الاحتجاج

الشيخ الطبرسي ج 1


[ 1 ]

الاحتجاج تأليف أبي منصور احمد بن علي بن أبى طالب الطبرسي تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان منشورات


[ 2 ]

طبع في مطابع النعمان النجف الاشرف حسن الشيخ ابراهيم الكتبى تلفون 977 المسكن 227 حي 1386 – 1966 م


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة بقلم: العلامة الجليل السيد محمد بحر العلوم بين يدي القراء الكرام كتاب جليل، يعتبر من المصادر القيمة في موضوعه ومؤلف هذا الكتاب هو: احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، أبو منصور. وتكاد تجمع المصادر على هذا القدر من اسمه ونسبه، الا ابن شهر اشوب فقد ذكره على الوجه التالى ” احمد بن ابي طالب ” (1). وحذا حذوه الشيخ المجلسي عند ذكره كتاب الاحتجاج، واعتقد ان الشيخ يوسف البحراني حاول توجيه راي ابن شهر اشوب بقوله: ” وقد يعبر عنه بابن احمد بن ابي طالب الطبرسي، والظاهر انه من باب الاختصار في النسب فلا يتوهم التعدد ” (2). ولم تحدد لنا المصادر سنة ولادته، كما لم تحدد لنا سنة وفاته، غير ان الحجة الثبت شيخنا المحقق اغا بزرك الطهراني يستنتج سنة وفاته من معاصريه وتلامذته ويعده ممن ادركوا اوائل القرن السادس الهجري، بدليل انه استاذ رشيد الدين محمد بن على بن شهر اشوب الذي توفي سنة 588 ه‍ عن مائة سنة الا عشر أشهر، فهو من أهل الخامسة الذين ادركوا اوئل السادسة ايضا (3). ويتجه لغير هذا الرأي كل من عمر رضا كحاله (4)، واسماعيل باشا (5)


(1) معالم العلماء: 25 (2) كشكول البحراني: 301 – 1 (3) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 281 – 1 (4) معجم المؤلفين 10 – 2 (5) ايضاح المكنون ذيل كشف الظنون: 31 – 1

[ 4 ]

ويعتقدان بانه توفي في حدود سنة 620 ه‍. ولقد روى مترجمنا عن جماعة، منهم أبو جعفر مهدي بن الحسن بن ابي حرب الحسيني المرعشي (1). وروى عنه رشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب، الذى صرح بذلك في كتابه (2) بقوله: ” شيخي احمد بن ابي طالب “. وكان موضع اعتماد الشهيد في شرح الارشاد، فكثير ما نقل فتاواه واقواله (3) وذكره اعلام المترجمين بكل ما يدل على مكانته العلمية، فقد اثنى عليه السيد ابن طاووس، ووصفه الحر العاملي بانه ” عالم فقيه فاضل، محدث، ثقة ” وتحدث عنه الشيخ يوسف البحراني بقوله: ” الفاضل، العالم، المعروف، كان من أجل العلماء، ومشاهير الفضلاء ” (4) واعتبره الخونساري به: ” من اجلاء اصحابنا المتقدمين ” (5) واورد ترجمته عمر رضا كحاله فوصفه بانه: ” فقيه مؤرخ ” (6) ومن هذه الفقرات المعدودة نستطيع ان نعرف مكانة مترجمنا العلمية ومدى الثقة التي كان يتسم بها. ودللت المصادر المترجمة له بانه مؤلف قدير، له عدة كتب، فالى جانب كتاب (الاحتجاج) الذي نحن بصدده خلف الكتب التالية، وهي: 1 – الكافي في الفقه، أو (الكافي من فقه الشيعة).


(1) مهدي بن الحسن بن ابى الحرب المرعشي، عده المحقق الوحيد من اجلاء الطائفة، ومن مشايخ الاجازة من مشايخ الطبرسي، وقد وصف بالعالم العابد العادل الموثق، يروى عن الشيخ الصدوق ابى عبد الله جعفر بن محمد بن احمد الدرويستى عن أبيه عن الشيخ ابى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى. راجع (رجال المامقانى: 261 – 3، وكشكول البحراني: 301 – 1) (2) معالم العلماء: 25 (3) كشكول البحراني: 302 – 1، واعيان الشيعة: 99 – 9 (4) كشكول البحراني: 301 – 302 – 1 (5) روضات الجنات: 19 – 1 (6) معجم المؤلفين: 10 – 2

[ 5 ]

2 – تاريخ الائمة عليهم السلام. 3 – فضل الزهراء عليها السلام. وهذه الكتب وان لم نعثر عليها فقد اورد ذكرها كل من ابن شهر اشوب والشيخ عباس القمي، والسيد محسن الامين العاملي، وعمر رضا كحاله، واسماعيل باشا (1). 4 – مفاخرة الطالبية. وقد ذكر هذا الكتاب كل من ابن شهر اشوب. والسيد الامين العاملي (2). 5 – كتاب الصلاة. وانفرد بذكر هذا الكتاب ابن شهر اشوب (3). 6 – تاج المواليد. وانفرد بذكر هذا الكتاب السيد محسن الامين العاملي (4) وقال: ” ينقل عنه السيد النسابة احمد بن محمد بن المهنا بن علي بن المهنا العبيدلي المعاصر للعلامة الحلي في كتابه ” تذكرة النسب ” ولكن الشيخ احمد بن ابي ظبية البحراني في كتابه ” عقد اللآل في مناقب النبي والآل ” نسبه إلى امين الاسلام ابي علي فضل ابن الحسن الطبرسي صاحب التفسير، فقد وقع اشتباه في نسبة الكتاب المذكور أما من العبيدلي، أو البحراني، وكونه من العبيدلي القريب من زمن المؤلف بعيد “. ولقد وقع نظير هذا الاشتباه الذي يشير إليه المرحوم السيد الامين، اشتباه آخر في كتاب الاحتجاج نفسه. فقد نسب بعض المؤلفين كتاب الاحتجاج إلى ابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، صاحب تفسير مجمع البيان.


(1) راجع: معالم العلماء 25، والكنى والالقاب: 404 – 2، واعيان الشيعة 100 – 9، ومعجم المؤلفين 10 – 2 وايضاح المكنون: 213 – 1، 166 و 259 – 2 (2) معالم العلماء: 25، واعيان الشيعة: 100 – 9 (3) معالم العلماء: 25 (4) اعيان الشيعة: 100 – 9

[ 6 ]

وفي صدد اثبات هذا الكتاب لابي منصور احمد بن ابي طالب الطبرسي قال الشيخ يوسف البحراني: ” ويظهر من كتاب المجلى لابن ابى جمهور الاحسائي ان كتاب الاحتجاج للشيخ ابى الفضل الطبرسي. قال في اول البحار بعد نسبة كتاب الاحتجاج لاحمد بن ابى طالب: وينسب هذا الكتاب إلى ابي علي الطبرسي وهو خطأ، بل هو تأليف ابي منصور احمد بن علي بن ابى طالب الطبرسي، كما صرح به السيد ابن طاووس في كتاب كشف المحجة ” (1). وقال الخونساري: ” وقد غلط صاحب الغوالى، والمحدث الاسترابادي غلطا فاحشا يبعد عن مثلهما غاية البعد في نسبة (كتاب الاحتجاج) إلى الشيخ ابي علي الطبرسي صاحب التفسير، مع ان بينهما بونا بعيدا، وتصريح جمهور الاصحاب واسنادهم عنه واليه على خلاف ذلك جدا ” (2). وقطع السيد الامين بالاشتباه، واضاف بان صاحب رياض العلماء قال: قد توهم بعضهم بان الاحتجاج لصاحب مجمع البيان ابي علي الفضل الطبرسي، وهو توهم فاسد ” (3). وأكد البحراني على صحة نسبة هذا الكتاب لابي منصور احمد بن علي الطبرسي، ونقل عنه السيد الامين عن اللؤلؤة قوله: ” غلط جملة من متأخري اصحابنا في نسبة كتاب الاحتجاج إلى أبي علي الطبرسي ” (4). وادرج كل من الحجة الشيخ اغا بزرك الطهراني، واسماعيل باشا، وعمر رضا كحاله اسم هذا الكتاب في قائمة مؤلفات ابى منصور الطبرسي (5). ولعل الاشتباه الذي نشأ مرجعه إلى اشتراكهما في لقب واحد، وعصر واحد كما صرح بذلك الشيخ البحراني بقوله: ” وان كان عصرها متحدا، وهما شيخ


(1) الكشكول: 301 – 1 (2) روضات الجنات: 19 – 1 (3) اعيان الشيعة: 100 – 9 (4) الكشكول: 301 – 1 واعيان الشيعة: 100 – 9 (5) الذريعة: 281 – 1 ومقدمة تفسير التبيان ه‍ – 1 ومعجم المؤلفين: 10 – 2 وايضاح المكنون: 31 – 1

[ 7 ]

ابن شهر اشوب واستاداه، وظني ان بينهما قرابة ” (1). وإذا كنا ونحن في صدد التفريق بين هاتين الشخصيتين لاشتراكهما في لقب واحد فمن الجدير ان نذكر عددا من اعلام الشيعة يشتركون في هذه النسبة ايضا، وهم: 1 – أبو منصور، احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، والمعروف بصاحب كتاب (الاحتجاج). وهو الذي نحن بصدد الحديث عنه. 2 – أبو علي، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، صاحب (تفسير مجمع البيان)، المتوفي سنة 548 ه‍. 3 – أبو نصر، الحسن بن الفضل بن الحسن، رضي الدين، صاحب كتاب (مكارم الاخلاق وقد وصفته المصادر بانه: كان فاضلا فقيها، محدثا جليلا. 4 – أبو الفضل، على بن الحسن بن الفضل بن الحسن، صاحب كتاب (مشكاة الانوار) الذي ألفه تتميما لكتاب والده مكارم الاخلاق (2). 5 – أبو علي، محمد بن الفضل الطبرسي. هكذا ذكر الحر العاملي، ووصفه بانه ” كان عالما صالحا عابدا، يروى ابن شهر اشوب عنه، عن تلامذة الشيخ الطوسي ” (3). 6 – الشيخ حسن بن علي بن محمد على بن الحسن الطبرسي، المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسى (4). 7 – الحاج ميرزا حسين بن العلامة محمد تقي النوري الطبرسي صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) المتوفي عام 1320. وهناك عدد آخر ولكننا اخترنا المشهورين منهم. والطبرسي: نسبة إلى طبرستان، وهي التي تعرف بمازندران، بل قد يقال: طبرستان على جميع تلك البلاد، حتى يشمل استراباد، وجرجان، ونحوها، وهي واقعة على طرف بحر الخزر، وتعرف ببحيرة طبرستان.


(1) الكشكول: 301 – 1، واعيان الشيعة: 100 – 9 (2) راجع تراجم هؤلاء المذكورين في الكنى والالقاب 409 – 2 (3) امل الامل: مادة محمد (4) اعيان الشيعة 98 – 9

[ 8 ]

وطبر: بالفارسية الفاس، وهي من كثرة اشتباك اشجارها لا يسلك فيها الجيش الا بعد ان يقطع بالطبر الاشجار من بين ايديهم. واستان: الناحية بالفارسي، فسميت طبرستان، اي ناحية الطبر. ونقل عن صاحب تاريخ قم المعاصر لابن العميد: ان طبر معرب، وهي ناحية معروفة بحوالي قم، وان الطبرسي (احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي) وسائر العلماء المعروفين قد كانوا اهل هذه الناحية (1). والكتاب الذي نحن بصدده، يعتبر من المصادر المحترمة في بابه، ولعلنا نستطيع من خلال الفقرات التي سنوردها – والتي تتضمن اراء الاعلام فيه – نلمس مدى اهميته، ووزنه العلمي. قال البحراني: ” قال المجلسي في اول البحار انه قال في الفصل الثاني: وكتاب الاحتجاج وان كان اكثر اخباره مراسيل لكنه من الكتب المعروفة، وقد اثنى السيد ابن طاوس على الكتاب وقد اخذ عنه اكثر المتأخرين ” (2). وقال الخونساري: و ” كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة، مشتمل على كل ما اطلع عليه من احتجاجات النبي والائمة، بل كثير من اصحابهم الامجاد مع جملة من الاشقياء المخالفين ” (3). وقال الشيخ اغا بزرك الطهراني: وفي الكتاب ” احتجاجات النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام وبعض الصحابة، وبعض العلماء، وبعض الذرية الطاهرة، واكثر احاديثه مراسيل الاما رواه عن تفسير العسكري عليه السلام، كما صرح به في أوله بعد الخطبة، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الاعلام: كالعلامة المجلسي، والمحدث الحر، واضرابهما ” (4). ومن خلال هذه الفقرات نستفيد بان الكتاب بمجموعه موضع اعتماد الاعلام والباحثين، بالرغم من ان اكثر احاديثه مراسيل، الا ان الثقة الكبيرة التي يتمتع


(1) كشكول البحراني 302 – 303 – 1 واعيان الشيعة: 97 – 98 – 9 (2) الكشكول 301 – 1 (3) روضات الجنات: 19 – 1 (4) الذريعة: 281 – 1

[ 9 ]

بها مؤلف الكتاب، زرعت في نفوس المؤلفين الاعتماد عليه، والنقل عنه دون تمحيص وتحقيق، وتدقيق في اسناد الاخبار والاحاديث. اما البواعث التي دعت المؤلف لتأليف هذا الكتاب، فقد حدثنا الطبرسي نفسه عنها، فقال: ” ثم ان الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الاصحاب عن طريق الحجاج جدا، وعن سبيل الجدال، وان كان حقا وقولهم: ” ان النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لم يجادلوا قط، ولا استعملوه، ولا للشيعة فيه اجازة، بل نهوهم عنه، وعابوه “، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والاصول مع اهل الخلاف، وذوي الفضول، وقد جادلوا فيها بالحق من الكلام، وبلغوا غاية كل مرام، وانهم عليهم السلام انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من اهل القصور عن بيان الدين، دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لاهل اللجاج، فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم، ومداولة الكلوم، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم ” (1). إذا فالمؤلف اندفع إلى تأليف هذا الكتاب بدافع العقيدة لينير للمتخبطين بطريق الغواية، نور الهداية والخير، ويبسط ما وسعه المجال عن جميع ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وآل بيته عليهم السلام واتباعهم، وليكشف لذوي اللجاج مدى المكانة العالية، والمقام السامي، التي تتمتع بها هذه الصفوة. اما منهج الطبرسي في تأليف كتابه الاحتجاج، فقد اوضحه لنا نفسه في مقدمة كتابه المذكور ” يقول: ” وانا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكريات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك انبياءه بمحاجة ذوي العدوان، ويشتمل ايضا على عدة اخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم، وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة، والبراهين الباهرة، ثم نشرع في ذكر طرف من مجالات النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، وربما


(1) الاحتجاج: 4

[ 10 ]

يأتي في اثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة، حيث تقتضي الحال ذكره ولا نأتي في اكثر ما نورده من الاخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، الا ما اوردته عن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام فاليس في الاشتهار على حد ما سواه، وان كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلاجل ذلك ذكرت اسناده في اول جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه عليه السلام انما رويته باسناد واحد من جملة الاخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره ” (1). ولقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في ايران والنجف، غير ان هذه الطبعة التي بين ايدينا – وهي من نتاج مطبعة النعمان الغراء – قد تميزت عن سابقاتها بمميزات هامة. اولا – من حيث التعليق والفهرسة: فقد تصدى الاخ الفاضل السيد محمد بقاقر الخرسان لتحقيقها والتعليق عليها، وترجمة الاعلام الواردة فيها، وشرح الكلمات اللغوية، ووضع فهارس لها بالاضافة إلى تقسيمها جزئين. الامر الذي دل على قابلية الاخ الخرسان في مضمار التحقيق والتعليق، والجهد الذي صرفه في هذا الكتاب، والذي يبشر عن مستقبل زاهر يبعث بالامل والتقدير واني ارجوا مخلصا له ذلك. ثانيا – من حيث الاخراج والطباعة: وفي هذا المضمار اقدر للاخ الاديب حسن الشيخ ابراهيم صاحب مطبعة النعمان اهتمامه الكبير في اخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة، والطباعة الانيقة والتي يتجلى فيها كل مظاهر الخدمة الصادقة، والاخلاص العميق في ابراز هذه الكتب بصورة تتناسب وهذا العصر الذي تقدمت فيه كل الامور إلى الاحسن. وفي الختام ادعوا الله عزوجل ان يوفق المعلق والناشر لخدمة الدين الاسلامي ويأخذ بيدهما إلى ما يصبوان إليه من الجزاء الاوفر من محمد صلى الله عليه وآله وعلي وانجاله الغر الميامين الذين اذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا. وهو المسدد للصواب النجف الاشرف في 18 / 12 / 1385 محمد السيد علي بحر العلوم


(1) الاحتجاج: 4

[ 1 ]

الأحتجاج تأليف أبى منصور أحمد بن علي بن ابى طالب الطبرسي سنة 1385 هجرية سنة 1965 ميلادي


[ 2 ]

…..


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتعالى عن صفات المخلوقين، المنزه عن نعوت الناعتين، المبرأ مما لا يليق بوحدانيته، المرتفع عن الزوال والفناء بوجوب الهيته، الذى استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه، وترادف لديهم من حسن بلائه، وتتابع من أياديه وعواطفه، وتفاقم من مواهبه وعوارفه، جم عن الاحصاء عددها، وفاق عن الاحاطة بها مددها، وخرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقها لديها. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة يثقل بها ميزان العارفين وتبيض بها وجوههم يوم الدين، واشهد ان محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى خاتم الرسل والأنبياء وسيد الخلائق كلهم والأصفياء، وان وصيه علي بن ابى طالب عليه السلام خير وصي وصي وخير امام ولى، وان عترته الطاهرة خير العترة الأئمة الهادية الاثنا عشر أمناء الله في بلاده وحججه على عباده، بهم تمت علينا نعمته وعلت كلمته، اختارهم للبرية اظهارا للطفه وحكمته وانارة لاعلام عدله ورحمته فانزاحت بهم علة العبيد، وزهق باطل كل مستكبر عنيد، بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب حفظا منه للشرائع والأحكام، وسياسة لهم وهيبة لأهل المعاصي والآثام، وزجرا عن التغاشم والتكالب، وردعا عن التظالم والتواثب، وتأديبا بهم لأهل العتو والعدوان، ودفعا لما تدعو إليه دواعى الشيطان، ولم يهملهم سدى بلا حجة فيهم معصوم إما ظاهر مشهور أو غائب مكتوم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الحجة، ولا يلتبس عليهم في دينه المحجة، ولم يجعل إليهم اختياره لعلمه بأنهم لا يعلمون اسراره، ولأنه عزوجل متعال عن فعل شئ لا يجوز عليه مثل تكليف مالا يهتدى العباد إليه، وقد نزه نفسه عن ان يشرك به احدا في الاختيار


[ 4 ]

حيث قال: ” وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة ” سبحان الله تعالى عما يشركون. ثم ان الذى دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال وان كان حقا، وقولهم: ” ان النبي صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه اجازة بل نهوهم عنه وعابوه “، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع اهل الخلاف وذوى الفضول، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام، وانهم عليهم السلام انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من اهل القصور عن بيان الدين دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج، فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ومداولة الكلوم، فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم. وانا ابتدئ في صدر الكتاب بفصل ينطوى على ذكر آيات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك انبياءه بمحاجة ذوي العدوان ويشتمل أيضا على عدة أخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة، ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي والأئمة عليه وعليهم السلام، وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث تقتضي الحال ذكره، ولا نأتي في اكثر ما نورده من الأخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، الا ما اوردته عن ابى محمد الحسن العسكري عليه السلام، فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وان كان مشتملا على مثل الذى قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت اسناده في اول جزء من ذلك دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه عليه السلام انما رويته باسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره. والله المستعان فيما قصدناه وهو حسبى ونعم الوكيل.


[ 5 ]

فصل ” في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال ” ” بالتي هي أحسن وفضل أهله ” قال الله تبارك وتعالى في كتابه مخاطبا لنبيه صلى الله عليه واله: ” وجادلهم بالتي هي احسن ” (1). وقال عز من قائل: ” ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن ” (2) وقال الله تعالى: ” الم تر إلى الذى حاج ابراهيم ” الآية (3). وقال تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام ايضا لما احتج على على عبدة الكوكب المعروف بالزهرة وعبدة الشمس والقمر جميعا بزوالها وانتقالها وطلوعها وافولها وعلى حدوثها واثبات محدث لها وفاطر اياها: ” وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ” إلى قوله تعالى: ” وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه ” (4) وغير ذلك من الآيات التى فيها الامر بالاحتجاج، وسيأتى ذكر شرحها في مواضعها انشاء الله تعالى. وروى عن النبي صلى الله عليه واله انه قال: ” نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا “. واما الأخبار في فضل العلماء فهى اكثر من ان تعد أو تحصى، لكنا نذكر طرفا منها: فمن ذلك ما حدثني به السيد العالم العابد أبو جعفر مهدى بن ابى حرب


(1) النحل: 125. (2) العنكبوت: 46. (3) البقرة: 258. (4) الأنعام: 75 – 83.

[ 6 ]

الحسيني المرعشي (1) رضى الله عنه، قال حدثنى الشيخ الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد ابن احمد الدوريستى (2) رحمه الله عليه، قال حدثني ابى محمد بن احمد (3) قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (4) رحمه الله، قال حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاسترا بادى (5)، قال حدثنى أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وابو الحسن علي بن محمد بن سيار (6) – وكانا من الشيعة


(1) السيد أبو جعفر مهدى بن ابى حرب الحسينى المرعشي عالم عابد، يروى عنه الطبرسي صاحب الاحتجاج بحق روايته عن ابيه عن الصدوق محمد بن على بن بابويه ويروى هو عن جعفر بن محمد.. العيسى الدوريستى. أعيان الشيعة 48 / 121. (2) أبو عبد الله جعفر بن محمد بن احمد بن العباس الدوريستى الرازي من أكابر علماء الامامية، من بيت العلم والفضل، كثير الرواية، كان مشهورا في جميع الفنون، معظما في الغاية عند نظام الملك الوزير. والدوريستى نسبة إلى دوريست قرية من قرى الرى يقال لها الآن (درشت) الكنى والألقاب 2 / 408. (3) أبو جعفر محمد بن احمد بن العباس العبسى الدوريستى من ولد حذيفة بن اليمان العبسى الصحابي، يروى عن الصدوق ويروى عنه ولده جعفر بن محمد. اعيان الشيعة 43 / 266. (4) أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى، شيخ الحفظة رئيس المحدثين، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر عليه السلام، له نحو من ثلاثمائة مصنف ورد بغداد سنة 355 وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، مات بالرى سنة 381 الكنى والألقاب 1 / 212. (5) محمد بن القاسم الاستر ابادى المفسر، الراوى لتفسير الامام العسكري عليه السلام، شيخ ابن بابويه، روى عنه كثيرا في الفقيه والتوحيد وعيون أخبار الرضا عليه السلام، وترضى عنه وترحم عليه شرح مشيخة الفقيه ص 100. (6) أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وابو الحسن على بن محمد بن سيار قال الامام العسكري عليه السلام لوالديهما: ” خلفا على ولديكما لأفيدهما العلم الذى يشرفهما الله تعالى به “، ومن هذا الكلام يظهر عظيم منزلتهما وثقتهما بعكس ما رماهما –

[ 7 ]

الامامية – قالا حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، قال حدثنى ابى عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال: اشد من يتم اليتيم الذى انقطع من امه وابيه يتم يتيم انقطع عن امامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وارشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى (1). وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن العسكري عليه السلام قال: قال علي بن ابى طالب عليه السلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذى حبوناه به (2) جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضئ لجميع اهل العرصات، وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها، ثم ينادى مناد ” يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد، ألا فمن اخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان ” فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا، أو اوضح له عن شبهة. وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام قال: قال الحسين ابن علي (3) فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب (4) في رتبة الجهل يخرجه من جهله ويوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه


– بعضهم بالضعف لأن من علمه الامام علما يشرفه الله تعالى به لا يعقل كونه غير عدل. تنقيح المقال 2 / 305. (1) الرفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وفى بعض النسخ ” الرفيع الأعلى “. (2) حبوناه: اعطيناه بلا عوض. (3) في بعض النسخ ” الحسن بن علي “. (4) الناشب: الواقع فيما لا مخلص منه.

[ 8 ]

كفضل الشمس على السها. وبهذا الاسناد عن ابى محمد الحسن بن علي العسكري قال: قال الحسين بن علي عليهما السلام: من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى ارشده وهداه قال الله عزوجل: ايها العبد الكريم المواسى لاخيه انا اولى بالكرم منك، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم. وبهذا الاسناد عنه عليه السلام قال: قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام: العالم كمن معه شمعة تضئ للناس، فكل من ابصر بشمعته دعا بخير، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة، فكل من اضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار، والله يعوضه عن ذلك لكل شعرة لمن اعتقه ما هو افضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار (1) على الوجه الذى امر الله عزوجل به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو افضل من مائة ألف ركعة يصليها من بين يدى الكعبة. وبهذا الاسناد عنه عليه السلام قال: قال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذى يلى ابليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم ابليس وشيعته والنواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن اديان محبينا وذلك يدفع عن ابدانهم. وعنه عليه السلام بالاسناد المتقدم قال: قال موسى بن جعفر عليهما السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه


(1) القنطار: قيل هو ألف ومائتا أوقية، وقيل مائة وعشرون رطلا، وقيل هو ملء مسك ثور ذهبا، وقيل ليس له وزن عند العرب، وفسر القنطار من الحسنات في حديث مذكور في معاني الاخبار وغير بألف ومائتي أوقية، وأوقية اعظم من جبل أحد.

[ 9 ]

أشد على ابليس من ألف (1) عابد لأن العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وامائه لينقذهم من يد ابليس ومردته، فلذلك هو افضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة. وعنه عليه السلام قال: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: يقال للعابد يوم القيامة: ” نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنة “. ألا ان الفقيه من افاض على الناس خيره وانقذهم من اعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان الله تعالى، ويقال للفقيه: ” يا ايها الكافل لأيتام آل محمد الهادى لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك “، فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاما وفئاما (2) – حتى قال عشرا – وهم الذين اخذوا عنه علومه واخذوا عمن اخذ عنه وعمن اخذ عمن اخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم صرف مابين المنزلتين (3). وعنه عليه السلام قال: قال محمد بن علي الجواد عليهما السلام: من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الأسارى في ايدى شياطينهم وفي ايدى النواصب من اعدائنا فاستنقذهم منهم واخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل ائمتهم ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الارض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على اخفى كوكب في السماء. وعنه عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليهما السلام: لو لامن يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقى احد الا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما


(1) في بعض النسخ ” ألف ألف عابد “. (2) الفئام: الجماعة الكثيرة من الناس، وقد فسرفي بعض الاحاديث بمائة ألف. (3) الصرف: الفضل، يقال ” لهذا صرف على هذا ” أي فضل.

[ 10 ]

يمسك صاحب السفينة سكانها، اولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل. وعنه عليه السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا واهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك الانوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه اخرجوه الا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذى بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة ائمتهم الذين كانوا إليهم يدعون، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه وتحول عليه اشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم (1) إلى سواء الجحيم. وقال ايضا أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: ان محبي آل محمد صلى الله عليه واله مساكين مواساتهم افضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم من مقاتلة اعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه حتى ازال مسكنتهم ثم يسلطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الاعداء الباطنين ابليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله يذودوهم (2) عن أولياء آل رسول الله صلى الله عليه واله حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن اضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاءا حقا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله. وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: قال علي بن ابى طالب عليه السلام من قوى مسكينا في دينه ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف فأفحمه (3)


(1) الدع: الدفع بعنف. (2) الذود: الطرد والمنع. (3) أفحمه: اسكته

[ 11 ]

لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره ان يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي، والمؤمنون اخواني، فيقول الله: أدليت بالحجة (1) فوجبت لك اعالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحول عليه قبره انزه رياض الجنة. وقال أبو محمد عليه السلام: قالت فاطمة عليها السلام وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شئ من امر الدين احداهما معاندة والاخرى مؤمنة ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا، فقالت فاطمة: ان فرح الملائكة باستظهارك عليها اشد من فرحك، وان حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وان الله عزوجل قال للملائكة: اوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت اعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على اسير مسكين فيغلب معاندا مثل ألف ألف ماكان له معدا من الجنان. وقال أبو محمد عليه السلام: قال الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام وقد حمل إليه رجل هدية فقال له: ايما احب اليك ان ارد عليك بدلها عشرين ضعفا [ عشرين ضعفا عشرين ضعفا – يعني ] (2) عشرين ألف درهم – أو افتح لك بابا من العلم تقهر فلانا الناصبي في قريتك تنقذ به ضعفاء اهل قريتك ؟ ان احسنت الاختيار جمعت لك الأمرين، وان اسأت الاختيار خيرتك لتأخذ ايهما شئت. فقال: يابن رسول الله فثوابي في قهرى ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف درهم ؟ قال: بل اكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة. قال: يابن رسول الله فكيف اختار الأدون بل اختار الأفضل، الكلمة التي اقهر بها عدو الله وأذوده عن اوليائه. فقال الحسن بن علي عليهما السلام: قد أحسنت الاختيار، وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم، فذهب فأفحم الرجل، فاتصل


(1) أدلى بالحجة: أظهرها. (2) هذه الزيادة ليست في بعض النسخ.

[ 12 ]

خبره به فقال له حين حضر معه: يا عبد الله ما ربح احد مثل ربحك ولا اكتسب احد من الأوداء مثل ما اكتسبت مودة الله اولا ومودة محمد وعلي ثانيا ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ومودة ملائكة الله تعالى المقربين رابعا ومودة اخوانك المؤمنين خامسا، واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة، فهنيئا لك هنيئا. وقال أبو محمد عليه السلام: قال جعفر بن محمد عليهما السلام: من كان همه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين حمية لنا اهل البيت يكسرهم عنهم ويكشف عن مخازيهم ويبين عوارهم (1) ويفخم امر محمد وآله جعل الله تعالى همة املاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على اعداء الله اكثر من عدد أهل الدنيا املاكا، قوة كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرضين، فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها الا رب العالمين. وقال أبو محمد عليه السلام: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: افضل مايقدمه العالم من محبينا وموالينا امامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله، يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله، فيحملونه على اجنحتهم يقولون له: مرحبا طوباك طوباك (2) يا دافع الكلاب عن الابرار ويا ايها المتعصب للائمة الأخيار. وقال أبو محمد لبعض تلامذته – لما اجتمع إليه قوم من مواليه والمحبين لآل محمد رسول الله بحضرته وقالوا: يابن رسول الله صلى الله عليه واله ان لنا جارا من النصاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل الأول والثاني والثالث على امير المؤمنين عليه السلام ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها -: مر بهؤلاء إذا


(1) عوارهم: عيوبهم. (2) طوباك: طوبى لك، وطوبى اسم للجنة، وقيل شجرة فيها.

[ 13 ]

كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فسيستدعون منك الكلام فتكلم وافحم صاحبهم واكسر عربه (1) وفل حده (2) ولا تبق له باقية، فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلم الرجل فأفحمه وصيره لا يدرى في السماء هو أو في الأرض. قالوا: ووقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه الا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم والحزن مثل ما لحقنا من السرور. فلما رجعنا إلى الامام قال لنا: ان الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان اكثر مما كان بحضرتكم، والذى كان بحضرة ابليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم، ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي، وقابلهما الله تعالى بالاجابة فأكرم إيابه وعظم ثوابه، ولقد لعنت تلك الاملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالاجابة فشدد حسابه واطال عذابه.


(1) عربه: حدته، وفى بعض النسخ ” عرنينه ” وهو أول الأنف تحت مجتمع الحاجبين. (2) فل حده: مثل حد سيفه، وهو كناية عن كسر الشوكة.

[ 14 ]

فصل ” في ذكر طرف مما جاء عن النبي (ص) من الجدال والمحاجة والمناظرة ” ” وما يجري مجرى ذلك مع من خالف الاسلام وغيرهم ” قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وان رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي احسن، أما تسمعون الله يقول: ” ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن ” (1) وقوله: ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ” (2) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي احسن محرم حرمه الله على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: ” وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى ” (3) وقال الله تعالى: ” تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ” (3) فجعل الله علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى ببرهان الا بالجدال بالتي هي احسن. قيل: يابن رسول الله فما الجدال بالتي هي احسن وبالتي ليست بأحسن ؟ قال: اما الجدال بغير التي هي احسن فأن تجادل به مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد بذلك المبطل ان يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة ان يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا ان يصيروا فتنة على ضعفاء اخوانهم وعلى المبطلين، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له


(1) العنكبوت: 46. (2) النحل: 125 (3) البقرة: 111.

[ 15 ]

على باطله، وأما الضعفاء منكم فتغم قلوبهم (1) لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل. واما الجدال بالتي هي احسن فهو ما امر الله تعالى به نبيه ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت واحياءه له، فقال الله له حاكيا عنه: ” وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحى العظام وهى رميم ” فقال الله تعالى في الرد عليه: ” قل [ يا محمد ] يحييها الذى انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم. الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ” (2) إلى آخر السورة، فأراد الله من نبيه ان يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز ان يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ فقال الله تعالى: قل ” يحييها الذى انشأها اول مرة ” أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ ان يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه اصعب عندكم من اعادته، ثم قال ” الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ” أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم انه على اعادة ما بلى اقدر، ثم قال ” أو ليس الذى خلق السماوات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ” (3) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم ان تقدروا عليه من اعادة البالي، فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو اسهل عندكم من اعادة البالي. قال الصادق عليه السلام: فهو الجدال بالتي هي أحسن، لأن فيها قطع عذر الكافرين وازالة شبههم. واما الجدال بغير التي هي احسن فان تجحد حقا لا يمكنك ان تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وانما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر. وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: فقام إليه رجل آخر وقال: يابن رسول الله صلى الله عليه واله أفجادل رسول الله ؟ فقال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله، أليس الله قد قال: ” وجادلهم بالتي هي احسن ” و ” قل يحييها الذى انشأها اول مرة ” لمن ضرب الله مثلا، أفتظن ان رسول الله صلى الله عليه واله خالف ما امر


(1) تغم قلوبهم: تغطى قلوبهم. (2) يس 78 – 80. (3) يس: 81.

[ 16 ]

الله به فلم يجادل بما أمره الله به ولم يخبر عن امر الله بما امره ان يخبر به، ولقد حدثني ابى الباقر عن جدى علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي سيد الشهداء عن ابيه امير المؤمنين صلوات الله عليهم انه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه واله أهل خمسة اديان: اليهود، والنصارى، والدهرية، والثنوية، ومشركو العرب (1). فقالت اليهود: نحن نقول عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت النصارى: نحن نقول ان المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت الدهرية: نحن نقول ان الأشياء لابدو لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل، وان خالفتنا خصمناك. وقالت الثنوية: نحن نقول ان النور والظلمة هما المدبر ان. وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك، وان خالفتنا خصمناك. وقال مشركو العرب: نحن نقول ان أوثاننا آلهة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وافضل، وان خالفتنا خصمناك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت [ بالجبت


(1) اليهود هم اتباع النبي موسى بن عمران عليه السلام وكتابهم المقدس هو التوراة، والنصارى هم اتباع النبي عيسى بن مريم عليه السلام وكتابهم المقدس هو الانجيل، والدهرية هم الذين ينفون الرب والجنة والنار ويقولون وما يهلكنا الا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبت، والثنوية هم الذين يثبتون مع القديم قديما غيره، قيل هم المجوس الذين يثبتون مبدأين مبدأ للخير ومبدأ للشر وهما النور والظلمة ويقولون بنبوة ابراهيم الخليل عليه السلام، وقيل هم طائفة يقولون إن كل مخلوق للخلق الأول. ومشركو العرب هم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم ويعبدونها من دون الله تعالى ويعتقدون فيها انها منشأ الخير والشر وواسطة بين العبد والرب.

[ 17 ]

والطاغوت و ] (1) بكل معبود سواه. ثم قال لهم: ان الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا وحجة على العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره. ثم قال لليهود: اجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا: لا. قال: فما الذى دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا: لأنه أحيى لبني اسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذى جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم. ولئن كان عزير بن الله لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة اولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من اكرامه لعزير يوجب له انه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة اجل من البنوة، لأنكم ان كنتم انما تريدون بالبنوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطئ آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه واوجبتم فيه صفات المحدثين، فوجب عندكم ان يكون محدثا مخلوقا وان يكون له خالق صنعه وابتدعه. قالوا: لسنا نعني هذا، فان هذا كفر كما دللت لكنا نعني انه ابنه على معنى الكرامة وان لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه وابانته بالمنزلة من غيره ” يا بني ” و ” انه ابني ” لا على اثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لانسب له بينه وبينه، وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فهذا ما قلته لكم انه ان وجب على هذا الوجه ان يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة بموسى اولى، وان الله يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته، ان ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو اكثر مما ذكرته لكم، لأنكم قلتم ان عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه ” يا بني ” و ” هذا


(1) الزيادة في بعض النسخ.

[ 18 ]

ابني ” لا على طريق الولادة، فقد تجدون ايضا هذا العظيم لأجنبي آخر ” هذا اخي ” ولآخر ” هذا شيخي ” و ” ابي ” ولآخر ” هذا سيدى ” و ” يا سيدي ” على سبيل الاكرام، وان من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم ان يكون موسى اخا لله أو شيخا له أو ابا أو سيدا لأنه قد زاده في الاكرام مما لعزير، كما ان من زاد رجلا في الاكرام فقال له يا سيدي وياشيخي ويا عمي ويارئيسي على طريق الاكرام، وان من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم ان يكون موسى اخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو اميرا لأنه قد زاده في الاكرام على من قال له يا شيخى أو يا سيدي أو يا عمى أو يا رئيسي أو يا اميري ؟ قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا. فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف يهدكم الله. ثم اقبل على النصارى فقال لهم: وانتم قلتم ان القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه، فما الذي اردتموه بهذا القول، أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى، أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم انه اتحد به انه اختصه بكرامة لم يكرم بها احدا سواه، فان أردتم ان القديم صار محدثا فقد أبطلتم، لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وان اردتم ان المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث ايضا محال ان يصير قديما، وان اردتم انه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد اقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذى اتحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به – بأن احدث به معنى صار به اكرم الخلق عنده – فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه. فقالت النصارى: يا محمد ان الله لما اظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما اظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذى


[ 19 ]

ذكرتموه، ثم اعاد صلى الله عليه واله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له: يا محمد أو لستم تقولون ان ابراهيم خليل الله ؟ قال: قلنا ذلك. قال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من ان نقول ان عيسى ابن الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه واله: انهما لن يشتبها، لأن قولنا ابراهيم خليل الله فانما هو مشتق من الخلة والخلة انما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا واليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له: ادرك عبدي، فجاء فلقيه في الهواء فقال له: كلفني مابدا لك فقد بعثني الله لنصرتك. فقال ابراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل اني لا اسأل غيره ولا حاجة لي الا إليه، فسماه خليله اي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه، وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو انه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون انه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله، وان من يلده الرجل وان اهانه واقصاه لم يخرج عن ان يكون ولده، لأن معنى الولادة قائم به. ثم ان وجب لأنه قال لابراهيم خليلي ان تقيسوا انتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب ايضا كذلك ان تقولوا لموسى انه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ماكان مع عيسى، فقولوا ان موسى ايضا ابنه، وان يجوز أن تقولوا على هذا المعنى انه شيخه وسيده وعمه ورئيسه واميره كما قد ذكرته لليهود. فقال بعضهم لبعض وفي الكتب المنزلة ان عيسى قال ” اذهب إلى ابي وابيكم ” فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فان كنتم بذلك الكتاب تعملون فان فيه ” اذهب إلى ابي وابيكم ” فقولوا ان جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم ان ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم ان عيسى من وجهة الاختصاص كان ابنا له، لأنكم قلتم انما قلنا انه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وانتم تعلمون ان الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى ” اذهب إلى ابي وابيكم “، فبطل ان يكون الاختصاص


[ 20 ]

لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وانتم انما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها، لأنه إذا قال ” اذهب إلى ابي وابيكم ” فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى اذهب إلى آدم أو إلى نوح وان الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم ابي وابيكم وكذلك نوح، بل ما اراد غير هذا. قال: فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا. ثم اقبل رسول الله على الدهرية فقال: وانتم فما الذى دعاكم إلى القول بأن الأشياء لابدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟ فقالوا: لأنا لا نحكم الا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أفوجدتم لها قدما ام وجدتم لها بقاءا أبد الآبد. فان قلتم انكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم انكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم. قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولابقاء ابد الآبد، قال رسول الله صلى الله عليه واله: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها اولى من تارك التميز لها مثلكم، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاءا ابد الآبد، أو لستم تشاهدون الليل والنهار واحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا: نعم. فقال: افيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه واله فإذا منقطع احدهما عن الآخر فيسبق احدهما ويكون الثاني جاريا بعده. قالوا: كذلك هو. فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.


[ 21 ]

ثم قال صلى الله عليه واله: اتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه ام غير متناه، فان قلتم انه غير متناه فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لأوله، وان قلتم متناه فقد كان ولا شئ منهما. قالوا نعم. قال لهم: أقلتم ان العالم قديم غير محدث وانتم عارفون بمعنى ما اقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه واله: فهذا الذى تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا قوام للبعض الا بما يتصل به، كما نرى البناء محتاجا بعض اجزائه إلى بعض والا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى. وقال ايضا: فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني ان لو كان محدثا كيف كان يكون وماذا كانت تكون صفته ؟ قال: فبهتوا وعلموا أنهم ليجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا وهى موجودة في هذا الذى زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في امرنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبر ان فقال: وانتم فما الذى دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟ فقالوا: لأنا وجدنا العالم صنفين خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضدا للشر، فأنكرنا ان يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى ان الثلج محال ان يسخن كما ان النار محال ان تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منها في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا: نعم قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر ؟ قال: فسكتوا. ثم قال: فكيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول، أرأيتم لو أن رجلا اخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز عندكم ان يلتقيا ماداما سائرين على وجههما ؟ قالوا: لا. قال: فوجب


[ 22 ]

ان لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان. فقالوا: سننظر في امورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على مشركي العرب فقال: وانتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله ؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال لهم: أو هي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله ؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديكم ؟ قالوا: نعم. قال: فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة احرى من ان تعبدوها، إذا لم يكن امركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم. قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه واله هذا القول اختلفوا فقال بعضهم: ان الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا، وقال آخرون منهم: ان هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله، وقال آخرون منهم: ان الله لما خلق آدم وامر الملائكة بالسجود له [ فسجدوه تقربا بالله ] كنا نحن احق بالسجود لآدم [ إلى الله ] من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما امرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب (1) سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم وقصدتم بالكعبة إلى الله عزوجل لا إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: اخطأتم الطريق وضللتم، أما انتم – وهو صلى الله عليه واله


(1) محاريب جمع محراب، ومحراب المسجد قيل سمى بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل بل المحراب اصله في المسجد، وهو اسم خص به صدر المجلس فسمى صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد. وكان هذا أصح قال تعالى: ” يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل “. (*)

[ 23 ]

يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة التي صورناها فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا – فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذاك الشئ، فأى فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته، ولم صار هذا المحلول فيه محدثا قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما، وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل كان لم يزل، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم ان تصفوه بالزوال، وما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، لأن ذلك اجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك متغير الذات، فان كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: فإذا بطل ما ظننتموه من ان الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم. قال: فسكت القوم وقالوا: سننظر في امورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه واله على الفريق الثاني فقال: اخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذى ابقيتم لرب العالمين، أما علمتم ان من حق من يلزم تعظيمه وعبادته ان لا يساوي به عبده، أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا: نعم. قال: أفلا تعلمون انكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون (1) على رب العالمين. قال: فسكت القوم بعد ان قالوا: سننظر في امرنا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا


(1) تزرون: تعيبون وتعاتبون.

[ 24 ]

بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك انا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيها امرنا وننزجر عما زجرنا ونعبده من حيث يريده منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه اطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله ان اراد منا الأول فهو يكره الثاني، وقد نهانا ان نتقدم بين يديه، فلما امرنا ان نعبده بالتوجه إلى الكعبة اطعناه، ثم امرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شئ من ذلك من اتباع امره، والله حيث امر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله ارأيتم لو اذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ألكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير امره، أو لكم ان تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير امره، أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من عبيده أو دابة من دوابه ألكم ان تأخذوا ذلك ؟ قالوا: نعم. قال: فان لم تأخذوه ألكم اخذ آخر مثله ؟ قالوا: لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما اذن في الأول. قال صلى الله عليه واله: فأخبروني الله اولى بأن لايتقدم على ملكه بغير امره أو بعض المملوكين ؟ قالوا: بل الله اولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير اذنه، قال: فلم فعلتم ومتى امركم بالسجود ان تسجدوا لهذه الصور ؟ قال فقال القوم: سننظر في امورنا وسكتوا. وقال الصادق عليه السلام: فوالذي بعثه بالحق نبيا ما اتت على جماعتهم الا ثلاثة ايام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه واله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد انك رسول الله. ” احتجاج النبي صلى الله عليه واله وسلم على جماعة من المشركين ” وقال الصادق عليه السلام: قال امير المؤمنين عليه السلام: انزل الله ” الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم


[ 25 ]

يعدلون ” (1) الآية. وكان في هذه الآية رد على ثلاثة اصناف منهم لما قال ” الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ” فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: ان الأشياء لابدو لها وهي دائمة. ثم قال ” وجعل الظلمات والنور ” فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما مدبران. ثم قال: ” ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ” فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: ان أوثاننا آلهة. ثم نزل الله ” قل هو الله احد ” إلى آخرها، فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا اوندا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه واله لأصحابه: قولوا ” اياك نعبد ” أي نعبد واحدا لانقول كما قالت الدهرية ان الاشياء لابدو لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية ان النور والظلمة هما المدبر ان، ولا كما قال مشركو العرب ان اوثاننا آلهة فلا نشرك بك شيئا ولا ندعو من دونك الها كما يقول هؤلاء الكفار ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى ان لك ولدا تعاليت عن ذلك. قال: فذلك قوله: ” وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى ” وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى يا محمد ” تلك امانيهم ” التي يمنونها بلا حجة ” قل هاتوا برهانكم ” وحجتكم على دعواكم ” ان كنتم صادقين ” كما اتى محمد ببراهينه التي سمعتموها. ثم قال ” بلى من اسلم وجهه لله ” تعالى يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله لما سمعوا براهينه وحجته ” وهو محسن ” في علمه ” فله اجره ” وثوابه ” عند ربه ” يوم فصل القضاء ” ولا ولاخوف عليهم ” حين يخاف الكافرون مما يشاهدون من العقاب ” ولا هم يحزنون ” (2) عند الموت لأن البشارة بالجنات تأتيهم.


(1) الانعام: 1. (2) البقرة: 111 – 112.

[ 26 ]

” احتجاج النبي صلى الله عليه واله على جماعة من المشركين ” عن ابى محمد الحسن العسكري عليهما السلام انه قال: قلت لأبى علي بن محمد عليه السلام هل كان رسول الله صلى الله عليه واله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟ قال: بلى مرارا كثيرة، منها ما حكى الله من قولهم: ” وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك ” إلى قوله ” رجلا مسحورا ” (1) وقالوا: ” لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ” (2) وقوله عزوجل: ” وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ” إلى قوله ” كتابا نقرؤه ” (3) ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسى انزلت علينا كسفا من السماء ونزلت علينا الصاعقة في مسألتنا اليك لأن مسألتنا اشد من مسائل قوم موسى لموسى عليه السلام. قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وابو البخترى ابن هشام وابو جهل والعاص بن وائل السهمى وعبد الله بن ابى امية المخزومى، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلى الله عليه واله في نفر من اصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدى إليهم عن الله امره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل امر محمد وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وابطال ما جاء به ليهون خطبه على اصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهى والا عاملناه بالسيف الباتر. قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن ابي امية


(1) الفرقان: 7 – 8 (2) الزخرف: 31. (3) الاسراء: 90 – 93

[ 27 ]

المخزومى: انا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا ؟ قال أبو جهل بلى، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن ابى امية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا، زعمت انك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشى في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو اراد الله أن يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث الينا ملكا لابشرا مثلنا، ما انت يا محمد الا رجل مسحورا ولست بنبي. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هل بقى من كلامك شئ ؟ قال: بلى، لو اراد الله ان يبعث الينا رسولا لبعث اجل من فيما بيننا اكثره مالا واحسنه حالا، فهلا أنزل هذا القرآن الذى تزعم ان الله انزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم اما الوليد بن المغيرة بمكة واما عروة بن مسعود الثقفى بالطائف. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هل بقي من كلامك شئ يا عبد الله ؟ فقال: بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه، فانها ذات احجار وعروة وجبال، تكسح ارضها (1) وتحفرها وتجرى فيها العيون، فاننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا (2) فانك قلت لنا ” وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ” (3) فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، تأتى به وبهم وهم لنا مقابلون، أو


(1) نكسح ارضها: تقشرها من التراب. (2) كسفا: قطعا قد ركب بعضها على بعض. (3) الطور: 44. والمركوم: المتراكم الذى يجعل بعضه على بعض.

[ 28 ]

يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى، وانك قلت لنا: ” كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى ” (1). ثم قال: أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن ابى امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فانه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي، ثم لا ادرى يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك اولا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت ابوابها وادخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا (2) وسحرتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله أبقى شئ من كلامك ؟ قال: يا محمد اوليس فيما اوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شئ فقل مابدا لك وافصح عن نفسك ان كان لك حجة وأتنا بما سألناك به. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: اللهم انت السامع لكل صوت والعالم بكل شئ تعلم ماقاله عبادك، فأنزل الله عليه: يا محمد ” وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام ” إلى قوله ” رجلا مسحورا ” (3) ثم قال الله تعالى: ” انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ” (4) ثم قال: يا محمد ” تبارك الذى انشأ جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا ” (5) وانزل عليه: يا محمد ” فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ” (6) الآية وانزل الله عليه: يا محمد ” وقالوا لو لا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضى الامر ” إلى قوله ” وللبسنا عليهم ما يلبسون ” (7).


(1) العلق: 6 – 7 (2) سكرت أبصارنا: غطيت وغشيت عن النظر. (3) الفرقان: 7 – 8. (4) الاسراء: 48. (5) الفرقان: 10. (6) هود: 12. (7) الانعام: 8 – 9.

[ 29 ]

فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله أما ذكرت من انى آكل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لاجل هذا ان اكون لله رسولا فانما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف، الا ترى ان الله كيف افقر بعضا واغنى بعضا واعز بعضا واذل بعضا واصح بعضا واسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام، ثم ليس للفقراء ان يقولوا ” لم افقرتنا واغنيتهم ” ولا للوضعاء ان يقولوا ” لم وضعتنا وشرفتهم ” ولا للزمنى (1) والضعفاء ان يقولوا ” لم ازمنتنا واضعفتنا وصححتهم ” ولا للأذلاء ان يقولوا ” لم أذللتنا واعززتهم ” ولا لقباح الصور ان يقولوا ” لم قبحتنا وجملتهم ” بل ان قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في احكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: انا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وانتم العبيد ليس لكم الا التسليم لي والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وان ابيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين. ثم انزل الله عليه: يا محمد ” قل انما انا بشر مثلكم ” يعني آكل الطعام ” ويوحى الي انما الهكم اله واحد ” (2) يعني قل لهم انا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا ان يخصني ايضا بالنبوة [ دونكم ]. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك ” هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا الا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ” فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود، يا عبد الله انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد (3)


(1) الزمنى: الذين ألم بهم المرض، المرضى. (2) الكهف: 110. (3) الكد: الالحاح والشدة في الطلب.

[ 30 ]

نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ، أو ما ترى الملوك إذا احتجوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون. يا عبد الله انما بعثنى الله ولا مال لى ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولامنعه في رسالاته، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلا واسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولى عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك لي: ” لو كنت نبيا لكان معك ملك صدقك ونشاهده، بل لو اراد الله ان يبعث الينا نبيا لكان انما يبعث ملكا لابشرا مثلنا ” فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لاعيان منه، ولو شاهدتموه – بأن يزاد في قوى أبصاركم – لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر، لأنه انما كان يظهر لكم صورة البشر الذى ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق، بل انما بعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما [ تعجزون عنه و ] يعجز عنه [ جميع ] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر اجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا، ألا ترون ان الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فان الله عزوجل سهل عليكم الامر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وانتم تقترحون عمل الصعب الذى لاحجة فيه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك ” ما انت الا رجل مسحور ” فكيف اكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم، فهل جربتم علي


[ 31 ]

منذ نشأت إلى ان استكملت اربعين سنة خزية (1) أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأى، اتظنون ان رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته، وذلك ما قال الله ” انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ” إلى ان يثبتوا عليك عمى بحجة اكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك ” لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [ بن مسعود الثقفي ] بالطائف ” فان الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه انت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله اليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وامائه وليس هو عزوجل ممن يخاف احد كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في احد في ماله أو في حاله كما تطمع انت فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهواء كما تحب انت فتقدم من لا يستحق التقديم وانما معاملته بالعدل، فلا يؤثر الا بالعدل لافضل مراتب الدين وجلاله الا الأفضل في طاعته والاجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله الا اشدهم تباطأ عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لاحد من عباده عليه ضريبة لازب (2)، فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلابد ان تتفضل عليه بالنبوة ايضا لأنه ليس لأحد اكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمه. ألا ترى يا عبد الله كيف اغنى واحدا وقبح صورته، وكيف حسن صورة واحد وافقره، وكيف شرف واحدا وافقره، وكيف اغنى واحدا ووضعه. ثم ليس لهذا الغنى ان يقول ” هلا اضيف إلى يسارى جمال فلان ” ولا للجميل ان


(1) وفى بعض النسخ ” خربة ” وهى العيب والعورة والذلة (2) الضريبة: التى تؤخذ في الجزية ونحوها. واللازب: اللازم الشديد اللزوم.

[ 32 ]

يقول ” هلا أضيف إلى جمالي مال فلان “، ولا للشريف ان يقول ” هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ” ولا للوضيع ان يقول ” هلا اضيف إلى ضعتى شرف فلان “، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في افعاله محمود في اعماله وذلك قوله تعالى: ” وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ” قال الله تعالى ” أهم يقسمون رحمة ربك ” يا محمد ” نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ” (1) فأحوجنا بعضا إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك، واحوج ذلك إلى سلعة هذا والى خدمته. فترى اجل الملوك واغنى الأغنياء محتاجا إلى افقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك ان يستغنى الا به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى ان يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغنى، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته. ثم ليس للملك ان يقول هلا اجتمع إلى مالى علم هذا الفقير، ولا للفقير ان يقول هلا اجتمع على رأيى وعلمي وما اتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني. ثم قال الله: ” ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ” ثم قال: يا محمد قل لهم ” ورحمة ربك خير مما يجمعون ” (2) أي ما يجمعه هؤلاء من اموال الدنيا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: واما قولك ” لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ” إلى آخر قلته، فانك قد اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها مالو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول الله صلى الله عليه واله يرتفع عن ان يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لاحجة فيه، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وانما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها، فانما اقترحت هلاكك ورب العالمين ارحم بعباده واعلم بمصالحهم من ان يهلكهم كما تقترحون، ومنها المحال الذى لا يصح ولايجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع


(1) الزخرف: 32. (2) الزخرف: 32.

[ 33 ]

معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص، ومنها ما قد اعترفت على نفسك انك فيه معاند متمرد لاتقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف اوليائه. فأما قولك يا عبد الله ” لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فانها ذات احجار وصخور وجبال تكسح ارضها وتحفرها وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون ” فانك سألت هذا وانت جاهل بدلائل الله. يا عبد الله ارأيت لو فعلت هذا أكنت من اجل هذا نبيا ؟ قال: لا. قال رسول الله: ارأيت الطائف التي لك فيها بساتين اما كان هناك مواضع فاسدة صعبة اصلحتها وذللتها وكسحتها واجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء ؟ قال: بلى. قال: فصرت انت وهم بذلك انبياء ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو الا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس. واما قولك يا عبد الله ” أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الانهار خلالها تفجيرا ” أو ليس لك ولاصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا، أفصرتم انبياء بهذا ؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله صلى الله عليه واله اشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم واديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا عبد الله وأما قولك ” أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ” فانك قلت وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم، فانما تريد بهذا من


[ 34 ]

رسول الله صلى الله عليه واله ان يهلكك ورسول رب العالمين ارحم من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح ومالايجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه، والله عزوجل طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه احبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم وان تمردتم عليه اسقمكم. وبعد فمتى رأيت يا عبد الله مدعى حق من قبل رجل اوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه، إذا ما كان يثبت لأحد على احد دعوى ولاحق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولابين صادق وكاذب فرق. ثم قال رسول الله: يا عبد الله وأما قولك ” أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ” فان هذا من المحال الذي لاخفاء به، وان ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وانما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن احد. يا عبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها ؟ قال: بلى. قال أفتشاهد جميع احوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال: بسفراء. قال: ارأيت لو قال معاملوك واكرتك (1) وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد الله بن ابي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب على سفرائك أليس ان يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم


(1) الأكرة: الأجراء والعمال.

[ 35 ]

على صدقهم يجب عليهم ان يصدقوهم ؟ قال: بلى. قال: يا عبد الله ارأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد اليك وقال لك قم معي فانهم قد اقترحوا على مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفا وتقول له انما انت رسول لا مشير ولا آمر ؟ قال: بلى. قال: فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين مالا تسوغ لأكرتك ومعامليك ان يقترحوه على رسولك إليهم، وكيف أردت من رسول رب العالمين ان يستذم إلى ربه بأن يأمر عليه وينهى وانت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى اكرتك وقوامك، هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله. واما قولك يا عبد الله ” أو يكون لك بيت من زخرف – وهو الذهب – ” أما بلغك ان لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال: بلى. قال: افصار بذلك نبيا ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب لمحمد صلى الله عليه واله نبوة لو كان له بيوت، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله. وأما قولك يا عبد الله ” أو ترقى في السماء ” ثم قلت ” ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ” يا عبد الله الصعود إلى السماء اصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت ” حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من بعد ذلك ثم لا ادري اؤمن بك اولا اؤمن بك ” فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك الا تأديبه لك على يد اوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية، وقد انزل الله علي حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته فقال عزوجل: ” قل ” يا محمد ” سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا ” (1) ما أبعد ربي عن ان يفعل الاشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز، وهل كنت الا بشرا رسولا لا يلزمني الا اقامة حجة الله التي اعطاني، وليس لي ان آمر على ربي ولا انهى ولا اشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره ان يفعل بهم ما اقترحوه عليه.


(1) الاسراء: 93

[ 36 ]

فقال أبو جهل: يا محمد هاهنا واحدة ألست زعمت ان قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه ان يريهم الله جهرة ؟ قال: بلى. قال: فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن ايضا، فقد سألنا اشد مما سأل قوم موسى، لانهم كما زعمت قالوا ” أرنا الله جهرة ” ونحن نقول: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا ابا جهل أما علمت قصة ابراهيم الخليل لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي. ” وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين ” (1) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى ابصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه: يا ابراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وامائي فاني انا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا يضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست اسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي وامائي فانما انت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن علي ولا عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث: إما تابوا إلى فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، واما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من اصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين واتأنى بالامهات الكافرات وارفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من اصلابهم فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي، وان لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي اعظم مما تريده بهم، فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي، يا ابراهيم خل بينى وبين عبادي فأنا ارحم بهم منك، وخل بيني وبين عبادي فاني انا الجبار الحليم العلام الحكيم ادبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا ابا جهل انما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك، وسيلي من امور المسلمين ما ان اطاع * (هامش *) (1) الانعام: 75.


[ 37 ]

الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا والا فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا انما امهلوا لأن الله علم ان بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة، فهو لا يقطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر اباه لايصال ابنه إلى السعادة، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم. فانظر إلى السماء، فنظر فإذا أبوابها مفتحة وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرؤوس القوم (1) تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين اكتافهم، فارتعدت فرائص (2) ابي جهل والجماعة، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لاتروعنكم فان الله لا يهلككم بها وانما اظهرها عبرة. ثم نظروا إلى السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة انوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى اعادتها في السماء كما جاءت منها، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ان بعض هذه الانوار انوار من قد علم الله انه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون. وعن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام انه قال: قيل لأمير المؤمنين يا امير المؤمنين هل كان لمحمد صلى الله عليه واله آية مثل آية موسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما امروا به ؟ فقال امير المؤمنين عليه السلام: اي والذي بعثه الله بالحق نبيا مامن آية كانت لأحد من الانبياء من لدن آدم إلى ان انتهى إلى محمد صلى الله عليه واله الا وقد كان لمحمد مثلها أو افضل منها، ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه واله نظير هذه الاية إلى آيات اخر ظهرت له، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما اظهر بمكة دعوته وابان عن الله تعالى مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب مكائدهم، ولقد قصدته يوما لأني كنت اول الناس اسلاما، بعث يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه اصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام وايد الله تعالى دينه من بعد، فجاء قوم من المشركين فقالوا له: يا محمد تزعم


(1) مسامتة لرؤوس القوم: محاذية لرؤوسهم. (2) الفرائص جمع الفريصة، وهى لحمة بين الثدى والكتف ترعد عند الفزع

[ 38 ]

انك رسول رب العالمين، ثم انك لا ترضى بذلك حتى تزعم انك سيدهم وافضلهم، فلئن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره من الانبياء قبلك: مثل نوح الذي جاء بالغرق ونجا في سفينته مع المؤمنين، وابراهيم الذى ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما، وموسى الذي زعمت ان الجبل رفع فوق رؤوس اصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين، وعيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وصار هؤلاء المشركين فرقا اربعة: هذه تقول اظهر لنا آية نوح، وهذه تقول اظهر لنا آية موسى، وهذه تقول اظهر لنا آية ابراهيم، وهذه تقول اظهر لنا آية عيسى. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انما انا نذير [ وبشير ] مبين أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون انتم والأمم وسائر العرب عن معارضته وهو بلغتكم، فهو حجة بينة عليكم، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي وما على الرسول الا البلاغ المبين إلى المقرين بحجة صدقه وآية حقه، وليس عليه ان يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون. فجاء جبرئيل فقال: يا محمد ان العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: اني سأظهر لهم هذه الآيات وانهم يكفرون بها الا من اعصمه منهم، ولكني اريهم ذلك زيادة في الاعذار والايضاع لحججك، فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح عليه السلام: امضوا إلى جبل ابي قبيس، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه. وقل للفريق الثاني المقترحين لاية ابراهيم عليه السلام امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية ابراهيم في النار، فإذا غشيكم النار فسترون في الهواء امرأة قد ارسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة وترد عنكم النار. وقل للفريق الثالث [ المقترحين لآية موسى: امضوا إلى ظل الكعبة ] فسترون آية موسى، وسينجيكم هناك عمي حمزة. وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل:


[ 39 ]

وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك اخبار هؤلاء الفرق الثلاث، فان الاية التي اقترحتها تكون بحضرتي. فقال أبو جهل للفرق الثلاث: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد صلى الله عليه وآله، فذهب الفريق الاول إلى جبل ابي قبيس والثاني إلى صحراء ملساء والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه واله مؤمنين، وكلما رجع فريق منهم إليه واخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول الله صلى الله عليه واله الايمان بالله فاستمهل أبو جهل إلى ان يجئ الفريق الاخر حسب ما اوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية تركنا ذكره هاهنا طلبا للايجاز والاختصار. قال امير المؤمنين عليه السلام: فلما جاءت الفرقة الثالثة واخبروا بما شاهدوا عيانا وهم مؤمنين بالله وبرسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك واخبرتك بما شاهدت. فقال أبو جهل: لاادرى اصدق هؤلاء ام كذبوا ام حقق لهم ذلك ام خيل إليهم، فان رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمنى الايمان بك والا فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ابا جهل فان كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم فكيف تصدق بماثر ابائك واجدادك ومساوى اسلاف اعدائك، وكيف تصدق على الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها، وهل المخبرون عن ذلك الا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الايات مع سائر من شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه الا إذا كان بأزائهم من يكذبهم ويخبر بضد اخبارهم، ألا وكل فرقة محجوجون بما شاهدوا، وانت يا ابا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهده. ثم اخبره النبي صلى الله عليه واله بما اقترح عليه من آيات عيسى من اكله لما اكل وادخاره في بيته لما ادخر من دجاجة مشوية واحياء الله تعالى اياها وانطاقها بما فعل بها أبو جهل وغير ذلك على ما جاء به في هذا الخبر، فلم يصدقه أبو جهل


[ 40 ]

في ذلك كله بل كان يكذبه وينكر جميع ماكان النبي صلى الله عليه واله يخبره به من ذلك، إلى أن قال النبي لأبي جهل: اما كفاك ما شاهدت ام تكون آمنا من عذاب الله. قال أبو جهل: اني لأظن ان هذا تخييل وايهام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهل تفرق بين مشاهدتك لها وسماعك لكلامها – يعني الدجاجة المشوية التي انطقها الله له – وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك كلامهم ؟ قال أبو جهل: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فما يدريك إذا أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل. قال أبو جهل: ما هو تخييل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولا هذا تخييل، والا فكيف تصحح انك ترى في العالم شيئا اوثق منه – تمام الخبر. ” رسالة لابي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة والجواب عنها بالرواية عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام ” وهى ان قال: يا محمد ان الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك إلى يثرب، وانها لا تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلى ان تفسدها على اهلها وتصليهم حر نار جهنم وتعديك طورك، وما ارى ذلك الا وسيؤل إلى ان تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد اثارك ودفع ضرك وبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطب عياله بعطبك ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك، إذ يعتقدون ان اعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك، واصطلموهم (1) باصطلامهم لك واتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب كما يأتون على اموالك وعيالك، وقد اعذر من انذر وبالغ من اوضح.


(1) اصطلموهم: استأصلوهم.

[ 41 ]

واديت هذه الرسالة إلى محمد وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة اصحابه وعامة الكفار من يهود بني اسرائيل، وهكذا أمر الرسول ليجبن المؤمنين ويغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول: قد اطريت مقالتك واستكملت رسالتك ؟ قال: بلى. قال: فاسمع الجواب، ان ابا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق والقبول من الله احق، لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد ان ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه عليه، قل له: يا أبا جهل انك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان، وانا اجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، ان الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوما، وان الله سيقتلك فيها بأضعف اصحابي، وستلقى انت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان – وذكر عددا من قريش – في قليب بدر مقتولين اقتل منكم سبعين وآسر منكم سبعين واحملهم على الفداء الثقيل. ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الاخلاط: ألا تحبون ان اريكم [ مصارع هؤلاء المذكورين و ] مصرح كل واحد منهم [ قالوا: بلى. قال: ] هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الاكبر لأضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ولا قليلا ولا كثيرا فلم يخف ذلك على احد منهم ولم يجبه الا علي بن أبي طالب عليه السلام وحده قال: نعم بسم الله. فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ولا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة ايام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون ؟ فقالوا: نحن نريد ان نستقر في بيوتنا ولا حاجة لنا في مشاهدة ما انت في ادعائه محيل (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لانصب لكم في المسير إلى هناك اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوى الارض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى


(1) المحال من الكلام: ما عدل عن وجهه.

[ 42 ]

هناك. قال المسلمون: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فلنشرف بهذه الاية، وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ويصير دعواه حجة عليه وفاضحة له في كذبه. قال: فخطا القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فتعجبوا فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة واذرعوا من عندها كذا ذراع، فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع ابي جهل يجرحه فلان الانصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود اضعف اصحابي. ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر ثم من جانب آخر كذا وكذا ذراعا وذراعا وذكر اعداد الاذرع مختلفة، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا مصرع عتبة، وهذا مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان إلى ان سمى سبعين منهم بأسمائهم [ واسماء آبائهم ]، وسيؤسر فلان وفلان إلى ان ذكر سبعين منهم بأسمائهم واسماء ابائهم وصفاتهم ونسب المنسوبين إلى امهاتهم وآبائهم ونسب الموالى منهم إلى مواليهم. ثم قال صلى الله عليه وآله: أوقفتم على ما اخبرتكم به ؟ قالوا: بلى. قال: ان ذلك [ من الله ] لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما في اليوم التاسع والعشرين وعدا من الله مفعولا وقضاءا حتما لازما – تمام الخبر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم. فقالوا: يارسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الكتابة اذكر لكم. فقالوا: يارسول الله فأين الدواة والكتف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك للملائكة. ثم قال: يا ملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في الكتاب واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك. ثم قال: يا معشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها واخرجوها واقرأوها،


[ 43 ]

فتأملوها وإذا في كم كل واحد منهم صحيفة قرأوها وإذا فيها ذكر ماقاله رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك سواء لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر. فقال: اغيضوها في اكمامكم تكن حجة عليكم وشرفا للمؤمنين منكم وحجة على اعدائكم فكانت معهم، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله صلى الله عليه واله لا يزيد ولا ينقص، قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبها الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم ووكلوا باطنهم إلى خالقهم. ” احتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفى غير ذلك ” قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما كان رسول الله صلى الله عليه واله بمكة امره الله تعالى ان يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله مادرى محمد كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه واله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عليه السلام: فاسأل ربك أن يحولك إليها فانه لايردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم ؟ ؟ دعاءه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يا محمد ” قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ” (1) الايات.


(1) البقرة: 144.

[ 44 ]

فقال اليهود عند ذلك: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأجابهم الله احسن جواب فقال ” قل لله المشرق والمغرب ” وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر ” يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ” (1) وهو اعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم. قال أبو محمد عليه السلام: وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربعة عشر سنة ثم تركتها الآن، أفحقا كان ماكنت عليه فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق باطل، أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: بل ذلك كان حقا وهذا حق، يقول الله ” قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ” إذا عرف صلاحكم ايها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب امركم به، وان عرف صلاحكم في غيرهما امركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الايام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى الحق أو الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم. قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق. فقالوا له: يا محمد أفبدا لربك فيما كان امرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: مابدا له عن ذلك فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك، ولا يقع عليه ايضا مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو


(1) البقرة: 142.

[ 45 ]

الا لمن كان هذا وصفه، وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك، أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد ان كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بداله في الاول. ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في اثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، ابدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قل: فكذلك لم يبدله في القبلة. قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء ان تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له في الصيف حين امركم بخلاف ماكان امركم به في الشتاء ؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى ” ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم ” (1) يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثم قال رسول الله: يا عباد الله انتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لافيما يشتهيه المريض ويقترحه. ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين. فقيل: يابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال: لما قال الله تعالى ” وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ” وهى بيت المقدس ” الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ” (2) الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد ان علمناه سيوجد، وذلك ان هوى اهل مكة كان في الكعبة فأراد الله ان يبين متبعي محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة


(1) البقرة: 115. (2) البقرة: 143.

[ 46 ]

في بيت المقدس امرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه. ثم قال: ” وإن كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله ” ان كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة الا على من يهدي الله، فعرف ان لله ان يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه. وقال أبو محمد عليه السلام: قال جابر بن عبد الله الانصاري: سأل رسول الله صلى الله عليه واله عبد الله بن صوريا غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم يهودى بكتاب الله وعلوم انبيائه عن مسائل كثيرة يعنته فيها (1) فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه واله بما لم يجد إلى انكار شئ منه سبيلا. فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله ؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لم أتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال: لأنه ينزل البلاء والشدة على بني اسرائيل، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر (2) حتى قوى امره واهلك بني اسرائيل، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها الا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ويحك أجهلت امر الله وما ذنب جبرئيل الا ان اطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق، أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد (3) الدواء


(1) يعنته فيها: يطلب زلته ويشدد عليه ويلزمه ما يصعب عليه اداؤه (2) بخت اصله بوخت وهو بمعنى ابن، نصر اسم صنم كان قد وجد عنده ولم يعرف له أب فنسب إليه، وخرب بيت المقدس وقتل من اليهود مقتلة عظيمة عندما اصبح ملكا. (3) أوجره: جعل الوجور في فيه. والوجور: الدواء يجعل في وسط الفم.

[ 47 ]

الكريهة لمصالحهم أيجب ان يتخذهم اولادهم اعداء من اجل ذلك، لا ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون. اشهد ان جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان، وانه لا يعادي احدهما الا من عادى الآخر، وان من زعم انه يحب احدهما ويبغض الاخر فقد كفر وكذب، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان كما ان جبرئيل وميكائيل اخوان فمن احبهما فهو من اولياء الله ومن ابغضهما فهو من اعداء الله، ومن ابغض احدهما وزعم انه يحب الاخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء. وقال أبو محمد عليه السلام: كان سبب نزول قوله تعالى: ” قل من كان عدوا لجبرئيل ” الآيتين (1) ماكان من اليهود اعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من اعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله، أما ماكان من النصاب فهو ان رسول الله صلى الله عليه واله لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها والشرف الذي نحله الله (2) تعالى وكان في كل ذلك يقول اخبرني به جبرئيل عليه السلام عن الله، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في انه عن يمين علي عليه السلام الذي هو افضل من اليسار كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الاخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على اسرافيل الذت خلفه بالخدمة وملك الموت الذى اقامه بالخدمة، وان اليمين واليسار أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم. وكان رسول الله صلى الله عليه واله يقول في بعض أحاديثه: ان الملائكة اشرفها عند الله اشدها لعلي بن ابي طالب عليه السلام حبا، وانه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرف


(1) البقرة: 97 – 98 (2) نحله الله: وهب له الله. وفى بعض النسخ ” اهله الله ” ومعناه: رآه اهلا لذلك. (*)

[ 48 ]

عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى. ويقول مرة: ان ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن ابي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق اخر من بقى عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون. وأما ماقاله اليهود فهو ان اليهود أعداء الله، لما قدم رسول الله صلى الله عليه واله المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك فانا قد اخبرنا عن نوم النبي صلى الله عليه وآله الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: فأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو المرأة ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله: اما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: يا محمد فما بال الولد يشبه اعمامه ليس فيه من شبه اخواله شئ ويشبه اخواله ليس فيه من شبه اعمامه شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ايهما علاماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟ فقال صلى الله عليه واله: إذا مغرت النطفة لم يولد له – اي إذا حمرت وكدرت – فإذا كانت صافية ولد له. فقال: اخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت ” قل هو الله احد ” إلى آخرها. فقال ابن صوريا: صدقت خصلة بقيت لي ان قلتها آمنت بك واتبعتك: اي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال: حبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا


[ 49 ]

وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك. فقال له سلمان الفارسي رضى الله عنه: وما بدء عداوته لكم ؟ قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من اشد ذلك علينا ان الله أنزل على انبيائه ان بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال (بخت نصر) وفي زمانه، واخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت، فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث اوائلنا رجلا من اقوياء بني اسرائيل وافاضلهم نبيا كان يعد من انبيائهم يقال له (دانيال) في طلب بخت نصر، ليقتله فحمل معه وقرمال (1) لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولامنعة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا: ان كان ربكم هو الذى امر بهلاككم فان الله لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله، فصدقه صاحبنا وتركه ورجع الينا فأخبرنا بذلك، وقوى بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل. فقال سلمان: يابن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ظلمتم، ارأيتم اوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس ارادوا تكذيب انبياء الله في إخبارهم أو اتهموهم في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك ارادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه الا كفارا بالله، واى عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى. فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى اخبر بذلك على ألسن انبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقون بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وابطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل


(1) الوقر بكسر الواو: الحمل الثقيل.

[ 50 ]

كلما اخبراكم به عن الله انه يكون لا يكون وما اخبراكم به انه لا يكون لعله يكون، وكذلك ما اخبراكم انه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فانه يمحو ما يشاء ويثبت. انكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك انتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون. ثم قال سلمان: فاني اشهد انه من كان عدوا لجبرئيل فانه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما سالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان: ” قل من كان عدوا لجبريل ” في مظاهرته لأولياء الله على اعداء الله ونزوله بفضائل على عليه السلام ولي الله من عند الله ” فانه نزله ” فان جبرئيل نزل هذا القرآن ” على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه ” من سائر كتب الله ” وهدى ” من الضلالة ” وبشرى للمؤمنين ” (1) بنبوة محمد وولاية علي عليه السلام ومن بعده من الأئمة [ الاثنى عشر ] بأنهم اولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا سلمان ان الله صدق قيلك ووافق رأيك، وان جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي اخيك ووصيك وصفيك، وهما في اصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة عدوان لمن ابغض احدهما وليان لمن والى محمدا وعليا عدوان لمن عادى محمدا وعليا واولياء هما، ولو احب اهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلى وموالاتهما لاوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله احدا منهم بعذاب البتة. وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما نزلت هذه الآية ” ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ” (2) في حق اليهود والنواصب فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله، فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن


(1) البقرة: 96. (2) البقرة: 74.

[ 51 ]

والبيان منهم: يا محمد انك تهجونا وتدعى على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، ان فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما امر الله تعالى، واما ما اريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه واله واظهار الغنى له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص ووبال على صاحبه ويعذبه الله به اشد العذاب. فقالوا له: يا محمد انت تقول هذا ونحن نقول بل ما نتفقه الا لابطال امرك ودفع رياستك ولتفريق اصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم نأمل به من الله الثواب الاجل العظيم، فأقل احوالنا انك تساوينا في الدعاوى فأى فضل لك علينا ؟. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا اخوة اليهود ان الدعاوى يتساوى فيها المحقون والمبطلون، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتم بجهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة، ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناع عن موجبها، ولو ذهب محمد ويريكم آية من عنده لشككتم وقلتم انه متكلف مصنوع محتال فيه معمول أو متواطئ عليه، وإذا اقترحتم انتم فاراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة أو مقدمات، فما الذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني ان يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم. قالوا: قد انصفتنا يا محمد فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف فأنت اول راجع عن دعواك للنبوة وداخل في غمار الامة ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك فيما ترومه من حجتك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحواما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. فقالوا له: يا محمد زعمت انه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في ابطال الباطل واحقاق


[ 52 ]

الحق وان الاحجار ألين من قلوبنا واطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إليها أو إلى بعضها فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا، فان نطقت بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك وان نطقت بتكذيبك أو صمتت فلم ترد جوابك فاعلم بأنك المبطل في دعواك المعاند لهواك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: نعم هلموا بنا إلى أيما جبل شئتم استشهدوه ليشهد لي عليكم، فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده. فقال رسول الله للجبل: اني اسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر اسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد ان لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لايعرف عددهم غير الله عزوجل، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر اسمائهم تاب الله على آدم وغفر خطيئته واعاده إلى مرتبته، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر اسمائهم وسؤال الله بهم رفع ادريس في الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما اودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله. فتحرك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى: يا محمد أشهد انك رسول رب العالمين وسيد الخلق اجمعين، واشهد ان قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا، واشهد ان هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية على رب العالمين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك ايها الجبل امرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم وبرد الله النار على ابراهيم وجعلها عليه بردا وسلاما ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير لم ير تلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض اجمعين، وانبت حواليه من الاشجار الخضرة النظرة النزهة وعما حوله من انواع التور مما لا يوجد الا في فصول اربعة من جميع السنة ؟ قال الجبل: بلى اشهد لك يا محمد بذلك، واشهد انك لو اقترحت على


[ 53 ]

ربك ان يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، أو يقلب النيران جليدا أو الجليد نيرانا لفعل أو يهبط السماء إلى الارض أو يرفع الارض إلى السماء لفعل، أو يصير اطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل، وانه قد جعل الارض والسماء طوعك، والجبال والبحار تتصرف بأمرك، وسائر ما خلق من الرياح والصواعق وجوارح الانسان واعضاء الحيوان لك مطيعة وما امرتها به من شئ ائتمرت. فقالت اليهود: يا محمد علينا تلتبس وتشبه، قد اجلست مردة من اصحابك خلف صخور من هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام ونحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل، لا يغتر بمثل هذا الا ضعفاؤك الذين تبجبج في عقولهم (1) فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار وامر هذا الجبل ان ينقلع من اصله فيسير اليك إلى هناك، فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره ان ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ثم يرتفع السفلى من قطعيته فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فإذا تجعل اصل الجبل قلته وقلته اصله لنعلم انه من الله، لا يتفق مثله بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين. فقال رسول الله صلى الله عليه واله – واشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال – فقال: يا ايها الحجر تدحرج، فتدحرج ثم قال لمخاطبة: خذه وقربه من اذنك فسيعيد عليك ما سمعت، فان هذا جزء من ذلك الجبل، فأخذه الرجل فأدناه إلى اذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى الله عليه واله فيما ذكره عن قلوب اليهود ومما غبر به (2) من أن نفقاتهم في دفع امر محمد صلى الله عليه واله باطل ووبال عليهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه واله اسمعت هذا أخلف هذا الحجر احد يكلمك ويوهمك ان الحجر يكلمك ؟ قال: فأتني بما اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله


(1) تبجبج في عقولهم: تلعب فيها، يقال ” بجبج الصبى ” إذا لاعبه وسكنه عند المناغاة. (2) غبر به: مضى به وذهب.

[ 54 ]

صلى الله عليه واله وسلم إلى فضاء واسع ثم نادى الجبل وقال: يا ايها الجبل بحق محمد وآله الطيبين بجاههم ومسائلة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية لنزع الناس كأنهم اعجاز نخل خاوية، وامر جبرئيل ان يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا كهشيم المحتضر لما انفصلت من مكانك باذن الله وجئت إلى حضرته هذه – ووضع يده على الارض بين يديه. فتزلزل الجبل وصار كالفارع الهملاج (1) حتى دنى من اصبعه اصله فلزق بها ووقف ونادى: ها انا سامع لك مطيع يارسول رب العالمين وان رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ان هؤلاء اقترحوا على ان آمرك ان تنقلع من اصلك فتصير نصفين ثم ينحط اعلاك ويرتفع اسفلك فتصير ذروتك اصلك واصلك ذروتك. فقال الجبل: أتأمرني بذلك يارسول رب العالمين ؟ قال: بلى فانقطع نصفين وانحط اعلاه إلى الارض وارتفع اسفله فوق اعلاه فصار فرعه اصله واصله فرعه، ثم نادى الجبل: يا معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذين تزعمون انكم به مؤمنون ؟. فنظر اليهود بعضهم إلى البعض، فقال بعضهم: ماعن هذا محيص، وقال آخرون منهم: هذا رجل منجوت مؤتى له ما يريد – والمنجوت يتأتى له العجائب – فلا يغرنك ما تشاهدون. فناداهم الجبل: يا اعداء الله قد ابطلتم بما تقولون نبوة موسى، هلا قلتم لموسى ان قلب العصا ثعبانا وانفلاق البحر طرقا ووقوف الجبل كالظلة فوقكم انما تأتي لك لأنك مؤتى لك يأتيك جدك بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده، فألقمتهم الجبال بمقالتها والصخور ولزمتهم حجة رب العالمين. وعن معمر بن راشد قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: اتى يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال: انت افضل ام موسى بن عمران النبي الذى كلمه الله عزوجل وانزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وظله بالغمام ؟


(1) الفارع: الصاعد المرتفع، والهملاج: السريع السير.

[ 55 ]

فقال له النبي صلى الله عليه واله: انه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني اقول: ان آدم لما اصاب الخطيئة كانت توبته ان قال ” اللهم اني سألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لى ” فغفرها الله له، وان نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال ” اللهم اني اسألك بحق محمد وآل محمد لم انجيتني من الغرق ” فأنجاه الله عز وجل، وان ابراهيم لما ألقي في النار قال ” اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما امنتني ” فجعلها بردا وسلاما، وان موسى لما القى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال ” اللهم اني اسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ” قال الله تعالى، لا تخف انك انت الأعلى. يا يهودي ان موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه ايمانه شيئا ولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدمه ويصلي خلفه. وعن ابن عباس قال: خرج من المدينة اربعون رجلا من اليهود قالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه، فانه يقول، انا رسول رب العالمين، وكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير منه – وذكروا الانبياء عليهم السلام – فقال النبي صلى الله عليه واله لعبد الله بن سلام: التوراة بيني وبينكم فرضيت اليهود بالتوراة فقال اليهود: آدم خير منك لأن الله عزوجل خلقه بيده ونفخ فيه من روحه. فقال النبي صلى الله عليه واله: آدم النبي ابي وقد اعطيت انا افضل مما اعطى آدم. قال اليهود: وما ذاك ؟ قال: ان المنادى ينادي كل يوم خمس مرات ” اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ” ولم يقل آدم رسول الله، ولواء الحمد بيدى يوم القيامة وليس بيد آدم. فقال اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال: هذه واحدة. قالت اليهود: موسى خير منك. قال النبي صلى الله عليه واله ولم ؟ قالوا: لأن الله عزوجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ. فقال النبي صلى الله عليه واله. لقد أعطيت انا افضل من ذلك. قالوا: وماذاك ؟ قال: هو قوله عزوجل ” سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى


[ 56 ]

باركنا حوله ” (1) وحملت على جناج جبرئيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، حتى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش ” انى انا الله لا اله الا انا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤف الرحيم ” ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا افضل من ذلك قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذه اثنتان. قالوا: نوح افضل منك. قال النبي صلى الله عليه واله: ولم ذاك ؟ قالوا: لأنه ركب السفينة فجرت على الجودى. قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد اعطيت انا افضل من ذلك. قالوا: وماذاك ؟ قال: ان الله عزوجل أعطاني نهرا في السماء مجرية من العرش وعليه ألف ألف قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة حشيشها الزعفران ورضراضها (2) الدر والياقوت وارضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولأمتي، وذلك قوله تعالى ” انا اعطيناك الكوثر ” (3) قالوا: صدقت يا محمد هو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه واله هذه الثلاثة. قالوا: ابراهيم خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: لأن الله اتخذه خليلا. قال النبي صلى الله عليه وآله: ان كان ابراهيم خليله فأنا حبيبه محمد. قالوا: ولم سميت محمدا ؟ قال: سماني الله محمدا وشق اسمى من اسمه هو المحمود وانا محمد وامتى الحامدون على كل حال. فقالت اليهود: صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه أربعة. قالت اليهود: عيسى خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: ان عيسى بن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه فأمر الله جبرئيل ان اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين والقهم في النار، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار. فقال رسول الله: لقد اعطيت انا افضل من ذلك.


(1) الاسراء: 1. (2) الرضراض: مادق من الحصى. (3) الكوثر: 1.

[ 57 ]

قالوا: وما هو ؟ قال: اقبلت يوم بدر من قتال المشركين وانا جائع شديد الجوع، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمها شئ من سكر فقالت: الحمد لله الذي منحك السلامة واعطاك النصر والظفر على الاعداء، وانى قد كنت نذرت لله نذرا ان أقبلت سالما غانما من غزاة بدر لأذبحن هذا الجدى ولاشوينه ولاحملنه اليك لتأكله. فقال النبي صلى الله عليه واله: فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدى إلى الجدى لآكله فأستنطق الله الجدى فاستوى على اربع قوائم وقال: يا محمد لا تأكلني فانى مسموم. قالوا: صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه واله: هذه خمسة. قالوا: بقيت واحدة ثم نقوم من عندك. قال: هاتوا. قالوا: سليمان خير منك. قال: ولم ذاك ؟ قالوا: لأن الله عزوجل سخر له الشياطين والانس والجن والطير والرياح والسباع. فقال النبي صلى الله عليه واله: فقد سخر الله لى البراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها، وهى دابة من دواب الجنة وجهها مثل وجه آدمي وحوافرها مثل حوافر الخيل وذنبها مثل ذنب البقر وفوق الحمار ودون البغل، وسرجه من ياقوتة حمراء وركابه من درة بيضاء، مزمومة بألف زمام من ذهب عليه جناحان مكللان بالدر والياقوت والزبرجد. مكتوب بين عينيه ” لا اله الله وحده لا شريك له وان محمدا رسول الله “. قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. يا محمد نشهد أن لا اله الا الله وانك رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله: لقد اقام نوح في قومه ودعاهم ألف سنة الا خمسين عاما ثم وصفهم الله عزوجل فقللهم فقال ” وما آمن معه الا قليل ” (1) ولقد تبعني في سنيي القليلة وعمري اليسير ما لم تتبع نوحا في طول عمره وكبر سنه، وان في الجنة عشرين ومائة صف امتى منها ثمانون صفا، وان الله عزوجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها، ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما احلوا. من ذلك ان موسى جاء بتحريم (هامش) * (1) هود: 40.


[ 58 ]

صيد الحيتان يوم السبت حتى ان الله تعالى قال من اعتدى منهم في صيدها يوم السبت ” كونوا قردة خاسئين ” (1) فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالا. قال الله تعالى ” احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ” (2) وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها. ثم ان الله عزوجل صلى علي في كتابه العزيز، قال الله عزوجل ” ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” (3) ثم وصفني الله عزو جل بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه ” لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ” (4) وانزل الله تعالى ان لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبى قط، قال الله عز وجل ” يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ” (5) ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنه. وعن ثوبان قال: ان يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يا محمد اسألك فتخبرني، فركض ثوبان برجله وقال: قل يارسول الله. فقال: لا أدعوه الا بما سماه اهله. فقال: ارأيت قوله عزوجل ” يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات ” (6) اين الناس يومئذ ؟ فقال: في الظلمة دون المحشر. فقال: فما اول ما يأكل اهل الجنة إذا دخلوها ؟ قال: كبد الحوت. قال: فما طعامهم على اثر ذلك ؟ قال: كبد الثور. قال: فما شرابهم على اثر ذلك ؟ قال: السلسبيل. قال: صدقت افلا اسألك عن شئ لا يعلمه الا نبي ؟ قال: وما هو ؟ قال: عن شبه الولد أباه وامه. قال: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة اصفر دقيق، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا باذن الله تعالى ومن تشبه اباه قبل ذلك يكون الشبه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى باذن الله عزوجل ومن تشبه امه


(1) البقرة: 65. (2) المائدة: 96. (3) الاحزاب: 56. (4) التوبة: 128. (5) المجادلة: 12. (6) ابراهيم: 48.

[ 59 ]

قبل ذلك يكون الشبه. ثم قال النبي صلى الله عليه واله: والذى نفسي بيده ماكان عندي شئ مما سألتنى عنه حتى انبأنيه الله عزوجل في مجلسي هذا على لسان اخى جبرئيل. ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة بالليل. قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة (1)، ورام من بقى من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن ابي طالب عليه السلام فما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه واله في علي عليه السلام لما فخم من أمره وعظم من شأنه: من ذلك انه لما خرج النبي صلى الله عليه واله من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له: ان جبرئيل أتاني وقال لى: يا محمد ان العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد اما ان تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم انت ويخرج علي لابد من ذلك، فان عليا قد ندبته لاحدى اثنتين لا يعلم احد كنه جلال من اطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيرى، فلما خلفه اكتر المنافقون الطعن فيه فقالوا: مله وسئمه وكره صحبته، فتبعه علي عليه السلام حتى لحقه وقد وجد غما شديدا عما قالوا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ما اشخصك يا علي عن مركزك ؟ فقال: بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي ؟ فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه ان يقتلوه وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص، وكان


(1) عقبة بالتحريك: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه، وهو طويل صعب إلى صعود الجبل. والعقبة منزل في طريق مكة بعد واقصة وقبل القاع لمن يريد مكة، وهو ماء لبنى عكرمة من بكربن وائل. مراصد الاطلاع 2 – 948.

[ 60 ]

ذلك على طريق علي الذى لابد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التى قد عمقوها، وكان ما حوالى المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على انه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه. فلما بلغ علي عليه السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه واطاله الله فبلغت جحفلته (1) اذنيه وقال: يا امير المؤمنين قد حفر لك هيهنا ودبر عليك الحتف وانت اعلم لاتمر فيه. فقال له علي عليه السلام: جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدببري وان الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل، وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان، فقال علي عليه السلام: سر باذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا امرك، فتبادرت الدابة فان الله عزوجل قد متن الأرض (2) وصلبها [ ولام (3) حفرها ] كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض، فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على اذنه ثم قال: ما اكرمك على رب العالمين اجازك على هذا المكان الخاوى (4). فقال امير المؤمنين عليه السلام: جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها. ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم أمامه وبعضهم خلفه وقال، اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا فإذا هو خاو لا يسير عليه احد الا وقع في الحفرة، فأظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا منه، فقال علي عليه السلام للقوم: اتدرون من عمل هذا ؟ قالوا: لا ندري. قال عليه السلام: لكن فرسى هذا يدرى، يا ايها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا ؟ فقال الفرس: يا امير المؤمنين عليه السلام إذا كان الله عزوجل يبرم ما يروم جهال القوم نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق ابرامه فالله


(1) الجحفلة لذي الحافر كالشفة للانسان. (2) متن الأرض: صلب متنه وقواه. (3) لام حفرها: جمع حفرها، كأن الحفيرة ملئت وأرجعت إلى ما كانت عليه قبل ذلك. (4) الخاوى: الخالي، القفر

[ 61 ]

هو الغالب والخلق هم المغلوبون، فعل هذا يا امير المؤمنين فلان وفلان إلى ان ذكر العشرة بمواطأة من اربعة وعشرين هم مع رسول الله صلى الله عليه واله في طريقه ثم دبروا رأيهم على ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة والله عزوجل من وراء حياطة رسول الله وولى الله لا يغلبه الكافرون. فأشار بعض اصحاب امير المؤمنين عليه السلام بأن يكاتب رسول الله بذلك ويبعث رسولا مسرعا، فقال امير المؤمنين عليه السلام: ان رسول الله إلى محمد رسوله أسرع وكتابه إليه اسبق، فلا يهمنكم هذا إليه، فلما قرب رسول الله صلى الله عليه واله من العقبة التى بأزائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم: هذا جبرئيل الروح الأيمن يخبرني أن عليا دبر عليه كذا وكذا، فدفع الله عزوجل عنه من ألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا، ثم انه صلب الأرض تحت حافر دابته وأرجل اصحابه، ثم انقلب على ذلك الموضع علي وكشف عنه فرأيت الحفيرة، ثم ان الله عزوجل لامها كما كانت لكرامته عليه، وانه قيل له كاتب بهذا وارسل إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال: رسول الله إلى رسول الله اسرع وكتابه إليه اسبق. ثم لم يخبرهم رسول الله صلى الله عليه واله بما قال علي عليه السلام على باب المدينة ” ان مع رسول الله منافقين سيكيدونه ويدفع الله عنه “، فلما سمع الأربعة والعشرون اصحاب العقبة ما قال له رسول الله صلى الله عليه واله في امر علي عليه السلام قال بعضهم لبعض: ما امهر محمدا بالمخرقة (1) وان فيجا (2) مسرعا اتاه أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه ان عليا قتل بحيلة كذا وكذا وهو الذى واطأنا عليه اصحابنا، فهو الآن لما بلغه كتم الخبر وقلبه إلى ضده يريد أن يسكن من معه لئلا يمدوا أيديهم عليه، وهيهات والله ما لبث عليا بالمدينة الا حينه ولا خرج محمدا إلى هيهنا الا حينه، وقد هلك علي وهو هيهنا هالك لا محالة، ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر على ليكون اسكن لقلبه الينا إلى ان نمضى فيه تدبيرنا،


(1) خرق الكذب: صنعه، ومعنى هذه الجملة: ما امهر محمدا بصنع الكذب ووضعه. (2) الفيج: السريع السير الذي يأتي بالأخبار.

[ 62 ]

فحضروه وهنوه على سلامة علي من الورطة التى رامها اعداؤه. ثم قالوا له: يارسول الله أخبرنا عن على عليه السلام أهو افضل ام ملائكة الله المقربون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: وهل شرفت الملائكة الا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما، وانه لا احد من محبى على قد نظف قلبه من قذر الغش والدغل ونجاسات الذنوب الا كان اطهر وافضل من الملائكة، وهل امر الله الملائكة بالسجود لآدم الا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم انه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها الا – وهم يعنون أنفسهم – افضل منه في الدين فضلا واعلم بالله وبدينه علما، فأراد الله ان يعرفهم انهم قد اخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم عليه السلام ان ينبأهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم، ثم اخرج من صلب آدم ذريته منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد والخيار الفاضلين منهم اصحاب محمد وخيار امة محمد وعرف الملائكة بذلك انهم افضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين ومجاهدة النقوس واحتمال اذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء من لصوص مخوفين ومن سلاطين جورة قاهرين وصعوبة في المسالك في المضائق والمخاوف والاجراع (1) والجبال والتلاع (2) لتحصيل اقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال، فعرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفها عن شهواتها ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من ابليس وعفاريته وخواطرهم واغوائهم واستهوائهم ودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من اعداء الله وسماع الملاهي (هامش) * (1) الجرعة: رملة مستوية لا تنبت شيئا. (2) التلاع: جمع التلعة، وهو ما علا من الأرض وما سفل، وفى بعض النسخ ” الطلاع ” وهو جمع الطلع بكسر الطاء: المكان المشرف الذى يطلع منه.


[ 63 ]

والشتم لأولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من اعداء دينهم، أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم. قال الله عزوجل: يا ملائكتي وانتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم ولا شهوة الطعام تحفزكم (2) ولا خوف من اعداء دينكم ودنياكم تنحب (2) في قلوبكم ولا لابليس في ملكوت سماواتي وارضى شغل على اغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم، يا ملائكتي فمن اطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إلى ما لم تكتسبوا. فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهم السلام واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم، ثم قال: فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على انوار هذه الخلائق الأفضلين، ولم يكن سجودهم لآدم انما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل، وكان بذلك معظما له مبجلا، ولا ينبغى لأحد ان يسجد لاحد من دون الله ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله، ولو امرت احدا ان يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا ان يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله على بعد محمد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح باظهار حقوق الله ولم ينكر على حقا ارقبه عليه (3) قد كان جهله أو غفله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله عصى الله ابليس فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم، وعصى الله آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر


(1) الحفز: الدفع من الخلف، والحفز بالرمح: الطعن به. (2) النحب: السير السريع، وفى بعض النسخ ” تنخب ” ومعناه تجبن قلوبكم وتجعلكم بلا فؤاد، يقال ” رجل نخب ” أي الجبان الذى لا فؤاد له. (3) ارقبه عليه: انتظره منه.

[ 64 ]

على محمد وآله الطيبين، وذلك ان الله تعالى قال له: يا آدم عصاني فيك ابليس وتكبر عليك فهلك ولو تواضع لك بأمرى وعظم عز جلالى لأفلح كل الفلاح كما افلحت، وانت عصيتني بأكل الشجرة وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاح وتزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك، فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا اهل البيت. ثم ان رسول صلى الله عليه واله امر بالرحيل في اول نصف الليل الأخير، وامر مناديه فنادى: ألا لا يسبقن رسول الله صلى الله عليه واله احد إلى العقبة ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلى الله عليه واله، ثم امر حذيفة ان يقعد في اصل العقبة فينظر من يمر بها ويخبر رسول الله صلى الله عليه واله، وكان رسول امره ان يتشبه بحجر، فقال حذيفة يارسول الله انى اتبين الشرفي وجوه القوم من رؤساء عسكرك، وانى اخاف ان قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من اخاف ان يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بى ويكشف عني فيعرفني ويعرف موضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: انك إذا بلغت اصل العقبة فاقصد اكبر صخرة هناك إلى جانب اصل العقبة وقل لها: ان رسول الله يأمرك ان تنفرجي لى حتى ادخل جوفك ثم يأمرك ان تثقبي فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل علي منها الروح لئلا اكون من الهالكين، فانها تصير إلى ما تقول لها باذن الله رب العالمين. فأدى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين ايديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه هنا كائنا من كان فاقتلوه لأن لا يخبروا محمدا انهم قد رأونا هيهنا فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبة الا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه، وسمعها حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم، فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال وهم يقولون الآن ترون حين محمد كيف اغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلو به هيهنا فنمضى فيه تدبيرنا واصحابه عنه بمعزل، وكل ذلك يوصله الله تعالى


[ 65 ]

من قريب أو بعيد إلى اذن حذيفة ويعيه حذيفة، فلما تمكن القوم على الجبل حيث ارادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت له: انطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه واله فأخبره بما رأيت وبما سمعت. قال حذيفة: كيف اخرج عنك وان رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم ؟ قالت الصخرة: ان الذي مكنك من جوفي وأوصل اليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذى يوصلك إلى نبي الله وينقذك من اعداء الله. فنهض حذيفة ليخرج فانفرجت الصخرة بقدرة الله تعالى، فحوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله، ثم أعيد على صورته فأخبر رسول الله صلى الله عليه واله بما رأى وسمع، فقال رسول الله: أو عرفتهم بوجوههم ؟ فقال: يارسول الله كانوا متلثمين وكنت اعرف اكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا المواضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم واسمائهم فلان وفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق اجمعون ان يزيلوه، ان الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون. ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا انت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله، فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس ان يتبعونا، فصعد رسول الله صلى الله عليه واله وهو على ناقته وحذيفة وسلمان احدهما آخذ بخطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه واله ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده، فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله صلى الله عليه واله اذن الله لها فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى ولم يبق منها شئ الا صار كذلك وناقة رسول الله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله لعمار: اصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه


[ 66 ]

رواحلهم فارم بها، ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك اوجاعهم، فلما انجبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى ان ماتوا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله في حذيفة وامير المؤمنين عليه السلام: ” انهما أعلم الناس بالمنافقين ” لقعوده في اصل الجبل ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه واله. وكفى الله رسوله امر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه واله إلى المدينة سالما فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزى من كان دبر عليه وعلى علي ما دفع الله عنه عليه السلام. ” احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم وفى غيره من الايام بولاية علي بن ابي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين “. حدثنى السيد العالم العابد أبو جعفر مهدى ابن ابى حرب الحسينى المرعشي رضى الله عنه (1) قال اخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى (2) رضى الله عنه، قال اخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر (3) قدس الله روحه، قال اخبرني جماعة عن ابى محمد هارون بن موسى


(1) مضت ترجمته في هذا الكتاب ص 6. (2) الشيخ أبو على الحسن بن محمد بن الحسن الطوسى، كان عالما فاضلا فقيها محدثا جليلا ثقة، له كتاب الامالى وشرح النهاية، قرأ على والده جميع تصانيفه واليه ينتهى اكثر الاجازات عن الشيخ الطوسى تنقيح المقال 1 – 36 (3) شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى ولد في شهر رمضان سنة 385 وقدم العراق سنة 408 وبقى في بغداد مدة ثم هاجر إلى النجف الأشرف وبقى فيها حتى وفاته سنة 406، كان جهبذة من جهابذة الاسلام وعظيما من عظماء امة محمد ” ص “، صنف في علوم عصره فكانت مصنفاته هي الأم والمراجع، ولم يجرؤ –

[ 67 ]

التلعكبرى (1)، قال اخبرنا أبو علي محمد بن همام، (2) قال اخبرنا علي السورى (3)، قال اخبرنا أبو محمد العلوى (4) من ولد الأفطس – وكان من عباد الله الصالحين – قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني (5)، قال حدثنا محمد بن خالد الطيالسي (6)، قال حدثنا سيف بن عميرة (7) وصالح بن عقبة (8) جميعا


– على الافتاء بعده احد من علماء الشيعة إلى سنين متمادية لقوته في الفقه واضطلاعه في العلوم الاسلامية والكنى والالباب 2 / 357 – 359. (1) أبو محمد هارون بن موسى الشيباني ثقة جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرواية عديم النظير وجه أصحابنا معتمد عليه لا يطعن عليه في شئ توفى سنة 385. الكنى والالقاب 2 / 108 (2) أبو على محمد بن ابى بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، ولد يوم الاثنين 6 ذى الحجة سنة 258 وتوفى يوم الخميس 19 جمادى الثانية سنة 336 رجال النجاشي ص 294. (3) لم نقف على ترجمة له – فليراجع (4) يحيى المكنى ابا محمد العلوى من بنى زبارة علوى سيد متكلم فقيه من اهل نيشابور له كتب كثيرة، منها كتاب في المسح على الرجلين في ابطال القياس وكتاب في التوحيد. رجال النجاشي ص 345. (5) محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، ضعفه القميون بالغلو له كتاب ماروى في ايام الأسبوع وكتاب الرد على الغلاة. رجال النجاشي ص 260 واقول: كيف يقال في محمد هذا انه غال مع العلم ان من مؤلفاته كتاب الرد على الغلاة – فلاحظ (6) أبو عبد الله محمد بن خالد الطيالسي التميمي كان يسكن بالكوفة في صحراء جرم، له كتاب نوادر، مات ليلة الاربعاء 27 جمادى الثانية سنة 259 وهو ابن 97 سنة. تنقيح المقال 3 / 114 (7) سيف بن عميرة النخعي عربي ثقة كوفى، روى عن ابى عبد الله وابى الحسن عليهما السلام له كتاب يرويه جماعات من اصحابنا. رجال النجاشي ص 143. (8) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن ابى ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قيل انه روى عن ابى عبد الله عليه السلام، له كتاب يرويه جماعة منتهى –

[ 68 ]

عن قيس بن سمعان (1) عن علقمة بن محمد الحضرمي (2) عن ابى جعفر محمد ابن علي عليه السلام انه قال: حج رسول الله صلى الله عليه واله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد ان الله جل اسمه يقرئك السلام ويقول لك: انى لم أقبض نبيا من انبيائي ولا رسولا من رسلي الا بعد اكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقى عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج ان تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فانى لم أخل ارضى من حجة ولن اخليها ابدا، فان الله جل ثناؤه يأمرك ان تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من اهل الحضر والاطراف والاعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك علي مثال الذى اوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع. فنادي منادى رسول الله صلى الله عليه واله في الناس: ألا ان رسول الله يريد الحج وان يعلمكم من ذلك مثل الذى علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما اوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه واله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من اهل المدينة واهل الأطراف والاعراب سبعين ألف انسان أو يزيدون على نحو عدد اصحاب موسى السبعين الف الذين اخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد اصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة (3)


– المقال ص 163. (1) لم تقف على ترجمته. (2) علقمة بن محمد الحضرمي هو أخو عبد الله بن محمد الحضرمي. رجال الكشى ص 354. (3) ذكر العلامة الحجة الثبت الأميني في كتابه القيم ” الغدير ” حديث الغدير بتفاصيله في الجزء الاول، وعد الراوين لحديث الغدير، فكانوا من الصحابة 110 –

[ 69 ]

فلما وقف بالموقف اتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عزوجل فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك: انه قد دنى اجلك ومدتك وانا مستقدمك على ما لابد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن ابى طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما اخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذى واثقتهم وعهدي الذى عهدت إليهم من ولاية وليى ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابى طالب عليه السلام، فانى لم اقبض نبيا من الانبياء الا من بعد اكمال ديني وحجتي واتمام نعمتي بولاية اوليائي ومعاداة اعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني واتمام نعمتي على خلقي باتباع وليى وطاعته، وذلك انى لا اترك ارضى بغير ولى ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا بولاية وليى ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيى ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومن اشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فاني قابضك الي ومستقدمك علي. فخشى رسول الله صلى الله عليه واله من قومه واهل النفاق والشقاق ان يتفرقوا ويرجعوا إلى جاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوى عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء


– شخصا، ومن التابعين 84 شخصا، ومن الرواة من العلماء ابتداءا من القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر 360 شخصا، وذكر من المؤلفين في حديث الغدير خصيصا 26 شخصا، انظر الجزء الاول من الكتاب ص 14 – 157.

[ 70 ]

وسأل جبرئيل ان يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر ان يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى ان بلغ مسجد الخيف (1)، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذى اراد حتى بلغ كراع الغميم (2) بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وامره بالذى اتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة، فقال: جبرئيل اني اخشى قومي ان يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخره ذلك ] فرحل فلما بلغ غدير خم (3) قبل الجحفة (4) بثلاثة اميال أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك ” يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ” في علي ” وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ” (5). وكان اوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس تأخر


(1) الخيف هو المنحدر من غلظ الجبل قد ارتفع عن مسيل اتاه فليس شرفا ولا حضيضا، وخيف منى هو الموضع الذى ينسب إليه مسجد الخيف. مراصد الاطلاع 1 / 495. (2) كراع الغميم: موضع بالحجاز بين مكة والمدينة امام عسفان بثمانية أميال وهذا الكراع جبل اسود في طرف الجرة يمتد إليه. مراصد الاطلاع 3 – 1153. (3) غدير: ما غودر من ماء المطر في مستنقع صغير أو كبير غير انه لا يبقى في القيظ. وخم: قيل رجل، وقيل غيظة، وقيل موضع تصب فيه عين، وقيل بئر قريب من المبثب حفرها مرة بن كعب، نسب إلى ذلك غدير خم، وهو بين مكة والمدينة، قيل على ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل على ميل، وهناك مسجد للنبي مراصد الاطلاع 1 – 482، 2 – 985. (4) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل. وكان اسمها مهيعة وسميت الجحفة لان السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة اميال مراصد الاطلاع 1 – 315. (5) المائدة: 67.

[ 71 ]

عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما انزل الله تعالى في علي واخبره بأن الله عزوجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عندما جاءته العصمة مناديا ينادى في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير امره بذلك جبرئيل عن الله عزوجل، وكان في الموضع سلمات (1) فأمر رسول الله صلى الله عليه واله ان يقم ما تحتهن (2) وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه واله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى واثنى عليه فقال: الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، واحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال، بارئ المسموكات (3) وداحي المدحوات وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من انشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الاحاطة بكل شئ والغلبة على كل شئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم، جل عن ان تدركه الأبصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق احد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية الا بما دل عزوجل على نفسه. وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الابد نوره، والذي ينفذ


(1) سلمات: اشجار. (2) أي يكنس ما تحتهن. (3) السمك السقف، أو من اعلى البيت إلى أسفله، والغاية من كل شئ، والمقصود هنا السماوات وما فيها.

[ 72 ]

امره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صور ما ابدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من احد ولاتكلف ولا احتيال، انشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا اله الا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لايجور والاكرم الذي ترجع إليه الامور. واشهد انه الذي تواضع كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الاملاك ومفلك الافلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى، يكور الليل على النهار (1) ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاسم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، احد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، اله واحد ورب ماجد يشاء فيمضى ويريد فيقضي ويعلم فيحصى ويميت ويحيى ويفقر ويغنى ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا اله الا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصى الانفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه الحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق ان يشكره ويحمده. احمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، اسمع امره واطيع وابادر إلى كل ما يرضاه واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لانه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، واقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية واؤدي ما اوحى إلى حذرا من ان لا افعل فتحل بي منه قارعة (2) لا يدفعها عني احد وان عظمت حيلته لا اله الا هو، لانه قد اعلمني اني ان لم أبلغ ما انزل الي فما بلغت رسالته


(1) كور الشئ: ادارته. ضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، ويكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل: اشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازدياد هما. (2) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة.

[ 73 ]

وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى الي: بسم الله الرحمن الرحيم ” يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ” في علي [ يعنى في الخلافة لعلي بن ابى طالب عليه السلام ] ” وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس “. (معاشر الناس) ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلى، وانا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: ان جبرئيل عليه السلام هبط الي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام ان اقوم في هذا المشهد فأعلم كل ابيض واسود ان على بن ابى طالب عليه السلام اخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى الا انه لانبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد انزل الله تبارك وتعالى على بذلك آية من كتابه ” انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” (1) وعلي بن ابى طالب عليه السلام اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال. وسألت جبرئيل ان يستعفي لي عن تبليغ ذلك اليكم ايها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وادغال (2) الآثمين وختل (3) المستهزئين بالاسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي في غير مرة حتى سموني اذنا (4). وزعموا اني كذلك لكثرة ملازمته اياي واقبالي عليه، حتى انزل الله عزوجل في ذلك قرآنا ” ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن ” على الذين يزعمون انه اذن ” خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ” الاية (5). ولو شئت ان اسمي بأسمائهم لسميت وان أومى إليهم بأعيانهم لأومأت وان


(1) المائدة: 55. (2) الادغال: الخالفة والخيانة، وادغل في الأمر: ادخل فيه ما يفسده. (3) الختل: الخديعة. (4) الاذن بضمتين: الرجل المستمع لما يقال له. (5) التوبة: 61.

[ 74 ]

ادل عليهم لدللت، ولكني والله في امورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني الا ان ابلغ ما انزل الي، ثم تلى صلى الله عليه واله ” يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ” في على ” وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس “. فاعلموا معاشر الناس ان الله قد نصبه لكم وليا واماما مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار وعلى التابعين لهم باحسان، وعلى البادى والحاضر وعلى الاعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الابيض والاسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ امره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه واطاع له. (معاشر الناس) انه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا واطيعوا وانقادوا لامر ربكم، فان الله عزوجل هو مولاكم والهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه واله وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وامامكم بأمر ربكم، ثم الامامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال الا ما احله الله ولا حرام الا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام وانا افضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه. (معاشر الناس) ما من علم الا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد احصيته في امام المتقين، وما من علم الا علمته عليا، وهو الامام المبين. (معاشر الناس) لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا خ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدى إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم انه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذى فدى رسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا احد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. (معاشر الناس) فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله. (معاشر الناس) انه امام من الله ولن يتوب الله على احد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف امره فيه وان يعذبه عذابا


[ 75 ]

شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين. (ايها الناس) بى والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وانا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من اهل السماوات والارضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولى هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار. (معاشر الناس) حبانى الله بهذه الفضيلة منا منه علي واحسانا منه الي، ولا اله الا هو، له الحمد مني ابد الا الآبدين ودهر الداهرين على كل حال. (معاشر الناس) فضلوا عليا فانه افضل الناس بعدى من ذكر وأنثى، بنا انزل الله الرزق وبقى الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولى هذا ولم يوافقه، ألا ان جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: ” من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبى ” فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله ان تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها ان الله خبير بما تعملون. (معاشر الناس) انه جنب الله الذى ذكر في كتابه فقال تعالى: ” ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ” (1). (معاشر الناس) تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره الا الذى انا آخذ بيده ومصعده الي – وشائل بعضده – ومعلمكم ان من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن ابى طالب عليه السلام اخى ووصيي، وموالاته من الله عزوجل أنزلها على. (معاشر الناس) ان عليا والطيبين من ولدى هم الثقل الاصغر، والقرآن الثقل الاكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا على الحوض، هم امناء الله في خلقه وحكماؤه في ارضه، ألا وقد اديت، ألا وقد بلغت


(1) الزمر: 56.

[ 76 ]

ألا وقد اسمعت، ألا وقد اوضحت، ألا وان الله عزوجل قال وانا قلت عن الله عزوجل، ألا انه ليس امير المؤمنين غير اخى هذا ولا تحل امرة المؤمنين بعدى لاحد غيره. ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ اول ما صعد رسول الله صلى الله عليه واله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه واله، ثم قال: (معاشر الناس) هذا علي اخى ووصيي وواعى علمي وخليفتي على امتى وعلى تفسير كتاب الله عزوجل والداعى إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وامير المؤمنين والامام الهادى وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، اقول ما يبدل القول لدي بأمر ربى، اقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره واغضب على من جحد حقه، اللهم انك انزلت علي ان الامامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبى ايام بما اكملت لعبادك من دينهم واتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الاسلام دينا، فقلت: ” ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ” (1) اللهم انى اشهدك وكفى بك شهيدا انى قد بلغت. (معاشر الناس) انما اكمل الله عزوجل دينكم بامامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدى من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عزوجل فأولئك الذين حبطت اعمالهم وفي النار فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون. (معاشر الناس) هذا علي انصركم لى واحقكم بي واقربكم إلى واعزكم علي، والله عزوجل وانا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى الا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا الا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن الا فيه، ولاشهد بالجنة في هل اتى على الانسان الا له، ولا انزلها في سواه، ولامدح بها غيره. (معاشر الناس) هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي


(1) آل عمران 85.

[ 77 ]

النقي الهادى المهدى، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الاوصياء. (معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي. (معاشر الناس) ان ابليس اخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم وتزل اقدامكم، فان آدم اهبط إلى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عزوجل وكيف بكم وانتم انتم ومنكم اعداء الله، ألا انه لا يبغض عليا الا شقى ولا يتوالى عليا الا تقى ولا يؤمن به الا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة العصر ” بسم الله الرحمن الرحيم. والعصر ان الانسان لفى خسر ” إلى آخرها. (معاشر الناس) قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول الا البلاغ المبين. (معاشر الناس) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون. (معاشر الناس) آمنوا بالله ورسوله والنور الذى انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها. (معاشر الناس) النور من الله عزوجل في مسلوك ثم في على ثم في النسل منه إلى القائم المهدى الذى يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عزوجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. (معاشر الناس) انذركم اني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل افان مت أو قتلت انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين، ألا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدى من صلبه. (معاشر الناس) لاتمنوا على الله اسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده انه لبالمرصاد.


[ 78 ]

(معاشر الناس) انه سيكون من بعدى ائمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. (معاشر الناس) ان الله وأنا بريئان منهم. (معاشر الناس) انهم وانصارهم واتباعهم واشياعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين، ألا انهم اصحاب الصحيفة فلينظر احدكم في صحيفته. قال: فذهب على الناس الا شرذمة منهم امر الصحيفة. (معاشر الناس) انى ادعها امامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما امرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل احد ممن شهد أولم يشهد ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم ايها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران. (معاشر الناس) ان الله عزوجل لم يكن يذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب. (معاشر الناس) انه ما من قرية الا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا علي امامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده. (معاشر الناس) قد ضل قبلكم اكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: ” الم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين. كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين ” (1). (معاشر الناس) ان الله قد أمرني ونهاني، وقد امرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهى من ربه عزوجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، واطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله. (معاشر الناس) انا صراط الله المستقيم الذى امركم باتباعه ثم على من


(1) المرسلات: 16 – 19.

[ 79 ]

بعدى ثم ولدى من صلبه ائمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، ثم قرأ ” الحمد لله رب العالمين ” إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت واياهم خصت، اولئك اولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا ان حزب الله هم الغالبون، ألا ان اعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون واخوان الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا ان اولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عزوجل ” لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد (1) الله ورسوله ” (2) إلى آخر الآية، ألا ان اولياءهم الذين وصفهم الله عزوجل فقال: ” الذين آمنوا ولم يلبسوا (3) ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ” (4) ألا ان اولياءهم الذين وصفهم الله عزوجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم ان طبتم فادخلوها خالدين (5)، ألا ان اولياءهم الذين قال لهم الله عزوجل: يدخلون الجنة بغير حساب (6)، ألا ان اعداءهم يصلون سعيرا (7)، ألا ان اعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير (8)، ألا ان اعداءهم الذين قال الله فيهم: ” كلما دخلت امة


(1) حاده بتضعيف الدال: خالفه ولم يطع امره. (2) المجادلة: 22. (3) أي يستروا ايمانهم بظلم، فان اللبس في الاصل بمعنى الستر. (4) الأنعام 82 (5) هذا المضمون مأخوذ من قوله تعالى: ” وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت ابوابها قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ” للزمر 73 (6) مأخوذ من قوله تعالى: ” فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ” غافر: 40 (7) مأخوذ من قوله تعالى: ” فسوف يدعو ثبورا، ويصلى سعيرا ” الانشقاق: 12 (8) اشارة إلى قوله تعالى: ” إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ” الفرقان: 12

[ 80 ]

لعنت اختها ” (1) الاية، ألا ان اعداءهم الذين قال الله عزوجل: ” كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ ان انتم الا في ضلال مبين ” (2) ألا ان اولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير. (معاشر الناس) شتان مابين السعير والجنة، عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من مدحه الله واحبه. (معاشر الناس) الا واني منذر وعلي هاد. (معاشر الناس) اني نبي وعلي وصي، ألا ان خاتم الأئمة منا القائم المهدى ألا انه الظاهر على الدين، ألا انه المنتقم من الظالمين، ألا انه فاتح الحصون وهادمها ألا انه قاتل كل قبيلة من اهل الشرك، ألا انه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا انه الناصر لدين الله، ألا انه الغراف (3) في بحر عميق، ألا انه يسم (4) كل ذى فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا انه خيرة الله ومختاره، ألا انه وارث كل علم والمحيط به، ألا انه المخبر عن ربه عزوجل والمنبه بأمر ايمانه، ألا انه الرشيد السديد، ألا انه المفوض إليه، ألا انه قد بشر من سلف بين يديه، ألا انه الباقي حجة ولا حجة بعده ولاحق الا معه ولا نور الا عنده، ألا انه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وانه ولى الله في ارضه وحكمه في خلقه وامينه في سره وعلانيته (معاشر الناس) قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدى، ألا واني عند انقضاء خطبتي ادعوكم إلى مصافقتى (5) على بيعته والاقرار به ثم مصافقته بعدي، ألا واني قد بايعت الله وعلى قد بايعني وانا آخذكم بالبيعة له عن


(1) الاعراف: 38. (2) الملك: 8 – 9. (3) غرف الماء بيده: أخذه بها، وهذا اشارة إلى ما اخذه علي عليه السلام من علوم النبي صلى الله عليه وآله الكثيرة التى هي كالبحر العميق الذى لم يصل الناس إلى أعماقه. (4) يسم الشئ: يجعل له علامة يعرف بها. (5) صفق يده بالبيعة، وصفق على يده: ضرب يده على يده، والمصافقة المبايعة

[ 81 ]

الله عزوجل ” فمن نكث فانما ينكث على نفسه ” (1) الآية. (معاشر الناس) ان الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله ” فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناج عليه ان يطوف بهما ” (2) الآية. (معاشر الناس) حجوا البيت، فما ورده اهل بيت لا استغنوا، ولا تخلفوا عنه الا افتقروا. (معاشر الناس) ما وقف بالموقف مؤمن الا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله. (معاشر الناس) الحجاج معانون (3) ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع اجر المحسنين. (معاشر الناس) حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد الا بتوبة واقلاع (4). (معاشر الناس) اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما امركم الله عزوجل، لئن طال عليكم الامد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذى نصبه الله عزوجل بعدي، ومن خلفه الله منى وانا منه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم مالا تعلمون، ألا ان الحلال والحرام اكثر من أن أحصيهما واعرفهما، فأمر بالحلال وانهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت ان آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ماجئت به عن الله عزوجل في علي امير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه، ائمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضى بالحق. (معاشر الناس) وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فانى لم ارجع عن ذلك ولم ابدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا


(1) الفتح: 10، ونكث العهد والبيع: نقضه ونبذه (2) البقرة: 158 (3) معانون: مساعدون، ومخلفة: معوضة (4) الاقلاع الترك، والمراد منه هنا ترك الذنوب

[ 82 ]

تغيروه، ألا واني اجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وان رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ان تنتهوا إلى قولى وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فانه امر من الله عزوجل ومنى، ولا امر بمعروف ولانهى عن منكر الا مع امام معصوم. (معاشر الناس) القرآن يعرفكم ان الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم انه مني وانا منه، حيث يقول الله في كتابه ” وجعلها كلمة باقية في عقبه ” (1) وقلت ” لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما “. (معاشر الناس) التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عزوجل ” ان زلزلة الساعة شئ عظيم ” (2) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة اثيب عليها ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب. (معاشر الناس) انكم اكثر من ان تصافقوني بكف واحدة، وقد امرني الله عزوجل ان آخذ من ألسنتكم الاقرار بما عقدت لعلي من امرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما اعلمتكم ان ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم ” انا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في امر علي وامر ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيى ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا امير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عزوجل ” فقد اديت ذلك اليكم وانهما سيدا شباب اهل الجنة، وانهما الامامان بعد ابيهما علي وانا ابوهما قبله، وقولوا ” اطعنا الله بذلك واياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وانفسنا وألسنتنا ومصافقة ايدينا من ادركهما


(1) الزخرف: 28. (2) الحج: 1.

[ 83 ]

بيده واقر بهما بلسانه ولا نبتغى بذلك بدلا ولا نرى من انفسنا عنه حولا ابدا، أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا وانت علينا به شهيد، وكل من اطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله اكبر من كل شهيد ” (معاشر الناس) ما تقولون فان الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها، ومن بايع فانما يبايع الله يد الله فوق ايديهم. (معاشر الناس) فاتقوا الله وبايعوا عليا امير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن ” نكث فانما ينكث على نفسه ” الآية. (معاشر الناس) قولوا الذى قلت لكم وسلموا على علي بامرة المؤمنين، وقولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، وقولوا ” الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ” الآية. (معاشر الناس) ان فضائل علي بن ابى طالب عليه السلام عند الله عزوجل، وقد أنزلها في القرآن اكثر من ان أحصيها في مقام واحد، فمن انبأكم بها وعرفها فصدقوه. (معاشر الناس) من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما. (معاشر الناس) السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بامرة المؤمنين، اولئك هم الفائزون في جنات النعيم. (معاشر الناس) قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، ” فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فلن يضر الله شيئا ” (1)، اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين والحمد لله رب العالمين. فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على امر الله وامر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا


(1) آل عمران: 144

[ 84 ]

وتداكوا (1) على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان اول من صافق رسول الله صلى الله عليه واله الاول والثانى والثالث والرابع والخامس وباقى المهاجرين والانصار وباقى الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى ان صليت المغرب والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنة ورسما، وربما يستعملها من ليس له حق فيها. وروى عن الصادق عليه السلام انه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه واله من هذه الخطبة رأى الناس رجلا جميلا بها طيب الريح فقال: تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما اشد ما يؤكد لابن عمه وانه يعقد عقدا لا يحله الا كافر بالله العظيم وبرسوله، ويل طويل لمن حل عقده. قال: والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته، هيئته ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه واله وقال: أما سمعت ما قال هذا الرجل، قال كذا وكذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله: يا عمر اتدرى من ذاك الرجل ؟ قال: لا. قال: ذلك الروح الأمين جبرئيل، فاياك ان تحله، فانك ان فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنين منك براء. ذكر تعيين الأئمة الطاهرة بعد النبي صلى الله عليه وآله واحتجاج الله تعالى بمكانهم على كافة الخلق. روى أبو بصير عن ابى عبد الله الصادق عليه السلام انه قال: قال ابى محمد بن علي لجابر بن عبد الله الانصاري: ان لى اليك حاجة متى يخف عليك ان اخلو بك فأسألك عنها ؟ قل له جابر: في أي الأحوال احببت، فخلا به ابى في بعض الأوقات وقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة وما اخبرتك به امي انه في ذلك اللوح مكتوب.


(1) تداكوا عليه: ازدحموا عليه

[ 85 ]

فقال جابر: اشهد بالله انى دخلت على امك فاطمة صلوات الله عليها في حياة رسول الله صلى الله عليه واله فهنيتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يدها لوحا اخضر فظننت انه من زمرد، ورأيت فيه كتابا ابيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأمي وابي انت يا بنت رسول الله ماهذا اللوح ؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه واله فيه اسم ابى واسم بعلي واسم ابني واسماء الاوصياء من ولدى، فأعطانيه ابى ليسرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه امك عليها السلام فقرأته واستنسخته. قال له ابى: فهل لك يا جابر أن تعرضه على ؟ قال: نعم، فمشى معه ابى حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى ابى صحيفة من رق وقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته وقرأ أبى فما خالف حرف حرفا. قال جابر: فأشهد بالله انى هكذا رأيت في اللوح مكتوبا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نبيه ورسوله ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين. عظم يا محمد اسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائى، فاني انا الله لا اله الا انا قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان يوم الدين، لا اله الا انا من رجا غير فضلى أو خاف غير عدلى عذبته عذابا لا اعذبه احدا من العالمين، فاياى فاعبد وعلي فتوكل، انى لم ابعث نبيا فأكملت ايامه وانقضت مدته الا جعلت له وصيا، وانى فضلتك على الانبياء وفضلت وصيك على الاوصياء، واكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقصاء مدة ابيه، وجعلت حسينا خازن علمي واكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، وهو افضل من استشهد وارفع الشهداء درجة، وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته اثيب واعاقب: اولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق الراد عليه


[ 86 ]

كالراد علي، حق القول منى لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وانصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى، واتيح بعده فتنة عمياء حندس (1) الا ان خيط فرضى لا ينقطع وحجتي لاتخفى وان اوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدى موسى وحبيبي وخيرتي، ألا ان المكذب بالثامن مكذب بكل اوليائي علي وليى وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، وهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي، لا يؤمن به عبد الا جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار، واختم بالسعادة لابنه علي وليى وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيى، اخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري، ثم اكمل دينى بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب، سيد اوليائي سيذل اوليائي في زمانه وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم، اولئك اوليائي حقا بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وارفع الآصار والأغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون. قال عبد الرحمن بن سالم (2) قال أبو بصير (3): لو لم تسمع في دهرك الا


(1) الحندس: الليل المظلم، والظلمة الشديدة. (2) عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الأشل الكوفي العطار، وكان سالم بياع المصاحف، وعبد الرحمن بن سالم اخو عبد الحميد بن سالم له كتاب. رجال النجاشي ص 177 (3) أبو بصير يحيى بن القسم الاسدي، مما اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وعن جماعة آخر مذكورين في كتب التراجم وانقادوا إليهم بالفقه، توفى سنة –

[ 87 ]

هذا الحديث لكفاك، فصنه الا عن اهله. وعن علي بن ابى حمزة (1) عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله حدثنى جبرئيل عن رب العزة جل جلاله انه قال، من علم ان لا اله الا انا وحدي وان محمد عبدي ورسولي وان علي بن ابى طالب عليه السلام وليى وخليفتي وان الائمة من ولده حججى ادخلته الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وابحت له جواري، فأوجبت له كرامتي، واتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي. ان ناداني لبيته وان دعاني اجبته وان سألني اعطيته وان سكت ابتدأته، وان اساء رحمته، وان فر منى دعوته، وان رجع إلى قبلته، وان قرع بابى فتحته. ومن لم يشهد ان لا اله الا انا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد ان علي بن ابى طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد ان الأئمة ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي، ان قصدني حجبته وان سألني حرمته، وان ناداني لم اسمع نداءه، وان دعاني لم استجب دعاءه، وان رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني وما انا بظلام للعبيد فقام جابر بن عبد الله الانصاري فقال: يارسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن ابى طالب ؟ فقال: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا على بن موسى، ثم التقي الجواد محمد بن علي، ثم التقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدى امتى محمد بن الحسن صاحب


– 150 بعد ابى عبد الله الصادق عليه السلام. الكنى والألقاب 1 – 17. (1) علي بن ابى حمزة مولى الأنصار الكوفى، روى عن ابى عبد الله الصادق وابى الحسن موسى عليهما السلام، وصنف كتبا عدة منها كتاب جامع في ابواب الفقه. رجال النجاشي ص 188.

[ 88 ]

الزمان – صلوات الله عليهم اجمعين – الذى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من اطاعهم فقد اطاعني ومن عصاهم فقد عصاني، ومن انكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد انكرني، بهم يمسك الله عزوجل السماء ان تقع على الارض الا باذنه، وبهم يحفظ الله الارض أن تميد بأهلها. وروى عن النبي صلى الله عليه واله انه قال لعلى بن ابى طالب عليه السلام: يا علي لا يحبك الا من طابت ولادته، ولا يبغضك الا من خبثت ولادته، ولا يواليك الا مؤمن ولا يعاديك الا كافر. فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال: يارسول الله فقد عرفنا علامة خبث الولادة والكافر في حياتك ببغض علي وعداوته، فما علامة خبث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الاسلام بلسانه واخفى مكنون سريرته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يابن مسعود ان على بن ابى طالب عليه السلام امامكم بعدي وخليفتي عليكم، فإذا مضى فالحسن والحسين ابناي اماماكم بعده وخليفتي عليكم، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم، تاسعهم قائم امتى يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، لا يحبهم الا من طابت ولادته ولا يبغضهم الا من خبثت ولادته ولا يواليهم الا مؤمن ولا يعاديهم الا كافر من انكر واحدا منهم فقد انكرني ومن انكرني فقد انكر الله عزوجل، ومن جحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عزوجل، لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله. يابن مسعود اياك ان تجد في نفسك حرجا مما اقضي فتكفر، فوعزة ربي ما انا متكلف ولا انا ناطق عن الهوى في علي والأئمة عليهم السلام من ولده. ثم قال صلى الله عليه واله وهو رافع يديه إلى السماء: اللهم وال من والى خلفائي وائمة امتى من بعدي وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ولا


[ 89 ]

تخل الأرض من قائم منهم بحجتك اما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبيناتك. ثم قال صلى الله عليه واله: يابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما ان فارقتموه هلكتم وان تمسكتم به نجوتم. والسلام على من اتبع الهدى. والأخبار في هذا المعنى متواترة لا تحصى كثرة ذكرنا طرفا منها جلاءا للابصار وشفاءا لما في الصدور وهدى لقوم ينصفون. ” ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله (ص) من اللجاج والحجاج في أمر الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق، والاشارة إلى شئ من انكار من أنكر على من تأمر على علي بن أبي طالب (ع) تأمره وكيد من كاده من قبل ومن بعد “. عن ابى المفضل محمد بن عبد الله الشيباني (1) باسناده الصحيح عن رجال ثقة ان النبي صلى الله عليه واله خرج في مرضه الذي توفى فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بن عباس وغلام له يقال له ثوبان، وهى الصلاة التي اراد التخلف عنها لثقله ثم حمل على نفسه وخرج، فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه: اجلس على الباب ولا تحجب احدا من الانصار وتجلاه الغشى وجاءت الانصار فأحدقوا بالباب وقالوا: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه واله. فقال: هو مغشى عليه وعنده نساؤه، فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلى الله عليه واله البكاء فقال: من هؤلاء ؟ قالوا: الأنصار. فقال من هيهنا من اهل بيتي ؟ قالوا: علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكئا عليهما فاستند إلى جذع من اساطين مسجده – وكان الجذع جريد نخل – فاجتمع الناس وخطب فقال في كلامه:


(1) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن بهلول الشيباني كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفى، كان في أول عمره ثبتا ثم خلط منتهى المقال ص 280.

[ 90 ]

(معاشر الناس) انه لم يمت نبي قط الا خلف تركة، وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي، ألا فمن ضيعهم ضيعه الله، ألا وان الانصار كرشي وعيبتي (1) التي آوى إليها، وانى اوصيكم بتقوى الله والاحسان إليهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. ثم دعا اسامة بن زيد فقال: سر على بركة الله والنصر والعافية حيث امرتك بمن امرتك عليه، وكان صلى الله عليه واله قد امره على جماعة من المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين، وامره ان يغير على مؤتة واد في فلسطين (2). فقال له اسامة: بأبي انت وامي يارسول الله اتأذن لى في المقام اياما حتى يشفيك الله، فانى متى خرجت وانت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحة فقال: انفذ يا اسامة لما امرتك فان القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال قال: فبلغ رسول الله صلى الله عليه واله ان الناس طعنوا في عمله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله بلغني انكم طعنتم في عمل اسامة وفي عمل ابيه من قبل، وأيم الله انه لخليق للامارة وان اباه كان خليقا لها، وانه واباه من احب الناس الي فأوصيكم به خيرا، فلئن قلتم في امارته لقد قال قائلكم في امارة ابيه. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه واله بيته، وخرج اسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه واله: ان لا يتخلف عن اسامة احد ممن أمرته عليه، فلحق الناس به، وكان اول من سارع إليه أبو بكر وعمر


(1) الكرش: الجماعة من الناس، وعيال الرجل، وصغار اولاده. والعيبة: ما يجعل فيه الثياب، وعيبة الرجل: موضع سره. (2) مؤتة: قرية من قرى البلقان في حدود الشام، وقيل انها من مشارف الشام على اثنى عشر ميلا من أذرح بها قبر جعفر بن ابى طالب وزيد بن ابى حارثة وعبد الله ابن رواحة على كل قبر منها بناء منفرد، مراصد الاطلاع 3 – 1330.

[ 91 ]

وأبو عبيدة بن الجراح، فنزلوا في رقاق (1) واحد مع جملة اهل العسكر. قال: وثقل رسول الله صلى الله عليه واله، فجعل الناس ممن لم يكن في بعث اسامة يدخلون عليه أرسالا (2) وسعد بن عبادة يومئذ شاك (3) وكان لايدخل احد من الانصار على النبي صلى الله عليه واله الا انصرف إلى سعد يعوده. قال: وقبض رسول الله صلى الله عليه واله وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج اسامة إلى معسكره بيومين، فرجع اهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال: ايها الناس مالكم تموجون (4) ان كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت ” وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ” (5) قال ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤا به إلى سقيفة بني ساعدة (6) فلما سمع بذلك عمر اخبر بذلك ابا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الانصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى ان قال أبو بكر في آخر كلامه للانصار: انما ادعوكم إلى ابي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما اراهما له اهلا. فقال عمر وابو عبيدة: ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا ابا بكر وانت اقدمنا اسلاما وانت صاحب الغار وثاني اثنين فأنت احق بهذا الأمر واولى به فقال الانصار: نحذر أن يغلب على هذا الامر من ليس منا ولامنكم، فنجعل منا اميرا ومنكم اميرا ونرضى به على انه ان هلك اخترنا آخر من الأنصار


(1) الرقاق: الصحراء والارض المستوية اللينة التراب تحته صلابة، وقيل التي نضب عنها الماء، وقيل اللينة المتسعة. (2) أي قطائع مجتمعين (3) أي مريض. (4) تموجون: تختلف اموركم وتضطربون (5) آل عمران: 144. (6) سقيفة بنى ساعدة: بالمدينة، وهى ظلة كانوا يجلسون تحتها. مراصد الاطلاع 2 – 721.

[ 92 ]

فقال أبو بكر بعد ان مدح المهاجرين: وانتم يا معشر الانصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الاسلام، رضيكم الله انصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعل اليكم مهاجرته وفيكم محل ازواجه، فليس احد من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم، فهم الامراء وانتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر الانصاري: يا معشر الانصار أمسكوا على ايديكم، فانما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس الا عن رأيكم. واثنى على الانصار ثم قال: فان ابى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون ان يكون منا امير ومنهم امير. فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، انه لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع إلى تولي امرها من كانت النبوة فيهم وألو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل أو متجانف باثم (1) أو متورط في الهلكة محب للفتنة. فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار امسكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل واصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وان ابوا ان يكون منا امير ومنهم امير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله احق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وانا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (2)، والله لئن احد رد قولي لاحطمن انفه بالسيف.


(1) المدل: الذى يقيم الدليل على مدعاه، والمدل بباطل: الذى استدل بباطل والمتجانف: المائل عن الحق. (2) جذيل: تصغير جذل، وهو العود الذى ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو تصغير، تعظيم، أي انا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الابل الجربى بالاحتكاك بهذا العود وعذيق تصغير العذق: النخلة. والرجبة: ان تعمد النخلة الكريمة ببناء من –

[ 93 ]

قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام، فانه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى الله عليه واله فنهاني رسول الله صلى الله عليه واله عن مهاترته (1) فحلفت ان لا اكلمه ابدا. قال عمر لابي عبيدة: تكلم. فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير وذكر فيه فضائل الانصار، وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الانصار لما رأى اجتماع الانصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في افساد الأمر عليه وتكلم في ذلك ورضى بتأمير قريش وحث الناس كلهم لاسيما الانصار على الرضا، بما يفعله المهاجرون. فقال أبو بكر: هذا عمر وابو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا ايهما شئتم فقال عمر وابو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك. فقال بشير بن سعد: وانا ثالثكما، وكان سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج، فلما رأت الاوس صنيع سيدها بشير وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد اكبوا على ابى بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض. فقال: قتلتموني، قال عمر: أقتلوا سعدا قتله الله، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يابن صهاك الجبان في الحرب والفرار الليث في الملأ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة (2) فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فان الرفق ابلغ وافضل. فقال سعد: يابن صهاك – وكانت جدة عمر – الحبشية اما والله لو ان لي قوة على النهوض لسمعتها مني في سككها زئيرا ازعجك واصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتما فيهم اذنابا اذلاء تابعين


– حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، وقد يكون ترجيب النخلة بأن يجعل حولها شوك لئلا يرقى إليها. وملخص المراد من هذا الكلام. اننى الذى يؤخذ برأيه وهو ستر وحفظ لما يخاف عليه من المكاره والاضرار. (1) المهاترة مأخوذة من الهتر، وهو السقط في الكلام والخطأ فيه (2) الواضحة: الاسنان التى تبدو عند الضحك

[ 94 ]

غير متبوعين لقد اجترأتما. ثم قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وادخلوه منزله، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتى ارميكم بكل سهم في كنانتي واخضب منكم سنان رمحي واضربكم بسيفي ما اقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من اهل بيتي وعشيرتي، ثم وايم الله لو اجتمع الجن والانس علي لما بايعتكما ايهما الغاصبان حتى اعرض على ربي واعلم ما حسابي. فلما جاءهم كلامه قال عمر: لابد من بيعته. فقال بشير بن سعد: انه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والاوس فاتركوه فليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعدا، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلك مدة ولاية ابى بكر حتى هلك أبو بكر، ثم ولى عمر وكان كذلك، فخشى سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران (1) في ولاية عمر ولم يبايع أحدا. وكان سبب موته ان رمي بسهم في الليل فقتله، وزعم ان الجن رموه، وقيل ايضا ان محمد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه، وروى انه تولى ذلك المغيرة بن شعبة وقيل خالد بن الوليد. قال وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن ابى طالب مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه واله، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى الله عليه واله والناس يصلون عليه من بايع ابا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام، واجتمعت بنو امية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمر وابو عبيدة بن الجراح فقالوا: مالنا نراكم خلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الانصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا،


(1) حوران بالفتح: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع، قصبتها بصرى، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما. مراصد الاطلاع 1 – 435

[ 95 ]

وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه السلام ومعهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم اسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، واحدقوا بمن كان هناك من بنى هاشم ومضوا بجماعتهم إلى ابى بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وايم الله لئن ابيتم ذلك لنحا كمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر الا علي بن ابي طالب، فقالوا له بايع ابا بكر. فقال علي عليه السلام: انا احق بهذا الامر منه وانتم اولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا اهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للانصار انكم اولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه واله فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الامارة، وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الانصار، انا اولى برسول الله حيا وميتا، وانا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه، وانا الصديق الاكبر والفاروق الاعظم اول من آمن به وصدقه، واحسنكم بلاءا في جهاد المشركين واعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين واعلمكم بعواقب الامور، واذر بكم لسانا (1) واثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر ؟ انصفونا ان كنتم تخافون الله من انفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الانصار، والا فبوؤا بالظلم والعدوان وانتم تعلمون. فقال عمر: يا علي اما لك بأهل بيتك اسوة ؟ فقال علي عليه السلام: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: والله مابيعنا لكم بحجة على علي، ومعاذ الله ان نقول انا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول الله صلى الله عليه واله.


(1) الذرب ككتف ؟ ؟: حديدة الاسكاف التى يقطع بها، وذرب اللسان: حديده. (*)

[ 96 ]

فقال عمر: انك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي عليه السلام احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا اقبل قولك ولا احفل بمقامك ولا ابايع. فقال أبو بكر: مهلا يا ابا الحسن ما نشك فيك ولانكرهك فقال أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولاعلمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن – وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة – وابو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو احمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الامر بما فيه فسلم له، فان عمرك الله يسلموا هذا الامر اليك، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا الا وانت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أو ان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك. فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والانصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم اليكم في امرى، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس. فوالله معاشر الجمع ان الله قضى وحكم ونبيه أعلم وانتم تعلمون بأنا اهل البيت احق بهذا الامر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، والله انه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم. فقال بشير بن سعد الانصاري الذى وطأ الارض لابي بكر وقالت جماعة من الانصار: يا ابا الحسن لو كان هذا الامر سمعته منك الانصار قبل بيعتها لابي بكر ما اختلف فيك اثنان. فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه واخرج انازع في سلطانه، والله ما خفت احدا يسمو له وينازعنا اهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت ان رسول الله صلى الله عليه واله ترك يوم غدير خم لاحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: ” من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وخذل من خذله ” أن يشهد الآن بما سمع.


[ 97 ]

قال زيد بن ارقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلى الله عليه واله فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي علي فذهب بصرى. قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه السلام، ففسح المجلس وقال: ان الله يقلب القلوب، ولا تزال يا ابا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك. وعن ابان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله انكر على ابى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال: نعم كان الذى انكر على ابى بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وابوذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وبريدة الاسلمي ومن الانصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبى بن كعب وأبو أيوب الأنصاري. قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه واله، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عزوجل: ” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” (1) فانطلقوا بنا إلى امير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه. فانطلق القوم إلى امير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا امير المؤمنين تركت حقا انت احق به واولى به من غيرك، لانا سمعنا رسول الله يقول ” علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال ” ولقد هممنا ان نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله صلى الله عليه واله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال امير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم الا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع والا قتلناك، فلابد


(1) البقرة: 195

[ 98 ]

لي من ادفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله اوعز الي قبل وفاته وقال لي: ” يا ابا الحسن ان الامة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وانك مني بمنزلة هارون من موسى وان الامة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه ” فقلت: يارسول الله فما تعهد الي إذا كان كذلك ؟ فقال: إذا وجدت اعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وان لم تجد اعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه واله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا ان لا ارتدي برداء الا للصلاة حتى اجمع القرآن، ففعلت ثم اخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على اهل بدر واهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما اجابني منهم الا اربعة رهط سلمان وعمار وابوذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية اهل بيتي، فأبوا علي الا السكوت لما علموا من وغارة (1) صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة وابلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه واله إذا وردوا عليه. فسار القوم حتى احدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه واله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للانصار: تقدموا وتكلموا فقال الانصار للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم، فان الله عزوجل بدأ بكم في الكتاب إذ قال الله عزوجل: ” لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ” (2). قال ابان: قلت له يابن رسول الله ان العامة لا تقرأ كما عندك. قال: وكيف تقرأ ؟ قال: قلت انها تقرأ ” لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار ” فقال ويلهم فأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه واله حتى تاب الله عليه عنه، انما تاب الله به على امته فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الانصار.


(1) الوغر: الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض. (2) التوبة: 117

[ 99 ]

وروى انهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه واله فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا ابا بكر فقد علمت ان رسول الله صلى الله عليه واله قال ونحن محتوشوه (1) يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن ابى طالب عليه السلام يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والانصار اني موصيكم بوصية فاحفظوها وموعدكم امرا فاحفظوه، ألا ان علي بن ابي طالب اميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك اوصاني ربي، ألا وانكم ان لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في احكامكم واضطرب عليكم امر دينكم ووليكم اشراركم، ألا وان اهل بيتي هم الوارثون لامرى والعالمون لامر امتي من بعدي اللهم من اطاعهم من امتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن اساء خلافتي في اهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والارض. فقال له عمر بن الخطاب: اسكت يا خالد فلست من اهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه. فقال له خالد: بل اسكت انت يابن الخطاب فانك تنطق على لسان غيرك، وايم الله لقد علمت قريش انك من ألأمها حسبا وادناها منصبا واخسها قدرا واخملها ذكرا واقلهم عناءا عن الله ورسوله، وانك لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر، مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وانك في هذا الامر بمنزلة الشيطان ” إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني برئ منك اني اخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ” (2) فأبلس (3) عمر وجلس خالد بن سعيد. ثم قام سلمان الفارسي وقال ” كرديد ونكرديد ” اي فعلتم ولم تفعلوا، وقد كان امتنع من البيعة قبل


(1) احتوشوه واحتوشوا به: احاطوا به. (2) الحشر: 16 – 17 (3) ابلس: سكت على مضض أو خوف.

[ 100 ]

ذلك حتى وجئ (1) عنقه، فقال: يا ابا بكر إلى من تسند امرك إذا نزل بك مالا تعرفه، والى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه، وما عذرك في تقدمك على من هو اعلم منك واقرب إلى رسول الله واعلم بتأويل كتاب الله عزوجل وسنة نبيه ومن قدمه النبي صلى الله عليه واله في حياته وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته وأخلفتم الوعد ونقضتم العهد وحللتم العقد الذى كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد حذرا من مثل ما اتيتموه وتنبيها للامة على عظيم ما احترمتموه ومن مخالفة امره فعن قليل يصفو لك الامر وقد اثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك، فلو راجعت الحق من قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك، فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما انت متشبث به من هذا الامر الذي لا عذر لك في تقلده ولاحظ للدين ولا المسلمين في قيامك به، فالله الله في نفسك، فقد أعذر من انذر ولا تكن كمن أدبر واستكبر. ثم قام أبو ذر الغفاري فقال: يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة، والله ليرتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين، ولو جعلتم الامر في اهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان، والله لقد صارت لمن غلب، ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها، وليسفكن في طلبها دماء كثيرة – فكان كما قال أبو ذر – ثم قال: لقد علمتم وعلم خياركم ان رسول الله صلى الله عليه واله قال ” الامر بعدي لعلي ثم لابنى الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي ” فاطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به اليكم، فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن اهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزئل، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على اعقابها (2) وغيرت وبدلت


(1) وجئ عنقه: لوي وضرب. (2) نكصت على اعقابها: رجعت إلى القهقرى.

[ 101 ]

واختلفت، فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وعما قليل تذوقون وبال امركم وتجزون بما قدمت ايديكم. وما الله بظلام للعبيد. ثم قام المقداد بن الاسود فقال: يا ابا بكر ارجع عن ظلمك، وتب إلى ربك والزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الامر لصاحبه الذى هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه واله في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الامر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذى انزل الله فيه على نبيه صلى الله عليه واله ” ان شانئك هو الأبتر ” (1) فلا اختلاف بين اهل العلم انها نزلت في عمرو، وهو كان اميرا عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلى الله عليه واله في غزاة ذات السلاسل، وان عمرا قلد كما حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة، اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فان ذلك اسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت ان علي ابن ابى طالب عليه السلام هو صاحب الامر بعد رسول الله، فسلمه إليه بما جعله الله له فانه اتم لسترك واخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي والى الله ترجع الامور. ثم قام إليه بريدة الاسلمي فقال: انا لله وانا إليه راجعون، ماذا لقى الحق من الباطل، يا ابا بكر أنسيت ام تناسيت وخدعت ام خدعتك نفسك ام سولت لك الاباطيل، أو لم تذكر ما امرنا به رسول الله صلى الله عليه واله من تسمية علي عليه السلام بامرة المؤمنين والنبي صلى الله عليه واله بين اظهرنا، وقوله له في عدة اوقات ” هذا علي امير المؤمنين وقاتل القاسطين “، اتق الله وتدارك نفسك قبل ان لا تدركها وانقذها مما يهلكها واردد الامر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وانت


(1) الكوثر: 3

[ 102 ]

تستطيع ان تراجع، فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة، فلا تكونن ظهيرا للمجرين. ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين ان كنتم علمتم والا فاعلموا أن اهل بيت نبيكم اولى به واحق بارثه واقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين واحفظ لملته وانصح لامته، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى اهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم ان بنى هاشم أولى بهذا الامر منكم، وعلي [ اقرب منكم إلى نبيكم وهو ] من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلى الله عليه واله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وايثاره اياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله صلى الله عليه واله ” انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها ” وانكم جميعا مضطرون فيما اشكل عليكم من امور دينكم إليه وهو مستغن عن كل احد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لافضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا، اعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين. ثم قام ابي بن كعب فقال: يا ابا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن اول من عصى رسول الله صلى الله عليه واله في وصيه وصفيه وصدف عن امره، أردد الحق إلى اهله تسلم، ولاتتماد في غيك فتندم، وبادر الانابة يخف وزرك، ولا تخصص بهذا الامر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما انت فيه وتصير إلى ربك، فيسألك عما جنيت وما ربك بظلام للعبيد. ثم قام خزيمة بن ثابت فقال: ايها الناس ألستم تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معى غيرى ؟ قالوا: بلى. قال: فاشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ” اهل بيتى يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين


[ 103 ]

يقتدى بهم ” وقد قلت ما علمت، وما على الرسول الا البلاغ المبين. ثم قام أبو الهشيم بن التيهان فقال: وانا اشهد على نبينا صلى الله عليه واله انه اقام عليا – يعني في يوم غدير خم – فقالت الانصار: ما اقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما اقامه الا ليعم الناس انه مولى من كان رسول الله صلى الله عليه واله مولاه، وكثر الخوض في ذلك فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلى الله عليه واله فسألوه عن ذلك فقال: قولوا لهم علي ولي المؤمنين بعدى وانصح الناس لأمتى، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ان يوم الفصل كان ميقاتا. ثم قام سهل بن حنيف فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي محمد واله ثم قال: يا معاشر قريش إشهدوا علي أني اشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان – يعنى الروضة – وقد اخذ بيد علي بن ابى طالب عليه السلام وهو يقول: ايها الناس هذا على إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي دينى ومنجز وعدى واول من يصافحني على حوضى، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله. وقام معه اخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله يقول: اهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدى، فقام إليه رجل فقال: يارسول الله وأي اهل بيتك ؟ فقال، علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلى الله عليه واله فلا تكن يا ابا بكر اول كافر به، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون. ثم قام أبو ايوب الانصاري فقال، اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه واله ومجلس بعد مجلس يقول: ” اهل بيتي ائمتكم بعدى ” ويؤمى إلى علي ويقول ” هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره ” فتوبوا إلى الله من ظلمكم اياه ان الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.


[ 104 ]

قال الصادق عليه السلام: فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا، ثم قال: وليتكم ولست بخيركم اقيلوني اقيلوني، فقال له عمر بن الخطاب: انزل عنها يالكع (1) إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم اقمت نفسك هذا المقام ؟ والله لقد هممت ان اخلعك واجعلها في سالم مولى ابى حذيفة. قال: فنزل ثم اخذ بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة ايام لا يدخلون مسجد رسول الله صلى الله عليه واله، فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولى ابى حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فمازال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله صلى الله عليه واله، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذى تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال، يابن صهاك الحبشية ابأسيافكم تهددوننا ام بجمعكم تفزعوننا، والله ان اسيافنا احد من اسيافكم وانا لأكثر منكم وان كنا قليلين لان حجة الله فينا، والله لو لا انى اعلم ان طاعة الله ورسوله وطاعة امامي اولى بي لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى ان ابلى عذرى. فقام امير المؤمنين: اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس وقام إليه سلمان الفارسى فقال، الله اكبر الله اكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه واله بهاتين الأذنين والا صمتا يقول ” بينا اخى وابن عمى جالس في مسجدي مع نفر من اصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب اصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست اشك ألا وانكم هم ” فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه امير المؤمنين عليه السلام واخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك اينا اضعف ناصرا واقل عددا. ثم التفت إلى اصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لادخلت المسجد الا


(1) للكع اللئيم والعبد والأحمق.

[ 105 ]

كما دخل اخواى موسى وهارون، إذ قال له اصحابه ” فاذهب انت وربك فقاتلا انا هيهنا قاعدون ” (1) والله لادخلنه ؟ ؟ الا لزيارة رسول الله صلى الله عليه واله أو لقضية أقضيها فانه لا يجوز بحجة اقامها رسول الله صلى الله عليه واله ان يترك الناس في حيرة. وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم ان عمر احتزم بأزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا ان ابا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال (2) الناس يبايعون، فعرف ان جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت ايام اقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: ان فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه واله فيه، وانكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف انكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك انما اردت التهويل، فراسلهم علي ان ليس إلى خروجي حيلة لانى في جمع كتاب الله الذى قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت ان لا اخرج من بيتي ولا ادع ردائي على عاتقي حتى اجمع القرآن. قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لاعهد لى بقوم اسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه واله جنازة بين ايدينا وقطعتم امركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الاسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة. وفي رواية سليم بن قيس الهلالي (3) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه انه


(1) المائدة: 24. (2) انثال الناس: انصبوا واجتمعوا. (3) أبو صادق سليم بن قيس الهلالي، كان من اصحاب علي عليه السلام، وكان هاربا من الحجاج لانه طلبه ليقتله فجلا إلى ابان بن عياش، فآاه فلما حضرته الوفاة قال لأبان ” ان لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يابن اخى انه كان من امر رسول الله كيت وكيت ” واعطاه كتابا وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ورواه عنه –

[ 106 ]

قال: اتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه واله، وقد كان اوصى ان لا يغسله غير علي عليه السلام، واخبر انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له، وقد قال امير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه واله: من يعينني على غسلك يارسول الله ؟ قال جبرئيل. فلما غسله وكفنه ادخلني وادخل اباذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لاتعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم ادخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الانصار فيصلون ويخرجون، حتى لم يبق من المهاجرين والانصار الا صلى عليه، وقلت لعلي عليه السلام حين يغسل رسول الله صلى الله عليه واله: ان القوم فعلوا كذا وكذا وان ابا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه واله وما يرضى الناس ان يبايعوا له بيد واحدة انهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا. فقال علي عليه السلام: يا سلمان فهل تدرى من اول من يبايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقلت: لا الا اني قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الانصار، وكان اول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبى حذيفة [ ومعاذ بن جبل ]. قال: لست اسألك عن هذا، ولكن تدرى من اول من بايعه حين صعد منبر رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد. فقال لى علي عليه السلام: يا سلمان وهل تدري من هو ؟ قلت: لا ولكني ساءتنى مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه واله، قال علي ان ذلك ابليس لعنه الله، اخبرني رسول الله ان ابليس ورؤساء اصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه واله اياى بغدير خم بأمر الله تعالى، فأخبرهم ان يبلغ الشاهد الغائب، فأتاه ابا لسة ومردة اصحابه فقالوا: ان هذه امة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك عليهم من سبيل، قد


– ابان بن عياش: الفهرست للطوسي 81.

[ 107 ]

علموا امامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فانطلق ابليس كئيبا حزينا، فأخبرني رسول الله صلى الله عليه واله ان لو قد قبض ان الناس سيبايعون ابا بكر في ظلة بني ساعدة بعد ان تخاصمهم بحقك وحجتك، ثم يأتون المسجد فيكون اول من يبايعه على منبري ابليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا، ثم تجتمع شياطينه وابالسته فيخر ويكسع (1) ثم يقول كذا زعمتم ان ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا امر من امرهم الله بطاعته وامرهم رسوله. فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع احدا من اهل بدر من المهاجرين ولا من الانصار الا اتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم الا اربعة واربعون رجلا، فأمرهم ان يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم احد غير اربعة. قلت لسلمان: من الأربعة ؟ قال: انا وابوذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم اتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا: نصحبك بكرة، فما منهم احد وفى غيرنا، ثم الليلة الثالثة فما وفى احد غيرنا، فلما رأى علي عليه السلام عذرهم وقلة وفائهم لزم بيته واقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر ان اخرج فبايع، فبعث إليه اني مشغول فقد آليت بيمين ان لا ارتدى برداء إلا للصلواة حتى اؤلف القرآن واجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع ابى بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فنادى عليه السلام بأعلى صوته: ايها الناس انى لم ازل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه واله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن الا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية الا وقد اقرأنيها رسول الله صلى عليه وآله وعلمني تأويلها. فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله. ثم دخل بيته فقال عمر لأبي بكر: ارسل


(1) يكسع: يضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.

[ 108 ]

إلى علي فليبايع فانا لسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع امناه وغائلته. فأرسل أبو بكر رسولا ان اجب خليفة رسول الله صلى الله عليه واله، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقال علي عليه السلام: ما اسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه واله، انه ليعلم ويعلم الذين حوله ان الله ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال: اذهب فقل اجب امير المؤمنين ابا بكر، فأتاه فأخبره بذلك فقال علي عليه السلام: سبحان الله والله ما طال العهد بالنبي منى وانه ليعلم ان هذا الاسم لا يصلح الا لي، وقد امره رسول الله صلى الله عليه واله سابع سبعة فسلموا علي بامرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: امر من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه واله: نعم حقا من الله ورسوله انه امير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل اولياءه الجنة واعداءه النار. قال: فانطلق الرسول إلى ابى بكر فأخبره بما قال، فكفوا عنه يومئذ، فلما كان الليل حمل فاطمة عليها السلام على حمار ثم دعاها إلى نصرته فما استجاب له رجل غيرنا اربعة، فانا حلقنا رؤسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا وكان على بن ابي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع ابى بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك ان تبعث إليه فيبايع، فانه لم يبق احد ألا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه. وكان أبو بكر أرق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غورا، والآخر افظهما واغلظهما وأخشنهما واجفاهما. فقال: من نرسل إليه ؟ فقال عمر: ارسل إليه قنفذا – وكان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء احد بني تيم – فأرسله وارسل معه اعوانا، فانطلق فاستأذن فأبي علي عليه السلام ان يأذن له، فرجع اصحاب قنفذ إلى ابى بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو ان اذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام احرج عليكم (1) ان تدخلوا بيتي بغير اذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة


(1) التحرج: التضيق وعدم الاذن والالجاء.

[ 109 ]

قالت كذا وكذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها، فغضب عمر وقال: مالنا وللنساء. ثم امر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى اسمع عليا عليه السلام: والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا، ثم رجع فقعد إلى ابى بكر وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ: ان خرج وإلا فاقتحم عليه، فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا. فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فظبطوه وألقوا في عنقه حبلا اسود، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقى أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج (1) من ضرب قنفذ اياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها. ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى ابى بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وابو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة واسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول ابى بكر عليهم السلاح وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم انكم لن تصلوا الي، هذا جزاء مني وبالله لا ألوم نفسي في جهد ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، فلعن الله قوما بايعوني ثم خذلوني، فانتهره عمر فقال: بايع. فقال: وان لم افعل ؟ قال: إذا نقتلك ذلا وضعارا. قال: اذن تقتلون عبد الله واخا رسول الله صلى الله عليه واله. فقال أبو بكر: اما عبد الله فنعم [ كلنا عبيد الله ] واما اخو رسوله فلا نقر لك به. قال عليه السلام: اتجحدون ان رسول الله صلى الله عليه واله آخى بين نفسه وبيني، فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم اقبل علي عليه السلام فقال:


(1) الدملوج: حلي يلبس في المعصم.

[ 110 ]

يا معاشر المهاجرين والأنصار انشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه واله يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزاة تبوك كذا وكذا، فلم يدع شيئا قاله فيه عليه السلام علانية للعامة إلا ذكره ؟ فقالوا: اللهم نعم. فلما خاف أبو بكر ان ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال: كل ما قتله قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول بعد هذا: إنا اهل بيت اصطفانا الله واكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وان الله لم يكن لجيمع لنا اهل البيت النبوة والخلافة. فقال على عليه السلام: اما أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله شهد هذا معك ؟ قال عمر: صدق خليفة رسول الله صلى الله عليه واله قد سمعنا منه هذا كما قال، وقال أبو عبيدة وسالم مولى ابى حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله. فقال لهم: لشد ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: ان قتل الله محمدا أو اماته ان تزووا هذا الأمر عنا اهل البيت. فقال أبو بكر: وما علمك بذلك اطلعناك عليها ؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وانت يا مقداد أذكركم بالله وبالاسلام أسمعتم رسول الله صلى الله عليه واله يقول ذلك لمان فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا ؟ قالوا: اللهم نعم قد سمعناه يقول ذلك لك، فقلت له بأبي انت وامي يا نبي الله فما تأمرني ان افعل إذا كان ذلك ؟ فقال لك: ان وجدت عليهم اعوانا فجاهدهم ونابذهم، وان لم تجد اعوانا فبايعهم واحقن دمك. فقال علي عليه السلام: اما والله لو أن اولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني ووفوا لجاهدتكم في الله ولله، لا أما والله لا ينالها احد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم نادى قبل ان يبايع: ” يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ” (1) ثم تناول يد ابي بكر فبايعه، فقيل للزبير بايع الآن، فأبى فوثب عليه عمر وخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة في اناس فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الارض حتى كسر، فقال الزبير وعمر على صدوه: يابن صهاك أما والله لو ان سيفي في


(1) الأعراف: 15.

[ 111 ]

يدي لحدت عني، ثم بايع. قال: سلمان: ثم اخذوني وفوجؤا عنقي حتى تركوها مثل السلعة (1) ثم فتلوا يدى، فبايعت مكرها، ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما من الامة احد بايع مكرها غير علي واربعتنا. ولم يكن احد منا اشد قولا من الزبير، فلما بايع قال: يابن صهاك أما والله لولا هؤلاء الطلقاء الذين اعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت من جبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم وتصول بهم، فغضب عمر فقال، اتذكر صهاك ؟ فقال الزبير: ومن صهاك وما يمنعني من ذلك، وانما كانت صهاك امة حبشية لجدي عبد المطلب فزنا بها نفيل فولدت اباك الخطاب فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته، فانه لعبد جدي فولد زنى، فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل منهما عن صاحبه. فقال سليم: فقلت يا سلمان بايعت ابا بكر ولم تقل شيئا ؟ قال: قد قلت بعد ما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، أو تدرون ماذا صنعتم بأناسكم، اصبتم واخطأتم: اصبتم سنة الأولين، وأخطأتم سنة نبيكم حتى اخرجتموها من معدنها واهلها. فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل مابدا لك وليقل مابدا له. قال: قلت فاني اشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذى بايعته مثل ذنوب امته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم. وقال: قل ما شئت أليس قد بايع ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك. قال، قلت فاني اشهداني قرأت في بعض كتب الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من ابواب جهنم. قال: قل ما شئت أليس قد عزلها الله عن اهل البيت الذين قد اتخذتموهم اربابا. قال: قلت فأشهد اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول وقد سألته عن هذه الآية ” فيومئذ لا يعذب عذابه احد. ولا يوثق وثاقه احد ” (2) فقال: انك انت هو.


(1) السلعة: خراج كهيئة الغدة. (2) الفجر: 25 – 26.

[ 112 ]

فقال عمر اسكت: قال: قلت اسكت الله نأمتك (1) ايها العبد يابن اللخناء (2). فقال لي علي عليه السلام اسكت يا سلمان، فسكت فوالله لولا انه امرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفي صاحبه، فلما رأى ذلك عمر انه قد سكت قال: انك له مطيع مسلم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد شيئا كما قال سلمان. قال عمر: يا سلمان ألا تكف عنا كما كف صاحباك، فوالله ما انت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا اشد تعظيما لهم ولحقهم، فقد كفا كما ترق وبايعا. فقال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد وتعظيمهم، لعن الله من ابغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد الناس على ادبارهم القهقري وقد فعل ذلك بهم. فقال عمر آمين فلعن الله من ظلمهم حقهم، لا والله ما لهم فيها حق وماهم وعرض الناس في هذا الأمر الا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم بحقهم وحجتهم ؟ فقال علي عليه السلام: يابن صهاك فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب. فقال عمر: كف الآن يا ابا الحسن إذا بايعت، فان العامة رضوا بصحابتي ولم يرضوا بك فما ذنبي. قال علي عليه السلام لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما وآزركما بسخط من الله وعذابه وخزيه، ويلك يابن الخطاب أو تدرى مما خرجت وفيم دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك، فقال أبو بكر: يا عمر اما إذا بايع وأمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء. فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد، أذكركم بالله ايها الأربعة – يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد – أسمعتم رسول الله يقول ان تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله ان يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجب، فسألناه عنهم وانتم شهود ؟ فقال صلى الله عليه واله:


(1) النامة: الصوت، يقال ” اسكت الله نامته ” أي نغمته وصوته. (2) للخناء: المرأة المنتنة الفرج.

[ 113 ]

اما الأولون فابن آدم الذى قتل اخاه، وفرعون الفراعنة نمرود، والذى حاج ابراهيم في ربه، ورجلان من بني اسرئيل بدلا كتابهم وغير اسنتهم، اما احدهما فهود اليهود والآخر نصر النصارى (1)، وابليس سادسهم، والدجال في الآخرين، وهؤلاء الخمسة اصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا اخي والتظاهر عليك بعدي هذا وهذا وهذا حتى عدهم وسماهم. قال سلمان: فقلنا صدقت نشهد انا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله فقال عثمان: يا ابا الحسن أما عندك وعند اصحابك هؤلاء في حديث ؟ فقال: بلى قد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك فغضب عثمان فقال، مالي ولك أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولابعده. فقال الزبير: نعم فأرغم الله انفك. فقال عثمان، فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ان الزبير يقتل مرتدا عن الاسلام، قال سلمان: فقال لي علي عليه السلام فيما بيني وبينه صدق عثمان، وذلك انه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدا عن الاسلام. قال سليم: ثم اقبل علي سلمان فقال، ان القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه واله إلا من عصمه الله بآل محمد، ان الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري، وسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ” لتركبن امتي سنة بني اسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع “. وروي عن الصادق عليه السلام انه قال، لما استخرج امير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية الا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبير فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا أبي صلى الله عليه واله بالحق ان لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه واله على رأسي ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من ابي ولا الناقة بأكرم


(1) يعنى احدهما غير دين موسى وحرف كتابه بعده، والآخر غير دين عيسى وحرف كتابه بعده.

[ 114 ]

مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي. قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريبا منها، فرأيت والله اساس حيطان مسجد رسول الله صلى الله عليه واله تقلعت من اسفلها حتى لو أراد رجل ان ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي ان الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من اسفلها فدخلت في خياشيمنا. وروي عن الباقر عليه السلام ان عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: اكتب إلى اسامة ابن زيد يقدم عليك، فان في قدومه قطع الشنيعة عنا. فكتب أبو بكر إليه: ” من ابى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه واله إلى اسامة بن زيد. – اما بعد فانظر إذا اتاك كتابي فاقبل الي انت ومن معك، فان المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني امرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام “. قال: فكتب اسامة إليه جواب كتابه ” من اسامة بن زيد عامل رسول الله صلى الله عليه واله على غزوة الشام. اما بعد فقد اتاني منك كتاب ينقض اوله آخره، ذكرت في اوله انك خليفة رسول الله، وذكرت في آخره ان المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك امرهم ورضوك، فاعلم اني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك امرنا، وانظر ان تدفع الحق إلى اهله وتخليهم واياه فانهم احق به منك، فقد علمت ماكان من قول رسول الله صلى الله عليه واله في علي يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى، انظر مركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله صلى الله عليه واله عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتى قبض رسول الله صلى الله عليه واله وانك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير اذن “. فأراد أبو بكر ان يخلعها من عنقه قال: فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ولكن ألح عليه بالكتب والرسائل ومر فلانا وفلانا ان يكتبوا إلى اسامة ان لا يفرق جماعة المسلمين وان يدخل معهم فيما صنعوا. قال: فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه الناس من المنافقين ” ان ارض بما اجتمعنا عليه واياك ان تشتمل المسلمين فتنة من قبلك فانهم حديثو عهد بالكفر “.


[ 115 ]

قال: فلما وردت الكتب على اسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما رأى اجتماع الخلق على ابى بكر انطلق إلى علي بن ابي طالب عليه السلام فقال له: ماهذا ؟ قال له علي: هذا ما ترى. قال له اسامة: فهل بايعته ؟ فقال: نعم يا اسامة. فقال: طائعا أو كارها ؟ فقال: لابل كارها. قال: فانطلق اسامة فدخل على ابى بكر وقال له، السلام عليك يا خليفة المسلمين. قال، فرد عليه أبو بكر وقال، السلام عليك ايها الأمير. وروى ان ابا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول اله صلى الله عليه واله وبويع لأبى بكر، فكتب ابنه إليه كتابا عنوانه ” من خليفة رسول الله إلى ابى قحافة. اما بعد فان الناس قد تراضوا بى، فانى اليوم خليفة الله، فلو قدمت علينا كان أقر لعينك ” قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعكم من علي ؟ قال: هو حدث السن وقد اكثر القتل في قريش وغيرها وابو بكر اسن منه. قال أبو قحافة: ان كان الأمر في ذلك بالسن فانا احق من ابى بكر، لقد ظلموا عليا حقه وقد بايه له النبي صلى الله عليه واله وامرنا ببيعته. ثم كتب إليه ” من ابى قحافة إلى ابنه ابى بكر. اما بعد فقد اتاني كتابك فوجدته كتاب احمق ينقض بعضه بعضا، مرة تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه واله ومرة تقول خليفة الله ومرة تقول تراضى بي الناس، وهو امر ملتبس فلا تدخلن في امر يصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فان للامور مداخل ومخارج وانت تعرف من هو اولى بها منك، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها، فان تركها اليوم اخف عليك واسلم لك “. وعن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال، لما قال المنافقون ان ابا بكر تقدم عليا وهو يقول انا اولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال: صبرا على من ليس يؤل إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوى لولاية، اظهر الأيمان ذلة وأسر النفاق غلة، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون انى اقول اني


[ 116 ]

افضل من علي، وكيف اقول ذلك ومالى سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته، وحد الله وانا ملحده وعبده علي قبل ان أعبده ووالى الرسول وانا عدوه، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم اقطع غباره، وان علي بن ابى طالب فاز والله من الله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الايمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرون الا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل في الله مهجته ولابن عمه مودته كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب الا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق، محنة لهذا العالم، لحق قبل ان يلاحق وبرز قبل ان يسابق، جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدخر منها مثقال ذرة الا انفقه في بابه، فمن ذا يؤمل ان ينال درجته وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا وللنبي وصيا وللخلافة راعيا وبالامامة قائما، افيغتر الجاهل بمقام قمته إذ أقامنى واطعته إذ أمرنى، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ” الحق مع علي وعلي مع الحق، من اطاع عليا رشد ومن عصى عليا فسد، ومن احبه سعد ومن ابغضه شقي ” والله لو لم يحب ابن ابى طالب الا لأجل انه لم يواقع الله محرما ولا عبد من دونه صنما ولحاجة الناس إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب، فكيف لاسباب اقلها موجب واهونها مرغب، للرحم الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير والقليل، وخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك مجدها ود المتمنون ان لو كانوا تراب اقدام ابن ابى طالب، أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل علم والوسيلة إلى الله والى رسوله. وعن محمد بن عمر بن علي عن ابيه عن ابى رافع قال، انى لعند ابى بكر إذ طلع علي والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى الله عليه واله، فقال أبو بكر: يكفيكم القصير الطويل – يعنى بالقصير عليا وبالطويل العباس – فقال العباس: انا عم النبي صلى الله عليه واله ووارثه، وقد حال علي بيني وبين تركته. فقال أبو بكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه واله بنى عبد المطلب


[ 117 ]

وانت احدهم فقال ” ايكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في اهلي ينجز عدتي ويقضي دينى ” فاحجمتم عنها الا علي، فقال النبي صلى الله عليه واله انت كذك ؟ فقال العباس: فما اقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه ؟ قال أبو بكر: اعذروني يا بني عبد المطلب. وروى رافع بن ابى رافع الطائي عن ابى بكر وقد صحبه في سفر قال، قلت له: يا ابا بكر علمني شيئا ينفعني الله به. قال: قد كنت فاعلا ولو لم يسألنى لا تشرك بالله شيئا، واقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم شهر رمضان، وحج البيت واعتمر، ولا تأمرن على اثنين من المسلمين. قال: قلت له أما ما امرتني به من الايمان والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة فانا افعله، وأما الامارة فانى رأيت الناس لا يصيبون هذا الشرف وهذا الغنى والعز والمنزلة عند رسول الله الا بها. قال: انك استنصحتني فاجهدت نفسي لك. فلما توفى رسول الله صلى الله عليه واله واستخلف أبو بكر جئته وقلت له: يا ابا بكر ألم تنهنى ان اتأمر على اثنين ؟ قال بلى. قلت: فما بالك تأمرت على امة محمد صلى الله عليه واله قال اختلف الناس وخفت عليهم الضلالة ودعوني فلم اجد من ذلك بدا. وروى ان ابا بكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتل على عليه السلام وضمن ذلك لهما، فسمعت ذلك الخبر اسماء بنت عميس امرأة ابى بكر في خدرها، فارسلت خادمة لها، وقالت ترددي في دار علي وقولى له ” الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ” (1) ففعلت الجارية وسمعها علي عليه السلام، فقال رحمها الله قولي لمولاتك فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين ؟ ووقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان اخفى، واختيرت للسدفة (2) والشبهة [ فانهم كانوا يغسلون (3) بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل ] ولكن الله


(1) القصص: 20. (2) السدفة: ظلمة فيها ضوء من أول النهار وآخره. (3) الغلس: ظلمة آخر الليل، يغلسون بالصلاة: يصلون في الغلس

[ 118 ]

بالغ امره، وكان أبو بكر قال لخالد بن الوليد: إذا انصرفت من صلاة الفجر فاضرب عنق علي. فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وابو بكر في الصلاة يفكر في العواقب فندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على نفسه. فقال قبل ان يسلم في صلاته: يا خالد لا تفعل ما امرتك به – ثلاثا – وفي رواية اخرى لا يفعلن خالد ما امر به، فالتفت علي عليه السلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه فقال: يا خالد ما الذي امرك به ؟ قال: بقتلك يا امير المؤمنين قال: أو كنت فاعلا ؟ فقال، أي والله لو لا انه نهانى لوضعته في اكثرك (1) شعرا فقال له علي عليه السلام: كذبت لا ام لك من يفعله اضيق حلقة است منك، أما والذى فلق الحبة وبرئ النسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت أي الفريقين شر مكانا واضعف جندا. وفي رواية اخرى لأبى ذر رحمه الله ان امير المؤمنين عليه السلام اخذ خالدا بأصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت، فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة، ففزع الناس وهمتهم انفسهم واحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلم. فقال أبو بكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، كأني كنت انظر إلى هذا واحمد الله على سلامتنا، وكلما دنى احد ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعبا فبعث أبو بكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه واقسم عليه فقال: بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وامهما الا تركته، ففعل ذلك وقبل العباس بين عينيه.


(1) يريد الرأس لأنه اكثر الأعضاء. شعرا.

[ 119 ]

” احتجاج امير المؤمنين (ع) على ابى بكر وعمر لما منعا فاطمة الزهراء (ع) فدك بالكتاب والسنة “. عن حماد بن عثمان (1) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين والانصار بعث إلى فدك (2) من اخرج وكيل


(1) قال العلامة الحلى في خلاصته: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزارى مولاهم كوفى وكان يسكن عرزم فذهب إليها واخوه عبد الله ثقتان رويا عن ابى عبد الله عليه السلام وروى حماد عن ابى الحسن الرضا (ع) ومات حماد بالكوفة رحمه الله سنة تسعين ومائة ذكرهما أبو العباس في كتابه. وسبقه بذكر حماد بن عثمان الناب مولى غنى وعده من اصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام. وعده الشيخ في رجاله تارة من اصحاب الصادق (ع) واخرى من اصحاب الكاظم (ع) وثالثة من اصحاب الرضا (ع) وسماه ذو الناب ولم يتعرض لذكر حماد الفزارى. ولعله انما لم يتعرض لذكره لاعتقاده باتحادهما فقد اعتقد ذلك بعض اصحاب الرجال واستدلوا على ما ذهبوا إليه باتحاد سنة الوفاة واتحاد عشيرتيهما. ونقل المامقانى بتفصيل اقوال الرجاليين فيهما وقال في تنقيح المقال اقول: ” الاظهر اتحاد الرجلين فان غنيا حى من غطفان، وفزارة أبو قبيلة من غطفان ” انتهى. اقول: وهذا لا يكفي بل ان دليل التعدد ظاهر والاختلاف بينهما واضح بين لاختلاف اسم الجد والاخوة فحماد ذو الناب هو: حماد بن عثمان بن زياد، والفزاري هو: حماد بن عثمان بن عمرو بن خالد والاول اخواه حسين وجعفر، والثانى اخوه عبد الله وعليه فيكون المراد هنا حمادا الفزارى لانه يروى عن الصادق (ع) وذو الناب يروى عن الكاظم والرضا فقط كما في الخلاصة. راجع رجال الطوسى، رجال الكشى، رجال المامقانى، الخلاصة للعلامة. فهرست الشيخ الطوسى، اعيان الشيعة، قاموس الرجال. (2) ” فدك “: قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهى ارض يهودية، كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب اهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على النصف من فدك، وروى انه صالحهم –

[ 120 ]

فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى ابى بكر ثم قالت


– عليها كلها. فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (ع) وكانت بيدها في عهد ابيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الاول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة ردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولى عثمان بن عفان اقطعها مروان بن الحكم فلما صار الامر إلى معاوية بن ابى سفيان اقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتدا ولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم ايام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولى الامر ردها لولد فاطمة (ع)، ثم انتزعها يزيد ابن عبد الملك من اولاد فاطمة وظلت في ايدى بنى مروان حتى انقرضت دولتهم. فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن على (ع) ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بنى الحسن، وردها المهدى بن المنصور على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدى من ايديهم، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم واقطعها عبد الله بن عمر البازيار من اهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفى، وقيل ان المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده. قال ابن ابى الحديد: – في شرح النهج – وقلت لمتكلم من متكلمي الامامية يعرف بعلى بن تقى من بلدة النيل. وهل كانت فدك الا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير ؟ فقال لى ليس الامر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها الا ان لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ وقال ايضا: وسألت على بن الفارقى مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة صادقة ؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهى عنده صادقة فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو اعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجائت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشئ لانه يكون قد سجل على نفسه بانها صادقة فيما تدعى راجع: معجم البلدان لياقوت الحموى، اعيان الشيعة للسيد الامين، فدك في التاريخ للسيد الصدر، فتوح البلدان للبلاذرى، شرح النهج لابن ابى الحديد. (*)

[ 121 ]

لم تمنعني ميراثي من ابى رسول الله صلى الله عليه واله واخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى ؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم ايمن، فقالت له ام ايمن: لا اشهد يا ابا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، انشدك بالله ألست تعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ” ام ايمن امرأة من اهل الجنة (1) ” فقال: بلى. قالت ” فاشهد: أن الله عزوجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه واله ” وآت ذا القربى حقه ” (2)


(1) ام ايمن: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضته.. اسمها بركة بنت ثعلبة ابن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتين إلى ارض الحبشة، والى المدينة، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في احد تسقى الماء وتداوى الجرحى. وكان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبها يا امه ويقول: ” هي امى بعد امى ” وكان إذا نظر إليها يقول ” هذه بقية اهل بيتى “. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ” روت عن النبي صلى الله عليه وآله وعنها انس بن مالك وحنش بن عبد الله الصنعانى وابو يزيد المدنى “. وكنيت بابنها ايمن بن عبيد وهى ام اسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعد عبيد الحبشى. قيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (ع) فصارت للنبى صلى الله عليه وآله ميراثا وقيل انها كانت لامه صلى الله عليه وآله وروى انها كانت لاخت خديجة فوهبتها للنبى صلى الله عليه وآله فلما تزوج من خديجة (ع) اعتقها. وفى الاصابة: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: ” من سره ان يتزوج امرأة من اهل الجنة فاليتزوج ام ايمن “.. وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري انها توفيت بعد النبي بخمسة اشهر. راجع الاصابة، تهذيب التهذيب، اعلام النساء، طبقات ابن سعد، البخاري قاموس الرجال، اعيان الشيعة. (1) قال الطبرسي في مجمع البيان: ” واخبرنا السيد أبو الحمد مهدى بن نزار الحسينى قراءة قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسكاني قال حدثنا الحاكم الوالد أبو محمد –

[ 122 ]

فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله، فجاء علي عليه السلام فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ماهذا الكتاب ؟ فقال: ان فاطمة عليها السلام ادعت في فدك، وشهدت لها ام ايمن وعلي عليه السلام، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها السلام تبكى، فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه السلام إلى أبى بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) فقال أبو بكر: هذا فيئ للمسلمين، فان اقامت شهودا أن رسول الله جعله لها والا فلا حق لها فيه، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا ابا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين. قال: لا. قال: فان كان في يد المسلمين شئ يملكونه، ثم ادعيت انا فيه من تسأل البينة ؟ قال: اياك اسئل البينة، قال: فما بال فاطمة سئلتها البينة على ما في يديها ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده، ولم تسئل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا، كما سئلتنى على ما ادعيت عليهم ؟ (1) فسكت أبو بكر فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك. فانا لا نقوى على حجتك، فان اتيت بشهود عدول، والا فهو فئ للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال امير المؤمنين عليه السلام يا ابا بكر تقرء كتاب الله ؟ قال: نعم. قال: اخبرني عن قول الله عزوجل: ” انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ” (2) فيمن


– قال حدثنا عبد الله عن عمر بن عثمان ببغداد شفاها قال: اخبرني عمر بن الحسن بن على بن مالك قال: حدثنا جعفر بن محمد الاحمسي قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو معمر سعيد بن خثيم وعلى بن القاسم الكندى ويحيى بن يعلى وعلى بن مسهر عن فضل بن مرزوق عن عطية العوفى عن ابى سعيد الخدرى قال: لما نزل قوله: (آت ذا القربى حقه ” اعطى رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فدكا. قال عبد الرحمن بن صالح كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك فكتب عبد الله بهذا الحديث رواه الفضل بن مرزوق عن عطية فرد المأمون فدكا إلى ولد فاطمة انتهى. (1) إذ انها عليها السلام كانت صاحبة اليد والمسلمون يمثلون دور المدعى. (2) روى محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: عن عمر بن ابى سلمة ربيب رسول

[ 123 ]

نزلت فينا ام في غيرنا ؟ قال: بل فيكم، قال: فلو ان شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله بفاحشة ماكنت صانعا بها ؟ قال كنت اقيم عليها الحد، كما اقيمة على نساء المسلمين، قال: اذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم قال: لانك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله، أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة اعرابي بائل على عقبيه عليها، واخذت منها فدكا، وزعمت انه فئ للمسلمين، وقد قال رسول الله ” ص “: البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه ” فرددت قول: رسول الله ” ص “: البينة على من ادعى، واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس وانكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: ” صدق والله علي بن ابى طالب عليه السلام ” ورجع إلى منزله. قال: ثم دخلت فاطمة المسجد، وطافت بقبر ابيها، وهي تقول: قد كان بعدك انباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (1) قد كان جبريل بالآيات يونسنا * فغاب عنا فكل الخير محتجب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذى العزة الكتب تجهمتنا رجال واستحف بنا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب


– الله صلى الله عليه وآله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله ” انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا – سورة الاحزاب آية: 33 ” في بيت ام سلمة رضى الله عنها فدعى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ثم قال: ” اللهم هؤلاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا “. قالت ام سلمة وانا معهم يارسول الله قال: ” انت على مكانك وانت على خير “. (1) في كشف الغمة ” ثم التفتت إلى قبر ابيها متمثلة بقول هند ابنة اثانة: قد كان بعدك ابناء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك لما غبت وانقلبوا

[ 124 ]

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بتهمال لها سكب قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه ثم قال: له أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم ؟ والله لئن قعد مقعدا اخر مثله ليفسدن علينا امرنا، فما الرأى ؟ فقال عمر: الرأى أن تأمر بقتله، قال: فمن يقتله ؟ قال: ” خالد بن الوليد ” (1).


(1) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشى المخزومى. قال ابن حجر: – في الاصابة – ” وشهد مع كفار قريش الحروب إلى غزوة الحديبية، كما ثبت في الصحيح: انه كان على خيل قريش طليعة، ثم اسلم في سنة سبع بعد خيبر وقيل قبلها، ووهم من زعم ان اسلم سنة خمسة “. وقال ابن الاثير – في اسد الغابة -: ” ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل فتح مكة. ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة بعثه إلى بنى جذيمة من بنى عامر بن لؤى فقتل منهم من لم يجز قتله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: ” اللهم انى ابرأ اليك مما صنع خالد “. فارسل مالا مع على بن ابى طالب – رضى الله عنه – فودى القتلى واعطاهم ثمن ما اخذ منهم حتى ثمن ميلغة الكلب، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك استحسنه. “.. و (قال) فيه ايضا: ” ثم ان ابا بكر امره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على قتال المرتدين منهم مسيلمة الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الاثر العظيم، و (منهم): مالك ابن نويرة من بنى يربوع من تميم وغيرهم الا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة فقيل: (انه قتل مسلما) لظن ظنه خالد به، وكلام سمعه منه، وانكر عليه أبو قتادة واقسم انه لا يقاتل تحت رايته، وانكر عليه ذلك عمر بن الخطاب.. “. و (قال) في اسد الغابة ايضا: – في ترجمة مالك بن نويرة – ” فلما فرغ خالد من بنى اسد وغطفان، سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به احدا كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث سرايا فاتى بمالك بن نويرة ونفر من قومه فاختلف السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة وكان فيمن شهد انهم اذنوا واقاموا وصلوا فحبسهم في ليلة باردة، وامر خالد فنادى: ادفئوا اسراكم – وهى في لغة كنانة: القتل – فقتلوهم

[ 125 ]

فبعثوا إلى خالد فأتاهما، فقالا: نريد أن نحملك على امر عظيم، قال: احملاني على ما شئتما، ولو على قتل علي بن ابى طالب، قالا: فهو ذلك، قال خالد: متى اقتله ؟ قال أبو بكر: احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة، فإذا سلمت فقم إليه واضرب عنقه، قال: نعم. فسمعت اسماء بنت عميس (1) وكانت تحت ابى بكر. فقالت: لجاريتها


– فسمع خالد الواعية، فخرج وقد قتلوا، فتزوج خالد امرأته، فقال عمر لابي بكر: سيف خالد فيه رهق واكثر عليه فقال أبو بكر: تأول فاخطا ولا اشيم سيفا سله الله على المشركين، وودى مالكا، وقدم خالد على ابى بكر، فقال له عمر: يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته لارجمنك “. (قال): ” وقيل ان المسلمين لما غشوا مالكا واصحابه ليلا، اخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمون، فقال اصحاب مالك: ونحن المسلمون، فقالوا لهم: ضعوا السلاح فوضعوه وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله، ان مالكا قال: ما اخال صاحبكم الا قال كذا فقال أو ما تعده لك صاحبا ؟ فقتله. فقدم متمم على ابى بكر، يطلب بدم اخيه وان يرد عليهم سبيهم فامر أبو بكر برد السبى، وودى مالكا من بيت المال، فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على انه لم يرتد. ” انتهى. وجعله أبو بكر واليا من قبله على الشام فلما ولى عمر الخلافة عزله ومات فيها بحمص في خلافة عمر. راجع (الاصابة لابن حجر، اسد الغابة لابن الاثير، ابن ابى الحديد ج 4 من شرح النهج، الاستيعاب). (1) اسماء بنت عميس الخثعمية: هي اخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله واخت لبابة زوج العباس بن عبد المطلب وام الفضل وعبد الله. هاجرت مع زوجها جعفر بن ابى طالب (ع) إلى الحبشة. ذكر ابن الاثير في (اسد الغابة): ” ان عمر بن الخطاب قال لها: نعم القوم لو لا اننا سبقناكم إلى الهجرة، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وآله فقال: بل لكم هجرتان: إلى ارض الحبشة والى المدينة ” واعقبت اسماء من جعفر بن ابى طالب الطيار –

[ 126 ]

اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهما السلام، واقرأيهما السلام، وقولي لعلي ” إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين ” فجائت فقال امير المؤمنين عليه السلام ” قولي لها: إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون “. ثم قام وتهيأ للصلاة، وحضر المسجد، وصلى خلف ابى بكر، وخالد بن الوليد يصلي بجنبه، ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد، ندم على ما قال وخاف الفتنة، وعرف شدة علي وبأسه، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم، حتى ظن الناس أنه قد سهى.


– في الجنان (ع) ثمانية بنين. وهم عبد الله، وعون، ومحمد الاكبر، ومحمد الاصغر، وعبد الله الاكبر، وعبد الله الاصغر، وحميد، وحسين. اما (محمد الاكبر) فقتل مع عمه امير المؤمنين (ع) بصفين. واما (عون) و (محمد الاصغر) فقتلا مع ابن عمهما الحسين عليه السلام يوم الطف واما (عبد الله الاكبر) فهو احد اجواد بنى هاشم الاربعة وهم: (الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وهو الرابع ” ع “). ولم يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غير هؤلاء الاربعة. ولد بارض الحبشة. وله في الجود اخبار كثيرة حتى لقب بقطب السخاء، حضر مع عمه صفين، وعقد له يوم الجمل على عشرة آلاف، وليس لجعفر عقب الا منه. فلما قتل جعفر بن ابى طالب (ع) تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيب على وربيب حجره وواليه على مصر، قتله معاوية بن ابى سفيان وللامام (ع) عند قتل محمد بن ابى بكر خطبة موجودة في النهج ولما مات أبو بكر، تزوجها امير المؤمنين ع فأولدت له يحيى باجماع، واختلف في عون بن على بن ابى طالب فقيل انه منها. وروى انها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فأولدت له بنتا اسمها امامة. في كشف الغمة: (عن اسماء بنت عميس قالت: اوصتني فاطمة ” ع ” ان لا يغسلها الا انا وعلى فغسلتها انا وعلى (ع) راجع: الاصابة، اسد الغابة، اعلام النساء ريحانة الادب، شرح النهج لابن ابى الحديد، كشف الغمة للاربلي، اعيان الشيعة.

[ 127 ]

ثم التفت إلى خالد، فقال: ” يا خالد لا تفعلن ما امرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته “. فقال امير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذى امرك به ؟ فقال امرني بضرب عنقك، قال: أو كنت فاعلا ؟ قال: اي والله، لو لا انه قال لي لا تقتله قبل التسليم لقتلتك. قال: فأخذه علي عليه السلام فجلد به الارض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر يقتله ورب الكعبة، فقال الناس، يا ابا الحسن الله الله، بحق صاحب القبر، فخلى عنه، ثم التفت إلى عمر، فأخذ بتلابيبه وقال: يابن صهاك والله لولا عهد من رسول الله، وكتاب من الله سبق، لعلمت اينا اضعف ناصرا واقل عددا ودخل منزله. رسالة لامير المؤمنين (ع) إلى ابى بكر لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء (ع) فدك. شقوا متلاطمات امواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطوا تيجان اهل الفخر بجميع اهل الغدر، واستضاؤا بنور الانوار، واقتسموا مواريث الطاهرات الابرار، واحتقبوا (1) ثقل الاوزار، بغصبهم نحلة النبي المختار، فكأني بكم تترددون في العمى، كما يتردد البعير في الطاحونة اما والله لو اذن لى بما ليس لكم به علم لحصدت رؤسكم عن اجسادكم كحب الحصيد، بقواضب من حديد، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما اقرح به اماقكم، واوحش به محالكم، فاني – مذ عرفت – مردى العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمل ضوضائكم، وجرار الدوارين إذ انتم في بيوتكم معتكفون، واني لصاحبكم بالامس، لعمر ابي وامي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة، وانتم تذكرون احقاد بدر، وثارات احد، أما والله لو قلت ما سبق الله فيكم، لتداخلت اضلاعكم في اجوافكم،


(1) احتقبوا: حملوا على ظهورهم.

[ 128 ]

كتداخل اسنان دوارة الرحى، فان نطقت يقولون حسدا، وان سكت فيقال ابن أبى طالب جزع من الموت، هيهات هيهات ! الساعة يقال لى هذا ؟ ! وانا المميت المائت، وخواض المنايا في جوف ليل حالك، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومنكس الرايات في غطامط الغمرات (1)، ومفرج الكربات عن وجه خير البريات، ايهنوا فوالله لابن أبى طالب انس بالموت من الطفل إلى محالب امه هبلتكم الهوابل (2) لو بحت بما انزل الله سبحانه في كتابه فيكم، لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة (3) ولخرجتم من بيوتكم هاربين، وعلى وجوهكم هائمين، ولكني اهون وجدى حتى القى ربي، بيد جذاء صفراء من لذاتكم، خلو من طحناتكم، فما مثل دنياكم عندي الا كمثل غيم علا فاستعلا ثم استغلظ فاستوى، ثم تمزق فانجلا، رويدا فعن قليل ينجلى لكم القسطل (4) وتجنون ثمر فعلكم مرا، وتحصدون غرس ايديكم ذعافا ممقرا (5) وسما قاتلا وكفى بالله حكيما، وبرسول الله خصيما، وبالقيامة موقفا، فلا ابعد الله فيها سواكم، ولا اتعس فيها غيركم، والسلام على من اتبع الهدى. فلما أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا، وقال: يا سبحان الله ما اجرأه علي وانكله عن غيرى. معاشر المهاجرين والانصار تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله صلى الله عليه واله، فقلتم: أن الانبياء لا يورثون، وان هذه اموال يجب ان تضاف إلى


(1) غطامط: عظيم الامواج والغمرات جمع غمرة وهى: الشدة وغمرة الشئ شدته ومزدحمه (2) هبلت فلانا امه: ثكلته فهى هابل. (3) الارشية جمع رشاء: وهو حبل الدلو. والطوى السقاء الذى يجعلون فيها الماء. (4) القسطل: الغبار الساطع في الحرب. (5) الذعاف: السم الذى يقتل من ساعته – والممقر: المر.

[ 129 ]

مال الفئ، وتصرف في ثمن الكراع والسلاح، وابواب الجهاد، ومصالح الثغور فامضينا رأيكم، ولم يمضه من يدعيه، وهو ذا يبرق وعيدا، ويرعد تهديدا، ايلاء بحق محمد صلى الله عليه واله أن يمضحها (1) دما ذعافا، والله لقد استقلت منها فلم اقل واستعزلتها عن نفسي فلم اعزل، كل ذلك كراهية منى لابن ابى طالب، وهربا من نزاعه، مالى ولابن ابى طالب أهل نازعه أحد ففلج (2) عليه ؟ فقال: له عمر أبيت أن تقول الا هكذا ؟ فانت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان الله ما اهلع (3) فؤادك، واصغر نفسك، قد صفيت لك سجالا (4) لتشربها فأبيت الا ان تظمأ كظمائك، وانخت لك رقاب العرب، وثبت لك الاشارة والتدبير ولو لا ذلك لكان ابن أبى طالب قد صير عظامك رميما، فاحمد الله على ما قد وهب لك مني، واشكره على ذلك، فانه من رقى منبر رسول الله صلى الله عليه واله كان حقيقا عليه ان يحدث لله شكرا، وهذا علي بن أبى طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماءها الا بعد كسرها، والحية الرقشاء التي لا تجيب الا بالرقي، والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت الا مرا، قتل سادات قريش فابادهم، وألزم اخرهم العار ففضحهم، فطب عن نفسك نفسا، ولا تغرنك صواعقه، ولا يهولنك رواعده وبوارقه، فاني اسد بابه قبل ان يسد بابك، فقال له أبو بكر: ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من اغاليطك وتربيدك، فوالله لو هم ابن ابى طالب بقتلي وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، وما ينجينا منه الا احدى ثلاث خصال: احديها: انه وحيد ولا ناصر له، والثانية انه ينتهج فينا وصية رسول الله صلى الله عليه واله، والثالثة: انه ما من هذه القبائل احد الا وهو يتخضمه (5) كتخضم الثنية الابل أوان الربيع، فتعلم لو لا ذلك لرجع الامر إليه وان كنا له كارهين، اما ان هذه الدنيا اهون إليه من


(1) وفى نسخة يمضخها. (2) فلج عليه: فاز. (3) الهلع: الجبن عند اللقاء. (4) السجال جمع سجل وهو: دلو عظيم فيه ماء. (5) في بعض النسخ ” يتهضمه كتهضم “.

[ 130 ]

لقاء احدنا للموت، انسيت له يوم احد ؟ وقد فررنا باجمعنا، وصعدنا الجبل، وقد احاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من اوساطهم، فلما ان سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم، ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: ” يا الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ” ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على ام رأسه فبقي على فك واحد ولسان، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، ومر السيف يهوى في جسده فبراه ودابته بنصفين: ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم جراثيم جمودا على تلعة من الارض، يتمرغون في حسرات المنايا، يتجرعون كؤوس الموت، قد اختطف ارواحهم بسيفه، ونحن نتوقع منه اكثر من ذلك، ولم نكن نضبط من انفسنا من مخافته حتى ابتدئت منك إليه التفاتة، وكان منه اليك ما تعلم، ولولا انه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين، وهو قوله تعالى “: ولقد عفا عنكم (1) ” فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله ؟ فانه لا يجسر على ذلك، ولو رام لكان اول مقتول بيده، فانه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا هيبوا، وإذا غضبوا ادموا، ولاسيما علي بن ابى طالب عليه السلام نابها الاكبر، وسنامها الاطول، وهامتها الاعظم، والسلام على من اتبع الهدى.


(1) آل عمران / 152.

[ 131 ]

احتجاج فاطمة الزهراء (ع) على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة في الامامة. روى عبد الله بن الحسن (1) باسناده عن آبائه عليهم السلام: انه لما اجمع (2) أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك (3)..


(1) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن على بن ابى طالب عليه السلام. في عمدة الطالب وانما سمى المحض لان اباه الحسن بن الحسن عليه السلام وامه فاطمة بنت الحسين (ع) وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله. وكان شيخ بنى هاشم في زمانه، وقيل له: بما صرتم افضل الناس، قال: لان الناس كلهم يتمنون ان يكونوا منا ولا نتمنى ان نكون من احد. وقال أبو الفرح الاصفهاني – في مقاتل الطالبيين – عند ذكر من قتل ايام ابى جعفر المنصور وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمدا وابراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن واخوته وجماعة من اهل بيته بالمدينة ثم احضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس إلى ان قال وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابى طالب عليه السلام، يكنى ابا محمد. إلى ان قال: وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية، وهو ابن خمس وسبعين، سنة خمس واربعين ومائة. وفى معجم البلدان: والهاشمية ايضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى ان قال وبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن ابى طالب رضى الله عنه ومن كان معه من اهل بيته. (2) اجمع: احكم النية والعزيمة. (3) قال ابن أبى الحديد في شرح النهج: قال أبو بكر – يعنى: الجوهرى – فحدثني محمد بن زكريا قال: حدثنى حعفربن محمد بن عمارة الكندى قال: حدثنى أبى عن الحسين بن صالح بن حى قال حدثنى رجلان من بنى هاشم عن زينب بنت على بن ابى طالب ” ع “. قال: وقال جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن ابيه. قال أبو بكر: وحدثني عثمان بن عمران العجيفى عن نائل بن نجيح بن عمير بن –

[ 132 ]

لاثت خمارها (1) على رأسها، واشتملت بجلبابها (2)، واقبلت في لمة (3) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (4)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه واله (5) حتى دخلت على أبى بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم (6) فنيطت دونها ملاءة (7) فجلست ثم انت انة اجهش (8) القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم امهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما امسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام: الحمد لله على ما انعم، وله الشكر على ما الهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن اولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء امدها، وتفاوت عن الادراك ابدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق باجزالها، وثنى بالندب إلى امثالها، واشهد ان لا اله الا الله


– شمر عن جابر الجعفي عن أبى جعفر محمد بن على ” ع “. قال أبو بكر: وحدثني احمد بن محمد بن زيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن ابيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة.. الخ (1) اللوث: الطى والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولانت خمارها لفته والخمار بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لان الرأس يخمر بها أي يغطى. (2) الاشتمال بالشئ جعله شاملا ومحيطا لنفسه – والجلباب: الرداء والازار (3) في لمة: أي جماعة وفى بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعة قليلة والحفدة بالتحريك: الاعوان والخدم. (4) أي ان اثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشى وفى بعض النسخ تجر ادراعها والمعنى واحد. (5) الخرم بضم الخاء وسكون الراء الترك، والنقص، والعدول. (6) الحشد: الجماعة. (7) نيطت: علقت وناط الشئ علقه: والملاءة الازار. (8) اجهش القوم: تهيئوا.

[ 133 ]

وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وانار في التفكر معقولها، الممتنع من الابصار رؤيته، ومن الالسن صفته، ومن الاوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شئ كان قبلها، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، الا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، واظهارا لقدرته، تعبدا لبريته واعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته، وحياشة (1) لهم إلى جنته، واشهد ان ابى محمدا عبده ورسوله اختاره قبل ان ارسله، وسماه قبل ان اجتباه، واصطفاه قبل ان ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الاهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلى الامور، واحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع الامور ابتعثه الله اتماما لامره، وعزيمة على امضاء حكمه، وانفاذا لمقادير حتمه، فرأى الامم فرقا في اديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لاوثانها، منكرة لله مع عرفانها فانار الله بابى محمد صلى الله عليه واله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها (2)، وجلى عن الابصار غممها (3)، وقام في الناس بالهداية، فانقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وايثار، فمحمد صلى الله عليه واله من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الابرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبى نبيه، وامينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم التفتت إلى اهل المجلس وقالت: انتم عباد الله نصب امره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وامناء الله على انفسكم، وبلغائه إلى الامم، زعيم حق له فيكم، وعهد


(1) حاش الابل: جمعها وساقها. (2) بهمها: أي مبهماتها وهى المشكلات من الامور. (3) الغمم: جمع غمة وهى: المبهم والملتبس وفى بعض النسخ ” عماها “.

[ 134 ]

قدمه اليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به اشياعه، قائدا إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الايمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة: تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للاخلاص، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وامامتنا: امانا للفرقة والجهاد: عزا للاسلام، والصبر، معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف: مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الارحام: منساة في العمر (1) ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهى عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجس واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: ايجابا بالعفة، وحرم الله الشرك اخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون، واطيعوا الله فيما امركم به ونهاكم عنه، فانه انما يخشى الله من عباده العلماء. ثم قالت ايها الناس اعلموا: اني فاطمة وابى محمد صلى الله عليه واله اقول عودا وبدوا، ولا اقول ما اقول غلطا، ولا افعل ما افعل شططا (2) لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم (3) حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم. فان تعزوه (4) وتعرفوه: تجدوه ابى دون نسائكم، واخا ابن عمي دون رجالكم (5)


(1) منساة للعمر: مؤخرة. (2) شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شئ. (3) عنتم: انكرتم وجحدتم. (4) تعزوه: تنبوة (5) سيأتي قول النبي لعلى انت اخى وحديث المؤاخاة.

[ 135 ]

ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة (1) مائلا عن مدرجة المشركين (2) ضاربا ثبجهم (3) اخذا باكظامهم (4) داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الاصنام (5) وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (6) واسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين (7) وطاح وشيظ النفاق (8) وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الاخلاص (9) في نفر من البيض الخماص (10) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب (11) ونهزة الطامع (12) وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام (13) تشربون الطرق (14)


(1) صادعا: الصدع هو الاظهار: والنذارة بالكسر الانذار وهو الاعلام على وجه التخويف. (2) المدرجة: هي المذهب والمسلك. (3) ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشئ ومعظمه. (4) اكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق. (5) يجف الاصنام: في بعض النسخ ” يكسر الاصنام ” وفى بعضها ” يجذ ” أي يكسر. (6) تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح. (7) شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهى: شئ كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج. (8) طاح: هلك. والوشيظ السفلة والرذل من الناس. (9) كلمة الاخلاص: كلمة التوحيد. (10) البيض الخماص: المرد بهم اهل البيت عليهم السلام. (11) مذقة الشارب: شربته. (12) نهزة الطامع: بالضم – الفرصة أي محل نهزته. (13) قبسة العجلان: مثل في الاستعجال. وموطئ الاقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة. (14) الطرق: بالفتح ماء السماء الذى تبول به الابل وتبعر.

[ 136 ]

وتقتاتون القد (1) اذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه واله، وبعد أن مني ببهم (2) الرجال وذؤبان العرب، ومردة اهل الكتاب، كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان (3) أو فغرت فاغرة من المشركين (4) قذف أخاه في لهواتها (5) فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها باخمصه (6) ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في امر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا، كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وانتم في رفاهية من العيش، وادعون (7) فاكهون (8) آمنون، تتربصون بنا الدوائر (9) وتتوكفون الاخبار (10) وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى اصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق (11) وسمل جلباب الدين (12) ونطق كاظم الغاوين (13) ونبغ خامل


(1) القد: بكسر القاف وتشديد الدال – سير بقد من جلد غير مدبوغ. (2) بهم الرجال: شجعانهم. (3) نجم: ظهر، وقرن الشيطان امته وتابعوه. (4) فغرفاه: أي فتحه، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم. (5) قذف: رمى، واللهوات بالتحريك: – جمع لهات -: وهى اللحمة في اقصى شفة الفم. (6) ينكفئ: يرجع، والاخمص مالا يصيب الارض من باطن القدم. (7) وادعون: ساكنون (8) فاكهون: ناعمون (9) الدوائر: صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا. (10) تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا. (11) في بعض النسخ ” حسيكة ” وحسكة النفاق عداوته. (12) وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الازار. (13) الكظوم: السكوت.

[ 137 ]

الاقلين (1) وهدر فنيق المبطلين (2) فخطر في عرصاتكم (3) واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم (4) فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، واحشمكم فألفاكم غضابا (5) فوسمتم غير ابلكم (6) ووردتم غير مشربكم (7) هذا والعهد قريب والكلم رحيب (8)، والجرح لما يندمل (9) والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وانى تؤفكون، وكتاب الله بين اظهركم، اموره ظاهرة، واحكامه زاهرة واعلامه باهرة، وزواجره لايحة، واوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون ” * ” ؟ ام بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا الا ريث أن تسكن نفرتها (10) ويسلس قيادها (11) ثم اخذتم تورون وقدتها (12) وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، واطفاء انوار الدين الجلي


في بعض النسخ ” تدبرون “. (2) الخامل: من خفى ذكره وكان ساقطا لانباهة له. (2) الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الابل الذى لا يركب ولا يهان. (3) خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه. (4) مغرزه: أي ما يختفى فيه تشبيها له بالقنفذ فانه يطلع رأسه بعد زوال الخوف (5) أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه. (6) الوسم اثر الكى. (7) الورود: حضور الماء للشرب. (8) الكلم بالضم: الجرح، الرحب بالضم: السعة. (9) أي لم يصلح بعد. (10) نفرتها: نفرت الدابة جزعت وتباعدت. (11) يسلس: يسهل. (12) أي: لهبها.

[ 138 ]

واهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء (1) وتمشون لاهله وولده في الخمرة والضراء (2) ويصير ” * ” منكم على مثل حز المدى (3) ووخز السنان في الحشاء، وانتم الان تزعمون: أن لا إرث لنا، افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ ! أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته. ايها المسلمون أغلب على ارثي ” * ” ؟ يابن ابى قحافة أفي كتاب الله ترث اباك ولا ارث ابى ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول: ” وورث سليمان داود ” (4) وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: ” فهب لى من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب (5) ” وقال: ” واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله (6) ” وقال: ” يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين (7) ” وقال: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين (8) وزعمتم: ان لا حظوة (9) لى ولا ارث من أبى، ولارحم بيننا، افخصكم الله بآية اخرج ابى منها ؟ ام هل تقولون: أن اهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست انا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم


وفى بعض النسخ ” يصير “. ” * ” في بعض النسخ ” ارثه “. (1) الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا، والارتغاء: هو شرب الرغوة وهى اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره. (2) الخمر بالفتح: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجر الملتف بالوادي. (3) الحز: القطع، والمدى، السكاكين. (4) النمل: 16. (5) مريم: 6. (6) الانفال: 75. (7) النساء: 11. (8) البقرة 180. (9) الحظوة: المكانة.

[ 139 ]

انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة (1) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ثم رمت بطرفهانحو الانصار فقالت: يا معشر النقيبة واعضاد الملة (2) وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي (3) والسنة عن ظلامتي (4) ؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ابي يقول (المرء يحفظ في ولده) ؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا اهالة (5) ولكم طاقة بما احاول، وقوة على ما اطلب وازاول، أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله ؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه (6) وانفتق رتقه، واظلمت الارض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، واكدت (7) الامال، وخشعت الجبال، واضيع الحريم، وازيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لامثلها نازلة، ولابائقة (8) عاجلة، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في افنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في افنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، والحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم


في بعض النسخ ” رنت “. (1) مخطومة: من الخطام بالكسر وهو: كل ما يدخل في انف البعير ليقاد به والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس. (2) النقيبة: الفتية. (3) الغميزة: – بفتح الغين المعجمة والزاى – ضعفة في العمل. (4) السنة بالكسر: النوم الخفيف. (5) إهالة: بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا اهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشئ قبل وقته. (6) وهنه الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع. (7) اكدت: قل خيرها. (8) بائقة: داهية.

[ 140 ]

فصل، وقضاء حتم: ” وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين ” (1) ايها بني قيلة (2) ءأهضم تراث ابي ؟ وانتم بمرئ مني ومسمع، ومنتدى (3) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وانتم ذوو العدد والعدة، والاداة والقوة وعندكم السلاح والجنة (4) توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وانتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الامم، وكافحتم ” * ” البهم، لانبرح أو تبرحون (5) نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الاسلام، ودر حلب الايام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الافك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين (6) فأنى حزتم بعد البيان ؟ واسررتم بعد الاعلان ؟ ونكصتم بعد الاقدام ؟ واشركتم بعد الايمان ؟ بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم، وهموا باخراج الرسول، وهم بدؤكم اول مرة، اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين ألا وقد أرى أن قد اخلدتم إلى الخفض (7) وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة (8) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذى تسوغتم (9) فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا


وفى بعض النسخ ” كالحتم “. (1) آل عمران: 144. (2) بنو قيله: قبيلتا الانصار: الاوس والخزرج. (3) المنتدى المجلس. (4) الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح. (5) لانبرح: لانزال. (6) استوشق: اجمتع. (7) اخلدتم: ملتم. والخفض: السعة والخصب واللين. (8) الدعة: الراحة والسكون. (9) الدسغ: القئ وتسوغ الشراب شربه بسهولة.

[ 141 ]

فان الله لغنى حميد. ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (1) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة (2) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة (3) الظهر نقبة الخف (4) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الابد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الافئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون. وأنا ابنة نذير لكم بين يدى عذاب شديد فاعلموا انا عاملون، وانتظروا انا منتظرون. فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان. وقال: يا بنت رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا اليما، وعقابا عظيما، ان عزوناه وجدناه اباك دون النساء، واخا إلفك دون الاخلاء (5) آثر على كل حميم، وساعده في كل امر جسيم، لا يحبكم الا سعيد، ولا يبغضكم الا شقي (6) بعيد فانتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير ادلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وانت ياخيرة النساء، وابنة خير الانبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك،


(1) الجذلة: ترك النصر، خامرتكم خالطتكم. (2) الخور: الضعف، والقناة الرمح. والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة. (3) فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير اصابته الدبرة بالتحريك وهى جراحة تحدث من الرحل. (4) نقب خف البعير رق وتثقب. (5) الالف: هو الاليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة وفى بعض النسخ ” ابن عمك “. (6) في ذخائر العقبى: – لمحب الدين الطبري – قال: قال رسول الله ” ص ” ” لايحبنا اهل البيت الا مؤمن تقى، ولا يبغضنا الا منافق شقى ” اجره الملا.

[ 142 ]

والله ما عدوت رأى رسول الله، ولاعملت الا باذنه، والرائد لا يكذب اهله، واني اشهد الله وكفى به شهيدا، أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولى الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه ” (1) وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك باجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأى عندي (2) وهذه حالى ومالى، هي لك وبين يديك، لاتزوى عنك،


(1) نقل الامام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين ” قدس سره ” في كتابه الجليل ” النص والاجتهاد ” عن الاستاذ المصرى المعاصر محمود أبو رية ما يلي ” ” قال “: بقى امر لابد ان نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف ابى بكر من فاطمة رضى الله عنها بنت رسول الله ” ص ” وما فعل معها في ميراث ابيها، لانا إذا سلمنا بان خبر الاحاد الظنى يخصص الكتاب القطعي، وانه قد ثبت أن النبي ” ص ” قد قال: انه لا يورث. وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فان ابا بكر كان يسعه ان يعطى فاطمة رضى الله عنها بعض تركة ابيها ” ص ” كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذى ليس يعارضه فيه احد، إذ يجوز للخليفة ان يخص من يشاء بما يشاء. ” قال “: وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي ” ص ” على ان فدكا هذه التى منعها أبو بكر لم تلبث ان اقطعها الخليفة عثمان لمروان، هذا كلامه بنصه. ثم اعقب السيد ” ره ” قائلا: ونقل ابن ابى الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد ابيها ” ص ” قالوا في آخره: ” وقد كان الاجل ان يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله ” ص ” فضلا عن الدين ” فذيله ابن ابى الحديد بقوله: ” هذا الكلام لاجواب عنه ” النص والاجتهاد ص 123 – 124 (2) خطر ببالى وانا افكر في قول الخليفة: ” وذلك باجماع المسلمين لم انفرد به ” –

[ 143 ]

ولاندخر دونك، وانك وانت سيدة امة ابيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع


– وقوله في آخر الحديث الذى تفرد بنقله عن النبي ” ص ” ” وما كان لنا من طعمة فلولى الامر ان يحكم فيه بحكمه ” نعم خطر ببالى وانا افكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه ام من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذى استنكرته الصديقة الطاهرة ” ع ” واعتبرته كذبا وزورا وافتراء على الرسول ” ص ” اعتلالا منهم لما اجمعوا على الغدر بذريته كما اعتبرته طعنا في عصمته ” ص ” لو صدر ذلك منه. واسمع ذلك كله في جوابها لابي بكر: ” سبحان الله، ماكان ابى رسول الله ” ص ” عن كتاب الله صادقا، ولا لاحكامه مخالفا، بل كان يتبع اثره، ويقفوا سوره، افتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته ” ثم ان كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الانبياء اكراما لمقام ابيها ” ص ” وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم اولا في اعطائه اياها. نعم خطر ببالى وانا اجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن ادريس من قصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء ” ع ” والتى يقول في اولها: ما لعيني غاب عنها كراها * وعراها من عبرة ما عراها الدار نعمت فيها زمانا * ثم فارقتها فلا اغشاها إلى ان يقول: بل بكائى لمن خصها * الله تعالى بلطفه واجتباها وحباها بالسيدين الجليل‍ * – ين العظمين منه حين حباها ولفكرى في الصاحبين اللذين * استحسنا ظلمها وما راعياها منعا بعلها من الحل والعق‍ * – د وكان المنيب والا واها والتى يقول فيها: واتت فاطم تطالب بالار ث * من المصطفى فما ورثاها إلى ان قال – وهو محل الشاهد منها -: اترى المسلمين كانوا يلومو * نهما في العطاء لو اعطياها كان تحت الخضراء بنت نبى * ناطق صادق امين سواها بنت من ؟ أم من ؟ حليلة من ؟ *…. من سن ظلمها واذاها

[ 144 ]

مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك واصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداى فهل ترين ان اخالف في ذلك اباك صلى الله عليه واله فقالت عليها السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه واله عن كتاب الله صادفا (1) ولا لأ لاحكامه مخالفا ! بل كان يتبع اثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل (2) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب (3) ويقول: وورث سليمان داود (4) وبين عزوجل فيما وزع من الاقساط، وشرع من الفرائض والميراث، واباح من حظ الذكران والاناث، ما ازاح به علة المبطلين، وازال التظنى والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، انت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا ابعد صوابك، ولا انكر خطابك هؤلاء المسلمون بينى وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم اخذت ما اخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت: معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (5) المغضية على الفعل القبيح الخاسر افلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما اسأتم من اعمالكم، فاخذ بسمعكم وابصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان باورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.


(1) صادفا معرضا. (2) الغوائل: المهالك. (3) سورة مريم: 6 (4) سورة النمل: 16 (5) في بعض النسخ ” قبول الباطل “.

[ 145 ]

ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه واله وقالت: قد كان بعدك انباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب وكل اهل له قربى ومنزلة * عند الاله على الادنين مقترب ابدت رجال لنا نجوى صدورهم (1) * لما مضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الارض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذى العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يونسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب (2) ثم انكفئت عليها السلام، وامير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لامير المؤمنين عليه السلام: يابن أبى طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الاجدل (3) فخانك ريش الاعزل (4) هذا ابن ابي قحافة يبتزنى نحلة أبى وبلغة (5) ابني ! لقد اجهد (6) في خصامى، والفيته الد في كلامي (7) حتى حبستنى قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، اضرعت خدك (8) يوم اضعت حدك


(1) النجوى: السر. (2) الكثب – بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل. (3) قوادم الطير: مقادم ريشه وهى عشرة – والاجدل: الصقر. (4) الاعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران. (5) يبتزنى: يسلبني والبلغة ما يتبلغ به من العيش. (6) في بعض النسخ ” اجهر ” (7) الفيته: وجدته، والالد: شديد الخصومة. (8) ضرع: خضع وذل.

[ 146 ]

إفترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا اغنيت طائلا (1) ولا خيار لى، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا (2) ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد، ووهن العضد (3) شكواي إلى أبي ! وعدواي (4) إلى ربي ! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا، واشد بأسا وتنكيلا. فقال امير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك (5) ثم نهنهى عن وجدك (6) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (7) عن دينى، ولا اخطأت مقدورى (8) فان كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما اعد لك اضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وامسكت. وقال سويد بن غفلة: (9) لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي


(1) أي ما فعلت شيئا نافعا، وفى بعض النسخ (ولا اغنيت باطلا): أي كففته (2) العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذرى، وعاديا، متجاوزا. (3) الوهن: الضعف في العمل أو الامر أو البدن. (4) العدوى: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك. (5) الشانئ: المبغض (6) أي كفى: عن حزنك وخففى من غضبك. (7) ماكللت ولا ضعفت ولا عييت (8) ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لما اوصاني به الرسول ” ص “. (9) قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقى: انه من اولياء امير المؤمنين عليه السلام. انتهى وفى اسد الغابة ” ادرك الجاهلية كبيرا واسلم في حياة رسول ” ص ” ولم يره، وادى صدقته إلى مصدق النبي ” ص ” ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي ” ص ” وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة..،

[ 147 ]

توفيت فيها (1) دخلت عليها نساء المهاجرين والانصار يعدنها، فقلن لها: كيف اصبحت من علتك يا بنت رسول الله ؟ فحمدت الله، وصلت على ابيها، ثم قالت: اصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد ان عجمتهم (2) وسئمتهم بعد ان سبرتهم (3) فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفات وصدع القناة، وختل الآراء (4) وزلل الاهواء، وبئس ما قدمت لهم انفسهم: أن سخط الله عليهم، وفى العذاب هم خالدون. لاجرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم اوقتها (5) وشننت عليهم غاراتها (6) فجدعا، وعقرا وبعدا، للقوم الظالمين. ويحهم انى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الامين، والطبين بأمور الدنيا (7) والدين ؟ ! ألا ذلك هو الخسران المبين ! وما الذى نقموا من ابى الحسن عليه السلام ؟ ! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته


– وفى تهذيب ” ادرك الجاهلية وقد قيل انه صلى مع النبي ” ص ” ولا يصح وقدم المدينة حين نفضت الايدى من دفن رسول الله ” ص ” وهذا أصح.. إلى ان قال: قال ابن معين والعجلي: ثقة.. وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وغير واحد مات سنة احدى وثمانين وقال عمرو بن على وغيره مات سنة 88 (1) قال ابن أبى الحديد في المحلد الرابع من شرحه على النهج ” قال أبو بكر وحدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبى عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن امه فاطمة بنت الحسين ” ع ” قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ” ص ” الوجع وثقلت في علتها دخلت عليها.. الخ (2) لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد ان عجمتهم: أي بعد ان اختبرتهم وامتحنتهم (3) سئمتهم: مللتهم، وسبرتهم: جريتهم واختبرتهم واحدا واحدا. (4) ختل الاراء: زيفها وخداعها (5) اوقتها: ثقلها (6) شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة (7) الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شئ.

[ 148 ]

لحتفه، وشدة وطأته، ونكال (1) وقعته، وتنمره في ذات الله (2) وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا (3) لا يكلم حشاشه (4) ولا يكل سائره (5) ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا واعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أن اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض، ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ! الا هلم فاسمع ؟ ! وما عشت اراك الدهر عجبا ! وان تعجب فعجب قولهم !.. ليت شعرى إلى أي اسناد استندوا ؟ ! والى اي عماد اعتمدوا ؟ ! وبأية عروة تمسكوا ؟ ! وعلى اية ذرية اقدموا واحتنكوا (6) لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم (7) والعجز بالكاهل (8) فرغما لمعاطس (9) قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا. ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. ويحهم أفمن يهدى إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدى الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون ؟ ! أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا (10) وزعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون غب (11) ما اسس الاولون، ثم طيبوا عن دنياكم


(1) النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان (2) تنمر: عبس وغضب (3) سجحا: سهلا (4) كلمه: جرحه (5) يكل: يتعب (6) احتنكه: استولى عليه (7) الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه (8) العجز: مؤخر الشئ، والكاهل: مقدم اعلى الظهر مما يلى العنق (9) المعطس: الانف (10) القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطرى (11) الغب: المعاقبة ؟ ؟

[ 149 ]

انفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم ! وانى بكم وقد عميت عليكم ! انلزمكموها وانتم لها كارهون. قال سويد بن غفلة فاعادت النساء: قولها عليها السلام على رجالهن فجاء إليها: قوم من المهاجرين والانصار متعذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا لامر قبل ان يبرم العهد، ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت عليها السلام: إليكم عني فلا عذر بعد تعذير كم، ولا امر بعد تقصيركم احتجاج سلمان الفارسى رضى الله عنه (1) في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله على القوم لما تركوا أمير المؤمنين (ع) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس سلمان الفارسي


(1) أبو عبد الله سلمان الفارسى أو المحمدى ويلقب ايضا بسلمان الخير اصله من رامهرمز وقيل من اصفهان من بلدة يقال لها: جى. كان من اوصياء عيسى عليه السلام، وهذا هو السبب الذى جعل امير المؤمنين عليه السلام يحضر عنده بالمدائن حين حضرته الوفاة، ويتولى تغسيله بيده الشريفة، إذ أن الوصي لا يغسله الا وصى مثله. هرب سلمان عليه السلام من فارس لان اهلها كانوا يعبدون النار وصادف ذلك سفر قافلة إلى الشام فذهب معها، ونزل بحمص وكان يجتمع بالقسس والرهبان ويجادلهم في الدين برهة من الزمن. ثم صحب جماعة من التجار وسار معهم قاصدا مكة المكرمة ليحظى بالتشرف بحضرة النبي الامي وصحبته، وكان سلمان عليه السلام يعلم انه سيبعث من هناك لانه كما مر كان –

[ 150 ]

رحمة الله عليه، بعد أن دفن النبي صلى الله عليه واله بثلاثة ايام، فقال فيها:


– من اوصياء عيسى ” ع “. واعتدى عليه هؤلاء الذين سار بصحبتهم واساءوا الصحبة فانتهبوا ماكان عنده واسروه ثم باعوه من يهودى في المدينة على انه رق. وبقى عند ذلك اليهودي إلى ان هاجر النبي ” ص ” إلى المدينة وكان سلمان ” ع ” كاتب ذلك اليهودي على ان يدفع له مبلغا من المال ليحرره من الرق، فاعانه رسول الله ” ص ” على ذلك فتحرر. ولما زحف الجيش بقيادة ابى سفيان – لقتل النبي ” ص ” واصحابه وهدم المدينة على اهلها، في غزوة الاحزاب – اشار سلمان بحفر الخندق، فقال أبو سفيان لما رآه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وكان إذا قيل له ابن من انت ؟ يقول انا سلمان بن الاسلام، انا من بنى آدم. وقد روى عن رسول الله ” ص ” من وجوه انه قال: لو كان الدين في الثريا لناله سلمان، وفي رواية اخرى لناله رجل من فارس وروى عنه ” ص ” انه قال: ” ان الله يحب من اصحابي اربعة – فذكره منهم ” وقال ” ص “: ” ثلاثة تشتاق إليهم الحور العين: على، وسلمان، وعمار ” وعن انس بن مالك قال: قال رسول الله ” ص “: ” انا سابق ولد آدم، وسلمان سابق اهل فارس “. وعنه ايضا: سمعت رسول الله ” ص ” يقول: ” ان الجنة تشتاق إلى اربعة: على وسلمان، وعمار، والمقداد “. ودخل ذات يوم مجلس رسول الله ” ص ” فوجد وجهاء قريش فتخطاهم وجلس في صدر المجلس، فغلى الدم في عروقهم، وقال له بعضهم: ” من انت حتى تتخطانا ؟ ” وقال له آخر: ” ما حسبك ونسبك ؟ ! “. قال سلمان انا ابن الاسلام، كنت عبدا فاعتقني الله بمحمد ” ص ” ووضيعا فرفعني بمحمد ” ص ” وفقيرا فأغناني بمحمد ” ص ” فهذا حسبى ونسبي. فقال رسول الله ” ص “: صدق سلمان، صدق سلمان، من اراد ان ينظر إلى رجل نور الله قلبه بالايمان، فلينظر إلى سلمان.

[ 151 ]

ألا يا ايها الناس: اسمعوا عنى حديثى، ثم اعقلوه عني، ألا وانى اوتيت علما كثيرا، فلو حدثتكم بكل ما اعلم من فضايل امير المؤمنين عليه السلام، لقالت طائفة منكم: هو مجنون، وقالت طائفة اخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان، الا ان لكم منايا، تتبعها بلايا، الا وان عند علي عليه السلام، علم المنايا، والبلايا، وميراث الوصايا وفصل الخطاب، واصل الانساب، على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهما السلام إذ يقول له رسول الله صلى الله عليه واله: انت وصيى في اهل بيتي، وخليفتي في امتي، وانت مني بمنزلة هارون من موسى، ولكنكم اخذتم سنة بنى اسرائيل، فأخطأتم الحق فانتم تعلمون ولا تعلمون، أما والله لتركبن طبقا عن طبق، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة اما والذى نفس سلمان بيده: لو وليتموها عليا لاكلتم من


– وتنافس المهاجرون والانصار كل يقول: ” سلمان منا ” فقال رسول الله ” ص ” ” بل سلمان منا اهل البيت “. وروى عن أبى الأسود الدؤلى قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا امير المؤمنين ” ع ” حدثنا عن سلمان “. قال ” ع “: من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذلك امرؤ منا اهل البيت ادرك العلم الاول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الاول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف. ولى المدائن في عهد عمر بن الخطاب، وكان يسف الخوص وهو امير عليها ويبيعه ويأكل منه، ويقول: لا احب ان آكل الا من عمل يدى. وتوفى في المدائن سنة 36، وقيل 37، وقيل بل 33. ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك ؟ قال: عهد عهده الينا رسول الله ” ص ” قال: ” ليكن بلاغ احدكم كزاد الراكب ” فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا الا اكافا ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما. راجع صفة الصفوة ج 1 ص 210 تهذيب التهذيب ج 4 ص 137 اسد الغابة ج 2 ص 328 تنقيح المقال ج 2 ص 45 وكتاب نفس الرحمان في اخبار سلمان والمجلد الرابع من ابن ابى الحديد وكتاب مع علماء النجف الاشرف.

[ 152 ]

فوقكم، ومن تحت اقدامكم، ولو دعوتم الطير لاجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار لاتتكم، ولما عال (1) ولي الله، ولا طاش لكم سهم من فرائص الله (2) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن ابيتم فوليتموها غيره فابشروا بالبلايا، واقنطوا من الرخاء، وقد نابذتكم على سواء، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء. عليكم بآل محمد عليهم السلام، فانهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها يوم القيامة. عليكم بأمير المؤمنين علي بن ابى طالب عليه السلام، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وامرة المؤمنين، مرارا جمة (3) مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به، ويؤكده علينا فما بال القوم ؟ عرفوا فضله فحسدوه، وقد حسد هابيل قابيل فقتله، وكفارا قد ارتدت امة موسى بن عمران، فأمر هذه الامة كامر بني اسرائيل، فأين يذهب بكم ايها الناس ويحكم ما لنا وابو فلان وفلان ؟ ! أجهلتم أم تجاهلتم ؟ ام حسدتم ام تحاسدتم ؟ والله لترتدن كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجى بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة، ألا واني اظهرت امرى، وسلمت لنبيى، واتبعت مولاى ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا امير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وامام الصديقين، والشهداء والصالحين.


(1) عال: افتقر. (2) طاش إليهم: مال عن الهدف. (3) جمة: كثيرة

[ 153 ]

احتجاج لابي بن كعب (1) على القوم مثل ما احتج به سلمان رضى الله عنه. عن محمد ويحيى (2 – 3) ابني عبد الله بن الحسن عن ابيهما عن جدهما عن علي بن ابى طالب عليه السلام قال، لما خطب أبو بكر قام إليه أبى بن كعب وكان يوم الجمعة اول يوم من شهر رمضان وقال:


(1) ابى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. عده الشيخ رحمه الله في رجاله بهذا العنوان من اصحاب رسول الله ” ص ” وقال يكنى ابا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحى آخى رسول الله ” ص ” بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله ” ص “. ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجال ابن داود، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته واخلاصه لاهل البيت.. وقال العلامة الطبا طبائى: انه من الاثنى عشر الذين انكروا على ابى بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله ” ص ” قال له، يا ابا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن اول من عصى رسول الله ” ص ” في وصيته، واول من صدف عن امره، ورد الحق إلى اهله تسلم، ولا تتمادى في غيك تستندم، وبادر بالانابة يخف وزنك، ولا تخصص بهذا الامر الذى لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما انت فيه، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد، وعن تقريب بن حجر متصلا بنسبه المذكور ما لفظه: الانصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، يكنى ابا الطفيل، ايضا من فضلاء الصحابة، مات في زمن عمر فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين، شهد العقبة مع السبعين. ج 1 ص 44 من رجال المامقانى. (2 – 3) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع) ذو النفس الزكية، ويكنى ابا عبد الله، وقيل ابا القاسم. ولد سنة (100) وقتل سنة (145). بايعه المنصور مع جماعة من بنى هاشم، فلما بويع لبنى العباس اختفى محمد وابراهيم –

[ 154 ]

يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، واثنى الله عليهم في القرآن


– مدة خلافة العباس، فلما ملك المنصور وعلم انهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبض على ابيهما كما مر ذلك في هامش ص 131. واتيا اباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من ان يقتل ثمانية، فقال لهما: ان منعكما أبو جعفر ان تعيشا كريمين فلا يمنعكما ان تموتا كريمين ولما عزم محمد على الخروج، واعد اخاه ابراهيم على الظهور في يوم واحد، وذهب محمد إلى المدينة، وابراهيم إلى البصرة، فاتفق ان ابراهيم مرض، فخرج اخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة، ولما خلص من مرضه وظهر اتاه خبر اخيه انه قتل وهو على المنبر فقال سأبكيك بالبيض الصفاح وبالقنا * فان بها ما يدرك الطالب الوترا ولست كمن يبكى اخاه بعبرة * يعصرها من ماء مقلته عصرا ولكن اروى النفس منى بغارة * تلهب في قطرى كتابتها جمرا وانا اناس لا تفيض دموعنا * على هالك منا وان قصم الظهرا ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض اصحابه فقال له، ويحك ! قد ظهر محمد فماذا ترى ؟ فقال: واين ظهر ؟ قال، بالمدينة، فقال: غلبت عليه ورب الكعبة، وقال: وكيف ؟ ! قال لانه خرج بحيث لا مال ولا رجال، فعالجه بالحرب فارسل إليه عيسى بن موسى بن على بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق اصحابه عنه حتى بقى وحده فلما احس بالخذلان دخل داره وامر بالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذى اثبت فيه اسماء الذين بايعوه فالقاه في التنور فاحترق ثم خرج فقاتل حتى قتل باحجار الزيت ومن هنا لقب بذى النفس الزكية لانه صدق عليه ماروى عن النبي ” ص ” انه قال: ” تقتل باحجار الزيت من ولدى نفس زكية “. راجع عمدة الطالب ص 89، ومقاتل الطالبيين ص 232. ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب ” ع “. ” صاحب الديلم ” الشهيد، ويكنى ابا الحسن، وامه قريبة بنت عبد الله. كان مقدما في اهل بيته، بعيدا مما يعاب على مثله. وقد روى الحديث واكثر الرواية عن جعفر بن محمد (ع) وروى عن ابيه وعن اخيه محمد راجع رجال ابن داود ص 139 مقاتل الطالبيين ص 337.

[ 155 ]

ويا معشر الانصار الذين تبوؤا الدار والايمان، واثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتم ام نسيتم، ام بدلتم، ام غيرتم، ام خذلتم، ام عجزتم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قام فينا مقاما اقام في عليا فقال: ” من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ومن كنت نبيه فهذا اميره ” ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ” يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدى كطاعتي في حياتي غير أنه لانبي بعدي ” ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ” اوصيكم باهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم، وامروهم ولا تأمروا عليهم ” ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال ” اهل بيتي منار الهدى، والدالون على الله ” ؟ أو لستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي عليه السلام: ” انت الهادى لمن ضل ” ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال ” علي المحيى لسنتي ” ومعلم امتي، والقائم بحجتي وخير من اخلف من بعدي، وسيد اهل بيتي، واحب الناس الي طاعته كطاعتي على امتي ” ؟ ألستم تعلمون أنه لم يول على علي احدا منكم وولاه في كل غيبته عليكم ؟ ألستم تعلمون انه كان منزلهما في اسفارهما واحدا وارتحالهما واحد ؟ ألستم تعلمون أنه قال: ” إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي ” ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليها السلام فقال لنا: ان الله اوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ اخا من اهلك فاجعله نبيا، واجعل اهله لك ولدا، اطهرهم من الافات، واخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون اخا، وولده أئمة لبني اسرائيل من بعده، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى، وأن الله تعالى اوحى إلى ان اتخذ عليا اخا، كما ان موسى اتخذ هارون اخا، واتخذ ولده ولدا، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون، الا اني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك ” فهم الائمة الهادية، أفما تبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون ؟ ! ضربت عليكم الشبهات، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد، حتى خشى أن يهلك، فلقى رجلا هاديا في الطريق، فسأله عن الماء، فقال له: أمامك عينان: احديهما مالحة، والاخرى


[ 156 ]

عذبة، فان اصبت المالحة ضللت، وان اصبت العذبة هديت ورويت، فهذا مثلكم ايتها الامة المهملة كما زعمتم، وايم الله ما اهملتم، لقد نصب لكم علم، يحل لكم الحلال، ويحرم عليكم الحرام، ولو اطعتموه ما اختلفتم، ولا تدابرتم، ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض، فوالله انكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلى الله عليه واله، وانكم على عترته لمختلفون، وان سئل هذا عن غير ما يعلم افتى برأيه، فقد ابعدتم، وتخارستم وزعمتم ان الخلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول الله تعالى جده (1): ” ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم (2) ” ثم اخبرنا باختلافكم، فقال سبحانه: ” ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم (3) ” أي: للرحمة وهم آل محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، والناس منها براء، فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم (4) عن وصيه علي بن أبي طالب وامينه، ووزيره، واخيه، ووليه، دونكم اجمعين. واطهركم قلبا، واقدمكم سلما واعظمكم وعيا، من رسول الله صلى الله عليه واله اعطاه تراثه، واوصاه بعداته، فاستخلفه على امته، ووضع عنده سره، فهو وليه دونكم اجمعين، واحق به منكم اكتعين (5) سيد الوصيين، ووصي خاتم المرسلين، افضل المتقين، واطوع الامة لرب العالمين سلمتم عليه بامرة المؤمنين، في حياة سيد النبيين، وخاتم المرسلين، فقد اعذر من انذر، وادى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا، ورأيتم كما رأينا، وشهدتم كما شهدنا. فقام إليه عبد الرحمن بن عوف، وابو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبى أصابك خبل ؟ أم بك جنة ؟ فقال: بل الخبل فيكم، والله كنت عند رسول الله صلى الله عليه واله يوما فالفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه، فقال فيما


(1) جده: عظمته. (2) آل عمران 105. (3) هود 118. (4) أي برجوعكم القهقرى. (5) اكتعين: كلكم.

[ 157 ]

يخاطبه: ما أنصحه لك ولامتك ! واعلمه بسنتك ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أفترى أمتى تنقاد له من بعدى ؟ قال: يا محمد يتبعه من امتك ابرارها، ويخالف عليهم من امتك فجارها، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك، يا محمد ان موسى بن عمران اوصى إلى يوشع بن نون، وكان أعلم بنى اسرائيل واخوفهم لله، واطوعهم له، فأمره الله عزوجل ان يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا، وكما امرت بذلك، فحسده بنو اسرائيل، سبط موسى خاصة، فلعنوه، وشتموه، وعنفوه، ووضعوا له، فان اخذت امتك سنن بني اسرائيل كذبوا وصيك، وجحدوا امرته، وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه، فقلت: يارسول الله من هذا ؟ فقال رسول لله صلى الله عليه واله: ” هذا ملك من ملائكة ربي عزوجل، ينبئني أن امتى تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه السلام، واني اوصيك يا أبي بوصية، ان حفظتها لم تزل بخير يا ابي عليك بعلي، فانه الهادى المهدى، الناصح لامتي، المحيى لسنتي، وهو امامكم بعدى، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي ومن غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي، عاصيا امرى، جاحدا لنبوتي، لااشفع له عند ربي، ولا اسقيه من حوضي ” فقامت إليه رجال من الانصار فقالوا: ” اقعد رحمك الله يا أبى، فقد اديت ما سمعت الذى معك ووفيت بعهدك “. احتجاج امير المؤمنين (ع) على أبى بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له. عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلام، قال: لما كان من امر أبى بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على ابى بكر، واحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم اياه امر الامة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه. أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا


[ 158 ]

الامر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الامة ولا قوة لى بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيرى فما لك تضمر علي ما لم استحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر الي بعين الشنآن ؟ قال: فقال امير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا اثقت بنفسك في القيام به ؟ ! قال: فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله: ” ان الله لا يجمع امتي على ضلال ” ولما رأيت اجماعهم اتبعت قول النبي صلى الله عليه واله، واحلت ان يكون اجماعهم على خلاف الهدى من ضلال، فاعطيتهم قود الاجابة، ولو علمت أن احدا يتخلف لامتنعت. فقال علي عليه السلام: اما ما ذكرت من قول النبي صلى الله عليه واله ” ان الله لا يجمع امتي على ضلال ” فكنت من الأمة ام لم اكن ؟ قال: بلى. قال: وكذلك العصابة الممتنعة عنك: من سلمان، وعمار، وابى ذر، والمقداد، وابن عبادة، ومن معه من الانصار. قال: كل من الأمة قال علي عليه السلام: فكيف تحتج بحديث النبي وامثال هؤلاء قد تخلفوا عنك ؟ ! وليس للامة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم الا بعد ابرام الامر، وخفت ان قعدت عن الامر ان يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستهم الي إن اجبتهم أهون مؤنة على الدين وابقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الابقاء عليهم وعلى اديانهم. فقال علي عليه السلام: أجل ولكن اخبرني عن الذى يستحق هذا الامر بما يستحقه ؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة، والوفاء، ودفع المداهنة، وحسن السيرة، واظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد، ثم سكت. فقال علي عليه السلام: والسابقة، والقرابة.


[ 159 ]

فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة. فقال علي عليه السلام: انشدك بالله يا ابا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في فقال أبو بكر: بل فيك يا ابا الحسن. قال: فانشدك بالله انا المجيب لرسول الله صلى الله عليه واله قبل ذكران المسلمين (1) ام انت ؟ قال: بل انت. قال عليه السلام: فانشدك بالله، انا صاحب الاذان لاهل الموسم والجمع الاعظم للامة بسورة براءة (2) ام انت ؟ قال: بل انت.


(1) في ” ذخائر العقبى “: عن زيد بن ارقم قال: ” كان اول من اسلم على بن ابى طالب “. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: ” على اول من اسلم بعد خديجة “. وذكر الحجة الاميني في ج 3 من كتاب الغدير ص 219 مائة حديث من طرق مختلفة، رواها ائمة الحديث وحفاظه، في ان عليا اول من اسلم. وروى محب الدين الطبري في ” ذخائر العقبى ” عن عمر بن الخطاب قال: ” كنت انا وابو عبيدة وابو بكر وجماعة، إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله منكب على بن ابى طالب فقال: ” يا على انت اول المؤمنين ايمانا، وانت اول المسلمين اسلاما، وانت منى بمنزلة هارون من موسى ” وبعد ان نقل عدة روايات في الموضوع اعقبها بقوله: وقد وردت احاديث في ان ابا بكر اول من اسلم وهي محمولة على انه اول من اظهر اسلامه، وعلى (ع) اول من بدر إلى الاسلام. ذخائر العقبى ص 58 (2) عن ابى سعيد وابى هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله ابا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان، سمع بغام ناقة علي، فعرفه فأتاه، فقال: ما شأنك ؟ فقال: خيرا، ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعثنى ببرائة. فلما رجعا، انطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله مالى ؟ قال: خيرا انت صاحبي في الغار، غير انه لا يبلغ عنى غيرى أو رجل منى يعنى عليا: اخرجه أبو حاتم.

[ 160 ]

قال: فانشدك بالله انا وقيت رسول الله صلى الله عليه واله بنفسي يوم الغار (1) ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه واله يوم الغدير (2) ام انت ؟ قال: بل انت


– وفى رواية عنده من حديث جابر: ان ابا بكر قال له: امير ام رسول ؟ فقال: بل رسول، ارسلني رسول الله صلى الله عليه وآله ببرائة اقرؤها على الناس في مواقف الحج. وفى رواية من حديث احمد عن على ان النبي صلى الله عليه وآله لما راجعه أبو بكر قال له: ” جبريل جائنى فقال: لن يؤدى عنك الا انت أو رجل منك ” عن ذخائر العقبى ص 96 وذكر الشيخ الاميني في ج 6 من الغدير ص 338 (73) مصدرا قدم لها بقوله: ” هذه الاثارة اخرجها كثير من ائمة الحديث وحفاظه بعدة طرق صحيحة يتأتى التواتر باقل منها، عند جمع من القوم، واليك امة ممن اخرجها،.. الخ (1) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما اراد الهجرة خلف على بن ابى طالب (ع) بمكة لقضاء ديونه ورد الودايع التى كانت عنده، وامره ليلة خرج إلى الغار – وقد احاط المشركون بالدار – ان ينام على فراشه، وقال له: ” اتشح ببردى الحضرمي الاخضر، فانه لا يخلص اليك منهم مكروه ان شاء الله تعالى، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل (ع): انى اخيت بينكما، وجعلت عمر احدكما اطول من عمر الاخر، فايكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عزوجل اليهما: افلا كنتما مثل على بن ابى طالب، آخيت بينه وبين نبيى محمد صلى الله عليه وآله فبات على فراشه، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الارض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس على وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادى: – خ – خ من مثلك يابن ابى طالب يباهى الله عزوجل به الملائكة ؟ ! فانزل الله عزوجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشر نفسه ابتغاء مرضات الله) اسد الغابة ج 4 ص 95 (2) مر في ص 66 من هذا الكتاب حديث الغدير كما اشير في الهامش إلى ما ذكره الحجة الاميني في الجزء الاول من (كتاب الغدير) من عدد رواته من الصحابة والتابعين ومن أئمة الحديث وحفاظه والاساتذة وما استعرضه من اسماء من الفو فيه من الفريقين –

[ 161 ]

قال فانشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم (1)


– كتبا مستقلة فبلغ عددهم (26) مؤلفا. وبالمناسبة احببنا ذكر ما نقله صاحب ينابيع المودة في ص 26 منه إذ قال: حكى العلامة على بن موسى، وعلى بن محمد ابى المعالى الجوينى الملقب بامام الحرمين، استاذ ابى حامد الغزالي يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه المجلد الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلى مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون. انتهى. وفى واقعة الغدير هذه يقول حسان بن ثابت – بعد ان استأذن النبي صلى الله عليه وآله فاذن له -: يناديهم يوم الغدير نبيهم * يخم واسمع بالنبي مناديا وقد جاء جبرئيل عن امر ربه * بانك معصوم فلاتك وانيا وبلغهم ما انزل الله ربهم * اليك ولا تخش هناك الاعاديا فقام به إذ ذاك رافع كفه * بكف على معلن الصوت عاليا فقال: فمن مولاكم ووليكم ؟ * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وانت ولينا * ولن تجدن فينالك اليوم عاصيا فقال له: قم يا على فانني * رضيتك من بعدى اماما وهاديا (فمن كنت مولاه فهذا وليه) * فكونوا له انصار صدق مواليا هناك دعا: اللهم وال وليه * وكن للذى عادى عليا معاديا فيا رب انصر ناصريه لنصرهم * امام هدى كالبدر يجلو الدياجيا ويقول – مشيرا إليها – قيس بن سعد بن عبادة: وعلى امامنا وامام لسوانا اتى به التنزيل يوم قال النبي: من كنت مو * لاه فهذا خطب جليل انما قاله النبي على الامة * حتم ما فيه قال وقيل (1) عن انس بن مالك: ان سائلا أتى المسجد وهو يقول: (من يقرض الملى الوفى) وعلى عليه السلام راكع، يقول بيده خلفه للسائل أي اخلع الخاتم من يدى قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمر وجبت. قال: بابى انت وامى يارسول الله، ما وجبت ؟

[ 162 ]

ام لك ؟ قال: بل لك. قال فانشدك بالله ألي الوزارة مع رسول الله صلى الله عليه واله والمثل من هارون من موسى (1) ام لك ؟ قال: بل لك.


– قال وجبت له الجنة والله وما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة قال: فما خرج احد من المسجد حتى نزل جبرئيل بقوله عزوجل: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). ذكر الاميني في ج 3 من الغدير ص (156 – 162) 66 طريقا ممن رواه من الحفاظ والثقاة من الرواة. ولحسان بن ثابت: ابا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهدى ومسارع ايذهب مدحى والمحبين ضايعا * وما المدح في ذات الأله بضائع فانت الذى اعطيت إذ انت راكع * فدتك نفوس القوم ياخير راكع بخاتمك الميمون ياخير سيد * وياخير شار ثم ياخير بايع فانزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرايع (1) ان قول النبي ” ص ” لعلى انت منى بمنزلة هارون من موسى قد تكرر منه ” ص ” في مناسبات شتى، ففى حديث تبوك عندما قال على ” ع ” يارسول الله تخلفنى في النساء والصبيان ؟ ! قال: أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لانبى بعدى. الصواعق المحرقة ص 119. وحين آخى النبي ” ص ” بين اصحابه. فقال على ” ع ” آخيت بين اصحابك ولم تؤاخ بينى وبين أحد فقال: والذى بعثنى بالحق نبيا ما اخرتك الا لنفسي فانت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى ينابيع المودة ص 56. وعن عبد الله بن عباس: سمعت عمر وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الاسلام فقال عمر: اما على فسمعت رسول الله ” ص ” يقول فيه ثلاث خصال، لوددت ان تكون لى واحدة منهن، وكانت احب إلى مما طلعت عليه الشمس، كنت انا وابو عبيدة وابو بكر وجماعة من اصحابه: إذ ضرب ” ص ” على منكب على رضي الله عنه فقال له –

[ 163 ]

قال فانشدك بالله أبي برز رسول الله صلى الله عليه واله وباهلي وولدي في مباهلة المشركين ام بك وباهلك وولدك (1) ؟ قال: بل بكم. قال فانشدك بالله ألي ولاهلي وولدى آية التطهير من الرجس ام لك ولاهل


– يا على انت اول المؤمنين ايمانا، واول المسلمين اسلاما، وانت منى بمنزلة هارون من موسى. شرح النهج لابن ابى الحديد ج 3 ص 258 وعن سعد بن ابى وقاص: ان النبي ” ص ” قال لعلى: ” انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى ” اخرجه البخاري ومسلم. ذخائر العقبى ص 63. وعن اسماء بنت عميس رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله ” ص ” يقول: ” اللهم انى اقول كما قال اخى موسى واجعل لى وزيرا من اهلي اخى عليا اشدد به ازرى واشركه في امرى كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ” اخرجه احمد في المناقب ذخائر العقبى ص 63 إلى غير ذلك من المواطن المتعددة. (1) وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين واخرج الحاكم وصححه وابن مردوية وابو نعيم في الدلائل عن جابر قال: قدم على النبي ” ص ” العاقب والسيد، فدعاهما إلى الاسلام، فقالا اسلمنا يا محمد فقال كذبتما ان شئتما اخبرتكما ما يمنعكما من الاسلام قالا فهات ؟ ! قال حب الصليب، وشرب الخمر، واكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله ” ص ” واخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين، ثم ارسل اليهما فابيا ان يجيباه واقرا له، فقال: والذى بعثنى بالحق لو فعلا، لا مطر الوادي عليهما نارا. قال جابر فيهم نزلت: ” تعالوا ندع ابنائنا ” الاية. قال جابر: ” انفسنا وانفسكم ” رسول الله ” ص ” وعلى و ” ابنائنا ” الحسن والحسين، و ” نسائنا ” فاطمة ورواه ايضا الحاكم من وجه آخر عن جابر وصححه. واخرج مسلم. والترمذي. وابن منذر. والحاكم. والبيهقي. عن سعد بن ابى وقاص قال: لما نزلت هذه الآية ” قل تعالوا ” دعا رسول الله ” ص ” عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: ” اللهم هؤلاء اهلي “. عن الفتح القدير للشوكاني في تفسير قوله تعالى: (تعالوا ندع)

[ 164 ]

بيتك (1) ؟ قال: بل لك ولاهل بيتك. قال فانشدك بالله انا صاحب دعوة رسول الله صلى الله عليه واله واهلي وولدي يوم الكساء ” اللهم هؤلاء اهلي اليك لا إلى النار (2) ” ام انت ؟ قال: بل انت واهلك وولدك قال فانشدك بالله انا صاحب آية ” يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره


(1) اخرج احمد عن ابى سعيد الخدرى انها نزلت في خمسة: النبي صلى الله عليه وآله وعلى وفاطمة. والحسن. والحسين. واخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ: انزلت هذه الآية في خمسة: في وفى على والحسن والحسين وفاطمة. واخرجه الطبراني ايضا. عن الصواعق المحرقة ” لابن حجر “: ص 141 وفى ينابيع المودة ص ” 107 “: حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطا عن عمر بن ابى سلمة ربيب النبي ” ص ” قال: نزلت ” انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ” في بيت ام سلمه، فدعى النبي ” ص ” عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء، ثم قال: ” اللهم هؤلاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” قالت ام سلمة. ” وانا معهم يا نبى الله ؟ ” قال: ” انت على مكانك وانت إلى خير “. وفى ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 22: عن انس بن مالك ان رسول الله ” ص ” كان يمر بباب فاطمة ستة اشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: ” الصلاة يا اهل بيتى – انما يريد الله – الآية “. اخرجه احمد وعن ابى الحمراء قال صحبت رسول الله ” ص ” تسعة أشهر فكان إذا اصبح اتى على باب على وفاطمة وهو يقول: ” يرحمكم الله – انما يريد الله – الآية “. اخرجه عبد بن حميد. (2) عن ام سلمة قالت: بينما رسول الله ” ص ” في بيته يوما إذ قالت الخادم: ” ان عليا وفاطمة بالسدة ” قالت: فقال لى: ” قومي فتنحى عن اهل بيتى، قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا، فدخل على وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فاخذ الصبيين فوضعهما في حجره وقبلهما واعتنق باحدى يديه عليا وفاطمة بالاخرى، وقبل فاطمة وقبل عليا، فاغدق عليهم خميصة سوداء، ثم قال: ” اللهم –

[ 165 ]

مستطيرا (1) ام انت ؟ قال: بل انت.


– اليك لا إلى النار انا واهل بيتى ” قالت: قلت وانا يارسول الله عليك، قال وانت. اخرجه احمد، وخرج الدولابى معناه مختصرا. عن ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 21 – 22 (1) ينابيع المودة ص 93 قال: ايضا الحموينى اخرجه عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا) قال: مرض الحسن والحسين رضى الله عنهما فعادهما جدهما صلى الله عليه وآله وعادهما بعض الصحابة، فقالوا: (يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك) فقال على رضى الله عنه: ان برأ ولداى مما بهما، صمت لله ثلاثة ايام شكرا الله، وقالت فاطمة رضى الله عنها مثل ذلك، وقالت جارية يقال لها فضة مثل ذلك، وقال الصبيان نحن نصوم ثلاثة ايام فالبسهما الله العافية:، وليس عندهم قليل ولا كثير، فانطلق على رضى الله عنه إلى رجل من اليهود يقال له: (شمعون بن حابا) فقال له: (هل تؤتينى جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة اصواع من شعير) قال: نعم فاعطاه، ثم قامت فاطمة رضى الله عنها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة اقراص لكل واحد منهم قرص وصلى على رضى الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب، ثم اتى فوضع الطعام بين يديه، إذ اتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم يا اهل بيت محمد ” ص ” انا مسكين اطعموني شيئا فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح. وفى الليلة الثانية اتاهم يتيم فقال: اطعموني فاعطوه الطعام، وفى الليلة الثانية اتاهم اسير فقال: اطعموني فاعطوه ومكثوا ثلاثة ايام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما ان كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم، اخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين رضى الله عنهم، واقبل نحوهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما ابصرهم صلى الله عليه وآله انطلق إلى ابنته فاطمة رضى الله عنها فانطلقوا إليها وهى في محرابها تصلى وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها – فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (واغوثاه اهل بيت محمد يموتون جوعا) فهبط جبرئيل عليه السلام فأقرأه: (هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) إلى آخر السورة وهذا الخبر مذكور –

[ 166 ]

قال فانشدك بالله انت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت ام انا (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الفتى نودى من السماء ” لا سيف الا ذو الفقار ولافتى


– في تفسير البيضاوى، وروح البيان، والمسامرة. اقول: وذكر الحجة الاميني في ج 3 من الغدير ص 107 – 111 من رواة هذا الحديث (34) طريقا فراجع. (1) جاء في ينابيع المودة ص 137 – 138. وفى كتاب الارشاد أن ام سلمة واسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وابا سعيد الخدرى وغيرهم من جماعة الصحابة (رض) قالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في المنزل فلما تغشاه الوحى توسد فخذ على فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، وصلى على صلاة العصر بالايماء، فلما افاق النبي صلى الله عليه وآله قال: (اللهم اردد الشمس لعلى فردت عليه الشمس حتى صارت في السماء وقت العصر، فصلى على العصر، ثم غربت. فأنشأ حسان بن ثابت: يا قوم من مثل على وقد * ردت عليه الشمس من غائب اخو رسول الله وصهره * والاخ لا يعدل بالصاحب قال الحجة الاميني: في ج 3 من الغدير ص (127): ان حديث رد الشمس اخرجه جمع من الحفاظ الاثبات، باسانيد جمة، صحح جمع من مهرة الفن بعضها، وحكم آخرون بحسن آخر، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه، وهم الابناء الاربعة حملة الروح الاموية الخبيثة ألا وهم: ابن حزم. ابن الجوزى. ابن تيمية. ابن كثير. وجاء آخرون من الاعلام وقد عظم عليهم الخطب بانكار هذه المأثرة النبوية، والمكرمة العلوية الثابتة فافردوها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها واسانيدها. وعد منهم (9) ثم قال: ولا يسعنا ذكر تلكم المتون وتلكم الطرق والاسانيد إذ يحتاج إلى تأليف ضخم يخص به غير انا نذكر نماذج ممن اخرجه من الحفاظ والاعلام بين من ذكره من غير غمز فيه، وبين من تكلم حوله وصححه، وفيها مقنع وكفاية وعد من ذلك (19) سندا فراجع.

[ 167 ]

الا علي ” (1) ام انا ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي حباك رسول الله صلى الله عليه واله برايته يوم خيبر، ففتح الله له ام انا (2) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي نفست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن


(1) وذلك في غزوة (احد) ذكر الطبري في ج 3 ص 17 عن عبيد الله بن ابى رافع قال: لما قتل على بن ابى طالب اصحاب الالوية ابصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلى: (احمل عليهم) فحمل عليهم ففرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحى قال: ثم ابصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلى: احمل عليهم، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك احد بنى عامر بن لؤى، فقال جبريل: يارسول الله ان هذا للمواسات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انه منى وانا منه فقال جبريل: وانا منكما: قال: فسمعوا صوتا: لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على واخرج ابن هشام في سيرته ج 3 ص 52 عن ابن ابى نجيح قال: نادى مناد من السماء لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على قال حسان بن ثابت: جبريل نادى معلنا * والنقع ليس بمنجلى والمسلمون قد احدقوا * حول النبي المرسل لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا على (2) عن سهل بن سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لاعطين غدا الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون ليلتهم ايهم يعطى. فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم يرجو ان يعطاها فقال صلى الله عليه وآله: اين على بن ابى طالب فقالو يشتكى عينيه يارسول الله صلى الله عليه وآله قال: فارسلوا إليه. فلما جاء بصق صلى الله عليه وآله في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع واعطاه الراية فقال على: يارسول الله اقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال: انفذ على رسلك –

[ 168 ]

عبدود ام انا (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذى ائتمنك رسول الله صلى الله عليه واله على رسالته إلى الجن (2) فأجابت ام انا ؟ قال: بل انت.


– حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم. اخرجه البخاري ومسلم. ذخائر العقبى (1) وكان عمرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى اثبتته الجراحة فلم يشهد يوم احد، فلما كان يوم الخندق، خرج معلما ليرى مكانه وقف هو وخيله قال من يبارز، فبرز له على بن ابى طالب فقال له: يا عمرو انك قد كنت عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش إلى احدى خلتين الا اخذتها منه، قال له: اجل. قال له على: فانى ادعوك إلى الله والى رسوله والى الاسلام قال: لا حاجة لى بذلك. قال: فانى ادعوك إلى النزال فقال له: لم يابن اخى ؟ فوالله ما احب ان اقتلك. قال له على: ولكني والله احب ان اقتلك فحمى عمرو عند ذلك، فاقحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم اقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله على رضى الله عنه. قال ابن اسحاق: وقال على بن ابى طالب رضوان الله عليه في ذلك: نصر الحجارة من سفاهة رأية * ونصرت رب محمد بصوابى فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن اثوابه ولو اننى * كنت المقطر بزنى اثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب (2) ج 6 بحار الانوار ص 315. عيون المعجزات من كتاب الانوار مسندا عن سلمان قال: كان النبي ” ص ” ذات يوم جالسا بالابطح وعنده جماعة من اصحابه وهو مقبل علينا بالحديث، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى ان وقفت بحذاء النبي ” ص ” ثم برز منها شحث كان فيها، ثم قال: يارسول الله ” ص ” انى وافد قوم وقد استجرنا بك فاجرنا، وابعث معى من قبلك من يشرف على قومنا فان بعضهم قد – (*)

[ 169 ]

قال فانشدك بالله انا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه بقول رسول


– بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه، وخذ على العهود والمواثيق المؤكدة ان ارده اليك في غداة غد سالما الا ان تحدث على حادثة من عند الله، فقال النبي ” ص “: من انت ومن قومك. ؟ قال: انا عطرفة بن شمراخ احد بنى نجاح، وانا وجماعة من اهلي كنا نسترق السمع فلما منعنا من ذلك آمنا ولما بعثك الله نبيا آمنا بك، على ما علمته وقد صدقناك وقد خالفنا بعض القوم، واقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم اكثر منا عددا وقوة، وقد غلبوا على الماء والمرعى، واضروا بنا وبدوا بنا، فابعث معى من يحكم بيننا بالحق، فقال له النبي ” ص “: فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التى انت عليها، قال: فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير، وإذا رأسه طويل، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، وله اسنان كأنها اسنان السباع، ثم ان النبي ” ص ” اخذ عليه العهد والميثاق على ان يرد عليه في غد من يبعث به معه، فلما فرغ من ذلك التفت إلى ابى بكر فقال: سر مع اخينا عطرفة وانظر إلى ما هم عليه، واحكم بينهم بالحق، فقال: يارسول الله واين هم ؟ قال: هم تحت الارض، فقال أبو بكر وكيف اطيق النزول تحت الارض ؟ وكيف احكم بينهم ولا احسن كلامهم ؟ ثم التفت إلى عمر بن الخطاب فقال له مثل قوله لابي بكر، فأجاب مثل جواب ابى بكر. ثم اقبل على عثمان وقال له مثل قولهما فاجابه كجوابهما. ثم استدعى عليا وقال له: يا على سر مع اخينا عطرفة، وتشرف على قومه، وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحق فقام امير المؤمنين مع عطرفة وقد تقلد سيفه، قال سلمان: فتبعتهما إلى ان صارا إلى الوادي فلما توسطاه نظر إلى امير المؤمنين ” ع ” وقال قد شكر الله تعالى سعيك يا ابا عبد الله فارجع، فوقفت انظر اليهما، فانشقت الارض ودخلا فيها ورجعت، وتداخلني من الحسرة ما الله اعلم به كل ذلك اشفاقا على امير المؤمنين واصبح النبي ” ص ” وصلى بالناس الغداة وجاء وجلس على الصفا وما زال يحدث اصحابه، إلى ان وجبت صلاة العصر واكثر القوم والكلام، واظهروا الياس من امير المؤمنين ” ع ” فصلى النبي ” ص ” صلاة العصر وجاء وجلس على الصفا، واظهر الفكر في امير المؤمنين ” ع ” وظهرت شماتة المنافقين بامير المؤمنين ” ع ” وكادت الشمس تغرب، فتيقن القوم انه قد هلك وإذا قد –

[ 170 ]

الله صلى الله عليه واله: ” خرجت انا وانت من نكاح لا من سفاح (1) من لدن آدم إلى


– انشق الصفا، وطلع امير المؤمنين ” ع ” منه، وسيفه يقطر دما، ومعه عطرفة، فقام إليه النبي وقبل بين عينيه وجبينه، وقال له: ما الذى حبسك عنى إلى هذا الوقت ؟ فقال عليه السلام: صرت إلى جن كثير قد بغوا على عطرفة وقومه من المنافقين، فدعوتهم إلى ثلاث خصال فابوا على، وذلك انى دعوتهم إلى الايمان بالله تعالى والاقرار بنبوته ورسالتك فابوا، فدعوتهم إلى اداء الجزية فابوا، فسألتهم ان يصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فابوا ذلك كله، فوضعت سيفى فيهم وقتلت منهم ثمانين الفا، فلما نظروا إلى ما حل بهم طلبوا الامان والصلح ثم آمنوا وزال الخلاف بينهم، وما زلت معهم إلى الساعة. فقال عطرفة يارسول الله جزاك الله وامير المؤمنين عنا خيرا. (1) ينابيع المودة ص 16 قال: ” وفي ” الشفاء وروى عن على كرم الله وجهه عنه ” ص ” في قوله تعالى: لقد جائكم رسول من انفسكم – قال: نسبا وصهرا وحسبا، ليس في آبائى من لدن آدم ” ع ” سفاح كلنا بنكاح “. وفى كنز العمال ج 6 ص 100 الحديث 1494. عن النبي ” ص ” قال في حديث له رواه البيهقى في الدلائل عن انس: ” وخرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى ابى وامى، فانا خيركم نسبا وخيركم انا ” والحديث 1495. منه ايضا عن عائشة عنه صلى الله عليه وآله. (خرجت من نكاح غير سفاح). والحديث 1497 عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله: (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح). والحديث 1498 في ص 101 منه عن على (ع): (خرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم إلى ان ولدنى ابى وامى، لم يصبنى من سفاح الجاهلية شئ). وفى ص 16 من ينابيع المودة: (وفى جمع الفوائد رفعه: خرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم إلى –

[ 171 ]

عبد المطلب ” ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة عليها السلام، وقال: ” الله زوجك اياها في السماء (1) ” ام انت ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول: ” هما سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما (2) ” ام انت ؟ قال: بل انت.


– ان ولدنى ابى وامى. للاوسط..) ابن عباس رفعه: ما ولدنى في سفاح الجاهلية شئ وما ولدنى الانكاح كنكاح الاسلام. للكبير. (1) ينابيع المودة ص 175 عن انس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فغشيه الوحى فلما افاق قال: يا انس اتدرى بما جائنى به جبرئيل من عند صاحب العرش عزوجل، قلت: بابى وامى بما جائك جبرائيل ؟ قال: قال جبرائيل: ان الله يأمرك ان تزوج فاطمة بعلى، فانطلق فادع لى ابا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ونفرا من الانصار، قال. فانطلقت فدعوتهم فلما ان اخذوا مقاعدم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود: بنعمته. وذكر الخطبة المشتملة على التزويج وفى آخرها: فجمع الله شملهما، واطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وامن الأمة ثم حضر على وكان غائبا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا على ان الله امرني ان ازوجك فاطمة (ع) وانى قد زوجتكها على اربعمائة مثقال فضة، فقال على قد رضيتها يارسول الله صلى الله عليه وآله ثم ان عليا خر لله ساجدا شكرا، فلما رفع رأسه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: بارك الله لكما، وبارك فيكما، واسعد جدكما، واخرج منكما الكثير الطيب قال انس: والله لقد اخرج الله منهما الكثير الطيب. اخرجه أبو على الحسن بن شاذان فيما نقله عنه الحافظ جمال الدين الزرندى في نظم درر السمطين وقد اورده المحب الطبري في ذخائره واخرجه أبو الخير القزويني الحاكمى، انتهى. (2) ابن ماجة عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله ” ص “: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، وابوهما خير منهما. (وفى الاصابة) مالك بن الحويرث الليثى قال: قال رسول الله ” ص “: الحسن –

[ 172 ]

قال فانشدك بالله اخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة ام اخي (1) ؟ قال: بل اخوك.


– والحسين سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما. ينابيع المودة ص 166 واخرج ابن عساكر عن على، وعن ابن عمر. – وابن ماجة والحاكم. عن ابن عمر. – والطبراني عن قرة، وعن مالك بن الحويرث. – والحاكم عن ابن مسعود. -: ان النبي ” ص ” قال: ابناى هذان الحسن، والحسين، سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما. الصواعق المحرقة ص 189 (1) هو جعفر بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، كنيته أبو عبد الله، ابن عم الرسول، واخو على بن ابى طالب لابويه، اسلم قديما بعد اسلام اخيه على بن ابى طالب بقليل. هاجر الهجرتين إلى ارض الحبشة – في الهجرة الثانية، مع زوجته اسماء بنت عميس – فاسلم النجاشي ومن تبعه على يديه، واقام جعفر عنده: ثم هاجر منها إلى المدينة فقدم والنبى ” ص ” بخيبر. – فقال النبي ” ص “: ما ادرى بايهما انا افرح بقدوم جعفر ام بفتح خيبر. وكان اشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا وقال له النبي ” ص “: ” اشبهت خلقي وخلقي “. مر أبو طالب ” ع ” فرأى النبي ” ص ” وعليا ” ع ” يصليان، وعلى عن يمينه فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك وصل عن يساره. استشهد بمؤتة من ارض الشام مقبلا غير مدبر مجاهدا للروم في حياة النبي ” ص ” سنة ثمان في جمادى الاولى. عن ابن عمر قال: وجد فيما اقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعين ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف.-

[ 173 ]

قال فانشدك بالله انا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بانجاز موعده ام انت (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انا الذي دعاه رسول الله صلى الله عليه واله والطير عنده يريد اكله يقول: ” اللهم ايتني باحب خلقك الي واليك بعدي يأكل معي من هذا الطير ” (2) فلم يأته غيري ام انت ؟ قال: بل انت.


– وعن انس بن مالك: ان النبي ” ص ” نعى جعفرا وزيدا نعاهما قبل ان يجئ خبرهما نعاهما وعيناه تذرفان. وكان اسن من على بعشرة سنين، فاستوفى اربعين سنة وزاد عليها. ودخل رسول الله ” ص ” لما اتاه نعى جعفر ” ع ” على امرأته اسماء بنت عميس ” ع ” فعزاها فيه، ودخلت فاطمة ” ع ” وهى تبكى وتقول: واعماه. فقال رسول الله ” ص ” ” على مثل جعفر فالتبك البواكي ” ودخله هم شديد حتى اتاه جبرئيل، فاخبره ان الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة. وقال ” ص “: رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة. وعن ابن عمر: انه ” ص ” كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يابن ذى الجناحين. راجع: الاصابة ج 1 ص 239 – 240، صفة الصفوة ج 1 ص 205 – 209 اسد الغابة ج 2 ص 286 – 289. (1) ينابيع المودة ص 105: ” وفى مسند احمد بسنده عن عباد بن عبد الله الاسدي عن على ” رض ” قال: لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين. جمع النبي ” ص ” اهل بيته، فاجتمع ثلاثون نفرا فاكلوا وشربوا ثلاثا، ثم قال لهم: من يضمن عنى دينى ومواعيدى يكون معى في الجنة ويكون خليفتي في اهلي، فقال على: انا يارسول الله ” ص “. ايضا الثعلبي ذكر هذا الحديث في تفسير هذه الآية. (2) عن انس بن مالك: اهدى لرسول الله ” ص ” طير فقال: ” اللهم ائتنى برجل يحبه الله ويحبه رسوله “. قال انس: فأتى على فقرع الباب، فقلت: ان رسول

[ 174 ]

قال فانشدك بالله انا الذي بشرني رسول الله صلى الله عليه واله بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين، على تأويل القرآن (1) ام انت ؟ قال: بل انت.


– الله ” ص ” مشغول، وكنت احب ان يكون رجلا من الانصار، ثم ان عليا فعل مثل ذلك، اتى الثالثة فقال رسول الله ” ص “: ادخله فقد عنيته. وفى مسند احمد بن حنبل بسنده عن سفينة مولى النبي ” ص ” قال: اهدت امرأة من الانصار طيرين مشويين بين رغيفين فقال النبي ” ص “: ” اللهم ايتنى باحب خلقك اليك والى رسولك، فجاء على فاكل معه من الطيرين حتى كفينا. اسد الغابة ج 4 ص 30 وفى المستدرك ج 3 ص 130 – 131 عن انس بن مالك ايضا قال: كنت اخدم رسول الله ” ص ” فقدم لرسول الله ” ص ” فرخ مشوى فقال: ” اللهم ايتنى باحب خلقك اليك يأكل معى من هذا الطير ” قال: فقلت اللهم اجعله رجلا من الانصار، فجاء على رضى الله عنه فقلت: ان رسول الله ” ص ” على حاجة، ثم جاء فقلت: ان رسول الله ” ص ” على حاجة ثم جاء فقال رسول الله ” ص ” افتح فدخل فقال رسول الله ” ص ” ما حبسك يا على ؟ فقال: ان هذه آخر ثلاث كرات يردنى انس، يزعم انك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت. فقلت يارسول الله سمعت دعائك فاحببت ان يكون رجلا من قومي فقال رسول الله ” ص ” ان الرجل قد يحب قومه. ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 320: وعن ابن مسعود ان رسول الله ” ص ” اتى منزل ام سلمة فجاء على فقال رسول الله ” ص “: يا ام سلمة هذا قاتل القاسطين. والناكثين، والمارقين، من بعدى. وفى ج 6 من كنز العمال ص 155 الحديث 2585: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. قيل أبو بكر وعمر ؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل – يعنى عليا. وفى مستدرك الحاكم ج 3 ص 122: عن ابى سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فانقطعت نعله فتخلف على يخصفها –

[ 175 ]

قال فانشدك بالله انا الذي دل عليه رسول الله صلى الله عليه واله بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله: ” على اقضاكم ” ام انت (1) ؟ قال بل انت.


– فمشى قليلا فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فاستشرف لهما القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: انا هو ؟ قال: لا قال عمر: انا هو ؟ قال: لا. ولكن خاصف النعل – يعنى عليا – فاتيناه فبشرناه، فلم يرفع به رأسه، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفيه الص 139 – 140 عن الاصبغ بن نباتة عن ابى ايوب الانصاري (رض) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلى بن ابى طالب تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات قال أبو ايوب: قلت يارسول الله مع من نقاتل هؤلاء الاقوام ؟ قال: مع على بن ابى طالب. (1) الاستيعاب ج 2 ص 461 وروى عن النبي ” ص ” انه قال: انا مدينة العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليأته من بابه – وقال ” ص ” في اصحابه: اقضاهم على بن ابى طالب – وقال عمر بن الخطاب: على اقضانا وأبى اقرؤنا وانا لنترك اشياء من قراءة ابى وايضا مرفوعا عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لهما أبو حسن، وقال في المجنونة التى امر برجمها، وفى التى وضعت لستة اشهر فاراد عمر رجمها فقال له على: ان الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الحديث. وقال له: ان الله رفع القلم عن المجنون الحديث. فكان عمر يقول: لولا على لهلك عمر وايضا ص 462 مرفوعا عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان مع احدهما خمسة ارغفة ومع الآخر ثلاثة ارغفة فلما وضعا الغذاء بين ايديهما مر بهما رجل فسلم فقالا: اجلس للغداء فجلس واكل معهما واستوفوا في اكلهم الارغفة الثمانية فقام الرجل وطرح اليهما ثمانية دراهم وقال: خذا هذا عوضا مما اكلت لكما ونلته من طعامكما فنزعا وقال صاحب الخمسة الارغفة لى خمسة دراهم ولك ثلاث فقال صاحب الثلاثة الارغفة لا ارضى الا ان تكون الدراهم بيننا –

[ 176 ]

قال فانشدك بالله انا الذي امر رسول الله صلى الله عليه واله اصحابه بالسلام عليه بالامرة في حياته ام انت (1) ؟ قال: بل انت.


– نصفين وارتفعا إلى امير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة الارغفة قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه اكثر من خبزك فارض بثلاثته فقال: لا والله لا رضيت منه الا بمر الحق. فقال على رضى الله عنه: ” ليس لك في مر الحق الادرهم واحد وله سبعة فقال الرجل: سبحان الله يا امير المؤمنين هو يعرض على ثلاثة فلم ارض، واشرت على باخذها فلم ارض. وتقول لى الآن انه لا يجب في مر الحق الادرهم واحد، فقال له على: ” عرض عليك صاحبك الثلاثة صلحا فقلت لم ارض الا بمر الحق، ولا يجب لك بمر الحق الا واحد ” فقال الرجل: فعرفني بالوجه في مر الحق حتى اقبله. فقال على رضى الله عنه: أليس للثمانية الارغفة اربعة وعشرون ثلثا، اكلتموها وانتم ثلاثة انفس ولا يعلم الاكثر منكم اكلا ولا الأقل، فتحملون في اكلكم على السواء قال: بلى. قال فاكلت انت ثمانية اثلاث وانما لك تسعة اثلاث، واكل صاحبك ثمانية اثلاث وله خمسة عشر ثلثا اكل منها ثمانية ويبقى له سبعة واكل لك واحدة من نسعة فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته. فقال له الرجل رضيت الآن. (1) في ص 125 من كتاب (اليقين في امرة امير المؤمنين ” ع “) قال: فيما نذكره من كتاب الرسالة الموضحة تأليف المظفر بن جعفر بن الحسين.. وهو ممن يروى عنه محمد بن جرير الطبري ننقل ذلك من خط مصنفه من الخزانة العتيقة بالنظامية ببغداد فقال ماهذا لفظه: (وعنه قال: حدثنا محمد بن همام عن علي بن العباس ومحمد بن الحسين بن حفص قالا: حدثنا اسماعيل بن اسحاق قال: حدثنا يحيى بن سالم عن صباح بن يحيى عن العلا بن المسيب عن ابى داود عن بريدة الاسلمي قال: كنا نسلم على علي بن ابى طالب (ع) بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله بامرة المؤمنين نقول: (السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته) ويرد علينا. وفى ج 9 من بحار الانوار ص 246 عن بريدة وعن يحيى بن سالم قالا: امرنا النبي صلى الله عليه وآله ان نسلم على على بامرة المؤمنين. وفيه ايضا عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن على عليهما السلام –

[ 177 ]

قال فانشدك بالله انا الذي شهدت آخر كلام رسول الله صلى الله عليه واله ووليت غسله ودفنه ام انت (1) ؟ قال: بل انت.


قال: (قال لى بريدة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ان نسلم على ابيك بامرة المؤمنين) وفيه ايضا عن عمرو بن حصيب اخى بريدة بن حصيب قال: بينا اخى بريدة عند النبي صلى الله عليه وآله إذ دخل أبو بكر فسلم على رسول الله فقال له: انطلق فسلم على امير المؤمنين، فقال: يارسول الله ومن امير المؤمنين ؟ قال: على بن ابى طالب (ع) قال: عن امر الله وامر رسوله. قال: نعم. ثم دخل عمر فسلم فقال انطلق فسلم على امير المؤمنين فقال يارسول الله ومن امير المؤمنين ؟ قال صلى الله عليه وآله: على ابن ابى طالب (ع) قال عن امر الله ورسوله قال: نعم. (1) في ذخائر العقبى ص 72 والرياض النضرة ج 2 ص 237. عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله – لما حضرته الوفاة – (ادعو لى حبيبي) فدعوا له ابا بكر. فنظر إليه ثم وضع رأسه فقال: (ادعو لى حبيبي) فدعوا له عمر فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: (ادعو لى حبيبي) فدعوا له عليا رضى الله عنه فلما رآه ادخله معه الثوب الذى كان عليه فلم يزل يحتضنه حتى قبض صلى الله عليه وآله – اخرجه الرازي وفيهما أيضا وفى ج 3 من المستدرك عن ام سلمة (رض) قالت: والذى احلف به ان كان على اقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله عدنا رسول الله صلى الله عليه وآله غداة بعد غداة يقول: (جاء على – مرارا – ؟) واظنه كان بعثه في حاجة فجاء بعد فظننت ان له حاجة فخرجنا من البيت وقعدنا عند الباب فكنت من ادناهم إلى الباب فاكب عليه على فجعل يساره ويناجيه ثم قبض صلى الله عليه وآله يومه ذلك فكان من اقرب الناس به عهدا. اخرجه الامام احمد. وفى ج 3 من المستدرك ص 111 عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لعلى اربع خصال ليست لاحد، هو اول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الذى كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذى صبر معه يوم المهراس، وهو الذى غسله وادخله قبره.

[ 178 ]

قال فانشدك بالله انت الذي سبقت له القرابة من رسول الله صلى الله عليه واله ام انا (1) ؟ قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت الذي حباك الله بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل واضفت محمدا فاطعمت ولده ام انا (2) قال: فبكى أبو بكر قال: بل انت.


(1) عن الشعبى: ان ابا بكر نظر إلى على بن ابى طالب فقال: من سره ان ينظر إلى اقرب الناس قرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله واعظمهم عنه غنا، واحظهم عنده منزلة، فلينظر واشار إلى على بن ابى طالب. خرجه ابن السمان. الرياض النضرة ج 2 ص 215 (2) اخرج الخوارزمي الحنفي في ص 224 من مناقبه، عن ابى هارون العبدى عن ابى سعيد قال: انقض على وفاطمة، فقالت له فاطمة ليس في الرحل شئ فخرج على يبتغى، قال: فوجد دينارا فعرفه فلم يجد له طالبا، ولم يصب شيئا، ورجع، فقالت له فاطمة، ما صنعت ؟ قال ما اصبت شيئا الا انى وجدت دينارا فعرفت حتى سئمت فلم اجد له طالبا باغيا، فقالت: هل لك في خير هل لك في ان نقترضه فنعتشى به، فإذا جاء صاحبه اعطيته دينارا، فانما هو دينار مكان دينار، فقال على (ع) افعل فاخذ الدينار واخذ وعاءا ثم خرج إلى السوق فإذا رجل عنده طعام يبيعه، فقال على (ع) كيف تبيع من طعامك هذا ؟ قال: كذا وكذا بدينار، فناوله على (ع) الدينار ثم فتح وعاء، وذهب ليقوم رد عليه الدينار وقال لتأخذنه والله، فاخذه ورجع إلى فاطمة فحدثها حديثه، فقالت فاطمة (ع) هذا رجل عرف حقنا وقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فاكلوه حتى انفذوه ولم يصيبوا ميسرة، فقالت له فاطمة ” ع “: هل لك في خير تستقرضه فنعتشى به مثل قولها الاول ؟ قال: افعل. فخرج إلى السوق فإذا صاحبه فقال له مثل قوله الاول، وفعل الرجل مثل فعله الاول، فرجع فاخبر فاطمة ” ع ” فدعت له مثل دعائها الاول، فاكلوا حتى انفذوا فلما كان الثالثة، قالت له فاطمة ان رد عليك الدينار فلا تقبله، فذهب على عليه السلام فوجده فلما كان له. ذهب يرده عليه، فقال له على ” ع ” والله لا آخذه فسكت عنه – قال أبو هارون: فقمت فانصرفت من عنده فمررت برجل من الانصار له صحبة –

[ 179 ]

قال فانشدك بالله انت الذي جعلك رسول الله صلى الله عليه واله على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شئت ان انال افق السماء لنلتها ام انا (1) ؟ قال بل انت


– يطين بيته، فسلمت عليه، فرد على وسايلنى، فقال ما حدثكم اليوم أبو سعيد ؟ فقلت حدثنا بكذا وكذا ؟ ! فقال الانصاري: من كان الذى اشترى منه على ” ع ” ! فقلت لا اعلم ! قال: كتمكم أبو سعيد ؟ ! قلت: ومن كان البايع ؟ قال: لما ذهب على ” ع ” إلى رسول الله ” ص ” قال له: يا على تخبرني أو اخبرك ؟ ! قال اخبرني يارسول الله قال صاحب الطعام جبرئيل، والله لو لا تحلف لوجدته مادام الدينار في يدك. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 265 – 266 عن على قال: انطلقت انا والنبى ” ص ” حتى اتينا للكعبة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وآله: اجلس وصعد على منكبي، فذهبت لانهض به فرأى منى ضعفا فنزل، وجلس لى نبى الله صلى الله عليه وآله وقال: اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه، قال: فتهض. قال فنخيل إلى ان لو شئت لنلت افق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفراء ونحاس فجعلت ازاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه. قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله: اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت، فانطلقت انا ورسول الله صلى الله عليه وآله نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية ان يلقانا احد من الناس. اخرجه احمد. وصاحب الصفوة. واخرجه الحاكمى وقال: – بعد قوله: فصعدت على الكعبة – فقال لى: الق صنمهم الاكبر وكان من نحاس موتد باوتاد من حديد إلى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عالجه فلم ازال اعالجه حتى استمكنت منه. فقال: اقذفه فقذفته. ثم ذكر باقى الحديث وزاد فما صعد حتى الساعة. انتهى. والى هذه المكرمة الجليلة يشير الامام الشافعي بقوله: قيل لى قل في على مدحا * ذكره يخمد نارا موصدة قلت لا اقدم في مدح امره * ضل ذو اللب إلى ان عبده والنبى المصطفى قال لنا * ليلة المعراج لما صعده وضع الله بظهري يده * فاحس القلب مما برده وعلى واضع اقدامه * في محل وضع الله يده

[ 180 ]

قال: فانشدك بالله أنت الذي قال لك رسول الله صلى الله عليه واله: ” أنت صاحب لواي في الدنيا والآخرة (1) ” ام انا ؟ قال: بل انت. قال فانشدك الله انت الذي امرك رسول الله صلى الله عليه واله بفتح بابه في مسجده عندما امر بسد ابواب جميع اهل بيته واصحابه واحل لك فيه ما احل الله له ام انا (2) قال: بل انت.


(1) في ذخائر العقبى ص 75 عن على قال: كسرت يد على ” رض ” يوم احد فسقط اللواء من يده فقال رسول الله ” ص ” ضعوه في يده اليسرى فانه صاحب لوائى في الدنيا والآخرة. اخرجه ابن الحضرمي. وعن مالك بن دينار سألت سعيد بن جبير واخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول لله ” ص ” ؟ قالوا: كان حاملها على ” رض “. اخرجه احمد في المناقب. وفى الرياض النضرة ج 2 ص 267 عن جابر قالوا: يارسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة ؟ قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة الا من كان يحملها في الدنيا ! على بن ابى طالب. اخرجه نظام الملك في اماليه. وفى ص 75 من ذخائر العقبى عن مخدوع الذهلى، ان النبي ” ص ” قال لعلى: اما علمت يا على انى اول من يدعى به يوم القيامة فاقوم عن يمين العرش في ظله، فاكسي حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين بعضهم على اثر بعض، فيقومون سماطين عن يمين العرش، وبكسون حللا خضراء من حلل الجنة ألا وانى اخبرك يا على: ان امتى اول الامم يحاسبون يوم القيامة ثم ابشرانك اول من يدعى بك لقرابتك منى، وميزتك ومنزلتك عندي فيدفع اليك لوائى وهو: ” لواء الحمد ” تسير به بين السماطين، آدم وجميع خلق الله تعالى مستظلون بظل لوائى يوم القيامة، فتسير باللواء، الحسن عن يمينك، والحسين عن يسارك، حتى تقف بينى وبين ابراهيم في ظل العرش، نعم الاب ابوك ابراهيم، ونعم الاخ اخوك يا على، ابشر يا على انك تكسى إذا كسيت، وتدعى إذا دعيت، وتحيى إذا حييت. اخرحه احمد في المناقب. (2) في ج 3 ص 125 من مستدرك الحاكم، وفى كنز العمال ج 6 ص 152 الحديث –

[ 181 ]

قال فانشدك بالله انت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله صلى الله عليه واله صدقة (1)


– 2465 عن زيد بن ارقم قال: كانت لنفر من اصحاب رسول الله ” ص ” ابواب شارعة في المسجد، فقال يوما سدوا هذه الابواب الا باب على قال: فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله ” ص ” فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اما بعد فانى امرت بسد هذه الابواب غير باب على فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن امرت بشئ فاتبعته. ثم قال، هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وفى الرياض النضرة ج 2 ص 253 – 254 عن ابى هريرة قال: قال عمر، ثلاث خصال لعلى لأن يكون لى خصلة منهن احب إلى من ان يكون لى حمر النعم: تزويجه فاطمة بنت النبي ” ص ” وسكناه في المسجد مع رسول الله ” ص ” والراية يوم خيبر. اخرجه ابن السمان في الموافقة. وعن ابى سعيد عنه قال: قال رسول الله ” ص “: يا على لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيرى وغيرك. وايضا عن ابن عمر قال: لقد اوتى ابن ابى طالب ثلاث خصال لأن يكون لى واحدة منهن احب إلى من حمر النعم: زوجه رسول الله ” ص ” ابنته وولدت له، وسد الابواب الا بابه في المسجد، واعطاه الراية يوم خيبر. اخرجه احمد. وفى كنز العمال ص 159 ح 6 الحديث 2670. عن ام سلمة لا يحل لاحد ان يجنب في هذا المسجد الا انا وعلى والحديث 2671 عن ابى سعيد: يا على لا يحل لاحد ان يجنب في هذا المسجد غيرك. (1) الرياض النضرة ج 2 ص 265 عن على عليه السلام: انه قال: آية في كتاب الله عزوجل لم يعمل بها احد بعدى: آية النجوى. كان لى دينار فبعته بعشرة دراهم، فلما اردت ان اناجي رسول الله ” ص ” قدمت درهما، فنسختها الآية الأخرى (ءأشفقتم – الآية) اخرجه ابن الجوزى في اسباب النزول قال الحافظ محمد بن احمد بن جزى الكلبى في كتاب التسهيل لعلوم التنزيل ص 105 ج 4: روى انه كان له دينارا فصرفه بعشرة دراهم وناجاه عشر مرات تصدق في كل مرة –

[ 182 ]

فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال: ” أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجويكم صدقات (1) ” ام انا قال: بل انت. قال فانشدك بالله انت قال رسول الله صلى الله عليه واله لفاطمة: ” زوجتك اول الناس ايمانا، وارجحهم اسلاما في كلام له ” ام انا (2) قال: بل انت.


– منها بدرهم وقيل بصدق في كل مرة بدينار. الخ. وفى تفسير القرطبى ج 17 ص 302 قال. وقد روى عن مجاهد: ان اول من تصدق في ذلك على بن ابى طالب رضى الله عنه وناجى الرسول صلى الله عليه وآله. روى انه تصدق بخاتم. وذكر القشيرى وقيره عن على بن ابى طالب انه قال: في كتاب الله آية ما عمل بها احد قبلى ولا يعمل بها احد بعدى، وهى: (يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة) كان لى دينار فبعته، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الاخرى (أأشفقتم ان تقدموا بين يدى نجواكم صدقات). كذلك قال ابن عباس: نسخها الله بالآية التى بعدها. وقال ابن عمر: لقد كانت لعلى رضى الله عنه ثلاث لو كانت لى واحدة منهن كانت احب إلى من حمر النعم، تزويجه فاطمة، واعطائه الراية يوم خيبر، وآية النجوى. (1) المجادلة، 13 (2) كنز العمال ج 6 ص 153 الحديث 2543 عن ابى هريرة وعن ابن عباس: اما ترضين انى زوجتك اول المسلمين اسلاما، واعلمهم علما، فانك سيدة نساء امتى كما سادت مريم قومها، اما ترضين يا فاطمة ان الله اطلع على اهلي الارض فاختار منهم رجلين فجعل احدهما اباك والاخر بعلك. وايضا الحديث 2542 عن معقل بن يسار: اما ترضين انى زوجتك اقدم امتى سلما واكثرهم علما، واعظمهم حلما. والحديث 2544 عن بريدة: زوجتك خير اهلي اعلمهم علما، وافضلهم حلما، واولهم سلما. والحديث 2545 عن ابى اسحاق: لقد زوجتكه وانه لاول اصحابي سلما، واكثرهم علما، واعظمهم حلما.

[ 183 ]

قال فانشدك بالله يا ابا بكر انت الذي سلمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب (1) ام انا ؟ قال: بل انت. قال: فلم يزل يورد مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه، ودون غيره، ويقول له أبو بكر: بل انت. قال: فبهذا وشبهه تستحق القيام بامور امة محمد، فما الذي غرك عن الله وعن


وفى ينابيع المودة ص 80 – 81. موفق بن احمد بسنده عن ابى ايوب الانصاري قال: ان فاطمة رضى الله عنها اتت في مرض ابيها صلى الله عليه وآله وبكت فقال: يا فاطمة ان لكرامة الله اياك زوجك من هو اقدمهم سلما، واكثرهم علما، واعظمهم حلما، ان الله عزوجل اطلع إلى اهل الارض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا، ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحى إلى ان ازوجه اياك واتخذه وصيا. (1) في ص 28 من تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزى: قال احمد في الفضائل -: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الاشعث، حدثنا اسحاق ابن ابراهيم النهشلي، حدثنا سعيد بن الصلت، حدثنا أبو الجارود الرحبى عن ابى اسحاق الهمداني عن الحرث عن على قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يستقى لنا من الماء ؟ فاحجم الناس، قال: فقمت فاحتضنت قربة، ثم اتيت قليبا بعيد القعر مظلما، فانحدرت فيه فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل واسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد صلى الله عليه وآله وحزبه، فهبطوا من السماء لهم دوى يذهل من يسمعه، فلما حاذوا القليب – وقفوا وسلموا على من عند آخرهم، اكراما، وتبجيلا وتعظيما وذكره ارباب المغازى وفى ذخائر العقبى ص 68 – 69 قال: لما كان ليلة يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يستقى لنا من الماء ؟ فاحجم الناس، فقام على فاحتضن قربة فاتى بئرا بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل وميكائيل واسرافيل، تأهبوا لنصر محمد صلى الله عليه وآله وحزبه فهبطوا من المساء لهم لغط يذهل من سمعه، فلما حاذوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما وتبجيلا.

[ 184 ]

رسوله ودينه وانت خلو مما يحتاج إليه اهل دينه. قال: فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا ابا الحسن انظرني قيام يومي فادبر ما انا فيه وما سمعت منك. فقال علي عليه السلام: لك ذلك يا ابا بكر. فرجع من عنده وطابت نفسه (1) يومه ولم يأذن لاحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي، فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله صلى الله عليه واله تمثل له في مجلسه فقام إليه أبو بكر يسلم عليه فولى عنه وجهه فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولى وجهه عنه، فقال أبو بكر: يارسول الله امرت بامر لم افعله ؟ فقال: رد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله ؟ رد الحق إلى اهله. فقلت: من اهله ؟ قال: من عاتبك عليه علي، قلت: فقد رددته عليه يارسول الله ثم لم يره. فاصبح وبكر (2) إلى علي عليه السلام وقال ابسط يدك يا ابا الحسن أبايعك وأخبره بما قد رأى، قال: فبسط علي يده فمسح عليها أبو بكر وبايعه وسلم إليه وقال له: اخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فاخبرهم بما رأيت من ليلتى وما جرى بيني وبينك، واخرج نفسي من هذا الامر واسلمه اليك، قال: فقال علي عليه السلام: نعم. فخرج من عنده متغيرا لونه عاتبا نفسه، فصادفه عمر وهو في طلبه، فقال له مالك يا خليفة رسول الله ؟ فاخبره بما كان وما رأى وما جرى بينه وبين علي، فقال: انشدك بالله يا خليفة رسول الله والاغترار بسحر بنى هاشم والثقة بهم فليس هذا باول سحر منهم، فما زال به حتى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه فيما هو، بالثبات عليه، والقيام به. قال: فأتى علي المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم احدا فأحس بشئ


(1) طاب عن الشئ نفسا: تركه وفارقه. (2) بكر: اتاه بكرة وسبق إليه في اول احواله.

[ 185 ]

منهم، فقعد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه واله قال: فمر به عمر، فقال: يا علي دون ما تريد خرط القتاد (1) فعلم عليه السلام بالأمر ورجع إلى بيته. احتجاج سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه حين كان عامله على المداين بعد حذيفة بن اليمان (2) بسم الله الرحمن الرحيم من سلمان مولى رسول الله صلى الله عليه واله إلى عمر بن الخطاب.


(1) القتاد: شجر صلب له شوك كالابر. وخرط القتاد: هو انتزاع قشره أو شوكه باليد يقال: (من دون ذلك خرط القتاد) أي انه لا ينال الا بمشقة عظيمة. (2) أبو عبد الله، حذيفة بن اليمان، واسم اليمان: حسل، اوحسيل وانما سمى باليمان لانه: اصاب دما فهرب إلى المدينة فحالف بنى عبد الاشهل، فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية. كان رحمه الله من كبار صحابة النبي ” ص ” هاجر إليه، فخيره النبي صلى الله عليه وآله بين الهجرة والنصرة، فاختار النصرة. وكان يقول: خيرنى رسول الله ” ص ” بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة. وشهد مع النبي ” ص ” احدا وقتل ابوه بها. وهو صاحب سر رسول الله ” ص ” في المنافقين. اعلمه بهم رسول الله ” ص ” وقد قيل ان عمر بن الخطاب كان إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فان حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وان لم يحضر الصلاة، لم يحضر عمر. وفى الصحيحين: ان ابا الدرداء قال لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر الذى لا يعلمه غيره ؟ يعنى حذيفة. وروى مسلم عن عبد الله بن يزيد الخطمى عن حذيفة قال: لقد حدثنى رسول الله ” ص ” ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة. وسأل يوما: أي الفتن اشد ؟ ان يعرض عليك الخير والشر لا تدرى ايهما تركب.

[ 186 ]

اما بعد: فانه أتاني منك كتاب يا عمر، تؤنبني (1) وتعيرني، وتذكر فيه: انك بعثتني اميرا على أهل المدائن، وامرتني أن اقص أثر حذيفة (2) واستقصي ايام اعماله وسيره، ثم اعلمك قبيحها، وقد نهاني الله عن ذلك يا عمر في محكم كتابه حيث قال: ” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب احدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ” (3) وما كنت لاعصي الله في أثر حذيفة واطيعك. واما ما ذكرت: أنى اقبلت على سف الخوص (4) وأكل الشعير، فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر لأكل الشعير وسف الخوص،


– وقال أبو ادريس الخولانى: سمعت حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله ” ص ” عن الخير وكنت اسأله عن الشر اخافة ان يدركنى. وعداده في الانصار وهو احد الاركان الاربعة من اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وممن صلى على سيدة النساء فاطمة، وحضر تشييعها. روى عن زرارة عن ابى جعفر عن ابيه عن جده عن على عليهم السلام قال: ضاقت الارض بسبعة، بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون. منهم سلمان الفارسى. والمقداد. وابوذر. وعمار. وحذيفة رحمهم الله بعالى وكان على عليه السلام يقول: وانا امامهم. استعمله عمر على المدائن، فلم يزل بها حتى مات بعد مقتل عثمان وبيعة امير المؤمنين عليه السلام باربعين يوما سنة ” 36 “. راجع: رجال الشيخ الطوسى ص 16، جامع الرواة ج 1 ص 182 رجال الكشى ص 27 اسد الغابة ج 1 ص 299، الاصابة ج 1 ص 316، صفة الصفوة ج 1 ص 249 تهذيب التهذيب ج 2 ص 219. (1) انبه: عنفه ولامه. (2) قص اثره: تتبعه شيئا فشيئا. (3) الحجرات: 12. (4) سف الخوص: نسجه.

[ 187 ]

والأستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب، وعن غصب مؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق، أفضل وأحب إلى الله عزوجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه واله إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه. وأما ما ذكرت: من اعطائي فانى قدمته ليوم فاقتي وحاجتي، ورب العزة يا عمر، ما أبالى إذا جاز طعامي لهواتى وانساغ (1) في حلقى، لباب البر ومخ المعزة كان أو خشارة الشعير (2). وأما قولك: انى ضعفت سلطان الله ووهنته، وأذللت نفسي وامتهنتها (3) حتى جهل أهل المدائن إمارتى، واتخذوني جسرا يمشون فوقى، ويحملون علي ثقل حمولتهم (4) وزعمت ان ذلك مما يوهن سلطان الله ويذله. فاعلم: ان التذلل في طاعة الله أحب إلى من التعزز في معصيته، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه واله يتألف الناس (5) ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه، حتى كأنه بعضهم في الدنو منهم، وقد كان يأكل الجشب (6) ويلبس الخشن، وكان الناس عنده قرشيهم، وعربيهم، وأبيضهم، وأسودهم، سواء في الدين وأشهد أنى سمعته يقول: ” من ولي سبعة من المسلمين بعدى ثم لم يعدل فيهم لقي الله وهو عليه غضبان ” فليتني يا عمر اسلم من عمارة المدائن (7) مع ما ذكرت انى


(1) انساغ: مر في حلقه. (2) الخشارة: مالا لب له من الشعير. (3) أي وضعتها موضع الأهانة. (4) كل ماله قدر، ووزن فهو: ثقل. والحمولة بالفتح: الابل التى تطيق ان يحمل عليها. (5) التألف المدارات والاستيناس. (6) الجشب بفتح الجيم وسكون الشين: الغليظ الخشن. (7) العمارة: بالفتح: الحى العظيم. والمدائن هي: مدينة كسرى وقبل هي عدة مدن متقاربة، تقع على سبع فراسخ من بغداد، وهى دار مملكة الفرس، واول من –

[ 188 ]

أذللت نفسي وامتهنتها، فكيف يا عمر حال من ولي الامة بعد رسول الله صلى الله عليه واله ؟ وإني سمعت الله يقول: ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (1) “. إعلم: أني لم اتوجه أسوسهم وأقيم حدود الله فيهم الا بارشاد دليل عالم فنهجت فيهم بنهجه، وسرت فيهم بسيرته (2). واعلم: أن الله تبارك وتعالى لو أراد بهذه الأمة خيرا أو أراد بهم رشدا لولى عليهم أعلمهم وأفضلهم، ولو كانت هذه الأمة من الله خائفين، ولقول نبي الله متبعين، وبالحق عاملين، ما سموك أمير المؤمنين، فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، ولا تغتر بطول عفو الله عنك وتمديده بذلك من تعجيل عقوبته واعلم: انك سيدركك عواقب ظلمك في دنياك وآخرتك، وسوف تسأل عما قدمت وأخرت، والحمد لله وحده. احتجاج امير المؤمنين (ع) على القوم لما مات عمر بن الخطاب وقد جعل الخلافة شورى بينهم (3).


– نزلها انو شيروان، وبها ايوانه، ولم تزل آثاره باقية حتى يومنا هذا، وبها قبرا سلمان وحذيفة وهما مشيدان ويعرف المكان باسم: ” سلمان باك “. (1) القصص: 38 (2) يريد عليا عليه السلام. (3) في ج 2 من شرح النهج لابن ابى الحديد ص 61 قال: ونحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى وتعديده فضائله وخصائصه التى بان بها منهم ومن غيرهم، قد روى الناس ذلك فاكثروا.. إلى ان قال: – في كلام قد ذكره اهل السيرة وقد اوردنا بعضه فيما تقدم ثم قال لهم: انشدكم الله أفيكم احد آخى رسول الله ” ص ” بينه وبين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيرى ؟ فقالوا: لا. فقال أفيكم احد قال له رسول الله ” ص “: من كنت

[ 189 ]


مولاه فهذا مولاه غيرى ؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم احد قال له رسول الله ” ص ” انت – منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبى بعدى غيرى ؟ قالوا: لا. قال: أفيكم من أوتمن على سورة براءة وقال له رسول الله ” ص “: انه لا يؤدي عنى الا انا أو رجل منى غيرى ؟ قالوا: لا. قال: ألا تعلمون ان اصحاب رسول الله ” ص ” فروا عنه في مأقط الحرب في غير موطن وما فررت قط. قالوا بلى. قال ألا تعلمون انى اول الناس اسلاما، قالوا: بلى. قال: فاينا اقرب إلى رسول الله نسبا. قالوا: انت. فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف.. الخ وفى الصواعق المحرقة ص 24 -: واخرج الدارقطني: ان عليا قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته: انشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” يا على انت قسيم الجنة والنار يوم القيامة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. وفى ج 2 من لسان الميزان ص 156 – 157 عن ابن ابى الطفيل قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الاصوات، فسمعت عليا يقول: ” بايع الناس لابي بكر، وانا والله اولى بالامر منه واحق به، فسمعت واطعت، مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض. ثم بايع الناس عمر وانا والله اولى بالامر منه، فسمعت واطعت، مخافة ان يضرب بعضهم رقاب بعض، ثم انتم تريدون ان تبايعوا عثمان.. إلى ان قال: وايم الله لو اشاء ان اتكلم فثم لايستطيع عربيهم ولا عجميهم رده: نشدتكم بالله أفيكم من آخى رسول الله ” ص ” غيرى ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله أفيكم احد له مثل عمى حمزة ؟ قالوا: اللهم لا قال نشدتكم بالله أفيكم احد له اخ مثل اخى جعفر ذى الجناحين يطير بهما في الجنة ؟ قالوا: لا. قال أفيكم احد له مثل سبطى الحسن والحسين سيدى شباب اهل الجنة ؟ قالوا: لا. قال: أفيكم احد له زوجة مثل زوجتى، قالوا: لا. قال: أفيكم احد كان اقتل لمشركي قريش عند كل شديدة تنزل برسول الله ” ص ” منى قالوا: لا. وفى مناقب الخوارزمي ص 217 -: اخبرني الشيخ الأمام شهاب الدين افضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن –

[ 190 ]

– الحسن الهمداني المعروف بالمروزى فيما كتب إلى من همدان، اخبرني الحافظ أبو على الحسن بن احمد بن الحسين فيما اذن لى في الرواية عنه اخبرني الشيخ الاديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن ابراهيم الطهراني سنة 473، اخبرني الامام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر احمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني وقال الشيخ الامام شهاب الدين أبو نجيب سعد بن عبد الله الهمداني. واخبرني بهذا الحديث عاليا الامام الحافظ سليمان بن ابراهيم الاصبهاني في كتابه إلى من اصبهان سنة 488 عن ابى بكر احمد بن موسى بن مروديه، حدثنى سليمان بن محمد بن احمد، حدثنى يعلى بن سعد الرازي، حدثنى محمد بن حميد، حدثنى زافر بن سليمان بن الحرث بن محمد عن ابى الطفيل عامر بن وائلة قال: كنت على الباب يوم الشورى مع على وسمعته يقول: لأحتجن بما لايستطيع عربيكم ولاعجميكم تغيير ذلك ثم قال: انشدكم الله ايها النفر جميعا أفيكم احد وحد الله قبلى ؟ قالوا: لا. قال فانشدكم الله هل منكم احد له مثل جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة ؟ قالوا: اللهم لا. قال انشدكم الله هل فيكم احد له عم كعمي حمزة اسد الله واسد رسوله سيد الشهداء غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: انشدكم الله هل فيكم احد له زوجة مثل زوجتى فاطمة بنت محمد سيدة نساء اهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: انشدكم بالله هل فيكم احد له سبطان مثل سبطى الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد ناجى رسول ” ص ” مرات قدم بين يدى نجواه صدقة قبلى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول ” ص ” من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ليبلغ الشاهد النائب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” اللهم أئتنى باحب خلقك اليك والى واسدهم لك حبا ولى حبا يأكل معى من هذا الطير فاتاه واكل معه غيرى ؟ قالوا. اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده إذ رجع غيرى منهزما غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال فيه رسول الله ” ص ” لو فد بنى ربيعة لتؤمنن أو لأبعثن اليكم رجلا نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي يقتلكم بالسيف غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. –


[ 191 ]


– قال فانشدكم الله هل فيكم احد قال رسول الله ” ص ” كذب من زعم انه يحبنى ويبغض هذا غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له جبرئيل: هذه هي المواساة فقال له رسول الله ” ص ” انه منى وانا منه وقال جبرئيل وانا منكما غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد نودى من السماء لا سيف الا ذو الفقار ولافتى الا على غيرى ؟ قالوا: اللهم لا قال: فانشدكم الله هل فيكم احد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي ” ص ” غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم بالله هل فيكم احد امره رسول الله ان يأخذ براءة من ابى بكر فقال أبو بكر: يارسول الله ” ص ” نزل في شئ فقال: انه لا يؤدي عنى الا على غيرى ؟ قالوا اللهم لا. قال فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا كافر غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله اتعلمون انه امر بسد ابوابكم وفتح بابى فقلتم في ذلك فقال رسول الله ” ص “: ما سددت ابوابكم ولا فتحت بابه بل الله سد ابوابكم وفتح بابه غيرى ؟ قالوا: اللهم نعم. قال فانشدكم بالله اتعلمون انه ناجانى يوم الطائف دون الناس فاطال ذلك فقلتم ناجاه دوننا فقال: ما انا انتجيته بل الله انتجاه غيرى ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم الله أتعلمون ان رسول الله ” ص ” قال: الحق مع على وعلى مع الحق يدور الحق مع على كيف ما دار ؟ قالوا: اللهم نعم. قال فانشدكم بالله اتعلمون ان رسول الله ” ص ” قال: انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتى لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض قالوا: اللهم نعم قال: فانشدكم الله هل فيكم احد وقى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال فانشدكم الله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبدود العامري حيث دعاكم إلى البراز غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احدا نزل –

[ 192 ]

روى عمرو بن شمر (1) عن جابر الجعفي (2) عن أبى جعفر محمد بن علي الباقر عليه وعلى آبائه السلام.


– الله فيه آية التطهير حيث قال: ” انما يريد. الخ ” غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص ” انت سيد العرب غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله ” ص “: ما سئلت الله شيئا الا سئلت لك غيرى ؟ قالوا: اللهم لا. وارتفعت الاصوات بينهم فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس ابا بكر وانا والله اولى بالامر واحق به منه، فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف. ثم بايع أبو بكر لعمر وانا والله احق بالامر منه فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا. ثم انتم تريدون ان تبايعوا لعثمان الخ. (1) عمرو بن شمر: قال العلامة الحلى في خلاصته عمرو بن شمر بالشين المعجمة والراء اخيرا: أبو عبد الله الجعفي كوفى. – روى عن ابى عبد الله ” ع ” وعن جابر وهو ضعيف جدا، زيد احاديث في كتب جابر بن يزيد الجعفي، ينسب إليه بعضها، فالامر ملتبس، فلا اعتمد على شئ مما يرويه وعده الشيخ الطوسى في اصحاب الباقر والصادق ” ع “. وقال في ” الفهرست “: عمرو بن شمر، له كتاب، رويناه بالأسناد عن حميد عن ابراهيم بن سليمان الخزاز ابى اسحاق عنه. وفى رجال النجاشي: عمرو بن شمر، أبو عبد الله الجعفي عربي، روى عن ابى عبد الله ضعيف جدا زيد احاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والامر ملتبس (2) في خلاصة العلامة: جابر بن يزيد. روى الكشى فيه: مدحا وبعض الذم والطريقان ضعيفان ذكرناهما في الكتاب الكبير. – وقال السيد على بن احمد العقيقى العلوى: روى عن ابى عمار بن ابان عن الحسين ابن أبى العلا: ان الصادق ” ع ” ترحم عليه وقال: انه كان يصدق علينا. وقال ابن عقدة روى احمد بن محمد بن البراء الصابغ عن احمد بن الفضل بن حنان بن سدير عن زياد بن ابى الجلال، ان الصادق ” ع ” ترحم على جابر وقال: انه كان يصدق علينا، ولعن المغيرة وقال: انه كان يكذب علينا. وقال ابن الغضايرى، ان جابر بن يزيد الجعفي –

[ 193 ]

قال: ان عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة واجمع على الشورى، بعث إلى ستة نفر من قريش: إلى علي بن أبى طالب، والى عثمان بن عفان، والى زبير بن العوام، والى طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص وامرهم ان يدخلوا إلى بيت ولا يخرجوا منه حتى يبايعوا لأحدهم، فان اجتمع اربعة على واحد وابى واحد أن يبايعهم قتل، وان امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا فأجمع رأيهم على عثمان. فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام ما هم القوم به من البيعة لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة قال عليه السلام لهم: اسمعوا مني كلامي فان يك ما اقول حقا فاقبلوا وإن يك باطلا فانكروا ثم قال: انشدكم بالله الذى يعلم صدقكم ان صدقتم ويعلم كذبكم ان كذبتم هل فيكم احد صلى القبلتين كلتيهما (1) غيري قالوا: لا.


– الكوفى ثقة في نفسه، ولكن جل من روى عنه ضعيف، فممن اكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح والسكونى ومنخل بن جميل الاسدي.. وارى الترك لما روى هؤلاء عنه والوقف في الباقي الا ما خرج شاهدا. وقال النجاشي: جابر بن يزيد الجعفي لقى ابا جعفر وابا عبد الله عليهما السلام ومات في ايامه سنة ثمان وعشرين ومائة، وروى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا منهم عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب، وكان نفسه مختلطا، وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان ينشدنا اشعارا كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعا لذكرها والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء كما قاله الشيخ الغضائري ” ره ” وفى اصحاب الأمام الباقر ” ع ” من رجال الشيخ الطوسى ” ره ” جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث الجعفي. توفى سنة ثمان وعشرين ومائة على ما ذكر ابن حنبل، وقال ابن معين: مات سنة اثنين وثلاثين ومائة، وقال القتيبى هو من الازد – وفى اصحاب الأمام الصادق ” ع ” جابر بن يزيد أبو عبد الله الجعفي تابعي. اسند عنه روى عنهما عليهما السلام. (1) القبلة الاولى هي: بيت المقدس وكان قبلة المسلمين حتى بعد الهجرة ب‍ ” 16 ” –

[ 194 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما الفتح وبيعة الرضوان غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخوه المزين بالجناحين في الجنة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عمه سيد الشهداء غيري ؟ (1) قالوا: لا


– أو ” 17 ” شهرا فلما نزل قوله تعالى: ” ولقد نعلم تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها.. الخ ” توجه النبي ” ص ” لى القبلة الثانية ” شطر المسجد الحرام ” وهى قبلة ابراهيم ” ع “. (1) هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. امه هالة بنت اهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وهى ابنة عم آمنة بنت وهب ام النبي ” ص ” رضيع رسول الله ” ص ” ارضعتهما ثوببة امرأة ابى لهب. وكان اسن من رسول الله ” ص ” بسنتين. كنيته أبو عمارة، وقيل أبو يعلى. آخى رسول الله ” ص ” بينه وبين زيد بن حارثة. اسلم في السنة الثانية من المبعث قال محمد بن كعب القرظى: قال أبو جهل في رسول الله فبلغ ذلك حمزة فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس ابى جهل بالقوس ضربة اوضحته واسلم حمزة فعز به رسول الله ” ص ” والمسلمون. وهاجر إلى المدينة واول لواء عقده رسول الله ” ص ” حين قدم المدينة لحمزة، وشهد بدرا وابلى فيها بلاءا عظيما مشهورا، وشهد احدا وقتل بها ومثل به المشركون وبقرت هند بطن حمزة سلام الله عليه فاخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلما شهده النبي ” ص ” اشتد وجده عليه، وروى انه ” ص ” وقف عليه وقد مثل به فلم ير منظرا كان اوجع لقلبه منه، فقال: رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات. وروى عن جابر قال لما رأى رسول الله ” ص ” حمزة قتيلا بكى فلما رأى ما مثل به شهق. ولما عاد ” ص ” إلى المدينة سمع النوح على قتلى الانصار قال: لكن حمزة لابواكى له فسمع الانصار فامروا نساءهم ان يندبن حمزة قبل قتلاهم. ففعلن ذلك. قال الواقدي –

[ 195 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد زوجته سيدة نساء العالمين غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ابناه ابنا رسول الله صلى الله عليه واله وهما سيدا شباب اهل الجنة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عرف الناسخ من المنسوخ (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عاين حبرئيل في مثال دحية الكلبي غيري (2) ؟ قالوا: لا.


– فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة. وقال ” ص “: كل نادبة كاذبة الا نادبة حمزة وقال. سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب. وقال: والذى نفسي بيده انه لمكتوب عند الله سبحانه وتعالى في السماء السابعة حمزة بن عبد المطلب اسد الله واسد رسوله. وكان مقتله للنصف من شوال من سنة ثلاث وكان عمره سبعا وخمسين سنة. وصل النبي على حمزة ثم لم يؤت بقتيل الا وصلى عليه معه حتى صلى عليه ” 72 ” صلاة (1) اخرج ابن سعد وغيره عن ابى الطفيل قال: قال على: سلونى عن كتاب الله فانه ليس من آية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار، ام في سهل ام جبل. واخرج ابن سعد ايضا عن ابن عباس عنه ” ع ” قال: والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم نزلت واين نزلت وعلى من نزلت. ان ربى وهب لى قلبا عقولا ولسانا ناطقا الصواعق المحرقة ص 125 – 126 (2) في ج 9 من بحار الانوار ص 549 عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال: دخل على ” ع ” على رسول الله ” ص ” في مرضه وقد اغمى عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل في صورة دحية الكلبى –

[ 196 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ادى الزكاة وهو راكع غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد مسح رسول الله صلى الله عليه واله عينيه واعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرا ولا بردا غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نصبه رسول الله صلى الله عليه واله يوم غدير خم بأمر الله تعالى فقال: ” من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (1) غيري ” قالوا: لا.


فلما دخل علي ” ع ” قال جبرئيل: دونك رأس ابن عمك فانت أحق به مني، لان الله يقول في كتابه: ” وأولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ” فجلس علي (ع) وأخذ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول الله في حجره حتى غابت الشمس، وان رسول الله صلى الله عليه وآله افاق فرفع رأسه فنظر إلى علي (ع) فقال يا علي اين جبرئيل فقال يار سول الله ما رأيت الا دحية الكلبي، دفع الي رأسك، قال يا علي: دونك رأس ابن عمك فانت احق به مني.. الخ. (1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 224 – 225: عن عمر بن الخطاب وقد جائه اعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما يا ابا الحسن فقضى علي بينهما. فقال احدهما: هذا يقضي بيننا ؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا ! هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. وعن زيد بن ارقم قال: استنشد علي الناس فقال: انشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقام ستة عشر رجلا فشهدوا. وعن زياد بن ابي زياد قال: سمعت علي بن ابي طالب ينشد الناس فقال، انشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر رجلا بدريا فشهدوا. وعن رباح بن الحارث قال، جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: (السلام عليك يا مولانا). قال وكيف اكون مولاكم وانتم عرب ؟ قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله

[ 197 ]

قال نشدتكم بالله هل فيكم احد هو اخو رسول الله في الحضر ورفيقه في السفر غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقتله غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ” انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ” غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيرى (1) ؟ قالوا: لا.


– يقول – يوم غدير خم -، من كنت مولاه فعلى مولاه. قال رباح، فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا، نفر من الانصار – فيهم أبو ايوب الانصاري – خرجه احمد (1) اخرج موفق بن احمد عن مجاهد وعكرمة وهما عن ابن عباس رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما انزل الله في القرآن آية يقول فيها: (يا ايها الذين آمنوا) الا وعلى رئيسها واميرها. واخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن الاعمش عن اصحاب ابن عباس رضى الله عنه قال. ما انزل الله (يا ايها الذين آمنوا) الا وعلى اميرها وشريفها، ولقد عاتب الله اصحاب محمد صلى الله عليه وآله في غير مكان، وما ذكر عليا الا بخير. ينابيع المودة ص 125 – 126 والآيات العشرة هي: اولا – قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) السجدة – 18 ذكر الطبري في ج 21 ص 62 من تفسيره عن عطاء بن يسار قال، نزلت بالمدينة في على بن ابى طالب والوليد بن عقبة بن ابى معيط، كان بين الوليد وعلى كلام فقال الوليد انا ابسط منك لسانا، واحد منك سنانا، وارد منك للكتيبة. فقال على: اسكت فانك فاسق فانزل الله فيهما: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة.

[ 198 ]

قال نشدتكم بالله هل فيكم احد ناول رسول الله صلى الله عليه واله قبضة من التراب فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا غيري ؟ قالوا: لا.


– ثانيا: قوله تعالى: ” يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ” الانفال: 64 قال المجلسي ” ره ” في الجزء التاسع من البحار ص 94 روى أبو نعيم باسناده عن جعفر بن محمد عن ابيه قال: نزلت في على بن ابى طالب ” ع ” وقال العلامة قدس الله روحه: روى الجمهور: انها نزلت في على. ثالثا: قوله تعالى: ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين، التوبة: 19 ذكر الطبري في تفسيره ج 10 ص 59 مسندا عن ابى صخر قال: سمعت محمد بن ابى كعب القرظى يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بنى عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب وعلى بن ابى طالب، فقال طلحة: انا صاحب البيت معى مفتاحه، لو اشاء بت فيه. وقال عباس: انا صاحب السقاية، والقائم، ولو اشاء بت في المسجد. وقال على: ما ادرى ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة اشهر قبل الناس، وانا صاحب الجهاد فانزل الله أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. الآية، رابعا: قوله تعالى: ” أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ” الجائية: 21. روى سبط ابن الجوزى في تذكرة الخواص ص 11 عن ابن عباس: نزلت في على يوم بدر، فالذين اجترحوا السيئات: عتبة، وشيبة، والوليد بن المغيرة. والذين آمنوا وعملوا الصالحات: على عليه السلام. خامسا: قوله تعالى: ” ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ” مريم: 96. في ص 10 من تذكرة الخواص: قال ابن عباس: هذا الود جعله الله لعلى في قلوب المؤمنين. وقد روى أبو اسحاق الثعلبي: هذا المعنى مسندا في تفسيره إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله ” ص ” لعلى: قل اللهم اجعل لى عندك عهدا واجعل لى في صدور المؤمنين مودة فانزل الله: هذه الآية.

[ 199 ]

قال نشدتكم بالله هل فيكم احد وقفت الملائكة معه يوم احد حتى ذهب


– سادسا: قوله تعالى: ” ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ” البينة: 7 ذكر ابن حجر في الصواعق ص 195: عن ابن عباس: ان هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وآله لعلى: هو انت وشيعتك تأتى انت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيين، ويأتى عدوك غضابا مقمحين. قال: ومن عدوى ؟ قال: من تبرأ منك ولعنك سابعا: قوله تعالى: ” والعصر ان الانسان لفى خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ” سورة العصر. في ج 6 من تفسير الدر المنثور ص 392: اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: والعصر ان الانسان لفى خسر – يعنى، ابا جهل بن هشام. الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ذكر: عليا وسلمان. ثامنا: قوله تعالى: ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا “. الاحزاب 23. في الصواعق ص 122: وسئل وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى: ” رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ” فقال اللهم غفرا هذه الآية نزلت في، وفى عمى حمزة، وفى عمى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب فاما عبيدة: فقضى نحبه شهيدا يوم بدر، وحمزة، قضى نحبه شهيدا يوم احد، واما انا فانتظر اشقاها، يخضب هذه من هذه – واشار بيده إلى لحيته ورأسه عهد عهدا لى حبيبي ابو القاسم ” ص “. تاسعا: قوله تعالى: ” هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين ” الانفال: 62 في ينابيع المودة ص 94: أبو نعيم الحافظ بسنده عن ابى هريرة. ايضا عن ابى صالح عن ابن عباس. ايضا عن جعفر الصادق ” ع ” في قوله تعالى، ” هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين ” قالوا، نزلت في على. وأن رسول الله ” ص ” قال، رأيت مكتوبا على العرش، ” لا إله الا الله وحده لا شريك له محمد عبدي ورسولي ايدته ونصرته بعلى ابن ابى طالب. عاشرا – قوله تعالى ” انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون –

[ 200 ]

الناس غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قضى دين رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا قال نشدتكم بالله هل فيكم احد غسل رسول الله وكفنه ولحده غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ورث سلاح رسول الله صلى الله عليه واله ورايته وخاتمه غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد جعل رسول الله صلى الله عليه واله طلاق نسائه بيده غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد حمله رسول الله صلى الله عليه واله على ظهره حتى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نودى باسمه من السماء يوم بدر ” لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم الله هل فيكم احد أكل مع رسول الله صلى الله عليه واله من الطائر المشوي الذي اهدي إليه غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت صاحب رايتي في الدنيا وصاحب لوائي في الآخرة ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد خصف نعل رسول الله صلى الله عليه واله غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انا اخوك وانت اخي ” غيري ؟ قالوا: لا.


– الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون “. المائدة، 55. راجع هامش ص 161 من هذا الكتاب.

[ 201 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” أنت أحب الخلق الي وأقولهم بالحق غيري ؟ ” قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد وجد رسول الله صلى الله عليه واله جايعا فاستقى مائة دلو بمائة تمرة وجاء بالتمرة فاطعمه رسول الله غيري وهو جائع ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد سلم عليه جبرئيل وميكائيل واسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد غمض عين رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد وحد الله قبلي غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد كان أول داخل على رسول الله صلى الله عليه واله وآخر خارج من عنده غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد مشى مع رسول الله صلى الله عليه واله فمر على حديقة فقلت ما احسن هذه الحديقة فقال رسول الله صلى الله عليه واله ” وحديقتك في الجنة احسن من هذه ” حتى مررت على ثلاث حدائق كل ذلك يقول رسول الله ” حديقتك في الجنة احسن من هذه ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت اول من آمن بي وصدقني واول من يرد علي الحوض يوم القيامة “. غيري (1) ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله رسول الله صلى الله عليه واله بيده ويد امرأته وابنيه حين اراد ان يباهل نصارى اهل نجران غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” اول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا انس فانه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وأولى الناس


(1) الاستيعاب ص 457 ج 2 قال، وروى عن سلمان انه قال: اول هذه الامة ورودا على نبيها صلى الله عليه وآله الحوض اولها اسلاما على بن ابى طالب رضى الله عنه وقد روى هذا الحديث مرفوعا عن سلمان عن النبي ” ص ” انه قال اول هذه الامة ورودا على الحوض اولها اسلاما على بن ابى طالب. (*)

[ 202 ]

بالناس (1) فقال انس: اللهم اجعله رجلا من من الانصار، فكنت انا الطالع فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لأنس ما انت بأول رجل احب قومه ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد أنزل الله فيه وفي ولده ” إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ” (2) إلى آخر السورة غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد أنزل الله فيه ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخرة وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله (3) ” غيري ؟ قالوا: لا. قال نشدتكم بالله هل فيكم احد علمه رسول الله صلى الله عليه واله الف كلمة كل كلمة مفتاح الف كلمة (4) غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد ناجاه رسول الله يوم الطائف فقال أبو بكر وعمر ” يارسول الله ناجيت عليا دوننا ” فقال لهما النبي صلى الله عليه واله: ” ما انا ناجيته بل


(1) حلية الاولياء ج 1 ص 63 عن انس قال: قال رسول الله ” ص ” يا انس اسكب لى وضوءا ؟ ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المؤمنين، وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين. قال انس قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته إذ جاء على فقال: من هذا يا انس ؟ فقلت: على فقام مستبشرا فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق على بوجهه. قال على: يارسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بى من قبل. قال: وما يمنعنى – وانت تؤدى عنى وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدى (2) الدهر: 5. (2) راجع هامش ص 198 (4) ينابيع المودة ص 76 وفى المناقب عن الاصبغ بن نباتة قال كنت مع امير المؤمنين ” ع ” فأتاه رجل فقال: يا امير المؤمنين انى احبك في الله قال: ان رسول الله ص ” حدثنى الف حديث وكل حديث مفتاح الف باب.. الخ “.

[ 203 ]

الله امرني بذلك ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد سقاه رسول الله صلى الله عليه واله من المهراس غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت اقرب الخلق مني يوم القيامة يدخل بشفاعتك الجنة اكثر من عدد ربيعة ومضر ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” يا علي انت تكسى حين اكسى ” (2) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” انت وشيعتك الفائزون يوم القيامة ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” كذب من زعم انه يحبني ويبغض هذا ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” من احب شطراتي هذه فقد احبني ومن احبني فقد احب الله – فقيل له وما شطراتك – قال علي، والحسن، والحسين، وفاطمة ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” انت خير البشر بعد النبيين ” (3) غيري ؟ قالوا: لا.


(1) الرياض النضرة ج 2 ص 265 عن جابر قال: دعا النبي ” ص ” عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال ” ص “: ما انتجيته ولكن الله انتجاه. اخرجه الترمذي. (2) الرياض النضرة ج 2 ص 267: واخرج المخلص الذهبي عن ابى سعيد: ان النبي ” ص ” كسى نفرا من اصحابه، ولم يكس عليا، فكأنه رأى في وجه علي فقال: يا على ما ترضى انك تكسى إذا كسيت، وتعطى إذا اعطيت. (3) كنز العمال ج 6 ص 159 عن جابر: على خير البشر من أبى فقد كفر.

[ 204 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت الفاروق تفرق بين الحق والباطل ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله قل فيكم احد قال له رسول الله ” انت افضل الخلايق عملا يوم القيامة بعد النبيين ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله صلى الله عليه واله كساه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال ” اللهم انا واهل بيتي اليك لا إلى النار ” غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد كان يبعث إلى رسول الله صلى الله عليه واله الطعام وهو في الغار ويخبره بالاخبار غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت اخي ووزيري وصاحبي من اهلي ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ” انت اقدمهم سلما وافضلهم علما واكثرهم حلما ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قتل مرحبا اليهودي فارس اليهود مبارزة غيري ؟ (2) قالوا: لا.


(1) في ذخائر العقبى: عن ابى ذر قال: سمعت رسول الله ” ص ” يقول لعلى ” انت الصديق الأكبر، وانت الفاروق الذى يفرق بين الحق والباطل، وانت يعسوب الدين ” (2) مر في ص 167 قصة إعطاء الراية لعلى عليه السلام في غزوة خيبر. – وفى هذه الواقعة نفسها خرج مرحب ملك خيبر يرتجز ويقول: قد علمت خيبر انى مرحب * شاكى السلاح بطل مجرب إذا الحروب اقبلت تلتهب فاجابه على عليه السلام مرتجزا ايضا: انا الذى سمتنى امى حيدره * ضرغام آجام وليث قسورة ثم ضرب مرحبا فشقه نصفين، وفتح باب خيبر وقلعها ثم مشى بها مائة ذراع ورمى بها اربعين ذراعا وكانت لضخامتها قد وكل بها اربعون بطلا من شجعان اليهود، يقول ابن ابى الحديد في عينيته:

[ 205 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد عرض عليه النبي صلى الله عليه واله الاسلام فقال له ” انظرني حتى القى والدي ” فقال له النبي صلى الله عليه واله ” فانها امانة عندك ” فقلت فان كانت امانة عندي فقد اسلمت غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى به مائة ذراع، ثم عالجه بعده اربعين رجلا فلم يطيقوه غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية: ” يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة فكنت انا الذي قدم الصدقة ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (1) ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” منزلي مواجه منزلك في الجنة ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول لله صلى الله عليه واله حين


يا قالع الباب الذى عن هزه * عجزت أكف أربعون وأربع (1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 مسندا عن بكير بن عثمان البجلى قال: سمعت أبا اسحاق التميمي يقول: سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: حججت وانا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم، فدخلوا على ” ام سلمة ” زوج النبي ” ص ” فسمعتها تقول: ” يا شبيب بن ربعى ” فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أمتاه، قالت ” يسب رسول الله ” في ناديكم ؟ ! ” قال: ” وانى ذلك ؟ ! ” قالت: ” فعلى بن ابى طالب (ع) ” قال: (انا لنقول اشياء نريد عرض الدنيا) قالت: فانى سمعت رسول الله (ع) يقول: (من سب عليا فقد سبنى ومن سبنى فقد سب الله تعالى).

[ 206 ]

أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري ؟ قالوا: لا قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” أنت أولى الناس بأمتي بعدي ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت يوم القيامة عن يمين العرش والله يكسوك ثوبين: أحدها أخضر والآخر وردي ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين واشهر (2) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى عليه واله ” أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي ” (3) غيري ؟ قالوا: لا.


كنز العمال ج 6 ص 155 الحديث 2579 عن وهب بن حمزة: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدى – يعنى عليا. (2) الرياض النضرة ج 2 ص 209 عن رافع قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلت حديجة آخر يوم الاثنين، وصلى يوم الثلاثاء من الغد قبل ان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد سبع سنين واشهر. وعنه قال: صليت قبل أن تصلى الناس بسبع سنين. وعنه: انه كان يقول: انا عبد الله واخو رسول الله صلى الله عليه وآله، انا الصديق الأكبر، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين. خرجهن الخلعي. (3) الأستيعاب ج 2 ص 464 عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لوفد ثقيف حين جاءه: لنسلمن أو لابعثن رجلا منى أو قال مثل نفسي فليضربن اعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم. قال عمر: –

[ 207 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” ولايتك كولايتي عهد عهده الي ربي وأمرني ان ابلغكموه ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” اللهم اجعله لي عونا وعضدا وناصرا ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” المال يعسوب الظلمة وانت يعسوب المؤمنين ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” لأبعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلى الله عليه واله رمانة وقال ” هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه الا نبي أو وصي نبي ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” ما سئلت ربي شيئا الا اعطانيه ولم اسئل ربي شيئا الا سئلت لك مثله ” (2) غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية ” غيري، قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم ” غيري ؟ قالوا: لا.


فوالله ما تمنيت الأمارة إلا يومئذ، وجعلت انصب صدري له رجاء ان يقول: هو هذا قال: فالتفت إلى على رضى الله عنه، فاخذ بيده، ثم قال: هو هذا. (1) كنز العمال ج 2 ص 153 الحديث 2536: على يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين. (2) كنز العمال ج 6 ص 159 الحديث 2667 قم يا على فقد برئت. ما سألت الله شيئا الا سألت لك مثله، إلا أنه قيل لى: لانبوة بعدك.

[ 208 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” يدخل الله وليك الجنة وعدوك النار ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” الناس من اشجار شتى وانا وانت من شجرة واحدة ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله ” انا سيد ولد آدم وانت سيد العرب والعجم ولا فخر ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد رضي الله عنه في الآيتين من القرآن غيري قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” موعدك موعدي وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الامم ووضعت الموازين ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” اللهم إني احبه فأحبه اللهم إني استودعكه ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انت تحاج الناس فتحججهم باقامة الصلاة، وايتاء الزكاة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقام الحدود، والقسم بالسوية ” غيري ؟ قالوا: لا.


(1) كنز العمال ج 6 ص 154 الحديث 2561 عن جابر: انا وعلى من شجرة واحدة والناس من اشجار شتى. والحديث 2562 عنه: يا على الناس من شجر شتى وانا وانت من شجرة واحدة. (2) الصواعق المحرقة ص 120: روى البيهقى: انه ظهر على من البعد فقال صلى الله عليه وآله: هذا سيد العرب. فقالت عائشة: ألست سيد العرب ؟ فقال: انا سيد العالمين، وهو سيد العرب. – ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس بلفظ انا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب وقال: انه صحيح ولم يخرجاه.

[ 209 ]

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيده يوم بدر، فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض ابطيه وهو يقول: ” ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه فانه وليكم ” غيري ؟ قالوا لا. قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد نزلت فيه هذه الآية ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” (1) غيري ؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم بالله فهل فيكم احد كان جبرئيل احد ضيفانه غيري ؟ قالوا: لا قال: فهل فيكم احد اعطاه رسول الله صلى الله عليه واله حنوطا من حنوط الجنة ثم اقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به، وثلثا لابنتي. وثلثا لك، غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول الله صلى الله عليه واله حياه وادناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري ؟ قالوا: لا قال فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” انا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد سرحه رسول الله صلى الله عليه واله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله ” إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” ادى الله عن أمانتك أدى الله عن ذمتك ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” انت قسيم النار تخرج منها من زكى وتذر فيها كل كافر ” (2) غيري ؟ قالوا: لا.


(1) هل أتى. (2) ينابيع المودة ص 84 قال:-

[ 210 ]

قال: فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسبا بنت مرحب فاداها إلى رسول الله صلى الله عليه واله غيري ؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم، ويرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين (1) مسودة وجوههم ” غيري ؟ قالوا: لا. قال: لهم امير المؤمنين عليه السلام أما إذا أقررتم على انفسكم، واستبان لكم ذلك من قول نبيكم، فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا امره، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم، فانكم إن خالفتم خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهله وهي له. قال: فتغامزوا فيها بينهم وتشاوروا وقالوا: ” قد عرفنا فضله، وعلمنا انه أحق الناس بها، ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد، فان وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعا سواء، ولكن ولوها عثمان فانه يهوى الذى تهوون ” فدفعوها إليه. * * * احتجاجه (ع) على جماعة كثيرة من المهاجرين والانصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من النص عليه وغيره من القول الجميل (2). روي عن سليم بن قيس الهلالي أنه قال: ” رأيت عليا عليه السلام في مسجد


أخرج ابن المغازلى الشافعي بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا على انك قسيم الجنة والنار، أنت تقرع باب الجنة وتدخلها احبائك بغير حساب. (1) راجع هامش ص 199 في تفسير قوله تعالى: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية). وفى بعض النسخ ” ظماء مفحمين ” (2) قال الأميني – في ج 1 ص 163 من الغدير -: –

[ 211 ]

رسول الله صلى الله عليه واله، في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم، فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها، وما قال فيها رسول الله صلى الله عليه واله من الفضل، مثل قوله: ” الأئمة من قريش ” وقوله: ” الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب ” وقوله: ” لا تسبقوا (1) قريشا ” وقوله: ” إن للقريشي مثل قوة رجلين من غيرهم ” وقوله: ” من أبغض قريشا أبغضه الله ” وقوله: ” من أراد هوان قريش أهانه الله “، وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها، وما أثنى الله عليهم في كتابه، وما قال فيهم رسول الله من الفضل مثل قوله: ” الانصار كرشي وعيبتي ” ومثل قوله: ” من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله ” ومثل قوله صلى الله عليه واله: ” لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله وبرسوله ” وقوله: ” لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار ” وذكروا ما قال: في سعد بن معاذ في جنازته وأن العرش اهتز لموته، وقوله صلى الله عليه واله: لما جئ إليه بمناديل من اليمن فاعجب الناس بها، فقال: ” لمناديل سعد في الجنة أحسن منها ” والذي غسلته الملائكة، والذي حمته الدبر، فلم يدعوا شيئا من فضلهم، حتى قال كل حي منها: ” منا فلان وفلان ” وقالت قريش: ” منا رسول الله، ومنا حمزة، ومنا جعفر، ومنا عبيدة ابن الحارث، وزيد بن حارثة، ومنا أبو بكر، وعمر، وسعد وأبو عبيدة، وسالم وابن عوف، فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سموه، وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل، فيهم علي بن أبى طالب عليه السلام، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وعمار، والمقداد، وأبو ذر، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن، والحسين عليهما السلام، وابن عباس، ومحمد بن أبى بكر، وعبد الله


– روى شيخ الاسلام أبو اسحاق ابراهيم بن سعد الدين ابن حمويه بأسناده في فرائد السمطين في السمط الاول في الباب الثامن والخمسين، عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا وساق الرواية.. ثم قال: هذا لفظ الحموينى وفى كتاب سليم بن قيس نفسه اختلاف يسير وزيادات. (1) وفى نسخة (لاتسبوا).

[ 212 ]

ابن جعفر، ومن الأنصار أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وأبو هيثم بن التيهان، ومحمد بن سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن أبى أوفي، وأبو ليلى ومعه ابنه، وعبد الرحمن قاعد بجنبه غلام أمرد الوجه مديد القامة، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة، قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبى ليلى فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمها وأطولهما وأكثر القوم في الحديث، وذلك من بكرة إلى حين الزوال، وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه. وعلي بن أبى طالب لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته. فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم ؟ فقال عليه السلام لهم، ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا، وقال حقا، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل ؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم ؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن به علينا بمحمد وعشيرته، لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتنا. قال: صدقتم، يا معشر قريش والأنصار أتعلمون الذي نلتم به من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم ؟ فان ابن عمي رسول الله قال: ” إني وأهل بيتي كنا نورا بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام، ثم لم يزل الله عزوجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة، ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة، من الآباء والأمهات، لم يلتق واحد منهم على سفاح قط “. فقال أهل السابقة، وأهل بدر، وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله


[ 213 ]

ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون اني اول الأمة ايمانا بالله وبرسوله ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم بالله أتعلمون أن الله عزوجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية. وأني لم يسبقني إلى الله عزوجل والى رسوله صلى الله عليه واله احد من هذه الأمة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فانشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت ” والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (1) ” ” والسابقون السابقون أولئك المقربون (2) ” وسئل عنها رسول الله صلى الله عليه واله فقال: ” انزله الله عزوجل في الأنبياء واوصيائهم فأنا افضل انبياء الله ورسله وعلي بن ابى طالب عليه السلام وصيي افضل الأوصياء ” قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم بالله أتعلمون حيث نزلت ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) ” وحيث نزلت: ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (4) ” وحيث نزلت: ” ولم يتخد من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (5) ” قال الناس: ” يارسول الله أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟ ” فأمر الله عزوجل نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم، وزكاتهم وصومهم، وحجهم، فنصبني للناس علما بغدير خم. ثم خطب فقال: ” أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت ان الناس مكذبي فأوعدني لابلغنها أو ليعذبني “. ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: ” أيها الناس أتعملون أن الله عزوجل مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى بهم من انفسهم ” بلى يا رسول الله. قال: قم يا علي، فقمت فقال: ” من كنت


(1) التوبة: 100 (2) الواقعة: 10 (3) النساء: 59 (4) راجع هامش ص 161 (5) التوبة: 16

[ 214 ]

مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه “. – فقام سلمان فقال: ” يارسول الله والاه كماذا ؟ ” فقال: ” والاه كولائي، فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ” فأنزل الله عزوجل: ” اليوم اكملت لكم دينكم، واتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الاسلام دينا (1) ” فكبر رسول الله صلى الله عليه واله فقال: ” الله اكبر على تمام نبوتي، وتمام دين الله، ولاية علي بعدي “. – فقام أبو بكر وعمر فقالا: ” يارسول الله هؤلاء الآيات خاصة في علي ؟ ” قال صلى الله عليه واله: ” بلى فيه، وفي اوصيائي إلى يوم القيامة “. قالا: ” يارسول الله بينهم لنا “. قال: أخي، ووزيري، ووارثي، ووصيي، وخليفتي، في امتي، وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن والحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا علي الحوض فقالوا كلهم: ” اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء ” وقال بعضهم: ” قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ كله وهؤلاء الذين حفظوا اخيارنا وافاضلنا “. فقال علي عليه السلام: ” صدقتم ليس كل الناس يستوي في الحفظ “. انشدكم بالله من حفظ ذلك من رسول الله لما قام واخبر به. فقام زيد بن ارقم، والبراء بن عازب، وابوذر، والمقداد، وعمار، فقالوا ” نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلى الله عليه واله وهو قائم على المنبر وانت إلى جنبه وهو يقول: ايها الناس امرني الله ان انصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي، والذي فرض على المؤمنين في كتابه طاعته، وقرنه بطاعته وطاعتي، وامركم بولايته، واني راجعت ربي خشية طعن اهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني


(1) المائدة: 3

[ 215 ]

لأبلغنها أو ليعذبني، أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة. فقد بينتها لكم والزكاة، والصوم، والحج. فقد بينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة، ووضع يده على يد علي بن أبى طالب، ثم لأبنيه من بعده، ثم للأوصياء من بعدهم، ومن ولدهم عليه السلام، لا يفارقون القرآن، ولا يفارقهم القرآن، حتى يردوا علي الحوض، أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم (1) بعدي، وإمامكم، ودليلكم، وهاديكم، وهو: أخي علي بن أبى طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم، فان عنده جميع ما علمني الله عزوجل من علمه وحكمته، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم، ولا تتقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لايزايلهم (2) ” ثم جلسوا. قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس أتعلمون أن الله عزوجل أنزل في كتابه: ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” فجمعني وفاطمة وابنيه حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء فدكيا وقال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” فقالت أم سلمة: وأنا يارسول الله فقال: ” أنت إلى خير، إنما نزلت في، وفي أخي علي، وفي ابنتي فاطمة، وفى ابني، وفى تسعة من ولد الحسين خاصة، وليس معنا أحد غيرنا “. فقالوا كلهم: ” نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه واله فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة “. قال علي عليه السلام: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله أنزل ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (3) ” فقال سلمان: ” يارسول الله عامة هذه الآية


(1) المفزع: الملجأ. (2) زايله: فارقه. (3) التوبة: 119.

[ 216 ]

أم خاصة ؟ ” فقال: ” أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون خاصة لأخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم القيامة “. فقالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى الله عليه واله في غزاة تبوك: لم تخلفني فقال: ” إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ” قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن الله عزوجل أنزل في سورة الحج: ” يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير. لعلكم تفلحون (1) ” إلى آخر السورة، فقام سلمان فقال: ” يارسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد، وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ” قال: عني بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة ” فقال سلمان: ” بينهم لنا يارسول الله ” فقال: ” أنا، وأخي علي، وأحد عشر من ولدي ” قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه واله قام خطيبا ولم يخطب بعد ذلك. فقال: ” يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين (2) كتاب الله، وعترتي أهل


(1) الحج 77. (2) قال السيد شرف الدين: – في المراجعات – ص 51 في المراجعة ” 8 ” ! والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة وقد صدع بها رسول الله ” ص ” في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة باصحابه إذ قال: ” أيها الناس يوشك ان اقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل، وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” الحديث وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى قال ابن حجر – إذ اورد –

[ 217 ]

بيتي، فتمسكوا بهما، لا تضلوا، فان اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” فقام عمر بن الخطاب – وهو شبه المغضب – فقال: يارسول الله أكل أهل بيتك ؟ ” قال: لا ولكن أوصيائي منهم، أولهم أخي، ووزيري، وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء لله في أرضه، وحججه على خلقه، وخزان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله “. فقالوا كلهم: ” نشهد أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ذلك “. ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال والمناشدة، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه، حتى أتى علي على أكثر مناقبه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه واله كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق. ثم قال حين فرغ: ” اللهم اشهد عليهم ” وقالوا: ” اللهم اشهد أنا لم نقل إلا ما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه واله، وما حدثنا من نثق به من هؤلاء وغيرهم انهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه واله “. قال: أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه واله قال: ” من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني ” ووضع يده على رأسي فقال له قائل: ” كيف ذلك


– حديث الثقلين -: ” ثم اعلم ان لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ” ” قال ” ومر له طرق مبسوطة في حادى عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك: بحجة الوداع بعرفه، وفي أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة باصحابه، وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفى أخرى انه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر ” ” قال ” ” ولا تنافى إذ لامانع من انه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ” إلى آخر كلامه انتهى ما اردنا نقله من كتاب المراجعات. وتجد ما نقله السيد ” قدس سره ” من كلام ابن حجر في ص 75 و 89 من صواعقه.

[ 218 ]

يا رسول الله ؟ ” قال: ” لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ” قال نحو عشرين رجلا من أفاضل الحيين: اللهم نعم. وسكت بقيتهم. فقال: للسكوت مالكم سكتم ؟ قالوا: ” هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة في قولهم، وفضلهم، وسابقتهم ” فقال: اللهم اشهد عليهم. فقال طلحة بن عبد الله: وكان يقال له: ” داهية قريش ” فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه، وشهدوا على مقالته يوم اتوه بك بعتل (1) وفي عنقك حبل، فقالوا لك: ” بايع ” فاحتججت بما احتججت به، فصدقوك جميعا ثم ادعى أنه سمع رسول الله يقول: أبى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقه بذلك عمر، وأبو عبيدة، وسالم، ومعاذ. ثم قال طلحة: كل الذي قلت وادعيت واحتججت به من السابقة والفضل حق نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت. فقام علي عليه السلام عند ذلك، وغضب من مقالته، فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا قال له عمر يوم مات لم يدر ماعنى به، فأقبل على طلحة – والناس يسمعون – فقال: أما والله يا طلحة ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو توفاه أن يتوازروا دون علي ويتظاهروا فلا تصل إلي الخلافة “. والدليل والله على باطل ما شهدوا، وما قلت يا طلحة: قول نبي الله يوم غدير خم: ” من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه “. فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام ؟ وقول رسول الله صلى الله عليه واله: ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة ” فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه واله.


(1) العتل: الجذب العنيف تقول عتلت الرجل إذ اجذبته جذبا عنيفا.

[ 219 ]

وقوله: ” إني تركت فيكم أمرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما لا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فانهم أعلم منكم أفينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ؟ ! وقد قال الله عزوجل: ” أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون (1) ” ؟ ! وقال تعالى: ” إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم (2) ” وقال: ” ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم (3) ” وقال رسول الله صلى الله عليه واله: ” ماولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل يذهب أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا ” فما الولاية غير الآمارة ؟ والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم، أنهم سلموا علي بأمرة المؤمنين بأمر رسول الله. ومن الحجة عليهم وعليك خاصة، وعلى هذا معك، يعني: الزبير، وعلى الأمة، وعلى سعد ابن أبى وقاص، وابن عوف، وخليفتكم هذا القائم، يعني عثمان فانا معشر الشورى أحياء كلنا، ان جعلني عمر بن الخطاب في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه واله، أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها ؟ فان زعمتم أنه جعلها شورى في غير الأمارة، فليس لعثمان إمارة وإنما أمرنا أن نتشاور في غيرها، وان كانت الشورى فيها، فلم أدخلني فيكم، فهلا أخرجنى ؟ وقد قال: ان رسول الله صلى الله عليه واله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب، ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا. – فقال علي عليه السلام: لعبد الله ابنه، وها هو ذا، انشدك بالله عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت ؟


(1) يونس: 35 (2) البقرة 247 (3) الاحقاف: 4

[ 220 ]

قال: اما إذ ناشدتنى بالله فانه قال: إن يتبعوا أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم. قال: يابن عمر فما قلت له عند ذلك ؟ قال: قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال: وما رد عليك ؟ قال: رد علي شيئا أكتمه. قال علي: فان رسول الله صلى الله عليه واله خبرني به في حياته، ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رأى رسول الله صلى الله عليه واله مناما فقد رآه. قال: فما أخبرك به ؟ قال عليه السلام: فانشدك بالله يابن عمر لئن أخبرتك به لتصدقن ؟ قال: اذن سكت. قال: فانه قال لك حين قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال: الصحيفة التى كتبناها بيننا، والعهد في الكعبة، فسكت ابن عمر. فقلا أسئلك بحق رسولك لم سكت عني ؟ قال سليم فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان. وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة، والزبير، وابن عوف، وسعد، فقال: لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه واله ما يحل لكم ولايتهم وإن كانوا صدقوا ماحل لكم أيها الخمسة أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله صلى الله عليه واله ورد عليه. ثم أقبل على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب ؟ قالوا: صدوق لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الاسلام قال: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة، وجعل منا محمدا وأكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين، لا يبلغ عنه غيرنا، ولا تصلح الامامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا ولا حقا، اما رسول الله صلى الله عليه واله خاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول، ختم برسول الله الانبياء إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه فرض طاعتنا في كتابه


[ 221 ]

وقرننا بنفسه ونبيه، في غير آية من القرآن، فالله عزوجل جعل محمدا نبيا، وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل، ثم أن الله عزوجل أمر نبيه أن يبلغ ذلك أمته فبلغهم كما أمره الله، فأيكما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه واله ومكانه ؟ وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه واله حين بعثني ببراءة فقال: ” لا يبلغ عني إلا رجل مني “. أنشدتكم بالله أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قالوا: ” اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله حين بعثك ببرائة “. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة (1) أربع أصابع، ولن يصلح أن يكون المبلغ عنه غيري، فأيهما أحق بمجلسه ومكانه الذي سمي بخاصه، انه من رسول الله صلى الله عليه واله ومن حضر مجلسه من الأمة ؟ فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله غيرك ؟ وقد قال – لنا ولسائر الناس -: ” ليبلغ الشاهد الغائب ” فقال – بعرفة في حجة الوداع -: ” نصر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره، فرب حامل فقه لافقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يحل عليهن قلب امرء مسلم أخلص العمل لله عزوجل: السمع، والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم، فان دعوتهم محيطة من ورائهم “. وقال: في غير موطن – ” ليبلغ الشاهد الغائب “. فقال علي عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله يوم غدير خم، ويوم عرفة في حجة الوداع، في آخر خطبة خطبها حين قال: ” إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله، وأهل بيتي، فان اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، كهاتين ولا اقول كهاتين – فأشار إلى سبابته وإبهامه، لأن أحدهما قدام الآخر – فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تزالوا، ولا تقدموهم، ولا تخلفوا عنهم، ولا تعلموهم، فانهم أعلم منكم ” إنما أمر الله العامة جميعا أن يبلغوا من لقوا من العامة ايجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وايجاب * (هامش) (1) يريد الصحيفة التى كتبت بها سورة براءة.


[ 222 ]

حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الإشياء غير ذلك، وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله جميع ما بعثه الله به غيرهم، ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لي – وانتم تسمعون -: ” يا أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك، تبرئ ذمتي، وتؤدي ديني وغراماتي، وتقاتل على سنتي ” فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله صلى الله عليه واله عداته ودينه، فاتبعتموه جميعا، فقضيت دينه وعداته، وقد أخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري، ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته، وإنما كان الذي قضى من الدين والعدة هو الذي أبرءه منه، وإنما بلغ عن رسول الله صلى الله عليه واله جميع ما جاء به من عند الله من بعد الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم، وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله. فقال طلحة: ” فرجت عني، ماكنت أدري ماعنى بذلك رسول الله صلى الله عليه واله حتي فسرته لي، فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع أمة محمد الجنة، يا أبا الحسن شيئا اريد أن أسألك عنه، رأيتك خرجت بثوب مختوم، فقلت: أيها الناس إني لم أزل مشتغلا برسول الله بغسله، وكفنه، ودفنه، ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله عندي مجموعا لم يسقط حتى حرف واحد، ولم أر ذلك الذي كتبت وألفت، وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها، وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها (1) فلم يكتب، فقال عمر: وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤن قرآنا لا يقرأه غيرهم، فقد ذهب وقد جائت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان، وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون: ان الاحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وان النور ستون ومائة آية، والحجر تسعون ومائة آية، فما هذا ؟ وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله إلى الناس، وقد عهد عثمان حين أخذ


(1) أرجأها: أخرها.

[ 223 ]

ما ألف عمر فجمع له الكتاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، فمزق مصحف أبي بن كعب، وابن مسعود، وأحرقهما بالنار ؟ فقال له علي عليه السلام، يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي بأملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بأملاء رسول الله صلى الله عليه واله وخط يدي، حتى أرش الخدش (1). قال طلحة: كل شئ من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟ قال: نعم وسوى ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه واله أسر الي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، ولو ان الأمة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه واله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه واله حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته، فقال صاحبك إن نبي الله يهجر (2)، فغضب رسول الله صلى الله عليه واله وتركها ؟ فقال، بلى قد شهدته.


(1) الأرش: الدية. (2) في شرح النهج لابن ابى الحديد ص 20 من الج 2 مسندا عن على بن عبد الله بن العباس عن ابيه قال: – لما حضرت رسول الله ” ص ” الوفاة – وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب – قال رسول الله ” ص “: ” إئتوني بكتاب وصحيفة، أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدى ” فقال عمر: كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله ” ص “. ثم قال: عندنا القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول: ” القول ما قال رسول الله ” ص ” ومن قائل يقول: ” القول ما قال عمر ” فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف، غضب رسول الله ” ص ” فقال: ” قوموا إنه لا ينبغى لنبى ان يختلف عنده هكذا ” فقاموا. فمات رسول الله ” ص ” في ذلك اليوم، – فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية: ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله ” ص ” –

[ 224 ]

قال: فانكم لما خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله بالذي أراد يكتب ويشهد عليه العامة، فأخبره جبرئيل أن الله قد قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، واشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وابا ذر، والمقداد. وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة (1) فسماني أولهم، ثم ابني هذا واشار بيده إلى الحسن والحسين. ثم تسعة من ولد ابني الحسين، كذلك كان يا أبا ذر ويا مقداد ؟ فقاما ثم قالا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه واله. فقال طلحة: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبر عند الله من ابي ذر ” وانا اشهد انهما لم يشهدا إلا بالحق، ولأنت عندي اصدق وأبر منهما. ثم اقبل علي عليه السلام فقال: اتق الله يا طلحة وانت يا زبير، وانت يا سعد، وانت يابن عوف. اتقوا الله وآثروا رضاه، واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم.


– قال ابن ابى الحديد قلت: هذا الحديث قد خرجه الشيخان: محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيرى في صحيحيهما، واتفق المحدثون كافة على روايته. (1) ينابيع المودة ص 440 قال: وفى فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قدم يهودى يقال له: ” الأعتل ” فقال: يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فان أجبتني عنها أسلمت على يديك، قال: ” سل يا ابا عمارة ” فقال: يا محمد صف لى ربك.. إلى أن قال: صدقت فاخبرني عن وصيك من هو ؟ فما من نبى الا وله وصى، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون. فقال: ” ان وصى على بن أبى طالب وبعده سبطاى الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين “. قال: يا محمد فسمهم لى قال: ” إذا مضى الحسين فابنه على، فإذا مضى على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه على، فإذا مضى على فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه على، فإذا مضى على فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدى فهؤلاء اثنى عشر ” الخ.

[ 225 ]

ثم قال طلحة: لا اراك يا ابا الحسن اجبتني عما سألتك عنه من امر القرآن ألا تظهره للناس ؟ قال: يا طلحة عمدا كففت عن جوابك، فاخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله ام فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة: بل قرآن كله. قال: ان اخذتم بما فيه نجوتم من النار، ودخلتم الجنة، فان فيه حجتنا وبيان حقنا، وفرض طاعتنا. قال طلحة حسبي اما إذا كان قرآن فحسبي. ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله، وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال: ان الذي امرني رسول الله صلى الله عليه واله ان ادفعه إليه وصبي وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم حوضه، هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم، اما ان معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن ابي العاص، واحد بعد واحد، تكملة اثنا عشر أمام ضلالة، وهم الذين رأى رسول الله صلى الله عليه واله على منبره: يردون الأمة على ادبارهم القهقري (1) عشرة منهم من بني امية ورجلان اسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع اوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة. وفي رواية ابى ذر الغفاري (2) انه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه واله جمع


(1) تفسير الطبري ج 15 ص 73 والقرطبى ج 10 ص 283 من طريق سهل ابن سعد قال: رأى رسول الله ” ص ” بنى أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات. وأنزل الله تعالى: ” وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا. الأسراء: 60 (2) أبو ذر الغفاري. واسمه. جندب – بالجيم المضمومة والنون الساكنة والدال غير المعجمة المفتوحة. والباء المنقطة تحتها نقطة – بن جنادة – بالجيم المضمومة والنون –

[ 226 ]

علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والانصار وعرضه عليهم لما قد اوصاه


– والدال بعد الألف غير المعجمة – وقيل جندب بن السكن وقيل بريد بن جنادة. عن عبد الله بن الصامت قال: قال لى أبو ذر: ” يابن أخى صليت قبل الاسلام باربع سنين ” قلت له من كنت تعبد ؟ قال: (إله السماء) قلت فأين كانت قبلتك قال: (حيث وجهنى الله عزوجل). وهو رابع من أسلم من الرجال فأول من أسلم على بن أبى طالب، ثم أخوه جعفر الطيار، ثم زيد بن حارثة، وكان أبو ذر رحمه الله رابعهم. وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بالرجوع إلى أهله وقال له: (انطق إلى بلادك حتى يظهر أمرنا) فرجع إليها حتى ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية، وهى مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة بثمانية أشهر، ثم شهد مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله. وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشره وحده، ويدخل الجنة وحده. وقال: صلى الله عليه وآله أبو ذر في أمتى شبيه عيسى بن مريم في زهده وورعه. وقال أمير المؤمنين (ع) وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أولى عليه فلم يخرج شيئا. وعن أبى عبد الله (ع): دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل فقال جبرئيل: من هذا يارسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: أبو ذر. قال أبو ذر أما إنه في السماء أعرف منه في الارض، سل عن كلمات يقولهن إذا أصبح. قال: فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن ؟ قال يارسول الله (اللهم إنى أسألك الأيمان بك والتصديق بنبيك، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس) وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرتد أبو ذر، وامتنع عن البيعة لأبى بكر. وانكر عليه قيامه مقام النبي صلى الله عليه وآله وغصبه للخلافة، وهو احد الأركان الأربعة وهم: سلمان والمقداد، وحذيفة، وابوذر، وممن حضر تشييع فاطمة، ولزم عليا عليه السلام وجاهر بذكر مناقب اهل البيت، ومثالب اعدائهم، وصبر على المشقة والعناء. وما كانت تأخذه في الله لومة لأئم. وكان يقول: اوصاني خليلي بست: –

[ 227 ]

بذلك رسول الله صلى الله عليه واله، فلما فتحه أبو بكر خرج في اول صفحة فتحها فضائح


– حب المساكين، وان انظر إلى من هو فوقى، وان اقول الحق وان كان مرا، وان لا تأخذني في الله لومة لائم. وقال له فتى من قريش مرة: اما نهاك امير المؤمنين عن الفتيا ؟ فقال: أرقيب انت على ؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمامة هيهنا، ثم ظننت انى منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ان تحتزوا لأنفذتها. وبينا هو واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا اباذر انت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدى) قال أبو ذر: في الله ؟ قال: (في الله) فقال ابو ذر: مرحبا بأمر الله. ولما قام ثالث القوم نافجا حضنيه – كما قال امير المؤمنين (ع) – بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضم الأبل نبتة الربيع. كان من الطبيعي ان يشتد نكير ابى ذر على الدولة الأموية، والسلالة الخبيثة، والشجرة الملعونة. فارسل إليه عثمان ” 200 ” دينار بيد موليين له وقال لهما انطلقا إلى ابى ذر وقولا له: ان عثمان يقرئك السلام ويقول لك: هذه ” 200 ” دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما اعطاني ؟ قالا: لا. فردها عليه. ودخل يوما على عثمان، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه، ويعطى في السبل ويفعل ويفعل. قال كعب: انى لأرجو له خيرا، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: ” يابن اليهودية انت تعلمنا معالم ديننا، وما يدريك ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السوبداء من قلبه “. ولما اشتد انكاره على عثمان نفاه إلى الشام، فواصل النكير على عثمان ومعاوية، وكان يقول: والله انى لأرى حقا يطمى، وباطلا يحيى، وصادقا مكذبا، واثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه. فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب إليه ان احمل ابا ذر على باب صعبة، وقتب ثم ابعث من ينجش به نجشا عنيفا حتى يدخل به على. ثم نفاه عثمان إلى الربذة وشيعه عند خروجه إلى الربذة امير المؤمنين، والحسن، –

[ 228 ]

القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف ثم احضروا زيد بن ثابت – وكان قاريا للقرآن – فقال له عمر: ان عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والانصار، وقد رأينا ان نؤلف القرآن ونسقط منه ماكان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والانصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فان انا فرغت من القرآن على ما سألتم واظهر علي القرآن الذي ألفه اليس قد بطل كل ما عملتم ؟ قال عمر: فما الحيلة ؟ قال زيد: انتم اعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون ان نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك. فلما استخلف عمر سئل عليا عليه السلام ان يدفع إليهم القرآن فيحر فوه فيما بينهم، فقال: يا ابا الحسن ان جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى ابى بكر حتى نجتمع عليه، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، انما جئت به إلى ابى بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به ان القرآن الذي عندي لا يمسه الا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لأضهاره وقت معلوم. فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه (1). وقال سليم بن قيس: بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ


– والحسين عليهم السلام ومات رحمه الله في الربذة سنة ” 32 ” وصلى عليه ابن مسعود. خلاصة العلامة ص 36، رجال، الكشى ص 27 تهذيب التهذيب ج 12 ص 90 حلية الأولياء ج 1 ص 156، صفة الصفوة ج 1 ص 238 وج 1 م رجال المامقانى، رجال الشيخ الطوسى ص 13 – 36. (1) ذكر المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 462 بعد نقل هذه الرواية عن الأحتجاج ما يلى: اقول روى الصدوق ” ره ” مختصرا من هذا الأحتجاج عن ابيه وابن الوليد معا عن سعد عن ابن يزيد عن حماد بن عيسى عن اذينة عن ابان بن ابي عياش عن سليم بن قيس

[ 229 ]

بحلقة الباب ثم نادى بأعلا صوته في الموسم: ” أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن جهلني فانا جندب بن جنادة، انا أبو ذر أيها الناس اني قد سمعت نبيكم يقول: ” إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجى ومن تركها غرق، ومثل باب حطة في بني اسرائيل ” أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول: ” إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث ” فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له: ” ما حملك على ما قمت به في الموسم ” قال: عهد عهده الي رسول الله صلى الله عليه واله وأمرني به فقال من يشهد بذلك، فقام علي والمقداد فشهدا، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان: ” إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شئ “. وروي: أن يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن ابي طالب عليه السلام: ” إن تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك ” قال علي عليه السلام: ومن هو خير مني، قال: أبو بكر وعمر. فقال علي عليه السلام: كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم. قال سليم بن قيس: حدثني سلمان والمقداد، وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر، ثم سمعته من علي بن أبي طالب عليه السلام، قالوا: إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب: فاخر العرب وأنت أكرمهم ابن عما، وأكرمهم صهرا، وأكرمهم زوجة، وأكرمهم ولدا، وأكرمهم أخا، وأكرمهم عما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما، وأقدمهم سلما، وأعظمهم غنا بنفسك ومالك، وأقرئهم بكتاب الله، وأعلمهم بسنتي، وأشجعهم لقاء، وأجودهم كفا، وأزهدهم في الدنيا، وأشدهم اجتهادا، واحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا، وأحبهم إلى الله والي، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك، ثم تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت اعوانا، فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله، ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه.


[ 230 ]

قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا، فقال له سلمان: ” عليك بكتاب الله فالزمه، وعلي ابن أبي طالب فانه مع القرآن لا يفارقه، فأنا اشهد انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” ان عليا يدور مع الحق حيث دار، وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل ” قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق قال: نحلهما الناس إسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى الله عليه واله، وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بأمرة المؤمنين. وروى القاسم بن معاوية (1) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: ” سبحان الله غير واكل شئ حتى هذا ” قلت: نعم. قال: ” إن الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الكرسي كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي امير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل السموات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل


لم اعثر في كتب الرجال على صاحب هذا الأسم ولعله القاسم بن بريد بن معاوية العجلى عده الشيخ الطوسى في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وفي خلاصة العلامة: القاسم بن بريد – بالباء المنقطة تحتها نقطة مضمومة – ابن معاوية العجلى ثقة روى عن أبي عبد الله ” ع “.

[ 231 ]

الجبال كتب في رؤسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عزوجل الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عزوجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام وعن عبد الله بن الصامت (1) قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب ابن السكن بن عبد الله أنا أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلى الله عليه واله سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: وذكر الحديث بطوله إلى قوله، ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، لو قدمتم من قدمه الله واخرتم من أخره الله، وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال ولي الله، ولما ضاع فرض من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله، الا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم، فذوقوا وبال ما كسبتم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وروى عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: إن العلم الذي هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون عليهم السلام في عترة نبيكم، فاين يتاه بكم ؟ قال سليم بن قيس: سأل رجل علي بن ابي طالب عليه السلام فقال – وانا اسمع – أخبرني بافضل منقبة لك، قال: ما أنزل الله في كتابه ؟ قال: وما انزل لله فيك


(1) عبد الله بن الصامت، ابن اخي ابي ذر عنونه ابن داود في الباب الأول كذلك، ونسب إلى الشيخ ” ره ” في رجاله عده من اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مضيفا إلى ما في العنوان قوله: ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا انتهى. ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ ” ره “، وعندي نسخ عديدة مصححة، ليس من ذلك في شئ منها اثر وإنما الموجود فيها: عبادة بن صامت آخر ما نسبه في رجال الشيخ ” ره ” فهو سهو من قلمه الشريف. رجال المامقانى ج 2 ص 189

[ 232 ]

قال ” أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه (1) ” انا الشاهد من رسول الله صلى الله عليه واله وقوله: ” ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (2) ” اياي عنى بمن عنده علم الكتاب فلم يدع شيئا انزله الله فيه الا ذكره، مثل قوله: ” انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” وقوله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) ” وغير ذلك، قال قلت: فأخبرني بأفضل منقبة


(1) هود: 17 الحموينى في فرائد السمطين اخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زاده وهما عن على كرم الله وجهه قال: ان رسول الله ” ص ” كان على بينة من ربه وانا التالى الشاهد منه. – ايضا ابن المغازلى اخرج بسنده عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول في خطبته – ما نزلت آية من كتاب الله الا وقد علمت متى انزلت، فيمن انزلت، وما من قريش رجل الا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عزوجل تسوقه إلى جنة أو نار قال رجل: يا امير المؤمنين فما نزلت فيك ؟ قال: اما تقرأ ” افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه الآية فرسول الله على بينة من ربه وانا التالى الشاهد منه ينابيع المودة ص 99 (2) الرعد: 43. عن عطية العوفى عن ابى سعيد الخدرى قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الآية: (الذى عنده علم من الكتاب) قال: (ذاك وزير اخى سليمان بن داود (ع). وسألته عن قول الله عزوجل: (قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك اخى على بن ابى طالب. ينابيع المودة ص 103 (3) النساء: 59. في ص 114 من ينابيع المودة قال: في المناقب في تفسير مجاهد: ان هذه الآية نزلت في امير المؤمنين (ع) حين خلفه –

[ 233 ]

لك من رسول الله صلى الله عليه واله، فقال نصبه اياي يوم غدير خم فقال لي بالولاية بأمر الله عزوجل. وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه واله ليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا، فاخذتني الحمى ليلة فاسهرتني فسهر رسول الله صلى الله عليه واله لسهري، فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له، ثم يأتيني يسألني وينظر الي فلم يزل ذلك دأبه حتى اصبح فلما صلى بأصحابه الغداة قال: ” اللهم اشف عليا وعافه فانه، اسهرني الليلة مما به ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: – بمسمع من اصحابه -: ” ابشر يا علي ” قلت: بشرك الله بخير يارسول الله وجعلني فداك، قال: ” اني لم اسئل الله الليلة شيئا الا اعطانيه، ولم اسأله لنفسي شيئا الا سئلت لك مثله، واني دعوت الله عزوجل ان يؤاخي بيني وبينك ففعل، وسئلته ان يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل وسألته ان يجمع عليك امتي بعدي فابى علي ” فقال رجلان احدهما لصاحبه: ” أرأيت ما سأل ؟ فوالله لصاع من تمر خير مما سأل: ولو كان سأل ربه ان ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه، أو ينزل عليه كنزا ينفقه واصحابه فان بهم حاجة كان خيرا مما سأل، وما دعا عليا قط إلى خير الا استجاب له. * * * احتجاجه (ع) على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها. فقال: ان الله ذا الجلال والأكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده، وارسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه، وشرع له دينه


– رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال: اما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى حين قال موسى: اخلفنى في قومي واصلح.

[ 234 ]

وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول الله عزوجل ذكره حيث أمر فقال: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم ونقضتم الأمر، ونكثتم العهد، ولم تضرا الله شيئا، وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله والى رسوله والى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم، فاقررتم ثم جحدتم، وقد قال الله لكم: ” أوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون (1) ” ان أهل الكتاب والحكمة والأيمان آل إبراهيم عليه السلام بينه الله لهم فحسدوا، فأنزل الله جل ذكره: ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (2) ” ” فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (3) ” فنحن آل ابراهيم فقد حسدنا آبائنا، وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عزوجل بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، واصطفاه على العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغاوين، ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين، ونوح حسده قومه فقالوا: ” ماهذا الا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم انكم إذا لخاسرون (4) ” ولله الخيرة يختار من يشاء ويختص برحمته من يشاء ويؤتي الحكمة والعلم من يشاء ثم حسدوا نبينا محمدا صلى الله عليه واله، ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، ونحن المحسودون كما حسد آبائنا، قال الله عزوجل: ” ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (5) ” وقال: ” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (6) ” فنحن أولى الناس بابراهيم، ونحن ورثناه ونحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل ابراهيم، افترغبون عن ملة


(1) البقرة: 40 (2) النساء: 54 (3) النساء: 55 (4) المؤمنون: 33 – 34 (5) آل عمران 68 (6) الأحزاب: 6

[ 235 ]

ابراهيم ؟ وقد قال الله تعالى: ” ومن تبعني فانه مني (1) ” يا قوم أدعوكم إلى الله والى رسوله، والى كتابه، والى ولي أمره، والى وصيه ووارثه من بعده، فاستجيبوا لنا، واتبعوا آل ابراهيم، واقتدوا بنا، فان ذلك لنا آل ابراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي الينا، وذلك دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال: ” فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (2) ” فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل علينا، ولا تتفرقوا فتضلوا، والله شهيد عليكم، قد انذرتكم، ودعوتكم، وأرشدتكم، ثم أنتم وما تختارون. * * * احتجاج امير المؤمنين (ع) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما ازمعا على الخروج عليه والحجة في انهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة. روي عن ابن عباس رحمه الله انه قال: كنت قاعدا عند علي عليه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما، وقال: قد اعتمرتما فاعادا عليه الكلام فأذن لهما، ثم التفت الي فقال: والله ما يريدان العمرة، وانما يريدان الغدرة قلت له فلا تأذن لهما فردهما، ثم قال لهما: والله ما تريدان العمرة وما تريدان الا نكثا لبيعتكما، وفرقة لامتكما، فحلفا له فأذن لهما، ثم التفت الي فقال: والله ما يريدان العمرة قلت: فلم اذنت لهما ؟ قال، حلفا لي بالله، قال: فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها. وروي انه عليه السلام قال عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عايشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: اما بعد فان الله عزوجل بعث محمدا صلى الله عليه واله للناس كافة، وجعله رحمة للعالمين


(1) ابراهيم: 36 (2) ابراهيم: 37

[ 236 ]

فصدع بما أمر به (1) وبلغ رسالات ربه، فلم به الصدع (2) ورتق به الفتق (3) وأمن به السبل (4) وحقن بو الدماء (5) وألف بين ذوي الأحن (6) والعداوة والوغر في الصدور، والضغائن الراسخة في القلوب، ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الأمرة، وتولى أبو بكر، وبعده عمر، ثم عثمان، فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم: ” بايعنا ” فقلت: ” لا افعل ” فقلتم: ” بلى ” فقلت: ” لا ” وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتكم فجذبتموها، وتداككتم علي تداك الأبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا للأمة الغوائل، فعاهداني، ثم لم يفيا لي، ونكثا بيعتي، ونقضا عهدي، فعجبا من انقيادهما لأبى بكر وعمر، وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت: ” اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما “. وقال: عليه السلام في أثناء كلام آخر. وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة، ولا من ذرية الرسول، حين رأيا أن قد رد علينا حقنا، بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا، ولا شهرا كاملا، حتى وثبا علي، دأب الماضين قبلهما، ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني، ثم دعا عليهما.


(1) صدع بالأمر: أبانه وأظهره (2) الصدع: الكسر. (3) الرتق: ضد الفتق وهو: الألتيام. (4) السبل: الطرق. (5) حقنت دمه: خلاف هدرته، كأنك جمعته في صاحبه. (6) الأحن: الضغائن.

[ 237 ]

وعن سليم بن قيس الهلالي قال: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة يوم الجمل. نادى الزبير يا أبا عبد الله أخرج الي: فخرج الزبير ومعه طلحة. فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبى بكر: أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه واله، وقد خاب من افترى. قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة ؟ ! فقال عليه السلام: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم، فقال له الزبير: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي: انه سمع من رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” عشرة من قريش في الجنة ” ؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال الزبير أفترا كذب على رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقال له علي عليه السلام: ” لست أخبرك بشئ حتى تسميهم ” قال الزبير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وابو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل. فقال له علي عليه السلام: ” عددت تسعة فمن العاشر ؟ ” قال له: أنت قال علي عليه السلام: قد اقررت اني من أهل الجنة، واما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فانا به من الجاحدين الكافرين، قال له، أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال عليه السلام: ما أراه كذب، ولكنه والله اليقين. فقال علي عليه السلام: والله ان بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة، سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله والا اظفرك الله بي وسفك دمى على يديك، والا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دمائكم على يدي وعجل ارواحكم إلى النار، فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي. وروى نصر بن مزاحم (1) ان امير المؤمنين عليه السلام حين وقع القتال وقتل طلحة، تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه واله الشهباء بين الصفين، فدعا الزبير فدنى إليه حتى


(1) نصر بن مزاحم المنقرى العطار، أبو الفضل كوفى مستقيم الطريقة صالح الأمر، غير أنه يروى عن الضعفاء، كتبه حسان كما في خلاصة العلامة

[ 238 ]

اختلف أعناق دابتيهما، فقال: يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول انك ستقاتل عليا وأنت له ظالم ؟ قال: نعم. قال: فلم جئت ؟ قال: جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول: ترك الأمور التي تخشى عواقبها * لله أجمل في الدنيا وفي الدين أتى علي بامر كنت اعرفه * قد كان عمر ابيك الخير مذحين فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني فاخترت عارا على نار مؤججة * أنى يقوم لها خلق من الطين نبئت طلحة وسط النقع منجدلا * مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين قد كنت أنصر احيانا وينصرني * في النائبات ويرمي من يراميني حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني قال: وأقبل الزبير على عائشة، فقال: يا أمه مالي في هذا بصيرة، واني منصرف. فقالت عائشة: يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب ؟ فقال، انها والله طوال حداد، تحملها فتية انجاد (1)، ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم، أخبر الاحنف بانصرافه فقال: ما أصنع به ان كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله. فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه – وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب ومعه غلامه – فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير، فحرك الرجلان رواحلهما، وخلفا الزبير وحده، فقال لهما الزبير: مالكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة، فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير: اليك عني فقال ابن جرموز: يا أبا عبد الله اني جئتك لأسئلك عن أمور الناس. قال: تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف. قال ابن جرموز: أخبرني عن أشياء أسألك عنها. قال: هات قال: أخبرني عن خذلك عثمان، وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته، وعن إخراجك عائشة، وعن صلاتك خلف ابنك، وعن هذا


(1) انجاد: اشداء شجعان. (*)

[ 239 ]

الحرب التي جنيتها، وعن لحوقك بأهلك. فقال: اما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطية، وأخر فيه التوبة، وأما بيعتي عليا، فلم أجد منها بدا، إذ بايعه المهاجرون والأنصار. وأما نقضي بيعته، فانما بايعته بيدي دون قلبي. واما إخراجي أم المؤمنين، فاردنا أمرا واراد الله أمرا غيره. واما صلاتي خلف ابني فان خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه. وقال: قتلني الله إن لم أقتلك. وروي انه جئ إلى امير المؤمنين برأس الزبير وسيفه، فتناول سيفه وقال: طال ما والله جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه واله ولكن الحين، ومصارع السوء وروي انه عليه السلام لما مر على طلحة من بين القتلى قال اقعدوه فأقعد فقال: انه كانت لك سابقة من رسول الله، لكن الشيطان دخل في منخريك فاوردك النار. وروي انه مر عليه فقال: هذا ناكث بيعتي، والمنشئ للفتنة في الأمة والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي، أجلسوا طلحة: فاجلس. فقال امير المؤمنين: يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال: أضجعوا طلحة ! وسار فقال له بعض من كان معه: يا امير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله ؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر. وهكذا فعل عليه السلام بكعب بن شور القاضي، لما مر به قتيلا، وقال: هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف، يزعم انه ناصر امه (1) يدعو الناس إلى ما فيه، وهو لا يعلم ما فيه، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد اما انه دعا الله ان يقتلني فقتله الله. وروي ان مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به. وروي ايضا ان مروان بن الحكم يوم الجمل كان يرمي بسهامه في العسكرين معا، ويقول: من اصبت منهما فهو فتح، لقلة دينه، وتهمته للجميع، وقيل: ان اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة ” عسكر ” من ولد ابليس اللعين ورؤى منه ذلك اليوم كل عجيب، لأنه كلما ابتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى


(1) أي ناصر عائشة.

[ 240 ]

حتى نادى امير المؤمنين عليه السلام: اقتلوا الجمل فانه شيطان، وتولى محمد بن أبى بكر وعمار بن ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه. وروى الواقدي (1) ان عمار بن ياسر رحمة الله عليه، لما دخل على عائشة فقال كيف رأيت ضرب نبيك على الحق ؟ فقالت: استبصرت من أجل انك غلبت فقال عمار: انا اشد استبصارا من ذلك. والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا انا على الحق، وانكم على الباطل. فقالت عائشة: هكذا يخيل اليك يا عمار. اذهبت دينك لابن أبي طالب. وروى عن الباقر عليه السلام انه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما أراني الا مطلقها فانشد الله رجلا سمع من رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ” لما قام فشهد ؟ فقال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا: انهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه واله يقول علي بن ابي طالب عليه السلام: ” يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ” قال: فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي عليه السلام: لقد انبأني رسول الله صلى الله عليه واله بنبأ فقال: ان الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.


(1) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني كان اماما عالما له التصانيف، والمغازى وفتوح الأمصار، وله كتاب الردة وغير ذلك. تولى القضاء بشرقي بغداد وولاه المأمون القضاء بعسكر المهدى، وهى المحلة المعروفة بالرصافة بالجانب الشرقي من بغداد عمرها المنصور لولده المهدى فنسب إليه. – قال ابن النديم: ان الوقدي كان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية وهو الذي روى: ان عليا ” ع ” كان من معجزات النبي ” ص ” كالعصا لموسى ” ع ” واحياء الموتى لعيسى بن مريم. – ولد سنة ” 130 ” وتوفي سنة ” 207 ” وصلى عليه محمد بن سماعة، ودفن بمقابر خيزران عن الكنى والالقاب للقمى ج 3 ص 230 – 233

[ 241 ]

وروي عن ابن عباس (1) قال لأمير المؤمنين عليه السلام حين أبت عائشة الرجوع دعها في البصرة ولا ترحلها فقال علي عليه السلام: انها لا تألوا شرا، ولكني أردها إلى بيتها. وروى محمد بن اسحاق (2) ان عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على امير المؤمنين، وكتبت إلى معاوية واهل الشام، مع الأسود بن البختري، تحرضهم عليه عليه السلام. وروي ان عمرو بن العاص قال لعائشة: لوددت انك قتلت يوم الجمل فقالت ولم لا أبا لك ؟ قال: كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة، ونجعلك اكثر للتشنيع على علي عليه السلام. * * * احتجاج ام سلمة (رض) (3) زوجة رسول الله على عائشة في الانكار عليها بخروجها على علي امير المؤمنين (ع).


(1) عبد الله بن العباس من اصحاب رسول الله ” ص ” كان محبا لعلى ” ع ” وتلميذه، حاله في الجلالة والأخلاص لأمير المؤمنين ” ع ” أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشى أحاديث تتضمن قدحا فيه، وهو اجل من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عليها رضى الله تعالى عنه. خلاصة العلامة ص 102 (2) محمد بن اسحاق اخو يزيد شعر – بالشين المعجمة والعين المهملة والراء – روى الكشى عن حمدويه عن الحسن بن موسى قال: حدثنى يزيد بن اسحاق شعر: ان محمدا اخاه كان يقول بحيات الكاظم ” ع ” فدعا له الرضا عليه السلام حتى قال بالحق خلاصة العلامة ص 151 (3) ام المؤمنين ام سلمة: بنت ابى امية بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، وامها عاتكة بنت عبد المطلب زوج النبي ” ص ” واسمها هند، وكان ابوها يعرف بزاد الركب، من المهاجرات إلى الحبشة، والى المدينة. وكانت مستودعة لبعض الوصايا وميراث النبوة وكان عندها البساط الذى سار به –

[ 242 ]

روى الشعبي (1) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي (2) قال كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا عبد الله بن الزبير فقالا له: ان عثمان


– امير المؤمنين إلى اصحاب الكهف. ولما سار امير المؤمنين ” ع ” إلى الكوفة استودعها كتبه والوصية، فلما رجع الحسن ” ع ” دفعتها إليه. ولما توجه الحسين ” ع ” إلى العراق استودعها كتبه والوصية واوصاها ان تدفعها إلى على بن الحسين ففعلت. وفى الدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي قال بعد خطبة لفاطمة ” ع ” وكلام ابى بكر فقالت ام سلمة رضى الله عنها، حيث سمعت ما جرى لفاطمة ” ع ” المثل فاطمة بنت رسول الله ” ص ” يقال هذا القول ؟ ! هي والله الحوراء بين الأنس، والنفس للنفس، ربيت في حجور الأتقياء، وتناولتها ايدى الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأ، وربيت خير مربى، اتزعمون ان رسول الله ” ص ” حرم عليها ميراثه ولم يعلمها، وقد قال الله تعالى ” وانذر عشيرتك الأقربين ” افأنذرها وخالفت متطلبه وهى خيرة النسوان، وام سادة الشبان، وعديلة ابنة عمران، تمت بأبيها رسالات ربه، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، ويوسدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويدا ورسول الله ” ص ” بمرأى منكم ! وعلى الله تردون واهالكم ؟ ؟ فسوف تعلمون ! قال: فحرمت ام سلمة عطاها تلك السنة. نعم وفى بيتها نزلت آية التطهير. وهى آخر من مات من نساء النبي ” ص ” ماتت في زمن يزيد سنة ” 63 ” راجع اسد الغابة ج 5 ص 588 سفينة البحار ج 1 ص 642 – 643. (1) الشعبى – بفتح الاول وسكون الثاني – أبو عمر عامر بن شراحيل الكوفى، ينسب إلى شعب بطن من همدان. يعد من كبار التابعين وجلتهم، وكان فقيها شاعرا. روى عن خمسين ومائة من اصحاب رسول الله ” ص ” كذا عن السمعاني. مات فجأة بالكوفة سنة 104 ويظهر من ابن خلكان ان الشعبى كان قاضيا على الكوفة. الكنى والألقاب ج 2 ص 327 – 328 (2) صحابي مجهول.

[ 243 ]

قتل مظلوما، وانا نخاف أمر أمة محمد صلى الله عليه واله ان يختل، فان رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا. فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت: سبحان الله ما أمرت بالخروج، وما تحضرني من أمهات المؤمنين الا أم سلمة فان خرجت، خرجت معها. فرجع اليهما فبلغهما ذلك فقالا: ارجع إليها فلتأتها فهى أثقل عليها منا، فرجع إليها فبلغها، فاقبلت حتى دخلت على أم سلمة فقالت: أم سلمة مرحبا بعائشة، والله ما كنت لي بزوارة فما بدالك ؟ قالت: قدم طلحة والزبير فخبرا أن امير المؤمنين عثمان قتل مظلوما. فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت يا عائشة بالأمس انت تشهدين عليه بالكفر، وهو اليوم امير المؤمنين قتل مظلوما ! فما تريدين ؟ قالت: تخرجين معنا فعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد صلى الله عليه واله قالت: يا عائشة تخرجين وقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه واله ما سمعنا ؟ ! نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك ان صدقت أتذكرين يوما كان نوبتك من رسول الله صلى الله عليه واله، فصنعت حريرة في بيتي فاتيته بها وهو صلى الله عليه واله يقول: والله لا يذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له: ” الحوأب ” امرأة من نسائي في فئة باغية، فسقط الاناء من يدي، فرفع رأسه الي وقال: ما بالك يا أم سلمة ؟ فقلت: يارسول الله صلى الله عليه واله ألا يسقط الاناء من يدي وانت تقول ما تقول ما يؤمنني ان اكون هي انا ؟ ! فضحكت أنت فالتفت اليك فقال صلى الله عليه واله مما تضحكين يا حميراء الساقين ؟ اني احسبك هيه. ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله صلى الله عليه واله من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب عليه السلام يحدثنا، فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك قال: اما والله ما يومه منك بواحدة، اما انه لا يبغضه الا منافق كذاب ؟ وانشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله صلى الله عليه واله الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر. وقد كان علي


[ 244 ]

ابن أبى طالب عليه السلام يتعاهد ثوب رسول الله صلى الله عليه واله ونعله وخفه ويصلح ما وهي منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله وهي حضرمية فهو يخصفها خلف البيت، فاستأذنا عليه فاذن لهما، فقالا: يارسول الله كيف أصبحت ؟ قال أصبحت أحمد الله، قالا: لابد من الموت، قال: اجل لابد من الموت، قالا: يارسول الله فهل استخلفت أحدا قال: ما خليفتي فيكم الا خاصف النعل فخرجا فمرا على علي بن ابى طالب عليه السلام وهو يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه واله، كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه، ثم قالت أم سلمة يا عائشة أنا اخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ ! فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يابن الزبير ابلغهما انى لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة، فرجع فبلغهما قال: فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء ابلهما ترتحل فارتحلت معهما. وروي عن الصادق عليه السلام انه قال دخلت أم سلمة بنت أبى أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلى الله عليه واله ثم قالت: يا هذه انك سدة بين رسول الله وبين امته، وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (1) وضم ظفرك فلا تنشريه، وشد عقيرتك فلا تصحريها (2) ان الله من وراء هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد اليك فعل بل نها عن الفرطة في البلاد (3) ان عمود الدين لن يثاب بالنساء ان مال (4) ولا يراب بهن ان انصدع (5)، جمال النساء غض الأطراف، وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه واله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل، ومنزل إلى منزل، ولغير الله مهواك، وعلى رسول الله


(1) أي لا توسعيه وتنشريه. (2) العقيرة: الصوت. وصحر الحمار: نهق. (3) الفرطة: بالضم الخروج والتقدم يقال: (فلان ذو فرطة في البلاد) أي اسفار كثيرة. (4) ثاب: رجع بعد ذهابه. (5) رأب الصدع: اصلحه.

[ 245 ]

تردين، وقد هتكت عنك سجافه، ونكثت عهده، وبالله أحلف أن لو سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله ان ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي فاتقي الله، واجعليه حصنا، وقاعة الستر منزلا، حتى تلقيه. ان اطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه، وانصح ما تكونين لله ما لزمته، وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه، وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة (1). فقالت لها عائشة ما أعرفني بموعظتك، وأقبلني نصحك، ليس مسيري على ما تظنين، ما انا بالمغترة، ولنعم المطلع تطلعت فيه، فرقت بين فئتين متشاجرتين، فان اقعد ففي غير حرج، وان أخرج ففي ما لا غنى بي عنه من الازدياد في الأجرة، قال الصادق عليه السلام فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول: لو كان معتصما من زلة احد * كانت لعائشة الرتبى على الناس من زوجة لرسول الله فاضلة * وذكر آي من القرآن مدراس وحكمة لم تكن الا لها جسها * في الصدر يذهب عنها كل وسواس يستنزع الله من قوم عقولهم * حتى يمر الذي يقضي على الراس ويرحم الله أم المؤمنين لقد * تبدلت لي ايحاشا بايناس فقالت لها عائشة: شتمتني يا أخت. فقالت أم سلمة: ولكن الفتنة إذا اقبلت غضت عيني البصير، وإذا ادبرت ابصرها العاقل والجاهل. * * *


(1) الرقشاء: من الحياة المنقطة بسواد وبياض. وفى المثل ” نهشني نهش الرقشاء المطرق “.

[ 246 ]

احتجاج امير المؤمنين (ع) بعد دخوله البصرة بايام على من قال من اصحابه انه ما قسم الفيئ فينا بالسوية ولا عدل في الرعية وغير ذلك من المسائل التي سال عنها في خطبة خطبها. روى يحيى بن (1) عبد الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بايام فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة، ومن أهل الفرقة، ومن أهل البدعة ومن أهل السنة ؟ فقال: ويحك اما إذا سئلتني فافهم عني ولا عليك أن تسئل عنها احدا بعدي اما اهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وان قلوا، وذلك الحق عن أمر الله تعالى وعن أمر رسوله، وأهل الفرقة المخالفون لي ولمن اتبعني وان كثروا، واما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وان قلوا، واما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وان كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت افواج، وعلى الله قبضها واستيصالها عن جدد الارض. فقام إليه عمار فقال: يا امير المؤمنين ان الناس يذكرون الفيئ ويزعمون ان من قاتلنا فهو وماله وولده فيئ لنا. فقام إليه رجل من بكر بن وائل، يدعى عباد بن قيس، وكان ذا عارضة ولسان شديد. فقال: يا امير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية، ولا عدلت بالرعية. فقال: ولم ويحك ؟ ! قال لانك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية. فقال: ايها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن. فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا فجائنا بالترهات فقال له امير المؤمنين عيله السلام ان كنت كاذبا فلا اماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف، قيل: ومن غلام ثقيف ؟


(1) راجع هامش ص 154.

[ 247 ]

فقال: رجل لا يدع لله حرمة الا انتهكها فقيل افيموت أو يقتل ؟ فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجرى من بطنه، يا اخا بكر انت امرء ضعيف الرأي، أو ما علمت انا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وان الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على فطرة، وانما لكم ما حوى عسكركم، وما كان في دورهم فهو ميراث. فان عدا أحد منهم أخذناه بذنبه، وان كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره، يا اخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه واله في اهل مكة، فقسم ماحوى العسكر، ولم يتعرض لما سوى ذلك وانما اتبعت اثره حذو النعل بالنعل، يا أخا بكر اما علمت ان دار الحرب يحل ما فيها، وان دار الهجرة يحرم ما فيها الا بالحق، فمهلا مهلا رحمكم الله فان لم تصدقوني وأكثرتم علي – وذلك انه تكلم في هذا غير واحد – فأيكم يأخذ عائشة بسهمه ؟ فقالوا: يا امير المؤمنين اصبت وأخطأنا، وعلمت وجهلنا، فنحن نستغفر الله تعالى، ونادى الناس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين، أصاب الله بك الرشاد، والسداد، فقام عباد فقال: ايها الناس انكم والله لو اتبعتموه واطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيس شعرة، وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه واله علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له: انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي فضلا خصه الله به واكراما منه لنبيه صلى الله عليه واله حيث أعطاه ما لم يعط احدا من خلقه. ثم قال امير المؤمنين عليه السلام: انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له، فان العالم اعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس، فانى حاملكم انشاء الله ان أطعتموني على سبيل النجاة، وان كان فيه مشقة شديدة، ومرارة عديدة. والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل. ثم اني اخبركم ان جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم ان لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه الا قليل منهم، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم


[ 248 ]

واما عائشة فادركها رأي النساء، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء، ويعذب من يشاء. عن الأصبغ بن نباتة (1) قال: كنت واقفا مع امير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه فقال يا امير المؤمنين كبر القوم وكبرنا، وهلل القوم وهللنا، وصلى القوم وصلينا، فعلى ما تقاتلهم ؟ فقال امير المؤمنين عليه السلام على ما أنزل الله جل ذكره في كتابه. فقال: يا امير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه. فقال علي عليه السلام: ما انزل الله في سورة البقرة. فقال يا امير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه. فقال علي عليه السلام


(1) الأصبغ بن نباتة – بضم النون – المجاشعى الحنظلي كان من خاصة أمير المؤمنين ومن ذخائره وقد بايعه على الموت. وكان من ثقاته ” ع ” روى انه دعا يوما كاتبه عبيد الله بن أبى رافع فقال، أدخل عشرة من ثقاتي ! فقال: سمهم يا امير المؤمنين فسماه في أولهم وكان رحمه الله من فرسان اهل العراق، وكان يوم صفين على شرطة الخميس، وقال لأمير المؤمنين ” ع “: قدمنى في البقية من الناس فانك لا تفقد لى اليوم صبرا ولا نصرا، قال عليه السلام: ” تقدم باسم الله والبركة ” وأخذ رايته وسيفه، فمضى بالراية مرتجزا فرجع وقد خضب سيفه ورمحه دما، وكان إذا لقى القوم لا يغمد سيفه وكان شيخا ناسكا عابدا، قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين ” ع ” وانا ادعو الله عزوجل إذ خرج امير المؤمنين ” ع ” فقال: ” يا أصبغ ! ” قلت: ” لبيك ” قال: ” أي شئ كنت تصنع ؟ ” قلت: ” ركعت وانا ادعو الله ” قال: ” أفلا أعلمك دعاءا سمعته من رسول الله ” ص ” ؟ ” قلت بلى. قال: قل: ” الحمد لله على ماكان والحمد لله على كل حال ” ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الأيسر وقال: ” يا أصبغ لئن ثبتت قدمك، وتمت ولايتك، وانبسطت يدك، فالله أرحم بك من نفسك روى عن أمير المؤمنين عليه السلام عهده للأشتر ووصيته لمحمد بن الحنفية، وعمر بعد امير المؤمنين عليه السلام ومات مشكورا. رجال الطوسى ص 34، رجال العلامة ص 24، سفينة البحار ج 2 ص 7، 8، 10

[ 249 ]

هذه الآية: ” تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جائتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (1) ” فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا. فقال الرجل: كفر القوم ورب الكعبة. ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله. عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال اتى رجل امير المؤمنين عليه السلام بعد الجمل، فقال: يا امير الؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت وجثة قد زالت، ونفس قد فاتت، لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى، فالله الله مما يجللني من هذا ان يك شرا فهذا نتلقى بالتوبة، وان يك خيرا ازددنا منه اخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه، أفتنة عرضت لك فانت تنفع الناس بسيفك (2) ام شئ خصك به رسول الله ؟. فقال عليه السلام: اذن أخبرك، اذن أنبئك، اذن احدثك، إن ناسا من المشركين اتوا رسول الله صلى الله عليه واله واسلموا، ثم قالوا لأبى بكر: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه واله حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع. فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه واله فاستأذن لهم، فقال، عمر: يارسول الله أنرجع من الأسلام إلى الكفر ؟ فقال: وما علمك يا عمران ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم، ثم انهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه ان يستأذن لهم على النبي فاستأذن لهم، وعنده عمر فقال: مثل قوله فغضب رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال: والله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرود، فقال له أبو بكر فداك أبي وأمى يارسول الله انا هو ؟ قال: لا. قال عمر: فمن هو يارسول الله ؟ فأومى الي وانا اخصف نعل رسول الله صلى الله عليه واله وقال: ” هو خاصف النعل عندكما، ابن


(1) البقرة: 253. (2) أي تأخذهم بطرف سيفك من بعيد.

[ 250 ]

عمي، واخي، وصاحبي، ومبرئ ذمتي، والمؤدي عني ديني، وعداتي، والمبلغ عني رسالاتي، ومعلم الناس من بعدي، ومبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون ” فقال الرجل: اكتفي منك بهذا يا امير المؤمنين ما بقيت. فكان ذلك الرجل اشد اصحاب علي عليه السلام فيما بعد على من خالفه. عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما فرغ علي عليه السلام من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب (1) ثم صعد عليه فخطب، فحمد الله واثنى عليه فقال: يا اهل البصرة، يا اهل المؤتفكة (2) يا اهل الداء العضال (3)، اتباع البهيمة (4)، يا جند المرأة (5) رغا فاجبتم (6) وعقر فهربتم، ماءكم زعاق (7) ودينكم نفاق، واخلاقكم دقاق. ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن اسبغ الوضوء. فقال: يا امير الؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، يصلون الخمس، ويسبغون الوضوء. فقال له امير المؤمنين عليه السلام: قد كان ما رأيت فما منعك ان تعين علينا عدونا. فقال: والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وانا لا أشك في ان التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد: ” يا حسن إلى اين ارجع فان القاتل والمقتول في النار ” فرجعت ذعرا


(1) القتب – بالتحريك – رحل البعير. (2) المؤتفكة: المنقلبة قال تعالى – في قرى قوم لوط التى انقلبت باهلها -: والمؤتفكة اهوى، وفى الحديث البصرة احدى المؤتفكات. (3) الداء العضال – بعين مضمومة -: المرض الصعب الشديد الذى يعجز عنه الطبيب. (4) يريد: الجمل الذى ركبته عائشة. (5) يريد: عائشة. (6) رغا فأجبتم أي الجمل رغا والرغاء – كغراب -: صوت ذوات الخف وقد رغا البعير يرغو رغاءا إذا ضج ورغت الناقة صوتت فهى راغية. (7) الزعاق – كغراب -: الماء المر الغليظ الذى لا يطاق شربه.

[ 251 ]

وجلست في بيتي، فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنطت، وصببت علي سلاحي وخرجت اريد القتات، حتى انهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي: ” يا حسن إلى اين مرة بعد أخرى فان القاتل والمقتول في النار ” قال علي عليه السلام: صدقك أفتدري من ذلك المنادي ؟ قال: لا. قال عليه السلام: ذلك أخوك ابليس، وصدقك ان القاتل والمقتول منهم (1) في النار، فقال الحسن البصري الآن عرفت يا امير المؤمنين ان القوم هلكى. وعن ابى يحيى الواسطي (2) قال: لما افتتح امير المؤمنين عليه السلام اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري ومعه الألواح، فكان كلما لفظ امير المؤمنين عليه السلام بكلمة كتبها، فقال له امير المؤمنين عليه السلام – باعلى صوته – ما تصنع ؟ فقال نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم، فقال امير المؤمنين عليه السلام: اما ان لكل قوم سامري وهذا سامري هذه الأمة، اما انه لا يقول لا مساس ولكن يقول لا قتال. * * * احتجاجه (ع) على قومه في الحث على المسير إلى الشام لقتال معاوية وفيما أخذ عليهم من العهد والميثاق بالطاعة له حال بيعتهم اياه. روي انه عليه السلام لما عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية قال – بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه واله -: اتقوا الله عباد الله واطيعوه، واطيعوا امامكم، فان الرعية الصالحة تنجو بالأمام العادل، الا وان الرعية الفاجرة تهلك بالامام الفاجر، وقد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقي، ناكثا لبيعتي،


(1) أي القاتل والمقتول من اصحاب الجمل في النار (2) أبو يحيى الواسطي واسمه سهيل بن زياد الواسطي له كتاب. لقى أبا محمد العسكري أمه بنت محمد بن نعمان أبى جعفر الأحول الملقب بمؤمن الطاق المتكلم المشهور. رجال الشيخ ص 476 رجال النجاشي ص 137

[ 252 ]

طاغيا في دين الله عزوجل، وقد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس، فجئتموني راغبين الي في أمركم، حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني، فالتويت عليكم لأبلو (1) ما عندكم فراددتموني القول مرارا وراددتكم، وتداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها حرصا على بيعتي، حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا، فلما رأيت ذلك منكم رويت في امركم وامري، وقلت ان انا لم اجبهم إلى القيام بامرهم لم يصيبوا احدا منهم يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي، وقلت والله لا ليتهم وهم يعلمون حقي وفضلي أحب الي من ان يلوني وهم لا يعرفون حقي وفضلي، فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين، وفيكم المهاجرون والأنصار، والتابعون باحسان، فاخذت عليكم عهد بيعتي، وواجب صفقتي، عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذ على النبيين من عهد وميثاق، لتقرن لي، ولتسمعن لامري، ولتطيعوني، وتناصحوني، وتقاتلون معي كل باغ علي أو مارق ان مرق، فأنعمتم لي بذلك جميعا، وأخذت عليكم عهد الله وميثاقه، وذمة الله وذمة رسوله، فاجبتموني إلى ذلك جميعا، واشهدت الله عليكم، واشهدت بعضكم على بعض، فقمت فيكم بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه واله، فالعجب من معاوية بن ابى سفيان ينازعني الخلافة، ويجحد لي الأمامة، ويزعم انه احق بها مني، جرأة منه على الله وعلى رسول الله صلى لله عليه واله، بغير حق له فيها ولا حجة، ولم يبايعه المهاجرون ولا سلم له الأنصار والمسلمون. يا معشر المهاجرين والأنصار وجماعة من سمع كلامي، أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة، أما بايعتموني على الرغبة، أما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي ؟ اما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة ابى بكر وعمر، فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا ونقض علي ولم يف لي ؟ ! أما يجب عليكم نصحي ويلزمكم أمري ؟ أما تعلمون أن بيعتي يلزم الشاهد منكم والغائب ؟ فما بال معاية واصحابه طاغون في بيعتي ؟ ولم لم يفوا لي وانا في قرابتي وسابقتي وصهري أولى بالامر ممن


(1) أي لأختبر ما عندكم.

[ 253 ]

تقدمني ؟ أما سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه واله يوم الغدير في ولايتي وموالاتي ؟ فاتقوا الله أيها المسلمون وتحاثوا على جهاد معاوية القاسط الناكث، واصحابه القاسطين الناكثين، اسمعوا ما اتلوا عليكم من كتاب الله المنزل، على نبيه المرسل لتتعظوا، فانه والله ابلغ عظة لكم، فانتفعوا بموعظة الله، وازدجروا عن معاصي الله، فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه صلى الله عليه واله: ” ألم تر إلى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ان لا تقاتلوا قالوا وما لنا لا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (1) ” وقال لهم نبيهم: ” ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم (2) ” ايها الناس ان لكم في هذه الآيات عبرة، لتعلموا ان الله جعل الخلافة والأمرة من بعد الانبياء في أعقابهم، وانه فضل طالوت وقدمه على الجماعة باصطفائه اياه، وزيادة بسطه في العلم والجسم، فهل تجدون ان الله اصطفى بني أمية على بني هاشم، وزاد معاوية علي بسطة في العلم والجسم. واتقوا الله عباد الله وجاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له قال الله سبحانه: ” لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يعملون انما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وأنفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون (3) ” وقال سبحانه: ” يا ايها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذبوبكم


(1) البقرة: 246 (2) البقرة: 247 (3) المائدة: 78

[ 254 ]

ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (1) “. اتقوا الله عباد الله وتحاثوا على الجهاد مع امامكم فلو كان لي منكم عصابة بعدد اهل بدر إذا امرتهم اطاعوني وإذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن كثير منكم، واسرعت النهوض إلى حرب معاوية واصحابه فانه الجهاد المفروض. ومن كلامه عليه السلام يجري مجرى الاحتجاج مشتملا على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية والتفنيد متضمنا اللوم والوعيد. أيها الناس اني استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا (2) واسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، شهودا بالغيب (3) اتلوا عليكم الحكمة فتعرضون عنها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها، كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين ايادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا، تضربون الأمثال وتنشدون الاشعار، وتجسسون الأخبار، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأخبار جهلا من غير علم، وغفلة من غير ورع، وتتبعا من غير خوف، ونسيتم الحرب والاستعداد لها، فاصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأضاليل، فالعجب كل العجب، وكيف لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم، وتخاذلكم عن حقكم يا اهل الكوفة انتم كأم مخالد حملت فاملصت (4) فمات قيمها وطال أيمها (5) وورثها أبعدها، والذي فلق الحبة وبرئ النسمة، ان من ورائكم الاغبر الأدبر جهنم الدنيا لا تبقي ولا تذر، ومن بعده النهاش الفراس، الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني امية عدة ما الآخر منهم بارق بكم من الأول، ماخلا


(1) الصف: 10 (2) النفر الخروج إلى الغزو واصله الفزع. (3) الشهود: الحضور. (4) املصت المرأة: اسقطت. (5) الأيم: التى مات زوجها.

[ 255 ]

واحد (1) بلاء قضاه الله على هذه الأمة لا محالة كائن، يقتلون اخياركم، ويستعبدون ارذالكم، ويستخرجون كنوزكم وذخايركم في جوف حجالكم، نقمة بما صنعتم من أموركم، وصلاح انفسكم ودينكم. يا اهل الكوفة اخبركم بما يكون قبل ان يكون، لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به اتعظ واعتبر، كأنى بكم تقولون: ان عليا يكذب، كما قالت قريش لنبيها صلى الله عليه واله وسيدها نبي الرحمة، ” محمد بن عبد الله ” فياويلكم فعلى من أكذب أعلى الله فانا أول من عبده ووحده ؟ ! أم على رسوله فانا أول من آمن به وصدقه ونصره ؟ ! كلا ولكنها لهجة خدعة ! كنتم عنها اغنياء، والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم، ولا ينفعكم عندها علمكم، فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال (2)، اما والله أيها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهوائهم (3) ما اعز الله نصر من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم (4) ولاقرت عين من آواكم، كلامكم يوهن الصم الصلاب (5) وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب، ويحكم أي دار بعد داركم تمتعون ومع أي امام بعدي تقاتلون المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا أصدقكم قولكم، فرق الله بيني وبينكم، واعقبني بكم من هو خيرا لي منكم، واعقبكم بي من هو شرا لكم مني، امامكم يطيع الله وأنتم تعصونه


(1) هو عمر بن عبد العزيز. (2) الحجال – جمع حجلة – وهى: الغرفة وربات الحجال النساء. (3) الأهواء – جمع هوى – وهو ما تميل إليه النفس محمودا كان أو مذموما ثم غلب في الأستعمال على غير المحمود. (4) قاساكم: قهركم. (5) الصم – جمع اصم – وهو من الحجارة: الصلب المصمت. والصلاب – جمع صليب وهو: الشديد.

[ 256 ]

وامام اهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، والله لوددت ان معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم، والله لوددت أني لم أعرفكم، ولم تعرفوني، فانها معرفة جرت ندما لقد ورثتم صدري عيظا، وأفسدتم علي امري بالخذلان والعصيان، حتى لقد قالت قريش إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب، لله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني واشد بها مقاساة (1) لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم هاأنا ذا قد ذرفت على الستين، لكن لا أمر لمن لا يطاع، أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وان المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها ؟ – وترك يده على رأسه ولحيته – عهدا عهده الي النبي الأمي وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى. يا اهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا، وسرا واعلانا، وقلت لكم اغزوهم فانه ما غزي قوم في عقر ذارهم الا ذلوا، فتواكلتم (2) وتخاذلتم وثقل عليكم قولي، واستصعب عليكم امري، واتخذتموه ورائكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات، تمسيكم وتصبحكم، كما فعل باهل المثلاث من قبلكم، حيث أخبر الله عزوجل عن الجبابرة العتاة الطغاة، المستصعفين الغوات، في قوله تعالى: ” يذبحون أبنائكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (3) ” اما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون. عاتبتكم يا اهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم انتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت ان


(1) أي: اطول ممارسة واشد معالجة. (2) أي احال كل منكم الأمر إلى صاحبه ووكله إليه ولم يتوله احد منكم. (3) البقرة: 49.

[ 257 ]

الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي (1) ولكن سيسلط عليك سلطان صعب، لا يوقر كبيركم، ولا يرحم صغيركم، ولا يكرم عالمكم، ولا يقسم الفئ بالسوية بينكم، وليضربنكم، وليذلنكم، وليجرنكم في المغازي، وليقطعن سبلكم، وليجمعنكم على بابه، حتى يأكل قويكم ضعيفكم ثم لا يبعد الله من ظلم، ولقل ما أدبر شئ فأقبل، واني لأظنكم على فترة، وما علي الا النصح لكم. يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين (2) صم ذووا اسماع، وبكم ذووا السن، وعمي ذووا ابصار، لا اخوان صدق عند اللقاء، ولا اخوان ثقة عند البلاء. اللهم اني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني (3) اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير، وأمث قلوبهم كما يماث الملح (4) بالماء أما والله لو اجدا بدا (5) من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة، كل ذلك تراجعون بالهزء من القول، فرارا من الحق، والحادا إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين، واني لاعلم انكم لا تزيدونني غير تخسير، كلما امرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الارض وسألتموني التأخير، وفاع ذي الدين المطول، (6) ان قلت لكم في القيظ سيروا، قلتم الحر شديد، وان قلت لكم في البرد سيروا، قلتم القر شديد (7) كل ذلك فرارا عن الحرب، إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون، فأنتم عن حرارة السيف أعجز، فانا لله وانا إليه راجعون.


(1) أي متطلبا صلاحكم بفساد دينى. (2) منيت به: امتحنت واختبرت به. (3) سئمه: مله. (4) يماث الملح: يذوب. (5) لم تجد لك بدا من كذا أي: مخلصا منه. (6) المطول: الكثير المطل وهو: تأخير اداء الدين بلا عذر. (7) القر بالضم – البرد.

[ 258 ]

يا اهل الكوفة قد أتاني الصريح يخبرني ان ابن عمر قد نزل الأنبار (1) على اهلها ليلا في أربعة آلاف، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر، فقتل بها عاملي ابن حسان، وقتل معه رجالا صالحين، ذوي فضل وعبادة ونجدة، بوأ الله لهم جنات النعيم، وانه اباحها، ولقد بلغني ان العصبة من أهل الشام (2) كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيه تكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها، والخرص من أذنها، والأوضاح من يديها ورجليها وعضديها، والخلخال والميزر عن سوقها، فما تمتنع الا بالاسترجاع والنداء: ” يا للمسلمين ! ” فلا يغيثها مغيث، ولا ينصرها ناصر، فلو أن مؤمنا مات دون هذا ما كان عندي ملوما، بل كان عندي بارا محسنا، واعجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، قد صرتم غرضا يرمى (3) ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون، فتربت ايديكم يا اشباه الابل غاب عنها رعاتها، كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب. * * * احتجاجه (ع) على معاوية في جواب كتاب كتب إليه في غيره من المواضع وهو من احسن الحجاج واصوبها *. اما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله عليه واله لدينه، وتأييده اياه بمن ايده من أصحابه، فلقد خبأ (4) لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت (5)


(1) الأنبار: بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات ويقابلها على الجانب الغربي هيت (2) العصبة – بضم العين -: جماعة من الرجال نحو العشرة وقيل من العشرة إلى الأربعين. (3) الغرض – بالتحريك -: الهدف الذى يرمى إليه.تجد هذا الكتاب في ج 3 ص 34 من نهج البلاغة. (4) خبأه: ستره واخفاه. (5) طفق: جعل.

[ 259 ]

تخبرنا ببلاء الله عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (1)، أو داعى مسدده إلى النضال (2) وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان (3) فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله، وان نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول، والسايس والمسوس، وما للطلقاء وابناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الاولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم، هيهات لقد حن قدح ليس منها (4) وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها. ألا تربع ايها الانسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك (5)، وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر، فانك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد (6) ألا ترى – غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث -: ان قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: ” سيد الشهداء ” وخصه رسول الله صلى الله عليه واله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه (7)، أو لا ترى ان قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم


(1) مثل يضرب لمن يحمل الشئ إلى معدنه لينتفع به فيه وهجر معروفة بكثرة التمر. (2) المناضلة المرامات يقال: ناضله إذا راماه، ومسدده: الذى يعلمه الرمى وهو مثل يضرب لمن يتعالم على معلمه ومثله قوله: اعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني (3) يريد أبا بكر وعمر. (4) القدح: السهم وهذا المثل يضرب لمن يفتخر بشئ ليس فيه. (5) اربع: توقف وانتظر يقال: ” اربع على نفسك أو على ظلعك ” أي: توقف ولا تستعجل والظلع العيب. أي انت ضعيف فانته عما لا تطيقه ويقصر عنه باعك (6) أي حائد عن القصد. (7) هو حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ” ص ” وقد مر ذكره في هامش ص 194 فراجعه.

[ 260 ]

قيل: ” الطيار في الجنة وذو الجناحين ” (1) ولو لا ما نهى الله عن تزكية المرأ نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية (2) فانا صنايع ربنا، والناس بعد صنايع لنا (3) لم يمنعنا قديم عزنا، ولا عادى طولنا (4) على قومك ان خلطناكم بأنفسنا،


(1) هو جعفر بن ابى طالب ” ع ” وقد مر ذكره في هامش ص 172 من هذا الكتاب. (2) الرمية: الصيد وهو مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه والمراد هنا بمن مالت به الرمية الأول والثانى. (3) قال العلامة المجلسي في ج 8 ص 536 من بحار الأنوار: قوله عليه السلام: ” فانا صنايع ربنا ” هذا كلام مشتمل على اسرار عجيبة من غرائب شأنهم التى تعجز عنها العقول، ولنتكلم على ما يمكننا اظهاره والخوض فيه فنقول صنيعة الملك: من يصطنعه ويرفع قدره، ومنه قوله تعالى: ” اصطنعتك لنفسي ” أي اخترتك واخذتك صنيعتي، لتنصرف عن ارادتي ومحبتى. فالمعنى: انه ليس لاحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى انعم علينا، فلليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنايعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه. ويحتمل ان يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس، نصطنعه ونرفع قدره. وفى ج 3 من شرح النهج لابن أبى الحديد ص 451 قال: هذا كلام عظيم عال على الكلام، ومعناه عال على المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره، يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذى انعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس باسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه انهم عبيد الله، وان الناس عبيدهم. وقال محمد بن عبده في ص 36 من ج 3: من نهج البلاغة آل النبي: أسراء احسان الله عليهم والناس اسراء فضلهم بعد ذلك. (4) الطول: الفضل. قال العلامة المجلسي في ص 536 من ج 8 من بحار الانوار –

[ 261 ]

فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب (1) ومنا اسد الله ومنكم أسد الأحلاف (2) ومنا سيدا شباب اهل الجنة ومنكم صبية النار (3) ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب (4) في كثير مما لنا عليكم فأسلامنا ما قد سمع، وجاهليتكم لا تدفع (5) وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله تعالى: ” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ” وقوله تعالى: ” إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة. ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه واله فلجوا عليهم


– ” اقول: قد ظهر لك مما سبق ان بنى امية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه عليه السلام مع ان قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم ” ع ” اول المخلوقات ومن بدو خلق انوارهم إلى خلق اجسادهم وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات، في الارضين والسماوات، يخبر بفضلهم كل سلف خلفا، ورفع الله ذكرهم في كل أمة عزا وشرفا. (1) المكذب: أبو سفيان كان المكذب لرسول الله وعدوه المجلب عليه وقيل المراد به أبو جهل. (2) اسد الله حمزة. واسد الأحلاف قيل هو: اسد بن عبد العزى، وقيل عتبة بن ربيعة، وقيل أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب، وحالفهم على قتال النبي ” ص ” في غزوة الخندق. (3) وصبية النار: اشارة إلى الكلمة التى قالها النبي ” ص ” لعقبة بن ابى معيط حين قتله يوم بدر وقال – كالمستعطف له صلى لله عليه وآله -: ” من للصبية يا محمد ” قال: ” النار “. (4) حمالة الحطب: ام جميل بنت حرب بن أمية امرأة ابى لهب. (5) لا تدفع أي: لا تنكر وفى بعض النسخ ” وجاهليتنا ” وحينئذ يكون المعنى شرفنا وفضلنا في الجاهلية لا ينكره احد.

[ 262 ]

فان يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وان يكن بغيره فالانصار على دعواهم (1). وزعمت انى لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت، فان يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر اليك. وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقلت: اني كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى ابايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة (2) في ان يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه، ولا مرتابا في يقينه، وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني اطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها. ثم ذكرت ماكان من امري وأمر عثمان فلك ان تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له واهدى إلى مقاتلته، أم من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه ؟ أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى عليه قدره ؟ كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لأخوانهم هلم الينا، ولا يأتون البأس الا قليلا، وما كنت لأعتذر من اني كنت أنقم عليه أحداثا، فان كان الذنب إليه ارشادي وهدايتي له، فرب ملوم لاذنب له، وقد يستفيد الظنة المتنصح، وما أردت الا الأصلاح ما استطعت، وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وذكرت انه ليس لي ولا لأصحابي عندك الا السيف، ولقد أضحكت بعد استعبار، متى الفيت بنو عبد المطلب عن الاعداء ناكلين (3) وبالسيوف مخوفين فالبث قليلا يلحق الهيجاء (4) حمل، فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد


وذلك ان المهاجرين احتجوا يوم السقيفة بانهم شجرة الرسول ففلجوا – أي: ظفروا بهم – وظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية والا فالانصار على حقهم من دعوى الخلافة وفى كلا الحالين ليس لمعاوية فيها من نصيب. (2) الغضاضة: النقص. (3) ناكلين: متأخرين. (4) لبث: – بتشديد الباء -: فعل امر من ” ليث ” إذا استزاد لبثه – أي: مكثه، والهيجاء: الحرب، وحمل – بالتحريك -: هو حمل بن بدر، رجل من قشير –

[ 263 ]

وأنا مرقل (1) نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بأحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم (2) متسربلين سرابيل الموت (3) أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها (4) في اخيك، وخالك، وجدك (5) واهلك، وما هي من الظالمين ببعيد وكتب ايضا عليه السلام (6) – إلى معاوية -: اما بعد فانا كنا نحن وانت على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم بالأمس انا آمنا وكفرتم، واليوم انا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكم الاكرها (7) وبعد أن كان انف الاسلام كله لرسول الله حزبا (8). وذكرت اني قتلت طلحة والزبير، وشردت بعايشة، ونزلت بين المصرين (9) وذلك أمر غبت عنه، فلا الجناية عليك، ولا العذر فيه اليك، وذكرت انك زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم اسر أخوك (10) فان كان فيك


– اغير على ابله في الجاهلية فاستنقذها وقال: – لبث قليلا يلحق الهيجا حمل * لا بأس بالموت إذا الموت نزل فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب. (1) مرقل: مسرع والجحفل: الجيش العظيم. (2) الساطع، المنتشر. والقتام – بالفتح -: الغبار. (3) السربال: اللباس أي: لابسين لباس الموت كأنهم في اكفائهم. (4) النصال: السهام. (5) اخوه: حنظله، وخاله: الوليد بن عتبة، وجده: عتبة بن ربيعة وهو جده لأمه (6) تجد هذا الكتاب في ص 134 من ج 3 من نهج البلاغة. (7) وذلك ان ابا سفيان لم يسلم حتى قبل فتح مكة وانما دخل الاسلام خوف القتل (8) انف الاسلام: اشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح. (9) المصران: الكوفة والبصرة. (10) اخوه: عمرو بن ابى سفيان، اسر يوم بدر.

[ 264 ]

عجل فاسترفه (1) فاني ان أزرك فذلك جدير ان يكون الله عزوجل انما بعثني للنقمة منك، وان تزرني فكما قال أخو بني اسد. مستقبلين رياح الصيف تضربهم * بحاصب بين اغوار وانجاد وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد (2)، وانك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب (3) للعقل، والأولى ان يقال لك: انك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنك نشدت غير ضالتك (4) ورعيت غير سائمتك (5) وطلبت أمرا لست من أهله، ولا في معدنه، فما أبعد قولك من فعلك ! وقريب ما اشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل، على الجحود بمحمد صلى الله عليه واله، فصرعوا بمصارعهم حيث عملت لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، فلم يماشها الهوينا (6) وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس (7) ثم حاكم القوم الي احملك واياهم على كتاب الله.


(1) أي استح ولا تستعجل وفى بعض النسخ ” فاسترقه ” بالقاف فيكون المعنى فاخفه ولا تظهره. (2) اعضضته: جعلته يعضه والمراد ضربته به وهؤلاء قتلهم امير المؤمنين ” ع ” يوم بدر. (3) أي: انت الذى اعرفه، والأغلف القلب: الذى لا يدرك كأن قلبه في غلاف لا تنفذ إليه المعاني، ومقارب العقل ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به (4) الضالة: ما فقدته من مال وغيره، ونشدت طلبت، وهذا مثل يضرب لمن يطلب حقا ليس له. (5) السائمة: الماشية من الحيوان. (6) الوغى: الحرب. أي ان تلك السيوف باقية لم تخل منها الحروب ولم ترافقها المساهلة. (7) أي البيعة له عليه السلام.

[ 265 ]

واما تلك التي تريد (1) فانها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال، والسلام لاهله. وكتب عليه السلام إلى معاوية وفي كتاب آخر (2). فسبحان الله ما اشد لزومك للاهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة (3)، مع تضييع الحقايق، واطراح الوثايق، التي هي لله طلبة، وعلى عباده حجة، فاما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته، فانك انما نصرت عثمان حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام. وروى أبو عبيدة (4) قال: كتب معاوية إلى امير المؤمنين عليه السلام ان لي فضائل كثيرة، كان أبى سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الاسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه واله، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي. فقال امير المؤمنين عيله السلام: ابا لفضائل يبغي علي ابن آكلة الاكباد ؟ (5) اكتب إليه يا غلام:


(1) أي الذى تريده من ابقائك واليا في الشام. (2) تجد هذا الكتاب في ج 3 من نهج البلاغة ص 69. (3) وفى نسخة: ” والحيرة المتعبة ” (4) أبو عبيدة معمر – كجعفر – البصري النحوي اللغوى كان متبحرا في علم اللغة وايام العرب واخبارها ويحكى انه يقول ما التقى فرسان في جاهلية واسلام الا عرفتهما وعرفت فارسهما، وهو اول من صنف غريب الحديث. وفى مروج الذهب وفى سنة 211 مات أبو عبيدة العمرى معمر بن المثنى كان يرى رأى الخوارج، وبلغ نحوا من مئة سنة ولم يحضر جنازته احد من الناس بالمصلى حتى اكترى لها من يحملها، وله مصنفات حسان في ايام العرب وغيرها منها كتاب المثالب الخ عن الكنى والالقاب ج 1 ص 14 (5) آكلة الاكباد هند ام معاوية وهى التى اخرجت كبد حمزة وجعلت تلوكها كما مر ص 194.

[ 266 ]

محمد النبي اخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يمسي ويضحى * يطير مع الملائكة ابن امي وبنت محمد سكني وعرسي * مسوط لحمها بدمي ولحمي وسبطا احمد ولداي منها * فأيكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الأسلام طرا * غلاما ما بلغت اوان حلمي وصليت الصلاة وكنت طفلا * مقرا بالنبي في بطن امي وأوجب لى ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الأله غدا بظلمي (1) انا الرجل الذي لا تنكروه * ليوم كريهة أو يوم سلم فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرئه اهل الشام فيميلوا إلى ابن ابى طالب عليه السلام. وروي عن الصادق عليه السلام انه قال: لما قتل عمار بن ياسر (2) ارتعدت


(1) وفى بعض النسخ: ” لمن يرد القيامة وهو خصمى “. (2) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة المذحجي ثم العنسى، أبو اليقظان حليف بنى مخزوم ” وأمه سمية وهى اول من استشهد في سبيل الله طعنها أبو جهل في قلبها فاستشهدت. وهو وابوه وامه من السابقين الأولين إلى الاسلام. كان من المستضعفين، وعذب في الله عذابا شديدا. أحرقه المشركون بالنار فكان رسول الله ” ص ” يمر به ويمر يده على رأسه ويقول: ” يا نار كونى بردا وسلاما على عمار، كما كنت على ابراهيم ” ع ” “. عن عثمان بن عفان قال: اقبلت انا ورسول الله ” ص ” اخذ بيدى نتماشى في البطحاء حتى أتينا على ابى عمار وعمار وامه وهم يعذبون، فقال ياسر: ” الدهر هكذا ! “. فقال له النبي ” ص “: ” اصبر اللهم اغفر لآل ياسر، قال وقد فعلت “. وروى ان رسول ” ص ” مر بعمار واهله وهم يعذبون في الله فقال: ” ابشروا آل عمار فان موعدكم الجنة “. قال الطبرسي في قوله تعالى: ” الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ” انها نزلت في جماعة اكرهوا وهم عمار وياسر ابوه وامه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل –

[ 267 ]

فرائص خلق كثير، وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه واله: ” عمار تقتله الفئة الباغية “


– أبو عمار وامه فاعطاهم عمار بلسانه ما ارادوا منه، ثم اخبر بذلك رسول الله ” ص ” فقال قوم: ” كفر عمار ” فقال ” ص “: ” كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه “. وجاء عمار إلى رسول الله ” ص ” وهو يبكى فقال ” ص “: ” ماوراك ؟ ” قال يارسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله ” ص ” يمسح عينيه ويقول: ” ان عادوا لك فعدلهم فنزلت الآية. وشهد بدرا ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره وشهد احدا والمشاهد كلها مع رسول الله ” ص ” وقال له رسول الله ” ص “: ” ابشر يا ابا اليقظان فانك اخو على في ديانته ومن افاضل اهل ولايته ومن المقتولين في محبته تقتلك الفئة الباغية وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن “. وعن على ” ع ” قال: جاء عمار يستأذن على النبي ” ص ” فقال: ” ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب “. وقال على عليه السلام فيه: ذاك امرأ حرم الله لحمه ودمه على النار وان تمس شيئا منهما. وكان رحمه الله من كبار الفقهاء، وكان طويل الصمت طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة. وقال له رسول الله ” ص “: يا عمار ستكون بعدى فتنة فإذا كان كذلك فاتبع عليا ” ع ” وحزبه فانه مع الحق والحق معه، يا عمار انك ستقاتل مع على صنفين الناكثين والقاسطين ثم تقتلك ” الفئة الباغية ” قلت يارسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك قال: نعم على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك شربة من لبن تشربه، فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى امير المؤمنين ” ع ” فقال له يا اخا رسول الله ” ص ” أتأذن لى في القتال ؟ قال: مهلا رحمك الله، فلما كان بعد ساعة اعاد عليه الكلام، فاجابه بمثله، فاعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين ” ع ” فنظر إليه عمار فقال: يا امير المؤمنين انه اليوم الذى وصف لى رسول الله ” ص ” ؟ فنزل امير المؤمنين عن بغلته وعانق عمارا وودعه، ثم قال: يا ابا اليقظان جزاك الله عن الله وعن نبيك خيرا فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت، ثم بكى وبكى عمار ثم برز إلى القتال فقاتل حتى قتل رحمه الله –

[ 268 ]

فدخل عمرو على معاوية وقال يا امير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا، قال: لماذا قال: قتل عمار فقال: قتل عمار فماذا ؟ قال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه واله: ” تقتله الفئة الباغية ” فقال معاوية: دحضت في قولك أنحن قتلناه ؟ انما قتله علي بن ابى طالب عليه السلام لما ألقاه بين رماحنا، فاتصل ذلك بعلي بن أبى طالب عليه السلام قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه واله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين. وكتب عليه السلام (1) إلى عمرو بن العاص في أثناء كتاب: فانك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت اثره، وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام (2) يلوذ إلى مخالبه، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فاذهبت دنياك وآخرتك ولو أخذت بالحق أدركت ما طلبت، فان يمكني الله منك ومن ابن أبى سفيان أخبرتكما بما قدمتما (3) فان نعجز أو تبقيا فما أمامكما شر لكما والسلام. وقال عليه السلام – في عمرو جوابا عما قال فيه -: عجبا لابن النابغة (4) يزعم


فأتاه امير المؤمنين ” ع ” وقال: انا لله وانا إليه راجعون ان امرءا لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو في الأسلام من شئ ثم صلى عليه ثم قال: ألا ايها الموت الذى ليس تاركى * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تمضى نحوهم بدليل وفى خبر انه اتى يومئد بلبن فضحك ثم قال: قال لى رسول الله ” ص “: آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن حتى تموت وقال: والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت اننا على الحق وانهم على الباطل. ثم قتل رضى الله عنه قتله أبو العادية ” لع ” واحتز رأسه ابوا الجوى السكسكى وكان عمره (ره) يوم قتل (94) سنة راجع صفة الصفوة ج 1 ص 175 اسد الغابة ج 4 ص 43 سفينة البحار ج 2 ص 275 (1) تجد هذا الكتاب في ج 3 من نهج البلاغة ص 71. (2) الضرغام: الأسد. (3) وفى بعض النسخ: ” اجزكما “. (4) نبغ الشئ: ظهر وانما سميت أم عمرو: (النابغة) لشهرتها بالفجور وتظاهرها به.

[ 269 ]

لاهل الشام ان في دعابة (1) واني امرء تلعابة (2) أعانس (3) وامارس (4) لقد قال باطلا ونطق آثما، اما وشر القول الكذب، انه يقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيحلف، ويسأل فينجل ويخون العهد، ويقطع الأل (5) فإذا كان عند الحرب فاي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف ما اخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم أسته (6) اما والله اني ليمنعني من اللعب ذكر الموت وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وانه لم يبايع معاوية حتى شرط له ان يؤتيه على البيعة اية (7) ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (8). * * * وكتب محمد بن أبي بكر (9) إلى معاوية احتجاجا عليه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن أبى بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، سلام الله على أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله واهل ولاية الله.


(1) الدعابة – بالضم -: المزاح. (2) تلعابة – بالكسر -: أي كثير اللعب (3) العفاس – بالكسر – اللعب. وفى بعض النسخ (أعارس) من اعرس الرجل إذا دخل بأمرأته. (4) الممارسة: المزاولة والملاعبة. (5) الأل: – بالكسر – العهد والقرابة (6) الأست: العجز أو حلقة الدبر، أشار عليه السلام إلى ما ذكر ارباب السير وصار مضربا للامثال من كشفه سوئته شاخرا برجليه حين لقيه امير المؤمنين عليه السلام في بعض ايام صفين، وقد اختلطت السيوف، واشتد نار الحرب فانصرف عنه امير المؤمنين (ع). (7) أي العطية. (8) الرضخ: العطاء القليل (9) محمد بن ابى بكر بن أبى قحافة. وامه اسماء بنت عميس مر لها ذكر في هامش ص 125 ولد بالبيداء في حجة الوداع. روى ان ابا بكر خرج في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة فرأت اسماء بنت –

[ 270 ]

اما بعد فان الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه، ولا ضعف به، في


– عميس وهى تحته كان ابا بكر متخضب بالحناء رأسه ولحيته، وعليه ثياب بيض، فجائت إلى عائشة فاخبرتها، فبكت عائشة وقالت: ان صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر ان خضابه الدم وان ثيابه اكفانه، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهى كذلك فقال: ما ابكاها ؟ فذكروا الرؤيا. فقال: ليس كما عبرت عائشة ولكن يرجع أبو بكر، فتحمل منه اسماء بغلام تسميه محمدا يجعله الله تعالى غيظا على الكافرين والمنافقين. قال ابن أبى الحديد: ونشوه في حجر امير المؤمنين عليه السلام وانه لم يكن يعرف أبا غير على، حتى قال امير المؤمنين عليه السلام: محمد ابني من صلب أبى بكر، وكان يكنى (ابا القاسم) وكان من نساك قريش، وكان ممن اعان في يوم الدار، ومن ولده (القاسم بن محمد) فقيه اهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم (عبد الرحمن) من فضلاء قريش ويكنى (ابا محمد) ومن ولد القاسم ايضا أم فروة تزوجها الامام الباقر أبو جعفر محمد بن على (ع). وكان من حوارى امير المؤمنين عليه السلام، وخواصه واحد المحامدة التى تأبى أن يعصى الله. وروى عن حمزة بن محمد الطيار قال: ذكرنا محمد بن أبى بكر عند أبى عبد الله (ع) فقال أبو عبد الله (ع): رحمه الله وصلى عليه، قال لامير المؤمنين (ع) – يوما من الأيام -: ابسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت ؟ قال: بلى، فبسط يده فقال: اشهد انك امام مفترض طاعتك وان ابى في النار. فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان النجابة من امه اسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل ابيه. وعن زرارة بن اعين عن ابى جعفر (ع): ان محمد بن ابى بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من ابيه. وعن شعيب عن أبى عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: مامن اهل بيت الا ومنهم نجيب من انفسهم، وانجب النجباء من اهل (بيت سوء) محمد بن ابى بكر. وينسب إليه قوله: يا ابانا قد وجدنا ما صلح * خاب من انت ابوه وافتضح انما انقذني منك الذى * انقذ الدر من الماء الملح يا بنى الزهراء انتم عدتي * وبكم في الحشر ميزاني رجح –

[ 271 ]

قوة، ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد، وغوي ورشيد، ثم اختارهم على علم منه، واصطفى وانتخب منهم محمدا صلى الله عليه واله واصطفاه لرسالته، وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول من أجاب وأناب، وأسلم وسلم، أخوه وابن عمه علي بن أبى طالب عليه السلام فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم، ووقاه من كل مكروه، وواساه بنفسه في كل خوف، وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو المبرز والسابق في كل خير، وانت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغضان وتبغيان في دين الله الغوائل، وتجتهدان على اطفاء نور الله، تجمعان الجموع على ذلك، وتبذلان فيه الاموال، وتخالفان عليه القبائل، على ذلك مات ابوك، وعليه خلفته انت، فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث علم رسول الله ووصيه، واول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا ؟ ! وانت عدوه وابن عدوه، فتمتع بباطلك ما استطعت، وتبدد بابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم تستبين لك لمن تكون العاقبة العليا، والسلام على من اتبع الهدى.


– وإذا صح ولائي فيكم * لا ابالى أي كلب قد نبح وقتل بمصر قتله معاوية بن خديج – وكان فيها واليا من قبل امير المؤمنين (ع) – ثم وضعه في جوف حمار ميت واحرقه. ولما بلغ امير المؤمنين عليه السلام قتل محمد بن ابى بكر حزن لذلك حزنا شديدا حتى ظهر ذلك عليه وتبين في وجهه، وقام خطيبا فحمد الله واثنى عليه إلى ان قال: ألا وان محمد بن ابى بكر قد استشهد رحمة الله عليه وعند الله نحتسبه.. وقيل له (ع) قد جزعت على محمد جزع شديدا يا امير المؤمنين فقال: وما يمنعنى انه كان لى ربيبا وكان لبنى اخا، وكنت له والدا، اعده ولدا. ولما سمعت امه اسماء بقتله كظمت غيظها حتى شخبت ثدياها دما. وكان استشهاد سنة (37) هجرية. سفينة البحار ج 1 ص 312، رجال الكشى ص 60، خلاصة العلامة ص 138، النجوم الزاهرة ج 1 ص 110.

[ 272 ]

فأجابه معاوية هذا إلى الزارئ (1) على ابيه محمد بن أبى بكر، سلام على أهل طاعة الله، اما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته (2) لرأيك فيه، وذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه واله ونصرته ومواساته اياه في كل خوف وهول، وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك وقد كنا وابوك معنا في زمن نبينا صلى الله عليه واله نرى حق علي عليه السلام لازما لنا، وسبقه مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده، قبضه الله إليه، وكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه (3) وخالفه على ذلك، واتفقا ثم دعواه على أنفسهما، فابطأ عليهما، فهما به الهموم، وارادا به العظيم، فبايع وسلم لأمرهما، لا يشركانه في امرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قضى الله من أمرهما ما قضى، ثم قام بعدهما ثالثهما يهدى بهداهما، ويسير بسيرتهما، فعبته أنت وأصحابك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه منا كما، وكان ابوك مهد مهاده فان يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وان يك جورا فأبوك سنه، ونحن شركائه وبهداه اقتدينا، ولو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاخذنا بمثاله، فعب أباك أودعه، والسلام على من تاب واناب. * * * احتجاجه (ع) على الخوارج * لما حملوه على التحكم ثم انكروا عليه ذلك ونقموا عليه اشياء فأجابهم (ع) عن ذلك بالحجة وبين لهم ان الخطأ من قبلهم بل واليهم يعود.


(1) زرى عليه عمله: عابه عليه. (2) رصف الحجارة: ضم بعضها إلى بعض. (3) ابتز منه الشئ: استلبه قهرا.قال الشهرستاني – في الملل والنحل -: الخوارج: كل من خرج على الامام الحق الذى اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا –

[ 273 ]

روي ان رجلا من أصحابه قام إليه فقال: انك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري اي الأمرين أرشد، فصفق عليه السلام احدى يديه على الأخرى ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة (1)، اما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي جعل الله فيه خيرا كثيرا (2) فان استقمتم هديتكم وان اعوججتم قومتكم، وان ابيتم تداركتكم (3) لكانت الوثقى، ولكن بمن والى من (4) أريد ان اداوى بكم وانتم دائي ؟ ! كناقش الشوكة بالشوكة،


– سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين باحسان، والأئمة في كل زمان. ” قال ” اعلم: ان اول من خرج على امير المؤمنين على ابن أبى طالب (ع) جماعة ممن كان معه في حرب صفين، واشدهم خروجا عليه ومروقا من الدين (الأشعث بن قيس) و (مسعود بن فدكى التميمي) و (زيد بن حصين الطائى) حين قالوا: (القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف) حتى قال: انا اعلم بما في كتاب الله انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول: كذب الله ورسوله وانتم تقولون: صدق الله ورسوله قالوا: لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين والا لنفعلن بك كما فعلنا بعثمان فاضطر إلى رد الأشتر بعد ان هزم الجمع وولوا مدبرين، وما بقى منهم الا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة، فامتثل الأشتر أمره، وكان من أمر الحكمين ان الخوارج حملوه على التحكم اولا، وكان يريد ان يبعث عبد الله بن عباس فما رضى الخوارج بذلك وقالوا: هو منك، فحملوه على بعث أبى موسى الأشعري – على ان يحكما بكتاب الله تعالى – فجرى الأمر على خلاف ما رضى به فلما لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا: لم حكمت الرجال ؟ ولا حكم الا الله. (1) العقدة: الرأى والحزم أي هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الحازم الذى أمرتكم به فوقعتم في الحيرة والشك من جراء عنادكم واتباعكم أهوائكم. (2) المكروه: الحرب اشارة إلى قوله تعالى: (فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) (3) يريد (ع) بالأعوجاج: العصيان وبالتقويم الارشاد فان أبيتم ولم تسمعوا النصيحة تداركتكم بالأستنجاد بغيركم واخذتكم بالقوة والقهر. (4) هذا هو الطريق ولكن ممن استعين في هذا الأمر، والى من ارجع. (*)

[ 274 ]

وهو يعلم ان ضلعها معها (1). اللهم قد ملت اطباء الداء الدوي (2) وكلت النزعة باشطان الركى (3). فقال عليه السلام (4) وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على انكار الحكومة بعد كلام طويل: ألم تقولوا – عند رفعهم المصاحف حيلة، وغيلة، (5) ومكرا، وخديعة -: اخواننا، واهل دعوتنا. استقالونا، واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم، (6) فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان وأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم (7) ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق (8)، ان أجيب أضل وان ترك ذل، فلقد كنا مع رسول الله وان القتل ليدور بين الآباء والابناء، والاخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة الا أيمانا، ومضيا على الحق، وتسليما للامر، وصبرا على مضض الجراح (9) ولكنا انما أصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام


(1) نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه ومنه سمى (المناقش) الذى ينقض به. والضلع – بالتحريك – الميل والطبع – يريد (ع) ان طباع بعضهم تشبه طباع بعضهم الآخر وميولهم متماثلة كما تميل الشوكة لمثلها وهذا مثل للعرب: (لا تنقش الشوكة بالشوكة فان ضعلها معها) أي إذا استخرجت الشوكة بمثلها فسوف تنكسر في رجلك كما انكسرت الاولى. (2) الداء الدوى: الشديد. (3) النزعة: جمع نازع وهو: الذى يستقى الماء، والشطن هو: الحبل، والركى جمع ركية وهى: البئر. (4) تجد هذا الكلام له عليه السلام في نهج البلاغة ج 2 ص 2. (5) الغيلة بالكسر – الخديعة. (6) نفس عنه: فرج عنه. (7) النواجذ من الأسنان – بالذال المعجمة -: الضواحك وهى: التى تبدوا عند الضحك (8) النعيق: صوت الراعى بغنمه يريد (ع) لا تتبعوا كل داع إلى ضلالة. (9) المضض: وجع المصيبة.

[ 275 ]

على مادخل فيه من الزيغ والاعوجاج (1) والشبهة والتأويل، فإذا طعمنا في خصلة يلم الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها وامسكنا عما سواها وقال عليه السلام – في التحكيم (2) -: انا لم نحكم الرجال (3) وانما حكمنا القرآن، وهذا القرآن انما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولابد له من ترجمان وانما ينطق عنه الرجال ولما ان دعانا القوم إلى ان يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله عزوجل وقد قال الله سبحانه: ” وان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (4) ” فرده إلى الله ان نحكم بكتابه، ورده إلى الرسول ان نأخذ بسنته، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن احق الناس به وإذا حكم بسنة رسوله فنحن اولادهم به (5)، واما قولكم لم جعلت بينك وبينهم اجلا في التحكيم ؟ فانما فعلت ذلك ليتبين الجاهل (6) ويتثبت العالم (7) ولعل الله ان يصلح في هذه الهدنة امر هذه الامة ولا تؤخذ باكظامها (8) فتعجل عن تبين


(1) الزيغ: الميل عن الحق. (2) تجد هذا الكلام في ج 2 ص 7 من نهج البلاغة. (3) هذا رد على قولهم – بعد ان حملوه على التحكيم -: ” لم حكمت الرجال لا حكم الا لله ” فردهم ” ع ” بهذا القول لأن القوم انما دعوه لتحكيم القرآن، لا لتحكيم الرجلين وحيث ان القرآن صامت يحتاج إلى ترجمان اضطر ” ع ” إلى تحكيم الرجال والقرآن في الواقع هو الحكم وقد اشترط على الحكمين ان يحكما بكتاب الله وسنة رسوله، فلما خالفا الشرط بطل تحكيمهما ولم يلزمه اتباع قولهما. (4) الآية 59 – النساء. – حين دعاه القوم لتحكيم القرآن لم يكن ” ع ” ليتخلف حتى ينطبق عليه قوله تعالى (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم وهم معرضون). (5) أي: احق بكتاب الله واولى برسوله صلى الله عليه وآله. (6) أي ليظهر له وجه الحق. (7) أي يطمئن قلبه بدفع الشبهة. (8) الأكظام جمع كظم – بالتحريك – وهو: مخرج النفس من الحلق.

[ 276 ]

الحق وتنقاد لأول الغي (1) ؟ وروي ان امير المؤمنين عليه السلام ارسل عبد الله بن العباس إلى الخوارج وكان بمرئ منهم ومسمع قالوا له في الجواب: انا نقمنا يابن عباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة، موبقة، تدعوا إلى النار اما ” اولها ” فانه محى اسمه من امرة المؤمنين (2) ثم كتب بينه وبين معاوية فإذا لم يكن أمير المؤمنين ونحن المؤمنون لسنا نرضى بان يكون اميرنا. واما ” الثانية ” فانه شك في نفسه حين قال للحكمين: ” انظروا فان كان معاوية احق بها فاثبتاه، وان كنت اولى بها فاثبتاني ” فإذا هو شك في نفسه ولم يدر أهو المحق أم معاوية، فنحن فيه أشد شكا. و ” الثالثة ” انه جعل الحكم إلى غيره وقد كان عندنا أحكم الناس. و ” الرابعة ” انه حكم الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه. و ” الخامسة “: انه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة ومنعنا النساء والذرية و ” السادسة ” انه كان وصيا فضيع الوصية. قال ابن عباس: قد سمعت يا امير المؤمنين مقالة القوم، وانت احق بجوابهم فقال: نعم. ثم قال: يابن عباس قل لهم ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله ؟ قالوا: نعم.


(1) أي حين عرضت لهم الشبهة من رفع المصاحف. (2) حين أمر امير المؤمنين (ع) كاتبه ان يكتب: (ان هذا ما تقاضى عليه امير المؤمنين (ع) على بن ابى طالب ومعاوية بن أبى سفيان) قال عمرو بن العاص (اكتب اسمه واسم ابيه ولا تسميه بامرة المؤمنين فانما هو أمير هؤلاء وليس هو بأميرنا) ولما اصروا على ذلك قال امير المؤمنين: الله اكبر سنة بسنة ومثل بمثل وذكر قول النبي صلى الله عليه وآله له يوم الحديبية: لك مثلها ثم أمر فكتبوا. ” هذا ما تقاضى عليه السلام على بن ابى طالب بن عبد المطلب..

[ 277 ]

قال: ابدأ على ما بدأتم به (1) في بدئ الامر. ثم قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه واله الوحي، والقضايا، والشروط، والامان يوم صالح أبا سفيان، وسهيل بن عمرو فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله أبا سفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمرو فقال سهيل: لا نعرف الرحمن الرحيم، ولا نقر أنك رسول الله، ولكنا نحسب ذلك شرفا لك ان تقدم اسمك على اسمائنا وان كنا أسن منك وأبى اسن من أبيك. فأمرني رسول الله صلى الله عليه واله فقال: اكتب – مكان بسم الله الرحمن الرحيم -: ” باسمك اللهم ” فمحوت ذلك وكتبت: ” باسمك اللهم ” ومحوت ” رسول الله ” وكتبت ” محمد بن عبد الله ” فقال لي ” انك تدعى إلى مثلها فتجيب وانت مكره (2) ” وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص: ” هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص ” فقالا: لقد ظلمناك بان أقررنا بانك أمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن اكتب: علي بن أبى طالب ” فمحوت كما محى رسول الله صلى الله عليه واله، فان أبيتم ذلك فقد جحدتم، فقالوا: هذه لك خرجت منها. قال: واما قولكم ” انى شككت في نفسي حيث قلت للحكمين: انظرافان كان معاوية أحق بها مني فاثبتاه ” فان ذلك لم يكن شكا مني، ولكن انصفت في القول، قال الله تعالى: ” وأنا أو اياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (3) “


(1) أي ابدأ في الرد على اشكالاتكم مما بدأتم به في عرضها حسب التسلسل، أو أبدأ معكم بتحكيم القرآن كما بدأتم في اول الأمر. (2) جاء في قصة الحديبية ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” يا على إنك أبيت ان تمحو اسمى من النبوة والذى بعثنى بالحق نبيا لتجيبن ابنائهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد “. (3) 24 – سبأ.

[ 278 ]

ولم يكن ذلك شكا وقد علم الله ان نبيه على الحق، قالوا: وهذه لك. قال: واما قولكم: ” انى جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس ” فهذا رسول الله صلى الله عليه واله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة وقد كان من أحكم الناس وقد قال الله تعالى: ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة (1) ” فتأسيت برسول الله صل الله عليه واله، قالوا: وهذه لك بحجتنا. قال: واما قولكم: ” اني حكمت في دين الله الرجال ” فما حكمت الرجال وانما حكمت كلام ربي، الذي جعله الله حكما بين اهله، وقد حكم الله الرجال في طائر فقال: ” ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم (2) ” فدماء المسلمين أعظم من دم طائر قالوا: وهذه لك بحجتنا. قال: واما قولكم: ” اني قسمت يوم البصرة لما ظفرني الله باصحاب الجمل الكراع والسلاح ومنعتكم النساء والذرية ” فاني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله على أهل مكة، فان عدوا علينا اخذناهم بذنوبهم، ولم نأخذ صغيرا بكبير فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه ؟ قالوا: وهذه لك بحجتنا. قال: واما قولكم: ” اني كنت وصيا فضيعت الوصية فأنتم كفرتم وقدمتم علي، وأزلتم الأمر عني، وليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم، انما يبعث الله الأنبياء عليهم السلام فيدعون إلى أنفسهم، واما الوصي فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه، وذلك لمن آمن بالله ورسوله، ولقد قال الله جل ذكره: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا (3) ” فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم اياه، ولكن كانوا يكفرون بتركهم، لأن الله تعالى قد نصبه لهم علما وكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلى الله عليه واله: ” يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وانت مني بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ” فقالوا: وهذه لك بحجتنا.


(1) الأحزاب – 21. (2) المائدة – 95. (3) آل عمران – 97.

[ 279 ]

فاذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم وقتلهم. * * * احتجاجه (ع) في الاعتذار من قعوده عن قتال من تأمر عليه من الاولين وقيامه إلى قتال من بغي عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين. روي ان امير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من نهروان (1) فجرى الكلام حتى قيل له: لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية ؟ فقال علي عليه السلام اني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي (2) فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك، ولم تطلب بحقك ؟ فقال: يا أشعث قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه، واستشعر الحجة، إن لي أسوة بستة من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. اولهم نوح حيث قال: ” رب انى مغلوب فانتصر (3) ” فان قال قائل: انه قال هذا لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي أعذر. وثانيهم لوط حيث قال: ” لو ان لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد (4) ” فان قال قائل: انه قال هذا لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي أعذر. وثالثهم ابراهيم خليل الله حيث قال: ” واعتزلكم وما تدعون من دون الله (5) “


(1) النهروان: وهى ثلاث نهروانات، اعلى واوسط واسفل، وهو: كورة واسعة اسفل من بغداد من شرقي تامرا، منحدرا إلى واسط، فيها عدة بلاد متوسطة منها اسكاف وجرجرايا، والصافية، وديرقنى وغير ذلك. مراصد الاطلاع ج 3 ص 1407 (2) استأثر بالشئ على الغير: استبد به وخص به نفسه. (3) القمر: – 10 (4) هود: – 80 (5) مريم: – 48

[ 280 ]

فان قال قائل: انه قال هذا لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي اعذر. ورابعهم موسى عليه السلام حيث قال: ” ففررت منكم لما خفتكم (1) ” فان قال قائل: انه قال هذا لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي أعذر. وخامسهم أخوه هارون حيث قال: ” يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (2) ” فان قال قائل: انه قال هذا لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي أعذر وسادسهم أخي محمد خير البشر صلى الله عليه واله حيث ذهب إلى الغار ونومني على فراشه فان قال قائل: انه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر، والا فالوصي أعذر. فقام إليه الناس بأجمعهم فقالوا: يا امير المؤمنين قد علمنا ان القول قولك ونحن المذنبون التائبون، وقد عذرك الله. وعن اسحاق بن موسى (3) أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة فلما كان في آخر كلامه قال: ألا واني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه واله فقام إليه أشعث بن قيس فقال: يا امير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق الا وقلت: ” والله اني لأولى الناس بالناس فما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله ” ولما ولي تيم (4) وعدي (5) الا ضربت بسيفك دون ظلامتك ؟ فقال أمير المؤمنين: يابن الخمارة قد قلت قولا فاسمع مني والله ما منعني من ذلك الا عهد أخي رسول الله صلى الله عليه واله أخبرني وقال لي: ” يا ابا الحسن ان الامة ستغدر بك وتنقض عهدي، وانك مني بمنزلة هارون من موسى ” فقلت يارسول الله فما تعهد الي إذا كان ذلك كذلك، فقال: ” ان وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم


(1) الشعراء: – 21 (2) الاعراف: – 150 (3) اسحاق بن موسى: عده الشيخ في اصحاب الامام الرضا ” ع ” وكان يلقب بالأمين كما في عمدة الطالب وتوفى سنة ” 240 ” كما في منتهى الآمال للشيخ عباس القمى. (4) تيم: في قريش رهط ابى بكر وهو تيم بن مرة. (5) عدى: قبيلة من قريش وهم رهط عمر بن الخطاب.

[ 281 ]

وان لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما ” فلما توفي رسول الله صلى الله عليه واله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ثم آليت يمينا (1) اني لا أرتدي الا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت، ثم اخذته وجئت به فاعرضته عليهم قالوا: لا حاجة لنا به، ثم أخذت بيد فاطمة، وابني الحسن والحسين، ثم درت على أهل بدر، وأهل السابقة، فأنشدتهم حقي، ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم الا أربعة رهط: سلمان، وعمار والمقداد، وأبو ذر، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي، وبقيت بين حفيرين قريبي العهد بجاهلية عقيل والعباس. فقال له الاشعث: كذلك كان عثمان لما لم يجد أعوانا كف يده حتى قتل. فقال له امير المؤمنين: يابن الخمارة ليس كما قست، ان عثمان جلس في غير مجلسه، وارتدى بغير ردائه، صارع الحق، فصرعه الحق، والذي بعث محمدا بالحق لو وجدت يوم بويع أخوتيم أربعين رهط لجاهدتهم في الله إلى ان أبلي عذري ثم قال: ايها الناس ان الأشعث لا يزن عند الله جناح بعوضة، وانه اقل في دين الله من عفظة عنز (2). وروى جماعة من اهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال: كنت عند امير المؤمنين بالرحبة (3) فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه


(1) آليت: اقسمت. (2) العفطة من الشاة: كالعطس من الانسان. (3) تجد هذه الخطبة في ج 1 من نهج البلاغة ص 25 وهي الخطبة المعروفة ب‍ ” الشقشقية ” لقوله ” ع ” في جواب ابن عباس: ” هيهات هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت ” وتعرف ايضا ” بالمقمصة ” لقوله عليه السلام: ” اما والله لقد تقمصها ابن ابى قحافة ” تسمية للشئ باشهر الفاظه كما هو الحال في اسماء سور القرآن الكريم كسورة آل عمران، والرحمن، والواقعة، ويس وغيرها. وهذه الخطبة الجليلة في حسن اسلوبها، وبديع نظمها، وفصاحة ألفاظها، دليل لا يقبل التردد، ولا يتطرق إليه الشك في كونها صادرة عن مركز الثقل الالهى، ومعدن –

[ 282 ]

فتنفس الصعداء (1) ثم قال: اما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة (2) وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب


– الوصاية والامامة، فهي حقا كما قيل: ” فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق ” وقد رواها الشيخ المفيد في الارشاد ص 137 وقال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ص 69 ج 1: حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ” 603 ” قال: قرأت على الشيخ أبي محمد بن عبد الله بن احمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة. إلى ان قال: فقلت له: أتقول انها منحولة ؟ فقال: لا والله، واني لاعلم: صدورها منه كما اعلم: انك ” مصدق ” قال: فقلت له: ان كثيرا من الناس يقولون: انها من كلام الرضى رحمه الله تعالى فقال: اني للرضى ولغير الرضى هذا النفس وهذا الاسلوب ؟ قد وقفنا على رسائل الرضى وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في ” خل ولا خمر ” ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل ان يخلق الرضى بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط اعرفها، واعرف من هو من العلماء واهل الادب قبل ان يخلق النقيب أبو احمد ولد الرضى قلت: وقد وجدت انا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي امام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل ان يخلق الرضى بمدة طويلة، ووجدت ايضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة احد متكلمي الامامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب ” الانصاف ” وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ ابي القاسم البلخي رحمه الله تعالى، ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الرضى رحمه الله تعالى موجودا. (1) تنفس الصعداء – بضم الصاد وفتح المهملتين -: المدفوع من التنفس يصعده المتلهف الحزين. (2) ابن ابي قحافة أبو بكر واسمه عبد الله وفي الجاهلية عتيق واسم ابيه عثمان والضمير في تقمصها عائد إلى الخلافة وانما لم يذكرها للعلم بها وتقمصها جعلها مشتملة عليه كالقميص كناية عن تلبسه بها.

[ 283 ]

من الرحى (1) ينحدر عني السيل، ولا يرقى الي الطير، فسدلت ودونها ثوبا (2) وطويت عنها كشحا (3) وطفقت أرتأي بين ان اصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء (4)، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه (5)، فرأيت ان الصبر على هاتا احجى (6)، فصبرت وفي العين قذى،


(1) قطب الرحا مسمارها الذي عليه تدور فكما ان الرحى لا تدور إلى على القطب وبغيره لا يستقيم لها دوران، فكذلك الخلافة محله منها محل القطب من الرحى: لا تستقيم حركتها ولا تأخذ استقامتها بغيره وهو وحده القادر على تدبير شؤنها وادارتها حسب المصلحة العامة ووفق الخطة الالهية الحكيمة. (2) سدلت: ارخيت. كناية عن اعراضه عنها، واحتجابه عن طلبها. (3) الكشح: ما بين الخاصرة والجنب. انزل الخلافة منزلة المأكول الذي منع نفسه عنه، فلم يشتمل عليه كشحه. (4) طفقت: جعلت، واخذت، وشرعت، وأرتاى افكر طلبا للرأي الصائب وصال: حمل نفسه على الأمر بقوة. والطخية: قطعة من الغيم. اي: جعلت ادير الفكر واجيله في امر الخلافة، واردده في طرفي نقيض اما ان اشهر السيف واصول على الغاصبين للخلافة، والمعتدين على حقي، أو اترك واصبر، وفى كلا الحالين خطر فاما القيام والثورة فبيد مقطوعة من غير ناصر ولا معين، واما الثاني فلما يؤل إليه الحال: من اختلاط الامور، وعدم انتظام الحياة، والتمييز بين الحق والباطل، فكما ان الظلمة والعمى لا يهتدي معهما للتمييز بين الاشياء، فكذلك اضطراب الهيئة الاجتماعية، وتشابك المشاكل وازدحامها لا يهتدي معه لوجه الحق. (5) الهرم: شدة كبر السن. والكدح: سعى المجهود وتلك الشدة، وذلك الأضطراب، وهاتيك الأحوال المظلمة وطول مدتها ادت إلى ان: يهرم فيها الكبير، ويشيب الصغير، ويتعب المؤمن في تمييز الحقائق وتمحيصها وما يبذله من جهد في سبيل الدفاع عن الحق حتى يلقى ربه. (6) هاتا: هذه واحجى اقرب للحجى وهو العقل. فرأيت الصبر على هذه الحال وترك المقاومة اقرب للعقل، والصق بنظام الاسلام –

[ 284 ]

وفي الحلق شجا (1) ارى تراثي نهبا (2) حتى إذا مضى الأول لسبيه فادلى بها إلى عمر من بعده، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته (3)، لشد ما تشطرا ضرعيها (4)، ثم تمثل بقول الأعشى (5)، شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخى جابر فصيرها في ناحية خشناء يجفو مسها، ويغلظ كلمها (6)،


– واحفظ لبيضته سيما وهو بعد غض لم ترسخ له قدم في نفوس اتباعه، والثورة في هذه الحال ربما تؤدي إلى خلاف الغرض، وتعكس النتيجة، وتكون سببا للردة، والرجوع عن الدين، فترك المقاومة احجى واضمن لسلامة الاسلام، وتحمل الشر الحادث من جراء ذلك اهون. (1) القذى: الرمد. والشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. اي صبرت ولكن على مضض كما يصبر الأرمد وهو يحس بوجع العين، وكما يصبر من غص بشئ فهو يكابد الخنق. (2) يريد بتراثه: الخلافة. (3) ادلى بها: القى بها إليه. والاقاله: فك العهد والاستقالة: طلب ذلك. اشار بقوله عليه السلام: ” يستقيلها ” إلى قول ابي بكر: اقيلوني لست بخيركم ” (4) شد الامر: صعب وعظم. وتشطرا: اقتسما. والضرع: للحيوانات مثل الثدي للمرأة. (5) هو أعشى قيس واسمه ميمون بن جندل من بني قيس من قصيدة أولها: علقم ما أنت إلى عامر * الناقص الأوتار والواتر (6) الكلم: الجرح. كني عن طباع عمر بن الخطاب ” بالناحية الخشناء ” لانه كان يوصف بالجفاوة وسرعة الغضب، وغلظ الكلام، حتى روى انه امران يؤتى بامرأة لحال اقتضت ذلك – وكانت حاملا – فلما دخلت عليه اجهزت جنينا لما شاهدته من غلظ طبيعة أبي حفص وظهور القوة الغضبية على قسمات وجهه وشدته في الكلام، وذلك ما اراده أمير المؤمنين من قوله ” في ناحية خشناء ” ثم انه عليه السلام وصف تلك الطبيعة بوصفين: –

[ 285 ]

ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها (1)، فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم، وان اسلس لها تقحم (2)، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض (3)، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة ! حتى إذا مضى لسبيله،


– احدهما: غلظ المواجهة بالكلام وقد قيل: جرح اللسان اشد من وخز السنان. وثانيهما: جفاوة المس المانعة من ميل الطباع إليه. (1) عثر: إذا اصابت رجله حجر أو نحوه. فيه اشارة إلى ماكان عليه عمر بن الخطاب من التسرع في اصدار الاحكام غير الصائبة كأمره برجم المرأة الحامل وطلاق الحائض، وغيرها من الامور التى كانت تدعوه للأعتذار بعد ان يتبين له الخطأ بارشاد امير المؤمنين عليه السلام، وقد تكرر قوله: ” لو لا على لهلك عمر ” و (لا كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) و (لاعشت لمعضلة لا تكون لها يا ابا الحسن). (2) الصعبة من الابل: الغير المذللة. واشنق لها بالزمام: إذا جذبه إلى نفسه وهو راكب ليمسكها عن الحركة العنيفة. والخرم الشق. واسلس لها: ارخى لها. وتقحم في الامر: القى نفسه فيه بقوة. فصاحبها أي: صاحب تلك الطباع الخشنة مثله – وهو يتولى شئون الرعية وتدبير امورهم – كمثل راكب الناقة الصعبة التى لم تذلل، فهو بين خطرين أن جذبها إليه شق انفها، وان ارخى لها القياد القت به في المهالك والناقة الصعبة هي الرعية لانها لم تألفه وتنفر من طباعه فلا تسقيم له بحال. أو يكون المراد بالناقة الصعبة هو صاحب تلك الطباع، وحينئذ يكون المقصود من قوله (ع) ان اشنق لها خرم، وان اسلس لها تقحم ان الذى يريد اصلاح صاحب تلك الطباع واقع بين خطرين فان انكر عليه وقع الانشقاق والاختلاف بينهما، وان تكره وشأنه ادى به الامر إلى الاخلال بالواجب. ووجه ثالث يمكن ان يكون المقصود بالناقة الخلافة فإذا استرجعها بالقوة شق عصا المسلمين واوقع الخلاف في صفوفهم مما يؤدى بالنتيجة إلى الردة. وان تركها وسكت عنها، سارت في غير اتجاهها فهو منها بين خطرين. (3) منى الناس: ابتلوا. والخبط الحركة على غير استقامة، والشماس – بكسر –

[ 286 ]

فجعلها شور في جماعة زعم اني احدهم (1) فيالله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكنني اسففت إذ اسفوا، وطرت إذ طاروا (2)، فصبرت على طول المحنة، وانقضاء المدة، فمال رجل منهم لضغنه، وصغى الآخر لصهره، مع هن وهن (3)


– الشين – كثرة النفار والاضطراب. والتلون: اختلاف الاحوال. والاعتراض ضرب من التلون واصله المشى في عرض الطريق. (1) خلاصة حديث الشورى: ان عمر بن الخطاب لما طعنه أبو لؤلؤه وايقن بالموت دعا وجوه الصحابة، وعرض عليهم موضوع الخلافة، واشير فيما اشير عليه بابنه عبد الله فقال: لا لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل، حسب عمر ما احتقب، لا اتحملها حيا وميتا، ثم قال: ان رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة (على، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن ابى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف) فاما سعد فلا يمنعنى منه الاعنفه وفضاضته، واما من عبد الرحمن فلانه قارون هذه الامة واما من طلحة فتكبره ونخوته، واما من الزبير فشحه، ولقد رأيته بالبقيع يقاتل على صاع من شعير، ولا يصلح لهذا الامر الا رجل واسع الصدر واما من عثمان فحبه لقومه وعصبيته لهم، واما من على فحرصه على هذا الامر ودعابة فيه. ثم قال: يصلى صهيب بالناس ثلاثة ايام، وتخلوا الستة نفر في البيت ثلاثة ايام ليتفقوا على رجل منهم، فان استقام امر خمسة وابى رجل فاقتلوه، وان استقر امر ثلاثة وابى ثلاثة فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. (2) اسف الطائر: إذا دنى من الأرض في طيرانه. (3) صغا: مال. والضغن: الحقد. والهن: على وزن اخ كناية عن شئ قبيح الذى مال لحقده هو: سعد بن أبى وقاص. والذى مال لصهره عبد الرحمن بن عوف حيث مال إلى عثمان لمصاهرة بينهما. وروى الشيخ المفيد في الأرشاد عن جيش الكنانى قال: لما صفق عبد الرحمن على يد عثمان بالبيعة في يوم الدار قال له امير المؤمنين ” ع “: حركك الصهر وبعثك على ما صنعت، والله ما أملت منه الا ما أمل صاحبك من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم –

[ 287 ]

إلى ان قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثليه ومعتلفه (1)، وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع (2)، إلى ان انتكث عليه فتله، وكبت به بطنته، واجهز عليه عمله (3)، فما راعني الا والناس رسل الي كعرف الضبع، ينثالون علي من كل جانب (4)، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي (5)، مجتمعين حولي كربيضة الغنم (6)،


– وعطر منشم هو عطر صعب الدق والمراد به هنا الموت. وهكذا كان فقد بلغ الحال في الخلاف بينهما ان اعلن عثمان تحريم مجالسة عبد الرحمن، ووجوب نبذه، وابرأ الذمة ممن يكلمه أو يعاطيه معاطاة أي مواطن يتمتع بحقوقه الأجتماعية. (1) النفج: النفخ. والنثل: الروث والمعتلف: موضع الاعتلاف. (2) الخضم: الأكل بجميع الفم وقيل المضغ باقصى الأضراس. قال ابن ابى الحديد – في شرحه على النهج ج 1 ص 66 -: وصحت فيه فراسة عمر بن الخطاب، إذ قد اوطأ بنى امية رقاب الناس، واولاهم الولايات واقطعهم القطايع، وافتتحت ارمينيا في ايامه، فاخذ الخمس كله فوهبه لمروان إلى ان قال: وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه اربعمائة الف درهم واعاد الحكم بن أبى العاص بعد ان سيره رسول الله ” ص ” ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر، واعطاه مائة الف درهم، وتصدق رسول الله ” ص ” بموضع سوق بالمدينة يعرف ” بنهروز ” على المسلمين، فاقطعه عثمان الحارث بن الحكم اخا مروان بن الحكم، واقطع مروان فدكا وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها رسول الله تارة بالميراث، وتارة بالنحلة فدفعت عنها إلى آخر ما ذكره ابن ابى الحديد فاليراجع وعمل الحجة الأميني في ج 9 من كتاب الغدير قائمة بمصروفاته على قومه وذويه فالتراجع ايضا. (3) انتكث: انتقض. والفتل: برم الحبل. وكبا الفرس: اسقط لوجهه. والبطنة: شدة الامتلاء من الطعام. واجهز – على المريض -: قتله واسرع. (4) الروع الخلد والذهن واراعنى: افزعني، وانثال – الشئ – إذا وقع يتلو بعضه بعضا (5) العطاف: الرداء، وعطفا الرجل: جانباه من لدن رأسه إلى وركيه. أي شق قميصه من جانبيه من شدة الازدحام عليه. (6) ربيضة الغنم: المجتمعة برعاتها.

[ 288 ]

فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون (1)، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه وتعالى يقول: ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (2) ” بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكن حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها (3). اما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله على اولياء الأمر: ان لا يقروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس اولها، ولألفيتم دنياكم عندي اهون من عفطة عنز. قال: فقام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا فقطع كلامه، فاقبل ينظر إليه فرغ من قرائته، قال ابن عباس: قلت له: يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث افضيتها. قال: يابن عباس هيهات هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت. قال ابن عباس: فما اسفت على شئ ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام امير المؤمنين عليه السلام. وامثال هذه الأخبار من كلام امير المؤمنين عليه السلام كثيرة، اوردنا طرفا منها للأيجاز والاختصار. ومما يوضح ما أثبتناه ماروي عن ام سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله انها قالت: كنا عند رسول الله تسع نسوة، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلى الله عليه واله فأتيت الباب فقلت ادخل يارسول الله صلى عليه واله ؟ فقال: لا.


(1) مروق السهم: خروجه من الرمية. المراد بالناكثين للبيعة هم: طلحة والزبير بايعوا ثم نكثوا البيعة. والمارقين هم: الخوارج والقاسطين أصحاب معاوية. (2) القصص: 83 (3) الزبرج – بكسر الزاء والراء -: الزينة.

[ 289 ]

قالت: فكبوت كبوة شديدة، مخافة ان يكون ردني من سخط أو نزل في شئ من السماء، ثم لم البث ان اتيت الباب ثانية فقلت ادخل يارسول الله صلى الله عليه واله فقال: لا. فكبوت كبوة أشد من الأولى. ثم لم البث ان اتيت الباب ثالثة فقلت: ادخل يارسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقال ادخلي يا ام سلمة، فدخلت وعلي جاث بين يديه وهو يقول: فداك أبي وامي يارسول الله صلى الله عليه واله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني فقال: آمرك بالصبر، ثم اعاد عليه القول ثانية، فأمره بالصبر، ثم اعاد عليه القول ثالثة فأمره بالصبر، ثم اعاد عليه القول رابعة فقال له: يا علي يا أخي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك، واضرب به قدما حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم. ثم التفت الي وقال: ما هذه الكآبة يا ام سلمة، قلت: للذي كان من ردك اياي يارسول الله، فقال لي والله ما رددتك الا لشئ خبرت من الله ورسوله، لكن اتيتني وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وامرني ان اوصي بذلك عليا، يا ام سلمة اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبى طالب عليه السلام وزيري في الدنيا، ووزيري في الآخرة، يا ام سلمة اسمعي واشهدي، هذا علي بن ابى طالب، وصيي، وخليفتي من بعدي، وقاضي عداتي، والذائد عن حوضي، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبى طالب، سيد المسلمين، وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين، قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، قلت: يارسول الله من الناكثون قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة قلت: من القاسطون ؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام قلت: من المارقون ؟ قال: أصحاب نهروان. وروي ان امير المؤمنين (ع) قال في اثناء خطبة خطبها بعد فتح البصرة بأيام: حاكيا عن رسول الله صلى الله عليه واله قوله. يا علي انك باق بعدي، ومبتلى بامتي ومخاصم بين يدي الله، فأعدد للخصومة جوابا، فقلت: بأبي وامي أنت بين لي ما هذه الفتنة التي ابتلى بها ؟ وعلى ما اجاهد بعدك ؟ فقال: لي انك ستقاتل بعدي


[ 290 ]

الناكثة، والقاسطة، والمارقة، وحلاهم وسماهم رجلا رجلا، وتجاهد من امتي كل من خالف القرآن وسنتي، ممن يعمل في الدين بالرأي، ولا رأي في الدين انما هو أمر الرب ونهيه، فقلت: يارسول الله فأرشدني إلى الفلح عند الخصومة يوم القيامة، فقال: نعم. إذا كان ذلك كذلك فاقتصر على الهدى، إذا قومك عطفوا الهدى على الهوى، وعطفوا القرآن على الرأي، فتأولوه برأيهم بتتبع الحجج من القرآن لمشتهيات الأشياء الطارية عند الطمأنينة إلى الدنيا، فاعطف أنت الرأي على القرآن، وإذا قومك حرفوا الكلمة عند مواضعه عند الاهوال الساهية، والامراء الطامحة، والقادة الناكثة، والفرقة القاسطة، والأخرى المارقة اهل الافك المردي والهوى المطغى، والشبهة الخالفة، فلا تنكلن عن فضل العاقبة، فان العاقبة للمتقين. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت: ” يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين الخ (1) ” قال النبي صلى الله عليه واله: لأجاهدن العمالقة، يعني الكفار والمنافقين فأتاه جبرئيل فقال: انت أو علي عليه السلام. وعن جابر بن عبد الله الانصاري: (2) قال: اني كنت لأدناهم من رسول


(1) التوبة – 73. (2) جابر بن عبد الله من اصحاب رسول الله ” ص ” شهد بدرا وادرك الامام محمد الباقر عليه السلام، وبلغه سلام رسول الله ” ص “، وكان من السابقين الذين رجعوا إلى امير المؤمنين عليه السلام وممن انقطع لاهل البيت. روى عن ابى عبد الله ” ع ” انه قال: ان جابر بن عبد الله كان آخر من بقى من اصحاب رسول الله ” ص “، وكان رجلا منقطعا الينا اهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله ” ص ” وهو معتم بعمامة سوداء، وكان ينادى يا باقر العلم، يا باقر العلم وكان اهل المدينة يقولون: جابر يهجر فكان يقول لا والله لا اهجر ولكني سمعت رسول الله ” ص ” يقول: ” انك ستدرك رجلا من اهل بيتى، اسمه اسمى، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا ” فذاك الذى دعاني إلى ما اقول. رجال العلامة ص 34 رجال الكشى ص 42 – 45

[ 291 ]

الله صلى الله عليه واله في حجة الوداع بمنى فقال: لأعرفنكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لو فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم، ثم التفت إلى خلفه، فقال، أو علي، أو علي، أو علي، ثلاث مرات، فرأينا على أثر ذلك ان جبرئيل عليه السلام غمزه، فأنزل الله تعالى على اثر ذلك: ” فاما تذهبن بك فانا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدنا هم فانا عليهم مقتدرون (1) “. وعن ابن عباس: أن عليا عليه السلام كان يقول – في حياة رسول الله – ان الله يقول: ” وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم (2) ” والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله، لئن مات أو قتل لاقاتلن على ما قاتل عليه حتى اموت، لأني اخوه وابن عمه، ووارثه، فمن أحق به مني. وعن احمد بن همام (3) قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبى بكر، فقلت: يا عبادة اكان الناس على تفضيل أبى بكر قبل ان يستخلف، فقال: يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا، ولا تبحثونا، فوالله لعلي بن أبى طالب كان احق بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول الله صلى الله عليه واله أحق بالنبوة من أبي جهل، قال: وازيدكم انا كنا ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه واله فجاء علي عليه السلام، وابو بكر وعمر إلى باب رسول الله صلى الله عليه واله، فدخل أبو بكر، ثم دخل عمر، ثم دخل علي عليه السلام على أثرهما، فكأنما سفي على وجه رسول الله الرماد، ثم قال: يا علي ايتقدمانك هذان، وقد أمرك الله عليهما، فقال أبو بكر: نسيت يارسول الله، وقال عمر: سهوت يارسول الله، فقال رسول: ما نسيتما ولا سهوتما، وكأني بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك اعداء الله، واعداء رسوله، وكأني بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في اقطارها، وذلك لأمر قد قضي،


(1) الزخرف – 41. (2) آل عمران – 144 (3) لم اعثر على ترجمته في كتب الرجال.

[ 292 ]

ثم بكى رسول الله صلى الله عليه واله حتى سالت دموعه، ثم قال: يا علي الصبر الصبر حتى ينزل الأمر، ولا حول ولاقوة الا بالله العلي العظيم، فان لك من الأجر في كل يوم مالا يحصيه كاتباك، فإذا امكنك الأمر: فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله، وامر رسوله، فانك على الحق ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة. وعن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه واله في المسجد بعد ان صلى الفجر، ثم نهض ونهضت معه، وكان رسول الله صلى الله عليه واله إذا اراد ان يتجه إلى موضع أعلمني بذلك، وكان إذا ابطأ في ذلك الموضع صرت إليه لاعرف خبره، لأنه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة واحدة فقال لي: انا متجه إلى بيت عائشة، فمضى صلى الله عليه واله ومضيت إلى بيت فاطمة الزهراء عليها السلام فلم أزل مع الحسن والحسين فانا وهي مسروران بهما، ثم اني نهضت وسرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب فقالت: من هذا ؟ فقلت لها: انا علي فقالت: ان النبي راقد، فانصرفت، ثم قلت: النبي راقد وعائشة في الدار، فرجعت وطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا ؟ فقلت لها: انا علي فقالت: ان النبي صلى الله عليه واله على حاجة فانثنيت مستحييا من دق الباب، ووجدت في صدري مالا استطيع عليه صبرا، فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا عنيفا، فقالت لي عائشة: من هذا ؟ فقلت: انا علي فسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: يا عائشة افتحي له الباب، ففتحت ودخلت، فقال لي: اقعد يا أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه، أو تحدثني بابطاءك عني، فقلت يارسول الله حدثني فان حديثك أحسن، فقال: يا أبا الحسن كنت في أمر كتمته من ألم الجوع، فلما دخلت بيت عائشة، واطلت القعود ليس عندها شئ تأتي به، فمددت يدي وسألت الله القريب المجيب، فهبط علي حبيبي جبرئيل عليه السلام ومعه هذا الطير ووضع اصبعه على طائر بين يديه، فقال: ان الله عزوجل أوحى الي: ان آخذ هذا الطير وهو أطيب طعام في الجنة فاتيك به يا محمد، فحمدت الله عزوجل كثيرا، وعرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السماء فقلت: ” اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني


[ 293 ]

يأكل معي من هذا الطير ” فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب، فرفعت يدي ثم قلت: ” اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني وتحبه واحبه يأكل معي من هذا الطير ” فسمعت طرق الباب وارتفاع صوتك، فقلت لعائشة: أدخلي عليا فدخلت، فلم أزل حامدا لله حتى بلغت الي إذ كنت تحب الله وتحبني ويحبك الله وأحبك، فكل يا علي، فلما أكلت أنا والنبي الطائر، قال لي: يا علي حدثني فقلت: يارسول الله لم ازل منذ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعا، ثم نهضت اريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا ؟ فقلت: انا علي فقالت: ان النبي راقد، فانصرفت، فلما ان صرت إلى بعض الطريق الذي سلكته رجعت. فقلت: النبي صلى الله عليه واله راقد وعائشة في الدار لا يكون هذا، فجئت فطرقت الباب فقالت: لي من هذا ؟ فقلت لها: انا علي فقالت: ان النبي صلى الله عليه واله على حاجة فانصرفت مستحييا، فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة، وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه صبرا وقلت: النبي صلى الله عليه واله على حاجة وعائشة في الدار، فرجعت فدققت الباب الدق الذي سمعته، فسمعتك يارسول الله وأنت تقول لها: ادخلي عليا فقال النبي: صلى الله عليه واله أبى الله الا أن يكون الأمر هكذا، يا حميراء ما حملك على هذا ؟ قالت: يا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي يأكل من هذا الطير فقال لها: ما هو بأول ضغن بينك وبين علي، وقد وقفت لعلي – ان شاء الله – لتقاتلنه. فقالت: يارسول الله وتكون النساء يقاتلن الرجال ؟ فقال لها: يا عائشة انك لتقاتلين عليا، ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي، (1) فيحملونك عليه، وليكونن في قتالك له أمر يتحدث به الأولون والآخرون، وعلامة ذلك انك تركبين الشيطان، ثم تبتلين قبل ان تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه، فتنبح عليك كلاب الحوأب، فتسئلين


(1) يريد باهل بيته المعنى العام لأهل بيت الرجل أي: اقاربه والمقصود هنا هو: الزبير بن العوام، وليس المقصود من أهل البيت المعنى الخاص المقصور على الخمسة من أصحاب الكساء، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا

[ 294 ]

الرجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا: ما هي كلاب الحوأب، فتنصرفين إلى بلد أهله انصارك، (1) وهو ابعد بلاد على الأرض من السماء، وأقر بها إلى الماء ولترجعن وانت صاغرة بالغة ما تريدين، ويكون هذا الذي يردك مع من يثق به من اصحابه، وانه لك خير منك له، ولينذرنك بما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة، وكل من فرق علي بيني وبينه بعد وفاتي ففراقه جائز. فقالت يارسول الله ليتني مت قبل ان يكون ما تعدني. فقال لها: هيهات هيهات ! والذي نفسي بيده ليكونن ما قلت، حق كأني أراه ثم قال لي: قم يا علي فقد وجبت صلاة الظهر، حتى آمر بلالا بالأذان فأذن بلال واقام وصلى وصليت معه ولم يزل في المسجد. احتجاجه عليه السلام فيما يتعلق بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين من الجبر والتشبيه والرؤية والمجيئ والذهاب والتغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال في اثناء خطبه ومجاري كلامه ومخاطباته ومحاوراته. الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون (2)


(1) وفي نسخة ” فتصيرين ” بدل تنصرفين. (2) الحمد هو: الثناء على الجميل من نعمة وغيرها. والبلوغ هو الوصول أو المشارفة. والمدحة: فعلة من المدح وهي: ” الهيئة ” كالجلسة للجالس، والركبة للراكب والاحصاء: انها العدد والاحاطة بالمعدود والمجتهد: من اجتهد في الأمر إذا بذل وسعه وطاقته في طلبه. في الجملة الاولى اشارة: إلى العجز عن القيام بالثناء عليه سبحانه كما يستحقه وكما هو اهله، وهي في معنى قول النبي ” ص “: ” لااحصى ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ” وفي الجملة الثانية: اعتراف بالقصور عن القدرة على حصر أنعم الله على تعددها –

[ 295 ]

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، (1) الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، (2) فطر الخلايق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان ارضه، (3) أول الدين معرفته،


وكثرتها بحيث لا يحيط بها حصر الانسان، وهذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى: ” وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها “. وفي الثالثة: اعتراف بالعجز عن أداء شكر المنعم، وأداء حقه اللازم على العباد مهما بذلوا من جهد، فكل حركة وسكون يصدران من الانسان مستندان إلى وجوده تعالى وهي نعمة منه تعالى على عباده ولذا جاء في الأثر: ان موسى ” ع ” سأل ربه قائلا: ” يا رب كيف اشكرك وانا لا أستطيع ان أشكر الا بنعمة ثانية من نعمك ” فأوحى الله تعالى إليه: ” إذا عرفت هذا فقد شكرتني “. (1) الهمم – جمع الهمة – وهي: العزم والجزم الثابت الذي لا يعتريه فتور. والنيل: الاصابة. والفطن – جمع فطنة بالكسر – وهي: الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه. بعد الهمم علوها وتعلقها بالامور. العالية اي: ان الهمم وان علت وبعدت لا يمكن ان تدركه مهما حلقت في سماء المدارك العالية، كما ان الفطن الغائصة في بحار الافكار هي الاخرى لا تصل إلى كنه حقيقته. (2) حد الشئ: منتهاه والنعت: الصفة والأجل: المدة المضروبة للشئ. اي ليس لصفاته الذاتية من القدرة: والاختيار، والعلم، والحياة، حد معين ينتهي إليه ويقف عنده كما هو الحال في الموجودات الممكنة فانها جميعا لها حد تنقطع إليه وتقف عنده، كما انها لا تنعت بنعوت موجودة اي: زائدة متغيرة، فعلمه مثلا لا ينعت: بالزيادة والنقصان – كما هو الحال بالنسبة لنا – وقدرته لا توصف بالقوة والضعف بل هو منزه عن كل هذه النعوت وصفاته عين ذاته، كما انها ازليه فليس لها وقت معدود، وابدية فليس لها أجل ممدود. (3) فطر: خلق. والنشر: البسط. ووتد – بالتخفيف والتشديد – ثبت. والميدان – بفتح الميم والياء – الحركة. –

[ 296 ]

وكمال معرفته التصديق به، وكمال تصديقه توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، (1) لشهادة كل صفة انها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف انه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، (2) ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده، ومن قال: ” فيم ؟ ” فقد ضمنه، ومن قال: ” على م ؟ ” فقد اخلي منه، (3) كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمزايلة فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من حلقه، متوحد إذ لا


– أي: سكن الأرض بعد اضطرابها وهى من قوله تعالى: ” وجعلنا الجبال اوتادا ” وقوله: ” والقى في الارض رواسي ان تميد بكم “. (1) اول الدين معرفته أي: ان معرفته سبحانه أساس الطاعة والعبادة، فما لم – يعرف لا يمكن ان يطاع، ولا تتم معرفته، ما لم يذعن العبد ويحكم: بوجوب وجوده ولا يذعن ويحكم بوجوب وجوده، ما لم يؤمن ويحكم له بالوحدانية، وانه لا شريك له في ذاته، لان الواجب لا يتعدد، ثم ان كمال هذا التوحيد يكون بالاخلاص له، وهو: اما جعله خاليا عن النقائص وسلب الجسمية والعرضية وأمثالها عنه، أو الاخلاص له بالعمل وكمال هذا الاخلاص هو: نفى الصفات الزائدة عنه تعالى فصفاته تعالى عين ذاته – علمه، وقدرته، وارادته، وحياته، وسمعه، وبصره، كلها موجودة بوجود ذاته الأحدية، وذاته جامعة ومستوعبة لها وهى عينها، وليست هي على كثرتها وتعدد معانيها وتغاير مفهوماتها زائدة على الذات خارجة عنها. (2) أي: من وصف الله سبحانه بصفة زائدة على ذاته خارجة عنها، ” فقد قرنه ” بغيره في الوجود ومن ” قرنه ” بغيره فقد صيره ثانيا لقد يمين يصدق عليهما: ” واجب الوجود ” وحينئذ يكون قد ” جزأه ” لأن كل واحد من القديمين جزء لذلك الواجب، و ” من جزأه ” فقد ” جهله ” إذ جعله في عداد الممكنات، ولم يعرف الوجود الواجب فهو لا يتعدد ولا يتجزأ كما هو ثابت في علم الكلام. (3) ضمنه: جعله محتويا عليه واخلي منه: جعله خاليا منه. ” ومن أشار إليه ” سواء بالاشارة العقلية كأن يجعل له حدا منطقيا مركبا من –

[ 297 ]

سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده (1) أنشأ الخلق انشاءا: وابتدأه ابتداءا بلا روية اجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة احدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، احال الأشياء لأوقاتها، ولائم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، والزمها


– جئس وفصل، أو بالاشارة الحسية ” فقد حده ” وذلك أن كل مشار إليه لابد ان يكون في جهة ما، وكل ما هو في جهة فلابد من أطراف واقطار هي حدوده وينتهى عندها و ” من ” فعل ذلك و ” حده ” ” فقد عده ” في عداد الممكنات. ومن قال ” فيم ” هو فقد جعله ضمن شئ ومن قال ” على م ” هو فقد جعله مستعل على شئ وغير مستعل على غير وحينئذ يكون قد ” اخلي منه ” ذلك الغير (1) حدث الشئ: تجدد وجوده. والمزايلة: المفارقة. والسكن بفتحتين -: ما يسكن إليه من اهل ومال. هذه الفقرات كل منها مركبة من قضيتين، احداهما موجبة، والاخرى سالبة، والفرق بين الفقرتين الأوليتين ” كائن لاعن حدث ” و ” موجود لا عن عدم ” إذ يبدو ان معناهما واحد في نفيهما تجدد الوجود، هو: ان الفقرة الاولى تنفى تجدد الحدوث الزمانى يعنى انه كائن منذ الأزل، والثانية تنفى التجدد الذاتي وتثبت وجوب وجوده ” مع كل شئ لا بمقارنة ” كما انه ” غير كل شئ ” ولكن ” لابمزايلة ” ومفارقة، فالمقارنة والمفارقة من الصفات الجسمانية وذاته المقدسة منزهة عن الجسمانيات فهو مع كل شئ بمعنى انه عالم بكل شئ محيط به، شاهد عليه، غير غائب عنه، ولكن هذه المعية وتلك الغيرية ليست كما هي بالنسبة لنا من المقارنة والمفارقة التى هي من خصائص الجسمية ولوازمها، وذاته المجردة لاتشبه شيئا من ذوات الموجودات الممكنة فهو ” فاعل ” ولكن ” لا بمعنى الحركات والآلة ” ومن صيق الالفاظ نعبر عن صفاته القدسية بهذه الالفاظ المتعارفة بيننا، والتى نطلقها عليه كما نطلقها على سائر الممكنات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ” بصير ” منذ الأزل (إذ لا منظور إليه من خلقه) (متوحد) في سلطانه وملكوته (إذ لاسكن يستأنس به) و (لا) انيس (يستوحش لفقده) فالوحشة والانس من لوازم الطبيعة الحيوانية، وهو منزه عنها.

[ 298 ]

اشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها واحنائها (1) وقال عليه السلام في خطبة اخرى: (2) أول عبادة الله معرفته، واصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه، جل أن تحله الصفات بشهادة العقول: ان كل من حلته الصفات فهو مصنوع وشهادة العقول: انه جل جلاله صانع ليس بمصنوع، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفكر تثبت حجته، جعل الخلق دليلا عليه، فكشف به ربوبيته، هو الواحد الفرد في ازليته، لا شريك له في إلهيته، ولاند له في ربوبيته، بمضادته بين الاشياء المتضادة علم ان لاضد له، وبمقارنته بين الامور المقترنة


(1) نشأ الشئ: حدث وتجدد. والابتداء: بمعنى الانشاء والروية: الفكر والتدبر، واجال به: إذا اداره والتجربة: الاختبار. والهمامة: التردد. واحال الأشياء: صرفها وحولها ولائم: اصلح والغريزة: الطبيعة. والاشباح: الاشخاص والاحاطة: الاستدارة والشمول والاحناء – جمع الحنوه -: الجانب والناحية. (انشأ الخلق انشاءا) من غير مادة (وابتدأهم ابتداءا) من دون مثال سبق (بلا روية اجالها) ولا فكر اداره (ولا تجربة استفادها) ولا خبرة اكتسبها من قبل (ولا احدثها) كالحركة الحادثة لنا إذا اردنا فعل شئ ما (ولا همامة نفس اضطرب فيها) كما تتردد نفوسنا وتضطرب فكل هذه الامور من لوازم الجسمية تقدست ذاته عنها (أحال الأشياء) ونقلها وصرفها حسب مقتضيات الحكمة والمصلحة (لأوقاتها) للقضاء والقدر واصلح و (لائم بين) ماكان من عالم الغيب، كالأرواح المجردة، وما كان من عالم الشهود كالاجسام المركبة، وغير ذلك من (مختلفاتها) كتوفيقه بين سائر العناصر (وغرز) للاشياء (غرائزها) ثم خص كل جنس أو نوع بغرائزه الخاصة به (والزمها اشباحها) واشخاصها (عالما بها قبل ابتدائها) كما هو عالم بها بعد ايجادها من غير فرق بين الحالين (محيطا بحدودها وانتهائها) شاملا بقدرته وعلمه جميع اطرافها. (2) ارشاد الشيخ المفيد ” قده ” أبو الحسن الهذلى عن الزهري وعيس بن زيد عن صالح بن كيسان عن امير المؤمنين ” ع ” قال – في الحث على معرفة الله -: اول عبادة الله معرفته.. الخ.

[ 299 ]

علم ان لا قرين له. وقال عليه السلام في خطبة اخرى: دليله آياته، ووجوده اثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة، انه رب خالق غير مربوب مخلوق، كل ما تصور فهو بخلافه. ثم قال – بعد ذلك -: ليس بآله من عرف بنفسه هو الدال بالدليل عليه، والمؤدي بالمعرفة إليه. وقال عليه السلام في خطبة اخرى: (1). لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد، وانما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلات إلى نظائرها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لو لا التكملة، بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون (2) لا تجرى عليه الحركة


(1) تجد هذه الخطبة الجليلة – التى هي حقا من معجزات امير المؤمنين ” ع ” ولو لم تكن له معجزة سواها لكفى، كما لو لم يكن لرسول الله ” ص ” معجزة سوا امير المؤمنين ” ع ” لكفى – في ج 2 ص 142 من نهج البلاغة قال السيد الرضى ” قدس سره ” ” وتجمع هذه الخطبة من اصول العلوم مالا تجمعه خطبة ” واولها كما هي مثبتة في النهج: ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا اياه عنى من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول فاعل لا باضطراب آلة، مقدور لا بجول ؟ ؟ فكرة، غنى لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له، وبمضادته بين الامور عرف ان لا ضد له، وبمقارنته بين الاشياء عرف ان لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها مفرق بين متدانياتها، لا يشمل بحد.. الخ. (2) ” لا يشمل بحد ” من الحدود المنطقية، المركبة من الجنس والفصل، وذاته خالية من التركيب أو من الحدود والأبعاد الهندسية التى هي من لوازم الأجسام. –

[ 300 ]

والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود إليه ما هو ابداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذا لتفاوتت ذلته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذا وجد له امام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان، وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلا بعد ان كان مدلولا عليه، (1) وخرج بسلطان


– وذاته تعالى ليست بجسم. ” ولا يحسب بعد ” لعدم المماثل له وواجب الوجود لا يتعدد كما هو ثابت في محله كما ان صفاته عين ذاته غير زائدة عليها فلا تدخل تحت العدد، ولا بداية لوجوده حتى يقال: كان منذ كذا وكذا ” وانما تحد الادوات أنفسها ” لتركبها من جنس وفصل، ولكونها من الاجسام فتشملها الحدود والابعاد الهندسية. ” وتشير الآلات إلى نظائرها ” فتدخل تحت العدد وقد ” منعتها – اطلاق لفظة: منذ عليها – القدمة ” في قولنا وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا، ومتى كان للشئ ابتداء فهو غير قديم. ” وحمتها – اطلاق لفظه قد عليها – الأزلية ” في قولنا قد وجدت هذه الآلات والأدوات منذ كذا لأن قد تفيد تقريب الزمان الماضي من الحال، ومتى تعين زمن وجود الشئ انتفت ازليته. (وجنبتها – اطلاق كلمة: لو لا عليها – التكملة) في قولنا: ما احسن هذه الآلات والأدوات لولا ان فيها كذا لدلالتها على امتناع كمال الشئ لوجود نقص فيه. ويمكن ان يكون المعنى: ان قدمه وأزليته وكماله منعت من اطلاق لفظة: (منذ وقد، ولو لا) على ذاته المقدسة، لدلالتها على الحدوث والابتداء والنقص. (بها) بتلك الآلات والأدوات ببديع صنعها، باتقانها، بحكمة تدبيرها (تجلى صانعها للعقول) التى هي طبعا بعض تلك الآلات لدلالة الأثر على المؤثر (وامتنع) بدليل تجرده وتنزهه عن المادة والجسمية واللون والجهة التى هي من لوازم المرئيات (عن نظر العيون). (1) الحركة سواء كانت بمعناها الفلسفي الذى هو: (الخروج من القوة إلى الفعل) أو بمعناها الفيزيائي الذى هو: (الانتقال من مكان إلى آخر) فهى تتقوم بالتدرج والانتقال من حال إلى حال ومن مكان إلى آخر وتخلع صورة وتلبس اخرى –

[ 301 ]

الامتناع من ان يؤثر فيه ما يؤثر في غيره، (1) الذي لا يحول، ولا يزول،


– وتصل إلى جزء وتنفصل عن سابقه وهكذا، ويقابلها السكون الذى هو: (التوقف والخمود فيما يقبل الحركة) والحركة والسكون كلاهما من الحوادث المستندة في وجودها إلى علة، وحيث ثبت ان لا موجد الا الله ولا خالق سواه فيكون هو الذى خلقهما وأجراهما على نفسه، وأحدثهما في ذاته، ولا ستحالة ان يكون مخلوقه جزء ذاته، نفى امير المؤمنين عليه السلام ذلك في صورة استفهام انكاري في قوله، (وكيف يجرى عليه ما هو أجراه ؟ ؟ ويعود إليه ما هو ابداه، ويحدث فيه ما هو احدثه ؟ !) ثم انه عليه السلام شرع في اقامة الأدلة على استحالة هذه النسبة فقال: 1 – (إذا لتفاوتت ذاته) أي: تغيرت، لأنها تكون متحركة تارة وساكنة اخرى فالحركة والسكون من الحوادث المتغيرة، فيكون محلا للحوادث، وذلك من لوازم الامكان، فيكون واجب الوجود ممكن الوجود، وهو مستحيل. 2 – (ولتجزأ كنهه) لأن الحركة والسكون من لوازم الاجسام والاجسام مركبة فيلزم حقيقته التركيب وهو باطل. 3 – (ولا متنع من الأزل معناه) لان الحركة والسكون من لوازم الاجسام الحادثة والحادث لا يكون ازليا. 4 – (ولكان له وراء إذ وجد له امام) إذ لو جرت عليه الحركة لكان له امام يتحرك نحوه وحينئذ يلزم ان يكون له وراء لانهما أمران اضافيان لا ينفك أحدهما عن الآخر وحينئذ يكون له وجهان وكل ذى وجهين منقسم وكل منقسم ممكن. 5 – (ولالتمس النمام إذ لزمه النقصان) إذ هو في حركته يتوجه نحو غاية اما لجلب نفع أو لدفع ضرر، وذلك كمال مطلوب له لنقصان لازم لذاته وذلك يستلزم الامكان فهو باطل. وإذا لقامت آية المصنوع فيه وثبت امكانه وحدوثه وتحول دليلا يستدل بوجوده على خالقه. (1) أي خرج بسلطان امتناعه التجردى، وعدم شموله بحد، ودخوله تحت العدد وامتناعه عن نظر العيون، وعدم جريان الحركة والسكون عليه خرج بهذا السلطان من ان يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من الممكنات.

[ 302 ]

ولا يجوز عليه الافول، (1) لم يلد فيكون مولودا، ولم يولد فيصير محدودا (2) جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الأيدي فتمسه، ولا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالى والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشئ من الأجزاء، ولا الجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الاعراض ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا ان الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، ولا ان شيئا يحمله فيميله أو يعدله، (3) ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وادوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، ويقول – لما اراد كونه -: ” كن فيكون ” لا بصوت يقرع، ولا نداء يسمع، وانما كلامه سبحانه فعل منه أنشاه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا، (4) ولايقال


(1) لا يحول: لا يتغير. والأفول: الغيبة. (2) الولادة تحصل بانفصال شئ عن آخر من جنسه ونوعه، فالوالد والولد يشتركان في النوع والصنف والعوارض، ولا يكون هذا الانفصال والتجزي الا بواسطة المادة القابلة للتجزأة، وإذا كان كذلك فهو متولد من مادة وصورة. ويحتمل ان يكون المراد بالمولود المخلوق، فيكون المعنى لم يلد فيثبت كونه جسما مخلوقا. وعلى كلا التقديرين سواء كان مولودا من مادة وصورة، أو كان جسما مخلوقا، فانه يكون محدودا بالحدود المنطقية، والأبعاد الهندسية. (3) لا تناله الأوهام فنقدره بمقدار وكم، وشكل وكيف، والفطية سرعة للفهم ولا تتوهمه الفطن فتصوره بصور خيالية أو عقلية، ولا تدركه الحواس بنحو المباشرة ولا تلمسه وتحسه الأيدى بنحو المماسة، ولا يتغير أبدا، ولا يوصف بالغيرية والأبعاض فصفاته لا يغاير بعضها بعضا، وليس هو بذى مكان يحويه، فيرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه، كما انه غير محمول على شئ، فيميله إلى جانب، أو يعدله على ظهر من غير ميل (4) يحفظ عباده ويحرسهم، ولا يتحرز ولا يخاف ويبغض ويغضب ولا –

[ 303 ]

له: ” كان بعد ان لم يكن ” فتجري عليه صفات المحدثات، ولا يكون بينه وبينها فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدع والبديع (1) خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره (2) ولم يستعن على خلقها باحد من خلقه أنشأ الأرض فامسكها من غير اشتغال، وارساها على غير قرار (3) وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الاود والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج (4) أرسى اوتادها، وضرب اسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها (5) فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، والباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شئ منها بجلالته وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه، خضعت الأشياء له، وظلت مستكينة لعظمته (6) لا تستطيع الهرب من سلطانه الى غيره، فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤله فيكافئه (7) ولا نظير له فيساويه، هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها باعجب من انشائها واختراعها، وكيف ! ولو اجتمع


– يستلزم بغضه وغضبه مشقة وانزعاجا، كما هو الحال بالنسبة لنا مما يستلزمانه فينا من فوران دم القلب واضطرابه، يقول – لما أراد كونه – كن فيكون وليس المراد بالقول هو التكلم الحقيقي حتى يكون له صوت يقرع الآذان فيسمع وانما كلامه سبحانه هو نفس فعله، وخلقه للأشياء وتصويرها ينشؤه ويمثله لجبرئيل في اللوح وليس هو بقديم ولو كان قديما لكان إلها ثانيا. (1) في بعض النسخ. (الصفات المحدثات). (2) خلا: أي مضى. (3) أرساها: أثبتها على غير قرار. (4) الأود – بالتحريك – الاعوجاج. والتهافت. التساقط قطعة قطعة. (5) الأسداد – جمع السد – بمعنى الجبل أو الحاجز. وبالضم بمعنى السحاب الأسود. وخد: بمعنى شق (6) الاستكانة: الخضوع. (7) أي: يساويه في جوب الوجود

[ 304 ]

جميع حيوانها: من طيرها، وبهائمها، وما كان من مراحها، وسائمها، واصناف اشباحها، واجناسها، ومتلبدة اممها واكياسها (1) على احداث بعوضة ما قدرت على احداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى ايجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة (2) عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن انشائها، مذعنة بالضعف عن افنائها، وانه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه، كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، لاوقت ولا مكان، ولاحين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ الا الواحد القهار، الذي إليه مصير جميع الأمور، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فنائها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقائها، لم يتكاده صنع شئ منها إذا صنعه، ولم يؤده منها خلق مابراه وخلقه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مساور (3) ولا للأزدياد بها في ملكه ولا لمكاثرة شريك في شركته، ولا لوحشة كانت منه فأراد ان يستأنس إليها، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه من تصريفها وتدبيرها، ولا لراحة واصلة إليه، ولا لثقل شئ منها عليه، لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى نزعة إفنائها، لكنه سبحانه دبرها بلطفه، وامسكها بأمره، واتقنها بقدرته، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشئ منها عليها، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم والتماس، ولا من فقر ولا حاجة إلى غني وكثرة، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة.


(1) المتلبدة: ذو البلادة ضد الأكياس. (2) الخاسئ: الذليل الصاغر. والحسير: الكال المعيى. (3) لم يتكاده: لم يشق عليه. لم يؤده: لم يثقله. الند: المثل. المكاثرة المغالبة بالكثرة. المساورة: المواثبة.

[ 305 ]

ومن خطبة له عليه السلام: (1) الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد (2) ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده وباشتباههم على ان لاشبه له، الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة (3) وتشهد له المرائي لا بمحاضرة (4) لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها، وبها امتنع منها، واليها حاكمها (5) ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيدا، بل كبر شانا، وعظم سلطانا. ومنها في الاستدلال عليه تعالى بعجيب خلقه من أصناف الحيوان وغيرها: ولو فكروا في عظيم القرة، وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والأبصار مدخولة، أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوا له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغرة جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدورها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في


(1) ج 2 ص 137 من نهج البلاغة. (2) المراد بالشواهد: الحواس (3) أي: لا بطريق المشاعر والاحاسيس. (4) أي: المرئيات تشهد له بالوجود من غير ان يكون محسوسا معها. (5) أي: لم تحط به العقول بل بها تجلى وظهر وثبت وجوده لها وبالنظر والتعقل علمنا انه ممتنع من ان تدركه العقول وجعل العقول السقيمة المدعية بالاحاطة به تعالى خصمه، ثم حاكمها إلى العقول السليمة فحكمت عليها.

[ 306 ]

الصفاء اليابس، والحجر الجامس، ولو فكرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها واذنها، لقضيت من خلقتها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، ولم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة الا على ان فاطر النملة هو فاطر النحلة، لدقيق تفصيل كل شئ، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف في خلقه الاسواء، كذلك السماء والهواء، والريح والماء، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار والانهار، وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات، فالويل لمن انكر المقدر، أو جحد المدبر، وزعموا أنهم كالنبات مالهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، لم يلجؤا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق فيما اوعوا، وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان، وان شئت قلت في الجرادة: إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض ترهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو اجمعوا بجمعهم، حتى ترد الحرث من نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون اصبعا مستدقة، فتبارك الله الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها، ويعفر له خدا ووجها، ويلقي بالطاعة له سلما وضعفا، ويعطي له القياد رهبة وخوفا، والطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس قدر أقواتها وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وانشأ السحاب الثقال فاهطل ديمها، وعدد قسمها، قبل الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.


[ 307 ]

وروي انه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكر وفيهم راهب من رهبان النصارى فأتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه بختي موقر ذهبا وفضة وكان أبو بكر حاضرا وعنده جماعة من المهاجرين والانصار. فدخل عليهم، وحياهم، ورحب بهم، وتصفح وجوههم، ثم قال: أيكم خليفة رسول الله وأمين دينكم ؟ فاومي إلى ابي بكر فاقبل إليه بوجهه ثم قال أيها الشيخ ما اسمك ؟ قال، عتيق. قال ثم ماذا ؟ قال: صديق. قال: ثم ماذا ؟ قال: لاأعرف لنفسي اسما غيره فقال: لست بصاحبي فقال له: وما حاجتك ؟ قال: انا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقر ذهبا وفضة، لاسئل امين هذه الأمة من مسألة ان أجابني عنها أسلمت، وبما امرني اطعت، وهذا المال بينكم فرقت وان عجز عنها رجعت إلى الوراء بما معي ولم اسلم، فقال له أبو بكر: سل عما بدالك. فقال الراهب: والله لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك وسطوة أصحابك فقال أبو بكر: أنت آمن، وليس عليك بأس، قل ما شئت. فقال الراهب: اخبرني عن شئ: ليس لله، ولا من عند الله، ولا يعلمه الله. فارتعش أبو بكر ولم يحر جوابا، فلما كان بعد هنيئة قال – لبعض اصحابه -: ائتني بأبي حفص عمر. فجاء به فجلس عنده ثم قال: أيها الراهب سله. فأقبل بوجهه إلى عمر وقال له مثل ما قال لأبي بكر فما يحر جوابا ثم أتى بعثمان، فجرا بين الراهب وعثمان مثل ما جرى بينه وبين أبي بكر وعمر فلم يحر جوابا. فقال الراهب: اشياخ كرام، ذووا فجاج لاسلام. ثم نهض ليخرج. فقال أبو بكر: يا عدو الله لو لا العهد لخضبت الأرض بدمك. فقام سلمان الفارسي رضى الله عنه، أتى علي بن ابى طالب عليه السلام وهو


[ 308 ]

جالس في صحن داره مع الحسن والحسين عليهما السلام، وقص عليه القصة. فقام علي عليه السلام وخرج ومعه الحسن الحسين عليهما السلام حتى أتى المسجد، فلما رأى القوم عليا عليه السلام، كبروا الله، وحمدوا الله، وقاموا إليه أجمعهم، فدخل علي عليه السلام وجلس فقال أبو بكر: أيها الراهب سله فانه صاحبك وبغيتك، فأقبل الراهب بوجهه إلى علي عليه السلام ثم قال: يافتى ما اسمك ؟ قال: إسمي عند اليهود ” اليا ” وعند النصارى ” ايليا ” وعند والدي ” علي ” وعند امى ” حيدرة ” قال: ما محلك من نبيكم ؟ قال: أخي وصهري وابن عمي لحا. قال: الراهب: انت حاصبي ورب عيسى، أخبرني عن شئ ليس لله، ولا من عند الله، ولا يعلمه الله. قال: عليه السلام على الخبير سقطت: اما قولك ” ما ليس لله “: فان الله تعالى أحد ليس له صاحبة ولا ولد. واما قولك ” ولا من عند الله “: فليس من عند الله ظلم لأحد. واما قولك ” لا يعلمه الله “: فان الله لا يعلم له شريكا في الملك. فقام الراهب، وقطع زناره، واخذ رأسه وقبل ما بين عينيه، وقال: ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وأشهد أنك انت الخليفة وأمين هذه الأمة، ومعدن الدين والحكمة، ومنبع عين الحجة، لقد قرأت اسمك في التوراة اليا، وفي الانجيل ايليا، وفي القرآن عليا، وفي الكتب السابقة حيدرة، ووجدتك بعد النبي وصيا، وللامارة وليا، وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك، فاخبرني ما شأنك وشأن القوم ؟ ” فاجابه بشئ فقام الراهب وسلم المال إليه باجمعه، فما برح علي عليه السلام مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة، ومحاويجهم، وانصرف الراهب إلى قومه مسلما.


[ 309 ]

وروي انه اتصل بامير المؤمنين عليه السلام ان قوما من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال، أيها الناس ان الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه، اراد ان يكونوا على آداب رفيعة، وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك الا بان يعرفهم: ما لهم، وما عليهم، والتعريف لا يكون الا بالأمر والنهي، والأمر والنهي لا يجتمعان الا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون الا بالترغيب والوعيد لا يكون الا بالترهيب والترغيب لا يكون الا بما تشتهيه انفسهم، وتلذ اعينهم، والترهيب لا يكون الا بضد ذلك، ثم خلقهم في داره وأراهم طرفا من اللذات، ليستدلوا به على ما ورائهم من اللذات الخالصة التي لا يشوبها الم، ألا وهي الجنة، وأراهم طرفا من الآلام ليستدلوا به على ما ورائهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة، الا وهي النار فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها، وسرورها ممزوجا بكدرها وهمومها قيل: فحدث الجاحظ (1) بهذا الحديث، فقال: هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم، وتحاوره بينهم. قيل: ثم سمع أبو علي الجبائي (2) بذلك، فقال صدق الجاحظ هذا مالا يحتمله الزيادة والنقصان.


الجاحظ: ابو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري اللغوي النحوي كان من غلمان النظام، وكان مائلا إلى النصب والعثمانية، وله كتب منها: ” العثمانية ” التي نقض عليها أبو جعفر الاسكافي، والشيخ المفيد، والسيد احمد بن طاووس، وطال عمره واصابه الفالج في آخر عمره ومات في البصرة سنة 255. الكنى والالقاب ج 2 ص 121 (2) الجبائى: أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن ابان مولى عثمان بن عفان ” ويطلق ” على ابنه أبي هاشم عبد السلام بن محمد ويقال لهما: الجبائيان وكلاهما من رؤساء المعتزلة، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، والكتب الكلامية مشحونة بمذاهبهما واعتقاد هما، توفي أبو علي الجبائى سنة 303. الكنى والالقاب ج 2 ص 126

[ 310 ]

وروي عن علي بن محمد العسكري عليهما السلام – في رسالته إلى أهل الاهواز في نفي الجبر والتفويض (1) -: انه قال: روي عن امير المؤمنين عليه السلام: انه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال: يا امير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر ؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلام: نعم يا شيخ ما علوتم تلعة (2) ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من عند الله وقدر. فقال الرجل: عند الله احتسب عنائي، والله ما ارا لي من الأجر شيئا. فقال علي عليه السلام: بلى فقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم ذاهبون، وعلى منصرفكم وأنتم منقلبون، ولم يكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين، ولا إليه مضطرين. فقال الرجل: وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا ؟ ! فقال امير المؤمنين عليه السلام لعلك أردت قضاءا لازما، وقدرا حتما ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من الله والنهي، وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثواب الاحسان من المذنب،


(1) تتلخص عقيدتنا نحن الشيعة الامامية الاثنى عشرية في ” القضاء والقدر ” بما يلى: لما كان الله سبحانه وتعالى مفيض الوجود ومعطيه، فالأفعال الصادرة منا تكون داخلة تحت سلطانه، ومن جملة مقدوراته، ومن ناحية كونها صادرة منا ونحن اسبابها الطبيعية فهى داخلة تحت قدرتنا واختيارنا، وهو لم يجبرنا عليها، بل اعطانا للقدرة والاختيار في افعالنا ولذا فهو حين يعاقبنا على المعاصي لا يكون ظالما لنا. ولا فوض خلقها الينا حتى تخرج عن سلطانه وخلاصة الكلام اننا نقول بالطريق الوسط في القول بين القولين كما علمنا أئمتنا عليهم السلام وكما قال امامنا الصادق عليه السلام: ” لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين “. (2) التلعة: ما علا من الأرض.

[ 311 ]

ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن، تلك مقالة اخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهداء الزور والبهتان، وأهل العمى والطغيان (1) هم قدرية هذه الامة ومجوسها، ان الله تعالى أمر تخييرا، وكلف يسيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الرسل هزلا، ولم ينزل القرآن عبثا، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار ثم تلى عليهم: ” وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه ” (2) قال: فنهض الرجل مسرورا وهو يقول: أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ماكان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه احسانا وليس معذرة في فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا كلا ولا قائلا ناهيه اوقعه * فيه عبدت إذا يا قوم شيطانا ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا أنى يحب وقد صحت عزيمته * على الذي قال أعلن ذاك اعلانا وروي ان رجلا قال: فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا امير المؤمنين ؟ قال: الأمر بالطاعة، والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، كل ذلك قضاء الله في افعالنا، وقدره لأعمالنا، واما غير ذلك فلا تظنه فان الظن له محبط للاعمال. فقال الرجل: فرجت عني يا امير المؤمنين فرج الله عنك. وروي انه سئل عن القضاء والقدر فقال: لا تقولوا: وكلهم الله عليه أنفسهم فتوهنوه، ولا تقولوا اجبرهم على المعاصي فتظلموه، ولكن قولوا: الخير بتوفيق الله، والشر بخذلان الله، وكل سابق في علم الله.


(1) في بعض النسخ ” أهل الغى والطغيان “. (2) الاسراء – 23.

[ 312 ]

وروى اهل السير: ان رجلا جاء إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال: يا امير المؤمنين خبرني عن الله أرأيته حين عبدته ؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلام: لم أك بالذي أعبد من لم أره. فقال له: كيف رأيته يا أمير المؤمنين ؟ فقال له: يا ويلك لم تره العيون بمشاهدة العيان، لكن رأته العقول بحقايق الايمان، معروف بالدلالات، منعوت بالعلامات، لا يقاس بالناس، ولا يدرك بالحواس فانصرف الرجل وهو يقول: الله اعلم حيث يجعل رسالته. وروي ان بعض الأحبار جاء إلى أبى بكر فقال له: أنت خليفة نبي هذه الأمة ؟ فقال: نعم. قال: فانا نجد في التوارة ان خلفاء الانبياء أعلم اممهم، فخبرني عن الله أين هو أفي السماء أم في الأرض ؟ فقال له أبو بكر: في السماء على العرش. قال اليهودي: فأرى الأرض خالية منه، وأراه – على هذا القول – في مكان دون مكان. فقال أبو بكر: هذا كلام الزنادقة اعزب عني (1) والا قتلتك. فولى الرجل متعجبا يستهزئ بالاسلام، فاستقبله امير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا يهودي قد عرفت ما سألت عنه، وما اجبت به، وانا نقول: ان الله عزوجل أين الأين فلا أين له، وجل عن ان يحويه مكان، وهو في كل مكان، بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علما بها، (2) ولا يخلق شئ من تدبيره تعالى، واني مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدق ما ذكرته لك، فان عرفته أتؤمن به ؟ قال اليهودي: نعم. قال:


(1) عزب: غاب وخفى فهو ” عازب “. (2) وفى بعض النسخ: ” بما فيها “.

[ 313 ]

ألستم تجدون في بعض كتبكم: ان موسى بن عمران كان ذات يوم جالسا إذ جاءه ملك من المشرق، فقال له: من أين جئت ؟ فقال: من عند الله. وجاءه ملك آخر من المغرب فقال له: من أين جئت ؟ فقال: من عند الله. ثم جاءه ملك فقال: من أين جئت ؟ فقال: قد جئتك من السماء السابعة من عند الله عزوجل. وجاء ملك آخر قال: قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند الله عزوجل فقال موسى عليه السلام: سبحان من لا يخلو منه مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان، فقال اليهودي: اشهد ان هذا هو الحق المبين، وانك أحق بمقام نبيك ممن استولى عليه. وروى الشعبي: انه سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يقول: ” والذي احتجب بسبع طباق ” فعلاه بالدرة ثم قال له: يا ويلك إن الله أجل من ان يحتجب عن شئ، أو يحتجب عنه شئ، سبحان الذي لا يحويه مكان، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، فقال الرجل: فأكفر عن يميني يا أمير المؤمنين ؟. قال: لم تحلف بالله فيلزمك كفارة، فانما حلفت بغيره. وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: جاء حبر من الأحبار إلى امير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ فقال له: ثكلتك امك ومتى لم يكن حتى يقال: متى كان ؟ ! كان ربي قبل القبل بلا قبل، وبعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته انقطعت الغايات عنه فهو منتهى كل غاية. فقال: يا امير المؤمنين أفنبي أنت ؟ فقال: ويلك انما انا عبد من عبيد محمد. * * *


[ 314 ]

احتجاجه (ع) على اليهود من احبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من فضائله. روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والانجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وفيهم علي بن ابي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وابو سعيد الجهني. فقال: يا امة محمد ما تركتم لنبي درجة، ولا لمرسل فضيلة، الا انحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه ؟ فكاع القوم عنه (1). فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى الله نبيا درجة، ولا مرسلا فضيلة الا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه واله وزاد محمدا على الأنبياء اضعافا مضاعفة. فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي ؟ قال له: نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله صلى الله عليه واله ما يقر الله به عين المؤمنين، ويكون فيه ازالة لشك الشاكين في فضائله صلى الله عليه واله، انه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ” ولا فخر ” وانا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكرا لله على ما اعطى محمدا صلى الله عليه واله مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم. قال له اليهودي: اني أسألك فأعد له جوابا. قال له علي عليه السلام: هات. قال اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا ؟ فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فان سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وانهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل، ولكن اعترافا بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا، ان الله


(1) كاع القوم عنه: هابوه وجبنوا. (*)

[ 315 ]

عزوجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي. قال له اليهودي: فان آدم عليه السلام تاب الله عليه بعد خطيئته ؟ قاله له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عزوجل: ” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ” (1) ان محمدا غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب. قال اليهودي: فان هذا ادريس رفعه الله عزوجل مكانا عليا، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو افضل من هذا ان الله جل ثناؤه قال فيه: ” ورفعنا لك ذكرك ” (2) فكفى بهذا من الله رفعة، ولئن أطعم ادريس من تحف الجنة بعد وفاته، فان محمدا اطعم في الدنيا في حياته: بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده، وسبحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته، ففعلت الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل عليه السلام وقال له: كلها فانها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وانها لا تصلح الا لنبي أو وصي نبي، فأكل منها صلى الله عليه واله واكلنا معه، واني لأجد حلاوتها ساعتي هذه. قال اليهودي: فهذا نوح عليه السلام صبر في ذات الله تعالى، واعذر قومه إذ كذب ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله صبر في ذات الله عزوجل فأعذر قومه إذ كذب، وشرد، وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال، ان شق الجبال وانته إلى امر محمد فأتاه فقال: اني امرت لك بالطاعة فان أمرت أن اطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال صلى الله عليه واله: ” انما بعثت رحمة رب اهد امتي فانهم لا يعلمون ” ويحك يا يهودي ان نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة، واظهر عليهم شفقة


(1) الفتح – 2. (2) الشرح – 4.

[ 316 ]

فقال: ” رب ان ابني من اهلي (1) ” فقال الله تعالى: ” انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح (2) ” أراد جل ذكره أن يسليه بذلك، ومحمد صلى الله عليه واله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة، ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين رحمة. فقال اليهودي: فان نوحا دعا ربه، فهطلت السماء بماء منهمر ؟ قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد صلى الله عليه واله هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، وذلك انه صلى الله عليه واله لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يارسول الله صلى الله عليه واله احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتى رأي بياض ابطه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله حتى ان الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل، فدام اسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يارسول الله تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك صلى الله عليه واله وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: ” اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في اصول الشيح ومراتع البقع ” (3) فرأي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا، وما يقع بالمدينة قطرة، لكرامته صلى الله عليه واله عزوجل. قال له اليهودي: فان هذا هود قد انتصر الله من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمد صلى الله عليه واله شيئا من هذا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا ان الله عزوجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحا تذروا الحصى، وجنودا لم يروها، فزاد الله تعالى محمدا صلى الله عليه واله بثمانية ألف ملك، وفضله على هود، بان ريح عاد ريح سخط، وريح محمد ريح رحمة، قال الله تعالى:


(1) هود – 45. (2) هود – 46. (3) الشيح نبات أنواعه كثيرة، كله طيب الرائحة. والمراتع جمع مرتع وهو موضع الرتع أي: الخصب والبقع جمع بقعة: القطعة من الأرض.

[ 317 ]

” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها (1) ” قال له اليهودي: فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة ؟ قال علي عليه السلام لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من ذلك، ان ناقة صالح لم تكلم صالحا، ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد صلى الله عليه واله بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا، ثم رغا فانطقه الله عز وجل فقال: ” يارسول الله فلانا استعملني حتى كبرت، ويريد نحري، فانا استعيذ بك منه ” فأرسل رسول الله صلى الله عليه واله إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لمازور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت: ” يارسول الله ان فلانا مني برئ، وان الشهود يشهدون عليه بالزور، وان سارقي فلان اليهودي “. قال له اليهودي: فان هذا ابراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الايمان ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك واعطى محمدا أفضل منه، وتيقظ ابراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمد ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته، وخبر مبعثه وآياته، فقالوا: يا غلام ما اسمك ؟ قال: محمد قالوا: ما اسم أبيك ؟ قال: عبد الله قالوا: ما اسم هذه ؟ واشاروا بأيديهم إلى الأرض قال: الأرض قالوا، وما اسم هذه ؟ واشاروا بأيديهم إلى السماء قال: السماء قالوا: فمن ربهما ؟ قال: الله. ثم انتهرهم وقال: أتشككوني في الله عزوجل ؟ ! ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عزوجل مع كفر قومه إذ هو بينهم: يستقسمون بالازلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله. قال له اليهودي: فان ابراهيم عليه السلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث ؟


(1) التوبة – 26.

[ 318 ]

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال الله عزوجل – وهو يصف امر محمد صلى الله عليه واله -: ” وجعلنا من بين أيديهم سدا ” فهذا الحجاب الأول ” ومن خلفهم سدا ” فهذا الحجاب الثاني ” فأغشيناهم فهم لا يبصرون (1) ” فهذا الحجاب الثالث ثم قال: ” إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (2) ” فهذا الحجاب الرابع ثم قال: ” فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ” فهذه حجب خمس. قال له اليهودي: فان هذا ابراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته ؟ قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو: ابي بن خلف الجمعي معه عظم نخر ففركه ثم قال: يا محمد ” من يحيي العظام وهى رميم (3) ” ؟ فانطق الله محمدا بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوته، فقال: ” يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (4) ” فانصرف مبهوتا. قال له اليهودي: فهذا ابراهيم جذ أصنام (5) قومه غضبا لله عزوجل ؟ قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله قد نكس عن الكعبة ثلثمائة وستين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، واذل من عبدها بالسيف. قال له اليهودي: فان ابراهيم قد اضجع ولده وتله للجبين (6) ؟ فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد اعطي ابراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد اصيب بافجع منه فجيعة انه وقف على عمه حمزة أسد الله، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عزوجل بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال صلى الله عليه واله: لولا ان تحزن صفية لتركته حتى


(1) يس – 9. (2) الاسراء – 45. (3) يس – 78. (4) يس – 79. (5) جذ أصنامهم: استأصلها اشارة إلى قوله تعالى ” فجعلهم جذاذا ” أي فتانا مستأصلين (6) تله: اشارة إلى قوله تعالى: وتله للجبين أي: صرعه وهو كقولهم كبه لوجهه.

[ 319 ]

يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير، ولو لا ان يكون سنة بعدي لفعلت ذلك. قال له اليهودي: فان ابراهيم عليه السلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عزوجل عليه النار بردا وسلاما (1) فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما ان النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره. قال له اليهودي: فان هذا يعقوب عليه السلام اعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومريم بنت عمران من بناته ؟ قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته. قال له اليهودي: فان يعقوب عليه السلام قد صبر عليه فراق ولده حتى كاد يحرض (2) من الحزن. قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزنا بعده تلاق، ومحمد صلى الله عليه واله قبض ولده ابراهيم عليه السلام قرة عينه في حياته منه، فخصه بالاختيار، ليعظم له الادخار فقال صلى الله عليه واله: يحزن النفس، ويجزع القلب، وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب، في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عزوجل، والاستسلام له في جميع الفعال. قال له اليهودي: فان هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، والقي في الجب وحيدا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله قاسى مرارة الغربة، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عزوجل كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها


(1) اشارة إلى قوله تعالى: ” وقلنا يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم وآل ابراهيم ” (2) يحرض: يهلك.

[ 320 ]

وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام انشاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون (1) ” ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم والجأوه إلى اضيق المضيق، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا، إذ بعث اضعف خلقه فاكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف القي في الجب، فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه لا تحزن ان الله معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه. فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران آتاه الله عزوجل التوراة التي فيها حكمه ؟ قال له علي عليه السلام: فلقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو افضل منه اعطي محمد البقرة وسورة المائدة بالانجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، واعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، واعطي سورة بني اسرائيل وبرائة بصحف ابراهيم وموسى عليهما السلام، وزاد الله عزوجل محمدا السبع الطوال (2) وفاتحة الكتاب (3) وهي السبع المثاني والقرآن العظيم واعطي الكتاب والحكمة. قال له اليهودي: فان موسى ناجاه الله على طور سيناء ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد اوحى الله إلى محمد صلى الله عليه واله عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور. قال اليهودي: فلقد ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه ؟ قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد اعطي محمد صلى الله عليه واله ما هو أفضل من هذا، لقد القى الله محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به


(1) الفتح – 27. (2) السبع الطوال من البقرة إلى الأعراف والسابعة سورة يونس، أو ” الأنفال وبراءة ” لأنهما سورة واحدة عند بعض. (3) هي سورة الحمد.

[ 321 ]

الشهادة فلا تتم الشهادة إلا ان يقال: ” أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ” ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر الله الا رفع بذكر محمد صلى الله عليه واله معه. قال له اليهودي: فلقد أوحى الله إلى ام موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لام محمد صلى الله عليه واله بان أوصل إليها اسمه، حتى قالت: أشهد والعالمون: ان محمدا رسول الله منتظر وشهد الملائكة على الانبياء انهم اثبتوه في الاسفار، وبلطف من الله ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده، حتى رأت في المنام انه قيل لها: ان ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدا، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله المحمود وهذا محمد قال له اليهودي: فان هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد ارسل إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وابى البخترى، والنضر بن الحرث، وابي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، والى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. قال له اليهودي: لقد انتقم الله عزوجل لموسى من فرعون ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلى الله عليه واله من الفراعنة، فاما المستهزؤن فقال الله: ” انا كفيناك المستهزئين ” (1) فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فاما الوليد بن المغيرة: فمر بنبل لرجل من جزاعة قد راشه (2) ووضعه في الطريق فأصابه شظية (3) منه


(1) الحجر – 95. (2) راش السهم: الزق عليه الريش. (3) الشظية: الفلقة من العصا ونحوها.

[ 322 ]

فانقطع اكحله (1) حتى أدماه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” وأما العاص ابن الوائل السهمي: فانه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده (2) تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: (قتلي رب محمد) واما الأسود بن عبد يغوث: فانه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني فقال: ما أرى أحدا يصنع شيئا الا نفسك، فقتله وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” واما الأسود بن الحرث: فان النبي صلى الله عليه واله دعا عليه ان يعمي الله بصره، وان يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتى أثكله الله ولده، وأما الحرث بن أبي الطلالة: فانه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا، فرجع إلى أهله فقال: انا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: ” قتلني رب محمد “. وروي ان الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” (3) كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك انهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فان رجعت عن قولك والا قتلناك، فدخل النبي صلى الله عليه واله منزله فاغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: ” اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ” (4) يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الايمان، قال، يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما اوعدوني ؟ قال له: ” انا كفيناك المستهزئين ” قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، واما بقية الفراعنة: قتلوا يوم


(1) الأكحل: عرق في اليد يفصد. (2) تدهده: تدحرج. (3) الظاهر ان هذا الكلام للمؤلف رحمه الله ادخله في الخبر. (4) الحجر – 94.

[ 323 ]

بدر بالسيف، (1) فهزم الله الجميع وولوا الدبر. قال له اليهودي: فان هذا موسى بن عمران قد اعطي العصا فكان تحول ثعبانا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله ما هو أفضل من هذا، ان رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين: من تطلب ؟ فقال: عمرو بن هشام – يعني أبا جهل – لي عليه دين، قال، فأدلك على من يستخرج منه الحقوق ؟ قال: نعم. فدله على النبي صلى الله عليه واله وكان أبو جهل يقول: ليت لمحمد الي حاجة فاسخر به وأرده، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه واله فقال: يا محمد بلغني ان بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وانا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله صلى الله عليه واله فأتى بابه، فقال له، قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وانما كناه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض اصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد (2) قال: ويحكم اعذروني، انه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم (3) حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن ان يبعجوا بالحراب بطني (4) وتقضمني الثعبانان، هذا اكبر مما اعطي موسى، وزاد الله محمدا ثعبانا


(1) روى عن ابن مسعود قال: كنا مع النبي ” ص ” فصلى في ظل الكعبة، وناس من قريش وابو جهل نحروا جزورا في ناحيه مكة، فبعثوا وجاوا بسلاه فطرحوه بين كتفيه، فجائت فاطمة عليها السلام فطرحته عنه، فلما انصرف قال: ” اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بأبى جهل، وبعتبة، وشيبة، ووليد بن عتبة، وامية بن خلف، وبعقبة بن أبي معيط ” قال عبد الله ولقد رأيتهم قتلى في قليب بدر (2) فرقا: فزعا. (3) في بعض النسخ: ” بأيديهم “. (4) يبعجوا – بفتح العين – يشقوا.

[ 324 ]

وثمانية املاك معهم الحراب، ولقد كان النبي صلى الله عليه واله يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آبائهم، فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به، قالوا: لا. قال، فانا اقتله فان شائت بنو عبد المطلب قتلوني به، والا تركوني، قال: انك ان فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: انه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته (1) به فجاء رسول الله صلى الله عليه واله فطاف بالبيت اسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما ان قرب منه أقبل فحل قبل رسول الله صلى الله عليه واله فاغرا فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمى، متغير اللون، يفيض عرقا، فقال له أصحابه: ما رأيناك كاليوم ؟ ! قال: ويحكم اعذروني، فانه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني، فرميت بالحجر فشدخت رجلي، قال اليهودي: فان موسى قد اعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه اعطي ما هو أفضل من هذا، ان نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلهم. قال له اليهودي: فان موسى عليه السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شئ من هذا ؟ فقال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد أعطي ما هو أفضل هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يارسول الله العدو من ورائنا والوادي امامنا، كما قال أصحاب موسى: ” انا لمدركون ” فنزل رسول الله ثم قال: ” اللهم انك جعلت لكل مرسل دلالة، فأرني قدرتك ” وركب صلوات الله عليه، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والابل


(1) الشدخ: كسر الشئ الاجوف.

[ 325 ]

لاتندى أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا. قال له اليهودي: فان موسى عليه السلام قد اعطي الحجر فانبجست منه اثنتى عشرة عينا قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك: ان اصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له صلى الله عليه واله، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة، فاخرج صلى الله عليه واله سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له ! اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا. قال اليهودي: فان موسى عليه السلام اعطي المن والسلوى فهل اعطي لمحمد نظير هذا قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو افضل من هذا، ان الله عزوجل احل له الغنائم ولامته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا افضل من المن والسلوى، ثم زاده ان جعل النية له ولامته بلا عمل عملا صالحا ولم يجعل لأحد من الامم ذلك قبله، فإذا هم احدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشر. قال له اليهودي: ان موسى عليه السلام قد ضلل عليه الغمام ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك بموسى في التيه، واعطي محمد صلى الله عليه واله افضل من هذا، ان الغمامة كانت تظله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره واسفاره، فهذا افضل مما اعطي موسى. قال له اليهودي: فهذا داود عليه السلام قد لين الله له الحديد، فعمل منه الدروع ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله قد اعطي ما هو أفضل


[ 326 ]

من هذا، انه لين الله له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، (1) ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين، (2) وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته. قال له اليهودي: هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا، انه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه اريز كاريز المرجل على الاثافي من شدة البكاء، (3) وقد آمنه الله عز وجل من عقابه، فاراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون اماما لمن اقتدى به، ولقد قام صلى الله عليه واله عشر سنين على اطراف اصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل اجمع، حتى عوتب في ذلك فقال الله عزوجل: ” طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ” (4) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يارسول الله أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: بلى أفلا اكون عبدا شكورا ؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلى الله عليه واله ما هو أفضل من هذا: إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: ” قر فانه ليس عليك الا نبي أو صديق شهيد ” فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي صلى الله عليه واله: ” ما يبكيك يا جبل ؟ فقال: يارسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف ان اكون من تلك الحجارة، قال له: ” لا تخف تلك الحجارة الكبريت ” فقر الجبل وسكن وهدأ واجاب لقوله صلى الله عليه واله.


(1) يظهر من هذا الكلام ان الغار احدث لرسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن من قبل. (2) وذلك ليلة المعراج. (3) الاريز: هو ان يجيش جوفه ويغلى بالبكاء. والمرجل – كمنبر -: القدر. والأثافى: الأحجار التى يوضع عليها القدر. (4) طه – 1.

[ 327 ]

قال له اليهودي: فان هذا سليمان اعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ؟ فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا انه هبط إليه ملك لم يهبط الى الأرض قبله، وهو: ميكائيل فقال له: يا محمد عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، ويسير معك جبالها ذهبا وفضة، ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شئ، فأومى إلى جبرئيل – وكان خليله من الملائكة – فأشار عليه، ان تواضع فقال له: بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين، والحق باخواني من الانبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من اولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عزوجل على العرش، فهذا أفضل مما اعطي سليمان. قال له اليهودي: فان هذا سليمان قد سخرت له الرياح، فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا: انه اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين الف عام، في اقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنى بالعلم فتدلى من الجنة رفرف أخضر، وغشى النور بصره فرأى عظمة ربه عزوجل بفؤاده، ولم يرها بعينه، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى، فأوحى الله إلى عبده ما اوحى، وكان فيما أوحى إليه: الآية التي في سورة البقرة قوله: ” لله ما في السماوات وما في الارض وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير ” (1) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا، وعرضت على الامم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله وعرضها على امته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم انهم لا يطيقونها،


(1) البقرة – 284.

[ 328 ]

فلما ان سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه، فقال: ” آمن الرسول بما انزل إليه من ربه – فأجاب صلى الله عليه واله مجيبا عنه وعن امته – والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ” (1) فقال جل ذكره لهم الجنة والمغفرة على ان فعلوا ذلك، فقال النبي صلى الله عليه واله: اما إذا فعلت ذلك بنا، فغفرانك ربنا واليك المصير، يعني المرجع في الآخرة، قال: فاجابه الله عزوجل قد فعلت ذلك بك وبامتك، ثم قال عزوجل: اما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الامم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها امتك حق علي ان أرفعها عن امتك وقال: ” لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت – من خير – وعليها ما اكتسبت ” (2) من شر فقال النبي صلى الله عليه واله – لما سمع ذلك -: اما إذا فعلت ذلك بي وبامتي فزدني قال: سل، قال: ” ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ” (3) قال الله عزوجل لست اؤاخذ امتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي، وكانت الامم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد دفعت ذلك عن امتك وكانت الامم السالفة إذا اخطأوا اخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن امتك لكرامتك علي، فقال صلى الله عليه واله: ” اللهم إذا اعطيتني ذلك فزدني ” قال الله تبارك وتعالى له: سل، قال: ” ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ” (4) يعني بالاصر: الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا، فأجابه الله عزوجل إلى ذلك، وقال تبارك اسمه: قد رفعت عن امتك الآصار التي كانت على الامم السالفة كنت لا اقبل صلاتهم الا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وان بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لامتك مسجدا وطهورا، فهذه من الآصار التي كانت على الامم قبلك فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا أصابهم اذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لامتك طهورا، فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه ارسلت عليه نارا فاكلته فرجع مسرورا، ومن لم


(1) البقرة – 85. (2، 3، 4) البقرة – 286.

[ 329 ]

أقبل منه ذلك رجع مثبورا (1) وقد جعلت قربان امتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له اضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن امتك وهي من الآصار التي كانت على الامم من كان من قبلك، وكانت الامم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وانصاف النهار، وهي من الشدائد التي كانت عليهم، فرفعتها عن امتك وفرضت صلاتهم في اطراف الليل والنهار، وفي اوقات نشاطهم، وكانت الامم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن امتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات، وهي احدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة، وكانت الامم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن امتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة وكانت الامم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له، وان عملها كتبت له حسنة، وان امتك إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وان عملها كتبت له عشرة، وهى من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وان عملها كتبت عليه سيئة، وان امتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا اذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنوب: ان حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك عن امتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا اعاقبهم بأن احرم عليهم أحب الطعام إليهم، وكانت الامم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة، أو ثمانين سنة، أو خمسين سنة، ثم لا اقبل توبته دون ان اعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، وان الرجل من امتك ليذنب عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو مائة سنة


المثبور: الخائب

[ 330 ]

ثم يتوب ويندم طرفة عين فاغفر ذلك كله، فقال النبي صلى الله عليه واله: إذا اعطيتني ذلك كله فزدني قال: سل، قال: ” ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ” (1) قال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بامتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الامم، وذلك حكمي في جميع الامم: ان لااكلف خلقا فوق طاقتهم، فقال النبي صلى الله عليه واله: ” واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا ” (2) قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك بتائبي امتك ثم قال صلى الله عليه واله: ” فانصرنا على القوم الكافرين ” (3) قال الله جل اسمه: ان امتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الاسود، هم القادرون، وهم القاهرون، يستخدمون ولا يستخدمون، لكرامتك علي، وحق علي أن اظهر دينك على الاديان، حتى لا يبقى في شرق الارض وغربها دين الا دينك، ويؤدون إلى أهل دينك الجزية. قال اليهودي: فان هذا سليمان سخرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء: من محاريب، وتماثيل ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد اعطي محمد صلى الله عليه واله أفضل من هذا ان الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، ولقد سخرت لنبوة محمد صلى الله عليه واله الشياطين بالايمان، فاقبل إليه من الجنة التسعة من اشرافهم، واحد من جن نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر من الا حجة (4) منهم شضاه، ومضاه (5) والهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاه، وهاضب، وهضب، وعمرو، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: ” واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ” (6) وهم التسعة، فأقبل إليه الجن والنبي صلى الله عليه واله ببطن النخل فاعتذروا بانهم ظنوا كما ظننتم ان لن يبعث الله احدا، ولقد أقبل إليه احد وسبعون الفا منهم فبايعوه على:


(1، 2، 3) البقرة – 286. (4) الا حجة – جمع حجيج – أي الذين يقيمون الحج. وفى بعض النسخ: ” الأجنحة ” أي: الرؤساء. (5) وفى بعض النسخ: ” شضاة ومضاة “. (6) الأحقاف – 29.

[ 331 ]

الصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونصح المسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا، وهذا أفضل مما اعطي سليمان، فسبحان من سخرها لنبوة محمد صلى الله عليه واله بعد ان كانت تتمرد، وتزعم ان لله ولد، ولقد شمل مبعثه من الجن والانس مالا يحصى. قال له اليهودي: هذا يحيى بن زكريا عليه السلام يقال: انه اوتي الحكم صبيا، والحلم، والفهم، وانه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو أفضل من هذا: ان يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد صلى الله عليه واله اوتى الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان، وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لأعيادهم، ولم ير منه كذب قط، وكان أمينا، صدوقا، حليما، وكان يواصل الصوم الاسبوع والأقل والأكثر فيقال له في ذلك فيقول: اني لست كأحدهم، اني اظل عند ربي، فيطعمني، ويسقيني، وكان يبكي صلى الله عليه واله حتى تبتل مصلاه خشية من الله عزوجل من غير جرم. قال له اليهودي فان هذا عيسى بن مريم يزعمون انه: تكلم في المهد صبيا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الأرض، ورافعا يده اليمنى إلى السماء، يحرك شفتيه بالتوحيد وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه: قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اسطخر وما يليها، ولقد اضائت الدنيا ليلة ولد النبي صلى الله عليه واله حتى فزعت الجن والانس والشياطين، وقالوا حدث في الأرض حدث، ولقد رأي الملائكة ليلة ولد تصعد، وتنزل، وتسبح، وتقدس، وتضطرب النجوم وتتساقط، علامة لميلاده، ولقد هم ابليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا العجائب ارادوا أن يستوقوا السمع، فإذا هم


[ 332 ]

قد حجبوا من السماوات كلها، ورموا بالشهب، دلالة (1) لنبوته صلى الله عليه واله. قال له اليهودي: فان عيسى عليه السلام يزعمون انه قد ابرأ الاكمه والأبرص باذن الله ؟ فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله اعطي ما هو افضل من ذلك: ابرأ ذا العاهة من عاهته، بينما هو جالس صلى الله عليه واله إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يارسول الله انه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه، فأتاه صلى الله عليه واله فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال له: قد كنت تدعو في صحتك دعاء ؟ قال: نعم كنت اقول: ” يا رب ايما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا ” فقال له النبي صلى الله عليه واله: ألا قلت: ” اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ” فقالها الرجل فكأنما نشط من عقال، وقام صحيحا وخرج معنا، ولقد أتاه رجل من جهينة اجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلى الله عليه واله، فأخذ قدحا من ماء فتفل عليه، ثم قال: امسح به جسدك ففعل فبرأ حتى لم يوجد عليه شئ، ولقد اتي النبي بأعرابي أبرص فتفل صلى الله عليه واله من فيه عليه فما قام من عنده الا صحيحا، ولئن زعمت ان عيسى ابرأ ذا العاهات من عاهاتهم، فان محمدا صلى الله عليه واله بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت: يارسول الله ان ابني قد اشرف على حياض اموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب، فقام النبي صلى الله عليه واله وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله، فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا، ولئن زعمت ان عيسى ابرأ العميان، فان محمدا قد فعل ما هو أكبر من ذلك: ان قتادة بن ربيع كان رجلا صحيحا، فلما ان كان يوم احد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته، (2) فاخذها بيده ثم أتى بها إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يارسول الله ان امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف الا بفضل حسنها وفضل ضوئها


(1) في بعض النسخ: ” جلالة “. (2) الحدقة: سواد العين الأعظم.

[ 333 ]

على العين الاخرى، ولقد جرح عبد الله بن عبيد (1) وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي صلى الله عليه واله فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الاخرى، ولقد أصاب محمد ابن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه ويده، فمسحه رسول الله صلى الله عليه واله فلم تستبينا، ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه، فمسحها فما عرفت من الاخرى، فهذه كلها دلالة لنبوته صلى الله عليه واله. قال له اليهودي: فان عيسى يزعمون: انه أحيى الموتى باذن الله ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها، ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد كلمه الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلى باصحابه ذات يوم فقال: ما هاهنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي، وكان شهيدا، ولئن زعمت ان عيسى كلم الموتى فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا: ان النبي لما نزل بالطايف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يارسول الله لا تأكلني فاني مسمومة فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي (2) ! ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة، وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما اعطي عيسى عليه السلام. قال له اليهودي: ان عيسى يزعمون انه انبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كان له أكثر من هذا: ان عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحايط ومحمد أنبأ عن مؤتة (3) وهو عنها غائب ووصف


(1) في بعض النسخ: ” بن عتيك “. (2) أي: من بعدك ما صار مشويا مطبوخا. (3) مؤتة – بضم الميم وسكون الهمزة وفتح التاء – اسم موضع قتل فيه جعفر –

[ 334 ]

حربهم ومن استشهد منهم وبينه وبينهم مسيرة شهر، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسئله عن شئ فيقول صلى الله عليه واله: تقول أو أقول: فيقول: بل قل يارسول الله فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته، ولقد كان صلى الله عليه واله يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا، منها: ما كان بين صفوان بن امية وبين عمير بن وهب، إذ اتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني فقال له: كذبت بل قلت لصفوان بن امية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القليب، فقلت أنت: لو لا عيالي، ودين علي لأرحتك من محمد، فقال صفوان: علي أن اقضي دينك، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت: فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لقتلي، فقال: صدقت يارسول الله فانا أشهد: أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، واشباه هذا مما لا يحصى. قال له اليهودي: فان عيسى يزعمون: انه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيرا باذن الله ؟ فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه واله قد فعل ما هو شبيه لهذا إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للاخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته، ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي، فانشقت نصفين، ثم قال لها: التزقي، فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت، ثم قال لها ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها حيث الجزارين بمكة. قال له اليهودي: فان عيسى يزعمون انه كان سياحا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد كانت سياحته في الجهاد، واستنفر


– ابن أبي طالب (ع) والنبي ” ص ” في المدينة فأخبر أصحابه بقتله وهو من على المنبر وقد مر ذكره في هامش ص 172.

[ 335 ]

في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد، وافنى فئاما من العرب (1) من منعوت بالسيف لا يدارى بالكلام (2) ولا ينام الا عن دم، ولا يسافر الا وهو متجهز لقتال عدوه. قال له اليهودي: فان عيسى يزعمون: انه كان زاهدا ؟ قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، محمد صلى الله عليه واله أزهد الأنبياء عليهم السلام: كان له ثلاثة عشر زوجة سوى من يطيف به من الأماء، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام، ولا أكل خبز برقط، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي رسول الله صلى الله عليه واله ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد، (3) ومكن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلثمائة ألف وأربعمائة ألف ويأتيه السائل بالعشي فيقول: والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير، ولا صاع من بر، ولا درهم، ولا دينار. قال له اليهودي: فاني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة الا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه واله، وزاد محمدا على الأنبياء أضعاف درجات. فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أشهد يا ابا الحسن انك من الراسخين في العلم. فقال ويحك ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عزوجل في عظمته فقال: ” وانك لعلى خلق عظيم ” (4). * (هامش *) (1) الفئام – بالكسر مهموزا -: الجماعة الكثيرة وقد فسر في بعض الأخبار بمائة الف. (2) في بعض النسخ: ” لا يبالي “. (3) وطئ له: مهد وذلل ويسر. (4) القلم – 4.


[ 336 ]

احتجاجه (ع) على بعض اليهود وغيره في انواع شتى من العلوم (1). عن صالح عن عقبة (2) عن الصادق عليه السلام قال: لما هلك أبو بكر واستخلف عمر، خرج عمر إلى المسجد فقعد، فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين اني رجل من اليهود، وانا علامتهم، قد أردت أن أسئلك عن مسائل ان اخبرتني بها اسلمت قال: وما هي ؟ قال: ثلاث، وثلاث وواحدة، فان شئت سئلتك، وان كان في القوم احد اعلم منك فارشدني، قال: عليك بذاك الشاب يعني علي بن أبي طالب عليه السلام فاتى عليا عليه السلام فسأل فقال له: قلت: ثلاثا وثلاثا وواحدة ألا قلت سبعا ؟ قال اني إذا لجاهل، ان لم تجبني في الثلاث اكتفيت. قال: فان اجبتك تسلم ؟ قال: نعم. قال: سل. قال: أسألك عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وأول عين نبعت، وأول شجرة نبتت ؟ قال: يا يهودي أنتم تقولون: أول حجر وضع على وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس، وكذبتم، هو: ” الحجر الأسود ” الذي نزل مع آدم عليه السلام من الجنة قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى عليه السلام. قال أمير المؤمنين عليه السلام: وأما العين فأنتم تقولون، ان أول عين نبعت على


(1) في ج 4 من بحار الانوار ص 94 عن عيون أخبار الرضا والخصال للصدوق أبي عن سعد عن ابن ابي الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي عن صالح بن عقبة عن جعفر ابن محمد ” ص ” قال: لما هلك أبو بكر.. الخ ثم قال قال الصدوق في الخصال وقد أخرجت هذا الحديث من طرق في كتاب: ” الأوايل “. ايضا عن كمال الدين وتمام النعمة: أبي وابن الوليد معا عن سعد مثله. (2) صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان مولى رسول الله ” ص ” عده الشيخ في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وذكره العلامة في القسم الثاني من الخلاصة.

[ 337 ]

وجه الأرض: العين التي ببيت المقدس، وكذبتم وهي: ” عين الحياة ” التي غسل فيها النون موسى، وهي العين التي شرب منها الخضر، وليس يشرب منها احد الا حي. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى. قال علي عليه السلام واما الشجرة فأنتم تقولون، ان أول شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون وكذبتم، وهي: ” العجوة ” نزل بها آدم عليه السلام من الجنة. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى عليهما السلام. قال: والثلاث الاخرى كم لهذه الامة من امام هدى لا يضرهم من خذلهم ؟ قال، اثني عشر اماما. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى. قال: واين يسكن نبيكم من الجنة ؟ قال: اعلاها درجة، وأشرفها مكانا: في جنات عدن. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى. قال، فمن ينزل معه في منزله ؟ قال: اثني عشر اماما. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى. قال: قد بقيت السابعة. قال، كم يعيش وصيه بعده ؟ قال ثلاثين سنة. قال: ثم هو يموت أو يقتل ؟ قال: يضرب على قرنه فتخضب لحيته. قال: صدقت والله انه لبخط هارون واملاء موسى ثم اسلم وحسن اسلامه. وعن اصبغ بن نباته قال: كنت جالسا عند امير المؤمنين عليه السلام فجاء ابن الكوا (1) فقال:


(1) ابن الكواء اسمه عبد الله، وهو خارجي ملعون، قرأ خلف أمير المؤمنين عليه السلام جهرا: ” ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن –

[ 338 ]

يا امير المؤمنين من البيوت في قول الله عزوجل: ” وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها (1) ” ؟ قال علي عليه السلام نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها، نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه، فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها فقال: يا امير المؤمنين وعلى الأعراف رجال يعوفون كلا بسيماهم ؟ فقال علي عليه السلام: نحن أصحاب الأعراف: نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف يوم القيامة بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة الا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار الا من انكرنا وأنكرناه، وذلك بان الله عزوجل لو شاء عرف للناس نفسه حتى يعرفوه وحده وياتوه من بابه، ولكنه جعلنا أبوابه وصراطه وبابه الذي يؤتى منه، فقال – فيمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا -: ” فانهم عن الصراط لناكبون ” (2). وعن الأصبغ بن نباتة أيضا قال أتى ابن الكوا امير المؤمنين فقال: والله ان في كتاب الله آية اشتدت على قلبي، ولقد شككت في ديني. فقال امير المؤمنين عليه السلام: ثكلتك امك وعدمتك، ما هي ؟ قال: قول الله تبارك وتعالى: ” والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ” (3) فما هذا الصف ؟ وما هذه الطيور ؟ وما هذه الصلاة ؟ وما هذا التسبيح ؟ فقال علي عليه السلام: ويحك يابن الكوا ان الله خلق الملائكة على صور شتى ألا وان لله ملكا في صورة ديك، ابح، أشهب، براثنه في الأرضين السفلى، وعرفه


– عملك ولتكونن من الخاصرين ” وكان على عليه السلام يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة، فسكت عليه السلام حتى سكت ابن الكواء، ثم عاد في قراءته فعاد حتى فعل ذلك ثلاثا فلما كان في الثالثة قرأ امير المؤمنين عليه السلام: ” فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون “. (1) البقرة – 189. (2) المؤمنون – 74. (3) النور – 41.

[ 339 ]

مثنى تحت عرش الرحمن، له جناح بالمشرق من نار، وجناح بالمغرب من ثلج فإذا حضر وقت كل صلاة قام على براثنه، ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديكة في منازلكم، فلا الذي من نار يذيب الثلج، ولا الذي من الثلج يطفئ النار، ثم ينادي: ” اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله سيد النبيين، وان وصيه خير الوصيين، سبوح، قدوس، رب الملائكة والروح ” قال: فتصفق الديكة بأجنحتها في منازلكم بنحو من قوله، وهو قول الله تعالى: ” كل قد علم صلاته وتسبيحه ” من الديكة في الأرض وعن الاصبغ بن نباتة ايضا قال: سأل ابن الكوا امير المؤمنين عليه السلام فقال: اخبرني عن بصير بالليل وبصير بالنهار ؟ وعن اعمى بالليل واعمى بالنهار ؟ وعن اعمى بالليل بصير بالنهار ؟ وعن اعمى بالنهار بصير بالليل ؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلام: ويلك سل عما يعنيك، ولا تسأل عما لا يعنيك ويلك اما بصير بالليل وبصير بالنهار فهو: رجل آمن بالرسل والأوصياء الذين مضوا، وبالكتب والنبيين، وآمن بالله ونبيه محمد صلى الله عليه واله، وأقر لي بالولاية فابصر في ليله ونهاره. واما اعمى بالليل اعمى بالنهار فرجل: جحد الأنبياء والأوصياء، والكتب التي مضت، وادرك النبي فلم يؤمن به، ولم يقر بولايتي، فجحد الله عزوجل ونبيه صلى الله عليه واله فعمي بالليل وعمي بالنهار. وام بصير بالليل اعمى بالنهار فرجل: آمن بالأنبياء والكتب، وجحد النبي صلى الله عليه واله وانكرني حقي، فابصر بالليل وعمي بالنهار. واما اعمى بالليل وبصير بالنهار فرجل: جحد الأنبياء الذين مضوا، والأوصياء والكتب، وأدرك محمدا صلى الله عليه واله، فآمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه واله، وآمن بامامتي وقبل ولايتي، فعمي بالليل وأبصر بالنهار. ويلك يابن الكوا، فنحن بنو أبي طالب بنا فتح الله الاسلام وبنا يختمه. قال الأصبغ فلما نزل امير المؤمنين عليه السلام من المنبر تبعته فقلت: يا سيدي


[ 340 ]

يا امير المؤمنين قويت قلبي بما بينت فقال لي: يا اصبغ من شك في ولايتي فقد شك في ايمانه، ومن أقر بولايتي فقد اقر بولاية الله عزوجل، ولايتي متصلة: بولاية الله كهاتين – وجمع بين اصبعيه – يا اصبغ من اقر بولايتي فقد فاز، ومن أنكر ولايتي فقد خاب وخسر، وهوى في النار، ومن دخل في النار لبث فيها احقابا. وعن الأصبغ ايضا قال: قام ابن الكوا إلى علي بن ابي طالب عليه السلام وهو على المنبر فقال: يا امير المؤمنين اخبرني عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ واخبرني عن قرنيه أمن ذهب كان أم من فضة ؟ فقال: لم يكن نبيا، ولا ملكا، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة، ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه الله، ونصح لله فنصح الله له، وانما سمي ” ذا القرنين ” لانه دعا قومه إلى الله عزوجل فضربوه على قرنه، فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخرة وفيكم مثله (1). عن الصادق (2) عن آبائه عليهم السلام ان امير المؤمنين كان ذات يوم جالسا في


(1) يعنى بذلك نفسه سلام الله عليه، فقد ضربه عمرو بن عبدود الضربة الاولى والضربة الثانية هي ضرية ابن ملجم لعنه الله، التى كانت شهادته عليه السلام فيها. (2) ذكر هذا الحديث العلامة المجلسي في ج 9 من بحار الأنوار ص 15 وذكر له مصدرين هما: الاحتجاج وهو الكتاب الذى بين يديك، والثانى امالي ابن الشيخ بهذا السند: عن الحسين بن عبيد الله عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن على بن الحسين الهمداني عن محمد بن البرقى عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام.. الخ. وذكره الامام شمس الدين أبى على فخار بن معد الموسوي في كتابه الجليل: ” الحجة على الذاهب إلى تكفير ابى طالب فقال: وبالاسناد عن الشيخ أبى الفتح الكراجكى – رحمه الله – قال: حدثنا الشيخ الفقيه –

[ 341 ]

الرحبة، والناس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل فقال: يا امير المؤمنين انت بالمكان الذي أنزلك الله به وأبوك معذب في النار ؟ فقال له علي بن أبي طالب: مه فض الله فاك، والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم، أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار ؟ ! والذي بعث محمدا بالحق نبيا ان نور أبي يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلايق كلهم الا خمسة أنوار: نور محمد صلى الله عليه واله، ونوري، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور تسعة من ولد الحسين، فان نوره من نورنا خلقه الله تعالى قبل ان يخلق آدم عليه السلام بالفي عام (1). * * *


– أبو الحسن محمد بن احمد بن على بن الحسن بن شاذان القمى – رضى الله عنه – قال: حدثنى القاضى ابو الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبى في داره، قال: حدثنا جعفر بن محمد العلوى، قال: حدثنا عبيد الله احمد، قال: حدثنا محمد ين زياد، قال حدثنا مفضل بن عمر عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن ابيه عن آبائه عليهم السلام.. الخ. وذكره الحجة الأميني في ج 7 ص 387 من كتاب الغدير وذكر له عدة مصادر فراجع (1) شيخ البطحاء، ورئيس مكة، وشيخ قريش، أبو طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، عم الرسول وكافله، وأبو الأئمة سلام الله عليهم اجمعين. اسمه الشريف عبد مناف، وقيل: ” عمران ” وقيل اسمه: ” كنيته ” والأول أصح لقول عبد المطلب وهو يوصيه برسول الله ” ص ” بعده: اوصيك يا عبد مناف بعدى * بواحد بعد أبيه فرد وقوله ايضا: وصيت من كنيته بطالب * عبد مناف وهو ذو تجارب بابن الحبيب الأكرم الأقارب * بابن الذى قد غاب غير آيب وامه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم، وهى ام عبد الله والد النبي وام الزبير بن عبد المطلب وقد انقرض. وأولد أبو طالب اربعة بنين: طالبا، وعقيلا، وجعفرا، وعليا امير المؤمنين –

[ 342 ]

احتجاجه (ع) على من قال بزوال الادواء بمداوات الاطباء دون الله سبحانه وعلى من قال بأحكام النجوم من المنجمين وغيرهم من الكهنة والسحرة. وبالاسناد المقدم ذكره عن أبي محمد العسكري عن علي بن الحسن زين العابدين عليهم السلام انه قال: كان امير المؤمنين عليه السلام قاعدا ذات يوم، فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال له:


– عليه السلام، وكان كل واحد منهم اكبر من الآخر بعشر سنين، وامهم جميعا فاطمة بنت اسد بن هاشم، وهى اول هاشمية ولدت لهاشمي. كان أبو طالب عليه السلام: شيخا، وسيما، جسيما، عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء، وكانت قريش تسميه: ” الشيخ “، وكانوا يهابونه، ويخافون سطوته، وكانوا يتجنبون أذية رسول الله ” ص ” في أيامه، فلما توفى سلام الله عليه، اجترءوا عليه واضطر إلى الهجرة ؟ ؟ من وطنه مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. قيل لأكثم بن صيفي حكيم العرب ممن تعلمت الحكمة والرياسة، والحلم والسيادة ؟ قال: من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب، أبو طالب بن عبد المطلب. وجرى ذات يوم كلام خشن بين معاوية بن أبى سفيان وصعصعة وابن الكواء، فقال معاوية: لو لا انى ارجع إلى قول أبى طالب لقتلتكم وهو: قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم وكان سلام الله عليه مستودعا للوصايا فدفعها إلى رسول الله ” ص “، وهو الذى كفله وحماه من قريش ودافع عنه. روى عن فاطمة بنت اسد: انه لما ظهر امارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده: من يكفل محمدا ؟ قالوا: هو أكيس منا، فقل له يختار لنفسه، فقال عبد المطلب: يا محمد جدك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعماتك تريد ان يكفلك ؟ فنظر في وجوههم ثم زحف إلى عند أبى طالب، فقال له عبد المطلب: يا ابا طالب انى قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنت له. وروى: انه قال له: يا بنى قد علمت شدة حبى لمحمد ووجدى به، انظر كيف –

[ 343 ]

يا أبا الحسن يلغني خبر صاحبك وان به جنونا، وجئت لاعالجه فلحقته قد


– تحفظني فيه، قال أبو طالب: يا أبه لا توصني بمحمد فانه ابني وابن أخى، فلما توفى عبد المطلب، كان أبو طالب يؤثره ؟ ؟ بالنفقة والكسوة على نفسه، وعلى جميع أهله. فلما بعث النبي ” ص ” وصدع بالامر امتثالا لقوله تعالى: ” فاصدع بما تؤمر ” ونزل قوله تعالى: ” انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ” اجمعت قريش على خلافه فحدب عليه أبو طالب عليه السلام ومنعه وقال: والله لن يصلوا اليك بجمعهم * حتى اوسد بالتراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بذاك وقر منك عيونا ودعوتني وزعمت انك ناصح * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت دينا قد عرفت بانه * من خير أديان البرية دينا وروى عن زين العابدين عليه السلام: انه اجتمعت قريش إلى أبى طالب ورسول الله ” ص ” عنده فقالوا: نسألك من ابن اخيك النصف. قال: وما النصف منه ؟ قالوا: يكف عنا ونكف عنه، فلا يكلمنا ولا نكلمه، ولا يقاتلنا ولا نقاتله، الا ان هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب، وزرعت الشحناء، وانبتت البغضاء. فقال: يابن أخى أسمعت ؟ قال: يا عم لو انصفني بنوا عمى لأجابوا دعوتي، وقبلوا نصيحتي، ان الله تعالى أمرنى أن ادعوا إلى دينه الحنيفية ملة ابراهيم، فمن اجابني فله عند الله: الرضوان والخلود في الجنان، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فقالوا: قل له يكف عن شتم الهتنا فلا يذكرها بسوء، فنزل: ” قل أفغير الله تأمروني اعبد ” قالوا: ان كان صادقا فاليخبرنا من يؤمن منا، ومن يكفر، فان وجدناه صادقا آمنا به فنزل: وما كان الله ليذر المؤمنين ” قالوا: والله لنشتمنك وإلهك فنزل: ” وانطلق الملأ منهم ” قالوا: قل له: فليعبد ما نعبد، ونعبد ما يعبد، فنزلت سورة الكافرين. فقالوا: قل له ارسله الله الينا خاصة، ام إلى الناس كافة ؟ قال بل إلى الناس ارسلت كافة: إلى الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال، ومن في لجج البحار، ولادعون ألسنة فارس والروم، يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا ” فتجبرت قريش واستكبرت وقالت: والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا، فنزلت: ” وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا ” وقوله تعالى: ” ألم –

[ 344 ]

مضى لسبيله، وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي إنك ابن عمه وصهره وأرى


– تر كيف فعل ربك ” فقال المطعم بن عدي: والله يا أبا طالب لقد انصفك قومك، وجهدوا على ان يتخلصوا مما تكرهه، فما اراك تريد ان تقبل منهم شيئا. فقال أبو طالب: والله ما انصفوني ولكنك قد اجمعت على خذلاني، ومظاهرة القوم على، فاصنع ما بدا لك، فوثب كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ويستهزؤن بالنبي ” ص ” ومنع الله رسوله بعمه أبي طلب منهم وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ” ص ” والقيام دونه الا أبا لهب. وله في الدفاع عن رسول الله ” ص ” مواقف شهيرة وشعر رواه الفريقان، نذكر فيما يلي نموذجا منها: منها: ما روى من ان ابا جهل بن هشام جاء إلى رسول الله ” ص ” وهو ساجد وبيده حجر يريد ان يرميه به، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما اراد، فقال ابو طالب: أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغى من بعض ذا المنطق والا فانى اذن خائف * بوائق في داركم تلتقي تكون لغيركم عبرة * ورب المغارب والمشرق كما نال من لان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقى غداة اتاهم بها صرصر * وناقة ذى العرش قد تستقى فحل عليهم بها سخطه * من الله في ضربة الأزرق غداة يعض بعرقوبها * حساما من الهند ذا رونق واعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقى فأثبته الله في كفه * على رغمه الجائر الأحمق احيمق مخزومكم إذ غوى * لغى الغواة ولم يصدق ومنها: ما روى عن ابن عباس، ان النبي ” ص ” دخل الكعبة، وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعرى، –

[ 345 ]

بك صفارا قد علاك، وساقين دقيقين، ولما اراهما تقلانك، فاما الصفار فعندي دوائه


– وتناول فرثا ودما والقى ذلك عليه ” ص ” فجاء أبو طالب – وقد سل سيفه – فلما رأوه جعلوا ينهضون فقال: والله لئن قام أحد جللته بسيفي، ثم قال: يابن اخي من الفاعل بك ؟ قال: هذا عبد الله فاخذ أبو طالب فرثا ودما والقى ذلك عليه. ومنها قوله عليه السلام يخاطب الرسول ” ص ” مسكنا جأشه طالبا منه اظهار دعوته لا يمنعنك من حق تقوم به * ايد تصول ولا سلق باصوات فان كفك كفي ان مليت بهم * ودون نفسك نفسي في الملمات ومنها قوله يؤنب قريشا ويحذرهم الحرب: ألا من لهم آخر الليل معتم * طواني واخرى النجم لما تقحم طواني قد نامت عيون كثيرة * وسامر اخرى ساهر لم ينوم لأحلام قوم قد ارادوا محمدا * بظلم ومن لا يتقى البغى يظلم سعوا سفها واقتادهم سوء أمرهم * على خائل من أمرهم غير محكم رجاء امور لم ينالوا انتظامها * ولو حشدوا في كل بدو وموسم يرجون منه خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيج المقوم يرجون ان نسخي بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم وتقطع أرحام وتنسى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرم هم الاسد اسد الزأرتين إذا غدت * على حنق لم تخش اعلام معلم فيا لبني فهر افيقوا ولم تقم * نوائح قتلى تدعى بالتندم على ما مضى من بغيكم وعقوقكم * واتيانكم في أمركم كل مأثم وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وامر أتى من عند ذي العرش قيم فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم فهذى معاذير وتقدمة لكم * لئلا تكون الحرب قيل التقدم ومنها: لما رأى المشركون موقف أبي طالب عليه السلام من نصرة الرسول وسمعوا اقواله، اجتمعوا بينهم وقالوا ننافي بني هاشم، ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة: ان –

[ 346 ]

واما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، والوجه ان ترفق بنفسك في المشي


– لا نبايعهم، ولا نشاريهم، ولا نحدثهم، ولا نستحدثهم ولا نجتمع معهم في مجمع، ولا نقضي لهم حاجة، ولا نقتضيها منهم، ولا نقتبس منهم نارا حتى يسلموا الينا محمدا ويخلوا بيننا وبينه، أو ينتهي عن تسفيه آبائنا، وتضليل آلهتنا، وأجمع كفار مكة على ذلك. فلما بلغ ذلك أبا طالب عليه السلام قال، يخبرهم باستمراره على مناصرة الرسول ومؤازرته له، ويحذرهم الحرب، وينهاهم عن متابعة السفهاء: الا ابلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤى بني كعب ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وان عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب وان الذي لفقتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب افيقوا افيقوا قبل ان تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذى الذنب ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب وتستجلبوا حربا عوانا وربما * امر على من ذاقه حلب الحرب فلسنا وبيت الله نسلم احمدا * لعزاء من عض الزمان ولا حرب ولما تبن منا ومنكم سوالف * وايد ابيدت بالمهندة الشهب بمعترك ضنك ترى كسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالسرب كأن مجال الخيل في حجراته * وغمغمة الأبطال معركة الحرب أليس ابونا هاشم شد ازره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب ومنها: انه كان إذا نامت العيون واخذ النبي ” ص ” ممضجعه، جاءه فانهضه واضجع عليا مكانه فقال له علي عليه السلام – ذات ليلة -: يا أبتاه إني مقتول، فقال أبو طالب اصبرن يا بني فالصبر احجى * كل حي مصيره لشعوب قد بلوناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب ان تصبك المنون بالنبل تترى * مصيب منها وغير مصيب كل حي وان تطاول عمرا * آخذ من سهامها بنصيب –

[ 347 ]

تقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك وتحتنضه بصدرك، ان تقللهما ولا تكثرهما


فقال علي عليه السلام: أتأمرني بالصبر في نصر احمد * ووالله ما قلت الذى قلت جازعا ولكنني أحببت ان تر نصرتي * وتعلم أني لم ازل لك طائعا وسعيى لوجه الله في نصر احمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا هذا نزر يسير من مواقف ابي طالب ” ع ” ومؤازرته الرسول ” ص ” ومقاومته للمشركين، وله كثير من امثالها في دفاعه عن محمد، وعن دين محمد، وعن قرآن محمد وعن اتباع محمد، فهلا يأخذك العجب بعد اطلاعك على هذا وشبهه من اقوال ابي طالب وافعاله، الا تستغرب بعد هذا لو سمعت بعصابة اثرت فيها الروح الاموية الخبيثة، فدفعها خبث عنصرها، ورداءة نشئتها، وجرها الحقد إلى القول بان ابا طالب ” ع ” مات كافرا ! ! وان تعجب فعجب قولهم: أبو طالب يموت كافرا ؟ ! ! ابو طالب الذي يقول: ولقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا يموت كافرا ؟ ! ! ابو طالب الذي يقول، ليعلم خيار الناس ان محمدا * وزير لموسى والمسيح بن مريم اتانا بهدى مثل ما اتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم يا لله ويا للعجب قائل هذا يموت كافرا ! ! ابوطاب الذي يقول: الا تعلموا انا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في اول الكتب ويقول مخاطبا رسول الله ” ص “: أنت النبي محمد * قرم اغر مسود ويقول: قل لمن كان من كنانة في العز * واهل الندى واهل المعالى قد اتاكم من المليك رسول * فاقبلوه بصالح الأعمال ويقول: –

[ 348 ]

فان ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما، واما الصفار فدوائه عندي


– فخير بني هاشم احمد * رسول الاله على فترة وهو الذى يقول: لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد وشق له من اسمه ليجله * فذو العوش محمود وهذا محمد ويقول: ان ابن آمنة النبي محمدا * عندي بمنزلة من الأولاد ويقول: صدق ابن آمنة النبي محمد * فتميزوا غيظا به وتقطعوا ان ابن آمنة النبي محمد * سيقوم بالحق الجلى ويصدق ابو طالب الذى يقول: يا شاهد الله على فاشهد * آمنت بالواحد رب احمد من ظل في الدين فانى مهتدى كل هذا وابو طالب مات كافرا ! ! إذا كان الايمان بالتوحيد والاقرار بنبوة محمد لا تكفي في ايمان الرجل، ويكون معتقدها والمقر بها كافرا، فما هو الاسلام اذن ؟ ! إذا كان الذب عن الرسول والاعتراف بنبوته كفرا فما هو الاسلام ؟ طبعا يقول لسان حال تلك العصابة في الجواب: الايمان ان تتمكن في نفسك مبادئ ابى سفيان، وتؤمن بالذى يحلف به أبو سفيان وتقول كما قال: ” ما من جنة ولا نار ” ابو طالب مات كافرا، وابو سفيان مات مسلما. هكذا يقولون كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا ! ويقولون الذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ! وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا. ابو سفيان الذى حزب الاحزاب ضد النبي ” ص ” والذى ما قامت راية كفر لحرب رسول الله ” ص ” الا وهو قائدها وناعقها، والذى لم يزل يعلن الحرب والعداء –

[ 349 ]

وهو هذا، واخرج دوائه وقال:


– لمحمد، ودين محمد، وإله محمد، وكتاب محمد، حتى فتح مكة فدخل الاسلام عليه رغم انفه، ولم يدخل في قلبه، واظهر الاسلام وابطن الكفر، على العكس مما كان عليه ابو طالب تماما. ابو سفيان الذى أصر على محو اسم محمد رسول الله يوم صلح الحديبية يموت مسلما وابو طالب الذى يعترف برسالة محمد ويقول: هو رسول كموسى وعيسى يموت كافرا ! ابو سفيان الذى يقول – حين انتهت إليهم الخلافة بمحضر من عثمان -: يا بنى امية تلقفوها تلقف الكرة، والذى يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار يموت مسلما، والذى يعترف بالبعث والنشور يموت كافرا ! روى عن ابن عباس قال: والله ما كان أبو سفيان الا منافقا، ولقد كنا في محفل فيه أبو سفيان وقد كف بصره، وفينا على عليه السلام، فأذن المؤذن فلما قال: اشهد ان محمدا رسول الله ” ص “، قال: هاهنا من يحتشم ؟ قال واحد من القوم: لا. فقال: لله در اخى هاشم انظروا اين وضع اسمه، فقال على ” ع “: اسخن الله عينك يا أبا سفيان الله فعل ذلك بقوله عز من قائل: ” ورفعنا لك ذكرك ” فقال أبو سفيان: اسخن الله عين من قال: ليس هاهنا من يحتشم. والعجيب انهم يقولون عنه انه مات مسلما، وابو طالب مات كافرا،، لعنوا بما قالوا، نحن اعلم بما يقولون، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فاصبر على ما يقولون. وأكثر من هذا عجبا، وأبعد منه غرابة، مالفقته تلك العصابة، وافترته على الرسول من انه ” ص ” – وحاشاه – قال عنه انه في ضحضاح من نار يغلى منه دماغه، وانه منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه. ولا أدرى وليتني ابدا لا أدرى لماذا يستحق أبو طالب هذا العذاب ؟ أ لأنه دافع عن رسول الله ” ص ” أم هو الحقد، والبغض لابن ابى طالب الذى لعنته بالشام سبعين عاما * لعن الله كهلها وفتاها ثم هل تريد ان ازيدك وازودك من امثال هذه الأضاليل والأباطيل، فاذكر لك ما رواه الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: كنت عند رسول الله ” ص ” –

[ 350 ]

= هذا لا يؤذيك، ولايخيسك (1) ولكنه تلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ثم يزيل صفارك. فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا – واشار إلى دواء معه – وقال: ان تناوله انسان وبه صفار أماته من ساعته، وان كان لاصفار به صار به صفار حتى يموت في يومه. فقال علي عليه السلام فارني هذا الضار، فاعطاه اياه. فقال له: كم قدر هذا ؟ قال: قدره مثقالين سم ناقع، قدر كل حبة منه يقتل رجلا.


– إذ اقبل العباس وعلى فقال: يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتى، أو قال: دينى. وفى اخرى بنفس السند عنها ايضا قالت كنت عند النبي فقال: يا عائشة ان سرك ان تنظري إلى رجلين من اهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلى بن ابى طالب. أسمعت هذا وبعد فهلا ترفع يدك إلى الدعاء وتقول معى: ” اللهم ادخلني النار التى يقطن فيها على بن ابى طالب، واجعلني في الضحضاح الذى فيه أبو طالب، ولا تدخلني الجنة التى يدخل فيها أبو سفيان، ومعاوية بن ابى سفيان، ويزيد بن معاوية فسلام على تلك النار، ولعنة الله على هذه الجنة “. ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكة آوى وحامى * وذاك بيثرب خاض الحماما فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما توفى سلام الله عليه في ” 26 ” رجب في آخر السنة العاشرة من مبعث النبي ” ص ” ورثاه امير المؤمنين عليه السلام بقوله: ابا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولى النعم ولقاك ربك رضوانه * فقد كنت للطهر من خير عم (1) أي لا ينقصك كناية عن عدم النفع.

[ 351 ]

فتناوله علي عليه السلام فقمحه (1) وعرق عرقا خفيفا، وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اوخذ بابن أبي طالب، ويقال: قتلته ولا يقبل مني قولي انه هو الجاني على نفسه. فتبسم علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: يا عبد الله اصح ما كنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت انه سم. ثم قال: فغمض عينيك، فغمض، ثم قال: افتح عينيك ففتح، ونظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام، فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة، فارتعد الرجل لما رآه. وتبسم علي عليه السلام وقال: اين الصفار الذي زعمت انه بي. فقال: والله لكأنك لست من رأيت، قبل كنت مضارا، فانك الآن مورد. فقال علي عليه السلام: فزال عني الصفار الذي تزعم انه قاتلي. واما ساقاي هاتان ومد رجليه وكشف عن ساقيه، فانك زعمت اني احتاج إلى ان أرفق ببدني في حمل ما احمل عليه، لئلا ينقصف الساقان، (2) وانا اريك ان طب الله عزوجل على خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب عظيمة، على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان، أحدهما فوق الاخرى وحركها فاحتملها، فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني. فقال علي عليه السلام: صبوا عليه ماء فصبوا عليه ماء فافاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا. فقال له علي عليه السلام: هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما أفي طبك هذا يا يوناني ؟ فقال اليوناني امثلك كان محمدا ؟ فقال علي عليه السلام: وهل علمي الا من علمه، وعقلي الا من عقله، وقوتي الا من قوته، ولقد أتاه ثقفي وكان أطب العرب، فقال له:


(1) قمحت السوبق – بالكسر – إذا سففته. أي: تنكسر

[ 352 ]

ان كان بك جنون داويتك ؟ فقال له محمد صلى الله عليه وآله: أتحب ان اريك آية تعلم بها غناي من طبك وحاجتك إلى طبي ؟ قال: نعم. قال: أي آية تريد ؟ قال: تدعو ذلك العذق واشار إلى نخلة سحوق فدعاه، فانقلع أصلها من الأرض وهي تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه. فقال له: أكفاك ؟ قال: لا. قال: فتريد ماذا ؟ قال تأمرها ان ترجع إلى حيث جائت منه، وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه. فأمرها، فرجعت واستقرت في مقرها. فقال اليوناني لأمير المؤمنين عليه السلام: هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه واله غائب عني، وانا اريد ان اقتصر منك على اقل من ذلك، اتباعد عنك فادعني وانا لا أختار الاجابة، فان جئت بي اليك فهي آية. قال امير المؤمنين عليه السلام: انما يكون آية لك وحدك، لانك تعلم من نفسك انك لم ترده، واني أزلت اختيارك من غير ان باشرت مني شيئا، أو ممن امرته بان يباشرك، أو ممن قصد إلى اختيارك وان لم آمره، الا ما يكون من قدرة الله القاهرة، وانت يا يوناني يمكنك ان تدعى ويمكن غيرك ان يقول: اني واطأتك على ذلك، فاقترح ان كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين. قال له اليوناني: ان جعلت الاقتراح الي فانا اقترح: ان تفصل اجزاء تلك النخلة، وتفرقها وتباعد ما بينها، ثم تجمعها وتعيدها كما كانت: فقال علي عليه السلام هذه آية وأنت رسولي إليها – يعني إلى النخلة – فقل لها:


[ 353 ]

ان وصي محمد رسول الله يأمر أجزائك: ان تتفرق وتتباعد. فذهب فقال لها: ذلك، فتفاصلت، وتهافتت، وتنثرت، وتصاغرت اجزائها حتى لم ير لها عين ولا أثر، حتى كأن لم تكن هناك نخلة قط. فارتعدت فرائص اليوناني وقال: يا وصي محمد رسول الله قد اعطيتني اقتراحي الأول، فاعطني الآخر، فأمرها ان تجتمع وتعود كما كانت، فقال: انت رسولي إليها فعد فقل لها: يا اجزاء النخلة ان وصي محمد رسول الله يأمرك ان تجتمعي كما كنت وان تعودي. فنادى اليوناني فقال ذلك، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، ثم جعلت تجتمع جزو جزو منها، حتى تصور لها القضبان، والأوراق، واصول السعف وشماريخ الاعذاق، ثم تألفت، وتجمعت، وتركبت، واستطالت، وعرضت، واستقر أصلها في مقرها، وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان اوراقها، وفي امكنتها اعذاقها، وكانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها من اوان الرطب، والبسر، والخلال. فقال اليوناني: واخرى احب ان تخرج شماريخها اخلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة، وترطيب وبلوغ، لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها. فقال علي عليه السلام انت رسولي إليها بذلك، فمرها به. فقال لها اليوناني: ما أمره امير المؤمنين عليه السلام فاخلت، وأبسرت، واصفرت واحمرت، وترطبت، وثقلت اعذاقها برطبها. فقال اليوناني: واخرها احبها ان تقرب من بين يديي اعذاقها، أو تطول يدي لتنالها، وأحب شئ الي: أن تنزل الي احديهما، وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها. فقال امير المؤمنين عليه السلام: مد اليد التي تريد ان تنالها وقل: يا مقرب البعيد قرب يدي منها، واقبض الاخرى التي تريد ان ينزل العذق إليها وقل: يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها ففعل ذلك فقاله، فطالت يمناه فوصلت إلى


[ 354 ]

العذق، وانحطت الاعذاق الاخر فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها. ثم قال امير المؤمنين عليه السلام: انك ان اكلت منها ولم تؤمن بمن أظهر لك من عجائبها، عجل الله عزوجل اليك من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالها. فقال اليوناني: اني ان كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد، وتناهيت في التعرض للهلاك، اشهد انك من خاصة الله، صادق في جميع أقاويلك عن الله فأمرني بما تشاء اطعك. قال علي عليه السلام: آمرك ان: تقر لله بالوحدانية، وتشهد له بالجود والحكمة وتنزهه عن العبث والفساد، وعن ظلم الاماء والعباد، وتشهد أن محمدا الذي أنا وصيه سيد الانام، وافضل رتبة في دار السلام، وتشهد أن عليا الذي أراك ما أراك، وأولاك من النعم ما أولاك، خير خلق الله بعد محمد رسول الله، واحق خلق الله بمقام محمد صلى الله عليه واله بعده، وبالقيام بشرايعه واحكامه، وتشهد أن أوليائه أولياء الله، وأعدائه اعداء الله، وان المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك، المساعدين لك على ما أمرتك به خيرة امة محمد صلى الله عليه واله، وصفوة شيعة علي. وآمرك: ان تواسي اخوانك المطابقين لك على تصديق محمد صلى الله عليه واله وتصديقي والانقياد له ولي، مما رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم، تسد فاقتهم، وتجبر كسرهم وخلتهم، ومن كان منهم في درجتك في الايمان ساويته من مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك آثرته بما لك على نفسك، حتى يعلم الله منك ان دينه آثر عنك من مالك، وان أوليائه أكرم عليك من أهلك وعيالك وآمرك: ان تصون دينك، وعلمنا الذي أودعناك وأسرارنا التي حملناك ولا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من اهلها بالشتم، واللعن، والتناول من العرض والبدن، ولا تفش سرنا إلى من يشنع علينا، وعند الجاهلين باحوالنا ولا تعرض أوليائنا لبوادر الجهال. وآمرك: ان تستعمل التقية في دينك، فان الله عز وجل يقول: ” لا يتخذ


[ 355 ]

المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة ” (1) وقد اذنت لك في تفضيل اعدائنا ان لجأك الخوف إليه وفي اظهار البرائة منا ان حملك الوجل عليه، وفي ترك الصلاة المكتوبات ان خشيت على حشاشتك (2) الآفات والعاهات، فان تفضيلك اعدائنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وان اظهارك برائتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولان تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها، وما لها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائنا واخواننا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى ان يفرج الله تلك الكربة، وتزول به تلك الغمة فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل الدين وصلاح اخوانك المؤمنين، واياك ثم اياك ان تترك التقية التي أمرتك بها، فانك شائط بدمك ودم اخوانك، معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال مذل لك ولهم في ايدي اعداء دين الله، وقد آمرك الله باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك واخوانك أشد من ضرر المناصب لنا، الكافر بنا وعن سعيد بن جبير (3) قال: استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان من دهاقين الفرس فقال له – بعد التهنية -:


(1) آل عمران – 28. (2) الحشاشة: بقية الروح في المريض. (3) سعيد بن جبير – بالجيم المضمومة – بن هشام الأسدى الوالبى مولى بنى والبة اصله الكوفة نزل مكة تابعي. عده الشيخ الطوسى في أصحاب الامام زين العابدين ” ع ” والعلامة في القسم الأول من خلاصته، روى عن ابى عبد الله ” ع ” انه قال: ان سعيد بن جبير كان يأتم بعلى بن الحسين ” ع ” وكان على ” ع ” يثنى عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له الا على هذا الأمر وكان مستقيما، وذكر انه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال له: انت شقى بن كسير قال: امى كانت اعرف باسمى سمتنى: ” سعيد بن جبير “، قال: ما تقول في ابى بكر وعمر هما في الجنة أو في النار ؟ قال: لو دخلت الجنة فنظرت إلى اهلها لعلمت من فيها، ولو – (*)

[ 356 ]

يا امير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات، وتناحست السعود بالنحوس، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، ويومك هذا يوم صعب، قد اتصلت فيه كوكبان، وانقدح من برجك النيران، وليس لك الحرب بمكان، فقال امير المؤمنين عليه السلام: ويحك يا دهقان المنبئ بآثار، والمحذر من الاقدار، ما قصة صاحب الميزان، وقصة صاحب السرطان، وكم المطالع من الاسد والساعات في المحركات، وكم بين السراري والذراري ؟ قال: سأنظر واومى بيده إلى كمه، واخرج منه اصطر لابا ينظر فيه. فتبسم علي عليه السلام وقال: أتدري ما حدث البارحة ؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين، وسقط سور سرنديب، وانهزم بطرق الروم بأرمينية، وفقد ديان اليهود بابلة، وهاج النمل بوادي النمل، وهلك ملك افريقية، أكنت عالما بهذا ؟ قال: لا يا امير المؤمنين. فقال: البارحة سعد سبعون الف عالم، وولد في كل عالم سبعون الفا،


– دخلت النار ورأيت اهلها لعلمت من فيها، قال: فما قولك في الخلفاء ؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال: أيهم احب اليك ؟ قال: أرضاهم لخالقي، قال: فايهم ارضى للخالق قال: علم ذلك عند الذى يعلم سرهم ونجواهم، قال: أبيت ان تصدقني قال: بل لم احب ان اكذبك. وكان ثقة مشهورا بالفقه والزهد والعبادة وعلم التفسير وكان اخذ العلم عن ابن عباس، وكان ابن عباس إذا اتاه اهل الكوفة يستفتونه يقول. أليس فيكم ابن ام الدهماء ؟ يعنى: سعيد بن جبير، وكان يسمى جهبذ العلماء ” بالكسر – أي: النقاد الخبير ” وكان يقرأ القرآن في ركعتين، قيل: وما من أحد على الارض الا وهو محتاج إلى علمه. قتله الحجاج سنة ” 95 ” وهو ابن ” 49 ” سنة ولم يبق بعده الحجاج الا ” 15 ” ليلة، ولم يقتل احدا بعده لدعائه عليه حين قتله: ” اللهم لا تسلطه على احد يقتله بعدى “. رجال الطوسى ص 90 العلامة ص 79 الكشى ص 110 تهذيب التهذيب ج 4 ص 11 سفينة البحار ج 1 ص 621.

[ 357 ]

والليلة يموت مثلهم، وهذا منهم – وأومى بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله وكان جاسوسا للخوارج في عسكر امير المؤمنين عليه السلام – فظن الملعون: انه يقول: خذوه، فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجدا. فقال له امير المؤمنين عليه السلام: الم اروك من عين التوفيق ؟ قال: بلى يا امير المؤمنين. فقال امير المؤمنين عليه السلام: أنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون، نحن ناشئة القطب واعلام الفلك، اما قولك انقدح من برجلك النيران، فكان الواجب عليك ان تحكم لي به الا علي، اما نوره وضياؤه فعندي، واما حريقه ولهبه فذاهب عني، وهذه مسألة عميقة احسبها ان كنت حاسبا. وروي انه عليه السلام لما اراد المسير إلى الخوارج قال له بعض أصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم. فقال عليه السلام: اتزعم انك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك ان يوليك الحمد دون ربه، لانك بزعمك انت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضر. ايها الناس اياكم وتعلم النجوم، الا ما يهتدى به في بر أو بحر، فانه يدعو إلى الكهانة، المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله وهونه، ومضى فظفر بمراده صلوات الله عليه. * * *


[ 358 ]

احتجاجه (ع) على زنديق جاء مستدلا عليه بأي من القرآن متشابهة، تحتاج إلى التأويل، على انها تقتضي التناقض والاختلاف فيه، وعلى امثاله في اشياء أخرى. جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وقال له: لو لا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم. فقال له عليه السلام: وما هو ؟ قال: قوله تعالى: ” نسوا الله فنسيهم ” (1) وقوله: ” فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ” (2) وقوله: ” وما كان ربك نسيا ” (3) وقوله: ” يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا ” (4) وقوله: ” والله ربنا ماكنا مشركين ” (5) وقوله تعالى: ” يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ” (6) وقوله: ” ان ذلك لحق تخاصم أهل النار ” (7) وقوله: ” لا تختصموا لدي ” (8) وقوله: ” اليوم نختم على افواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ” (9) وقوله تعالى: ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ” (10) وقوله: ” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ” (11) وقوله: ” ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ” (12) وقوله: ” لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن وقال صوابا الآيتين ” (13) وقوله:


(1) التوبة – 97. (2) الاعراف – 51. (3) مريم – 64. (4) النبأ – 38. (5) الأنعام – 23. (6) العنكبوت – 25. (7) ص – 64. (8) ق – 28. (9) يس – 65. (10) القيامة – 22. (11) الأنعام – 103. (12) النجم – 14. (13) النبأ – 38.

[ 359 ]

” ماكان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا ” (1) وقوله: ” كلا انهم يومئذ لمحجوبون ” (2) وقوله: ” هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو ياتي ربك ” (3) وقوله: ” بل هم بلقاء ربهم كافرون ” (4) وقوله: ” فاعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ” (5) وقوله: ” فمن كان يرجو لقاء ربه ” (6) وقوله: ” ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها ” (7) وقوله: ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ” (8) وقوله: ” فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه ” (9). فقال له امير المؤمنين عليه السلام: فاما قوله تعالى: ” نسوا الله فنسيهم ” انما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة اي: لم يجعل لهم من ثوابه شيئا، فصاروا منسيين من الخير، وكذلك تفسير قوله عز وجل: ” فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ” يعنى بالنسيان: انه لم يثيبهم كما يثيب أوليائه، والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب. واما قوله: ” وما كان ربك نسيا ” فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى، ولا يغفل، بل هو الحفيظ العليم، وقد تقول العرب: نسينا فلان فلا يذكرنا: اي انه لا يأمر لهم بخير، ولا يذكرهم به. قال علي عليه السلام واما قوله عزوجل: ” يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا ” وقوله: ” والله ربنا ماكنا مشركين ” وقوله عزوجل ” يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ” وقوله عزوجل يوم القيامة ” ان ذلك لحق تخاصم أهل النار ” وقوله: ” لا تختصموا


(1) الشورى – 51. (2) المطففين – 15. (3) الانعام – 158. (4) السجدة – 10. (5) التوبة – 77. (6) الكهف – 110. (7) الكهف – 53. (8) الأنبياء -. (9) المؤمنون – 102 و 103.

[ 360 ]

لدي وقد قدمت اليكم بالوعيد ” وقوله: ” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ” فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين الف سنة، المراد: يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، والكفر في هذه الآية: ” البرائة ” يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة ابراهيم قول الشيطان: ” اني كفرت بما اشركتمون من قبل ” وقول ابراهيم خليل الرحمن: ” كفرنا بكم ” يعني تبرأنا منكم. ثم يجتمعون في مواطن اخر يبكون فيها، فلو ان تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لا زالت جميع الخلق عن معايشهم، وانصدعت قلوبهم الا ما شاء الله ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع، ويفضوا إلى الدماء. ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقولون: ” والله ربنا ماكنا مشركين ” وهؤلاء خاصة هم: المقرون في دار الدنيا بالتوحيد، فلا ينفعهم ايمانهم بالله لمخالفتهم رسله، وشكهم فيما اتوا به عن ربهم، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدا لهم الذي هو أدنى بالذى هو خير، فكذبهم الله فيما انتحلوه من الايمان بقوله: ” انظر كيف كذبوا على انفسهم ” فيختم الله على أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا ؟ قالوا: انطقنا الله الذي انطق كل شئ. ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر، وعظم البلاء فذلك قوله عزوجل: ” يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه الآية “. ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله واصفياؤه، فلا يتكلم أحد الا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقام الرسل فيسئلون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى اممهم، وتسئل الأمم فتجحد كما قال الله تعالى: ” فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين ” فيقولون: ” ما جائنا من بشير ولا نذير ” فتشهد


[ 361 ]

الرسل رسول الله صلى الله عليه واله فيشهد بصدق الرسل، وتكذيب من جحدها من الامم، فيقول – لكل امة منهم -: ” بلى قد جائكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير ” اي: مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل اليكم رسالاتهم، كذلك قال الله – لنبيه -: ” فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فلا يستطيعون رد شهادته، خوفا من ان يختم الله على أفواههم، وان تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه، وامته، وكفارهم بالحادهم، وعنادهم، ونقضهم عهده، وتغييرهم سنته، واعتدائهم على أهل بيته، وانقلابهم على أعقابهم، وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة، الخائنة لأنبيائها، فيقولون باجمعهم: ” ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ظالمين “. ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه واله وهو: ” المقام المحمود ” فيثني على الله بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة كلهم، فلا يبقى ملك الا اثنى عليه محمد، ثم يثني على الانبياء بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء، ثم الصالحين، فيحمده أهل السموات وأهل الأرضين، فذلك قوله تعالى: ” عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا ” فطوبى لمن كان له في ذلك المكان حظ ونصيب، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب. ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض، وهذا كله قبل الحساب فإذا اخذ في الحساب شغل كل انسان بما لديه، نسأل الله بركة ذلك اليوم. قال علي عليه السلام واما قوله: ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ” ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل، بعدما يفرغ من الحساب، إلى نهر يسمى: ” نهر الحيوان ” فيغتسلون منه، ويشربون من آخر فتبيض وجوههم، فيذهب عنهم كل اذى وقذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنهم يدخلون الجنة فذلك قول الله عزوجل – في تسليم


[ 362 ]

الملائكة عليهم -: ” سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ” فعند ذلك قوله تعالى: اثيبوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم الله عزوجل، فلذلك قوله تعالى: ” إلى ربها ناظرة ” والناظرة في بعض اللغة هي: المنتظرة ألم تسمع إلى قوله تعالى: ” فناظرة بم يرجع المرسلون ” اي: منتظرة بم يرجع المرسلون ؟ واما قوله: ” ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ” يعني: محمدا كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عزوجل، وقوله – في آخر الآية -: ” ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ” وأى جبرئيل في صورته مرتين: هذه مرة، ومرة اخرى، وذلك ان خلق جبرئيل خلق عظيم، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم، ولا صفتهم الا الله رب العالمين قال علي عليه السلام واما قوله: ” ماكان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء ” كذلك قال الله تعالى قد كان الرسول يوحي إليه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلى الأرض وقد كان الكلام بين رسل اهل الارض وبينه من غير ان يرسل بالكلام مع رسل اهل السماء وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: ” يا جبرئيل هل رأيت ربك ؟ ” فقال جبرئيل: ” ان ربي لا يرى “. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ” من أين تأخذ الوحي ؟ ” قال: ” آخذه من اسرافيل ” قال: ” ومن أين يأخذه اسرافيل ؟ ” قال: ” يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين ” قال: ” ومن أين يأخذه ذلك الملك ؟ ” قال: ” يقذف في قلبه قذفا “. فهذا وحي، وهو كلام الله عزوجل، وكلام ليس بنحو واحد، منه: ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذف في قلوبهم، ومنه رؤيا يراها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله عزوجل. قال علي عليه السلام واما قوله: ” كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ” فانما يعني به يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون. وقوله تعالى: ” هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ” يخبر محمدا عن المشركين


[ 363 ]

المنافقين، الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله، فقال: ” هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة ” وحيث لم يستجيبوا لله ولرسوله، أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك: العذاب، يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه واله عنهم، ثم قال: ” يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل الآية ” يعني: لم تكن آمنت من قبل ان تأتي هذه الآية، وهذه الآية هي: طلوع الشمس من مغربها، وقال – في آية اخرى -: ” فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ” يعني: ارسل عليهم عذابا، وكذلك اتيانه بنيانهم حيث قال: ” فأتى بنيانهم من القواعد ” يعني: ارسل عليهم العذاب. قال علي عليه السلام: واما قوله عزوجل: ” بل هم بلقاء ربهم كافرون ” وقوله ” الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم ” وقوله: ” إلى يوم يلقونه ” وقوله: ” فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ” يعني: البعث، فسماه الله لقاء، كذلك قوله ” من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت ” يعني: من كان يؤمن انه مبعوث فان وعد الله لآت: من الثواب، والعقاب، فاللقاء هاهنا ليس بالرؤية، واللقاء هو: البعث، وكذلك: ” تحيتهم يوم يلقونه سلام ” يعني: انه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون. قال علي عليه السلام: واما قوله عزوجل: ” ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها ” يعني: تيقنوا انهم يدخلونها، وكذلك قوله: ” اني ظننت أني ملاق حسابيه ” واما قوله عزوجل – للمنافقين -: ” ويظنون بالله الظنونا ” فهو: ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك، وظن يقين، فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك. قال علي عليه السلام: واما قوله عزوجل: ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ” فهو: ميزان العدل، يؤخذ به الخلايق يوم القيامة، بدين الله تبارك وتعالى، الخلايق بعضهم من بعض، ويجزيهم باعمالهم، ويقتص للمظلوم من الظالم، ومعنى قوله: ” فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه ” فهو: قلة


[ 364 ]

الحساب وكثرته، والناس يومئذ على طبقات ومنازل، فمنهم: من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا، ومنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا، وانما الحساب هناك على من تلبس بها هاهنا، ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ويصير إلى عذاب السعير، ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة، فأولئك لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، ولا يعبؤ بهم بأمره ونهيه يوم القيامة وهم في جهنم خالدون، وتلفح وجوههم النار، وهم فيها كالحون. ومن سؤال هذا الزنديق ان قال اجد الله يقول: ” قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم (1) “. ومن موضع آخر يقول: ” والله يتوفى الأنفس حين موتها ” (2) ” والذين تتوفاهم الملائكة طيبين ” (3) ” وما اشبه ذلك فمرة يجعل الفعل لنفسه، ومرة لملك الموت، ومرة للملائكة. وأجده يقول: ” ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه ” (4) ويقول، ” واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ” (5) اعلم في الآية الأولى: ان الأعمال الصالحة لا تكفر، واعلم في الثانية، ان الايمان والاعمال الصالحات لا تنفع الا بعد الاهتداء. واجده يقول: ” واسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا ” (6) فكيف يسأل الحي من الأموات قبل البعث والنشور. واجده يقول: ” انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فابين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا ” (7) فما هذه الأمانة ومن هذا الانسان ؟ وليس من صفته العزيز العليم التلبيس على عباده. واجده قد شهر هفوات انبيائه بقوله: ” وعصى آدم ربه فغوى ” (8)


(1) السجدة – 11. (2) الزمر – 42. (3) النحل – 32. (4) الأنبياء – 94. (5) طه – 82. (6) الزخرف – 45. (7) الأحزاب – 72. (8) طه 121.

[ 365 ]

وبتكذيبه نوحا لما قال: ” ان ابني من اهلي ” (1) بقوله: ” انه ليس من أهلك ” (2) وبوصفه ابراهيم بانه: عبد كوكبا مرة، ومرة قمرا، ومرة شمسا، وبقوله في يوسف: ” ولقد همت به وهم بها لو لا ان رأى برهان ربه ” (3) وبتهجينه موسى حيث قال: ” رب ارني انظر اليك قال لن تراني الآية ” (4) وببعثه على داود جبرئيل وميكائيل حيث تسور المحراب، وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغضبا واظهر خطأ الأنبياء وزللهم، ووارى اسم من اغتر وفتن خلقا وضل وأضل، وكنى عن أسمائهم في قوله: ” ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد اضلني عن الذكر بعد إذ جائني ” (5) فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء ؟ واجده يقول: ” وجاء ربك والملك صفا صفا ” (6) ” وهل ينظرون الا ان يأتي ربك أو ياتي بعض آيات ربك ” (7) ” ولقد جئتمونا فرادى ” (8) فمرة يجيئهم، ومرة يجيئونه واجده: يخبر انه يتلو نبيه شاهد منه، وكان الذي تلاه عبد الاصنام برهة من دهره. واجده يقول: ” ولتسئلن يومئذ عن النعيم ” (9) فما هذا النعيم الذي يسئل العباد عنه ؟ وأجده يقول: ” بقية الله خير لكم ” (10) ما هذه البقية ؟ وأجده يقول: ” يا حسرتي على فرطت في جنب الله ” واينما تولوا فثم وجه الله ” (11) ” وكل شئ هالك الا وجهه ” (12) ” واصحاب اليمين ما اصحاب


(1) هود – 45. (2) هود – 46. (3) يوسف – 24. (4) الأعراف – 143. (5) الفرقان – 27. (6) الفجر – 22. (7) الأنعام – 158. (8) الأنعام – 94. (9) التكاثر – 8. (10) هود – 86. (11) البقرة – 115. (12) القصص – 28.

[ 366 ]

اليمين ” (1) واصحاب الشمال ما اصحاب الشمال ” (2) ما معنى: الجنب، والوجه واليمين، والشمال، فان الأمر في ذلك ملتبس جدا ؟ واجده يقول: ” الرحمن على العرش استوى ” (3) ويقول: ” أأمنتم من في السماء ” (4) ” وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ” (5) ” وهو معكم أينما كنتم ” (6) ” ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ” (7) ” وما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الآية ” (8) واجده يقول: ” وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ” (9) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء أيتام فما معنى ذلك ؟ واجده يقول: ” وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون ” (10) فكيف يظلم الله ومن هؤلاء الظلمة ؟ وأجده يقول: ” انما اعظكم بواحدة ” (11) فما هذه الواحدة ؟ وأجده يقول: ” وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ” (12) وقد ارى مخالفي الاسلام معتكفين على باطلهم، غير مقلعين عنه، وارى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم، يلعن بعضهم بعضا، فأي موضع للرحمة العامة لهم المشتملة عليهم ؟ واجده قد بين فضل نبيه على سائر الأنبياء، ثم خاطبه في اضعاف ما اثنى عليه في الكتاب من الازراء عليه، وانتقاص محله، وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه، ما لم يخاطب احدا من الأنبياء، مثل قوله: ” ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ” (13) وقوله: ” لو لا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم


(1) الواقعة – 27. (2) الواقعة – 41. (3) طه – 5 (4) الملك – 16. (5) الزخرف – 84. (6) الحديد – 4. (7) ق – 16. (8) المجادلة – 7. (9) النساء – 3. (10) الأعراف – 160. (11) سبأ – 46. (12) الأنبياء – 107. (13) الأنعام – 35.

[ 367 ]

شيئا قليلا ” (1) ” اذن لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ” (2) وقوله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه ” (3) وقوله: ” وما ادرى ما يفعل بي ولا بكم ” (4) وقال: ” ما فرطنا في الكتاب من شئ ” ” وكل شئ أحصيناه في امام مبين ” (5) فإذا كانت الأشياء تحصى في الامام وهو وصي النبي فالنبي اولى ان يكون بعيدا من الصفة التى قال فيها: وما ادري ما يفعل بي ولا بكم، وهذه كلها صفات مختلفة، واحوال متناقضة، وامور مشكلة، فان يكن الرسول والكتاب حقا فقد قلت لشكي في ذلك، وان كانا باطلين فما علي من باس. فقال امير المؤمنين عليه السلام: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، تبارك وتعالى، هو الحي الدائم، القائم على كل نفس بما كسبت، هات ايضا ما شككت فيه قال: حسبي ما ذكرت يا امير المؤمنين. قال: سأنبئك بتأويل ما سئلت، وما توفيقي الا بالله، عليه توكلت واليه انيب، وعليه فليتوكل المتوكلون. فاما قوله: الله يتوفى الأنفس حين موتها، وقوله يتوفيكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفيهم الملائكة طيبين، والذين تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم، فهو تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه، وهم الذين قال الله فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فمن كان من اهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة، يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل ما يأتون منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، وفعل ملك الموت فعل الله، لأنه يتوفى الأنفس على يد من


(1) الاسراء – 74. (2) الاسراء – 75. (3) الأحزاب – 37. (4) الأحقاف – 9. (5) يس – 12.

[ 368 ]

يشاء، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وان فعل امنائه فعله، كما قال: وما تشاؤن الا ان يشاء الله. واما قوله: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه، وقوله واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فان ذلك كله لا يغني الا مع الاهتداء، وليس كل من وقع عليه اسم الايمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها، بالتوحيد، واقرارها بالله ونجى ساير المقرين بالوحدانية، من ابليس فمن دونه في الكفر، وقد بين الله ذلك بقوله الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون وبقوله: الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وللايمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلك: ان الايمان قد يكون على وجهين: ايمان بالقلب، وايمان باللسان، كما كان ايمان المنافقين على عهد رسول الله، لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف فانهم آمنوا بالسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، فالايمان بالقلب هو التسليم للرب، ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره، كما استكبر ابليس عن السجود لآدم، واستكبر اكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع ابليس ذلك السجود الطويل، فانه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، ولم يرد بها غير زخرف الدنيا، والتمكين من النظرة، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة الا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة، وطرق الحق، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته، وارسال رسله، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يخل ارضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقة، ومتعلم على سبيل النجاة، اولئك هم الأقلون عددا، وقد بين الله ذلك في امم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر، مثل قوله – في قوم نوح -: وما آمن معه الا قليل، وقوله – فيمن آمن من امة موسى -: ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون، وقوله – في حواري عيسى حيث قال لسائر بني اسرائيل -: من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بانا مسلمون، يعني: بانهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم


[ 369 ]

ولا يستكبرون عن أمر ربهم، فما اجابه منهم الا الحواريون، وقد جعل الله للعلم اهلا، وفرض على العباد طاعتهم بقوله: اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم، وبقوله: ولو ردوه إلى الله والى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، وبقوله: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وبقوله: وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، واتوا البيوت من أبوابها، والبيوت هي: بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء، وابوابها أوصيائهم، فكل من عمل من اعمال الخير فجرى على غير ايدي أهل الاصطفاء، وعهودهم، وشرائعهم، وسننهم، ومعالم دينهم، مردود وغير مقبول، واهله بمحل كفر، وان شملتهم صفة الايمان، الم تسمع إلى قوله تعالى: وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة الا وهم كسالى ولا ينفقون الا وهم كارهون، فمن لم يهتد من أهل الايمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه ايمانه بالله مع دفع حق أوليائه، وهبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين، وكذلك قال الله سبحانه: فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رؤا بأسنا، وهذا كثير في كتاب الله عزوجل، والهداية هي: الولاية كما قال الله عزوجل: ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون، والذين آمنوا في هذا الموضع هم: المؤتمنون على الخلائق من الحجج، والأوصياء في عصر بعد عصر، وليس كل من أقر ايضامن أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا ان المنافقين كانوا يشهدون: ان لا إلا إلا الله وان محمدا رسول الله، ويدفعون عهد رسول الله بما عهد به: من دين الله، وعزائمه، وبراهين نبوته، إلى وصيه ويضمرون من الكراهة لذلك، والنقض لما ابرمه منه عند امكان الأمر لهم، فيما قد بينه الله لنبيه بقوله: ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” وبقوله: ” وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ” ومثل قوله: ” لتركبن طبقا عن طبق ” أي: لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم: في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، وهذا كثير في كتاب الله عزوجل، وقد شق على النبي ما يؤل إليه


[ 370 ]

عاقبة أمرهم، واطلاع الله اياه على بوارهم، فأوحى الله عزوجل إليه، ” فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ” ” ولا تأس على القوم الكافرين ” واما قوله: ” واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا ” فهذا من براهين نبينا التي آتاه الله اياها، وأوجب به الحجة على سائر خلقه، لأنه لما ختم به الأنبياء، وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم، وسائر الملل، خصه الله بالارتقاء إلى السماء عند المعراج وجمع له يومئذ الأنبياء، فعلم منهم ما ارسلوا به وحملوه من: عزائم الله وآياته وبراهينه، واقروا اجمعون بفضله، وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات، الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم، ولم يستكبروا عن أمرهم، وعرف من أطاعهم وعصاهم من اممهم، وسائر من مضى ومن غبر، أو تقدم أو تأخر. واما هفوات الانبياء عليهم السلام وما بينه الله في كتابه، ووقوع الكناية من اسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء، ممن شهد الكتاب بظلمهم، فان ذلك من أدل الدلائل على: حكمة الله عزوجل الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزته الظاهرة لانه علم: ان براهين الأنبياء تكبر في صدور اممهم، وان منهم من يتخذ بعضهم إلها، كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عزوجل، ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى حيث قال فيه وفي امه: ” كانا يأكلان الطعام ” يعني: ان من أكل الطعام كان له ثقل: ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم، ولم يكن عن اسماء الأنبياء تبجرا وتعزرا (1) بل تعريفا لاهل الاستبصار. ان الكناية عن اسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى، وانها من فعل المغيرين والمبدلين، الذين جعلوا القرآن عضين واعتاضوا الدنيا من الدين، وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله: ” الذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ” وبقوله


(1) البجر: العيب. والتعزير: اللوم والتأديب.

[ 371 ]

” وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب ” وبقوله: ” إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ” بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم (1) حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من: تغيير التوراة والانجيل، وتحريف الكلم عن مواضعه، وبقوله: ” يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون ” يعني: انهم اثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه، وبين عن افكهم، وتلبيسهم وكتمان ما عملوه منه، ولذلك قال لهم: لم تلبسون الحق بالباطل، وضرب مثلهم بقوله: ” فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ” فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن، فهو يضمحل، ويبطل ويتلاشى عند التحصيل، والذي ينفع الناس منه: فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع فهي: محل العلم وقراره. وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح باسماء المبدلين، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر، والملل المنحرفة عن قبلتنا، وابطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم، والرضا بهم، ولان أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عدا من أهل الحق، فلان الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه واله: ” فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل ” وايجابه مثل ذلك على أوليائه، واهل طاعته، بقوله: ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة ” فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت، فان شريعة التقية تخطر التصريح بأكثر منه. واما قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا، وقوله: ” ولقد جئتمونا فرادى ” وقوله: ” هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض


(1) الأود: الاعوجاج.

[ 372 ]

آيات ربك ” فذلك كله حق، وليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه، فانه رب كل شئ. ومن كتاب الله عزوجل يكون تأويله على غير تنزيله، ولا يشبه تأويله بكلام البشر، ولا فعل البشر وسانبئك بمثال لذلك تكتفي به انشاء الله تعالى وهو حكاية الله عزوجل عن ابراهيم عليه السلام حيث قال: ” اني ذاهب إلى ربي ” فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده، الا ترى ان تأويله غير تنزيله، وقال: ” وانزل لكم من الانعام ثمانية أزواج ” وقال: ” وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ” فانزاله ذلك: خلقه اياه. وكذلك قوله: ” ان كان للرحمن ولد فانا أول العابدين ” أي: الجاحدين والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره. ومعنى قوله: ” فهل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ” فانما خاطب نبينا محمدا صلى الله عليه واله هل ينتظر المنافقون والمشركون الا ان تأتيهم الملائكة فيعاينونهم، أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك: امر ربك، والآيات هي: العذاب في دار الدنيا، كما عذب الأمم السالفة، والقرون الخالية، وقال: ” أولم يروا انا نأتي الأرض ننقصها من اطرافها ” يعني بذلك: ما يهلك من القرون فسماه اتيانا، وقال: ” قاتلهم الله أنى يؤفكون ” أي لعنهم الله انى يؤفكون، فسمى اللعنة قتالا، وكذلك قال: ” قتل الانسان ما اكفره ” أي: لعن الانسان، وقال: ” فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ” فسمى فعل النبي صلى الله عليه واله فعلا له، ألا ترى تأويله على غير تنزيله ومثل قوله: ” بل هم بلقاء ربهم كافرون ” فسمى البعث: لقاء، وكذلك قوله: ” الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم ” أي: يوقنون انهم مبعوثون، ومثله قوله: ” ألا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم ” اي: ليس يوقنون انهم مبعوثون، واللقاء عند المؤمن: البعث، وعند الكافر: المعاينة والنظر. وقد يكون بعض ظن الكافر يقينا، وذلك قوله: ” ورأى المجرمون النار


[ 373 ]

فظنونا انهم مواقعوها ” أي: تيقنوا انهم مواقعوها، واما قوله في المنافقين: ” ويظنون بالله الظنونا ” فليس ذلك بيقين ولكنه شك، فاللفظ واحد في الظاهر، ومخالف في الباطن، وكذلك قوله: ” الرحمن على العرش استوى ” يعني: استوى تدبيره وعلا امره، وقوله، ” وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ” وقوله: ” هو معكم أينما كنتم ” وقوله: ” ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ” فانما اراد بذلك استيلاء امنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه، وان فعله فعلهم. فافهم عني ما أقول لك، فانى انما ازيدك في الشرح لا ثلج في صدرك وصدر من لعله بعد اليوم يشك في مثل ما شككت فيه، فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه، لعموم الطغيان، والافتنان، واضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب، إلى الاكتتام والاحتجاب، خيفة أهل الظلم والبغي. اما انه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا، والباطل ظاهرا مشهورا، وذلك إذا كان اولى الناس به اعدائهم له، واقترب الوعد الحق، وعظم الالحاد، وظهر الفساد، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، ونحلهم الكفار اسماء الأشرار، فيكون جهد المؤمن ان يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج لأوليائه، ويظهر صاحب الأمر على اعدائه. واما قوله: ” ويتلوه شاهد منه ” فذلك حجة الله اقامها على خلقه، وعرفهم انه لا يستحق مجلس النبي الا من يقوم مقامه، ولا يتلوه الا من يكون في الطهارة مثله، لئلا يتسع لمن ماسه حس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول الله صلى الله عليه واله، وليضيق العذر على من يعينه على اثمه وظلمه، إذ كان الله قد خطر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى انبيائه واوليائه، بقوله لابراهيم: ” لا ينال عهدي الظالمين ” اي: المشركين، لأنه سمى الظلم شركا بقوله: ” ان الشرك لظلم عظيم ” فلما علم ابراهيم عليه السلام ان عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالامامة لا ينال عبدة الاصنام، قال: ” فاجنبني وبني ان نعبد الأصنام ” واعلم ان من آثر المنافقين على الصادقين، والكفار على الأبرار، فقد افترى


[ 374 ]

اثما عظيما، إذا كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل، والطاهر والنجس والمؤمن والكافر، وانه لا يتلوا النبي عند فقده الا من حل محله صدقا، وعدلا، وطهارة، وفضلا. واما الأمانة التي ذكرتها فهي: الأمانة التي لا تجب ولا تجوز ان تكون الا في الأنبياء وأوصيائهم، لأن الله تبارك وتعالى ائتمنهم على خلقه، وجعلهم حججا في أرضه والسامري ومن أجمع معه واعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى ما تم انتحال محل موسى من الطغام، والاحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي الا لطاهر من الرجس، فاحتمل وزرها ووزر من سلك سبيله من الظالمين واعوانهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه واله: ومن استن سنة حق كان له: أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولهذا القول من النبي صلى الله عليه واله شاهد من كتاب الله، وهو: قول الله عزوجل في قصة قابيل قاتل اخيه: ” من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيى الناس جميعا ” والاحياء في هذا الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره، وهو من هداها، لان الهداية هي: حياة الأبد، ومن سماه الله حيا لم يمت أبدا، انما ينقله من دار محنة إلى دار راحة ومنحة. واما ما كان من الخطاب بالانفراد مرة، وبالجمع مرة، من صفة الباري جل ذكره، فان الله تبارك وتعالى اسمه، على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية، هو: النور الأزلي القديم الذي ليس كمثله شئ، لا يتغير، ويحكم ما يشاء ويختار، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا ما خلق زاد في ملكه وعزه ولا نقص منه ما لم يخلقه، وانما اراد بالخلق اظهار قدرته، وابداء سلطانه، وتبيين براهين حكمته، فخلق ما شاء كما شاء، واجري فعل بعض الأشياء على ايدي من اصطفى من امنائه، وكان فعلهم فعله، وأمرهم أمره، كما قال: ” ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ” وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه، ليميز الخبيث من الطيب، مع سابق علمه بالفريقين من أهلها، وليجعل ذلك مثالا


[ 375 ]

لأوليائه وامنائه، وعرف الخليقة فضل منزلة أوليائه، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه، والزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده وبان له أولياء تجري أفعالهم واحكامهم مجرى فعله، فهم: ” العباد المكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ” ” هو الذي (1) ايدهم بروح منه ” وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله: ” عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول ” وهم: النعيم الذي يسئل العباد عنه، لأن الله تبارك وتعالى انعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم. قال السائل: من هؤلاء الحجج ؟ قال: هم رسول الله، ومن حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه ورسوله، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه، وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم: ” اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ” وقال فيهم: ” ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ” قال السائل: ما ذاك الأمر ؟ قال علي عليه السلام: الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، من: خلق، ورزق، واجل، وعمل، وعمر، وحياة وموت، وعلم غيب السماوات والأرض، والمعجزات التي لا تنبغي الا لله واصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه، وهم وجه الله الذي قال: فاينما تولوا فثم وجه الله ” هم بقية الله يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ومن آياته: الغيبة والاكتتام، عند عموم الطغيان، وحلول الانتنقام، ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك بانه للنبي دون غيره، لكان الخطاب يدل على فعل ماض، غير دائم ولا مستقبل، ولقال: ” نزلت الملائكة ” ” وفرق كل أمر حكيم ” ولم يقل: ” تنزل الملائكة ” ويفرق كل امر حكيم ” وقد زاد جل ذكره في التبيان، واثبات الحجة، بقوله – في اصفيائه واوليائه عليهم السلام -: ” أن تقول نفس


(1) في بعض النسخ: ” وهم الذين “.

[ 376 ]

يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ” تعريفا للخليقة قربهم، ألا ترى انك تقول: ” فلان إلى جنب فلان ” إذا اردت ان تصف قربه منه. وانما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره، وغير أنبيائه وحججه في أرضه، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون، من: اسقاط اسماء حججه منه، وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم، فاثبت به الرموز، وأعمى قلوبهم وأبصارهم، لما عليهم في تركها وترك غيرها، من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه، وجعل أهل الكتاب المقيمين به، والعالمين بظاهره وباطنه من: شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها، اي: يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت، وجعل اعدائها، أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا اطفاء نور الله بافواههم، فابى الله الا ان يتم نوره، ولو علم المنافقون لعنهم الله: ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها، لاسقطوها مع ما أسقطوا منه، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجة على خلقه، كما قال الله تعالى، ” فلله الحجة البالغة ” اغشى أبصارهم، وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك، فتركوه بحاله، وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله، فالسعداء ينهون عليه، والاشقياء يعمون عنه، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ثم ان الله جل ذكره لسعة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه، قسم كلامه ثلاثة اقسام، فجعل قسما منه: يعرفه العالم والجاهل وقسما: لا يعرفه الا من صفى ذهنه، ولطف حسه، وصح تميزه، ممن شرح الله صدره للاسلام، وقسما: لا يعرفه الا الله، وامناؤه، والراسخون في العلم، وانما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه واله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته، تعزرا (1) وافتراء على الله عزوجل، واغترارا بكثرة من ظاهرهم، وعاونهم، وعاند الله عزوجل ورسوله.


(1) أي: تمنعا وتمردا.

[ 377 ]

فاما ما علمه الجاهل والعالم، فمن فضل رسول الله في كتاب الله، فهو قول الله عزوجل: ” من يطع الرسول فقد اطاع الله ” وقوله: ” ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله: ” صلوا عليه ” والباطن قوله: ” وسلموا تسليما ” اي سلموا لمن وصاه واستخلفه، وفضله عليكم، وما عهد به إليه تسليما، وهذا مما اخبرتك: انه لا يعلم تأويله الا من لطف حسه، وصفى ذهنه، وصح تمييزه، وكذلك قوله: ” سلام على آل يس ” لأن الله سمى به النبي صلى الله عليه واله حيث قال: ” يس والقرآن الحكيم * انك لمن المرسلين ” لعلمه بانهم يسقطون قول الله: سلام على آل محمد كما اسقطوا غيره، وما زال رسول الله صلى الله عليه واله يتألفهم، ويقربهم، ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتى اذن الله عزوجل في ابعادهم بقوله: ” واهجرهم هجرا جميلا ” وبقوله، ” فما للذين كفروا قبلك مهطعين * عن اليمين وعن الشمال عزين * أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا انا خلقناهم مما يعلمون ” وكذلك قول الله عزوجل: ” يوم ندعو كل اناس بامامهم ” ولم يسم باسمائهم. واسماء آبائهم وامهاتهم. واما قوله: ” كل شئ هالك الا وجهه ” فانما انزلت كل شئ هالك الا دينه، لأنه من المحال ان يهلك منه كل شئ ويبقى الوجه، هو اجل واكرم واعظم من ذلك، انما يهلك من ليس منه، ألا ترى انه قال: ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ” ففصل بين خلقه ووجهه. واما ظهورك على تناكر قوله: ” فان خفتم ان لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ” وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء. ولا كل النساء أيتام، فهو: مما قدمت ذكره من اسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص اكثر من ثلث القرآن وهذا وما اشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون واهل الملل المخالفة للاسلام مساغا إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كلما اسقط


[ 378 ]

وحرف وبدل مما يجرى هذا المجرى لطال، وظهر ما تخطر التقية اظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء (1).


(1) في ج 1 ص 15 من تفسير مجمع البيان للطبرسي قال: ومن ذلك: الكلام في زيادة القران ونقصانه، فانه لا يليق بالتفسير، فاما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، واما النقصان منه، فقد روى جماعة من اصحابنا، وقوم من حشوية العامة: ان في القرآن تغييرا ونقصانا، والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه وهو الذى نصره المرتضى ” قدس الله روحه ” واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء، في جواب المسائل الطرابلسيات، وذكر في مواضع: ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم: بالبلدان، والحوادث الكبار، ولوقايع العظام، والكتب المشهورة، واشعار العرب المسطورة، فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته. وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه، لان القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية.. إلى ان قال: وذكر ايضا رضى الله عنه: ان القرآن كان على عهد رسول الله ” ص ” مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك: بان القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وانه: كان يعرض على النبي ” ص ” ويتلى عليه، وان جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، وابى بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي ” ص ” عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على انه كان مجموعا، مرتبا، غير مبتور، ولا مبثوث، وذكر ان من خالف في ذلك من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فان الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخبارا ضعيفة ظنوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته. وقال الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتاب ” اصل الشيعة واصولها ” وان الكتاب الموجود في ايدى المسلمين هو الكتاب الذى انزله الله إليه للاعجاز والتحدى، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وانه لا نقص فيه، ولا تحريف، ولا زيادة، وعلى هذا اجماعهم، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين: إلى وجود نقص فيه، أو تحريف، فهو مخطئ، يرده نص الكتاب العظيم ” انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ” والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم، الظاهرة –

[ 379 ]

واما قوله: ” وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون ” فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من ان يظلم، ولكن قرن امناءه على خلقه بنفسه، وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده، وان ظلمهم ظلمه، بقوله، ” وما ظلمونا ” ببغضهم اولياءنا ومعونة اعدائهم عليهم ” ولكن كانوا انفسهم يظلمون ” إذ حرموها الجنة، واوجبوا عليها خلود النار. واما قوله: ” انما اعظكم بواحدة ” فان الله جل ذكره نزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض، في اوقات مختلفة، كما خلق السماوات والأرض في ستة ايام، ولو شاء لخلقها في اقل من لمح البصر، ولكنه جعل الأناة والمداراة امثالا لامنائه وايجابا للحجة على خلقه، فكان أول ما قيدهم به: الاقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله، فلما أقروا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه صلى الله عليه واله بالنبوة والشهادة له بالرسالة، فلما انقادوا ذلك فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم، ثم الحج ثم الجهاد، ثم الزكاة، ثم الصدقات، وما يجري مجراها من مال الفئ، فقال المنافقون: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شئ آخر يفترضه. فتذكره لتسكن انفسنا إلى انه لم يبق غيره، فانزل الله في ذلك: ” قل انما اعظكم بواحدة ” يعني: الولاية، وانزل، ” انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” وليس بين الامة خلاف انه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل، ولو ذكر اسمه في الكتاب لاسقط مع ما اسقط من معناها المحرفون فيبلغ اليك والى امثالك، وعند ذلك قال الله: ” اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا “. واما قوله للنبي: ” وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ” وانك ترى أهل الملل المخالفة للايمان ومن يجرى مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية


– في نقصه أو تحريفه، ضعيفة شاذة، واخبار آحاد، لا تفيد علما ولا عملا، فاما ان تأول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها عرض الجدار. (*)

[ 380 ]

وانه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير، فان الله تبارك وتعالى انما عنى بذلك: انه جعله سببا لانظار اهل هذه الدار لان الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض، وكان النبي صلى الله عليه واله منهم إذا صدع بامر الله واجابه قومه سلموا وسلم اهل دارهم من سائر الخليقة، وان خالفوه هلكوا وهلك اهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من: خسف، أو قذف، أو رجف، أو زلزلة، أو غير ذلك من اصناف العذاب التي هلكت بها الامم الخالية. وان الله علم من نبينا صلى الله عليه واله ومن الحجج في الأرض: الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله – في وصيه -: ” من كنت مولاه فهذا مولاه “. و ” هو مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي ” وليس من خليقة النبي ولا من النبوة أن يقول قولا لا معنى له، فلزم الامة ان تعلم: انه لما كانت النبوة والاخوة موجودتين في خلقة هارون، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه واله بمنزلته انه قد استخلفه على امته كما استخلف موسى هارون، حيث قال له: ” اخلفني في قومي ” ولو قال لهم: لا تقلدوا الامامة الا فلانا بعينه والا نزل بكم العذاب، لأتاهم العذاب وزال باب الانظار والامهال. وبما امر بسد باب الجميع وترك بابه، ثم قال: ما سددت ولا تركت ولكني مرت فاطعت، فقالوا سددت بابنا وتركت لاحدثنا سنا. فاما ما ذكروه من حداثة سنه، فان الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث امر موسى ان يعهد بالوصية إليه، وهو في سن ابن سبع سنين، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استوعهما عزائمه وبراهين حكمته، وانما جعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الامور، وان وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا. وبان عمد النبي صلى الله عليه واله إلى سورة براءة، فدفعها إلى من علم ان الامة تؤثره على وصيه، وأمره بقرائتها على أهل مكة، فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيه


[ 381 ]

وامر بارتجاعها منه، والنفوذ إلى مكة ليقرأها على اهلها، وقال: ” ان الله جل جلاله اوحى الي ان لا يؤدي عني الا رجل مني ” دلالة منه على خيانة من علم ان الامة اختارته على وصيه. ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه، ومن يوازره في تقدم المحل عند الامة، إلى علم النفاق ” عمرو بن العاص ” في غزاة ذات السلاسل، ولاهما عمرو: حرس عسكره. وختم أمرهما بأن: ضمهما عند وفاته إلى مولاه اسامة بن زيد، وأمرهما بطاعته، والتصريف بين امره ونهيه، وكان آخر ما عهد به في أمر امته قوله: ” انفذوا جيش اسامة ” يكرر ذلك على اسماعهم، ايجابا للحجة عليهم في ايثار المنافقين على الصادقين. ولو عددت كلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه واله في اظهار معائب المستولين على تراثه لطال، وان السابق منهم إلى تقلد ما ليس له باهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الامة، ومستقيلا (1) مما قلدوه لقصور معرفته على تأويل ماكان يسئل عنه، وجهله بما يأتي ويذر. ثم أقام على ظلمه، ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره، فاتى التالى بتسفيه رأيه، والقدح والطعن على احكامه، ورفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه، ورد النساء اللاتي كان سباهن إلى أزواجهن وبعضهن حوامل، (2) وقوله: ” قد نهيته عن قتال اهل القبلة فقال لي: انك لحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم “. ولم يزل يخطئه، ويظهر الارزاء عليه، ويقول على المنبر: ” كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ” وكان يقول: قبل


(1) اشارة إلى قول ابى بكر ” أقيلوني فلست بخيركم “. (2) راجع قصة مالك بن نويرة في ترجمة خالد بن الوليد في هامش ص 124 من هذا الكتاب.

[ 382 ]

ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته، ويود أنه كان شعرة في صدره، وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الاسلام. وأتى من امر الشورى وتأكيده بها: عقد الظلم والالحاد، والغي والفساد، حتى تقرر على ارادته ما لم يخف – على ذي لب موضع ضرره -. ولم تطق الامة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل، فعاجلته بالقتل فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم: محاولة مثل ما اتوه من الاستيلاء على امر الامة. كل ذلك لتتم النظرة التي اوحاها الله تعالى لعدوه ابليس، إلى ان يبلغ الكتاب اجله، ويحق القول على الكافرين، ويقترب الوعد الحق، الذي بينه في كتابه بقوله: ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لنستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ” (1) وذلك: إذا لم يبق من الاسلام الا اسمه ومن القرآن الا رسمه، وغاب صاحب الأمر بايضاح الغدر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون اقرب الناس إليه اشدهم عدواة له. وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه صلى الله عليه واله – على يديه – على الدين كله ولو كره المشركون. واما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه واله، والارزاء به، والتأنيب له، مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله اياه على سائر أنبيائه فان الله عزوجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين، كما قال في كتابه، وبحسب جلالة منزلة نبينا صلى الله عليه واله عند ربه، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل اذى ومشقة لدفع نبوته، وتكذيبه اياه، وسعيه في مكارهه، وقصده لنقض كل ما ابرمه، واجتهاده ومن مالاه على كفره، وعناده، ونفاقه، والحاده في ابطال دعواه، وتغيير ملته، ومخالفته سنته، ولم ير شيئا ابلغ في تمام كيده من تنفيرهم من موالاة وصيه، وايحاشهم منه، وصدهم عنه، واغرائهم بعدواته،


النور: 55.

[ 383 ]

والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به، واسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفر ذوي الكفر، منه وممن وافقه على ظلمه، وبغيه، وشركه، ولقد علم الله ذلك منهم فقال: ” ان الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ” وقال: ” يريدون ان يبدلوا كلام الله ” ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل، والتنزيل. والمحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه: حرف الف ولا لام، فلما وقفوا على ما بينه الله من: اسماء اهل الحق والباطل، وان ذلك ان اظهر نقص ما عهدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، وكذلك قال: ” فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون “. دفهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه، وتأليفه، وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معادات اولياء الله، فألفه على اختيارهم، وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم، وافترائهم، وتركوا منه ما قدروا انه لهم، وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، وعلم الله ان ذلك يظهر ويبين، فقال، ” ذلك مبلغهم من العلم ” وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم، وافترائهم. والذي بدا في الكتاب من الازراء على النبي صلى الله عليه واله من فرقة الملحدين ولذلك قال: ” ويقولون منكرا من القول وزورا ” ويذكر جل ذكره لنبيه صلى الله عليه واله ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: ” وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته ” يعني: انه مامن نبي تمنى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه، وعقوقهم، والانتقال عنهم إلى دار الاقامة، الا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي انزل عليه، ذمه، والقدح فيه، والطعن عليه، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين، والجاهلين، ويحكم الله آياته بان: يحمي أوليائه من الضلال والعدوان، ومشايعة أهل الكفر والطغيان، الذين لم يرض


[ 384 ]

الله ان يجعلهم كالأنعام حتى قال: ” بل هم أضل سبيلا “. فافهم هذا واعلمه، واعمل به، واعلم انك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه اكثر مما سألت عنه، واني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم، وقلة الراغبين في التماسه، وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب. قال السائل: حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين، شكرا لله لك على استنقاذي من عماية الشرك، وطخية الافك، واجزل على ذلك مثوبتك، انه على كل شئ قدير، وصلى الله اولا وآخرا علي انوار الهدايات، واعلام البريات، محمد وآله أصحاب الدلالات الواضحات، وسلم تسليما كثيرا. عن الاصبغ بن نباتة قال: لما بويع امير المؤمنين عليه السلام، خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه واله، لابسا بردته، منتعلا بنعل رسول الله، ومتقلدا بسيف رسول الله صلى الله عليه واله، فصعد المنبر، فجلس متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني: وهذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه واله، هذا ما زقني رسول الله زقا زقا، سلوني فان عندي علم الأولين والآخرين. أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، وأهل القرآن بقرآنهم، حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول: ” صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله في ” وانتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم: ما انزل الله فيه، ولو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم: بما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ” (1). ثم قال: سلوني قبل ان تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة، لو سألتموني عن: آية آية في ليل نزلت ام في نهار نزلت، مكيها ومدنيها، سفريها


(1) الرعد – 93.

[ 385 ]

وحضريها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فأجابه بما تقدم ذكرنا اياه (1). قال: فسلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من اقصى المجلس فقال: يا امير المؤمنين دلني على عمل ينجيني الله به من النار، ويدخلني الجنة ! قال: اسمع، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاث: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على اهل دين الله، وبفقير صابر. فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني بماله، ولم يصبر الفقير على فقره، فعندها الويل والثبور، وكادت الأرض ان ترجع إلى الكفر بعد الايمان. ايها السائل لا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة اقوام اجسادهم مجتمعة وقلوبهم متفرقة، فانما الناس ثلاث: زاهد، وراغب، وصابر. اما الزاهد فلا يفرح بالدنيا إذا اتته، ولا يحزن عليها إذا فاتته. واما الصابر فيتمناها بقلبه، فان ادرك منها شيئا صرف عنها نفسه لعلمه بسوء العاقبة. واما الراغب فلا يبالي من حل أصابها ام من حرام. ثم قال: يا امير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال ينظر إلى ولي الله فيتولاه، والى عدو الله فيتبرأ منه وان كان حميما قريبا. قال: صدقت والله يا امير المؤمنين ثم غاب فلم ير. فقال: هذا أخي الخضر عليه السلام تمام الخبر. وعن الأصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:


(1) مر جوابه عليه السلام لسائل ساله السؤال نفسه فقال: ” لم اك بالذى أعبد من لم أره.. الخ ” فراجعه.

[ 386 ]

ايها الناس سلوني فان بين جوانحي علما جما. فقام إليه ابن الكوا فقال: يا امير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال: الرياح. قال: فما الحاملات وقرا ؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا ؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات امرا. قال: الملائكة. قال: يا امير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا. قال: ثكلتك امك يابن الكوا كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا ينقض بعضه بعضا، فسل عما بدالك. قال: يا امير المؤمنين سمعته يقول: ” رب المشارق والمغارب ” وقال في آية اخرى: ” رب المشرقين ورب المغربين ” وقال في آية اخرى: ” رب المشرق والمغرب “. قال: ثكلتك امك يابن الكوا، هذا المشرق وهذا المغرب، واما قوله: رب المشرقين ورب المغربين، فان مشرق الشتاء على حدة، ومشرق الصيف على حدة اما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها ؟ واما قوله: رب المشارق والمغارب، فان لها ثلثمائة وستين برجا، تطلع كل يوم من برج، وتغيب في آخر، فلا تعود إليه الا من قابل في ذلك اليوم. قال: يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك ؟ قال: ثكلتك امك يابن الكوا سل متعلما، ولا تسأل متعنتا، من موضع قدمي إلى عرش ربي ان يقول قائل مخلصا: ” لا إله إلا الله “. قال: يا امير المؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلا الله ؟ قال: من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه، كما يطمس الحرف


[ 387 ]

الأسود من الرق الأبيض، فان قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت ابواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله فإذا قال ثالثة لا إله إلا الله مخلصا، تنته دون العرش، فيقول الجليل: ” اسكني فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ” ثم تلا هذه الآية: ” إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ” يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله وكلامه. قال: يا امير المؤمنين اخبرني عن قوس قزح. قال: ثكلتك امك لا تقل: قوس قزح فان قزحا اسم شيطان، ولكن قل: قوس الله، إذا بدت يبدو الخصب والريف. قال: أخبرني يا امير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء. قال: هي شرج في السماء، وامان لأهل الأرض من الغرق، ومنه غرق الله قوم نوح بماء منهمر قال: يا امير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر. قال: عليه السلام: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، رجل اعمى يسأل عن مسألة عمياء، اما سمعت الله تعالى يقول: ” وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ” (1). قال: يا امير المؤمنين اخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله. قال: عن أي أصحاب رسول الله تسألني ؟ قال: يا امير المؤمنين اخبرني عن أبي ذر الغفاري. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” ما اظلت الخضراء، ولا اقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر “. قال: يا امير المؤمنين فاخبرني عن سلمان الفارسي. قال: بخ بخ سلمان منا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم، علم علم الأول والآخر.


(1) الاسراء – 12. (*)

[ 388 ]

قال يا امير المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني. قال: ذاك امرء علم اسماء المنافقين، ان تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما. قال: يا امير المؤمنين فاخبرني عن عمار بن ياسر. قال: ذاك امرء حرم الله لحمه ودمه على النار ان تمس شيئا منها. قال: يا امير المؤمنين فأخبرني عن نفسك. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكت ابتدئت. قال: يا امير المؤمنين اخبرني عن قول الله عزوجل: ” قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا ” الآية. قال: كفرة أهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكوا. ثم قال: يابن الكوا وما أهل النهروان منهم ببعيد. فقال: يا امير المؤمنين ما اريد غيرك، ولا اسأل سواك. قال: فرأينا ابن الكوا يوم النهروان فقيل له: ثكلتك امك، بالأمس تسأل أمير المؤمنين عما سألته، وانت اليوم تقاتله فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: سلوني عن كتاب الله عزوجل، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار، ولا مسير ولا مقام، الا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه واله، وعلمني تأويلها. فقام إليه ابن الكوا فقال: يا امير المؤمنين فما كان ينزل عليه وانت غائب عنه ؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه واله ماكان ينزل عليه من القرآن وانا غائب عنه حتى اقدم عليه، فيقرأنيه ويقول لي: يا علي انزل الله علي بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله. وجاء في الآثار: ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته: سلوني قبل ان تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فتنة تضل مائة وتهدي مائة الا انبأتكم


[ 389 ]

بناعقها، وسائقها إلى يوم القيامة. فقام إليه رجل (1) فقال: يا امير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر. فقال امير المؤمنين عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه واله بما سألت عنه، وان على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك، وان في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله، ذلك مصداق ما اخبرتك به ولو لا ان الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به، ولكن آية ذلك ما نبأتك به من لعنك، وسخلك الملعون، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ماكان تولى قتله، وكان الأمر كما قال امير المؤمنين عليه السلام. * * * احتجاجه (ع) على من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى وان يتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل وذكر الوجه لاختلاف من أختلف في الدين والرواية عن رسول الله (ص). روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فاطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه أم كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى، أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه واله عن تبليغه وادائه، والله سبحانه يقول: ” ما فرطنا في الكتاب من شئ ” (2) ” وفيه تبيان كل شئ ” وذكر ان الكتاب يصدق بعضه


(1) هو الاشعث بن قيس لعنه الله. (2) الأنعام – 38.

[ 390 ]

بعضا، وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ” وان القرآن ظاهره انيق، وباطنه عميق، لا تفني عجائبه، ولا تنقي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به. وروي انه عليه السلام قال: ان ابغض الخلايق إلى الله تعالى رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، سائر بغير علم ولا دليل، مشعوف بكلام بدعة، (1) ودعاء ضلالة، فهو: فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلا، فوضع في جهال الامة، غار في اغباش الفتنة، قد لهج منها بالصوم والصلاة، عمي في عقد الهدنة، سماه الله: عاريا منسلخا، وسماه اشباه الناس: عالما وليس به، ولما يغن في العلم يوما، سالما بكر فاستكثر من جمع ماقل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكثر من غير طائل جلس بين الناس مفتيا، قاضيا، ضامنا لتلخيص ما التبس على غيره، ان خالف من سبقه: لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده، كفعله بمن كان قبله فان نزلت به احدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه، ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، خباط جهالات، وركاب عشوات، ومفتاح شبهات، فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ، ان اصاب خاف ان يكون قد أخطأ، وان اخطأ رجا ان يكون قد أصاب، فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوت الذي إذا مرت به النار لم يعلم بها، لم يعض على العلم بضرس قاطع، فيغنم بذري الروايات اذراء الريح الهشيم، لاملي والله باصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم في شئ مما انكره، ولا يرى ان من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما بلغ منه مذهبا لغيره، وان قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه، كيلا يقال له: لا يعلم شيئا، وان خالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه، وان اظلم عليه أمر اكتتم به لما


(1) المشعوف: المجنون الوله.

[ 391 ]

يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، إلى الله اشكو معشرا يعيشون جهالا، ويموتون ضلالا، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، وتولول منه الفتيا، وتبكي منه المواريث، ويحلل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، ويأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله. وروي انه صلوات الله عليه قال – بعد ذلك -: ايها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته، فان العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلى الله عليه واله فانى يتاه بكم ؟ ! بل أين تذهبون ؟ ! يامن نسخ من اصلاب أصحاب السفينة ! هذه مثلها فيكم فاركبوها، فكما نجى في هاتيك من نجى فكذلك ينجو في هذه من دخلها، انا رهين بذلك قسما حقا وما انا من المتكلفين، والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف، اما بلغكم ما قال فيكم نبيكم حيث يقول – في حجة الوداع -: ” اني تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” الا هذا عذب فرات فاشربوا منه، وهذا ملح اجاج فاجتنبوا. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال – لرأس اليهود -: على كم افترقتم ؟ فقال على كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه السلام: كذبت ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة: لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بانجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم. افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة، وهي: اتي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام. وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، احدى وسبعون فرقة في النار وواحدة بالجنة، وهي: التي اتبعت شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام. وتفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار


[ 392 ]

وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه واله، وضرب بيده على صدره ثم قال: ثلاثة عشر فرقة من الثلاث وسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي، وحبي، واحدة منها في الجنة، وهي: النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار. عن مسعدة بن صدقة، (1) عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: خطب امير المؤمنين عليه السلام فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ” كيف أنتم إذا لبستم إذا لبستم الفتنة، ينشؤ فيها الوليد، ويهرم فيها الكبير، ويجري الناس عليها حتى يتخذونا سنة، فإذا غير منها شئ قيل أتى الناس بمنكر، غيرت السنة، ثم تشتد البلية، وتنشؤ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، يتفقه الناس لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة “. ثم اقبل امير المؤمنين عليه السلام ومعه ناس من اهل بيته، وخاص من شيعته، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه واله ثم قال: لقد عمل الولاة قبلي بامور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي، حتى ابقى وحدي الا قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي وامامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة سلام الله عليها، ورددت صاع رسول الله ومده إلى ماكان، وأمضيت إلى قطايع كان رسول الله صلى الله عليه واله اقطعها للناس سنين، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته، وهدمتها واخرجتها من المسجد، ورددت الخمس إلى أهله، ورددت قضاء كل من قضى بجور، ورددت سبي ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض


(1) مستعدة بن صدقة: عده الشيخ الطوسى رحمه الله تعالى من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص 260 فقال: مسعدة بن صدقة: قال الشيخ رحمه الله: انه عامى، وقال الكشى انه بترى.

[ 393 ]

خيبر، ومحوت ديوان العطاء، واعطيت كما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه واله، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء. والله لقد امرت الناس: ان لا يجمعوا في شهر رمضان الا في فريضة، فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي: ” انعى الاسلام واهله غيرت سنة عمر ” ونهى ان يصلى في شهر رمضان في جماعة، حتى خفت ان يثور في ناحية عسكري على ما لقيت، ولقيت هذه الامة من ائمة الضلالة، والدعاة إلى النار. واعظم من ذلك سهم ذوي القربى، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه ” واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ” (1) وذلك لنا خاصة ان كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان، نحن والله عنى بذوي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا، اكرم الله سبحانه وتعالى نبيه واكرمنا ان يطعمنا اوساخ ايدي الناس. فقال له رجل: اني سمعت من سلمان، وأبي ذر، والمقداد، أشياء في تفسير القرآن والرواية عن النبي صلى الله عليه واله، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في ايدي الناس اشياء كثيرة في تفسير القرآن والاحاديث عن النبي صلى الله عليه اله وانتم تخالفونهم، وتزعمون ان ذلك باطل، فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي صلى الله عليه واله، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال: فاقبل علي عليه السلام عليه فقال له: سألت فافهم الجواب: ان في ايدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله وهو حي، حتى قام خطيبا فقال: ” ايها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “.


(1) الأنفال – 41

[ 394 ]

وانما اتاك بالحديث: أربعة رجال ليس لهم خامس. رجل منافق: مظهر للايمان، متصنع بالاسلام، لا يتأثم، ولا يتحرج، يكذب على رسول الله صلى الله عليه واله متعمدا، فلو علم الناس: انه منافق، كاذب، لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: ” صاحب رسول الله، رآه وسمع منه، ولقف عنه ” فيأخذون بقوله، وقد اخبرك الله تعالى عن المنافقين بما اخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده صلى الله عليه واله فتقربوا إلى ائمة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاما على رقاب الناس واكلوا بهم الدنيا، وانما الناس مع الملوك والدنيا، الا من عصم الله تعالى، فهذا أحد الأربعة. ورجل: سمع من رسول الله صلى الله عليه واله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه، ولم يتعمد كذبا فهو في يديه، يرويه، ويعمل به، ويقول: انما سمعت من رسول الله صلى الله عليه واله، فلو علم المسلمون انه وهم فيه، لم يقبلوه منه، ولو علم هو انه كذلك لرفضه. ورجل ثالث: سمع من رسول الله صلى الله عليه واله شيئا يأمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ، ولم يحفظ الناسخ، فلو علم انه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه انه منسوخ لرفضوه، وآخر لم يكذب على الله، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا لله تعالى، وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه واله، ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ وجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شئ موضعه، وعرف المتشابه والمحكم. وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه واله الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ماعنى الله تعالى به، ولا ماعنى به رسول الله صلى الله عليه واله فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه، ولا ما قصد به، وما خرج من


[ 395 ]

اجله، وليس كل اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله يسأله ويستفهمه، حتى ان كانوا ليحبون ان يجئ الأعرابي أو الطاري فيسأله صلى الله عليه واله حتى يسمعوا كلامه، وكان لا يمر بي من ذلك شئ الا سألته عنه، وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم، وعللهم في رواياتهم. وعن يحيى الحضرمي (1) قال سمعت عليا عليه السلام يقول: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه واله وهو نائم ورأسه في حجري. قيل لي: ما الدجال ؟ فاستيقظ النبي صلى الله عليه واله محمر وجهه، فقال: فيما انتم ؟ فقلت له: يارسول الله سألوني عن الدجال. فقال: لغير الدجال أنا أخوف عليكم من الدجال، الائمة الضالون المضلون يسفكون دماء عترتي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم. * * * جواب مسائل الخضر (ع) للحسن بن علي بن أبي طالب (ع) بحضرة أبيه (ع). عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (2) عن أبي جعفر بن محمد بن علي الثاني عليهم السلام قال:


(1) يحيى الحضرمي من أصحاب امير المؤمنين ” ع ” كان هو وابنه عبد الله من شرطة الخميس نقل ان امير المؤمين ” ع ” قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي – يوم الجمل – ابشر يابن يحيى: فانك وأباك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله ” ص ” باسمك واسم ابيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء: ” شرطة الخميس ” على لسان نبيه ” ص “. (2) ابو هاشم الجعفري: داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد الله بن جعفر بن ابى طالب رضى الله تعالى عنهم البغدادي وكان ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام، وقد شاهد منهم: الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري –

[ 396 ]

اقبل امير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليهما السلام، وسلمان الفارسي ” ره ” وامير المؤمنين عليه السلام متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، فأقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على امير المؤمنين عليه السلام، فرد عليه السلام فجلس ثم قال: يا امير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل، ان أخبرتني بهن علمت ان القوم ركبوا من أمرك ما افضى إليهم انهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم. وان يكن الاخرى علمت انك وهم شرع سواء. فقال امير المؤمنين عليه السلام: سلني عما بدالك. فقال: أخبرني، عن الرجل إذا نام اين تذهب روحه، وعن الرجل كيف يذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال ؟ فالتفت امير المؤمنين عليه السلام إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا أبا محمد أجبه فقال عليه السلام:


– وصاحب الأمر صلوات الله عليهم اجمعين، وكان منقطعا إليهم، وقد روى عنهم كلهم، وله اخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم ” ع ” منه قوله في أبى الحسن الهادى ” ع ” وقد اعتل: مادت الأرض بى وأدت فؤادى * واعترتنى موارد العرواء حين قيل الامام نضو عليل * قلت نفسي فدته كل الفداء مرض الدين لاعتلالك واعت‍ * – ل وغارت له نجوم السماء عجبا ان منيت بالداء والسقم * وأنت الامام حسم الداء أنت آسى الأدواء في الدين والد * نيا ومحيى الأموات والأحياء وكان مقدما عند السلطان، وكان ورعا، زاهدا، ناسكا، عالما، عاملا، ولم يكن أحد في آل أبى طالب ” ع ” مثله في زمانه في علو النسب، وذكر السيد ابن طاووس رحمه الله: انه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم، توفى في ج 1 سنة ” 261 ” عن الكنى والألقاب للقمى ج 1

[ 397 ]

اما ما سألت عنه من امر الانسان إذا نام اين تذهب روحه، فان: روحه متعلقة بالريح، والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فان اذن الله برد تلك الروح على صاحبها، جذبت تلك الروح الريح، وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت فسكنت في بدن صاحبها، وان لم يأذن الله عزوجل برد تلك الروح على صاحبها، جذبت الهواء الريح، فجذبت الريح الروح، فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث. واما ما ذكرت من امر الذكر والنسيان فان: قلب الرجل في حق، وعلى الحق طبق، فان صلى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق، فأضاء القلب، وذكر الرجل ماكان نسي، وان لم يصل على محمد وآل محمد، أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق، فاظلم القلب، ونسي الرجل ماكان ذكره. واما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فان: الرجل إذا اتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب، فاسكنت تلك النطفة جوف الرحم خرج الولد يشبه ابه وامه، وان هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادية، وبدن مضطرب، اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق: فان وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله. فقال الرجل أشهد ان لا إله إلا الله، ولم ازل اشهد بها، واشهد أن محمدا رسول الله، ولم ازل اشهد بذلك، واشهد انك وصي رسول الله القائم بحجته – واشار إلى امير المؤمنين عليه السلام – ولم ازل اشهد بها، واشهد انك وصيه والقائم بحجته – واشار إلى الحسن عليه السلام – واشهد ان الحسين بن علي وصي أبيك والقائم بحجته بعدك، واشهد على علي بن الحسين انه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد ابن علي عليه السلام انه القائم بأمر علي بن الحسين بعده، وأشهد على جعفر بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي بعده، وأشهد على موسى بن جعفر انه القائم بأمر جعفر بن


[ 398 ]

محمد بعده، واشهد على علي بن موسى الرضا بانه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده وأشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن موسى، واشهد على علي بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي انه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر امره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والسلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم قام فمضى. فقال امير المؤمنين للحسن: يا أبا محمد اتبعه فانظر اين يقصد. فخرج في أثره فقال: فما كان الا ان وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من ارض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فاعلمته. فقال عليه السلام: يا أبا محمد اتعرفه ؟ قلت، الله ورسوله وامير المؤمنين اعلم. قال: هو الخضر عليه السلام. * * * جوابه عن مسائل جائت من الروم ثم من الشام الجاري مجرى الاحتجاج بحضرة أبيه عليهما السلام. روى محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: بينا امير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون، فمن بين مستفتي، ومن بين مستعدي، إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت ؟ قال: انا رجل من رعيتك واهل بلادك.


(1) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته: محمد بن قيس ابو نصير – بالنون – الأسدى من أصحاب الصادق عليه السلام ثقة ثقة.

[ 399 ]

فقال له: ما أنت برعيتي واهل بلادي، ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي. فقال: الأمان يا امير المؤمنين. فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا ؟ قال: لا. قال: فلعلك من رجال الحرب ؟ قال: نعم. قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس. قال: انا رجل بعثني اليك معاوية متغفلا لك، أسألك عن شئ بعث به ابن الاصفر إليه. وقال له: ان كنت أحق بهذا الامر والخليفة بعد محمد فاجبني عما اسألك، فانك ان فعلت ذلك اتبعتك، وبعثت اليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب وقد اقلقه فبعثني اليك لأسألك عنها. فقال: امير المؤمنين عليه السلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد، وما اضله واعماه ومن معه، حكم الله بيني وبين هذه الامة، قطعوا رحمي، واضاعوا ايامي، ودفعوا حقي، وصغروا عظيم منزلتي، واجمعوا على منازعتي، يا قنبر علي بالحسن، والحسين، ومحمد، فاحضروا. فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله، وهذا ابني، فاسأل ايهم أحببت. فقال: اسأل ذا الوفرة يعني: الحسن عليه السلام فقال له الحسن عليه السلام: سلني عما بدا لك. فقال الشامي: كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ؟ فقال الحسن عليه السلام: بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو


[ 400 ]

الحق، وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا. فقام الشامي: صدقت. قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر، فمن قال لك غير هذا فكذبه. قال: صدقت يابن رسول الله. قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها، وتنظر إليها حين تغيب في مغربها. قال: صدقت. فما قوس قزح ؟ قال: ويحك لا تقل قوس قزح فان قزح اسم الشيطان، وهو قوس الله، وهذه علامة الخصب، وامان لأهل الأرض من الغرق. واما العين التى تأوي إليها ارواح المشركين فهى عين يقال لها: ” برهوت ” واما العين التى تأوي إليها ارواح المؤمنين فهي عين يقال لها: ” سلمى “. واما المؤنث فهو الذي لا يدرى اذكر ام انثى فانه: ينتظر به فان كان ذكرا احتلم، وان كان انثى حاضت، وبدا ثديها، والا قيل له: ” بل على الحايط ” فان اصاب بوله الحايط فهو ذكر، وان انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة. واما عشرة أشياء بعضها اشد من بعض فاشد شئ خلقه الله الحجر، واشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من النار الماء يطفي النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت. فقال الشامي: أشهد انك ابن رسول الله حقا، وان عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها إلى ابن الاصفر.


[ 401 ]

فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك، وتجيبني بغير جوابك، اقسم بالمسيح ماهذا جوابك، وما هو الا من معدن النبوة، وموضع الرسالة، واما انت فلو سألتني درهما ما أعطيتك. * * * احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على جماعة من المنكرين لفضله وفضل ابيه من قبل بحضرة معاوية. روي عن الشعبى وأبي مخنف (1) ويزيد بن أبى حبيب المصري (2) انهم


(1) ابو مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، ووجههم، كما عن النجاشي، وتوفى سنة ” 157 ” يروى عن الصادق عليه السلام، ويروى عنه هشام الكلبى، وجده مخنف بن سليم صحابي، شهد الجمل في اصحاب على ” ع ” حاملا راية الأزد، فاستشهد في تلك الواقعة سنة ” 36 ” وكان أبو مخنف من اعاظم مؤرخي الشيعة، ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير، وغيرهما، وليعلم ان لأبى مخنف كتبا كثيرة في التاريخ والسير منها: كتاب ” مقتل الحسين ” الذى نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدوا عليه، ولكن الأسف انه فقد ولا يوجد منه نسخة، واما المقتل الذى بايدينا وينسب إليه، فليس له، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين ومن أراد تصديق ذلك فليقابل مافى هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك، وقد بينت ذلك في: ” نفس المهموم ” في طرماح بن عدى والله العالم. الكنى والألقاب ج 1 ص 148 للشيخ عباس القمى (2) يزيد بن ابى حبيب: واسمه سويد الأزدي مولاهم أبو رجاء المصرى وقيل غير ذلك في ولائه قال ابن سعد: كان مفتى اهل مصر في زمانه وكان أول من اظهر العلم في مصر والكلام في الحلال والحرام، وقال الليث: يزيد بن ابى حبيب سيدنا وعالمنا وذكره ابن حيان في الثقاة، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث مات سنة ” 128 ” وقال غيره بلغ زيادة على ” 75 ” سنة. عن تهذيب التهذيب ج 11 ص 318 باختصار

[ 402 ]

قالوا: لم يكن في الاسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد ابن عقبة بن أبي معيط، والمغيرة بن أبي شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد. فقال عمرو بن العاص: لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره، فقد أحيى سنة أبيه، وخفقت النعال خلفه، امر فاطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان به إلى ما هو اعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وسببنا أباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه، فقال لهم معاوية: اني أخاف ان يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها، حتى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه، وهبت عتابه، واني ان بعثت إليه لانصفنه منكم. قال عمرو بن العاص: أتخاف ان يتسامى باطله على حقنا، ومرضه على صحتنا قال: لاقال: فابعث إذا إليه. فقال عتبة: هذا رأي لاأعرفه، والله ما تستطيعون ان تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم، وانه لاهل بيت خصم جدل، فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية. قال: ومن عنده ؟ قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمى كلا منهم باسمه. فقال الحسن عليه السلام: مالهم خر عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. ثم قال: يا جارية ابلغيني ثيابي. ثم قال: ” اللهم اني ادرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت، وانى شئت، من حولك وقوتك، يا ارحم الراحمين ” وقال للرسول: هذا كلام الفرج، فلما أتى معاوية رحب به، وحياه وصافحه. فقال الحسن عليه السلام: ان الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمن.


[ 403 ]

فقال معاوية: أجل ان هؤلاء بعثوا اليك وعصوني ليقروك: ان عثمان قتل مظلوما، وان أباك قتله، فاسمع منهم، ثم اجبهم بمثل ما يكلمونك، فلا يمنعك مكاني من جوابهم. فقال الحسن: فسبحان الله البيت بيتك والاذن فيه اليك ! والله لئن أجبتهم إلى ما ارادوا اني لأستحيى لك من الفحش، وان كانوا غلبوك على ما تريد، اني لاستحيى لك من الضعف، فبأيهما تقر، ومن ايهما تعتذر، واما اني لو علمت بمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشم مع اني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم، فان الله عزوجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم، فمرهم فليقولوا فأسمع، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم ان بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان ابن اختهم، والفاضل في الاسلام منزلة، والخاص برسول الله اثره، فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء، وطلبا للفتنة، وحسدا، ونفاسة، وطلب ما ليسوا باهلين لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الاسلام، فياذلاه ان يكون حسن وساير بني عبد المطلب قتلة عثمان، احياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج، مع ان لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني امية ببدر ثم تكلم عمرو بن العاص: فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اي ابن أبي تراب بعثنا اليك لنقررك ان أباك سم أبا بكر الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما، وادعى ما ليس له حق، ووقع فيه، وذكر الفتنة، وعيره بشأنها ؟ ثم قال: انكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليطيعكم الملك فتركبون فيه مالا يحل لكم، ثم انت يا حسن تحدث نفسك بانك كائن امير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك، ولا رأيه، وكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش، وذلك لسوء عمل أبيك، وانما دعوناك لنسبك وأباك.


[ 404 ]

ثم انك لا تستطيع ان تعيب علينا، ولا ان تكذبنا به، فان كنت ترى انا كذبناك في شئ، وتقولنا عليك بالباطل، وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم، والا فاعلم انك وأباك من شر خلق الله، فاما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به، واما أنت فانك في ايدينا نتخير فيك، والله ان لو قتلناك ماكان في قتلك اثم عند الله، ولا عيب عند الناس ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان، فكان اول ما ابتدأ به ان قال: يا حسن ان أباك كان شر قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائها وانك لمن قتلة عثمان، وان في الحق ان نقتلك به، وان عليك القود في كتاب الله عزوجل، وانا قاتلوك به، واما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا امره، واما رجاؤك الخلافة فلست فيها، لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك. ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال: يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه، حتى قتلتموه حرصا على الملك، وقطيعة للرحم، واستهلاك الامة، وسفك دمائها، حرصا على الملك، وطلبا للدنيا الخبيثة، وحبا لها، وكان عثمان خالكم، فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم، فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم اول من حسده وطعن عليه، ثم وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم. ثم تكلم المغيرة بن شعبة: فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه السلام ثم قال: يا حسن ان عثمان قتل مظلوما فلن لم يكن لأبيك في دلك عذر برئ، ولا اعتذر مذنب، غير انا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان، وايوائه لهم، وذبه عنهم، انه بقتله راض، وكان والله طويل السيف واللسان، يقتل الحي ويعيب الميت، وبنو امية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني امية، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية، وقد كان ابوك ناصب رسول الله صلى الله عليه واله في حياته وأجلب عليه قبل موته، واراد ؟ ؟ قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه واله ثم كره ان يبايع أبا بكر


[ 405 ]

حتى اتي به قودا، ثم دس عليه فسقاه سما فقتله، ثم نازع عمر حتى هم ان يضرب رقبته، فعمد في قتله، ثم طعن على عثمان حتى قتله، كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن: وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك، والله مادم علي بأخطر من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة. ثم سكت فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا، وآخركم بآخرنا، وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم. اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك ابدء يا معاوية: انه لعمر الله يا ازرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني، وسببتني، فحشا منك، وسوء رأي، وبغيا، وعدوانا، وحسدا علينا، وعدواة لمحمد صلى الله عليه واله، قديما وحديثا، وانه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا ان يتكلموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به. فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي، ولا تكتموا حقا علمتوه، ولا تصدقوا بباطل ان نطقت به، وسأبدء بك يا معاوية ولا أقول فيك الا دون ما فيك. أنشدكم بالله هل تعلمون ان الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالاولى كافر، وبالاخرى ناكث. ثم قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا، انه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه واله والمؤمنين، ومعك يا معاوية راية المشركين وانت تعبد اللات والعزى، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه واله فرضا واجبا، ولقيكم يوم احد ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، ولقيكم يوم الأحزاب


[ 406 ]

ومعه راية رسول الله صلى الله عليه واله، ومعك يا معاوية راية المشركين، كل ذلك يفلج الله حجته، ويحق دعوته، ويصدق احدوثته، وينصر رايته، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك. ثم انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حاصر بني قريضة وبني النظير، ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار فاما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا، واما عمر فرجع هاربا وهو يجبن ويجبن أصحابه ويجبنه اصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ” لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، ثم لا يرجع حتى يفتح الله عليه يديه ” فتعرض لها أبو بكر وعمر، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئد أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه واله فتفل في عينيه فبرأ من رمده، وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله، وانت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله. فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله، ورجل عادى الله ورسوله ثم اقسم بالله ما اسلم قلبك بعد، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب. انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة، وتكلم فيه المنافقون فقال: لا تخلفني يارسول الله فاني لم اتخلف عنك في غزوة قط، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: أيها الناس من تولاني فقد تولى الله، ومن تولى عليا فقد تولاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب عليا فقد احبني. ثم قال: انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال في حجة الوداع: أيها الناس اني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فاحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا


[ 407 ]

بما أنزل الله من الكتاب، واحبوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم على من عاداهم، وانهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة. ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا، ولا في السماء مصعدا، واجعله في اسفل درك من النار ؟ وانشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال له: انت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله ؟ انشدكم بالله أتعلمون انه دخل على رسول الله صلى الله عليه واله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى الله عليه واله فقال علي: ما يبكيك يارسول الله ؟ فقال: يبكيني اني اعلم: ان لك في قلوب رجال من امتي ضغائن، لا يبدونها لك حتى اتولى عنك ؟ انشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه اهل بيته قال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتى وعترتي، اللهم وال من ولاهم وعاد من عاداهم ” وقال: ” انما مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجى، ومن تخلف عنها غرق ؟ وانشدكم بالله أتعلمون: ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وحياته ؟ انشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من اصحاب رسول الله، فانزل الله عزوجل: ” يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ” (1) وكان عندهم علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الكتاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة،


(1) 87 – 88 – المائدة

[ 408 ]

نبأهم الله انهم مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدة اولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله، فاشهد لكم واشهد عليكم: انكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم وانشدكم بالله هل تعلمون: ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث اليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال: ” هو يأكل ” فأعاد الرسول اليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول ” هو يأكل ” فقال رسول الله ” اللهم لا تشبع بطنه ” فهي والله في نهمتك، واكلك إلى يوم القيامة ثم قال: انشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا انك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل احمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا: يوم الأحزاب، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق، فكان: أبوك الراكب، وأنت يا أزرق السائق، وأخوك هذا القاعد القائد ؟ انشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن اولهن: حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبه، واوعده، وهم ان يبطش به، ثم صرفه الله عزوجل عنه. والثانية: يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله. والثالثة: يوم احد قال رسول الله: الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم، فلعنه الله، وملائكته، ورسله، والمؤمنون اجمعون. والرابعة يوم حنين: يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن، وجاء عينية بغطفان واليهود، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، هذا: قول الله عزوجل انزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه كفارا، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه واله وعلى رأيه ودينه. والخامسة: قول الله عز وجل: ” والهدي معكوفا ان يبلغ محله ” (1) وصددت انت وابوك ومشركوا قريش رسول الله، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.


(1) الفتح – 25

[ 409 ]

والسادسة: يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عينية بن حصين بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والأتباع، والساقة إلى يوم القيامة. فقيل: يارسول الله اما في الاتباع مؤمن ؟ قال: لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع، اما القادة فليس فيهم مؤمن، ولا مجيب، ولا ناج. والسابعة: يوم الثنية، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه واله اثنا عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه واله وسائقه وقائده. ثم انشدكم بالله هل تعلمون ان أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقال: يابن اخي هل علينا من عين ؟ فقال: لا. فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة يا فتيان بني امية فوالذي نفس أبي سفيان بيده، مامن جنة ولا نار. وانشدكم بالله اتعلمون ان أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال: يابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور ! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وانتم رميم. فقال الحسين بن علي عليه السلام: قبح الله شيبتك، وقبح وجهك، ثم نتر يده وتركه، فلو لا النعمان بن بشير اخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك. فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع ان ترد علينا شيئا. ومن لعنتك يا معاوية ان أباك أبا سفيان كان يهم ان يسلم، فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم، تنهاه عن الاسلام وتصده. ومنها ان عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به، وولاك عثمان فتربصت به


[ 410 ]

ريب المنون، ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله: انك قاتلت عليا عليه السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه، وفضله وعلمه على امر هو أولى به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولاذيته بل أوطأت الناس عشوة، وارقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولا يخشى العقاب، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى، وعلي إلى خير منقلب، والله لك بالمرصاد. فهذا لك يا معاوية خاصة، وما امسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل. واما انت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك، ان تتبع هذه الامور فانما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكى فاني اريد ان انزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق علي نزولك. واني والله ما شعرت انك تجسر ان تعادى لي فيشق علي ذلك، واني لمجيبك في الذي قلت: ان سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه، أو يباعده من رسول الله، أو بسوء بلائه في الاسلام، أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا ؟ فان قلت واحدة منها فقد كذبت. واما قولك: ان لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني امية ببدر، فان الله ورسوله قتلهم، ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثم يقتل من نبي امية تسعة عشر وتسعه عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني امية لا يحصي عددهم الا الله، وان رسول الله صلى الله عليه واله قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا: اخذوا مال الله بينهم دولا، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا ثلثمائة وعشر حقت اللعنة عليهم ولهم، فإذا بلغوا اربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم اسرع من لوك تمرة، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ققال رسول الله: اخفضوا اصواتكم فان الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسول الله صلى الله عليه واله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الامة – يعني في المنام – فساءه ذلك وشق عليه، فانزل الله عزوجل في كتابه، ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة


[ 411 ]

للناس والشجرة الملعونة في القرآن ” (1) يعني: بني امية، وانزل ايضا ” ليلة القدر خير من الف شهر ” فأشهد لكم، واشهد عليكم، ما سلطانكم بعد قتل علي الا الف شهر التي اجلها الله عزوجل في كتابه. واما انت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، فانما أنت كلب أول امرك، ان امك بغية، وانك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وايل، كلهم يزعم انك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية، ثم قمت خطيبا وقلت: انا شاني محمد، وقال العاص بن وايل: ان محمدا رجل ابتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فانزل الله تبارك وتعالى: ” ان شانئك هو الأبتر ” وكانت امك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورجالهم وبطون اوديتهم ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة، وأشدهم له تكذيبا ثم كنت في أصحاب السفينة: الذين اتو النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السئ بك، وجعل جدك الاسفل، وابطل امنيتك، وخيب سعيك، واكذب احدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا. واما قولك في عثمان، فانت يا قليل الحياء والدين الهبت عليه نارا، ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر، فلما اتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولم نعاتبك على حبنا، وانت عدو لبني هاشم في الجاهلية والاسلام، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه واله بسبعين بيتا من شعر، فقال رسول الله: ” اللهم اني لا احسن الشعر، ولا ينبغي لى ان اقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت الف لعنة ” ثم انت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك اهديت إلى النجاشي الهدايا، ورحلت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الاولى عن


(1) يراجع المرشد

[ 412 ]

الثانية، كل ذلك ترجع مغلوبا، حسيرا، تريد بذلك هذاك جعفر وأصحابه، فلما أخطأك مارجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد. واما انت ياوليد بن عقبة فوالله ما ألومك ان تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر، ام كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن، وسماك فاسقا، وهو قول الله عزوجل: ” أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون ” (1) وقوله: ” ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” (2) وما أنت وذكر قريش وانما انت ابن علج من أهل صفورية اسمه: ” ذكوان ” واما زعمك انا قتلنا عثمان فوالله ما استطاع طلحة، والزبير، وعائشة، ان يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله انت، ولو سألت امك من أبوك إذ تركت ذكوان فالصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة، مع ما اعد الله لك ولأبيك ولامك من العار والخزي في الدنيا والآخرة، وما الله بظلام للعبيد. ثم أنت ياوليد والله اكبر في الميلاد ممن تدعى له، فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا الى من تدعى له، ولقد قالت لذلك امك ” يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة “. واما انت يا عتبة بن أبي سفيان: فوالله ما أنت بحصيف فاجاوبك، ولا عاقل فاعاقبك، وما عندك خير يرجى، وما كنت ولو سببت عليا لاعير به عليك، لأنك عندي لست بكفو لعبد علي بن أبي طالب فارد عليك، واعاتبك، ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وامك وأخيك لبالمرصاد، فانت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: ” عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * – إلى قوله – من جوع ” (3). واما وعيدك اياي ان تقتلني، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع


(1) السجدة – 18 (2) الحجرات – 6 (3) الغاشية – 3 – 6

[ 413 ]

حليلتك، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى الصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا، ولذلك حريا، إذ تسومني القتل وتوعدني به، ولا ألومك ان تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى اصلاهما الله على أيديهما نار جهنم واذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمك بأمر رسول الله. واما رجائي الخلافة، فلعمر الله ان رجوتها فان لي فيها لملتمسا، وما انت بنظير أخيك، ولا بخليفة ابيك، لأن أخاك اكثر تمردا على الله، وأشد طلبا لاهراقه دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكر الله والله خير الماكرين. واما قولك: قولك: ” ان عليا كان شر قريش لقريش ” فوالله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما. واما انت يا مغيرة بن شعبة ! فانك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيه مكذب وأنا الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فاخر رجمك، ودفع الحق بالأباطيل، والصدق بالأغاليط (1) وذلك لما اعد الله لك


(1) اشار الامام عليه السلام في كلامه هذا إلى ما اشتهر وفاضت به السير والتواريخ صراحة أو تلميحا، من ان المغيرة بن شعبة زنا بام جميل حين كان واليا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب، وكتبوا بذلك إلى الخليفة، فكتب إليه والى الشهود جميعا ان يحضروا عنده، فلما قدموا صفهم، ودعا أبا بكرة، فاثبت الشهادة وقال: انه رآه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة و (قال): لكأنى انظر إلى أثر الجدرى بفخذ المرأة، ثم دعا نافعا وشبل بن معبد فشهدا بمثل ما شهد به ابو بكرة ثم دعا زيادا وهو الشاهد الرابع وقال له: ” انى لأرى وجه رجل ما كان الله يخزى رجلا من المهاجرين بشهادته، أو قال: ” أما انى أرى رجلا ارجو ان لا يرجم رجل من اصحاب رسول الله على يده ولا يخزى بشهادته ” يوحى بذلك إلى زياد بالعدول عن الشهادة ليدرأ الحد عن المغيرة، فقال شبل بن معبد ثالث الشهود: أفتجلد شهود الحق، وتبطل الحد أحب اليك يا عمر ؟ ! فقال عمر – لزياد -: ما تقول ؟ فقال: قد رأيت منظرا قبيحا، ونفسا –

[ 414 ]

من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة اخزى، وانت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله حتى ادميتها والقت ما في بطنها، استدلالا منك لرسول الله صلى الله عليه واله ومخالفة منك لأمره، وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله صلى الله عليه واله: ” يا فاطمة انت سيدة نساء أهل الجنة ” والله مصيرك إلى النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك، فباي الثلاثة سببت عليا، انقصا في نسبه، أم بعدا من رسول الله، ام سوء بلاء في الاسلام، ام جورا في حكم، ام رغبة في الدنيا ؟ ! ان قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس، اتزعم ان عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما ؟ ! فعلي والله اتقى وانقى من لائمه في ذلك، ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلوما فوالله ما انت من ذلك في شئ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا، وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا، وتحيى امر الجاهلية، وتميت الاسلام، حتى كان ما كان في امس. واما اعتراضك في بني هاشم وبني امية فهو ادعاءك إلى معاوية. واما قولك في شأن الامارة وقول اصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر اربعمائة سنة، وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما السلام يلقيان ما يلقيان من الاذى، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر، وقال الله: ” وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ” وقال: ” وإذا اردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا “.


– عاليا ولقد رأيته بين فخذي المرأة ولا ادرى هل كان خالطها ام لا ؟ فقال عمر: الله اكبر فقال: المغيرة: الله اكبر، الحمد لرب الفلق، والله لقد كنت علمت انى سأخرج عنها سالما. فقال له عمر: اسكت فوالله لقد رأوك بمكان سوء، فقبح الله مكانا رأوك فيه، وأمر بجلد الشهود الثلاثة. فقال نافع: انت والله يا عمر جلدتنا ظلما، انت رددت صاحبنا ان يشهد بمثل شهادتنا، اعلمته هواك فاتبعه، ولو كان تقيا لكان رضى الله والحق عنده آثر من رضاك فلما جلدابا بكرة قام وقال: اشهد لقد زنى المغيرة، فأراد عمران يجلده ثانيا فقال: امير المؤمنين على عليه السلام: ان جلدته رجمت صاحبك.

[ 415 ]

ثم قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول: ” الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ” هم والله يا معاوية: انت واصحابك هؤلاء وشيعتك، ” والطيبون للطيبات – اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ” ثم: علي بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وشيعته. ثم خرج وهو يقول لمعاوية: ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت، ما قد اعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الاليم في الآخرة. فقال معاوية لأصحابه: وانتم فذوقوا وبال ما جنيتم. فقال الوليد بن عقبة: والله ماذقا الا كما ذقت، ولا اجترأ الا عليك. فقال معاوية: ألم اقل لكم انكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا اطعتموني اول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم، فوالله ما قام حتى اظلم علي البيت، وهممت ان اسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم. قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي عليهما السلام، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله ؟ قالوا: قد كان كذلك. فقال لهم مروان: أفلا احضرتموني ذلك. فوالله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الآماء والعبيد. فقال معاوية والقوم: لم يفتك شئ وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش فقال مروان: فارسل إليه يا معاوية فارسل معاوية إلى الحسن بن علي. فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام ما يريد هذا الطاغية مني ؟ والله ان اعاد الكلام لاوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة، فاقبل الحسن فلما جائهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير ان المروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن عليه السلام حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص.


[ 416 ]

ثم قال الحسن لمعاوية: لم ارسلت الي ؟ قال: لست انا ارسلت اليك ولكن مروان الذي ارسل اليك. فقال مروان: انت يا حسن السباب لرجال قريش ؟ فقال له الحسن: وما الذي اردت ؟ فقال مروان: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الاماء والعبيد. فقال الحسن عليه السلام: اما أنت يامروان فلست انا سببتك ولا سببت اباك، ولكن الله عزوجل لعنك ولعن اباك، وأهل بيتك، وذريتك، وما خرج من صلب ابيك إلى يوم القيامة، على لسان نبيه محمد والله يامروان ما تنكر انت ولا احد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه واله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يامروان بما خوفك الا طغيانا كبيرا، وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى: ” والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا ” وانت يامروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله عزوجل. فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال: يا أبا محمد ماكنت فحاشا ولا طياشا، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام فخرج، فتفرق القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة. * * * مفاخرة الحسن بن علي صلوات الله عليهما على معاوية ومروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان. قيل: وفد الحسن بن علي عليهما السلام على معاوية فحضر مجلسه، وإذا عنده هؤلاء القوم، ففخر كل رجل منهم على بني هاشم، ووضعوا منهم، وذكروا اشياء ساءت الحسن بن علي وبلغت منه. فقال الحسن بن علي عليه السلام: انا شعبة من خير الشعب، وآبائي اكرم العرب، لنا الفخر والنسب، والسماحة عند الحسب ونحن من خير شجرة، انبتت


[ 417 ]

فروعا نامية، واثمارا زاكية، وابدانا قائمة، فيها أصل الاسلام، وعلم النبوة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع بنا العز، ونحن بحور زاخرة لا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر. فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك، وشمخت بانفك، هيهات هيهات يا حسن، نحن والله الملوك السادة، والاعزة القادة، لاتبجحن فليس لك عز مثل عزنا، ولا فخر كفخرنا، ثم أنشأ يقول: شفينا انفسا طابت وقورا * فنالت عزها فيمن يلينا فابنا بالغنيمة حيث ابنا * وابنا بالملوك مقرنينا ثم تكلم مغيرة بن شعبة فقال: نصحت لابيك فلم يقبل النصح، ولو لا كراهية قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشام، فكان يعلم أبوك اني اصدر الوارد عن مناهلها، بزعارة قيس، وحلم ثقيف، وتجاربها للامور على القبائل. فتكلم الحسن عليه السلام فقال: يامروان أجبنا، وخورا، وضعفا، وعجزا، زعم اني مدحت نفسي، وانا ابن رسول الله، وشمخت بانفي وانا سيد شباب أهل الجنة وانما يبذخ ويتكبر ويلك من يريد رفع نفسه، ويتبجح من يريد الاستطالة، فأما نحن فأهل بيت الرحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الايمان، ورمح الاسلام، وسيف الدين، ألا تصمت ثكلتك امك قبل ان ارميك بالهوائل، وأسمك بميسم تستغني به عن اسمك، فاما ايابك بالنهاب والملوك أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوما، وانخجرت مذعورا، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته، قبحا لك ما اغلظ جلدة وجهك. فنكس مروان رأسه، وبقي مغيرة مبهوتا، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال: اعور ثقيف ما انت من قريش فافاخرك، اجهلتني يا ويحك ؟ ! انا ابن خيرة الاماء، وسيدة النساء، غذانا رسول الله صلى الله عليه واله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمنا تأويل القرآن، ومشكلات الأحكام، لنا العزة العليا، والفخر والسناء، وانت من قوم لم يثبت هم في الجاهلية نسب، ولا لهم في الاسلام نصيب، عبد آبق، ماله


[ 418 ]

والافتخار عند مصادمة الليوث، ومجاحشة الأقران، نحن السادة، ونحن المذاويد القادة، نحمي الذمار، وننفي عن ساحتنا العار، وانا ابن نجيبات الأبكار، ثم اشرت زعمت إلى خير وصي خير الانبياء، وكان هو بعجزك ابصر، وبجورك اعلم وكنت للرد عليك منه اهلا لو عزك في صدرك، وبدو الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتخذ المضلين عضدا، وزعمك انك لو كنت بصفين بزعارة قيس، وحلم ثقيف، فبماذا ثكلتك امك ؟ أبعجزك عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات ؟ اما والله لو التفت عليك من امير المؤمنين الأجاشع، لعلمت انه لا يمنعه منك الموانع، ولقامت عليك المرنات الهوالع. واما زعارة قيس: فما انت وقيسا ؟ انما أنت عبد ابق فثقف فسمي ثقيفا، فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من رجالها، انت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب اعرف منك بالحروب. فاما الحلم فأي الحلم عند العبيد القيون ؟ ثم تمنيت لقاء امير المؤمنين عليه السلام فذاك من قد عرفت: اسد باسل، وسم قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطعن والمخالسة فكيف ترومه الضبعان، وتناله الجعلان، بمشيتها القهقري. واما وصلتك: فمنكورة، وقربتك فمجهولة، وما رحمك منه الا كبنات الماء من خشفان الظباء، بل انت أبعد منه نسبا. فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية: اعذرنا من بني امية ان تجاوزنا بعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد. فقال معاوية: ارجع يا مغيرة، هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصناديد، ولا تفاخرهم المذاويد. ثم اقسم على الحسن عليه السلام بالسكوت فسكت. وروي ان عمرو بن العاص قال لمعاوية: ابعث إلى الحسن بن علي فمره ان يصعد المنبر ويخطب الناس، فلعله ان يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كل محفل، فبعث إليه معاوية فاصعده المنبر، وقد جمع له الناس، ورؤساء اهل الشام


[ 419 ]

فحمد الله الحسن صلوات الله عليه واثنى عليه، ثم قال: ايها الناس من عرفني فانا الذي يعرف، ومن لم يعرفني فانا الحسن بن علي بن ابي طالب، ابن عم نبي الله، أول المسلمين اسلاما، وامي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله، وجدي محمد بن عبد الله نبي الرحمة، انا ابن البشير، انا ابن النذير، انا ابن السراج المنير، انا ابن من بعث رحمة للعالمين، انا ابن من بعث إلى الجن والانس أجمعين، فقطع عليه معاوية فقال، يا ابا محمد خلنا من هذا وحدثنا في نعت الرطب اراد بذلك تخجيله. فقال الحسن عليه السلام: نعم التمر الريح تنفخه، والحر ينضجه، والليل يبرده ويطيبه. ثم اقبل الحسن عليه السلام: فرجع في كلامه الأول فقال: انا ابن مستجاب الدعوة انا ابن الشفيع المطاع، انا ابن أول من ينفض عن رأسه التراب، انا ابن من يقرع باب الجنة فيفتح له فيدخلها، انا ابن من قاتل معه الملائكة، واحل له المغنم ونصر بالرعب من مسيرة شهر فاكثر، في هذا النوع من الكلام، ولم يزل به حتى اظلمت الدنيا على معاوية، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ثم نزل فقال له معاوية: اما انك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة، ولست هناك، فقال الحسن عليه السلام: اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه واله، وعمل بطاعة الله عزوجل، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا اما وابا، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك امر ملك اصاب ملكا فتمتع منه قليلا، وكان قد انقطع عنه، فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: ” وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ” ” متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ” ” وما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون ” وأومى بيده إلى معاوية، ثم قام فانصرف. فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت الا شيني حين امرتني بما امرتني، والله ماكان يرى اهل الشام ان احدا مثلي في حسب ولا غيره، حتى قال الحسن عليه السلام ما قال، قال عمرو: وهذا شئ لا يستطاع دفنه، ولا تغييره،


[ 420 ]

لشهرته في الناس، واتضاحه، فسكت معاوية وروي الشعبي ان معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقام الحسن بن علي فخطب وحمد الله واثنى عليه ثم قال: انه لم يبعث نبي الا جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي الا وله عدو من المجرمين، وان عليا عليه السلام كان وصي رسول الله من بعده، وانا ابن علي، وانت ابن صخر، وجدك حرب، وجدي رسول الله، وامك هند وامي فاطمة، وجدتي خديجة وجدتك نثيله، فلعن الله ألأمنا حسبا، وأقدمنا كفرا، واخملنا ذكرا، واشدنا نفاقا، فقال عامة أهل المجلس: آمين. فنزل معاوية فقطع خطبته وروي انه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: ان الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته ان يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس واعينهم، فابى عليهم وابو عليه الا ان يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اما بعد ايها الناس فانكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي فقام الحسن بن علي فخطب وحمد الله واثنى عليه ثم قال: انه لم يبعث نبي الا جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي الا وله عدو من المجرمين، وان عليا عليه السلام كان وصي رسول الله من بعده، وانا ابن علي، وانت ابن صخر، وجدك حرب، وجدي رسول الله، وامك هند وامي فاطمة، وجدتي خديجة وجدتك نثيله، فلعن الله ألأمنا حسبا، وأقدمنا كفرا، واخملنا ذكرا، واشدنا نفاقا، فقال عامة أهل المجلس: آمين. فنزل معاوية فقطع خطبته وروي انه لما قدم معاوية الكوفة قيل له: ان الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته ان يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس واعينهم، فابى عليهم وابو عليه الا ان يأمره بذلك فأمره، فقام دون مقامه في المنبر، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: اما بعد ايها الناس فانكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي، وانا اعطينا صفقتنا هذا الطاغية – واشار بيده إلى اعلى المنبر إلى معاوية – وهو في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر ورأينا حقن دماء المسلمين افضل من اهراقها، وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، واشار بيده إلى معاوية. فقال له معاوية: ما اردت بقولك هذا ؟ فقال: ما اردت به الا ما اراد الله عزوجل، فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة، فسب فيها امير المؤمنين عليه الصلاة السلام، فقام إليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال له – وهو على المنبر -: ويلك يابن آكلة الأكباد أو انت تسب أمير المؤمنين عليه السلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالدا فيها مخلدا وله عذاب مقيم ” ؟ ثم انحدر الحسن عليه السلام عن المنبر ودخل داره، ولم يصل هناك بعد ذلك ابدا تم الجز الاول من كتاب الاحتجاج بحمد الله ومنه ويتلوه بمن الله وعونه الجزء الثاني

اترك تعليقاً