورة فقط وقد عرفت


(1) راجع الكافي: ج 6، الصفحة 183، كتاب العتق، باب الملوك بين شركاء، الحديث 5، الوسائل، ج 16، الصفحة 22 الحديث 5. (2) حكى النجاشي، في ترجمة أحمد بن عدة من أصحابنا عيسى عن استاذه أبي العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي انه قال: ” اخبرنا بها اي بكتب احمد بن محمد ابو الحسن بن داود عن محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم ومحمد بن يحيى وعلي بن موسى بن جعفر وداود بن كورة واحمد بن ادريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى بكتبه ” (فهرس النجاشي: الصفحة 82، ذيل الرقم 198). وهؤلاء هم المذكورون بعنوان العدة عن ابن عيسى. وفي هذا تصريح بانهم كانوا طرق الكليني إلى كتب ابن عيسى. (3) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 542. [ * ]

[ 449 ]

المختار في باب ” شيخوخة الاجازة ” أنه لا حاجة إلى إثبات وثاقة المجير بالنسبة إلى كتاب مشهور، فلا يهمنا التعرض لتشخيص هؤلاء العدد وتمييز ما ابهم منهم وجرحهم أو تعديلهم، وإن كان أكثر المذكورين منهم من أجلاء الاصحاب وأعاظم الرواة. بقي أنه ربما يروي الكليني معبرا بلفظ ” الجماعة “، كما في كتاب العقل والجهل، الحديث 15: ” جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى.. ” (1) أو يروي معبرا بلفظ ” غير واحد من أصحابنا ” كما في باب زكاة مال الغائب الحديث 11: ” غير واحد من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن مهزيار ” (2) ويظهر من العلامة الكلباسي في كلا التعبيرين، ومن المحقق التستري في التعبير الاول أنه على منوال العدة، فلا فرق بين ” جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد ” و ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد ” (3). وللعلامة بحر العلوم اشعار في ضبط العدة لا بأس بذكرها: عدة أحمد بن عيسى بالعدد * خمسة أشخاص بهم تم السند علي العلي والعطار * ثم ابن ادريس وهم أخيار ثم ابن كورة، كذا ابن موسى * فهؤلاء عدة ابن عيسى وإن عدة التي عن سهل * من كان الامر فيه غير سله ابن عقيل وابن عون الاسدي * كذا علي بعده محمد وعدة البرقي وهو أحمد (4) * علي بن الحسن وأحمد


(1) الكافي: ج 1، الصفحة 23، الحديث 15. (2) الكافي: ج 3، الصفحة 521، الحديث 11. (3) سماء المقال: ج 1، الصفحة 84 83. قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 43. (4) يذكر الكليني في أكثر الاسناد ” عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد ” وفي بعضها: [ * ]

[ 450 ]

وبعد ذين ابن اذينة علي * وابن لابراهيم واسمه علي هذا تمام الكلام في عدة الكليني. الفائدة الثالثة قد يحذف الكليني صدر السند في خبر مبتنيا على الخبر الذي قبله وهذا ما يعبر عنه في كلام أهل الدراية بالتعليق فمثلا يقول في الخبر الاول من الباب: ” علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس.. ” وفي الخبر الثاني منه: ” ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد ” (1) أو يقول في الخبر الاول من الباب: ” علي، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن أبي عبد الله صاحب السابري.. ” وفي الخبر الثاني منه: ” ابن أبي عمير، عن ابمن رئاب، عن إسماعيل بن الفضل “. وفي الخبر الثالث منه: ” ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام.. ” (2). أو يقول في الخبر الاول: ” عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، وعلي بن ابراهيم عن أبيه، وسهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام “، وفي الخبر الثاني منه: ” ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبد الله عليه السلام “. وفي الخبر


” عدة من أصحابنا عن احمد بن ابي عبد الله ” كما في: ج 6، الصفحة 367 باب الخس من كتاب الاطعمة. والمراد منه البرقي ايضا (1) الكافي: ج 2، الصفحة 96، الحديث 16، و 17 من باب الشكر. (2) الكافي: ج 2، الصفحة 99 98، الحديث 27 و 28 و 29. والصفحة 105 104 الحديث 6 و 7 والصفحة 122 121، الحديث 2 و 3. [ * ]

[ 451 ]

الثالث منه يقول: ” ابن محبوب، عن أبي جعفر محمد بن النعمان الاحول صاحب الطاق، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام.. ” (1). ومن المعلوم أن أمثال هذه الاخبار سندة لا مرسلة كما صرح به جماعة كالمجلسي الاول والسيد الجزائري وصاحب المعالم (2). قال الاخير في المنتقي: ” اعلم أنه اتفق لبعض الاصحاب توهم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق سابقة وهي طريقة معروفة بين القدماء، والعجب أن الشيخ رحمه الله ربما غفل عن مراعاتها فأورد الاسناد من الكافي بصورته ووصله بطرقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة. فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعا ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله. ومنشأ التوهم الذي أشرنا إليه فقد الممارسة المطلعة على التزام تلك الطريقة ” (3). وقد تعجب صاحب ” سماء المقال ” عن شيخ في تهذيبه، حيث نقل رواية عن الكليني وادعى أنها مرسلة مع أنه من باب التعليق (4)، والرواية موجودة في باب الزيادات في الزكاة من ” التهذيب ” بهذا السند: ” محمد بن يعقوب مرسلا عن يونس بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن ابي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام ” (5)، والرواية موجودة في ” الكافي ” كتاب الزكاة، باب منع الزكاة، (الحديث 3)، ولكنها مبتنية


(1) الكافي: ج 2، الصفحة 125 124، الحديث 1 و 2 و 3 من باب الحب في الله والبغض في الله. (2) سماء المقال: ج 2، الصفحة 132. (3) منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 25 24. (4) سماء المقال: ج 2، الصفحة 132. (5) التهذيب: ج 4، الصفحة 111، الحديث 59. [ * ]

[ 452 ]

على الرواية التي نقلها قبلها بهذا السند: ” علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابن مسكان يرفعه عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام ” (1). فما رواه الشيخ عن الكليني عن يونس ليس مرسلا، كما أن المحدث الحر العاملي التفت إلى التعليق وأتى بتمام السند، هكذا: ” محمد بن يعقوب عن علي، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام ” (2). وزعم بعض أن حذف الكليني صدر السند لعله لنقله عن الاصل المروي عنه. وأجاب عنه صاحب ” قاموس الرجال ” أن الحذف للنقل عن أصل من لم يلقه، بعيد عن دأب القدماء. وهذا هو المفيد في ” الارشاد ” حيث ينقل عن ” الكافي ” بقوله: ” جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب “. نعم، قد يفعلون ذلك مع ذكر طرقهم إلى الاصل بعنوان المشيخة، كما فعل ذلك الصدوق والشيخ في الفقيه والتهذيبين (3). الفائدة الرابعة إنه قد صدر الكليني جملة من الاسانيد بعلي بن محمد وقد اضطربوا في تعيينه، منهم من جزم بكونه علي بن محمد بن إبراهيم علان، ومنهم من اختار كونه علي بن محمد بن اذينة، ومنهم من رجح أن المراد علي بن محمد بن بندار، ومنهم من توقف ولم يعين أحدهم.


(1) الكافي: ج 3، الصفحة 503، الحديث 2 و 3. (2) الوسائل: ج 6، الصفحة 18، الباب 4، الحديث 3. (3) قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 41. [ * ]

[ 453 ]

قال المولى صالح المازندراني في شرحه على الكافي: ” يروي مصنف هذا الكتاب كثيرا عن علي بن محمد وهو علي بن محمد بن ابراهيم الكليني المعروف بعلان ” (1). واختار العلامة المجلسي في مواضع من ” مرآة العقول ” كون المراد منه علي بن محمد بن عبد الله بن اذينة الذي ذكره العلامة في العدة التي تروي عن البرقي (2) وقال في موضع آخر على ما حكى عنه: ” إن تعيين علي بن محمد المصدر في أوائل السند من بين الثلاثة المذكورة مشكل ” (3). وذهب العلامة المامقاني إلى أن علي بن محمد هذا مردد بين ثلاثة وهم: علي بن محمد بن عبد الله بن اذينة، وعلان، والمعروف ب‍ ماجيلويه وكل منهم شيخ الكليني. ثم قال: ” فحمله على أحدهم دون الآخرين تحكم. والصالح لم يذكر دليله ” (4). وادعى صاحب ” قاموس الرجال ” أن الظاهر تعين إرادة علان دون صاحبيه. وذلك لانه كلما ورد ” علي بن محمد ” عن سهل وقد فسر الكليني ” عدة سهل ” بجمع منهم ” علان “. وأضاف أن كون ” ابن اذينة ” غير ماجيلويه غير معلوم، بل الظاهر كون ” ابن اذينة ” محرف ” ابن لابنته ” فهو متحد مع ماجيلويه (5). توضيح ذلك: أن علي بن محمد بن عبد الله المعروف أبوه ب‍ ماجيلويه هو


(1) شرح الكافي للمولى صالح: ج 1، الصفحة 78 ذيل الحديث 2. (2) مرآة العقول: ج 1، الصفحة 34 شرح الحديث 8. (3) تنقيح المقال: الفائدة الثامنة، من الخاتمة فصل الكنى، الصفحة 99 98. (4) المصدر نفسه. (5) قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 52 51. وصرح بهذا التحريف في الصفحة 42 ايضا. [ * ]

[ 454 ]

ابن بنت البرقي، كما صرح النجاشي في كتابه (1) أما علي بن محمد بن عبد الله ابن اذينة فهو مذكور فقط في عدة الكليني عن البرقي وليس له عين ولا أثر في موضع آخر ومن هنا استظهر المحقق التستري أن ” اذينة ” محرف ” إبنته ” والضمير راجع إلى البرقي فهو متحد مع ماجيلويه المذكور الذي تأدب على البرقي وأخذ عنه العلم والادب وروى بواسطته كتب الحسين بن سعيد الاهوازي. وغير خفي أيضا أن علي بن محمد المعروف ب‍ ماجيلويه متحد مع علي ابن محمد بن بندار الذي يروي عنه الكليني كثيرا. وعلى ضوء هذا فلو صح ما استظهره المحقق التستري يرجع الترديد إلى اثنين وهما علان وماجيلويه. ولكن ما ادعاه (دام ظله) من تعين إرادة علان دون ماجيلويه، ليس بتام. لانه قد وقع في الكافي رواية علي بن محمد بن علي بن الحسن (2) وعن ابن جمهور (3) وعن الفضل بن محمد (4) وعن محمد بن موسى (5) وغيرهم من الرجال، وإن كانت رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة جدا وعلى سبيل المثال نذكر أنه يوجد في ” الكافي ” من أول كتاب الطهارة إلى آخر الزكاة أكثر من مائة مورد، روى الكليني في سبعين موردا منها عن علي بن محمد، عن سهل، وفي سائرها عن رجال آخرين. فاطلاق كلام المحقق المذكور ليس في محله. كما أن ما ذكره صاحب ” معجم رجال الحديث ” بعدم ظفره في الكافي


(1) فهرس النجاشي: الصفحة 353، الرقم 947، والصفحة 59 ذيل الرقمين 137 136. (2) الكافي: ج 3، الصفحة 185، الحديث 6. (3) المصدر نفسه: الصفحة 37، الحديث 16 والصفحة 506، ج 23، والصفحة 527، ج 2 (4) المصدر نفسه: الصفحة 287، الحديث 5. (5) المصدر نفسه الصفحة 287، الحديث 4. [ * ]

[ 455 ]

وفي غيره على رواية محمد بن يعقوب الكليني عن علان غريب جدا (1). وادعى دام ظله أيضا أن المراد من علي بن محمد المذكور في أوائل أسناد الكافي هو ابن بندار. وإليك نص كلامه: ” علي بن محمد من مشايخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه في الكافي في جميع أجزائه وأطلق. ومن ثم قد يقال بجهالته. ولكن الظاهر أنه علي بن محمد بن بندار الذي روى عنه كثيرا. فقد روى عنه في أبواب الاطعمة ثلاثة وثلاثين موردا (2). وبهذا يتعين أن المراد بعلي بن محمد في سائر الموارد هو علي بن محمد بن بندار ” (3). ولا يخفى ما في هذا القول من النظر، لان موارد رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة كما أشرنا إليه والمراد منه ” علان ” قطعا لدخوله في العدة الراوين عن سهل، كما مر. ومن عجيب ما وقع له بناء على ما اختاره أن علي بن محمد بن بندار غير علي بن محمد بن عبد الله (4)، مع أنهما متحدان جزما. والذي ظهر لنا بعد النظر في عبائر المحققين أن علي بن محمد المصدر في أوائل اسناد ” الكافي ” كثيرا ليس مجهولا قطعا، بل هو إما علي بن محمد


(1) معجم رجال الحديث: ج 12، الصفحة 140، الرقم 8389. (2) لم نظفر في كتاب الاطعمة (ج 6، الصفحة 379 242) الا على تسعة وعشرين موردا روى فيها عن علي بن محمد بن بندار، عشرون منها ” علي بن محمد بن بندار عن احمد بن ابي عبد الله “، وسبعة منها ” علي بن محمد بن بندار عن ابيه “، وواحد منها ” علي بن محمد بن بندار عن محمد بن عيسى “، وواحد منها ” علي بن محمد بن بندار عن احمد بن محمد “. والمراد من احمد بن محمد هو ” احمد بن ابي عبد الله البرقي ” كما لا يخفى. وايضا روى في ابواب الاطعمة في موارد تسعة عن علي بن محمد بدون قيد. (3) معجم رجال الحديث: ج 12، الصفحة 138، الرقم 8384. (4) المصدر نفسه: الرقم 8439. [ * ]

[ 456 ]

بن إبراهيم المعروف بعلان، وإما علي بن محمد بن بندار المعروف أبوه بماجيلويه. وكلاهما ثقتان. فما ادعاه صاحب التنقيح كان أقرب إلى الصواب مما ذكر في القاموس والمعجم. الفائدة الخامسة نقل عن الاسترآبادي وحجة الاسلام الشفتي والمحقق الكاظمي أن محمد بن الحسن الذي يروي عنه الكليني هو محمد بن الحسن الصفار (المتوفي عام 290) وقوى هذا القول العلامة الكلباسي والمحقق التستري (1)، أما المحدث النوري فهو بعد ما نقل الوجوه المؤيدة لكون محمد بن الحسن هو الصفار، زيفها واستدل على خلافه بوجوه سبعة. ثم ذكر بعض من كانوا في طبقة مشايخ الكليني وشاركوا الصفار في الاسم، مثل محمد بن الحسن بن علي المحاربي، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن بن بندار ومحمد بن الحسن البرناني (2). وأما احتمال كون محمد بن الحسن هذا ابن الوليد كما زعمه بعض فبعيد غايته، لانه من مشايخ الصدوق وقد توفي عام 343، أي بعد أربعة عشر عاما من موت الكليني. الفائدة السادسة قال صاحب ” المعالم ” في الفائدة الثانية عشر من مقدمة كتابه المنتقي: ” يأتي في أوائل أسانيد الكافي: محمد بن اسماعيل عن الفضل بن


(1) سماء المقال ج 1، الصفحة 82. قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 43. وايضا نقل في سماء المقال: ج 1، الصفحة 199 عن صاحب ” انتخاب الجيد ” ان كل ما ورد محمد بن الحسن بعد الكليني، فهو الصفار. (2) مستدرك الوسائل: ج 3، الصفحة 545 543. [ * ]

[ 457 ]

شاذان، وأمر محمد بن إسماعيل هذا ملتبس، لان الاسم مشترك في الظاهر بين سبعة رجال وهم محمد بن إسماعيل بن بزيع الثقة الجليل، ومحمد بن إسماعيل البرمكي، ومحمد بن إسماعيل الزعفراني وهذان وثقهما النجاشي (1) ومحمد بن إسماعيل الكناني، ومحمد بن إسماعيل الجعفري، ومحمد بن إسماعيل الصيمري القمي، ومحمد بن إسماعيل البلخي، وكلهم مجهولو الحال ” (2). ثم استدل على نفي كون محمد بن إسماعيل المذكور أحد السبعة المذكورين وأضاف: ” ويحتمل كونه غيرهم، بل هو أقرب. فان الكشي ذكر في ترجمة فضل بن شاذان حكاية عنه وقال: إن أبا الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري ذكرها. ولا يخفى ما في التزام صاحب الاسم المبحوث عنه، للرواية عن الفضل بن شاذان من الدلالة على الاختصاص به ونقل الحكاية عن الرجل المذكور يؤذن بنحو ذلك فيقرب كونه هو.. ثم ان حال هذا الرجل مجهول أيضا إذ لم يعلم له ذكر إلا بما رأيت. فليس في هذا التعيين كثير فائدة ولعل في إكثار الكليني من الرواية عنه شهادة بحسن حاله ” (3). وما احتمله صاحب المعالم هو ما قواه الكلباسي في ” سماء المقال ” والتستري في ” قاموس الرجال ” (4). ومال إليه كثير من الاعلام، خلافا لشيخنا البهائي في مقدمة ” مشرق الشمسين ” حيث اختار كون الرجل هو البرمكي الثقة، وخلافا لابن داود فانه قال:


(1) فهرس النجاشي: الرقم 915 و 933. (2) ان العلامة الكلباسي عد ستة عشر رجلا باسم محمد بن اسماعيل وتعجب من صاحب المعالم انه ذكر ان المشتركين سبعة رجال، كما ان المحقق الداماد انهاهم إلى اثني عشر رجلا وادعى الشيخ البهائي انهم ثلاثة عشر. (3) منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 45 43. (4) قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 51. [ * ]

[ 458 ]

” إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل ففي صحتها قولان. فان في لقائه له إشكالا فتقف الرواية بجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيين معظمين ” (1). وظاهر هذا الكلام أنه ابن بزيع، كما قال صاحب المنتقي وناقش فيه بأن الكليني أجل من أن ينسب إليه هذا التدليس الفاحش (2). ولو سلمنا كون الرجل هو محمد بن إسماعيل النيسابوري فهل يحكم بصحة حديثه لكونه ثقة أو يحكم بجسنه أو ضعفه لكونه مجهول الحال. قال صاحب المعالم: ” ويقوى في خاطري إدخال الحديث المشتمل عليه في قسم الحسن “. وذكر الكلباسي أنه الثقة الامامي الجليل والعالم النبيل واستشهد لقوله تارة باكثار الكليني في الكافي من الرواية عنه، حتى قيل إنه روى عنه ما يزيد على خمسمائة حديث، واخرى باستظهار كون الرجل من مشايخ إجازة الكليني. فحينئذ يكون حديثه صحيحا، كما جرى عليه المحقق الداماد والفاضل البحراني. وفي مقابله جماعة من الاعاظم كالمجلسي الثاني وصاحب المدارك والتفرشي. ولهذا الفريق أيضا دلائل وشواهد عديدة، ذكرها العلامة الكلباسي في المقصد الثالث من كتابه (3). الفائدة السابعة ذكر العلامة في الفائدة التاسعة من ” الخلاصة ” وابن داود في رجاله أنه قد يغلط جماعة في الاسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حماد بن عيسى. فيتوهمونه حماد بن عثمان وهو غلط فإن إبراهيم بن هاشم لم يلق حماد بن عثمان، بل حماد بن عيسى (4).


(1) الرجال لابن داود: الصفحة 306. (2) منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 45. (3) سماء المقال: ج 1، الصفحة 199 170. (4) الخلاصة: الرجال لابن داود: الفائدة الرابعة الصفحة 281، 307. [ * ]

[ 459 ]

والاول توفي سنة 190 والثاني سنة 209 (أو 208) كما صرح به النجاشي (1). حكى صاحب المنتقي كلام العلامة عن الخلاصة وأضاف: ” نبه على هذا غير العلامة أيضا من أصحاب الرجال. والاعتبار شاهد به ” (2). وأصل هذا الكلام كما تفطن به السيد بحر العلوم (3) مأخوذ مما ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه بقوله: ” وما كان فيه من وصية أمير المؤمنين لابنه محمد بن الحنفية رضي الله عنه فقد رويته عن أبي رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام. ويغلط أكثر الناس في هذا الاسناد فيجعلون مكان حماد بن عيسى، حماد بن عثمان. وإبراهيم بن هاشم لم يلق حماد بن عثمان وإنما لقى حماد بن عيسى وروى عنه ” (4). قال صاحب ” سماء المقال “: ” والظاهر من كلام الصدوق أنه اطلع من الخارج على عدم اللقاء ” (5)، فلا جدوى لما صنعه بعض كالمحدث المتتبع النوري قدس سره من إثبات إمكان اللقاء، لان المدعي عدم اللقاء، لا عدم إمكانه رأسا (6) وأما ما يوجد في قليل من الروايات من رواية إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عثمان فلا يضر أيضا، لان ظاهر مقالة الصدوق وتابعيه حصول التغليط في تعيين المطلق في المقيد المخصوص أو تبديل المقيد بالمقيد وحينئذ إن ثبت عدم اللقاء يحكم إما


(1) فهرس النجاشي الصفحة 143 142، الرقم 370 و 371. (2) منتقى الجمان: ج 1، باب التكفين والتحنيط الصفحة 261. (3) الفوائد الرجالية: ج 1، الصفحة 448 447. (4) الفقيه: ج 4، شرح مشيخة الفقيه، الصفحة 125. (5) سماء المقال: ج 1، الصفحة 90. (6) المصدر نفسه: الصفحة 88. [ * ]

[ 460 ]

بارسال الحديث أو بتصحيفه. مع أن ما ذكر من موارد الخلاف لم يتحقق إلا نادرا في الغاية (1). ومن الشواهد التي ذكروها هي الرواية الخامسة من باب (تحنيط الميت وتكفينه) بهذا الاسناد: ” علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عثمان، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، قالا:.. ” (2) قال صاحب المنتقي بعد نقل هذا الحديث وتقوية كلام العلامة في الخلاصة، ما هذا لفظه: ” وقد وقع هذا الغلط في إسناد هذا الخبر على ما وجدته في نسختين عندي الآن للكافي. ويزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند بأن حماد بن عثمان لا تعهد له رواية عن حريز، بل المعروف المتكرر رواية حماد بن عيسى عنه ” (3). فتحصل مما ذكرنا أنه إذا وجد في رواية: ” إبراهيم بن هاشم عن حماد ” فالمراد منه حماد بن عيسى لا حماد بن عثمان، حتى يحكم بارسال السند أو تصحيفه بناء على عدم لقاء إبراهيم لابن عثمان. الفائدة الثامنة قال ابن داود في رجاله: ” إذا وردت رواية يروي فيها موسى بن القاسم عن حماد، فلا تتوهمها مرسلة لكون حماد من رجال الصادق عليه السلام، لان حمادا إما ابن عثمان وقد بقي إلى زمن الرضا عليه السلام وروى عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وإما ابن عيسى فقد لقي الامام الصادق عليه السلام وبقي إلى زمن أبي جعفر الثاني عليه السلام، ومات غريقا


(1) نقل المحقق الكلباسي عن جده السيد وعن المحدث النوري موارد عديدة من رواية ابراهيم عن ابن عثمان واجاب عن اكثرها. فراجع: ج 1، الصفحة 91 86. (2) الكافي: ج 3، الصفحة 144، الحديث 5. (3) منتقى الجمان: ج 1، الصفحة 261. [ * ]

[ 461 ]

بالجحفة عن نيف وتسعين سنة حيث أراد الغسل للاحرام ” (1). الفائدة التاسعة إن كلا من الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن بابويه روى عن رجال لم يلقهم، لكنه بينه وبينهم رجال، فمنهم المستقيمون مذهبا، فذاك السند صحيح، ومنهم الموثقون مع فساد مذهبهم، فذاك قوي. ومنهم المجروحون فذاك السند ضعيف. وقد سرد ابن داود أسامي هؤلاء في التنبيه التاسع من رجاله فليرجع من أراد (2). وقد عرفت حقيقة المقال عند البحث عن ” شيخوخة الاجازة ” وأن ضعف المشايخ لا يضر بصحة الرواية إذا كان الكتاب المنقول عنه من الكتب المشهورة. الفائدة العاشرة وقع في أسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين ومائتين وخمسة وسبعين موردا عنوان ” أبي بصير ” (3) فاختلف في تعيين المراد منه، كما اختلف في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية. فذهب بعضهم إلى إطلاقها على اثنين، وبعض آخر على ثلاثة، وجمع كثير على أربعة. وربما يظهر من بعضهم أكثر من هذا العدد أيضا. قال المحقق التستري في رسالته الموسومة بالدر النظير في المكنين بأبي بصير: ” إن هذه الكنية جعلوها مشتركة بين عدة ذكر القدماء بعضهم، وبعضهم الآخر المتأخرون، يصل جمعهم إلى ثمانية ” (4).


(1) الرجال لابن داود: الصفحة 306. (2) الرجال لابن داود: الصفحة 308. (3) معجم رجال الحديث: ج 21، الصفحة 45. (4) قاموس الرجال ج 11، الصفحة 60. [ * ]

[ 462 ]

لكن المشهور كما ذكرنا اشتراكها بين أربعة رجال، كما ذهب إليه ابن داود والتفرشي والعلامة المامقاني. قال الاول: ” أبو بصير مشترك بين أربعة: ” 1 ليث بن البختري 2 يحيى بن أبي القاسم 3 يوسف بن الحارث البتري 4 عبد الله بن محمد الاسدي ” (1). وهؤلاء الاربعة ليسوا كلهم ثقات، كما جاء في ” معجم رجال الحديث “: ” وقد ذكر بعضهم أن أبا بصير مشترك بين الثقة وغيره. ولاجل ذلك تسقط هذه الروايات الكثيرة عن الحجية ” (1). ولكن الحق كما صرح به المحقق التستري في قاموسه وفي رسالته المذكورة آنفا والعلامة النحرير الخوانساري في تأليفه المنيف الموسوم ب‍ ” رسالة عديمة النظير في أحوال أبي بصير ” وجمع آخر من المحققين أن المراد منه ” يحيى بن أبي القاسم الاسدي ” الثقة، أحد فقهاء الطبقة الاولى من أصحاب الاجماع. ولو تنزلنا عن هذا لقلنا بأنه مردد بين شخصين ثقتين: يحيى وليث، كما في ” معجم رجال الحديث ” فإنه قال: ” إن أبا بصير عندما اطلق فالمراد به هو يحيى بن أبي القاسم. وعلى تقدير الاغماض فالامر يتردد بينه وبين ليث بن البختري الثقة. وأما غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية. بل لم يوجد مورد يطلق فيه أبو بصير ويراد به غير هذين ” (3).


(1) الرجال لابن داود، القسم الاول، باب الكنى، الصفحة 214. (2) معجم الرجال ج 21، الصفحة 47. (3) المصدر نفسه. ويظهر هذا ايضا من العلامة الكلباسي في سماء المقال. فانه بعد استظهار انصراف ابي بصير إلى يحيى، قال: ” ولو تنزلنا عن انصرافها فهي مترددة بينه وبين ليث كما صرح به بعض المحققين ” (سماء المقال ج 1، الصفحة، 115). [ * ]

[ 463 ]

هذا خلاصة القول في المكنين بأبي بصير. ونشير إلى بعض التفاصيل الواردة في المقام. الف إن عبد الله بن محمد الاسدي المذكور في الكتب الرجالية هو الذي يعبر عنه في الاسانيد بالحجال، وعبد الله الحجال، وعبد الله بن محمد الحجال، وأبي محمد الحجال، وعبد الله المزخرف، والمزخرف (1) وهو من أصحاب الرضا عليه السلام (2)، فلا اشتراك بينه وبين ليث بن البختري، ويحيى بن أبي القاسم من حيث الطبقة، مع أن كنيته أبو محمد ولم يذكره أحد من الرجاليين بعنوان أبي بصير. أما ” أبو بصير عبد الله بن محمد الاسدي ” فليس له ذكر في الكتب الرجالية إلا ما عنونه الكشي في رجاله واعتمد عليه الشيخ الطوسي ومن تبعه فإنه بعدما ذكر أبا بصير ليث بن البختري المرادي، ونقل الروايات الواردة فيه (3)، أتى بهذا العنوان: ” في أبي بصير عبد الله بن محمد الاسدي ” ونقل في ذيله رواية واحدة ليس في سندها ولا في متنها أية دلالة على المعنون (4) لان أبا بصير المذكور فيها مطلق والراوي عنه هو ” عبد الله بن وضاح ” الذي كان من رواة يحيى بن أبي القاسم (5) ومن مميزات مروياته كما سنشير إليه. والرواية منقولة عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها أن الامام خاطب أبا بصير بقوله: ” يا أبا


(1) سماء المقال ج 1، الصفحة 101. فهرس رجال اختيار معرفة الرجال الصفحة 170. فهرس النجاشي، الصفحة 226 الرقم 595. (2) رجال الشيخ، الصفحة 381. (3) اختيار معرفة الرجال، الصفحة 174 169 بالرقم 285 إلى 298. والجدير بالذكر ان اكثر الروايات الواردة فيها ليست في شأن ليث، بل هي مرتبطة بيحيى بن أبي القاسم الاسدي منها الرواية برقم 289، 291، 292، 296، فراجع. (4) المصدر نفسه، الصفحة 174 الرقم 299. (5) قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن وضاح: ” صاحب ابا بصير يحيى بن القاسم كثيرا وعرف به ” (الصفحة 215، الرقم 560). [ * ]

[ 464 ]

محمد ” مع أن أبا محمد كنية يحيى أيضا. فحينئذ نسأل الكشي من أين وقف على أن أبا بصير هذا ليس يحيى بن أبي القاسم، بل هو عبد الله بن محمد الاسدي الذي يشترك مع يحيى في الطبقة والراوي، وفي كونه مكنى بأبي بصير وأبي محمد، ولم يتفطن أحد غيره بوجود هذا الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام ؟ (1). قال العلامة الكلباسي: ” فلقد أجاد من قال: إن ظني أن إيراده أي الكشي هذا الخبر في هذا المقام مما لا وجه له ” (2)، وجزم المحقق التستري أن الرجل المذكور ليس له وجود أصلا وأن منشأ ذكره في الكتب الرجالية المتأخرة تصحيف العنوان المذكور في الكشي واعتماد الشيخ رحمه الله عليه وذكره في رجاله، كذكره في اختياره. ثم اتباع من تأخر عن الشيخ كابن داود، لحسن ظنهم به (3). ولو أغمضنا عن هذا وفرضنا وجود هذا الرجل المكنى بأبي بصير، فلا أقل من عدم اشتهاره بهذه الكنية بحيث لو اطلقت احتمل انصرافها إليه كانصرافها إلى يحيى. يدلنا على ذلك ما أجاب به علي بن الحسن بن فضال حينما سئل عن أبي بصير فقال: اسمه يحيى بن أبي القاسم، كان يكنى أبا محمد وكان مولى لبني أسد وكان مكفوفا ” (4). ولا يخفى أنه لو كان رجل آخر مشتهرا بأبي بصير ومشتركا مع يحيى في كنيته الاخرى، وفي كونه أسديا، وفي كونه من أصحاب الصادق عليه السلام، كان من الواجب على ابن فضال أن ينبه عليه ولم ينبه.


(1) بل ليس لهذا الرجل ذكر في رجال البرقي ولم يذكره العقيقي وابن عقدة وابن الغضائري الذين صنفوا في الرجال واخذ عنهم من جاء بعدهم. (2) سماء المقال ج 1، الصفحة 100. (3) قاموس الرجال: ج 11، الصفحة 99 65. وللمؤلف دام ظله استظهارات لطيفة في تصحيح العنوان المذكور في الكشي. (4) اختيار معرفة الرجال، الصفحة 173 الرقم 296. [ * ]

[ 465 ]

ب ذكر الشيخ في رجاله: ” يوسف بن الحارث، بتري يكنى أبا بصير ” (1) ومستنده بعض نسخ الكشي حيث جاء فيه في عنوان ” محمد بن اسحاق صاحب المغازي “: ” أبو بصير يوسف بن الحارث بتري ” (2) فتبعهما العلامة وابن داود في رجالهما وذكرا الرجل بعنوان أبي بصير يوسف بن الحارث. ثم ادعى ابن داود اشتراك أبي بصير بينه وبين عبد الله المتقدم وليث ويحيى الآتيان، كما مر. ولكنه يظهر من القهبائي في مجمعه أن الموجود في النسخ المصححة من الكشي هو ” أبو نصر بن يوسف بن الحارث بتري ” والشيخ إما استعجل في قراءته وإما أخذه من نسخة اخرى وذكره بالعنوان المذكور ومال جمع من المتأخرين إلى هذا القول، كما يظهر من ” سماء المقال ” (3). أضف إلى ذلك أن كون الرجال مكنى بكنية لا يستلزم اشتهاره بتلك الكنية وانصرافها عند الاطلاق إليه. يؤيد هذا أن الكشي مع فرض صحة نسخة الشيخ قيد الكنية باسم الرجل ولم يطلقها. فلا يبعد أن الشيخ أيضا لم يرد اشتهاره بهذه الكنية، لكن ابن داود رحمه الله اشتبه عليه الامر وأفتى بالاشتراك. بقي شي ء وهو أن الرجل المذكور لم يكن ثقة قطعا، بل هو كما صرح الكشي والشيخ كان بتريا والبترية هم الذين قال الصادق عليه السلام في شأنهم: ” لو أن البترية صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب ما أعز الله بهم دينا “. والبترية هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت


(1) رجال الشيخ، اصحاب الباقر، باب الياء، الرقم 17. (2) اختيار معرفة الرجال، الصفحة 390 الرقم 733. وما في هذه النسخة المطبوعة مطابق لما ذكره القهبائي. (3) سماء المقال ج 1، معجم الرجال، الصفحة 98 ج 5، الصفحة 149. [ * ]

[ 466 ]

الحداد. وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه السلام، ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب، يذهبون في ذلك إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي عليه السلام عند خروجه الامامة (1). ولكن الكلام في كونه أبا بصير يوسف ابن الحارث ” أو ” أبا نصر بن يوسف بن الحارث. والاظهر الثاني. كما أنه يوجد رجل مسمى بيوسف بن الحارث في أسانيد ” نوادر الحكمة ” لمحمد بن أحمد بن يحيى، ولكنه لا دليل على تكنيته بأبي بصير. وإلى هذا أشار المحقق التستري وقال: ” استثنى ابن الوليد من روايات محمد ابن أحمد بن يحيى ما رواه عن يوسف بن الحارث. فهو ضعيف. ولا يبعد كونه يوسف بن الحارث الكميداني، إنما ننكر وجود أبي بصير مسمى بيوسف ابن الحارث، لعدم شاهد له من خبر أو رجال معتبر ” (2). ج يظهر من مطاوي كلمات أئمة الرجال وعلماء الحديث أن ليثا بن البختري (3) المرادي كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام فقد عده البرقي في أصحاب الباقر عليه السلام والمفيد والنجاشي من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام والشيخ في فهرسه من رواة الصادق والكاظم عليهما السلام وفي رجاله من أصحاب الثلاثة عليهم السلام. ويمكن ادعاء إطباق الكل على أن الرجل كان يكنى بأبي بصير وأنه كان مشهورا بهذه الكنية كما صرح بها في بعض الروايات. غير أن النجاشي حكى في رجاله عن بعض كونه مكنى بأبي بصير الاصغر (4) ولكنه لا يقاوم ما عليه سائر


(1) اختيار معرفة الرجال، الصفحة 233 232 الرقم 422. (2) قاموس الرجال ج 11، الصفحة 105. (3) البختري بفتح الباء والتاء وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء. (4) فهرس النجاشي، الصفحة 321 الرقم 876. [ * ]

[ 467 ]

مهرة الفن. فكون الرجل مشهورا بأبي بصير مما لا ريب فيه. أما تكنيته بأبي محمد وأبي يحيى وكذا مكفوفيته كما ادعاه بعض، كالمولى محمد تقي المجلسي (1)، فلا دليل عليه ولعله ناش من خلط العبائر الواردة فيه وفي عديله يحيى. أما وثاقته، فلا ترديد فيها وإن لم يصرح بها في كتب القدماء (2). والدليل على ذلك جملة من الروايات الصحيحة الواردة فيه. منها ما رواه الكشي بسند صحيح عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشر المحبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث ابن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة، أربعة نجباء، امناء الله على حلاله وحرامه. لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (3). ومنها ما رواه أيضا في ترجمة زرارة بن أعين بسند صحيح عن سليمان بن خالد الاقطع، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أحد أحيى ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد ابن مسلم وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفاظ الدين وامناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه. وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الاخرة (4). ودلالة هذين الخبرين على أن ليثا كان في مستوى عال من الوثاقة غير خفي، ولذا قال بعض: إن المدح المستفاد من هذه النصوص مما لا يتصور


(1) سماء المقال ج 1، الصفحة 126. (2) قال المحقق التستري: انما وثق ابن الغضائري حديثه، والكشي انما روى فيه اخبارا مختلفة والشيخ والنجاشي اهملاه.. ولكن الحق ترجيح اخبار مدحه (قاموس الرجال ج 11، الصفحة 119). (3) اختيار الرجال، الصفحة 170 الحديث 286. (4) المصدر نفسه، الصفحة 136 الحديث 219. [ * ]

[ 468 ]

فوقه مدح ولا يعقل أعلى منه ثناء (1). هذا، مضافا إلى اعتضادها بمقالة غير واحد من الاصحاب في شأنه كالعلامة في ” الخلاصة ” والشهيد الثاني في ” المسالك ” والعلامة المجلسي في ” الوجيزة ” (2). ويؤيده توثيق ابن الغضائري المعروف بكثرة التضعيف لحديثه وإن طعن في دينه (3). أما الروايات الواردة في قدحه، فلا تعارض ما دلت على مدحه قطعا لانها إما مرسلة أو موثقة مع احتمال صدورها عن تقية كما صدرت في حق سائر الاجلاء كزرارة وهشام بن الحكم، فقد روى الكشي عن عبد الله بن زرارة أنه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ مني على والدك السلام، وقل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك. فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال الاذى في من نحبه ونقربه.. فإنما أعيبك لانك رجل اشتهرت بنا إلى آخر الحديث (4). فاذن نقطع بوثاقة ليث بن البختري المرادي الكنى بأبي بصير. د إن يحيى بن أبي القاسم الاسدي كان من أصحاب ورواة الائمة الثلاثة الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام وكان مكفوفا ضرير البصر قد رأى الدنيا مرة أو مرتين. مات سنة خمسين ومائة فلم يدرك الرضا عليه السلام وكان هو مكنى بأبى بصير وأبي محمد وكان اسم أبيه إسحاق. روى الكشي عن محمد بن مسعود العياشي أنه قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبي بصير، فقال: اسمه يحيى بن أبي القاسم فقال: أبو بصير كان


(1) سماء المقال ج 1، الصفحة 121. (2) راجع المصدر نفسه، الصفحة 122. (3) الخلاصة: القسم الاول، الباب 22، الصفحة 137. (4) اختيار الرجال، الصفحة 138 الرقم 221. [ * ]

[ 469 ]

يكنى أبا محمد وكان مولى لبني أسد وكان مكفوفا (1). هذا، ولكن النجاشي ذكره بعنوان ” يحيى بن القاسم أبو بصير الاسدي ” وزاد عليه: ” وقيل يحيى بن أبي القاسم واسم أبي القاسم إسحاق ” (2)، وكلامه صريح في اختياره القول الاول وتمريض القول الثاني وهو وإن كان خبيرا بالانساب ومتضلعا في علم الرجال (3)، لكن مع كثرة الاقوال والاخبار الدالة على كونه يحيى بن أبي القاسم لا مجال لما ادعاه. أما وثاقته وجلالة قدره فلا ريب فيهما لما صرح به علماء الرجال كالنجاشي والكشي والشيخ في عدته وابن الغضائري ومن تأخر عنهم. وروى الكشي بسند صحيح عن شعيب العقرقوفي ابن اخت أبي بصير أنه قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشئ فمن نسأل ؟ قال عليك بالاسدي، يعني أبا بصير (4). وورد ايضا في أخبار عديدة أن الامامين الباقر والصادق عليهما السلام كانا يخاطبانه ” يا أبا محمد ” تعظيما له، كما أن الباقر عليه السلام ضمن له الجنة. وبالجملة وثاقته وفقاهته أظهر من أن يتردد فيه. أما نسبة الوقف إليه، فوهم ناش من زعم اتحاد أبي بصير هذا مع يحيى بن القاسم الحذاء الواقفي. والحال أنه مات سنة خمسين ومائة والوقف حدث بعد شهادة مولانا الكاظم عليه السلام والحذاء المذكور بقي إلى زمن الامام الرضا عليه السلام، وأما نسبة الغلو فيه، فلم يقله أحد وأنكره ابن فضال،


(1) اختيار الرجال، الصفحة 174 الرقم 296. (2) فهرس النجاشي، الصفحة 440 الرقم 1187. وصرح ايضا في ترجمة عبد الله بن وضاح انه صاحب أبا بصير يحيى بن القاسم (الصفحة 215 الرقم 560). (3) قال الشهيد الثاني في المسالك: وظاهر حال النجاشي انه اضبط الجماعة واعرفهم بحال الرجال.. وهذا مما اختص به النجاشي. (4) اختيار الرجال، الصفحة 171 الرقم 291. [ * ]

[ 470 ]

كما أنه نسبه إلى التخليط ولم يبين المراد منه. فنحن نأخذ بما أطبق عليه الجل بل الكل ولا نبالي بهذا القول المجمل من ابن فضال الفطحي ولا نرفع اليد عن الادلة القوية الدالة على جلالته باخبار آحاد غير قطعية السند والمفاد. ه‍ ذكر الاصحاب في تمييز روايات كل من المرادي والاسدي عن الآخر قرائن وشواهد. وحيث إن كلا منهما ثقة جليل، فلا فائدة مهمة في التمييز إلا عند تعارض رواياتهما. لان المشهور ترجيح المرادي على الاسدي. وخيرة بعض آخر كالسيد الداماد والمحقق الخوانساري العكس. لكنا نذكر ما ذكره الرجاليون تتميما للفائدة واستيفاءا للبحث فنقول: إن علي بن أبي حمزة روى عن الاسدي كثيرا وكان قائده (1) والظاهر أنه لم يرو عن المرادي أصلا. كما أن رواية شعيب العقرقوفي وعبد الله بن وضاح والحسين بن أبي العلاء وجعفر بن عثمان قرينة على كون المراد من أبي بصير هو الاسدي. وإذا كان الراوي عن أبي بصير عبد الله بن مسكان أو أبا جميلة مفضل بن صالح أو أبان بن عثمان فالمراد به الليث المرادي. قال المحقق التستري بعد ذكر مميزات الاسدي وتزييف بعضها ما هذا لفظه: ” إذا كان يحيى وليث في عصر واحد فأي مانع من أن يروي كل من روى عن أحدهما عن الآخر ؟ حتى إن البطائني الذي اتفقوا على أنه من رواة يحيى وقائد يحيى يجوز أن يروي عن ليث وإن لم نقف عليه محققا ” (2). وقريب منه ما أفاده العلامة الكلباسي في ” سماء المقال ” بعد الفحص عن مميزات كل من الاسدي والمرادي عن الآخر (3). هذا، وسيوافيك ما يدل


(1) فهرس النجاشي، الرقم 656. (2) قاموس الرجال ج 11، الصفحة 167. (3) سماء المقال ج 1، الصفحة 133. [ * ]

[ 471 ]

على أن أبا بصير بقول مطلق، هو يحيى بن أبي القاسم، ليس غير. وإن كلا من المحقق التستري والعلامة الخوانساري أفرد رسالة في تحقيق حال المكنين بأبي بصير والمراد من هذه الكنية حيثما اطلقت، وذهب كلاهما إلى أن المراد منه يحيى بن أبي القاسم الاسدي وأقاما دلائل وشواهد عديدة. ونحن نأتي بما هو المهم منها: قال المحقق التستري: ” إن أبا بصير لا يطلق إلا على يحيى.. أما ليث فإما يعبر عنه بالاسم وهو الغالب، واما بالكنية مع التقييد بالمرادي. بخلاف يحيى، فلم نقف في الكتب الاربعة وغيرها على التعبير عنه بالاسم إلا في سبعة مواضع بلفظ يحيى، وتقييد كنيته بالاسدي أو المكفوف أو المكنى بأبي محمد يسير أيضا. والتعبير عنه بالكنية المجردة كثير وهو دليل الانصراف. ويدل على ما قلنا امور: منها: قول الصدوق في المشيخة: ” وما كان فيه عن أبي بصير فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه إلى أن قال: عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير ” (1) وكذا قوله: ” ما كان فيه عن عبد الكريم بن عقبة فقد رويته عن أبي رضي الله عنه.. إلى أن قال: عن ليث المرادي، عن عبد الكريم ابن عتبة الهاشمي ” (2). فالصدوق لم يعبر عن يحيى بغير كنية مجردة (3) ولم يعبر عن ليث بغير اسمه. كما أنه قد روى في الفقيه في مواضع مختلفة عن ليث، مصرحا تارة


(1) الفقيه: ج 4، شرح المشيخة، الصفحة 18. (2) المصدر نفسه، الصفحة 55. (3) بدأ السند في الفقيه بابي بصير ما يقرب من ثمانين موردا والمراد به يحيى ” معجم الرجال ج 20، الصفحة 274 “. [ * ]

[ 472 ]

باسمه واخرى بكنيته مقيدا بالمرادي (1). ومنها: قول العياشي في سؤاله عن ابن فضال عن أبي بصير. فلولا الانصراف لقال: سألته عن أبي بصير الاسدي، ولاجابه ابن فضال أن أبا بصير يطلق على شخصين، أحدهما يحيى والآخر ليث. ولم يجبه كذلك كما مر، بل يمكن أن نقول إن سؤال العياشي دال على أن يحيى كان في الاشتهار بالكنية بمثابة حتى كأن الكنية اسمه ولا يعلم اسمه كل أحد، بل أوحدي مثل ابن فضال. ومنها: أن النجاشي لم يذكر التكنية بأبي بصير لغير يحيى. وحكى في ترجمة ليث ان بعضهم عرفه بأبي بصير الاصغر. فتلخص من جميع ما ذكرنا أن أبا بصير المذكور في أسانيد الاخبار إما يحيى جزما وإما مردد بين يحيى وليث، وحيث إن كلا الرجلين في ذروة من الجلالة والوثاقة، فلا يوجب الاشتراك جهالة أو ضعفا في السند. الفائدة الحاديثة عشر قال صاحب ” المعالم ” في مقدمة المنتقي (2): ” قد يرى في بعض الاحاديث عدم التصريح باسم الامام الذي يروي عنه الحديث، بل يشار إليه بالضمير. وظن جمع من الاصحاب أن مثله قطع، ينافي الصحة. وليس ذلك على إطلاقه بصحيح، إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير إلى المعصوم. وهذا لان كثيرا من قدماء رواة حديثنا ومصنفي كتبه كانوا يروون عن الائمة مشافهة ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة، وإن كانت الاحكام التي في


(1) راجع الفقيه ج 1، الصفحة 158، الباب 38 من كتاب الصلاة الحديث 18: وسأل ليث المرادي ابا عبد الله عليه السلام.. ج 2، الصفحة 216، الباب 117 الحديث 13. وسأله ليث المرادي. (2) المنتقي ج 1، الصفحة 39، الفائدة الثامنة بتصرف يسير. [ * ]

[ 473 ]

الروايات مختلفة. فيقول أحدهم في أول الكلام: ” سألت فلانا ” ويسمي الامام الذي يروي عنه. ثم يكتفي في الباقي بالضمير ويقول: ” سألته ” أو نحو هذا. ولا ريب أن رعاية البلاغة تقتضي ذلك. ولما أن نقلت تلك الاخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الاسماء بعينه. ولكن الممارسة تطلع على أنه لا فرق في التعبير بين الظاهر والضمير “. الفائدة الثانية عشر قال المحقق المتقدم أيضا: ” يوجد في كثير من الاسانيد أسماء مطلقة مع اشتراكها بين الثقة وغيرها وهو مناف للصحة في ظاهر الحال. والسبب في ذلك أن مصنفي كتب أخبارنا القديمة كانوا يوردون فيها الاخبار المتعددة في المعاني المختلفة من طريق واحد، فيذكرون السند في أول حديث مفصلا ثم يجملون في الباقي اعتمادا على التفصيل أولا. ولما طرء على تلك الاخبار، التحويل إلى كتاب آخر يخالف في الترتيب الكتاب الاول، تقطعت تلك الاخبار. بحسب اختلاف مضامنيها، وإذا بعد العهد وقع الالتباس والاشكال. ولكن الطريق إلى معرفه المراد فيه تتبع الاسانيد في تضاعيف أبواب المجاميع الروائية ومراجعة كتب الرجال المتضمنة لذكر الطرق كالفهرس وكتاب النجاشي وتعاهد ما ذكره الصدوق رحمه الله من الطرق إلى رواية ما أورده في كتاب ” من لا يحضره الفقيه ” وللتضلع من معرفة الطبقات في ذلك أثر عظيم ” (1). ثم يذكر المراد من عدة من الاسماء المطلقة كحماد، وعباس، وعلاء، ومحمد، وابن مسكان، وابن سنان وعبد الرحمن، فمن أراد الوقوف، فعليه


(1) المنتقي ج 1، الصفحة 38 34 بتلخيص. [ * ]

[ 474 ]

بالمراجعة إليه. الفائدة الثالثة عشر إن من المصطلحات الرائجة في ألسن ائمة الرجال والتراجم والمحدثين والفقهاء ألفاظ أربعة وهي: الكتاب، الاصل، التصنيف (أو المصنف) والنوادر. وربما يظهر من بعضهم أن كون الرجل ذا أصل أو ذا كتاب وتصنيف من أسباب الحسن والوثاقة. فيجب علينا أن نعرف المراد من هذه الالفاظ والفرق بينها أولا، والمعرفة الاجمالية بالاصول المدونة للاصحاب في عهد الائمة عليهم السلام ثانيا، ووجه العناية بهذه الاصول ومدى دلالتها على وثاقة المؤلف ثالثا. فنقول: يقع البحث في مقامات: الاول: في الالفاظ الاربعة 1 الكتاب إن الكتاب مستعمل في كلمات العلماء بمعناه المتعارف وهو أعم من الاصل والنوادر وكذا من التصنيف على المشهور ولا تقابل بينه وبينهما. بل يطلق على كل منهما الكتاب. فمثلا يقول الشيخ في رجاله في ترجمة أحمد بن ميثم: ” روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم وكتاب الدلالة وغير ذلك من الاصول ” (1). وقال في أسباط بن سالم: ” له كتاب أصل ” (2) ومثله ما قاله النجاشي


(1) رجال الشيخ، الصفحة 440 الرقم 21. وقال بمثله في احمد بن مسلمة (سلمة) (الصفحة 440 الرقم 22) وفي احمد بن الحسين بن مفلس الصفحة 441 الرقم 26 وفي محمد بن عباس بن عيسى الصفحة 449 الرقم 51 وفي يونس بن علي بن العطار الصفحة 517 الرقم 2 وغيرهم من الذين ذكرهم المحقق التستري في مقدمة القاموس الصفحة 49 48 فراجع. (2) هكذا نقل عن الفهرس في قاموس الرجال ج 1، الصفحة 49 وادعى صاحب الذريعة في ج 2، [ * ]

[ 475 ]

في ترجمة الحسن بن أيوب: ” له كتاب أصل ” (1). ويؤيد ذلك أن كثيرا مما أسماه الطوسي أصلا، سماه النجاشي كتابا، وبالعكس يعبر هو كثيرا عما سماه النجاشي ” النوادر ” بعنوان الكتاب وقليلا ما يتفق عكس ذلك (2). 2 الاصل عرف الاصل بأنه الكتاب الذي يمتاز عن غيره بأن جمع فيه مصنفه الاحاديث التي رواها عن المعصوم عليه السلام أو عن الراوي عنه (3) وبين العلامة الطهراني سبب هذه التسمية بقوله: ” إن كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعا من مؤلفه عن الامام عليه السلام أو سماعا منه عمن سمع عن الامام عليه السلام، فوجود تلك الاحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر.. كما أن أصل كل كتاب هو المكتوب الاولى منه الذي كتبه المؤلف فيطلق عليه النسخة الاصلية أو الاصل لذلك ” (4). ويظهر من الوحيد قدس سره أو بعضهم قال: إن الكتاب ما كان مبوبا ومفصلا والاصول مجمع أخبار وآثار. ورد بأن كثيرا من الاصول مبوبة (5). 3 التصنيف (المصنف) ظاهر كلام الشيخ في ديباجة ” الفهرس ” دال على أن التصنيف مقابل


الصفحة 140 الرقم 522 ان هذا مطابق لما في النسخ الصحيحة. ولكن في النسخة المطبوعة من الفهرس، الصفحة 63 لا يوجد لفظة كتاب، بل جاء فيها ” له اصل “. (1) فهرس النجاشي، الصفحة 51 الرقم 113. (2) الذريعة ج 24، الصفحة 315. (3) الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني، الصفحة 33 (المطبوع مع رجال الخاقاني). (4) الذريعة ج 2، الصفحة 125. (5) الفوائد الرجالية، الصفحة 34. [ * ]

[ 476 ]

للاصل، حيث قال فيها: ” إن أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري عمل كتابين: أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول “. ثم ذكر أنه نفسه جمع بينهما في ” الفهرس ” واعتذر عن ذلك بقوله: ” لان في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين ” (1). وقالا أيضا في هارون بن موسى التلعكبري ” روى جميع الاصول والمصنفات ” (2) كما أنه قال في حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي: ” يروي جميع مصنفات الشيعة واصولهم ” (3). ومن هنا جزم المحقق التستري أن بين الاصل والتصنيف تقابلا، وأن الكتاب أعم منهما. فكأنه أراد أن يقول في تعريف المصنف (التصنيف) أنه الكتاب الذي كان جميع أحاديثه أو أكثرها منقولا عن كتاب آخر سابق وجوده عليه أو كان فيه كلام المؤلف كثيرا بحيث يخرجه عن إطلاق القول بأنه كتاب رواية. وإنما قلنا ” أكثرها ” لانه ربما كان بعض الروايات وقليلها، يصل معنعنا ولا يؤخذ من أصل أو كتاب سابق عليه ولكنه لا يوجب ذكره في عداد الاصول قطعا (4). أما الوحيد البهبهاني فيظهر منه أن المصنف أعم من الاصل والنوادر لانه


(1) الفهرس، الصفحة 24. (2) رجال الشيخ، الصفحة 516 الرقم 1. (3) المصدر نفسه، الصفحة 463 لرقم 8. (4) هذا قريب مما افاده الوحيد في فوائده الرجالية، الصفحة 34 المطبوعة في ذيل رجال الخاقاني، فراجع. [ * ]

[ 477 ]

يطلق عليهما، كما في ترجمة أحمد بن ميثم في فهرس الشيخ، حيث قال: له مصنفات منها كتاب الدلائل، كتاب المتعة، كتاب النوادر، كتاب الملاحم و.. (1) ولا يبعد صحة هذا القول، كما يظهر عن عبائر الاجلاء كالمحقق والشهيد الثاني وشيخنا البهائي عند ذكر الاصول الاربعمائة وسيوافيك كلماتهم إن شاء الله. فالذي يقوى في النظر أن الكتاب والمصنف مصطلحان مترادفان والمراد منهما كل ما دونه الاصحاب رحمهم الله (2) والاصل قسم خاص من الكتاب أو المصنف. وذكره في قبال التصنيف لا يدل على كونهما متقابلين، بل الغرض منه بيان اختصاص بعض مصنفات الرجل بكونه أصلا. كما أن ذكر الاصل في قبال الكتاب لا يدل على التقابل أيضا. ولعل منشأ هذا الاختصاص بالذكر هو العناية بشأن الاصول. 4 النوادر ذكر النجاشي عند عد كتب كثير من الاصحاب أن لهم كتاب ” النوادر “. فمثلا يقول: ” الحسين بن عبيدالله السعدي. له كتب صحيحة الحديث، منها: التوحيد، المؤمن، والمسلم.. النوادر، المزار و.. ” (3) أو يقول: ” الحسن بن الحسين اللؤلؤي، كوفي ثقة كثير الرواية، له كتاب مجموع، نوادر ” (4). وكذا يقول: ” الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري، شيخنا رحمه الله، له كتب، منها: كتاب كشف التمويه والغمة، كتاب التسليم على أمير المؤمنين عليه السلام بامرة


(1) الفهرس، الصفحة 49 الرقم 77. (2) قال النجاشي في ترجمة الحسن بن سعيد الاهوازي: ” شارك اخاه في تأليف الكتب الثلاثين المصنفة ” (فهرس النجاشي، الصفحة 58 الرقم 136 و 137)، مع كونها من الاصول. (3) فهرس النجاشي: الصفحة 42 الرقم 86. (4) المصدر نفسه، الصفحة 40 الرقم 82. [ * ]

[ 478 ]

المؤمنين..، كتاب النوادر في الفقه، كتاب مناسك الحج.. ” (1) ويقول في ترجمة صفوان بن يحيى ” وصنف ثلاثين كتابا كما ذكر أصحابنا. يعرف منها الآن: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الصوم.. كتاب البشارات، نوادر ” (2). والتأمل في الموارد التي ذكرها هو وتبلغ خمسين ومائة مورد يرشدنا إلى أن النوادر اسم للكتب المدونة التي ليس لمطالبها موضوع معين أو ليست لرواياتها شهرة متحققة، سواء كانت الاحاديث الواردة فيها عن إمام واحد أو أكثر، أو كان موضوع الكتاب واحدا مع تفرق مضامين رواياته بحيث لا يمكن تبويبها. وإلى هذا اشير في الموسوعة القيمة ” الذريعة ” حيث جاء فيها: ” إن النوادر عنوان عام لنوع من مؤلفات الاصحاب في القرون الاربعة الاولى كان يجمع فيها الاحاديث غير المشهورة أو التي تشتمل على أحكام غير متداولة أو استثنائية أو مستدركة لغيرها ” (3). ثم سرد عددا من أسامي هذه الكتب يقرب من مائتي كتاب وذكر أنه استخرجها من كتب الكشي والنجاشي والطوسي، مصنفي الاصول الرجالية قدس الله أسرارهم. ومن هنا يظهر وجه تسمية بعض الابواب الموجودة في الجوامع الحديثية بعنوان النوادر، كنوادر الصلاة، ونوادر الزكاة ونحو. لان الاحاديث المذكورة


(1) المصدر نفسه، الصفحة، 69 الرقم 166. (2) المصدر نفسه، الصفحة 197 الرقم 524. ولمزيد الاطلاع انظر الارقام التالية في نفس المصدر: 20، 21، 25، 27، 30، 36، 45، 72، 74، 76، 81، 85، 99، (125، 132، 133، 134، 139، 141) وغيرها. (3) الذريعة ج 24، الصفحة 315. [ * ]

[ 479 ]

في هذه الابواب إما مستدركة وإما شاذة غير معمول بها عند الاصحاب (1)، وإما غير قابل لذكر العنوان لها بسبب قلته. قال الوحيد في فوائده: ” أما النوادر فالظاهر أنه ما اجتمع فيه أحاديث لا تضبط في باب، لقتله بأن يكون واحدا أو متعددا لكن يكون قليلا جدا.. وربما يطلق النادر على الشاذ. والمراد من الشاذ ما رواه الراوي الثقة مخالفا لما رواه الاكثر وهو مقابل المشهور. ونقل عن بعض أن النادر ما قل روايتهه وندر العمل به، وادعى أنه الظاهر من كلام الاصحاب. ولا يخلو من تأمل ” (2). هذا، ومن الكتب المشهورة في هذا المضمار نوادر محمد بن أحمد بن يحيى المشهور بدبة شبيب. قال النجاشي: ” ولمحمد بن أحمد بن يحيى كتب، منها: كتاب ” نوادر الحكمة ” وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون بدبة شبيب. قال: وشبيب فامي كان بقم له دبة ذات بيوت، يعطي منها ما يطلب منهم من دهن. فشبهوا هذا الكتاب بذلك ” (3). أما النسبة بين الاصل والنوادر، فقال الوحيد قدس سره: ” الاصل أن النوادر غير الاصل وربما يعد من الاصول، كما يظهر في أحمد بن الحسن بن سعيد وأحمد بن سلمة وحريز بن عبد الله ” (4). اما الاول فقد قال الشيخ في الفهرس: ” أحمد بن الحسين بن سعيد، له كتاب النوادر. ومن أصحابنا من عده من جملة الاصول ” (5) وقال في الثالث: ” حريز بن عبد الله السجستاني، له كتب، منها كتاب الصلاة، كتاب


ولعل غرض الشيخ الطوسي عن تبديل عنوان النوادر في كتابه التهذيب بابواب الزيادات للارشاد إلى انها مستدركة لا شاذة. (2) الفوائد الرجالية، الصفحة 35. (3) فهرس النجاشي، الصفحة 348 الرقم 939. (4) الفوائد الرجالية، الصفحة 33. (5) الفهرس، الصفحة 50 الرقم 70. والنجاشي ترجمه بعنوان أحمد بن الحسن بن سعيد. [ * ]

[ 480 ]

النوادر، تعد كلها في الاصول ” (1). كما أن النجاشي قال في مروك بن عبيد: ” قال أصحابنا القميون: نوادره أصل ” (2). وعلى هذا لا يبعد صحة القول بأن النسبة بين الاصل والنوادر هو العموم والخصوص من وجه. بمعنى جواز أن يكون المؤلف أصلا من جهة ونوادر من جهة اخرى (3). واستيفاء البحث والرأي الجازم متوقف على التتبع التام في كتب الفهرس. بقي شئ وهو أنه قد يقع النوادر والاصل مقابلين للكتاب، كما في ترجمة معاوية بن الحكيم وعباس بن معروف (4)، ومن المعلوم كما أشرنا آنفا أن الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل أو ليس من النوادر وبين ما هو أصل أو من النوادر، وهذا لا يدل على التقابل بينه وبينهما. وملخص القول أن الكتاب أعم من الاصل والنوادر، وكذا التصنيف أعم منهما على ما اخترنا والنسبة بين الاصل والنوادر التباين ظاهرا وإن لم يكن احتمال نسبة العموم والخصوص من وجه بينهما ببعيد. الثاني: في الاصول المدونة في عصر ائمتنا (ع) صرح جمع من أعاظم المحدثين والمؤرخين أن أصحاب الائمة عليهم السلام صنفوا اصولا وأدرجوا فيها ما سمعوا عن كل من مواليهم عليهم السلام، لئلا يعرض لهم نسيان وخلط، أو يقع فيه دس وتصحيف.


(1) المصدر نفسه، الصفحة 88 الرقم 250. (2) فهرس النجاشي، الصفحة 425 الرقم 1142. (3) هذا، ولكن ادعى في الذريعة ان من تتبع الموارد يستنتج ان النوادر ليس اصلا مرويا. (الذريعة ج 24، الصفحة 318). (1) قال النجاشي: ” معاوية بن حكيم بن معاوية.. له كتب، منها: كتاب الطلاق وكتاب الحيض وكتاب الفرائض و.. وله نوادر ” (فهرس النجاشي، الصفحة 412 الرقم 1098 وقال في عباس بن معروف ان له كتاب الاداب وله نوادر (الصفحة 281 الرقم 743). [ * ]

[ 481 ]

وهذا هو السيد رضي الدين علي بن طاوس ينقل في كتابه ” مهج الدعوات ” قسم أدعية موسى بن جعفر عليه السلام، قبل ذكر الدعاء المعروف بالجوشن عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي (راوي الدعاء) أنه قال: ” حدثني أبي قال: كان جماعة من خاصة أبي الحسن عليه السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ” (1). وحكى عن الشيخ البهائي في ” مشرق الشمسين ” أنه قال: ” قد بلغنا عن مشايخنا قدس سرهم أنه كان من دأب أصحاب الاصول أنهم إذا سمعوا عن أحد من الائمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في اصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الايام ” (2). وقريب منه ما أفاده السيد الداماد في رواشحه (3). ولكن من المؤسف جدا أنه لم يتعين لنا عدة أصحاب الاصول لا تحقيقا ولا تقريبا ولم يتعين في كتبنا الرجالية والفهارس تاريخ تأليف هذه الاصول بعينه ولا تواريخ وفيات مصنفيها (4). ويظهر من الشيخ الطوسي في أول فهرسه أن عدم ضبط عدد تصانيف الاصحاب واصولهم نشأ من كثرة انتشار الاصحاب في البلدان (5). نعم، يستفاد من بعض الاعلام كالمحقق الحلي وأمين الاسلام الطبرسي


(1) مهج الدعوات، الطبع الحجري، صفحة 224. (2) الذريعة ج 2، الصفحة 128. (3) الرواشح، الراشحة 29، الصفحة 98. (4) صريح بذلك صاحب الذريعة في ج 2، الصفحة 130 128. (5) الفهرس، الصفحة 25. [ * ]

[ 482 ]

والشهيد الاول والشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والسيد الداماد والشهيد الثاني قدس الله أسرارهم أن الاصول المذكورة وكذا مؤلفيها لم تكن أقل من أربعمائة وأن أكثرها كانت من صنع أصحاب الصادق عليه السلام، وناهيك بعض عبائرهم: 1 قال المحقق الحلي في ” المعتبر “: ” كتب من أجوبة مسائله أي جعفر بن محمد عليهما السلام أربعمائة مصنف سموها اصولا ” (1). 2 قال الطبرسي في ” إعلام الورى بأعلام الهدى “: ” روى عن الامام الصادق عليه السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب تسمى الاصول، رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى الكاظم عليه السلام ” (2). 3 قال الشهيد الثاني في شرح الدراية: ” استقر أمر المتقدمين على أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف سموها اصولا فكان عليها اعتمادهم ” (3). 4 قال الشيخ الحسين بن عبد الصمد في درايته: ” قد كتبت من أجوبة مسائل الامام الصادق عليه السلام فقط أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف تسمى الاصول في أنواع العلوم ” (4). 5 قال المحقق الداماد في ” الرواشح “: ” المشهور أن الاصول أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف من رجال أبي عبد الله الصادق عليه السلام، بل وفي مجالس السماع والرواية عنه ورجاله زهاء أربعة آلاف


(1) المعتبر ج 1، الصفحة 26 (الطبعة الحديثة، قم). (2) اعلام الورى، الصفحة 166 والذريعة ج 2، الصفحة 129 وما في المتن مطابق لما في الثاني ولعل في المطبوع سقطا. (3) الذريعة ج 2، الصفحة 131. (4) الذريعة ج 2، الصفحة 129. [ * ]

[ 483 ]

رجل. وكتبهم ومصنفاتهم كثيرة. إلا أن ما استقر الامر على اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالاصول هذه الاربعمائة ” (1) والظاهر من عبارة الطبرسي أن مؤلفي الاصول تلامذة الامام الصادق والكاظم عليهما السلام والظاهر من غيره أنهم من تلامذة الامام الصادق عليه السلام فقط. ولعل الحصر لاجل كون الغالب من تلامذة الوالد دون الولد. كما أن الظاهر من الشيخ المفيد على ما حكى عنه أنها لا تختص بأصحابهما بل يعم غيرهما أيضا. قال: ” وصنف الامامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمد العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تسمى الاصول وهذا معنى قولهم: له أصل ” (2) ولكنه لم يرد أن تأليف هذه الاصول كان في جميع تلك المدة بل أخبر بأنها ألفت بين هذين العصرين، بمعنى أنه لم يؤلف شئ من هذه الاصول قبل أيام أمير المؤمنين عليه السلام ولا بعد عصر العسكري عليه السلام، كما أنه لم يرد حصر جميع مصنفات الاصحاب في هذه الكتب الموسومة بالاصول، كيف وهو أعلم بكتبهم وبأحوال المصنفين منهم كفضل بن شاذان وابن أبي عمير الذين صنفوا وأكثروا (3). قال العلامة الطهراني اعتمادا على ما مر، ما هذا لفظه: ” إذا يسعنا


(1) المصدر نفسه. (2) معالم العلماء لابن شهر آشوب، الصفحة 3. (3) وللمجلسي الاول كلام في هذا المجال لا بأس بذكره. قال: والذي ظهر لنا من التتبع ان كتب جماعة اجمع الاصحاب على تصحيح ما يصح عنهم أو من كان مثلهم كالحسين بن سعيد كانت من الاصول وان لم يذكروها بخصوصها، لاغناء نقل الاجماع أو ما يقاربه عن ذلك. فانا تتبعنا ان مع كتبهم تصير الاصول اربعمأة. فان الجماعة الذين ذكرهم الشيخ رحمه الله عليه ان لهم اصلا يقرب من مأتي رجل (روضة المتقين 14، الصفحة 342). [ * ]

[ 484 ]

دعوى العلم الاجمالي بأن تاريخ تأليف جل هذه الاصول إلا أقل قليل منها كان في عصر أصحاب الامام الصادق عليه السلام وهو عصر ضعف الدولتين وهو من أواخر ملك بني أميه إلى أوائل أيام هارون الرشيد، أي من سنة 95 عام هلاك حجاج بن يوسف إلى عام 170 الذي ولي فيه هارون الرشيد ” (1). ولما لم يكن للاصول ترتيب خاص، لان جلها من إملاءات المجالس وأجوبة المسائل النازلة المختلفة، عمد أصحاب الجوامع إلى نقل رواياتها مرتبة مبوبة منقحة تسهيلا للتناول والانتفاع. ولاجل ذلك قلت الرغبات في استنساخ أعيانها فقلت نسخها وضاعت النسخ القديمة تدريجا وتلفت كثير منها في حوادث تاريخية كإحراق ما كان منها موجودا في مكتبة سابور بكرخ عند ورود طغرل بيك إلى بغداد سنة 448، كما ذكره في ” معجم البلدان ” (2). وكان قسم من تلك الاصول باقيا بالصورة الاولية إلى عهد ابن إدريس الحلي المتوفي عام 598 وقد استخرج من جملة منها ما جعله مستطرفات السرائر. وحصلت جملة منها عند السيد رضى الدين ابن طاوس كما ذكرها في ” كشف المحجة “. ثم تدرج التلف وقلت النسخ إلى حد لم يبق منها إلا ستة عشر. وقد وقف عليها استاذنا السيد محمد الحجة الكوه كمرى رضوان الله عليه فقام بطبعها. الثالث: وجه العناية بالاصول ومدى دلالتها على الوثاقة. إن من الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الاصل المسموع شفاها عن الامام أو عمن سمع منه أقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر، لتطرق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب فالاطمئنان بصدور عين الالفاظ المندرجة في الاصول أكثر والوثوق به آكد.


(1) الذريعة ج 2، الصفحة 131. (2) المصدر نفسه. [ * ]

[ 485 ]

ولذا كان الاخذ من الاصول المصصحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية، كما قال المحقق الداماد (1) وصرح به المحقق البهائي في ” مشرق الشمسين ” حيث ذكر فيه بعض ما يوجب الوثوق بالحديث والركون إليه، منها وجوده في كثير من الاصول الاربعمائة. ومنها تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة ومنها وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم أو على تصحيح ما يصح عنهم (2). ولا يخفى أن هذه الميزة ترشحت إلى الاصول من قبل المثابرة الاكيدة على كيفية تأليفها والتحفظ على ما لا يتحفظ عليه غيرهم من المؤلفين غالبا. ويظهر من الشيخ رحمه الله أن الاصول الاربعمائة مما أجمع الاصحاب على صحتها وعلى العمل بها. قال المولى التقي المجلسي: ” ذكر الشيخ في ديباجة الاستبصار أن هذه الاخبار المستودعة في هذه الكتب أي الكتب الاربعة مجمع عليها في النقل. والظاهر أن مراده أنهم أخذوها من الاصول الاربعمائة التي أجمع الاصحاب على صحتها وعلى العمل بها ” (3). وذكر الشيخ أيضا في مبحث التعادل والترجيح من ” العدة ” أن رواية السامع مقدم على رواية المستجيز، إلا أن يروي المستجيز أصلا معروفا أو مصنفا مشهورا (4)، ودلالة هذه العبارة على شدة الاهتمام بالاصول المدونة من قبل أصحاب الائمة عليهم السلام ظاهرة. أما دلالة كون الرجل ذا تصنيف أو ذا أصل على وثاقته ومدحه فغير


(1) الذريعة ج 2، الصفحة 126. (2) مستدرك الوسائل ج 3، الصفحة 535 (نقلا عن مشرق الشمسين). (3) روضة المتقين ج 14، الصفحة 40. (4) عدة الاصول ج 1، الصفحة 385. [ * ]

[ 486 ]

معلوم. لان كثيرا من مصنفي الاصول مالوا إلى المذاهب الفاسدة كالواقفية والفطحية، وإن كانت كتبهم معتمدة. وذلك لان مصطلح الصحيح عند القدماء غيره عند المتأخرين، ولا يستتبع صحة حديث رجل عند القدماء وثاقته عندهم، كما ذكر في كتب الدراية. قال الوحيد في فوائده: ” ثم اعلم أنه عند خالي، بل وجدي أيضا، على ما هو ببالي أن كون الرجل ذا أصل من أسباب الحسن. وعندي فيه تأمل لان كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب من أسباب الحسن. ولكن الظاهر أن كون الرجل صاحب أصل يفيد حسنا لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف وكذا جيد التصنيف وأمثال ذلك. بل وكونه ذا كتاب أيضا يشير إلى حسن ما. ولعل ذلك مرادهم مما ذكروا ” (1). فما ذكره المحقق الطهراني في ذريعته من أن قول أئمة الرجال في ترجمة أحدهم أن له أصلا يعد من ألفاظ المدح (2)، يجب حمله على ما أفاده الوحيد بمعنى أنه يكشف عن وجود مزايا شخصية فيه من الضبط والحفظ والتحرز عن بواعث النسيان والاشتباه والتحفظ عن موجبات الغلط والسهو، لا بمعنى وثاقته وعدالته وصحة مذهبه. هذا تمام الكلام في معرفة الاصل والتصنيف والنوادر. الفائدة الرابعة عشر قد وقفت على دلائل الحاجة إلى علم الرجال في التمسك بالروايات المروية عن النبي وعترته الطاهرة عليهم السلام الواردة في كتب أصحابنا


(1) الفوائد الرجالية، الصفحة 36. (2) الذريعة ج 2، الصفحة 130. [ * ]

[ 487 ]

الامامية وعرفت المصادر التي يجب الرجوع إليها في تمييز الثقات عن الضعاف. وأما ما يرويه أهل السنة عن النبي الاكرم أو الصحابة والتابعين لهم باحسان فالحاجة إلى علم الرجال فيه أشد وألزم وذلك بوجوه: الاول: إن الغايات السياسية غلبت على الاهداف الدينية فمنعت الخلفاء من كتابة حديث الرسول وتدوينه بعد لحوقه بالرفيق الاعلى. ودام هذا النهي قرابة قرن من الزمن إلى أن آل الامر إلى الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز (10199) فأحس بضرورة كتابة الحديث، فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة: ” انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا أحاديث النبي، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعمل فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا ” (1). ومع هذا الاصرار المؤكد من الخيفة لم تكتب إلا صحائف غير منتظمة ولا مرتبة، إلى أن زالت دولة الامويين، وقامت دولة العباسيين، وأخذ أبو جعفر المنصور بمقاليد الحكم، فقام المحدثون في سنة 143 هجرية بتدوين الحديث (2). كانت للحيلولة من كتابة الحديث آثار سلبية جدا، لان الفراغ الذي خلفه المنع أوجد أرضية مناسبة لظهور الدجالين والابالسة من الاحبار والرهبان من كهنة اليهود والنصارى، فافتعلوا أحاديث كثيرة نسبوها إلى الانبياء عامة، وإلى لسان النبي الاكرم خاصة. وهذه الاحاديث هي المرويات الموسومة بالاسرائيليات والمسيحيات بل المجوسيات. وقد شغلت بال المحدثين قرونا وأجيالا، وهي مبثوثة في كتب التفسير والحديث والتاريخ، بل هي حلقات بلاء


(1) صحيح البخاري، ج 1، الصفحة 27. (2) تاريخ الخلفاء للسيوطي، الصفحة 261، نقلا عن الذهبي. [ * ]

[ 488 ]

حاقت بالمسلمين. وأرجو من الله سبحانه أن يقيض امة ساعية في هذا المجال لافراز هذه المرويات عن النصوص الصحيحة الاسلامية، وقد بحثنا عن الآثار السلبية لمنع تدوين الحديث في أبحاثنا حول الملل والنحل (1). الثاني: إن وضع الحديث والكذب على النبي الاعظم وعلى الثقات من صحابته والتابعين لهم باحسان كان شعار الصالحين وعمل الزاهدين، يتقربون به إلى الله سبحانه، ولا يرون الوضع والاختلاق منافيا للزهد والورع. كل ذلك لاهداف دينية من دعم مبدأ أو تعظيم إمام أو تأييد مذهب. روى الخطيب عن الرجالي المعروف يحيى بن سعيد القطان قوله: ” ما رأيت الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث ” (2). ويروي السيوطي عنه أيضا قوله: ” ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد ” (3). ومن أراد أن يقف على كيفية عمل الوضاعين ومقاصدهم ونماذج من الاحاديث الموضوعة فليرجع إلى الكتابين التاليين: 1 ” الموضوعات الكبرى ” في أربعة اجزاء، للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي البغدادي (المتوفي عام 597 ه‍). وقد ذكر فيه المؤلف الاحاديث الموضوعة، وأراد الاستقصاء ولم يوفق له، لانه عمل كبير لا يقوم به إلا اللجان التحقيقية. 2 ” اللئالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة ” لجلال الدين السيوطي (المتوفي عام 911) إلى غير ذلك من الكتب المؤلفة في هذا المضمار.


(1) لاحظ كتابنا ” ابحاث في الملل والنحل ” ج 1، الصفحة 95 65. (2) تاريخ بغداد، ج 2، الصفحة 98. (3) اللئالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة، ج 2، الصفحة 470، في خاتمة الكتاب في ضمن فوائد. [ * ]

[ 489 ]

الثالث: إن السلطة الاموية كانت تدعم وضع الحديث بشدة وحماس لما في تلك الاحاديث المزورة من تحكيم عرش الخلافة وثباته، خصوصا إذا كان الوضع في مجال المناقب والفضائل للخلفاء وبالاخص للامويين منهم. وهذا معاوية ابن هند آكلة الاكباد كتب إلى عماله في الآفاق: ” لا تجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وانظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلى بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته “. وقد كان لهذا المنشور أثر بارز في إكثار الفضائل لعثمان، وخلقها له، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات والكساء والحباء ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس، عاملا من عمال معاوية ويروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه، وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا. ثم كتب معاوية إلى عماله: ” إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحة، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا احب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله “. وقد قرء هذا المنشور على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، والقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء


[ 490 ]

الله (1). وهذا يعرب عن أن الاهواء الشخصية، والاغراض المذهبية، كان لها أثر بعيد في وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله لكي يؤيد كل فريق رأيه ويحق ما يراه حقا. علم الرجال والاحاديث غير الفقهية إن الرجوع إلى علم الرجال لا يختص بمورد الروايات الفقهية فكما أن الفقيه لا منتدح له عن الرجوع إلى ذلك العلم ليميز الصحيح عن الساقط، فهكذا المحدث والمؤرخ الاسلاميان يجب عليهما الرجوع إلى علم الرجال في القضايا التاريخية والحوادث المؤلمة أو المسرة. فان يد الجعل والوضع قد لعبت تحت الستار في مجال التاريخ والمناقب أكثر منها في مجال الروايات الفقهية. ومن حسن الحظ أن قسما كبيرا من التواريخ المؤلفة في العصور الاولى مسندة لا مرسلة، كتاريخ الطبري لابن جرير وتفسيره، فقد ذكر أسناد ما يرويه في كلا المجالين. وبذلك يقدر الانسان على تمييز الصحيح عن الزائف، ومثله طبقات ابن سعد (المتوفي عام 209) وغير ذلك من الكتب المؤلفة في تلك العصور مسندة. ولاجل إيقاف القارئ على عدة من الكتب الرجالية لاهل السنة نأتي بأسماء المهم منها ولا غنى للباحث عن الرجع إلى تلك الكتب الثمينة: 1 ” الجرح والتعديل “: تأليف الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (المولود عام 240 والمتوفي عام 327) وطبع الكتاب في تسعة أجزاء يحتوي على ترجمة ما يقرب من عشرين ألف شخص.


(1) شرح ابن ابي الحديد، ج 11، الصفحة 44، 45، نقله عن كتاب الاحداث لابي الحسن علي بن محمد بن ابي سيف المدائني. [ * ]

[ 491 ]

2 ” ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ” تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (المتوفي عام 748 ه‍). قال السيوطي: ” والذي أقوله: إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر ” (1). 3 ” تهذيب التهذيب “: تأليف الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (المولود عام 773، والمتوفي عام 852) صاحب التآليف الكثيرة منها ” الاصابة ” و ” الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ” وغيرهما. والاصل في هذا الكتاب هو ” الكمال في أسماء الرجال ” (2) تأليف الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي الحنبلي (المتوفي سنة 600). وهذبه الحافظ جمال الدين يوسف بن الزكي المزي (المتوفي سنة 724) وأسماه ” تهذيب الكمال في أسماء الرجال “. وقام ابن حجر بتلخيص التهذيب وأسماه ” تهذيب التهذيب ” واقتصر فيه على الجرح والتعديل وحذف ما طال به الكتاب من الاحاديث. طبع في 12 جزءا في حيدر آباد دكن من بلاد الهند عام 1325. 4 ” لسان الميزان “: تأليف الحافظ بن حجر العسقلاني وهو اختصار لكتاب ” ميزان الاعتدال ” للذهبي وقد ذكر في مقدمة الكتاب كيفية العمل الذي قام به في طريق اختصاره. طبع الكتاب في سبعة أجزاء في حيدر آباد دكن من بلاد الهند واعيد طبعه كسابقه في بيروت بالافست.


(1) مقدمة ” ميزان الاعتدال ” الصفحة ” ز “. (2) لاحظ حول هذا الكتاب من التلخيص والاختصار كشف الظنون ج 2، الصفحة 330، [ * ]

[ 492 ]

وهذه الكتب الاربعة هي مصادر علم الرجال عند أهل السنة، فيجب على كل عالم اسلامي الالمام بها والاستعانة بها في تمييز الاحاديث والمرويات المزورة والمختلفة في طول الاجيال الماضية، عن الصحاح الثابتة. * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة) * ابراهيم: 27. الكتب المؤلفة في حياة الصحابة قد قام عدة من المتضلعين في التاريخ والحديث بتأليف كتب حافلة بترجمة صحابة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله والمهم منها ما يلي: 1 ” الاستيعاب في أسماء الاصحاب “: تأليف الحافظ أبي عمر يوسف قد قام عدة من المتضلعين في التاريخ والحديث بتأليف كتب حافلة بترجمة صحابة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله والمهم منها ما يلي: 1 ” الاستيعاب في أسماء الاصحاب “: تأليف الحافظ أبي عمر يوسف ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر (المولود سنة 363 والمتوفي عام 463). 2 ” اسد الغابة “: للعلامة أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بان الاثير (المتوفي عام 630) وقد جاء فيه سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة. 3 ” الاصابة في تمييز الصحابة “: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني السابق ذكره. وقد قمنا بتأليف كتاب حول صحابة النبي الذين شايعوا عليا في حياة النبي وبعد رحلته إلى أن لفظوا آخر نفس من حياتهم فبلغ عددهم 250 شخصا طبع منه جزءان. هذا نهاية البحث عن الفوائد الكلية في علم الرجال، وقد قربت للقارئ الكريم البعيد، ولخصت له الابحاث المسهبة بشكل يسهل تناولها، أشكره سبحانه على هذه النعمة، وأرجو منه تعالى أن يكون ما قدمته من المحاضرات خطوة مؤثرة لتطور الدراسات العالية في الحوزات العلمية المقدسة حتى يتخرج


[ 493 ]

في ظل هذه الابحاث ثلة متخصصة في علمي الرجال والدراية، كما نرجو مثله في سائر العلوم والفنون. بلغ الكلام إلى هنا صبيحة يوم الجمعة رابع شوال المكرم من شهور عام 1408 ه‍. كتبه بيمناه جعفر السبحاني ابن الفقيه الشيخ محمد حسين غفر الله لهما. قم المشرفة

اترك تعليقاً