مناقب آل أبي طالب

ابن شهر آشوب ج 1


[ 1 ]

مناقب آل أبى طالب تأليف الامام الحافظ ابن شهر اشوب مشير الدين أبى عبد الله محمد بن على بن شهر اشوب ابن أبى نصر بن أبى حبيشى السروى المازندرانى المتوفى سنة 588 ه‍ قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الاشرف الجزء الاول من ثلاثة أجزاء قام بطبعه محمد كاظم الكتبى صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية وله حقوق الطبع محفوظة 1376 ه‍ 1956 م طبع في المطبعة الحيدرية في النجف


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * (القرآن الكريم)


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت فهو يشفيني، والذي يميتني ثم يحييني، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، وصلى الله على سيدنا نبيه محمد خاتم النبيين، وعلى أخيه ووصيه وبعل ابنته أمير المؤمنين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. قال محمد بن علي بن شهر اشوب المازندراني: لما رأيت كفر العداة والشراة (1) بأمير المؤمنين، ووجدت الشيعة والسنة فيه مختلفين، وأكثر الناس عن ولاء أهل البيت ناكصين، وعن ذكرهم هاربين، وفي علومهم طاعنين، ولمحبتهم كارهين، انتبهت من نومة الغافلين، وصار لي ذلك لطفا الى كشف الاحوال، والنظر في اختلاف الاقوال، فإذا هو مما روته العامة من أحاديث مختلفة، وأخبار مضطربة، عن الناكثين والقاسطين والمارقين والخاذلين والواقفين والضعفاء والمجروحين والخوارج والشاكين (وما آفة الاخبار إلا رواتها) فإذا هم مجتمعون على إطفاء نور الله تعالى، ألا ترى أن أزكاهم قد ألقى حديث الخاتم وقصة الغدير وخبر الطير وآية التطهير، وان أنصفهم قد كنتم حديث الكهف والاجابة والتحف والارتقاء، وان خيرهم قد طعن في حديث: أنا مدينة العلم، وحديث اللوح، وان أشهرهم قد توقف عن حديث الوصية وتأويل: يوفون بالنذر ونعم المطية. فقلت: ان هذا لشئ عجاب، أفبهذا الحديث أنتم مدهنون فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون، ووجدت جماعة يؤولون الاخبار الجممع عليها نحو (إنما وليكم الله ورسوله)، و: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، و: اني تارك فيكم الثقلين ]


(1) الشراة كقضاة هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الامام علي في حرب صفين، وانما لزمهم هذا اللقب لزعمهم بأنهم شروا دنياهم بالآخرة التى باعوا (*).

[ 4 ]

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وغلوا (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم)، وجماعة جعلوا مقابل كل حق باطلا، وبازاء كل مقال قائلا مثل: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكان أحب الناس الى رسول الله من الرجال علي، ومن النساء فاطمة، وغروا الجاهل بمقالات باطلة (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليد حضوا به الحق وقد ضلوا ضلالا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) وجماعة زادوا في الاخبار أو نقصوا منها نحو: من كنت مولاه فعلي مولاه، ولا يقولون ما بعده من الدعاء، و: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، ولا يذكرون: ولو كان لكنت، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ولا يروون: وأبوهما خير منهما. وروى بعضهم (1) عن علي عليه السلام انه قال لعمر بن الخطاب: أما علمت ان القلم رفع عن الجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ. فترك أول الحديث وهو: ان عمرا هم أن يقيم الحد على مجنونة زنت، وترك الخبر وهو قول عمر: قد كدت أهلك بحد هذه المجنونة (فمن بدله بعدما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه). وجماعة نقلوا مناقبهم الى غيرهم كحديث سد الابواب، وصالح المؤمنين، والاسم المكتوب (2) على العرش، وتسليم جبرئيل. يروي مناقب فضلها أعداؤها * أبدا ويسندها الى أضدادها (3) (الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله اولئك في ضلال بعيد). وجماعة يجرحون (4) رواة المناقب ويطعنون في ألفاظها، ويقدحون في معانيها، ويعدلون الخوارج فيما حملوا من فضائل أعدائهم مما لا يقبلها العقل، ولا يضبطها النقل إذا ماروى الراوون الف فضيلة * لاصحاب مولانا النبي محمد يقولون هذا في الصحيحين مثبت * بخط الامامين الحديث فسدد ومهما روينا في علي فضيلة * يقولون هذا من أحاديث ملحد


(1) هذا الراوى هو البخاري. (2) روى ذلك: البخاري والواقدي والواحدي. (3) هذا البيت للسيد الرضي عليه الرحمة. (4) من هؤلاء الجارحين أبو عمرو الجاحظ الكاتب المشهور (*).

[ 5 ]

(سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب مما كانوا يصدفون). وجماعة يذكرون أكثر المناقب مثل حديث الحباب (1) والثعبان والاسد والجان (2) والسفرجل (3) والرمان، فيقولون: هذا إفك قديم وبهتان عظيم. إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه وفاطمة الزكيه يقول الحاضرون ذروا فهذا * سقيم من حديث الرافضية (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله). وجماعة جعلت الامة من آل محمد والصحابة من العترة (4) والنساء من أهل البيت وأنكرت (5) أن يكون أولاد الرسول ذريته وآله. قال الباقر عليه السلام: (فبدل الذين ظلموا) في آل محمد (قولا غير الذي قيل لهم) وذلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها بل إذا زل العالم يزل بزلته العالم. وجماعة من السفساف حملهم العناد على أن قالوا: كان أبو بكر أشجع من علي، وان مرحبا قتله محمد بن مسلمة، وان ذا الثدية (6) قتل بمصر، وان في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميرا على علي، وربما قالوا: قراها أنس بن مالك، وان محسنا ولدته فاطمة في زمن النبي صلى الله عليه وآله سقطا، وان النبي قال (7): ان بني هشام بن المغيرة استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، وان صدقة النبي كانت بيد علي والعباس فمنعها علي عباسا فغليه عليها (ومن ركب الباطل زلت قدمه وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين). وجماعة جاهروهم بالعداوة، كما طعن النظام في أحكامه عليه السلام في كتابيه: الفتيا والنكت. وكقول الجاحظ: ليس ايمان علي بايمان لانه آمن وهو صبي ولا شجاعته بشجاعة لان النبي قد أخبره انه يقتله ابن ملجم. ونسبه جماعة الى ان حروبه كانت خطأ وانه قتل المسلمين عمدا. وقول هشيم: كان لعلي ولد صغار


(1) يروي ذلك أبو داود السجستاني. (2) يشير الى هذا أحمد بن حنبل. (3) يريد بذلك الراوية المعروف ابن شاهين. (4) ممن قال بذلك عكرم المفسر. (5) ممن أنكر ذلك الحجاج بن يوسف والي الاموريين على العراق وقد شدد النكير على آل لرسول ؟ (6) في القاموس: ذوالثدية كسنية لقب عمرو بن عبدود قتيل علي بن أبى طالب كرم الله وجهه (7) ذكر ذلك البخاري وابن شاهين (*).

[ 6 ]

وقد قتل الحسن (ع) ابن ملجم ولم ينتظر به. وقول القتبي: أول خارجي في الاسلام الحسين (ع) (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال بعيد). ولعمري ان هذا لامر عظيم، وخطب في الاسلام جسيم، بل هو كما قال الله تعالى: (ان هذا لهو الضلال المبين)، فصار الغوغاء يزعقون على المحدثين والمذكرين في ذكرهم عليا عليه السلام حتى قال الشاعر: إذا ما ذكرنا من علي فضيلة * رمينا بزنديق وبغض أبي بكر وقال الآخر: وان قلت عينا من علي تغامزوا * علي وقالوا قد سببت معاويه (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم). وبقي علماء الشيعة في امورهم تائهين، وعلى أنفسهم خائفين، وفي الزوايا منحجرين، بل حالهم كحال الانبياء والمرسلين، كما حكى الله تعالى عن الكافرين: (لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين * لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين * لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا * وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا). فقلت: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). فعلى من يعتمد، والى رواية من يستند، فالكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الاهوال، ولا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا يحبون الناصحين، ولا خير في الكذابين، ولا العلماء الافاكين، لقد قل من يوثق به، وعز من يؤخذ عنه. فنظرت بعين الانصاف، ورفضت مذهب التعصب في الخلاف، وكتبت على نفسي ان اميز الشبهة من الحجة، والبدعة من السنة، وافرق بين الصحيح والسقيم، والحديث والقديم، واعرف الحق من الباطل، والمفضول من الفاضل، وأنصر الحق وأتبعه، وأقهر الباطل وأقمعه، وأظهر ما كتموا، وأجمع ما فرقوا، وأذكر ما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، على ما أدته الرواية، وأشير الى ما رواه الخاصة (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معا لانه إذا اتفق المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما، وشاهد للمحق في اعتقاده منهما، وإذا اعتقدت فرقة خلاف ماروت ودانت بضد ما نقلت وأخبرت، فقد أخطأت، وإلا فلم يروي الانسان ما هو كذب عنده ؟ ويشهد بما يعتقد فيه ضده ؟ وكيف


[ 7 ]

وكيف يعترف بما يحتج به خصمه، ويسطر ما يخالفه علمه ! ولا عجب في رواياتهم مما هو حجة عليهم (1) فقد أنطقهم الله الذي أنطق كل شئ، وان كان الشيطان يثبت غروره فقد يأبى الله إلا أن يتم نوره. فوفقت في جمع هذا الكتاب، مع اني أقول: مالي وللتصنيف والتأليف، مع قلة البضاعة، وعظم شأن هذه الصناعة، إلا انني في ذلك بمنزلة رجل وجد جوهرا منثورا، فاتخذ له عقدا منظوما، وكم دنف نجا، وصحيح هوى، وربما أصاب الاعمى قصده، وأخطأ البصير رشده. وذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم والديانة بالسماع والقراءة والمناولة والمكاتبة والاجازة، فصحت لي الرواية عنهم بأن أقول: حدثني، وأخبرني، وأنباني، وسمعت، واعترف لي بأنه سمعه ورواه كما قرأته وناولني من طرق الخاصة. وأما طرق العامة فقد صح لنا اسناد البخاري عن أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعد الفراري (2) وعن أبي عثمان سعيد بن عبد الله العيار الصعلوكي، وعن الخبازى، كلهم عن أبي الهيثم الكشميهني (3) عن أبي عبد الله محمد الفريري عن محمد بن اسماعيل بن المغيرة البخاري، وعن أبي الوقت عبد الاول بن عيسي السجري عن الداودي عن السرخسي عن الفريري عن البخاري. اسناد مسلم عن الفراري عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي النيسابوري عن أبي أحمد محمد بن عمرويه الجلودي عن أبي اسحاق ابراهيم بن محمد الفقيه عن أبي الحسين مسلم بن حجاج النيسابوري (4). اسناد الترمذي عن أبي سعيد محمد بن أحمد الصفار الاصفهاني عن أبي القاسم الخزاعي عن أبي سعيد بن كليب الشاشي عن أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (5).


(1) نقل عن البخاري انه قال: صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته من ستمائة الف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقد توفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين ه‍ (2) نسبة الى بلد بخراسان. (3) كشميهنة: بضم الكاف وكسر الميم وفتح الهاء قرية من قرى مرو. (4) أبو الحسين مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري توفي سنة 161 ه‍. (5) أبو عيسى محمد بن السلمي الترمذي كان من تلامذة البخاري توفي بترمذ سنة 179 ه‍ (*).

[ 8 ]

اسناد الدارقطني (1) عن أبي بكر محمد بن علي بن محمد بن ياسر الجبائي عن المنصوري عن أبي الحسن المهراني عن أبي الحسن علي بن مهدي الدارقطني. اسناد معرفة اصول الحديث عن عبد اللطيف بن أبي سعيد البغدادي الاصفهاني عن أبي علي الحداد عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ابن البيع. اسناد الموطا عن القعنبي وعن معن عن يحيى بن يحيى من طريق محمد بن الحسن عن مالك بن أنس (2). اسناد مسند أبي حنيفة (3) عن أبي القاسم بن صفوان الموصلي عن أحمد بن طوق عن نصر بن المرجى عن أبي القاسم الشاهد العدل البغار. اسناد مسند الشافعي عن الجياني عن أبي القاسم الصوفي عن محمد بن علي الساوي عن أبي العباس الاصم عن الربيع عن محمد بن ادريس (4) الشافعي. اسناد مسند أحمد والفضائل عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجي عن الحسن بن علي المذهب عن أبي بكر بن مالك القطيفي عن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل (5) عن أبيه اسناد مسند أبى يعلى عن أبى القاسم الشحامي عن أبى سعيد الكنجرودي عن أبى عمرو الحيري عن أبى يعلى أحمد بن المثنى الموصلي. اسناد تاريخ الخطيب عن عبد الرحمن بن بهريق القزاز البغدادي عن الخطيب أبى بكر ثابت البغدادي. اسناد تاريخ النسوي عن أبى عبد الله المالكي عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان عن درستويه النحوي عن يعقوب بن صفوان النسوي. اسناد تاريخ الطبري عن القطيفي عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن محمد باسناده عن محمد بن جرير بن بريد الطبري.


(1) الدارقطني نسبة الى محلة ببغداد، توفي في شهر ذى الحجة سنة 385 ه‍. (2) مالك بن أنس الاصبحي المدنى، وقيل: القرشي النميمي صاحب كتاب الموطا في الفقه وأحد الائمة الاربع توفي في شهر ربيع الاول سنة 179 ه‍ بعد أن عاش أربعا وثمانين ودفن في البقيع (3) أبو حنيفة النعمان بن ثابت أحد الائمة الاربع أصله من فارس توفي سنة 150 ه‍ ببغداد وله سبعون سنة. (4) محمد بن ادريس بن عباس بن عثمان بن الشافع المطلبى أحد الائمة ومجدد المذهب على رأس المائتين ولد يوم وفاة أبي حنيفة ومات سنة 204 ه‍ وله أربع وخمسون سنة. (5) أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزى نزيل بغداد وأحد الاربع، توفي سنة 241 ه‍ وله من العمر 77 سنة ودفن ببغداد (*). ” مناقب ج 1، م 1 “

[ 9 ]

وهذا اسناد تاريخ أبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. اسناد تاريخ علي بن مجاهد عن القطيفي عن السلمي عن أبي الحسن علي بن محمد دلوية (1) القنطري عن المأمون بن أحمد عن عبد الرحمن بن محمد الدجاج عن ابن جريح عن مجاهد. اسناد تاريخي أبي علي الحسن البيهقي السلامي وأبي علي مسلويه عن أبي منصور محمد بن حفدة العطاري الطوسي عن الخطيب أبي زكريا التبريزي باسناده اليهما. اسناد كتابي المبتدا عن وهب بن منبه اليماني عن أبي حذيفة حدثنا القطيفي عن الثعلبي عن محمد بن الحسن الازهري عن الحسن بن محمد العبدي عن عبد المنعم بن ادريس عنهما. اسناد الاغاني عن الفصيحي عن عبدالقاهر الجرجاني عن عبد الله بن حامد عن محمد ابن محمد عن علي بن عبد العزيز اليماني عن أبي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني. وهذا اسناد فتوح الاعثم الكوفي. اسناد سنن السجستاني عن أبي الحسن الابنوسي عن أبي العباس بن علي التستري عن الهاشمي عن اللؤلؤي عن أبي داود سليمان بن الاشعث السجستاني. اسناد سنن اللالكائي (2) عن أبي بكر احمد بن علي الطرثيثى عن أبي القاسم هبة الله بن المحسن الطبري اللالكائى. اسناد سنن ابن ماجه عن ابن الناصر البغدادي عن المقري (3) القزويني عن ابن أبى طلحة (4) بن المنذر عن أبى الحسن القطان عن أبى عبد الله الرقي عن أبى القاسم ابن أحمد الخزاعي عن الهيثم بن كليب الشاشي عن أبى عيسى الترمذي. وهذا اسناد شرف المصطفى عن أبى سعيد الخركوشي. اسناد حلية الاولياء عن عبد اللطيف الاصفهانى عن أبى علي الحداد عن أبى نعيم اسناد احياء علوم الدين عن أحمد بن محمد الغزالي عن أخيه أبى حامد محمد بن محمد ابن محمد الغزالي الطوسي.


(1) كذا في الاصل والظاهر ان العبادة هكذا عن دلوية. قال ابن حجر في التقريب: دلوية لقب زياد بن أيوب الطوسي وكان يغضب من اللقب ثقة حافظ من العاشرة توفي سنة 252 ه‍. (2) اللالكائى بهمزة في الآخر، هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري (3) في نسخة: عن المقرمي. (4) في نسخة: عن أبى طلحة (*).

[ 10 ]

اسناد العقد عن محمد بن منصور السرخسي عمن رواه عن ابن عبدربه الاندلسي. اسناد فضائل السمعاني عن شهر اشوب بن أبى نصر بن أبى الجيش السروي جدي عن أبى المظفر عبد الملك السمعاني. اسناد فضائل ابن شاهين عن أبى عمرو الصوفي عن القاضي عن أبى محمد المرندي عن أبى حفص عمر بن شاهين المروزي. اسناد فضائل الزعفراني عن يوسف بن آدم المراغي مسندا الى محمد بن الصباح الزعفراني. اسناد فضائل العكبري عن أبي منصور ما شادة الاصفهاني (1) عن مشيخته عن عبد الملك بن عيسى العكبرى (2). اسناد مناقب ابن شاهين عن المنتهى بن أبي زيد بن كبابكي الجثنى (3) الجرجاني عن الاجل المرتضي الموسوي عن المصنف. اسناد مناقب ابن مردويه عن الاديب أبي العلا عن أبيه أبى الفضل الحسن بن زيد عن أبى بكر مردويه الاصفهانى. اسناد أمالي الحاكم عن المهدي بن أبى جرب الحسني الجرجاني عن الحاكم النيسابوري اسناد مجموع ابن عقدة أبى العباس أحمد بن محمد. ومعجم أبى القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بحق روايتي عن أبى العلاء العطار الهمداني باسناده عنهما. اسناد الوسيط وكتاب الاسباب والنزول عن أبى الفضائل محمد اليهيني عن أبى الحسن علي بن أحمد الواحدي. اسناد معرفة الصحابة عن عبد اللطيف البغدادي عن والده أبى سعيد عن أبى يحيى ابن منده عن والده. اسناد دلائل النبوة والجامع عن الحسين بن عبد الله المروزي عن أبى النصر العاصمي عن أبى العباس البغوي عن أبى بكر أحمد بن الحسين البيهقي. اسناد أحاديث علي بن أحمد الجوهري وأحاديث شعبة بن الحجاج عن محمد البغوي عن الحراجي (4) عن المحبوي عن ابن عيسى عمن رواها منهما. اسناد المغازي عن الكرماني عن أبى الحسن القدوسي عن الحسين بن صديق


(1) في نسخة: عن ماشاذة بالذال المعجمة. (2) نسبة الى عكبرى بالضم قرية بالقرب من سامراء. (3) في نسخة: الحسني. (4) في نسخة: الجراجي (*).

[ 11 ]

الزورعنجي عن محمد بن اسحاق الواقدي. اسناد البيان والتبيين والغرة والفتيا عن الكرماني عن أبى سهل الانماطي عن أحمد ابن محمد عن أبى عبد الله بن محمد الخازن عن علي بن موسى القمي عن عمرو بن بحر الجاحظ (1) اسناد غريب القرآن عن القطيفي عن أبيه عن أبى بكر محمد بن عزيز العزيزي السجستاني. اسناد شوف العروس عن القاضي عزيزي عن أبى عبد الله الدامغاني. اسناد عيون المجالس عن القطيفي عن أبى عبد الله طاهر بن محمد بن أحمد الخربلوي. اسناد المعارف، وعيون الاخبار، وغريب الحديث، وغريب القرآن، عن الكرماني عن أبيه عن جده عن محمد بن يعقوب عن أبى بكر المالكي عن عبد الله بن مسلم بن قتيبه. اسناد غريب الحديث عن القطيفي عن السلمي عن أبى محمد دعلج عن أبى عبدالقاسم ابن سلام. وهذا اسناد كامل أبى العباس المبرد (2). اسناد نزهة القلوب عن الفطيفي وشهر اشوب جدي كليهما عن أبى اسحاق الثعلبي. اسناد أعلام النبوة عن عمر بن حمزة العلوي الكوفي عمن رواه عن القاضي أبى الحسن الماوردي. اسناد الابانة، وكتاب اللوامع عن مهدي بن أبى حرب الحسني (3) عن أبى سعيد أحمد بن عبد الملك الخركوشي. اسناد دلائل النبوة، وكتاب جوامع الكلم عن عبد العزيز عن أحمد الحلواني عن أبى الحسن بن محمد الفارسي عن أبى بكر محمد بن علي بن اسماعيل القفال الشاشي (4). اسناد نزهة الابصار عن شهر اشوب عن القاضي أبى المحاسن الرؤيانى عن أبى الحسن


(1) جاء لقب الجاحظ لما كان عليه من جحوظ العينين أي نتوؤهما، والى الجاحظ تنسب الجاحظية فرقة من المعتزلة تقول بما قال الجاحظ، توفي بالبصرة سنة 255 وله مؤلفات أدية مشهورة ولقب بأمير البيان العربي. (2) أبو العباس محمد بن يزيد المبرد ” بصيغة اسم الفاعل ” الاديب الراوية المعروف توفى سنة 285 ه‍. (3) في نسخة: الحسيني. (4) الشاشي نسبة الى شاش بلد بما وراء النهر، وهذا اصطلاح جغرافى قديم يراد به بلاد تركستان (*).

[ 12 ]

علي بن مهدي المامطيري. اسناد المحاضرات من باب المفردات عن الهيثم الشاشى عن القاضى عزيزي عن أبى بكر بن علي الخزاعي عن أبي القاسم الراغب الاصفهانى. اسناد الابانة عن الفراري (1) عن أبي عبد الله الجوهري عن القطيفي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن بطة العكبري، اسناد قوت القلوب عن القطيفي عن أبيه عن أبي القاسم الحسن بن محمد عن أبي يعقوب يوسف بن منصور السياري. اسناد الترغيب والترهيب عن أبى العباس أحمد الاصفهانى عن أبى القاسم الاصفهانى اسناد كتاب أبى الحسن المدائني عن القطيفي عن أبى بكر محمد بن عمر بن حمدان عن ابراهيم بن محمد بن سعيد النحوي. اسناد الدارمي، واعتقاد أهل السنة عن أبى حامد محمد بن محمد عن زيد بن حمدان المنوجهري عن علي بن عبد العزيز الاشنهي. وحدثني محمود بن عمر الزمخشري بكتاب الكشف، والفايق، وربيع الابرار. وأخبرني الكباشين (2). وغير شهردار الديلمي بالفردوس، وأنبأني أبو العلاء العطار الهمداني بزاد المسافر، وكاتبني الموفق بن أحمد المكي خطيب خوارزم بالاربعين، وروى لي القاضى أبو السعادات الفضائل، وناولني أبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية، وأجاز لي أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي رواية كتاب ما نزل من القرآن في علي وكثيرا ما استند إلي أبى العزيز كلاش (3) العكبري، وأبى الحسن العاصمي الخوارزمي، ويحيى بن سعدون القرطي وأشباههم. أسانيد التفاسير واما أسانيد التفاسير والمعاني فقد ذكرتها في الاسباب والتزول وهي: تفسير البصري، والطبري، والقشيري، والزمخشري، والجبائي، والطائي، والسدى، والواقدى، والواحدي، والماوردي: والكلبي، والثعلبي، والوالبي، وقتادة، والقرطي، ومجاهد، والخركوشى، وعطاء بن رباح، وعطاء الخراساني،


(1) في نسخة: الفزاري. (2) في نسخة: الكباشني ولعل هذا هو الصحيح. (3) في نسخة: كادش (*).

[ 13 ]

ووكيع، وابن جريح، وعكرمة، والنقاشي، وأبى العالية، والضحاك، وابن عيينة، وأبى صالح، ومقاتل، والقطان، والسمان، ويعقوب بن سفيان، والاصم، والزجاج، والفراء، وأبي عبيد وأبى العباس، والنجاشى، والدمياطي، والعوفي، والنهدى، والثمالي، وابن فودك، وابن حبيب. أسانيد كتب الشيعة فاما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبى جعفر الطوسى حدثنا بذلك أبو الفضل الداعي بن علي الحسيني السروى، وأبو الرضا فضل الله بن علي الحسيني القاشانى، و عبد الجليل بن عيسى بن عبد الوهاب الرازي، وأبو الفتوح الحسين بن علي بن محمد الرازي، ومحمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد النيسابوري، ومحمد بن الحسن الشوهاني، وأبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي، ومسعود بن علي الصوابى، والحسين بن أحمد بن طحال المقدادى، وعلي بن شهر اشوب السروى والدى، كلهم عن الشيخين المفيدين أبى علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسى، وأبى الوفا عبد الجبار بن علي المقرى الرازي عنه. وحدثنا أيضا المنتهى بن أبى زيد بن كبابكي الحسيني الجرجاني، ومحمد ابن الحسن الفتال النيسابوري، وجدى شهر اشوب عنه أيضا سماعا وقراءة ومناولة واجازة بأكثر كتبه ورواياته. وأما أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواياتهما فعن السيد أبى الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسني المروزي عن أبي عبد الله محمد بن علي الحلواني عنهما، وبحق روايتي عن السيد المنتهى عن أبيه أبي زيد، وعن محمد بن علي القتال الفارسي عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه أيضا، وما سمعنا من القاضي الحسن الاسترابادي عن ابن المعافى بن قدامة عنه أيضا، وما صح لنا من طريق الشيخ أبي جعفر عنه، وروى السعيد المنتهى عن أبيه عن الشريف الرضي. واما أسانيد كتب الشيخ المفيد فعن ابي جعفر وابي القاسم اني كميح عن ابيه عن ابن البراج عن الشيخ، ومن طرق ابي جعفر الطوسي ايضا عنه. واما اسانيد كتب ابي جعفر بن بابويه عن محمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد عن ابيهما عن ابي البركات علي بن الحسين الحسيني الخوزي عنه، وكذلك من


[ 14 ]

روايات ابي جعفر الطوسي. واما اسانيد كتب ابن شاذان، وابن فضال، وابن الوليد، وابن الحاشر، وعلي بن ابراهيم، والحسن بن حمزة، والكليني، والصفواني، والعبدكي، والفلكي وغيرهم، فهو على ما نص عليها أبو جعفر الطوسي في الفهرست، وحدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، وانبأني الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن وبكتاب اعلام الورى بأعلام الهدى، واجاز لي أبو الفتوح رواية روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، وناولني أبو الحسن البيهقي حلية الاشراف، وقد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم. ووجدت بخط ابي طالب الطبرسي كتاب الاحتجاج. وذلك مما يكثر تعداده ولا يحتاج الى ذكره لاجتماعهم عليه، وما هذا إلا جزء من كل ولا أنا علم الله تعالى إلا معترف بالعجز والتقصير كما قال أبو الجوائز: رويت وما رويت من الرواية * وكيف وما انتهيت الى نهايه وللاعمال غايات تناهى * وان طالت وما للعلم غايه وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار، على متون الاخبار، وعدلت عن الاطالة والاكثار، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال على فحواها ومعناها، وحذفت اسانيدها لشهرتها ولا شارتي الى رواتها وطرقها والكتب المتتزعة منها، لتخرج بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات. وربما تتداخل الاخبار بعضها في بعض أو تختصر منها موضع الحاجة أو تختار ما هو أقل لفظا أو جاءت غريبة من مظان بعيدة أو وردت مفردة محتاجة الى التأويل فمنها ما وافقه القرآن، ومنها ما رواه خلق كثير حتى صار علما ضروريا يلزمهم العمل به، ومنها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعا، ومنها ما نطقت به نالشعراء والشعرورة (1) لتبذلها، فظهرت مناقب اهل البيت عليهم السلام باجماع موافقيهم وإجماعهم حجة على ما ذكر في غير موضع، واشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار ولا يقدرون على الانكار، على ما أنطق الله به رواتهم وأجراها على افواه ثقاتهم، مع تواتر الشيعة بها وذلك خرق العادة وعظة لمن تذكر، فصارت الشيعة موفقة لما نقلته ميسرة، والناصبة مخيبة فيما حملته مسخرة لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها وحمل تلك ما هو حجة لخصمها دونها وهذا كاف لمن (ألقى السمع وهو شهيد) وان هذا


(1) شعرورة بالضم مصغر شاعر (*).

[ 15 ]

لهو البلاء المبين وتذكرة للمتذكرين ولطف من الله تعالى للعالمين. ثم وشحت هذه الاخبار بشواهد الاشعار وتوجتها بالآيات فرحم الله امرءا اعتبر وأحسن لنفسه النظر، فالرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل، ولان تكون تابعا في الخير خير من أن تكون متبوعا للشر، وخير العمل ما أصلحت به رشادك وشره ما أفسدت به معادك، وافتتحت ذلك بذكر سيد الانبياء والمرسلين، ثم بذكر الائمة الصادقين، وختمته بذكر الصحابة والتابعين وسميته ب‍ (مناقب آل ابى طالب) ونظمته للمعاد لا للمعاش وادخرته للدين لا للدنيا، فأسأل الله تعالى ان يجعله سبب تجاتي وحط سيئاتي ورفع درجاني انه سميع مجيب.


[ 16 ]

باب ذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله فصل: في البشائر بنبوته منها بشائر موسى في السفر الاول، وبشائر ابراهيم في السفر الثاني الثاني وفي السفر الخامس عشر، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود، ومنها بشائر عويبنا (1) وحيقوق وحزقيل ودانيال وشيعا. وقال داود في زبوره: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، وقال عيسى في الانجيل: ان البر ذاهب والبار قليطا جاء من بعده و هو يخفف الاصار ويفسر كلم كل شئ ويشهد لي كما شهدت له انا جئتكم بالامثال وهو يأتيكم بالتأويل. وكان كعب بن لوى بن غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة وكانوا يسمونها عروبة فسماه كعب يوم الجمعة وكان يخطب فيه الناس ويذكر فيه خبر النبي آخر خطبته كلما خطب، وبين موته والفيل خمسمائة وعشرون سنة فقال: أم والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل ولارقلت فيها ارقال (2) الفحل، ثم قال: ياليتني شاهد فحواى دعوته * حين العشيرة تبغي الحق خذلانا محمد بن اسحاق: ان زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الارض يطلب الدين الحنيف فقال له راهب بالشام: انك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه ولكنك قد أظلك خروج نبي يأتي ملة ابراهيم الحنيفيه وهذا زمانه، فخرج سريعا حتى إذا كان بأرض لخم عهدوا عليه فقتلوه، وقال النبي صلى الله عليه وآله: زيد بن عمرو يبعث امة وحده. ورثاه ورقة بن نوفل: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإئما * تجنبت تنورا من الله حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كما هيا وقد تدرك الانسان رحمة ربه * ولو كان تحت الارض ستين واديا


(1) في نسخة: عويديا بن البرة. (2) الارقال: الاسراع (*). ” مناقب ج 1، م 2 “

[ 17 ]

وكان تبع الاول من الخمسة التي كانت لهم الدنيا بأسرها فسار في الآفاق وكايختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم، فلما وصل الى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء فلم يعظمه أهل مكة فغضب عليهم وقال لوزيره عميا ريسا في ذلك فقال الوزير: انهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت، فعزم الملك في نفسه أن يخربها ويقتل أهلها فأخذة الله بالصدام (1) وفتح من عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا عجزت الاطباء عنه وقالوا: هذا أمر سماوي، وتفرقوا. فلما أمسى جاء عالم الى وزيره وأسر إليه: إن صدق الامير بنيته عالجته، فاستأذن الوزير له فلما خلا به قال له: هل أنت نويت في هذا البيت أمرا ؟ قال: كذا وكذا فقال العالم: تب من ذلك ولك خير الدنيا والآخرة، فقال: قد تبت مما كنت نويت فعوفي في الساعة فآمن بالله وبإبراهيم الخليل، وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أول من ؟ ؟ الكعبة، وخرج الى يثرب ويثرب هي أرض فيها عين ماء، فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على انهم يسكنون فيها وجاؤا الى باب الملك وقالوا: انا خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك زمانا وجئنا الى هذا المقام الى أن نموت فيه، فقال الوزير: ما الحكمة في ذلك ؟ قالوا: اعلم أيها الوزير ان شرف هذا البيت بشرف محمد صاحب القرآن والقبلة واللواء والمنبر مولده بمكة وهجرته الى ههنا وانا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا، فلما سمع الملك ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا، وأمر أن يبنوا أربعمائة دار لكل واحد دارا وزوج كل واحد منهم بجارية معتقة وأعطى لكل واحد منهم مالا جزيلا. ابن بابويه في كتاب النبوة انه قال أبو عبد الله (ع): ان تبعا (2) قال للاوس والخزرج: كونوا ههنا حتى يخرج هذا النبي اما أنا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه. وروي انه قال: قالوا بمكة بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد بادرت أمرا حال ربي دونه * والله يدفع عن خراب المسجد فتركت فيه من رجالي عصبة * نجبا ذوي حسب ورب محمد وكتب كتابا الى النبي عليه السلام يذكر فيه إيمانه وإسلامه وانه من امته


(1) الصدام بالكسر داء في رؤس الدواب، ولا يضم وان كان هو القياس. (2) تبع: جمعه تبابعة، يقال ذلك لملوك اليمن، ولا يسمى به الا إذا كانت له حمير وحضر موت (*).

[ 18 ]

فليجعله تحت شفاعته وعنوان الكتاب: الى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين من تبع الاول. ودفع الكتاب الى العالم الذي نصح له ثم خرج منه وسار حتى مات بغلسان بلد من بلاد الهند. وكان بين موته ومولد النبي صلى الله عليه وآله الف سنة. ثم ان النبي صلى الله عليه وآله لما بعث وآمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى فوجد النبي صلى الله عليه وآله في قبيلة بني سليم فعرفه رسول الله فقال له: أنت أبو ليلى ؟ قال: نعم، قال: كتاب تبع الاول ؟ فتحير الرجل فقال صلى الله عليه وآله: هات الكتاب، فأخرجه ودفعه الى رسول الله فدفعه النبي الى علي بن أبي طالب فقرأه عليه، فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله كلام تبع قال: مرحبا بالاخ الصالح، ثلاث مرات، وأمر أبا ليلى بالرجوع الى المدينة. اكمال الدين (1) عن ابن بابويه وروضة الواعظين عن محمد الفتال انه كان عند تربة النبي جماعة فسأل أمير المؤمنين سلمان عن مبدأ أمره فقال: كنت من أبناء الدهاقين بشيراز وكنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا بصومعة وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله، فرصف حب محمد في لحمي ودمي فلما انصرفت الى منزلي إذا أنا بكتاب معلق من السقف فسألت امي عنه فقالت: لا نقربه فانه يقتلك أبوك. فلما جن الليل اخذت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله الى آدم انه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن عبادة الاوثان ياروز به أنت وصي عيسى فآمن واترك المجوسية قال: فصعقت صعقة فأخذني أبي وامي وجعلاني في بئر عتيقة وقالا: ان رجعت وإلا قتلناك وضيقوا علي الاكل والشرب فلما طال أمري دعوت الله بحق محمد ووصيه أن يريحني مما أنا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال: قم يا روزبه، فأخذ بيدي وأتي بي الصومعة فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله، فقال الديراني: يا روزبه اصعد، فصعدت إليه فخدمته حولين فقال: اني ميت اوصيك براهب انطاكية فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح وناولني لوحا، فلما فرغت من دفنه أتيت الصومعة وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله، فقال: اصعد يا روزبه، فصعدت إليه فخدمته حولين فقال: اني ميت، قلت: على من تخلفني ؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول


(1) هذا تلخيص لما ذكره الشيخ الصدوق رحمه الله والالفاظ هنا ليست بأعيانها بل بعضها منقول بمعانيه فليقتصر على ما في الكتاب (*).

[ 19 ]

بمقالتي هذه في الدنيا وأن ولادة محمد قد حانت فإذا أتيته فاقرأه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح، فلما فرغت من دفنه صحبت قوما لما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواءا فامتنعت من الاكل فقالوا كل، فقلت: اني غلام ديراني وان الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني وكادوا يقتلونني، فقال بعضهم: امسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فانه لا يشرب فلما أتوا بالشراب قالوا: تشرب ؟ فقلت مثل ذلك فضربوني وكادوا يقتلونني، فأقررت لواحد منهم بالعبودية فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت له: ليس لي ذنب سوى حبي محمدا ووصيه، فقال اليهودي: واني لابغضك وأبغض محمدا، ثم أخرجني الى باب داره وإذا رمل كثير فقال: والله لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لاقتلنك، قال: فجعلت أحمل طول ليلي فلما أجهدني التعب سألت الله تعالى الراحة منه فبعث الله ريحا فنقلت ذلك الرمل فلما أصبح نظر الى الرمل فقال: أنت ساحر قد خفت منك، فباعني من امرأة سلمية لها حائط فقالت: افعل بهذا الحائط ما شئت، فكنت فيه فإذا أنا بسبعة رهط تظلهم غمامة فلما دخلوا كان رسول الله وأمير المؤمنين وأبو ذر والمقداد وعقيل وحمزة وزيد فأوردتهم طبقا من رطب فقلت: هذه صدقة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: كلوا، وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين ووضعت طبقا آخر فقلت: هذه هدية، فمد يده وقال: بسم الله كلوا، فقلت في نفسي: بدت ثلاث علامات، وكنت أدور خلفه إذ التفت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا روزبه تطلب خاتم النبوة وكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات فسقطت على قدميه اقبلها فقال لي: ادخل على هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد بيعينا هذا الغلام فلما أخبرتها قالت: قل له لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة صفراء ومائتي نخلة حمراء، فأخبرته بذلك فقال: ما أهون ما سألت قم يا علي واجمع هذا النوى كله فأخذه وغرسه ثم قال: اسقه، فسقاه فلما بلغ آخره خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال قل لها خذي شيئا وادفعي الينا شيئا فخرجت فقالت: والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء، فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله أصفر فنظرت وقالت نخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك، فقلت لها: والله ان يوما من محمد أحب إلي منك ومن كل شئ أنت فيه فأعتقني رسول الله وسماني سلمان.


[ 20 ]

قال نصر بن المنتصر: من غرس النخل فجاءت يانعة * مرضية لبوسها من النوى وله أيضا: ومن غرس النوى فأتت بنخل * لذيذ طعمها للذائقينا ابن بابويه في تمام النعمة (1) والثعلبي في نزهة القلوب عن ابن عباس: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة واسترجع ملك أبيه وقومه وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله بسنتين أتته وفد العرب وأشرافها بالتهيئة وفيهم عبد المطلب فقال: أيها الملك ان الله تعالى قد أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا وأنبتك منبتا طابت أرومته (2) وعذبت (3) جرثومته ثبت أصله وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن فأنت أبيت اللعن (4) ملك العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منهم أفضل خلف فلن يجهل من أنت سلفه ولن يهلك من أتت خلفه ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا اليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزية. قال سيف: وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال: ابن اختنا ؟ قال: نعم، فأدناه وقرب مجلسه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا ونحلا يعطى عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم فأنتم أهل البلد وأهل النهار لكم الكرامة ما أقمتم والحبا إذا ظعنتم. ثم انتهضوا الى دار الضيافة فأقاموا شهرا، ثم أرسل الى عبد المطلب ليلا فأخلاه وقال: انى مفوض اليك من سر علمي فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فان الله بالغ أمره، فقال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سر وبرفما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر، فقال: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الامامة ولكم به الزعامة الى يوم القيامة، فقال: أيها الملك قد أبت بخير ما آب بمثله وافد ولو لا هيبة الملك واجلاله لسألته عن مساره إياي ما ازداد به سرورا، قال: هذا


(1) اسم الكتاب الشائع اكمال الدين واتمام النعمة وما ذكر هنا تلخيص لما في الكتاب أيضا (2) الارومة: أصل الشجرة. (3) في الاصل غرت وفي نسخة عزت، ولعل ما ذكرناه هو الصحيح. (4) أي أبيت أن تفعل فعلا تلعن بسببه وتذم به (*).

[ 21 ]

حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت ابوه وامه، ويكفله جده وعمه وقد ولد سرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا انصارا، الى آخر كلام له، فقال عبد المطلب: ايها الملك دام ملكك وعلا كعبك فهل الملك سارى بافصاح فقد اوضح لي بعض الايضاح، فقال سيف: والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب (1) انك يا عبد المطلب لجده غير كذب، فحر عبد المطلب ساجدا. ثم انه اعطى عبد المطلب بعشرة اضعاف ذلك: فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني احد بجزيل عطاء الملك وان كثر فانه الى نفاد ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبى من بعدي ذكره وفخرجه وشرفه، فإذا قيل له: ما ذاك ؟ يقول: ستعلمون نبأه بعد حين. قال ابن رزيك (2): محمد خاتم الرسل الذي سبقت * به بشارة قس وابن ذي يزن وانذر النطقاء الصادقون بما * يكون من امره والطهر لم يكن الكامل الوصف في حلم وفي كرم * والطاهر الاصل من دأم ومن درن ظل الا له ومفتاح النجاة وين‍ * بوع الحياة وغيث الفارض الهتن (3) فاجعله ذخرك في الدارين معتصما * به وبالمرتضى الهادي أبى الحسن وتصور لعبد المطلب ان ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعيل فنذر انه متى رزق عشرة اولاد ذكور أن ينحر احدهم للكعبة شكرا لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري ؟ فقالوا: الامر اليك ونحن بين يديك، فقال: لينطلق كل واحد منكم الى قدحه وليكتب عليه اسمه، ففعلوا وأتوه بالقداح فأخذها وقال: عاهدته والآن اوفي عهده * إذ كان مولاي وكنت عبده نذرت نذرا لا أحب رده * ولا احب ان اعيش بعده فقدحهم ثم تعلق بأستار الكعبة ونادى: اللهم رب البيت الحرام والركن والمقام ورب المشاعر العظام والملائكة الكرام، اللهم انت خلقت الخلق لطاعتك وامرتهم


(1) النصب كل ما عبد من دون الله والانصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهل عليها ويذبح لغير الله تعالى. (2) هو طلائع بن رزيك وزير مصر، وزريك كقبيط: ولد الملك الصالح. (3) الفارض: استعارة عن السحاب مأخوذ من الفرض بمعنى ما تجود به بغير ثواب، والهتن من قولك: هتنت السماء إذا انصيت (*).

[ 22 ]

بعبادتك لا حاجة منك في كلام له. ثم امر بضرب القداح وقال: اللهم اليك أسلمتهم ولك اعطيتهم فخذ من احببت منهم فاني راض بما حكمت وهب لي اصغرهم سنا فانه اضعفهم ركنا، ثم أنشأ يقول: يا رب لا تخرج عليه قد حي * واجعل له واقية من ذبحي فخرج السهم على عبد الله فأخذ الشفرة واتى عبد الله حتى اضجعه في الكعبة وقال: هذا بني قد اريد نحره * والله لا يقدر شئ قدره فان تؤخره تقبل عذره وهم بذبحه فأمسك أبو طالب يده وقال: كلا ورب البيت ذى الانصاب * ما ذبح عبد الله بالتلعاب ثم قال: اللهم اجعلني فديته وهب لي ذبحته، ثم قال: خذها اليك هدية يا خالقي * روحي وانت مليك هذا الخالفق وعاونه اخواله من مخوم وقال بعضهم: يا عجبا من فعل عبد المطلب * وذبحه ابنا كتمثال الذهب فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمانمائة رجل وهو يقول: تغادرني أمر فضقت به ذرعا * ولم أستطع مما تجللني دفعا نذرت ونذ المرء دين ملازم * وما للفتى مما قضى ربه منعا وعاهدته عشرا إذا ما تكملوا * اقرر منهم واحدا ماله رجعا فأكملهم عشرا فلما هممت ان * أفئ بذاك النذر نازله جمعا يصدونني عن أمر ربي وانني * سأرضيه مشكورا ليلبسني نفعا فلما دخلوا عليها قال يا رب اني فاعل لما تود * ان شئت الهمت الصواب والرشد فقالت: كم ديه الرجل عندكم ؟ قالوا: عشرة من الابل، قالت: واضربوا على الغلام وعلى الابل القداح فان خرج القداح على الابل فانحروها وان خرج عليه فزيدوا في الابل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم وكانوا يضربون القداح على عبد الله وعلى عشرة فيخرج السهم على عبد الله الى ان جعلها مائة وضرب فخرج القدح على الابل فكبر عبد المطلب وكبرت قريش ووقع عبد المطلب مغشيا عليه وتواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم فلما أفاق من غشيته قالوا: قد قبل الله منك فداء ولدك، فبيناهم كذلك فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت وهو يقول: قبل الفداء ونفذ القضاء


[ 23 ]

وان ظهور محمد المصطفى فقال عبد المطلب: القداح تخطي وتصيب حتى اضرب ثلاثا فلما ضربها خرج على الابل فارتجز يقول: دعوت ربي مخلصا وجهرا * يا رب لا تنحر بنى نحرا فنحرها كلها فجرت السنة في الدية بمائة من الابل. أبو بكر البيقهي في دلائل النبوة انه قال راهب اطلحة في سوق بصرى (1) هل ظهر محمد فهذا شهره الذي يظهر فيه، في كلام له. وقال عفكلان الحميري لعبد الرحمن بن عوف: ألا ابشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة انبئك بالمعجمة وابشرك بالمرغبة ان الله قد بعث في الشهر الاول من قومك نبيا ارتضاه وصفيا انزل عليه كتابا جعل له ثوابا ينهى عن الاصنام ويدعو الى الاسلام أخف الوقفة وعجل الرجعة، وكتب الى النبي صلى الله عليه وآله: أشهد بالله رب موسى * انك ارسلت بالبطاح فكن شفيعي إلى مليك * يدعو البرايا الى الفلاح فلما دخل على النبي قال: أحملت إلي وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة فهاتها ؟ ورأت كاهنة عثمان فقالت: يا عثمان لك الحجج لك البيان هوان في الرهبان (2) ارسله بحق الديان، وجاءها بالتنزيل والفرقان. فتعاهد مع ابى بكر لو زوج منى رقية لاسلمت. وبشر اوس بن حارث بن ثعلبة قبل مبعثه بثلاثمائة عام واوصى اهله باتباعه في حديث طويل وهو القائل: إذا بعث المبعوث من آل غالب * بمكة فيما بين زمزم والحجر هنالك فأشروا نصره ببلادكم * بنى غامر ان السعادة في النصر وفيه يقول النبي صلى الله عليه وآله: رحم الله اوسا مات في الحنفية وحث على نصرتنا في الجاهلية. وبشر قس بن ساعدة الايادي به وبأولاده. وكلام عبد المطلب وابي طالب رضي الله عنهما لا يحصى في الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله والحث على نصرته. وابو طالب قد بين في قصديته اللامية من سيرته منها: تطاع به الاعداء ودوالو اننا * يسد بنا أبواب ترك وكابل (ترك مدينة خرج منها اول الا تراك).


(1) بصرى كحبلى بلد بالشام. (2) هو اتي الرهان كذا في جميع النسخ (*).

[ 24 ]

ومنها: كذبتم وبيت الله ان حل ما نرى * لتلتبسن أسيافنا بالامائل وقوله (ع) لما استسقى وقال حوالينا ولا علينا، لله در ابى طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا شعره ؟ يريد قوله: وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للارامل (1) فصل: في المنامات والآيات الخركوشي في شرف النبي ان أبا طالب قال: رأى عبد المطلب في منامه شجرة نبتت على ظهره قد نال رأسها السماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ونورا يزهر بينها اعظم من نور الشمس سبعين ضعفا والعرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم تزداد عظما ونورا ورأى رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم فقص ذلك على كاهنة قريش قالت: لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ويتنبأ في الناس. وقال العباس بن عبد المطلب: رأيت في منامي عبد الله كأنه خرج من منخره طائر ابيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع وسقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلا، فبينما الناس يتأملون إذ صار نورا بين السماء والارض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب. قال: فسألت كاهنة بنى مخزوم فقالت: ليخرجن من صلبه ولد يصير اهل المشرق والمغرب تبعا له. ذكر الماوردي ان عبد المطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره سلسلة بيضاء لها اربعة اطراف طرف قد اخذ المغرب وطرف اخذ المشرق وطرف لحق بأعنان السماء وطرف لحق بثرى الارض: فبينما هو يتعجب إذ التقت الانوار فصارت شجرة خضراء مجتمعة الاغصان متدلية الاثمار كثيرة الاوراق قد اخذت اغصانها اقطار الارض في الطول والعرض ولها نور قد اخذ الخافقين وكأني قد جلست تحت الشجرة وبازاي شخصان بهيان وهما نوح وابراهيم قد استظلا به، فقص ذلك على كاهن ففسره بولادة النبي صلى الله عليه وآله.


(1) يأتي تمام القصة في باب المعجزات فيما ظهر من الحيوانات والجمادات (*). ” المناقب ج 1، م 3 “

[ 25 ]

محمد بن اسحاق: كتب كسرى الى النعمان بن المنذر ليوجه إليه عالما فوجه إليه بعبد المسيح بن تغلبة الغساني فلما قص عليه رؤياه قال: علم ذلك عند خال لي بمشارق الشام يقال له سطيح فوجهه إليه فلما أتاه وجده وقد أشرف على الموت فأنشأ أبياتا في قدومه ففتح سطيح عينيه ثم قال: عبدالمسيح على جمل مشيح (1) جاء الى سطيح وقد وافى الضريح، بعثك ملك بنى ساسان، لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبدان، يا عبدالمسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة (2)، وفاض وادي السماوة (3)، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت. ثم قضى سطيح مكانه (4) فقدم عبدالمسيح على كسرى وأخبره بما قال فقال: الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت امور، قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون الى أيام عثمان، وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش الى ملك ذي نواس أكثر من ثلاثين قرنا. الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعث الله الى كسرى ملكا وقت الهاجرة وقال: يا كسرى تسلم أو اكسر هذه العصا، فقال: بهل بهل، فانصرف عنه فدعا حراسه وقال: من أدخل هذا الرجل علي ؟ فقالوا: ما رأيناه، ثم أتاه في العام المقبل ووقته فكان كما كان أولا ثم أتاه في العام الثالث فقال: تسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال: بهل بهل، فكسر العصائم ؟ خرج فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله. قال الاجل المرتضى: اطرحوا النهج ولم يحفلوا * بما لكم في محكم الذكر واستلبوا ارثكم منكم * من غير حق بيد العسر كسرتم الدين ولم تعلموا * وكسرة الدين بلا جبر فيالها مظلمة أو لجت * على رسول الله في القبر وكان يرى النور في آباء النبي صلى الله عليه وآله خلفا عن سلف. لما قصد أبرهة بن الصباح


(1) المشيخ بالضم: الجاد والمسرع. (2) الهراوة: العصا. وصاحب الهراوة هو النبي. (3) السماوة: موضع بين الكوفة والشام، وقال الخليل في العين: هي فلاة بالبادية تتصل بالشام. (4) كذا في الاصل ولعل الصحيح ثم فارق سطيح مكانه كناية عن الموت (*).

[ 26 ]

لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله فقال: تعلمني (1) في مائة بعير وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه ! فقال عبد المطلب: أنا رب الابل وان للبيت ربا سيمنعه منك، فرد إليه إبله فانصرف الى قريش فأخبرهم الخبر فأخذ بحلقة الباب قائلا يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا ان عدو البيت من عاداكا * امنعهم أن يحربوا قراكا (2) وله أيضا: اللهم ان المرء يمنع رحلة فامنع رحالك * لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك فانجلى نوره على الكعبة فقال لقومه: انصرفوا فو الله ما انجلى من جبيني هذا النور إلا ظفرت والآن قد انجلى عنه وسجد الفيل له فقال للفيل: يا محمود، فحرك الفيل رأسه، فقال له: تدري لم جاؤا بك ؟ فقال الفيل برأسه: لا، فقال: جاؤا بك لتهدم بيت ربك أفتراك فاعل ذلك ؟ فقال الفيل برأشه: لا. وكانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الابل ؟ قال: نعم، فقالت: هل لك أن تقع علي مرة واعطيك من الابل مائة، فنظر إليها وأنشأ: اما الحرام فالممات دونه * واحل لا حل فاستبينه فكيف بالامر الذي تبتغينه ومضى مع ابيه فزوجه ابوه آمنة فظل عندها يوما وليلة فحملت بالنبي صلى الله عليه وآله ثم انصرف عبد الله فمر بها فلم يربها حرصا على ما قالت أولا فقال لها عند ذلك مختبرا: هل لك فيما قلت لي فقلت لا ؟ قالت: (قد كان ذلك مرة فاليوم لا) فذهبت كلمتها مثلا ثم قالت: أي شئ صنعت بعدي ؟ قال: زوجني أبي آمنة فبت عندها، فقالت: لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت وما تدري ثم قالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت ان يكون في وأبي الله إلا أن يضعه حيث يحب، ثم قالت: بني هاشم قد غادرت من اخيكم * أمينة إذ للباه يعتلجان (3) كما غادر المصباح بعد خبوه * فتائل قد ميثت (4) له بدخان


(1) الظاهر ان الكلمة محرفة والصحيح فيها تسألني. (2) في نسخة: انهم لم يقهروا قواكا. (3) الباه: الجامعة، ويعتلجان: يتصارعان. (4) مات موثا: خلطه ودافه (*).

[ 27 ]

وما كان ما يحوى الفتى من نصيبه * بحرص ولا ما فاته بتواني ويقال: انه مر بها وبين عينيه غرة كغرة الفرس. وكان عند الاخبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا، وكانوا قد قرأوا في كتبهم: إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما فاعلموا انه قد ولد أبو السفاك الهتاك، فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا واجتمع خلق على ان يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز منه فنظر الى رجال نزلوا من السماء وكشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله قال: فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيرة، ويقال: ان عبد الله كان في جبينه نور يتلالا، فلما قرب من حمل محمد لم يطق احد رؤيته وما مر بحجر ولا شجر إلا سجد له وسلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة الى آمنة وكانت السباع تهرب عن ابي طالب فاستقبله اسد في طريق الطائف وبصبص له وتمرغ قبله فقال أبو طالب بحق خالقك ان تبين لي حالك ؟ فقال الاسد: إنما انت أبو اسد الله ناصر نبي الله ومربيه، فازداد أبو طالب في حب النبي صلى الله عليه وآله والايمان به والاصل في ذلك ان النبي قال: خلقت انا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل ان يخلق الله آدم بألفي عام. الخير. انشد العباس في النبي: من قبلها طبت في الظلال وفى * مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر انت * ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفير وقد * الجم نسرا واهله الغرق تنقل من صالب الى رحم * إذا مضى عام بذا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء نحلتها النطق وانت لما ولدت اشرقت الارض * وضاءت بنورك الافق فنحن في ذلك الضياء وفى * النور وسبل الرشاد نحترق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يفضض الله فاك: فصل: في مولده صلى الله عليه وآله ابان بن عثمان رفعه باسناده قالت آمنة رضى الله عنها لما قربت ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت جناح طائر ابيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني واتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال، ثم رأيت نسوة


[ 28 ]

كالنخل طوالا تحدثني وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين حتى رأيت كالديباج الابيض قد ملا بين السماء والارض وقائل يقول: خذوه من أعز الناس، ورأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ورأيت مشارق الارض ومغاربها ورأيتة علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والارض في ظهر الكعبة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله رافعا اصبعه الى السماء ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته، فسمعت نداء: طوفوا بمحمد شرق الارض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثم انجلت عنه الغامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول: قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة، ثم اقبلت سحابة اخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الاولى وسمعت نداء: طوفوا بمحمد الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجن والانس والطير والسباع واعطوه صفاء آدم ورقة نوح وخله ابراهيم ولسان اسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم عيسى، ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا حل في قبضته، ثم ان ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم ابريق فضة ونافحة مسك وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كان جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها وقائل يقول: اقبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه فغسل بذلك الماء من الابريق سبع مرات ثم ضرب الخاتم على كتفيه وتفل في فيه فاستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك ايمانا وعلما ويقينا وعقلا وشجاعة أنت خير البشر طوبى لمن اتبعك وويل لمن تخلف عنك، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل به هذا رضوان ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: ابشر بعز الدنيا والآخرة ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنه شعلة نار نورا ورأيت حولي من القطاء أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها. عبد المطلب: لما انتصف تلك الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الاربعة وخر ساجدا في مقام ابراهيم ثم استوى البيت مناديا: الله أكبر رب محمد المصطفى الآن قد طهرني ربي من أنجاس المشركين وأرجاس الكافرين، ثم انتقضت الاصنام وخرت


[ 29 ]

على وجوهها وإذا أنا بطير الارض حاشرة إليها فإذا جبال مكة مشرفة عليها وإذا بسحابة بيضاء بازاء حجرتها فأتيتها وقلت: أنا نائم أو يقظان ؟ قالت: بل يقظان، قلت: فأين نور جبهتك ؟ قالت: قد وضعته وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله الى أعشاشها وهذه السحاب تسألني كذلك، قلت: هاتيه أنظر إليه، قالت: حيل بينك وبينه الى ثلاثة أيام، فسللت سيفي وقلت: لتخرجنه أو لاقتلنك، قالت: شأنك وإياه، فلما هممت أن ألج البيت بدر إلي من داخل البيت رجل وقال لي: ارجع وراءك فلا سبيل لاحد من ولد آدم الى رؤيته أو ان تنقضي زيارة الملائكة، فارتعدت وخرجت. ابن اسحاق قالت آمنة: وسمعت في الضوء نداءا: انك ولدت سيد الناس فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا واتي به عبد المطلب فوضعه في حجره ثم قال: الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الاردان قد ساد في المهد على الغلمان * عوذه الا له بالار كان حتى أراه مبلغ الغشيان * أعيذه من كل ذي شان من حاسد ذي طرف العينان (1) وقال فيه أشعارا كثيرة. الصادق (ع): اصحبت الاصنام على وجوهها وارتجس ايوان كسرى وسقط منه اربع عشرة شرافة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ولم يبق سرير لملك إلا اصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن عن صاحبها. قال القيرواني: وصرح كسرى تداعى من قواعده * وانغاض منكسر الاوداج ذاميل ونار فارس لم توقد وما خمدت * مذ الف عام ونهر القوم لم يسل خرت لمبعثه الاوثان وانبعثت * ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل الصادق (ع): ورأى الموبدان (2) في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا


(1) كذا وجدنا الابيات في الاصل. (2) الموبدان بفتح الباء: ففيه الفرس وحاكم المجوس كالمؤبد. قال الجزائري: الموبدان المجوس كقاضي القضاة المسلمين (*).

[ 30 ]

عرابا حتى عبرت دجلة وانسربت في بلادهم وانقصم طاق كسرى من وسطه وانحراف عليه دجلة وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق. علي بن ابراهيم بن هاشم عن رجاله قال: كان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تقذف وتتحرك ليلة ولد النبي صلى الله عليه وآله قال: نجد في كتبنا انه إذا ولد آخر الانبياء رجمت الشياطين وحجبوا عن السماء، فلما اصبح كان يتجسس عن المولود فدل على عبد المطلب فأتاه فلما نظر الى عينيه وكشف عن كتفيه وعليها شعرات وقع مغشيا عليه فقال: ذهبت النبوة عن بني اسرائيل، فتعجب منه قريش وضحكوا منه فقال: هذا نبي السيف ليبتزنكم. الصادق (ع): كان ابليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى حجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق اربع سماوات فلما ولد رسول الله حجب عن السماوات كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع اهل الكتب يذكرونه، فقال عمرو بن امية: ان كان رمى بما تهتدون بها فهو هلاك كل شئ وان كانت تثبت ورمى بغيرها فهو أمر حدث. وسئل خطر بن مالك الكاهن عن علة النجوم التي ترمى بها ؟ فقال: اصابه اصابه بأمره عقابه، انه من هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالمكاحم، وقتل كل ظالم. فقال فيه النبي: وانه ليحشر امة وحده. كعب: بلغني انه ما بقى يومئذ جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة وخضعت كلها لابي قبيس ولقد قدست الاشجار اربعين يوما بأنواع افنائها وثمارها ولقد ضرب بين السماء والارض اربعين عمودا في انواع الانوار وان الكوثر اضطرب في الجنة فرمى بسبعمائة الف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا له ولقد ضحت الجنة فهي ضاحكة ابدا. الصادق (ع)): صاح ابليس في أبا لسته فاجتمعوا له فقال: انظروا لقد حدث الليلة حدث ما حدث مثله رفع عيسى، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا، فقال ابليس: أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى الى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فقال له جبرئيل: ما وراك ؟ قال: حرف اسألك عنه ما هذا الحدث الليلة ؟ فقال: ولد محمد، فقال: هل لي فيه نصيب ؟ قال: لا، قال: ففي امته ؟ قال: نعم، قال: رضيت. وهب: ولقد ذم ابليس وغل والقي في الحصن اربعين يوما وغرق اربعين يوما


[ 31 ]

ولقد تنكست الاصنام كلها فصاحت وولولت ولقد سمعوا صوتا من الكعبة قال: يا قريش جاءكم النذير معه عز الابد والربح الاكبر وهو خاتم الانبياء. أمير المؤمنين (ع): لما ولد رسول الله (ص) القيت الاصنام في الكعبة على وجوهها فلما أمسى سمع صيحة من السماء: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا وورد انه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا وضحك كل حجر ومدر وشجر وسبح كل شئ في السماوات والارض لله عزوجل وانهزم الشيطان وهو يقول: خير الامم واكرم العبيد واعظم العالم محمد. محمد المفضل بن عمر: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام فجاءت فاطمة بنت أسد الى ابي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة فقال لها أبو طالب: وتتعجبين من هذا انك تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره. وفي رواية ابن مسكان فقال لها أبو طالب: اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة وقالوا السبت ثلاثون سنة. قال أبو المظفر الابيوردي: من دوحة بسقت لا الفرع مؤتشب (1) منها ولا عرقها في الحي مدخول أني بمكه ابراهيم والده * قرم على كرم الاخلاق مجبول وقال غيره: لقد طابت الدنيا بطيب محمد * وزيدت به الايام حسنا على حسن لقد فك اغلال العتاة محمد * وانزال اهل الخوف في كنف الامن فصل: في منشه ؟ صلى الله عليه وآله ابانة بن بطة (2) قال: ولد النبي صلى الله عليه وآله مختونا مسرورا فحكى ذلك عنده جده عبد المطلب فقال: ليكونن لابني هذا شان. كافي الكليني، الصادق (ع): لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث اياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه اياما حتى وقع أبو طالب على حليمة (3) فدفعه إليها.


(1) مؤتشب بالفتح: غير صريح في نسبه. (2) ابن بطة: الظاهر هنا هو أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري الحنبلي صاحب الابانة توفي سنة 387 ه‍ (3) هي حليمة السعدية حاضنة النبي التي اشتهرت بالعفة والطهارة (*).

[ 32 ]

ذكرت حليمة بنت ابي ذؤيب عبد الله بن الحرث من مضر زوجة الحرث بن عبد العزى المضري ان البوادي اجذبت وحملنا الجهد على دخول البلد فدخلت مكة ونساء بنى سعد قد سبقن الى مراضعهن فسألت مرضعا فدلوني على عبد المطلب وذكر ان له مولودا يحتاج الى مرضع له فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه محمد (1) فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور فشرب من ثديي الايمن ساعة ولم يرغب في الايسر اصلا واستعمل في رضاعه عدلا فناصف فيه شريكه واختار اليمين وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله فحملته على الانان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر وسائر الحمر (2) اسراعا وقوة ونشاطا واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات وقالت: برئت من مرضي وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين وخاتم النبيين وخير الاولين والآخرين، فكان الناس يعجبون منها ومن سمني وبرائي ودر لبني فلما انتهينا الى غار خرج رجل يتلالا نوره الى عنان السماء وسلم عليه وقال: ان الله تعالى وكلني برعايته، قابلنا ظباء وقلن: يا حليمة لا تعرفين من تربين هو اطيب الطيبين واطهر الطاهرين وما علونا قلعة ولا هبطنا واديا إلا سلموا عليه فعرفنا البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى اثرينا وكثرت مواشينا واموالنا ولم يحدث في ثيابه ولم تبدر عورته ولم يحتج في يوم إلامرة وكان مسرورا مختونا وكنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه فربيته خمس سنين ويومين فقال لي يوما اين يذهب اخواني كل يوم ؟ قلت: يرعون غنما، فقال: انني اليوم ارافقهم، فلما ذهب معهم اخذه ملائكة وعلوه على قلة جبل وقاموا بغسله وتنظيفه فأناني ابني وقال: ادركي محمدا فانه قد سلب، فأتيته فإذا هو بنور ساطع في السماء فقبلته وقلت: ما أصابت ؟ قال: لا تحزني ان الله معنا وقص عليها قصة فانتشر منه فوح مسك أذفر وقال الناس: غلبت عليه الشياطين، وهو يقول: ما اصابني شئ وما علي من بأس فرآه كاهن وصاح وقال: هذا الذي يقهر الملوك ويفرق العرب. وروي عن حليمة انه جلس محمد وهو ابن ثلاثة اشهر ولعب مع الصبيان وهو ابن تسعة وطلب منى ان يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة وناضل الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين ثم اوردته الى جده. ابن عباس: انه كان يفرب الى الصبيان يصبحهم فيختلسون ويكف ويصبح


(1) في رواية البحار: اسمه أحمد. (2) الحمر بالضم: جمع حمار (*). ” المناقب ج 1، م 4 “

[ 33 ]

الصبيان غمصا (1) ورمصا ويصبح صقيلا دهينا. ونادى شيخ على الكعبة: يا عبد المطلب ان حليمة امرأة عربية وقد فقدت ابنها واسمه محمد فغضب عبد المطلب وكان إذا غضب خاف الناس منه فنادى: يا بني هاشم ويا بني غالب اركبوا فقد محمد، وحلف أن لا أنزال حتى أجد محمدا أو أقتل ألف أعرابي ومائة قرشي وكان يطوف حول الكعبة وينشد أشعارا منها: يا رب رد راكبي محمدا * رد إلي واتخذ عندي يدا يا رب ان محمدا لن يوجدا * تصبح قريش كلهم مبددا فسمع نداء: ان الله لا يضيع محمدا، فقال: أين هو ؟ قال: في وادي فلان تحت شجرة ام غيلان (2). قال ابن مسعود: فأتينا الوادي فرأيناه يأكل الرطب من ام غيلان وحوله شابان فلما قربنا منه ذهب الشابان وكانا جبرائيل وميكائيل عليهما السلام فسألناه من أنت وماذا تصنع ؟ قال: أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب، فحمله عبد المطلب على عنقه وطاف به حول الكعبة وكانت النساء اجتمعن عند آمنة على مصيبته فلما رآها تمسك بها وما التفت الى أحد وكان عبد المطلب أرسل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله الى رعاية في إبل قد ندت له بجمعها فلما أبطأ عليه أنفذر وراءه في كل طريق وكل شعب وأخذ بحلقة باب الكعبة وهو يقول: (يا رب ان صغوا بهلك آلك أن تفعل فأمر ما بدالك) فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالابل فلما رآه أخذه فقبله فقال: بأبي لا وجهتك بعد هذا في شئ فاني أخاف أن تغتال فتقتل. عكرمة: كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبه ولا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج فكان رسول الله يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه فقال لهم عبد المطلب: دعوا ابني فوالله ان له لشأنا عظيما اني أرى انه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم اني أرى عزته عزة تسود الناس، ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويوصيه الى أبى طالب (3)


(1) قال الجزري في النهاية في حديث المولود: انه كان يتيما في حجر أبي طالب وكان يقرب الى الصبيان تصبيحهم فيختلسون فيكف على غدائهم. (2) الغيلان بالفتح: ضرب من الغضاة والغضا شجر. (3) هذا الكلام منقول من اكمال الدين بتلخيص يسير (*).

[ 34 ]

القاضى المعتمد (1) في تفسيره عن ابن عباس انه وقع بين أبي طالب وبين يهودي كلام وهو بالشام فقال اليهودي: لم تفخر علينا وابن أخيك بمكة يسأل الناس، فغضب أبو طالب وترك تجارته وقدم مكة فرأى غلمانا يلعبون ومحمد فيهم مختل الحال فقال له: يا غلام من أنت ومن أبوك ؟ قال: أنا محمد بن عبد الله أنا يتيم لا أب لي ولا ام، فعانقه أبو طالب وقبله ثم ألبسه جبة مصرية ودهن رأسه وشد دينارا في ردائه ونشر قبله تمرا فقال: يا غلمان هلموا فكلوا، ثم أخذ أربع تمرات الى ام كبشة وقص عليها فقالت: فلعله أبوك أبو طالب، قال: لا أدري رأيت شيخا بارا، إذ مر أبو طالب فقالت: يا محمد كان هذا ؟ قال: نعم، قالت: هذا أبوك أبو طالب، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وآله وتعلق به وقال: يا أبه الحمد لله الذي أرانيك لا تخلفني في هذه البلاد، فحمله أبو طالب. الاوزاعي (2): كان النبي صلى الله عليه وآله في حجر عبد المطلب فلما أتي عليه اثنان ومائة سنة ورسول الله ابن ثمان سنين جمع بنيه وقال: محمد بتيم فآووه وعائل فأغنوه احفظوا وصيتي فيه، فقال أبو لهب: أنا له، فقال: كف شرك عنه، فقال العباس: أنا له، فقال: أنت غضبان لعلك تؤذيه، فقال أبو طالب: انا له، فقال: أنت له يا محمد أطع له، فقال رسول الله: يا أبه لا تحزن فان لي ربالا يضيعني، فأمسكه أبو طالب في حجره وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره من اليهود المرضدة له بالعداوة ومن غيرهم من بني أعمامه ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة، وأنشأ عبد المطلب: اوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فرد وقال: وصيت من كفيته بطالب * عبدمناف وهو ذو تجارب يابن الحبيب أكرم الاقارب * يابن الذي قد غاب غير آيب فتمثل أبو طالب وكان سمع من الراهب وصفه: لا توصني بلازم وواجب * اني سمعت أعجب العجائب من كل حبر عالم وكاتب * بان بحمد الله قول الراهب


(1) هو القاضي عبد العزيز بن نحرير ؟ المكنى بابن البراج صاحب المهذب والمعتمد وغيرهما. كان قاضيا بطرابلس يذكره ابن شهر اشوب في رجاله كما في أمل الآمل. (2) هو عبد الرحمن بن أبي عمرو الاوزاعي الفقيه ثقة جليل من السابعة توفي سنة 157 ه‍ (*).

[ 35 ]

أبو سعيد الواعظ في كتاب شرف المصطفى انه لما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب فقال له: يا بني قد علمت شدة حبي لمحمد ووجدي به أنظر كيف تحفظني فيه ؟ قال أبو طالب: يا أبه لا توصني بمحمد فانه ابني وابن أخي، فلما توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله. ابن عباس قال أبو طالب لاخيه: يا عباس أخبرك عن محمد اني ضممته فلما افارقه ساعة من ليل أو نهار فلم أأتمن أحدا حتى نومته في فراشي فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي فرأيت في وجهه الكراهيه فقال: يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي، فقلت له: ولم ذاك ؟ فقال: لا ينبغي لاحد أن ينظر الى جسدي فتعجبت من قوله وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه فإذا دخلت أنا الفراش إذا بينه وبيني ثوب والله ما أدخلته في فراشي فأمسه فإذا هو ألين ثوب ثم شممته كأنه غمس في مسك وكنت إذا أصبحت فقدت فكان هذا دأبي ودأبه وكنت كثيرا ما أفتقده في فراشي فإذا قمت لاطلبه بادرني من فراشي ها أنا ذا يا عم فارجع الى مكانك وكان النبي صلى الله عليه وآله يأتي زمزم فيشرب منها شربة فربما عرض عليه أبو طالب الغدا فيقول لا أريده أنا شبعان وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغديهم يقول كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيبقى الطعام. القاضي المعتمد في تفسيره قال أبو طالب: لقد كنت كثيرا ما أسمع منه إذا ذهب من الليل كلاما يعجبنى وكنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب حتى سمعته يقول: بسم الله الاحد، ثم يأكل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله كثيرا. فتعجبت منه وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السماء ثم لم أرمنه كذبة قط ولا جاهلية قط ولا رأيته بضحك في غير موضع الضحك ولا مع الصبيان في لعب ولا التفت إليهم وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع. وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود: وجدنا في كتبنا ان محمدا يجنبه ربه من الحرام والشبهات فجربوه، فقدموا الى أبي طالب دجاجة مسمنة فكانت قريش يأكلون منها والرسول صلى الله عليه وآله تعدل يده عنها فقالوا: مالك ؟ قال: أراها حراما يصوننى ربي عنها، فقالوا: هي حلال فنلقمك، قال: فافعلوا إن قدرتم، فكانت أيديهم تعدل بها الى الجهات فجاؤه بدجاجة اخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء فتناول منها لقمة فسقطت من يده فقال صلى الله عليه وآله: وما أراها إلا من شبهة يصوننى ربي عنها، فقالوا: نلقمك منها، فكلما تناولوا منها ثقلت أيديهم فقالوا لهذا شأن عظيم


[ 36 ]

ولما ظهر امره صلى الله عليه وآله عاداه أبو جهل وجمع صبيان بنى مخزوم فقال: أنا أميركم، وانعقد صبيان بنى هاشم وبنى عبد المطلب على النبي وقالوا: أنت الامير، قالت ام علي (ع) وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست ولها رمان يابسة فأتى النبي يوما الى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرطب فكنت في كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة (1) فإذا كان وقت ضاحي النهار يدخل فيقول يا اماه اعطيني ديوان العسكر فكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان بنى هاشم، فلما كان بعض الايام دخل وقال: يا اماه اعطيني ديوان العسكر، فقلت يا ولدي اعلم ان النخلة ما أعطتنا اليوم شيئا، قالت: فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده فأخذ من الرطب ما أراد ثم عادت النخلة الى ما كانت، فمن ذلك اليوم قلت: اللهم رب السماء ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد ففي تلك الليلة واقعنى أبو طالب فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته فما كان يقرب صنما ولا يسجد لوثن كل ذلك ببركة محمد. المفسرون عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى (لايلاف قريش) انه كانت لهم في كل سنة رحلتان باليمن والشام، وكان من وقاية أبي طالب انه عزم على الخروج في ركب من قريش الى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده صلى الله عليه وآله أخذ النبي بزمام ناقته وقال: يا عم على من تخلفنى ولا أب لي ولا ام ؟ وكان قيل لي (2) ما يفعل به في هذا الحر وهو غلام صغير فقال: والله لاخرجن به ولا افارقه أبدا. وفي رواية الطبري ضب به رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له أبو طالب فخشيت له خشية (3) وكانوا ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي كان عليه محمد أمامي ولا يفارقنى ويسبق الركب كلهم وكانت سحابة بيضاء مثل الثلج تظله وربما أمطرت علينا أنواع الفواكه، وكان يكثر الماء وتخضر الارض، وكان وقف جمال قوم فمشى إليها ومسح عليها فسارت فلما قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت وإذا فيها راهب، فلما نظر الى النبي صلى الله عليه وآله قال: ان كان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قليلة الاغصان ليس لها حمل فاهتزت الشجرة وألقت أغصانها عليه وحملت ثلاثة أنواع فاكهتين للصيف وفاكهة للشتاء فجاء بحيراء بطعام


(1) الدوخلة بالتشديد: كالزمبيل. (2) هكذا في الاصل والصحيح قيل له: (3) الظاهر في العبارة: قال فحشوت له حشية (*).

[ 37 ]

يكفي النبي صلى الله عليه وآله وقال: من يتولى أمر هذا الغلام ؟ فقلت: أنا، قال: أي شئ تكون منه ؟ قلت: أنا عمه، فقال: له أعمام أيهم أنت ؟ قلت: أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: أشهد انه هو وإلا فلست بحيراء، فأذن في تقريب الطعام فقلت: رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي من دون أصحابي ؟ قال: هو لك خاصة فقال: فاني لا آكل دون هؤلاء، فقال له: انه لم يكن عندي أكثر من هذا، قال أفتأذن أن يأكلوا معي ؟ قال بلى، قال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه فو الله لقد كنا مائة وسبعين رجلا فأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ وبحيراء على رأسه يذب عن النبي صلى الله عليه وآله ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام وفي كل ساعة يقبل يافوخه ويقول: هو هو ورب المسيح، فقالوا له: ان لك لشأنا، قال: إني لارى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وان تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه الى وطنه ولقد رأيت له وقد أقبل نورا أمامه ما بين السماء والارض ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه وآخرين ينثرون عليه انواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الاغصان وقد كثرت اغصانها واهتزت وحملت ثلاثة انواع من الفواكه ثم فاضت هذه الحياض بعد ما غارت في ايام الحواريين، ثم قال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى عن ثلاث، فقال: والله ما أبغضت شيئا كبغضي إياهما، فسأله بالله عن حاله ونومه وهيئته ثم نظر الى خاتم النبوة فجعل يقبل رجليه فقال لابي طالب: ما هو منك ؟ قال: ابني، قال: ما هو بابنك ولا ينبغي ان يكون ابوه حيا. فقال: انه ابن أخي مات أبوه وهو صغير، فقال: صدقت الآن فارجع به الى بلده واحذر عليه اليهود والله لئن عرفوا منه ما عرفت ليقتلنه وان لابن اخيك لشأنا عظيما فقال: ان كان الامر كما وصفت فهو في حصن الله، وفي ذلك يقول أبو طالب وقد أوردها محمد بن اسحاق: ان ابن آمنة النبي محمدا * عندي بمثل منازل الاولاد لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالازواد فارفض من عينى دمع ذارف * مثل الجمان مفرد الافراد راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الاجداد وأمرته بالسير بين عمومه * بيض الوجوه مصاله الانجاد


[ 38 ]

حتى إذا ما القوم بصرى (1) عاينوا * لاقوا على شرف من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثا صادقا * عنه ورد معاشر الحساد بكر بن عبد الله الاشجعي: ان أبا المويهب الراهب (2) سأل عبد مناف بن كنانة ونوفل بن معاوية بالشام: هل قدم معكما غيركما من الشام ؟ قالا: نعم شاب من بنى هاشم اسمه محمد، قال: إياه أردت، قالوا: انه يتيم أبي طالب أجير خديجة، فأخذ يحرك رأسه ويقول: هو هو فدلاني عليه، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله فقال: هو هو، فخلا به يناجيه ويقبل بين عينيه وأخرج شيئا من كمه ليعطيه والنبي صلى الله عليه وآله يأبى ان يقبله فلما فارقه قال: هذا نبي آخر الزمان سيخرج عن قريب ثم قال هل ولد لعمه ابي طالب علي ؟ فقلنا: لا، فقال: هذه سنته وهو أول من يؤمن به وانا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة، الخبر. يعلى بن سيابه قال: حكى خالد بن اسيد بن أبي العاص وطليق بن ابي صفيان بن أمية انهما كانا مع النبي صلى الله عليه وآله في سفر ولما قربنا من الشام رأينا والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور اعظم من نور الشمس فلما توسطنا الشام ما قدرنا ان تجوز السوق من ازدحام الناس ينظرون الى النبي صلى الله عليه وآله فجاء حبر عظيم اسمه نسطور فجلس بحذائه ينظر إليه فقال لابي طالب: ما اسمه قال: محمد بن عبد الله، فتغير لونه ثم قال: اريداكشف ظهره، فلما كشف رأى الخاتم فانكب عليه يقبله ويبكي وقال اسرع برده الى موضعه فما اكثر عدوه في ارضنا، فلم يزل يتعاهدنا في كل يوم واتاه بقميص فلم يقبله فأخذه أبو طالب مخافة ان يغتم الرجل. وزوج أبو طالب خديجة من النبي صلى الله عليه وآله وذلك ان نساء قريش اجتمعن في المسجد في عيد فاذاهن بيهودي يقول: ليوشك ان يبعث فيكن نبي فأيكن استطاعت ان تكون له ارضا يطأها فلتفعل، فحصبنه (3) وقر ذلك القول في قلب خديجة وكان النبي صلى الله عليه وآله قد استأجرته خديجة على ان تعطيه بكرين ويسير مع غلامها ميسرة الى الشام فلما أقبلا في سفرها نزل النبي تحت شجرة فرآه راهب يقال له نسطور فاستقبله وقبل يديه ورجليه وقال: اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله لما رأى منه علامات وانه نزل تحت الشجرة، ثم قال لميسرة: طاوعه في اوامره ونواهيه


(1) الظاهر اسقاط الالف واللام فتكون: قوم بصرى. (2) قصة أبي مويهب هذه ملخصة أيضا عن اكمال الدين للصدوق. (3) أي رمينه بالحصياء وهو الحصاء الصغار (*).

[ 39 ]

فانه نبى والله ما جلس هذا المجلس بعد عيسى احد غيره ولقد بشر به عيسى (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد وهو يملك الارض بأسرها) وقال ميسرة: يا محمد لقد جزنا عقبات بليلة كنا نجوزها بأيام كثيرة وربحنا في هذه السفرة ما لم تربح من اربعين سنة ببركتك يا محمد فاستقبل بخديجة وابشرها بربحنا، وكانت وقتئذ جالسة على منظرة لها فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه وفوقه سحابة معلق عليها قنديل من زبرجدة وحوله قبة من ياقوتة حمراء فظنت ملكا يأتي بخطبتها وقالت اللهم إلي والى دارى، فلما أتى كان محمدا وبشرها بالارباح فقالت: واين ميسرة ؟ قال: يقفو اثري، قالت: فارجع إليه وكن معه، ومقصودها لتستيقن حال السحابة فكانت السحابة تمر معه فأقبل ميسرة الى خديجة واخبرها بحاله وقال لها: اني كنت آكل معه حتى نشبع ويبقى الطعام بحاله كما هو وكنت ارى وقت الهاجرة ملكين يظللانه فدعت خديجة بطبق عليه رطب ودعت رجالا ورسول الله صلى الله عليه وآله فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص شيئا فأعتقت ميسرة واولاده واعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة ورتبت الخطبة من عمرو بن اسد عمها. قال النسوي في تاريخه: أنكحه إياها ابوها خويلد بن اسد، فخطب أبو طالب بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى، والزمخشري في ربيع الابرار وفى تفسيره الكشاف، وابن بطة في الابانة، والجويني في السير عن الحسن، والواقدي وابى صالح والعتبي، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع ابراهيم الخليل ومن ذرية الصفي وضئضئ (1) معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل مسكننا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ابن اخي هذا محمد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه وان كان في المال مقلا فان المال ورق (2) حائل (3) وظل زائل، وله والله خطب عظيم ونبأ شائع، وله رغبة في خديجة ولها فيه رغبة فزوجوه، والصداق ما سألتموه من مالي عاجله وآجله. فقال خويلد: زوجناه ورضينا به. وروي انه قال بعض قريش:


(1) الضئضئ: الاصل، يقال: ضئضئ صدق وضؤضؤ صدق، وحكى بعضهم ضئضئ بوزن قنديل. وفي النهاية في حديث الخوارج: يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. (2) الورق مثلثة: كجبل المال من ابل ودراهم وغيرها. (3) حائل: أي متغير (*).

[ 40 ]

يا عجباه أيمهر النساء الرجال ! فغضب أبو طالب وقال: إذا كانوا مثل ابن اخي هذا طلبت الرجال بأغلى الاثمان وإذا كانوا امثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي، فقال من قريش يقال له عبد الله بن غنم: هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت * لك الطير فيما كان منك بأسعد تزوجته خير البرية كلها * ومن ذا الذي في الناس مثل محمد وبشر به المرءان عيسى بن مريم * وموسى بن عمران فيا قرب موعد أقرت به الكتاب قدما بأنه * رسول من البطحاء هاد ومهتدي فصل: في مبعث النبي صلى الله عليه وآله (يا ايها النبي انا ارسلناك بالحق هو الذي ارسل رسوله ما كان محمد أبا احد) ارسله الله تعالى بعد اربعين سنة من عمره حين تكامل بها واشتد قواه ليكون متهيبا ومتأهبا لما انذر به، ولبعثته درجات (اولها) الرؤيا الصادقة (والثانية) ما رواه الشعبي وداود بن عامر ان الله تعالى قرن جبرئيل بنبوة نبيه ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه ويعلمه الشئ بعد الشئ ولا ينزل عليه القرآن، فكان في هذه المدة مبشرا غير مبعوث الى الامة (والثالثة) حديث خديجة وورقة بن نوفل (والرابعة) امره بتحديث النعم فأذن له في ذكره دون انذاره قوله (واما بنعمة ربك فحدث) أي بما جاءك من النبوة (والخامسة) حين نزل عليه القرآن بالامر والنهي فصار به مبعوثا ولم يؤمر بالجهر ونزل (يا ايها المدثر) فأسلم علي وخديجة ثم زيد ثم جعفر (والسادسة) امر بأن يعم بالانذار بعد خصوصه ويجهر بذلك ونزل (واصدع بما تؤمر) قال ابن اسحاق: وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه ونزل (وانذر عشيرتك الاقربين) فنادى: يا صباحاه (1) (والسابعة) العبادات لم يشرع منها مدة مقامه بمكة إلا الطهارة والصلاة وكانت فرضا عليه وسنة لامته، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد اسرائه، وذلك في السنة التاسعة من نبوته، فلما تحول الى المدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان وحولت القبلة وفرض زكاة الفطر


(1) واصباحاه كلمة بقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لانهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، فكأن القائل: واصباحاه أويا صباحاه، يقول: قد غشينا العدو (*). ” مناقب ج 1، م 5 “

[ 41 ]

وفرض فيها صلاة العيد، وكان فرض الجمعة في اول الهجرة بدلا من صلاة الظهر ثم فرضت زكاة الاموال ثم الحج والعمرة والتحليل والتحريم والخطر والاباحة والاستحباب والكراهة ثم فرض الجهاد ثم ولايه أمير المؤمنين (ع) ونزل (اليوم أكملت لكم دينكم). وأما كيفية نزول الوحي فقد سأله الحرث بن هشام: كيف يأتيك الوحي ؟ فقال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عني فقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. وروي انه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل. وروي انه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وان جبينه لينفصد عرقا. وروي انه كان إذا نزل عليه الوحي كرب (1) لذلك ويربد وجهه ونكس رأسه ونكس أصحابه رؤسهم منه، ومنه يقال: برحاء الوحي (2). قال ابن عباس: كان النبي إذا نزل عليه القرآن تلقاه بلسانه وشفتيه كان يعالج من ذلك شدة فنزل (لا تحرك به لسانك) وكان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا ويتصدع رأسه ويجد ثقلا قوله تعالى (انا سنلقي عليك قولا ثقيلا) وسمعت مذاكرة انه نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله ستين الف مرة. علي بن ابراهيم بن هاشم القمي في كتابه: ان النبي صلى الله عليه وآله لما أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتيا أتاه فيقول: يا رسول الله، فينكر ذلك، فلما طال عليه الامر كان يوما بين الجبال يرعى غنما لابي طالب، فنظر الى شخص يقول: يا رسول الله، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا جبرئيل أرسلني الله اليك ليتخذك رسولا فأخبر النبي خديجة بذلك فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك، فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء وعلمه الوضوء والركوع والسجود، فلما تم له أربعون سنة علمه حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت أبو ميسرة وبريدة: ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انطلق بارزا سمع صوتا: يا محمد، فيأتي خديجة فيقول: يا خديجة قد خشيت أن يكون خالط عقلي شئ اني إذا خلوت أسمع صوتا وأرى نورا.


(1) كرب: تغير الى الغبرة. (2) في النهاية: البرح الشدة، ومنه الحديث: فأخذه البرحاء، أي شدة الكرب من ثقل الوحي (*).

[ 42 ]

محمد بن كعب وعائشة: أول ما بدأ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة وكان يرى الرؤيا فتأتيه مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلا فكان يخلو بغار حري (1) فسمع نداء: يا محمد، فغشى عليه، فلما كان اليوم الثاني سمع مثله نداء فرجع الى خديجة فقال زملوني زملوني فوالله لقد خشيت على عقلي، فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل فقال ورقة: هذا والله الناموس الذي انزل على موسى وعيسى وانى أرى في المنام ثلاث ليال ان الله أرسل في مكة رسولا اسمه محمد وقد قرب وقته وقد قرب وقته ولست أرى في الناس رجلا أفضل منه، فخرج الى حرى فرأى كرسيا من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من لؤلؤ، فلما رأى ذلك غشى عليه فقال ورقة: يا خديجة فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك فان خرج فهو ملك وإن بقى فهو شيطان، فنزعت خمارها فخرج الجائي فلما اختمرت عاد، فسأله ورقة عن صفة الجائي فلما حكاه قام وقبل رأسه وقال: ذاك الناموس الاكبر الذي نزل على موسى وعيسى، ثم قال: ابشر فانك أنت النبي الذي بشر به موسى وعيسى وانك نبي مرسل ستؤمر بالجهاد وتوجه نحوها وأنشأ يقول: فان يك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبربل يأتيه وميكال معهما * من الله وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من فاز عزا لدينه * ويشقى به الغاوي الشقي المضلل فريقان منهم فرقة في جنانه * واخرى بأغلال الجحيم تغلل ومن قصيدة له: يا للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشئ قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لاخبرها * وما لنا بحقي العلم من خبر فخبرتني فأمر قد سمعت به * فيما مضى من قديم الناس والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره * جبريل انك مبعوث الى البشر ومن قصيدة له: فخبرنا (2) عن كل خير بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح


(1) أو حراء على المشهور في التسمية، قال القيومي: حراء ككتاب جبل بمكة يذكر ويؤنث وحكى الفيروز آبادي استعماله كعلى أيضا. (2) في الاصل فخبرنا بالحاء المهملة (*).

[ 43 ]

وان ابن عبد الله أحمد مرسل * الى كل من ضمت عليه الاباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان نوح وصالح وموسى وابراهيم حتى يرى له * بهاء ومنشور من الذكر واضح وروي انه نزل جبرئيل على جواد أصفر والنبي صلى الله عليه وآله بين علي وجعفر فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ولم ينبهاه إعظاما له فقال ميكائيل: الى أيهم بعثت ؟ قال: الى الاوسط، فلما انتبه أدى إليه جبرئيل الرسالة عن الله تعالى، فلما نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بثوبه ثم قال: ما اسمك ؟ قال: جبرئيل، ثم نهض النبي ليلحق بقومه فما مر بشجرة ولا مدرة إلا سلمت عليه وهنأته، ثم كان جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلا بعد أن يستأذن عليه فأتاه يوما وهو بأعلى مكمة فغمز بعقبه بناحية الوادي فانفجر عين فتوضأ جبرئيل وتطهر الرسول ثم صلى الظهر وهي أول صلاة فرضها الله تعالى وصلى أمير المؤمنين (ع) مع النبي ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله من يومه الى خديجة فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم. وروي ان جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خط فقال: اقرأ، قلت: كيف أقرأ ولست بقارئ ؟ الى ثلاث مرات فقال في المرة الرابعة (اقرأ باسم ربك) الى قوله (ما لم يعلم) ثم أنزل الله جبرئيل وميكائيل (ع) ومع كل واحد منهما سبعون الف ملك، وأتى بالكراسي ووضع تاج على رأس محمد صلى الله عليه وآله وأعطى لواء الحمد بيده فقال اصعد عليه واحمد الله، فلما نزل عن الكرسي توجه الى خديجة فكان كل شئ يسجد له ويقول بلسان فصيح: السلام عليك يا نبي الله، فلما دخل الدار صارت الدار منورة فقالت خديجة: وما هذا النور ! قال: هذا نور النبوة قولي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقالت: طال ما قد عرفت ذلك، ثم أسلمت، فقال يا خديجة انى لاجد بردا، فدثرت عليه فنام فنودي (يا أيها المدثر) الآية، فقام وجعل اصبعه في اذنه وقال: الله أكبر الله أكبر، فكان كل موجود يسمعه يوافقه. وروي انه لما نزل قوله (وانذر عشيرتك الاقربين) صعد رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك ؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني، قالوا: بلى، قال: فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا، فنزلت سورة تبت يدا أبى لهب.


[ 44 ]

قتادة: انه خطب ثم قال: أيها الناس ان الرائد (1) لا يكذب اهله ولو كنت كاذبا لما كذبتم والله الذي لا إله إلا هو إنى رسول الله اليكم حقا خاصة والى الناس عامة والله لتموتون كما تنامون ولتبعثون كما تستيقظون ولتحاسبون كما تعلمون ولتجزون بالاحسان إحسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة ابدا والنار ابدا وانكم اول من انذرتم ثم فتر الوحي فجزع لذلك النبي صلى الله عليه وآله جزعا شديدا فقالت له خديجة: لقد قلاك (2) ربك فنزلت سورة الضحى فقال لجبرئيل: ما يمنعك ان تزورنا في كل يوم ؟ فنزل (وما ننزل إلا بأمر ربك) الى قوله (نسيا). ابن جبير: توجه النبي صلى الله عليه وآله تلقاء مكة وقام بنخلة في جوف الليل يصلي فمرء به نفر من الجن فوجدوه يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن فاستمعوا إليه وقال آخرون امر رسول الله ان ينذر الجن فصرت الله إليه نفرا من الجن من نينوى، قوله (وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن) وكان بات في وادي الجن وهو على ميل من المدينة فقال إنى امرت ان أقر أعلى الجن الليلة فأيكم يتبعني ؟ فاتبعه ابن مسعود فلما دخل الحجون (3) من مكة خط لي خطا ثم امرني ان اجلس فيه وقال: لا تخرج منه حتى اعود اليك، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته اسود كثيرة حتى حالت بينى وبينه حتى لم اسمع صوته ثم انطلقوا ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب وفرغ النبي صلى الله عليه وآله مع الفجر فقال لي: هل رأيت شيئا ؟ فوصفتهم فقال: اولئك جن نصيبين. الكلبي، قال ابن مسعود: لم أكن مع النبي صلى الله عليه وآله ليلة الجن وودت انى كنت معه، وهو الصحيح. روي عن ابن عباس انهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا الى قومهم. وقال زر بن حبيش (4): كانوا سبعة منهم زوبعة. وقال غيره: وهم مسار وبسار ولارد وخميع. محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: لما قرأ النبي سورة الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا، فقال صلى الله عليه وآله الجن كانوا احسن جوابا منكم لما قرأت عليهم


(1) الرائد: الذي يرسل في طلب الكلا، يقال: لا يكذب الرائد أهله. (2) قلاك أي عافك. (3) الحجون: وزان رسول جبل مشرف على مكة. (4) زر: بالاولى المعجمة ثم المهملة ابن حبيش بالحاء المهملة وآخرها المعجمة: هو من رجال الامام علي (ع) (*).

[ 45 ]

(فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا بشئ من آلائك ربنا نكذب. علي بن ابراهيم: فجاؤا الى النبي صلى الله عليه وآله فآمنوا به وعلمهم النبي شرائع الاسلام وأنزل (قل اوحي) الى آخر السورة، وكانوا يفدون الى النبي في كل وقت ومكان قال حزيمة بن حكيم النهدي: ويعلو أمره حتى تراه * يشير إليه أعظم ما مشير وهذا عمه سيذب عنه * وينصره بمشحوذ بتور وتخرجه قريش بعد هذا * إذا ما العم صار الى القبور وينصره بيثرب كل قوم * بنو أوس وخزرج الاثير سيقتل من قريش كل قوم * وكبشهم سينحر كالجزور وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله: مرحبا بالمهاجر الاول. فصل: فيما لا في النبي من الكفار رسالة الفائق، انه لما اعترض أبو لهب على رسول الله صلى الله عليه وآله عند إظهار الدعوة قال له أبو طالب: يا أعور ما أنت وهذا ؟ (قال الاخفش: الاعور الذي خيب وقيل يا ردي، ومنه الكلمة العوراء، وقال ابن الاعرابي: الذي ليس له أخ من أبيه وامه) ابن عباس: ان الوليد بن المغيرة أتى قريشا فقال: ان الناس يجتمعون غدا بالموسم وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس وهم يسألونكم عنه فما تقولون ؟ فقال أبو جهل: أقول انه مجنون ! ! وقال أبو لهب: اقول انه شاعر ! وقال عقبة بن ابي معيط: اقول انه كاهن ! فقال الوليد: بل اقول هو ساحر يفرق بين الرجل والمرأة وبين الرجل واخيه وابيه، فأنزل الله تعالى (ن والقلم) الآية، وقوله (وما هو بقول شاعر) الآية. وكان النبي صلى الله عليه وآله يقرأ القرآن فقال أبو سفيان والوليد وعتبة وشيبة للنصر بن الحرث: ما يقول محمد ؟ فقال: أساطير الاولين مثل ما كنت احدثكم عن القرون الماضية فنزل (فمنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة) الآية. الكلبي، قال النضر بن الحرث و عبد الله بن امية: يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه اربعة املاك يشهدون عليه انه من عند الله وانك رسوله فنزل (لو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) وقالت قريش مكة أو يهود المدينة: ان هذه الارض ليست بأرض الانبياء وإنما أرض الانبياء الشام فائت الشام فنزل (وان


[ 46 ]

كادوا ليستفزونك من الارض) وقال اهل مكة: تركت ملة قومك وقد علمنا انه لا يحملك على ذلك إلا الفقر فانا نجمع لك من اموالنا حتى تكون من اغنانا فنزل: (قل أغير الله أتخذ وليا) وكان المشركون إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم على محمد ؟ قالوا أساطير الاولين فنزل (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) الآية. ابن عباس، قالت قريش: ان القرآن ليس من عند الله وإنما يعلمه بلعام وكان قينا بمكة روميا نصرانيا، وقال الضحاك: ارادوا به سلمان، وقال مجاهد: عبد النبي الحضرمي يقال له يعيش فنزل (ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر) الآية، وقوله (وقال الذين كفروا ان هذا إلا إفك افتراه) محمد واختلقه من تلقاء نفسه وأعانه عليه قوم آخرون يعنون عداسا مولى خويطب ويسار غلام العلاء بن الحضرمي وحميرا مولى عامر وكانوا من اهل الكتاب، فكذبهم الله تعالى فقال (فقد جاؤا ظلما وزورا) الآيات. قال علم الهدى والناصر للحق في رواياتهم: ان النبي صلى الله عليه وآله لما بلغ الى قوله (أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة الاخرى) القى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق (1) العلى وان شفاعتهن لترتجي، فسر بذلك المشركون، فلما انتهى الى السجدة سجد المسلمون والمشركون معا (ان صح هذا الخبر فمحمول على انه كان يتلو القرآن فلما بلغ الى هذا الموضع قال بعض المشركين ذلك فألقى في تلاوته فأضافه الله الى الشيطان لانه إنما حصل باغرائه ووسوسته وهو الصحيح لان المفسرين رووا في قوله (وما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاء). كان النبي صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام فقام رجلان من عبدالدار عن يمينه يصفران ورجلان عن يساره بصفقان بأيديهما فيختلطان عليه صلاته فقلتهم الله جميعا ببدر، قوله (فذوقوا العذاب). وروي في قوله (وقال الذين كفروا) أي قال رؤساؤهم من قريش لا تباعهم لما عجزوا عن معارضة القرآن (ان لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) أي عارضوه باللغو والباطل والمكاء ورفع الصوت بالشعر (لعلكم تغلبون) باللغو (فلنذيقن الذين كفروا). قال البختري:


(1) الغرانيق هنا الاصنام، وهى في الاصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق وغرنيق سمي به لبياضه، وقيل هو الكركي. وكانوا يزعمون ان الاصنام تقربهم من الله زلفى وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترفع (*).

[ 47 ]

وأقمت الصلاة في غلف * لا يعرفون الصلاة إلا مكاء الكلبي: اتى اهل مكة الى النبي فقالوا: ما وجد الله رسولا غيرك ما نرى احدا يصدقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد انك رسول الله كما تزعم فنزل (قل أي شئ اكبر شهادة) الآية، وقالوا: العجب ان الله تعالى لم يجد رسولا يرسله الى الناس إلا يتيم ابي طالب فنزل (الرتلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس) الآيات، وقال الوليد بن المغيرة: والله لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لانني اكبر منك سنا واكثر منك مالا، وقال جماعة: لم لم يرسل رسولا من مكة أو من الطائف عظيما – يعني ابا جهل وعبد نائل – فنزل (وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل)، وقال أبو جهل: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبى يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتبعه ابدا إلا ان يأتينا وحي كما يأتيه. فنزل (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى) الآية، وقال الحرث بن نوفل بن عبد مناف: انا لنعلم ان قولك حق ولكن يمنعنا ان نتبع الذي معك ونؤمن بك مخافة ان يتخطفنا العرب من ارضنا ولا طاقة لنا بها، فنزلت (وقالوا ان نتبع الهدى نتخطف من ارضنا) فقال الله تعالى رادا عليهم: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا). الزجاج في المعاني، والثعلبي في الكشف: والزمخشري في الفايق، والواحدي في اسباب نزول القرآن، والثمالي في تفسيره واللفظ له انه قال عثمان لابن سلام: نزل على محمد (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابنائهم) فكيف هذه ؟ قال: يعرف نبى الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف احدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان وأيم الله لانا بمحمد اشد معرفة مني بابني لاني عرفته بما نعته الله في كتابنا واما ابني فاني لا ادري ما احدثت امه. ابن عباس قال: كانت اليهود يستنصرون على الاوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله قبل مبعثه فلما بعثه الله تعالى من العرب دون بني اسرائيل كفروا به، فقال لهم بشر بن معرور ومعاذ بن جبل: اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن اهل الشرك وتذكرون انه مبعوث، فقال سلام بن مسلم اخو بني النظير ما جاءنا بشئ نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر كم فنزل (ولما جائهم كتاب من عند الله قالوا) الى قوله (وكانوا من قبل يستفتحون) الآية، وكانت اليهود إذا اصابتهم شدة من الكفار يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته


[ 48 ]

في التوراة، فلما قرب وقت خروجه صلى الله عليه وآله قالوا: قد اظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، وهو المروي عن الصادق وكان الاخبار من اليهود يعرفونه فحرفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله في التوراة من الممادح الى المقابح فلما قالت عامة اليهود: كان محمدا هو المبعوث في آخر الزمان، قالت الاحبار: كلا وحاشا وهذه صفته في التوراة. واسلم عبد الله بن سلام وقال: يا رسول الله سل اليهود عنى فانهم يقولون هو اعلمنا فإذا قالوا ذلك قلت لهم ان التوراة دالة على نبوتك وان صفاتك فيها واضحة، فلما سألهم قالوا كذلك فحينئذ اظهر ابن سلام إيمانه فكذبوه، فنزل (قل أرأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد) الآية. الكلبى، قال كعب بن الاشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وفنحاص ابن عازورا: يا محمد ان الله عهد الينا في التوراة ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار فان زعمت ان الله بعثك الينا فجئنا به نصدقك، فنزلت (ولما جائهم كتاب من عند الله) الآية، وقوله (قل جائكم) اراد زكريا ويحيى وجميع من قتلهم اليهود الكلبى، كان النضر بن الحرث يتجر فيخرج الى فارس فيشري اخبار الاعاجم ويحدث بها قريشا ويقول لهم: ان محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث اسفنديار ورستم فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزل (ومن الناس من يشتري لهو الحديث). القشيري: ان بعض المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب، فنزل (أو لم يكفهم انا أنزلنا الكتاب) وقال النبي صلى الله عليه وآله: جئتكم بها بيضاء نقية. السدي: انه قيل للوليد بن المغيرة: ما هذا الذي يقرأ محمد سحر أم كهانة أم خطب ؟ فاستظهرهم وقال للنبى: اقرأ علي، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: تدعو الى رجل باليمامة يسمى الرحمن ؟ قال: لا ولكني أدعو الى الله وهو الرحمن الرحيم، ثم افتتح حم السجدة فلما بلغ (فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) اقشعر جلده وقامت كل شعرة عليه وحلفه أن يكف ثم مضى الى داره فقيل له قد صبا الى دين محمد فقال: لا ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود قال: قولوا هو سحر فانه آخذ بقلوب الناس فنزل (ذرني ومن خلقت وحيدا) الى قوله (تسعة عشر). ” المناقب ج 1، م 6 “


[ 49 ]

عكرمة: انه سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وآله قوله (ان الله يأمر بالعدل والاحسان) الآيه، فقال: والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة (1) وان اعلاه لمشمر وان اسفله لمغدق وما يقول هذا بشر. ابن عباس ومجاهد في قوله: (وقال الذين كفروا لو لا انزل عليه القرآن) جملة واحدة كما انزلت التوراة والانجيل فقال الله تعالى كذلك متفرقا (لنثبت به فؤادك) وذلك انه كان يوحى إليه في كل حادثة، ولانها نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤن والقرآن نزل على نبى امي، ولان فيه ناسخا ومنسوخا، وفيه ما هو جواب لمن سأله عن امور، وفيه ما هو إنكار لما كان، وفيه ما هو حكاية شئ جرى، ولم يزل صلى الله عليه وآله يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات فنزل (ولا تعجل بالقرآن) الآية، ومعناه لا تعجل بقراءته عليهم حتى انزل عليك التفسير في اوقاته كما انزل عليك التلاوة. باع خباب بن الارت (2) سيوفا من العاص بن وائل فجاءه يتقاضاه فقال: أليس يزعم محمد ان في الجنة ما ابتغى اهلها من ذهب وفضة وثياب وخدم ؟ قال: بلى، قال فانظرني اقضك هناك حقك فوالله لا تكون هنالك واصحابك عند الله آثر مني، فنزل (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) الى قوله (فردا). وتكلم النضر بن الحارث مع النبي صلى الله عليه وآله فكلمه رسول الله حتى أفحمه ثم قال (انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) الآية، فلما خرج النبي قال ابن الزبعرى: أما والله لو وجدته في المجلس لخصمته فاسألوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى، فاخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ويل امه أما علم ان ما لما لا يعقل ومن لمن يعقل، فنزلت (ان الذين سبقت لهم) الآية،. وقالت اليهود: ألست لم تزل نبيا ؟ قال: بلى، قالت: فلم لم تنطق في المهد كما نطق عيسى ؟ فقال: ان الله عزوجل خلق عيسى من غير فحل فلولا انه نطق في المهد لما كان لمريم عذر إذ اخذت بما يؤخذ به مثلها وانا ولدت بين ابوين. واجتمعت إليه قريش فقالوا: الى ما تدعونا يا محمد ؟ قال: الى شهادة أن لا إله إلا الله وخلع الانداد كلها، قالوا: ندع ثلاثمائة وستين إلها ونعبد إلها واحدا ! فنزل:


(1) الطلاوة: الحسن والبهجة. (2) خباب بن الارت التميمي: أبو عبد الله من السابقين في الاسلام وقد عذب كثيرا في الله ثم شهد بدرا. ونزل أخيرا في الكوفة وتوفي بها سنة 37 ه‍ (*).

[ 50 ]

(وعجبوا ان جائهم منذر منهم) الى قوله (عذاب). نزل أبو سفيان وعكرمة وابو الاعور السلمي على عبد الله بن ابي و عبد الله بن ابي سرح فقالوا: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله فأمر واخرجوا من المدينة ونزل (ولا تطع الكافرين) من اهل مكة (والمنافقين) من اهل المدينة. ابن عباس: عيروا النبي بكثرة التزوج وقالوا: لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزوج النساء، فنزل (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك). ابن عباس، والاصم: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي عند المقام فمر به أبو جهل فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ ! وتوعده، فأغلظ له رسول الله واتهره، فقال: يا محمد بأي شئ تتهددني ؟ أما والله اني لاكبر هذا الوادي ناديا، فنزل (أرأيت الذي ينهى) الى قوله (فليدع ناديه سندع الزبانية) فقال ابن عباس: لو نادى لاخذته الزبانية بالعذاب مكانه. القرطي، قالت قريش: يا محمد شتمت الآلهة وسفهت الاحلام وفرقت الجماعة فان طلبت ما لا اعطيناك أو الشرف سودناك أو كان بك علة داويناك ؟ فقال صلى الله عليه وآله ليس شئ من ذلك بل بعثني الله اليكم رسولا وأنزل كتابا فان قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وان تردوه اصبر حتى يحكم الله بيننا، قالوا: فسل ربك ان يبعث ملكا يصدقك ويجعل لنا كنوزا وجنانا وقصورا من ذهب أو يسقط علينا السماء كما زعمت أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، فقال عبد الله بن امية المخزومي: والله لا لؤمن بك حتى تتخذ سلما الى السماء ثم ترقى فيه وانا انظر، فقال أبو جهل: انه أبى إلا سب الآلهة وشتم الآباء وانى اعاهد الله لاحملن حجرا فإذا جد ضربت به رأسه. فانصرف النبي صلى الله عليه وآله حزينا فنزل (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا). الكلبى، قالت قريش: يا محمد تخبرنا عن موسى وعيسى وعاد وثمود فلت بآية حتى نصدقك، فقال صلى الله عليه وآله: أي شئ تحبون ان آتيكم به ؟ قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا ولبعث ؟ لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، فقال صلى الله عليه وآله: فان فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني ؟ قالوا: والله لو فعلت لنتبعنك اجمعين، فقام صلى الله عليه وآله يدعو ان يجعل الصفا ذهبا، فجاء جبرئيل (ع) فقال: ان شئت اصبح الصفا ذهبا ولكن ان لم يصدقوا عذبتهم وان شئت تركتهم حتى بتوب تائبهم، فقال صلى الله عليه وآله: بل يتوب تائبهم فنزل (واقسموا بالله جهد


[ 51 ]

ايمانهم لئن جائهم نذير). وروي ان قريشا كانوا يلعنون اليهود والنصارى بتكذيبهم الانبياء ولو اتاهم نبى لنصروه، فلما بعث الله النبي كذبوه فنزلت هذه الآية وكانوا يشيرون إليه بالاصابع بما حكى الله عنهم: (وإذا رآك الذين كفروا ان يتخذونك إلا هزوا) يقول بعضهم لبعض (أهذا الذى يذكر آلهتكم) وذلك قوله: انها جماد لا تنفع ولا تضر (وهم بذكر الرحمن هم كافرون). ومشش (1) ابي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه فقال: أتزعم ان ربك يحيي هذا بعد ما ترى، فنزل (وضرب لنا مثلا) السورة. وذكروا انه كان إذا قدم على النبي صلى الله عليه وآله وفد ؟ ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم وقالوا له: اخبر عن ابن اخيك، فكان يطعن في النبي وقال الباطل وقال: انا لم نزل نعالجه من الجنون فيرجع القوم ولا يلقونه. طارق المحاربي: رأيت النبي صلى الله عليه وآله في سويقة ؟ ذي المجاز عليه حلة حمراء وهو يقول: يا ايها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وابو لهب يتبعه ويرميه بالحجارة وقد ادمى كعبة وعرقوبيه وهو يقول: يا ايها الناس لا تطيعوه فانه كذاب. كتاب الشيصان، روى أبو ايوب الانصاري ان النبي صلى الله عليه وآله وقف بسوق ذى المجاز فدعاهم الى الله والعباس قائم يسمع الكلام فقال: اشهد انك كذاب، ومضى الى ابي لهب وذكر ذلك فأقبلا يناديان ان ابن اخينا هذا كذاب فلا يغرنكم عن دينكم. قال: واستقبل النبي أبو طالب فاكتنفه واقبل على ابي لهب والعباس فقال لهما: ما تريدان تربت ايديكما والله انه لصادق القيل، ثم انشأ أبو طالب: انت الامين امين الله لا كذب * والصادق القول لا لهو ولا لعب انت الرسول رسول الله نعلمه * عليك تنزل من ذي العزة الكتب مقاتل: انه رفع أبو جهل يوما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد انت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب، فاعمل انت على دينك ومذهبك، واننا عاملون على ديننا ومذهبنا، فنزل (وقالوا في قلوبنا اكنة ان يفقهوه). ابن عباس: كان جماعة إذا صح جسم احدهم ونتجت فرسه وولدت امرأته غلاما وكثرت ماشيته رضى بالاسلام وان اصابه وجع أو سوء قال: ما اصبت في هذا الدين إلا سوء، فنزل (ومن الناس من يعبد الله على حرف).


(1) مش الشئ مسحه باليد والخلط، والتمشش لمس أطراف العظام والتمشيش: استخراج المخ (*).

[ 52 ]

ونهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة وقال: ان رأيت محمدا يصلي لاطأن عنقه، فنزل (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آئما أو كفورا). ابن عباس في قوله (وان كادوا ليفتنونك بالذي أوحينا) قال وفد ثقيف: نبايعك على ثلاث: لا ننحني، ولا نكسر آلها بأيدينا، وتمتعنا باللات سنة. فقال صلى الله عليه وآله: لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود، فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم واما الطاغية اللات فاني غير ممتعكم بها. قالوا: أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا فإذا قبضناها كسرناها وأسلمنا، فهم بتأجيلهم فنزلت هذه الآية قال قتادة: فلما سمع قوله (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) قال: اللهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا. وكان النبي صلى الله عليه وآله يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط والقى عمامته في عنقه وجره من المسجد فأخذوه من يده. وكان صلى الله عليه وآله يوما جالسا على الصفا فشتمه أبو جهل ثم شج رأسه. قال حمزة بن عبد المطلب: لقد عجبت لاقوام ذوي سفه * من القبيلين من سهم ومخزوم القائلين لما جاء النبي به * هذا حديث أتانا غير ملزوم فقد أتاهم بحق غير ذي عوج * ومنزل من كتاب الله معلوم من العزيز الذى لا شئ يعدله * فيه مصاديق من حق وتعظيم فان يكونوا له ضدا يكن لكم ضدا * بغلباء مثل الليل علكوم (1) فآمنوا بني لا أبالكم * ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم فصل: في استظهاره صلى الله عليه وآله بأبى طالب تاريخ الطبري والبلاذري: انه لما نزل (فاصدع بما تؤمر) صدع النبي ونادى قومه بالاسلام، فلما نزل (انكم وما تعبدون من دون الله) الآيات، أجمعوا على خلافه فحدب عليه أبو طالب ومنعه، فقام عتبة والوليد وابو جهل والعاص الى أبي طالب فقالوا: ان ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فأما ان تكفه عنا واما ان تخلي بيننا وبينه، فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا


(1) الغلباء: الغليظ العنق، والعرب تصف الاشراف السادة بغلظ الرقبة وطولها. والعلكوم: القوية الصلبة يصف الناقة. ويحتمل أن يكون الموصوف بهما الناقة أو الجماعة (*).

[ 53 ]

وردهم ردا جميلا، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه وأسلم بعض الناس فانهمشوا (1) الى أبي طالب مرة اخرى فقالوا: ان لك سنا وشرفا ومنزلة وانا قد اشتهيناك ان تنهى ابن أخيك فلم ينته، وانا والله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله في ذلك حتى يهلك احد الفريقين، فقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وآله: ما بال أقوامك بشكونك ؟ فقال صلى الله عليه وآله: اني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، فقالوا: كلمة واحدة ؟ قال: نعم وأبيك – عشرا – قال أبو طالب: وأي كلمة هي يابن أخي ؟ قال: لا إله إلا الله، فقاموا ينفضور ثيابهم ويقولون: أجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب. قال ابن اسحاق: ان أبا طالب قال له في السر: لا تحملني مالا اطيق، فظن رسول الله انه قد بدا لعمه وانه خاذله وانه قد ضعف عن نصرته، فقال: يا عماه لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو اقتل دونه، ثم استعبر فبكى ثم قام يولي فقال أبو طالب: امض لامرك فوالله ما أخذلك ابدا. وفي رواية انه قال صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى امرني ان ادعو الى دينه الحنيفية، وخرج من عنده مغضبا، فدعاه أبو طالب وطيب قلبه ووعده بالنصرتم أنشأ يقول والله لن يصلوا اليك. بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وانشر بذاك وقر منك عيونا ودعوتني وزعمت انك ناصح * فلقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا لو لا المخافة ان يكون معرة (2) * لوجدتني سمحا بذاك مبينا الطبري والواحدي باسنادهما عن السدي، وروى ابن بابويه في كتاب النبوة عن زين العابدين (ع) انه اجتمعت قريش الى ابي طالب ورسول الله صلى الله عليه وآله عنده فقالوا نسألك من ابن اخيك النصف، قال: وما النصف منه ؟ قالوا: يكف عنا ونكف عنه فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله إلا ان هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء، فقال: يابن اخي أسمعت ؟ قال: يا عم لو أنصفني بنو عمي لاجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي ان الله تعالى أمرني ان ادعوا الى دينه الحنيفية


(1) يقال للناس إذا كثروا، فأقبلوا وأدبروا واختلطوا رأيتهم يهتمشون همشة. (2) المعرة: الاثم والاذى (*).

[ 54 ]

ملة ابراهيم، فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان، ومن عصائي قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فقالوا: قل له يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء، فنزل (قل أفغير الله تأمروني أعبده)، قالوا: ان كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فان وجدناه صادقا آمنا بيه، فنزل (وما كان الله ليذر المؤمنين) قالوا: والله لنشتمنك وإلهك، فنزل (وانطلق الملا منهم)، قالوا: قل له فليعبد ما نعبد ونعبد ما يعبد فنزلت سورة الكافرين، فقالوا: قل له أرسله الله الينا خاصة أم الى الناس كافة ؟ قال: بل ارسلت الى الناس كافة الى الابيض والاسود ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار ولادعون السنة فارس والروم (يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعا)، فتجبرت قريش واستكبرت وقالت: والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا، فنزل (وقالوا ان نتبع الهدى معك) وقوله (ألم تر كيف فعل ربك)، فقال مطعم بن عدى: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا، فقال أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد اجتمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدالك، فوثبت كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله، ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب منهم، وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم فدعاهم الى ما هو عليه من منع رسول الله والقيام دونه إلا أبا لهب كما قال الله: (ولينصرن الله من ينصره)، وقدم قوم من قريش من الطائف وأنكروا ذلك ووقعت فتنة فأمر النبي المسلمون أن يخرجوا الى أرض الحبشة. ابن عباس: دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقوم الى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعرى وتناول فرئا ودما وألقى ذلك عليه، فجاء أبو طالب وقد سل سيفه فلما رأوه جعلوا ينهضون فقال: والله لئن قام أحد جللته بسيفي، ثم قال: يابن أخي من الفاعل بك هذا ؟ قال: عبد الله، فأخذ أبو طالب فرئا ودما وألقى عليه. وفي روايات متواترة انه أمر عبيده ان يلقوا السلام (1) عن ظهره ويغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على أسبلة القوم بذلك. وفي رواية البخاري ان فاطمة أماطته (2) ثم أوسعتهم شتما وهم يضحكون، فلما سلم


(1) أراد بالسلا هنا الجلدة التى يكون فيها الولد من المواشي جمعها أسلاء. (2) أي نحته وأبعدته (*).

[ 55 ]

النبي قال: اللهم عليك الملا من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وامية بن خلف، فوالله الذى لا إله إلا هو ما سمى النبي يومئذ أحدا إلا وقد رأيته يوم بدر وقد أخذ برجله تجر الى القليب مقتولا إلا امية فانه كان متنفخا في درعة فتزايل من جره فأقروه والقوا عليه الحجر محمد بن اسحاق: وقف النبي صلى الله عليه وآله على قليب بدر فقال: بئس عشيرة الرجل كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلنموني ونصرني ؟ الناس، ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقا، ثم قال: انهم يسمعون ما أقول، فقال حسان: يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كمألب في القليب ألم تجدوا حديثي كان حقا وأمر الله يأخذ بالقلوب الطبري والبلاذري والضحاك قال: لما رأت قريش حمية قومه وذب عمه أبو طالب عنه جاؤا إليه وقالوا: جئناك بفتى قريش جمالا وجودا وشهامة عمارة بن الوليد ندفعه اليك بكون نصره وميراثه لك ومع ذلك من عندنا مال وتدفع الينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه أحلامنا فنقتله، فقال: والله ما أنصفتموني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وتأخذون ابني تقتلونه ؟ ! هذا والله ما لا يكون أبدا أتعلمون ان الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن الى غيره، ثم نهرهم فهموا باغتياله فمنعهم أبو طالب من ذلك وقال فيه: حميت الرسول رسول الاله * ببيض تلالا مثل البروق أذب وأحمي رسول الاله * حماية عم عليه شفيق وأنشد أيضا: يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب وسلم الينا أحمدا واكفلن لنا * بنيا ولا تحفل بقول المعاتب فقلت لهم الله ربى وناصري * على كل باغ من لوي بن غالب مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمره قالوا: لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا وان هو إلا ساحر أو مجنون، وتوعدوه وتعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها على قتله، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله وقال: ان ابن اخي كما يقول اخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا ان محمدا نبي صادق وأمين ناطق وان شأنه اعظم شأن ومكان من ربه أعلى مكان فأجيبوا


[ 56 ]

دعوته واجتمعوا على نصرته وارموا عدوه من وراء حوزته فانه الشرف الباقي لكم مدى الدهر وأنشأ يقول: اوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا وحمزة الاسد المخشي صولته * وجعفرا أن تذودوا دونه الباسا وهاشما كلها أوصي بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا كونوا فداء لكم نفسي وما ولدت * من دون احمد عند الروع اتراسا بكل ابيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا وخص أخاه حمزة على اتباعه إذ اقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبي صلى الله عليه وآله في دار اخته محموما وهي باكية فقال: ما شأنك ؟ قالت: ذل الحمى يا أبا عمارة لو لقيت ما لقي ابن اخيك محمد آنفا من ابى الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا فآذاه وسبعه وبلغ منه ما يكره، فانصرف ودخل المسجد وشج رأسه شجة منكرة فهم اقرباؤه بضربه فقال أبو جهل: دعوا ابا عمارة لكيلا يسلم، ثم عاد حمزة الى النبي وقال: عز بما صنع بك، ثم اخبره بصنيعه فلم يهش النبي وقال: يا عم لانت منهم، فأسلم حمزة فعرفت قريش ان رسول الله قد عزوان حمزة سيمنعه، قال ابن عباس: فنزل (أو من كان ميتا فأحييناه) وسر أبو طالب وأنشأ يقول: صبرا أبا يعلى على دين احمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا وحط من أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لانكن حمز كافرا فقد سرنى إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا فناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان احمد ساحرا وقال لابنه طالب (1): أبني طالب ان شيخك ناصح * فيما يقول مسدد لك رانق فاضرب بسيفك من اراد مساءة * حتى تكون لدى المنية ذائق هذا رجائي فيك بعد منيتي * لا زلت فيك بكل رشد واثق ؟ فاعضد قواه يا بني وكن له * انى بحدك لا محالة لاحق آها اردد حسرة لفراقه * إذ لم أراه قد تطاول باسق


(1) يلاحظ القارئ اضطراب هذه الابيات ومجئ قافية ذائق وواثق وباسق مرفوعة مع ان حكمها النصب. والظاهر ان الالفاظ محرفة عن أصلها الاول والا فأبو طالب من بلغاء العرب المشهورين (*). ” المناقب ج 1، م 7 “

[ 57 ]

أترى أراه واللواء أمامه * وعلي ابني للواء معانق أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي * هيهات انى لا محالة زاهق وكتب الى النجاشي (تعلم أبيت اللعن ان محمدا) الابيات، فأسلم النجاشي وكان قد سمع مذاكرة جعفر وعمرو بن العاص ونزل فيه (وإذا سمعوا ما انزل الى الرسول) الى قوله (أجر المحسنين). عكرمة وعروة بن الزبير وحديثهما لما رأت قريش انه يفشو أمره في القبائل وان حمزة أسلم وان عمرو بن العاص رد في حاجته عند النجاشي، فأجمعوا امرهم ومكرهم على ان يقتلوا رسول الله علانية، فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب فأجمع لهم امرهم على ان يدخلوا رسول الله شعبهم فاجتمع قريش في دار الندوة وكتبوا صحيفة على بني هاشم ان لا يكلموهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولا يبايعوهم أو يسلموا إليهم رسول الله وختم عليها اربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة. وفي رواية عند زمعة (1) بن الاسود فجمع أبو طالب بني هاشم وبني عبد المطلب في شعبه وكانوا اربعين رجلا مؤمنهم وكافرهم ماخلا أبا لهب وأبا سفيان فظاهراهم عليه فحلف أبو طالب لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم وحصن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار، وفي ذلك يقول: ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في اول الكتب اليس ابونا هاشم شد ازره * واوصى بنيه بالطعان وبالضرب وان الذي علقتم من كتابكم * يكون لكم يوما كراعية السقب افيقوا افيقوا قبل ان يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب وله ايضا: وقالوا خطة جورا وحمقا * وبعض القول أبلج مستقيم لتخرج هاشم فيصير منها * بلاقع بطن مكة والحطيم فمهلا قومنا لا تركبونا * بمظلمة لها أمر وخيم فيندم بعضكم ويذل بعض * وليس بمفلح ابدا ظلوم فلا والراقصات بكل خرق * الى معمور مكة لا يريم (2)


(1) زمعة بالفتح والتحريك: والد سودة ام المؤمنين. (2) في نسخة: الرافضات بدلا من الراقصات، فالاولى جمع رافضة وهي من الابل التى ترعى وحدها، والثانية من الرقص بمعنى الجنب للابل وغيرها. والخرق: القفر والارض (*).

[ 58 ]

طوال الدهر حتى تقتلونا * ونقتلكم وتلتقي الخصوم ويعلم معشر قطعوا وعقوا * بأنهم هم الجلد الظليم ارادوا قتل احمد ظالموه * وليس لقتله فيهم زعيم ودون محمد فتيان قوم * هم العرنين والعضو الصميم (1) وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن ابى معيط يخرجون الى الطرقات فمن رأوا معه ميرة نهوه ان يبيع من بني هاشم شيئا ويحذرونه من النهب فأنفقت خديجة على النبي فيه ما لا كثيرا، ومن قصيدة لابي طالب: فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على ساخط من قومنا غير معتب فلا تحسبونا خاذلين محمدا * لدى غربة منا ولا متقرب ستمنعه منا يد همائمية * مركبها في الناس خير مركب فلا والذي تخذى له كل نضوة * طليح نجي نجلة فالمحصب (2) يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف كذبا بالعتيق المحجب (3) نفارقه حتى نصرع حوله * وما نال تكذيب النبي المقرب وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه واضجع عليا مكانه ووكل عليه ولده وولد اخيه، فقال علي (ع): يا ابتاه انى مقتول ذات ليلة، فقال أبو طالب: اصبرن يا بني فالصبر احجى * كل حي مصيره لشعوب قد بلوناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب لفداء الاعزذي الحسب الثا * قب والباع والفناء الرحيب ان تصبك المنون بالنبل تبرئ * فمصيب منها وغير مصيب كل حي وان تطاول عمرا * آخذا من سهامها بنصيب


الواسعة… ولا يريم: لا يحول. (1) العرنين بالكسر من كل شئ: أوله. والصميم: العظيم الذي به قوام العضو. (2) تخذي: تسترخي. والنضوة بالكسر: الناقة المهزولة. والكليح: كالمعنى السابق. والنجى والنجلة: السريع والمحصب: الشعب الذى مخرجه الى الابطح، والجملة القسية فصلت بين لا الناسية ومدخولها. (3) في الاصل فينا بدلا عن فيها إذا لضمير راجع الى اليمين. وفي الاصل بطلا بدل كذبا فصحح. والمحجب هو البيت الحرام (*).

[ 59 ]

فقال علي عليه السلام: أتأمرني بالصبر في نصر أحمد * ووالله ما قلت الذي قلت جازعا ولكننى أحببت أن ترتضونني * وتعلم اني لم أزل لك طائعا وسعيي لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا وكانوا لا يأمنون إلا في موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذى الحجة فيشترون ويبيعون فيهما. وكان النبي صلى الله عليه وآله في كل موسم يدور على قبائل العرب فيقول لهم: تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة، وأبو لهب في اثره يقول: انه ابن أخي وهو كذاب ساحر، فأصابهم الجهد. وبعثت قريش الى أبي طالب: ادفع الينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا، فأنشأ أبو طالب اللامية التي يقول فيها: (وابيض يستسقى الغمام بوجهه) فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه. فكان أبو العاص بن الربيع وهو ختن (1) رسول الله صلى الله عليه وآله يجئ بالعير (2) بالليل عليها البر والتمر الى باب الشعب (3) ثم تصبح بها فحمد النبي فعله فمكثوا بذلك أربع سنين. وقال ابن سيرين ثلاث سنين. وفي كتاب شرف المصطفى: فبعث الله على صحيفتهم الارضة (4) فلحستها فنزل جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فأخبر النبي أبا طالب، فدخل أبو طالب على قريش في المسجد فعظموه وقالوا: أردت مواصلتنا وأن تسلم ابن أخيك الينا ؟ قال: لا والله ما جئت لهذا ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني ان الله قد أخبره بحال صحيفتكم فابعثوا الى صحيفتكم، فان كان حقا فاتقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم، وان كان باطلا دفعته اليكم. فأتوا بها وفكوا الخواتيم فإذا فيها باسمك اللهم واسم محمد فقط، فقال لهم أبو طالب: اتقوا الله وكفوا عما أنتم عليه، فسكتوا وتفرقوا فنزل (ادع الى سبيل ربك) قال: كيف أدعوهم وقد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، فسأل النبي صلى الله عليه وآله نوفل بن عبد مناف الذي أجار النبي لما انصرف من الطائف، وزهير بن امية المخزومي ختن أبي طالب على


(1) الختن ؟ بفتحتين: كل من كان من قبل المرأة مثل الاب والاخ جمعه أختان. (2) العير بالكسر: كل ما امتير عليه ابلا كانت أو حميرا. (3) الشعب بالفتح: ما انقسمت فيه قبائل العرب والجمع شعوب مثل فلس وفلوس. ويقال للشعب: الحي العظيم. (4) الارضة كقصة: دويبة تأكل الخشب (*).

[ 60 ]

ابنته عاتكة، وهشام بن عمرو بن لوي بن غالب، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الاسود بن المطلب وقال هؤلاء السبعة: أخرقها (1) الله، وعزموا أن يقطعوا يمين كانبها وهو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار فوجدوها شلاه ؟ فقالوا: قطعها الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله في الدعوة، وفي ذلك يقول أبو طالب: ألا هل أتى بخدينا صنع ربنا * على نأيهم والله بالناس أرود فيخبرهم ان الصحيفة مزقت * وان كل ما لم يرضه الله يفسد يراوحها إفك وسحر مجمع * ولم تلق سحرا آخر الدهر يصعد وقال أيضا: وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب وأصبح ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختاق ما ليس بالحق يكذب وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب وله أيضا: تطاول ليلي بهم نصب * ودمعي كسح السقاء السرب (2) ولعب قصي بأحلامها * وهل يرجع الحلم بعد اللعب (3) ونفى قصي بني هاشم * كنفي الطهاة لطاف الحطب (4) وقول لاحمد أنت امرؤ * خلوق الحديث ضعيف النسب ألا ان أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأتهم بالكذب على ان اخواننا وازروا * بني هاشم وبني المطلب هما اخوان كعظم اليمين * أمرا علينا لعقد الكرب فيالقصي ألم تخبروا * بما قد خلا من شؤون العرب فلا تمسكن بأيديكم * بعيد الانوق لعجب الذنب (5)


(1) أي الصحيفة. (2) السح: الصب والسيلان من فوق، وفي نسخة سفح تقول سنح الدمع: أرسله، والدم أراقه، والسرب بالتحريك: الماء السائل. (3) قصي كسمي: قصي بن كلاب. (4) الطهاة: جمع طاهي وهو الطباخ. (5) الانوق: العذاب والعجب (وزان فلس) من كل دابة ما ضمت عليه الورك من أصل الذنب (*).

[ 61 ]

ورمتم بأحمد ما رمتم * على الاصرات وقرب النسب (1) فاني وما حج من راكب * وكعبة مكة ذات الحجب تنالون أحمد أو تصطلوا * ظبات الرماح وحد القضب (2) وتفترقوا بين أبنائكم * صدور العوالي وخيلا عصب فصل: فيما لقبه صلى الله عليه وآله من قومه بعد موت عمه الزهري في قوله: (ولقد مكناكم) الآيات، قال: لما توفي أبو طالب لم يجد النبي صلى الله عليه وآله ناصرا ونثروا على رأسه التراب قال: ما نال مني قريش شيئا حتى مات أبو طالب. وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل وهو ذراع وشبر في ذراع إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران، لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) جاءت ام جميل عمة معاوية الى النبي صلى الله عليه وآله وبيدها فهر ولها ولولة وهي تقول: مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي في المسجد فقيل يا رسول الله قد أقبلت ام جميل وانا نخاف أن تراك، فقال: انها لن تراني، فوقفت على المسجد وقالت: قد بلغني ان صاحبكم هجاني، فقالوا: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش اني ابنة سيدها. الزهري في قوله تعالى: (فان تولوا فقل حسبي الله) الآية، لما توفي أبو طالب واشتد عليه البلاء عمد الى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها: عبد نائل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالاحجار ودموا رجليه فخلص منهم واستظل في ظل حبلة (3) منه وقال: اللهم اني أشكو اليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي: وناصري وهو انى على الناس يا أرحم الراحمين، فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى عداسا وكان نصرانيا فلما مد يده وقال: بسم الله، فقال: ان أهل هذا البلد لا يقولونها، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من أين أنت ؟ قال: من بلدة نينوى، فقال صلى الله عليه وآله: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى قال: وبما تعرفه ؟ قال: أنا رسول الله والله أخبرني خبر يونس، فخر عداس ساجدا


(1) الاصرات جمع اصرة: وهي الرحم ولقرابة. (2) الظبات جمع ظبة: حد السنان والسيف ونحوهما، والقضب: السيف القطاع. (3) الحيلة بالضم وتحرك: الكرم أو أصل من أصوله (*).

[ 62 ]

لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فقال عتبة لاخيه: قد أفسد عليك غلامك، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال: والله انه نبي صادق، فقالوا: ان هذا رجل خداع لا يفتننك عن نصرانيتك، وقالوا: لو كان محمد نبيا لشغلته النبوة عن النساء ولامكنه جميع الآيات ولامكنه منع الموت عن أقاربه. ولما مات أبو طالب وخديجة فنزل (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك). وروي عن الحسن العسكري (ع) في خبر ان أبا جهل كتب الى النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة: ان الحيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك الى يثرب وانها لا تزال تنفرك، الى آخره. فكان جواب النبي: ان أبا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر عليه يعدني وخبر الله أصدق والقبول من الله أحق لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه يا أبا جهل انك راسلتني بما ألقاه في جلدك الشيطان وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ان الحرب بيننا وبينك كافية الى تسعة وعشرين وان الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان، وذكر عددا من قريش في قليب اقتل منكم سبعين واوسر منكم سبعين احملهم على الفدا أو القتل، ثم نادى: ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء هلموا الى بدر فان هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الاكبر، فلم يجبه إلا علي وقال: نعم بسم الله، فقال لليهود اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوي الارض لكم ويوصلكم ؟ الى هناك، فخطا القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فقال: هذا مصرع عتبة وذاك مصرع الوليد، الى أن سمى تمام سبعين، وسيؤسر فلان وفلان الى أن ذكر سبعين منهم، فلما انتهوا الى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل يخرجه فلان الانصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي، ثم قال: ان ذلك لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما. كم در جهل أبي جهل بمجهلة * وشاب شيبة قبل الموت من وجل وقال حسان بن ثابت: متى يبد في الليل البهيم جبينه * يلوح كمصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من ذايكون كأحمد * نظاما لحق أو نكالا لملحد ؟ وقال بحير بن زهير: أتانا نبي بعد يأس وفترة * من الله والاوثان في الارض تعبد


[ 63 ]

وشق له من اسمه لجلاله * فذو العرش محمود وهذا محمد وأشركه في ذكره جل ذكره * تخلد في الجنات فيمن تخلدوا أغر عليه للنبوة خاتم * من الله مشهود يلوح ويشهد وقال غيره: محمد خير من يمشي على قدم * ممن برى الله من انس ومن جان هو الذي قدر الله القضاء له * ألا يكون في خلقه ثان هو الذي امتحن الله القلوب به * عما تجمجم من كفر وايمان (1) وقال آخر: لبست رداء الفخر في صلب آدم * فما تنتهي إلا اليك المفاخر ولله بدر في السماء منور * وأنت لنا بدر على الارض زاهر فصل: في حفظ الله تعالى له من المشركين وكيد ؟ الشياطين جابر بن عبد الله: ان النبي صلى الله عليه وآله نزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه فاستيقظ النبي فقال: يا محمد من يعصمك الآن مني ؟ قال: الله تعالى، فرجف وسقط السيف من يده. وفي خبر آخر انه بقى جالسا زمانا ولم يعاقبه النبي صلى الله عليه وآله. الثمالي في تفسير قوله: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم) إذ هم قوم ان القاصد الى النبي كان دغثور بن الحارث فدفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه فقال: ما يمنعك مني ؟ فقال: لا أحد وأنا أعهد أن لا اقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوا، فأطلقه. فسئل بعد انصرافه عن حاله ؟ قال: نظرت الى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت انه ملك. ويقال: انه أسلم وجعل يدعو قومه الى الاسلام. حذيفة وأبو هريرة: جاء أبو جهل الى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي ليطأ على رقبته فجعل ينكص على عقبيه فقيل له: مالك ؟ قال: ان بيني وبينه خندقا من نار مهولا ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال النبي: لودنا مني لا ختطفته الملائكة عضوا عضوا فنزل (أفرأيت الذى ينهئ) الآيات. ابن عباس: ان قريشا اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة لو رأينا


(1) نجمجم: تخفى (*).

[ 64 ]

محمدا لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنه، فدخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله باكية وحكت مقالهم فقال: يا بنيه ادني وضوء، فتوضأ وخرج الى المسجد، فلما رأوه قالوا: هاهوذا وخفضت رؤسهم وسقطت أذقانهم في صدورهم فلم يصل إليه رجل منهم فأخذ النبي قبضة من التراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلا منهم إلا قتل يوم بدر. محمد بن اسحاق: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله مهاجرا تبعه سراقة بن جيشم مع خيله فلما رآه رسول الله دعا فكأن قوائم فرسه ساخت (1) حتى تغيبت فتضرع الى النبي حتى دعا وصار الى وجه الارض فقصد كذلك ثلاثا والنبي يقول: يا أرض خذيه، وإذا تضرع قال: دعيه، فكف بعد الرابعة أن لا يعود الى ما يسوؤه. وفي رواية: واتبعة دخان حتى استغاثه فانطلق الفرس فعذله أو جهل. وقال سراقة: أبا حكم واللات لو كنت شاهدا * لامر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا * نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه عليك فكف الناس عنه فانني * أرى أمره يوما سيبدو معالمه وقال خطيب منبج: ومن اخذت سراقة حين اهوى * إليه الارض أخذة قاطنينا فصاح به وناداه أقلني * فلست لمثلها في العايدينا وقال نصر بن المنتصر: من قال للارض خذي فأخذت * عدوه لما رآه قد طغا وقال آخر: وفي سراقة آيات مبينة * إذ ساخت الحجر في حل بلا وحل وكان صلى الله عليه وآله مارا في بطحاء مكة فرماه أبو جهل بحصاة، فوقعت الحصاة معلقه سبعة أيام ولياليها فقالوا: من يرفعها ؟ قال: يرفعه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها عكرمة: لما غزا يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه فوجد عباسا فأتى عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث فأثى من خلفه فوقعت بينهما شواظ من نار فرجع القهقرى فرجع النبي صلى الله عليه وآله إليه وقال: يا شيب يا شيب ادن مني اللهم اذهب عنه الشيطان، قال: فنظرت إليه ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال


(1) ساخت: رسخت في الارض (*). ” مناقب ج 1، م 8 “

[ 65 ]

يا شيب قاتل الكفار، فلما انقضى القتال دخل عليه فقال: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك وحدثه بجميع ما زوى في نفسه، فأسلم. ابن عباس في قوله (ويرسل الصواعق) قال: عامر بن الطفيل لاربد بن قيس قد شغلته عنك مرارا فلا ضربنه ؟ – يعني النبي -، فقال اربد: أردت ذلك مرتين فاعترض لي في أحدهما حائط من حديد ثم رأيتك الثانية بيني وبينه، أفأقبلك ؟ وفي رواية الكلبى انه لما اخترط من سيفه شبرا لم يقدر على سله فقال النبي صلى الله عليه وآله اللهم اكفنيهما بما شئت. وفي رواية ان السيف لصق به. وفي الروايات كلها انه لم يصل واحد منها الى منزله، اما عامر ففد في ديار بني سلول فجعل يقول: أغدة كغدة (1) البعير وموتا في بيت السلولية (2)، واما اربد فارتفعت له سحابة فرمته بصاعقة فأحرقته وكان أخا لبيد لامه فقال يرثيه: فجعني البرد والصواعق بال‍ * – فارس يوم الكريهة النجد (3) أخشى على اربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والاسد (4) ابن عباس وأنس و عبد الله بن مغفل: ان ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعيم (5) عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم. وفي رواية: كان النبي جالسا في ظل شجرة وبين يديه علي (ع) يكتب الصلح وهم ثلاثون شابا فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله فأخذ الله بأبصارهم حتى اخذناهم فخلى سبيلهم فنزل (وهو الذي كف أيديهم عنكم). ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور في قوله: (فاصدع بما تؤمر) الآيات، كان المستهزؤن به جماعة مثل: الوليد بن المغيرة المخزومي والاسود بن عبد يغوث الزهري وأبو زمعة الاسود بن المطلب، والعاص بن وائل السهمي، والحرث بن عقبة السهمي، وعقبة بن أبي معيط، وقيهلة بن عامر الفهري، والاسود بن الحرث، وأبو اجيحة


(1) الغدة: طاعون الابل وقل أن تسلم منه. (2) السلولية: نسبة الى بني سلول. (3) النجد بكسر الجيم: الشديد البأس. (4) النوء: سقوط الكواكب، وكانت العرب في الجاهلية تنسب الامطار الى الانواء وسيأتى بيان ذلك. (5) التنعيم: موضع على ثلاثة أو أربعة أميال من مكة أقرب أطراف الحل الى البيت، وقد سمي بذلك لان على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم والوادي اسمه نعمان (*).

[ 66 ]

سعيد بن العاص، والنضر بن الحرث العبدري، والحكم بن العاص بن امية، وعتبة ابن ربيعة، وطعيمة بن عدي، والحرث بن عامر بن نوفل، وأبو البختري العاص ابن هاشم بن أسد، وأبو جهل، وأبو لهب. وكلهم قد أفناهم الله بأشد نكال. وكانوا قالوا له: يا محمد ننتظر بك الى الظهر فان رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل صلى الله عليه وآله منزله وأغلق عليه بابه فأتاه جبرئيل ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول: اصدع بما تؤمر وأنا معك وقد أمرني ربي بطاعتك، فلما أتى البيت رمى الاسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء فقال: اللهم اعم بصره واثكله ولده فعمى وأثكله ؟ الله ولده. وروي انه أشار الى عينه فعمى وكان يضرب رأسه على الجدار حتى هلك، ثم مر به الاسود بن عبد يغوث فأومى الى بطنه فاستسقى ماء ومات حبنا (1)، ومر به الوليد فأومى الى جرح اندمل في بطن رجله من نبل فتعلقت به شوكة فنن فخدشت ساقه ولم يزل مريضا حتى مات، ونزل فيه (سأرهقه صعودا) وانه يكلف ان يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء فإذا بلغ أعلاها لم يترك ان يتنفس فيجذب الى أسفلها ثم يكلف مثل ذلك، ومر به العاص فعابه فخرج من بيته فلفحته السموم فلما انصرف الى داره لم يعرفوه فباعدوه فمات غما، وروي انهم غضبوا عليه فقتلوه، وروي انه وطأ على شبرقة (2) فدخلت في أخمص رجله فقال: لدغت، فلم يزل يحكها حتى مات، ومر به الحارث فأومى الى رأسه فتقيأ قيحا ويقال: انه لدغته الحية، ويقال: خرج الى كداء (3) فتدهده عليه حجر فتقطع، واستقبل ابنه في سفر فضرب جبرئيل رأسه على شجرة وهو يقول: يا بني ادركني، فيقول: لا أرى أحدا، حتى مات، واما الاسود بن الحارث أكل حوتا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه، فأما قيهلة بن عامر فخرج يريد الطائف ففقد ولم يوجد، واما عقبة فاستسقى فمات، ويقال: أتى بشوك فأصاب عينيه فسالت حدقته على وجهه، واما أبو لهب فانه سأل أبا سفيان عن قصة بدر فقال: انا لقيناهم فمنحناهم أكتافنا فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤا، وأيم الله مع ذلك ما مكث الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض لا يقوم لها شئ، فقال


(1) الحبن بالتحريك: داء في البطن يعظم منه ويرم (2) الشبرق بكسر الشين والراء: نبت حجازي يؤكل وله شوك فإذا يبس سمي الصديع * 3 * أوكدى، وكداء اسم لعرفات وجبل بأعلى مكة، وكدى كسمى جبل بأسفلهما، وكقرى جبل على طريق اليمن، وكفتى ثنية بالطائف (*).

[ 67 ]

أبو رافع لام الفضل بنت العباس: تلك الملائكة، فجعل يضربني فضربت ام الفضل على رأسه بعمود الخيمة فقلقت رأسه شجة منكرة فعاش سبع ليال، وقد رماه الله بالعدسة (1) ولقد تركه أبناه ثلاثا لا يدفنانه وكانت قريش تتقي العدسة فدفنوه بأعلى مكة على جدار وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه، ونزل قوله تعالى (لقد حق القول) الآيات، في أبى جهل، وذلك انه كان حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفعه أثبتت يده على عنقه ولزق الحجر بيده فلما عاد الى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأغشى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع الى أصحابه فلم يرهم، حتى نادوه ما صنعت ؟ فقال: ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بينى وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لاكلني. ابن عباس في قوله (وجعلنا من بين أيديهم سدا) ان قريشا اجتمعت فقالت: لئن دخل محمد لنقومن إليه قيام رجل واحد، فدخل النبي صلى الله عليه وآله فجعل الله من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فلم يبصروه، فصلى صلى الله عليه وآله ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤسهم التراب وهم لا يرونه، فلما جلى عنهم رأوا التراب فقالوا: هذا ما سحركم ابن أبى كبشة ولما نزلت الاحزاب على المدينة عبى أبو سفيان سبعة آلاف رام كوكبة واحدة ثم قال: ارموهم رشقا واحدا، فوقع في اصحاب النبي سهام كثيرة، فشكوا ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله فلوح الى السهام بكمه ودعا بدعوات فهبت ريح عاصفة فردت السهام الى القوم، فكل من رمى سهما عاد السهم إليه فوقع في جرحه بقدرة الله وبركة رسوله. ودخل النبي صلى الله عليه وآله مع ميسرة الى حصن من حصون اليهود ليشتروا خبزا وأدما فقال يهودي: عندي مرادك، ومضى الى منزله وقال لزوجته: اطلعي الى أعالي الدار فإذا دخل هذا الرجل فارمي هذه الصخرة عليه، فبادرت المرأة الصخرة فهبط جبرئيل فضرب الصخرة بجناحه فخرقت الجدار وأتت تهتز كأنها صاعقة فاحتاطت بحلق الملعون وصارت في عنقه كدور الرحى فوقع كأنه المصروع، فلما أفاق جلس وهو يبكي، فقال له النبي: ويلك ما حملك على هذا الفعال ؟ فقال: يا محمد لم يكن لي في المتاع حاجة بل أردت قتلك وانت معدن الكرم وسيد العرب والعجم اعف عني، فرحمه النبي فانزاحت الصخرة عن عنقه.


(1) العدسة: بترة نحرج ؟ في موضع من الجسد وهي من جنس الطاعون وتقتل صاحبها غالبا

[ 68 ]

جابر وابن عباس: قال رجل من قريش: لاقتلن محمدا، فوثب به فرسه فاندقت رقبته، واستغاث الناس الى معمر يزيد وكان أشجع الناس ومطاعا في بنى كنانة فقال لقريش: أنا أتجكم ؟ منه فعندي عشرون الف مدجج فلا أرى هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حربي فان سألوني الدية أعطيتهم عشر ديات ففي مالي سعة، وكان يتقلد بسيف طوله عشرة أشبار في عرض شبر فأهوى الى النبي صلى الله عليه وآله بسيفه وهو ساجد في الحجر، فلما قرب منه عثر بدرعه فوقع ثم قام وقد أدمى وجهه بالحجارة وهو يعدو أشد العدو حتى بلغ البطحاء فاجتمعوا إليه وغسلوا الدم عن وجهه وقالوا ماذا أصابك ؟ فقال: المغرور والله من غرر تموه، قالوا: ما شأنك ؟ قال: دعوئي ؟ تعد إلي نفسي ما رأيت كاليوم، قالوا: ماذا أصابك ؟ قال: لما دنوت منه وثب ؟ إلي من عند رأسه شجاعان (1) أقرعان ينفخان بالنيران. وروي ان كلدة بن أسد رمى رسول الله صلى الله عليه وآله بمزراق (2) وهو بين دار عقيل وعقال، فعدا المزراق إليه فوقع في صدره، فعاد فزعا وانهزم، وقيل له: مالك ؟ قال ويحكم أما ترون الفحل خلفي ! قالوا: ما ترى شيئا، قال: ويحكم فاني أراه، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف. الواقدي: خرج النبي صلى الله عليه وآله للحاجة في وسط النهار بعيدا فبلغ الى أسفل ثنية الحجون فاتبعه النضر بن الحارث يرجو أن يغتاله، فلما دنى ؟ منه عاد راجعا فلقيه أبو جهل فقال: من أين جئت ؟ قال: كنت طمعت أن أغتال محمدا فلما قربت منه فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها. فقال أبو جهل: هذا بعض سحره وقصد إليه رجل بفهر (3) وهو ساجد، فلما رفع يده ليرمي به يبست يده على الحجر. ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته فتأذى به ناس من قريش فقاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة الى أعناقهم، وإذا هم عمي لا يبصرون، فجاؤا الى النبي فقالوا: ننشدك الله والرحم، فدعا النبي فذهب ذلك عنهم فنزلت (يس) الى قوله (فهم لا يبصرون). أبو ذر: كان النبي صلى الله عليه وآله في سجوده فرفع أبو لهب حجرا يلقيه عليه فتبت يده في الهواه فتضرع الى النبي وعقد الايمان لو عوفي لا يؤذيه، فلما برأ قال: لانت


(1) شجاعان تثنية شجاع بكسر الاول وضمه: الحية أو الذكر منها. (2) الزراق: رمح صغير. (3) الفهر: الحجر ملء الكف، وقيل هو الحجر مطلقا (*).

[ 69 ]

ساحر حاذق، فنزل (تبت يدا أبي لهب). وكان أبو جهل يطلب غرته فوجده يوما في سجوده فرفع صخرة عظيمة يدفعها عليه فأمسكت من يده وصار عبرة للناس فتضرع الى النبي فدعاله بفرج فزالت. وتكمن نضر بن الحرث بن كلدة لقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما سل سيفه رؤي خائفا مستجيرا فقيل: يا نضر هذا خير لك مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه. قال الببياري (1): يا قومنا للمصطفى سالموا * لا تنصبوا جهلاله حربكم واتلوا من القرآن ما قاله * يا أيها الناس اعبدوا ربكم وقال غيره: يقر له بالفضل من لا يؤده * ويقضي له بالحكم من لا يثجم (2) فصل: في استجابة دعواته صلى الله عليه وآله سار النبي صلى الله عليه وآله الى بني شجاعة فجعل يعرض عليهم الاسلام فأبوا وخرجوا عليه في خمسة آلاف فارس فتبعوا النبي فلما لحقوا به عاجلهم بدعوات فهبت عليهم ربح فأهلكنهم عن آخرهم. ولما سار الى قتال المقعمع بن الهميسع البنهاني كان في طريق المسلمين جبل عظيم هائل تتعب فيه المطايا وتقف فيه الخيل، فلما وصل المسلمون شكوا أمره الى رسول الله صلى الله عليه وآله وما يلقون فيه من التعب والنصب فدعا النبي بدعوات فساخ الجبل في الارض وتقطع قطعا. ورمى رسول الله ابن قمية بقذافة (3) فأصاب كعبه حتى بدر السيف عن يده في يوم أحد وقال: خذها مني وأنا ابن قمية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أذلك الله وأقمأك (4) فأتى ابن قمية تيس وهو نائم فوضع قرنه في مراقه ثم دعسه فجعل ينادي: واذلاه، حتى أخرج قرنيه من ترقوته.


(1) الظاهر ان اللفظ نسبة الى بيار ككتاب بلد بين يهق وبسطام ومواضع اخرى من القرى أو الى أبيار بلد بين مصر والاسكندرية وعلى أي حال فاللفظ الاصل لم نعرف حقيقته (2) يؤده: أي من لا يثقل عليه، ويثجم من اشحم ؟: وهو سرعة التصرف عن الشئ ؟، وبالتحريك سرعة الانصراف. (3) القذافة بفتح القاف وتشديد الذال: الذى يرمى به الشئ فيبعد. (4) أقمأه: صغره وأذله (*).

[ 70 ]

وكانت الكفار في حرب الاحزاب عشرة آلاف رجل، وبنو قريظة قائمون بنصرتهم والسحابة في أظل شديد (1) فرفع يديه وقال: انزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب. فجاءتهم ريح عاصف تقلع خيامهم، فانهزموا باذن الله تعالى وأيدهم بجنود لم يروها. وأخذ النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر كفا من التراب، ويقال حصى وترابا فرمى به في وجوه القوم فتفرق الحصى في وجوه المشركين، فلم يصب من ذلك أحدا إلا قتل أو أسر، وفيه نزل (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). قال القيرواني: أعميت جيشا بكف من حصى فجثوا * وعقلوا عن حراك النفل بالنفل (2) وقال نصر بن المنتصر: ومن رمى كف حصاة في الوغى * فهزم القوم العدى لما رمى وقال خطيب منبج: ومن نثر الحصى في يوم بدر * فصاح بهم فولوا هاربينا ومن نصرته امدادا عليهم * ملائكة السماء مسمومينا ابن المهدي المامطيري في مجالسه: ان النبي صلى الله عليه وآله كتب الى كسرى: من محمد رسول الله الى كسرى بن هرمزد، اما بعد فاسلم تسلم وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى، فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف وقال: من هذا الذي يدعوني الى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه وآله: مزق الله ملكه كما مزق كتابي أما انه ستمزقون ملكه وبعث إلي بتراب أما انكم ستملكون ارضه، فكان كما قال. الماوردي في أعلام النبوة: ان كسرى كتب في الوقت الى عامله باليمن باذن ويكنى أبا مهران ان احمل إلي هذا الذي يذكر انه نبي، وبدأ باسمه قبل اسمي ودعاني الى غير ديني، فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى، فأتاه فيروز بمن معه فقال له: ان كسرى امرني ان احملك إليه، فاستنظره ليلة فلما كان من الغد حضر فيروز مستحشا (3) فقال النبي صلى الله عليه وآله: اخبرني ربى انه قتل ربك البارحة سلط الله عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل فامسك حتى


(1) الظاهر ان المراد بالسحابة بالضم فضلة ماء في الغدير، والاظل بطن الاصبع ومن الابل باطن المنسم وهو مجلس خف البعير، والعبارة كناية عن ضيق الماء وشدة المعاش. (2) النفل بالتحريك: الغنيمة. (3) استحش: عطش (*).

[ 71 ]

يأتيك الخبر. فراع ذلك فيروز وهاله وعاد الى باذان فأخبره فقال له بأذان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه ؟ فقال: والله ماهبت احدا كهيبة هذا الرجل. فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة فأسلما جميعا وظهر العنسى (1) من افتراه من الكذب فأرسل صلى الله عليه وآله الى فيروز: اقتله قتله الله، فقلته. والفرس أخبرها عن قتل صاحبها * پرويز إذ جاءه فيروز في شغل جابر بن عبد الله: لما قتل العرنيون (2) راعي النبي صلى الله عليه وآله دعا عليهم فقال: اللهم عم عليهم الطريق، قال: فعمى عليهم حتى ادركوهم واخذوهم. روت العامة عن الصادق (ع) وعن ابن عباس انه لما نزل (والنجم) قال عتبة بن ابى لهب: كفرت بالنجم إذا هوى وبا لنجم إذا تدلى، وفي رواية انه اناه أو طلق ابنته وتفل في وجهه وقال: كفرت بالنجم ورب النجم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج في سفر الشام مع قريش فلما نزلوا تحت دبر حذرهم الديرانى من الاسود فقال أبو لهب: يا معشر قريش اعينوني الليلة فانى اخاف على ابني دعوة محمد فجعلوه في وسطهم فأتى اسد معه زئير وقال: هذا عتبة بن ابى لهب خرج من مكة مستخفيا زعم انه يقتل محمدا، فافترسه ولم يأكله، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت: سائل بني الاشعر إذ جئتهم * ما كان انباء بنى واسع لا وسع الله له قبره * بل ضيق الله على القاطع رمى رسول الله من بينهم * دون قريش رمية القاذع فاستوجب الدعوة منهم بما * بئين للناظر والسامع ان سلط الله به كلبه * يمشي الهوينا مشية الخادع حتى أتاه وسط اصحابه * وقد علتهم سنة الهاجع فالتقم الراس بيافوخه * والنخر منه فغرة الجائع ثم علا بعد بأنيابه * منعفرا وسط دم ناقع من يرجع العام الى اهله * فما أكيل السبع بالراجع قد كان هذا لكم عبرة * للسيد المتبوع والتابع وحكى الحكم بن العاص مشية رسول الله مستهزءا فقال صلى الله عليه وآله: فلتكن


(1) العنس أبو قبيلة من اليمن (2) العرينة كجهينة بطن من بجيلة منهم العرينون المرتدون (*).

[ 72 ]

ولم يزل يرتعش حتى مات. وخطب صلى الله عليه وآله امرأة فقال ابوها: ان بها برصا، امتناعا من خطبته ولم يكن بها برص، فقال صلى الله عليه وآله: فلتكن كذلك، فبرصت وهي ام شبيب البرصاء. الشاعر الاغانى، ان النبي نظر الى زهير بن ابى سلمى وله مائة سنة فقال: اللهم اعذني من شيطانه، فما لاك بيتا حتى مات. ونهي النبي ان ينقر الرجل لحيته في الصلاة فرأى رجلا ينقر شعره فقال: فتح الله شعرك، فصلع مكانه. سلمة الاكوع عن ابيه عن النبي انه رأى رجلا يأكل بشماله فقال: كل بيمينك فقال: لا استطيع، فقال صلى الله عليه وآله: لا استطعت، فما نالت يمينه فاه بعد. الواقدي: كتب النبي الى بنى حارثة بن عمر ويدعوهم الى الاسلام فأخذوا كتاب النبي صلى الله عليه وآله فغسلوه ورقعوا به اسفل دلوهم، فقال النبي: ما لهم أذهب الله عقولهم، فقال لهم اهل وعدة وعجلة وكلام مختبط وسفه. وخاف النبي من قريش فدخل بين الاراك فنفرت الابل فجاء أبو ثروان إليه وقال من أنت ؟ قال: رجل استأنس الى إبلك، قال: أراك صاحب قريش، قال: انا محمد رسول الله، قال: قم والله لا تصلح إبل انت فيها، فقال النبي: اللهم أطل شقاه وبقاه قال عبد الملك: انى رأيته شيخا كبيرا يتمنى الموت فلا يموت فكان يقول له القوم: هذا بدعوة النبي. ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى: (ضرب الله مثلا قربة كانت آمنة مطمئنة) جاء خباب (1) بن الارث فقال: يا رسول الله ادع ربك ان يستنصر لنا على مضر، فقال: انكم لتعجلون، ثم قال بعد كلام له: اللهم اشدد وطأنك على مضر واجعل عليها سنين كسني يوسف، وفى خبرك ؟ اللهم سبعا كسني يوسف، فقطع الله عنهم المطر حتى مات الشجر وذهب الثمر واجدبت الارض وماتت المواشي واشتووا القد (2) واكلوا العلهز (3) فعطفوه وعطف ورغب الى الله فمطروا وامطر اهل المدينة مطرا خافوا الغرق وانهدام البنيان فشكوا ذلك إليه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فأطاف


(1) خباب بالخاء المعجمة ثم الموحدتين التحتانيين بينما ألف، صحابي (2) القد بالكسر الجلد اليابس (3) العلهز بكسر العين والهاء طعام من الدم والوتر ؟ كان يتخذ في أيام المجاعة (*). ” المناقب ج 1، م 9 “

[ 73 ]

بها حولها مستديرا وهي في فجوته كالدارة. ولما كلم النبي صلى الله عليه وآله في سبي هوازن ردوا عليهم سبيهم إلا رجلين فقال النبي خيروهما، اما احدهما قال انى اتركه، واما الآخر فقال لا اتركه، فلما ادبر الرجل قال النبي: اللهم اخس سهمه، فكان يمر بالجارية البكر والغلام فيدعه حتى مر بعجوز فقال: انى آخذ هذه فانها ام حي فيفادونها مني بما قدروا عليه، فقال عطية السعدي عجوزنا يا رسول الله سبية بتراء مالها احد، فلما رأى انه لا يعرفها احد تركها. وقال الحميري: واسأل بني الحسحاس تخبر انه * كاد الوصي برشق سهم مقصد فدعا عليه المصطفى في قومه * بدعاء محمود الدعاء مؤيد فتعطلت يمنى يديه عقوبة * وأتى عشيرته بوجه أسود يعني دعا النبي صلى الله عليه وآله عليه وهو كان عزم على الرمي غيلة لعلي بن أبي طالب. قال العباس بن مرداس: يا خاتم النبأ انك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا ان الاءله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا واما من دعاله صلى الله عليه وآله فمثل ما روى مرة بن جعيل الاشجعي قال: غزوت مع النبي في بعض غزواته فقال لي: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول الله هي عجفاء ضعيفة قال: فضربها بشئ في يده وقال: اللهم بارك له فيها، فو الله لقد رأيتني أمسك رأسها أن تقدم على الناس ولقد بعث من وطنها بائنى عشر الفا. وفي حديث جابران امرأة من المسلمين قالت: اريد ما تريد المسلمة، فقال النبي: علي بزوجها، فجئ به فقال له في ذلك ثم قال لها: أتبغضينه ؟ قالت: نعم والذي أكرمك بالحق فقال: ادنيا رؤسكما، فأدنيا فوضع جبهتها على وجهه ثم قال: اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما الى صاحبه، ثم رآها النبي تحمل الادم على رقبتها وعرفته فرمت الادم ثم قبلت رجليه فقال صلى الله عليه وآله: كيف أنت وزوجك ؟ فقالت: والذى أكرمك بالحق ما في الزمان واحد أحب إلي منه. وكان عند خديجة امرأة عمياه فقال صلى الله عليه وآله: لتكونن عيناك صحيحتين، فصحتا فقال خديجة: هذا دعاء مبارك، فقال (وما أرسلناك إلا رحمة). ودعا صلى الله عليه وآله لقيصر فقال: ثبت الله ملكه كما كان، ودعا على كسرى: مزق الله ملكه، فكان كما قال.


[ 74 ]

سلمان: انه مرض أبو طالب فعاده الرسول صلى الله عليه وآله فقال: سل ربك أن يعافيني فقال: اللهم اشف عمي، فقام أبو طالب كأنه انشط من عقال. واستسقى صلى الله عليه وآله عمرو بن أخطب فأتاه بجمجمة (1) فيها ماء وفيها شعرة فأخذها وقال: جملك الله، فرأى بعد ثلاث وتسعين سنة أسود الرأس والجسد. جعفر بن نسطور الرومي: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فسقط من يده السوط فنزلت عن جوادي فرفعته ودفعته إليه فنظر إلي وقال: يا جعفر مد الله في عمرك مدا، فعاش ثلاثمائة وعشرين سنة. وقوله صلى الله عليه وآله للنابغة وقد مدحه: لا يفضض الله فاك، فعاش مائة وثلاثين سنة كلما سقطت له سن نبتت له اخرى أحسن منها. ذكره المرتضى في الغرر. وعن ميمونة ان عمرو بن الحمق سقى النبي لبنا فقال: اللهم امتعة بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء. ومر النبي صلى الله عليه وآله بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال: ما تصنع بهذا ؟ قال: أبيعه، قال: وما تصنع بثمنه ؟ قال: أشتري رطبا فآكله فقال له النبي: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فكان يقال ما اشترى شيئا قط إلا ربح فيه فصار أمره الى أن يمثل به فقالوا: عبد الله بن جعفر الجواد، وكان أهل المدينة يقترض بعضهم من بعض الى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر. أبو هريرة: أتيت النبي بتميرات فقلت: ادع لي بالبركة فيهن، فدعا ثم قال: اجعلهن في المزود، قال: فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا (2). وقوله صلى الله عليه وآله في ابن عباس: اللهم فقهه في الدين، الخبر، فخرج بحرا في العلم وحبرا للامة. وقال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله الى اليمن فقلت: يا رسول الله تبعثني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء، قال رسول الله: فانطلق فان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي (ع): فما شككت في قضاء بين اثنين. في نزهة الابصار ان النبي قال لسعد: اللهم اسدد رميته وأجب دعوته، وذلك انه كان يرمي، فيقال انه تخلف يوم القادسية عن الوقعة لفترة عرضت له فقال فيه الشاعر


(1) الجمجمة بالضم: القدح من خشب. (2) قال الازهري: الوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وآله والصاع خمسة أرطال وثلث، فالوسق على هذا الحساب مائة وستون منا (*).

[ 75 ]

ألم تر أن الله أظهر دينه * وسعد بباب القادسية معصم رجعنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم فبلغ ذلك سعدا فقال: اللهم اخرس لسانه فشهد حربا فأصابته رمية فخرس من ذلك لسانه. ورأى سعد رجلا بالمدينة راكبا على بعير يشتم عليا (ع) فقال: اللهم ان كان هذا الشيخ وليا من اوليائك فأرنا قدرتك فيه فنفر به بعير فألقاه فاندقت رقبته. وسمع النبي صلى الله عليه وآله في مسيره الى خيبر سوق عامر بن الاكوع بقوله: لاعم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا فقال صلى الله عليه وآله: برحمة الله، قال رجل: وجبت يا رسول الله لو لا امتقنا (1) به، وذلك ان النبي ما استغفر قط لرجل يخصه إلا استشهد. وكان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم اطلق لسان سلمان ولو على بيتين من الشعر، فأنشأ سلمان: مالي لسان فأقول شعرا * أسأل ربي قوة ونصرا على عدوي وعدو الطهرا * محمد المختار وحاز الفخرا حتى أتاك في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا فضج المسلمون وجعل كل قبيلة تقول: سلمان منا، فقال النبي: سلمان منا اهل البيت. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم تر ان الله أبلى رسوله * بلاء عزيزذى اقتدار وذي فضل وقد انزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عزنصره * وكان امين الله ارسل بالعدل فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل فآمن أقوام بذاك فأيقنوا * فاسموا بحمد الله مجتمعي الشمل وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذوالعرش خبلا على خبل ؟ وحكم فيهم يوم بدر رسوله * وقوما كماة فعلهم أحسن الفعل


(1) لعله امتعنا بالعين المهملة. وامتقنا محركة: شبه الفواق كأنه نفس ينقلع من الصدر عند البكاء ومئق كنفرح وامثاق، وكأنه قال: وجبت الرحمة لو لا ترقب الشهادة بهذا الدعاء وابتلائنا بالحزن على الشهيد (*).

[ 76 ]

فصل: في الهواتف في المنام أو من الاصنام (لهم البشرى في الحياة الدنيا). في حديث مازن بن العصفور الطائي انه لما نحر عتيرة سمع من صنمه: بعث نبى من مضر * فدع تحيتا من حجر ثم نحر في يوم آخر نحرة اخرى فسمع منه: هذا نبى مرسل * جاء بخير منزل أبو عميس قال: سمعت قريش في الليل هاتفا على ابي قبيس يقول: إذا اسلم السعدان يصبح بمكة * محمد لا يخشى خلاف المخالف فلما اصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان ؟ قيل: سعد بكر وسعد تميم. ثم سمع في الليلة الثانية: أيا سعد سعد الاوس كن انت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا الى داع الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس خير زخارف فلما اصبحوا قال أبو سفيان: هو سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. قال تميم الداري: أدركني الليل في بعض طرقات الشام فلما اخذت مضجعي قلت أنا الليلة في جوار هذا الوادي فإذا مناد يقول: عذ بالله فان الجن لا تجير احدا على الله قد بعث نبى الاميين رسول الله وقد صلينا خلفه بالحجون وذهب كيد الشياطين ورميت بالشهب فانطلق الى محمد رسول رب العالمين. سعد بن جبير قال: قال سواد بن قارب: نمت على جبل من جبال السراة (1) فأتاني آت وضربنى برجله وقال: قم يا سواد بن قارب (أتاك رسول من لوي بن غالب) فلما استويت أدبر وهو يقول: عجبت للجن وارجاسها * ورحلها العيس بأحلاسها تهوي الى مكة تبغي الهدى * ما صالحوها مثل انجاسها فعدت فنمت فضربني برجله فقال مثل الاول فأدبر قائلا: عجبت للجن وتطلابها * ورحلها العيس بأقتابها تهوي الى مكة تبغي الهدى * ما صادقوها مثل كعذابها


(1) السراة تضاف الى قبائل وفي كل منها ؟ قرى وجبال وسراة الطائف غورها مكة ونخدها ديار هوازن (*).

[ 77 ]

فعدت فنمت فضربني برجله فقال مثل الاول فلما استويت أدبر وهو يقول: عجبت للجن وأشرارها * ورحلها العيس بأكوارها تهوي الى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل كفارها قال: فركبت ناقتي وأتيت مكة عند النبي صلى الله عليه وآله وأنشدته: أتاني جن قبل هدء ورقدة * ولم يك فيما قد أتانا بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لوي بن غالب فأشهد ان الله لارب غيره * وانك مأمون على كل غائب وكان لبني عذرة صنم يقال له حمام فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله سمع من جوفه يقول: يا بني هند بن حزام * ظهر الحق واودى حمام * ودفع الشرك الاسلام ثم نادى بعد أيام لطارق يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، جاء بوحي ناطق، صدع صادع بتهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني، الى يوم القيامة. ثم وقع الصنم لوجهه فتكسر. قال زيد بن ربيعة: فأتيت النبي فأخبرته بذلك فقال: كلام الجن المؤمنين، فدعانا الى الاسلام. وسمع صوت الجن بمكة ليلة خرج النبي صلى الله عليه وآله: جزى الله رب الناس خير جزائه * رسولا أتى في خيمتي ام معبد فيالقصي ما زوى الله عنكم * به من فعال لا يجازى بسؤدد فأجابه حسان بقوله: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم * وقد سر من يسري إليه ويقتدي نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مشهد وان قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في ضحوة العيد أو غد وهتف من جبال مكة يوم بدر: أذل الحنيفيون بدرا بوقعة * سينقض منها ملك كسرى وقيصرا أصاب رجالا من لوي وجردت * حراير نصر بن الحرارير حسرا ألا ويح من أمسى عدو محمد * لقد ذاق خزيا في الحياة وخسرا وأصبح في هامي العجاجة معفرا * تناوله الطير الجياع وتنقرا (1) فعلموا الواقعة وظهر الخبر من الغد.


(1) العجاجة: الابل الكبيرة (*).

[ 78 ]

ودخل العباس بن مرداس السلمي على وثن يقال له الضمير فكنس ما حوله ومسحه وقبله فإذا بصائح يصيح: يا عباس بن مرداس قل للقبائل من سليم كلها * هلك الضمير وفاز أهل المسجد هلك الضمير وكان يعبد مرة * قبل الكتاب الى النبي محمد ان الذي جاء النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد فخرج ثلاثمائة راكب من قومه الى النبي صلى الله عليه وآله فلما رآه النبي تبسم ثم قال: يا عباس بن مرداس كيف كان اسلامك ؟ فقص عليه القصة فقال: صدقت، وسر بذلك وفي حديث سيار الغساني لما قال له عمر: أكاهن أنت ؟ فقال: قد هدى الله بالاسلام كل جاهل ودفع بالحق كل باطل وأقام بالقرآن كل مائل، القصة، فأخذت ظبيه بذي العسف فإذا بهاتف: يا أيها الراكب السراع الاربعة * خلوا سبيل الظبية المروعه فحليتها فلما جن الليل فإذا انا بهاتف يقول: خذها ولا نعجل وخذها عن ثقه * فان شر السير سير الحقحقه (1) هذا نبي فايز من حققه وقال عمرو بن جبلة الكلبي: عترنا عتيرة (2) لعمرة (اسم صنم) فسمعنا من جوفه يخاطب سادنه: يا عصام يا عصام جاء الاسلام، وذهبت الاصنام، وحقنت الدماء ووصلت الارحام. ففزعت من ذلك ثم عترنا اخرى فسمعناه يقول لرجل اسمه بكر: يا بكر بن جبل، جاء النبي المرسل، يصدقه المطعمون في المحل، أرباب يثرب ذلك النخل، ويكذبه أهل تجد ؟ وتهامة، وأهل فلح واليمامة. فأتيا الى النبي وأسلما وأنشد عمرو: أجبت رسول الله إذ جاء بالهدى * فأصبحت بعد الحمد لله أوحدا تكلم شيطان من جوف هبل بهذه الابيات: قاتل الله رهط كعب بن فهر * ما أضل العقول والاحلاما جاءنا تايه يعيب علينا * دين آباءنا الحماة الكراما (3) فسجدوا كلهم وتنقصوا النبي وقال: هلموا غدا نسمع أيضا، فحزن النبي صلى الله عليه وآله


(1) الحقحقة: المتعب من السير، وقيل هو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه. (2) العتر بالكسر: كلما ذبح. ومنشأه كانوا يذبحونها لآلهتهم كلعتيرة ؟. (3) كذا في الاصل والمعلوم كسر القافية (*).

[ 79 ]

من ذلك فأتاه جني مؤمن وقال: يا رسول الله أنا قتلت مسعر الشيطان المتكلم في الاوثان فاحضر المجمع لاجيبه، فلما اجتمعوا ودخل النبي صلى الله عليه وآله خرت الاصنام على وجوهها فنصبوها وقالوا: تكلم، فقال: أنا الذى سمائي المطهرا * أنا قتلت ذا الفجور مسعرا إذا طغى لما طغى واستكبرا * وأنكر الحق ورام المنكرا بشتمه نبينا المطهرا * قد أنزل الله عليه السورا من بعد موسى فاتبعنا الاثرا فقالوا: ان محمدا يخادع اللات كما خادعنا. تاريخ الطبري، انه روى الزهري في حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا جلوسا قبل أن يبعث رسول الله بشهر وتحرنا ؟ جزورا فإذا صائح يصيح في جوف الصنم: اسمعوا العجب، ذهب استراق الوحي ويرمى بالشهب، لنبي بمكة اسمه محمد مهاجرته الى يثرب. الطبري في حديث ابن اسحاق والزهري عن عبد الله بن كعب مولى عثمان انه قال عمر: لقد كنا في الجاهلية نعبد الاصنام ونعنق الاوثان حتى أكرمنا الله بالاسلام فقال الاعرابي: لقد كنت كاهنا في الجاهلية، قال: فاخبرنا ما أعجب ما جاءك به صاحبك ؟ قال: جاءني قبل الاسلام جاء فقال: ألم تر الى الجن بالسها واياسها من دينها ولحافها بالقلاص (1) وأحلاسها (2). فقال: عمر: اني والله لعند وثن من أوثان الجاهلية في معشر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك قبل الاسلام بشهرا وسنة يقول: يا آل ذريح أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله. ومنه حديث الخثعمي وحديث سعد بن عمرو الهذلي. فصل: في نطق الجمادات (وان من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). أمير المؤمنين عليه السلام: كنت أخرج مع رسول الله الى أسفل مكة وأشجارها فلا يمر يحجر ولا شجر إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله، وأنا أسمع.


(1) القلاص جمع قلوص وهي الشابة من الابل. (2) الاحلاس جمع حلس ؟ وزان حمد: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله (*).

[ 80 ]

علقمة وابن مسعود: كنا نجلس مع النبي صلى الله عليه وآله ونسمع الطعام يسبح ورسول الله يأكل، وأتاه مكرز العامري وسأله آية فدعا بتسع حصيات فسبحن في يده. وفي حديث أبى: فوضعهن على الارض فلم يسبحن وسكتن ثم عاد وأخذها من فسبحن. ابن عباس قال: قدم ملوك حضر موت على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: كيف نعلم انك رسول الله ؟ فأخذ كفا من حصى فقال: هذا يشهد اني رسول، فسبح الحصا في يده وشهد أنه رسول الله. النبي صلى الله عليه وآله قال: اني لاعرف حجرا بمكة ما مررت عليه الاسلم علي. أبو هريرة، وجابر الانصاري، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزين العابدين: ان النبي كان يخطب بالمدينة الى بعض الاجذاع فلما كثر الناس واتخذوا له منبرا وتحول إليه حن كما تحن الناقة فلما حن إليه والتزمه كان يئن أنين الصبي الذي يسكت وفي رواية: فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لو لم أحتضنه لحن الى يوم القيامة. وفي رواية: فدعاه النبي فأقبل يخد الارض والتزمه وقال: عد الى مكانك، فمر كأحد الخيل. وفي مسند أحمد قال أبي بن كعب قال النبي صلى الله عليه وآله: اسكن اسكن ان تشأغر ستك في الجنة فيأكل منك الصالحون وان تشأ اعيدك كما كنت رطبا، فاختار الآخرة على الدنيا. وفي سنن ابن ماجة انه لما هدم المسجد أخذ أبي بن كعب الجذع الحنانه وكان عنده في بيته حتى بلى فأكلته الارضة وعاد رفاتا. قال خطيب منبج: ومن أضحى عليه الجذع لما * تولى منه مكتئبا حزينا وحن إليه من كلف وشوق * فأظهر معلنا منه الحنينا وقال غيره: والجذع حن لئن فارقته أسفا * حنين ثكلى شجتها لوعة الثكل ما صبر من صار عين على أثر * وحال من حال عن حال الى عطل أمير المؤمنين (ع): ان اليهود اجتمعت عند امرأة يقال لها عبدة على أن تسمه في هذه الشاة فشوتها ثم اجتمعت الرؤساء في بيتها فأنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا محمد قد علمت ما توجب لي من حق الجوار وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن ” مناقب ج 1، م 10 “


[ 81 ]

حنيف. وفي خبر: وسلمان، والمقداد، وعمار، وصهيب، وأبو ذر، وبلال، والبراء بن معرور. فلما دخلوا واخرجت الشاة سدوا آنافهم بالصوف وقاموا على أرجلهم وتوكؤا على عصيهم فقال النبي صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: انا إذا زارنا نبي لا نقعد وكرهنا أن تصل إليه أنفاسنا، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت مه يا محمد لا تأكل مني فاني مسمومة، فدعا رسول الله عبدة فقال لها: ما حملك على ما صنعت ؟ قالت: قلت ان كان نبيا لا يضره وان كان كذابا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن وبه عز كل مؤمن وبنوره الذي أضاءت به السماوات والارض وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد وانتكس كل شيطان مريد من شر السم والسحر واللمم بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلا هو (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) فقال النبي ذلك وأمر أصحابه فتكلموا به ثم قال: كلوا، ثم أمرهم أن يحتجموا. وفي خبر: ان البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم فوضعها في فيه فقال له أمير المؤمنين: لا نتقدم رسول الله، في كلام له جاءت به هذه وكانت يهودية ولسنا نعرف حالها فان أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسامتك منه وإذا أكلته بغير إذنه وكلك الى نفسك فنطق الذراع، وسقط البراء ومات. وروي انها كانت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مسلم والآكل كان بشر بن البراء بن معرور وانه دخلت امه على النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته فقال: يا ام بشر ما زالت اكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان قطعت ابهري (1) ولذلك يقال: ان النبي صلى الله عليه وآله مات شهيدا. وعن عروة بن الزبير: ان النبي بقى بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه. وفي رواية أربع سنين وهو الصحيح. قال نصر بن المنتصر: ومن يناديه الذراع انني * مسمومة قد سمنى القوم العدى وقال ابن حماد: وأبصر الناس منه كل معجزة * ومعجب بين مراء ومستمع مثل الذراع التي سمت ليأكلها * فكلمته وكل للكلام يعي وله أيضا: وكلمته الذراع إذ سم فيها * يا رسول الاءله دع عنك أكلي


(1) الابهر: الظهر وعرق فيه ووريد العنق والاكحل (*).

[ 82 ]

تفسير الامام الحسن العسكري (ع) في قوله تعالى (ثم قست قلوبكم) قالت اليهود زعمت ان الاحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منا فاستشهد هذه الجبال على تصديقك فأمر صلى الله عليه وآله فتحرك الجبل وتزلزل وفاض منه الماء ونادى: أشهد انك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، ثم أمره أن ينقطع نصفين وترتفع السفلى وتنخفض العليا وتباعد صلى الله عليه وآله الى فضاء واسع ثم نادى: أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين، في كلام له، فتزلزل الجبل وسار كالقارح (1) الهملاج (2) حتى وقف بين يديه، فقالوا: رجل مبخوت (3). وفيه انه رمت قريش بالاحجار على محمد وعلي عليهما السلام فرأوا كل حجر منها يسلم عليهما فوجموا فقال عشرة من مردتهم: ما هذه الاحجار تكلمهما ولكنهم رجال في حفرة بحضرة الاحجار قد خبأهم محمد تحت الارض، فتحلق (4) عشرة أحجار ورضت رؤس المتكلمين بهذا الكلام فجاء عشائرهم يبكون ويضجون ويقولون: قتل محمد أصحابنا بسحره، فأنطق الله جنائزهم: صدق محمد وكذبتم، واضطربت الجنائز وأسقطت من عليها ونادت: ما كنا لنحمل أعداء الله، فقال أبو جهل: ان ذلك سحر عظيم، ثم دعيا الله تعالى فنشروا ثم نادى المحيون: ان لمحمد وعلي شأن عظيم في الممالك التي كنا فيها. وفيه في تفسير قوله تعالى (ان الذين كفروا سواء عليهم)، انه قال مالك بن الصيف: اريد أن يشهد بساطي بنبوتك، وقال أبو لبابة بن عبد المنذر: اريد أن يشهد سوطي بها، وقال كعب بن الاشرف: اريد أن يؤمن بك هذا الحمار، فأنطق الله البساط فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله وأشهد أن علي بن أبي طالب وصيك، فقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، فارتفع البساط ونكس مالكا وأصحابه، ثم نطق سوط أبي لبابة بالنبوة والامامة ثم انجذب من يده وجذب أبا لبابة فخر لوجهه ثم قال: لا أزال أجذبك حتى أثخنك ثم أقتلك أو تسلم، فأسلم أبو لبابة، وجاء كعب يركب حماره فشب به الحمار وصرعه على رأسه ثم قال: بئس العبد أنت شاهدت آيات الله وكفرت بها، فقال النبي: حمارك خير منك قد أبى أن


(1) القارح من قرح ذو الحافرة انهمت أسنانه فهو قارح وذلك عند اكمال خمس سنين. (2) شاة هملاج أي لامخ فيها لهز الها. (3) رجل مبخوت أي مجدود بمعنى عظيم الحظ. (4) تحلق أي تجمع (*).

[ 83 ]

تركبه، فلن يركبه أبدا فاشتراه منه ثابت بن قيس. وفيه انه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي وسأل معجزة وقال: فادع لي تلك الشجرة فدعاها النبي صلى الله عليه وآله فجعلت تخد في الارض اخدودا عظيما كالنهر حتى وقفت بين يديه ونادت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد انك يا محمد عبده ورسوله وأشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك، فأسلم الحارث. تكملة اللطائف: انه كان النبي يبني ؟ مسجدا في المدينة فدعا شجرة من مكة فخدت الارض حتى وقفت بين يديه ونطقت بالشهادة على نبوته صلوات الله وسلامه عليه. ومن دعا الدوحة إذ قال لها * ألا اقبلي فأقبلت لمن دعا وقال عبد الله بن رواحة: لو لم تكن فيك آيات مبينة * كانت بديهية تنبئك بالخبر وقال فطن بن حارثه العليمي: رايتك يا خير البرية كلها * نبت نضارا في الارمة من كعب أغر كأن البدر غرة وجه * إذا مابدا للناس في حلل العصب أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها * ورشت اليتامى في السغابة والجدب فصل: في كلام الحيوانات أبو هريرة وعائشة: جاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وآله وفي يده ضب فقال: يا محمد لا أسلم حتى تسلم هذه الحية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من ربك ؟ فقال: الذي في السماء ملكه وفي الارض سلطانه وفي البحر عجائبه وفي البر بدائعه وفي الارحام علمه، ثم قال: يا ضب من أنا ؟ قال: أنت رسول رب العالمين وزين الخلق يوم القيامة أجمعين وقائد الغر المحجلين قد أفلح من آمن بك وأسعد، فقال الاعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم ضحك وقال: دخلت عليك وكنت أبغض الخلق إلي وأخرج وأنت أحبهم إلي، فلما بلغ الاعرابي منزله اجتمع بأصحابه وأخبرهم بما رأى فقصدوا نحو النبي صلى الله عليه وآله بأجمعهم فاستقبلهم النبي فأنشأ الاعرابي: ألا يا رسول الله انك صادق * فبوركت مهديا وبوركت هاديا شرعت لنا دين الحنيفي بعدما * عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا فياخير مدعو ويا خير مرسل * الى الانس ثم الجن لبيك داعيا أتيت ببرهان من الله واضح فأصبحت فيناصادق القول راضيا


[ 84 ]

فبوركت في الاقوام حيا وميتا * وبوركت مولودا وبوركت ناشيا وروي ان اسم الاعرابي سعد بن معاذ السلمي فسر النبي صلى الله عليه وآله باسلامهم وأمر الاعرابي عليهم. زيد بن الارقم، وأنس، وام سلمة، والصادق (ع): انه مر بظبية مربوطة بطنب خيمة يهودي فقالت: يا رسول الله اني ام خشفين عطشانين وهذا ضرعي قد امتلا لبنا فخلني حتى أرضعهما ثم أعود فتربطني، فقال: أخاف ألا تعودي، قالت جعل الله علي عذاب العشارين إن لم أعد. فحلى سبيلها فخرجت وحكت لخشفيها ما جرى فقالا: لا نشرب اللبن وضامنك رسول الله صلى الله عليه وآله في أذى منك، فخرجت مع خشفيها الى رسول الله وأثنت عليه وجعلا يمسحان رؤسهما برسول الله فبكى اليهودي وأسلم وقال: قد أطلقتها واتخذ هناك مسجدا فخنق (1) رسول الله في أعناقها بسلسلة وقال حرمت لحومكم على الصيادين تم قال: لو ان البهائم يعلمون من الموت، الخير. وفي رواية زيد: فأنا والله رأيتها تسبح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وروي ان الرجل اسمه اهيب بن سماع. جابر الانصاري وعبادة بن الصامت قالا: كان في حائط بني النجار جمل قطم (2) لا يدخل الحائط أحد إلاشد عليه فدخل النبي صلى الله عليه وآله الحائط ودعاه فجاءه ووضع مشفره على الارض ونزل بين يديه فحطمه (3) ودفعه الى أصحابه فقيل: البهائم يعرفون نبوتك ؟ فقال: ما من شئ إلا وهو عارف بنبوتي سوى أبي جهل وقريش فقالوا: نحن أحرى بالجسود لك من البهائم، قال: اني أموت فاسجدوا للحي الذي لا يموت. وجاء جمل آخر يحرك شفتيه ثم أصغى الى الجمل وضحك ثم قال: هذا يشكو قلة العلف وثقل الحمل يا جابر اذهب معه الى صاحبه فأتني به، قلت: والله ما أعرف صاحبه، قال: هو يدلك، قال: فخرجت معه الى بعض بني حنظلة وأتيت به الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بعيرك هذا يخبرني بكذا وكذا، قال: إنما كان ذلك لعصيانه ففعلنا به ذلك ليلين، فواجهه رسول الله وقال: انطلق مع أهلك، فكان يتقدمهم متذللا فقالوا: يا رسول الله أعتقناه لحرمتك، فكان يدور في الاسواق والناس يقولون: هذا عتيق رسول الله.


(1) خنق بمعنى طوق وقلد، ومنه المخنقة بكسر الميم أي القلادة. (2) قطم بفتح فكسر: من قولهم قطعه أي عضه، وقطم: اشتهى الضراب والنكاح. (3) خطمه أي جعل فيه الخطام وهو كلما وضع في أنف البعير ليقتاد به والجمع خطم يضمتين (*).

[ 85 ]

قال نصر بن المنتصر: ومن شكا البعير ظلم أهله * له إليه ثقل حمل وخوى وقال ابن حماد: ودعاه البعير ان يا رسول ا * لله أشكو اليك جفوة أهلي وفي خبر: بينما هو جالس إذا هو بجمل قد أقبل له رغاء فقال صلى الله عليه وآله: أتدرون ما يقول ؟ يقول اني لآل فلان لحي من الخزرج استعملوني وكدوني حتى كبرت وضعفت فلما لم يجدوا في حيلة يريدون نحري وأنا مستغيث بك منه، فأوقفه رسول الله إذ جاء أصحابه يطلبونه فحكى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: فشأك به يا رسول الله، قال: فسرحوه يرتع حيث شاء، قال: فسرحوه فتباعد الجمل قليلا ثم خر لرسول الله ساجدا فقالت الصحابة: هذه بهيمة سجدت لك فنحن أحق بالسجود منه، فقال صلى الله عليه وآله لا ينبغي لاحد أن يسجد لاحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها. قال خطيب منبج: ومن قدم البعير إليه يشكو * فآمنه شفار الجازرينا وقال ابن حماد: وكالبعير الذي وافاه مشتكيا * والذئب والضب واليربوع والسبع أمير المؤمنين (ع): ولقد كنا مع صلى الله عليه وآله فإذا نحن بأعرابي قد أتى بأعرابي وقال انه سرق ناقتي وهو يسوقها وقد استسلم للقطع لما زور عليه الشهود، فقالت الناقة: يا رسول الله ان فلانا مني برئ وان الشهود شهدوا بالزور وان سارقي فلان اليهودي عروة بن الزبير: انه لما فتح خيبر كان في سهم رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أزواج ثقالا وأربعة أزواج خفافا وعشرة أواقي ذهبا وفضة وحمارا قمر فلما ركبه رسول الله نطق وقال: يا رسول الله أنا عفير ملكني ملك اليهود وكنت عضوضا جموحا غير طائع، فقال له: هل لك من أب ؟ قال: لا لانه كان منا سبعون مركبا للانبياء والآن نسلنا منقطع لم يبق غيري ولم يبق غيرك من الانبياء وبشرنا بذلك زكريا (ع) فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعثه الى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومى إليه أن أجب رسول الله فلما قبض النبي أتلف نفسه في بئرلابي هيثم بن التيهان فصار قبره. وروى أبو جعفر نحوا منه في علل الشرائع. عبد الرحمن العنبري: خطب النبي صلى الله عليه وآله يوم عرفة وحث على الصدقة فقال رجل يا رسول الله ان ابلى هذه للفقراء، فنظر النبي إليها فقال: اشتروها لي، فاشتريت


[ 86 ]

فأتت ليلة الى حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلمت فقال النبي: بارك الله فيك، قالت: كنت حاميا فاستعرت من صاحبي فشردت منهم وكنت أرعى فكان النبات يدعوني والسباع تصيح علي انه لمحمد، فسألها النبي صلى الله عليه وآله عن اسم مولاها فقالت عضبا فسماها عضباء قال عمر بن الخطاب: فلما حضر النبي الوفاة قالت: لمن توصي بي بعدك ؟ قال يا عضباء بارك الله فيك أنت لا بنتي فاطمة تركبك في الدنيا والآخرة، فلما قبض النبي أتت الى فاطمة ليلا فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله قد حان فراقي الدنيا والله ما تهنأت بعلف ولا شراب بعد رسول الله وماتت بعد النبي بثلاثة أيام. أنس في خبر: دخل النبي صلى الله عليه وآله حائطا لبعض الانصار وفي الحائط عنز فسجدت لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود لك من هذه العنز، فقال صلى الله عليه وآله انه لا ينبغي السجود لاحد ولو كان ينبغي أن يسجد أحد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها. محمد بن المنكدر في حديثه عن سفينة مولى رسول الله قال: كنت في البحر في سفينة فانكسرت فركبت لوحا منها فطرحني في اجمة فيها الاسد فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله، فطأطأ رأسه ثم غمز بمنكبه يسعى فما زال بغمزني حتى وضعني على الطريق ثم همهم فظننت انه يودعني. الخدري: كان أبو ذر في بطن مر (1) يرعى غنما له فانتزع الذئب منه شاة فهجهج (2) به حتى استنقذ منه شانه ؟ فأقعى (3) الذئب مستثفرا بذنبه (4) مقابلا له ثم قال: أما اتقيت الله حلت بيني وبين شاة رزقنيها الله تعالى، فقال أبو ذر: تالله ما سمعت أعجب من ذلك، وأعجب من ذلك رسول الله بين الحرتين في النخلات يحدث الناس بما خلا ويحدثهم بما هو آت وأنت تتبع غنمك، فقال أبو ذر: يا لك من هو كو من يرعى غنمي حتى أخرج إليه واومن به ؟ فقال الذئب: أنا، فجاء الى مكة فإذا هو بحلقة مجتمعين يشتمون النبي صلى الله عليه وآله فأقبل أبو طالب فقالوا: كفوا عنه فقد جاء عمه، فتبعه أبو ذر فالتفت إليه فقال: ما حاجتك ؟ قال: هذا النبي المبعوث فيكم، قال وما حاجتك إليه ؟ قال: أو من به واصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال


(1) بطن مر ويقال له مر الظهران: موضع على مرحلة من مكة. (2) هجهج السبع: صاح. (3) أقمى الذئب: جلس على اليتيه ونصب فخذيه. (4) استثفر بذنبه أي أدخل ذنبه بين فخديه حتى ألزقه ببطنه (*).

[ 87 ]

تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم، فدله الى جعفر فلما عرف جعفر حاجته دله الى حمزة فلما عرف حمزة حاجته دله الى علي فلما عرف علي حاجته رفعه الى بيت فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخل عليه قال الرسول: ما حاجتك ؟ قال: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: وما حاجتك ؟ قال: أو من به واصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله ؟ قال: نعم، قال: أنا رسول الله يا أبا ذر انطلق الى بلادك فانك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله وكن بها حتى يظهر أمري، ثم دعاه وقال: كفاك الله هم دنياك وعقباك، فصار أربعين يوما ماء زمزم غسلا له فما اشتهى شيئا آخر وانطلق الى بلاده فوجده كما قال. وأتى أبو ذر الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ان لي غنيمات وأكره أن افارق حضرتك، فقال صلى الله عليه وآله: انك فيها، فلما كان يوم السابع جاءه فقال: بينما أنا في صلاتي إذ أخذ ذئب حملا فاستقبله أسد فقطعه بنصفين واستنقذ الحمل ورده الى القطيع وناداني يا أبا ذر أقبل على صلاتك فان الله قد وكلني بغنمك الى أن تصلي، فلما فرغت منها قال: امض الى محمد فاخبره بحفظي لغنمك. تفسير الامام (ع): ان ذئبين كلما راعيا وحثاه على الاسلام، فأتى الراعي الى النبي صلى الله عليه وآله وحكى له كلامهما فأتى النبي الى القطيع وقال: أحيطوا بي حتى لايراني الذئبان، فأحاطوا به فقال للراعي: قل للذئب من محمد ؟ فجاءا يتفحصان عنه حتى دخلا في وسطهم فدخلا الى النبي وقالا: السلام عليك يا رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، ووضعا خدودهما على التراب ومرغاها بين يديه فقال النبي: أحيطوا بعلي، ففعلوا فنادى أيها الذئبان عينا عليا، فجاءا يتخللان القوم ويتأملان الوجوه والاقدام حتى بلغا عليا فمرغا في التراب أبدانهما ووضعا بين يديه خدوهما وقالا السلام عليك يا حليف الندى ومعدن النهى ومحل الحجى وعالما بما في الصحف الاولى ووصي المصطفى. ويقال كان اسم الراعي عمير الطائي، ويقال عقبة فبقى له شرف يفتخرون على العرب ويقول مفتخرهم: أنا ابن مكلم الذئب. قال خطيب منبج وخبرنا بأن الذئب أمسى * بمبعثه من المتكلمينا وقال غيره: الذئب قد أخبر الراعي بمبعثه * فجاء يشهد بالاسلام في العجل وقال آخر: ومنطق الذئب بالتصديق معجزة * مع الذراع ونطق العير والجمل


[ 88 ]

لما صار النبي صلى الله عليه وآله الى وادي حنين للحرب إذا بالطلائع قد رجعت والاعلام والالوية قد وقفت فقال لهم النبي: يا قوم ما الخبر ؟ فقالوا: يا رسول الله حية عظيمة قد سدت علينا الطريق كأنها جبل عظيم لا يمكننا من المسير، فسار النبي صلى الله عليه وآله حتى أشرف عليها فرفعت رأسها ونادت السلام عليك يا رسول الله أنا الهيثم بن طاح بن ابليس مؤمن بك قد سرت اليك في عشرة آلاف من أهل بيتي حتى أعينك على حرب القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: انعزل عنا وسر بأهلك عن ايماننا ففعل ذلك وسار المسلمون محمد بن اسحاق: مرت امرأة من المشركين شديدة القول في النبي ومعها صبى لها ابن شهرين فقال الصبى: السلام عليك يا رسول الله محمد بن عبد الله، فأنكرت الام ذلك من ابنها، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا غلام من أين تعلم اني رسول الله واني محمد بن عبد الله ؟ قال: أعلمني ربى رب العالمين والروح الامين، فقال النبي: من الروح الامين ؟ قال جبرئيل وها هو قائم على رأسك ينزل اليك، فقال له النبي: ما اسمك يا غلام ؟ فقال: عبد العزى وأنا كافر به فسمني ما شئت يا رسول الله، قال: أنت عبد الله، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من خدمك في الجنة، فدعا له فقال: سعد من آمن بك وشقي من كفر بك، ثم شهق شهقة فمات. شمر بن عطية: انه أتى النبي صلى الله عليه وآله بصبي قد شب ولم يتكلم قط فقال: ادن مني، فدنا فقال: من أنا ؟ قال: أنت رسول الله. الواقدي عن المطلب بن عبد الله قال: بينما رسول الله جالس بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه وآله يعوي فقال النبي هذا وفد السباع اليكم فان أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه الى غيره وإن أحببتم تركتموه وأحرزتم منه فما أخذ فهو رزقه، فقالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ، فأومى النبي بأصبابعه الثلاثة أي خالسهم (1) فولى وله غسلان (2). وفى حكاية عمرو بن المنتشر انه سأل النبي صلى الله عليه وآله أن يدفع الحية عن الوادي ويرد النخلة عن عادتها، فخرج النبي فإذا الحية تجرجر وتكشكش كالبعير الهائج وتخور كما يخور الثور فلما نظرت الى النبي قامت وسلمت عليه، ثم وقف على النخلة وأمر يده عليها وقال بسم الله الذي قدر فهدى وأمات وأحيى فصارت بطول النبي واثمرت ونبع الماء من اصلها.


(1) خلس الشئ: اختطفه بمرعة على غفلة. (2) الغسلان من قولهم غسل الذئب أو الفرس غسلانا وغسلاء أي اضطرب في عدوه وهز رأسهمناقب ج 1، م 11.

[ 89 ]

وفى حديث خزيم بن فاتك الاسدي انه وجد إبله بأبرق العزل (1) القصة، فسمع هاتفا هذا رسول الله ذو الخيرات * جاء بياسين وحاميمات فقلت: من أنت ؟ قال: انا مالك بعثني رسول الله الى حي نجد، قلت: لو كان لي من يكفيني إبلي لا تيته فآمنت به، فقال انا، فعلوت بعيرا منها وقصدت المدينة والناس في صلاة الجمعة فقلت في نفسي: لا ادخل حتى تنقضي صلاتهم فأنا انيخ راحلتي إذ خرج إلي رجل قال يقول لك رسول الله ادخل، فدخلت فلما رآني قال: ما فعل الشيخ الذي ضمن لك ان يؤدي إبلك الى اهلك ؟ قلت: لا علم لي به، قال: انه اداها سالمة، قلت: اشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله. فصل: في تكثير الطعام والشراب (ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). أبو هريرة، وابو سعيد، وواثلة بن الاسقع و عبد الله بن عاصم، وبلال، وعمر بن الخطاب قالوا: اصاب الناس مجاعة في تبوك فقالوا ان اذنت لنا نحرنانو ؟ اضمحنا فدعانا لنطع فبسطه ثم دعا بفضل ازوادهم فجعل الرجل يجئ بكف الذرة والآخر بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شئ من ذلك ثم دعا له بالبركة ثم قال: خذوا في اوعيتكم، قال: فأخذوا في اوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا وملؤه واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اشهد ان لاإله إلا الله واني رسول الله لا يقولها احد إلا حرمه الله على النار. ورأى صلى الله عليه وآله عمرة بنت رواحة تذهب بتميرات الى ابيها يوم الخندق فقال: اجعليها على يدي ثم جعلها عى نطع فجل يربو حتى اكل منه ثلاثة آلاف رجل. ومنه حديث علي بن ابي طالب (ع) وقد طبخ له ضلعا وفت مع العشيرة. البخاري عن جابر الانصاري في حديث حفر الخندق، فلما رايت ضعف النبي صلى الله عليه وآله طبخت جديا وخبزت صاع شعير وقلت: يا رسول الله تكرمني بكذا وكذا، فقال لا ترفع القدر من النار ولا الخبز من التنور، ثم قال يا قوم قوموا الى بيت جابر، فأتوا


(1) العزل بالاولى المعجمة ككتف أي الرمح الطويل، وفي بعض النسخ باهمال الاولى، ولم أظفر بمعناها. والابرق من ديار العرب تطلق على مواضع عدة ذكر جملة منها الفيروز آبادي وياقوت الحموي، وليس فيها أبرق العزل (*).

[ 90 ]

وهم سبعمائة رجل. وفى رواية ثمانمائة. وفى رواية الف رجل. فلم يكن موضع الجلوس فكان يشير الى الحائط والحائط يبعد حتى تمكنوا فجعل يطعمهم بنفسه حتى شبعوا ولم يزل يأكل ويهدي الى قومنا اجمع، فلما خرجوا اتيت القدر فإذا هو مملو والتنور محشو. روى انس انه ارسلني أبو طلحة الى النبي صلى الله عليه وآله لما رأى فيه اثر الجوع، فلما رآني قال ارسلك أبو طلحة ؟ قلت نعم، قال لمن معه قوموا، فقال أبو طلحة يا ام سليم قد جاء رسول الله بالناس وليس عندنا من الطعام ما يطعمهم، فقال صلى الله عليه وآله يا ام سليم هلمي بما عندك، فجاءت بأقراص من شعير فأمر به ففت وعصرت ام سليم عكة (1) سمن فأخذها النبي صلى الله عليه وآله ثم وضع يده على راس الثريد وكان يدعو بعشرة عشرة فأكلوا حتى شبعوا وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا. وروى أبو هريرة في اصحاب الصفة وقد وضعت بين ايديهم صحفة فوضع النبي يده فيها فأكلوا وبقيت ملاى فيها اثر الاصابع. ومثله حديث ثابت بن اسلم البناني عن انس في عرس زينب بنت جحش. وروي ان ام شريك اهدت الى النبي صلى الله عليه وآله عكة فيها سمن فأمر النبي الخادم ففرغها وردها خالية فجاءت ام شريك فوجدت العكة ملاى فلم تزل تأخذ منها السمن زمانا طويلا وابقى لها شرفا. واعطى صلى الله عليه وآله لعجوز قصعة فيها عسل فكانت تأكل ولا تفنى، فيوما من الايام حولت ما كان فيها الى اناء آخر ففنى سريعا فجاءت الى النبي واخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وآله ان الاول كان من فعل الله وصنعه والثاني كان من فعلك. وقال جابر ان رجلا اتى النبي يستطعمه فأطمعه وسق من شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته ووصيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره فقال لو لم تكيلوه لا كلتم منه ولقام بكم. وقال أبو هريرة: اتيت الى النبي بتميرات فقلت ادع الله لي بالبركة يا رسول الله قال فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم وكان لا يفارقني، فلما قتل عثمان كان على حقوي فسقط وذهب وكنت عنه في شغل جابر بن عبد الله، والبراء بن عازب، وسلمة بن الاكوع، والمسور بن مخزمة،


(1) عكة بالضم: آنية السمن أصغر من القربة ولا زال اللفظ جاريا على ألسنة العوام حتى اليوم (*).

[ 91 ]

فلما نزل النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية في الف وخمسمائة وذلك في حر شديد قالوا يا رسول الله ما بها من ماء والوادي يابس وقريش في بلدح (1) في ماء كثير فدعا بدلو من ماء فتوضأ من الدلو ومضمض فاه ثم مج فيه وامر ان يصب في البئر فجاشت (2) فسقينا واستقينا. وفي رواية فنزع سهما من كنانته فألقاه في البئر فقارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفتها. أبو عوانة وأبو هريرة انه صلى الله عليه وآله أعطى ناجية بن عمرو نشابة وأمر أبن يقعرها في البئر فامتلا البئر ماء فأتته امرأة فأنشأت: يا أيها الماتح دلوي دونكا * اني رأيت الناس يحمدونكا يثنون خيرا ويمجدونكا * أرجوك للخير كما يرجونكا فأجابها ناجية: قد علمت جارية يمانيه * اني أنا الماتح واسمي ناجية وطعنة ذات رشاش واهية * طعنتها تحت صدور العانيه وفي رواية انه دفعها الى البراء بن عازب وقال: أغرز هذا السهم في بعض قليب الحديبية، فجاءت قريش ومعهم سهيل بن عمرو فأشرفوا على القليب والعيون تنبع تحت السهم فقالت: ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل، فلما أمر الناس بالرحيل قال: خذوا حاجتكم من الماء. ثم قال للبراء: اذهب فرد السهم، فلما فرغوا وارتحلوا أخذ السهم فجف الماء كأنه لم يكن هناك ماء. أمير المؤمنين (ع)، ان رسول الله أمرني في بعض غزوانه وقد نفد الماء يا علي قم وائت بتنور قال: فأتيته فوضع يده اليمنى ويدي معها في التنور فقال: انبع، فنبع. وفي رواية سالم بن ابي الجعد وأنس فجعل الماء يخرج من بين اصابعه كأنه العيون فشربنا وشبعنا ؟ وذلك في يوم الشجرة وكانوا الف وخمسمائة رجل. وشكا أصحابه إليه في غزوة تبوك من العطش فدفع سهما الى رجل فقال انزل فاغرزه في الركى ففعل ففار الماء فطمى الى أعلى الركى فارتوى منه ثلاثون الف رجل في دوابهم ووضع صلى الله عليه وآله بده تحت وشل بوادي المشفق فجعل ينصب في يديه فانخرق الماء حتى سمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا منه فقال رسول الله لئن بقيتم أو بقى منكم احد ليسمعن بهذا الوادي وهو اخصب ما بين يديه


(1) بلدح بفتح الباء والدال: اسم موضع قريب من مكة. (2) جاش البئر أو القدر ! غلا (*).

[ 92 ]

وما خلفه، قيل وهو الى اليوم كما قاله صلى الله عليه وآله. وفى رواية ابي قتادة كان يتفجر الماء من بين اصابعه لما وضع يده فيها حتى شرب الماء الجيش العظيم وسقوا وتزودوا في غزوة بني المصطلق. وفى رواية علقمة بن عبد الله انه وضع يده في الاناء فجعل الماء يفور من بين اصابعه فقال حي على الوضوء والبركة من الله فتوضأ القوم كلهم وفى حديث ابي ليلى شكونا الى النبي صلى الله عليه وآله من العطش فأمر بحفرة فخفرت فوضع عليها نطعا ووضع يده على النطع وقال هل من ماء، فقال لصاحب الاداوة (1) صب الماء على كفي واذكر اسم الله، ففعل فلقد رأيت الماء ينبع من بين اصابع رسول الله حتى روى القوم وسقوا ركابهم. وشكا إليه الجيش في بعض غزواته صلى الله عليه وآله فقدان الماء فوضع يده في القدح فضاق القدح عن يده فقال للناس اشربوا فشرب الجيش وأسقوا وتوضؤا وماؤا المزاود ومنه حديث معاد. وانبع الماء عذبا من انامله * من غير ما صخرة كانت على وشل وانشد انت الذى انبع في راحته * من حجر ماءا معينا فجرى وانشد ايضا ومن فاضت انامله بماء * سقاء لواردين وصادرينا وقرب جفنة صنعت لعشر * على قدر فأطعمها ما مئينا وعادت بعد أكل القوم ملاى * يفور عليهم لحما سمينا فصل: في معجزات أقواد ؟ صلى الله عليه وآله مثل ما اخبر به عن الله تعالى في القرآن (ولتعلمن نبأه بعد حين) وقوله (وإذا وقع القول عليهم اخرجنا) وقوله (وإذا جاء وعد الآخرة) وقوله (حتى إذا فتحت ياجون وماجوج) وقوله (إذا السماء انفطرت) وامثالها. أبو رجاء العطاردي (2) قال: اول ما انكرنا عند مبعث النبي صلى الله عليه وآله انقضاض الكواكب.


(1) الاداوة بالكسر: المطهرة جمعها أداوى كفتاوى. (2) اسم أبى رجاء: عمران بن ملحان وقال ابن حجر: هو ثقة معمر مات 105 ه‍ وله من العمر 120 سنة (*).

[ 93 ]

قال الزجاج في قوله (فاسترق السمع فاتبعه شهاب ثاقب) الشهاب من معجزات نبينا صلى الله عليه وآله لانه لم ير قبل زمانه، والدليل عليه ان الشعراء كانوا يمثلون في السرعة بالبرق والسيل ولم يوجد في اشعارها بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضة، فلما حدثت بعد موده صلى الله عليه وآله استعملت قال ذوالرمة كأنه كوكب في اثر عفرية * مسموم في سواد الليل مقتضب الضحاك في قوله (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان) الآيات، كان الرجال لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان واكلوا الميتة والعظام ثم جاؤا الى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فاسأل الله تعالى لهم الخصب والسعة، فكشف الله عنهم ثم عادوا الى الكفر. الزبيري والشعبي، ان قيصر حارب كسرى فكان هوى المسلمين مع قيصر لانه صاحب كتاب وملة واشد تعظيما لامر النبي صلى الله عليه وآله وكان وضع كتابه على عينه وامر كسرى بتمزيقه حين اتاهما كتابه يدعوهما الى الحق، فلما كثر الكلام بين المسلمين والمشركين قرأ الرسول صلى الله عليه وآله (الم غلبت الروم) ثم حدد الوقت في قوله (بضع سنين) ثم اكده في قوله (وعد الله) فغلبوا يوم الحديبية وبنوا الرومية (1) وروي عنه صلى الله عليه وآله: لفارس نطحة أو نطحتان، ثم قال لا فارس بعدها ابدا، والروم ذات القرون كلما ذهب قرن خلف قرن هبهب الى آخر الابد. قتادة وجابر بن عبد الله في قوله (وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله) نزل في النجاشي لما مات نعاه جبرئيل الى النبي صلى الله عليه وآله فجمع الناس في البقيع وكشف له من المدينة الى ارض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه، فقالت المنافقون في ذلك فجاءت الاخبار من كل جانب انه مات في ذلك اليوم في تلك الساعة، وما علم هرقل بموته إلا من تجار رأو المدينة. الكلبي في قوله (فشدوا الوثاق) ثم نزلت في العباس لما اسرفي يوم بدر فقال له النبي صلى الله عليه وآله: افد نفسك وابني اخيك – يعني عقيلا ونوفلا – وحليفك – يعنى عتبة بن ابي جحدر – فانك ذو مال، فقال ان القوم استكرهوني ولا ما عندي، قال فأين المال الذي وضعته بمكة عند ام الفضل حين خرجت ولم يكن معكما احد وقلت ان أصبت في سفري فللفضل كذا وكذا ولعبد الله كذا ولفثم كذا ؟ قال والذي بعثك بالحق نبيا ما علم بهذا احد غيرها واني لاعلم انك لرسول الله، ففدى


(1) الرومية: بلد بالمدائن خرب (*).

[ 94 ]

نفسه بمائة اوقية وكل واحد بمائة اوقية فنزل (يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى) الآية، فكان العباس يقول صدق الله وصدق رسوله فانه كان معي عشرون اوقية فأخذت فأعطاني الله مكانها عشرين عبدا كل منهم يضرب بمال كثير أدناهم يضرب بعشيرين الف درهم. وقال أبو جعفر (ع): بينا رسول الله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان حتى اخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلون فيه وانتم لا تزكون وحكمه (لتدخلن المسجد الحرام). وفيه حديث عمر ومثل النعاس الذي غشى أصحابه في الحرب قوله (إذا يغشيكم النعاس). ومثل حكمه على اليهود انهم لن يتمنوا الموت فعجزوا عنه وهم مكلفون مختارون ويقرأ هذه الآية في سورة يقرأ بها في جوامع الاسلام يوم الجمعة جهرا تعظيما للآية التي فيها. وحكمه على أهل نجران انهم لو باهلوا لاضرم الوادي عليهم نارا فامتنعوا وعلموا صحة قوله، ونحو قوله (فسوف يكون لزاما) (1) وقوله (يوم نبطش البطشة الكبرى). وروي انهم كانوا على تبوك فقال لاصحابه الليلة تهب ريح عظيمة شديدة فلا يقومن أحدكم الليلة، فهاجت الريح فقام رجل من القوم فحملته الريح فألقته بجبل طي. وأخبر وهو بتبوك بموت رجل بالمدينة عظيم النفاق، فلما قدموا المدينة وجدوه وقد مات في ذلك اليوم. وأخبر بمقتل الاسود العنسي الكذاب ليلة قتله وهو بصنعا وأخبر بمن قتله. وقال يوما لاصحابه: اليوم تنصر العرب على العجم، فجاء الخبر بوقعة ذي قار (2) بنصر العرب على العجم. وكان يوما جالسا بين أصحابه فقال: وقعت الواقعة أخذ الراية زيد بن حارثة فقتل ومضى شهيدا وقد أخذها بعده جعفر بن أبي طالب وتقدم فقتل ومضى شهيدا ثم وقف صلى الله عليه وآله وقفة لان عبد الله كان توقف عند أخذ الراية ثم أخذ الراية عبد الله


(1) في هذا الكلام اشارة الى وقعة بدر، وكذلك قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى. (2) كانت هذه الوقعة لبني شيبان على دولة الاكاسرة وهي أول وقعة انتصر فيها العرب من الفرس، والوقعة مشهورة في التاريخ العربي (*).

[ 95 ]

ابن رواحة وتقدم فقتل ومات شهيدا، ثم قال: أخذ الراية خالد بن الوليد فكشف العدو عن المسلمين، ثم قام من وقته ودخل الى بيت جعفر ونعاه الى أهله واستخرج ولده. ونظر صلى الله عليه وآله الى ذراعي سراقة بن مالك دقيقين أشعرين فقال: كيف بك يا سراقة إذا البست بعدى سواري كسرى. فلما فتحت فارس دعاه عمر وألبسه سواري كسرى. وقوله صلى الله عليه وآله لسلمان: أن سيوضع على رأسك تاج كسرى، فوضع التاج على رأسه عند الفتح. وقوله صلى الله عليه وآله لابي ذر: كيف تصنع إذا اخرجت منها، الخبر. وذكر صلى الله عليه وآله يوما زيد بن صوحان فقال: زيد وما زيد يسبقه عضو منه الى الجنة فقطعت يده في يوم نهاوند في سبيل الله. وقال: انكم ستفتحون مصر فإذا فتحتموها فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم رحما وذمة، يعني ان ام ابراهيم منهم. وقوله: انكم تفتحون رومية فإذا فتحتم كنيستها الشرقية فاجعلوها مسجدا وعدوا سبع بلاطات ثم ارفعوا البلاطة الثامنة فانكم تجدون تحتها عصى موسى وكسوة ايليا. وأخبر صلى الله عليه وآله بأن طوائف من امته يغزون في البحر، وكان كذلك. وخرج الزبير الى ياسر بخير مبارزا فقالت امه صفية: ياسر يقتل ابني يا رسول الله ؟ قال: لا بل ابنك يقتله انشاء الله، فكان كما قال. وفي شرف المصطفى عن الخركوشي انه قال لطلحة: انك ستقاتل عليا وأنت ظالم وقوله المشهور للزبير: انك تقاتل عليا وأنت ظالم. وقوله لعائشة: ستنبح عليك كلاب الحوأب. وقوله لفاطمة (ع) بأنها أول أهله لحاقا به فكان كذلك. وقوله لعلي (ع): لاعطين الراية غدا رجلا، فكان كما قال. وقوله له: انك ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وقوله في يوم احد وقد أفاق من غشيبته: انهم لن ينالوا منا مثلها أبدا. وإخباره يقتل علي والحسنين. سليمان بن صرد قال النبي حين أجلي عنه الاحزاب: أن لا نغزوهم ولا يغزوننا. وقال صلى الله عليه وآله لرجل من اصحابه مجتمعين: أحدكم ضرسه في النار مثل احد، فماتوا كلهم على استقامة وارتد منهم واحد فقتل مرتدا. وقال لآخرين: آخركم موتا في النار، يعنى أبا محذورة (1) وأبا هريرة وسمرة فمات أبو هريرة ثم أبو محذورة


(1) أبو محذورة: سمرة بن معير كان مؤذن النبي بمكة توفي سنة 59 ه‍ (*).

[ 96 ]

ووقع سمرة في نار فاحترق فيها. وأخبر بقتل ابي بن خلف الجمحي فخدش يوم احد خدشا لطيفا فكانت منيته. الخركوشي في شرف النبي انه قال للانصار: انكم سترون بعدي اثرة، فلما تولى معاوية عليهم منع عطاياهم فقدم عليهم فلم يتلقوه فقال لهم: ما الذي منعكم أن تلقوني ؟ قالوا: لم يكن لنا ظهور نركبها، فقال لهم: أين كانت نواضحكم ؟ فقال أبو قتادة: عقرناها يوم بدر في طلب أبيك، ثم رووا له الحديث فقال لهم: ما قال لكم رسول الله ؟ قالوا: قال لنا اصبروا حتى تلقوني، قال: فاصبروا إذا، فقال في ذلك عبد الرحمن ابن حسان: ألا ابلغ معاوية بن صخر * أمير المؤمنين بنا كلامي فانا صابرون ومنظروكم * الى يوم التغابن والخصام السيدي، قال النبي صلى الله عليه وآله لاصحابه: يدخل عليكم الآن رجل من ربيعة يتكلم بكلام الشيطان، فدخل الحطيم بن هند وحده فقال: الى ما تدعو يا محمد ؟ فأخبره فقال انظرني فلي من اشاوره، ثم خرج فقال النبي: دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر فذهب وأخذ سرح (1) المدينة. أبو هريرة قال صلى الله عليه وآله: ليرعفن (2) جبار من جبابرة بني امية على منبري هذا، فرأى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه. وروى عنه صلى الله عليه وآله الائمة من قريش فلم يوجد إمام ضلال أو حق إلا منهم. أنس، انه قال: لا تسألوني عن شئ إلا بنيته فقام رجل من بنى سهم يقال له عبد الله بن حذاقة وكان يطعن في نسبه فقال: يا نبي الله من أبي ؟ قال: أبوك حذاقة ابن قيس فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا نسئلوا عن أشياء) قوله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا). ووصفه بيت المقدس وتعديده أبوابه وأساطينه (3). وحديث العير التي مر بها والجمل الاحمر الذي يقدمها والغرارتين عليه واستأسر بنو الحيان حبيب بن عدي الانصاري وباعوه من أهل مكة فأنشد حبيب:


(1) سرح الرجل: خرج في اموره، فكأنه بريد بذلك: طريق المدينة. (2) رعف الرجل: خرج الدم من أنفه. (3) الاساطير جمع اسطوانة وهي السارية والعمود والكلمة أجنبية (*). ” مناقب ج 1، م 12 “

[ 97 ]

لقد جمع الاحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد حشدوا أولادهم ونساءهم * وقربت من جذع طويل ممنع فذا العرش صبرني على ما يراد بي * فقد يأس منهم بعد يومي ومطمعي وتالله ما أخشى إذا كنت ذا تقى * على أي جمع كان لله مصرعي فلما صلب قال: السلام عليك يا رسول الله، وكان النبي صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت بين أصحابه بالمدينة فقال: وعليك السلام، ثم بكى وقال: هذا حبيب يسلم علي حين قتلته قريش. وكتب صلى الله عليه وآله عهدا لحي سلمان بكازرون: هذا كتاب من محمد بن عبد الله رسول الله سأله الفارسي سلمان وصية بأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار وأقاربه وأهل بيته وعقبه من بعده ما تناسلوا من أسلم منهم وأقام على دينه سلام الله، أحمد الله اليكم ان الله تعالى أمرني أو أقول لاإله إلا الله وحده لا شريك له أقولها وآمر الناس بها والامر كله لله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم واليه المصير، ثم ذكر فيه من احترام سلمان الى أن قال: وقد رفعت عنهم جز الناصية والجزية والخمس والعشر وسائر المؤن والكلف فان سألوكم فاعطوهم وان استغاثوا بكم فأغيثوهم وان استجاروا بكم فأجيروهم وان أساؤا فاغفروا لهم وان اسئ إليهم فامنعوا عنهم وليعطوا من بيت مال المسلمين في كل سنة مائتي حلة ومن الا واقي مائة فقد استحق سلمان ذلك من رسول الله، ثم دعا لمن عمل به ودعا على من آذاهم، وكتب علي بن أبي طالب، والكتاب الى اليوم في أيديهم ويعمل القوم برسم النبي صلى الله عليه وآله، فلولا ثقته بأن دينه يطبق الارض لكان كتبة هذا السجل مستحيلا. وكتب نحوه لاهل تميم الداري: من محمد رسول الله للداريين إذا اعطاه الله الارض وهب لهم بيت عين وحيرين وبيت ابراهيم. وكتب صلى الله عليه وآله للعباس: الحيرة من الكوفة والميدان من الشام والخط (1) من هجر ومسيرة ثلاثة أيام من ارض اليمن، فلما افتتح ذلك أتى به الى عمر فقال: هذا مال كثير، القصة. ومن العجائب الموجودة تدبيره صلى الله عليه وآله أمر دينه بأشياء قبل حاجته إليها مثل وضعه المواقيت للحج ووضع غمرة والمسخ وبطن العقيق ميقاتا لاهل العراق ولا عراق


(1) الخط: موضع بأرض القطيف ولا زال يعرف بهذا الاسم الى اليوم. وقد صحف اللفظ في الاصل الى الحاء المهملة والظاء والموحدة (*).

[ 98 ]

يومئذ والجحفة لاهل الشام وليس به من يحج يومئذ، ومن أصغى الى ما نقل عنه علم ان الاولين والآخرين يعجزون عن أمثالها وان ذلك لا يتصور إلا أن يكون من الوحي والتنزيل. وقوله صلى الله عليه وآله: زويت (1) لي الارض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امتي مازوي لي منها فصدق لي خبره فقد ملكهم من اول المشرق الى آخر المغرب من بحر الاندلس وبلاد البربر ولم يتسعوا في الجنوب ولا في الشمال كما اخبر صلى الله عليه وآله سواء بسواء وقوله صلى الله عليه وآله لعدي بن حاتم: لا يمنعك من هذا الدين الذي ترى من جهد أهله وضعف اصحابه فلكأنهم بيضاء المداين وقد فتحت عليهم وكأنهم بالظعينة تخرج من الحيرة حتى تأتي مكة بغير خفار (2) ولا تخاف إلا الله فابصر عدى ذلك كله. وقوله صلى الله عليه وآله لخالد بن الوليد وقد بعثه الى كيدر بن عبد الملك ملك كنده وكان نصرانيا ستجده يصيد البقر فخرج حتى كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأة فبانت البقرة تخد بقرونها باب القصر فقالت هل رأيت مثل ذلك قط ؟ قال: لا والله، قالت: فمن بترك (3) هذا ؟ قال: لا أحد، فنزل وركب على فرسه ومعه نفر من اهل بيته فيهم أخ يقال له حسان وبعث به الى رسول الله صلى الله عليه وآله وانشد في ذلك رجل من بني طي: تبارك سائق البقرات اني * رأيت الله يهدي كل هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فانا قد امرنا بالجهاد وقوله لكنانة زوج صفية والربيع: أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها اهل مكة ؟ قالا هزمنا فلم تزل تضعنا ارض وتقلنا ارض اخرى وانفقناها، فقال لهما: انكما ان كتمتما شيئا فاطلعت عليه استحللت دماء كما وذراريكما، قالا: نعم، فدعا رجلا من الانصار وقال: اذهب الى قراح (4) كذا وكذا ثم ائت النخيل فانظر نخلة عن يمينك وعن يسارك وانظر نخلة مرفوعة فأتيني بما فيها، فانطلق وجاء بالآنية والاموال فضرب عنقهما. وقال جارود بن عمرو العبدي وسلمة بن العباد الازدي: ان كنت نبيا فحدثنا عما


(1) زويت: جمعت. (2) الخفار من خفرت الرجل أي حميته وأجرته من طالبه. (3) بترك أقام، واللفظ بتقديم الموحدة التحتانية على المثناة الفوقانية، وفي بعض النسخ تبرك بتقديم التاء. (4) القراح: المزرعة التي ليس فيها بناء (*).

[ 99 ]

جئنا نسألك عنه، فقال صلى الله عليه وآله: اما انت يا جارود فانك جئت تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الاسلام وعن المنيحة، قال: أصبت، فقال صلى الله عليه وآله فان دماء الجاهلية موضوع وحلفها لا يزيده الاسلام إلا شدة ولا حلف في الاسلام ومن افضل الصدقة ان تمنح اخاك ظهر الدابة ولبن الشاة، واما انت يا سلمة بن عباد فجئتني تسألني عن عبادة الاوثان ويوم السباسب (1) وعقل الهجين (2) اما عبادة الاوثان فان الله جل وعز يقول (انكم وما تعبدون من دون الله) واما يوم السباسب فقد أبدلك الله عزوجل ليلة القدر ويوم العيد لمحة تطلع الشمس لا شعاع لها واما عقل الهجين فان اهل الاسلام تتكافأ دماؤهم ويجير اقصاهم على ادناهم واكرمهم عند الله اتقاهم، قالا نشهد بالله ان ذلك كان في انفسنا. وفي حديث ابي جعفر (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله صلى وتفرق الناس فبقى انصاري وثقفي فقال لهما: قد علمت ان لكما حاجة تريدان ان تسألاني عنها فان شئتما اخبرتكما بحاجتكما قبل ان تسألاني وإن شئتما فاسألا. فقالا: نحب ان تخبرنا بها قبل ان نسألك فان ذلك أجلى للعماء وأثبت للايمان، فقال صلى الله عليه وآله: يا أخا الانصار انك من قوم يؤثرون على انفسهم وانت قروي وهذا بدوي أفتؤثره بالمسألة ؟ قال: نعم، قال: اما انت يا أخا ثقيف فانك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك على ذلك من الاجر، فأخبره بذلك، واما انت يا أخا الانصار فجئت تسألني عن حجك وعمرتك وما لك فيهما، فأخبره بفضلهما. أنس: انه قال لرجل اسمه أبو بدر: قل لا إله إلا الله، فسأله حجة، قال: في قلبك من اربعة اشهر كذا وكذا، فصدقه وأسلم. اتى سائل الى النبي صلى الله عليه وآله وسأله شيئا فأمره بالجلوس فأتاه رجل بكيس ووضع قبله وقال: يا رسول الله هذه اربعمائة درهم اعطها المستحق، فقال: يا سائل خذ هذه الاربعمائة دينار، فقال صاحب المال: يا رسول الله ليس بدينار وإنما هو درهم، فقال صلى الله عليه وآله: لا تكذبني فان الله صدقني، وفتح رأس الكيس فإذا هو دينار فعجب الرجل وحلف انه شحنها من الدراهم، قال: صدقت ولكن لما جرى على لساني الدنانير جعل الله الدراهم دنانير.


(1) السباسب: أيام السعانين وهي عيد للنصارى قبل الفصح باسبوع. (2) يريد يعقل الهجين دية غير شريف النسب وهل تساوي دية الشريف. أو انه كان عند السائل انه لا يقتص الشريف للهجين (*).

[ 100 ]

واستأذن أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يكون في مزينة (1) مع ابن اخيه فقال اني اخشى ان تغير عليك خيل من العرب فتقتل ابن اخيك فتأتيني شعثا فنقوم بين يدي متكئا على عصى فتقول قتل ابن أخي واخذ السرح، ثم أذن له فخرج ولم يلبث إلا قليلا حتى أغار عليه عيينة بن حصن وأخذ السرح وقتل ابن أخيه واخذت امرأته فأقبل أبو ذر يستند حتى وقف بين رسول الله وبه طعنة جايفة (2) فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله اخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي، فصاح رسول الله في المسلمين فخرجوا بالطلب فردوا السرح. وكتب صلى الله عليه وآله الى ابن جلندي وأهل عمان وقال: أما انهم سيقبلون كتابي ويصدقوني ويسألكم ابن جلندي: هل بعث رسول الله معكم بهدية ؟ فقولوا: لا، فسيقول: لو كان رسول الله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني اسرائيل وعلى المسيح، فكان كما قال. وفي حديث حريز بن عبد الله البجلي وعبدة بن مسهر لما قال له: اخبرني عما أسألك وما احرت (3) وما أبصرت – يريد في المنام -، فقال صلى الله عليه وآله: أما ما احرت فسيفك الحسام وابنك الهمام وفرسك عصام ورأيت في المنام في غلس الظلام ان ابنك يريد الغزل فلقيه أبوثعل على سفح الجبل مع احدى نساء بني ثعل فقتله نجدة بن جبل، ثم أخبره بما يجري وما يجب أن يعمل. قال أبو شهم (4): مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها (5) قال: وأصبح الرسول يبايع الناس قال فأتيته فلم يبايعني فقال: صاحب الخبندة ! (6) قلت: والله لا أعود، قال فبايعني. وأمثلة ذلك كثيرة فصار مخبرات مقاله على ما أخبر به (ص).


(1) مزينة كجهينة: اسم قبيلة. (2) طعنة جايفة: أي طعنة تبلغ الجوف. (3) قال في البحار قوله: ما أحرت، بالحاء المهملة المخففة أي رددت، أو بالخاء المعجمة أي تركت وراء ظهري. (4) أبو شهم: يزيد بن أبي شيبة، صحابي. (5) المكشح: ما بين الخاصرة الى الضلع الخلف. (6) جارية خبندة: أي تقيلة الوركين، أو هي التامة الممتلئة.

[ 101 ]

فصل: في معجزات أفعاله صلى الله عليه وآله محمد بن المنكدر: سمعت جابرا يقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت، الخبر. وشكى إليه طفيل العامري الجذام فدعا بركوة ثم تفل فيها وأمره أن يغتسل به فاغتسل وعاد صحيحا. وأتاه صلى الله عليه وآله حسان بن عمرو الخزاعي مجذوما فدعا له بماء فتفل فيه ثم أمره فصبه على نفسه فخرج من علته فأسلم قومه. وأتاه قيس اللخمي وبه برص فتفل عليه فبرأ. أبو بكر القفال في دلائل النبي: ان البراء ملاعب الاسنة كان به استسقاء فبعث إليه لبيد بن ربيعة وأهدى إليه فرسين ونجائب، فقال صلى الله عليه وآله: لا أقبل هدية مشرك، قال: فانه يستشفيك من الاستسقاء، فأخذ بيده حثوة من الارض فتفل عليها وأعطاه ثم قال: دفها بماء ثم اسقه إياه، فلما شربها البراء برأ من مرضه. محمد بن خاطب: انكب القدر على ساعدي في الصغر فأتت بي امي الى النبي صلى الله عليه وآله قالت: فتفل في في ومسح على ذراعي وجعل يقول: اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما، فبرأ باذن الله. الفايق، ان النبي صلى الله عليه وآله مسح على رأس غلام وقال: عش قرنا، فعاش مائة. وان امرأة أتته بصبي لها للتبرك وكانت به عاهة فمسح يده على رأسه الصبي فاستوى شعره وبرأ داؤه. وروى ابن بطة ان الصبي كان المهلب، وبلغ ذلك أهل اليمامة فأتت امرأة مسيلمة بصبي لها فمسح رأسه فصلع وبقى نسله الى يومنا هذا. وقطع يد أنصاري وهو عبد الله بن عتيك في حرب احدا فألزقها رسول الله صلى الله عليه وآله ونفخ عليه فصار كما كان. ونفخ صلى الله عليه وآله في عين علي (ع) وهو أرمد يوم خيبر فصحح من وقته. قال أبو العباس أحمد بن عطية: تفل النبي بمحضر يختصه * في مقلتيه ولحظه يتطلع فرأى البسيطة مثل راحة كفه * حتى كأن السهل منها اصبع وفقئت في احد عين قتادة بن ربعي أو قتادة بن النعمان الانصاري فقال يا رسول الله الغوث الغوث، فأخذها بيده فردها مكانها فكانت أصحهما وكانت تعتل الباقية ولا


[ 102 ]

تعتل المردودة، فلقب ذا العينين أي له عينان مكان الواحدة، فقال الخرنق الاوسي: ومنا الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لاحسن حالها * فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد واصيبت رجل بعض أصحابه فمسحها بيده فبرأت من حينها. وأصاب محمد بن مسلمة يوم قتل كعب بن الاشرف مثل ذلك في عيني ركبتيه فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فلم تبن من اختها. وأصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الاخرى. عروة بن الزبير عن زهرة قال: أسلمت فأصيب بصرها فقالوا لها أصابك اللات والعزى، فرد صلى الله عليه وآله عليها بصرها، فقالت قريش: لو كان ما جاء محمد خيرا ما سبقتنا إليه زهرة، فنزل (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه). وأنفذ النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن عتيك الى حصن أبي رافع اليهودي فدخل فيه بغتة فإذا أبو رافع في بيت مظلم لا يدري أين هو فقال: أنا رافع، قال: من هذا فأهوى نحو الصوت فضربه ضربة وخرج فصاح أبو رافع ثم دخل عليه فقال ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال: ان رجلا في البيت ضربني، فضربه ضربة اخرى وكان ينزل فانكسر ساقه فعصبها، فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه وآله فحدثه قال: ابسط رجلك فبسطها فمسحها فبرأت. وكان أبي بن خلف يقول: عندي رمكة (1) أعلفها كل يوم فرق (2) ذرة اقتلك عليها فقال النبي: أنا أقتلك انشاء الله، فطعنه النبي صلى الله عليه وآله يوم احد في عنقه وخدشه خدشة فتدهدى عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا له في ذلك فقال: لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم أليس قال لي أقتلك فلو بزق علي بعد تلك المقالة قتلني، فمات بعد يوم. فقال حسان: لقد ورث الضلالة عن أبيه * أبي حين بارزه الرسول أتيت إليه تحمل منه عضوا * وتوعده وأنت به جهول وقد قتلت بنو النجار منكم * امية إذ يغوث يا عقيل وفي لطائف القصص ان قوما شكوا إليه ملوحة مائهم فجاء معهم وتفل في بئرهم


(1) الرمكة محركة: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل. (2) الفرق بفتحتين: مكيال بفتحتين: مكيال يقال انه تسع عشر رطلا ؟ قال الازهري: وأهل اللغة مجمعون على الفتح وأهل الحديث يسكنون (*).

[ 103 ]

فانفجرت بالماء العذب الفرات فهاهي تتوارثها أهلها، وكان مما أكد الله به صدقه ان قوم مسيلمة سألوه مثلها فتفل في بئر فعادت ملحا اجاجا كبول الحمار وهي الى اليوم بحالها معروفة المكان. وروي ان النبي تفل في بئر معطلة ففاضت حتى سقي منها بغير دلو ولا رشأ. وكانت امرأة متبرزة وفيها وقاحة فرأت رسول الله يأكل فسألت لقمة من فلق فيه فأعطاها فصارت ذات حياء بعد ذلك. وروي ان جرهدا أتى النبي صلى الله عليه وآله وبين يديه طبق فمد يده الشمال ليأكل وكانت اليمين مصابة فقال له النبي: كل باليمين، فقال: يا رسول الله انها مصابة، فنفث عليها فما اشتكاها. أبو هريرة قال: انصرف النبي صلى الله عليه وآله ليلة من العشاء فأضاءت له برقة فنظر الى قتادة بن النعمان فعرفه فقال: يا نبي الله كانت ليلة مطيرة فأحببت أن اصلي معك، فأعطاه النبي عرجونا وقال: خذها تستضئ به ليلتك، الخبر، وأعطى صلى الله عليه وآله عبد الله ابن طفيل الازدي نورا في جبينه ليدعو به قومه فقال: يا رسول الله هذه مثلة، فجعله رسول الله في سوطه واهتدى به أبو هريرة. وروى أبو هريرة ان الطفيل بن عمرو نهته قريش عن قرب النبي فدخل المسجد محشوا اذنيه بكرسف لكيلا يسمع صوته قكان يسمع فأسلم وقال: يحذرني محمدها قريش * وما أنا بالهيوب لدى الخصام فقام الى المقام وقمت منه * بعيدا حيث أنجو من ملام واسمعت الهدى وسمعت قولا * كريما ليس من سجع الانام وصدقت الرسول وهان قوم * علي رموه بالبهت العظام ثم قال يا رسول الله اني امرئ مطاع في قومي فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم الى الاسلام فقال صلى الله عليه وآله: اللهم اجعل له آية فانصرف الى قومه إذ رأى نورا في طرفه سوطه كالقنديل فأنشأ قصيدة منها: ألا ابلغ لديك بني لوي * على الشنآن والغضب المرد بأن الله رب الناس فردا * تعالى جده عن كل جد وان محمدا عبد رسول * دليل هدى وموضح كل رشد رأيت له دلائل أنبأتني * بأن سبيله للفضل يهدي أبو عبد الله الحافظ قال: خط النبي صلى الله عليه وآله عام الاحزاب أربعين ذراعا بين كل


[ 104 ]

عشرة فكان سلمان وحذيفة يقطعون نصيبهم فبلغوا ندبا عجزوا عنه فذكر سلمان للنبي صلى الله عليه وآله ذلك فهبط وأخذ معوله وضرب ثلاث ضربات في كل ضربة لمعة وهو يكبر ويكبر الناس معه فقال: يا أصحابي هذا ما يبلغ الله شريعتي الافق. وفي خبر بالاولى اليمن وبالثانية الشام والمغرب وبالثالثة المشرق فنزل (ليظهره على الدين كله) الآيات. جابر بن عبد الله: اشتد علينا في حفر الخندق كدانة فشكونا، الى النبي فدعا باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو ثم نضح الماء على تلك الكدانة فعادت كالكندر. وروي ان عكاشة انقطع سيفه يوم يدر فناوله رسول الله خشبة وقال: قاتل بها الكفار فصارت سيفا قاطعا يقاتل به حتى قتل به طليحة في الردة. وأعطى عبد الله بن جحش يوم احد عسيبا من نخل فرجع في يده سيفا. وروى في ذي الفقار مثله رواية. وأعطى صلى الله عليه وآله يوم احد لابي دجانة سعفة نخل فصارت سيفا فأنشأ أبو دجانة: نصرنا النبي بسعف النخيل * فصار الجريد حساما صقيلا وذا عجبا من امور الاءله * ومن عجب الله ثم الرسولا ومن هز الجريدة فاستحالت * رهيف الحد لم يلق الغلولا وأتاه قوم من عبد القيس بغنم لهم فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها فغمز اصبعه في اصول اذانها فابيضت فهي الى اليوم معروفة النسل ظاهرة الاثر. وأكل النبي صلى الله عليه وآله يوما رطبا كان في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل في كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة. وروي انه صلى الله عليه وآله قال: اعطني يا علي كفا من الحصى، فرماها وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل. قال الكلبي: فجعل الصنم ينكب لوجهه إذا قال ذلك وأهل مكة يقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد. أبو هريرة: ان رجلا أهدى إليه قوسا عليه تمثال عقاب فوضع يده عليه فأذهبه الله. وكان خباب بن الارت في سفر فأتت بنيته الى الرسول صلى الله عليه وآله وشكت نفاد النفقة فقال اوربني بشوية لكم فمسح يده على ضرعها فكانت تدر الى انصراف خباب. ” المناقب ج 1، م 13 “


[ 105 ]

أمالي الطوسي عن زيد بن أرقم في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله أصبح طاويا فأتى فاطمة (ع) فرأى الحسن والحسين (ع) يبكيان من الجوع وجعل يزقهما بريقه حتى شبعا وناما فذهب مع علي الى دار أبي الهيثم فقال: مرحبا برسول الله ما كنت أحب أن تأتيني وأصحابك إلا وعندي شئ وكان لي شئ ففرقته في الجيران، فقال: اوصاني جبرئيل بالجار حتى حسبت انه سيورثه، قال: فنظر النبي الى نخلة في جانب الدار فقال: يا ابا الهيثم تأذن في هذه النخلة ؟ فقال: يا رسول الله انه لفحل وما حمل شيئا قط شأنك به، فقال: يا علي اتيني بقدح ماء فشرب منه ثم مج فيه ثم رش على النخلة فتملت اغداقا من بسر ورطب ما شئنا، فقال: ابدؤا بالجيران، فأكلنا وشربنا ماءا باردا حتى شربنا وروينا فقال: يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة يا علي تزود لمن وراك لفاطمة والحسن والحسين، قال: فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة. هند بنت الجون وحبيش بن خالد وأبو معبد الخزاعي: ان النبي صلى الله عليه وآله عند الهجرة نزل على ام معبد الخزاعية وسألوها شيئا ليشتروه فلم يصيبوا فإذا شاة في كسر البيت جرباء ضعيفة فدعا بها فمسح يده على ضرعها وقال: اللهم بارك لي في شأنها، فتفاجت ودرت واخبزت فدعا النبي باناء لها يربض الرهط فحلبها وشرب هو واصحابه والمرأة وأحصابها ولم يشرب حتى شربوا بجمعهم ثم قال: ساقى القوم آخرهم شربا، ثم حلب لها عودا بعد بدء. قال خطيب منبج: ومن حلب الضئيلة وهي تضو * فأسبل درها ؟ للحالبينا وكانت حائلا فغدت وراحت * بيمن المصطفى الهادي لبونا وقال غيره: والشاة لما مسحت الكف منك على * جهد الهزال بأوصال لها قحل سنحت بدرة سكر الضرع حافلة * فروت الركب بعد النهل بالعلل وسمع صوت: سلوا اختكم عن شاتها وإنائها * فانكم ان تسألوا الناس تشهد دعاها بشاة حايل فتحلبت * له بصريح صرة الشاة من يد فلما اصبح الناس اخذوا نحو المدينة حتى لحقوا به. ومسح صلى الله عليه وآله ضرع شاة حايل لالبن لها فدرت فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود أمالي الحاكم، ان النبي كان يوما قائظا فلما انتبه من نومه دعا بماء فغسل يديه


[ 106 ]

ثم مضمض ماء ومجه الى عوسجة فأصبحوا وقد غلظت العوسجة وأثمرت وأينعت بثمر اعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد والله ما أكل منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برء ولا أكل من ورقها حيوان إلا در لبنها وكان الناس يستشفون من ورقها وكان يقوم مقام الطعام والشراب ورأينا النماء والبركة في اموالنا فلم يزل كذلك حتى اصبحنا ذات يوم وقد تساقط وثمرها وصغر ورقها فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم والرائحة واقامت على ذلك ثلاثين سنة فأصبحنا يوما وقد ذهبت نضارة عيدانها فإذا قتل أمير المؤمنين (ع) فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا فأقامت بعد ذلك مدة طويلة ثم اصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وورقها زايل يقطر ماء كماء اللحم فإذا قتل الحسين (ع). أجمع المفسرون والمحدثون سوى عطا والحسين والبلخي في قوله (اقتربت الساعة وانشق القمر) انه قد اجتمع المشركون ليلة بدر الى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، قال: ان فعلت تؤمنون ؟ قالوا: نعم، فأشار إليه باصبعه فانشق شقتين رؤي حرى (1) بين فلقيه. وفي رواية نصفا على ابى قبيس ونصفا على قعيقعان (2). وفى رواية نصف على الصفا ونصف على المروة فقال صلى الله عليه وآله اشهدوا اشهدوا، فقال ناس: سحرنا محمد، فقال رجل: ان كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم. وكان ذلك قبل الهجرة وبقى قدر ما بين العصر الى الليل وهم ينظرون إليه ويقولون: هذا سحر مستمر، فنزل (وان يروا آية يعرضون) الآيات. وفى رواية انه قدم السفار من كل وجه فما من أحد قدم إلا اخبرهم انهم رأوا مثل ما رأوا قال نصر بن المنتصر: والقمر البدر المنير شقة * فقيل سحر عجب لما رأى وغرس صلى الله عليه وآله نوى فنبت نخلا وحملت الذهب الذي دفعه الى سلمان وبارك فيه ووفى بكل ما كان عليه وما نقص منه وأرطبت في وقت واحد.


(1) حراء ككتاب وكعلى: جبل بمكة. (2) قعيقعان كزعيفران: جبل بمكة وجهه الى أبي قبيس (*).

[ 107 ]

فصل: في معجزاته في ذاته كان النبي صلى الله عليه وآله قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الانبياء لو انفرد واحد باحدها لدل على جلاله فكيف من اجتمعت فيه كان نبيا أمينا صادقا حاذقا أصيلا نبيلا مكينا فصيحا عاقلا فاضلا عابدا زاهدا سخيا كميا قانعا متواضعا حليما رحيما غيورا صبورا موافقا مرافقا لم يخالط منجما ولا كاهنا ولا عيافا. ولما قالت قريش انه ساحر علمنا انه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله وقالوا هذا مجنون لما هجم منه على شئ لم يفكر في عاقبته منهم، وقالوا هو كاهن لانه أنبأ بالغائبات، وقالوا معلم لانه قد أنبأهم بما يكتمونه من اسرارهم فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه. وكان فيه خصال الضعفاء ومن كان فيه بعضها لا ينظم أمره، كان يتيما فقيرا ضعيفا وحيدا غريبا بلا حصار ولا شوكة كثير الاعداء، ومع جميع ذلك تعالى مكانه وارتفع شأنه فدل على نبوته. وكان البدوي يرى وجهه الكريم فقال: والله ما هذا وجه كذاب. وكان ثابتا في الشدائد وهو مطلوب، وصابرا على البأساء والضراء وهو مكروب محزوب. كان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة فثبت له الملك. وكان يشهد كل عضو منه على معجزة. (نوره) كان إذا يمشي في ليلة ظلماء بداله نور كأنه قمر. عائشة: فقدت ابرة ليلة فما كان في منزلي سراج فدخل النبي فوجدت الابرة بنور وجهه. حمزة بن عمر الاسلمي قال: نفرنا مع النبي في ليلة ظلماء فأضاءت اصابعه. (عرفه) جابر بن عبد الله: انه كان لا يمر في طريق فيمر فيه انسان بعد يومين إلا عرف انه عبر فيه. مسلم: كان النبي صلى الله عليه وآله يقيل عند ام سلمة فكانت تجمع عرقه وتجعله في الطيب. عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: اتي رسول الله صلى الله عليه وآله بدلو من ماء فشرب ثم توضأ فتضمض ثم مج مجة في الدلو فصار مسكا أو اطيب من المسك. (ظله) لم يقع ظله على الارض لان الظن من الظلمة. وكان إذا وقف في الشمس والقمر والمصباح نوره يغلب انوارها. (قامته) كل ما مشى مع احد كان أطول منه براس وان كان طويلا.


[ 108 ]

(رأسه) كان تظله سحابة من الشمس وتسير لمسيرة وتركد لركوده ولا يطير الطير فوقه. (عينه) كان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه، ويرى من خلفه كما يرى من قدامه. (أنفه) لم يشم به منذ خلقه الله تعالى رائحة كريهة، (فمه) كان يمج في الكوز والبئر فيجدون له رائحة اطيب من المسك. (لسانه) كان ينطق بلغات كثيرة. (محاسنه) كانت فيه سبع عشرة طاقة نور تتلألأ في عوارضه. (اذنه) كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه ويسمع كلام جبرئيل عند الناس ولا يسمعونه. ربيع الابرار، انه دخل أبو سفيان على النبي صلى الله عليه وآله وهو نفاد فأحس بتكاثر الناس فقال في نفسه: واللات والعزى يا ابن أبى كبشة لاملانها عليك خيلا ورجلا وانى لارجو ان أرقي هذه الاعواد، فقال النبي: أو يكفينا الله شرك يا ابا سفيان. (صدره) لم يكن على وجه الارض أعلم منه. (ظهره) كان بين كتفيه خاتم النبوة كلما ابداه علا نوره نور الشمس مكتوب عليه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له توجه حيث شئت فأنت منصور. في حديث جابر بن سمرة: رأيت خاتمة غضروف كتفيه مثل بيض الحمامة. وسئل الخدري عنه فقال: بضعة ناشزة. أبو زيد الانصاري: شعر مجتمع على كتفيه. السايب بن يزيد: مثل زر الحجلة. ولما شك في موت رسول الله صلى الله عليه وآله وضعت اسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت: قد توفي رسول الله، قد رفع الخاتم. (بطنه) كان يشد عليه الحجر من الغرث (1) فتشبع. (قلبه) كان تنام عيناه ولا ينام قلبه. (يداه) فار الماء من بين اصابعه وسبح الحصى في كفه. (ركبه) ولد مسروا مختونا وما احتلم قط، لان ذلك من الشيطان، وكان له شهوة اربعين نبيا. (جلوسه) عائشة: قلت يا رسول الله انك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت


(1) الغرث بالتحريك: الجوع (*).

[ 109 ]

على اثرك فما ارى شيئا إلا انى أجد رائحة المسلك ؟ فقال: انا معشر الانبياء تنبت اجسادنا على ارواح الجنة فما يخرج منه شئ إلا ابتلعته الارض. وتبعه رجل علم صلى الله عليه وآله مراده فقال: انا معاشر الانبياء لا يكون منا ما يكون من البشر. ام أيمن: اصبح رسول الله فقال: يا ام ايمن قومي فاهرقي ما في الفخارة – يعني البول – قلت: والله شربت ما فيها وكنت عطشى، قالت: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أما انك لا تنجع (1) بطنك ابدا. ومنه حديث دم الفصد. (فخذه) كل دابة ركبها النبي بقيت على سنها لا تهرم قط. (رجلاه) ارسلها في بئر ماؤه اجاج فعذب. (قوته) كان لا يقاومه احد. اسحاق بن بشار: ان ركانة بن عبد بن زيد ابن هاشم كان من اشد قريش فحلا فقال له النبي في وادي اصم: يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما ادعوك إليه، قال: انى لو اعلم انه حق لا تبعتك، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أفرأيت إن صرعتك أتعلم ان ما اقول حق ؟ قال: نعم، قال: قم حتى اصارعك، قال: فقام إليه ركانة فصارعه فلما بطش به رسول الله اضجعه قال: فعد، فعاد فصرعه فقال: ان ذا العجب يا قوم ان صاحبكم اسحر اهل الارض. (حرمته) كان المقر يحرك مهده في حال صباه، وكان لا يمر على شجرة إلا سلمت عليه، ولم يجلس عليه الذباب، ولم تدن منه هامة ولا سامة. (مشيه) كان إذا مشى على الارض السهلة لا يبين لقدمه اثر وإذا مشى على الصلبة بان اثرها. (هيبته) كان عظيما مهيبا في النقوس حتى ارتاعت رسل كسرى مع انه كان بالتواضع موصوفا وكان محبوبا في القلوب حتى لا يقليه مصاحب ولا يتباعد عنه مقارب قال السدي: قوله (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) لما ارتحل أبو سفيان والمشركين يوم احد متوجهين الى مكة قالوا: ما صنعنا قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد وتركناهم إذ هموا وقالوا: ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك القى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا. وروي ان الكفار دخلوا مكة كالمنهزمين مخافة ان يكون له الكرة عليهم. وقال صلى الله عليه وآله: نصرت بالرعب مسيرة شهر، قوله تعالى: (وكف ايدي الناس عنكم) وذلك ان النبي لما قصد خيبر وحاصر اهلها همت


(1) النجيع بتقديم النون على الجيم: دم الجوف (*).

[ 110 ]

فبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على اهل المدينة فكف الله عنهم بالقاء الرعب في قلوبهم قوله تعالى: (هو الذي أيدك بنصره)، وقال صلى الله عليه وآله: لم تخل في ظفر اما في ابتداء الامر واما في انتهائه. وكان جميل بن معمر الفهري حفيظا لما يسمع ويقول: ان في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد، فكانت قريش تسميه ذا القلبين فلتقاه أبو سفيان يوم بدر وهو آخذ بيده احدى نعليه والاخرى في رجله فقال له: يا أبا معمر ما الخبر ؟ قال: انهزموا، قال: فما حال نعليك ؟ قال: ما شعرت إلا انها في رجلي لهيبة محمد، فنزل (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). أمير المؤمنين (ع): وينصر الله من لافاه ان له * نصرا يمثل بالكفار ما عندوا ومن اوضح الدلالات على نبوته صلى الله عليه وآله استيقان كافتهم بحدوده وتمكن موجباتها في غوامض صدورهم حتى انهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حد من حدوده وبالجهل من لم يعرفه وبالكفر من اعرض عنه ويقيمون الحدود ويحكمون بالقتل والضرب والاسر لمن خرج عن شريعته ويتبرأ الاقارب بعضهم من بعض في محبته وانه بقى في نبوته نيفا وعشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الارض إلا جزيرة العرب فانسقت دعوته برا وبحرا منذ خمسمائة وسبعين سنة مقرونا باسم ربه ينادى بأقصى الصين والهند والترك والخرز والصقالبة والشرق والغرب والجنوب والشمال في كل يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا اجرة وخضعت الجبابرة لها ولا تبقى لملك نوبته بعد موته. وعلى ذلك فسر الحسن ومجاهد قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) ما يقول المؤذنون على المنابر والخطباء على المنابر. قال الشاعر: وضم الاءله اسم النبي الى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن اشهد ومن تمام قوته انها تجذب العالم من ادنى الارض واقصى اطرافها في كل عام الى الحج حتى تخرج العذراء من خدرها والعجوز في ضعفها ومن حضرته وفاته يوصي بأدائه، وقد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتى يخوض الماء الى حلقه ولا يستطيع ان يجرع منه جرعة وكل يوم خمس مرات يسجدون خوفا وتضرعا وكذلك اكثر الشرائع وقد تخرب الناس في محبته حتى يقول كل واحد انا على الحق وانت لست على دينه.


[ 111 ]

قال الفرزدق: جعلت لاهل العدل عدلا ورحمة * وبرء لآثار الجروح الكواتم كما بعث الله النبي محمدا * على فترة والناس مثل البهائم وقال البيناري: الله قد أيد بالوحي * محمدا ذا الامر والنهى يأمر بالعدل وينهى عن * الفحشاء والمنكر والبغى فصل: في اعجازه صلى الله عليه وآله علي بن ابراهيم بن هاشم: ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله عليه وآله فوقف على باب الحجر – يعني الغار – فقال: هذه قدم محمد والله اخت القدم التي في المقام، وقال: هذه قدم ابي قحافة أو ابنه وقال: ما جاوزوا هذا المكان اما ان يكونوا صعدوا في السماء أو دخلوا في الارض، وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس فوقف على باب الغار وهو يقول لهم: اطلبوه في هذه السغاب فليس ههنا، وتبعه القوم فعمى اثره وهو نصب اعينهم وصدهم عنه وهم دهاة العرب. وكان الغار ضيق الرأس فلما وصل إليه النبي صلى الله عليه وآله اتسع بابه فدخل بالناقة فعاد الباب وضاق كما كان في الاول. الواقدي: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله الى الغار فبلغ الجبل وجده مصمتا فانفرج حتى دخل رسول الله الغار. زيد بن أرقم، وأنس، والمغيرة: أمر الله شجرة صغيرة فنبتت في وجه الغار وامر العنكبوت فنسجت في وجهه وامر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار. وروي انه انبت الله تعالى على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة. الزهري: ولما قربوا من الغار بقدر اربعين ذراعا تعجل بعضهم لينظر من فيه فرجع الى اصحابه فقالوا له: مالك لا تنظر في الغار ؟ قال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت ان ليس فيه احد، وسمع النبي صلى الله عليه وآله ما قال فدعا لهن وفرض جزاهن فاتخذن في الحرم، ورأى أبو بكر واحدا يبول قبلهم فقال: قد ابصرونا، فقال النبي صلى الله عليه وآله لو ابصرونا لما استقبلونا بعوراتهم. قال الحميري: حتى إذا قصدوا لباب مغارة * الفوا عليه نسج غزل العنكب صنع الاءله ؟ فقال فريقهم * ما في المغار لطالب من مطلب ميلوا فصدهم المليك ومن يرد * عنه الدفاع مليكه لم يعطب


[ 112 ]

وله ايضا: فصدهم عن غاره عنكب له * على بابه سدى ووشى فجودا فقال زعيم القوم ما فيه مطلب * ولم يظفر الرحمن منهم به يدا وقال القيرواني: حمت لديك حمام الوحش جاثمة * كيدا بكل غوي القلب مختبل والعنكبوت اجادت حوك حلتها * فما تخاف خلال النسج من خلل قالوا وجاءت إليه سرحة سترت * وجه النبي بأغصان لها هذل وفى خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله قال: أيتها الشجرة ان كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين اني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي باذن الله، فوالله الذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف اجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله مرفرفة والقت بغصنها الاعلى على رسول الله وببعض اغصانها على منكبي وكنت عن يمينه، فلما نظر القوم الى ذلك قالوا علوا واستكبارا: فمرها فليأتك نصفها، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها بأعجب اقبال واشده دويا فكانت تلتف برسول الله، فقالوا كفرا وعتوا: فمر هذا النصف فليرجع الى نصفه، فأمره صلى الله عليه وآله فرجع فقال القوم: ساحر كذاب عجب خفيف فيه. ابن عباس عن ابيه قال أبو طالب للنبي: يا بن أخ ألله ارسلك ؟ قال: نعم، قال فأرني آية ادع لي تلك الشجرة، فدعاها حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت، فقال أبو طالب: اشهد انك صادق رسول يا علي صل جناح ابن عمك. ابن عباس: جاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وآله وسأله آية فدعا النبي العذق فجاء العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الارض فجعل يبقر (1) حتى اتى النبي فقال له: عد الى مكانك، فعاد الى مكانه فأسلم الاعرابي. وفى رواية فدعا العذق فلم يزل يأتي ويسجد حتى انتهى الى النبي يتكلم. وفى دعائك للاشجار حين اتت * تمشي بأمرك في اغصانها الدلل وقلت عودي فعادت في منابتها * تلك العروق باذن الله لم تمل وكان أبو جهل يقول: ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر منه وأرده، إذ اشترى


(1) بقره كمنعه شقه وبقر مشى كالمتكبر (*). ” مناقب ج 1، م 14 “

[ 113 ]

أبو جهل من رجل طائي بمكة إبلا فلواه (1) بحقه فأتى نادي قريش مستجيرا بهم فأحالوه الى النبي صلى الله عليه وآله استهزاء به لقلة منعته عندهم، فأتى الرجل مستجيرا به فمضى صلى الله عليه وآله معه وقال: قم يا أبا جهل وأد الى الرجل حقه، وإنما كنى أبا جهل ذلك اليوم وكان اسمه عمرو بن هشام، فقام مسرعا وأدى حقه. فقال بعض اصحابه: فعل ذلك فرقا من محمد، قال: ويحكم اعذروني انه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم حراب تتلألأ وعن يساره ثعبانان تصطك أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما فلو امتنعت لم آمن أن يبعجوا (2) بالحراب بطني ويقضمني الثعبانان. ابن مسعود: لما دخل النبي صلى الله عليه وآله الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير فقالا: هو يقوم قبلنا، فلما قرب النبي منهما خر السرير ووقعا على الارض فقالا: عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف. والسرح بالشام لما جئتها سجدت * شم الذوائب من افنانها الخضل وكان النبي يخبر بالسرائر، وكان المنافقون لا يخوضون في شئ من أمره إلا اطلعه الله عليه حتى كان بعضهم يقول لصاحبه اسكت وكف فو الله لو لم يكن عنده إلا الحجارة لاخبرته حجارة البطحاء. وقال أبو سفيان في فراشه مع هند: العجب يرسل يتيم أبي طالب ارسل ! فقص عليه النبي من غده، فهم أبو سفيان بعقوبة هند لافشاء سره فأخبره النبي بعزمه في عقوبتها فتحير أبو سفيان. قتادة، قال أبي بن خلف الجمحي، وفي رواية غيره: صفوان بن امية المخزومى لعمير بن وهب الجمحي: علي نفقاتك ونفقات عيالك مادمت حيا إن سرت الى المدينة وقتلت محمدا في نومه، فنزل جبرئيل بقوله (سواء منكم من أسر القول) الآية، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لم جئت ؟ فقال: لفداء أسرى عندكم، قال: وما بال السيف ؟. قال: قبحها الله وهل أغنت عن شئ، قال: فماذا شرطت لصفوان بن امية في الحجر ؟ قال: وماذا شرطت ؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك والله حائل بيني وبينك فأسلم الرجل ثم لحق بمكة وأسلم معه بشر وحلف صفوان لا يكلمه أبدا وضلت ناقته بنوك فتفرق الناس في طلبها، فقال زيد بن اللصيب انه ينبئنا بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته، فقال صلى الله عليه وآله: والله اني لا أعلم إلا ما علمني ربي وقد أخبرني انها في وادي كذا متعلق زمامها بشجرة، فكان كما قال. وأخبر الناس عما في ضمائرهم * مفصل بجواب غير محتمل


(1) لواء بدينه: مطله. (2) بعجه: شقه (*).

[ 114 ]

الصادق (ع) في خبر: انه ذكر قوة اللحم عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما ذقته منذ كذا، فتقرب إليه فقير بجدي كان له فشواه وأنفذه إليه، فقال النبي: كلوه ولا تكسروا عظامه، فلما فرغوا أشار إليه وقال: انهض باذن الله، فأحياه فكان يمر عند صاحبه كما يساق. وأتي أبو أيوب بشاة الى رسول الله صلى الله عليه وآله في عرس فاطمة (ع) فنهاه جبرئيل عن ذبحها فشق ذلك عليه فأمر صلى الله عليه وآله لزيد بن جبير الانصاري فذبحها بعد يومين فلما طبخ أمر ألا يأكلوا إلا باسم الله وأن لا يكسروا عظامها ثم قال: ان أبا أيوب رجل فقير إلهي أنت خلقتها وأنت أفنيتها وانك قادر على إعادتها فأحيها يا حي لا إله إلا أنت، فأحياها الله وجعل فيها بركة لابي أيوب وشفاء المرضى في لبنها، فسماها أهل المدينة المبعوثة، وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتا منها: ألم ينظروا شاة ابن زيد وحالها * وفي أمرها للطالبين مزيد وقد ذبحت ثم استجزاها بها * وفضلها فيما هناك يزيد وانضفجع منها اللحم والعظم والكلى * فهلهله بالنار وهو هريد فأحيى له ذوالعرش والله قادر * فعادت بحال ما يشاء يعود وفي خبر عن سلمان انه لما نزل صلى الله عليه وآله دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير فذبح له الجدي وشواه وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدم بين يدي النبي فأمر بأن ينادى: ألا من أراد الزاد فليأت دار أبي أيوب، فجعل أبو أيوب ينادي والناس يهرعون كالسيل حتى امتلات الدار فأكل الناس بأجمعهم والطعام لم يتغير، فقال النبي: اجمعوا العظام، فجمعوها فوضعها في اهابها ثم قال: قومي باذن الله تعالى، فقام الجدي فضج الناس بالشهادتين. أمير المؤمنين (ع) قال: لما غزبنا خيبر ومعنا من يهود فدك جماعة فلما أشرفنا على القاع إذا نحن بالوادي والماء يقلع الشجر ويدهده الجبال قال: فقدرنا الماء فإذا هو اربع عشة قامة فقال بعض الناس: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي قدامنا، فنزل النبي فسجد ودعا ثم قال: سيروا على اسم الله، قال فعبرت الخيل والابل والرجال عن الحسين ان رجله جاء الى النبي فقال: يا رسول الله اني قدمت من سفر لي فبينما بينة خماسية تدرج حولي في حليها فأخذت بيدها وانطلقت بها الى وادي فلان فطرحتها فيه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: انطلق معي فأرني الوادي، فانطلق معه فأراه الوادي فقال النبي لامها: ما كان اسمها ؟ قالت: فلانة، فقال صلى الله عليه وآله: يا فلانة أجيبيني


[ 115 ]

باذن الله، فخرجت الصبية وهي تقول: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال لها: ان أبويك قد أساءا فان أحببت أن أردك عليها ؟ فقالت: يا رسول الله لا حاجة لي فيهما وجدت الله خيرا لي منهما. وقالت قريش لابي لهب: ان أبا طالب هو الحائل بيننا وبين محمد ولو قتلته لم ينكر أبو طالب وأنت برئ من دمه ونحن نؤدي الدية وتسود قومك، قال: فاني أكفيكموه، فنزل أبو لهب إليه وتسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول الله فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه وهما كانا لا ينقلان قدما ولا يقدران على شئ حتى انفجر الصبح وفرغ النبي من الصلاة فقال أبو لهب: يا محمد اطلقنا، قال: لا اطلق عنكما أو تضمنا لي انكما لا تؤذياني، قالا: قد فعلنا، فدعا ربه فرجعا. جابر: خرج النبي صلى الله عليه وآله الى المسلمين وقال: جدوا في الحفر، فجدوا واجتهدوا ولم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر والتراب حول الخندق تل عال فأخبرته بذلك فقال: لا تفزع يا جابر فسوف ترى عجبا من التراب، قال: واقبل الليل ووجدت عند التراب جلبة وضجة عظيمة وقائل يقول: انتسفوا التراب والصعيدا * واستودعوه بلدا بعيدا وعاونوا محمد الرشيدا * قد جعل الله له عميدا أخاه وابن عمه الصنديدا فلما أصبحت لم أجد من التراب كفا واحدا. قال أمير المؤمنين (ع): ان الذي قد اصطفى محمدا * وأظهر الامر به وأيدا وسر من والى واكبا الحسدا * وأحسن الذخر له ومهدا وجاء بالنور المضئ المحمدا * وناصح الله وخاف الموعدا فصل: فيما ظهر من الحيوانات والجمادات سلمان قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وآله الى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي: يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده، فأطلقوا زمامها وهي تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبي أيوب الانصاري ولم يكن في المدينة أفقر منه، فانطلقت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله فنادى أبو أيوب يا اماه افتحي الباب فقد قدم سيد البشر واكرم ربيعة ومضر محمد المصطفى والرسول المجتبى، فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياه فقالت: واحسرتا ليت كان لي عين


[ 116 ]

أبصر بها الى وجه سيدي رسول الله، فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله في المدينة انه وضع كفه على وجه ام أبي أيوب فانفتحت عيناها. محمد بن اسحاق في خبر طوبل عن كثير بن عامر انه طلع من الابطح راكب ومن ورائه سبع عشرة ناقة محملة ثياب ديباج على كل ناقة عبد اسود يطلب النبي الكريم ليدفعها إليه بوصية أبيه فأومى ابن أبي البختري الى أبي جهل وقال: هذا صاحبك، فلما دنا منه قال: ما أنت بصاحبي، فما زال يدور حتى رأى النبي فسعى إليه وقبل يديه ورجليه فقال له النبي: ألست أنت ملجأ ناجي بن المنذر السكاكي ؟ قال: بل يا رسول الله قال: فأين السبع عشرة ناقة محملة ذهبا وفضة ودرا وياقوتا وجواهرا ووشيا وملحما وغير ذلك ؟ قال: هي وراي مقبلة، فقال: هي سبع عشرة ناقة على كل ناقة عبد أسود عليهم أقبية الديباج ومناطيق الذهب وأسماؤهم محرز ومنعم وبدر وشهاب ومنهاج وفلان وفلان ؟ قال: بلي يا رسول الله قال: سلم المال وأنا محمد بن عبد الله، فأورد المال بجملته الى النبي صلى الله عليه وآله فقال أبو جهل: يا آل غالب إن لم تنصفوني وتنصروني عليه لاضعن سيفي في صدري وهذا المال كله للكعبة، وركب فرسه وجرد سيفه ونفرت مكة أقصاها وأدناها حتى أجابت أبا جهل سبعون الف مقاتل، وركب أبو طالب في بني هاشم وبني عبد المطلب وأحاطوا بالنبي ثم قال أبو طالب: ما الذي تريدون ؟ قال أبو جهل: ان ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة ويحق للعرب أن تغضب وتسفك الدماء وتسبي النساء. قال أبو طالب: وما ذاك ؟ فذكر قصة الغلام وأن محمدا سحره ورده الى دينه وأخذ منه المال وهو شئ مبعوث للكعبة، فقال: قف حتى أمضي إليه وأسأله عن ذلك، فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسأله رد ذلك وقال: لا أعطيه حبة واحدة، قال: خذ عشرة واعطه سبعة، فأبى ثم أمر صلى الله عليه وآله أن توقف الهدية بين يديه وتناديها سبع مرات فان كلمتها فالهدية هديتها وان كلمتها أنا وأجابتني فالهدية هديتي، فأتى أبو طالب وقال: ان ابن أخي قد أجابك الى النصفة، وذكر مقال النبي والميعاد غدا عند طلوع الشمس، فأتى أبو جهل الى الكعبة وسجد لهبل ورفع راسه وذكر القصة ثم قال: أسألك أن تجعل النوق تخاطبني ولا يشمت بي محمد وأتا ؟ أعبدك من أربعين سنة وما سألتك حاجة فان أجبتني هذه لاضعن لك قبة من لؤلؤ أبيض وسوارين من الذهب وخلخالين من الفضة وتاجا مكللا بالجوهر وقلادة من العقيان، ثم ان النبي صلى الله عليه وآله حضر وكان منه المعجزات أن أجابته كل ناقة سبع ؟ مرات وشهدت بنبوته بعد عجز أبي جهل فأخذ المال.


[ 117 ]

يعلى بن سبابة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في مسيرة فأراد أن يقضي حاجته فأمر نخلتين أن تنضم احداهما الى الاخرى ثم أمرهما بعد انقضاء حاجته أن يرجعا الى منبتهما فرجعتا. ومر صلى الله عليه وآله في غزوة الطائف في كثير من طلح وسدر فمشى وهو وسن من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت له بنصفين فمر بين نصفيها وبقيت منفرجة على ساقين الى زماننا هذا يتبرك بها كل مار ويسمونها سدرة النبي. وصيد سمكة فوجد على احدى اذنيها: لا إله إلا الله، وعلى الاخرى: محمد رسول الله. كتاب شرف المصطفى، انه أتي بسخلة منقشة فنظرت الى بياض شحمة اذنيها فإذا في احداهما: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وطعن صلى الله عليه وآله أبيا في جرمان الدرع بعئزة في يوم احد فاعتنق فرسه فانتهى الى عسكره وهو يخور خوار الثور فقال أبو سفيان: ويلك ما أجزعك إنما هو خدش ليس بشئ، فقال: طعنني ابن أبي كبشة وكان يقول أقتلك، فكان يخور الملعون حتى صار الى النار. وكان بلال إذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، كان منافق يقول كل مرة: حرق الكاذب – يعني النبي – فقام المنافق ليلة ليصلح السراج فوقعت النار في سبابته فلم يقدر على اطفائها حتى أخذت كفه ثم مرفقه ثم عضده حتى احترق كله. البخاري: ان النبي صلى الله عليه وآله قال لمديون مر عليه والدائنون يطلبونه بالديون: صنف تمرك (1) كل شئ على حدته، ثم جاء فقعد عليه وكال لكل رجل حتى استوفى وبقى التمر كما هو كأن لم يمس. واستند النبي صلى الله عليه وآله على شجرة يابسة فأورقت وأثمرت. ونزل النبي بالجحفة تحت شجرة قليلة الظل ونزل أصحابه حوله فتداخله شئ من ذلك فأذن الله تعالى لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت وظللت الجميع فأنزل الله تعالى ذكره (ألم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا). وقال اعرابي للنبى صلى الله عليه وآله: يا محمد انني كنت وأخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطبا فرأينا الجموع قد زحف بعضها الى بعض فقلت لاخي: اقعد حتى ننظر لمن تكون الغلبة وعلى من تدور الدائرة فإذا قد كشف الله عن أبصارنا فرأينا خبولا قد نزلت


(1) صنفه تصنيفا جعله أصنافا وميز بعضها من بعض والمصنف من الشجر ما فيه صنفان من رطب ويابس (*).

[ 118 ]

من السماء الى الارض أرجلها في الارض وأعناقها في السماء وعليها قوم جبارين ومعهم الراية قد سدت ما بين الخافقين فأما أخي فانه انشقت مرارته فمات من وقته وساعته وأمر أنا فقد جئتك، ثم أسلم. ومثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر يقدمهم جبرئيل على فرس يقال له حيزوم. معرض بن عبد الله عن أبيه عن جده يتقدمهم معي. اتي بصبى في خرقة الى النبي في حجة الوداع فوضعه في كفه ثم قال له: من أنا يا صبي ؟ فقال: أنت محمد رسول الله فقال: صدقت يا مبارك، فكنا نسميه مبارك اليمامة. وأتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله صلى الله عليه وآله بابنه عبد الله بن عامر وهو ابن خمس أو ست فقال: حنكه يا رسول الله، فقال: ان مثله لا يحنك، وأخذه وتفل في فيه فجعل يتسوغ ريق رسول الله ويتلمظه فقال صلى الله عليه وآله: انه لمستقى، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء وله سقايات معروفة وله النباح والجحفة وبستان ابن عامر. ابن عباس والضحاك في قوله (يوم يعض الظالم) نزلت في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وكانا توأمين في الخلة فقدم عقبة من سفره وأو لم لجماعة الاشراف وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النبي: لا آكل طعامك حتى تقول لا إله إلا الله واني رسول الله فشهد الشهادتين فأكل طعامه، فلما قدم أبي بن خلف عذله وقال: صبأت ؟ فحكى قصته فقال: اني لا أرضى عنك أو تكذبه، فجاء الى النبي صلى الله عليه وآله وتفل في وجهه فانشقت التفلة شقتين وعادتا الى وجهه فأحرقتا وجهه وأثرتا، ووعده النبي حياته مادام في مكة فإذا خرج قتل بسيفه، فقتل عقبة يوم بدر وقتل النبي بيده أبيا. ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله خلع خفيه وقت المسح فلما أراد أن يلبسهما تصوب عقاب من الهواء وسلبه وعلق في الهواء ثم أرسله فوقعت من بينه حية فقال النبي: أعوذ بالله من شر ما يمشي على بطنه ومن شر من يمشي على رجلين، ثم نهى أن يلبس إلا أن يستبرأ. أنس: ان النبي سمع صوتا من قلة جبل: اللهم اجعلني من الامة المرحومة المغفورة فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا شيخ أشب (1) قامته ثلاثمائة ذراع فلما رأى رسول الله عانقه ثم قال: انني آكل في كل سنة مرة واحدة وهذا أوانه، فإذا هو بمائدة


(1) قوله: شيخ أشب، اما هو مأخوذ من أشب الشجر كفرح أي التف، أو بالتشديد على أن يكون فعلا من أشب الثور أي أسن (*).

[ 119 ]

انزلت من السماء فأكلا وكان الياس (ع). وكان أهل المدينة في جدب ؟ فلما أتى النبي صلى الله عليه وآله استسقوه فرفع يديه واستسقى فما رد يده الى نحره حتى أتى المطر. وكان يمطر اسبوعا فضجروا وقالوا له في كثرته فقال صلى الله عليه وآله: حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء وظهرت الشمس في المدينة وكان يمطر في حواليها فظهرت البركات من قدومه، فقال صلى الله عليه وآله: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت به عيناه من ينشدنا قوله ؟ فقال عمر: لعلك أردت: وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد فقال: هذا من قول حسان، فقال أمير المؤمنين (ع): لعلك أردت يا رسول الله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للارامل الابيات، فقال: أجل. والسبب في ذلك انه كان قحط في زمن أبي طالب، فقالت قريش: اعتمدوا اللات والعزى، وقال آخرون: اعتمدوا مناة الثالثة الاخرى، فقال ورقة بن نوفل: أنى تؤفكون وفيكم بقية ابراهيم وسلالة اسماعيل أبو طالب، فاستسقوه فخرج أبو طالب وحوله اغيلمة من بني عبد المطلب وسطهم غلام كأنه شمس دجنة تجلت عنها غمامة فأسند ظهره الى الكعبة ولاذ باصبعه وبصبصت الاغلمة حوله فأقبل السحاب في الحال فأنشأ أبو طالب اللامية. ومنه حديث أنس ان اعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: لقد أتيناك وما لنا بعير ليط (1) ولا صغير يغط، الخبر بطوله. فصل: في المفردات من المعجزات قدم حي بن أخطب المدينة وكان ملك خيبر وحضر عند النبي صلى الله عليه وآله وقال: عجبت لمن يدخل في دينك فان مدة ملكك أحد وسبعون سنة، فسئل عن ذلك فقال: الم بحساب الجمل الالف واحد واللام ثلاثون والميم اربعون فذلك أحد وسبعون سنة، فقال: يا محمد هل غيرها ؟ قال: المص، فقال: هذا أثقل فالالف واحد واللام ثلاثون والميم اربعون والصاد تسعون فذلك مائة وأحد وستون سنة، فقال: هل غيرها ؟ قال: الر، فقال: هذا أطول فهل غيرها ؟ قال: المر، فقال: هل غيرها ؟ قال: نعم كهيعص وحمعسق طسم، فقال حي: قد التبس علينا أمرك. وقال المأمون للحكيم ايزدخواه ما شاء الله لما صحح عنده أحكاما: لم لا تؤمن


(1) أط الرجل نحره يئط أطيطا صوت والابل أنت تعبا أو حنينا (*).

[ 120 ]

بنبينا وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة ؟ فقال: كيف أو من واصدق كاذبا وأنا أعلم كذبه والنبي لا يكذب، فقال المأمون: كيف ؟ قال: قوله أنا آخر نبى وخاتم الانبياء ولا يكون بعدي نبى ابدا، وهذا الذي قال في علمي كذب لا محالة لانه ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود لابد أن يكون نبيا فظهر لي كذبه إذ قال لا نبى بعدي فكيف أو من به واصدقه، فخجل المأمون من ذلك وتحير الفقهاء فقال متكلم: من ههنا قلنا انه صادق وانه خاتم الانبياء لان الحكماء كلهم اجتمعوا على ان نجمه عليه السلام كان المشتري وعطارد والزهرة والمريخ ولا يولد بها ولد إلا ويموت من ساعته وإن عاش فيموت لا محالة ولا يجاوز اليوم السابع وهو قد عاش وبقى ثلاثا وستين سنة فصح انه آية وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله أحد قبله ولا بعده، فأقر ايزدخواه وأسلم فسمي ما شاء الله الحكيم، فمن نظر المشتري له العلم والحكمة والفطنة والسياسة والرياسة، ومن نظر عطارد اللطافة والظرافة والملاحة والفصاحة والحلاوة، ومن نظر الزهرة الصباحة والهشاشة والبشاشة والحسن والطيب والجمال والبهاء والغنج والدلال، ومن نظر المريخ السيف والجلادة والقتال والقهر والغلبة والمحاربة فجمع الله فيه جميع المدايح. وقال بعض المنجمين: مواليد الانبياء السنبلة والميزان، وكان طالع النبي صلى الله عليه وآله الميزان. وقال صلى الله عليه وآله: ولدت بالسماك. وفي حساب المنجمين انه السماك الرامح. وروي انه اخذ بلال جمانة ابنة الزحاف الاشجعي، فلما كان في وادي النعام هجمت عليه وضربته ضربة بعد ضربة ثم جمعت ما كان يعز عليها من ذهب وفضة في سفرة وركبت حجزة من خيل ابيها وخرجت من العسكر تسير على وجهها الى شهاب بن مازن الملقب بالكوكب الدرى وكان قد خطبها من ابيها، ثم انه انفذ النبي صلى الله عليه وآله سلمان وصهيبا إليه لا بطائه فرأوه ملقى على وجه الارض ميتا والدم يجري من تحته فأتيا النبي صلى الله عليه وآله واخبراه بذلك فقال النبي: كفوا عن البكاء، ثم صلى ركعتين ودعا بدعوات ثم اخذ كفا من الماء فرشه على بلال فوثب قائما وجعل يقبل قدم النبي فقال له النبي: من هذا الذي فعل بك هذه القعال يا بلال ؟ فقال: جمانة بنت الزحاف واني لها عاشق، فقال: ابشر يا بلال فسوف انفذ إليها وآتي بها. فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا ابا الحسن هذا اخي جبرئيل يخبرني عن رب العالمين ان جمانة لما قتلت بلالا مضت الى رجل يقال له شهاب بن مازن وكان قد خطبها من ابيها ولم ينعم له بزواجها وقد ” مناقب ج 1، م 15 “


[ 121 ]

شكت حالها إليه وقد سار بجموعه يروم حربنا فقم واقصده بالمسلمين فالله تعالى ينصرك عليه وها أنا ؟ راجع الى المدينة، قال: فعند ذلك سار الامام بالمسلمين وجعل يجد في السير حتى وصل الى شهاب وجاهده ونصر المسلمون فأسلم شهاب واسلمت جمانة والعسكر وأتى بهم الامام الى المدينة وجددوا الاسلام على يدي النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي: يا بلال ما تقول ؟: فقال: يا رسول الله قد كنت محبا لها فالآن شهاب أحق بها مني، فعند ذلك وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين. وفي مسلم عن جابر ان ام مالك كانت تهدي الى النبي في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الادم وليس عندهم شئ فتعمد الى الذي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وآله فتجد فيها سمنا فما زال تقيم لها ادم بيتها حتى عصرتها فأتت النبي فقال: عصرتها ؟ قالت: نعم، قال: لو تركتها ما زالت مقيمة. فصل: فيما ظهر من معجزاته بعد وفاته في حديث خزيمة بن اوس سمعت النبي يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشيماء بنت نفيلة الازدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار اسود، فقلت: يا رسول الله ان نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي ؟ قال: نعم هي لك، قال: فلما فتحوا الحيرة تعلق بها وشهد له محمد بن مسيلمة ومحمد بن بشير الانصاريان بقول النبي فسلمها ؟ إليه خالد فباعها من اخيها بألف دينار. أبو هريرة قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذى نفسي بيده لينفقن كنوزهما في سبيل الله. جبير بن عبد الله قال النبي: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل (1) تجبى إليها خزائن الارض. وفى رواية: تسكنها جبابرة الارض، الخبر. أبو بكر قال النبي صلى الله عليه وآله: ان اناسا من امتي ينزلون بغائط (2) يسمونه البصرة وعنده نهر يقال له دجلة يكون لهم عليها جسر ويكثر اهلها ويكون من امصار المهاجرين، الخبر. فضالة بن ابي فضالة الانصاري وعثمان بن صهيب انه قال لعلي في خبر أشقى


(1) قطربل: بالضم وتشديد الباء الموحدة أو بتخفيفها وتشديد اللام موضعان أحدهما بالعراق ينسب إليه الخمر. (2) الغائط: المطمئن الواسع من الارض (*).

[ 122 ]

الآخرين الذي يضربك على هذه واشار الى يافوخه. انس بن الحارث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: ان ابني هذا – يعني الحسين – يقتل بأرض من العراق فمن ادركه منكم فلينصره. قال: فقتل أنس مع الحسين (ع) وفيه حديث القارورة التي اعطى ام سلمة. وحديث الحسن بن علي انه سيصلح الله به فئتين. وحديث فاطمة الزهراء (ع) وبكائها وضحكها عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وحديث كلاب الحوأب. وحديث عمار تقتلك الفئة الباغية. حذيفة قال: لو احدثكم بما سمعت من رسول الله لرجمتموني، قالوا: سبحان الله نحن نفعل ! قال: لو احدثكم ان بعض امهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد باسها تقاتلكم صدقتم ؟ قالوا: سبحان الله ومن يصدق بهذا ؟ قال: تأتيكم امكم الحميراء في كتيبة يسوق بها اعلاجها (1) من حيث تسوء وجوهكم. ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: أيتكن صاحبة الجمل الادبب (2) يقتل حولها قتلى كثيرة بعد ان كادت. وقال: أطو لكن يدا أسرعكن لحوقا بي، فكانت سودة اطولهن يدا بالمعروف. ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: يكون في ثقيف كذاب ومبير. فكان الكذاب المختار والمبير الحجاج. ومنه اخباره صلى الله عليه وآله بأويس القرني، حكى القعبي ان ابا ايوب الانصاري رأى عند خليج قسطنطينة فسئل عن حاجته قال: اما دنياكم فلا حاجة لي فيها ولكن ان مت فقدموني ما استطعتم في بلاد العدو فاني سمعت رسول الله يقول: يدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من اصحابي وقد رجوت ان اكونه ثم مات فكانوا يجاهدون والسرير يحمل ويقدم فأرسل قيصر في ذلك فقالوا: صاحب نبينا وقد سألنا ان ندفنه في بلادك ونحن منفذون وصيته، قال: فإذا وليتم اخرجناه الى الكلاب، فقالوا: لو نبش من قبره ما ترك بأرض العرب نصراني إلا قتل وكنيسة إلا هدمت، فبنى على قبره قبة يسرج فيها الى اليوم وقبره الى الآن يزار في جنب القسطنطينة. ابن عباس في قوله (كما اخرجك ربك) ان الصحابة فزعوا لما مات عير أبى سفيان وادركهم القتال فباتوا ليلتهم فحلموا ولم يكن لهم ماء فوقعت الوسوسة في نفوسهم


(1) رجل علج: شديد، والعلج: الرجل الضخم من كفار العجم، وبعض العرب يطلق العلج ؟ على الكافر مطلقا، والجمع علوج وأعلاج مثل حمل وحمول وأحمال. (2) الادب: الجعل الكثير الشعر (*).

[ 123 ]

لذلك فأنزل الله المطر قوله: (إذ يغشيكم النعاس) فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه قلة قريش قوله: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا)، فلما التقى الجمعان استحقر كل جيش صاحبه قوله (إذا التقيتم)، وكان المسلمون يخافون فنزل: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) وقوله (فلا تولوهم الادبار)، فزعم أبو جهل انهم جزر سيوفهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله يحزن وعلي (ع) يقول: لا يخلف الله الميعاد فنزل (يمددكم ربكم) وقوله (إذ يوحي ربك) فساعدهم ابليس على صورة سراقة فلما أدرك جبرئيل وميكائيل واسرافيل مع الملائكة نكص ابليس على عقبيه وقال: اني برئ منكم، فكانت الملائكة يضربون فوق الاعناق وفوق البنيان بعدهم، ورمى النبي بقبضة من الحصى في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فأصاب عين كل واحد منهم فانهزموا فنزل (لقد صدق الله وعده إذ تحسونهم) ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا من ضربة معاذ ابن عمرو بن عفرا فكان يجز رأسه وهو يقول: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا، نزل النبي صلى الله عليه وآله على فدك يحاربهم ثم قال لهم: وما يأمنكم ان تكونوا آمنين في هذا الحصن وأمضي الى حصونكم فأفتحها، فقالوا: انها مقفلة وعليها ما يمنع عنها ومفاتيحها عندنا، فقال صلى الله عليه وآله: ان مفاتيحها دفعت إلي، ثم أخرجها وأراها القوم فاتهموا ديانهم (1) انه صبا الى دين محمد ودفع المفاتيح إليه فحلف ان المفاتيح عنده وانها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه، فلما فتش عنها ففقدت فقال الديان: لقد أحرزتها وقرأت عليها من التوراة وخشيت من سحره وأعلم الآن انه ليس بساحر وان أمره لعظيم، فرجعوا الى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: من أعطاكها ؟ قال: أعطاني الذي أعطى موسى الالواح جبرئيل، فتشهد الديان، ثم فتحوا الباب وخرجوا الى رسول الله وأسلم من أسلم منهم فأقرهم في بيوتهم وأخذ منهم أخماسهم، فنزل: (وآت ذا القربى حقه) قال وما هو ؟ قال: اعط فاطمة فدكا وهي من ميراثها من امها خديجة ومن اختها هند بنت أبي هالة، فحمل إليها النبي صلى الله عليه وآله ما اخذ منه وأخبرها بالآية فقالت: لست احدث فيها حدثا وأنت حي أنت أولى بي من نفسي ومالي لك فقال: أكره أن يجعلوها عليك سبة (2) فيمنعوك إياها من بعدي، فقالت: أنفذ فيها أمرك، فجمع الناس الى منزلها وأخبرهم ان هذا المال لفاطمة ففرقه فيهم وكان كل سنة كذلك وتأخذ منه قوتها فلما دنت وفاته دفعه إليها.


(1) الديان: القهار والقاضي والحاكم والسائس والحاسب والمجازي الذى لا يضيع عملا. (2) السبة بالضم: العار (*).

[ 124 ]

فصل: فيما خصه الله تعالى به فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة، منها في باب النبوة قوله (وخاتم النبيين) وقوله: اعطيت جوامع الكلم، وقوله: ارسلت الى الخلق كافة، وبقاء دولته (ليظهره على الدين كله)، والعجز عن الاتيان بمثل كتابه (قل ان اجتمعت الانس والجن)، وكان ممنوعا من الشعر وروايته (وما علمناه الشعر)، وتسهيل شريعته (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، واضعاف ثواب الطاعة (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، ورفع العذاب (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، وفرض محبة أهل بيته (قل لا أسألكم عليه أجرا). وفي باب امته: (كنتم خير امة)، (هو سماكم المسلمين)، (إنما المؤمنون)، (الذين اصطفينا من عبادنا)، (هو اجتباكم)، (الله ولي الذين آمنوا)، (هو الذي يصلي عليكم)، (ويستغفرون للذين آمنوا) يعني الملائكة، وافشاء السلام (وإذا جائك الذين يؤمنون بآياتنا). وفي باب الطهارة: كمال الوضوء، والتيمم، والاستنجاء بالحجارة، وان الماء مزيل للنجاسات، وان لا يؤثر النجاسة في الماء الكثير، وقوله: جعلت لي الارض مسجدا وترابها طهورا، وكان ينام ثم يصلي ويقول تنام عيني ولا ينام قلبي، ويقال: فرض عليه السواك وهو قد سنه لنا. وفي باب الصلاة: الاذان، والاقامة، والجمعة، والجماعة، والركوع، والسجدتين والتشهد، والسلام، وصلاة الليل، والوتر، وصلاة الكسوفين، والاستسقاء، وصلاة العشاء الآخرة. وفي باب الزكاة: حرم عليه الزكاة والصدقة وهدية الكافر، وأحل له الخمس والانفال والغنيمة، وجعل زكاة المال ربع الخمس لاربع المال. وفي باب الصيام: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)، وليلة القدر، والعيدين وتحليل الطعام والشراب واللمس ليالي الصيام الى وقت الصبح، وحرم صوم الوصال وقالوا ابيح له الوصال في الصوم، وكتب له الاضحية وسنها لنا، وكذلك الفطرة على وجه. وفي باب الحج: يقال أحل له دخول مكة بغير احرام وعقد النكاح وهو محرم. وفى باب الجهاد: (يمددكم ربكم)، وقوله: نصرت بالرعب، واحلت لي الغنائم،


[ 125 ]

وكان إذا لبس لامته لم ينزعها حتى يقاتل، ولا يرجع إذا خرج، ولا ينهزم إذا لقى العدو وان كثروا عليه، وانه افرس العالمين، وخص بالحمى. وفي باب النكاح: حرم عليه نكاح الاماء والذميات، والامساك بمن كرهت نكاحه، وحرم ازواجه على الخلق، وخص باسقاط المهر والعقد بلفظ الهبة، والعدد ما شاء بعد التخيير، والعزل عمن اراد، وكان طلاقه زايدا على طلاق امته، والواحدة من نسائه إذا أتت بفاحشة ضعف لها العذاب. أبو عبد الله (ع) في قوله (لا تحل لك النساء من بعد) يعني قوله (حرمت عليكم امهاتكم) الآية. وفي باب الاحكام: تخفيف الامر على امته، والقربان بغير الفضيحة، وتيسير التوبة بغير القتل، وستر المعصية على المذنب، ورفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه والتخيير بين القصاص والدية والعفو، والفرق بين الخطأ والعمد والتوبة من الذنب دون ابانة العضو، وتحليل مجالسة الحائض، والانتفاع بما نالته، وتحليل تزويج نساء أهل الكتاب لامته. وفي باب الآداب: لم يكن له خائنة الاعين، يعني الغمز بالعين والرمز باليد، وحرم عليه أكل الثوم على وجه. وفي باب الآخرة: وذلك انه أول من تنشق عنه الارض، واول من يدخل الجنة، وانه يشهد لجميع الانبياء بالاداء، وله الشفاعة ولواء الحمد والحوض والكوثر ويسأل في غيره يوم القيامة وكل الناس يسألون في أنفسهم، وانه أرفع النبيين درجة وأكثرهم امة. وكان له معجزات لم يكن لغيره، وذكر ان له اربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوع أربعة أنواع، ما كان قبله وبعد ميلاده وبعد بعثته وبعد وفاته، وأقواها وأبقاها القرآن لوجوه: أحدها – ان معجزة كل رسول موافق للاغلب من أحوال عصره، كما بعث الله موسى في عصر السحرة بالعصى فإذا هي تلقف وفلق البحر يبسا وقلب العصى حية فأبهر كل ساحر وأذل كل كافر، وقوم عيسى أطباء فبعثه الله بابراء الزمنى وإحياء الموتى بما دهش كل طبيب وأذهل كل لبيب، وقوم محمد بلغاء فصحاء فبعثه الله بالقرآن في ايجازه وإعجازه بما عجز عنه الفصحاء وأذعن له البلغاء وتبلد فيه الشعراء ليكون العجز عنه أقهر والتقصير فيه أظهر.


[ 126 ]

والثاني – ان المعجز في كل قوم بحسب أفهامهم وعلى قدر عقولهم وأذهانهم وكان في بني اسرائيل من قوم موسى وعيسى بلادة وغباوة لانه لم ينقل عنهم من كلام جزل أو معنى بكر وقالوا لنبيهم حين مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم: اجعل لنا إلها، والعرب أصح الناس افهاما وأحدهم أذهانا فخصوا بالقرآن بما يدركونه بالفطنة دون البديهة لتخص كل امة بما يشاكل طبعها. والثالث – ان معجز القرآن أبقى على الاعصار وأنشر في الاقطار وما دام إعجازه فهو أحج وبالاختصاص أحق فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا وغربا قرنا بعد قرن عصرا بعد عصر وقد انقرض القوم وهذه سنة سبعين وخمسمائة من مبعثه فلم يقدر أحد على معارضته. قال الصاحب: قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب * فقلت أحمد خير السادة الرسل قالت فهل معجز وافى الرسول به * قلت القرآن وقد أعيى به الاول وقال القيرواني: أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في * عصر البيان فضلت أوجه الحيل سألتهم سورة من مثل محكمه * فثلهم عنه حين العجز حين تلي وقال ابن حماد: فمن آياته القرآن يهدى كل من فكر * ولو لم يك من آياته إلا الفتى حيدر فصل: في آدابه ومزاهه صلى الله عليه وآله اما آدابه فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الاخبار، كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخى الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم فان فضل ولم يجل من يعطيه ويجنه الليل لم يأو الى منزله حتى يتبرأ منه الى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه ثم يعود الى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ، وكان يجلس على لا أرض وينام ؟ عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، وبفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع الخادم إذا أعيى، ويضع طهوره بالليل بيده ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس متكئا، ويخدم في مهته أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا. وكان يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع


[ 127 ]

ويقبل الهدية ولو انها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة، ولا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه. وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس بردا حبرة يمنية وشملة جبة صوف والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض ويلبس العمامة تحت العمامة، يلبس القميص من قبل ميامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى ثنيتين، يلبس خاتم فضة في خنصره الايمن، يحب البطيخ، ويكره الريح الردية ويستاك عند الوضوء، ويردف خلفه عبده أو غيره، ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلا وحافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء ويواكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبرلهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة ولا لاموا أحدا إلا قال دعوه، ولا يأتيه أحد حرا وعبدا وأمة إلا قام معه في حاجته، لافظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق، ولا يحزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها وإذا لقى مسلما بدأه بالمصافحة، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان لا يحلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة ؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقا، وكان يأكل القثاء بالرطب وبالملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر وكان يتمجع (1) اللبن بالتمر ويسميهما الاطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده،


(1) المجيع تمر يعجن بلبن، وتمجع: أكل التمر اليابس باللبن معا وأكل التمر وشرب عليه اللبن (*).

[ 128 ]

وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن القدر الدبا ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة (1) ومن البقول الهندبا والبادروج والبقلة اللينة، وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، قال أنس: مات نغير لابي عمير وهو ابن لام سليم فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول: يا ابا عمير ما فعل النغير (2). وكان حادي بعض نسوته خادمه أنجشة فقال له: يا أنجشة ارفق بالقوارير. وفي رواية: لا نكسر القوارير. وكان له عبد أسود في سفر فكان كل من أعيى ألقى عليه بعض متاعه حتى حمل شيئا كثيرا فمر به النبي صلى الله عليه وآله فقال: أنت سينة فاعتقه. وقال رجل: احملني يا رسول الله، فقال: انا حاملوك على ولد ناقة، فقال: ما أصنع بولد ناقة ؟ قال صلى الله عليه وآله: وهل يلد الابل إلا النوق. واستدبر رجلا من ورائه وأخذ يعضده وقال: من يشتري هذا العبد – يعني انه عبد الله. وقال صلى الله عليه وآله لاحد: لا تنس يا ذا الاذنين. زيد بن أسلم انه قال لامرأة وذكرت زوجها: أهذا الذي في عينيه بياض ؟ فقالت: لا ما بعينيه بياض، وحكت لزوجها فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها. ورأى صلى الله عليه وآله جملا عليه حنطة فقال: تمشي الهريسة. ورأى صلى الله عليه وآله بلالا وقد خرجت بطنه فقال: ام حبين (3)، وام حبين ضرب من العظاية، ويقال: انه الحرباء. وقال صلى الله عليه وآله للحسين: حبقة حبقة ترق عين بقه. ابن عباس انه صلى الله عليه وآله كسى بعض نسائه ثوبا واسعا فقال لها: البسية واحمدي الله وجري منه ذيلا كذيل العروس. وقالت عجوز من الانصار للنبي صلى الله عليه وآله: ادع لي بالجنة، فقال: ان الجنة لا يدخلها العجز، فبكت المرأة فضحك النبي وقال: أما سمعت قول الله تعالى: (انا أنشأناهن انشاء فجعلناهن أبكارا). وقال صلى الله عليه وآله للعجوز الاشجعية: يا أشجعية لا تدخل العجوز الجنة، فرآها بلال باكية فوصفها للنبي فقال: والاسود كذلك فجلسا يبكيان فرأهما العباس فذكرهما له فقال: والشيخ كذلك، ثم دعاهم وطيب قلوبهم وقال: ينشئهم الله كأحسن ما كانوا


(1) بالحجاز النمر المحشى وتمر بالمدينة. (2) النغر كصرد البلبل وفراخ العصافير. (3) ام حبين: دويبة عظيمة البطن.” المناقب ج 1، م 16 “

[ 129 ]

وذكر انهم يدخلون الجنة شبابا منورين وقال: ان أهل الجنة جرد مرد مكحلون. وقال صلى الله عليه وآله لرجل حين قال: أنت نبي الله حقا نعلمه، ودينك الاسلام دينا نعظمه، نبغي مع الاسلام شيئا نقضمه، ونحن حول هذا ندندن. يا علي اقض حاجته، فأشبعه علي (ع) وأعطاه ناقة وجلة تمر. وجاء أعرابي فقال: يا رسول الله بلغنا ان المسيح – يعني الدجال – يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعا جوعا أفترى بأبي أنت وامي أن أكف من ثريده تعففا وتزهدا فضحك رسول الله ثم قال: يغنيك الله بما يغني به المؤمنين. وقبل جد خالد القسري امرأة فشكت الى النبي فأرسل إليه فاعترف وقال: ان شئت أن تقتص فلتقص، فتبسم رسول الله وأصحابه فقال: أولا تعود ؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فتجاوز عنه. ورأى صلى الله عليه وآله صهيبا يأكل تمرا فقال: أتأكل التمر وعينك رمدة ؟ فقال يا رسول الله اني أمضغه من هذا الجانب وتشتكي عيني من هذا الجانب. ونهى صلى الله عليه وآله أبا هريرة عن مراح العرب فسرق نعل النبي ورهنه بتمر وجلس بحذائه يأكل فقال صلى الله عليه وآله: يا أبا هريرة ما تأكل ؟ فقال: نعل رسول الله. وقال سويبط المهاجري لنعيمان البدري: اطعمني، وكان علي الزاد في سفر فقال حتى يجئ الاصحاب، فمروا بقوم فقال لهم سويبط: تشترون مني عبدا لي ؟ قالوا نعم، قال: انه عبد له كلام وهو قائل لكم اني حرفان سمعتم مقاله تفسدوا علي عبدي، فاشتروه بعشرة قلايص ثم جاؤا فوضعوا في عنقه حبلا فقال نعيمان: هذا يستهزئ بكم واني حر، فقالوا: قد عرفنا خبرك، وانطلقوا به حتى أدركهم القوم وخلصوه فضحك النبي من ذلك حينا. وكان نعيمان هذا أيضا مزاحا فسمع محرمة بن نوفل وقد كف بصره يقول: ألا رجل يقودني حتى أبول، فأخذ نعيمان بيده فلما بلغ مؤخر المسجد قال: ههنا فبل، فبال فصيح به فقال: من قادني ؟ قيل: نعيمان، قال: لله علي أن أضربه بعصاي هذه فبلغ نعيمان فقال: هل لك في نعيمان ؟ قال نعم، قال قم، فقام معه فأتى به عثمان وهو يصلي فقال: دونك الرجل، فجمع يديه بالعصا ثم ضربه فقال الناس: أمير المؤمنين فقال: من قادني ؟ قالوا نعيمان، قال: لا أعود الى نعيمان أبدا. ورأى نعيمان مع أعرابي عكة عسل فاشتراها منه وجاء بها الى بيت عائشة في يومها وقال: خذوها، فتوهم النبي صلى الله عليه وآله انه اهداها له، ومر نعيمان والاعرابي على الباب


[ 130 ]

فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء ردوها علي إن لم تحضروا قيمتها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله القصة فوزن له الثمن فقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت ؟ فقال: رأيت رسول الله يحب العسل ورأيت الاعرابي معه العكة، فضحك النبي ولم يظهر له نكرا. فصل: في أسمائه وألقابه سماه في القرآن بأربعمائة اسم: العالم (وعلمك ما لم تكن تعلم)، الحاكم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك)، الخاتم (وخاتم النبيين)، العباد (واعبد ربك)، الساجد (وكن من الساجدين)، الشاهد (انا أرسلناك شاهدا)، المجاهد (يا أيها النبي جاهد الكفار)، الطاهر (طه ما أنزلنا)، الشاكر (شاكرا لانعمه اجتبيه) الصابر (واصبر وما صبرك)، الذاكر (واذاكر اسم ربك)، القاضي (إذا قضى الله ورسوله)، الراضي (لعلك ترضى)، الداعي (وداعيا الى الله باذنه)، الهادي (وانك لتهدي)، القاري (اقرأ باسم ربك)، التالي (يتلو عليهم)، الناهي (وما نهاكم عنه)، الآم (وأمر أهلك)، الصادع (فاصدع بما تؤمر)، الصادق (ص والقرآن)، القانت (أمن هو قانت)، الحافظ (يحفظونه من أمر الله)، الغالب (وان جندنا)، العائل (ووجدك عائلا)، الضال، أي يهدي به الضال: (ووجدك ضالا)، الكريم (انه لقول رسول كريم)، الرحيم (رؤف رحيم)، العظيم (وانك لعلى خلق عظيم)، اليتيم (ألم يجدك يتيما)، المستقيم (فاستقم كما امرت)، المعصوم (والله يعصمك)، البشير (انا أرسلناك بالحق بشيرا)، النذير (ونذيرا)، العزيز (لقد جاءكم رسول)، الشهيد (وجئنا بك شهيدا)، الحريص (حريص عليكم)، القريب (ق والقرآن)، الحبيب، والمحب، والمحبوب في سبع مواضع (حم)، النبي (يا أيها النبي)، القوي (ذي قوة)، الوحي (وكذلك أوحينا اليك)، الامي (النبي الامي)، الامين (مطاع ثم أمين)، المكين (عند ذي العرش)، المبين (وقل اني أنا النذير)، المذكر (فذكر إنما أنت)، المبشر (ومبشرا برسول)، المنذر (إنما أنت منذر)، المستغفر (واستغفر لذنبك)، المسبح (فسبح بحمد ربك)، المصلي (فصل لربك)، المصدق (مصدقا لما معكم)، المبلغ (يا أيها الرسول بلغ)، المحدث (وأما بنعمة ربك)، المؤمن (آمن الرسول)، المتوكل (وتوكل على الحي)، المزمل (يا أيها المزمل)، المدثر (يا أيها المدثر)، المتهجد (ومن الليل فتهجد)، المنادي (سمعنا


[ 131 ]

مناديا)، المهتدى (وهداه الى صراط)، الحق (قد جائكم الحق)، الصدق (والذي جاء بالصدق)، الذكر (إنا ارسلنا اليكم ذكرا)، البرهان (قد جائكم برهان)، الفضل (قل بفضل الله)، المرسل (انك لمن المرسلين)، المبعوث (هو الذي بعث)، المختار (وربك يخلق)، المغفور (ليغفر لك الله)، المفكي (انا كفيناك)، المرفوع، والرفيع (ورفعنا لك)، المؤيد (هو الذي أيدك)، المنصور (وينصرك الله)، المطاع (مكين مطاع)، الحسنى (وصدور بالحسنى) الهدى (وما منع الناس)، الرسول (يا أيها الرسول)، الرؤف (بالمؤمنين رؤف)، النعمة (يعرفون نعمة الله)، الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة)، النور (قد جائكم من الله نور)، الفجر (والفجر وليال)، المصباح (المصباح في زجاجة)، السراج (وسراجا منيرا)، الضحى (والضحى والليل)، النجم (والنجم إذا هوى)، الشمس (ثم جلعنا الشمس)، البدر (طه)، الظل (ألم تر الى ربك كيف مد الظل)، البشر (بشر مثلكم)، الناس (أم يحسدون الناس) الانسان (خلق الانسان)، الرجل (على رجل منكم)، الصاحب (ما ضل صاحبكم)، العبد (أسرى بعبده)، المجتبى (ولكن الله يجتبي)، المقتدى (فبهديهم اقتده)، المرتضى (إلا من ارتضى)، المصطفى (الله يصطفي)، أحمد (يأتي من بعدي اسمه أحمد)، محمد (محمد رسول الله)، (كهيعص)، (يس) (طه)، (حمعسق) كل حرف يدل على اسم له مثل: الكافي، والهادي، والعارف والسخي، والطاهر، وغير ذلك. وأسماؤه في الاخبار: العاقب – وهو الذي يعقب الانبياء، الماحي – الذي يمحى به الكفر، ويقال تمحى به سيئات من اتبعه، ويقال الذي لا يكون بعده أحد، الحاشر – الذي يحشر الناس على قدميه، والمقفى – الذي قفى النبيين جماعة، الموقف – يوقف الناس بين يدي الله، القثم – وهو الكامل الجامع. ومنه: الناشر والناصح، والوفي، والمطاع، والنجي، والمأمون، والحنيف، والحبيب، والطيب والسيد، والمقترب، والدافع، والشافع، والمشفع، والحامد، والمحمود، والموجه والمتوكل، والغيث. وفي التوراة: ميذميذاي غفور رحيم، وقيل ميد ميداي محمد، وقيل مود مود، وفي حكاية ان اسمه فيها مرقوفا أي المحمود. وفي الزبور: قليطا مثل أبي القاسم فقالوا بلقيطا وقالوا فاروق وقالوا محياثا.


[ 132 ]

وفي الانجيل: طاب طاب أحمد، ويقال يعني طيب طيب. وفي كتاب شعيا: نور الامم، ركن المتواضعين، رسول التوبة، رسول البلاء. وفي الصحف: بلقيطا، وفي صحف شيث: طاليثا، وفي صحف ادريس: بهيائيل، وفي صحف ابراهيم: مود مود، وفي السماء الدنيا: المجتبي، وفي الثانية: المرتضى، وفي الثالثة: المزكى، وفي الرابعة: المصطفى، وفي الخامسة: المنتجب، وفي السادسة: المطهر والمجتبى، وفي السابعة: المقرب والحبيب. ويسميه المقربون: عبد الواحد، والسفرة: الاول، والبررة: الآخر، والكروبيون: الصادق، والروحانيون: الطاهر، والاولياء: القاسم، والرضوان: الا بكر، والجنة: عبد الملك، والحور: عبدالعطاء، وأهل الجنة: عبد الديان، ومالك: عبدالمختار، وأهل الجحيم: عبد النجاة، والزبانية: عبد الرحيم، والجحيم: عبد المنان. وعلى ساق العرش رسول الله، وعلى الكرسي نبي الله، وعلى طوبى صفي الله، وعلى لواء الحمد صفوة الله، وعلى باب الجنة خيرة الله، وعلى القمر قمر الاقمار، وعلى الشمس نور الانوار. والشياطين: عبدالهيبة، والجن: عبد الحميد، والموقف: الداعي، والميزان: الصاحب، والحساب: الداعي، والمقام: المحمود الخطيب، والكوثر: الساقي، والعرش: المفضل، والكرسي: عبد الكريم، والقلم: عبد الحق، وجبرئيل: عبد الجبار، وميكائيل: عبد الوهاب، واسرافيل: عبد الفتاح، وعزرائيل: عبد التواب، والسحاب: عبد السلام، والريح: عبد الاعلى، والبرق: عبد المنعم، والرعد: عبد الوكيل، والاحجار: عبد الجليل، والتراب: عبد العزيز، والطيور: عبد القادر، والسبع: عبدالعطاء، والجبل: عبدالرفيع، والبحر: عبد المؤمن، والحيتان: عبدالمهيمن، وأهل الروم: الحليم، وأهل مصر: المختار، وأهل مكة: الامين، وأهل المدينة: الميمون، والريح: المهمت، والترك: صانجي، والعرب: الامي، والعجم: أحمد. (ألقابه صلى الله عليه وآله) حبيب الله، صفي الله، نعمة الله، عبد الله، خيرة الله، خلق الله، سيد المرسلين إمام المتقين، خاتم النبيين، رسول الحمادين، رحمة العالمين، قائد الغر المحجلين، خير البرية، نبي الرحمة، صاحب الملحمة، محلل الطيبات، محرم الخبائث، مفتاح الجنة،


[ 133 ]

دعوة ابراهيم، بشرى عيسى، خليفة الله في الارض، زين القيامة ونورها وتاجها، صاحب اللواء يوم القيامة، واضع الاصر والاغلال، أفصح العرب، سيد ولد آدم ابن العواتك، ابن الفواطم، ابن الذبيحين، ابن بطحا ومكة، العبد المؤيد، والرسول المسدد، والنبي المهذب، والصفي المقرب، والحبيب المنتجب، والامين المنتخب، صاحب الحوض والكوثر، والتاج والمغفر، والخطبة والمنبر، والركن والمشعر، والوجه الانور، والخد الاقمر، والجبين الازهر، والدين الاظهر، والحسب الاطهر والنسب الاشهر، محمد خير البشر، المختار للرسالة، الموضح للدلاله، المصطفى للوحي والنبوة، المرتضى للعلم والفتوة والمعجزات والادلة، نور في الحرمين، شمس بين القمرين، شفيع من في الدارين، نوره أشهر، وقلبه أطهر، وشرائعه أظهر، وبرهانه أزهر، وبيانه أبهر، وامته أكثر، صاحب الفضل والعطاء، والجود والسخاء، والتذكر والبكاء، والخشوع والدعاء، والانابة والصفاء، والخوف والرجاء، والنور والضياء، والحوض واللواء، والقضيب والرداء، والناقة العضباء، والبغلة الشهباء، قائد الخلق يوم الجزاء، سراج الاصفياء، تاج الاولياء، إمام الاتقياء، خاتم الانبياء، صاحب المنشور والكتاب، والفرقان والخطاب، والحق والصواب، والدعوة والجواب، وقائد الخلق يوم الحساب صاحب القضيب العجيب، والفناء الرحيب، والرأي المصيب، المشفق على البعيد والقريب محمد الحبيب. صاحب القبلة اليمانية، والملة الحنيفية، والشريعة المرضية، والامة المهدية، والعترة الحسنية والحسينية. صاحب الدين والاسلام، والبيت الحرام، والركن والمقام، والصلاة والصيام، والشريعة والاحكام، والحل والحرام. صاحب الحجة والبرهان، والحكمة والفرقان، والحق والبيان، والفضل والاحسان، والكرم والامتنان، والمحبة والعرفان. صاحب الخلق الجلي، والنور المضي، والكتاب البهي، والدين الرضي، الرسول النبي الامي. صاحب الخلق العظيم، والدين القويم، والصراط المستقيم، والذكر الحكيم، والركن والحطيم. صاحب الدين والطاعة، والفصاحة والبراعة، والكر والشجاعة، والتوكل والقناعة، والحوض والشفاعة. صاحب الدين الظاهر، والحق الزاهر، والزمان الباهر، واللسان الذاكر، والبدن الصابر، والقلب الشاكر، والاصل الطاهر، والآباء الاخاير، والامهات الطواهر. صاحب الضياء والنور، والبركة والحبور، واليمن والسرور. واللسان الذكور، والبدن الصبور، والقلب الشكور، والبيت المعمور.


[ 134 ]

كناه: أبو القاسم، وأبو الطاهر، وأبو الطيب، وأبو المساكين، وأبو الدرتين وأبو الريحانتين، وأبو السبطين. وفي التوراة: أبو الأرامل. وكناه جبرئيل بأبي ابراهيم لما ولد ابراهيم، وإنما يكنى بأبي القاسم بأول ولد يقال له القاسم. ويقال لانه يقسم الجنة يوم القيامة. صفاته: راكب الجمل، آكل الذراع. قابل الهدية، محرم الميتة، حامل الهراوة خاتم النبوة. نسبه: العربي، التهامي، الابطحي، اليثربي، المكي، المدني، القرشي، الهاشمي، المطلبي، فهو من جهة الاب هاشمي، ومن جهة الام زهري، ومن الرضاع سعدي، ومن الميلاد مكي، ومن الانشاء مدني. فصل: في نسبه وخليته صلى الله عليه وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سمي بذلك لان مطلبا دخل مكة وهو رديفه و عبد المطلب اسمه شيبة الحمل لبياض كان في شعره بعد ما تولد، بن هاشم (سمي بذلك لانه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء وهو عمرو بن عبد مناف سمي بذلك لانه علا وأناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد اقصى عن دار قومه لانه حمل من مكة في صغره الى بلاد ازدشوءة فسمي قصيا ويلقب بالمجمع لانه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال والشعاب وقسم بينهم المنازل بالبطحاء، ابن كلاب بن مرة بن كعب ابن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو فريش وسمي النضر لان الله تعالى اختاره والنضر النضرة، ابن خزيمة وإنما سمي بذلك لانه خزم نور آبائه، ابن مدركة لانهم أدركوا الشرف في أيامه وقتل لادراكه صيدا لابيه وسمي اخوه طابخة لطبخه لابيه، ابن الياس النبي وسمي بذلك جاء على اياس وانقطاع، ابن مضر وسمي بذلك لاخذه بالقلوب ولم يكن يره أحد إلا أحبه، ابن نزار واسمه عمرو وسمي بذلك لان معدا نظر الى نور النبي صلى الله عليه وآله في وجهه فقرب له قربانا عظيما وقال له: لقد استقللت هذا القربان وانه لقليل نزر، ويقال انه اسم أعجمي وكان رجلا هزيلا فدخل على يستانيف فقال هذا نزار، ابن معد وسمي بذلك لانه كان صاحب حروب وغارات على اليهود وكان منصورا، ابن عدنان لان أعين الحي كلها كانت تنظر إليه، وروي عنه صلى الله عليه وآله: إذا بلغ نسبي الى عدنان فامسكوا، وعند كذب النسابون قال الله تعالى (وقرونا بين ذلك كثيرا). قال القاضي عبد الجبار بن أحمد: المراد بذلك ان اتصال


[ 135 ]

الانساب غير معلوم فلا يخلو اما ان يكون كاذبا أو في حكم الكاذب، وقد روي انه انتسب الى ابراهيم. ام سلمة سمعت النبي يقول: معد بن عدنان بن أدد وسمي أدد لانه كان ماد الصوت كثير العز بن زيد بن ثرا بن اعراق الثرى. قالت ام سلمة: زيد هميسع وثرا نبيت واعراق الثرى اسماعيل بن ابراهيم، قالت: ثم قرأ صلى الله عليه وآله (وعادا وثمود وأصحاب الرس) الآية. واعتمد النسابة واصحاب التواريخ ان عدنان هو أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع ابن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن اسماعيل. وقال ابن بابويه عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن ابن نبت بن قيدار بن اسماعيل. وقال ابن عباس عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع ويقال ابن يامين بن يشخب بن منحربن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم بن تارخ بن ناحور بن شروغ بن ارغو وهو هود، ويقال رقالغ بن عابر وهو هود ابن ارفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن اخنوخ، ويقال اخنوخ هو ادريس بن مهلائيل، وقيل مهائيل بن زياد، ويقال مارد، ويقال اياد بن قينان بن انوش، ويقال قينان بن أدد بن انوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم. (امه) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة الى آخر النسب ويقال انه ينسب الى آدم بتسعة واربعين أبا. الترمذي في الشمائل، والطبري في التاريخ، والزمخشري في الفايق، والفتال في الروضة، رووا صفة النبي صلى الله عليه وآله بروايات كثيرة منها عن أمير المؤمنين (ع) وابن عباس، وابي هريرة، وجابر بن سمرة، وهند بن ابي هالة، انه كان صلى الله عليه وآله فخما مفخما في العيون معظما وفى القلوب مكرما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر ازهر منور اللون مشربا بحمرة لم تزريه مقلة ولم تعبه ثجلة أغر أبلج أحور أدعج أكحل أزج عظيم الهامة رشيق القامة مقصدا واسع الجبين أقنى العرنين أشكل العينين مقرون الحاجبين سهل الخدين صلتهما طويل الزند بن ؟ شبح الذراعين عظيم مشاشة المنكبين طويل ما بين المنكبين شثن الكفين ضخم القدمين عاري الثديين خمصان الاخمصين مخطوط المتينين أهدب الاشفار كث اللحية ذا فروة وافر السبلة اخضر الشمط ضليع الفم اشم اغنب مفلج الاسنان سبط الشعر دقيق المسربة معتدل الخلق مفاض البطن عريض الصدر كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة سائل الاطراف منهوس العقب قصير


[ 136 ]

الحنك دافى الجبهة ضرب اللحم بين الرجلين كأن في خاصرته انفتاق فعم الاوصال لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير الشائن ولا بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد ولا بالجعد القطط ولا بالسبط ولا بالمطهم ولا بالمكلثم ولا بالابيض الامهق ضخم الكراديس جليل المشاش انور المتجرد لم يكن في بطنه ولا في صدره شعر إلا موصل مابين اللبة الى السرة كالخط جليل الكتد اجرد ذا مسربة وكان اكثر شيبه في فودي رأسه وكأن كفه كف عطار مسها بطيب رحب الراحة سبط القصب وكان إذا رضى وسر فكأن وجه المرآة وكان فيه شئ من صور يخطو تكفؤا ويمشي الهوينا يبدوا القوم إذا سارع الى خير وإذا مشى تقلع كأنما بنحدر في صبب إذا تبسم يتبسم عن مثل المنحدر عن بطون الغمام وإذا افتر افترعن سنا البرق إذا تلالا لطيف الخلق عظيم الخلق لين الجانب إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأنه ضوء السراج المتوقد كان عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح عرقه اطيب من ريح المسك الاذفر بين كتفيه خاتم النبوة. أبو هريرة: كان يقبل جميعا ويدبر جميعا. جابر بن سمرة: كانت في ساقيه حموشة. أبو جحيفة: كان قد سمط عارضاه وعنفقته بيضاء. ام هاني: رأيت رسول الله ذا ضفائر اربع، والصحيح انه كان له ذوابتان ومبدأها من هاشم. أنس: ما عددت في رأس رسول الله ولحيته إلا اربع عشرة شعرة بيضاء، ويقال سبع عشرة. ابن عمر: إنما كان شيبه نحوا من عشرين شعرة بيضاء. البراء بن عازب: كان يضرب شعره كتفيه. أنس: له لمة الى شحمة اذنيه. عائشة: كان شعره فوق الوفرة ودون الجمة. وفي نهج البلاغة: اختاره من شجرة الانبياء ومشكاة الضياء وذوابة العلياء وسرة البطحاء ومصباح الظلمة وينابيع الحكمة ارسله على حين فتره من الرسل وتنازع من الالسن فقفي به الرسل وختم به الوحي فجاهد في الله المدبرين عنه والعادلين به ارسله بالضياء وقدمه في الاصطفاء فرتق به المفاتق وساور به المغالب وذلل به الصعوبة وسهل به الحزونة حتى سرح الضلالة عن يمين وشمال ارسله داعيا الى الحق وشاهدا على الخلق فبلغ رسالات ربه غير وان ولا مقصر وجاهد في الله اعداه غير واهن ولا معذر إمام من اتقى وبصر من اهتدى. وفي سحر البلاغة: صلى الله على خير مبعوث وافضل وارث ومورث وخير ” مناقب ج 1، م 17 “


[ 137 ]

مولود دعا الى خير معبود بشير الرحمة والثواب ومدبر السطوة والعقاب ناسخ كل ملة مشروعة وفاسخ كل نحلة متبوعة جاء بامته من الظلمات الى النور واوفى بهم الى الظل بعد الحرور قد افرد بالزعامة وحده وختم بأن لا نبي بعده ارسله الله قمرا منيرا وقدرا مبيرا. فصل: في أقربائه وخدامه كان لعبد المطلب عشر بنين: الحارث، والزبير، وحجل وهو الغيداق، وضرار وهو نوفل، والمقوم، وابو لهب وهو عبد العزى، و عبد الله، وابو طالب، وحمزة، والعباس وهو اصغرهم سنا. وكانوا من امهات شتى إلا عبد الله وابو طالب فانهما كانا ابني ام وامهما فاطمة بنت عمر وبن عايد، وأعقب منهم البنون أربعة: أبو طالب، وعباس، والحارث، وأبو لهب. وعماته ستة: عاتكة، اميمة، البيضاء وهي ام حكيم، وصفية وهي ام الزبير، وبرة، ويقال وزيده. وأسلم من أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس، ومن عماته صفية وأروى وعاتكة وآخر من مات من أعمامه العباس، ومن عماته صفية. وجدته لابيه فاطمة بنت عمرو المخزومي، وجدته لامه برءة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبدالدار، واخوته من الرضاعة عبد الله وأنيسة. وخدامه أولاد الحارث. وكان له أخ في الجاهلية اسمه الخلاص بن علقمة، وكان النبي صلى الله عليه وآله يقرظه. وأخوه ووزيره ووصيه وختنه علي (ع). وربيبه هند بن أبي هالة الاسدي من خديجة، وعمرو بن أبي سلمة وزينب اخته من ام سلمة قال الصادق (ع): تزوج رسول الله بخمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة منهن وقبض عن تسع. المبسوط، انه قال أبو عبيدة: تزوج النبي صلى الله عليه وآله ثماني عشر امرأة. وفي أعلام الورى، ونزهة الابصار، وأمالي الحاكم، وشرف المصطفى: انه تزوج باحدى وعشرين امرأة. وقال ابن جرير وابن مهدي: واجتمع له احدى عشرة امرأة في وقت. ترتيب أزواجه: تزوج بمكة أولا خديجة بنت خويلد، قالوا: وكانت عند عتيق بن عايذ المخزومى ثم عند أبي هالة زرارة بن نباش الاسدي.


[ 138 ]

وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: ان النبي صلى الله عليه وآله تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الانوار والبدع ان رقية وزينب كانتا ابنتي هالة اخت خديجة. وسودة بنت زمعة بعد موتها بسنة وكانت عند سكران بن عمرو من مهاجري الحبشة فتنصر ومات بها. وعائشة بنت أبي بكر وهي ابنة سبع قبل الهجرة بسنتين، ويقال كانت ابنة ست ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع ولم يتزوج غيرها بكرا، وتوفي النبي وهي ابنة ثمانية عشر سنة وبقيت الى امارة معاوية وقد قاربت السبعين. وتزوج بالمدينة ام سلمة واسمها هند بنت امية المخزومية وهي بنت عمته عاتكة بنت عبد المطلب وكانت عند أبي سلمة بن عبد الاسد بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من التاريخ، وفي هذه السنة تزوج بحفصة بنت عمر وكانت قبله تحت خنيس بن عبد الله ابن حذاقة السهمي فبقيت الى آخر خلافة علي (ع) وتوفيت بالمدينة. وزينب بنت جحش الاسدية وهي ابنة عمتها اميمة بنت عبد المطلب وكانت عند زيد بن حارثة وهي أول من ماتت من نسائه بعده في أيام عمر بعد سنتين من التاريخ. وجويرية بنت الحارث بن ضرار المصطلقية، ويقال انه اشتراها فأعتقها وتزوجها وماتت في سنة خمسين وكانت عند مالك بن صفوان بن ذى السفرتين. وام حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة وكانت عند عبد الله بن جحش في سنة ست وبقيت الى امارة معاوية. وصفية بنت حي بن أخطب النضري وكانت عند سلام بن مسلم ثم عند كنانة ابن الربيع وكانت أتي بها واسر بها في سنة سبع. وميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي ثم عند أبي زيد بن عبد العامري خطبها للنبي صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع وماتت في سنة ست وثلاثين وقد دخل بهؤلاء. والمطلقات أو من لم يدخل بهن أو من خطبها ولم يعقد عليها: فاطمة بنت شريح، وقيل بنت الضحاك، تزوجها بعد وفاة ابنته زينب وخيرها حين انزلت عليه آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول: أنا الشقية اخترت الدنيا.


[ 139 ]

وزينب بنت خزيمة بن الحرث ام المساكين من عبد مناف وكانت عند عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب. وأسماء بنت النعمان بن الاسود الكندي من أهل اليمن. وأسماء بنت النعمان، لما دخلت عليه قالت: أعوذ بالله منك، فقال: أعذتك إلحقي بأهلك، وكانت بعض أزواجه علمتها وقالت: انك تحظين عنده. وقتيلة اخت الاشعث بن قيس الكندي ماتت قبل أن يدخل بها، ويقال طلقها فتزوجها عكرمة بن أبي جهل وهو الصحيح. وام شريك واسمها غزية بنت جابر من بني النجار. وسنا بنت الصلت من بني سليم، ويقال خولة بنت حكيم السلمي ماتت قبل أن تدخل عليه، وكذلك صراف اخت دحية الكلبي. ولم يدخل بعمرة الكلابية، واميمة بنت النعمان الجونية، والعالية بنت ظبيان الكلابية، ومليكة الليثية. واما عميرة بنت بريد رأى بها بياضا فقال: دلستم علي، فردها، وليلى بنت الحطيم الانصارية ضربت ظهره وقالت: أقلني، فأقالها فأكلها الذئب، وعمرة من العرطا (كذا) وصفها أبوها حتى قال: انها لم تمرض قط، فقال صلى الله عليه وآله: ما لهذه عند الله من خير. والتسع اللاتي قبض عنهن: ام سلمة، زينب بنت جحش، ميمونة، ام حبيبة، صفية، جويرية، سودة، عائشة، حفصة. قال زين العابدين (ع)، والضحاك، ومقاتل، الموهبة امرأة من بني أسد وفيه ستة أقوال. ومات قبل النبي صلى الله عليه وآله: خديجة، وامى هاني، وزينب بنت خزيمة. وأفضلهن خديجة ثم أم سلمة ثم ميمونة. مبسوط الطوسي، انه اتخذ من الاماء ثلاثا: عجميتين وعربية فأعتق العربية واستولد احدى العجميتين، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية، وريحانة بنت زيد القرظية، أهداهما المقوقس صاحب الاسكندرية، وكانت لمارية اخت اسمها سيرين فأعطاها حسان فولدت عبد الرحمن فتوفت مارية بعد النبي بخمس سنين، ويقال انه أعتق ريحانة ثم تزوجها. تاج التراجم، ان النبي صلى الله عليه وآله اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها تكانة بنت عمرو وكانت في ملكه فلما توفي صلى الله عليه وآله زوجها العباس.


[ 140 ]

وكان مهر نسائه اثنتا عشر اوقية ونش (1). أولاده: ولد من خديجة القاسم و عبد الله وهما: الطاهر والطيب، وأربع بنات: زينب، ورقية، وام كلثوم وهي آمنة، وفاطمة وهي ام أبيها. ولم يكن له ولد من غيرها إلا ابراهيم من مارية، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة ام ابراهيم، ويقال ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام وقبرة بالبقيع. وفي الانوار، والكشف، واللمع، وكتاب البلاذري: ان زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش، فأما القاسم والطيب فماتا بمكة صغيرين. قال مجاهد: مكث القاسم سبع ليال، واما زينب فكانت عند أبي العاص القاسم ابن الربيع فولدت ام كلثوم وتزوج بها علي، وكان أبو العاص اسر يوم بدر فمن عليه النبي صلى الله عليه وآله وأطلقه من غير فداء: وأتت زينب الطائف ثم أتت النبي بالمدينة فقدم أبو العاص المدينة فأسلم، وماتت زينب بالمدينة بعد مصى النبي صلى الله عليه وآله إليها بسبع سنين وشهرين، واما رقية فتزوجها عتبة، وام كلثوم تزوجها عتيق وهما ابنا أبي لهب فطلقاهما فتزوج عثمان رقية بالمدينة وولدت له عبد الله صبيا لم يجاوز ست سنين وكان ديك نقره عليك عينه فمات، وبعدها ام كلثوم، ولا عقب للنبي إلا من ولد فاطمة. رفقاؤه: علي وابناه، وحمزة، وجعفر، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار وحذيفة، وابن مسعود، وبلال، وأبو بكر، وعمر. كتابه: كان على يكتب أكثر الوحي ويكتب أيضا غير الوحي، وكان أبي ابن كعب وزيد بن ثابت يكتبان الوحي، وكان زيد و عبد الله بن الارقم يكتبان الى الملوك، وعلاء بن عقبة و عبد الله بن أرقم يكتبان القبالات، والزبير بن العوام وجهم بن الصلت يكتبان الصدقات، وحذيفة يكتب صدقات التمر، وقد كتب له عثمان وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة والحصين بن نمير والعلاء بن الحضرمي وشرحبيل بن حسنة الطانحي وحنظلة بن ربيع الاسدي و عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو الخائن في الكتابة فلعنه رسول الله وقد ارتد. وفي تاريخ البلاذري انه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله ابن عباس الى معاوية ليكتب له فقال: انه يأكل، ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله فقال النبي: لا أشبع الله بطنه. حاجبه: أنس بن مالك.


(1) وفي البحار: والاوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما يعنى نصف أوقية (*).

[ 141 ]

مؤذنه: بلال وهو أول من أذن له، وعمرو بن ام مكتوم واسم أبيه قيس، وزياد بن الحارث الصدائي، وأبو محذورة أوس بن مغير كان لا يؤذن إلا في الفجر، و عبد الله بن زيد الانصاري، وأدركه سعيد القرظي في مسجد قبا. مناديه: أبو طلحة، ومن كان يضرب أعناق الكفار بين يديه: علي والزبير ومحمد ابن مسلمة وعاصم بن الافلح والمقداد. وحراسه: سعد بن معاذ حرسه يوم بدر وهو في العريش وقد حرسه ذكوان بن عبد الله، وبأحد محمد بن مسلمة، وبالخندق الزبير، وليلة بني نصيفة وهو بخيبر سعد ابن أبي وقاص، وأبو أيوب الانصاري وبلال بوادي القرى، وزياد بن أسد ليلة فتح مكة، وكان سعد بن عباد بلي حرسه، فلما نزل: (والله يعصمك من الناس) ترك الحرس. ومن قدمهم للصلاة: فأمير المؤمنين (ع) كان يصلي بالمدينة أيام تبوك وفي غزوة الطائف وفدك، وسعد بن عبادة على المدينة في الابواء وودان، وسعد بن معاذ في بواط، وزيد بن حارثة في صفوان وبني المصطلق الى تمام سبع مرات، وأبا سلمة المخزومي في ذي العشيرة، وأبا لبابة في بدر القتال وبني قينقاع والسويق وعثمان في بني غطفان وذي امرة (1) وذات الرقاع، وابن ام مكتوم في قرقرة الكدر وبني سليم واحد وحمراء الاسد وبني النظير والخندق وبني قريظة وبني لحيان وذي قرد وحجة الوداع والاكيدر، وسباع بن عمر فطة في الحديبية ودومة الجندل وأبا ذر في حنين وعمرة القضاء، وابن رواحة في بدر الموعد، ومحمد بن مسلمة ثلاث مرات، وقدم قدم عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبا عبيدة وعايشة بن محصن ومرثد الغوي. وعماله: ولى عمرو بن حزم الانصاري نجران، وزياد بن اسيد حضر موت، وخالد بن سعيد بن العاص صنعاء، وأبا امية المخزومي كندة والصدق، وأبا موسى الاشعري زبيد، وزمعة عدن والساحل، ومعاذ بن جبل الجبلة والغضا من أعمال اليمن، وعمرو بن العاص عمان ومعه أبو زيد الانصاري، ويزيد بن أبي سفيان على نجران، وحذيفة دبا، وبلالا على صدقات الثمار، وعباد بن البشير الانصاري على صدقات بني المصطلق، والاقرع بن حابس على صدقات بني دارم، والزبرقان بن بدر على صدقات عوف، ومالك بن نويرة على صدقات بني يربوع، وعدي بن حاتم على


(1) بلد دجيل (*).

[ 142 ]

صدقات طي وأسد، وعيينة بن حصن على صدقات فزارة، وأبا عبيدة بن الجراح على صدقات مزيته وهذيل وكنانة. رسله: بعث خاطب بن أبي بلتعة الى المقوقس، وشجاع بن وهب الاسدي الى الحارث بن شمر، ودحية الكلبى الى قيصر، وسليط بن عمرو العامري الى هوذة بن علي الحنفي، و عبد الله بن حذاقة السهمي الى كسرى، وعمر بن امية الضمري الى النجاشي. المشبهون به: جعفر الطيار، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، وهاشم بن عبد المطلب، ومسلم بن معتب بن أبي لهب من هاجر، معه من مكة الى المدينة: أبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن اريقط الليثي وخلف عليا مع الودائع فلما سلمها الى أصحابها لحق به فخرج الى الغار ومنها الى المدينة، وفي رواية انه ادرك النبي صلى الله عليه وآله بقبا. خدامه من الاحرار: أنس وهند وأسماء ابنتا خارجة الاسلمية وأبو الحمراء وأبو الخلف. عيونه: الخزاعي، و عبد الله بن حدرد الذي حلق رأسه يوم الحديبية خراش ابن امية الخزاعي، وفي حجته معمر بن عبد الله بن حارثة بن نضر الذي حجمه أبو طيبة الذي شرب دم النبي فخطب في الاشراف وأبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله: إنما أبو هند رجل منكم فانكحوه وانكحوا إليه وأبو موسى الاشعري. شعراؤه: كعب بن مالك قوله: واني وان عنفتموني لقائل * فدا لرسول الله نفسي وتاليا أطعناه لم نعد له فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا وله: وفينا رسول الله نتبع امره * إذا قال فينا القول لا يتطلع تدلى على الروح من عند ربه * ينزل من جو السماء ويرفع وقال عبد الله بن رواحة: وكذاك قد ساد النبي محمد * كل الانام وكان آخر مرسل وقال حسان بن ثابت: ألم تر ان الله ارسل عبده * ببرهانه والله أعلى وامجد


[ 143 ]

وشق له من اسمه ليجله * وذو العرش محمود وهذا محمد نبي اتانا بعد بأس وفترة * من الرسل والاوثان في الارض تعبد تعاليت رب العرش من كل فاحش * فاياك نستهدي وإياك نعبد وامره النبي ان يجب ابا سفيان فقال: ألا ابلغ ابا سفيان عني * مغلغلة وقد برح الخفاء بأن سيوفنا تركتك عبدا * وعبد الدار سادتها الاماء أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء هجوت محمدا برا حنيفا * امين الله شيمته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سوءا فان ابي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء وقال النابغة الجعدي: اتيت رسول الله إذ جاء بالهدى * ويتلو كتابا كالمجرة نيرا بلغنا السما في مجدنا وسنائنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي: الى اين ؟ قال: الجنة، فقال صلى الله عليه وآله أجل. وقال كعب بن زهير ان الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما اسلموا زولوا شم العرانين ابطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل مهلا هداك الذي اعطاك نافلة * القرآن فيه مواعيد وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * اذنب ولو كثرت في الاقاويل نبئت ان رسول الله اوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول وقال قيس بن صرمة من بني النجار: ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر من يلقى صديقا مواليا ويعرض في اهل المواسم نفسه * فلم يرمن يؤى ولم ير داعيا فلما اتاها اظهر الله دينه * فأصبح مسرورا بطيبة راضيا والقى صديقا واطمأنت به النوى * وكان له عونا من الله باديا يقص لنا ما قال نوح لقومه * وما قال موسى إذا جاب المناديا ولم يقل لبيد بعد اسلامه إلا كلمة: زال الشباب ولم احفل به بالا * واقبل الشيب بالاسلام اقبالا


[ 144 ]

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي * حتى لبست من الاسلام سربالا وقال ابن الزبعرى: يا رسول المليك ان لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور إذا جارى الشيطان في سنن * الغي ومن مال ميله مثبور شهد اللحم والعظام بربي * ثم قلبي الشهيد انت النذير يعتذر من الهجاء فأمر له النبي بحلة. وله: ولقد شهدت بأن دينك صادق * حقا وانك في العباد جسيم والله يشهد ان احمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم وله ايضا: فالآن اخضع للنبي محمد * بيد مطاوعة وقلب تائب ومحمد اوفى البرية ذمة * واعز مطلوب واظفر طالب هادي العباد الى الرشاد وقائد * للمؤمنين بضوء نار ثاقب اني رأيتك يا محمد عصمة * للعالمين من العذاب الواصب وقال امية بن الصلت: واحمد ارسله ربنا * فعاش الذي عاش لم يهتضم وقد علموا انه خيرهم * وفى بيته ذي الندى والكرم نبي الهدى طيب صادق * رحيم رؤف بوصل الرحم عطاء من الله اعطيته * وخص به الله اهل الحرم قال العباس بن مرداس: رايتك ياخير البرية كلها * نشرت كتابا جاء بالحق معلما سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا * عن الحق لما اصبح الحق مظلما ونورت بالبرهان امرا مدمسا * واطفأت بالبرهان جمرا تضرما اقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها * ودانت قديما وجهها قد تهدما وقال طفيل الغنوي فأبصرت الهدى وسمعت قولا * كريما ليس من سجع الانام فصدقت الرسول وهان قوم * علي رموه بالبهت العظام ” مناقب ج 1، م 18 “


[ 145 ]

وقال كعب بن نمط وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر واوفى ذمة من محمد ولا وضعت انثى لاحمد مشبها * من الناس في التقوى ولا في التعبد وقال مالك بن عوف ما ان رأيت ولا سمعت بواحد * في الناس كلهم شبيه محمد وقال قيس بن بحر الاشجعي رسولا يضاهي البدر يتلو كتابه * ولما اتى بالحق لم يتلعثم وقال عبد الله بن حرب الاسهمي فينا الرسول وفينا الحق نتبعه * حتى الممات ونصر غير مجذوذ وقال ابودهبل الجمحي ان البيوت معادن فنجاره * ذهب وكل بيوته ضخم عقم النساء فلا يلدن شبيهه * ان النساء بمثله عقم متهلل نعم بلا متباعد * سيان منه الوفر والعدم وقال بحير بن ابى سلمى الى الله وجهي والرسول ومن بقم * الى الله يوما وجهه لا يخيب وأتى الاعشى مكة فقالت قريش: ان محمدا يحرم الخمر والزنا. فانصرف فسقط عن بعيره ومات. ويقال انه قال: نبي يرى ما لا يرون وذكره * أغار ؟ لعمري في البلاد وأنجدا ؟ ومن هجاته: ابن الزبعرى السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وشافع بن عبد مناف الجمحي وعمرو بن العاص وامية بن الصلت الثقفي وأبو سفيان بن أبي الحرث ومن قوله: فأصبحت قد راجعت حلمي وردني * الى الله من طردت كل مطرد أصد وأنأى جاهلا عن محمد * وادعى وان لم انتسب من محمد فضرب النبي صلى الله عليه وآله يده في صدره وقال: متى طردتني يا أبا سفيان ؟.


[ 146 ]

فصل: في أمواله ورقيقه صلى الله عليه وآله أفراسه: (الورد) أهداه التميم الداري، (والطرب) سمي لتشوقه وحسن صهيله ويقال هو الظرب، (واللزاز) وقد أهداه المقوقس سمي بذلك لانه كان ملززا موثقا (واللحيف) أهداه ربيعة بن أبي البراء وسمي بذلك لانه كان كالمتلحف بعرفه، والصحيح انه الورد الذي أعطاه الداري وسماه النبي اللحيف، (ومرتجز) وقد صحفوه فقالوا المرتجز وهو المشترى من الاعرابي الذي شهد فيه حزيمة، (والسكب) وكان أول فرس ركبه وأول ما غزا عليه في أحد، وكان ابتاعه من رجل من فزارة، ويقال اسمه بريدة الملاح. ومنها: اليعسوب، والسبحة، وذو العقاب، والملاوح وقيل مراوح. بغاله: أهدى إليه المقوقس (دلدل) وكانت شهباء فدفعها الى علي (ع) ثم كانت للحسن ثم للحسين ثم كبرت وعميت، وهي أول بغلة ركبت في الاسلام. وقال التاريخي: أهدى إليه فروة بن عمرو الجذامي بغلة يقال لها (فضة). حمره: أهدى له المقوقس (يعفور) مع (دلدل)، وأعطاه فروة الجذامي (عفير) مع (فضة). إبله: (العضباء) وكانت لا تسبق، (والجدعا)، (والقصواء) ويقال القضواء وهي ناقة اشتراها النبي صلى الله عليه وآله من أبي بكر بأربعمائة درهم وهاجر عليها نفقت عنده (والصهباء). ومنها: (البغوم)، (والغيم)، (والنوق)، (ومروة). وكان له عشر لقاح (1) يحلبها يسار كل ليلة قربتين عظيمتين يفرقها على نسائه، منها (مهرة) أرسل بها سعد بن عبادة، (والشقرا) (والريا) ابتاعهما بسوق النبط، (والحبا)، (والسمرا)، (والعريس)، (والسعدية)، (والبغوم)، (واليسيرة) (وبردة) وكانت منايح (2) رسول الله صلى الله عليه وآله سبع أعنز يرعاهن ابن ام أيمن وهي: (عجوة) (وزمزم)، (وسقيا)، (وبركة)، (وورسة)، (وأطلال)، (وأطراف)، وكانت له ماية من الغنم. وكان مخرنق أحد بني النضير حبرا عالما أسلم وقاتل مع رسول الله وأوصى بماله لرسول الله وهو سبع حوائط وهي: المينب، والصايفه، والحسنى، ويرقد، والعواف، والكلاء، ومشربة ام ابراهيم.


(1) اللقايح جمع لقوح وهي الناقة الحلوب. (2) المنيحة والمنحة: الغنم فيها لبن (*).

[ 147 ]

وكان له صفايا ثلاثة: مال بني النضير وخيبر وفدك، فأعطى فدك والعوالي فاطمة (ع)، وروي انه وقف عليها. وكان له من الغنيمة الخمس وصفي يصطفيه من المغنم ما شاء قبل القسمة وسهمه مع المسلمين كرجل مهم، وكانت له الانفال. وكان ورث من أبيه ام أيمن فأعتقها، وورث خمسة أجمال أوارك وقطيعة غنم وسيفا ما ثوى وزرقا (كذا بالاصل). سيوفه: ذو الفقار، والمنخذم، والرسوب ورثه من أبيه، والعضب أعطاه سعد ابن عبادة، وأصاب من بني قينقاع بتارا وحتفا وسيفا قلعيا. رماحه: أصاب ثلاثا من بني قينقاع وكان له رمح يقال له المستوفي، وكان له عنزة يقال لها المثنى أنفذها النجاشي، ويقال ان النجاشي أعطى للزبير عنزة فلما جاء الى النبي صلى الله عليه وآله أعطاه إياها فكان بلال يحملها بين يديه يوم العيد ويخرج بها في أسفاره فتركز بين يديه يصلي إليها، ويقولون: هي تحمل المؤذنون بين يدي الخلفاء. دروعه: ذات الفضول أعطاها سعد بن عبادة، والفضة، ودرعان أصابهما من بني قينقاع وهما السعدية وذات الوشاح، ويقال: كانت عنده درع داود النبي صلى الله عليه وآله لبسها لما قتل جالوت. قسيه: البيضاء وكانت من شوحط، والصفرا من نبع، والروحاء، أصاب هذه الثلاثة من بني قينقاع، والكرع ويقال كرار. وكان له ترس يقال له الزلوق، وترس فيه تمثال رأس كبش اذهبه الله. وكان له جعبة يقال له الكافورة. ودخل مكة وعلى رأسه مغفر يقال له السبوع. رايته: العقاب ولونه أبيض. وكان له قضيب يسمى الممشوق، محجن، ومختصرة تسمى العرجون، ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة والابزيم والطرف من فضة. وكان له قدح مضبب بثلاث ضبات فضة، وتور من حجارة يقال له المخضب، وقدح من زجاج، ومغتسل من صفر، وقطيفة، وقصعة، وخاتم فضة نقش محمد رسول الله. وأهدى له النجاشي خفين أسودين ساذجين فلبسهما. وقالت عائشة: كان فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي يرقد فيه من ادم حشوه ليف، وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران، وكان يلبس يوم الجمعة برده الاحمر ويعتم بالسحاب، ودخل مكة يوم الفتح عليه عمامة سوداء، وكانت له ربعة فيها مشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك. ويقال: ترك يوم مات عشرة أثواب ثوب حبرة ؟ وأزارا عمانيا وثوبين صحاربين، وقميصا سحوليا وجبة يمنية، وكساء أبيض


[ 148 ]

وقلانس صغارا لا طئة ثلاثا أو أربعا، وأزارا طوله ثلاثة أشبار، وتوفي في أزار غليظ من هذه اليمانية، وكساء يدعى بالملبدة، وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة وكان منبره ثلاثة مراقى من الطرفاء استعملت امرأة لغلام لها نجار اسمه ميمون، وكان مسجده بلا منارة، وكان بلال يؤذن على الارض، وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: يا منصور أمت. وقال لمزينة: ما شعاركم ؟ قالوا: حرام، قال: شعاركم حلال. وكان شعار المهاجرين يوم أحد: يا بني عبد الله، والخزرج: يا بني عبد الرحمن، والاوس: يا بني عبد الله. مواليه: سلمان الفارسي، وزيد بن حارثة وابنه اسامة، وأبو رافع أسلم ويقال اسمه بندويه العجمي وهبه العباس وأعتقه النبي صلى الله عليه وآله لما بشر باسلام العباس وزوجه سلمى فولدله عبيدالله كاتب أمير المؤمنين، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسفينة اسمه مفلح الاسود ويقال رومان البلخي وكان لام سلمة فأعتقه واشترطت عليه خدمة النبي، وثوبان الحميري اشتراه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقته وبقى في خدمته وخدمة أولاده الى أيام معاوية، ويسار النوبي أسر في غزوة بني ثعلبة فأعتقه وهو الذي قتله العرنيون، وشقران واسمه صالح بن عدي الحبشي ورثه عن أبيه ويقال هو من أولاد دهاقين الري، ومدعم الخثعمي وهو هدية فروة بنت عمرو الجذامي، وأبو مويهبة من مولدي مزينة أعتقه النبي، وأبو كبشة واسمه السليم من مولدي أرض دوس أو مكة فاشتراه وأعتقه، مات في أول يوم من جلوس عمر، وأبو بكرة هشام واسمه نقيع تدلى من الحصن على بكرة ونزل من حصن الطايف الى النبي فانعتق وأبو أيمن واسمه رباح وكان أسود وكان يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله ثم صيره مكان يسار حين قتل، وأبو لبابة القرظي اشتراه النبي فأعتقه، وفضالة وهبه رفاعة بن زيد الجذامي وقتل بوادي القرى، وانبسة بن كردى من العجم قتل في بدر وقيل توفي في أيام أبي بكر، وكركره اهدي له فأعتقه ويقال مات وهو مملوك، وأبو ضمرة كان مما أفاء الله عليه من العرب وهو أبو ضميرة ويقال اشترته ام سلمة للنبي فأعتقه ويقال هو روح بن شيرزاد من ولد كشتاسب الملك وبنيه من مولدي السراة، وأسلم الاصفر الرومي، والحبشة الحبشي، وماهر كان المقوقس أهداه إليه، وأبو ثابت، وأبو نيزر، وأبو سلمى، وأبو عسيب، وأبو رافع الاصغر، وأبو لقيط، وأبو البشر، ومهران، وعبيد، وأفلح، ورفيع، ويسار الاكبر. إماؤه: حارثة بنت شمعون اهداها له ملك الحبشة، وسلمى، ورضوى، وام أيمن


[ 149 ]

اسمها بركة، وأسلمه، وانسه، ومويهبة، وقيل: هما من مواليه، وكان له خصي يقال له مابورا. فصل: في أمواله وتواريخه حملت به امه في أيام التشريق عند جمرة العقبة الوسطى في منزل عبد الله بن عبد المطلب، ولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الاول بعد خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل، وقالت العامة: يوم الاثنين الثامن أو العاشر منه لسبع بقين من ملك أنوشيروان، ويقال في ملك هرمز لثمان سنين وثمانية أشهر مضت من ملك عمرو بن هند ملك العرب، ووافق شهر الروم العشرين من شباط في السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان، وذكر الطبري ان مولده كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وآله: ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان. قال الكليني: في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الرواية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار. وقال الطبري: في بيت من الدار التى تعرف اليوم بدار محمد بن يوسف وهو أخو الحجاج بن يوسف وكان قد اشتراها من عقيل وادخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران واتخذته مسجدا يصلي فيه الناس. الزهرة عن أبي عبد الله الطرابلسي: البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في دار محمد بن يوسف وتوفي أبوه وهو ابن شهرين. الواقدي: وهو ابن سبعة أشهر. الطبري: توفي أبوه بالمدينة ودفن في دار النابغة. ابن اسحاق: توفي أبوه وامه حامل به، وماتت امه وهو ابن أربع سنين. الكلبي: وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا. محمد بن اسحاق: توفيت امه بالابواء منصرفة الى مكة وهو ابن ست ورباه عبد المطلب، وتوفي عنه وهو ابن ثمانية سنين وشهران وعشرة ايام فأوصى به الى أبي طالب فرباه. كتاب العروس وتاريخ الطبري: انه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما فتوفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ومات ابنها قبلها ثم أرضعته حليمة السعدية فلبثت فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله الحمزة وبعده أبا سلمة المخزومي وخرج مع أبي طالب في تجارته وهو ابن تسع سنين، ويقال ابن اثنتى عشرة سنة، وخرج الى الشام في تجارته لخديجة وله خمس وعشرون سنة، وتزوج بها بعد أشهر.


[ 150 ]

قال محمد بن يعقوب الكليني: تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة ولبث بها أربع وعشرين سنة وأشهرا وبنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه فيها وهو ابن خمس وثلاثين سنة. ابن عباس وأنس: أوحى الله إليه يوم الاثنين السابع والعشرين من رجب وله أربعون سنة. ابن مسعود: أحد واربعون سنة. ابن المسيب وابن عباس: ثلاث وأربعون سنة وكان لاحدى عشرة خلون من ربيع الاول، وقيل لعشر خلون من ربيع الاول، وقيل بعث في شهر رمضان لقوله: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن) أي ابتدأ انزاله للسابع عشر أو الثامن عشر. عن ابن عباس:. والرابع والعشرين. عن أبي الجليد: قام يدعو الناس وقام أبو طالب بنصرته فأسلم خديجة وعلي وزيد، وأسرى به بعد النبوة بسنتين، وقالوا بسنة وستة أشهر بعد رجوعه من الطايف. الحلبي عن أبي عبد الله قال: اكتتم رسول الله بمكة مستخفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر وعلي معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهروا وظهر أمره وتوفي أبو طالب بعد نبوته بتسع سنين وثمانية اشهر وذلك بعد خروجه من الشعب بشهرين. وزعم الواقدي انهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وفي هذه السنة توفي أبو طالب وتوفيت خديجة بعد بستة أشهر وله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما، ويقال وهو ابن سبع وأربعين سنة وستة أشهر وأياما. (أبو عبد الله) منده في كتاب المعرفة: ان وفاة خديجة بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. المعرفة عن النسوي: توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة من قبل أن تفرض الصلاة على الموتى وسمي هذا العام عام الحزن، ولبث بعدها بمكة ثلاثة أشهر فأمر أصحابه بالهجرة الى الحبشة فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم وذلك بعد خمس من نبوته، وكان حصار الشعب وكتابة الصحيفة أربع سنين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنتين، فلما توفي أبو طالب خرج الى الطايف وأقام فيه شهرا وكان معه زيد ابن الحارث، ثم انصرف الى مكة ومكث فيها سنة وستة أشهر في جوار مطعم بن عدي، وكان يدعو القبائل في المواسم، فكانت بيعة العقبة الاولى بمنى فبايعه خمسة نفر من الخزرج وواحد من الاوس في خفية من قومهم بيعة النساء وهم: جابر بن عبد الله، وفطنة بن عامر بن حزام، وعوف بن الحارث، وحارثة بن ثعلبة، ومرثد ؟ ابن الاسد، وأبو امامة ثعلبة بن عمرو ويقال هو أسعد بن زرارة. فلما انصرفوا الى


[ 151 ]

المدينة وذكروا القصة وقرؤا القرآن صدقوه. وفي السنة القابلة وهي العقبة الثانية أنفذوا معهم ستة آخرين بالسلام والبيعة وهم: أبو الهيثم بن التيهان، وعبادة بن الصامت، وذكوان بن عبد الله، ونافع بن مالك بن العجلان، وعباس بن عبادة بن نضلة، ويزيد بن ثعلبة حليف له، ويقال مسعود بن الحارث وعويم بن ساعده حليف لهم. ثم أنفذ النبي صلى الله عليه وآله معهم مصعب بن هاشم (1) فنزل دار أسعد بن زرارة فاجتمعوا عليه وأسلم أكثرهم إلا دار امية بن زيد وحطمة ووايل وواقف فانهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق. وفي السنة القابلة كانت بيعة الحارث (2) كانوا من الاوس والخزرج سبعين رجلا وامرأتين واختار صلى الله عليه وآله منهم اثنى عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومه تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس، فمن الخزرج: أسعد، وجابر، والبراء ابن معرور، و عبد الله بن حزام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن قمر، و عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع. ومن القوافل: عبادة بن الصامت. ومن الاوس: أبو هيثم، واسيد بن خضير، وسعيد بن خيثمة. وبعث رسله الى الآفاق في سنة عشر، وبين فتح مكة ووفاته كانت الوفود منهم: بنو سليم وفيهم العباس بن مرداس، وبنو نهم وفيهم عطارد بن حاجب بن زرارة ؟ وبنو عامر بن الطفيل واربد بن قيس، وبنو سعد بن بكر وفيهم صام بن ثعلبة و عبد القيس والجارود بن عمرو، وبنو حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب، وطي وفيهم زيد الخيل وعدي بن حاتم، وزبيد وفيهم عمرو بن معدي كرب، وكندة وفيهم الاشعث بن قيس، ونجران وفيهم السيد والعاقب وأبو الحارث، والازد، وبعثت حمير الى رسول الله صلى الله عليه وآله باسلامهم، وبعث فروة الجذامي رسولا باسمه، وبنو الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ويزيد بن عبدالمدان، وثقيف وسيدهم عبد نائل، وبنو أسد واسلم. وهاجر الى المدينة وأمر أصحابه بالهجرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وكانت هجرته يوم الاثنين وصار ثلاثة أيام في الغار ليخيب من قصد إليه، وروي ستة أيام. ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول، وقيل الحادي عشر وهي السنة الاولى من الهجرة فرد التاريخ الى المحرم، وكان نزل بقبا في دار كلثوم بن الهدم ثم بدار خيثمة الاوسي ثلاثة أيام، ويقال اثنى عشر يوما الى بلوغ علي وأهل البيت. وكان أهل المدينة يستقبلون كل يوم الى قبا وينصرفون فأسس بقبا مسجدهم


(1) هو مصعب بن عمير كما هو المشهور. (2) كذا بالاصل (*).

[ 152 ]

وخرج يوم الجمعة ونزل المدينة وصلى في المسجد الذي ببطن الوادي. قال النسوي في تاريخه: أول صلاة صلاها في المدينة صلاة العصر ثم نزل على أبي أيوب، فلما أتى لهجرته شهر وأيام تمت صلاة المقيم، وبعد ثمانية أشهر آخا بين المؤمنين وفيها شرع الاذان، فلما أتى لهجرته سنة وشهران واثنان وعشرون يوما زوج عليا (ع) من فاطمة، وروي انها كانت بعد سنة من مقدمه إليها. قال الحسن: نزل القرآن في ثمانية عشر سنة بمكة ثمانى سنين وبالمدينة عشر سنين. وقال الشعبي: في عشرين سنة. سئل الصادق (ع): متى حولت القبلة ؟ قال: بعد رجوعه من بدر. قال أنس: وهم ركوع في صلاة الصبح فاستداروا. البخاري والواحدي ان النبي صلى الله عليه وآله صلى عند قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس. البخاري: حج النبي صلى الله عليه وآله قبل النبوة وبعدها لا نعرف عددها ولم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع. وعن جابر الانصاري: انه حج ثلاثة حجج حجتين قبل الهجرة وحجة الوداع. العلاء بن رزين، وعمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: حج رسول الله عشرين حجة. الطبري عن ابن عباس: اعتمر النبي صلى الله عليه وآله اربع عمر: الحديبيه، والقضا، والجعرانة، والتي مع حجته. معاوية بن عمار عن الصادق (ع) اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عمر متفرقات ثم ذكر الحديبية والقضا والجعرانة، وأقام بالمدينة عشر سنين، ثم حج حجة الوداع، ونصب عليا إماما يوم غدير خم، فلما دخل المدينة بعث اسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه وجعل في جيشه وتحت رايته أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وعسكر اسامة بالحرف فاشتكى شكواه التي توفي فيها فكان يقول في مرضه نفذوا جيش اسامة ويكرر ذلك، فلما دخل سنة احدى عشر أقام بالمدينة المحرم ومرض أياما وتوفي في الثاني من صفر يوم الاثنين، ويقال يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول، وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين، وقبض قبل أن تغيب الشمس وهو ابن ثلاث وستين سنة فغسله علي (ع) بثوبيه بوصية منه، وفي رواية ويؤدى (كذا) بذلك، وبقى غير مدفون ثلاثة ايام يصلي عليه الناس، وحفر له لحدا أبو طلحة زيد بن سهل الانصاري ودفنه علي (ع) وعاونه العباس والفضل واسامة فنادت الانصار يا علي نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله أن يذهب أدخل منا رجلا فيه، فقال: ليدخل اوس بن خولى، فلما دلاه في حفرته قال له اخرج، وربع قبره.


[ 153 ]

فصل: في معراجه صلى الله عليه وآله الحمد لله العلي الاعلى، الوفى الاوفى، الولي الاولى، رب الآخرة والاولى، خالق السماوات العلى، ومبدع الارضين السفلى، له الآخرة والاولى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، بعث محمدا صلى الله عليه وآله، ذى النعمة العظمى، والمحبة الكبرى، الهادي الى الطريقة المثلى، الداعي الى الخليفة الحسنى، وجعله خير الخلق ما بين الثريا والثرى، ورفعه الى السماء من ام القمرى، بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى). اختلف الناس في المعراج فالخوارج ينكرونه. وقالت الجهمية: عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا. وقالت الامامية والزيدية والمعتزلة: بل عرج بروحه وبجسمه الى بيت المقدس لقوله تعالى: (الى المسجد الاقصى). وقال آخرون: بل عرج بروحه وجسمه الى السماوات، روي ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وأنس، وعائشة، وام هاني – ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة -، وقد جعل الله معراج موسى الى الطور (وما كنت بجانب الطور)، ولابراهيم الى السماء الدنيا (وكذلك نرى ابراهيم)، ولعيسى الى الرابعة (بل رفعه الله إليه)، ولادريس الى الجنة (ورفعناه مكانا عليا)، ولمحمد صلى الله عليه وآله (فكان قاب قوسين أو أدنى) وذلك لعلوهمته، فلذلك يقال: المرء يطير بهمته، فتعجب الله من عروجه (سبحان الذي أسرى) وأقسم بنزوله (والنجم إذا هوى) فيكون عروجه ونزوله بين تأكيدين. السدي والواقدي: الاسراء قبل الهجرة بستة أشهر بمكة في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت بعد العتمة من دار ام هاني بنت أبي طالب، وقيل من بيت خديجة، وروي من شعب أبي طالب. الحسن وقتادة: كان من نفس المسجد. ابن عباس: هي ليلة الاثنين في شهر ربيع الاول بعد النبوة بسنتين فالاول معراج العجائب والثاني معراج الكرامة. ابن عباس في خبر: ان جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: ان ربي بعثني اليك وأمرني أن آتيه بك فقم فان الله يكرمك كرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا بعدك فابشر وطب نفسا، فقام وصلى ركعتين فإذا هو بميكائيل واسرافيل ومع كل واحد منهما


[ 154 ]

سبعون الف ملك فسلم عليهم فبشروه فإذا معهم دابة فوق الحمار ودون البغل خده كخد الانسان وقوائمه كقوائم البعير وعرفه كعرف الفرس وذنبه كذنب البقر رجلاها أطول من يديها ولها جناحان من فخذيه خطوتها مد البصر وإذا عليها الجام من ياقوتة حمراء، فلما أراد أن يركب امتنعت فقال جبرئيل: انه محمد، فتواضعت حتى لصقت بالارض فأخذ جبرئيل بلجامها وميكائيل بركابها فركب، إذا هبطت ارتفعت يداها وإذا صعدت ارتفعت رجلاها فنفرت العير من دفيف البراق ينادي رجل في آخر العير: ان يا فلان ان الابل قد نفرت وان فلانة القت حملها وانكسرت يدها، فلما كان ببطن البلقاء، عطش فإذا لهم ماء في آنية فشرب منه والقى الباقي، فبينا هو في مسيره إذ نودي عن يمين الطريق: يا محمد على رسلك، ثم نودي عن يساره: على رسلك فإذا هو بامرأة استقبلته وعليها من الحسن والجمال ما لم ير لاحد وقالت: قف مكانك حتى اخبرك، ففسر له ابراهيم الخليل لما رآه جميع ذلك فقال: منادي اليمين داعية اليهود فلو أجبته لتهودت امتك ومنادي اليسار داعية النصارى فلو أجبته لتنصرت امتك والمرأة المتزينة هي الدنيا تمثلت لك لو أجبتها لاختارت امتك الدنيا على الآخرة، فجاء جبرئيل الى بيت المقدس فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح: قدحا من لبن وقدحا من عسل وقدحا من خمر فناوله من قدح اللبن فشرب فناوله قدح العسل فشرب ثم ناوله قدح الخمر فقال: قد رويت يا جبرئيل، فقال: أما انك لو شربته ضلت امتك. ابن عباس في خبر: وهبط مع جبرئيل ملك لم يطأ الارض قط مع مفاتيح خزائن الارض فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول هذه مفاتيح الارض فان شئت فكن نبيا عبدا وإن شئت فكن نبيا ملكا فقال: بل أكون نبيا عبدا، فإذا سلم من ذهب قوائمه من فضة مركب باللؤلؤ والياقوت يتلالا نورا وأسفله على صخرة بيت المقدس ورأسه في السماء فقال له: اصعد يا محمد، فلما صعد الى السماء رأى شيخا قاعدا تحت شجرة وحوله أطفال فقال جبرئيل (ع): هذا أبوك آدم إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك وفرح وإذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن وبكى، ورأى ملكا باسر (1) الوجه وبيده لوح مكتوب بخط من النور وخط من الظلمة فقال: هذا ملك الموت، ثم رأى ملكا قاعدا على كرسي فلم يرمنه من البشر ما رأى من الملائكة فقال جبرئيل: هذا مالك خازن النار كان طلقا بشرا فلما اطلع على النار لم يضحك بعد فسأله أن يعرض


(1) بسر: عبس وقهر (*).

[ 155 ]

عليه النار فرأى فيها ما رأى، ثم دخل الجنة ورأى ما فيها وسمع صوتا: آمنا برب العالمين، قال: هؤلاء سحرة فرعون، وسمع: لبيك اللهم لبيك، قال: هؤلاء الحجاج وسمع التبكير فقال: هؤلاء الغزاة، وسمع التسبيح قال: هؤلاء الانبياء، فلما بلغ الى سدرة المنتهى فانتهى الى الحجب فقال جبرئيل: تقدم يا رسول الله ليس لي أجوز هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت. أبو بصير قال: سمعته يقول: ان جبرئيل احتمل رسول الله حتى انتهى به الى مكان من السماء ثم تركه فقال له: ما وطأنبي قط مكانك. وروي انه رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة ادريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة الكروبيين، وفي السابعة خلقا والملائكة وفي حديث أبي هريرة: رأيت في السماء السادسة موسى وفي السابعة ابراهيم. ابن عباس: ورأى ملائكة الحجب يقرؤن سورة النور وخزان الكرسي يقرؤن آية الكرسي وحملة العرش يقرؤن حم المؤمن، قال: فلما بلغت قاب قوسين نوديت بالقرب. وفي رواية: انه نودي الف مرة بالدنو وفي كل مرة قضيت لي حاجة ثم قال لي: سل تعط، فقلت: ياب اتخذت ابراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما على بساط الطور واعطيت سليمان ملكا عظيما فماذا اعطيتني ؟ فقال: اتخذت ابراهيم خليلا واتخذتك حبيبا وكلمت موسى تكليما على بساط الطور وكلمتك على بساط النور واعطيت سليمان ملكا فانيا واعطيتك ملكا باقيا في الجنة. وروي انا المحمود وانت محمد شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته انزل الى عبادي فاخبرهم بكرامتي إياك واني لم ابعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وانك رسولي وان عليا وزيرك. وروي انه لما بلغ الى السماء السابعة نودي: يا محمد انك لتمشي في مكان ما مشى عليه بشر فكلمه الله تعالى فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) فقال: نعم يا رب والمؤمنون كل آمن بالله)، فقال الله: (لا يكلف الله نفسا) الآية، فقال: (ربنا لا تؤاخذنا) السورة، فقال: قد فعلت، ثم قال: من خلفت لامتك من بعدك ؟ فقال: الله أعلم، قال: ان علي بن ابي طالب أمير المؤمنين ويقال اعطاه الله في تلك الليلة اربعة رفع عنها علم الخلق: (فكان قاب قوسين)، والمناجاة (فأوحى الى عبده)، والسدرة (إذ يغشى السدرة)، وإمامة علي (ع). وقالوا: المعراج خمسة احرف، فالميم مقام الرسول عند الملك الاعلى، والعين عزة عند شاهد كل نجوى، والراء رفعته عند خالق الورى، والالف انبساطه مع عالم السر واخفى، والجيم جاهه في ملكوت العلى.


[ 156 ]

وروي انه فقده أبو طالب في تلك الليلة فلم يزل يطلبه ووجه الى بني هاشم وهو يقول: يا لها من عظيمة إن لم أر رسول الله الى الفجر، فبينا هو كذلك إذ تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نزل من السماء على باب ام هاني فقال له: انطلق معي، فأدخل بين يديه المسجد فدخل بنو هاشم فسل أبو طالب سيفه عند الحجر ثم قال: اخرجوا ما معكم يا بني هاشم، ثم التلفت الى قريش فقال: والله لو لم أره ما بقيت منكم عين تطرف، فقالت قريش: لقد ركبت منا عظيما. واصبح صلى الله عليه وآله يحدثهم بالمعراج فقيل له: صف لنا بيت المقدس، فجاء جبرئيل بصورة بيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه، فقالوا: أين بيت فلان ومكان كذا ؟ فأجابهم في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل وهو قوله (وما تغن الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). قال الحسن الباخرزي: طلبت وصاله دهرا طويلا * فولدها القضاء وراء ضده فلما غبت عنه وغاب عني * اتاني طارقا من بعد بعده مضت فقضت حوايجنا خبالا * فسبحان الذي اسرى بعبده وقال غيره: عجبت لمن اسرى الاءله ؟ بعبده * من البيت ليلانحو بيت المقدس وقال آخر: دنى فتدلى فاكتسى حلة البها * فقال له سلني فاعطيك ما تشا وقال الخبز أرزي: قلت للبدر لا تغيب وزرني * واسمت الوصل بالرضا لا التجافي قال اني مع العشاء سأتي * فارتقبني ولا تخف من خلافى قلت يا سيدي فهلا نهارا * فهو أعلى لرقبة الايتلاف قال لي لا اريد تغيير رسم * إنما البدر في الظلام يوافي فصل: في هجرته كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم فلقى رهطا من الخزرج فقال: ألا تجلسون احدثكم ؟ قالوا: بلى، فجلسوا إليه فدعاهم الى الله وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله انه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه أحد، فأجابوه وقالوا له: انا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من


[ 157 ]

العداوة والشر مثل ما بينهم وعسى ان يجمع الله بينهم بك فتقدم عليهم وتدعوهم الى امرك وكانوا ستة نفر، قال: فلما قدموا المدينة فاخبروا قومهم بالخبر فما دار حول إلا وفيها حديث رسول الله حتى إذا كان العام المقبل اتى الموسم من الانصار اثنا عشر رجلا فلقوا النبي صلى الله عليه وآله فبايعوه على بيعة النساء ان لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا الى آخرها ثم انصرفوا وبعث معهم مصعب بن عمير يصلي بهم، وكان بينهم بالمدينة يسمى المقري فلم تبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار امية وحطيمة ووابل وهم من الاوس ثم عاد مصعب الى مكة وخرج من خرج من الانصار الى الموسم مع حجاج قومهم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان في ايام التشريق باليل فقال صلى الله عليه وآله: ابايعكم على الاسلام، فقال له بعضهم: نريد ان تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا وما لك علينا وما لنا على الله ؟ قال: اما لله عليكم فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. واما مالي عليكم فتنصروني مثل نساءكم وابناءكم وان تصبروا على عض السيف وان يقتل خياركم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك ما لنا على الله ؟ قال: اما في الدنيا فالظهور على من عاداكم وفى الآخرة الرضوان والجنة. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذى بعثك بالحق لثمنعك بما تمنع به ازرنا (1) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله اهل الحرب واهل الحلفة ورثناها كبارا عن كبار، فقال أبو الهيثم ان بيننا وبين الرجال حبالا وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم اظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا، فتبسم رسول الله ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم (2) احارب من حاربتم واسالم من سالمتم، ثم قال: اخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبا، فاختاروا ثم قال: ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فهم وعلى ان تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم فبايعوه على ذلك. فصرخ الشيطان في العقبة: يا اهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم ثم نفر الناس من منى وفشى الخبر فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، فأما المنذر فأعجز القوم واما سعد فأخذوه وربطوه بنسع (3) رحله وادخلوه مكة يضربونه فبلغ خبره الى جبير بن مطعم والحرث بن


(1) ازرنا أي نسائنا وأهلنا وقيل أراد أنفسنا فقد يكنى عن النفس بالازر. (2) الهدم يروى بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعني اني اقبر حيث تقبرون، وقيل هو المنزل وبالسكون والفتح أيضا اهدار دم الفتيل والمعنى ان طلب دمكم فقد طلب دمي. (3) النسع: بالنون المكسورة سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال يشد به الرحال (*).

[ 158 ]

حرب بن امية فأتياه وخلصاه. وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الاذى والصفح عن الجاهل فطالت قريش علي المسلمين، فلما كثر عتوهم امر بالهجرة فقال صلى الله عليه وآله: ان الله قد جعل لكم دارا واخوانا تأمنون بها فخرجوا ارسالا حتى لم يبق مع النبي إلا علي (ع) وابو بكر فخذرت قريش خروجه وعرفوا انه قد اجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب يتشاورون في امره فتمثل ابليس في صورة شيخ من اهل نجد فقال: أنا ذو رأى حضرت لمؤازرتكم، فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال ابن البخترى: اخرجوه عنكم تستريحوا من اذاه، وقال العاص ابن وايل وامية وابي ابنا خلف: نبني له علما ونترك فرجا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة إليه احد، وقال عتبة وشيبة وابو سفيان: نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ثم نقطع البعير بأطراف الرماح فيوشك ان يقطعه بين الدكادك (1) اربا اربا، فقال أبو جهل ارى لكم ان تعمدوا الى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا (2) ويأتونه بياتا فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل، فقال أبو مرة: اصبت يا ابا الحكم هذا الرأى فلا نعدلن به رأيا، فنزل (وإذ يمكر بك) الآية، فجاء جبرئيل الى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: لانبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه، فدعا عليا (ع) وقال: ان الله تعالى اوحى إلي ان اهجر دار قومي وان انطلق الى غار ثورا تحت ليلتي وانه امرني ان آمرك بالمبيت على مضجعي وان القي عليك شبهي، فقال علي (ع): أو تسلم بمبيتي هناك ؟ فقال صلى الله عليه وآله: نعم، فتبسم علي ضاحكا واهوى الى الارض ساجدا، فكان اول من شكر لله شكرا واول من وضع وجهه على الارض بعد سجدته، فلما رفع رأسه قال له: امض لما امرت فداك سمعي وبصرى وسويداء قلبي، قال: فارقد على فراشي واشتمل برد الحضرمي، ثم اني اخبرك يا علي ان الله تعالى يمتحن اولياءه على قدر ايمانهم ومنازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل وقد امتحنك يابن ام وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله ابراهيم والذبيح اسماعيل فصبرا صبرا فان رحمة الله قريب من المحسنين، ثم ضمه الى صدره، واستتبع رسول الله صلى الله عليه وآله ابا بكر وهند بن ابي هالة و عبد الله بن فهيرة ودليلهم


(1) الدكداك: أرض فيها غلظ، جمعه دكادك. (2) النجد: بالفتح وككتف الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره (*).

[ 159 ]

ار بقطة (1) الليثي فأمرهم بمكان ذكره ولبث هو مع علي يوصيه، ثم خرج في فحمة العشاء، والرصد من قريش قط اطافوا به ينتظرون انتصاف الليل وكان يقرأ: (وجعلنا من بين ايديهم سدا) الآية، وكانت بيده قبضة تراب فرمى بها في رؤسهم ومضى حتى انتهى إليهم فمضوا معه حتى وصلوا الى الغار وانصرف هند و عبد الله، فهجم الكفار على علي (ع) القصة، فركب في طلبه الصعب والذلول، وامهل حتى إذا اغتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند حتى دخلا على النبي في الغار فأمر النبي بأداء أمانته حتى أدى الجميع فكان مقام رسول الله فيه ثلاثا ومبيت علي على فراشه اول ليلة ولما ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصدا لعلي (ع) وكتب إليه يأمره بالمسير إليه على يدى ابي واقد الليثي فتهيأ للهجرة وامر ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ويتحففوا إذا ملا الليل بطن كل واد. وخرج علي (ع) الى ذى طوى بالفواطم وأيمن بن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وغير ذلك، وابو واقد يسوق الرواحل فأعنف بهم فقال: ارفق بالنسوة أبا واقد انهن من الضعايف، قال: اني اخاف ان يدركنا الطلب، فقال: اربع (2) عليك ان النبي قال لي: يا علي انهم لن يصلوا من الآن اليك بأمر تكرهه، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا ويرتجز: وليس إلا الله فارفع ظنكا * يكفيك رب الناس ما اهمكا فلما شارف ضجنان (3) ادركه الطلب بثمانية فوارس فأنزل النسوة واستقبلهم منتضيا سيفه فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت يا غدار انك ناج بالنسوة ارجع لا أبالك، قال: فان لم افعل أترجعون راغمين، ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل جناحا وكان يشد على قومه شد الاسد على فريسته وهو يقول: خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا اعبد غير الواحد فانتشروا عنه فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم (4) بها قدر يومه وليلته. ويروى انه لحق به نفر من المستضعفين فصلى ليلته تلك هو والفواطم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: (الذين يذكرون الله قياما الى قوله: (الانثى) فالذكر علي والانثى فاطمة (بعضكم من بعض) يقول:


(1) قال الفيروز آبادي في مادة الرقطة: و عبد الله بن اريقط دليل النبي في الهجرة. (2) ربع: كمنع وقف وانتظر وتحبس ؟، ومنه قولهم: اربع عليك. (3) جبل قرب مكة وجبل آخر بالبادية. (4) تلوم في الامر تمكث وانتظر (*).

[ 160 ]

علي من الفواطم وهن من علي (فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم) الى قوله: (حسن الثواب)، وتلا رسول الله: (ان الله اشترى) الآية، ثم قال: يا علي انت اول هذه الامة إيمانا بالله ورسوله واولهم هجرة الى الله ورسوله وآخرهم عهدا برسوله لا يحبك والذى نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه بالايمان ولا يبغضك إلا منافق أو كافر. وروي انه كان اصحاب النبي صلى الله عليه وآله يستقبلونه وينصرفون عند الظهيرة فدخلوا يوما فقدم النبي فأول من رآه رجل من اليهود فلما رآه صرخ بأعلى صوته: يا بني قيله (1) هذا جدكم (2) قد جاء، فنزل النبي صلى الله عليه وآله على كلثوم (3) بن هدم، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، وكان قيام علي بعد النبي ثلاث ليال ثم لحق برسول الله فنزل معه على كلثوم، وكان أبو بكر في بيت حبيب بن إساف، فأقام النبي صلى الله عليه وآله بقبا يوم الاثنين والاربعاء والخميس، واسس مسجده وصلى يوم الجمعة في المسجد الذى في بطن الوادي وادى رافوقا، فكانت اول صلاة صلاها بالمدينة، ثم اتاه غسان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة، فقال: خلوا سبيلها فانها مأمورة، يعني ناقته. ثم تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقال كذلك. ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة. ثم اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث ابن الخزرج. فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، فلما بركت ورسول الله لم ينزل وثبتت فسارت غير بعيد ورسول الله واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفت الى خلفها فرجعت الى مبركها اول مرة فبركت ثم تجلجلت ورزمت ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله واحتمل أبو ايوب رحله فوضعه في بيته ونزل النبي في بيت ابي ايوب وسأل عن المربد فأخبر انه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء فأرضاهما معاذ، وامر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد وعمل فيه رسول الله بنفسه فعمل فيه المهاجرون والانصار واخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون، فقال بعضهم:


(1) قيلة ام الاوس والخزرج. (2) أي صاحب جدكم وسلطانكم. (3) كلثوم بن هدم شيخ من بني عمرو من قبيلة الاوس وكان صالحا مكفوف البصر (*). ” مناقب ج 1، م 20 “

[ 161 ]

لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلل والنبي صلى الله عليه وآله يقول: لا عيش إلا عيش الآخرة * اللهم ارحم الانصار والمهاجرة وعلي بن أبي طالب (ع) يقول: لا يستوي من يعمل المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن الغيار حايدا ثم انتقل من بيت أبي أيوب الى مساكنه التي بنيت له. وقيل كان مدة مقامه بالمدينة الى أن بنى المسجد وبيوته من شهر ربيع الاول الى صفر من السنة القابلة. فصل: في غزواته صلى الله عليه وآله لما كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل بقوله: (أذن للذين يقاتلون) الآية، وقلد في عنقه سيفا. وفي رواية: لم يكن له غمد، فقال له: حارب بهذا قومك حتى يقولون لاإله إلا الله. أهل السير: ان جميع ما غزا النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ست وعشرون غزوة على هذا النسق: البواط، العشيرة، بدر الاولى، بدر الكبرى، السويق، ذي إمرة، أحد، نجران، بنو سليم، الاسد، بنو النضير، ذات الرقاع، بدر الآخرة، دومة الجندل، الخندق، بنو قريظة، بنو لحيان، بنو قرد، بنو المصطلق، الحديبية، خيبر، الفتح، حنين، الطايف، تبوك، ويلحق بها بنو قينقاع. قانل ؟ في تسع وهي: بدر الكبرى، وأحد، والخندق، وبني قريظة، وبني المصطلق، وبني لحيان، وخيبر، والفتح، وحنين، والطايف. واما سراياه فست وثلاثون، أو لها سرية حمزة لقى أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين من المهاجرين، وفي ذي القعدة بعث سعد بن أبي وقاص في طلب عير، ثم عبيدة بن الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة الى أبي سفيان فتراموا بالاحياء. ابن اسحاق: وغزا في ربيع الآخر الى قريش وبني ضمرة وكرز بن جابر الفهري حتى بلغ بواط، السنة الثانية في صفر غزاودان حتى بلغ الابواء، وفي ربيع الآخر غزوة العشيرة من بطن ينبع ووادع فيها بني مدلج وضمرة، وأغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فاستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج حتى بلغ وادي سفوان (1). بدر الاولى وحامل لوائه علي (ع)، ثم بعث في آخر رجب


(1) سفوان: بفتح السين والفاء، واد من ناحية بدر (*).

[ 162 ]

عبد الله بن جحش في أصحابه ليرصد قريشا فقتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الجموح الحضرمي وهرب الحكم بن كيسان وعثمان بن عبدالدار وأخوة واستأمن الباقون واستاقوا العير الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، وذلك تحت النخلة فسمى غزوة النخلة فنزل: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) الآية، فأخذ العير وفدى الاسيرين، ثم غزا بدر الكبرى وهو يوم الفرقان، كما في قوله: (أخرجك ربك) السورة، وقوله: (قد كان لكم آية)، وبدر مابين مكة والمدينة. وقال الشعبي والثمالي: بئر منسوبة الى بدر الغفاري، وقال الواقدي: هو اسم الموضع وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله خرج سابع عشر شهر رمضان ويقال ثالثه في ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا في عدة أصحاب طالوت منهم ثمانون راكبا أو سبعون. ويقال سبعة وسبعين راجلا من المهاجرين ومائتي وثلاثين رجلا من الانصار، وكان المقداد فارسا فقط يعتقب النفر على البعير الواحد، وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أبي مرثد الغنوي بعير، ويقال فرس. وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف قاصدا الى أبي سفيان وعتبة بن أبي ربيعة في أربعين من قريش أو سبعين فأخبروا بالنبي صلى الله عليه وآله فأخذوا على الساحل واستصرخوا الى أهل مكة على لسان ضمضم ابن عمرو الغفاري. قال عروة: رأت عاتكة بنت عبد المطلب في منامها راكبا أقبل حتى وقف بالابطح وصرخ: انفروا يا آل عدي الى مصارعكم، ثم نادى على ظاهر الكعبة، ثم نادى على أبي قبيس، ثم أرسل صخرة فارفضت فما بقى في مكة دار إلا دخل منها فلذة. قال ابن قتيبة: خرجوا تسعمائة وخمسين، ويقال ألف ومائتان وخمسون، ويقال ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فارس يقودونها والقيان يضر بن بالدفوف ويتغنين بهجاء المسلمين ولم يكن من قريش بطن إلا خرج منهم ناس إلا من بني زهرة وبني عدي ابن كعب، وأخرج فيهم طالب كرها فلم يوجد في القتلى والاسرى. وشاور النبي أصحابه في لقائهم أو الرجوع ؟ فقال أبو بكر وعمر كلاما فأجلسهما، ثم قال المقداد وسعد بن معاذ كلاما فدعا لهما وسر، ونزل (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) وأصابهم المطر فبعثوا عمير بن وهب الجمحي حتى طاف على عسكر النبي صلى الله عليه وآله فقال نواضح يثرب، فنزل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) فبعث النبي إليهم وقال: يا معشر قريش اني أكره أن أبدأ بكم فخلوني والعرب وارجعوا، فقال عتبة: مارد هذا قوم فأفلحوا، فقال أبو جهل: جبنت وانتفخ سحرك، فلبس عتبة درعه وتقدم هو


[ 163 ]

وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال: يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش فتطاولت الانصار لمبارزتهم فدفعهم وأمر عليا (ع) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن سبعين سنة بالبراز وقال: قاتلوا على حقكم الذى بعث الله به نبيكم إذ جاؤا بباطلهم ليطفؤا نور الله، فلما رأوهم قالوا: أكفاء كرام. فقتل علي الوليد وحمزة عتبة وأصابت فخذ عبيدة ضربة فحمله علي وحمزة الى رسول الله فقال: يا رسول الله ألست شهيدا ؟ قال: بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي، فمات بالصفراء (1). الكلبي وأبو جعفر وأبو عبد الله (ع): كان ابليس في صف المشركين أخذ بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: يا سراق أين أتخذلنا على هذه الحالة ! فقال له: اني أرى مالا ترون، فقال: والله ما نرى إلا جعاسيس (2) يثرب فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس، فلما قدموا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فقالوا انك أتيتنا يوم كذا فحلف لهم، فلما أسلموا علموا ان ذلك كان الشيطان. السدى والكلبي: انهم تثبطوا خوفا من بني بكر فتبدأ لهم ابليس في صورة سراقة بن جشعم المدلجي وقال: أني جار لكم، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه وقال اني برئ، الآية. وقال النبي صلى الله عليه وآله في العريش: اللهم انك ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد اليوم، فنزل (إذ يستغيثون ربكم) فخرج يقول: (سيهزم الجمع) الآية، فأمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكثرهم في أعين المشركين وقلل المشركين في أعينهم، فنزل (وهم بالعدوة القصوى) من الوادي خلف العقنقل والنبي صلى الله عليه وآله بالعدوة الدنيا عند القليب. وقال علي وابن عباس في قوله: (مسمومين) كان عليهم عمايم بيض أرسلوها بين أكتافهم. وقال عروة: كانوا على خيل بلق عليهم عمايم صفر. الحسن وقتادة: كانوا اعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها. ابن عباس: وسمع غفاري في سحابة حمحمة الخيل وقائل يقوم اقدم حيزوم. البخاري: قال النبي: يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب. الحسن: قال رجل: يا رسول الله اني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال صلى الله عليه وآله: ذاك ضرب الملائكة. ابن عباس: لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر وإنما أتوا بالمدد في غيرها. الثعلبي وسماك


(1) موضع مجاور بدر. (2) الجعسوس ؟: القصير الذميم أي الحقير (*).

[ 164 ]

ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (وما رميت إذ رميت) ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي (ع): ناولني كفا من حصباء فناوله فرمى في وجوه القوم فما بقى أحد إلا امتلات عينه من الحصباء، وفي رواية غيره: وأفواههم ومناخرهم. قال أنس رمى بثلاث حصيات في الميمنة والميسرة والقلب. قال ابن عباس: (وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا) يعني وهزم الكفار ليغنم النبي والوصي عليهما السلام، فقتل على خلقا، وقتل حمزة عتبة بن ربيعة والاسود بن عبد الاسود المخزومي وعبيدة بن سعيد بن عامر، وقتل عمار امية بن خلف، وضرب معاذ بن عمرو الجموح الانصاري أبا جهل فصرعه، وقطع ابنه عكرمة يمين معاذ فعاش الى زمن عثمان. وكان الاسرى سبعين، ويقال أربع وأربعون، منهم العباس وعقيل ونوفل وعتبة بن أبي جحدر، ففداهم العباس وأسلموا، وأما عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلهما النبي صلى الله عليه وآله بالصفراء صبرا، ولم يؤسر أحدا من المسلمين، والشهداء كانوا أربعة عشر، وأخذ الفداء من كل مشرك أربعين أوقية ومن العباس مائة، وقالوا: كان أكثر من أربعة آلاف درهم، فنزل عتابا في الفداء والاسرى ما كان لنبي أن يكون له أسرى. وقد كان كتب في اللوح المحفوظ لو لا كتاب من الله سبق، وكان القتال بالسابع عشر من شهر رمضان، وكان لوائه مع مصعب بن عمير، ورأيته مع علي (ع))، ويقال: رأيته مع علي وراية الانصار مع سعد بن عبادة. قال كعب بن مالك: وعدنا أبو سفيان بدرا ولم نجد ؟ * لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لابت ذميما وافتقدت المواليا تركنا به أوصال عتبة وابنه * وثم أبا جهل تركناه ثاويا ولما رجع الى المدينة غزا بعد سبع ليال بني سليم حتى بلغ ماء لهم يقال له الكدر وأقام عليه ثلاث ليال. وفي ذى الحجة غزا غزوة السويق وهو بدر الصغرى ماء لكنانة، وكان موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام. وقيل غزوة السويق لان أبا سفيان كان نذر أن لا يمس رأسه من جنابة حتى يغزوا محمدا صلى الله عليه وآله فخرج في مائة راكب وأتى بني النضير ليلا فلم يفتح له حي بن أخطب ثم أتى الى سلام بن مسلم وساره ثم أتى الى العريض فقتل أنصاريين فتبعهم النبي صلى الله عليه وآله الى قرقرة الكدر فخشى أبو سفيان منه فألقى ما معه من الزاد والسويق فسمعت غزوة


[ 165 ]

السويق ووافق السوق وكانت لهم تجارات، سنة ثلاث في صفر غزوة غطفان، وإنما روي ذي مرة وذلك لما بلغه ان دعثور بن الحارث خرج في أربعمائة رجل وخمسين رجلا ليصيب من أطراف المدينة نزل النبي صلى الله عليه وآله ذا إمرة وعسكر به وأصابهم مطر كثير وبل ثياب النبي فنزعها فنشرها لتجف فقصده دعثور بسيفه، القصة، ثم كانت سرية زيد بن حارثة وتدعى غزوة القردة ماء من مياه نجد لما بعثه الى عير قريش فيها أبو سفيان وقد سلكوا طريق العراق واستأجروا فرات بن حيان فأصابها زيد فهربت قريش وفيها قتل كعب بن الاشرف، وفي يوم السبت النصف من شوال على رأس شهرين من الهجرة غزوة بني قينقاع وهي سوق في نواحي المدينة ابن عباس: نزل قوله (قل للذين كفروا ستغلبون). الواقدي: نزل قوله (فأما تثقفنهم) الآيتان، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله قال لليهود: احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من قوارع الله فاسلموا فانكم قد عرفتم يعني صفتي في كتابكم فجاروه في ذلك فكانت تقع بينهم المشاجرة، فنزل (قد كان لكم آية) الى قوله: (اولي الابصار) فحاصرهم النبي ستة أيام حتى نزلوا على حكمه تركهم بشفاعة عبد الله بن أبي سلول، ونزل في عبد الله وناس من بني الخزرج (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود) الى قوله (نادمين)، وفي شوال غزوة أحد وهو يوم المهراس. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن اسحاق: نزل قوله: (وإذ غدوت من أهلك) وهو المروي عن أبي جعفر (ع). زيد بن وهب (إن الذين تولوا منكم) فقالوا: لم انهزمنا وقد وعدنا بالنصر، فنزل (ولقد صدقكم الله وعده) ابن مسعود والصادق (ع): لما قصد أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش الى النبي صلى الله عليه وآله، ويقال في ألفين منهم مائتا فارس والباقون ركب ولهم سبعمائة درع وهند ترتجز: نحن بنات طارق * نمشي على النمارق والمسك في المفارق * والدر في المخانق وكان استأجر أبو سفيان يوم أحد الفين من الاحابيش يقاتل بهم النبي، قوله: (ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) فرأى النبي أن يقاتل الرجال على أفواه السكك والضعفاء من فوق البيوت فابوا إلا الخروج، فلما صار على الطريق قالوا: نرجع، فقال: ما كان لنبي إذا قصد قوما أن يرجع عنهم، وكانوا الف رجل، ويقال سبعمائة، فانعزل عنهم عبد الله بن أبي بثلث الناس فهمت بنو حارثة


[ 166 ]

وبنو سلمة بالرجوع، وهو قوله (إذ همت طائفتان منكم)، قال الجابي هما به ولم يفعلاه فنزلوا دور بني حارثة، فأصبح وتجاوز يسيرا، وجعل على راية المهاجر بن عليا (ع) وعلى راية الانصار سعد بن عبادة وقعد في راية الانصار وهو لابس درعين وأقام على الشعب عبد الله بن جبير في خمسين من رماة الانصار وقال: لا تبرحوا مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا فانما نوتى من موضعكم، وقام بأزائهم خالد بن الوليد، وصاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة فضربه علي (ع) على مقدم رأسه. وروى الطبري عنه عليه السلام: أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا لئيم لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد * وطاعة رب بالعباد رحيم وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * وأجذبه من عاتق وصميم فما زلت حتى فض ربي جمعهم * وحتى تشفت نفس كل حليم فانكب المسلمون على الغنائم، فترك أصحاب الشعب رئيسهم في اثنى عشر رجلا الغنائم وحمل عليه خالد فقتله، وجاء من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وقال: دونكم هذا الطليق الذي يطلبونه فشأنكم به، فحملوا عليه حملة رجل واحد حتى قتل منهم خلقا وانهزم الباقون في الشعب، وأقبل خالد بخيل المشركين كما قال: إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، ورسول الله يدعوهم في اخراهم: يا أيها الناس إني رسول الله ان الله قد وعدني بالنصر فأين الفرار ؟. وكان النبي صلى الله عليه وآله يرمى ويقول: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون، فرماه ابن قمئة بقذافة فأصاب كفه، ورماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه وضربه عتبة بن ابي وقاص أخو سعد على وجهه فشج رأسه فنزل من فرسه، ونهبه ابن قمئة وقد ضربه على جنبه وصاح ابليس من جبل أحد إلا ان محمدا قد قتل فصاحت فاطمة ووضعت يدها على رأسها وخرجت تصرخ وكل هاشمية وقرشية، القصة، فلما حمله علي (ع) الى أحد نادى العباس، وكان جهوري الصوت فقال: يا أصحاب سورة البقرة أين تفرون الى النار تهربون. وقال وحشي قال لي جبير بن مطعم: ان عليا قتل عمي يوم بدر فان قتلت محمدا أو حمزة أو عليا فأنت حر. وفي مغازي الواقدي: ان هندا رأت وحشيا الحبشي يعدو قبلها فقالت له: إنما ينفذ حكمك علي إذا ثأرت بأبي وأخي وعمي من علي أو حمزة أو محمد، فقال: لا أطمع بمحمد لشوكته ولا في علي لبسالته وبصارته ولعلي اصيب من حمزة غرة


[ 167 ]

فأزرقه، فقالت: إن تقتله فقد أدركت ثاري. وقد كان علم رمي الحراب بالحبشة وكان حمزة يحمل حملاته كالليوث ثم يرجع الى موقفه، فكمن وحشي تحت شجرة قال الصادق (ع): فزرقه وحشي فوق الثدي فسقط وشدوا عليه فقتلوه، فأخذ وحشي الكبد فشدبها الى هند فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغصة فلفظتها ويقال صارت حجرا. ورأى الحليس بن علقمة أبا سفيان وهو يشد الرمح في شدق حمزة فقال: انظروا الى من يزعم انه سيد قريش ما يصنع بعمه الذي صار لحما، وأبو سفيان يقول: ذق يا عقق. وأتت هند وجذعت أنفه واذنه وجعلت في مخنقتها بالذريرة (1) مدة، فوجودا سبعين شهيدا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله حمزة خنقته العبرة وقال: لامثلن بسبعين من قريش فنزل (فان عاقبتم فعاقبوا) فقال صلى الله عليه وآله: بل أصبر، وفيه ضربت يد طلحة فشلت، وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد لله ربي الخالق الصمد * فليس يشركه في حكمه أحد هو الذي عرف الكفار منزلهم * والمؤمنون سيجزيهم بما وعدوا وينصر الله من والاه ان له * نصرا ويمثل بالكفار إذ عندوا قومي وقوالرسول الله واحتسبوا * شم العرانين منهم حمزة الاسد وأنشأ: رأيت المشركين بغوا علينا * ولجوا في الغواية والضلال وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا * غداة الروع بالاسل الطوال فان يبغوا ويفتخروا علينا * بحمزة وهو في الغرف العوالي فقد أودى بعتبة يوم بدر * وقد أبلى وجاهد غير آل وقد غادرت كبشهم جهارا * بحمد الله طلحة في المجال فحر ؟ لوجهه ورفعت عنه * رقيق الحد حودث بالصقال ثم كانت غزوة حمراء الاسد، قوله (الذين استجابوا لله وللرسول) الآية. ذكر الفلكي المفسر عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس وعن أبي رافع: انها نزلت في علي (ع)، وذلك انه نادى يوم الثاني من أحد في المسلمين فأجابوه وتقدم علي براية المهاجرين في سبعين رجلا حتى انتهى الى حمراء الاسد ليرهب العدو وهي سوق على ثلاثة أميال من المدينة ثم رجع الى المدينة يوم الجمعة، وخرج أبو سفيان


(1) نوع من الطيب (*).

[ 168 ]

حتى انتهى الى الروحاء فرأى معبد الخزاعي فقال: ماوراك ؟ فأنشده: كادت تهد من الاصوات راحلتي * إذ سالت الارض بالجرد الابابيل تردى (كذا) باسد كرام لاننابلة * عند اللقاء ولا خرق معاذيل فقال أبو سفيان لركب من عبد القيس: ابلغوا محمدا انى قتلت صناديدكم وأردت الرجعة لاستأصلكم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: حسبنا الله ونعم الوكيل. قال أبو رافع قال ذلك علي فنزل (الذين قال لهم الناس) الآية. ورجع النبي الى المدينة يوم الجمعة ثم كانت غزوة الرجيع ماء لهذيل، وذلك انه قدم على البنى صلى الله عليه وآله من عضل والديش وقالوا: ابعث معنا نفرا يعلموننا القرآن ويفقهوننا في الدين فبعث مرثد بن أبى مرثد الغنوي حليف حمزة في ستة نفر وهم: خالد ابن بكر وعاصم بن ثابت الافلح وجنيب بن عدي وزيد بن دثنه و عبد الله بن طارق فلما بلغوا بطن الرجيع قاتلوا القوم فقالوا: لكم عهد الله وميثاقه ألا نقتنلكم، فلم يزل مرثد وخالد وعاصم يقاتلون حتى قتلوا، وكان عاصم يقول: أبو سليمان رضيع المقصد * ومخبأ من جلد ثور أجلد واما زيد وجنيب و عبد الله أعطوا بأيديهم فخرجوا الى مكة فانتزع عبد الله يده واستأخر عنهم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، واما زيد فابتاعه صفوان بن امية ليقتله بأبيه، واما جنيب فابتاعه حجم بن اهاب التميمي لعقبة بن الحراث ليقتله بأبيه، فلما أحسن قتله قال: ذروني اصلي ركعتين، فتركوه فصلى سجدتين فجرت سنة لمن قتل صبرا ان يصلي ركعتين ثم قال: وذلك في ذات الاءله ؟ ولم يشا * يبارك في أوصال شلو ممزق وبعث محمد بن مسلمة في نفر فقتلهم المشركون إلا محمدا ظنوا انه قتل. سنة أربع كانت غزوة بئر معونة ونزل في شهدائهم الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا. محمد بن اسحاق: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة وأهدى له هدية فقال له: يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك، فقال: فلو بعثت رجالا الى اهل نجد لاجابوك، قال: اخشى عليهم، قال: انا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس الى امرك. فبعث المنذر ابن عمر وأخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين، منهم: الحارث بن الصمة، وحزام بن ملحان، وعروة بن اسماء السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء ” مناقب ج 1، م 21 “


[ 169 ]

الخزاعي وعامر بن فهيرة والمنذر بن عمرو الساعدي. فخرج حزام ابن ملحان بكتاب رسول الله الى عامر بن الطفيل فلم ينظر عامر إليه، فقال حزام: يا أهل بئر معونة اني رسول رسول الله اليكم واني أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله فآمنوا بالله ورسوله، فطعنه رجل، ثم استصرخ عامر بن الطفل بني عامر على المسلمين فليم يجيبوه وقالوا: لن تخفر (1) أبا براء وعقد لهم عقودا وجوارا، فاستصرح عليهم قبائل بني سليم عصية ورعلا وذكوان فأجابوه فخرج حتى غشوا القوم فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد فانهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق، وكان رجلان في سرح القوم فرأيا الطير تحوم حول العسكر فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم والخيل واقفة، فقاتلهم الانصاري حتى قتل، وأخذوا عمرو بن امية أسيرا، فلما أخبرهم انه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه، فقدم عمرو على النبي صلى الله عليه وآله وأخبره الخبر فقال: هذا عمل أبي براء فقال حسان: بني أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوايب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطأ كعمد وقال كعب بن مالك: لقد طارت شعاعا كل وجه * خفارة ما أجار أبو براء فلما بلغ قولهما إليه حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فخر عن فرسه فقال: هذا عمل أبي براء فان مت فدمي لعمي وإن عشت فسأرى فيه الرأي، قال: وأنزل الله في شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه، ثم نسخت ورفعت ونزل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآية. (غزوة بني النضير) مجاهد: في قوله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) الآية، نزلت في بني قريظة وبني النضير، لما دخل النبي المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه، فلما غزا قالوا: والله انه للنبى الذي وجدنا نعته في التوراة فلما هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد، واجتمع كعب بن الاشرف في أربعين وأبو سفيان في أربعين وتعاهدا بين الاستار والكعبة، فنزل جبرئيل بسورة الحشر، فبعث النبي محمد بن مسلمة بقتله فقتله بالليل، ثم قصد صلى الله عليه وآله إليهم وعمد على حصارهم فضرب قبتة في بني حطمة من البطحاء فلما أقبل الليل أصاب القبة سهم


(1) خفر به أي ؟ نقض عهده (*).

[ 170 ]

فحولت القبة الى السفح وحوتها الصحابة، فلما أمسوا فقدوا عليا (ع) فقالوا في ذلك فقال صلى الله عليه وآله: أراه في بعض ما يصلح شأنكم، فلو يلبث أن جاء رأس الرامي وهو غرور اليهودي، وأخذ من النبي عشرة فيهم أبو دجانة وسهل بن حنيف فما لبث أن جاء بتسعة رؤس فطرح في آبارهم، وفي تلك الليلة قتل كعب بن الاشرف، ثم حاصرهم نيفا وعشرين يوما وأمر بقطع نخلات، قوله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها) وهي البويرة في قول حسان: وهان على سراة بني لوي * حريق بالبويرة مستطير ثم أمسك عن قطعها بمقالهم واصطلحوا أن يخرجوا، قوله: (هو الذي أخرج الذين كفروا) فخرجوا الى اذرعات وأريحا وخيبر وحيرة، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا واصطفى أموالهم، وكانت أول صافية قسمها بين المهاجرين الاولين وهم ثلاثة: أبو دجانة وسهل بن حنيف وحارث بن الصمة، وأمر عليا (ع) فحاز للنبي صلى الله عليه وآله فجعله صدقة وكان في يده حال حياته وفي يد علي بعده وهو الذي في أيدي ولد فاطمة عليها السلام الى اليوم. (غزوة بني لحيان) في جمادى الاولى وكان بينهما الرمي بالحجارة وصلى فيها صلاة الخوف بعسفان، ويقال في ذات الرقاع مع غطفان، سميت بذلك لانه جبل يقع فيه حمرة وسواد وبياض، ويقال لان ستة نفر من أصحاب الصفة كانوا حفاة وكانوا يلفون الخرق على أقدامهم من شدة الطريق وتسقط منهم الرقاع والخرق، وكان ذلك بعد النضير بشهرين. قال البخاري: بعد خيبر، ولم يكن حرب سنة خمس في شوال (غزوة الخندق) وهي الاحزاب، قوله (إذ جاؤكم من فوقكم) أي من قبل المشرق (ومن أسفل منكم) أي من المغرب، الى قوله (غرورا) فخرج إليه أبو سفيان بقريش، والحارث بن عوف في بني مرة، ووبرة بن طريف ومسعود بن جبلة في أشجع، وطليحة بن خويلد الاسدي في بني أسد، وعيينة بن حصن الفزاري في غطفان وبني فزارة، وقيس بن غيلان وأبو الاعور السلمي في بني سليم، ومن اليهود حي بن أخطب، وكنانة بن الربيع وسلام بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوالي ؟ في رجالهم، فكانوا ثمانية عشر الف رجل، والمسلمون في ثلاثة آلاف، فلما سمع النبي باجتماعهم استشار أصحابه فاجتمعوا على المقام بالمدينة وحرظهم على اتقائها، وأشار سلمان بالخندق فأقاموا بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا مرامات، فلما رأى النبي ضعف قومه استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في المصالحة على ثلث ثمار المدينة


[ 171 ]

لعيينة بن حصن والحارث بن عوف فأبيا، فقال صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى لن يخذل نبيه ولن يسلمه حتى ينجز له ما وعده، فقام صلى الله عليه وآله يدعوهم الى الجهاد ويعدهم النصر. وكان الكفار على الخمر والغناء والمدد والشوكة والمسلمون كأن على رؤسهم الطير لمكان عمرو، والنبي جاث على ركبتيه باسط يديه باكية عيناه ينادي بأشجى صوت: يا صريخ المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وكربي فقد ترى حالي. عبد الله بن أوفى: ودعا عليهم وقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب، فابتدر للبراز عمرو بن عبدود وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وضرار بن أبي الخطاب ومرداس الفهري. قال الواقدي: ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، حتى وقفوا على الخندق وقالوا: والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، فقال عمرو: يا لك من مكيدة ما أنكرك * لابد للملهوب من أن يعبرك ثم زعق على فرسه في مضيق فقفز به الى السبخة بين الخندق وسلع. قال الطبري فخرج علي (ع) في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة وسلمها إليهم، ثم بارز عمروا وقتله، فبعث المشركون الى النبي صلى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف، فقال النبي: هو لكم لا نأكل ثمن الموتى. ابن اسحاق: قتل فيه ستة من المسلمين وثلاثة من المشركين، فنزل: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود) السورة. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله حذيفة ليأتيه بخبرهم قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفيت وخمدت، وأقبل جند الله الاعظم ريح شديد فيها الحصى فما ترك لهم نارا إلا أخمدها ولا خباء إلا طرحها ولا رمحا إلا ألقاها حتى جعلوا يتترسون من الحصى وكنت أسمع وقع الحصى في الترسه فصاحوا النجاء النجاء وذهبوا. أبو الحسين المدايني: لما نعي الى خنساء قالت: من الذي اجترى عليه ؟ قالوا: على، قالت: قتل الابطال وبارز الاقران وكانت منيته على يد كريم قومه ما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر تم أنشأت: لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الابد لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد وروي عن اختيه كبشة وعمرة وعن ابنته ام كلثوم: أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المذاذ مخاتل ومقاتل


[ 172 ]

وكلاهما حضرا القراع حفيظة * لم يثنه من ذاك شغل شاغل فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل فالثار عندي يا علي وليتني * أدركته والعقل منى كامل ذلت قريش بعد مقتل فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل ثم قالت: والله لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب. (بنو قريظة) وانزل (الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) الى قوله (قديرا) كانت في ذى القعدة وكانوا نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وآله. الزهري وعروة: لما دخل النبي المدينة وجعلت فاطمة (ع) تغسل رأسه إذ قال له جبرئيل: رحمك ربك وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء مازلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء، فقال النبي: لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، وسأل صلى الله عليه وآله: هل مربكم الفارس آنفا ؟ قالوا: نعم، فقالوا: مر بنادحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال صلى الله عليه وآله: ليس ذلك بدحية ولكنه جبرئيل ارسل الى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، ثم قدم عليا (ع) وقال: سر على بركة الله فان الله قد وعدكم أرضهم وديارهم ومعه المهاجرون وبنو النجار وبنو الاشهل وجعل يسرب إليه الرجال، فلما رأوا عليا قالوا: أقبل عليكم قاتل عمرو، فقال علي: الحمد لله الذي أظهر الاسلام وقمع الشرك، فحاصرهم النبي خمسا وعشرين ليلة، فقال كعب بن أسد: يا معشر اليهود نبايع هذا الرجل وقد تبين انه نبي مرسل، قالوا: لا، قال: فنقتل أبناءنا ونساءنا وتخرج ؟ إليه مصلتين، قالوا: لا، قال: فنثب عليه وهو يأمن علينا لانها ليلة السبت، قالوا: لا، فاتفقوا على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ. وكان سعد أصاب أكحله نبلة في الاحزاب فقال: اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لحربهم وإن كنت دفعتها فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بنى قريظة. قال الصادق (ع): فحكم فيهم – يعني سعدا – بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الاموال وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الانصار، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبعة أوقعة، وفيه يقول الحميري قال الجوار من الكثير بمنزل * يجري لديه كنيسة المتنسب فقضى بما رضي الاءله ؟ لهم به * بالقتل والحرب المسلل المحرب قتل الكهول وكل مرء منهم * وسقى عقايل بدنا كالربرب وقضى عقارهم لكل مهاجر * دون الاولى نصروا ولم يتهيب


[ 173 ]

فقتل منهم اربعمائة وخمسين رجلا وقسم الاموال واسترق الذراري وحبسوا الاسرى في دار من دور بني النجار، فخرج النبي صلى الله عليه وآله الى موضع هو السوق اليوم، فخندق فيها خنادقا وأمر بهم فأخرجوا ارسالا، وكانوا سبعمائة رجل، فقتل علي عشرا وقتل الزبير عشرا وقل رجل من الصحابة إلا قتل رجلا أو رجلين. الواقدي: وكانت بنانة أرسلت الى خلال بن سويد بن ثعلبة حجرا فأمر النبي بقتلها ولم يقتل فيه من المسلمين غير الخلال، واصطفى النبي عمرة، ثم بعث صلى الله عليه وآله عبد الله بن عتيك الى خيبر فقتل أبا رافع بن أبى الحقيق. (بنو المصطلق) من خزاعة وهو المربسيع (1)، غزاهم علي (ع) في شعبان ورأسهم الحارث بن أبي ضرار واصيب يومئذ ناس من بنى عبد المطلب فقتل علي مالكا وابنه، فأصاب النبي صلى الله عليه وآله سبيا كثيرا وكان سبى علي جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار فاصطفاها النبي فجاء أبوها الى النبي بفداء ابنته فسأله النبي عن جملين خبأهما في شعب كذا، فقال الرجل: أشهد أن لاإله إلا الله وانك لرسول الله والله ما عرفهما أحد سواي، ثم قال: يا رسول الله ان ابنتى لا نسبي انها امراة كريمة، قال: فاذهب فخيرها، قال: قد أحسنت وأجملت، وجاء إليها أبوها فقال لها: يا بنية لا تفضحي قومك فقالت: قد اخترت الله ورسوله، فدعا عليها أبوها فأعتقها رسول الله وجعلها في جملة أزواجه، فلما سمع القوم ذلك أرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها. وفي هذه الغزاة نزلت (ان الذين جاؤا بالافك) وفيها قال عبيد الله بن أبي: لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل. سنة ست في ربيع الاول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلا الى العمرة فهربوا واصاب مائتي بعير، وفيها بعث أبا عبيدة بن الجراح الى القصة في أربعين رجلا فأغار عليهم وفيها سرية زيد بن حارثة الى الجموم من أرض بني سليم فأصابوا ووصلوا الى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا واصاب منهم عشرين بعيرا. وغزوة زيد الى العيص في جمادى الاولى. وغزوة بنى قرد، وذلك ان ناسا من الاعراب قدموا وساقوا الابل فخرج إليهم رسول الله وقدم أبا قتادة الانصاري مع جماعة فاسترددها منهم قال حسان: أظن عتيبة إذ زارها * بأن سوف يهدم منها قصورا


(1) الريسيع: (مصغر مرسوع) ماء أو بئر لخزاعة (*).

[ 174 ]

فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للاسد فيها زئيرا وبعث محمد بن مسلمة الى قوم من هوازن فكمن القوم لهم وأفلت محمد وقتل أصحابه. ذات السلاسل وهو حصن، وذلك ان أعرابيا جاء الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ان لي نصيحة، قال: وما نصيحتك ؟ قال: اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرة على أن يبيتوك بها، القصة. وفيها غزوة علي بن أبي طالب الى بنى عبد الله بن سعد من أهل فدك، وذلك انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ان لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل في شعبان، وسرية العرنيين الذين قتلوا راعي النبي واستاقوا الابل وكانوا عشرين فارسا، وفيها اخذت أموال أبي العاص بن الربيع وقد خرج تاجرا الى الشام ومعه بضائع قريش فلقيته سرية لرسول الله واستاقوا عيره وافلت، وفيها غزوة الغاية. ثم اعتمر عمرة الحديبية في ألف ونيف رجل وسبعين بدنة، فهمت قريش في صده وبعثوا إليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد وصدوا الهدى فبعث النبي عثمان إليهم يرى انه معتمر، فلما أبطأ أخذ صلى الله عليه وآله البيعة تحت شجرة السمرة على أن لا يفروا قال الزهري: فلما صار بذي الحليفة قلد النبي الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة، فلما بلغ غدير الاشطاط عند عسفان أتاه عتبة الخزاعي فقال: ان كعب بن لوي وعامر بن لوي جمعوا لك الجموع وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال (ع): روحوا فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق، قال صلى الله عليه وآله: ان خالد بن الوليد بالغميم طليعة فخذوا ذات اليمين وسار حتى إذا كان بالثنية بركت ناقته فقال: ما حلات القصوى ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والله لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد القصة، فأتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكان عيبة نصح رسول الله وقال كما قال الغير فقال النبي صلى الله عليه وآله: انا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، في كلام له بين الصلح والحرب، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فأتى قريشا وقال: ان هذا الرجل يقول كذا وكذا، فقال عروة بن مسعود الثقفي: انه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقالوا: ائته، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسمع منه مثل مقالته لبديل ورأى تعظيم الصحابة له صلى الله عليه وآله، فلما رجع قال: أي قوم والله لقد وفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا


[ 175 ]

يقتتلون على وضوئه ويتبادرون لامره ويخفضون أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوه، فقال رجل من بني كنانة: آته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابثعوها، فبعثت له واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت الحرام ثم جاء مكرز بن حفص فجعل يكلم النبي إذ جاء سهيل ابن عمرو فقال صلى الله عليه وآله: قد سهل عليكم أمركم، فجلس وضرع الى النبي في الصلح، ونزل عليه الوحي بالاجابة الى ذلك وأن يكتب علي (ع)، فقال النبي صلى الله عليه وآله اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، القصة، ثم كتب: باسمك اللهم، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس سبع سنين يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، ويأمن المجتازين من الفريقين، وان العهد بيننا عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال ولا اغلال، وانه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وعلى أن لا يستكره أحد على دينه، وعلى أن يعبد الله بمكة علانية وعلى ان محمدا ينحر الهدى مكانه وعلى أن يخليها له في قابل ثلاثة ايام فيدخلها بسلاح الراكب ويخرج قريشا كلها من مكة إلا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد وأصحابه، ومن لحق محمدا وأصحابه من قريش فان محمدا يرده عليهم، ومن رجع من أصحابه الى قريش فلا يردون إليه. فقال المسلمون في ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من جاءهم منافأ بعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا. إذ جاء أبو جندل بن سهل بن عمرو يرسف في قيوده فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أفاوضك عليه أن ترده، فقال صلى الله عليه وآله: انا لم نقض بالكتاب بعد، قال: والله لا أصالحك على شئ أبدا، فقال النبي: فأجره لي، قال: ما أنا بمجيره لك، قال مكرز: بلى أجرناه، فقال النبي: انه ليس عليه بأس إنما يرجع الى أبيه وأمه فاني أريد أن أتم لقريش شرطها، فقال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت، القصة، فنزل (إنا فتحنا لك) فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله بدنة وأمر بحلق شعره. قال الصادق (ع): فما انقضت تلك المدة حتى كاد الاسلام يستولي على أهل مكة ولما رجع صلى الله عليه وآله الى المدينة انفلت أبو بصير بن اسيد بن حارثة الثقفي من المشركين فبعث الاخنس بن شريق في اثره رجلين فقتل أحدهما فأتى النبي مسلما مهاجرا فقال صلى الله عليه وآله مسعر حرب لو كان معه واحد، ثم قال: شأنك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت، فخرج أبو بصير وتبعه خمسة نفر أيضا حتى كانوا بين العيص وذى المروة


[ 176 ]

من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا أسلموا فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار واسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها، وأخذوا عيرا فيها أبو العاص صهر النبي صلى الله عليه وآله فخلوا سبيله ولم يقتلوا أحدا منهم، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب الى النبي بتضرعون إليه أن يبعث إليهم، فتقدموا عليه وقالوا من خرج منا اليك فامسكه غير حرج. سنة سبع، قال الواقدي: فتح خيبر في المحرم، لما دنى النبي صلى الله عليه وآله منها رفع يديه وقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، ولما رأت أهل خيبر عمل علي (ع) قال ابن أبي الحقيق للنبي صلى الله عليه وآله انزل فأكلمك، (قال: نعم، فنزل وصالح النبي على حقن دماء من في حصونهم ويخرجون منها بثوب واحد. (فدك) فلما سمع أهل فدك قصتهم بعثوا محيصة بن مسعود الى النبي صلى الله عليه وآله يسألونه أن يسترهم بأثواب، فلما نزلوا سألوا النبي أن يعاملهم الاموال على النصف فصالحهم على ذلك وكذلك فعل بأهل خيبر. وفيها غزوة بني خزيمة وقد كانوا ادعوا الاسلام فرد ما أخذ منهم وضمن دية قتلاهم. وفيها غزوة قتلى نجد ؟، ثم بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا الى البشير بن رزام اليهودي لما جمع غطفان، وبعث غالب بن عبد الله الكلبي الى ارض من بنى مرة، وبعث عيينة بن حصين البدري الى بني العنبر، وفى ذى القعدة اعتمر عمرة القضاء في جمع الحديبية ودخل مكة وطاف بالبيت على بعيره وبيده محجن و عبد الله بن رواحة أخذ بخطامه ويقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله قد نزل الرحمن في تنزيله * نضربكم ضربا على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * يا رب اني مؤمن بقيله فأقام بها ثلاثة أيام. سنة ثمان في جمادى الاولى، (وقعة مؤتة) وهم ثلاثة آلاف في كتاب ابان قال الصادق (ع): انه استعمل عليهم جعفرا فان قتل فزيد فان قتل فابن رواحة، ثم خرجوا حتى نزلوا معان فبلغهم ان هرقل قد نزل بمأرب في مائة الف من الروم ” المناقب ج 1، م 22 “


[ 177 ]

ومائة الف من المستغربة، فانجازوا ؟ الى ارض يقال لها المشارف ونسبت السيوف المشرفية إليها لانها طبعت لسليمان بن داود (ع) بها، فاختلفوا في القتال أو في اخبار النبي (ص) بكثرتهم، فقال ابن رواحة: ما نقاتل الناس بكثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ثم انحازوا الى مؤتة. وفى البخاري: نعى النبي جعفرا وزيدا وابن رواحة قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان. زيد بن أرقم: حارب جعفر على أشقره حتى عقر وهو اول من عقر فرسه في الاسلام فخارب راجلا حتى قتل. فضيل بن يسار عن الباقر (ع) قال: اصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة خمس وعشرون منها في وجهه. محمد بن جرير: لما سقطت الراية اخذها رجل بالقربة لا بالامرة، فأخذها منه خالد ابن الوليد وجاء عبد الرحمن بن سمرة الى النبي بالخبر. محمد بن اسحاق: لما أقبل اهل مؤنة تلقاهم النبي صلى الله عليه وآله فجعلت الصحابة يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرار فررتم عن سبيل الله، فقال صلى الله عليه وآله: ليسوا بفرار ولكنهم الكرار. (غزوة الفتح) لليلتين مضتا من شهر رمضان، وقيل لثلاث عشرة خلت منه، وذلك انه خرج في نحو من عشرة آلاف رجل واربعمائة فارس، وكان نزل (لتدخلن المسجد الحرام)، ثم نزل (إذا جاء نصر الله)، ونزل (انا فتحنا لك) واستصرخته خزاعة، فأجمع على المسير إليها وقال: اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها وكان المؤتمن على هذا السر علي (ع) ثم نماه الى جماعة من بعد. قال ابان: لما انتهى الخبر الى أبي سفيان وهو بالشام مشاجرة كنانة وخزاعة أقبل حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد احقن دماء قومك واحرس قريشا وزدنا في المدة، قال: غدرتم يا ابا سفيان. فلقى الشيخين فلم يوجرا فدخل على ام حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فطوته فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني ! قالت: نعم هذا فراش رسول الله ما كنت لتجلس عليه وانت رجس مشرك، ثم استجار فاطمة والسبطين فلم يجب، فقال لعلي (ع): أنت أمس القوم بي رحما وقد التبست علي فانصح لي، قال: انت شيخ قريش فقم فاستجر بين الناس ثم الحق بأهلك، قال: فترى ذلك نافعي ؟ قال: لا ادري، فقال: ايها الناس اني استجرت بكم، ثم ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش فقالوا: ماوراك ؟ فقص عليهم فقالوا: فهل أجاز محمد


[ 178 ]

مقال علي ؟ قال: لا، قالوا: لعب بك الرجل. ثم سار صلى الله عليه وآله حتى نزل مر الظهران فخرج في تلك الليلة أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبرا. وقد كان العباس يتلقى النبي صلى الله عليه وآله ومعه أبو سفيان بن الحارث و عبد الله بن امية وقد تلقاه بثنية العقاب والنبى في فتية، فدخل العباس عليه وقال: بأبي انت وامي هذا ابن عمك قد جاء تائبا وابن عمتك، قال: لا حاجة لي فيهما ان ابن عمي انتهك عرضي واما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا، وقالت ام سلمة فيهما، فنادى أبو سفيان كن لنا كما قال العبد الصالح: لا تثريب عليكم اليوم، فدعا لهما وقبل منهما. وقال العباس هو والله هلاك قريش إن دخلها عنوة، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وآله البيضاء ليطلب الخطابة أو صاحب لين يأمره ان يأتي قريشا فيركبون إليه ويستأمنون إليه، إذ سمع ابا سفيان يقول لبديل وحكيم: ما هذه النيران ؟ قال: هذه خزاعة، قال: خزاعة أقل من هذه فلعل هذه تميم أو ربيعة، فعرف العباس صوت ابي سفيان وناداه وعرفه الحال، قال: فما الحيلة ؟ قال: تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله ففعل فكال يجتاز على نار بعد نار فانتهى الى عمر فسبقهما الى النبي صلى الله عليه وآله وقال: هذا أبو سفيان قد امكنك الله منه بغير عهد فدعني أضرب عنقه، فقال العباس: يا رسول الله أبو سفيان وقد أجرته، قال: ادخله فدخل فقام بين يديه فقال: ويحك يا ابا سفيان أما آن لك ان تشهد ان لا إله إلا الله واني رسول الله فتلجلج لسانه وعلي يقصده بسيفه والنبى محدق بعلي، فقال العباس: يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد الشهادتين، فأسلم اضطرارا، فقال له النبي: عند من تكون الليلة ؟ قال: عند ابي الفضل فسلمه إليه، فلما اصبح سمع بلالا يؤذن قال: ما هذا المنادي ؟ ورأى النبي صلى الله عليه وآله وهو يتوضأ وأيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات فقال: تالله ان رأيت كاليوم كسرى وقيصر، فلما صلى النبي قال: يا رسول الله اني احب ان تأذن لي ان اذهب الى قومي فأنذرهم وأدعوهم الى الحق، فأذن له، فقال العباس: ان ابا سفيان رجل يحب الفخر فلو خصصته بمعروف، فقال صلى الله عليه وآله: من دخل دار ابي سفيان فهو آمن، ثم قال: ومن اغلق بابه فهو آمن، فلما ذهب أبو سفيان قال النبي للعباس: ادركه واحبسه في مضايق الوادي حتى تمر به جنود الله، فرأى خالد بن الوليد في المقدمة، والزبير في جهينة، وأشجع وابا عبيدة في أسلم ومزينة، والنبى صلى الله عليه وآله في الانصار، وسعد ابن عبادة في يده راية النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا ابا حنظلة


[ 179 ]

اليوم يوم الملحمه * اليوم تسبى الحرمه يا معشر الاوس والخزرج ثاركم يوم الجبل. فأتى العباس الى النبي صلى الله عليه وآله واخبره بمقالة سعد، فقال صلى الله عليه وآله: ليس بما قال سعد شئ، ثم قال لعلي: ادرك سعدا فخذ الراية منه وادخلها ادخالا رفيقا، فقال سعد: لولاك لما اخذت مني، وقال أبو سفيان يا ابا الفضل ان ابن اخيك قد كنف ملكا عظيما، فقال العباس: ويحك هذه نبوة، واقبل أبو سفيان من اسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا: ما وراك وما هذا الغبار ؟ قال: محمد في خلق، ثم صاح: يا آل غالب البيوت البيوت من دخل داري فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث قبح من وافد قوم وطليعة قوم، قال: ويلك اني رأيت ذات القرون ورأيت فارس ابناء الكرام ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمون آخر النهار ويلك اسكتي فقد والله جاء الحق وذهبت البلية. وكان قد عهد النبي صلى الله عليه وآله ان لا يقتلوا فيها إلا من قاتلهم سوى عشرة: الجويرة ابن نفيل بن كعب، ومقيس بن ضبابة، وقرينة المغنية – قتلهم أمير المؤمنين (ع)، و عبد الله بن حنظل – قتله عمار، أو بريدة أو سعيد بن خبيب المخزومي، وصفوان ابن امية – هرب الى جدة فاستأمنه عبد الله بن وهب وانفذ إليه عمامة النبي صلى الله عليه وآله واسلم، وعكرمة بن ابي جهل – هرب الى اليمن وأسلم، و عبد الله بن ابي سرح عرف أمير المؤمنين انه في دار عثمان، فأتى عثمان الى النبي شافعا فشفع، فلما انصرف قال النبي في قتله، فقال سعد بن عبادة: ولو رمزت ؟ فقال النبي: لارمز من النبي وسارة مولاة بني عبد المطلب وجدت قتيله، وهند دخلت دار ابي سفيان، فتكلم أبو سفيان في بيعة النساء وعاونته ام الفضل وقرأت (يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات) فقبل منهن البيعة، وقرينا (كذا) انفلتت واستومن لها فرمحها فرس في الابطح في إمارة عمر. قال أبو هريرة: رأى النبي اوباش قريش فأمر بحصدهم فقتلنا منهم عددا وانهزم الباقون، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من اسفل مكة وأخطأ والطريق فقتلوا. بشير بن النبال: مرفوعا، قال النبي: عند من المفتاح ؟ قالوا: عند ام شيبة، فدعا شيبة فقال: اذهب الى امك فقل لها ترسل بالمفتاح، قالت له: قتلت مقاتلينا وتريد ان تأخذ منا مكرمتنا ! فقال: لترسلن به أو لاقتلنك، فوضعته في يد الغلام فأخذه. ودعا عمر وقال: هذا تأويل رؤياي، ثم قام ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر


[ 180 ]

ثم دعا الغلام فبسط رداءه وجعل فيه المفتاح وقال: رده الى امك. وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الاحزاب وحده. وكانت صناديد قريش يظنون ان السيف لا يرفع عنهم فأنبهم، ثم قال: ألا ان كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فانها موضوعة تحت قدمي إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فانهما مردودتان الى أهليهما ألا ان مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة الى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ثم قال: ألا بئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فدخلوا في الاسلام وأذن بلال على الكعبة فكره عكرمة، وقال خالد بن الاسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتاب من هذا اليوم، وقال سهيل بن عمرو كلاما، وقال الحرث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا ! فقال أبو سفيان: اني لا أقول شيئا والله لو نطقت لظننت ان هذه الجدر تخبر به محمدا. وبعث صلوات الله عليه إليهم فأخبرهم بما قالوا، فاستغفر عتاب وأسلم وولاه النبي مكة. وكان فيها ثلاثمائة وستون صنما بعضها مشدودا ببعض بالرصاص، فأنفذ أبو سفيان من ليلته مناة الى الحبشة ومنها الى الهند فهيأوا لها دارا من مغناطيس فتعلقت في الهواء الى أيام محمود سبكتكين، فلما غزاها أخذها وكسرها ونقلها الى اصفهان وجعلت تحت مارة الطريق، فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي اعطني كفا من الحصى، الخبر. ثم بعث النبي بمعرو بن أمية الى بني الذيل وبعبد الله بن سهيل الى بني محارب وبخالد بن الوليد الى بني جذيمة بن عامر وكانوا بالغميصاء فشن عليهم بعد العهد فأسر منهم فتبرأ النبي صلى الله عليه وآله من فعله. (حنين) في شوال لما أمر النبي صلى الله عليه وآله عتاب بن اسيد على مكة فات الحج من فساد هوازن في وادي حنين فخرج صلى الله عليه وآله في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه وكان النبي استعار من صفوان بن أمية مائة درع وهو رئيس جشم فعابهم أبو بكر لعجبه بهم فقال: لن نغلب اليوم عن قلة، فنزلت (ويوم حنين إذ أعجبتكم) الآية. وأقبل مالك بن عوف النضري فيمن معه من قبائل قيس وثقيف، وسمع عبد الله ابن أبي جدرم – عين رسول الله صلى الله عليه وآله – ابن عوف يقول: يا معشر هوازن انكم احد العرب وأعدهم وان هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد.


[ 181 ]

قال الصادق (ع): كان مع هوازن دريد بن الصمة خرجوا به شيخا كبيرا يتيمنون به، فلما نزلوا باوطاس قال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس مالي أسمع روغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة وخوار البقر، فقال لابن عوف في ذلك فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله فيقاتل عنهم، قال: ويحك لم تصنع شيئا قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل وهل يزد وجه المنهزم شئ انها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال: حرب عوان ياليتني فيها جذع أخب فيها واضع، قال: انك كبرت وذهب علمك. قال جابر: كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه فما راعنا إلا كتائب الرجال، فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة وانهزم من وراءهم وبقى علي ومعه الراية، فقال مالك بن عوف: أروني محمدا، فأروه إياه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيدة وهو ابن أم أيمن فالتقيا فقتله مالك. قال الشاعر: وثوى أيمن الامين من القوم * شهيدا فاعتاض قرة عين فقال النبي صلى الله عليه وآله للعباس وكان جهوريا: ناد في القوم وذكرهم العهد – يعني قوله (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) فنادى: يا أهل بيعة الشجرة الى أين تفرون ؟ اذكروا العهد، والقوم على وجوههم، وذلك في أول ليلة من شوال، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله الى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر ليلة البدر، وكان علي بين الشعبين حتى لم يبق فيهما مقتول وعاونه بعض الانصار، فقام النبي في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم وقال: الآن حمى الوطيس أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب وما زال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالكف. الصادق (ع): سبى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين أربعة آلاف راس واثنى عشر الف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنائم. قال الزهري: ستة آلاف من الذراري والنساء ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى. (حرب اوطاس وخثعم وثقيف) فأخذت ثقيف الى الطائف والاعراب الى اوطاس، فبعث النبي صلى الله عليه وآله أبا عامر الاشعري الى اوطاس فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية أبو موسى الاشعري وهو ابن عمه ففتح عليه، وبعث أبا سفيان الى ثقيف


[ 182 ]

فضربوه على وجهه فانهزم وتعلل، ثم سار النبي صلى الله عليه وآله بنفسه الى الطائف فحاصرهم أياما، ثم أنفذ عليا (ع) في خيل فبرز شهاب بن عبيس فقام إليه علي فوثب أبو العاص ابن الربيع وزوج بنت النبي فقال: أنا كفؤه أيها الامير، فقال: لا ولكن إن قتلت فأنت على الناس، فبرز إليه علي (ع) فقتله ومضى حتى كسر الاصنام، فلما انصرف الى النبي صلى الله عليه وآله ناجاه، القصة. قال محمد بن اسحاق: كان حاصرهم ثلاثين ليلة فنزل منهم أبو بكرة والمبيعث وفدان في جماعة وأسلموا، فلما قدم وفد الطائف قالوا: رد علينا رقيقنا الذين أتوك، فقال: اولئك عتقاء الله. سنة تسع في رجب نزل: (انفروا خفافا وثقالا) الآية، فخطب صلى الله عليه وآله ورغب في المواساة لجيش العسرة، فأنفق العباس وعثمان و عبد الرحمن وطلحة والزبير وغيرهم فنزل: واستفرز ليعلم سائر الصحابة بشدة القيظ وقلة الماء واتساق الامر بلا قتال، فقصد نحو الروم الى مدينة تبوك، وقيل هو من البوك لانهم كانوا يبوكون الارض للماء حتى ان بعضهم كان يقتل فرسه ويمص أحشاه، واستخلف عليا (ع) في أهله وقال: يا علي ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وذلك لشفقته عليها من أعدائها، ونصه عليه بالقيام بعده، فعظم ذلك إلا على الانصار، فضرب النبي صلى الله عليه وآله عسكره فوق ثنية الوداع فأبطأ أكثرهم فنزل: (ألا تنفروا يعذبكم)، فسار حتى نزل الجرف فرجع عبد الله بن أبي بغير إذن، فقال: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم) الآية، ويقال انه حلف للتعذر فنزل: (سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم)، واستأذنه بعض بني غفار في التأخر فنزل: (وجاء المعذرون) الى قوله: (كاذبين)، واستأذنه جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما من المنافقين وكانوا ثمانين رجلا، وكان جد بن قيس أظهر شبقة بالنساء فنزل (ومنهم من يقول ائذن لي) وقال منافق لصحبه: لا تنفروا في الحر، فنزل: (قل نار جهنم أشد حرا) وقال آخر: انه اغتر بحرب العرب وليس الرووم كذلك، فنزل: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض). وأتاه البكاؤن وهم: معقل بن يسار وصخر بن خنسا و عبد الله بن كعب وعلية بن زيد وسالم بن عمير وثعلبة بن عتمة و عبد الله بن معقل وسألوا دوابا أو بغالا أو خفافا فلم يجد فانصرفوا وهم يبكون، فنزل: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم). وقال الزهري: نزل في تخلف عبد الله بن كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة


[ 183 ]

ابن ربيعة وعلى الثلاثة الذين خلفوا. وكان النبي صلى الله عليه وآله نهي عن مكالمتهم حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت (ثم وليتم مدبرين)، فلما انتهى الى الجرف لحقه علي (ع) وأخذ بغرر رحله وقال: يا رسول الله زعمت قريش إنما خلفتني استثقالا ومقتا، فقال صلى الله عليه وآله: طال ما آذت الامم أنبياءها أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ الخبر، فقال: قد رضيت قد رضيت، وقال: ارجع يا أخي الى مكانك وانه لابد للمدينة مني أو منك وأنفذ معه الضعفاء والمرضى لقوله: (ليس على الضعفاء)، وأخر أبو ذر انتظار ناقته فمشى راجلا بزاده وسلاحه، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله في بعض المنازل ان راجلا يتبعنا فقال هو أبو ذر رحم الله أبا ذر يعيش وحده، الخبر، فوصل الى تبوك في شعبان يوم الثلاثاء وظهر النفاق في هذه السنة. قال الخركوشي: كانوا ينوفون على ثلاثين الفا. قال الواقدي: منهم عشرة آلاف فارس فأقام ثلاثة عشر يوما فأتاه الرئيس وهو نجية بن رؤبه فأعطاه الجزية وقبل للمستقبل، فكتب النبي كتابا وهو عندهم، وكتب أيضا لاهل جربا واذرح، وبعث سعد بن عبادة الى اناس من بني سليم وجموع من بلى (1) فلما قاربهم هربوا، وبعث خالدا في ثلاثمائة رجل ثم عبد الرحمن ابن عوف مع سبعمائة رجلا الى الاكيدر وصاحب دومة الجندل، وجاء به الى النبي في ثمانمائة رأس وألفي بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخمسمائة سيف فصالحه النبي صلى الله عليه وآله، وبعث أبا عبيدة وزنباع بن روح الجذامي الى جمع من جذام فأصاب منهم وكان آخر غزواته صلى الله عليه وآله. فصل: في اللطائف إن كان لآدم سجود الملائكة مرة فلمحمد صلوات الله عليه والملائكة والناس أجمعين كل ساعة الى يوم القيامة، وإن كان آدم قبلة الملائكة فقد جعله الله امام الانبياء ليلة المعراج فصار امام آدم، وإن خلق آدم من طين فانه خلق من النور قوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين)، وإن كان آدم أول الخلق فقد صار محمد قبله، قوله: ان الله خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألف سنة، وإن كان آدم أبو البشر فمحمد سيد النذر قوله صلى الله عليه وآله: آدم ومن دونه تحت لواي يوم


(1) كرضى قبيلة معروفة.

[ 184 ]

القيامة، وإن كان آدم أول الانبياء فنبوة محمد أقدم منه قوله: كنت نبيا وآدم منخول في طينته، وإن عجزت الملائكة عن آدم فأعطى القرآن الذي عجز عنه الاولون والآخرون، وإن قيل لآدم فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فقال له ليغفر لك الله، وإن دخل آدم في الجنة فقد عرج به الى قاب قوسين أو أدنى. (ادريس (ع)) قوله: (ورفعناه مكانا عليا) أي السماء، وللنبي صلى الله عليه وآله: (ورفعنا لك ذكرك)، وناجى ادريس ربه، ونادى الله محمدا) فأوحى الى عبده ما أوحى) وأطعم ادريس بعد وفاته، وقد أطعمه الله في حال حياته قوله: اني لست كأحدكم اني أبيت عند ربي ويطعمني ويستقيني. (نوح (ع)) جرت له السفينة على الماء وهي تجري للكافر والمؤمن ولمحمد جرى الحجر على الماء، وذلك انه كان على شفير غدير ووراء الغدير تل عظيم فقال عكرمة ابن أبي جهل يا محمد ان كنت نبيا فادع من صخور ذلك التل حتى يخوض الماء فيعبر فدعا بالصخرة فجعلت تأتي على وجه الماء حتى مثلت بين يديه فأمرها بالرجوع فرجعت كما جاءت، واجيبت دعوته على قومه لا تذر على الارض فهطلت له السماء بالعقوبة واجيبت لمحمد بالرحمة حيث قال: حوالينا ولا علينا، فنوح رسول العقوبة، ومحمد رسول الرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة)، دعا نوح لنفسه ولنفر يسير رب اغفر لي ولوالدي، ومحمد دعا لامته من ولد منهم ومن لم يولد واعف عنا، وقال له: (وجعلنا ذريته هم الباقين) وقال لمحمد (ذرية بعضها من بعض)، كانت سفينته سبب النجاة في الدنيا، وذرية محمد سبب النجاة في العقبى قوله: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح الخبر، وقال نوح: ان ابني من أهلي، فقيل له: انه ليس من أهلك، ومحمد لما أعلنت من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ولم ينظر إليهم بعين المقت. قال حسان: وان كان نوح نجا سالما * على الفلك بالقوم لما نجا فان النبي نجا سالما * الى الغار في الليل لما دجى (هود (ع)) انتصر من أعدائه بالريح قوله: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم)، ومحمد نصره الله يوم الاحزاب والخندق بالريح والملائكة قوله: (بجنود لم تروها) فزاد الله محمدا على هود بثلاثة آلاف ملك، وفضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط وريح محمد ريح رحمة قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائتكم) الآية، وصبر هود في ذات الله وأعذر قومه إذ كذب، والنبي صلى الله عليه وآله صبر في ذات الله (مناقب ج 1، م 23)


[ 185 ]

وأعذر قومه إذ كذب وشرد وحصب بالحصاة وعلاه أبو جهل بسلاشاة فأوحى الله الى جاجائيل ملك الجبال أن شق الجبال وانته الى أمر محمد، فأتاه فقال له: قد امرت لك بالطاعة فان أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال: إنما بعث رحمة اهد قومي فانهم لا يعلمون. (صالح (ع)) خرجت لصالح ناقة عشراء من بين صخرة صماء، وأخرج لنبينا رجل من وسط الجبل يدعوا له ويقولك اللهم ارفع له ذكرا اللهم أوجب له أجرا اللهم احطط عنه وزرا، وعقر ناقته وعقر أولاد محمد. قال أبو القاسم البارع: لناقة صالح نادت اناس * وقد خسروا على قتل الحسين وكان صالح ينذر قومه فقيل له: يا صالح ائتنا بعذاب الله، ومحمد نبي الرحمة قوله (وما أرسناك إلا رحمة)، والناقة لم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، وقد تكلمت مع النبي صلى الله عليه وآله نوق كثيرة. قال الحميري: بعث الاءله ؟ الى ثمود صالحا * منه بنور سلامة لا يشكل قالو اله اخرج لنا من صخرة * عشراء نحلبها إذا ما تنزل فتصدعت عن ناقة فتنوا بها * وقضاء ربك ليس عنه مرحل في حفل درتها لقاح خلفها * سقب ويقدمها هناك وينزل لما رأوها حافلا حفوا بها * ودعوا بأوعية وقالوا احملوا حتى عتوا فتمردوا وسطوابها * بطرا فأسرع في شواها المنصل خضبوا فراسنها بقان معجل * فرغا هنالك بكرها فاستوصلوا قبل الصباح بصيحة أخذتهم * بعد الرقاد سرى إليهم منهل (لوط (ع)). قال حسان بن ثابت: وإن كان لوط دعا ربه * على القوم فاستؤصلوا بالبلا فان النبي ببدر دعا * على المشركين بسيف الفنا فناداه جبريل من فوقه * بلبيك لبيك سل ماتشا (ابراهيم (ع)) نظر من الملك الى الملكوت (وكذلك نري ابراهيم)، والحبيب نظر من الملك الى الملك (ألم تر الى ربك كيف مد الظل)، الخيل طالب قال: (اني ذاهب الى ربي) والحبيب مطلوب (أسرى بعبده ليلا)، قال الخليل: (والذى أطمع أن يغفر لي) وقيل للحبيب: (ليغفر لك الله)، وقال الخليل: (ولا تحزني) وللحبيب (يوم لا يخزي الله)، وقال الخليل وسط النار: (حسبى الله) وقيل للحبيب


[ 186 ]

(يا أيها النبي حسبك الله)، قال الخليل: (واجعل لي لسان صدق) وقيل للحبيب: (ورفعنا لك ذكرك)، قال الخليل: (وأرنا مناسكنا) وقيل للحبيب: (لنريه)، قال الخليل: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وللحبيب: (وللآخرة خير لك)، الخليل: (والذي هو يطعمني) وللحبيب: (أطعمهم من جوع) لاجلك، الخليل بخل على أعدائه بالرزق وارزق أهله من الثمرات، والحبيب سخابها على الاعداء حتى عوتب (ولا تبسطها كل البسط)، الخليل: أقسم بالله وتالله لاكيدن اصنامكم، واقسم الله بالحبيب (لعمرك انهم)، واتخذ مقام الخليل قبلة (واتخذوا من مقام ابراهيم) وجعل احوال الحبيب وافعاله واقواله قبلة (لقد كان لكم في رسول الله اسوة)، الخليل كسر اصنام قومه غضبا لله، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما وأذل من عبدها بالسيف، اصطفى الخليل بعد الابتلاء (ولقد اصطفيناه) واصطفى الحبيب قبل الابتلاء (الله يصطفي)، الخليل بذل ماله لاجل الجليل، وخلق الجليل العالم لاجل الحبيب، مقام الخليل مقام الخدمة (واتخذوا من مقام ابراهيم)، ومقام الحبيب مقام الشفاعة (عسى أن يبعثك) والشفيع افضل من الخادم، الخليل طلب ابتداء الوصلة (قال هذا ربي) والحبيب طلب بقاء الوصلة (وامرت ان اكون من المسلمين) والبقاء أفضل من الابتداء، صير الله حر النار على الخليل بردا وسلاما، وصير السم في جوفه سلاما حين سمته الخيبرية، ثم سخر له نار جهنم التي كانت نار الدنيا كلها جزءا منها، كان الخليل مناديا بالحج والقربان (وأذن في الناس بالحج) والحبيب مناديا بالاسلام والايمان مناديا للايمان (أن آمنوا بربكم)، قال للخليل: (أو لم تؤمن) وقال للحبيب: (آمن الرسول)، قال الخليل: (فانهم عدو لي) وقال للحبيب: لولاك لما خلقت الافلاك، وقيل للخليل (وفديناه بذبح عظيم) والحبيب فدي أبوه عبد الله بمائه ناقة، وبارك في اولاد الخليل حتى عفوا فأمر داود في ايامه باحصائهم فعجزوا عن ذلك فأوحى الله تعالى إليه: لما اطاعني بذبح ولده كثرت ذريته، والحبيب لما ابتلى ايضا بذبح ابنه الحسين كثرت اولاده، وصل الخليل الى الجليل بالواسطة (وكذلك نري ابراهيم) ووصل الحبيب بلا واسطة (ثم دنى فتدلى)، اراد الخليل رضاء الملك في رفع الكعبة (وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت) واراد الله القبلة في رضاء الحبيب (فلنو لينك قبلة ترضها)، كان الابتلاء للخليل أولا والاجتباء آخرا (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات) والحبيب ابتداؤه بشارة (ليظهر على الدين)، سأل الخليل (واجنبني وبني ان نعبد الاصنام) وقال


[ 187 ]

للحبيب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس)، الخليل: من يخاله، والحبيب من تخاله فلا جرم (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، الخليل: المريد، والحبيب: المراد، الخليل: عطشان، والحبيب: ريان. قال صاحب العين: مخرج الحاء أقصى من مخرج الخاء بدرجة فان الخاء من الحلق والحاء من الفؤاء فإذا ذكرت الخليل لم تملا فاك لانه من الحلق وإذا ذكرت الحبيب ملات فاك وقلبك لانه من الفؤاد. قالوا: أظهر الله الخليل ولم يظهر الحبيب، الجواب: انه أظهر المحبة لمتبعيه فكيف المتبوع قوله: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله). (يعقوب (ع))) كان له اثنا عشر ابنا، ومحمد صلى الله عليه وآله كان له اثنى عشر وصيا، وجعل الاسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته والهداية في ذريته قوله (ووهبنا له اسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب)، ومحمد أرفع ذكرا من ذلك جعلت فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من ذريته وأتاه الكتاب المحفوظ لا يبدل ولا يغير، وصبر يعقوب على فراق ولده حتى كاد يحرض، وصبر محمد على وفاة ابراهيم وعلى ما علم من فحوى ما يجري على ذريته. (يوسف (ع)) ان كان له جمال، فلمحمد ملاحة وكمال قوله صلى الله عليه وآله: كان يوسف أحسن ولكنني أملح، وإن كان يوسف في الليل نوارنيا، فمحمد في الدنيا والعقبى نوراني ففي الدنيا يهدي الله لنوره وفي العقبى (انظرونا نقتبس)، يوسف دعا لمالك بن زعر ليكثر ماله وولده، قال النبي: ستدرك ولدا لي يسمى الباقر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، وقال لانس: اللهم أطل عمره وأكثر ماله وولده فبقى الى أيام عمر بن عبد العزيز وله عشرون من الذكور وثمانون من الاناث وكانت شجراته كل حول ذوات ثمرتين، صبر يوسف في الجب والحبس والفرقة والمعصية، ومحمد قاسى من كثرة الغربة والفرقة وحبس في الشعب ثلاث سنين وفي الغار ثلاث ليال، وكان ليوسف رؤياه، ولمحمد صلى الله عليه وآله لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام. (موسى (ع)) أعطاه الله اثنتا عشرة عينا قوله: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) ومحمد أمر البراء بن عازب يغرس سهمه يوم المبضاة بالحديبية في قليب جافة (فتفجرت اثنتا عشرة عينا) حتى كفت ثمانية آلاف رجل، وكان لموسى انفجار الماء من الحجر، ولمحمد انفجار الماء من بين أصابعه وهذا أعجب، وأنزل الله لموسى


[ 188 ]

عمودا من السماء يضئ لهم ليلتهم ويرتفع نهارهم، ورسول الله أعطى بعض أصحابه عصى تضئ أمامه وبين يديه وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا فكان العرجون يضئ أمامه عشرا قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) قال ابن عباس والضحاك: اليد، والعصا، والحجر، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. يروى ان النبي صلى الله عليه وآله استتر للوضوء في بعض أسفاره الى الشام فأحاط به اليهود بالسيوف فأثار الله من تحت رجله جراد فاحترشتهم وجعلت تأكلهم حتى أتت على جميعهم وكانوا مائتي نفر. وقال صلى الله عليه وآله: ان بين الركن والصفا قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع والقمل. وتبعه قوم يوما خاليا فنظر أحدهم الى ثياب نفسه وفيها قمل ثم جعل بدنه يحكه فأنف من أصحابه وانسل وأبصر آخر وآخر مثل ذلك حتى وجد كلهم من نفسه ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى ذلك عليهم فماتوا كلهم من خمسة أيام الى شهرين وهم جماعة بقتله فخرجوا نحو المدينة من مكة فسلط الله على مزاودهم ورواياهم وسطايحهم الجرذان فخرقتها ونقبتها وسالت مياهها، فلما عطشوا شعروا فرجعوا القهقرى الى الحياض التي كانوا تزودوا منها تلك المياه وإذا الجرذان قد سبقتهم إليها فنقبت اصولها فسال في الحرة مياهها فتماوتوا ولم ينفك منهم إلا واحد لا يزال يقول يا رب محمد وآل محمد قد تبت من أذاه ففرج عني بجاه محمد وآل محمد فوردت عليه قافلة فسقوه وحملوه وأمتعه القوم بالنبي صلى الله عليه وآله فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله له تلك الجمال والاموال. واحتجم النبي مرة فدع الدم الخارج منه الى أبي سعيد الخدري وقال: غيبه، فذهب فشربه، فقال: ما ذا صنعت به ؟ قال: شربته، قال: أو لم أقل لك غيبه ! فقال: قد غيبته في وعاء حريز، فقال: إياك أن تعود لمثل هذا ثم اعلم ان الله قد حرم لحمك على النار ودمك لما اختلط بلحمي ودمي. واستهزأ به أربعون نفرا من المنافقين فقال صلى الله عليه وآله: أما ان الله يعذبهم بالدم، فلحقهم الرعاف الدائم وسيلان دماء من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط بدمائهم فبقوا كذلك أربعين صباحا ثم هلكوا. قوله: (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء). واعطي أفضل منه وهو ان نورا كان عن يمينه حيث ما جلس، وكان يراه الناس كلهم وقد بقى ذلك النور الى قيام الساعة، وكان يحب أن يأتيه الحسنان فيناديهما هلما إلي فيقبلان نحوه من البعد قد


[ 189 ]

بلغهما صوته فيقول بسبابته هكذا يخرجهما من الباب فتضئ لهما أحسن من ضوء القمر والشمس فيأتيان ثم تعود الاصبع كما كانت وتفعل في انصرافهما مثل ذلك قوله: (وان الق عصاك). وله ما روي ان الزبير بن العوام انكسر سيفه في بعض الغزوات فأخذ البني صلى الله عليه وآله خشبته فمسحها من جانبيها فصارت سيفا أجود ما يكون وأضربها فكان يقاتل به. وان الله تعالى قلب جذوع سقوف يهود نازعوه أفاعي وهي أكثر من مائة جذع وقصدت نحوهم والتقمت متابع بيتهم فمات منهم أربعة وخبل جماعة وأسلم آخرون وقالوا: اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته وعلي الذي ارتضيته وأوليائهما الذين من سلم لهم أمرهم اجتبيته فانشر الله الاربعة قوله (فاضرب بعصاك البحر) قال أمير المؤمنين عليه السلام: خرجنا معه – بعني النبي صلى الله عليه وآله – الى خيبر فإذا نحن بواد يشخب فقدرناه فإذا هو اربعة عشرة قامة فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا كما قال اصحاب موسى انا لمدركون، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: اللهم انك جعلت لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك وركب فعبرت الخيل لا تندى حوافرها والابل لا تندى اخفافها فرجعنا فكان فتحها. وفي رواية أنس انه مطرت السماء ثلاثة أيام ولياليها بوادي الخزاز فقالوا: يا رسول الله هول عظيم ! فقال: أيها الناس اتبعوني وكنت آخر الناس ولقد رأيت الماء ما بل أخفاف الابل. قوله: (ولقد أخذنا فرعون بالسنين)، وروي ان النبي صلى الله عليه وآله قال: اللهم العن رعلا وذكوان اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف، ففي الخبر ان الرجل كان منهم يلحق صاحبه فلا يمكنه الدنو فإذا دنى منه لا يبصره من شدة دخان الجوع وكان يجلب إليهم من كل ناحية فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به الى بيوتهم حتى يتسوس وينتن فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ونبشوا القبور وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها وأكلت المرأة طفلها وكان الدخان متراكما بين السماء والارض وذلك قوله: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم)، فقال أبو سفيان ورؤساء قريش: يا محمد أتأمرنا بصلة الرحم ؟ فادرك قومك فقد هلكوا، فدعا لهم، وذلك قوله: (ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون) فقال الله تعالى: (انا كاشفوا العذاب قليلا انكم عائدون) فعاد إليهم الخصب والدعة وهو قوله: (فليعبدوا رب هذا البيت). انتقم الله لموسى من فرعون، وانتقم لمحمد من الفراعنة (سيهزم الجمع ويولون


[ 190 ]

الدبر)، كان لموسى عصا ولمحمد ذو الفقار، خلف موسى هارون في قومه وخلف محمد عليا في قومه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكان لموسى اثنا عشر نقيبا ولمحمد اثنى عشر إماما، كان لموسى انفلاق البحر في الارض فانفلق فكان كل فرق ولمحمد انشقاق القمر في السماء وذلك أعجب (اقتربت الساعة وانشق القمر)، العصا بلغت البحر فانفلق (فاضرب بعصاك البحر) وأشار بالاصبع الى القمر فانشق، وقال موسى: (رب اشرح لي صدري) وقال الله له: (ألم نشرح لك صدرك)، وقال لموسى وهارون: (وقولا له قولا لينا) وقال لمحمد: (واغلظ عليهم ولا تطع كل حلاف)، وأعطى الله موسى المن والسلوى وأحل الغنائم لمحمد ولامته ولم يحل لاحد قبله، وقال في حق موسى: (وظللنا عليهم الغمام) يعني في التيه، والنبي صلى الله عليه وآله كان يسير الغمام فوقه، وكلم الله موسى تكليما على طور سيناء، وناجى الله محمدا عند سدرة المنتهى، وكان واسطة بين الحق وبين موسى ولم يكن بين محمد وربه أحد (فأوحى الى عبده)، وليس من مشى برجليه كمن اسرى بسره، وليس من ناداه كمن ناجاه، ومن نودي من بعد كمن نوجي من قرب، ولم يكلم موسي إلا بعد اربعين ليلة، ومحمد كان نائما في بيت ام هاني فعرج به، ومعراج موسى بعد الموعود ومعراج محمد بلا وعد، واختار موسى قومه سبعين رجلا واختير محمد وهو فريد، ولم يحتمل موسى ما رآه (فخر موسى صعقا) واحتمل محمد ذلك (لقد راى من آيات ربه)، معراج موسى نهارا ومعراج محمد ليلا، معراج موسى على الارض ومعراج محمد فوق السماوات السبع، اخبر مبا جرى بينه وبين موسى، وكتم ما جرى بينه وبين محمد (فأوحى الى عبده ما اوحى)، قوله: (ولما جاء موسى لميقاتنا) كأنه جاء من عند فرعون، (لقد جاءكم رسول) كأنه جاء من عند الله، وقال لموسى: (واوحينا الى موسى واخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا) وأخرج النبي صلى الله عليه وآله من مسجده ما خلا العترة، وفي هذا تبيان قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قال حسان: لئن كلم الله موسى على * شريف من الطور يوم الندا فان النبي أبا قاسم * حبي بالرسالة فوق السما وقد صار بالقرب من ربه * على قاب قوسين لما دنا وإن فجر الماء موسى لهم * عيونا من الصخر ضرب العصا فمن كف أحمد قد فجرت * عيون من الماء يوم الظلما


[ 191 ]

وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزارة يوم الملا فان الوزارة قد نالها * علي بلا شك يوم الفدا وقال كعب بن مالك الانصاري: فان يك موسى كلم الله جهرة * على جبل الطور المنيف المعظم فقد كلم الله النبي محمدا * على الموضع الاعلى الرفيع المسوم (داود (ع)) كان له سلسلة الحكومة ليميز ؟ الحق من الباطل، ولمحمد القرآن (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وليست السلسلة كالكتاب والسلسلة قد فنيت والقرآن بقى الى آخر الدهر. وكان له النغمة، ولمحمد الحلاوة (وإذا سمعوا ما انزل الى الرسول). وكان له ثلاثون الف حرس، وكان حارس محمد صلى الله عليه وآله هو الله تعالى (والله يعصمك من الناس). وسبحت له الوحوش والطيور والجبال، فالله تعالى وملائكته يشهدون بمحمد وكفى بالله شهيدا (محمد رسول الله). وقال له: (ألنا له الحديد)، وألان قلب محمد بالرحمة والشفاعة (فيما رحمة من الله لنت لهم) وألان لهم الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، وكان يحلب الشاة المجهودة ويمسح ضرعها فيحلب منها كيف شاء. وسخر له الجبال فكن يسبحن، وأخذ النبي صلى الله عليه وآله أحجارا فأمسكها فسبحن في كفه. وله الطير محشورة كل له أواب، ولمحمد البراق. وقال له: (وشددنا ملكه)، وشدد ملك محمد حتى نسخ بشريعته سائر الشرائع. وقال لداود: (لا تتبع الهوى)، وقال لمحمد: (ما ضل صاحبكم)، قال حسان: وإن كان داود قد أوبت * جبال لديه وطيرا الهوا ففي كف أحمد قد سبحت * بتقديس ربي صغار الحصى سليمان (ع): سخرت له الريح غدوها شهر ورواحها شهر يقال انه غدا من العراق وقال (1) بمرو وأمسى ببلخ، واكرم محمدا بالبراق خطوته مد البصر. وقال (علمنا منطق الطير)، وروي ان الحمرة فجعت بأحد ولدها فجاءت الى النبي صلى الله عليه وآله وجعلت تدف على رأس رسول الله فقال: أيكم فجع هذه ؟ فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضها، فقال النبي: ارددها، ومنه كلام البعير والعجل والظبي والشاة والذئب والضب. وسخرت له الجن والشياطين، وقال للنبي: (قل اوحي إلي انه استمع نفر من الجن)، وقوله: (وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن) وهم التسعة من اشراف


(1) قال: من القيلولة.

[ 192 ]

الجن بنصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر منهم: شصاه، ومصاه، والهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاه، وهاضب، وعمرو، وبايعوه على العبادات واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا. وسليمان كان يصفدهم ؟ لعصيانهم، ونبينا أتوه طائعين راغبين. وسأل سليمان ملك دنيا (رب هب لي ملكا)، وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود (ولسوف يعطيك ربك فترضى). وقال لسليمان: (امنن أو امسك بغير حساب)، وقال لنبينا: (ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا) قال حسان بن ثابت: وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا فشهر غدو به رابيا * وشهر رواح به إن يشا فان النبي سرى ليلة * من المسجدين الى المرتقى وقال كعب بن مالك: وإن تك نمل البر بالوهم كلمت * سليمان ذالملك الذي ليس بالعمى فهذا نبي الله أحمد سبحت * صغار الحصى في كفه بالترنم (يحيى (ع)) قال الله تعالى له: (وآتيناه الحكم صبيا) وكان في عصر لاجاهلية فيه، ومحمد اوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الاوثان وحزب الشيطان. وكان يحيى أعبد اهل زمانه وازهدهم، ومحمد أزهد الحلائق وأعبدهم حتى قيل (طه ما أنزلنا). قال حسان بن ثابت: وان كان يحيى بكت عينه * صغيرا وطهره في الصبى فان النبي بكى قائما * حزينا على الرجل خوف الرجا فناداه طه أبا قاسم * ولا تشق بالوحي لما أتى (عيسى (ع)) وابرئ الاكمه والابرص ونبينا أتاه معاذ بن عفر فقال: يا رسول الله اني قد تزوجت وقالوا للزوجة ان بجنبى بياضا فكرهت ان تزف إلي، فقال: اكشف لي عن جنبك، فكشف له عن جنبه فمسحه بعود فذهب ما به من البرص، ولقد أتاه من جهينة اجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه فأخذ قدحا من ماء فتفل فيه ثم قال: امسح به جسدك ففعل فبرأ، وبرأ صاحب السلعة. وأتته امرأة فقالت: يا رسول الله ان ابني قد اشرف على حياض الموت كلما اتيته (مناقب ج 1، م 24)


[ 193 ]

بطعام وقع عليه التثاؤب فقام وقمنا معه، فلما اتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا. واتاه رجل وبه ادرة عظيمة فقال: هذه الادرة تمنعني من التطهير والوضوء، فدعا بماء فبرك فيه ودعا وتفل فيه ثم امره ان يفيض عليه، ففعل الرجل واغفى إغفاءة وانتبه فإذا هي قد تقلصت وجاءت امرأة ومعها عكة سمن وأقط ومعها ابنة لها فقالت يا رسول الله ولدت هذه كمهاء، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عودا فمسح به عينيها فأبصرتا ومنه حديث قتادة بن ربعي ومحمد بن مسلمة و عبد الله بن انيس قوله: واحيي الموتى باذن الله. قال الكلبى: كان عيسى يحيي الاموات بياحي يا قيوم. وقيل انه أحيى اربعة انفس وهم: عاذر، وابن العجوز، وابنة العاشر، وسام بن نوح. قال الرضا (ع): لقد اجتمعت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه ان يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن ابي طالب (ع) فقال: اذهب الى الجنانة فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويافلان يقول لكم رسول الله قوموا باذن الله، فقاموا ينفضون التراب عن رؤسهم، فأقبلت قريس تسألهم عن امورهم ثم اخبروهم ان محمدا صلى الله عليه وآله قد بعث نبيا فقالوا وددنا انا ادركناه فنؤمن به. واحيى صلى الله عليه وآله النفر الذين قتلوا يوم بدر فخاطبهم وكلمهم وعيرهم بكفرهم قوله: وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون، ومحمد كان ينبئ بأشياء كثيرة. منها قصة خاطب ابن ابي بلتعة وانفاد كتابه الى مكة، ومنها قصة عباس وسبب إسلامه، ابن جريح في قوله (ويعلمه الكتاب والحكمة) ان الله تعالى اعطى عيسى تسعة اشياء من الحظ والسائر الناس جزءا، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: أو تيت القرآن ومثليه. وانشد: وإن كان من مات يحيى لكم * يناديه عيسى برب العلى فان الذراع لقد سمها * يهود لاحمد يوم القرى فنادته اني مسمومة * فلا تقربني وقيت الاذى


[ 194 ]

فصل: في التكت ؟ والاشارات اختير من اسمائه اثنا عشر اسما، اسمان عبارة: المزمل والمدثر، واسمان اشارة: المذكر والمنذر، واسمان اشارة: البشير والنذير، واسمان كرامة: النبي والرسول، واسمان كناية: طه ويس، واسمان علامة: محمد واحمد. واختير ايضا اربع: الاول – الشمس لان من ايام عيسى الى ايامه كان العالم ظلمانيا من الكفر فبلغ شريعته شرقا وغربا اشرق من الشمس. والثاني – النجم وهو هداية على البلاد والنبى هداية الى الرشاد. والثالث – السراج فالبيت الظلماني يضئ بنوره فكذلك محبته تنور القلب وتوقد من سراج الف سراج ولا تنتقص وكذلك استنار العالم من نور ولم تنقص منه والضال في الظلمة يهدى به ويأمن اهل الدار. والرابع – طه قيل: الطاء طوله والهاء هدايته. الحسن وقتادة قالا: طاء ابتداء اسمه طاهر، هاء اسمه هادي فوضع في ابتداء السورة حرفان من اسمائه حتى إذا قلت طه جرى على لسانك اسمان من اسمائه. وقالوا: الطاء تسعة والهاء خمسة فجعلها اربعة عشر كالبدر والبدر إذا طلع تشرق الدنيا وتسمى الليالي البيض، والنبي اشرقت به قلوب المؤمنين ووجوههم يوم تبيض وجوه وقالت الانصار: طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع وسماه ؟ النبي في ثلاثة عشر موضعا: (يا أيها النبي حسبك الله)، (يا أيها النبي حرض المؤمنين)، (يا أيها النبي قل لمن في ايديكم)، (يا أيها النبي جاهد الكفار)، (يا أيها النبي اتق الله)، (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن)، (يا أيها النبي انا جعلناك)، (يا أيها النبي انا ارسلناك)، (يا أيها النبي انا احللنا لك)، (يا أيها النبي إذا جائك المؤمنات)، (يا أيها النبي لم تحرم)، (يا أيها النبي قل لازواجك)، (يا أيها النبي إذا طلقتم). وقد مدح الله لاثنى عشر من الانبياء باثنى عشر نوعا من الطاعة: مدح اسحاق ويعقوب بالطاعة (ووهبنا له اسحاق ويعقوب) ولعيسى بالزهادة قيل له لو اتخذت منزلا أو اشتريت دابة فقال ما قال، ولسليمان بالسخاء وكان يطعم كل يوم سبعمائة جريب من الحواري


[ 195 ]

وهو يأكل الحسكل، ولابراهيم بالرحمة (ان ابراهيم لحليم أواه منيب) وفيه قصة المجوس الذين أسلموا من ضيافته، لنوح بالصلابة (رب لا تذرني فردا)، وايضا من موسى وهارون (ربنا انك آتيت فرعون)، فبالغ نبينا صلى الله عليه وآله في هذه الخصال حتى نهاه عن ذلك. الاستغفار (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم)، المجاهدة (ولا تعجل بالقران)، العبادة (طه ما انزلنا)، الزهد (لم تحرم ما احل الله لك) وفيه حديث مارية، وعرض عليه مفاتيح الدنيا فأبى، السخاء (ولا تجعل يدك مغلولة)، الرحمة (واغلظ عليهم) وقال (فلعلك باخع نفسك). الصلابة (لست عليهم بمسيطر) (يا أيها النبي جاهد الكفار) وفيه قصة ابن مكتوم، الانذار (نبئ عبادي اني أنا الغفور الرحيم)، عيب آلهتهم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله). وانه تعالى اقسم لاجله بخمسة عشر قسما: بهدايته (والنجم إذا هوى)، برسالته (يس والقرآن الحكيم)، بولي عهده (والعاديات ضبحا)، بمعراجه (لتركبن طبقا عن طبق)، بشريعته (والعصر ان الانسان لفي خسر)، بكتابه (ق والقرآن المجيد)، بخلقه (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)، بخلقه (ن والقلم)، بزيادة نوافله (طه ما انزلنا)، بطهارته (فلا اقسم بما تبصرون)، ببلده (لا اقسم بهذا البلد) بمحبته (والضحى والليل)، بتهديد مؤذيه (كلا لئن لم ينته)، بعقوبة اعدائه (كلا انهم عن ربهم يومئذ)، بعمره (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون)، ومن شدة فرط المحبة ان يحلف بعمر حبيبه. وكل ما سأل الانبياء من الله تعالى اعطاه بلا سؤال: آدم (وإن لم تغفر لنا) وله (ليغفر لك الله)، نوح (لا تذر على الارض) وله (انا كفيناك المستهزئين)، ابراهيم (ولا تحزني يوم يبعثون) وله (يوم لا يخزي الله النبي)، شعيب (ربنا افتح بيننا) وله (انا فتحنا لك)، لوط (رب انصرني على القوم) وله (وينصرك الله)، موسى (قال رب اشرح لي صدري) وله (ألم نشرح لك صدرك)، موسى (اخلفني في قومي) وله (إنما وليكم الله). وكان له اثنان وعشرون خاصية: كان احسن الخلائق (الذي خلقك فسويك) وأجملهم (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) وأطهرهم (طه ما انزلنا) وافضلهم (وكان فضل الله عليك كبيرا) واعزهم (لقد جائكم رسول) واشرفهم (انا ارسلناك) وإظهار المعجزة (قل لئن اجتمعت الانس والجن) واهيب الناس (سنلقي في قلوب الذين كفروا) وأكملهم سعادة (عسى ان يبعثك ربك) وأكرمهم كرامة (سبحان


[ 196 ]

الذي اسرى) واقربهم منزلة (ثم دنى فتدلى) واقواهم نصرة (وينصرك الله نصرا) واصحهم رؤيا (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا) واكملهم رسالة (الله نزل احسن الحديث) واحسنهم دعوة (فبشر عبادي الذين) واعصمهم عصمة (والله يعصمك) وابعدهم صيعا (ورفعنا لك ذكرك) واحسنهم خلقا (وانك لعلى خلق عظيم) وابقاهم ولاية (ليظهره على الدين كله) واعلاهم خاصية (لعمرك) واجلهم خليفة (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) واطهرهم اولاد (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس). وان الله تعالى وضع ثلاثة اشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله: الصلاة (ومن الليل فسبح واطراف النهار)، والشفاعة (ولسوف يعطيك ربك)، والقبلة (فلنولينك قبلة) كقول الناس: من حب فلان لفلان انه إن امره بتحويل القبلة لحولها. واعطى التوراة لموسى، والانجيل لعيسى، والزبور لداود. وقال النبي صلى الله عليه وآله اوتيت السبع الطوال مكان التوراة والمابين (1) مكان الانجيل والمثاني مكان الزبور وفضلني ربى بالفضل. وانه شاركه مع نفسه في عشرة مواضع: (ولله العزة ولرسوله)، (اطيعوا الله واطيعوا الرسول)، (ومن يعص الله ورسوله)، (ان الذين يؤذؤن الله ورسوله)، (استجيبوا لله وللرسول)، (وينصرون الله ورسوله)، (إذا نصحوا لله ولرسوله)، (فاذنوا بحرب من الله ورسوله)، (فآمنوا بالله ورسوله)، (ومن يتول الله ورسوله). ومن جلالة قدره ان الله نسخ بشريعته سائر الشرائع ولم ينسخ شريعته. ونهى الخلق ان يدعوه باسمه (لا تجعلوا دعاه الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) وإنما كان ينبغي ان يدعو له: يا ايها الرسول يا ايها النبي، ولم يأذن بالجهر عليه (يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، وان الله تعالى أرسل سائر الانبياء الى طائفة دون اخرى قوله: (وما أرسلنا من نبي إلا بلسان قومه)، كما قال: (انا أرسلنا نوحا الى قومه). والى عاد أخاهم هودا، والى ثمود أخاهم صالحا قرية واحدة لم تكمل أربعين بيتا، والى مدين أخاهم شعيبا ولم تكمل أربعين بيتا، ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون الى مصر وحدها، وأرسل ابراهيم بكوثى وهى قرية من السواد،


(1) كذا بالاصل.

[ 197 ]

وكان بعده لاسحاق ويعقوب في أرض كنعان، ويوسف في أرض مصر، ويوشع الى بنى اسرائيل في البرية، والياس في الجبال. وارسل نبينا صلى الله عليه وآله الى الناس كافة قوله: (نذيرا للبشر)، والى الجن أيضا قوله: (وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن)، والى الشياطين أيضا قال صلى الله عليه وآله: ان الله أعانني على شيطان حتى أسلم على يدي قوله: (وما أرسلناك إلا كافة)، وقال صلى الله عليه وآله: بعثت الى الاحمر والاسود والابيض، وقال صلى الله عليه وآله: بعثت الى الثقلين. وانه علق خمسة أشياء باتباعه: المحبة (فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، والفلاح (فاتبعوه لعلكم تفلحون)، والهداية (فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى)، والرحمة (فسأكتبها للذين) إلآية. المقام أربعة: مقام الشوق لشعيب حيث بكى من خوف الله، ومقام السلام لابراهيم (إذ جاء ربه بقلب سليم)، ومقام المناجاة لموسى (وقربناه نجيا ؟)، ومقام المحبة للنبي (فكان قاب قوسين). وسمى الله تعالى نوحا شكورا (انه كان عبدا شكورا)، وابراهيم حليما (ان ابراهيم لحليم)، وموسى كليما (وكلم الله موسى تكليما)، وجمع له كما جمع لنفسه فقال: (ان الله بالناس لرؤف رحيم)، وله (بالمؤمنين رؤف رحيم)، قيل هما واحد وقيل: الرؤف شدة الرحمة رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين رؤف بأقربائه رحيم بأصحابه رؤف بعترته رحيم بامته رؤف بمن رآه رحيم بمن لم يره، وانه مدح كل عضو من أعضائه: نفسه (لا يكلف إلا نفسك)، رأسه (يا أيها المدثر)، شعره (والليل إذا سجى)، عينه (ولا تمدن عينيك)، بصره (ما زاغ البصر)، اذنه (ويقولون هو اذن)، لسانه (فانما يسرناه بلسانك)، كلامه (وما ينطق عن الهوى)، وجهه (قد نرى تقلب وجهك)، خده (ولا تصعر خدك)، فؤاده (ما كذب الفؤاد)، قلبه (على قلبك)، صدره (ألم نشرح لك صدرك)، ظهره (الذي أنقض ظهرك) يده (ولا تجعل يدك)، قيامه (حين تقوم)، صوته (فوق صوت النبي)، رجله (طه ما أنزلنا) يعني طأ الارض بقدميك، روحه (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون)، خلقه (وانك لعلى خلق، ثوبه (وثيابك فطهر)، علمه (وعلمك ما لم تكن تعلم)، صلاته (فتهجد به نافلة لك)، صومه (ان لك في النهار)، كتابه (وانه لكتاب عزيز)، دينه (دينهم الذي ارتضى لهم)، امته (كنتم خير امة)، قبلته (فلنولينك قبلة)، بلده (لا أقسم بهذا البلد)، قضاياه (إذا قضى الله ورسوله أمرا)، جنده (والعاديات ضبحا)، عزته (ولله العزة ولرسوله)، عصمته (والله


[ 198 ]

يعصمك من الناس)، شفاعته (فلعلك ترضى)، صلابته (براءة من الله ورسوله)، وصيه (إنما وليكم الله ورسوله)، أهل بيته (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت). وإنما سماه نورا (لقد جائكم من الله نور)، وسماه ظلا (ألم تر الى ربك كيف مد الظل) فبنوره يضئ البلاد وبظله يعيش العباد، وقال لسائر الانبياء: (فبهداهم اقتده)، وقال له: (وان تطيعوه تهتدوا). قوله: (ولله العزة)، الملوك لهم عيش بلا دين، والملائكة لهم دين بلا عيش، فأعطاه الله عيش الملوك ودين الملائكة. قوله: (طسم) يقال: طاشجرة طوبى وسين سدرة المنتهى وميم محمد المصطفى. وسئل: ان الله تعالى سماه سراجا منيرا والشمع أنور، والجواب: ان الشمع للاغنياء والسراج للفقراء فلم يحرمهم من نوره، والشمس للظاهر لا للباطن وتضئ بالنهار دون الليل وتخفى يوم الغيم والسراج تعم ذلك. قوله: (ألم يجدك يتيما فآوى) من كنت له أمينا فلا يكون يتيما، أليس الله بكاف عبده، وان مات أبواك فأنا الحي الذي لا أموت، أربيك كما ير بيان (قل من يكلؤكم بالليل) وأرزقك كما يرزقان (نحن نرزقك) والعاقبة وهكذا. للحفظ (والله يعصمك من الناس)، وللمدح (وسراجا منيرا)، وللنصرة (هو الذي أيدك بنصره)، وللتزيج (يا أيها النبي انا أحلننا لك)، وللمحبة (ما ودعك ربك)، وللقربة (ثم دنى فتدلى)، وللعفو (ليغفر لك الله)، وللآخرة (وللآخرة خير لك من الاولى). فأي الابوين يقيم بجميع ذلك ؟ ومع هذا جعلت الدارين تحت ختمك ليظهره على الدين كله في الدنيا وعسى أن يبعثك ربك في العقبى. قوله: (وخاتم النبيين). جابر وأبو هريرة: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: وإنما مثلي ومثل الانبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويعجبون بها ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين. قوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، لان كل نبي جاء بعقوبة كنوح وهود وشعيب وصالح وانه جاء بالرحمة، فبحرمته سلم الكافر من العقوبة والمنافق من السيف في الدنيا فلاغر وأن ينجو المؤمن من النار في العقبى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) قوله: (النبي الامي الذي يجدونه)، وقال صلى الله عليه وآله: نحن امة امية لا نكتب ولا نحسب. وقيل: أمي منسوبة الى أمته، يعني جماعة عامة والعامة لا تعلم الكتابة. ويقال: سمى بذلك لانه من العرب وتدعى العرب الاميون قوله: (هو الذي بعث


[ 199 ]

في الاميين). وقيل: لانه يقول يوم القيامة: أمتي أمتي. وقيل: لانه الاصل وهو بمنزلة الام يرجع الاولاد إليها، و منه ام القرى. وقيل: لانه لامته بمنزلة الوالدة الشفيقة بولدها، فإذا نودي في القيامة يوم يفر المرء من أخيه تمسك بأمته. وقيل منسوبة الى أم وهي لا تعلم الكتابة لان الكتابة من امارات الرجال. وقالوا: نسب إلى أمه يعني الحلقة. قال الاعشى: وان معاوية الاكرمين * حسان الوجوه طوال الامم قال المرتضى في قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) الآية، ظاهر الآية يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها، ولان التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة، لانهم إنما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها قبل النبوة، فأما بعدها فلا تعلق له بالريبة، فيجوز أن يكون تعلمها من جبرئيل بعد النبوة، ويجوز أن لا يتعلم فلا يعلم، قال الشعبي وجماعة من أهل العلم: ما مات رسول الله حتى كتب وقرأ. وفي حديث محمد بن علي الرضا (ع) في قوله: (هو الذي بعث في الاميين) فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ؟ والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين وقال ثلاثة وسبعين لسانا وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلى الله عليه وآله: ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. قوله: (محمد رسول الله)، قد سماه بهذا الاسم في أربعة مواضع: (وما محمد إلا رسوله)، (ما كان محمد أبا أحد)، (وآمنوا بما نزل على محمد)، و (محمد رسول الله) النبي صلى الله عليه وآله: إذا سميتم ولدكم محمدا فلا تسبوه ولا تضربوه، بورك في بيت فيه محمد ومجلس فيه محمد ورفقة فيها محمد، وما اجتمع قوم قط في مشورة وفيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك فيهم. قال أهل الاشارات: الميم ميثاق الله على الانبياء لاجله، قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين)، والحاء حبه في قلوب المرسلين، وتلبه في أصلاب الطاهرين (الذي يراك حين تقوم)، والميم الثاني مرتبته في كتب الانبياء (النبي الامي الذى يجدونه في التوراة والانجيل)، والدال دولته الى الابد. قوله: أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا امي. وقيل: الميم الاول فانه المعرفة أعطاه الله المعرفة بعلم الاولين والآخرين، وأما الحاء فان الله تعالى أحيى المسلمين على يديه من الكفر بالاسلام حيث قال: (وكنتم أمواتا فأحياكم)، والميم الثاني أعطاه الله مملكة لم يعط أحدا مثل ذلك


[ 200 ]

وأما الدال فهو الدليل لجميع الخلائق الى الفردوس. وقيل: امح الشرائع ومد شريعتك، ومحى الشرك ومد الاسلام. وقيل: ميم ملكه الممدوح، حاء حوضه المورود، ميم مقامه المحمود، دال دينه المشهود. وقيل: لم يكن لموسى من اسمه إلا حرفا فسلم من الغرق، ولا لنوح إلا حرفا فسلم من الطوفان، ولا لسليمان إلا حرفا فوجد الملك، ولا لداود إلا حرفا فوجد الملك، فمن له كذا إسما إلا ينجو من من النار ولا يصل الى الجنة. الامة بأسرها وجدوا حرفا من اسمه، والامامية وجدوا حرفين فأخذوا الشريعة بطرفيها، وان الله خلق صورة بني آدم على صورة اسمه، فالميم بمنزلة الرأس، والحاء بمنزلة اليدين، والميم بمنزلة البطن، والدال بمنزلة الرجلين فلما خلق الخلق على صورة اسمه اليوم فيرجى أن يحشرهم في زمرته غدا ويرحمهم بشفاعته (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال سيبويه: أحمد على وزن أفعل يدل على فضله على سائر الانبياء لانه ألف التفضيل، ومحمد على وزن مفعل والانبياء محمودون فهو أكثر حمدا من المحمود والتشديد للمبالغة يدل على انه كان أفضلهم. أنس: قال رجل في السوق: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله فقال الرجل: إنما أدعو ذلك الرجل، فقال صلى الله عليه وآله: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي. أبو هريرة: انه قال: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي أنا أبو القاسم الله يؤتي القسم وأنا أقسم. وروي ان قريشا لما بنت البيت وأرادت وضع الحجر تشاجروا في وضعه حتى كاد القتال يقع فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد الامين قد رضينا بك، فأمر بثوب فبسط ووضع الحجر في وسطه ثم أمر من كل فخذ من أفخاذ قريش أن يأخذ جانب الثوب ثم رفعوا فأخذه رسول الله بيده فوضعه. ويروى انه كان يسمى الامين قبل ذلك بكثير، وهو الصحيح. وفي الحساب سيد النبيين صلى الله عليه وآله وزنه المصطفى محمد رسول الله لان عدد كل واحد منهما استويا في سبعمائة وأربعة عشر. (المناقب ج 1، م 25)


[ 201 ]

فصل: في وفاته صلى الله عليه وآله ابن عباس والسدي: لما نزل قوله تعالى: (انك ميت وانهم ميتون) قال رسول الله ليتني أعلم متى يكون ذلك، فنزلت سورة النصر، فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد تزولها فيقول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقيل له في ذلك فقال: أما أن نفسي نعيت الي، ثم بكى بكاءا شديدا فقيل: يا رسول الله أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: فأين هول المطلع وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد وأين القيامة والاهوال فعاش بعد نزول هذه السورة عاما الاسباب والنزول عن الواحدي انه روى عكرمة عن ابن عباس قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة حنين وأنزل الله سورة الفتح قال: يا علي بن أبي طالب ويا فاطمة (إذا جاء نصر الله والفتح) الى آخر السورة. وقال السدي وابن عباس: ثم نزلت (لقد جائكم رسول من أنفسكم) الآية، فعاش بعدها ستة أشهر، فلما خرج الى حجة الوداع نزلت عليه في الطريق: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية، فسميت آية الصيف، ثم نزلت عليه وهو واقف بعرفة: (اليوم أكملت لكم دينكم) فعاش بعدها واحدا وثمانين يوما، ثم نزلت عليه آيات الربوا، ثم نزلت بعدها: (وانقوا يوما ترجعون فيه)، وهي آخر آية نزلت من السماء فعاش بعدها واحدا وعشرين يوما. قال ابن جريج: تسع ليال. وقال ابن جبير ومقاتل: سبع ليال. وقال الله تعالى تسلية للنبي صلى الله عليه وآله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) وقال: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلدأ فان مت فهم الخالدون). ولما مرض النبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه وذلك يوم السبت أو يوم الاحد من صفر أخذ بيد علي (ع) وتبعه جماعة من أصحابه وتوجه الى البقيع ثم قال: السلام عليكم أهل القبور وليهنكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ان جبرئيل كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي، ثم خرج يوم الاربعاء معصوب الرأس متكئا على علي (ع) بيمنى يديه وعلى الفضل باليد الاخرى فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فانه قد حان مني خفوق بين أظهر كم فمن كانت له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ومن كان له علي دين فليخبرني به. فقام رجل فقال


[ 202 ]

يا رسول الله ان لي عندك عدة اني تزوجت فوعدتني أن تعطيني ثلاثة أواقي، فقال ايماء: انحلها يا فضل، ثم نزل. فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ثم قال: معاشر أصحابي أي نبي كنت لكم ألم أجاهد بين أظهركم ؟ ألم تكسر رباعيتي ؟ ألم يعفر جبيني ؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي ؟ ألم اكابد الشدة والجهد مع جهال قومي ؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني ؟. فقالوا: بلى يا رسول الله. قال: ان ربي حكم وأقسم ألا يجوزه ظلم ظالم فأنشدكم الله أي رجل كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤس الملائكة والانبياء. فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال: انك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فقال صلى الله عليه وآله لبلال: قم الى منزل فاطمة فأتيني بالقضيب الممشوق. فلما مضى إليها سألت فاطمة: وما يريد به ؟ قال: أما علمت انه يودع أهل الدين والدنيا، فصاحت وهي تقول: واغماه لغمك يا أبتاه. فلما ورد إليه قال: أين الشيخ ؟ قال: ها أناذا يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فقال: فاقتص حتى ترضى، فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك، ثم قال: اتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ؟ فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله، فقال: اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمد. وقال صلى الله عليه وآله: لم يمت نبي قط إلا خلف تركة وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. ثم دخل بيت أم سلمة قائلا: رب سلم امة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. ابن بطة والطبري ومسلم والبخاري واللفظ له: انه سمع ابن عباس يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقيل له: وما يوم الخميس ؟ فقال: اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بداوة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: هجر رسول الله. وفي رواية مسلم والطبري قالوا: ان رسول الله يهجر. وقال يونس الديلمي: وصى النبي فقال قائلهم * قد ظل يهجر سيد البشر البخاري ومسلم في خبر انه قال عمر: النبي صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل ذلك البيت واختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ومنهم من يقول: القول


[ 203 ]

ما قال عمر، فلما كثر اللفظ والاختلاف عند النبي فقال: قوموا. فكان ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. مسند أبي يعلى وفضايل أحمد عن ام سلمة في خبر: والذي تحلف بن ام سلمة انه كان آخر الناس عهدا برسول الله علي وكان رسول الله بعثه في حاجة غداة قبض فكان يقول: جاء علي ؟ ثلاث مرات، قال: فجاء قبل طلوع الشمس فخرجنا من البيت لما عرفنا ان له إليه حاجة، فأكب عليه على فكان آخر الناس به عهدا وجعل يساره ويناجيه. الطبري في الولاية، والدار قطني في الصحيح، والسمعاني في الفضائل، وجماعة من رجال الشيعة عن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن، و عبد الله بن العباس، وأبي سعيد الخدري، و عبد الله بن الحارث واللفظ الصحيح ان عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بيتها لما حضره الموت: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر فلما نظر إليه قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت: ويلكم ادعوا له علي بن أبى طالب فوالله ما يريد غيره، فلما رآه أفرج له الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه ولم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه. أحمد في مسنده عن ابن عباس: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه قال: ادعوا لي عليا، قالت عائشة: ندعوا لك أبا بكر ؟ قالت حفصة ندعوا لك عمر ؟ قالت ام الفضل ندعوا لك العباس ؟ فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليا (ع) فسكت. فقال عمر: قوموا عن رسول الله، الخبر. ومن طريقة اهل البيت عليهم: ان عائشة دعت أباها فأعرض عنه ودعت حفصة أباها فأعرض عنه، ودعت ام سلمة عليا فناجاه طويلا ثم اغمى عليه، فجاء الحسن والحسين يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله وأراد علي أن ينحيهما عنه فأفاق رسول الله ثم قال: يا علي دعهما أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، ثم جذب عليا تحت ثوبه ووضع فاه على فيه وجعل يناجية، فلما حضره الموت قال له: ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني الى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله عزوجل وأخذ علي برأسه فوضعه في حجره واغمى


[ 204 ]

عليه، فبكت فاطمة فأومى إليها بالدنو منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها، القصة. ثم قضى، ومد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه ومد عليه أزاره واستقبل بالنظر في أمره. وروى انه قال جبرئيل: ان ملك الموت يستأذن عليك وما استأذن أحدا قبلك ولا بعدك، فأذن له فدخل وسلم عليه وقال: يا أحمد ان الله تعالى بعثني اليك لاطيعك أقبض أو أرجع ؟ فأمره فقبض. الباقر (ع): لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة نزل جبرئيل فقال: يارسول الله تريد الرجوع الى الدنيا ؟ قال: لا وقد بلغت، ثم قال له: يا رسول الله تريد الرجوع الى الدنيا ؟ قال: لا، الرفيق الاعلى. الصادق (ع): قال جبرئيل: يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها. وروي انه صلى الله عليه وآله اسل علي (ع) من تحت ثيابه وقال: عظم الله اجوركم في نبيكم، فقيل له ما الذي ناجاك به رسول الله تحت ثيابه ؟ فقال علمني ألف باب من العلم فتح لي من كل باب الف باب وأوصاني بما أنا به قائم انشاء الله. أبو عبد الله بن ماجه في السنن وأبو يعلى الموصلي في المسند، قال أنس: كانت فاطمة (ع) تقول لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله: أتاه جبرئيل ينعاه، فقالت فاطمة يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه. الكافي: اجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي فقالت فاطمة: اتركن التعداد وعليكن بالدعاء. وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من أعظم المصائب. وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام: الموت لا والد يبقي ولاولدا * هذا السبيل الى أن لا ترى أحدا هذا النبي ولم يخلد لامته * لو خلد الله خلقا قبله خلدا للموت فينا سهام غير خاطئة * من فاته اليوم سهم لم يفته غدا وقالت الزهراء عليها السلام: إذا مات قرم قل والله ذكره * وذكر أبي مذ مات والله أزيد تذكرت لما فرق الموت بيننا * فعزيت نفسي بالنبي محمد فقلت لها ان الممات سبيلنا * ومن لم يمت في يومه مات في غد


[ 205 ]

وقال ديك الجن: تأمل إذا الاحزان فيك تكاثرت * أعاش رسول الله أم ضمه القبر وقال ابراهيم بن المهدي: اصبر لكل مصيبة وتجلد * واعلم بأن المرء غير مخلد أو ما ترى ان الحوادث جمة * وترى المنية للرجال بمرصد فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد ولغيره: فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها * لكان رسول الله فيها مخلدا تاريخ الطبري، وابانة العكبري، قال ابن مسعود: قيل للنبي صلى الله عليه وآله: من يغسلك يا رسول الله ؟ قال: أهلي الادنى. حلية الاولياء، وتاريخ الطبري: ان علي بن أبي طالب كان يغسل النبي والفضل يصب الماء عليه وجبرئيل يعينهما وكان علي يقول: ما أطيبك حيا وميتا. مسند الموصلي في خبر عن عائشة: ثم خلوا بينه وبين أهل بيته فغسله علي بن أبي طالب (ع) واسامة بن زيد. الصفواني في الاحن والمحن باسناده عن اسماعيل بن عبد الله عن أبيه عن علي (ع) قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئرى بئر غرس. ابانة ابن بطة قال يزيد بن بلال قال علي: أوصى النبي أن لا يغسله أحد غيري فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه، قال: فما تناولت عضوا إلا كأنما كان يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله. وروي انه لما أراد علي غسله استدعى الفضل بن عباس ليعينه وكان مشدود العينين وقد أمره علي (ع) بذلك اشفاقا عليه من العمى. قال الحميري: هذا الذي وليته عورتى * ولو رأى عورتى سواه عمى – كذا – وله أيضا: من ذا تشاغل بالنبي وغسله * ورأى عن الدنيا بذاك عزاء وقال العبدي: من ولى غسل النبي ومن * لففه من بعده في الكفن


[ 206 ]

وقال السروجي: غسله إمام صدق طاهر * من دنس الشرك واسباب الغير فأورث الله عليا علمه * وكان من بعد إليه يفتقر وقال غيره: كان بغسل النبي مشتغلا * فافتتنوا والنبي لم يقبر وقال أبو جعفر (ع): قال الناس: كيف الصلاة عليه ؟ فقال علي: ان رسول الله إمام حيا وميتا فدخل عليه عشرة فصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء والخواص ولم يحضر اهل السقيفة، وكان علي (ع) أنفذ إليهم بريدة وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه. وقال أمير المؤمنين سمعت رسول الله يقول: إنما نزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي) الآية. وسئل الباقر (ع): كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال: لما غسله أمير المؤمنين وكفنه سجاه وأدخل عليه عشرة عشره فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين في وسطهم فقال: (ان الله وملائكته) الآية، فيقول القوم مثل ما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. واختلفوا أين يدفن ؟ فقال بعضهم: في البقيع، وقال آخرون: في صحن المسجد، فقال أمير المؤمنين: ان الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها. فاتفقت الجماعة على قوله ودفن في حجرته. تاريخ الطبري في حديث ابن مسعود قلنا: فمن يدخلك قبرك يا نبي الله ؟ قال: أهلي وقال الطبري وابن ماجه: الذي نزل في قبر رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبى طالب والفضل وقثم وشقران ولهذا قال أمير المؤمنين: أنا الاول أنا الآخر. قال الحميري: وكفاه تغسيله وحده * أحمد ميتا ووضعه في اللحد وقال العبدي: من كان صنو النبي غير علي * من غسل الطهر ثم واراه وقال العوني: من غسل المرسل من انزله * في لحده وعنه للدين قضى


[ 207 ]

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام: نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة وإنما * أخشى مخافة ان تطول حياتي وله عليه السلام: أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه أسى على هالك ثوى رزئنا رسول الله فينا فلن نرى * بذاك عديلا ما حيينا من الورى وكان لنا كالحصن من دون اهله * لهم معقل حرز حريز من العدى وكنا به شم الانوف بنحوه * على موضع لا يستطاع ولا يرى فياخير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه الترب والثرى كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قد طمى وضاق فضاء الارض عنهم برحبه * لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى فيا حزنا انا رأينا نبينا * على حين تم الدين واشتدت القوى وكان الالى شبهته سفر ليلة * أضل الهدى لا نجم فيها ولا ضوى وله عليه السلام عند زيارة سيد الانام: ما غاض دمعي عند نائبة * إلا جعلتك للبكا سببا وإذا ذكرتك سامحتك به * مني الجفون ففاض وانسكبا اني أجل ثرى حللت به * عن ان ارى بسواه مكتئبا وله عليه السلام: فقد نزلت بالمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كلما دعا ويطلب اقوام مواريث هالك * وفينا مواريث النبوة والهدى وله عليه السلام: الى الله اشكو لا إلى الناس اشتكي * ارى الارض تبقى والاخلاء تذهب أخلاي لو غير الحمام اصابكم * عتبت ولكن ما على الموت معتب وله ايضا عليه السلام: ألا طرق الناعي بليل فراعني * وأرقني لما استقل مناديا فقلت له لما سمعت الذي نعي * أغير رسول الله إن كنت ناعيا


[ 208 ]

فخفق ما اشفقت منه فلم اجد * وكان خليلي عزتي وجماليا فوالله ما انساك احمد ما مشت * بي العيس في ارض وجاوزت واديا وكنت متى اهبط من الارض تلعة * اجد اثرا منه جديدا وباليا شجاعا تشط الخيل عنه كأنما * يزين به ليثا عليهن عاديا وله ايضا عليه السلام: ألا يا رسول الله كنت رجائيا * وكنت ينا برا ولم تك جافيا كأن على قلبى لذكر محمد * وما جاء من بعد النبي المكاويا أفاطم صلى الله رب محمد * على جدث امسى بيثرب ثاويا فدى لرسول الله امي وخالتي * وعمي وزوجي ثم نفسي وخاليا فلو ان رب العرش ابقاك بيننا * سعدنا ولكن امره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية وادخلت جنات من العدن راضيا وقالت الزهراء عليها السلام قل للمغيب تحت اطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا صبت علي مصائب لو انها * صبت على الايام صرن لياليا قد كنت ذات حمى بظل محمد * لا اخش من ضميم وكان جماليا فاليوم اخشع للذليل واتقي * ضيمي وادفع ظالمي بردائيا فإذا بكت قمرية في ليلها * شجنا على غصن بكيت صباحيا فلاجعلن الحزن بعدك مؤنسي * ولاجعلن الدمع فيك وشاحيا ماذا على من شم تربة أحمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا ولها عليها السلام كنت السواد لمقلتي * يبكي عليك الناظر من شاء بعدك فليمت * فعليك كنت احاذر ولها ايضا عليها السلام نعت نفسك الدنيا الينا واسرعت * ونادت الاجد الرحيل وودعت ولها عليها السلام وقد ضمنت ابياتا وتمثكت بها قد كنت لي جبلا الوذ بظله * فاليوم تسلمني لاجرد ضاح قد كنت جار حميتي ما عشت لي * واليوم بعدك من يريش جناحي واغض من طرفي واعلم انه * قد مات خير فوارسي وسلاحي


[ 209 ]

حضرت منيته فأسلمني العزا * وتمكنت ريب المنون جواحي نشر الغراب علي ريش جناحه * فظللت بين سيوفه ورماح اني لاعجب من يروح ويغتدي * والموت بين بكوره ورواح فاليوم اخضع للذليل واتقي * ذلي وادفع ظالمي بالراح وإذا بكت قمرية شجنا بها * ليلا على غصن بكيت صباحي فالله صبرئي على ما حل بي * مات النبي قد انطفى مصباحي وقالت ام سلمة رضى الله عنها فجعنا بالنبي وكان فينا * إمام كرامة نعم الامام وكان قوامنا والرأس منا * فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ونشتكي ما قد لقينا * ويشكو فقدك البلد الحرام فلا تبعد فكل فتى كريم * سيدركه وإن كره الحمام وقالت صفية بنت عبد المطلب يا عين جودي بدمع منك منحدر * ولا تملي وبكي سيد البشر بكي الرسول فقد هدت مصيبته * جميع قومي واهل البدو والحضر ولا تملي بكاك الدهر معولة * عليه ما غرد القمري في السحر وقال سالم بن زهير المحاربي أفاطم بكي ولا تسأمي * فقد فاتك الماجد الطيب جوى حل بين الحشا والشغاف * فخيم فيه فلا يذهب فياعين ويحك لا تهجعي * وما بال دمعك لا يسكب فمن ذا لك الويل بعد الرسول يبكي من الناس أو يندب وقال كعب بن مالك ألا انعى النبي الى العالمينا * جميعا ولا سيما المسلمينا ألا انعى النبي لاصحابه * واصحاب اصحابه التابعينا ألا انعى النبي الى من هدى * من الجن ليلة إذ تسمعونا لفقد النبي إمام الهدى * وفقد الملائكة المنزلينا وقال حسان بن ثابت ان الرزية لا رزية مثلها * ميت بطيبة مثله لم يفقد ميت بطيبة اشرقت لحياته * ظلم البلاد لمتهم أو منجد


[ 210 ]

والكواكب الدري اصبح آفلا * بالنور بعد تبلج وتصعد لله ما ضمنت حفيرة قبره * منه وما فقدت سواري المسجد وله ايضا بطيبة رسم للرسوم ومعهد * اضحى تعفيه الرسوم وتمهد ولا تمحي الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آيات وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد (زيارته صلى الله عليه وآله) عن أنس قال صلى الله عليه وآله: من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.


[ 211 ]

باب في امامة على أمير المؤمنين عليه السلام فصل: في شرائطها (إثباتها) قوله: (اني جاعل في الارض خليفة) بدأ بالخليفة قبل الخليقة، والحكيم العليم يبدأ بالاهم قبل الاعم، وقوله: (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين اولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده) دليل على انه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين اما نبي أو إمام. الصادق (ع): لا تخلو الارض من عالم يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم ثم فسر قوله: (اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ممن خالفكم ورابطوا امامكم واتقوا الله فيما أمركم به وفرض عليكم). سئل الرضا والصادق عليهما السلام: تكون الارض ولا إمام ؟ قال: إذا لساخت قال ابن بابويه كما جاء في قصة الانبياء: (فلما جاء أمرنا وفار التنور)، (فاسر بأهلك بقطع من الليل)، (واعتزلكم وما تدعون)، وقال لنبينا: (وما كان الله ليعذبهم). عن النبي صلى الله عليه وآله: في كل خلق من امتي عدل من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. أبو عبيدة: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله: (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو اثارة من علم)، قال: عنى بالكتاب التوراة والانجيل، وبالاثارة من العلم فانما عني بذلك علم أوصياء الانبياء. أمير المؤمنين (ع): لا تخلو الارض من قائم بحجة الله، اما ظاهر مشهور، واما خائف مغمور. وفي رواية: لا يزال في ولدي مأمور مأمور. قال العوني: ولو لا حجة في كل وقت * لاضحى الدين مجهول الرسوم وحار الناس في طخياء منها * نجونا بالاهلة والنجوم وقال آخر: كواكب دجن كلما انقض كوكب * بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب ومن ألفاظ عن الرضا (ع): الامام زمام الدين، ونظام امور المسلمين، وعز


[ 212 ]

المؤمنين، وبوار الكافرين، وأس الاسلام، وصلاح الدنيا، والنجم الهادي، والسراج الزاهر، والماء العذب على الظمأ، والنور الدال على الهدى، والمنجي من الردى، والسحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس الظليلة، والارض البسيطة، والعين الغزيرة، والامين الرفيق، والوالد الشفيق، والاخ الشقيق، والام البرة بالولد الصغير، وأمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي الى الله، والذاب عن حرم الله. النبي صلى الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية. قال الحميري: فمن لم يكن يعرف إمام زمانه * ومات فقد لاقى المنية بالجهل العيون والمحاسن قال هشام بن الحكم: قلت لعمرو بن عبيد: لي سؤال، قال: هات. قلت: ألك عين ؟ قال: نعم، قلت. فما ترى بها ؟ قال: الالوان والاشخاص، قلت: فلك أنف ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أشم به الرائحة، قلت: فلك فم ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: ألك قلب ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: اميزبه كلما ورد على هذه الجوارح، قلت: ليس لها غنى عن القلب ؟ قال: لا، قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة ؟ قال: يا بني الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته الى القلب فيتقن اليقين ويبطل الشك، قلت: فانما أقامه الله لشك الجوارح ؟ قال: نعم، قلت: فلابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ؟ قال: نعم، قلت: يا أبا مروان ان الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقن لها ما شكت فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واخلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك يرد إليه حيرتك وشكك !. على الملوك تصلح الجماعه * ان صلحوا أو لا فهم كالضاعه وقال متكلم: لا يخلو من أربعة أوجه: اما ان علم النبي صلى الله عليه وآله جميع امته الاولين والآخرين وجميع ما يحتاجون إليه في حياته حتى استغنوا بعد وفاته، أو علمت الامة كلها بعده، أو استغنت عن مؤدب ومعلم من الله، أو رفع التكليف عن الامة بعده كالبهائم. وكل ذلك باطل لان التكليف لازم واللطف واجب والناس غير معصومين فلابد من حافظ شرع معصوم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. قال الافوه الاودي: لا يصلح القوم إلا في السراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا


[ 213 ]

والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة * ولا عماد إذا لم ترس أوتاد فان تجمع أوتاد وأعمدة * وساكن أدركوا الامر الذي كادوا تهدى الامور بأهل الرأي ما صلحت * فان تولت فبالاشرار تنقاد (العصمة) قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، أمرنا سبحانه أمرا مطلقا بالكون مع الصادقين من غير تخصيص، وذلك يقتضي عصمتهم لقبح الامر على هذا الوجه باتباع من لا يؤمن منه القبيح ومن حيث يؤدي ذلك الامر بالقبيح، وإذا ثبت في الامامة ثبت تخصصها بأمير المؤمنين وأولاده المعصومين بالاجماع لان أحدا من الامة لم يقل ذلك فيها إلا خصها بهم، ولانه لم تثبت هذه الصفات لغيرهم ولا ادعيت لسواهم قوله (ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم) لعلمه الذين يستنبطونه منهم يدل على عصمتهم لانه اخبر ان العلم يحصل بالرد الى اولي الامر كما يحصل بالرد الى الرسول، والعلم لا يصح حصوله ويقينا ممن ليس بمعصوم، ولانه تعالى لا يجيز أن يأمر باستفتاء من لا يؤمن منه القبيح من حيث كان في ذلك أمره تعالى بالقبيح، وإذا اقتضت الآية عصمة اولي الامر ثبتت إمامتهم لان أحدا لم يفرق بين الامرين، وإذا ثبت ذلك ثبت توجه الآية الى آل محمد وقد روي انها نزلت في الحج الاثنى عشر، قوله (اني جاعلك للناس إماما) فقال ابراهيم من عظم خطر الامامة عنده: (ومن ذريتي) قال (لا ينال عهدي الظالمين) وفي خبر انه قال: ومن الظالم من ولدي ؟ قال: من سجد لصنم من دوني، فقال ابراهيم: (واجنبني وبني أن نعبد الاصنام)، وقد ثبت ان النبي والوصي عليهما السلام ما عبدا الاصنام فانتهت الدعوة اليهما فصار محمد نبيا وعلي وصيا، ولما قال: (لا ينال عهدي الظالمين) صار في الصفوة (ووهبنا له اسحاق ويعقوب) الى قوله (عابدين) فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها النبي صلى الله عليه وآله فقال: اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، فكانت له خاصة فقلدها عليا (ع) بأمر الله على رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الاصفياء الذين اوتوا العلم والايمان قوله (وقال الذين اوتوا العلم والايمان) فهي في ولد علي (ع) الى يوم القيامة. عبد الله بن عجلان عن ابي جعفر (ع) في هذه الآية: هم الائمة ومن تبعهم، قال ابراهيم: ومن ذريتي، ومن للتبعيض ليعلم ان فيهم من يستحقها ومن لا يستحقها ومستحيل أن يدعو إلا من هو مثله في الطهارة لقوله (لا ينال عهدي الظالمين) وقال ومن تبعني فانه منى، فيجب أن يكونوا معصومين، ولما سأل الرزق قال (وارزق


[ 214 ]

أهله من الثمرات) سال عاما ولما سأل الامامة سأل خاصا قال (ومن ذريتي). قال الصادق (ع) في قوله: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) أي الامامة الى يوم القيامة. قال السدي: عقبه آل محمد. قال العوني: فقال من فرج يا رب عهدك في * ذريتي هل تبقيه مؤنفه فقال ليس ينال الظالمين معا * عهدي ووعدي فيه لست اخلفه والشرك ظلم عظيم والعكوف على * الاصنام لا يلحق التأمين عكفه فانظر الى الرمز والايماء كيف أتى * من لم يكن عبد الاصنام مصرفه وله أيضا: ألم يكن في حاله نبيا * ثم رسولا منذرا رضيا ثم خليلا صفوه صفيا * ثم إماما هاديا مهديا وكان عند ربه مرضيا فعندها قال ومن ذريتي * قال له لا لن ينال رحمتي وعهدي الظالم من بربتي * أبت لملكي ذاك وحدانيتي سبحانه لا زال وحدانيا قوله (اني مخلف فيكم الثقلين) الخبر يقتضي عصمة المذكورين لانه أمر من جهة الخبر بالتمسك بهم على الاطلاق فاقتضى ذلك عصمتهم وإلا أدى الى كونه عزوجل أمر بالقبيح، ثم انه قطع بأمان المتمسك بهم من الضلال وجواز الخطأ عليهم لا يؤمن معه ضلال المتمسك بهم، ثم انه قرن بينهم وبين الكتاب في الحجة ووجوب التمسك، ثم انه أخبر انهم لا يفارقون الكتاب ووقوع الخطأ منهم يقتضي مفارقتهم له وذلك ينافي نصه، وإذا ثبتت عصمتهم ثبتت إمامتهم وانهم المعنيون بالخبر. وقال أبو علي المحمودي لابي الهذيل: أليس من دينك ان العصمة والتوفيق لا يكونان لك من الله إلا بعمل تستحقهما به ؟ قال: نعم، قال: فقوله (اليوم أكملت لكم دينكم) قال قد أكمل لنا الدين، فقال: ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب والسنة وقول الصحابة وحيلة الفقهاء ؟ قال: هات، قال: خبرني عن عشيرة كلهم عنين وقعوا في طهر واحد بامرأة وهم مختلفوا العنة فمنهم قد وصل الى بعض حاجته ومنهم من قارب بحسب الامكان منه، أفي خلق الله اليوم من يعرف حد الله في كل رجل منهم ومقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره منه في الآخرة ؟ فالحم، لو لم يكن الامام معصوما لم يكن بتقديم الكل موسوما، من خرج من


[ 215 ]

غماز المأمومين دخل في جملة المعصومين، من افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه من ظهرت معجزته ثبتت عصمته. أمير المؤمنين (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: المودة في قلوب المؤمنين هي العصمة. قال الناشي: قد نصب الله لكم مسددا * بالرشد والعصمة مأمون الغلط أحاط بالعلم ولا يصلح أن * يدعى إمام من بعلم لم يحط من مثلكم يا آل طه ولكم * في جنة الفردوس والخلد خطط حب سواكم نفل وحبكم * فرض من الله علينا مشترط يا طود افضال بعيد المرتقى * وبحر علم ماله يحويه شط كل الولا إلا ولا كم باطل * وكل جرم بولاكم منحبط (النصوص) قال الله تعالى في آدم: (ان الله اصطفى آدم) وفي موضع (اني جاعل في الارض خليفة) وفي ابراهيم (ولقد اصطفيناه في الدنيا) وفي موضع (اني جاعلك للناس إماما) وفي موسى (اني اصطفيتك على الناس) وفي موضع (واصطفيتك لنفسي) وفي طالوت (ان الله اصطفاه عليكم) وفي سائر الانبياء والاوصياء (ان الذين سبقت لهم منا الحسنى)، (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)، (وانه عندنا لمن المصطفين الاخيار)، (ولقد اخترناهم على علم على العالمين)، (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)، (مالك الملك تؤتي الحكم من تشاء)، (يؤتي الحكمة من يشاء) (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة)، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) (قل ان الفضل بيد الله)، (ولا نتمنوا ؟ ما فضل الله)، (شهد الله أن لا إله إلا الله هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط)، (والله فضل بعضكم على بعض)، (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات). قال الحميري: هبة وما وهب المليك لعبده * يبقى ومهما لم يهب لم يوهب يمحو ويثبت ما يشاء وعنده * علم الكتاب وعلم ما لم يكتب وقال العوني: في النص آي من الفرقان منزلة * يقر طوعا بها من لا يحرفه منهن رمز وايماء وتسمية * تلويح حق وتصريح تنقفه الرضا والصادق وأمير المؤمنين (ع) والحديث مختصر ان ادم (ع) أوصى الى


[ 216 ]

ابنه شيث وأوصى شيث الى شبان وشبان الى مجلث ومجلث الى محوق ومحوق الى عثميشا وعثميشا الى اخنوخ وهو ادريس وادريس الى ناحور وناحور الى نوح ونوح الى سام وسام الى عثامر وعثامر الى برغيشا وبرغيشا الى يافث ويافث الى بره وبره الى جفيسه وجفيسه الى عمران وعمران الى ابراهيم وابراهيم الى اسماعيل واسماعيل الى اسحاق واسحاق الى يعقوب ويعقوب الى يوسف ويوسف الى برثيا وبرثيا الى شعيب وشعيب الى موسى وموسى الى يوشع ويوشع الى داود وداود الى سليمان وسليمان الى آصف وآصف الى زكريا وزكريا الى عيسى وعيسى الى شمعون وشمعون الى يحيى ويحيى الى منذر ومنذر الى سلمة وسلمة الى بردة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها اليك يا علي وأنت تدفعها الى وصيك ويدفعها وصيك الى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع الى خير اهل الارض بعدك، لو لم يكن الامام نصا لم يكن بعلم الله مختصا، من حقق إمامته بغير نص كان الناظر من غير فحص، من ثبت النص عليه من أبيه كان مرضي ذويه. قال ابن حماد: رأيت النص يفضح جاحديه * ويلجئهم الى ضيق الخناق ولو كان اجتماع القوم رشدا * لما أدى الى طول افتراق وقال الناشي: ومن لم يقل بالنص منه معاندا * غدا غفلة بالرغم منه يحاوله يعرفه حق الوصي وفضله * على الخلق حتى تضمحل بواطله وقال البشنوي: يا مصرف النص جهلا عن أبي حسن * باب المدينة عن ذي الجهل مقفول مولى الانام علي والولي معا * كما تفوه عن ذي العرش جبريل وسأل حمران بن أعين يحيى بن أكثم عن قول النبي صلى الله عليه وآله حيث أخذ بيد علي (ع) وأقامه للناس فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه أبامر من الله تعالى ذلك أم برأيه ؟ فسكت عنه حتى انصرف فقيل له في ذلك فقال: إن قلت برأيه نصبه للناس خالفت قول الله تعالى (وما ينطق عن الهوى) وإن قلت بأمر الله تعالى ثبتت إقامته قال فلم خالفوه واتخذوا وليا غيره ؟. قال العوني: فما ترك النبي الناس شورى * بلاهاد ولا علم مقيم ولكن سول الشطان أمرا * فأودى بالسوام وبالمسيم (مناقب ج 1، م 27)


[ 217 ]

قال الصادق (ع) في قوله: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) يعني يوصي إمام الى إمام عند وفاته. النبي صلى الله عليه وآله: من مات ولم يوص مات ميتة جاهلية. وقال صلى الله عليه وآله: الوصية حق على كل مسلم. وقال: من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية. وقال ابن العودي النيلي: وكل نبي جاء قبلي وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم وقلتم مضى عنا بغير وصية * ألم اوص لفظا زغتم وعقلتم نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وضللتم وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم علي رسولي فاتبعوه فانه * وليكم بعدي إذا غبت عنكم أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام في قوله: (ولقد أوحى اليك) الآية، وذلك لما أمر الله رسوله أن يقيم عليا (ع) أن لا يشرك مع علي شريكا. قال الناشي ولو آمنوا بني الهدى * وبالله ذي الطول ما خالفوكا ولو أيقنوا بمعاد لما * أزالوا النصوص ولا مانعو كا ولكنهم كتموا الشك في * أخيك النبي وأبدوه فيكا لهم خلف نصروا قولهم * ليبغوا عليك وما عاينوكا إذا صحح النص قالوا لنا * توانى عن الحق واستضعفوكا فقلنا لهم نص خير الورى * يزيل الظنون وينفي الشكوكا (صفات الائمة عليهم السلام) قد جاء في أخبار الامامية ان لامام الهدى خمسين علامة: العصمة، والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأفصحهم، وأحلمهم، وأحكمهم، وأتقاهم، وأشجعهم، وأشرفهم، وانصحهم، وأوفاهم، وأصبرهم، وازهدهم، وأسخاهم، وأعبدهم، وأشفقهم عليهم، وأشدهم تواضعا لله، وأخذهم بما يأمر الله به، وأكفهم عما ينهى عنه، وأولى الناس منهم بأنفسهم، ويولد مختونا ويكون مطهرا، وبلي ولادته ووفاته معصوم، وتكون الاموال تحت أمره، ويرى من خلفه ومن بين يديه للفراسة الصادقة، ولا يكون له ظل لانه مخلوق من نور الله، وكل من ولد منه يكون مؤمنا، وإذا وقع على الارض من بطن امه وقع


[ 218 ]

على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويكون دعاؤه مستجابا، ولا يرى له حدث لان الله تعالى وكل الارض بابتلاع ما يخرج منه، ولا يحتلم، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له الدليل والمعجزة في خرق العادة واستجابة ادعوة وإخباره بالحوادث التي تظهر قبل حدوثها بعهد معهود من النبي، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ذو الفقار، ويستوي عليه درعه، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم الى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم الى يوم القيامة، وعنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إملاء رسول الله وخط أمير المؤمنين، ويكون عنده الجفر الاحمر وهو وعاء فيه سلاح رسول الله ولن يخرج حتى يخرج قائمنا، والجفر الابيض وهو وعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داود وكتب الله المنزلة، ويكون له إلهام وسماع ونقر في الاسماع ونكت في القلوب، ويسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت وربما تأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل واسرافيل، وربما يعابن، ويخاطب وقالوا: من صفات الامام المعرفة بجميع الاحكام. تقديم المفضول يوجب تناقض الاصول، من ثبت انتقاصه بطل اختصاصه. قال عبد المحسن الصوري: آل النبي هم النبي وإنما * بالوحي فرق بينهم فتفرقوا أبت الامامة أن تليق بغيرهم * ان الرسالة بالامامة أليق وأئمتنا عليهم السلام خصوا بالعلوم، لانهم لم يدخلوا مكتبا، ولا تعلموا من من معلم، ولا تلمذوا لفقيه، ولا تلقنوا من راو، وقد ظهرت في فرق العالمين منهم العلوم ولم يعرف إلا منهم، لانهم أخذوا عن النبي صلى الله عليه وآله. وكذا كان حال جدهم صلى الله عليه وآله حين علم منشأه بين قريش، لم يدخل مكتبا، ولا قرأ على معلم، ولا استفاد من خبر، وأتى الناس بالقرآن العظيم بما فيه من أسرار الانبياء وأخبار المتقدمين، فعلم العقلاء ان ذلك من عند الله تعالى وليس من تلقاء نفسه. فأولاده قوم بنور الخلافة يشرقون، وبلسان النبوة ينطقون، وقد جمعوا مارووا عنهم وسموا ذلك بالاصول سبعمائة أصل ويزيد على ذلك، ويتضمن علوم الدين والآداب والحكم والمواعظ وغير ذلك. وامامن نقل منهم الروايات مثل الحسن والحسين (ع) فلقلة أيامهما، واما أبو الحسن وأبو محمد (ع) فقد كانا ممنوعين محبوسين بسر من رأى، فإذا ثبت علوم هؤلاء التي


[ 219 ]

لم يأخذوها عن رجال العامة ولا رأى احد منهم يختلف الى متقدم من اهل العلم وان كثيرا من فتاويهم يخالف ما عليه العامة ولم يدع مدع قط انهم اختلفوا الى احد من مخالفيهم ليتعلموا منه والموافق لهم فمعلوم حاجته إليهم، دل ذلك على ان الله تعالى افردهم ليكشف عن استحقاقهم الامامة وانهم أحق بالتقديم لحاجة الناس إليهم وغنائهم عنهم وجروا في ذلك مجرى الرسول صلى الله عليه وآله حين أغناهم الله بما علموا علمهم من اخبار سوالف الامم واحكام شرائع الانبياء من غير ان لقى احدا من علماء تلك الاديان وجعل ذلك احدى الدلائل على نبوته، قال الله تعالى: (أفمن يهدي الى الحق احق ان يتبع أمن لا يهدي إلا ان يهدى)، وقال: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذبن لا يعلمون). قال أبو تمام الطائي: أما سأل القوم الالى ملكا يكن * تسد به الجلى ويطلب به الوتر فلما رأوا طالوت عدوا سناهم * عليه وما يغني السناء ولا الفخر وما ذاك إلا انهم كرهوا القنا * وهجر وغى يتلوه من بعده هجر عمى وارتيابا اوضحت مشكلاته * وقيعة يوم النهر إذ ورد النهر وقال أمير المؤمنين عليه السلام: فرض الامامة لي من بعد احمدنا * كالدلو علقت التكريب والوذما لا في نبوته كانوا ذووا ورع * ولا رعوا بعده إلا ولا ذمما لو كان لي جابر (كذا) سرعان امرهم * خليت قومي فكانوا امة امما وله عليه السلام: أنا علي صاحب الصمصامه * وصاحب الحوض لدى القيامة أخو نبي الله ذي العلامه * قد قال إذ عممني العمامة انت اخي ومعدن الكرامة * ومن له من بعدي الامامه (في مفسداتها) الاختيار عشرون بمشية الله تعالى: (يرزق من يشاء)، (يهب لمن يشاء اناثا)، (ويهب لمن يشاء الذكور)، (ويجعل من يشاء عقيما)، (تؤتي الملك من تشاء)، (وتنزع الملك ممن تشاء)، (وتعز من تشاء)، (وتذل من تشاء)، (ويغفر لمن يشاء)، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، (ويفعل ما يشاء) (والله يضاعف لمن يشاء)، (ولكن الله يزكي من يشاء)، (يؤتي الحكمة من يشاء) (والله يؤيد بنصره من يشاء)، ولكن الله يمن على من يشاء)، (يرفع درجات من يشاء)، (يهدي الله لنوره من يشاء)، (وربك يخلق ما يشاء ويختار).


[ 220 ]

نظيره: (الله يصطفي من الملائكة)، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله)، (أهم يقسمون رحمة ربك) الآية، (فما لكم كيف تحكمون) الى قوله (صادقين). الاختيار في الامامة مدعاة الى عدم السلامة، لو كانت الامامة الى الامة بطل التوقيف من النبوة، لو جاز للامة نصب إمام صح منها وضع احكام، مختارنا للهلك ومختاره للسلك، مختارنا للحريق ومختاره للرحيق، مختارنا للسعير ومختاره للسرير، مختارنا للجحيم ومختاره للنعيم، مختارنا للملامة ومختاره للكرامة، مختارنا للتبعيد ومختاره للتقريب. محمد بن سنان عن الصادق (ع) في قوله: (يخلق ما يشاء ويختار)، قال: اختار محمدا واهل بيته. أبو هاشم باسناده عن الباقر (ع) قال: قال الله تعالى لمحمد: اني اصطفيتك وانتجبت عليا وجعلت منكما ذرية طيبة جعلت لها الخمس. ابن بطة في الابانة باسناده الى الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة، وابو صالح المؤذن في الاربعين، والسمعاني في الفضائل باسنادهما عن عبد الرزاق عن معمر عن ابي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس واللفظ له قال: لما زوج النبي فاطمة من علي قالت: زوجتني لعائل لامال له، فقال: يا فاطمة أما ترضين ان الله تعالى اطلع على اهل الارض واختار منها رجلين احدهما ابوك والآخر بعلك. علي بن الجعد عن شعبة عن حماد بن مسلمة عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: ويختار ان الله تعالى اختارني واهل بيتي عن جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن ابي طالب الوصي، ثم قال: ما كان لهم الخيرة يعني ما جعلت للعباد ان يختاروا ولكني اختار من اشاء فأنا واهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه، ثم قال: سبحان الله – يعني تنزيها لله عما يشركون به كفار مكة، ثم قال: وربك يا محمد يعلم ما تكن صدورهم من بغض المنافقين لك ولاهل بيتك وما يعلنون بألسنتهم من الحب لك ولاهل بيتك. قال ابن حماد: تروم فساد دليل النصوص * ونصرا لاجماع ما قد جمع ألم يستمع قوله صادقا * غداة الغدير بماذا صدع ألا ان هذا ولي لكم * اطيعوا فويل لمن لم يطع وقال له أنت مني أخي * كهارون من صنوه فاقتنع


[ 221 ]

وقال له أنت باب الى * مدينة علمي لمن ينتجع ويوم براءة نص الاله * انص عليه فلا تختدع وسماه في الذكر نفس الرسول * في يوم باهل لما خشع ففيم تخيرتم غير من * تخيره ربكم واصطنع اختار الله تعالى لموسى (ع) قوله وانا اخترتك، فصار نجيا كليما وقربناه نجيا وكلم الله موسى تكليما. واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فصار اختياره واقعا على الافسد دون الاصلح. قال الصاحب: بالنص فاعقد ان عقدت دينا * كن باعتقاد الاجتبا رصينا مكن لقول ربنا تمكينا * واختار موسى قومه سبعينا واجتمعت الامة على ان النبي صلى الله عليه وآله شاور الصحابة في الاسارى فاتفقوا على قبول الفداء واستصوبه النبي وكان عند الله خطأ فنزل (ما كان لنبي ان يكون له اسرى) الى قوله (عظيم). ابن جرير الطبري: لما كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على القبائل جاء الى بني كلاب فقالوا نبايعك على ان يكون لنا الامر بعدك فقال: الامر لله فان شاء كان فيكم أو في غيركم فمضوا فلم يبايعوه وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا الماوردي في اعلام النبوة: انه قال عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وآله وقد اراد به غيلة: يا محمد مالي ان اسلمت ؟ فقال صلى الله عليه وآله: لك ما للاسلام وعليك ما على الاسلام، فقال: ألا تجعلني الوالي من بعدك ؟ قال: ليس لك ذلك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل تغزوا في سبيل الله، القصة. وجملة الامران الله قدمه * والامر لله ليس الامر من قبلي * * * الخير أجمع فيما اختار خالقنا * وفى اختيار سواه اللوم والشؤم أبو ذر: عن النبي: من استعمل غلاما في عصابة فيها من هو ارضى لله منه فقد خان الله. قال البشنوي: قد خان من قدم المفضول خالقه * وللاله فبالمفضول لم أخن الوليد بن صبيح قال أو عبد الله (ع) ان هذا الامر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره. وقال أبو الحسن الرفا لابن رامين الفقيه لما خرج النبي من المدينة ما استخلف عليها احدا قال: بلى استخلف علينا، قال: وكيف لم يقل لاهل المدينة


[ 222 ]

اختاروا فانكم لا تجتمعون على الضلال، قال: خاف عليهم الخلف والفتنة، قال: فلو وقع بينهم فساد لاصلحه عند عودته، قال: هذا أوثق، قال: افاستخلف أحدا بعد موته ؟ قال: لا، قال. فموته أعظم من سفره فكيف أمن على الامة بعد موته ما خافه في سفره وهو حي عليهم ؟ فقطعه. قال العبدي: وقالوا رسول الله ما اختار بعده * إماما ولكنا لانفسنا اخترنا أقمنا إماما إن أقام على الهدى * أطعنا وإن ضل الهداية قومنا فقلنا إذا أنتم امام إمامكم * بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا ولكننا اخترنا الذي اختار ربنا * لنا يوم خم ما اعتدينا ولا حلنا سيجمعنا يوم القيامة ربنا * فتجزون ما قلتم وتجزى الذي قلنا هدمتم بأيديكم قواعد دينكم * ودين على غير القواعد لايبنى ونحن على نور من الله واضح * فيارب زدنا منك نورا وثبتنا نهج البلاغة: لئن كانت الامامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس ما الى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار. قال يحيى بن الوزير المغربي: إذا كان لا يعرف الفاضلين * إلا شبيههم في الفضيلة فمن أين للامة الاختيار * وما لعقولهم المستحيله وقال ابن هاني المغربي: عجبت لقوم أضلوا السبيل * وقد بين الله أين الهدى فما عرفوا الحق لما استبان * ولا أبصروا الرشد لما بدا وما خفي الرشد لكنما * أضل الحلوم اتباع الهوى وقال غيره: نور الهداية لا يخفى على أحد * لو لا اتباع الهوى والغي والحسد قد بين الله ما يرضى ويسخطه * منا وفرق بين الغي والرشد بأحمد المصطفى الهادي وعترته * من اهتدى بهداهم واستقام هدي ان الامامة رب العرش ينصبها * مثل النبوة لم تنقص ولم تزد والله يختار من يرضاه ليس لنا * نحن اختيار كما قد قال فاقتصد الوصف: سئل أبو عبد الله (ع) عن قوله: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) قال: كل من زعم انه إمام وليس بامام، قلت: وإن كان


[ 223 ]

علويا فاطميا ؟ قال: وإن كان علويا فاطميا. أبو خالد القماط: اخبر ابا عبد الله (ع) ان رجلا قال لي: ما منعك أن تخرج مع زيد ؟ قلت له: إن كان أحد في الارض مفروض الطاعة فالخارج والداخل موسع لهما زرارة بن أعين: قال لي زيد بن علي (ع) عند الصادق (ع): ما تقول في رجل من آل محمد استنصرك ؟ فقلت: ان كان مفروض الطاعة نصرته وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل، فقال أبو عبد الله (ع): لما خرج زيد أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا. أبو مالك الاحمسي: قال زيد بن علي لصاحب الطاق: انك تزعم ان في آل محمد إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه ؟ قال: نعم وكان أبوك أحدهم، قال: ويحك فما كان يمنعه من أن يقول لي فوالله إن كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول المضغة فيبردها ثم يلقمنيها افتراه انه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي من حر النار فيقول لي: إذا أنا مت فاسمع وأطع لاخيك محمد الباقر ابني فانه الحجة عليك، ولا يدعني أموت ميتة جاهلية، فقال: كره أن يقول لك فتكفر فيجب من الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة فتركك مرجيا لله فيك المشيئة وله فيك الشفاعة، ثم قال: أنتم أفضل أم الانبياء ؟ قال: بل الانبياء، قال: يقول يعقوب ليوسف (لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا) لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم وكذا أبوك كتمك لانه خاف منك على محمد ان هو أخبرك بموضعه من قلبه وبما خصه الله به فتكيد له كيدا كما خاف يعقوب على يوسف من اخوته. فبلغ الصادق (ع) مقاله فقال: والله ما خاف غيره. وقال زيد بن علي: ليس الامام منا من أرخى عليه ستره إنما الامام من أشهر سيفه، فقال له أبو بكر الحضرمي: يا أبا الحسن اخبرني عن علي بن أبي طالب أكان إماما وهو مرخي عليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج وشهر سيفه ؟ فلم يجبه زيد فردد عليه ذلك ثانيا وثالثا كل ذلك لا يجيبه بشئ، فقال أبو بكر: إن كان علي بن أبي طالب إماما فقد يجوز أن يكون بعده إمام وهو مرخى عليه ستره وإن كان علي لم يكن إماما وهو مرخي عليه ستره فأنت ما جاء بك ههنا ؟. وسأل زيدي الشيخ المفيد وأراد الفتنة فقال: بأي شئ استجزت إنكار إمامة زيد ؟ فقال: انك قد ظننت علي ظنا باطلا وقولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية، فقال: وما مذهبك فيه ؟ قال: أثبت في إمامته ما ثبتته الزيدية وأنفي عنه


[ 224 ]

من ذلك ما تنفيه وأقول كان إماما في العلم والزهد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنفي عنه الامامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز فهذا ما لا يخالفني عليه أحد. قال ابن الحجاج: أهلا وسهلا بالاغر * ابن الميامين الغرر أهلا وسهلا بابن زم‍ * زم والمشاعر والحجر بابن الذي لولاه ما * اقتربت ولا انشق القمر بابن الذي نزلت عليه * المحكمات من السور بان الذي هو والنبي * محمد خير البشر ومن استجاز خلاف ذلك * أو رواه فقد كفر وقال الرضي: إذا ذكروه للخلافة لم تزل * تطلع من شوق رقاب المنابر إذا عددوا المجد التليد تنحلوا * علا تتبزى من عقود الخناصر حريون إلا ان تهز رماحهم * ضنينون إلا بالعلي والمفاخر (الميراث) موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، ومعتب ومصادف موليا الصادق (ع) في خبر: انه لما دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العباس وشكوا من الصادق (ع) انه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا، فخطب أبو عبد الله فكان مما قال: ان الله تعالى لما بعث رسول الله (ص) وكان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه والناصر له وأبوكم العباس وأبو لهب يكذبانه ويؤلبان عليه شياطين الكفر وأبوكم يبغي له الغوائل ويقود إليه القبائل في بدر، وكان في أول رعيلها وصاحب خيلها ورجلها المطعم يومئذ والناصب الحرب لم، ثم قال: فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا وأسلم كارها تحت سيوفنا لم يهاجر الى الله ورسوله هجرة قط فقطع الله ولايته منا بقوله: الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ، في كلام له، ثم قال: هذا مولى لنا مات فحزنا تراثه إذ كان مولانا ولانا ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمنا فاطمة أحرزت ميراثه. واستدل الفضل بن شاذان بقوله: (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض) إذا أوجب الله للاقرب برسول الله الولاية وحكم بأنه أولى من غيره فان عليا أولى بمقام النبي صلى الله عليه وآله من كل أحد لان الامامة فرع الرسالة، فأما العباس فان الله تعالى يذكر (مناقب ج 1، م 28)


[ 225 ]

الاقرب به دون أن علقه بوصف فقال: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) الآية، فشرط في الاولى به الايمان والهجرة ولم يكن العباس مهاجرا بالاجماع، ثم ان أمير المؤمنين (ع) كان أقرب الى النبي صلى الله عليه وآله من العباس وأولى بمقامه أن ثبت ان المقام موروث وذاك ان عليا كان ابن عمه لابيه وأمه والعباس عمه لابيه خاصة ومن يقرب بسببين كان أقرب ممن يقرب بسبب واحد ولو لم تكن فاطمة موجودة بعد الرسول لكان علي أحق بتركته من العباس ولو ورث مع الولد غير الابوين والزوج والزوجة فكان أمير المؤمنين أحق بميراثه مع فاطمة من العباس لما قدمت من انتظام القرابة من جهتين واختصاص العباس لها من جهة واحدة. وقال سعيد بن جبير لابن عباس: رجل مات وخلف عمه وابنته، قال ابن عباس المال بينهما نصفان، قال سعيد: فما بال فاطمة أحرزت ميراث النبي دون العباس ؟ قال ما أحرزته دونه وقد ورثاه جميعا، قال: فهل عندك سلاحه ولامته وسيفه وخاتمه وبغلته وقضيبه وغير ذلك من تراثه ؟ قال: اما هذا فلا، قال: فما الذي ورث العباس من رسول الله. وسأل المعتصم أحمد بن حنبل: كان أبو بكر أفضل الصحابة أم علي ؟ قال: أبو بكر أفضل الصحابة وعلي أفضل أهل البيت، قال: أترجح ابن العم على العم ؟ قال: ان حمزة والعباس قالا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله يوم أمر بسد الابواب. وسأل الشيخ المفيد عباسي بمحضر أجلتهم: من كان الامام بعد النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال: من دعاه العباس أن يمديده لبيعته على حرب من حارب وسلم من سالم، قال: ومن هذا ؟ قال: علي بن أبي طالب حيث قال له العباس في اليوم الذي قبض فيه النبي بما اتفق عليه النقل: ابسط يدك يابن أخي ابايعك، فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، قال: فما كان الجواب من علي ؟ قال: كان الجواب ان النبي عهد إلي ان لا أدعو أحدا حتى يأتوني ولا اجرد سيفا حتى يبايعوني فانما أنا كالكعبة اقصد ولا أقصد ومع هذا فلي برسول الله شغل، فقال العباسي: كان العباس إذا على خطأ في دعائه الى البيعة، قال: لم يخطئ العباس فيما قصد لانه عمل على الظاهر وكان عمل أمير المؤمنين على الباطن وكلاهما أصابا الحق، قال: فان كان علي هو الامام بعد النبي فقد أخطأ الشيخان ومن تبعهما، قال: فان استعظمت تخطئة من ذكرت فلا بدلك من تخطئة علي والعباس من قبل انهما تأخرا عن بيعة ابي بكر ولم يرضيا بتقدمه عليهما ولا رآهما أبو بكر ولا عمر أهلا أن يشاركاهما في


[ 226 ]

شئ من امورهما وخاصة ما صنعه عمر يوم الشورى لما ذكر عليا دعابة ووصفه بالدعابة تارة وبالحرص على الدنيا اخرى وأمر بقتله إن خالف عبد الرحمن وجعل الحق في حيز عبد الرحمن دونه وفضله عليه وذكر من يصلح للامامة في الشورى ومن يصلح للاختيار فلم يذكر العباس في أحد الطائفتين وقد اخذ من علي والعباس وجميع بني هاشم الخمس وجعله في السلاح والكراع فان كنت أيها الشريف تنشط للطعن على علي والعباس بخلافهما للشيخين وتأخرهما عن بيعتهما وترى من العقد ما سنه الشيخان في التأخير لهما عن شريف المنازل والحط من أقدارهما فصر الى ذلك فانه الضلال. قال أبو طالب المحسن الحسيني النصيبي: وقد كان في الشورى من القوم ستة * ولم يك للعباس ثم دخول نفاه أبو حفص ولم يرضه لها * أصاب أم أخطا أي ذاك نقول وجمع المكتفي بين هارون الشاري واحمد القرمطي صاحب الدكة وقال: تناظرا في الامامة، فقال الشاري: من الامم بعد النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال: علي، قال: بأي حجة ؟ فان كان بالوراثة فالعباس وإن كان بالاجماع فأبوبكر، فقال القرمطي: أما أبو بكر (كذا) ما اخلفوا في نزاعه وانه بايع بعد عراك ولم يبايع هو واصحابه إلا بعد ما خشوا الفتنة فأما العباس فلايام الطلقاء بالمهاجرين، فقال الشاري: صدقت إلا انه احدث، ففرق بينهما الى محبسهما. من ورث المصحف والبغلة * والسيف جميعا والردا سوى علي المرتضى فطالب * العباس مولاي بذاك وادعى فاحتكما الى عتيق فرأى * ان الولاء لعلي فقضى (الرد على الغلاة) قال الله تعالى: (لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق)، معقل بن يسار: قال النبي صلى الله عليه وآله: رجلان من امتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم وغال في الدين مارق منه. الاصبغ ابن نباتة: قال أمير المؤمنين (ع): اللهم اني برئ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى الهلم اخذلهم أبدا ولا تنصر منهم أحدا. الصادق (ع): الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله والله ان الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا. للمؤلف فلا تدخلن في علا الانبياء * وفي الاوصياء بجهل غلوا ولا تنسين الذي قاله * جعلنا لكل نبي عدوا


[ 227 ]

وكان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر بذلك، روى احمد بن حنبل في المسند، وأبو السعادات في فضائل العشرة: ان النبي قال: يا علي مثلك في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم احبه قوم فأفرطوا فيه وابغضه قوم فأفرطوا فيه قال: فنزل الوحي (ولما ضرب بن مريم ثملا إذا قومك منه يصدون). أبو سعد الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه وآله: لو لا اني اخاف ان يقال فيك ما قالت النصاري في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملا من المسلمين إلا اخذوا تراب نعليك وفضل وضوئك يستشفون به ولكن حسبك ان تكون مني وانا منك ترثني وأرثك، الخبر، رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام. في الالفية: لو لا مخافة مفتر من امتي * ما في ابن مريم يفتري النصراني أظهرت فيك مناقبا في فضلها * قلب الاريب يظل كالحيران ولسارع الاقوام منك لاخذ ما * وطأته منك من الثرى العقيان متبركين بذاك ترامة لهم * شم المعاطس أي مارئمان كذا جاء في البيت الاخير ولغيره: فلو أبصر الناس ما تحت ثوبه * لهاموا به من طيبه وتمسحوا أمير المؤمنين (ع): يهلك في اثنان: محب غال ومبغض قال. وعنه: يهلك في رجلان محب مفرط بقرظني بما ليس لي ومبغض يحمله شناني على ان يبهتني. عبد الله بن سنان: ان عبد الله بن سبا كان يدعي النبوة ويزعم ان أمير المؤمنين هو الله، فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فدعاه وسأله فأفر بذلك وقال: انت هو، فقال له ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك امك وتب، فلما أبى حبسه واستتابه ثلاثة ايام فأحرقه بالنار. وروي ان سبعين رجلا من الزط أتوه (ع) بعد قتال اهل البصرة يدعونه إلها بلسانهم وسجدوا له قال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا عليه فقال فان لم ترجعوا عما قلتم في وتتوموا الى الله لاقتلنكم، قال: فأبوا فخدلهم أخاديد وأوقد نارا فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال: اني إذا أبصرت أمرا منكرا * اوقدت نارا ودعوت قنبرا ثم احتفرت حفرا فخفرا * وقنبر يخطم خطما منكرا


[ 228 ]

وقال السيد الحميري: قوم غلوا في علي لا أبا لهم * وجشموا أنفسا في حبه تعبا قالوا هو الله جل الله خالقنا * من أن يكون ابن أم أيو يكون أبا فمن أدار أمور الخلق بينهم * إذ كان في المهد أو في البطن محتجبا ثم أحيى ذلك رجل اسمه محمد بن نصر النميري البصري زعم ان الله تعالى لم يظهر إلا في هذا العصر وانه علي وحده، فالشر ذمة النصيرية ينتمون إليه وهم قوم اباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلوا المنهيات والمحرمات ومن مقالهم: ان اليهود على الحق ولسنا منهم وان النصارى على الحق ولسنا منهم. قال المؤلف: ذل قوم بنصير انتصروا * وعموا في أمرهم ما نظروا أسرفوا في بغيهم وانهمكوا * ربحوا فيما ترى أم خسروا فاقر أن في حقهم ما قاله * كيف يهدي الله قوما كفروا (الرد على السبعية) اختلفت الامة بعد النبي صلى الله عليه وآله في الامامة بين النص والاختيار، فصح لاهل النص من طرق المخالف والمؤالف بأن الائمة اثنا عشر ونبغت السبعية بعد جعفر الصادق (ع) وادعوا دعوى فارقوا بها الامة بأسرها. وكان الصادق (ع) قد نص على ابنه موسى (ع) وأشهد على ذلك ابنيه اسحاق وعليا، والمفضل بن عمر، ومعاذ بن كثير، و عبد الرحمن بن الحجاج، والعيص بن المختار، ويعقوب السراج، وحمران بن أعين، وأبا بصير، وداود الرقي، ويونس ابى ظبيان، ويزيد بن سليط، وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، والكتب بذلك شاهدة. وكان الصادق (ع) أخبره بهذه الفتنة بعده وأظهر موت اسماعيل وغسله وتجهيزه ودفنه وتشيع في جنازته بلا حذاء وأمر بالحج عنه بعد وفاته. أنفذ أبو جعفر الباقر (ع) لعكاشة بن محصن الاسدي بصرة الى دار ميمون بشراء جارية من صفتها كذا للصادق (ع)، فلما أتى النخاس قال: لا أبيعها إلا بسبعين فجعل يفتح الصرة فقال: لا تفتح لا تكون حبة أقل منه، فلما فتح كان كذلك، قال فأورد بالجارية الى الصادق (ع) فقال: ما اسمك ؟ قالت: حميدة، فقال: حميدة في الدنيا ومحمودة في الآخرة حميدة مصفاة من الادناس كسبيكة الذهب ما زالت الملائكة تحرسها حتى أديت الى كرامة من الله لي وللحجة من بعدي، ثم سألها: أبكر أنت أم ثيب ؟ قالت: بكر، قال: وأنى تكونين من أيدي النخاسين ؟ قالت: لما كان هم بي يأتيه شيخ وما زال يلطمه على حر وجهه حتى يتركني، ولما اشتراها النخاس


[ 229 ]

رأته امرأة من أهل الكتاب وقالت: سيولد منك أعز الخلق على الارض. ابن بابويه بالاسناد عن منصور بن حازم قال: كنت جالسا مع أبي عبد الله (ع) على الباب ومعه اسماعيل إذ مر علينا موسى وهو غلام فقال اسماعيل: سبق بالخير ابن الامة. ابن بابويه بالاسناد عن الوليد بن صبيح قال: رأيت اسماعيل بن جعفر في قوم يشربون فخرجت مغموما فجئت الحجر فإذا اسماعيل متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه فرجعت أسير فإذا اسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه، قال قال: فذكرت ذلك لابي عبد الله (ع) فقال: لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته. وقد روي ان الشيطان لا يتمثل في صورة نبي ولا في صورة وصي. زرارة بن أعين قال: دعى الصادق (ع) داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين وأبا بصير ودخل عليه المفضل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال: يا داود كشف عن وجه اسماعيل، فكشف عن وجهه فقال: تأمله يا داود فانظره أحي هو أم ميت ؟ فقال: بل هو ميت، فجعل يعرضه على رجل رجل حتى أتى على آخرهم فقال (ع): اللهم اشهد. ثم أمز بغسله وتجهيزه ثم قال: يا مفضل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه فقال: أحي هو أم ميت انظروه أجمعكم، فقال: بل هو يا سيدنا ميت، فقال: شهدتم بذلك وتحققتموه ؟ قالوا: نعم. وقد تعجبوا من فعله، فقال: اللهم اشهد عليهم، ثم حمل الى قبره فلما وضع في لحده قال: يا مفضل اكشف عن وجهه، فكشف فقال للجماعة: انظروا أحي هو أم ميت ؟ فقالوا: بل ميت يا ولي الله، فقال: اللهم اشهد فانه سير تاب المبطلون يريدون أن يطفؤا نور الله، ثم أومى الى موسى (ع) وقال: والله متم نوره ولو كره الكافرون، ثم حثوا عليه التراب ثم أعاد علينا القول فقال: الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو ؟ قلنا: اسماعيل ولدك، فقال: اللهم اشهد، ثم اخذ بيد موسى فقال: هو حق والحق معه ومنه الى أن يرث الله الارض ومن عليها. عنبسة العباد قال: لما توفي اسماعيل بن جعفر قال الصادق (ع): أيها الناس ان هذه الدنيا دار فراق ودار التواء لا دار استواء، في كلام له، ثم تمثل بقول ابي خراش فلا تحسبن اني تناسيت عهده * ولكن صبري يا اميم جميل كهمس في حديثه: حضرت موت اسماعيل وأبو عبد الله (ع) جالس عنده ثم قال بعد كلام كتب على حاشية الكفن: اسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله.


[ 230 ]

وروي عن الصادق (ع) انه استدعى بعض شيعته وأعطاه دراهم وأمره أن يحج بها عن ابنه اسماعيل وقال له: انك إذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ولاسماعيل سهم واحد. أنشد داود بن القاسم الجعفري: لما انبرى لي سائلا لاجيبه * موسى أحق بها أم اسماعيل قلت الدليل معي عليك وما على * ما تدعيه للامام دليل موسى اطيل له البقاء فخازها * إرثا ونصا والرواة تقول ان الامام الصادق ابن محمد * عزي باسماعيل وهو جديل وأتى الصلاة عليه يمشي راجلا * أفجعفر في وقته معزول وقال غيره: سألنا ملحدا إثبات دين * فعاندنا ومجمع في دليله وأرعد ثم أبرق ثم ولى * وبادر بالمقال الى خليله حكمت عليهم بالكفر حقا * لقد كفروا وصدوا عن سبيله (الرد على الخوارج) في حلية الاولياء قال أبو مجاز: قال علي بن ابي طالب عابوا علي بحكم الحكمين وقد حكم الله في طائر حكمين. ابانة ابي عبد الله بن بطة: ناظر ابن عباس جماعة الحرورية فقال: ماذا نقمتم على أمير المؤمنين ؟ قالوا: ثلاثا انه حكم الرجال في دين الله فكفر وانه قاتل ولم يغنم ولم يسب ومحا اسمه من امرة المؤمنين، فقال: ان الله حكم رجالا في أمر الله مثل قتل صيد فقال (يحكم به ذوا عدل منكم) وفي الاصلاح بين الزوجين قال (فان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها) واما انه قاتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون امكم عائشة ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي امكم وان قلتم ليست بأمنا فقد كذبتم لقوله (وازواجه امهاتكم) واما انه محا اسمه من امرة المؤمنين لقد سمعتم بأن النبي أناه سهيل بن عمرو وابو سفيان للصلح يوم الحديبية فقال اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله القصة، ووالله لرسول الله خير من علي وما خرج من النبوة بذلك، فقال بعضهم: هذا من الذين قال الله تعالى (بل هم قوم خصمون) وقال (وتنذر به قوما لدا) احتجاج قريش عليهم، قال: ورجع منهم خلق كثير. وناظر عبد الله بن اباض هشام بن الحكم قبل الرشيد فقال هشام: انه لا مسألة للخوارج علينا، فقال الاباضي: كيف ذاك ؟ قال: لانكم قوم قد اجتمعتم معنا على


[ 231 ]

ولاية رجل وتعديله والاقامة بامامته وفضله ثم فارقتمونا في عدواته والبراءة منه فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا وخلافكم لنا غير قادح في مذهبنا ودعواكم غير مقبولة علينا إذ الاختلاف لا يقابل بالاتفاق وشهادة الخصم لخصمه مقبولة وشهادته عليه مردودة غير مقبولة، فقال يحيى بن خالد: قد قربت قطعه ولكن جازه شئ، فقال هشام: ربما انتهى الكلام الى حد يغمض ويدق على الافهام والانصاف بالواسطة والواسطة ان كان من اصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي وان كان من اصحابك لم أجبه في الحكم علي وان كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي ولا عليك ولكن يكون رجلا من اصحابي ورجلا من اصحابك فينظران فيما بيننا، قال: نعم، فقال هشام لم يبق معه شئ، ثم قال: ان هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين حتى كان من امر الحكمين ما كان فاكفروه بالتحكيم وضللوه بذلك وهذا الشيخ قد حكم رجلين مختلفين في مذهبهما احدهما يكفره والآخر يعدله فان كان مصيبا في ذلك فأمير المؤمنين اولى بالصواب وان كان مخطئا فقد اراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها والنظر في كفره وايمانه اولى من النظر في اكفاره عليا (ع). فاستحسن الرشيد ذلك وامر له بجائزة. قال مؤمن الطاق للضحاك الشاري لما خرج من الكوفة محكما ويسمى بامرة المؤمنين لم تبرأتم من علي بن ابي طالب واستحللتم قتاله ؟ قال: لانه حكم في دين الله، قال وكل من حكم في دين الله استحللتم قتله ؟ قال: نعم، قال: فاخبرني عن الدين الذي جئت به اناظرك عليه لادخل فيه معك ان علت حجتك حجتي ؟ قال: فمن يشهد للمصيب بصوابه لابد لنا من عالم يحكم بيننا، قال: لقد حكمت يا هذا في الدين الذي جئت اناظرك فيه، قال: نعم. فأقبل الطاقى على اصحابه فقال: ان هذا صاحبكم قد حكم في دين الله فشأنكم به، فضروا الضحاك بأسيافهم. وقال القاضي التنوخي في جواب ابن المعتز: وعبت عليا في الحكومة بينه * وبين ابن حرب في الطغام الاشايب وقد حكم المبعوث يوم قريظة * ولا عيب في فعل الرسول لعايب وقال ابن العوذي وقالوا علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم وقالوا دماء الناس ظلما اراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم


[ 232 ]

فصل: في مسائل وأجوبة سئل الباقر (ع): لاي علة ترك أمير المؤمنين (ع) فدك لما ولى الناس ؟ فقال: للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل داره فقيل ألا ترجع الى دارك ؟ فقال وهل ترك عقيل لنا دارا إنا اهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما. وفى خبر لان الظالم والمظلومة قد كانا قدما على رسول الله وأثاب الله المظلومة وعاقب الظالم. وقال ضرار لهشام بن الحكم: ألا دعا علي الناس عند وفاة النبي الى الائتمام به إن كان وصيا ؟ قال: لم يكن واجبا عليه لانه قد دعاهم الى موالاته والائتمام به النبي يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما فلم يقبلوا منه ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم ان يدعو ابليس الى السجود له بعد إذ دعاه ربه الى ذلك، ثم انه صبر كما صبر اولوا العزم من الرسل. وسأل أبو حنيفة الطاقي فقال: لم لم يطلب علي بحقه بعد وفاة الرسول ان كان له حق ؟ قال: خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة. وقيل لعلي بن ميثم: لم قعد عن قتالهم ؟ قال: كما فعدهارون عن السامري وقد عبدوا العجل. قيل: فكان ضعيفا، قال: كان كهارون حيث يقول (يابن ام ان القوم استضعفوني) وكنوح إذ قال (اني مغلوب فانتصر) وكلوط إذ قال (لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد) وكموسى وهارون إذ قال موسى (رب اني لا املك إلا نفسي واخي). وهذا المعنى قد اخذه من قول أمير المؤمنين لما اتصل به الخبر انه لم ينازع الاولين، فقال (ع) لي بستة من الانبياء اسوة: اولهم خليل الرحمن إذ قال (واعتزلكم وما تدعون من دون الله) فان قلتم انه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم انه اعتزلهم لما رأى المكروه منهم فالوصي اعذر، وبلوط إذ قال (لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد) فان قلتم ان لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم وإن قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي اعذر، وبيوسف إذ قال (رب السجن احب إلي مما يدعونني إليه) فان قلتم طالب بالسجن بغير مكروه يسخط الله فقد كفرتم وإن قلتم انه دعي الى ما يسخط الله فالوصي اعذر، وبموسى إذ قال (فررت منكم لما خفتكم) فان قلتم انه فر من غير خوف فقد كفرتم وإن قلتم فر منهم (المناقب ج 1، م 29)


[ 233 ]

لسوء أرادوه به فاوصي اعذر، وبهارون إذ قال لاخيه: يابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فان قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وان قلتم استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي اعذر، وبمحمد إذ هرب الى الغار وخلفني على فراشه ووهبت مهجتي لله فان قلتم انه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم وان قلتم انهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب الى الغار فالوصي اعذر، فقال الناس صدقت يا أمير المؤمنين. قال العوني: كم من نبي غدا مستضعفا وله * رب السماوات بالاملاك يردفه لله في الارض مكر ليس يأمنه * إلا كفور شقى الجد مقرفه وفي نهج البلاغة فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الموت فأغضيت على القذى وشربت على الشجى وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم. وفي الخصال في آداب الملوك انه قال (ع): ولي في موسى اسوة وفي خليلي قدوة وفي كتاب الله عبرة وفيما أودعني رسول الله برهان وفيما عرفت تبصرة ان تكذبوني فقد كذبوا الحق من قبلي وان ابتلى به فتلك سيرتي المحجة البيضاء والسبيل المفضية لمن لزمها من النجاة لم أزل عليها لانا كلا ولا مبدلا لن اضيع بين كتاب الله وعهد ابن عمي به، في كلام له، ثم قال: لن أطلب العذر في قومي وقد جهلوا * فرض الكتاب ونالوا كلما حرما حبل الامامة لي من بعد أحمدنا * (الابيات) ومن كلام له (ع) رواه محمد بن سلام فنزل بي من وفاة رسول الله ما لم تكن الجبال لو حملته لحملته ورأيت أهل بيته بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل ما نزل به قد أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام وبين القول والاستماع، ثم قال بعد كلام: وحملت نفسي على الصبر عند وفاته ولزمت الصمت والاخذ فيما أمرني به من تجهيزه، الخبر. قوله تعالى (فوكزه موسى فقضى عليه) كان قتل واحدا على وجه الدفع فأصبح في المدينة خائفا (فخرج منها خائفا) ففررت منكم لما خفتكم (رب اني قتلت منهم) رب اني أخاف، فكيف لا يخاف علي وقد وترهم بالنهب وأفناهم بالحصيد واستأسرهم فلم يدع قبيلة من أعلاها الى أدناها إلا وقد قتل صناديدهم. قال مهيار: تركت أمرا ولو طالبته لدرت * معاطس راغمته كيف تجتدع صبرت تحفظ أمر الله ما اطرحوا * ذبا عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا


[ 234 ]

ليشرقن بحلو اليوم مرغد * إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا قيل لأمير المؤمنين في جلوسه عنهم قال اني ذكرت قول النبي: إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك فعليت بالصبر حتى ينزل الامر فانهم سيغدرون بك وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني وان هذه ستخضب من هذا. وسئل الصادق: ما منع عليا أن يدفع أو يمتنع ؟ فقال: منع عليا من ذلك آية من كتاب الله تعالى: (لو تزايلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) انه كان لله ودايع مؤمنين في أصلاب قوم كفار ومنافقين فلم يكن علي ليقتل حتى تخرج الودايع فإذا خرج ظهر على من ظهر وقتله. قال ابن حماد: أغرك امهال الامام لمن بغى * عليه ومن شأن الامام الرضى المهل ولو شاء ارسال العذاب إليهم * لما صده عن ذاك خيل ولا رجل ولكنه أبقى عليهم لعترة * ولو هلك الآباء لا نقطع النسل زرارة بن أعين قلت لابي عبد الله (ع): ما منع أمير المؤمنين (ع) أن يدعو الناس الى نفسه ويجرد في عدوه سيفه ؟ فقال: لخوف أن يرتدوا فلا يشهدوا ان محمدا رسول الله. قال الناشي: ان الذي قبل الوصية ما أتى * غير الذي يرضي الاله وما اغتدى أصلحت حال الدين بالامر الذي * أضحى لحالك في الرياسة مفسدا وعلمت انك ان أردت قتالهم * ولوا عن الاسلام خوفك شردا فجمعت شملهم بترك خلافهم * وان اغتديت من الخلافة مبعدا لتتم دينا قد امرت بحفظه * وجمعت شملا كاد أن يتبددا وسأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس علي في الدار ؟ فقال: ان عليا في هذه الامة كان فريضة من فرايض الله أداها نبي الله الى قومه مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج وليس على الفرايض أن تدعوهم الى شئ إنما عليهم أن يجيبوا الفرايض وكان علي أعذر من هارون لما ذهب موسى الى الميقات فقال لهارون اخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين، فجلعه رقيبا عليهم وان نبي الله نصب عليا لهذه الامة علما ودعاهم عليه فعلي في غدرهم جلس في بيته وهم في حرج حتى يخرجوه فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله. فاستحسن منه جعفر الصادق (ع) قال العوني:


[ 235 ]

تقول لم لم يقاتلهم هناك على * حق ليدفع عنه الضيم مرهفه أم كيف أمهل من لو سل صارمه * في وجهه لرأيت الطير يخطفه فقلت من ثبتت في العقل حكمته * فلا اعتراض عليه حين ينصفه لم عمر الله ابليسا وسلطه * على ابن آدم في الآفات يقرفه لم يمهل الله فرعونا يقول لهم * إني أنا الله محي الخلق متلفه في مجلس لو أراد الله كان به * وبالالى نصروه كان يخسفه أملى لهم فتمادوا في غوايتهم * ان الغوي كذا الدنيا تسوفه وهل خلا حجة لله ويحك من * جبار سوء على البأساء يعطفه ومن كلام أمير المؤمنين (ع) وقد سئل عن أمرهما: وكنت كرجل له على الناس حق فان عجلوا له ماله أخذه وحمدهم، وان أخروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ بالسهولة وهو عند الناس مخذول الهدى بقلة من يأخذه من الناس فإذا سكت فاعفوني. وقال (ع) لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى: ان لنا حقا ان اعطيناه أخذنا وإن منعناه ركبنا أعجاز الابل وإن طال بنا السرى. وسئل متكلم: لم لم يقاتل الاولين على حقه وقاتل الآخرين ؟ فقال: لم لم يقاتل رسول الله على ابلاغ الرسالة في حال الغار ومدة الشعب وقاتل بعدهما ؟. وقال ابان ابن تغلب لعبد الله بن شريك لما هزمهم أمير المؤمنين (ع) يوم الجمل قال: لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن. فلما كان يوم صفين قتل المدبر واجهز على الجريح هذه سيرتان مختلفتان. فقال: ان أهل الجمل قتلوا طلحة والزبير وان معاوية كان قائما بعينه وهو قائدهم. أبو بكر الحضرمي: قال الصادق (ع): لسيرة علي بن أبي طالب في أهل البصرة كان خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس انه علم ان للقوم دولة فلو سباهم سبيت شيعته. وقال بعض النواصب لصاحب الطاق: كان علي يسلم على الشيخين بامرة المؤمنين أفصدق أم كذب ؟ قال: اخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود فقال أحدهما ان هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة كذب أم صدق ؟ فانقطع الناصبي. وسال سليمان بن حريز: يا هشام بن الحكم اخبرني عن قول علي لابي بكر: يا خليفة رسول الله، أكان صادقا أم كاذبا ؟ فقال هشام: وما الدليل على انه قاله ؟ ثم قال وان كان قاله فهو كقول ابراهيم (اني سقيم) وكقوله (بل فعله كبيرهم) وكقول يوسف (أيتها العيرانكم لسارقون).


[ 236 ]

وقال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدليل على صحة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلتكم مع كثرة أولاد علي وادعائهم، فقال هشام: لست ايانا أردت بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح حيث لبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم الى النجاة ليلا ونهارا وما آمن معه إلا قليل. وقال أمير المؤمنين: سرت في أهل البصرة بسيرة رسول الله في أهل مكة. وقيل لعلي بن ميثم: لم صلى علي خلف القوم ؟ قال: جعلهم بمنزلة السواري، قيل: فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان ؟ قال: لان الحد له واليه فإذا أمكنه إقامته أقامة بكل حيلة، قيل: فلم أشار على أبى بكر وعمر ؟ قال: طلبا منه أن يحيي أحكام الله وأن يكون دينه القيم كما أشار يوسف على ملك مصر نظرا منه للخلق ولان الارض والحكم فيها إليه فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل وان لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه الاحياء لامر الله، قيل: لم قعد في الشورى ؟ قال: اقتدارا منه على الحجة وعلما بأنهم ان ناظروه و أنفصفوه كان هو الغالب ومن كان له دعوى فدعى الى ان يناظر عليه فان ثبتت له الحجة أعطته فان لم يفعل بطل حقه وأدخل بذلك الشبهة على الخلق وقد قال (ع) يومئذ: اليوم ادخلت في باب إذا انصفت فيه وصلت الى حقي – يعني ان الاول استبد بها يوم السقيفة ولم يشاوره -، قيل فلم زوج عمر ابنته ؟ قال: لاظهاره الشهادتين واقراره بفضل رسول الله وارادته استصلاحه وكفه عنه وقد عرض نبي الله لوط بناته على قومه وهم كفار ليردهم عن ضلالتهم فقال هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ووجدنا آسية بنت مزاحم تحت فرعون. وسئل الشيخ المفيد: لم أخذ عطاهم وصلى خلفهم ونكح سبيهم وحكم في مجالهسم ؟ فقال: اما أخذه العطاء فأخذ بعض حقه، واما الصلاة خلفهم فهو الامام من تقدم بين يديه فصلاته فاسدة على ان كلا مؤد حقه، واما نكاحه من سبيهم فمن طريق الممانعة ان الشيعة روته ان الحنفية زوجها أمير المؤمنين محمد بن مسلم الحنفي، واستدلوا على ذلك بأن عمر بن الخطاب لما رد من كان أبو بكر سباه لم يرد الحنفية فلو كانت من السبي لردها، ومن طريق المتابعة انه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما اردتم لان الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول الله كفارا فنكاحهم حلال لكل أحد ولو كان الذين سباهم يزيد وزياد وإنما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ثم نكح أمير المؤمنين، واما حكمه في مجالسهم


[ 237 ]

فانه لو قدر أن لا يدعهم يحكمون حكما لفعل إذ الحكم إليه وله دونهم. وفي كتاب الكر والفر قالوا: وجدنا عليا يأخذ عطاء الاول ولا يأخذ عطاء ظالم إلا ظالم ؟ قلنا: فقد وجدنا دانيال يأخذ عطاء بختنصر. وقالوا: قد صح ان عليا لم يبايع ثم بايع ففي أيهما أصاب أخطأ في الاخرى ؟ قلنا: وقد صح ان النبي لم يدع في حال ودعا في حال ولم يقاتل ثم قاتل. وقال رجل للمرتضى: أي خليفة قاتل ولم يسب ولم يغنم ؟ فقال: ارتد علاثة في أيام أبي بكر فقتلوه ولم يعرض أبو بكر لماله. وروي مثل ذلك لمرتد قتل في أيام عمر فلم يعرض لماله. وقتل علي مسوره العجلي ولم يعرض لماله، فالقتل ليس بامارة على تناول المال. وقال رجل لشريك: أليس قول علي لابنه الحسين يوم الجمل: يا بني يود ابوك انه مات قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، يدل على ان في الامر شيئا ؟ فقال شريك: ليس كل حق يشتهى ان يتعب فيه، قد قالت مريم في حق لا يشك فيه (ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا)، ولما قيل لأمير المؤمنين في الحكمين: شككت ؟ قال: أنا أولى بأن لا أشك في ديني ام النبي وما قال الله تعالى لرسوله (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين). وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال: اخبروني حين بعث الله محمدا بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة ؟ قالوا بنعمة تامة، قال: فأيما أتم ان يكون في اهل بيت واحد نبوة و خلافة أو يكون نبوة بلا خلافة ؟ قالوا: بل يكون نبوة وخلافة قال: فلماذا جعلتموها في غيرها فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف، فافحموا. قال الصاحب: من كالوصي علي عند سابقة * والقوم ما بين تضليل وتسفيه من كالوصي علي عند مشكلة * وعنده البحر قد فاضت نواحيه من كالوصي علي عند مخمصة * قد جاد بالقوت ايثارا لعافيه يا يوم بدر تجشم ذكر موقعة * فاللوح يحفظه والوحي يمليه وأنت يا احد هل في الورى أحد * يطيق جحدا لما قد قلته فيه براءة استرسلي في القوم وانبسطي * فقد لبست جمالا من توليه


[ 238 ]

باب في امامة الائمة الاثنى عشر عليهم السلام فصل: في الخطب نسب الى علم الهدى رحمه الله: الحمد لله بارئ النسم * مقدر الرزق قاسم القسم الواحد الماجد المفيض على * عباده من سوابغ النعم رب توالت فنون نعمته * كما توالت هو اطل الديم نحمده شاكرين أنعمه * حيث هدانا لدينه القيم وأرسل المرسلين قاطبة * بكتبه حجة على الامم وابتعث المصطفى وفضله * بأفضل الكتب أشرف الكلم محمد خير من سعى ودعا * وحج بيتا بكعبة الحرم صلى عليه الاله ما زهرت * شوابك النجم في دجى الظلم ثم علي المرتضى وزوجته * وابنيه ثم الامام ذى الحرم ثم على باقر وجعفر والكاظم * ثم الرضا ذوي الهمم ثم ابنه والنقي والحسن * المسموم ثم الامام ذى العلم القائم العادل المجدد دين * المصطفى الحبر سيد النسم من يملا الارض بعد ما ملئت * بالجور والعدل خير مقتسم هم عصمتي في الورى لانهم * خير قرين وخير معتصم سهل ويسر لنا لقاءهم * في جنة الخلد بارئ النسم واغفر لنا سيئاتنا وقنا * هول عذاب الجحيم والالم ولعلي بن الهيصم: الحمد لله ذي الافضال والكرم * رب البرايا ولي الطول والنعم أبدا صنايعه من غيب قدرته * تزهو بدايعها كالروض في الديم يجري ممالكه سلطان حكمته * ما شاء يخرجه خلقا من العدم انظر الى القبة الخضراء عالية * قد زانها الانجم الزهراء في الظلم


[ 239 ]

وانظر إلى الارض فوق الماء طافية * محفوظة بالرواسي الشم والامم أما ترى شخصك الميمون أبدعه * من نطفة مكنت في ظلمة الرحم نفسا عجيبا بلا عيب تعاوره * قدا جميلا مكين الساق والقدم فالوجه والعين والاذنان ظاهرة * والقلب والروح والاحشاء في ظلم فيها دمي حليف العقل مدكر * هذا لحيم أليف النطق والكلم هذا مرتب أفعال ميسرة * هذا مفتح مخزون ومن كتم هذا بعرفان محض القول في شرف * هذا بتوحيد رب العرش في نعم سبحان منشئها سبحان مبدعها * اعجب بصنعه في كل ذي رقم اختار من خلقه ما شاء مغتنيا * حتى تعالى رفيع الشأن والعلم واختار منهم رسول الله سيدنا * محمدا أفضل الاحياء والنسم جلت مناصبه عزت مناسبه * فاحت أطايبه في الحل والحرم صلى عليه إله الخلق متصلا * ما انهل وبل على الضيعات والاكم ثم الصلاه على من بعده خلف * عنه الخليفة حقا كاسر الصنم أخو الرسول أمير المؤمنين ولي * الله خير عباد الله كلهم ثم الصلاة على نجل له فطن * أعني به الحسن المختار ذى الهمم ثم الصلاة على نجل له ندس * أعني الحسين كريم الخيم والشيم ثم الصلاة على زين العباد رضا * أعني عليا علي الفضل والخيم ثم الصلاة على المعصوم باقرنا * محمد بن علي سيد الامم ثم الصلاة على المأمول جعفرنا * الصادق الطاهر الخالي من التهم ثم الصلاة على المنصوص كاظمنا * الكاظم الغيظ غيظ الخيل والخدم ثم الصلاة على المظلوم سيدنا * علي بن موسى الرضا المحافظ للذمم ثم الصلاة على الصدر التقي ند * محمد بن علي عالم فهم ثم الصلاة على البدر النقي به * نجل التقي إمام الخلق محتشم ثم الصلاة على معصومنا الحسن * الزكي وافى الذمام الطاهر الحرم ثم الصلاة على المهدي قائمنا * محمد بن الحسن الكشاف للغمم عليهم صلوات الله زاكية * مادامت المسكة الذفراء في اللمم ولغيره خطبة: الحمد لله خالق السماوات والارض، وجعلها اطباقا بعضها فوق بعض، خالق


[ 240 ]

الرفع والخفض، والابرام والنقض، المنره عن الطول والعرض، نور السماوات والارض. خالق المساء والصباح، فقال الاصباح منشر الرياح باعث الارواح، اهل الجود والسماح، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، مخرج البيض من الدجاجة، ومنزل الماء من المزن بعضها عذب وبعضها اجاجه، وصف في قلوب المؤمنين سراجه، فقال المصباح في زجاجة الزجاجة. رب العالمين عليم علي وفيما وعد للمؤمنين وفي، ضرب لنا مثلا ومثله سني، فقال كأنها كوكب دري. يعطي الجزيل من الثواب غير ممنونة، وانزل التوراة والانجيل في صحف مكنونة، وانزل القرآن في اوقات ميمونة، يوقد من شجرة مباركة زيتونة. لا جوهرية ولا عرضية، ولا سمائية ولا ارضية، لا فوقية ولا تحتية، لا شرقية ولا غربية. فمن عرفه لم يلحقه اثم ولا عار، ومن جحد صار الى النار، ومن هرب من عذابه لا تنجيه دار ولا غار، وهو الله الواحد القهار، النافع الضار، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، ومن جماله سرور في سرور، ومن كماله حبور في حبور، وفى جنانه قصور في قصور، وفى كتابه نور على نور. اله العزة والبهاء، والقدرة والسناء، يهدي الله لنوره من يشاء. فمن عرفه رفع عنه العقوبة والباس، والقنوط والياس، ويضرب الله الامثال للناس، وهو الملك القديم، الرحمن الرحيم، وهو بكل شئ عليم. فصل: في الآيات المنزلة فيهم عليهم السلام تظاهرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله: (الله نور السماوات)، انه قال: يا علي النور اسمي والمشكاة انت يا علي المصباح الحسن والحسين الزجاجة على بن الحسين كأنها كوكب دري محمد بن علي يوقد من شجرة جعفر بن محمد مباركة موسى بن جعفر زيتونة علي ابن موسى لا شرقية محمد بن علي ولا غربية علي بن محمد يكاد زيتها الحسن بن علي يضئ القائم المهدي. كتاب التوحيد عن ابن بابويه باسناده عن الباقر (ع) في قوله: (كمشكاة فيها مصباح) قال: نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله المصباح في زجاجة صدر علي صار علم النبي الى صدر علي علم النبي عليا، يوقد من شجرة مباركة نور العلم لا شرقية ولا غربية لا يهودية ولا نصرانيه، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار قال: يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل ان يسأل، نور على نور أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في اثر إمام من آل محمد وذاك من لدن آدم الى ان تقوم الساعة فهؤلاء


[ 241 ]

الاوصياء الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو الارض في كل عصر من واحد منهم، وقالوا: الشجرة الرضوان والبيعة للنبي صلى الله عليه وآله وللصحابة لقد رضى الله عن المؤمنين وشجرة النور والمباركة وهي الائمة الاثناء عشر يوقد من شجرة والشجرة الملعونة بنو امية عن الباقر وابن المسيب (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة) الآية. قال الحميري: غرست نخيل من سلالة آدم * شرفا فطاب بفخر طيب المولد زيتونة طلعت فلا شرقية * تلقى ولا غربية في المتحد ما زال يشرق نورها من زيتها * فوق السهول وفوق صم الجلمد وسراجها الوهاج احمد والذي * يهدى الى نهج الطريق الازهد وقال الزاهي: فهم في الكتاب زيتونه النور * وفيها من غير نار وقود وهم النخل باسقات كما قال * سوار لهن طلع ونضيد وبأسمائهم إذا ذكر الله * بأسمائه اقتران وكيد جابر الجعفي عنه (ع) في تفسير قوله (والفجر وليال عشر) يا جابر والفجر جدي وليال عشر عشرة أئمة والشفع أمير المؤمنين والوتر اسم القائم. قال ابن الحجاج: أقسمت بالشفع والوتر * والنجم والليل إذا يسري اني امرؤ قد ضقت ذرعا بما * أطوى من الهم على صدري وقال الحميري: الفجر فجر الصبح والشعر عشر * الفجر والشفع النجيان محمد وابن أبي طالب * والوتر رب العزة الثاني مقاتل فسر هذا كذى * تفسير ذي صدق وايمان أعني ابن عباس وكان امرءا * صاحب تفسير وتبيان الرضا في تفسير قوله (الله نور السموات والارض) قال: هدى من في السماوات وهدى من في الارض، وفى رواية: هاد لاهل السماوات وهاد لاهل الارض. الصادق (ع): هو مثل ضربه الله لنا. ويقال أي مزينهما. وذكر صاحب مصباح الواعظ ان الله تعالى زين كل شئ بائنى عشر شيئا: السماء بالبروج (وزينا السماء الدنيا)، والسنة بالشهور (ان عدة الشهور عند الله)، والبحار بالجزاير وهي اثنا عشر، والارض بمكان الائمة من أولاد علي وفاطمة للحديث المروى


[ 242 ]

عن زيد الرقاشي عن أنس قال: قال صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ولما انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ومن افقد القمر فليستمسك بالزهرة ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين فسئل عن ذلك فقال: أنا الشمس وعلي القمر وفاطمة الزهرة والحسن والحسين الفرقدان، ذكره النطنزى في الخصائص. وفي رواياتنا روى القاسم عن سلمان الفارسي فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة ثم قال: واما النجوم الزاهرة فهم الائمة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم، الخبر. وقد سمى الله تعالى اثنى عشر شيئا نورا: نفسه (الله نور السموات)، ونبيه (قد جائكم من الله نور)، ووليه (نور على نور)، والائمة الاثنى عشر (يريدون ليطفؤا نور الله)، والايمان (مثل نوره كمشكوة)، والنهار (وجعل الظلمات والنور)، والقمر (وجعل القمر فيهن نورا)، والسعادة (يسعى نورهم)، والنار (مثلهم كمثل الذى)، والطاعة (ليخرجكم من الظلمات الى النور)، والتوراة (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورا)، والقرآن (واتبعوا النور الذى)، والعدل (وأشرقت الارض بنور ربها). جابر الجعفي في تفسيره عن جابر الانصاري قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) عرفنا الله ورسوله فمن اولوا الامر ؟ قال: هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدى أو لهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم على بن الحسين ثم محمد بن على المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي ابن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيتي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن على الذى فتح الله على يده مشارق الارض ومغاربها ذاك الذى يغيب عن شيعته غيبته لا يثبت على القول بامامته إلا من امتحن الله قلبه بالايمان. أبو بصير عن الباقر (ع) في هذه الآية قال: الائمة من ولد علي وفاطمة الى أن تقوم الساعة. قال العوني: نص على ست وست بعده * كل إمام راشد برهانه صلى عليه ذوالعلى ولم يزل * يغشاه منه أبدا رضوانه جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر في خبر طويل في قوله (فقلنا اضرب بعصاك


[ 243 ]

الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم) الآية، فقال: ان قوم موسى لما شكوا إليه الجدب والعطش استسقوا موسى فاستسقى لهم فمسعت ما قال الله له ومثل ذلك جاء المؤمنون الى جدي رسول الله قالوا: يا رسول الله تعرفنا من الائمة بعدك ؟ فقال وساق الحديث الى قوله: فانك إذا زوجت عليا من فاطمة خلفت منها أحد عشر إماما من صلب علي يكونون مع علي اثنا عشر إماما كلهم هداة لامتك يهتدون بهم كل امة بامام منهم ويعلمون كما علم قوم موسى شربهم، قوله (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) (وإذ أخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا). الصادق (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى أخذ ميثاقي وميثاق اثنى عشر إماما بعدي وهم حجج الله علي خلقه الثاني عشر منهم القائم الذي يملا به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قيس بن أبي حازم عن ام سلمة قالت: قال رسول الله في قوله: (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) أنا (والصديقين) علي (والشهداء) الحسن والحسين (والصالحين) حمزة (وحسن اولئك رفيقا) الائمة الاثنا عشر بعدي. الباقر (ع) في قوله (ومن يطع الله ورسوله) المراد بالانبياء المصطفى وبالصديقين المرتضى وبالشهداء الحسن والحسين وبالصادقين من أولاد الحسين وحسن اولئك رفيقا المهدي. كتاب النبوة عن ابن بابويه باسناده عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق عن قوله (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات) ما هذه الكلمات ؟ قال: التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو انه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه انه هو التواب الرحيم، فقلت ما يعني بقوله (فأتمهن) ؟ قال: أتمهن الى القائم اثنى عشر إماما. الباقر والصادق في قوله (والشمس وضحاها) قالا: هو رسول الله (والقمر إذا تلاها) علي بن أبي طالب (والنهار إذا جلاها) الحسن والحسين وآل محمد، قالا: (والليل إذا يغشاها) عتيق وابن صهاك وبنو امية ومن تولاهما. الكافي، قال الصادق (ع): الشمس رسول الله به أوضح الله عزوجل للناس دينهم (والقمر إذا تلاها) ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله ونقبه بالعلم نقبا (والليل إذا يغشاها) ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالامر دون الرسول وجلسوا مجلسا كان الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال والليل إذا


[ 244 ]

يغشاها (والنهار إذا جلاها) ذاك الامام من ذرية فاطمة يسأل عن دين رسول الله فحكى الله عزوجل قوله فقال: والنهار إذا جلاها. كتاب كشف الحيرة قال أمير المؤمنين (ع): انشدكم بالله أتعلمون ان الله أنزل في سورة الحج (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم) السورة، فقام سلمان فقال: يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم الشهداء على الناس الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة ابراهيم ؟ قال النبي: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الامة، قال سلمان بينهم لنا يا رسول الله، قال: أنا وأخى علي وأحد عشر من ولدي، قالوا: اللهم نعم، الخبر. جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (ع) في قوله (ان عدة الشهور) الآية قال قال شهورها اثنا عشر وهو أمير المؤمنين وعدد الائمة بعده ثم قال بعد كلام طويل في قوله (منها أربعة حرم) أربعة منهم باسم واحد على أمير المؤمنين وأبي على بن الحسين وعلي بن موسى وعلى بن محمد (فلا تظلموا فيهم أنفسكم) أي قولا بهم جميعا تهتدوا، وفي خبر أربعة حرم علي والحسن والحسين والقائم بدلالة قوله (ذلك الدين القيم)، وقال سلمان القصري سألت الحسن بن علي عليهما السلام فقال: عددهم عدد شهور الحول العمر أقصر أن يقضى * بالبطالة والسرور فتروح بالخسران من * دنياك في يوم النشور فافزع الى مولاك ذي * الانعام والفضل الكبير متوسلا بالمصطفى * ووصيه البر الطهور السادة الابرار والا * نوار في عدد الشهور فهم الهداه لنا على * مر الليالي والدهور الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) في خبر: ولقد سئل رسول الله وأنا عنده عن الائمة فقال: والسماء ذات البروج ان عدهم بعدد البروج ورب الليالي والايام والشهور. يزيد بن عبد الملك عن زين العابدين (ع) انه قال في قول الله تعالى: (بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) قال: من ولاية علي أمير المؤمنين والاوصياء من ولده. مسنم بن قيس عن أمير المؤمنين في خبر طويل في قوله (ووالد وما ولد) قال: اما الوالد فرسول الله (وما ولد) يعني هؤلاء الاوصياء. وروى في قوله (واولوا العلم قائما بالقسط) هم الائمة إماما بعد إمام.


[ 245 ]

وحكى في قوله (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) انهم الائمة الاثنا عشر يوضحه قول النبي: النجوم أمان لاهل السماء وأهل بيتي أمان لاهل الارض الخبر، فالضال في البرية يهتدي بها والضال في الدين يهتدي بهم. وجاء في تفسير قوله تعالى (أبود ؟ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل) الآية، ان صاحب البستان رسول الله والبستان شريعته والاشجار الائمة والانهار علوم العلماء والكبر وصول الرسول الى الله تعالى والذرية أولاده والنار الفتن والايتام الامة. أبو القاسم الكوفى قال: روى في قوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) ان الراسخون في العلم من قرنهم الرسول بالكتاب واخبر انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وفي اللغة الراسخ هو اللازم الذي لا يزول عن حاله ولن يكون كذلك إلا من طبعه الله على العلم في ابتداء نشوه كعيسى في وقت ولادته قال (اني عبد الله آتاني الكتاب) الآية، فاما من يبقى السنين الكثيرة لا يعلم ثم يطلب العلم فيناله من جهة غيره على قدر وما يجوز أن يناله منه فليس ذلك من الراسخين، يقال رسخت عروق الشجر في الارض ولا يرسخ إلا صغيرا، وقال أمير المؤمنين: أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا لنا وحسدا علينا ان رفعنا الله سبحانه ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى لابهم. أبو الصباح الكناني وأبو بصير كلاهما عن الصادق، وروى الفضل بن يسار ويزيد بن معاوية العجلي كلاهما عن الباقر واللفظ للكناني: نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الانفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله (أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله) أقول توحيد رب العلى * وان الائمة اثنا عشر فصل: في النصوص الواردة على ساداتنا الروايات في هذا الباب نوعان، منها المتناقل قبل آدم، ومنها المروي قبل شرع الاسلام، ومنها ما تظاهرت به الروايات عن النبي وذلك نوعان، منها ماروته العامة، ومنها ماروته الخاصة، فما جاء قبل آدم نحو حديث الميثاق وحديث الاصل وحديث الاسماء المكتوبة على العرش وحديث الكلمات وغير ذلك فلتؤخذ من مواضعها في هذا الكتاب، واما ما جاء قبل الاسلام خبر الهاروني الذي سأل عمر بن الخطاب وهو خبر


[ 246 ]

طويل ذكرنا بعضه فيه وحدثني أبو علي الطبرسي في أعلام الورى قال حدثني من أثق به كانت بشارة موسى بالنبي صلى الله عليه وآله في السفر الاول من التوراة (وليشتمعيل شمتنح هنه يرختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم بوالد ؟ وأنا تيتولگري كادل وات برني هانيم) وتفسيره بالعربية: اسماعيل قبلت صلواته وباركت فيه وأنميته وكثرت عدده بولد له اسمه محمد يكون اثنين وتسعين في الحساب وسأخرج اثنى عشر إماما من نسله وأعطيه قوما كثير العدد، وقال القاضي الكراجكي في الاستبصار هذا من التوراة العتيقة بوجد ؟ عند اليونايين، وروى الشيخ المفيد حديث الخضر ومحبته الى أمير المؤمنين وسؤاله عن مسئاله وأمره لولده الحسن بالاجابة عنها فلما أجاب أعلن الخضر بحضرة الجماعة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصي رسول الله القائم بحجته وأشار بيده الى أمير المؤمنين ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته وأشار بيده الى الحسن انه وصي أبيه والقاسم بحجته بعد واشهد ان الحسين بن علي وصي ابيه والقائم بحجته بعدك واشهد على علي بن الحسين انه القائم بأمر الحسين واشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن الحسين واشهد على جعفر بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي واشهد على موسى بن جعفر انه القائم بأمر جعفر واشهد على على بن موسى انه القائم بأمر موسى واشهد على محمد بن علي انه القائم بأمر علي بن موسى واشهد على علي بن محمد انه القائم بأمر محمد بن علي واشهد على الحسن بن علي انه القائم بأمر علي بن محمد واشهد ان رجلا من ولد الحسين لا يسمى ولا يكنى حتى يظهر الله أمره فيملاها عدلا كما ملئت جورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وروى الكلبي عن الشرقي بن القطامي عن تميم بن وعلة المري عن الجارود ابن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية وأنشد: يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وأفرت جبالا جابت البيد والمهامه حتى * غالها من طوى السرى ما غالا اخبر الاولون باسمك فينا * وبأسماء بعده تتتالا فقال رسول الله: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الايادي ؟ فقال الجارود: كلنا يا رسول الله نعرفه غير اني من بينهم عارف بخبره واقف على اثره، فقال سلمان: اخبرنا، فقال: يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد ومن اندية اياد الى


[ 247 ]

ضحضح ذي قتاد وسمر وغياد وهو مشتمل بنجاد فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا الى السماء وجهه واصبعه فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم رب السماوات والارفعة والارضين الممرعة، بحق محمد والثلاثة المحاميد معه، والعليين الاربعة، وفاطم والحسنين الابرعة، وجعفر وموسى التبعة، سمي الكليم الصرعة، اولئك النقباء الشفعة، والطريق المهيعة، وراثته الاناجيل، ومحاة الاضاليل، ونقاة الاباطيل، والصادقوا القيل، عدد نقباء بني اسرائيل، فهم اول البداية، وعليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من الله فرض الطاعة، اسقنا غيثا مغيثا. ثم قال: ليتني مدركهم ولو بعد لاي من عمري ومحياي، ثم انشأ يقول: أقسم قس قسما * ليس به مكتتما * لو عاش الفى سنة * لم يلق منها سلما حتى يلاقي احمدا * والنجباء الحكما * هم اوصياء احمد * افضل من تحت السما يعمى الانام عنهم * وهم ضياء للعما * لست بناس ذكرهم * حتى احل الرجما قال الجارود: فقلت يا رسول الله انبئني أنبأك الله بخبر هذه الاسماء التي لم نشهدها واشهدنا قس ذكرها ؟ فقال رسول الله: يا جارود ليلة اسرى بي الى السماء اوحى الله عزوجل إلي ان سل من قد ارسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا قلت: على ما بعثوا ؟ قال: بعثتهم على نبوتك وولاية علي بن ابي طالب والائمة منكما، ثم عرفني الله تعالى بهم وبأسمائهم، ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله للجارود اسمائهم واحدا واحدا الى المهدي عليهم السلام قال لي الرب تبارك وتعالى هؤلاء اوليائي وهذا المنتقم من اعدائي يعني المهدي، فقال الجارود: اتيتك يابن آمنة رسولا * لكي بك اهتدى النهج السبيلا فقلت وكان قولك قول حق * وصدق ما بدالك ان تقولا وبصرت العما من عبد شمس * وكلا كان من شمس ظليلا وأنبأناك عن قس الايادي * مقالا انت طلت به حديلا وأسماء عمت عنا فالت * الى علم وكنت بها جهولا وقد ذكر صاحب الروضة ان هذا الاستسقاء كان قبل النبوة بعشر سنين وشهادة سلمان الفارسي بمثل ذلك مشهور. وقال الشعبي: قال لي عبد الملك بن مروان: وجد وكيلي في مدينة الصفر التي بناها سليمان بن داود على سورها ابياتا منها: هذا مقاليد اهل الارض قاطبة * والاوصياء له اهل المقاليد


[ 248 ]

هم الخلائف اثنا عشرة حججا * من بعده الاوصياء السادة الصيد حتى يقوم بأمر الله قائمهم * من السماء إذا ما باسمه نودي فقال عبد الملك للزهري: هل علمت من امر المنادي باسمه من السماء شيئا ؟ قال الزهري: أخبرني علي بن الحسين ان هذا المهدي من ولد فاطمة، فقال عبد الملك: كذبتما ذاك رجل منا يا زهري ؟ هذا القول لا يسمعه احد منك. وإذا كانت النصوص على ساداتنا متناصرة، والاخبار بعددهم قبل وجودهم متظاهرة، وقد ذكرهم الله في الكتب السالفة، واعلمت الانبياء بهم الامم الماضية، دل على كونهم أئمة الزمان، وحجج الله على الانس والجان، قبل الحجج على جميع البشر، الائمة الاثنا عشر. فصل: فيما روته العامة حدثنا جماعة عن الكشميهني عن الفريري عن النجاري قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: يكون اثنا عشر اميرا، فقال كلمة لم اسمعها فقال أبي انه قال: كلهم من قريش. اخرجه الخطيب في تاريخه، وحدثني الفراوي عن ابي الحسين الفارسي عن ابى احمد الجلودي عن ابى اسحاق الفقيه عن الحافظ مسلم عن قتيبة بن سعيد عن جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع ابى على النبي فسمعته يقول: ان هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفى علي، قال فقلت لابي: ما قال ؟ قال: قال كلهم من قريش. وبهذا الاسناد قال مسلم، وحدثني ابن ابى عمير عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: لا يزال امر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت ابى ماذا قال رسول الله ؟ قال: قال كلهم من قريش. وبهذا الاسناد قال مسلم. واخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة مثله إلا انه لم يذكر لا يزال امر الناس ماضيا. وبهذا الاسناد قال مسلم، وحدثنا هداب بن خالد الازدي، قال حدثنا حماد بن خالد الازدي، قال حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب، قال سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله يقول: مناقب ج 1، م 31


[ 249 ]

لا يزال الاسلام عزيزا الى اثنتي عشر خليفه ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لابي فقال: كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن داود عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وآله: لا يزال هذا الامر عزيزا الى اثنتي عشر خليفة، ثم قال: تكلم بشئ لم أفهمه فقال فقلت لابي قال كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حاتم وهو ابن اسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت الى جابر بن سمرة مع غلام نافع ان اخبرني بشئ سمعته من رسول الله قال فكتب إلي: سمعت رسول الله يوم الجمعة عشية رجم الاسلمي يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. أخرجه أبو يعلى الموصلي في المسند، وبهذا الاسناد قال مسلم وحدثني نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا يزيد بن ذريع قال حدثنا ابن عورج وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي واللفظ له قال حدثنا أزهر قال حدثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمره قال: انطلقت الى رسول الله ومعي أبي فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا الى اثنى عشر خليفة، فقال كلمة سمها الناس فقلت لابي ما قال ؟ قال: كلهم من قريش، أخرجه السجستاني في السنن وحدثني أبو القاسم الشحام عن أبى سعيد الكنجرودي عن أبى عمرو الجبري عن أبى يعلى الموصلي في مسنده عن شيبان بن فروخ عن حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك أمر هذه الامة خلفه ؟ فقال ابن مسعود ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم فسألت رسول الله فقال: اثنا عشر مثل نقباء بنى اسرائيل. أخرجه ابن بطة في الابانة وأحمد في مسنده عن ابن مسعود، وقد رواه عثمان بن أبى شيبة وأبو سعيد الاشج وأبو كريب ومحمود بن غيلان وعلي بن محمد وابراهيم بن سعيد و عبد الرحمن بن أبى حاتم كلهم جميعا عن أبي اسامة عن مجالد عن الشعبي. وحدثني الفراوي عن أبي عبد الله الجوهري عن القطيفي عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن أبيه عن أبي عبد الله بن بطة العكبري مسندا الى الابانة عن علي بن الجعد عن زهير عن سماك بن حرب وزياد بن علاقه وحصين بن عبد الله كلهم عن جابر ابن سمرة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يكون بعدي اثنا عشر أميرا، وتكلم بكلمة فسألت أبى


[ 250 ]

فقال: كلهم من قريش، وبهذا الاسناد قال ابن بطة: روى الثوري عن عبد الملك ابن عمير عن جابر بن سمرة قال قال النبي: لا يزال أمر الناس صالحا حتى يقوم اثنا عشر أميرا من قريش، وبهذا الاسناد عن عبد الله بن امية مولى مجاشع عن يزيد الرقاشي عن أنس قال قال النبي: لا يزال هذا الدين قائما الى اثنى عشر أميرا من قريش فإذا مضوا ساخت الارض بأهلها، وبهذا الاسناد عن أبى بكر بن أبى خيثمه عن علي بن الجعد عن زهير بن معاوية عن زياد بن خيثمه عن الاسود بن سعيد الهمداني عن جابر ابن سمرة يقول: سمعت رسول الله يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ثم يكون الهرج، وبهذا الاسناد عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين ابن عبد الرحمن عن ابن سمرة عن النبي قال قال: لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناواهم الى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش. وحدثني عبد الرحمن بن زريق القزاز البغدادي عن أبى بكر بن ثابت الخطيب في تاريخ بغداد قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبى الطفيل قال قال لي عبد الله بن عمر: يا أبا طفيل اعدد اثنى عشر خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله ثم يكون بعده النقف والنقاف، وفي رواية عبد الله بن أبى أوفى: ثم يكون دواره. ومما رواه الليث بن سعد عن خالد بن بريد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف قال: كنا عند شقيق الاصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفه. ومما رواه سهل بن حماد عن يونس بن أبى يعقوب قال: حدثنا عوان بن أبى جحيفة عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يزال امر امتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. ومما رواه أبو الفرج محمد بن فارس الغوري المحدث باسناده عن أنس قال: قال رسول الله: يكون منا اثنا عشر خليفة ينصرهم الله على من ناواهم ولا يضرهم من عاداهم، الخبر. وروى عن أبى الطفيل انه سئل ابن عمر عن الخلفاء بعد رسول الله فقال: اثنا عشر من بني كعب. وكاتبني أبو المؤيد المكي الخطيب بخوارزم بكتاب الاربعين بالاسناد عن الحسين ابن علي عليهما السلام قال: سمعت النبي يقول: من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ؟ ربى فليتول علي بن ابى طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى


[ 251 ]

ومصابيح الدجى من بعده فانهم لن يخرجوكم من باب الهدى الى باب الضلالة. وحدثني أبو سعيد عبد اللطيف الاصفهانى عن ابن علي الحداد عن ابى نعيم الاصفهانى مسندا الى حليته عن الشعبى عن جابر بن سمرة قال: جئت الى ابى الى المسجد والنبي يخطب فسمعته يقول: يكون من بعدي اثنا عشر خليفة، ثم خفض صوته فلم أدر ما يقول فقلت لابي ما يقول ؟ قال: قال كلهم من قريش. وروى باسناده عن السدي عن زيد بن أرقم وعن شريك عن الاعمش عن حبيب ابن ثابت عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم وعن عكرمة وعن سلمة بن كهيل ؟ كليهما عن ابن عباس ان قال قال النبي صلى الله عليه وآله: من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربى فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالائمة من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي وزقوا فهما وعلما ويل للمكذبين بفضلهم من امتي القاطعين منهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي. وقد روى احمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة بأربع وثلاثين طريقا منهم عامر بن سعد وسماك بن حرب والاسود بن سعيد الهمداني و عبد الملك بن عمير وعامر الشعبى وأبو خالد الوالبى مثل ما روينا من الصحيحين وغيرهما. عبد الله بن محمد البغوي عن علي بن الجعد عن أحمد بن وهب بن منصور عن أبى قبيصة شريح بن محمد العنبري عن نافع عن عبد الله بن عمر قال قال النبي: يا علي أنا نذير امتي وأنت هاديها والحسن قايدها والحسين سايقها وعلي بن الحسين جامعها ومحمد ابن علي عارفها وجعفر بن محمد كاتبها وموسى بن جعفر محصيها وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدنى مؤمنيها ومحمد بن علي قايدها وسايقها وعلي بن محمد ساير وعالمها والحسن بن علي ناديها ومعطيها والقائم الخلف ساقيها وناشدها وشاهدها ان في ذلك لآيات للمؤمنين. وقد روى ذلك جماعة عن جابر بن عبد الله عن النبي. الاعمش عن أبى اسحاق عن الحارث بن سعيد بن قيس عن علي بن أبى طالب وعن جابر الانصاري كليهما عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الساقي والحسن الرائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارط ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعلي ابن موسى مزين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعتهم ومزوجهم الحور والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به


[ 252 ]

والهادي المهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن إلا لمن يشاء ويرضى. وروى محمد بن زكريا العلانى عن سليمان بن اسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن عباس قال: حدثني أبى قال: كنت عند الرشيد فذكر المهدي وعدله فقال الرشيد انى أحسبكم تحسبونه أبى المهدي حدثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب ان النبي صلى الله عليه وآله قال له: يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثم يكون امور كريهة وشدة عظيمة ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملا الارض عدلا كما ملئت جورا ويمكث في الارض ما شاء الله ثم يخرج الدجال. وروى محمد بن أحمد بن عبيدالله الهاشمي قال حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى عن المنصور قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد العسكري عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله من سره أن يلقى الله عزوجل آمنا مطهرا لا يحزنه الفزع الاكبر فليتولك وليتول ابنيك الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ثم المهدي وهو خاتمهم الخبر. ولو أشبعنا القول في هذا الباب لطال الكتاب فمن أراد الزيادة فليطلب ايضاح دفاين ؟ النواصب مما يتضمن النص على الائمة الاثنى عشر فقد أوضح رسول الله الائمة الاثنى عشر ونصه على اسمائهم وعددهم وذكر استخلافهم وهو وان لم يشتهر بين المخالفين ولا يتواتر على ألسنتهم فقد وافقوا فيه المتواترين فيه بمثله ووجبت المحبة على ألسنة اعدائهم، وإذا ثبت بهذه الاخبار هذا العدد المخصوص ثبتت إمامتهم لان من خالفهم لا يقصر الامامة على هذا العدد بل يجوز الزيادة عليها وليس في الامة من ادعى هذا العدد سوى الامامية وما أدى على خلاف الاجماع يحكم بفساده. فصل: فيما روته الخاصة وذلك نوعان، منها ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله، ومنها ما نص الآباء على الابناء وهذا إنما يجئ في باب كل إمام انشاء الله. فاما ما روى عن النبي فكفاك كتاب الكفاية في النصوص عن الخزاز القمي نزيل الري، وذلك انه روى مائة وخمسا وخمسين خبرا من طرق كثيرة من جهة اصحاب النبي مثل ابن عباس روى عنه سعيد بن جبير وابو صالح ومجاهد وطاووس


[ 253 ]

والاصبغ وعطا، ومثل ابن مسعود روى عنه مثل عطاء بن السايب عن ابيه مسروق وقيس بن عابد وحنش بن المعتمر، ومثل ابى سعيد الخدري روى عنه عطية العونى وابو هارون العبدي وسعيد بن المسيب وابو الصديق الناجي، ومثل ابى ذر روى عنه أبو الحارث حنش بن المعتمر وابن المسيب، ومثل سلمان الفارسي روى عنه سليم ابن قيس الهلالي وابو حازم والسائب بن اوفى وابو مالك وابو القاسم بن عليم الازدي، ومثل جابر الانصاري روى عنه جابر الجعفي وواثلة بن الاسقع والقاسم ابن حسان ومحمد الباقر (ع)، ومثل ابى ايوب الانصاري روى عنه اياس بن سلمة بن الاكوع ويزيد بن هارون عن مشيخته عنه، ومثل عمار بن ياسر روى عنه أبو الطفيل وابو عبيدة ومحمد بن عمار، ومثل حذيفة بن اليمان روى عنه احمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام، ومثل حذيفة بن اسيد روى عنه أبو الطفيل وابو جحيفة وهشام، ومثل زيد بن ارقم روى عنه محمد بن زياد ويزيد بن حسان وابو الضحى، ومثل واثلة ابن الاسقع روى عنه مكحول والاجلح وخالد بن معدان وابو سليمان الضبي وابراهيم ابن ابى عبلة والقاسم، ومثل زيد بن ثابت روى عنه القاسم بن حسان وابو الطفيل ومثل ابي امامة اسعد بن زرارة روى عنه الاجلح الكندي والقاسم وابو سليمان الضبي ومثل عمران بن حصين روى عنه مطرف بن عبد الله والاصبغ وابو عبد الله الشامي ومثل سعد بن مالك روى عنه سعيد بن المسيب، ومثل جابر بن سمرة روى عنه زياد ابن عقبة و عبد الملك بن عمير والشعبي وسماك بن حرب والاسود بن سعيد الهمداني، ومثل أنس روى عنه هشام ويزيد وأنس بن سيرين وابو الغالية وحفصة بنت سيرين والحسن البصري، ومثل أبي هريرة روى عنه سعيد المقري و عبد الرحمن الاعوج وأبو صالح السمان وأبو مريم وأبو سلمة، ومثل أبي قتادة روى عنه، ومثل عمر بن خطاب روى عنه المفضل بن حصين و عبد الله بن مالك وعمرو بن عثمان بن عفان، ومثل عايشة روى عنها شعبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي سلمه، وروى هشام ابن جابر عن أبي سلمة ومحمد بن ابراهيم عن أبي سلمة وأبو بشير محمد بن المنكدر عن أبي سلمة عنها، ومثل فاطمة الزهراء عليها السلام روى عنها زينب بنت علي وأبو ذر وسهل الساعدي وجابر الانصاري والحسين بن علي وعباس بن سعد الساعدي، ومثل ام سلمة روى عنها عمار الدهني وابن جبير ومقلاص، ومن التابعين مثل زيد بن علي والائمة الاحد عشر واحدا واحدا فما اخبرت، منها ما رواه الاصبغ عن ابن عباس


[ 254 ]

قال: سمعت رسول الله يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون. ابن السائب عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وآله: الائمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم. حنش بن المعتمر عن ابن مسعود قال النبي: الائمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. عطية العوفي عن الخدري قال النبي للحسين: أنت الامام ابن الامام تسعة من صلبك أئمة أبرار والتاسع قائمهم. أبو ذر قال النبي: الائمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين تاسعهم قائمهم ثم قال: ألا ان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ؟ ومن تخلف عنها هلك ومثل باب حطة في بني اسرائيل. سلمان الفارسي قال النبي: الائمة بعدي بعدد نقباء بني اسرائيل كانوا اثنى عشر ثم وضع يده على صلب الحسين وقال: من صلبه تسعة أئمة أبرار والتاسع مهديهم يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فالويل لمبغضيهم. جابر الانصاري قال: يا رسول الله وجدت في التوراة أيقظوا شبرا وشبيرا فلم أعرف أساميهم فكم بعد الحسين من الاوصياء وما أساميهم ؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منه، الخبر. المفضل بن حصين عن عمر بن الخطاب سمعت النبي: الائمة بعدي اثنا عشر ثم أخفى صوته فسمعته يقول: كلهم من قريش. أنس قال النبي: الائمة بعدي من عترتي، فقيل: يا رسول الله فكم الائمة بعدك ؟ فقال: عدد نقباء بني اسرائيل. فاطمة (ع) سألت أبيها عن قول الله تعالى (وعلى الاعراف رجال) قال: هم الائمة بعدي، علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين فهم رجال الاعراف لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه لا يعرف الله تعالى إلا على سبيل معرفتهم. أبو أمامة قال النبي: لما عرج بي الى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش بالنور لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ثم بعده الحسن والحسين ورأيت عليا عليا عليا ورأيت محمدا محمدا مرتين وجعفرا وموسى والحسن والحجة اثنى عشر اسما مكتوبا بالنور فقلت: يا رب اسامي من هؤلاء الذين قرنتهم بي ؟ فنوديت: يا محمد هم


[ 255 ]

الائمة بعدك والاخيار من ذريتك. ومما ذكر أبو جعفر القمي في اكمال الدين عن سماعة بن مهران وابو بصير عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام قالا: نحن اثنا عشر محدثا. أبو بصير عن ابي جعفر (ع): يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم. سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان خلفائي واوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاثنا عشر اولهم وآخرهم ولدي، الخبر. ابن عباس عن سليم بن قيس الهلالي انه جرى بين عبد الله بن جعفر ومعاوية كلام فقال عبد الله: سمعت رسول يقول: انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ثم علي بن ابي طالب اولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد علي فالحسن بن علي اولى بالمؤمنين من انفسهم ثم ابني الحسين بعده اولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين الاكبر اولى بالمؤمنين من انفسهم ثم ابني محمد الباقر اولى بالمؤمنين من انفسهم وستدركه يا جابر ثم تكلمه اثنى عشر إماما تسعة من ولد الحسين، ثم استشهد الحسن والحسين و عبد الله بن عباس وعمر بن ابي سلمه واسامة بن زيد فشهدوا له بذلك. وروى ذلك ايضا سلمان وابوذر والمقداد. وذكر في كتاب مولد فاطمة انه اخبرني ابي سمع محمد بن موسى بن المتوكل ومحمد بن علي ماجيلويه واحمد بن على بن ابراهيم والحسين بن ابراهيم بن تاتانه واحمد ابن زياد الهمداني بأسانيدهم عن جابر بن عبد الله قال للباقر (ع): هنأت فاطمة بولادة الحسين وفي يديها لوح مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الامين من عند رب العالمين عظم يا محمد اسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائى انى انا الله لا إله إلا انا فمن رجا غيري عذبته عذابا لا اعذبه احدا من العالمين فاياي فاعبد وعلي فتوكل انى لم ابعث نبيا فأكملت ايامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا وانى فضلتك على الانبياء وفضلت عليا وصيك على الاوصياء واكرمتك بشبليك بعده وسبطيك حسن وحسين فجعلت حسنا معدن حكمي بعد انقضاء مدة ابيه وجعلت حسينا خازن وحيي اكرمته بالشهادة فهو اكرم من استشهد وارفع الشهداء درجة جعلت كلمتي التامة معه والحجة البالغة عنده بعترته اثيب واعاقب اولهم علي سيد العابدين وزين اوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد علي حق القول مني لاكرمن مثوى جعفر ولاقرن عينه بأشياعه


[ 256 ]

وانصاره ومحبيه انبخ بعده فتنة عمياء حندس لان خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وان اوليائي لا يشقون ابدا ألا ومن جحد منهم احدا فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وخيرتي ان المكذب بالثلاثة مكذب بكل اوليائي علي ولي وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وامتحنه بالاضطلاع يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين الى جنب شر خلقي حق القول مني لاقرن عينه بمحمد ابنه وارث علمه فهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي جعلت له الجنة مثواه وشفعته في سبعين من اهل بيته كل قد وجبت له النار واختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي اخرج منه الداعي الى سبيل والخازن لعلمي الحسن ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ابن الحسن عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب سيذل اعداؤه في زمانه ويتهادون رؤسهم كما يتهادون رؤس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين وجلين تصبغ الارض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم اولئك اوليائي حقابهم ارفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلزال وارفع الاصار والاغلال اولئك هم المهتدون. ثم روى ان الباقر (ع) جمع ولده وفيهم عمهم زيد ثم اخرج إليهم كتابا بخط علي واملاء رسول الله مكتوب فيه حديث اللوح. ثم روى عن الصادق (ع) انه قال: وجدنا صحيفة باملاء رسول الله وخط علي وذكر مثله. وروى المفيد محمد بن النعمان وابو جعفر الكليني والحسن بن حمزة العلوي عن الباقر عن جابر انه قال: دخلت على فاطمة، وذكر حديث اللوح. ومن روايات الكليني عن ابن اذينه عن زرارة قال أبو جعفر: من آل محمد اثنا عشر إماما كلهم محدث ورسول الله وعلي هما الوالدان. وعنه عن الخدري وابى الطفيل انه انى هاروني الى عمر يسأله عن مسائله فدله على علي فكان فيما سأله: اخبرني عن اوصياء محمد وعن منزله في الجنة ومن معه فيها ؟ فقال (ع): ان لهذه الامة اثنى عشر إماما من ذرية نبيها وهم مني واما منزل نبينا في الجنة فهي افضلها واشرفها جنة عدن واما من معه في منزله فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته، الخبر. وروى جل مشايخنا عن النبي: الائمة بعدي اثنا عشر اولهم انت يا على وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارقها ومغابها. (المناقب ج 1، م 32)


[ 257 ]

الباقر عن النبي انه قال: آمنوا بليلة القدر فانه ينزل فيها أمر السنة وان لذلك الامر ولاة من بعدي علي بن ابي طالب وأحد عشر من ولده، وقد روى نحوا من ذلك جابر بن عبد الله عن النبي، وروى ابن عباس عن أمير المؤمنين قريبا منه. وقال ابن هاني المغربي: فيه تنزل كل وحي منزل * ولاهل بيت الوحي فيه سناء وقال أبو عبد الله (ع): ان الله تعالى أنزل على عبده كتابا قبل وفاته فقال يا محمد هذه وصيتك الى النجيب من أهل بيتك فقال يا جبريل ومن النجيب من أهل بيتي ؟ فقال: علي بن أبي طالب وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي الى أمير المؤمنين وامره ان يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففكه وعمل بما فيه، ثم دفعه الى ابنه الحسن فقك خاتما ثم دفعه الى الحسين ففك خاتما فوجد فيه: ان اخرج بقوم الى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك وآثر نفسك لله، ففعل ثم دفعه الى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه: ان اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ثم دفعه الى ابنه محمد بن علي ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وافتهم ولا تخافن إلا الله فانه لا سبيل لاحد عليك، ثم دفعه الى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وانشر علوم اهل بيتك وصدق آبائك الصالحين ولا تخافن إلا الله وانت في حرز وأمان ففعل ذلك وهو دافعه الى موسى وكذلك يدفعه موسى الى الذي بعده ثم كذلك ابدا الى قيام المهدي، وقد روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن ابي شيبة عن محمد بن فضيل عن الاعمش عن ابي صالح عن ابن عباس عن النبي. ورووا في حديث حبابة الوالبية انها قالت قلت لعلي: يا أمير المؤمنين ما دلالة الامامة قال: أئتيني بتلك الحصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي: يا حبابة إذا ادعى مدعي الامامة فقدر ان يطبع كما رأيت فاعلمي انه إمام مفترض الطاعه والامام لا يعزب عنه ما يريده، فجئت الى الحسن بعد وفاته فقال لي: حبابة الوالبية ؟ قلت نعم قال: هاتي ما معك، فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين ثم اتيت الحسين فقال لي: أتريدين دلالة الامامة ؟ هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع لي فيها ثم رأيت علي بن الحسين وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة فرأيته يتعبد فأومي إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي ثم قال: هات ما معك، فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها ثم أتيت أبا جعفر فطبع لي فيها وهكذا الى الرضا وعاشت بعد ذلك تسعة أشهر. فهذه نبذ مما نقلته الخاصة عن النبي صلى الله عليه وآله وهي في قسم التواتر لانفاق معانيها وتماثل


[ 258 ]

مدلولها وان اختلفت الفاظها، ويوضح ذلك ان هذه الاخبار متضمنة أكثرها في كتب سلفهم المعروفة بالاصول عندهم مما قد أصاب مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدة الائمة وكان الامر موافقا لما رووه من غير اختلاف والاخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلا من الله تعالى ولا يؤخذ إلا عن رسول صلى الله عليه وآله. فصل: في انسكت والاشارات ان الله تعالى قد أشار الى عددهم وأسمائهم بأشياء كما قال (ستريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) من ذلك ما صرح بذكرهم في الكتب، ومنها ما اظهر عددهم في المخلوقات ومن أحب شيئا اكثر ذكره، قوله (فبهذاهم اقتده) وقوله (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) وقال أنس قال النبي في قوله (سنة الله في الذين خلوا من قبل) وهي التي لا يجوز أن تغير ولا تبدل. النبي صلى الله عليه وآله: كائن في امتي ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، كان فيهم اثنا عشر نقيبا قوله (وبعثا منهم اثنى عشر نقيبا). سلمان وابو ايوب وابن مسعود وواثلة وحذيفة بن اسيد وابو قتادة وابو هريرة وأنس انه سئل النبي كم الائمة من بعدك ؟ قال عدد نقباء بني اسرائيل. وفى حديث الاعمش عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: فاخبرني يا رسول الله هل يكون بعدك نبي ؟ فقال: لا أنا خاتم النبيين لكن يكون بعدي أئمة قوامون بالقسط بعد نقباء بني اسرائيل، الخبر. وفي حديث ابي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من اهل بيتي اثنا عشر نقيبا محدثون مفهمون منهم القائم بالحق يملا الارض عدلا كما ملئت جورا وقال الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم) وقد اخبرنا بأنهم كانوا اثنى عشر قوله (وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) فيجب أن يكون عدد خلفائنا كذلك لانه تعالى شبههم بهم بكاف التشبيه ولا شبهة ان النقباء هم الخلفاء. مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود قال النبي: الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل وفيهم اثنا عشر حواريا قوله (وإذ قال الحواريون يا عيسى) هشام بن زيد عن أنس قال: سألت النبي من حواريك يا رسول الله ؟ فقال الائمة من بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة وهم حواريي وانصار ديني عليهم من


[ 259 ]

الله التحية والسلام، وفيهم الاسباط اولاد يعقوب وهم اثنا عشر قوله (وقطعناهم اثنى عشرة اسباطا امما. أبو صالح السمان عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: معاشر الناس من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي فليتول علي بن أبي طالب وليقتد بالائمة من بعده، فقيل: فكم الائمة بعدك ؟ فقال: عدد الاسباط وانفجرت لموسى اثنتا عشرة عينا قوله (فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) وقوله (اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ووقع التعبير على أن يقع له أحد عشر أخا للثاني عشر الذي هو يوسف، وشعوب بني اسرائيل اثنا عشر شعبا، وقوله (إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) ذكر فيها اثنى عشر نبيا. منصور بن حازم قال للصادق صلى الله عليه وآله: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف الائمة ؟ فقال: نعم ونوح، ثم تلا (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الآية، وقد جاء عددهم في القرآن رمزا كأنه أقسم بأسمائهم كما أقسم بالنبي في قوله (لعمرك) فقال تعالى: والصافات والذاريات والمرسلات والنازعات والنجم والطور والسماء ذات البروج والسماء والطارق والفجر والشمس والليل والضحى والتين. قال الباقر (ع)): والتين الحسن والزيتون الحسين وطور سينين أمير المؤمنين وهذا البلد الامين ذاك رسول الله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم، قال حين أخذ الله ميثاقه لمحمد واوصيائه بالولاية. وقد جاءت أسماؤهم في التوراة وهي بمادماد ايليا فتدوران ابربيل مسطور مشموط وذور مرمشوذ هراز شمويد نشطور يوقش فيثمور. وروى عبد الله بن عياش في المقتضب نوعا آخر وهو: وليشمعيل شمعتيخ هنه برختي أتو وهفرتي أتو وهربتي أتو بمادماد شنيم عاسار نسئيم يوالد وأنا تيتولگري گادل وات برني هاتيم. وأسماؤهم في الانجيل من المقتضب أيضا تفوبيث فيدوار بيرا مقشورا مشموعوا ذوموه مشؤ هداذ يثموا بطون نوقش فيذموا، وان الله تعالى وضع كلمة التوحيد على اثنى عشر حرفا وهي لا إله إلا الله، قال العوني: وفي أحرف التوحيد آيات حكمة * بهن عن التوحيد تنتفيان فمن هن سبع واثنتان وأربع * مثاني اصول ايدت بمثانى


[ 260 ]

وجملتها اثنا عشر وهي كواحد * أهاتيك في الاعداد يحتسبان محمد رسول الله اثنا عشر حرفا، قال الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) يعني إذا ذكرت ذكرت معي فالمنكر لآخرهم كالمنكر لاولهم، وكلمتا الشهادتين لا نقطة على حرف منهما يدل على انه لا مثل لهم ولا يشبههم أحد. أسماء الله تعالى على عددهم: الواحد القديم، الحليم العليم، الرحمن الرحيم، السميع البصير، اللطيف الخبير، خالق العالمين، مالك يوم الدين، المالك القادر، الخالق الرازق المحيي المميت، الدائم الباقي، الله لا إله إلا هو، الحمد لله شكرا، الحمد لله حقا، الله ولي الدين، توكلت على الله، حسبي الله وكفى، وحده لا شريك له. آيات على عددهم: (أعطيناك الكوثر) أي أولاده، (ورفعنا لك ذكرك) أي بأولاده، (وعلم آدم الاسماء) وذلك انه رأى أسماءهم مكتوبات على العرش، (وجعلناهم أئمة)، (فبهداهم اقتده)، (سنريهم آياتنا)، (إذا فرغت فانصب)، (اذكرني عند ربك). مدح النبي على عددهم: النبي المصطفى، الولي المجتبى، أفضل العالمين، خاتم النبيين البشير النذير، السراج المنير، الصادق المقال، الشريف الخضال، الحاكم بالعدل، القاضي بالفصل، الهادي المرشد، الشفيع المنقذ. محمد رسول الله، محمد حبيب الله، محمد أمين الله، محمد جاء بالشرع، محمد خص بالوحي، محمد صاحب الحق، محمد صفوة الرب، محمد سيد الرسل، محمد خير البشر، محمد سيد العرب، حمد نبي الهدى، محمد أبو القاسم. أسماء الانبياء على عددهم: آدم والد البشر، آدم خليفة الله، نوح ذو السفينة، نوح ذو الطوفان، ابراهيم الخليل، آدم نوحي ابراهيم، موسى عيسى محمد، موسى والتوراة، موسى كليم الله، عيسى والانجيل، عيسى كلمة الله، محمد والفرقان، اولوا العزم خمسة خاتمهم أفضلهم. ألقاب علي على عددهم: علي وصي الرسول، علي زوج البتول، علي قامع الشرك علي دامغ الافك، علي قالع الباب، علي رد الاحزاب، علي عالم الامة، علي أبو الأئمة علي فارج الكرب، علي خليفة الرب، علي ذو العجائب، علي ذو الغرايب، علي خليفة الله، حيدرة أبو تراب، علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين. ذكر أئمتنا على عددهم: الائمة من قريش، النبي والامام، علي وأولاده حق، فاطمة الزهراء، الحسن والحسين، الحسن المسموم، الحسين الشهيد، الحسين بن علي علي ذو الثفنات، الامام الباقر، الامام الصادق، الامام الكاظم، الرضا وصي موسى


[ 261 ]

أبو جعفر التقي، البر الوصي النقي، الحسن العسكري، الحجة المنتظر، اثنا عشر خليفة اثنا عشر إماما، اثنا عشر نقيبا، اثنا عشر اسباطا، الحجج اثنا عشر، الائمة اثنا عشر أصحاب الاعراف، ذرية نبي الهدى، أهل بيت الرسول، العترة الزكية، كتاب الله العترة، المنصوص عليهم، صلى الله عليهم، وليهم في الجنة، عدوهم في النار لقد أتانا خبر بأنهم اثنا عشر * وسيلتي في محشري أئمتي اثنا عشر كلمات حق على عددهم: انهم الصديقون، الهدى دين الحق، أئمة امناء الله، العقل حجة الله، الشرع دين الله، الدين الاسلام، النجاة الايمان، العماد القرآن، الوعد والوعيد، الحياة والموت، البعث والنشور، محاسبة العباد، الجنة والجحيم، الثواب الدائم، العقاب الدائم، من تفقه استبصر، لا عمل إلا بنية، الطهر وضوء وغسل، الوضوء غسل ومسح، الكعبة القبلة. الصلوات الخمس، الزكاة والصوم، لا حج إلا بعمرة، الصفا والمروة، الطواف والسعي، والمشعر الحرام. استخراج أسمائهم من الحروف: يستخرج اثنا عشر من حاء محمد ومن داله، وكذلك من دال آدم وحاء حواء، يؤخذ باء بسم والف الله وحاء الرحمن والف الرحيم فيكون اثنا عشر، وفى بسم الله ثلاث ميمات وفيهم ثلاث محمد، وفيه أربع لامات وفيهم أربع علي، وفيه ياء يدل على الحسين وسين ونون يدل على الحسن، وفيه راء يدل على جعفر، وفيه سين يدل على موسى خمس ميمات وعينان وفا * معها جيم وحاآن وحا شفعاي يوم القاهم ونعم الشفعا وأعظم سورة الاخلاص وفيها عددهم أربع مرات وان الم وحم في القرآن اثنا عشر، وقال المفسرون: حروف المعجم في اوايل السور سر الله، وكذلك يستخرج من كهيعص اسم علي وفاطمة، وفي حم ثلاثة أحرف من محمد، وفي طه حرفان من فاطمة، وفي يس حرفان من الحسن والحسين بأربعة كل يسمى محمدا * وأربعة أسماؤهم كلهم علي وبالحسنين والحسين وجعفر * وموسى أجرني انني لهم ولي وحروف أسمائهم اثنان وأربعون المكرر منها ثمانية وعشرون وغير المكرر اثنا عشر وهي علي حسن مجد رؤف، وحروف المنقط من محمد الى محمد اثنا عشر عليان موسى جعفر حسنان * محمدان عليان الرضا والقائم ومنها ما اظهر في العلوم: الاعراض على ضربين أحدهما فعل لله تعالى والآخر


[ 262 ]

فعل لنا، فأفعال الله تعالى اثنا عشرك حياة قدرة شهوة نفارلون طعم رائحة حرارة برودة رطوبة يبوسة فناء، ويدل ذلك على ان الامامة من فعله نصا ولا يكون اختيارا وانهم اثنا عشر، بناء اصول الفقه اثنا عشر: الخطاب الاوامر النواهي العموم الخصوص المجمل البيان النسخ الاخبار الاجماع الافعال القياس الاجتهاد الحظر الاباحة نحواسم فعل حرف، ويا من حروف النداء وهي اثنا عشر، لفظة اثنتى عشر من بين اخواتها معربة شرفت على اخواتها كما شرفت الائمة بعد النبي على سائر الخلق. الثلاثي اثنا عشر بناء وذلك ان للفاء فتحة وضمة وكسرة وللعين فتحة وضمة وكسرة وسكون فهذه ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر فالفاء المفتوحة نضربها في الاربعة الاوجه في العين فتخرج فعل فعل فعل فعل ثم تصرف ضمة الفاء في الاربعة الاوجه في العين فتخرج فعل فعل فعل فعل وتكسر الفاء فتخرج فعل فعل فعل فعل عشرة مستعملة واثنان مهملان وهما فعل وفعل، وقال الاخفش: جاء الدئل، وقال الليث: والوعل في الوعل فصار احدى عشر مستعملا وبقى واحد مهملا وهو بمنزلة المنتظر (ع). تكبيرات الركعتين اثنا عشر، وتكبيرات صلاة العيد اثنا عشر، ووعد الجنة باثنى عشر شرطا في قوله (وعباد الرحمن) الآية، وفرض الصلوات في اليوم والليلة سبع عشر ركعة فاثنتا عشرة منها تدل على المعصومين وخمسة تدل على الاصول الخمس، أعلام مكة اثنا عشر، القارن والمفرد يحجان من أربع جوانب البيت على اثنى عشر ميلا أبواب مسجد البني صلى الله عليه وآله اثنا عشر، وكان لوح موسى اثنى عشر ذراعا، وجاء في تفسير قوله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا) انه بقى مع النبي اثنا عشر رجلا، وفي رواية ثمانية، وسئل أمير المؤمنين عن طول الكواكب وعرضها فقال اثنا عشر فرسخا في اثنى عشر فرسخا، ويقال يقطع المشتري الفلك في اثنى عشر سنة، وقالوا الفرسخ اثنا عشر ميلا وكل ميل الف ذراع، الجهات الابر مع الشرق والشمال الغرب والجنوب الرياح الاربع الصباة والدبور والشمال والجنوب الحمل والمريخ الثور والزهرة الجوزا وعطارد السرطان للقمر الاسد بيت الشمس السنبلة وعطارد السابع للزهرة الثامن للمريخ القوس للمشتري العاشر بيت زحل برج الدلولز حل الحوت للمشتري، قال المعري حسد من أربع يلحظه * سبعة دانية في اثنى عشر مستشار جائر في نصحه * وأمين ناصح لم يستشر قوله (والسماء ذات البروج) وهي حمل ثور جوزا سرطان أسد سنبلة ميزان


[ 263 ]

عقرب قوس جدي دلو حوت، قال الناشي: قوم نجوم في البروج منيرة * في برج ثاني العشر ظل قرانها ومنازل القمر المنير عليهم * سعد السعود وغيرهم دبرانها شرفت بوطئهم البقاع وإن علوا * قلل المنابر شرفت عيدانها سل عنهم الليل البهيم فانهم * في كل حندس ليلة رهبانها حساب على عددهم: ومن الحجة على عباده بعد الرسل، وزنه علي بن أبي طالب إمامنا ووصي المصطفى بعده، وعدد كل واحد منهما ثمانمائة وثلاثة، ومن يكون القدوة القائم بالحجة بعد علي بن أبي طالب، وزنه الحسن بن علي النقي، عدد كل واحد واحد منهما ثمانمائة واثنان وخمسون، ومن الحجة بعد النقي الحسن بن علي، وزنه البر المقتول الحسين بن علي، وعدد كل واحد منهما الف ومائة واحد وسبعون، ومن هو الحجة بعد الحسين بن علي، وزنه الزكي علي بن الحسين بن علي، وعدد كل واحد منهما خمسمائة واحد وخمسون، ومن قام بعد السيد علي بن الحسين، وزنه اقيم القائم محمد ابن علي، وعدد كل واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون، فمن قام بعد الباقر بحجة، وزنه الصادق جعفر بن محمد، وعدد كل واحد منهما سبعمائة وتسعة وثلاثون، ومن هو الامام القدوة القائم بالحجة بعد الصادق، وزنه الامين وصي الاوصياء موسى بن جعفر، وعدد كل واحد منهما ثمانمائة وثمانية وتسعون، ومن في الارض بعد موسى حجه، وزنه الرضا علي بن موسى حجة، وعدد كل واحد منهما الف وثلاثمائه وستة وثلاثون، من كان القائم بالحق بعد علي بن موسى الحجة، وزنه محمد بن علي الثقة، وعدد كل واحد منهما ثمانمائة واحد وتسعون، فمن الحجة بعد محمد بن علي، وزنه الولد الصالح الزكي علي بن محمد وعدد كل واحد منهما خمسمائة وسبعة وأربعون ومن القدوة من القائم بالحجة بعد الناصح علي بن محمد، وزنه الخالص الحسن بن علي، وعدد كل واحد منهما الف ومائتان وستون. نوع آخر على الآيات (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) يوافق ذلك وذريه نبي الله من فاطمة وأمير المؤمنين وهم أحد عشر منهم مهديهم القائم بالحق، حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف ومائة وسبعة وخمسون، وكذلك (جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) يوافق ذلك هؤلاء هم الائمة الامناء اثنا عشر العلماء أهل بيت المصطفى وأصحاب الاعراف يوم القيامة صلى الله عليهم، حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف وتسعة وتسعون، (كنتم خير


[ 264 ]

امة اخرجت للناس) يوافق ذلك وهم النبي رسول الله والائمة الاثنا عشر أهل البيت امناء الله سلام الله عليهم، حساب كل واحد منهما الفان وسبعمائة وواحد وأربعون، ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، يوافق ذلك هم العلماء من أهل بيت محمد الرسول الاثنا عشر العدول صلى الله عليهم، حساب كل واحد منهما الفان وثمانمائة وتسعة عشر، (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) يوافق ذلك أولياء أمر الامة آل نبي الرحمة الاثنا عشر الائمة حساب كل واحد منهما الف وتسعمائة وأربعة وثمانون، (فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) يوافق ذلك الشهود بعد النبي على الامة اثنا عشر برا، حساب كل واحد منهما الفان وسبعة وعشرون، (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) يوافق ذلك علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين الذي يكون في عقبه أحد عشر إماما هاديا مهديا عليه السلام حساب كل واحد منهما ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعون، (وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) يوافق ذلك وهم بعد نبينا اثنا عشر، حساب كل واحد منهما الف وثلاثمائة واثنان، (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) يوافق ذلك الرسول واثنا عشر برا زكيا بعده، حساب كل واحد منهما الف وسبعمائة وسبعون، (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) يوافق ذلك أرباب الطهارة في الآية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد ولعي والحسن وابنه الهادي المهدي صلوات الله عليهم، حساب كل واحد منهما الفان وسبعمائة وسبعة وسبعون (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) يوافق ذلك هو ود الاثنى عشر، حساب كل واحد منهما الف ومائة وثلاثة وثمانون. ومنها ما اظهر في الازمان قوله (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا). داود الرقي قال أبو عبد الله (ع): يا سماعة بن مهران ائتني بتلك الصحيفة فأتاه بصحيفة بيضاء فدفعها إلي وقال: اقرء هذه، فقرأتها فإذا فيها سطران السطر الاول لا إله إلا الله محمد رسول الله والسطر الثاني ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم علي بن أبي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي الى قوله والخلف الصالح منهم الحجة لله ثم قال: يا داود أتدري أين كان ومتى كان مكتوبا قلت يابن رسول الله الله أعلم ورسوله (مناقب ج 1، م 33)


[ 265 ]

وأنتم قال قبل أن يخلق آدم بألفي عام ان الله تعالى قد ذكر فيها انها الدين القيم والتدين بها واجب والتحول عنها كفر، ولا خلاف ان معرفة الشهور والسنين ليست بواجبه غير شهر رمضان وذى الحجة لمن وجب عليه الحج وان من مات ولم يعرف الشهور والاعوام ليس يلحقه ذم ومن مات ولم يعرف الائمة مات ميتة جاهلية، قال العبدي: أئمتي سادة البرايا * عدوا كما عدت الشهور وليغره: ذخيرتي للحشر والنشور * أئمتي في عدد الشهور قالوا: الشهور هلالية اليوم والليلة والصابح والمساء، الازمنة الاربعة الشتاء والربيع والصيف والخريف. روضة الواعظين روى الصقر بن أبي دلف في خبر طويل قلت لابي الحسن العسكري: يا سيدي حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وآله لا أعرف معناه، قال: وما هو ؟ قلت قوله: لا نعادو الايام فتعاديكم ما معناه ؟ فقال: نعم الايام ما قامت السماوات والارض فالسبت اسم رسول الله والاحد كناية عن أمير المؤمنين والاثنين الحسن والحسين والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والاربعاء موسى بن جعفر وعلي ابن موسى ومحمد بن علي وأنا والخميس ابني الحسن والجمعة ابن ابني واليه تجمع عصابة الحق وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فهذا معنى الايام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. عدد ساعات النهار اثنا عشر وعدد ساعات الليل اثنا عشر، ومنها ما اظهر في الافعال. أنهار الجنة اثنا عشر: فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى (ويسقون فيها كاسا كان مزاجا كافررا عينا فيها تسمى سلسبيلا) (انا أعطيناك الكوثر) (يسقون من رحيق مختوم) (ومزاجه من تسنيم) (فيهما عينان تجريان) (فيهما عينان نضاختان). وفي الخبر فقال جبرئيل: كيف لو رأيت اسرافيل وله اثنا عشر جناحا، النور اثنا عشر نوعا: حجري شجري شمسي قمري نجمي جوهري بري بحري شرقي غربي ظاهري باطني، العناصر أربعة: ماء ترب ريح نار وهي اثنا عشر حرفا كان الله خلقها على عددهم، الجزاير الكبار اثنا عشر وهي معروفة. أبو المضاعن الرضا (ع) في قوله (والى الجبال كيف نصبت) قال الاوصياء،


[ 266 ]

ظاهر العالم على اثنى عشر حشيش بقول رياحين حبوب أشجار مثمرة غير مثمرة حشرات سباحة طيارة سباع بهايم انس، للنوامي اثنتا عشرة حالة: زهرتها ورقها حملها قوتها نضجها رايحتها طعمها بيعها شراؤها أكلها استحالتها. الاجساد اثنا عشر: ذهب فضة رصاص اسرب ؟ شبه صفر نحاس قير كبريت زيبق حديد، الجواهر الخلص اثنا عشر: لؤلؤ ياقوت لعل فيروزج عقيق بدخش جزع زمرد الماس يشب بسذ لازورد، اصول العطر اثنا عشر: عنبر مسك كافور عود ماء ورد ند ؟ غاليه زعفران زباد مخلوطات، أحسن الرياحين اثنا عشر: ورد نرجس سوسن بنفسج خيرى شنبليذ نيلوفر منثور ياسمين ريحان اذريون، اصول الحلاوي اثنا عشر: قصب السكر عسل عنب تمر طرنجبين من كزنجبين فرصاد بطيخ موز خرنوب عناب. ومنها ما اظهر في نفس بني آدم، خلق الآدمي على اثنى عشر طبقة: شعر ظفر جلد لحم شحم مخ دم عروق عصب مني بول حدث (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)، ونشؤنا من اثنى عشر سلالة: علقة مضغة عظام لحم جنين رضيع فطيم صبي شاب كهل شيخ ميت (وقد خلقكم أطوارا)، اثنا عشر عضوا يجمعها الجوف وهي: مجرى الهواء ومجرى الطعام والشراب والقلب والكبد والرئة والطحال والكليتان والمرارة والمثانة والمعدة ؟ العليا والمعدة السفلي، الاعضاء المتصلة اثنا عشر: قدم ساق فخذ يد بطن صدر ظهر عنق رأس وهو بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله فجعله رئيسا لهم، الاعضاء المنفصلة المزدوجة اثنا عشر: قدمان ساقان فخذان عضدان ذراعان كفان، المنافذ والخروق اثنا عشر: عينان اذنان منخران فم ثديان سرة سؤنان (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) يعني قوينا منافذهم، وفى الوجه اثنا عشر جزءا: جبهة حاجبان عينان خدان أنف فم شفتان لسان (فتبارك الله أحسن الخالقين)، عظام الاصابع من كل يد ورجل سوى الاباهيم اثنا عشر اثنا عشر والابهام بمنزلة النبي وابهام خير المرسلين محمد * فصلى عليه الواحد المتكبر وخصال القلوب اثنا عشر: ذهن انتباه سرح حياة حياء بصرفهم يقين عقل معرفة خوف رجاء والقلب بمنزلة النبي، ان في جسد ابن آدم المضغة الخبر.


[ 267 ]

فصل: في الالفاظ فيهم محمد نبي الجبار، علي كرار غير فرار، الحسن مسموم الفجار، الحسين قتيل الكفار، السجاد شمس الابرار، الباقر انس الاخيار، الصادق سيد الاحرار، الكاظم خير الاخيار، الرضا قدس الاسرار، التقي المبرأ عن العار، النقي الولي البار، الزكي المطهر من الشنار، المهدي ولي الثار. محمد خاتم الانبياء، علي سيد الاوصياء، الحسن ولي الاصفياء، الحسين إمام الشهداء، السجاد زين الاتقياء، الباقر علم الاولياء، الصادق ظهير الفقراء، الكاظم مونس الضعفاء، الرضا معلم الفقهاء، التقي ميراث النقباء، النقي مزين الامراء، الزكي ولي الحنفاء، المهدي آخر الخلفاء. محمد ركن الاعلام، علي حصن الاسلام، الحسن شرف الكرام، الحسين زين الايام، السجاد فخر الانام، الباقر ذكر الاعلام، الصادق السيد الامام، الكاظم مزين المقام، الرضا البدر التمام، التقي البلد الحرام، النقي أفضل الصيام، الزكي راشد الاقوام المهدي الخلف للاقوام. محمد سراج الدين، علي أمير المؤمنين، الحسن مفتاح اليقين، الحسين مصباح المتقين، السجاد زين العابدين، الباقر باقر علم النبيين، الصادق مقتدى الصادقين، الكاظم راحم المساكين، الرضا مقدم المنفقين، التقي إمام المحققين، النقي مولى المشتاقين، الزكي رئيس السابقين، المهدي خليفة الله في العالمين. محمد النبي، علي الوصي، الحسن الرضي، الحسين الوفي، السجاد الحيي، الباقر السخي، الصادق الوقي، الكاظم الولي، الرضا العلي، التقي الصفي، النقي الجلي، العسكري الزكي، القائم المهدي. اللهم صل على السراج الوهاج والغيث الثجاج المكرم ليلة المعراج الداعي الى أفضل شرع ومنهاج، وصل على سيد العرب وحايز الفخر والحسب والهزبر الاغلب والاغر المهذب، وصل على سليلة المصطفى وحليلة المرتضى ابنة رسول رب الارض والسماء سيدة النساء فاطمة الزهراء، وصل على الحجة النبوي العلوي الفاطمي الامام الرضي الحسن بن علي، وصل على السيد الرشيد الفارس الصنديد ذى البأس الشديد الحسين الشهيد، وصل على زين العباد وفخر الزهاد وأمان أهل البلاد المعروف بالسجاد،


[ 268 ]

وصل على محي سنن الاوصياء المصطفى بالنفس والاباء المرتضى للابتداء والانتهاء باقر علم الانبياء، وصلى على النور المشرق والشجاع المطرق والعسل المروق والكوكب المتألق أبي عبد الله جعفر الصادق، وصل على الامام المطهر والليث الغضنفر السيد على البشر أبي الحسن موسى بن جعفر، وصل على الطور الاشم والبحر الخضم السيد المحترم إمام العرب والعجم علي بن موسى المعظم، وصل على الامام الوفي والبطل الكمي ذى الحسب العلي محمد بن علي التقي، وصل على العالم المؤيد والامام المسدد المعصوم المجرد علي بن محمد، وصلى على السراج المضي والشرف العلي الامام الزكي الحسن العسكري، وصل على الامام الحاكم العامل العالم الثاير المنتقم الحجة القائم. النذير المبين الصادق الامين خاتم النبيين ورسول رب العالمين. النجم الثاقب الرفيع المراتب الكثير المناقب غالب كل غالب علي بن أبي طالب، زوجته الغراء الانسية الحوراء البتول العذراء المزوجة في السماء فاطمة الزهراء، السند المعصوم والسيد المسموم الرضا المؤتمن أبو محمد الحسن، السيد الامين الواضح الجبين الركن الركين المبرأ من كل شين أبي عبد الله الحسين، عصمة المسلمين وإمام الصابرين ورئيس البكائين و أفضل القانتين وسيد المجتهدين علي بن الحسين زين العابدين، القمر الباهر و النجم الزاهر والبحر الزاخر والنور الظاهر والامام الطاهر محمد بن علي الباقر، الفرع الباسق واللسان الناطق قامع كل مارق جعفر بن محمد الصادق، السيد العالم والعادل الحاكم والسيف الصارم القادر القائم موسى بن جعفر الكاظم، الشرف والحجى والضياء المستضا والنور المصفى قتيل طوس بالقضا علي بن موسى الرضا، النور المضي والبطل الكمي والفارس الجري والسمح الزكي والمهل الروي محمد بن علي التقي، الامامين العادلين وارثي المشعرين وإمامي الحرمين المدفونين بسر من رأى علي والحسن، الخلف المفضال اكرم الاخيار ومبيد عصبة الكفار محمد بن الحسن الهادي المهدي. اللهم صل على الدعوة النبوة والحجة الحيدرية والاعلام الحسنية والصلابة الحسينية والعبادة السجادية والعلوم الباقرية والماثر الجعفرية والاسرار الكاظمية والحجج الرضوية والانوار المحمدية والشروح العلوية والهيبة العسكرية والخلافة الصالحة المنتظرية. اللهم بحق محمد وامته وعلي وشيعته وفاطمة وعترتها والحسن ودعوته والحسين وشهادته والسجاد وزهادته والباقر وجلادته والصادق واستقامته والكاظم وانابته


[ 269 ]

والرضا وآيته والتقي وجلالته والنقي وهدايته والزكي ونهايته والمهدي وغيبته. فصل: في الاشعار فيهم لابي تمام: ربي الله والامين نبيي * صفوة الله والوصي إمامي ثم سبطا محمد تالياه * وعلي وباقر العلم خام والتقي الزكي جعفر الطيب * مأوى له المقر والمقام ثم موسى ثم الرضا علم الفضل * الذي طال ساير الاعلام والمصفى محمد بن علي * والمعرى من كل سوء وذام والزكي الامام مع نجله القائم * مولى الانام نور الظلام ابرزت منه رأفة الله بالناس * لترك الظلام بدر التمام فرع صدق نمى الى الرتبة القصوى * وفرع النبي لا شك نام فهو ماض على البديهة بالفيصل * من رأي هزبري همام عالم بالامور غارت فلم ؟ * تنجم وماذا يكون في الابحام هؤلاء الاولى أقام بهم حجته * ذو الجلال والاكرام وقال السيد الرضي: سقى الله المدينة من محل * لباب الماء بالنطف العذاب وجاد على البقيع وساكنيه * رخي الذيل ملآن الوطاب وأعلام الغري وما استباحت * معالمها من الحسب اللباب وقبر بالطفوف بضم شلوا * قضى ظمئا الى برد الشراب وبغداد وسامرا وطوس * هطول الودق منخرق العباب قبور تنطف العبرات فيها * كما نطف الصبير على الرواب صلاة الله تخفق كل يوم * على تلك المعالم والقباب وله أيضا: معشر منهم رسول الله وال‍ * – كاشف الكرب إذا الكرب عرى صهره الباذل عنه نفسه * وحسام الله في يوم الوغى أول الناس الى الداعي الذي * لم يقدم غيره لما دعا ثم سبطاه الشهيدان فذا * بحسى السم وهذا بالظي ؟


[ 270 ]

وعلي وابنه الباقر والصادق * القول وموسى والرضا وعلي وأبوه وابنه * والذي ينتظر القوم غدا يا جبال المجد عزا وعلا * وبدور الارض نورا وسنا أنتم الشافون من داء العما * وغدا ساقون من حوض الروى وقال الحصفكي: حيدرة والحسنان بعده * ثم علي وابنه محمد وجعفر الصادق وابن جعفر * موسى ويتلوه علي السيد أعني الرضا ثم ابنه محمد * ثم علي ابنه المسدد والحسن الثاني يتلو تلوه * محمد بن الحسين المفتقد وقال الامير أبو فراس: شافعي أحمد ومولاي في البعث * علي والبنت والسبطان وعلي وباقر العلم والصادق * ثم الامين ذى التبيان وعلي والخيران علي * وعلى العسكري القريب الداني والامام المهدي في يوم لا * ينفع إلا غفران ذى الغفران وله أيضا. لست أرجو النجاة من كل ما * أخشاه إلا بأحمد وعلي وببنت النبي فاطمة الطهر * وسبطيه والامام علي والتقي النقي باقر علم * الله فينا محمد بن علي وابنه جعفر وموسى ومولاي * علي أكرم به من علي وأبي جعفر سمي رسول * الله ثم ابنه الزكي علي وابنه العسكري والقائم المظهر * حقي محمد وعلي فبهم أرتجي بلوغ الاماني * يوم عرضي على الاءله ؟ العلي وقال حسان الدولة أبو الشوك فارس بن محمد: بلغ أمير المؤمنين تحيتي * واذكر له جي وصدق توددي وزر الحسين بكربلا وقل له * يابن الرسول ويا سلالة أحمد مني السلام عليك يابن محمد * أبدا يروح مع الزمان ويغتدي وعلى أبيك وجدك المختار * والثاوين منكم في بقيع الغرقد


[ 271 ]

وبأرض بغداد على موسى وفي * طوس على ذاك الرضاء المفرد وبسر من رأى السلام على * النقي نجل التقى والسؤدد بالعسكر بين اعتصامي من لظى * وبقائم من آل أحمد في غد وقال السوسي: بهم يبيض يوم الحشر وجهي * واقبض باليمين على الكتاب فأولهم أبو حسن إمامي * إمام هدى يرى مثل الشهاب ومنهم من سقته العرس سما * فغص أبو محمد بالشراب ومنهم ثاويا بالطف أضحى * قتيلا بالصفايح والحراب وزين العابدين معا علي * وباقر كل علم بالصواب أبو عبد الاءله ؟ به ارجي * نجاتي في الحساب وفى الكتاب ومنهم مخبر ما كان قدما * ومخبر ما يكون بلا ارتياب أمير المعجزات ومن تبدى * لنا بالعلم والعجب العجاب وتاسعهم محمد ذو سناء * مقيم عند موسى في القباب وعاشرهم أبو حسن رجائي * أبو حسن المرجى للمآب وحادي عشرهم حسن إمامى * أبو القمر المغيب في الحجاب وله أيضا: حبي للغائب في كوفان * ولابنه المسموم بالديفان والثالث المقتول بالعدوان * وبعده الساجد للمتان وباقر العلوم ذى التبيان * وجعفر محير الاذهان إمامنا موسى العظيم الشان * وابنه الثامن في نوقان وابنه التاسع في بغدان * والعسكري وابنه القرمان متى يلوح البدر للعيان * متى يقوم قائم الزمان وله أيضا: الطيبون الطاهرون الخيرون * الفاضلون السادة الامجاد أهل الندى أهل الحجى * أهل التقى أهل النهى الزهاد أهل الرياسة والسياسة والنفاسة * والشراسة في الاولى شداد السادة العلماء والحلماء * والفقهاء والحكماء والعباد


[ 272 ]

الانجم الصبحاء والفصحاء * والرجحاء والسمحاء والنقاد ؟ أنتم عداد شهورنا ونجومنا * وبكم تصح وتستوي الاعداد منكم علي والحسين وقبله * حسن أخوه ومنكم السجاد ومحمد منكم وجعفر وابنه * وكذاك موسى في العلى شياد ثم الرضا ومحمد وعليه * وأبو الذي الدنيا له تنقاد ذاك المميت الجور بالعدل الذي * فيه لمن يبغي الرشاد رشاد وقال عضد الدولة: ان كنت جئتك في الهوى متعمدا * فرميت من قطب السماء بهاوية وبرئت من حب ابن بنت محمد * وحشرت من قبري بحب معاويه ان الائمة بعد أحمد عندنا * اثنان ثم اثنان ثم ثمانيه وقال البشنوي: آليت ربي بالهدى متمسكا * باثنى عشر بعد النبي مراقبا اقى على البيت المطهر أهله * بيت قريش للديانة طالبا وقال العوني وينسب الى عياش: سلام على خير الورى خاتم النذر * سلام على المستحفظ الطاهر الطهر سلام وريحان وروح ورحمة * على علم الدين المتوج بالفخر سلام على بحر الندى لجة الحجى * به نزل الاملاك بالخير والذكر سلام على صنو البني وصهره * أبي حسن أكرم به ذاك من صهر سلام على الطهر الزكية فاطم * سلام على أولادها الانجم الزهر سلام على المعروف بالحلم والتقى * سلام على المقتول بالبيض والسمر سلام على السجاد ثم على ابنه * محمد ذى العلم المشهر بالبقر سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على موسى الى آخر الدهر سلام وريحان وروح على الرضا * سلام على تاليه كالكوكب الدري سلام على من أكمل العشر باسمه * سلام على الباري على الحادي العشر سلام على الطهر المسمى بجده * سلام حزين القلب عبرته تجري سلام على من سر من رأى محله * سلام على المرجو في محكم الزبر (المناقب ج 1، م 34)


[ 273 ]

وله أيضا: خليفة الله أبو الخلايف الشم * العرانين البهاليل الزهر ذو النور في التفسير والنوران في * منسله الزاكي شبير وشبر الا ول المسموم والثاني الذي * بقتله رهط ملاعين كفر واذكر عليا والذي أظهر في * الخلق علوما تم أبدا ونشر الراكع العابد والساجد حتى * قص من بين جبينه الدبر ثم اذكر الباقر للعلم ألا * يا حبذا من باقر وما بقر ثم اذكر الصادق أعني جعفرا * مثل أبي موسى بخير من ذكر ثم الرضا أعني عليا خيرة الله * بيمنه الى المجد خبر ثم اقتفاه في الهدى محمد * ثم علي فأتانا ما ذخر من سبل الحق ومن بعدهما * فالحسن المحبوب بالبر الطهر السيد المهدي والقائم في * الارض الذي غيب فهو المنتظر يملاها عدلا كما قد ملئت * جورا وذو العزة يعطيه الظفر وقال السيد الحميري: على آل الرسول أقربيه * سلام كلما سجع الحمام أليسوا في السماء هم نجوم * وهم أعلام عز لا يرام فيامن قد تحير في ضلال * أمير المؤمنين هو الامام رسول الله يوم غدير خم * أناف به وقد حضر الانام وثاني أمره الحسن المرجى * له بيت المشاعر والمقام وثالثه الحسين فليس يخفى * سنا بدر إذا اختلط الظلام ورابعهم علي ذو المساعي * به للدين والدنيا قوام وخامسهم محمدا ارتضاه * له في المأثرات إذا مقام وجعفر سادس النجباء بدر * ببهجته زها البدر التمام وموسى سابع وله مقال * تقاصر عن أدانيه الكرام علي ثامن والقبر منه * بأرض الطوس ان قحطوارهام وتاسعهم طريد بني البغايا * محمد الزكي له حسام وعاشرهم علي وهو حصن * يحن لفقده البلد الحرام


[ 274 ]

وحادي العشر مصباح المعالي * منير الضوء الحسن الهمام وثاني العشر حان له القيام * محمد الزكي به اعتصام سيظهر عاجلا نورا خفيا * وينساق الامور به انتظام اولئك في الجنان بهم مساعي * وجيرتي الخوامس والسلام وقال الخطيب الباهر ابن الفرار المطيري: بدين المصطفى أرجو نجاتي * وحب المرتضى من يوم شين بفاطمة البتول أتاك رشدا * وبالحسن الزكي وبالحسين بزين العابدين وصلت حبلي * علي بن الحسين ومن كذين وان الباقر بن علي ركني * محمد وهو ركن الامتين وكهفي جعفر الصادق علما * أفوزمن الجنان بحلتين وكاظم غيظه الطهر موسى * الى ربي جعلت وسيلتين وأنى بالرضا علي بن موسى * وثقت بان أتاك فضيلتين كذاك وبالزكي أمنت يوما * محمد من اليم عقوبتين وحسبي بالامام علي وابن * له حسن قتيل العسكرين تحاب به وحب الكل جمعا * هو المهدي أرجى خصلتين وقال ابن حماد: صلى الاله على علي ذى العلى * ما نال طيرا أو علا أغصانا وسقى المدينة والبقيع ومشهدا * حل الغري الطهر من كوفانا وسقى قبورا بالطفوف منيرة * وسقى قبورا ضمنت بغدانا وسقى مقابر سر من رأى والذي * من طوس أصبح ثاويا نوقانا وله أيضا: أنا مولى للسادة الامجاد * أهل بيت التقى وباب الرشاد أنا مولى لاحمد وعلي * ولسبطيهما وللسجاد أنا مولى لباقر العلم و * الصادق ذى الفضل والتقى والسداد أنا مولى لكاظم الغيظ موسى * وعلي الرضا ونعم الجواد أنا مولى للعسكريين حقا * ثم للقائم الامام الهادي معشر طاب مولدي بولاهم * وعليهم يوم المعاد اعتمادي


[ 275 ]

وموالاتهم نجاة من النار * وحصني من هول يوم المعاد وله أيضا: إلهي بحق الحق من آل هاشم * بصفوتك الصفوة الهداة الاكارم بأحمد المختار بالقرم حيدر * بسبطيه بالطهر البتولة فاطم بجاه علي ذى التقى بمحمد * بجعفر رب المعجزات العظائم بموسى المصفى بالرضا بمحمد * بحق علي ذى العلا والمكارم وبالحسن الميمون والقائم الذي * غدا خير مأمول وأكرم قائم باثنى عشر صفيتهم وارتضيتهم * وطهرتهم من نسل أولاد آدم بحقهم يا ذا المعارج نجني * وجد لي بعفو من عظيم الجرائم وله أيضا: يا علي المرتضى لست أبغي عوضا * منك أو عنك ولا حاشاي بالمنحرف أنا مولى حيدرة وبنيه العشرة * والامام القائم المنتظر المستخلف وقال أبو الفتح محمد بن السابوري: سلام على الصفوة المصطفى * محمد ذى المنهج الاقوم سلام على ابن أبي طالب * أخي الحرب والفارس المعلم سلام من الله ما غردت * حمام على النبأ الاعظم سلام على حرة بعلها * سبيل النجاة لمن قد عمي سلام على الحسن المرتجى * كنور بدا في دجى مظلم سلام على من سقى بالطفوف * كؤسا أمر من العلقم سلام على ساجد عابد * حماه المهيمن عن مجرم سلام على باقر علمه * يفجر كالجدول المفعم سلام على جعفر بعده * سلام كئيب به معزم سلام على كاظم نوره * توقد كالسبعة الانجم سلام على مفرد قبره * بطوس وطوس به يحتمي سلام على تاسع مجده * تألق كالعلم المعلم سلام على عاشر جوده * أسح من السيل بالمرزم سلام على حادي عشرهم * سلام على القائم القيم سلام عليكم بني أحمد * وأولاد حيدرة الاكرام


[ 276 ]

سلام عليكم بني فاطم * سلام محب لكم مكرم وقال أبو عبيد الله الحسيني: يا طيب نفح النسيم في سحر * عرج على طيبة بتغليس ؟ وزر بقيعا بما تخذ به * رسما من الدين جد مطموس واغزهما بالغزي رازمة * تثلم اضحاكها بتعبيس وطف بها بالطفوف مدلجا * وحيها ضحوة بتشميس واقصد ببغدان من أزمتها * يرو صداها بطون تعريس وخص سامرة بمرتجز * يشوب تطبيقه بتبجيس وازحف الى طوس واقض محتسبا * حقوق ذاك الغريب في طوس مشاهد روحت مراقدها * برحمة نورت وتقديس وقال الصاحب: يا زائرين اجتمعوا جموعا * وكلهم قد أجمعوا الرجوعا إذا حللتم تربة المدينة * بخير أرض وبخير طينة فابلغوا محمدا الزكيا * عني السلام طيبا زكيا حتي إذا عدتم الى الغري * فسلموا مني على الوصي وبعد بالبقيع في خير وطن * اهدوا سلامى نحو مولاي الحسن وابلغوا القتلى بأرض الطف * تحيتي ألفان بعد ألف ثمة عودوا ببقيع الغرقد * نحو علي بن الحسين سيدي وباقر العلم أخا الذخائر * ومعدن العلياء والمفاخر وكنز علم الله في الخلايق * جعفر الصادق أتقى صادق فبلغوهم من سلامى النامى * مالا يزول مدة الايام حتى إذا عدتم الى بغدان * بمشهد الزكاء والرضوان فبلغوا مني سلاما زايبا * سلام من يرى الولاء واجبا وواصلوا السرور وارؤاطوسا * نحو علي ذى العلى بن موسى حيوه عني ما أضاء كوكب * وما أقام يذبل وكبكب وسلموا بعد على محمد * بأرض بغدان زكي المشهد واعتمروا عسكر سامراء * اهدوا سلامي أحسن الاهداء نحو علي الطاهر المطهر * والحسن المحسن نسل حيدر


[ 277 ]

وله أيضا: يا زائرا قد قصد المشاهدا * وقاطع الجبال والفدافدا فابلغ النبي من سلامي * ما لا يبيد مدة الايام حتى إذا عدت بأرض الكوفة * البقعة الطاهرة المعروفة وصرت في الغري في خير وطن * سلم على خير الوري أبى الحسن ئمة سر نحو بقيع الغرقد * مسلما على أبي محمد وعد الى الطف بكربلاء * اهد سلامى أحسن الاهداء بخير من قد ضمه الصعيد * ذاك الحسين السيد الشهيد واجنب الى الصحراء بالبقيع * فثم أرض الشرف الرفيع هناك زين العابدين الازهر * وباقر العلم وثم جعفر ابلغهم عني السلام راهنا * قد ملا البلاد والمواطنا واجنب الى بغداد بعد العيسا * مسلما على الزكي موسى واعجل الى طوس على اهدى سكن * مبلغا تحيتي أبا الحسن وعد لبغداد بطير أسعد * سلم على كنز التقى محمد وأرض سامراء أرض العسكر * سلم على علي المطهر والحسن الرضي في أحواله * من منبع العلوم في أقواله فانهم دون الانام مفزعي * ومن إليهم كل يوم مرجعي وأنشد المندب أبو طاهر القمي لنفسه: أقول اني عبد لا عتاق له * لآل ياسين قول الصادق الجاهر محمد وعلي والبتولة والسبط * – ين والسيد السجاد والباقر وجعفر وابنه موسى وحافده * الرضا ونوار الورى محمد الطاهر والعسكري علي وابنه الحسن * الزاكي ارومته والحجة الباهر وأنشد أبو الرضا الحسيني لنفسه: يا رب مالي شفيع يوم منقلبي * إلا الذين إليهم ينتهي نسبي المصطفى وهو جدي ثم فاطمة * امي وشيخي علي الخير وهو أبي والمجتبى الحسن الميمون غرته * ثم الحسين أخوه سيد العرب ثم ابنه سيد العباد قاطبة * وباقر العلم مكشوف عن الحجب والصادق البر في شئ يفوه به * والكاظم الغيظ في مستوقد الغضب


[ 278 ]

ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته * ثم التقي نقيبا غير ما كذب ثم النقى ابنه والعسكري وما * لي في شفاعة غير القوم من ارب ثم الذي يملا الدنيا بأجمعها * عدلا وقسطا باذن الله عن كثب وتشرق الارض من لالاء غرته * كالبدر يطلع من داج من السحب وله ايضا: محمد خير مبعوث وأفضل من * مشى على الارض من حاف ومنتعل من دينه نسخ الاديان أجمعها * ودور ملته عفى على الملل ثم الامامة مهداة مرتبة * من بعده لأمير المؤمنين علي من بعده ابناه وابنا بنت سيدنا * محمد ثم زين العابدين علي والباقر العلم عن أسرار حكمته * والصادق البرلم يكذب ولم يخل والكاظم الغيظ لم ينقض مروته * ثم الرضا لم يفه والله بالزلل ثم التقى فتى عاف الانام معا * قولا وفعلا فلم يفعل ولم يقل ثم النقي ابنه والعسكري ومن * يطهر الارض من رجس ومن دخل القائم العدل والحاكي بطلعته * طلوع بدر الدجى في دامس الطفل تنشق ظلمة ظلم الارض من قمر * اشراق دولته يأتي على الدول ولنا: ألا ان خير الناس بعد نبينا * علي ولي الله وابن المهذب به قام للدين الحنيف عموده * وصار رفيعا ذا رواق مطنب ومن بعده نجلاء سبطا محمد * وريحانتاه من أطائب طيب فسيدنا السجاد أكر من مشى * على الارض طرا من تقي ومعرب وباقر علم الدين والصادق الذي * به يهتدى في كل عمياء غيهب وموسى أمين الله ثم ابنه الرضا * زكي نجار قد علا كل منصب فسيد سادات الانام محمد * أبو جعفر الزاكي التقي المطيب وخير البرايا العسكريان بعده * إمامان مهديان في كل مشعب وقائمنا المهدي لابد قاتل * عداة أبيه بالحسام المشطب يقول على اسم الله قد حان أمره * فيملا عدلا كل شرق ومغرب بهم أتولى مؤمنا متيقنا * وأشنأ من أعدائهم كل مذهب


[ 279 ]

وقال محمد بن حبيب الصبي: صلى الاءله ؟ على النبي محمد * وعلت عليا نضرة ووسام وكذا على الزهراء صلى سرمدا * رب بواجب حقها علام وعليه صلى ثم بالحسن ابتدى * وعلى الحسين لوجهه الاكرام وعلى علي ذى التقى ومحمد * صلى فكل سيد وهمام وعلى المهذب والمطهر جعفر * أزكى الصلاة وان أبى الاقوام الصادق المأثور عنه علم ما * فيكم به يتمسك الاقوام وكذا على موسى أبيك وبعده * صلى عليك وللصلاة دوام وعلى محمد الزكي فضوعفت * وعلى علي ما استمر كلام وعلى الرضا ابن الرضا الحسن الذى * عم البلاد لفقده الاظلام وعلى خليفته الذي لكم به * تم النظام فكان فيه تمام فهو المؤمل أن يعود به الهدى * باق وان يستوثق الاحكام وقال غيره: إلهي بحق المصطفى ووصيه * وبفاطم الزهراء ابنة أحمد يا رب بالحسن الزكي ومن ثوى * في كربلا والزاهد المتعبد وبباقر علم التقى وبجعفر * وبحق موسى والرضا ومحمد وعلي الهادي وبالحسن النقي * والحجة المهدي الامام السيد اغفر ذنوبي واعف عن جرمى غدا * فوسيلتي يا رب آل محمد وقال آخر: وعرفت قبلتي النبي محمدا * حسبي وذا ذخري وعند نزاعي وعرفت مولائي عليا صنوه * علم الهدى ومذل كل شجاع وعرفت بعد الصنو بالحسن التقى * وعرفت كيف حقيقة الابداع وعرفت مولاي الحسين مفرها * أبدا بداء دوائه استرجاعي وعرفت سجادا سجدت لنوره * أكرم به من ساجد ركاع وعرفت باقر علمهم والصادق الميمون * ثدي العالم الرضاع وعرفت موسى والرضا ومحمدا * وعلي والحسن الكريم الساعي وعرفت مولاي الامام القائم القوام * قارع كل باب قراع أشباح نور في هياكل حكمة * أرواح قدس في صدور سباع


[ 280 ]

وقال سلامه الحسيني: أنا مولى حيدر وابنيه * والعلم السجاد مصباح العرب وابنه الباقر والصادق * والمرتضى موسى الامام المنتجب ثم الرضا ثم أبي جعفر * والعسكريين وباق محتجب وقال أبو العمر عبد الملك البعلبكي: بمحمد ووصيه وابنيهما قسما غموسا وبمن بحيدرة الوصي المرتضى أضحت عروسا وعليهم ومحمد وبجعفر أيضا وموسى وبمن بطوس قبره بأبي وامي من بطوسا وثلاثة من بعدهم وبرابع يأتي بعيسى جد لي بعفوك يا إلهي واكفني يوما عبوسا فلقد دعوتك بالذين جعلتهم فينا شموسا كدعاء آدم إذ دعاك فلم يخف إذ ذاك بؤسا إلا غفرت خطيئتي وكفيتني يوما عبوسا وقال الصاحب: بمحمد ووصيه وابنيهما * وبعابد وبباقرين وكاظم ثم الرضا ومحمد ثم ابنه * والعسكري المتقي والقائم أرجو النجاة من المواقف كلها * حتى اصير الى نعيم دائم وله أيضا: بمحمد ووصيه وابنيهما * الطاهرين وسيد العباد ومحمد وبجعفر بن محمد * وسمي مبعوث بشاطئ الوادي وعلى الطوسي ثم محمد * وعلي المسموم ثم الهادي حسن واتبع بعده بامامة * للقائم المبعوث بالمرصاد وله أيضا: قد تبرأت من الجبتين تيم وعدي * ومن الشيخ العتل المستحل الاموي أنا لا أعرف إلا رهن قبر بالغري * وثمانا بعد سبطيه ومنصوصا خفي مناقب ج 1، م 35


[ 281 ]

وله أيضا: نبي والوصي وسيدان * وزين العبادين وباقران وموسى والرضا والفاضلان * بهم أرجو خلودي في الجنان وقال كشاجم: نبيي شفيعي والبتول وحيدر * وسبطاه والسجاد والباقر المجد بجعفر بموسى بالرضا بمحمد * بنجل الرضا والعسكريين والمهدي وقال غيره: علي وابناه وبحران واللجة * وموسى وطهراه وبران والحجة اولئك آل المصطفى عترة الهدى * فأفعالهم حق واقوالهم حجة وقال غيره: اعوذ بذى ا لعرش مما جنبت ؟ * ورحمته الجمة الواسعه واهل العباء وآل الحسين * اولي الامر والحجة التاسعة وقال آخر: أعددت قوما لدنياي وآخرتي * هم النجاة فخل اللوم يا لائم علي وابنيه موسى جعفرا حسنا * محمدا وعليا والرضا القائم وقال محمد الموسوي: آمنت بالله وبالمصطفى * والمرتضى والعترة الطاهره هم خمسة يتلوهم سبعة * حجتهم باطنة ظاهره ولنا: ميلاد من والاهم ظاهر * وام من عاداهم عاهره ثلاثة أربعة خمسة * اعددت للدنيا وللآخرة مالي الى غيرهم حاجة * بعد نبي الله في الساهره وقال الزاهي: والد الاسباط أنوار قلبي * في مساي بهم وابتكاري منهم المسموم إذ لذعوه * بذعاف السم لذع الشرار وقتيل الطفوف يا لهف قلبي لقتيل قل فيه اصطباري والفتى السجاد والباقر الامجد * والصادق خدن الوقار ثم مدفون ببغداد يغشى * قبره مني بطيب المزار


[ 282 ]

والرضا فارض به ثم زره * وابكه بالهاطلات الغزار وسمي المصطفى يا آل نجد * طال حزني بعده وافتكاري وعلى صاحب العسكر المفرج لي * باب بفرط ادكاري وأخو الاحسان أعني إمامي * حسنا والركن ذو المستجار ثم مهدي إليه اشتياقي * طال وجدي به وانتظاري وله أيضا: هم الآل آل الله والقطب التي * بها فلك التوحيد أصبح دائرا أئمة حق خاتم الرسل جدهم * ووالدهم من كان للحق ناصرا علي أمير المؤمنين وسيد * الى قرنه بالسيف ما زال باترا وامهم الزهراء أكرم برة * غد اقلبها مضنى على الوجد صابرا ومنهم قتيل السم ظلما ومنهم * إمام له جبريل يكدح زائرا قتيل بأرض الطف اروت دماؤه * رماح الاعادي والسيوف البواترا ومنهم لدى المحراب سجاد ليله * وقرم لفضل العلم أصبح باقرا وسادسهم ياقوتة العقد جعفر * إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا وسابعهم موسى أبو العلم الرضا * ومن لم يزل بالعلم للخلق ناشرا وثامنهم ثاو بطوس ومن به * طفقت حزينا للهموم مسامرا وتاسعهم زين الانام محمد * أبو علم للقوم اصبح عاشرا ومنهم إمام سر من راى محله * تمام لحادي العشر ظل مجاورا وآخرهم مهدي دينك انه * إمام لعقد الفاطميين آخرا وقال غيره، يا إلهي على رضاك أعني * وتفضل علي بالغفران فشفيعي محمد وعلي * والبتول الزهراء والحسنان وعلي والطاهران وموسى * والذي حل نازح الاوطان وابنه واللذان في تربة العسكر * والقائم الخفي المكان فبهم سيدي سألت فما لي * شافع غيرهم وغير القرآن وقال محمد بن حمزة الحسيني: بحبل رسول الله والبر حيدر * وشبليه والزهراء مفقودة العدل وحبل علي وابنه ثم جعفر * وكاظمه ثم الرضا وابنه العدل


[ 283 ]

وحبل علي بن الزكي محمد * وبابن له المشهور بالحسن الكفل وبالقائم المهدي من آل أحمد * سمي لطه الطهر خاتمة الرسل وقال ابن قرط امير الموصلي: إلهي بالميامين * هداتي من بني هاشم بأنوارك في خلقك * والحجة في العالم بمن صيرت جبريل * لهم يا ذا العلى خادم بخير الخلق ختام * النبيين أبي القاسم وبالهادي علي * وبحوراء النساء فاطم وبالمسموم والمقتول * ظلما لعن الظالم وبالسجاد والباقر * والصادق والكاظم وبالمدفون في طو * س علي وابنه العالم بحق العسكريين * وبالمنتظر القائم وقال محمد بن أبي نعمان: خليفة الله ربي ليس ينكره * إلا جهول عمي بادي الصمم وفاطم خير نسوان بها فطمت * أشياعها من عظيم السخط والنقم والصفوتان حسين قبله حسن * حبل متين وعقد غير منفصم وتسعة كملت عد الشهور بهم * على بيان من القرآن منتظم إذا قرأت براءة كنت واجده * في شرح معنى شهور الحل والحرم وقبلها سورة الاعراف في قصص * الانباء عن نقباء سادة بهم كانوا لموسى نجي الله فاتفقت * أعدادهم عدة الابراج للنجم وفي النساء إذا ما كنت تاليها * فرض لطاعتهم من بارئ النسم وفي الحواميم أيضا ذكرودهم * وذكر فضلهم في النون والقلم وقال غيره: الله ربي ثم أحمد شافعي * وعلي لي ذخري ليوم معاد والحسن المسموم والمقتول * بالنهرين ظلما والفتى السجاد وبباقر للعلم دنت وجعفر * وبحبل موسى قد شددت عمادي ثم الرضا ثم الامام محمد * وعلي عاشر سادتي والحادي والقائم المهدي الذي يحيي به * رب البرايا جمع كل بلاد


[ 284 ]

وجميعهم مثل النجوم أئمتي * ما مثلهم في حاضر أو باد وقال آخر: سألتك بالاءله ؟ وبالنبي * وبالمدفون في أرض الغري وبالزهراء سيدة البرايا * وبالمسموم في الماء الهني وبالمقتول ظلما واعتداءا * وممنوعا من الماء الروي وبالسجاد للرحمن طوعا * وباقر علمه البر التقي بصادق عصره قسما يمينا * من الرحمن نور جعفري بحرمة ابنه موسى كموسى * كليم الله حسبك من سمي وبالمدفون في أكناف طوس * وبالمسموم بالرطب الجني بحق علينا بدرا تلالا * من الاشباح في الافق العلي وبالحسن المقيم بسر من رأى * بسرداب حوى ابن العسكري وبالمهدي قائم آل طاها * ودارس ذكر حقم المضي وانشد: يا ذا المعارج والسماوات العلى * والارض والفلك المطل الدائر اني بأحمد والوصي وزوجه * وابنيهما وبزينهم والباقر وبجعفر والقرم موسى والرضا * ومحمد البحر الخضم الزاخر وبعسكريين النقي ونجلة * الحسن الزكي وبالامام الثائر بالقائم الخلف المبارك والذي * نص الرسول عليه عين الطاهر متوسل بهم اليك ومهتد * في هديهم عن طيب أصل طاهر وقال أبو الواثق العنبري: شفيعي اليك اليوم يا خالق الورى * رسولك خير الخلق والمرتضى علي وسبطاه والزهراء بنت محمد * ومن فاق أهل الارض في زهده علي وباقر علم الانبياء وجعفر * وموسى وخير الناس في رشده علي ومولاي من بعد الكرام الى الوري * محمد المحمود ثم ابنه علي وبالحسن الميمون تمت شفاعتي * وبالقائم المهدي ينمى الى علي أئمة رشد لا فضيلة بعدهم * سلالة خير الخلق أفضلهم علي ولغيره: أجرني فاني قد أتيتك صادقا * بحق النبي المصطفى خاتم الرسل


[ 285 ]

وبالسيد المولى علي وفاطم * و بالحسنين المفردين عن المثل وبالزاهد السجاد ثم محمد * وبالصادق المعروف بالعلم والفضل بموسى بمولاي الرضا بمحمد * وبالعسكريين الامامين بالكل و بالخلف الباقي عليك بحقهم * تفضل بما قد جئت فيه بلامطل وقال آخر: بحق جلال وجهك بالنبي * وحق الهاشمي الابطحي وبالقرآن إذ يوحى إليه * وحق وصيه البطل الكمي وبالسبطين أعني ابني علي * وامهما ابنة البر الزكي وحق أئمة سلفوا جميعا * على منهاج جدهم النبي وحق القائم المهدي لما * غفرت خطيئة العبد المسي وقال زيد المرزكي: منهم رسول الله أكرم من و * طأ الحصا وأجل من أصف وعلي البطل الامام ومن * وارى غرايب فضله النجف وعلى الحسنين متكلي * في الحشر يوم تنشر الصحف وشفاعة السجاد تشملني * وبها من الآثام أكتنف وبباقر العلم الذي علقت * كفي بحبل ولائه الزلف وبحب جعفر اقتوى أملي * ولشقوتي في ظله كنف ووسيلتي موسى وعترته * أكرم بهم من معشر سلفوا منهم علي وابنه وعلي * وابنه ومحمد الخلف صلى الاله عليهم وسقى * مثواهم الهطالة الوكف وقال ابن مكي: ومحمد يوم القيامة شافع * للمؤمنين وكل عبد مقنت وعلي والحسنان ابنا فاطم * للمؤمنين الفائزين الشيعة وعلي زين العابدين وباقر * علم التقى وجعفر هو منيتي والكاظم الميمون موسى والرضا * علم الهدى عند النوائب عدتي ومحمد الهادي الى سبل الهدى * وعلي المهدي جعلت ذخيرتي والعسكر بين الذين بحبهم * أرجو إذا ابصرت وجه الحجة


[ 286 ]

وقال غيره: بسمي المصطفى ثم سمي المصطفى * ثم بالثالث شفعه لذى العرش الولي والمرجى الحسن ثم المرجى الحسن * وشفيع الخير مولاي الحسين بن علي وبموسى ذى المساعي وابيه جعفر * وعلي وعلي وعلي وعلي شفعاءهم لعمري شفعائي في الورى * وبهم كربي لعمري سوف عني ينجلي وقال آخر: سألتك يا إله العالمينا * ويا محيي جميع الميتينا * بحرمة أحمد المبعوث فينا * بمولانا أمير المؤمنينا بحق بتولة طهرت وطابت * فقد فاقت نساء العالمينا وبالحسن الذي سموه ظلما * بنو هند تعدوا ظالمينا بمولانا الحسين شهيد طف * قتيل بني زياد المارقينا بحق علي سجاد ونسك * وفضل محمد في الباقرينا بحرمة جعفر وبفضل موسى * محل الحلم زين الكاظمينا بمنزلة الرضا أعني عليا * بطوس شلوه أضحى دفينا بحق محمد ثاوى قبورا * ببغداد يشوقنا حنينا بحرمة عسكريين أقاما * بسامرا مقام القاطنينا بحق محمد المهدي بقوم * الى الايمان كانوا راغبينا أجرني من عذابك يا إلهي * بهم وبجدهم في السافينا قال ابراهيم بن السماك سمعت ليلة عند دومة الجندل هاتفا يهتف من الجبال: ناد من طيبة مثواه وفى طيبة حلا أحمد المبعوث بالحق عليه الله صلى وعلى التالي له في الفضل والمخصوص فضلا وعلى سبطيهما المسموم والمقتول قتلا وعلى التسعة منهم محتدا طابوا وأصلا هم منار الحق للخلق إذا ما الخلق ضلا نادهم يا حجج الله على العالم كلا كلمات الله تمت بكم صدقا وعدلا


[ 287 ]

باب درجات أمير المؤمنين عليه السلام فصل: في مقرماتها اجتمعت الامة على ان ليس لها تولية رجل بالاختيار والشورى إلا بعد أن يجدوا في الكتاب والسنة ما يدل على رجل باسمه وفعله فإذا وجدوه ولوه عليهم. واجتمعت المعتزلة على ان الخصال المستحقة لصاحبها التعظيم الذهني في علي أو فر مما في غيره وذلك العلم والجهاد والزهد والجود. واما الدليل السمعي الذي يوجب كثرة ثوابه وفضله على غيره، ففي حديث الطير وحديث تبوك ونحوهما، ومن افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه، ثم أجمع الكل على ان أفضل الفضايل السبق الى الاسلام ثم القرابة ثم العلم ثم الهجرة ثم الجهاد ثم النفقة في سبيل الله ثم الزهد والورع ثم رضى رسول الله عنه يوم مات وقد سبق على الكل في ذلك على ما يجئ بيانه انشاء الله، فاما رضى رسول الله فقد تفرق في عدة مواضع من هذا الكتاب، واما القرابة فلا يشك فيه مسلم وان قالوا حمزة وجعفر والحسن والحسين والعباس و غيرهم ممن حرم الله عليهم الصدقة لقرباهم من رسول الله فكان علي أخصهم به بأشياء كثيرة، وسئل الصادق (ع) عن فضيلة خاصة لأمير المؤمنين فقال: فضل الاقربين بالسبق وسبق الابعدين بالقرابة قال ديك الجن قرابة ونصرة وسابقه * هذا المعالي والصفات الفايقة قال الحميرى: ما استبق الناس الى غاية * إلا حوى السبق على سبقه وقال ابن حماد: اما أمير المؤمنين فانه * سبق الهداة ولم يكن مسبوقا اختاره رب العلى وأقامه * علما الى سبل الورى وطريقا ثم وجدنا فضايل علي (ع) على ثلاثة أنواع، ما على الصحابة فيما شاركهم فيه، وما اجتمع فيه وتفرق في الكل وما تفرد به قال جابر الانصاري: كانت لاصحاب النبي صلى الله عليه وآله ثمانية عشر سابقة خص منها علي بثلاثة عشر وشركنا في الخمس.


[ 288 ]

الفضايل عن العكبري قال عبد الله بن شداد بن الهاد قال ابن عباس: كان لعلي ثمانية عشر منقبة ما كانت لاحد في هذه الامة مثلها. ابن بطة في الابانة عن عبد الرزاق عن أبيه قال: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله بمائة منقبه وشاركهم في مناقبهم. كتاب أبي بكر بن مردويه قال نافع بن الازرق لعبد الله بن عمر: اني أبغض عليا، فقال قال: أبغضك الله أتبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها. قال الحيمرى: لئن كان بالسبق للسابقين * مزية فضل على السابقينا لقد فضل الله آل الرسول * لفضل الرسول على العالمينا وقال الحصفكي: يابن ياسين وطاسين وحاميم ونونا * يابن من أنزل فيه السابقون السابقونا وقال الحميري: أين الجهاد وأين فضل قرابة * والعلم بالشبهات والتفصيل أين التقدم بالصلاة وكلهم * للات يعبد جهرة ويحول أين الوصية والقيام بوعده * وبدينه ان غرك المحصول أين الجواز بمسجد لا غيره * حينا يمر به فأين تحول هل كان فيهم أن نظرت مناصحا * لابي الحسين مقاسط وعديل فصل: في المسابقة بالاسلام استفاضت الرواية ان أول من أسلم علي ثم خديجة ثم جعفر ثم زيد ثم أبو ذر ثم عمرو بن عنبسة السلمي ثم خالد بن سعيد بن العاص ثم سمية ام عمار ثم عبيدة بن الحرث ثم حمزة ثم خباب بن الارت ثم سلمان ثم المقداد ثم عمار ثم عبد الله بن مسعود في جماعة ثم أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن زيد وصهيب وبلال. تاريخ الطبري: ان عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا واحدى وعشرين امرأة. أنساب الصحابة عن الطبري التاريخي والمعارف عن القتيبي: ان أول من أسلم خديجة ثم علي ثم زيد ثم أبو بكر. (مناقب ج 1، م 36)


[ 289 ]

يعقوب النسوي في التاريخ قال الحسن بن زيد: كان أبو بكر الرابع في الاسلام وقال القرطي: أسلم علي قبل ابي بكر. واعترف الجاحظ في العثمانية بعد ما كر وفر ان زيدا وخبابا أسلما قبل أبي بكر ولم يقل أحد انهما أسلما قبل علي، وقد شهد أبي بكر لعلي بالسبق الى الاسلام. روى أبوذرعة الدمشقي وأبو إسحاق الثعلبي في كتابيهما انه قال أبو بكر: يا أسفي على ساعة تقدمني فيها علي بن أبي طالب فلو سبقته لكان لي سابقة الاسلام. معارف القتيبي وفضايل السمعاني ومعرفة النسوي قالت معاذة العدوية: سمعت عليا يقول على منبر البصرة: أنا الصديق الاكبر آمنت قبل أن يؤمن أو بكر وأسلمت قبل أن يسلم عمرا. تاريخ الطبري قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال قلت لابي: أكان أبو بكر أولكم اسلاما ؟ فقال: لا وقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا ولكن كان أفضلنا إسلاما. وقال عثمان لأمير المؤمنين (ع): انك ان تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك، قال: ومن هو خير مني ؟ ! قال: أبو بكر وعمر، فقال: كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم. فلما شعر حسان بأن أبا بكر أول من أسلم فهو شاعر وعناده لعلي ظاهر. واما رواية أبي هريرة فهو من الخاذلين وقد ضربه عمر بالدرة لكثرة روايته وقال: انه كذوب. وأما رواية ابراهيم النخعي فانه ناصبي جدا تخلف عن الحسين (ع) وخرج مع ابن الاشعث في جيش عبيد الله بن زياد الى خراسان وكان يقول: لاخير إلا في النبيذ الصلب. واما الروايات في ان عليا أول الناس إسلاما فقد صنف فيه كتب: منها ما رواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله (والسابقون السابقون اولئك المقربون) فقال: سابق هذه الامة علي بن أبي طالب. مالك بن أنس عن أبي صالح عن ابن عباس: انها نزلت في أمير المؤمنين (ع) سبق والله كل أهل الايمان الى الايمان ثم قال: والسابقون كذلك يسبق العباد يوم القيامة الى الجنة. كتاب أبي بكر الشيرازي، مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن ابى عباس


[ 290 ]

قال: والسابقون الاولون نزلت في أمير المؤمنين سبق الناس كلهم بالايمان وصلى الى القتبلين وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة الى الحبشة ومن الحبشة الى المدينة. وروي عن جماعة من المفسرين انها نزلت في علي وقد ذكر في خمسة عشر كتابا فيما نزل في أمير المؤمنين بل في أكثر التفاسير انه ما أنزل الله تعالى في القرآن آية (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها لانه أول الناس إسلاما. النطنزي في الخصايص العلوية بالاسناد عن ابراهيم بن اسماعيل عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن جده عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله: يا علي أنت أول المسلمين إسلاما وأول المؤمنين ايمانا. أبو يوسف النسوي في المعرفة والتأريخ روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي أول من آمن بي وصدقني. أبو نعيم في حلية الاولياء والنطنزي في الخصايص بالاسناد عن الخدري ان النبي قال لعلي وضرب يده بين كتفيه: يا علي سبع خصال لا يحاجك فيهز أحد يوم القيامة أنت أول المؤمنين بالله ايمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية ؟ يوم القيامة. أربعين الخطيب باسناده عن مجاهد عن ابن عباس وفضايل أحمد وكشف الثعلبي باسنادهم الى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قالا قال البني صلى الله عليه وآله: ان سباق الامم ثلاثة لم يكفروا طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون وعلي أفضلهم. فردوس الديلمي قال أبو بكر قال رسول الله: ثلة من الاولين وثلة من الآخرين هما من هذه الامة. محمد بن فرات عن الصادق في هذه الآية ثلة من الاولين ابن آدم المقتول ومؤمن آل فرعون وقليل من الآخرين علي بن أبي طالب. شرف النبي عن الخركوشي انه أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: ألا ان هذا أول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الاكبر وهذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المسلمين والمال يعسوب الظالمين. جامع الترمذي وابانة العكبري وتاريخ الخطيب والطبري انه قال زيد بن أرقم


[ 291 ]

وعليم الكندي: أول من أسلم علي بن أبي طالب. محمد بن سعد في كتاب الطبقات واحمد في المسند قال ابن عباس: أول من أسلم بعد خديجة علي (ع). تاريخ الطبري وأربعين الخوارزمي قال محمد بن اسحاق: أول ذكر آمن برسول الله وصلى معه وصدقه بما جاء من عند الله علي. مروان و عبد الرحمن التميمي قالا: مكث الاسلام سبع سنين ليس فيه إلا ثلاثة رسول الله وخديجة وعلي. فضايل الصحابة عن العكبري وأحمد بن حنبل قال عباد بن عبد الله قال علي (ع): أسلمت قبل الناس بسبع سنين. كتاب ابن مردويه الاصفهاني والمظفر السمعاني وأمالي سهل بن عبد الله المروزي عن أبي ذر وأنس واللفظ لابي ذرانه قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشر. تاريخ بغداد والرسالة القوامية ومسند الموصلي وخصايص النطنزى انه قال حبة العرنى: قال علي: بعث النبي يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء. تاريخ الطبري وتفسير الثعلبي انه قال محمد بن المنكدر وربيعة بن أبى عبد الرحمن وأبو حازم المدنى ومحمد بن السايب الكلبي وقتادة ومجاهد وابن عباس وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وعمرو بن مرة وشعبة بن الحجاج: علي أول من أسلم. وقد روى وجوه الصحابة وخيار التلعين ؟ وأكثر المحدثين ذلك، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وزيد بن صوحان وحذيفة وأبو الهيثم وخزيمة وأبو تراب والخدرى وأبي وأبو رافع وام سلمة وسعد بن ابى وقاص وابو موسى الاشعري وأنس بن مالك وابو الطفيل وجبير بن مطعم وعمرو بن الحمق وحبة العرنى وجابر الحضرمي والحارث الاعور وعباية الاسدي ومالك بن الحويرث وفثم بن العباس وسعد بن قيس ومالك الاشتر وهاشم بن عتبة ومحمد بن كعب وابو مجاز والشعبي والحسن البصري وابو البختري والواقدي و عبد الرزاق ومعمر والسدي والكتب برواياتهم مشحونة وقال أمير المؤمنين (ع): صدقته وجميع الناس في بهم * من الضلالة والاشراك والنكد قال الحميرى: من فضله انه قد كان أول من * صلى وآمن بالرحمن إذ كفروا


[ 292 ]

سنين سبع وأياما محرمة * مع النبي على خوف وما شعروا وله أيضا: من كان وحد قبل كل موحد * يدعوا الاله الواحد القهارا من كان صلى القبلتين وقومه * مثل النواهق تحمل الاسفارا ولقد كان إسلامه عن فطرة وإسلامهم عن كفر وما يكون عن الكفر لا يصلح للنبوة وما يكون من الفطرة يصلح لها، ولهذا قوله صلى الله عليه وآله: الا انه لا نبي بعدى ولو كان لكنته. ولذلك قال بعضهم وقد سئل: متى أسلم علي ؟ قال: ومتى كفر إلا انه جدد الاسلام. تفسير قتادة وكتاب الشيرازي روى ابن جبير عن ابن عباس قال: والله ما من عبد آمن بالله إلا وقد عبد الصنم فقال وهو الغفور لمن تاب من عبادة الاصنام إلا علي ابن ابي طالب فانه آمن بالله من غير ان عبد صنما فذلك قوله وهو الغفور الودود يعني المحب لعلي بن ابى طالب إذ آمن به من غير شرك. سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله (الذين آمنوا يا محمد الذين صدقوا بالتوحيد) قال: هو أمير المؤمنين (ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) أي ولم يخلطوا، نظيرها (لم تلبسون الحق بالباطل) يعني الشرك لقوله (ان الشرك لظلم عظيم) قال ابن عباس: والله ما من احد إلا اسلم بعد شرك ما خلا أمير المؤمنين (اولئك لهم الامن وهم مهتدون) يعني عليا: الكافي، أبو بصير عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام انهما قالا: ان الناس لما كذبوا برسول الله هم الله تبارك وتعالى بهلاك اهل الارض إلا عليا فما سواه بقوله (فتول عنهم فما أنت بملوم) ثم بداله فرحم المؤمنين ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله: (فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين). وقد روى المخالف والمؤالف من طرق مختلفة منها عن ابى بصير مصقلة بن عبد الله عن عمر بن الخطاب عن النبي قال: لو وزن ايمان علي بايمان امتي، وفى رواية وايمان امتي لرجح ايمان علي على ايمان امتي الى يوم القيامة. وسمع أبو رجاء العطاردي قوما يسبون عليا فقال: مهلا ويلكم أتسبون أخا رسول الله وابن عمه واول من صدقه وآمن به وانه لمقام علي مع رسول الله ساعة من نهار خير من اعماركم بأجمعها. قال العبدى: اشهد بالله لقد قال لنا * محمد والقول منه ما خفى


[ 293 ]

لوان ايمان جميع الخلق ممن * سكن الارض ومن حل السما يجعل في كفة ميزان لكي * يوفى بايمان على ما وفى وانه مقطوع على باطنه لانه ولي الله بما ثبت في آية التطهير وآية المباهلة وغيرهما وإسلامهم على الظاهر. الشيرازي في كتاب النزول عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس بن مالك في قوله (ان الذين آمنوا) نزلت في علي صدق اول الناس برسول الله، الخبر. الواحدى في اسباب نزول القرآن في قوله (فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه) نزلت في حمزة وعلى (فويل للقاسية قلوبهم) أبو لهب واولاده. الباقر (ع) في قوله (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون الله) على بن ابى طالب. وعنه (ع) في قوله (الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم إليه راجعون) نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار واصحاب لهم (والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة) نزلت في علي وهو اول مؤمن واول مصل. رواه الفلكي في ابانة ما في التنزيل عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس. وعنه (ع) في قوله (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه ترجعون) نزلت في علي لانه اول من سمع والميت الوليد بن عقبة. وعنه (ع) في قوله (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الى الله) ان المعني بالآية أمير المؤمنين (ع). الشيرازي في نزول القرآن عن عطا عن ابن عباس، والواحدي في الاسباب والنزول وفي الوسيط ايضا عن ابن ليلى عن حكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، والخطيب في تاريخه عن نوح بن خلف، وابن بطة في الابانة، واحمد في الفضايل عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس، والنطنزى في الخصايص عن أنس، والقشيري في تفسيره، والزجاج في معانيه، والثعلبي في تفسيره، وابو نعيم فيما نزل من القرآن في علي (ع) عن الكلبي عن ابى صالح، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابى العالية عن عكرمة، وعن ابى عبيدة عن يونس عن ابى عمر، وعن مجاهد كلهم عن ابن عباس. وقد روى صاحب الاغانى ؟ وصاحب تاج التراجم عن ابن جبير وابن عباس وقتادة، وروي عن الباقر (ع) واللفظ له انه قال الوليد بن عقبة لعلي (ع): أنا أحد منك سنانا وأبسط لسانا وأملا حشوا للكتيبة، فقال أمير المؤمنين: ليس كما


[ 294 ]

قلت يا فاسق، وفى روايات كثيرة: اسكت فانما انت فاسق، فنزلت الآيات (أفمن كان مؤمنا) علي بن ابى طالب (كمن كان فاسقا) الوليد (لا يستون). (اما الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية انزلت في علي (واما الذين فسقوا) انزلت في الوليد فأنشأ حسان: أنزل الله والكتاب عزيز * في على وفي الوليد قرآنا فتبوأ الوليد من ذاك فسقا * وعلي مبوء ايمانا ليس من كان مؤمنا عرف الله * كمن كان فاسقا خوانا سوف يجزى الوليد خزياو نارا * وعلي لا شك يجزى جنانا وقال الحميري: من كان في القرآن سمي مؤمنا * في عشر آيات جعلن خيارا وانه (ع) بقى بعد النبي صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة في خيراته من الاوقاف والصدقات والصيام والصلاة والتضرع والدعوات وجهاد البغاة وبث الخطب والمواعظ وبين السير والاحكام وفرق العلوم في العالم وكل ذلك من مزايا ايمانه. تفسير يوسف بن موسى القطان ووكيع بن الجراح وعطاء الخراساني انه قال ابن عباس (إنما المؤمنون الذين آمنوا صدقوا بالله وبرسوله ثم لم يرتابوا) يعني لم يشكوا في ايمانهم نزلت في علي وجعفر وحمزة (وجاهدوا الاعداء في سبيل الله) في طاعته بأموالهم وانفسهم (اولئك هم الصادقون في ايمانهم) فشهد الله لهم بالصدق والوفاء. قال الضحاك قال ابن عباس في قوله (الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفهسم في سبيل الله) ذهب على بن ابى طالب بشرفها. وروي عن النبي ان رجلين كانا متواخيين فمات احدهما قبل صاحبه فصلى عليه النبي ثم مات الآخر فمثل الناس بينهما فقال (ع): فأين صلاة هذا من صلاته وصيامه بعد صيامه (لما) بينهما كما بين السماء والارض. قال الحميرى: بعث النبي فما نلبث بعده * حتى تخيف غير يوم واحد صلى وزكى واستسر بدينه * من كل عم مشفق أو والد حججا يكاتم دينه فإذا خلا * صلى ومجد ربه بمحامد صلى ابن تسع وارتدى في برجد * ولداته يسعون بين براجد قال ابن البيع في معرفة اصول الحديث: لا أعلم خلافا بين اصحاب التواريخ ان على بن ابى طالب اول الناس إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه.


[ 295 ]

فأقول: هذا طعن منهم على رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان قد دعاه الى الاسلام وقبل منه وهو بزعمهم غير مقبول منه ولا واجب عليه بل ايمانه في صغره من فضايله وكان بمنزلة عيسى وهو ابن ساعة يقول في المهد: (انى عبد الله اتانى الكتاب) وبمنزلة يحيى (واتيناه الحكم صبيا) والحكم درجة بعد الاسلام. قال الحميرى وصي محمد وأبا بنيه * ووارثه وفارسه الوفيا وقد اوتى الهدى والحكم طفلا * كيحيى يوم اوتيه صبيا وقد رويتم في حكم سليمان وهو صبي، وفي دانيال، وصاحب جريح، وشاهد يوسف، وصبي الاخدود، وصبي العجوز، وصبي مشاطة ابنة فرعون. واخذتم الحديث عن عبد الله بن عمر وامثاله من الصحابة ان البني قال لوفد: ليؤمكم أقرؤكم، فقدموا عمر بن سلمة وهو ابن ثمان سنين قال: وكانت علي بردة إذا سجدت انكشفت فقالت امرأة من القوم واروا سوءة إمامكم وكان أمير المؤمنين ابن تسع في قول الكلبي. قال السيد الحميرى: وصدق ما قال النبي محمد * وكان غلاما حين لم يبلغ العشرا وقال الشافعي: حكمنا باسلامه لان اقل البلوغ تسع سنين. وقال مجاهد ومحمد بن اسحاق وزيد بن أسلم وجابر الانصاري: كان ابن عشر. بيانه: انه عاش بقول العامة ثلاثا وستين سنة فعاش مع النبي ثلاثا وعشرين سنة وبقى بعده تسعا وعشرين سنة وستة اشهر. وقال بعضهم ابن احدى عشرة سنة. وقال أبو طالب الهاروني: ابن اثنتي عشرة سنة. وقالوا: ابن ثلاث عشرة سنة. وقال أبو الطيب الطبري: وجدت في فضايل الصحابة عن احمد بن حنبل ان قتادة روى ان عليا أسلم وله خمس عشرة سنة. ورواه النسوي في التاريخ، وقد روى نحوه عن الحسن البصري قال قتادة اما بيته غلاما ما بلغت اوان حلمي إنما قال قد بلغت. قال الحميري: فانك كنت تعبده غلاما * بعيدا من اساف ومن منات ولا وثنا عبدت ولا صليبا * ولا عزى ولم تسجد للات وله أيضا: وعلي اول الناس اهتدى * بهدى ؟ الله وصلى وادكر وحد الله ولم يشرك به * وقريش اهل عود وحجر


[ 296 ]

وله ايضا: وصي محمد وابو بنيه * واول ساجد لله صلى بمكة والبرية اهل شرك * واوثان لها البدنات تهدى وله ايضا: وصي رسول الله والاول الذي * اناب الى دار الهدى حين ايفعا غلاما فصلى مستسرا بدينه * مخافة ان يبغى عليه فيمنعا بمكة إذ كانت قريش وغيرها * تظل لاوثان سجودا وركعا وله ايضا: هاشمي مهذب احمدي * من قريش القرى واهل الكتاب خازن الوحي والذي اوتى الحكم * صبيا طفلا وفصل الخطاب كان لله ثاني اثنين سرا * وقريش تدين للانصاب وقال العوني: وغصن رسول الله أحكم غرسه * فعلا الغصون نضارة وتماما والله ألبسه المهابة والحجى * وربا به ان يعبد الاصناما ما زال يغذوه بدين محمد * كهلا وطفلا ناشيا وغلاما فصل: في المسابقة بالصلاة أبو عبيد الله المرزباني وأبو نعيم الاصفهاني في كتابيهما فيما نزل من القرآن في علي (ع) والنطنزي في الخصايص عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى أصحابنا عن الباقر (ع) في قوله تعالى (واركعوا مع الراكعين) نزلت في رسول الله وعلي بن ابي طالب وهما أول من صلى وركع. المرزباني عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) نزلت في علي خاصة وهو أول مؤمن وأول مصل بعد النبي صلى الله عليه وآله. تفسير السدي عن قتادة عن عطا عن ابن عباس في قوله (ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) فأول من صلى مع رسول الله علي بن أبي طالب. ” المناقب ج 1، م 37 “


[ 297 ]

تفسير القطان عن وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (يا أيها المدثر) يعني محمدا يدثر بثيابه (قم فأنذر) أي فصل وادع علي بن أبي طالب الى الصلاة معك (وربك فكبر) مما تقول عبدة الاوثان. تفسير يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر الحميدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: بينا رسول الله قائم يصلي مع خديجة إذ طلع عليه علي بن أبي طالب (ع) فقال له: ما هذا يا محمد ؟ قال: هذا دين الله، فآمن به وصدقه ثم كانا يصليان ويركعان ويسجدان فأبصرهما أهل مكة ففشى الخبر فيهم ان محمدا قد جن فنزل (نون والقلم وما يسطرون وما أنت بنعمة ربك بمجنون). شرف النبي عن الخركوشي قال: وجاء جبرئيل بأعلى مكة وعلمه الصلاة فانفجرت من الوادي عين حتى توضأ جبرئيل ين يدي رسول الله وتعلم رسول الله صلى الله عليه وآله منه الطهارة ثم أمر به عليا (ع). تاريخ الطبري والبلاذري وجامع الترمذي وابانة العكبري وفردوس الديلمي وأحاديث أبي بكر بن مالك وفضايل الصحابة عن الزعفراني عن يزيد بن هارون عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم ومسند أحمد عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قالا قال النبي: أول من صلى معي علي. تاريخ النسوي قال زيد بن أرقم: أول من صلى مع رسول الله علي. جامع الترمذي ومسند أبي يعلى الموصلي عن أنس وتاريخ الطبري عن جابر قال: بعث النبي يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء. أبو يوسف النسوي في المعرفة وأبو القاسم عبد العزيز بن اسحاق في أخبار أبي رافع من عشرين طريقة عن أبي رافع قال: صلى النبي أول يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد. أحمد بن حنبل في مسند العشرة وفي الفضايل ايضا والنسوي في المعرفة والترمذي في الجامع وابن بطة في الابانة روى علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله. ابن حنبل في مسند العشرة وفي فضايل الصحابة ايضا عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني في خبر طويل انه قال علي: اللهم لا اعرف ان عبدا من هذه الامة عبدك


[ 298 ]

قبلي غير نبيك ثلاث مرات الخبر. وفى مسند أبي يعلى: ما أعلم احدا من هذه الامة بعد نبيها عبد الله غيري، الخبر. قال كعب بن زهير: صهر النبي وخير الناس كلهم * وكل من رامه بالفخر مفخور صلى الصلاة مع الامي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور وقال أبو الاسود الدؤلي: وان عليا لكم مفخر * يشبه بالاسد الاسود اما انه ثاني العابدين * بمكة والله لم يعبد الحسين بن علي عليهما السلام في قوله (تراهم ركعا سجدا) نزلت في علي بن ابي طالب، وروى جماعة انه نزل فيه: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). تفسير القطان قال ابن مسعود قال علي: يا رسول الله ما اقول في السجود في الصلاة فنزل (سبح اسم ربك الاعلى) قال: فما اقول في الركوع فنزل (فسبح باسم ربك العظيم) فكان اول من قال ذلك، قال العوني: علي خير الورى بعد النبي ومن * في الشرق والغرب مضروب به المثل علي صام وصلى القبلتين وكم * في الجاهلية قوم ربهم هبل وقال الزاهي: صنو النبي المصطفى والكاشف * الغماء عنه والحسام المخترط اول من صام وصلى سابقا * الى المعالي وعلى السبق غبط وانه (ع) صلى قبل الناس كلهم سبع سنين واشهرا مع النبي صلى الله عليه وآله وصلى مع المسلمين اربع عشرة سنة وبعد النبي ثلاثين سنة. ابن فياض في شرح الاخبار عن ابي ايوب الانصاري قال: سمعت النبي يقول لقد صلت الملائكة علي وعلى علي بن ابي طالب سبع سنين وذلك انه لم يؤمن بي ذكر قبله وذلك قول الله (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض) وفي رواية زياد بن المنذر عن محمد بن علي عن أمير المؤمنين لقد مكثت الملائكة سنين لا تستغفر إلا لرسول الله ولي وفينا نزلت (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا) الى قوله (الحكيم). وروى جماعة عن أنس وابي ايوب، وروى ابن شيرويه في الفردوس عن جابر


[ 299 ]

قالوا: قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين قبل الناس وذلك انه كان يصلي ولا يصلي معنا غيرنا. وفي رواية: لم يصل فيها غيري وغيره. وفي رواية: لم يصل معي رجل غيره. سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه ان عليا صلى مستخفيا مع النبي سبع سنين وأشهر. تاريخ الطبري وابن ماجة قال عباد بن عبد الله: سمعت عليا قال: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الاكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت مع رسول الله سبع سنين. مسندي أحمد وأبي يعلى قال حبة العرني: قال علي (ع): صليت قبل أن يصلي الناس سبعا. قال الحميري: ألم يصل علي قبلهم حججا * ووحد الله رب الشمس والقمر وهؤلاء ومن في حزب دينهم * قوم صلاتهم للعود والحجر وله أيضا: وكفاه بأنه سبق الناس * بفضل الصلاة والتوحيد حججا قبلهم كوامل سبعا * بركوع لديه أو بسجود وله أيضا: أليس علي كان أول مؤمن * وأول من صلى غلاما ووحدا فما زال في سر يروح ويغتدي * فيرقي بثورا وحراء مصعدا يصلي ويدعو ربه فهما به * مع المصطفى مثنى وان كان اوحدا سنين ثلاثا بعد خمس وأشهرا * كوامل صلى قبل أن يتمردا وله أيضا: ألم يؤت الهدى والناس حيرى * فوحد ربه الاحد العليا وصلى ثانيا في حال خوف * سنين تجرمت سبعا اسيا وله أيضا: وصلى ولم يشرك سنين وأشهرا * ثمانية من بعد سبع كوامل وقال غيره: أما لا يرون إقام الصلاة * وتوحيده وهم مشركونا


[ 300 ]

ويشهد أن لاإله سوى * ربنا أحسن الخالقينا سنينا كوامل سبعا يبيت * يناجي الاءله له مستكينا بذلك فضله ربنا * على أهل فضلكم أجمعينا وهو أول من صلى القبلتين، صلى الى بيت المقدس أربع عشرة سنة، والمحراب الذي كان النبي يصلي ومعه علي وخديجة معروف وهو على باب مولد النبي في شعب بني هاشم. وقد روينا عن الشيرازي ما رواه عن ابن عباس في قوله (والسابقون الاولون) نزلت في أمير المؤمنين (ع) سبق الناس كلهم بالايمان وصلى القبلتين وبايع البيعتين. قال الحميري: وصلى القبلتين وآل تيم * واخوتها عدي جاحدونا وصلى الى الكعبة تسعا وثلاثين سنة، تاريخ الطبري بثلاثة طرق، وابانة العكبري من أربعة طرق، وكتاب المبعث عن محمد بن اسحاق، والتاريخ عن النسوي، وتفسير الثعلبي، وكتاب الماوردي، ومسند أبي يعلى الموصلي ويحيى بن معين، وكتاب أبي عبد الله محمد بن زياد النيسابوري عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بأسانيد هم عن ابن مسعود وعلقمة البجلي واسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن جده ان كل واحد منهم قال رأى عفيف أخو الاشعث بن قيس الكندي شابا يصلي ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم جاءت امرأة فقامت خلفها فقال للعباس: هذا أمر عظيم، قال: ويحك هذا محمد وهذا علي وهذه خديجة ان ابن أخي هذا حدثني ان ربه رب السماوات والارض أمر بهذا الذين ؟ والله ما على ظهر الارض على هذا الذين ؟ غير هؤلاء الثلاثة. وفي كتاب النسوي انه كان عفيف يقول بعد إسلامه: لو كنت أسلمت يومئذ كنت ثانيا مع علي بن أبي طالب. وفى رواية محمد بن اسحاق عن عفيف قال: فلما خرجت من مكة إذا أنا بشاب جميل على فرس فقال: يا عفيف ما رأيت في سفرك هذا ؟ فقصصت عليه فقال: لقد صدقك العباس والله ان دينه لخير الاديان وان امته أفضل الامم، قلت: فلمن الامر من بعده ؟ قال: لابن عمه وختنه على بنته يا عفيف الويل كل الوبل لمن يمنعه حقه. ابن فياض في شرح الاخبار عن أبي الجحاف عن رجل ان أمير المؤمنين (ع) قال في خبر: هجم على رسول الله صلى الله عليه وآله – يعني أبا طالب – ونحن ساجدان قال: أفعلتماها ثم أخذ بيدي فقال انظر كيف تنصره وجعل يرغبنى في ذلك ويحضني عليه، الخبر.


[ 301 ]

وفى كتاب الشيرازي ان النبي صلى الله عليه وآله لما نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه فاجتاز به علي وكان ابن تسع سنين فناداه يا علي إلي اقبل فأقبل إليه ملبيا قال: اني رسول الله اليك خاصة والى الخلق عامة تعال يا علي فقف عن يميني وصل معي فقال: يا رسول الله حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي، قال: اذهب فانه سيأذن لك، فانطلق يستأذن في اتباعه فقال: يا ولدي تعلم ان محمدا والله أمين منذ كان إمض واتبعه ترشد وتفلح وتشهد، فأتى علي (ع) ورسول الله قائم يصلي في المسجد فقام عن يمينه يصلي معه فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصليان فقال: يا محمد ما تصنع ؟ قال: أعبد إله السماوات والارض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد يا عم وأنا أدعوك الى عبادة الله الواحد القهار، فضحك أبو طالب حتى بدت نواجذه وانشأ يقول: والله لن يصلوا اليك بجمعهم * حتى اغيب في التراب دفينا الابيات. تاريخ الطبري وكتاب محمد بن اسحاق ان النبي كان إذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك زمانا، ثم روى الثعلبي معهما ان أبا طالب رأى النبي وعليا يصليان فسأل عن ذلك فأخبره النبي ان هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم. في كلام له فقال علي: يا أبت آمنت بالله وبرسوله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله، فقال له: أما انه لا يدعو إلا الى خير فالزمه. الصادق (ع) قال: أول جماعة كانت ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي وأمير المؤمنين معه إذ مر أبو طالب به وجعفر معه فقال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحس به رسول الله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول: ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب اجعلهما عرضة العدى وإذا * اترك ميتا نما الى حسبي لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لا مي من بينهم وأبي قال الحميري: ألم يك لما دعاه الرسول * أصاب النبي ولم يدهش فصلى هنيئا له القبلتين * على أنسه غير مستوحش


[ 302 ]

ونزل فيه (قد أفلح المؤمنون الذينهم في صلوتهم خاشعون) وقيل: الخاشع في الصلاة من تكون نفسه في المحراب وقلبه عند الملك الوهاب. ابن عباس والباقر (ع) في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا على الخاشعين) والخاشع الذليل في صلاته المقبل إليها يعني رسول الله وأمير المؤمنين. أبوالمضا صبيح عن الرضا (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: في هذه الآية علي منهم، وجاء انه لم يقدر أحد أن يحكي صلاة رسول الله إلا علي ولا صلاة علي إلا علي بن الحسين. تفسير وكيع والسدي وعطاء انه قال ابن عباس: اهدي الى رسول الله ناقتان عظيمتان سمينتان فقال للصحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما ور كوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما لا يهتم فيهما من أمر الدنيا بشئ ولا يحدث قلبه بفكر الدنيا اهدي إليه احدى هاتين الناقتين، فقالها مرة ومرتين وثلاثة لم يجبه أحد من أصحابه فقام أمير المؤمنين فقال: أنا يا رسول الله اصلي ركعتين اكبر تكبيرة الاولى والى أن اسلم منهما لا احدث نفسي بشئ من أمر الدنيا، فقال: يا علي صل صلى الله عليك، فكبر أمير المؤمنين ودخل في الصلاة فلما سلم من الركعتين هبط جبرئيل على النبي فقال: يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك: اعطه احدى الناقتين، فقال رسول الله: اني شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث فيهما بشئ من الدنيا اعطيه احدى الناقتين ان صلاهما وانه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ، فقال جبرئيل: يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك: تفكر أيهما يأخذها أسمنهما وأعظمهما فينحرها ويتصدق بها لوجه الله فكان تفكره لله عزوجل لا لنفسه ولا للدنيا، فبكى رسول الله وأعطاه كليهما، وأنزل الله فيه (ان في ذلك لذكرى) لعظة لمن كان له قلب عقل (أو ألقى السمع) يعني يستمع أمير المؤمنين باذنيه الى من تلاه بلسانه من كلام الله (وهو شهيد) يعني وأمير المؤمنين شاهد القلب لله في صلاته لا يتفكر فيها بشئ من أمر الدنيا. قال البرقي: ومن وحد الله من قبلهم * ومن كان صام وصلى صميا وزكى بخاتمه في الصلاة * ولم يك طرفة عين عصيا لقد فاز من كان مولى لهم * وقد نال خيرا وحظا سنيا وخاب الذى قد يعاديهم * ومن كان في دينه ناصبيا


[ 303 ]

وقال بعض الاعراب: ألا ان خير الناس بعد محمد * علي وان لام العذول وفندا وان عليا خير من وطأ الحصا * سوى المصطفى أعني النبي محمدا هما أسلما قل الانام وصليا * أغارا لعمري في البلاد وانجدا وقال غيره: علي وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى ووحد فاعلم فصل: في المسابقة بالبيعة كان للنبي صلى الله عليه وآله بيعة عامة وبيعة خاصة، فالخاصة بيعة الجن ولم يكن للانس فيها نصيب، وبيعة الانصار ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب، وبيعة العشيرة ابتداء وبيعة الغدير انتهاء وقد تفرد علي بهما وأخذ بطرفيهما. وأما البيعة العامة فهي بيعة الشجرة وهي شجرة أو اراك عند بئر الحديبية ويقال لها بيعة الرضوان لقوله (رضى الله عن المؤمنين) والموضع مجهول والشجرة مفقودة فيقال انها بروحاء فلا يدرى أروحاء مكه عند الحمام أو روحاء في طريقها وقالوا الشجرة ذهبت السيول بها، وقد سبق أمير المؤمنين الصحابة كلهم في هذه البيعة أيضا بأشياء، منها انه كان من السابقين فيها. ذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه عن جابر الانصاري: ان أول من قام للبيعة أمير المؤمنين ثم أبو سنان عبد الله بن وهب الاسدي ثم سلمان الفارسي. وفي أخبار الليث ان أول من بايع عمار – يعني بعد علي -، ثم انه أولى الناس بهذه الآية لان حكم البيعة ما ذكره الله تعالى (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيتقلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن) الآية. ورووا جميعا عن جابر الانصاري انه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على الموت. وفي معرفة النسوي انه سئل سلمة على أي شئ كنتم تبايعون تحت الشجرة ؟ قال: على الموت. وفي أحاديث البصريين عن أحمد قال أحمد بن يسار: ان أهل الحديبية بايعوا رسول الله على أن لا يفروا، وقد صح انه لم يفر في موضع قط ولم يصح ذلك لغيره، ثم ان الله تعالى علق الرضا في الآية بالمؤمنين، وكان أصحاب البيعة ألفا وثلاثمائة عن ابن أوفى، وألفا وأربعمائة عن جابر بن عبد الله، وألفا وخمسمائة عن ابن المسيب،


[ 304 ]

وألفا وستمائة عن ابن عباس ولا شك انه كان فيهم جماعة من المنافقين مثل جد بن قيس و عبد الله بن أبي سلول، ثم ان الله تعالى علق الرضا في الآية بالمؤمنين الموصوفين بأوصاف قوله (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) ولم ينزل السكينة على أبي بكر في آية الغار قوله (فأنزل الله سكينته عليه). قال السيدي ومجاهد: فأول من رضى الله عنه ممن بايعه علي فعلم في قلبه الصدق والوفاء، ثم ان حكم البيعة ما ذكره الله (واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وقال (ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه) الآية، وإنما سميت بيعة لانها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب الى النصر. وقال ابن عباس: أخذ النبي تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفروا وليس لاحد من الصحابة إلا نقض عهدا في الظاهر بفعل أو بقول وقد ذمهم الله تعالى فقال في يوم الخندق (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار)، وفي يوم حنين (وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم الادبار مدبرين)، وفي يوم احد (إذ تصعدون ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في اخريكم)، وانهزم أبو بكر وعمر في يوم خيبر بالاجماع وعلي في وفائه اتفاق فانه لم يفرقط وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزل (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ولم يقل كل المؤمنين (فمنهم من قضى نحبه) يعني حمزة وجعفر وعبيدة (ومنهم من ينتظر) يعني عليا علي موفي العهد * وما كان بغدار قال السوسي: ذاك الامام المرتضى * ان غدر القوم وفى أو كدر القوم صفا * فهو له مطاول مونسه في وحدته * صاحبه في شدته حقا مجلي كربته * والكرب كرب شامل ثم ان الله تعالى قال (وأثابهم فتحا قريبا) يعني فتح خيبر وكان على يد علي بالاتفاق، وقد وجدنا النكث في أكثرهم خاصة في الاول والثاني لما قصدوا في تلك السنة الى بلاد خيبر فانهزم الشيخان ثم انهزموا كلهم في يوم حنين فلم يثبت منهم تحت (المناقب ج 1، م 38)


[ 305 ]

راية علي إلاتمانية من بني هاشم ذكرهم ابن قتيبة في المعارف. قال الشيخ المفيد رحمه الله في الارشاد وهم: العباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله والفضل بن العباس بن عبد المطلب عن يساره وابو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند لغد بغلته وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب بين يديه يقاتل بسيفه ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب بن عبد المطلب حوله. وقال العباس: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر منهم فاقشعوا وقال مالك بن عبادة: لم يواس النبي غير بني هاشم * عند السيوف يوم حنين هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس أين والتاسع أيمن بن عبيد قتل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله. قال العوني: وهل بيعة الرضوان إلا أمانة * فأول من قد خالف السلفان ثم ان النبي إنما كان يأخذ البيعة لنفسه ولذريته، روى الحافظ بن مردويه في كتابه بثلاثة طرق عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال: أشهد لقد حدثني ابي عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: لما جاءت الانصار تبايع رسول الله على العقبة قال: قم يا علي، فقال علي: على ما ابايعهم يا رسول الله ؟ قال: على أن يطاع الله فلا يعصى وعلى أن يمنعوا رسول الله وأهل بيته وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذرايهم، ثم انه كان الذي كتب الكتاب بينهم. ذكر أحمد في الفضايل عن حبة العرني وعن ابن عباس وعن الزهري ان كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب. وذكر الطبري في تاريخه باسناده عن البراء بن عازب عن قيس النخعي، وذكر القطان ووكيع والثوري والسدي ومجاهد في تفاسيرهم عن ابن عباس في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله قال: ما كتبت يا علي حرفا إلا وجبرئيل ينظر اليك ويفرح ويستبشر بك. واما بيعة العشيرة قال النبي: بعثت الى أهل بيتي خاصة والى الناس عامة، وقد كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في تاريخه والخركوشي في تفسيره ومحمد ابن اسحاق في كتابه عن أبي مالك عن ابن عباس وعن ابن جبير انه لما نزل قوله: (وانذر عشيرتك الاقربين) جمع رسول الله بني هاشم وهم يومئذ اربعون رجلا وأمر


[ 306 ]

عليا أن ينضج رجل شاة وخبزلهم صاعا من طعام وجاء بعس من لبن ثم جعل يدخل إليه عشرة عشرة حتى شبعوا وان منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب الفرق. وفى رواية مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس انه قال: وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم. وفى رواية البراء بن عازب وابن عباس انه بدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: اني بعثت الى الاسود والابيض والاحمران الله أمرني أن انذر عشيرتي الاقربين واني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله، فقال أبو لهب: ألهذا دعوتنا، ثم تفرقوا عنه فنزلت (تبت يدا أبي لهب وتب) ثم دعاهم دفعة ثانية وأطعمهم وسقاهم تم قال لهم: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الارض وحكامها وما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا أخا ووزيرا فأيكم يكون أخي ووزيري ؟ ووصيي ووارثى وقاضي دينى، وفى رواية الطبري عن ابن جبير وابن عباس فأيكم يوازرني على هذا الامر على أن يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم. وفى رواية ابي بكر الشيرازي عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، وفى مسند العشرة وفضايل الصحابة عن احمد باسناده عن ربيعة بن ناجذ عن علي (ع): فأيكم يبايعني عن ان يكون اخي وصاحبي فلم يقم إليه احد وكان علي اصغر القوم يقول انا فقال في الثالثة أجل وضرب بيده على يد أمير المؤمنين. وفى تفسير الخركوشي عن ابن عباس وابن جبير وابي مالك وفى تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب فقال علي وهو اصغر القوم: انا يا رسول الله، فقال: أنت، فلذلك كان وصيه، قالوا فقام القوم وهم يقولون لابي طالب: أطع ابنك فقد امر عليك وفى تاريخ الطبري: فأحجم القوم فقال علي: انا يا نبي الله اكون وزيرك عليه، فأخذ برقبته ثم قال: هذا اخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون فيقولون لابي طالب: قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع. وفى رواية الحرث بن نوفل وابي رافع وعباد بن عبد الله الاسدي عن علي فقلت: انا يا رسول الله قال: أنت وادناني إليه وتفل في في فقاموا يتضاحكون ويقولون: بئس ما حبا ابن عمه إذا اتبعه وصدقه. تاريخ الطبري عن ربيعة بن ناجذ ان رجلا قال لعلي: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك ؟ فقال (ع) بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة فلم يقم إليه احد فقمت إليه وكنت من اصغر القوم قال فقال اجلس ثم قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك


[ 307 ]

اقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي قال فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي. وفى حديث ابي رافع انه قال أبو بكر للعباس: انشدك الله تعلم ان رسول الله قد جمعكم وقال يا بني عبد المطلب انه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من اهله وزيرا وأخا ووصيا وخليفة في اهله فمن يقم منكم يبايعني على ان يكون اخي ووزيري ووارثي ووصي وخليفتي في اهلي فبايعه علي على ما شرط له، وإذا صحت هذه الجملة وجبت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل. قال الحميري: وقيل له انذر عشيرتك الالى * وهم من شباب اربعين وشيب فقال لهم اني رسول اليكم * ولست اراني عندكم بكذوب وقد جئتكم من عند رب مهيمن * جزيل العطايا للجزيل وهوب فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا * فقال ألا من ناطق فمجيبي ففاز بها منهم علي وسادهم * وما ذاك من عاداته بغريب وله ايضا: انت اولى الناس بالناس * وخير الناس دينا كنت في الدنيا اخاه * يوم يدعو الاقربينا ليجيبوه الى الله * فكانوا اربعينا بين عم وابن عم * حوله كانوا عرينا وله ايضا: ويوم قال له جبريل قد علموا * انذر عشيرتك الادنين ان بصروا فقام يدعوهم من دون امته * فما تخلف عنه منهم بشر فمنهم آكل في مجلس جذعا * وشارب مثل عس وهو محتفر فصدهم عن نواحي قصعة شبعا * فيها من الحب صاع فوقه الوزر فقال يا قوم ان الله ارسلني * اليكم فأجيبوا الله وادكروا فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي * اني نبي رسول فانبرى عذر فقل تبا (كذا) أتدعونا لتلفتنا * عن ديننا ثم قام القوم فانشمروا من الذي قال منهم وهو احدثهم * سناو خيرهم في الذكر إذ سطروا آمنت بالله قد اعطيت نافلة * لم يعطها احد جن ولا بشر


[ 308 ]

وان ما قلته حق وانهم * ان لم تجيبوا فقد خانوا وقد خسروا ففاز قدما بها والله اكرمه * فكان سباق غايات إذا ابتدروا وله ايضا: أبو حسن غلام من قريش * أبرهم واكرمهم نصابا دعاهم احمد لما اتته * من الله النبوة فاستجابا فأدبه وعلمه وأملى * عليه الوحي يكتبه كتابا فأحصى كل ما املى عليه * وبينه له بابا فبابا وله ايضا: لاقدم امته الاولين * هدى ولاحدئهم مولدا دعاه ابن آمنة المصطفى * وكان رشيد الهدى مرشدا الى ان يوحد رب السماء * تعالى وجل وان يعبدا فلباه لما دعاه إليه * ووحده مثل ما وحدا واخبره انه مرسل * فقال صدقت وما فندا فصلى الصلاة وصام الصيام * غلاما ووافى الوغى امردا فلم وير يوما كأيامه * ولا مثل مشهده مشهدا وقال العوني: تخيره الله من خلقه * فحمله الذكر وهو الخبير وانزل بالسور المحكمات * عليه كتابا مبين منير واغشاه نورا وناداه قم * فأنذر وانت البشير النذير فلاح الهدى واضمحل العمى * وولى الضلال وعيف الغرور فوصى عليا فنعم الوصي * ونعم الولي ونعم النصير وله ايضا: ان رسول الله مصباح الهدى * وحجة الله على كل البشر جاء بقرآن مبين ناطق * بالحق من عند مليك مقتدر فكان من اول من صدقه * وصيه وهو بسن من صغر ولم يكن اشرك بالله ولا * دنس يوما بسجود لحجر فذاكم اول من آمن بالله * ومن جاهد فيه وصبر


[ 309 ]

اول من صلى من القوم ومن طاف * ومن حج بنسك واعتمر وقال دعبل: سقيا لبيعة احمد ووصيه * اعني الامام ولينا المحسودا اعني الذي نصر النبي محمدا * قبل البرية ناشيا ووليدا أعني الذي كشف الكروب ولم يكن * في الحرب عند لقائها رعديدا اعني الموحد قبل كل موحد * لا عابدا وثنا ولا جلمودا وقال آخر: فلما دعى المصطفى اهله * الى الله دعاه سرا رفيقا ولا طفهم عارضا نفسه * على قومه فجزوه عقوقا فبايعه دون اصحابه * وكان لحمل أذاه مطيقا ووحد من قبلهم سابقا * وكان الى كل فضل سبوقا فصل: في المسابقة بالعلم سفيان عن ابن جريح عن عطاه عن ابن عباس في قوله (والذين اوتوا العلم والايمان) قال: قد يكون مؤمنا ولا يكون عالما فو الله لقد جمع لعلي كلاهما العلم والايمان مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: كان علي يخشى الله ويراقبه ويعمل بفرايضه ويجاهد في سبيله. الصفواني في الاحن والمحن عن الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس قال: حم اسم من اسماء الله (عسق) علم علي سبق كل جماعة وتعالى عن كل فرقة. محمد بن مسلم وابو حمزة الثمالي وجابر بن يزيد عن الباقر (ع) وعلي بن فضال والفضيل بن يسار وابو بصير عن الصادق (ع) واحمد بن محمد الحلبي ومحمد بن الفضيل عن الرضا (ع)، وقد روي عن موسى بن جعفر (ع) وعن زيد بن علي وعن محمد ابن الحنفية رضى الله عنه وعن سلمان الفارسي وعن ابي سعيد الخدري وعن اسماعيل السدي انهم قالوا في قوله تعالى (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عند علم الكتاب) هو علي بن ابي طالب (ع). الثعلبي في تفسيره باسناده عن ابي معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابن عباس وروي عن عبد الله بن عطاء عن ابي جعفر (ع) انه قيل لهما: زعموا ان الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام، قال: ذاك علي بن ابي طالب.


[ 310 ]

ثم روى ايضا انه سئل سعيد بن جبير (ومن عنده علم الكتاب) عبد الله بن سالم ؟ قال: لا فكيف وهذه سورة مكية. وقد روي عن ابن عباس: لا والله ما هو إلا علي بن ابي طالب لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام. وروي عن ابن الحنفية: علي بن ابي طالب عنده علم الكتاب الاول والآخر، ورواه النطنزي في الخصايص، ومن المستحيل ان الله تعالى يستشهد بيهودي ويجعله ثاني نفسه، وقوله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) موافق لقوله كلا انزل في أمير المؤمنين علي. وعدد حروف كل واحد منهما ثمانمائة وسبعة عشر. قال العوني: ومن عنده علم الكتاب وعلم ما * يكون وما قد كان علما مكتما وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي: وان عندك علم الكون أجمعه * ما كان من سالف منه ومؤتنف وقال نصر بن المنتصر: ومن حوى علم الكتاب كله * علم الذي يأتي وعلم ما مضى وقد ظهر علمه على سائر الصحابة حتى اعترفوا بعلمه وبايعوه، قال الجاحظ: اجتمعت الامة على ان الصحابة كانوا يأخذون العلم من اربعة علي وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت، وقال: قالت طائفة وعمر بن الخطاب، ثم اجمعوا على ان الاربعة كانوا أقرأ لكتاب الله من عمر، وقال (ع): يؤم بالناس أقرأهم، فسقط عمر ثم أجمعوا على ان النبي صلى الله عليه وآله قال: الائمة من قريش، فسقط ابن مسعود وزيد وبقى علي وابن العباس إذ كانا عالمين فقيهين قرشيين فأكثرهما سنا واقدمهما هجرة علي فسقط ابن عباس وبقي علي أحق بالامامة بالاجماع. وكانوا يسألونه ولم يسأل هو أحدا، وقال النبي: إذا اختلفتم في شئ فكونوا مع علي بن ابي طالب. عبادة بن الصامت قال عمر: كنا أمرنا إذا اختلفنا في شئ ان نحكم عليا ولهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو سلمان وعمار وحذيفة وابوذر وابي بن كعب وجابر الانصاري وابن عباس وابن مسعود وزيد بن صوحان ولم يتأخر إلا زيد بن ثابت وابو موسى ومعاذ وعثمان وكلهم معترفون له بالعلم مقرون له بالفضل. النقاش في تفسيره قال ابن عباس: علي علم علما علمه رسول الله ورسول الله علمه الله فعلم النبي علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علم علي وما علمي وعلم


[ 311 ]

اصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة ابحر. الضحاك عن ابن عباس قال: اعطى علي بن ابي طالب تسعة اعشار العلم وانه لاعلمهم بالعشر الباقي. أمالي الطوسي: مر أمير المؤمنين بملا فيهم سلمان فقال لهم سلمان: قوموا فخذوا بحجزة هذا فو الله لا يخبركم بسر نبيكم غيره. أمالي ابن بابويه قال محمد بن المنذر: سمعت أبا أمامة يقول: كان علي (ع) إذا قال شيئا لم يشك فيه وذلك انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: خازن سري بعدي علي. قال الحميري: وعلي خازن الوحي الذي * كان مستودع آيات السور يحيى بن معين باسناده عن عطاء بن ابي رياح انه سئل هل تعلم احدا بعد رسول الله أعلم من علي ؟ فقال: لا والله ما اعلمه. فأما قول عمر بن الخطاب في ذلك فكثير، رواه الخطيب في الاربيعن قال عمر: العلم ستة اسداس لعلي من ذلك خمسة اسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتى لهو اعلم به منا. عكرمة عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال له: يا أبا الحسن انك لتعجل في الحكم والفصل للشئ إذا سئلت عنه، قال: فأبرز علي كفه وقال له: كم هذا ؟ فقال عمر: خمسة، فقال: عجلت يا ابا حفص، قال: لم يخف علي، فقال علي: انا اسرع فيما لا يخفى علي. واستعجم عليه شئ ونازع عبد الرحمن فكتبنا إليه ان يتجشم بالحضور فكتب اليهما: العلم يؤتى ولا يأتي، فقال عمر: هناك شيخ من بني هاشم واثارة من علم يؤتى إليه ولا يأتي، فصار إليه فوجنده متكئا على مسحاة فسأله عما اراد فأعطاه الجواب فقال عمر: لقد عدل عنك قومك وانك لاحقبه، فقال (ع): يوم الفصل كان ميقاتا يونس عن عبيد قال الحسن: ان عمر بن الخطاب قال: اللهم اني اعوذ بك من عضيهة ليس لها علي عندي حاضرا. ابانة بن بطة، كان عمر يقول فيما يسأله عن علي فيفرج عنه: لا ابقاني الله بعدك تاريخ البلاذري: لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. الابانة والفايق: اعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وقد ظهر رجوعه الى علي (ع) في ثلاث وعشرين مسألة حتى قال: لو لا علي لهلك عمر، وقد رواه الخلق منهم أبو بكر بن عباس وابو المظفر السمعاني. قال الصاحب:


[ 312 ]

في مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة * لو لا علي هلكنا في فتاوينا وقال خطيب خوارزم: إذا عمر تخطى في جواب * ونبهه علي بالصواب يقول بعدله لولا علي * هلكت هلكت في ذاك الجواب وقد اشتهر عن ابي بكر قوله: فان استقمت فاتبعوني وان زغت فقوموني، وقوله: اما الفاكهة فأعرفها واما الاب فالله اعلم، وقوله في الكلالة: اقول فيها برأي فان اصبت فمن الله وان أخطأت فمني ومن الشيطان الكلالة ما دون الولد والوالد. وعن عمر: سؤال السبيع عن الذاريات وقوله لا تتعجبوا من إمام أخطأ، وامرأة اصابت: ناضلت اميركم فنضلته، ومسألة الحمارية، وآية الكلالة، وقضاؤه في الجد، وغير ذلك. وقد شهد له رسول الله بالعلم قوله: علي عيبة علمي، وقوله: علي أعلمكم علما وأقدمكم سلما، وقوله: اعلم امتي من بعدي علي بن ابى طالب، رواه علي بن هاشم وابن شيرويه الديلمي باسنادهما الى سلمان. النبي صلى الله عليه وآله: اعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على اهل الارض لوسعهم. حلية الاولياء سئل النبي عن علي بن ابى طالب فقال: قسمت الحكمة عشرة اجزاء فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزء واحد. ربيع بن خثيم: ما رأيت رجلا من يحبه اشد حبا من علي ولا من يبغضه اشد بغضا من علي، ثم التفت فقال: ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. واستدل بالحساب فقالوا اعلم الامة علي بن ابى طالب اتفقا في مائتين وثمانية عشر، وكذلك قولهم اعلم الامة جمال الامة علي بن ابى طالب سيد النجباء اتفقا في ثلاثمائة وسبعين، قال ديك الجن: هو الذي سمي أبا البيان * صدقت قد اصبت بالبيان وهو أبو العلم الذي لا يعلم * من قوله قولوا ولا تحمحموا وقد أجمعوا على ان النبي صلى الله عليه وآله قال: أقضاكم علي، وروينا عن سعيد بن


(1) البيان اسم من اسماء الله وفي رسالة البيان لجابر بن حيان طبعة هو لميارد تفصيل ذلك(مناقب ج 1، م 39)

[ 313 ]

أبي الخصيب وغيره انه قال الصادق (ع) لابن أبى ليلى: أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن قال: نعم يابن رسول الله، قال: بأي شئ تقضي ؟ قال: بكتاب الله، قال: فما لم تجد في كتاب الله ؟ قال: من سنة رسول الله وما لم أجده فيهما أخذته عن الصحابة بما اجتمعوا عليه، قال: فإذا اختلفوا فبقول من تأخذ منهم ؟ قال: بقول من أردت واخالف الباقين، قال: فهل تخالف عليا فيما بلغك انه قضى به ؟ قال: ربما خالفته الى غيره منهم، قال أبو عبد الله: ما تقول يوم القيامة إذا رسول الله قال أي رب ان هذا بلغه عني قول فخالفه ؟ قال: وأين خالفت قوله يابن رسول الله ؟ قال: فبلغك ان رسول الله قال أقضاكم علي ؟ قال: نعم، قال: فإذا خالفت قوله ألم تخالف قول رسول الله ؟ فاصفر وجه ابن أبى ليلى وسكت. الابانة، قال أبو أمامة قال رسول الله: أعلم بالسنة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب. كتاب الجلاء والشفاء، والاحن والمحن قال الصادق (ع): قضى علي بقضية باليمن فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: ان عليا ظلمنا، فقال: ان عليا ليس بظالم ولم يخلق للظلم وان عليا وليكم بعدي والحكم حكمه والقول قوله لا يرد حكمه إلا كافر ولا يرضى به إلا مؤمن. وإذا ثبت ذلك فلا ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده الى غير علي والقضاء يجمع علوم الدين فإذا يكون هو الاعلم فلا يجوز تقديم غيره عليه لانه يقبح تقديم المفضول على الفاضل. قال الاصفهانى: وله يقول محمد أقضاكم * هذا واعلم يا ذوي الاذهان اني مدينة علمكم وأخي له * باب وثيق الركن مصراعان فأتوا بيوت العلم من أبوابها * فالبيت لا يؤتى من الحيطان وقال العونى: أمن سواه إذا أتى بقضية * طرف الشكوك وأخرس الحكاما فإذا راى رأيا فخالف رأيه * قوم وان كدوا له الافهاما نزل الكتاب برأيه فكأنما * عقد الاله برأيه الاحكاما وقال ابن حماد: عليم بما قد كان أو هو كائن * وما هو دق في الشرائع أو جل مسمى مجلى في الصحايف كلها * فسل أهلها واسمع تلاوة من يتلو ولو لا قضاياه التي شاع ذكرها * لعطلت الاحكام والفرض والنفل


[ 314 ]

وقال الحميري: من كان أعلمهم وأقضاهم ومن * جعل الرعية والرعاء سواء الباقر وأمير المؤمنين عليهما السلام في قوله (وليس البر بأن تأتوا البيوت) الآية وقوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها نحن باب الله وبيوته التي نؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها. وقال النبي بالاجماع: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، رواه أحمد من ثمانية طرق وابراهيم الثقفي من سبعة طرق وابن بطة من ستة طرق والقاضى الجعانى من خمسة طرق وابن شاهين من اربعة طرق والخطيب التاريخي من ثلاثة طرق ويحيى بن معين من طريقين وقد رواه السمعاني والقاضى الماوردي وأبو منصور السكري وابو الصلت الهروي و عبد الرزاق وشريك عن ابن عباس ومجاهد وجابر، وهذا يقتضى وجوب الرجوع الى أمير المؤمنين لانه كنى عنه بالمدينة وأخبر ان الوصول الى علمه من جهة علي خاصة لانه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلا منه، ثم أوجب ذلك الامر به بقوله: فليأت الباب، وفيه دليل على عصمته لانه من ليس بمعصوم يصح منه وقوع القبيح فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدي الى ان يكون صلى الله عليه وآله قد أمر بالقبيح وذلك لا يجوز. ويدل ايضا انه اعلم الامة، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها الى بعض وغناؤه صلى الله عليه وآله عنها، وأبان ولاية علي وإمامته وانه لا يصح اخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلا من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى (وأتوا البيوت من ابوابها)، وفي الحساب علي بن ابى طالب باب مدينة الحكمة استويا في مائتين وثمانية عشر. قال البشنوي. فمدينة العلم التي هو بابها * أضحى قسيم النار يوم مآبه فعدوه أشقى البرية في لضى * ووليه المحبوب يوم حسابه وله ايضا: مدينة العلم ما عن بابها عوض * لطالب العلم إذ ذو العلم مسئول وقال الصاحب كان النبي مدينة هو بابها * لو أثبت النضاب ؟ ذات المرسل


[ 315 ]

وله ايضا باب المدينة لا تبغوا سواه لها * لتدخلوها فخلوا جانب التيه وقال السيد الحميري من كان باب مدينة العلم الذي * ذكر النزول وفسر الانباء وقال ابن حماد باب الاله تعالى لم يصل احد * إليه إلا الذي من بابه يلج وله ايضا هذا الامام لكم بعدي يسددكم * رشدا ويوسعكم علما وآدابا انى مدينة علم الله وهو لها * باب فمن رامها فليقصد البابا وقال خطيب منبج أنا دار الهدى والعلم فيكم * وهذا بابها للداخلينا اطيعونى بطاعته وكونوا * بحبل ولائه مستمسكينا وقال خطيب خوارزم ان النبي مدينة لعلومه * وعلي الهادي لها كالباب أفلا يكون أعلم الناس وكان مع النبي صلى الله عليه وآله في البيت والمسجد يكتب وحيه ومسائله ويسمع فتاويه ويسأله، وروي انه كان النبي إذا نزل عليه الوحي ليلالم يصبح حتى يخبر به عليا وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا، ومن المشهور إنفاقه الدينار قبل مناجاة الرسول وسأله عن عشر مسائل فتح له منها الف باب فتح من كل باب الف باب، وكذلك حين وصى النبي قبل وفاته. أبو نعيم الحافظ باسناده عن زيد بن علي عن ابيه عن جده عن علي عليه السلام قال: علمني رسول الله الف باب يفتح كل باب إلي الف باب، وقد روى أبو جعفر بن بابويه هذا الخبر في الخصال من اربع وعشرين طريقة وسعد بن عبد الله القمي في بصائر الدرجات من ستة وستين طريقة. أبو عبد الله (ع): كان في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة هي الاحرف التي يفتح كل حرف الف حرف فما خرج منها حرفان حتى الساعة، وفي رواية ان عليا دفعها الى الحسن فقرأ منها حروفا ثم اعطاها الحسين فقرأها ايضا ثم اعطاها محمدا فلم يقدر على ان يفتحها، قال أبو القاسم البستي: وذلك نحو أن يقول الربوا في كل مكيل في العادة أي موضع كان وفي كل موزون، وإذا قال يحل من البيض كل مادق أعلاه


[ 316 ]

وغلظ أسفله، وإذا قال يحرم من السباع كل ذي ناب وذي مخلب من الطير ويحل الباقي، وكذلك قول الصادق (ع): كل ما غلب الله عليه من امره فالله أعذر لعبده، قال الحميري: حدثه في مجلس واحد * الف حديث معجب حاجب كل حديث من احاديثه * بفتح الف عدة الحاسب فتلك وفت الف الف له * فيها جماع المحكم الصائب وله ايضا وكفاه بألف الف حديث * قد وعاهن من وحي مجيد قد وعاها في مجلس بمعانيها * وأسبابها ووقت الحدود وله ايضا علي أمير المؤمنين اخو الهدى * وافضل ذى نعل ومن كان حافيا أسرء إليه احمد العلم جملة * وكان له دون البرية واعيا ودونه في مجلس منه واحد * بألف حديث كلها كان هاديا وكل حديث من اولئك فاتح * له الف باب فاحتواها كما هيا وقال الشريف بن الرضا يا بني احمد اناديكم اليوم * وأنتم غدا لرد جوابي الف باب اعطيتم ثم افضى * كل باب منها الى الف باب لكم الامر كله واليكم * ولديكم يؤل فصل الخطاب ابان بن تغلب والحسين بن معاويه وسليمان الجعفري واسماعيل بن عبد الله بن جعفر كلهم عن ابى عبد الله (ع) قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الموت دخل عليه علي (ع) فأدخل رأسه معه ثم قال: يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم اقعدني وسايلني واكتب. تهذيب الاحكام: فخذ بمجامع كفني واجلسني ثم اسألني عما شئت فو الله لا نسألني عن شئ إلا أجبتك فيه، وفي رواية أبى عوانة باسناده قال علي: ففعلت فأنبأني بما هو كائن الى يوم القيامة. جميع بن عمير التيمي عن عائشة في خبر انها قالت: وسالت نفس رسول الله في كفه ثم ردها في فيه. وبلغني عن الصفوانى انه قال: حدثني أبو بكر بن مهرويه باسناده الى ام سلمة


[ 317 ]

في خبر قالت: كنت عند النبي فدفع إلي كتابا فقال من طلب هذا الكتاب منك ممن يقوم بعدى فادفعيه إليه، ثم ذكرت قيام ابي بكر وعمر وعثمان وانهم ما طلبوه ثم قالت: فلما بويع علي نزل عن المنبر ومر وقال لي يا ام سلمة هاتي الكتاب الذي دفع اليك رسول الله فقالت: قلت له أنت صاحبه ؟ فقال نعم، فدفعته إليه، قيل ما كان في الكتاب ؟ قال: كل شئ دون قيام الساعة. وفي رواية ابن عباس فلما قام علي أتاها وطلب الكتاب ففتحه ونظر فيه فقال هذا علم الابد. قال أبو عبد الله: يمصون الثماد ويدعون النهر الاعظم، فسئل عن معنى ذلك فقال: علم النبيين بأسره أوحاه الله الى محمد فجعل محمد ذلك كله عند علي، وكان (ع) يدعي في العلم دعوى ما سمعت قط من أحد. روى حنش الكناني انه سمع عليا يقول: والله لقد علمت بتبليغ الرسالات وتصديق العدات وتمام الكلمات، وقوله: ان بين جنبي لعلما جما لو أصبت له حملة، وقوله: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا. قال ابن العودي. ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل * يقول سلوني ما يحل ويحرم سلونى ففي جني علم ورثته * عن المصطفى ما فات مني به القم سلونى عن طرق السماوات انني * بها عن سلوك الطرق في الارض أعلم ولو كشف الله الغطاء لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأفهم وقال الزاهي ما زلت بعد رسول الله منفردا * بحرا يفيض على الوراد زاخره أمواجه العلم والبرهان لجته * والحلم شطاه والتقوى جواهره وورى ابن أي البختري من ستة طرق وابن المفضل من عشر طرق وابراهيم الثقفي من أربعة عشر طريقا منهم عدي بن حاتم والاصبغ بن نباتة وعلقمة بن قيس ويحيى بن ام الطويل وزر بن حبيش وعباية بن ربعي وعباية بن رفاعة وأبو الطفيل ان أمير المؤمنين (ع) قال بحضرة المهاجرين والانصار وأشار الى صدره: كيف ملئ علما لو وجدت له طالبا سلونى قبل أن تفقدوني وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني به رسول الله زقا فاسألوني فان عندي علم الاولين والآخرين أما والله لو ثنيت لي الوسادة ثم اجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى ينادي كل كتاب بأن عليا حكم في بحكم الله في، وفي رواية حتى ينطق الله التوراه والانجيل، وفي


[ 318 ]

رواية حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول يا رب ان عليا قضى بقضائك، ثم قال: سلونى قبل أن تفقدوني فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليلة انزلت أو في نهار انزلت مكيها ومدنيها وسفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لاخبرتكم، وفي غرر الحكم عن الآمدي سلونى قبل أن تفقدوني فانى بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الارض. وفي نهج البلاغة فو الذي نفسي بيده لا تسألونى عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأنكم بناعقها وقائدها وسايقها ومناخ ركابها ومحط رحاها ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت موتا، وفي رواية لو شثت اخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومولجه وجميع شانه لفعلت. وعن سلمان انه قال (ع): عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والالباب وفصل الخطاب ومولد الاسلام ومولد الكفر وأنا صاحب الميسم وأنا الفاروق الاكبر ودولة الدول فسلوني عما يكون الى يوم القيامة وعما كان قبلي وعلى عهدي والى أن يعبد الله قال ابن المسيب: ما كان في أصحاب رسول الله أحد يقول سلونى غير علي بن أبى طالب، وقال ابن شبرمة: ما أحد قال على المنبر سلونى غير علي، وقال الله تعالى (تبيانا لكل شئ) وقال (وكل شئ احصيناه في امام مبين) وقال (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) فإذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره فهل يكون موجودا إلا في تأويله كما قال (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وهو الذي عنى (ع) سلونى قبل ان تفقدوني، ولو كان إنما عنى به في ظاهره فكان في الامة كثير يعلم ذلك ولا يخطئ فيه حرفا، ولم يكن (ع) ليقول من ذلك على رؤس الاشهاد ما يعلم انه لا يصح من قوله وان غيره يساويه فيه أو يدعي على شئ منه معه، فإذا ثبت انه لا نظير له في العلم صح انه أولى بالامامة. وقالي العونى وكم علوم مقفلات في الورى * قد فتح الله به أقفالها حرم بعد المصطفى حرامها * كما أحل بينهم حلالها وكم بحمد الله من قضية * مشكلة حل لهم اشكالها حتى أقرت أنفس القوم بأن * لو لا الوصي ارتكبت ضلالها وله ايضا ومن ركب الاعود يخطب في الورى * وقال سلونى قبل فقدي لافهما


[ 319 ]

وقال ابن حماد قلت سلونى قبل فقدي ان لي * علما وما فيكم له مستودع وكذاك لو ثني الوساد حكمت * بالكتب التي فيها الشرايع تشرع وله ايضا سلونى ايها الناس * سلونى قبل فقداني فعندي علم ما كان * وما يأتي وما يانى شهدنا انك العالم * في علمك ربانى وقلت الحق يا حق * ولم تنطق ببهتان وله ايضا هل سمعتم بقائل قبله * قال سلونى من قبل ان تفقدون وله ايضا من قال بالبصرة للناس سلونى * من قبل ان افقد من طرق السماء وقال زيد المرزكي مدينة العلم علي بابها * وكل من حاد عن الباب جهل ام هل سمعتم قبله من قائل * قال سلونى قبل ادراك الاجل وقال شاعر آخر قال اسألوني قبل فقدي وذا * ابانة عن علمه الباهر لو شئت اخبرت بمن قد مضى * وما بقى في الزمن الغابر ومن عجب امره في هذا الباب انه لا شئ من العلوم إلا واهله يجعلون عليا قدوة فصار قوله قبلة في الشريعة، فمنه سمع القرآن. ذكر الشيرازي في نزول القرآن وابو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله (لا تحرك به لسانك) كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل ان يفرغ به من قراءته عليك (ان علينا جمعه وقرآنه) قال ضمن الله محمدا ان يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن ابى طالب. قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة اشهر. وفى اخبار ابن ابى رافع ان النبي قال في مرضه الذي توفى فيه لعلي: يا علي هذا كتاب الله خذه اليك، فجمعه على في ثوب فمضى الى منزله فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس على (ع) فألفه كما انزله الله وكان به عالما.


[ 320 ]

وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح ان النبي امر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه. جبلة بن سحيم عن ابيه عن أمير المؤمنين قال: لو ثنيت لي الوسادة وعرف لي حقي لاخرجت مصحفا كتبته واملاه علي رسول الله. ورويتم ايضا انه إنما أبطأ على (ع) عن بيعة ابى بكر لتأليف القرآن. أبو نعيم في الحلية والخطيب في الاربعين بالاسناد عن السدي عن عبد خير عن على (ع) قال: لما قبض رسول الله اقسمت لو حلفت ان لا اضع رداي عن ظهرى حتى اجمع ما بين اللوحين فما وضعت رداى حتى جمعت القرآن. وفى اخبار اهل البيت عليهم السلام انه آلى ان لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه فانقطع عنهم مدة الى ان جمعه ثم خرج إليهم به في ازار يحمله وهم مجتمعون في المسجد فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع البته (1) فقالوا: الامر ما جاء به أبو الحسن، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال: ان رسول الله قال: انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي وهذا الكتاب وانا العترة، فقام إليه الثاني فقال له: ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد ان الزمهم الحجة. وفى خبر طويل عن الصادق (ع) انه حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)، ولهذا قرأ ابن مسعود ان عليا جمعه وقرأ به فإذا قرأه فاتبعوا قراءته. قال الناشي: جامع وحي الله إذ فرقه * من رام جمع آية فما ضبط اشكله لشكله بجهله * فاستعجمت احرفه حين نقط وقال العوني لما رأى الامر قبيح المدخل * حرد في جمع الكتاب المنزل وقال الصاحب هل مثل جمعك للقرآن تعرفه * نظما ومعنى وتأويلا وتبيينا وقال خطيب منبج علي جامع القرآن جمعا * يقصر عنه جمع الجامعينا


(1) الالبة بالضم المجاعة.(المناقب ج 1، م 40)

[ 321 ]

فأما ما روي انه جمعه أبو بكر وعمر وعثمان فان أبا بكر أقر لما التمسوا منه جمع القرآن فقال: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ولا أمرني به، ذكره البخاري في صحيحفه وادعى علي ان النبي أمره بالتأليف، ثم انهم أمروا زيد بن ثابت وسعيد بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم و عبد الله بن الزبير بجمعه فالقرآن يكون جمع هؤلاء جميعهم، ومنهم العلماء بالقرآن. أحمد بن حنبل وابن بطة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الاعمش عن أبي بكر بن عياش في خبر طويل انه قرأ رجلان ثلاثين آية من الاحقاف فاختلفا في قراآتهما فقال ابن مسعود هذا بخلاف ما أقرأه فذهب بهما الى النبي فغضب وعلي عنده فقال علي: رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم. وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة، وروي ان زيدا لما قرأ التابوة قال علي اكتبه التابوت فكتبه كذلك، والقراء السبعة الى قراءته يرجعون، فاما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي وابن مسعود وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود فهما إنما يرجعان الى علي ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الاعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحدا أقرا من علي ابن أبي طالب للقرآن. واما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم ترجع الى ابن عباس وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة ابي، فهو إذا مأخوذ عن علي (ع). واما عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال أبو عبد الرحمن: قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم لانه أتى بالاصل وذلك انه يظهر ما أدغمه غيره ويحقق من الهمز مالينه غيره ويفتح من الالفات ما أماله غيره. والعدد الكوفي في القرآن منسوب الى علي (ع) وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض التابعين ومنهم المفسرون كعبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود وابي بن كعب وزيد بن ثابت وهم معترفون له بالتقدم. تفسير النقاش، قال ابن عباس: جعل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب وابن مسعود ان القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب علم الظاهر والباطن. فضايل العكبري، قال الشعبي: ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن


[ 322 ]

أبي طالب. تاريخ البلاذري وحلية الاولياء وقال علي (ع): والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت أبليل نزلت أم بنهار نزلت في سهل أو جبل ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤلا. قوت القلوب، قال علي (ع): لو شئت لاوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب، ولما وجد المفسرون قوله لا يأخذون إلا به. سئل ابن الكواء وهو على المنبر: ما الذاريات ذروا ؟ فقال: الرياح، فقال: وما الحاملات وقرأ ؟ قال: السحاب، قال: وما الجاريات يسرا ؟ قال: الفلك، قال: فما المقسمات أمرا ؟ قال الملائكة، فالمفسرون كلهم على قوله. وجهلوا تفسير قوله (ان أول بيت وضع للناس) فقال له رجل: هو أول بيت ؟ قال: لا قد كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة وأول من بناه ابراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته قريش، وإنما استحسن قول ابن عباس فيه لانه قد أخذ منه. أحمد في المسند، لما توفي النبي صلى الله عليه وآله كان ابن عباس ابن عشر سنين وكان قرأ المحكم – يعني المفصل – قال الصحاب: هل مثل علمك لو زلوا وان وهنوا * وقد هديت كما أصبحت تهدينا ومنهم الفقهاء وهو أفقههم فانه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر منه، ثم ان جميع فقهاء الامصار إليه يرجعون ومن بحره يغترفون، اما أهل الكوفة وفقهاؤهم: سفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى وهؤلاء يفرعون المسائل ويقولون هذا قياس قول علي ويترجمون الابواب بذلك. واما أهل البصرة فقهاؤهم: الحسن وابن سيرين وكلاهما كانا يأخذان عمن أخذ عن علي، وابن سيرين يفصح بأنه أخذ عن الكوفيين وعن عبيده السمعاني وهو أخص الناس بعلي (ع). وأما أهل مكة فانهم أخذوا عن ابن عباس وعن علي وقد أخذ عبد الله معظم علمه عنه. وأما أهل المدينة فعنه أخذوا. وقد صنف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتباع أهل المدينة لعلي و عبد الله وقال محمد بن الحسن الفقيه: لو لا علي بن أبي طالب ما علمنا حم أهل البغي، ولمحمد بن الحسن كتابا يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله.


[ 323 ]

مسند أبي حنيفة، قال هشام بن الحكم قال الصادق لابي حنيفة: من أين أخذت القياس ؟ قال: من قول علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، وحين شاهدهما عمر في الجد مع الاخوة فقال له علي: لو ان شجرة انشعب منها غصن وانشعب من الغصن غصنان أيما أقرب الى أحد الغصنين أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة ؟ فقال زيد: لو ان جدولا انبعث فيه ساقية فانبعث من الساقية ساقيتان أيما أقرب أحد الساقيتين الى صاحبهما أم الجدول ؟، ومنهم الفرضيون وهو أشهرهم فيها. فضايل أحمد، قال عبد الله: ان أعلم المدينة بالفرايض علي بن أبي طالب، قال الشعبي: ما رأيت أفرض من علي ولا أحسب منه، وقد سئل وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك امرأة وأبوين وابنتين كم نصيب المرأة ؟ فقال (ع): صار ثمنها تسعا، فلقبت بالمسألة المنبرية. (شرح ذلك) للابوين السدسان وللبنتين الثلثان وللمرأة الثمن عالت الفريضة فكان لها ثلث من أربعة وعشرين ثمنها فلما صارت الى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعا، فان ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ويبقى أربعة وعشرون للابنتين ستة عشر وثمانية للابوين سواء قال هذا على الاستفهام أو على قولهم صار ثمنها تسعا أو على مذهب نفسه أو بين كيف يجئ الحكم على مذهب من يقول بالعول، فبين الجواب والحساب والقسمة والنسبة، ومنه المسألة الدينارية وصورتها. ومنهم أصحاب الروايات نيفا وعشرون رجلا منهم: ابن عباس وابن مسعود وجابر الانصاري وأبو أيوب وأبو هريرة وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو رافع وغيرهم، وهو أكثرهم رواية وأتقنهم حجة ومأمون الباطن لقوله: علي مع الحق. الترمذي والبلاذري، قيل لعلي: ما بالك أكثر أصحاب النبي حديثا ؟ قال: كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت عنه ابتدأني. كتاب ابن مردويه، انه قال: كنت إذا سألت اعطيت وإذا سكت ابتديت. قال محمد الاسكافي: حبر عليهم بالذي هو كائن * واليه في علم الرسالة يرجع أصفاه احمد من خفي علومه * فهو البطين من العلوم الانزع ومنهم المتكلمون وهو الاصل في الكلام، قال النبي صلى الله عليه وآله: علي رباني هذه الامة وفي الاخبار ان أول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة الى الحق على، وقد ناظره الملاحدة


[ 324 ]

في مناقضات القرآن، وأجاب مشكلات مسائل الجاثليق حتى أسلم. أبو بكر بن مردويه في كتابه عن سفيان انه قال: ما حاج علي أحدا إلا حجه. أبو بكر الشيرازي في كتابه عن مالك عن أنس عن ابن شهاب، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان في تفسيره، وأحمد بن حنبل وأبو يعلي في مسنديهما قال ابن شهاب أخبرني علي بن الحسين ان أباه الحسين بن علي أخبره ان علي بن أبي طالب أخبره ان النبي طرقه وفاطمة بنت رسول الله فقال ألا تصلون ؟ فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا – أي يكثر اللطف بنا – فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي ثم سمعته وهو مول يضرب فخذيه يقول: وكان الانسان يعني على بن أبي طالب أكثر شئ جدلا – يعني متكلما بالحق والصدق -. وقال لرأس الجالوت لما قال له: لم تلبثوا بعد نبيكم إلا ثلاثين سنة حتى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف، فقال (ع): وأنتم لم تجف أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. وأرسل إليه أهل البصرة كليبا الجرمي بعد يوم الجمل ليزيل الشبهة عنهم في أمره فذكر له ما علم انه على الحق ثم قال له بايع فقال اني رسول القوم فلا احدث حدثا حتى ارجع إليهم، فقال: أرأيت لو ان الذين ولوك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلا والماء، قال: فامدد إذا يدك، قال كليب: فوالله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي فبايعته. وقوله (ع): أول معرفة الله توحيده وأصل توحيده نفي الصفات عنه، الى آخر الخبر، وما أطنب المتكلمون في الاصول إنما هو زيادة لتلك الجمل وشرح لتلك الاصول، فالامامية يرجعون الى الصادق وهو الى آبائه والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبار بن أحمد عن أبي عبد الله الحسين البصري وأبي اسحاق عباس عن أبي هاشم الجبائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحام عن أبي الهذيل العلاف عن أبى عثمان الطويل عن واصل بن عطا عن أبى هاشم عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه محمد بن الحنفية عنه عليه السلام، قال الوراق القمي: علي لهذا الناس قد بين الذي * هم اختلفوا فيه ولم يتوهم علي أعاش الدين وفاه حقه * ولو لاه ما أفضى الى عشر درهم ومنهم النحاة وهو واضع النحو لانهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن


[ 325 ]

عمرو الثقفي عن عبد الله بن اسحاق الحضرمي عن أبى عمرو بن العلاء عن ميمون الافرن عن عنبسة الفيل عن أبى الاسود الدؤلي عنه (ع)، والسبب في ذلك ان قريشا كانوا يزوجون بالانباط فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى ان بنتا لخويلد الاسدي كانت متزوجة بالانباط فقالت: ان أبوي مات وترك علي مال كثير، فلما رأوا فساد لسانها اسس النحو. وروي ان أعرابيا سمع من سوقي يقرأ: ان الله برئ من المشركين ورسوله، فشج رأسه فخاصمه الى أمير المؤمنين فقال له في ذلك فقال: انه كفر بالله في قراءته، فقال عليه السلام: انه لم يتعمد ذلك. وروي ان أبا الاسود كان في بصره سوء وله بنية تقوده الى علي (ع) فقالت: يا ابتاه ما اشد حر الرمضاء ! تريد التعجب فنهاها عن مقالتها فأخبر أمير المؤمنين بذلك فأسس. وروي ان ابا الاسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي فقال الله ثم اخبر عليا بذلك فاسس. فعلى أي وجه كان وقعه الى ابى الاسود وقال: ما احسن هذا النحو اجش له بالمسائل، فسمي نحوا. قال ابن سلام: كانت الرقعة الكلام ثلاثة اشياء اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم ما انبأ عن المسمى والفعل ما انبأ عن حركة المسمى والحرف ما اوجد معنى في غيره. وكتب علي بن أبو طالب فعجزوا عن ذلك، فقالوا: أبو طالب اسمه كنيته وقالوا: هذا تركيب مثل دراخنا وحضر موت. وقال الزمخشري في الفايق: ترك في حال الجر على لفظه في حال الرفع لانه اشتهر بذلك وعرف فجرى مجرى المثل الذي لا يغير. ومنهم الخطباء وهو أخطبهم، ألا ترى الى خطبه مثل: التوحيد والشقشقية والهداية والملاحم واللؤلؤة والغراء والقاصعة والافتخار والاشباح والدرة اليتيمة والاقاليم والوسيلة والطالوتية والقصبية والنخيلة والسلمانية والناطقة والدامغة والفاضحة بل الى نهج البلاغة عن الشريف الرضي وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام عن اسماعيل بن مهران السكوني عن زيد بن وهب ايضا. قال الحميري: من كان اخطبهم وانطقهم ومن * قد كان يشفى حوله البرحاء من كان انزعهم من الاشراك و * للعلم كان البطن منه خفاء من ذا الذي امروا إذ اختلفوا بأن * يرضوا به في امرهم قضاء من قيل لولاه ولولا علمه * هلكوا وعانوا فتنة صماء ومنهم الفصحاء والبلغاء وهو اوفرهم حظا، قال الرضى: كان أمير المؤمنين


[ 326 ]

مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه ظهر مكنونها وعنه اخذت قوانينها. الجاحظ في كتاب الغرة، كتب الى معاوية: غرك عزك فصار قصارى ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك تهدى بهدى. وقال (ع): من آمن أمن. وروى الكلبي عن ابى صالح وابو جعفر بن بابويه باسناده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام انه اجتمعت الصحابة فتذاكروا ان الالف اكثر دخولا في الكلام فارتجل عليه السلام الخطبة المونقة التي اولها: حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وسبقت رحمته وتمت كلمته ونفذت مشيته وبلغت قضيته، الى آخرها. ثم ارتجل خطبة اخرى من غير النقط التي أولها: الحمد لله اهل الحمد ومأواه وله اوكد الحمد واحلاه واسرع الحمد واسراه واظهر الحمد واسماه واكرم الحمد واولاه، الى آخرها، وقد اوردتهما في المخزون المكنون. ومن كلامه: تخففوا تلحقوا فانما ينتظر بأولكم آخركم، وقوله: ومن يقبض يده عن عشيرته فانما يقبض عنهم بيد واحدة ويقبض منهم عنه أيد كثيرة ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة، وقوله: من جهل شيئا عاداه، مثله (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)، وقوله: المرء مخبو تحت لسانه فإذا تكلم ظهر، مثله (ولتعرفنهم في لحن القول)، وقوله: قيمة كل امرئ ما يحسن، مثله (ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)، وقوله: القتل يقل القتل، مثله (ولكم في القصاص حياة) ومنهم الشعراء وهو أشعرهم، الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وفي كتاب فضايل بنى هاشم ايضا، والبلاذري في انساب الاشراف ان عليا أشعر الصحابة وافصحهم واخطبهم واكتبهم. تاريخ البلاذري، كان أبو بكر يقول الشعر وعمر يقول الشعر وعثمان يقول الشعر وكان علي اشعر الثلاثة. ومنهم العروضيون ومن داره خرجت العروض، روي ان الخليل بن احمد اخذ رسم العروض عن رجل من اصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين فوضع لذلك اصولا ومنهم اصحاب العربية وهو احكمهم، ابن الحريري البصري في درة الغواص، وابن فياض في شرح الاخبار ان الصحابة قد اختلفوا في المؤودة فقال لهم علي (ع) انها لا تكون مؤودة حتى يأنى عليها الثارات السبع، فقال له عمر: صدقت اطال الله بقاك، اراد بذلك المبينة في قوله (ولقد خلقنا الانسان من سلالة) الآية، فأشار انه


[ 327 ]

إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد. ومنهم الوعاظ وليس لاحد من الامثال والبعر والمواعظ والزواجر ماله، نحو قوله: من زرع العدوان حصد الخسران، من ذكر المنية نسى الامنية، من قعد به العقل قام به الجهل، يا اهل الغرور ما ابهجكم بدار خيرها زهيد وشرها عتيد ونعيمها مسلوب وعزيزها منكوب ومسالمها محروم ومالكها مملوك وتراشها متروك. وصنف عبد الواحد الامدي غرر الحكم من كلامه (ع). ومنهم الفلاسفة وهو ارجحهم، قال (ع): انا النقطة ابا الخط انا الخط انا النقطة انا النقطة والخط، فقال جماعة: ان القدرة هي الاصل والجسم حجابه والصورة حجاب الجسم لان النقطة هي الاصل والخط حجابه ومقامه والحجاب غير الجسد الناسوتى. وسئل (ع) عن العالم العلوي فقال: صور عارية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد تجلى لها فأشرقت وطالعها فتلالات والقى في هويتها مثاله فأظهر عنها افعاله وخلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكاها بالعلم فقد شابهت جواهر اوايل عللها وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد. أبو علي بن سينا: لم يكن شجاعا فيلسوفا قط إلا علي. الشريف الرضي: من سمع كلامه لا يشك انه كلام من قبع في كسر بيت أو انقطع في سفح جبل لا يسمع إلا حسه ولا يري إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من يتغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقط الرقاب ويجدل الابطال ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا وهو مع ذلك زاهد الزهاد وبدل الابدال. وهذه من فضايله العجيبة وخصايصة التي جمع بها بين الاضداد، قال السوسي: في كفه سبب الموت الوفي فمن * عصاه مدله من ذلك السبب في فيه سيف حكاه سيف راحته * سيان ذاك وذا في الخطب والخطب لو قال للحي مت لم يحيي من رهب * أو قال للميت عش ما مات من رعب أو قال لليل كن صبحا لكان ولو * للشمس قال اطلعي بالليل لم تغب أو مد كفا الى الدنيا ليقلبها * هانت عليه بلا كد ولا تعب ذاك الامام الذي جبريل خادمه * ان ناب خطب ينب عنه ولا ينب وعزرائيل مطواع له فمتى * يقل أمت ذا يمل أو هبه لي يهب رضوان راض به مولى ومالك * مملوك يطيعانه في كل منتدب


[ 328 ]

ومنهم المهندسون وهو أعلمهم، حفص بن غالب مرفوعا قال: بينا رجلان جالسان في زمن عمر إذ مر بهما عبد مقيد فقال احدهما: ان لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا، وحلف الآخر بخلاف مقاله فسئل مولى العبد ان يحل قيده حتى يعرف وزنه فأبي فارتفعا الى عمر فقال لهما: اعتزلا نساء كما، وبعث الى علي وسأله عن ذلك فدعا باجانة فأمر الغلام ان يجعل رجله فيها ثم امر ان يصب الماء حتى غمر القيد والرجل ثم علم في الاجانة علامة وامره ان يرفع قيده من رجله فنزل الماء من العلامة فدعا بالحديد فوضعه في الاجانة حتى تراجع الماء الى موضعه ثم امر ان يوزن الحديد فوزن فكان وزنه بمثل وزن القيد واخرج القيد فوزن فكان مثل ذلك فعجب عمر. التهذيب، قال رجل لأمير المؤمنين: انى حلفت ان ازن الفيل، فقال: لم تحلفون بما لا تطيقون، فقال: قد ابتليت، فأمر (ع) بقرقور فيه قصب فأخرج منه قصب كثير ثم علم صنع الماء بقدر ما عرف صنع الماء قبل ان يخرج القصب ثم صير الفيل فيه حتى رجع الى مقداره الذي كان انتهى إليه صنع الماء اولا ثم امر بوزن القصب الذي اخرج فلما وزن قال هذا وزن الفيل، ويقال وضع كلكا وعمل المجداف واجري على الفرات ايام صفين. ومنهم المنجمون وهو اكيسهم، سعيد بن جبير انه قال: استقبل أمير المؤمنين دهقان، وفى رواية قيس بن سعدانه مزجان بن شاشوا استقبله من المداين الى جسر بوران فقال له: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس فإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء و يومك هذا يوم صعب قد اقترن فيه كوكبان وانكفى فيه الميزان وانقدح من برجك النيران وليس الحرب لك بمكان فقال أمير المؤمنين: ايها الدهقان المنبئ بالاثار المخوف من الاقدار ما كان البارحة صاحب الميزان وفى أي برج كان صاحب السرطان وكم الطالع من الاسد والساعات في الحركات وكم بين السراري والذراري، قال: سأنظر الى الاصطرلاب، فتبسم أمير المؤمنين وقال له: ويلك يا دهقان انت مسير الثابتات أم كيف تقضي على الجاريات واين ساعات الاسد من المطالع وما الزهرة من التوابع والجوامع وما دور السراري المحركات وكم قدر شعاع المنيرات وكم التحصيل بالغدوات ؟ فقال لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين، فقال له: يا دهقان هل نتج علمك ان انتقل بيت ملك الصين واحترقت (مناقب ج 1، م 41)


[ 329 ]

دور بالزنج وخمد ؟ بيت نار فارس وانهدمت منارة الهند وغرقت سرانديب وانقض حصن الاندلس ونبح بترك الروم بالرومية، وفى رواية: البارحة وقع بيت بالصين وانفرج برج ماجين وسقط سور سر انديب وانهزم بطريق الروم بأرمينية وفقد ديان اليهود بايلة وهاج النمل بوادي النمل وهلك ملك افريقية أكنت عالما بهذا ؟ قال لا يا أمير المؤمنين وفي رواية: أظنك حكمت باختلاف المشتري وزحل إنما أنا لك في الشفق ولاح لك شعاع المريخ في السحر واتصل جرمه بجرم القمر، ثم قال: البارحة سعد سبعون الف عالم وولد في كل عالم سبعون الفا والليلة يموت مثلهم وهذا منهم وأومى بيده الى سعد ابن مسعدة الحارثي وكان جاسوسا للخوارج في عسكره فظن الملعون انه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات فخر الدهقان ساجدا فلما أفاق قال أمير المؤمنين ألم أروك من عين التوفيق ؟ فقال بلى، فقال: أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب ان تحكم به لي لا علي اما نوره وضياؤه فعندي واما حريقه ولهبه فذهب عني وهذه مسألة عميقه احسبها ان كنت حاسبا، فقال الدهقان: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وانك علي ولي الله ومنهم الحساب وهو أوفرهم نصيبا، ابن أبي ليلى: ان رجلين تغديا في سفر ومع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة وواكلهما ثالث فأعطاهما ثمانية دراهم عوضا فاختصما وارتفعا الى أمير المؤمنين (ع) فقال: هذا أمر فيه دناءة والخصومة فيه غير جميلة والصلح أحسن، فأبى صاحب الثلاثة إلا مر القضاء فقال (ع): إذا كنت لا ترضى إلا بمر القضاء فان لك واحدة من ثمانية ولصاحبك سبعة أليس كان لك ثلاثة أرغفة ولصاحبك خمسة ؟ قال بلى، قال: فهذه أربعة وعشرون ثلثا أكلت منه ثمانية وللضيف ثمانية فلما أعطا كما الثانية الدراهم كان لصاحبك سبعة ولك واحدة. ومنهم أصحاب الكيمياء وهو أكثرهم حظا، سئل أمير المؤمنين عن الصنعة فقال: هي اخت النبوة وعصمة المروة والناس يتكلمون فيها بالظاهر واني لاعلم ظاهرها وباطنها هي والله ما هي إلا ماء جامد وهواء راكد ونار جائلة وأرض سائلة، وسئل في أثناء خطبته: هل الكيمياء يكون ؟ فقال: وهو كائن وسيكون، فقيل من أي شئ هو ؟ فقال: انه من الزئبق الرجراج والاسرب والزاج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الاخضر الحور إلا توقف على عابرهن، فقيل: فهمنا لا يبلغ الى ذلك، فقال: اجعلوا البعض أرضا واجعلوا البعض ماء وافلحوا الارض بالماء وقد تم، فقيل زدنا يا أمير المؤمنين، فقال: لا زيادة عليه فان الحكماء القدماء ما زادوا عليه كيما يتلاعب


[ 330 ]

به الناس. قال ابن رزيك: علي الذي قد كان ناظر قلبه * يريه عيانا ما وراء العواقب علي الذي قد كان أفرس من علا * على صهوات الصافنات الشوارب ومنهم الاطباء وهو اكثرهم فطنة، أبو عبد الله (ع) قال: كان أمير المؤمنين يقول: إذا كان الغلام ملتاث الاذرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره ويؤمن شره وإذا كان الغلام شديد الاذرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن لا يرجى خيره ولا يؤمن شره. وعنه (ع) قال: يعيش الولد استة اشهر ولسبعة ولتسعة ولا يعيش لثمانية اشهر وعنه: لبن الجارية وبولها يخرج من مثانة امها ولبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين، وعنه: يشب الصبي كل سنة اربع اصابع بأصابع نفسه. وسأل رجل أمير المؤمنين عن الولد ما باله تارة يشبه اباه وامه وتارة يشبه خاله وعمه ؟ فقال للحسين أجبه، فقال (ع): اما الولد فان الرجل إذا اتى اهله بنفس ساكنة وجوارح غير مضطربة اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين فان علت نطفة الرجل نطفة المرأة جاء الولد يشبه اباه وإذا علت نطفة المرأة نطفة الرجل شبه امه وإذا اتاها بنفس منزعجة وجوارح مضطربة غير ساكنة اضطربت النطفتان فسقطتا عن يمنة الرحم وبسرته فان سقطت عن يمنة الرحمن سقطت على عروق الاعمام والعمات فشبه اعمامه وعماته وان سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الاخوال والخالات فشبه اخواله وخالانه ؟، فقام الرجل وهو يقول: الله اعلم حيث يجعل رسالاته، وروي انه كان الخضر (ع). وسئل النبي صلى الله عليه وآله: كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل ؟ قال: يلتقي الماء ان فإذا علاماء المرأة ماء الرجل انثت وان علاماء الرجل ماء المرأة اذكرت. ومنهم من تكلم في علم المعاملة على طريق السوقية وهم يعترفون انه الاصل في علومهم ولا يوجد لغيره إلا اليسير حتى قال مشايخهم: لو تفرغ الى اظهار ما علم من علومنا لاغنى في هذا الباب. ومن فرط حكمته ما روي عن اسامة بن زيد وابي رافع في خبر ان جبرئيل نزل على النبي فقال: يا محمد ألا ابشرك بخبيئة لذريتك فحدثه بشأن التوراة وقد وجدها رهط من اهل اليمن بين حجرين اسودين وسماهم له، فلما قدموا على رسول الله قال لهم: كما انتم حتى اخبركم بأسمائكم واسماء آبائكم وانتم وجدتم التوراة وقد جئتم بها معكم،


[ 331 ]

فدفعوها له واسلموا فوضعها النبي صلى الله عليه وآله عند رأسه ثم دعا الله باسمه فأصحبت عربية ففتحها ونظر فيها ثم رفعها الى علي بن ابي طالب وقال: هذا ذكر لك ولذريتك من بعدي. أمير المؤمنين، في قوله (ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك) بعث الله نبيا اسود لم يقص علينا قصته. وكتب معاوية الى ابي ايوب الانصاري: اما بعد فحاجيتك لا تنسى شيئا، فقال أمير المؤمنين: اخبره انه من قتله عثمان وان من قتل عنده مثل الشيباء فان الشيباء لا تنسى قاتل بكرها ولا ابا مخدرها ابدا. ومن وفور علمه (ع) انه عبر منطق الطير والوحوش والدواب، زرارة عن ابي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين: علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود وكل دابة في بر أو بحر. ابن عباس قال: قال علي (ع): نقيق الديك (اذكروا الله يا غافلين) وصهيل الفرس: (اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين)، ونهيق الحماران يلعن العشارين وينهق في عين الشيطان، ونقيق الضفدع: (سبحان ربي المعبود المسبح في لحج البحار)، وانيق القبرة: (اللهم العن مبغضي آل محمد)، قال العبدي: وعلمك الذي علم البرايا * وألهمك الذي لا يعلمونا فزادك في الورى شرفا وعزا * ومجدا فوق وصف الواصفينا وروى سعيد بن طريف عن الصادق، وروى أبو امامة الباهلي كلاهما عن النبي في خبر طويل واللفظ لابي امامة: ان الناس دخلوا على النبي وهنؤه بمولوده ثم قام رجل في وسط الناس فقال: بأبي انت وامي يا رسول الله رأينا من علي عجبا في هذا اليوم، قال وما رأيتم ؟ قال: اتيناك لنسلم عليك ونهنيك بمولودك الحسين فحجبنا عنك واعلمنا انه هبط عليه مائة الف ملك واربعة وعشرون الف ملك فعجبنا من احصائه وعدده الملائكة، فقال النبي: واقبل بوجهه إليه متبسما ما علمك انه هبط علي مائة واربعة وعشرون الف ملك ؟ قال: بأبي انت وامي يا رسول الله سمعت مائة الف لغة واربعة وعشرين الف لغة فعلمت انهم مائة واربعة وعشرون الف ملك، قال: زادك الله علما وحلما يا ابا الحسن: الفايق عن الزمخشري انه سئل شريح عن امرأة طلقت فذكرت انها حاضت ثلاث حيضات في شهر واحد فقال شريح: ان شهدت ثلاث نسوة من بطانة اهلها انها كانت تحيض قبل ان طلقت في كل شهر فالقول قولها، فقال (ع): قالون – أي اصبت


[ 332 ]

بالرومية – وهذا إذا اتهمت المرأة. بصائر الدرجات عن سعد القمي ان أمير المؤمنين (ع) حين اتى اهل النهر نزل قطقطا فاجتمع إليه اهل بادوريا فشكوا ثقل خراجهم وكلموه بالنبطية وان لهم جيرانا اوسع ارضا منهم واقل خراجا، فأجابهم بالنبطية زعرا وطائه من زعرا رباه، معناه دخن صغير خير من دخن كبير. وروي انه قال (ع) لابنة يزدجرد: ما اسمك ؟ قالت: جهان بانويه، فقال: بل شهر بانويه، واجابها بالعجمية. وانه عليه السلام قد فسر صوت الناقوس، ذكره صاحب مصباح الواعظ وجمهور اصحابنا عن الحارث الاعور وزيد وصعصعة ابني صوحان والبراء بن سيرة والاصبغ بن نباتة وجابر بن شرحبيل ومحمود بن الكواء انه قال (ع) يقول: سبحان الله حقا حقا، ان المولى صمد يبقى، يحلم عنا رفقا رفقا، لو لا حلمه كنا نشقى، حقا حقا صدقا صدقا، ان المولى يسائلنا، ويوافقنا ويحاسبنا، يا مولا بالاتهلكنا وتداركنا واستخدمنا، واستخلصنا حلمك عنا، قد جرأنا عفوك عنا، ان الدنيا قد غرتنا، واشتغلتنا واستهوتنا، واستهلتنا واستغوتنا، يابن الدنيا جمعا جمعا، يابن الدنيا مهلا مهلا، يابن الدنيا دقا دقا، تفنى الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا يهوى مناركنا، قد ضيعنا دارا تبقى، واستوطنا دارا تفنى، تفنى الدنيا قرنا قرنا، كلا موتا كلا موتا، كلا موتا كلا دفنا، كلا فيها موتا كلا، فناء كلافيها موتا، نقلا نقلا دفنا دفنا، يابن الدنيا مهلا مهلا، زن ما يأتي وزنا وزنا، لولا جهلي ما ان كانت، عندي الدنيا إلا سجنا، خيرا خيرا شرا شرا، شيئا شيئا حزنا حزنا، ماذا من ذاكم ذا أم ذا، ترجو تنجو تخشى تردى، عجل قبل الموت الوزنا، ما من يوم يمضي عنا، إلا أوهى مناركنا، ان المولى قد انذرنا، إنا تحشر ؟ عزلا بهما. قال ثم انقطع صوت الناقوس فسمع الديراني ذلك وأسلم وقال: اني وجدت في الكتاب ان في آخر الانبياء من يفسر ما يقول الناقوس. أجمعوا على ان خيرة الله من خلقه هم المتقون لقوله (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ثم أجمعوا على ان خيرة المتقين الخاشعون لقوله (وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد) الى قوله (منيب)، ثم أجمعوا على ان اعظم الناس خشية العلماء لقوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، وأجمعوا على ان اعلم الناس اهداهم الى الحق واحقهم ان يكون متبعا ولا يكون تابعا لقوله (أفمن يهدي الى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى)


[ 333 ]

وأجمعوا على أن أعلم الناس بالعدل أدلهم عليه وأحقهم أن يكون متبعا ولا يكون تابعا لقوله (يحكم به ذوا عدل منكم)، فدل كتاب الله وسنة نبيه وإجماع الامة على ان افضل هذه الامة بعد نبيها علي عليه السلام. فصل: في المسابقة الى الهجرة للصحابة الهجرة، وأولها الى الشعب وهو شعب ابي طالب و عبد المطلب والاجماع انهم كانوا بني هاشم وقال الله تعالى فيهم (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار)، وثانيها هجرة الحبشة. معرفة النسوي قال: أمرنا رسول الله ان ننطلق مع جعفر الى ارض النجاشي فخرج في اثنين وثمانين رجلا. الواحدي، نزل فيهم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) حين لم يتركوا دينهم ولما اشتد عليهم الامر صبروا وهاجروا. ثالثها للانصار الاولين وهم العقبيون باجماع اهل الاثر وكانوا سبعين رجلا واول من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان. ورابعها للمهاجرين الى المدينة والسابق فيه: مصعب بن عمير وعمار بن ياسر وابو سلمة المخزومي وعامر بن ربيعة و عبد الله بن جحش وابن ام مكتوم وبلال وسعد ثم ساروا ارسالا. قال ابن عباس نزل فيهم (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ذكر المؤمنين ثم المهاجرين ثم المجاهدين وفضل عليهم كلهم فقال (واولوا الارحام أولى ببعض)، فعلي (ع) سبقهم بالايمان ثم بالهجرة الى الشعب ثم بالجهاد ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الارحام، فاما أبو بكر فقد هاجر الى المدينة إلا ان لعلي مزايا فيها عليه، وذلك ان النبي أخرجه مع نفسه أو خرج هو لعلة وترك عليا للمبيت باذلا مهجته فبذل النفس اعظم من الاتقاء على النفس في الهرب الى الغار، وقد روى أبو المفضل الشيباني باسناده عن مجاهد قال: فخرج عايشة بأبيها ومكانه مع رسول الله في العار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: فأين أنت من على


[ 334 ]

ابن ابي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى انه يقتل، فسكتت ولم تحر جوابا. وشتان بين قوله (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) وبين قوله (لا تحزن ان الله معنا)، وكان النبي صلى الله عليه وآله معه يقوي قلبه ولم يكن مع علي، وهو لم يصبه وجع وعلي يرمى بالحجارة، وهو مختف في الغار وعلي ظاهر للكفار. واستخلفه الرسول لرد الودايع لانه كان أمينا فلما أداها قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع: يا ايها الناس هل من صاحب امانة ؟ هل من صاحب وصية ؟ هل من عدة له قبل رسول الله ؟ فلما لم يأت احد لحق بالنبي وكان في ذلك دلالة على خلافته وامانته وشجاعته، وحمل نساء الرسول خلفه بعد ثلاثة ايام وفيهن عايشة فله المنة على ابي بكر بحفظ ولده، ولعلي (ع) المنة عليه في هجرته، وعلي ذو الهجرتين والشجاع البايت بين اربعمائة سيف، وإنما أباته على فراشه ثقة بنجدته فكانوا محدقين به الى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبايل. قال ابن عباس: فكان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام وابو سفيان، ومن بني نوفل طعمة بن عبدي وجبير بن مطعم والحارث بن عمر، ومن بني عبدالدار النضر بن الحارث، ومن بني اسد ابوالبختري وزمعة بن الاسود وحكيم بن حزام، ومن مخزوم أبو جهل، ومن بني سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح امية بن خلف ممن لا يعد من قريش، ووصى إليه في ماله واهله وولده فأنامه منامه وأقامه مقامه وهذا دليل على انه وصيه. تاريخ الخطيب والطبري وتفسير الثعلي والقزويني في قوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا)، والقصة مشهورة جاء جبرئيل الى النبي فقال له: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه فقال لعلي: نم على فراشي واتشح ببردي الحضرمي الاخضر وخرج النبي، قالوا: فلما دنوا من علي عرفوه فقالوا: اين صاحبك ؟ فقال: لا ادري أو رقيبا كنت عليه أمرتموه بالخروج فخرج. ابي رافع، ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي ان الله قد أذن لي بالهجرة واني آمرك ان تبيت على فراشي وان قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي. الطبري والخطيب والقزويني والثعلبي (ونجا الله رسوله من مكرهم) وكان مكر الله تعالى بيات على على فراشه.


[ 335 ]

عمار وابو رافع وهند بن ابي هالة ان أمير المؤمنين (ع) وثب وشد عليهم بسيفه فانحازوا عنه. محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين: ومضى رسول الله واضطجعت في مضجعه أنتظر مجئ القوم إلي حتى دخلوا علي فلما استوى بي وبهم البيت نهضت إليهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس، فلما اصبح (ع) امتنع ببأسه وله عشرون سنة واقام بمكة وحده مراغما لاهلها حتى ادى الى كل ذي حق حقه. محمد الواقدي وابو الفرج النجدي وابو الحسن البكري واسحاق الطبراني ان عليا لما عزم على الهجرة قال له العباس: ان محمدا ما خرج إلا خفيا وقد طلبته قريش اشد طلب وانت تخرج جهارا في اناث وهو ادج ومال ورجال ونساء وتقطع بهم السباسب والشعاب من بين قبايل قريش ما ارى لك ان تمضي إلا في خفارة خزاعة، فقال علي (ع): ان المنية شربة مورودة * لا تنزعن وشد للترحيل ان ابن آمنة النبي محمدا * رجل صدوق قال عن جبريل أرخ الزمام ولا تخف من عائق * فالله يرديهم عن التنكيل إني بربي واثق وبأحمد * وسبيله متلاحق بسبيلي قالوا: فكمن مهلع غلام حنظلة بن ابي سفيان في طريقه بالليل فلما رآه سل سيفه ونهض إليه فصاح علي صيحة خز ؟ على وجهه وجلله بسيفه، فلما اصبح توجه نحو المدينة فلما شارف ضجنان ادركه الطلب بثمانية فوارس وقالوا يا غدر اظننت انك ناج بالنسوة، القصة. وكان الله تعالى قد فرض على الصحابة الهجرة وعلى علي المبيت ثم الهجره، ثم انه تعالى قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به ابراهيم باسماعيل و عبد المطلب بعبد الله، ثم ان التفدية كانت دابه في الشعب فان كان بات أبو بكر في الغار ثلاث ليال فان عليا بات على فراش النبي في الشعب ثلاث سنين، وفى رواية اربع سنين. العكبري في فضايل الصحابة والفنجكردي ؟ في سلوة الشيعة ان عليا قال: وقيت بنفسي من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر محمد لما خاف ان يمكروا به * فوقاه ربي ذو الجلال عن المكر وبت اراعيهم وما يثبتونني * وقد صبرت نفسي على القتل والاسر


[ 336 ]

وبات رسول الله في الغار آمنا * وذلك في حفظ الاءله ؟ وفى ستر اردت به نصر الاءله تبتلا * واضمرته حتى اوسد في قبري وقال الحميري: ومن ذا الذي قد بات فوق فراشه * وادنى وساد المصطفى فتوسدا وخمر منه وجهه بلحافه * ليدفع عنه كيد من كان اكيدا فلما بدا صبح يلوح تكشفت * له قطع من حالك اللون اسودا ودارت به احراسهم يطلبونه * وبالامس ما سب النبي واوعدا انوا طاهرا والطيب الطهر قد مضى * الى الغار يخشى فيه ان يتوردا فهموا به ان يقتلوه وقد سطوا * بأيديهم ضربا مقيما ومقعدا وله ايضا: وليلة كاد المشركون محمدا * شرى نفسه لله إذ بت لا نشري فبات مبيتا لم يكن ليبيته * ضعيف عمود القلب منتفح السحر وله ايضا: باتوا وبات على الفراش ملفقا * فيرون ان محمدا لم يذهب حتى إذا طلع الشميط كأنه * في الليل صفحة خد ادهم معرب ثار والاحداج الفراش فصادفت * غير الذي طلبت اكف الخيب فوقاه بادرة الحتوف بنفسه * حذرا عليه من العدو المجلب حتى تغيب عنهم في مدخل * صلى الاله عليه من متغيب وله ايضا: وسرى النبي وخاف ان يسطى به * عند انقطاع مواثق ومعاهد واتى النبي فبات فوق فراشه * متدثرا بدثاره كالراقد وذكت عيون المشركين ونطقوا * ابيات آل محمد بمراصد حتى إذا ما اصبح لاح كأنه * سيف تخرق عنه غمد الغامد ثاروا وظنوا انهم ظفروا به * فتعاوروه وخاب كيد الكايد فوقاه بادرة الحتوف بنفسه * ولقد تنوول راسه بجلامد ” مناقب ج 1، م 42 “


[ 337 ]

وله ايضا: وبات على فراش أخيه فردا * يقيه من العتاة الظالمينا وقد كنت رجال من قريش بأسياف يلحن إذا انتضينا فلما ان أضاء الصبح جاءت * عداتهم جميعا مخلفينا فلما أبصروه تجنبوه * وما زالوا له متجنبينا وقال ابن علوية: أمن شرى لله مهجة نفسه * دون النبي عليه ذا تكلان هل جاد غير أخيه ثم بنفسه * فوق الفراش يغط كالنعسان وقال الصاحب: هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد * فديت بالروح ختام النبيبنا وقال المرزكي: ونام على الفراش له فداء * وأنتم في مضاجعكم رقود وقال ابن طوطي: ولما سرى الهادي النبي مهاجرا * وقد مكر الاعداء والله أمكر ونام علي في الفراش بنفسه * وبات ربيط الجاش ما كان يذعر فوافوا بياتا والدجى متقوض * وقد لاح معروف من الصبح اشقر فألفوا أبا شبلين شاكي سلاحه * له ظفر من صائك الدم أحمر فصال علي بالحسام عليهم * كما صال في العريس ليث غضنفر فولوا سراعا نافرين كأنما * هم حمر من قسور الغاب تنفر فكان مكان المكر حيدرة الرضا * من الله لما كان بالقوم يمكر وقال الزاهي: بات على فرش النبي آمنا * والليل قد طافت به احراسه حتى اذاما هجم القوم على * مستيقظ ينصله اشماسه ثار إليهم فتولوا مزقا * يمنعهم عن قربه حماسه وقال الناشي: وقي النبي بنفس كان يبذلها * دون النبي قرير العين محتسبا حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم * بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا


[ 338 ]

فسائلوه عن الهادي فشاجرهم * فخوفوه فلما خافهم وثبا وقال ابن دريد الاسدي: أولم يبت عنه أبو حسن * والمشركون هناك ترصده متلففا ليرد كيدهم * ومهاد خير الناس ممهده فوقى النبي ببذل مهجته * وبأعين الكفار منجده وقال دعبل: وهو المقيم على فراش محمد * حتى وقاه كايدا ومكيدا وهو المقدم عند حو مات الندى * ما ليس ينكر طارفا وتليدا وقال مهيار: وأحق بالتمييز عند محمد * من كان منهم منكبيه راقيا من بات عنه موقيا حوباؤه * حذر العدا فوق الفراش وقاديا وقال العبدي: ما لعلي سوى أخيه * محمد في الورى نظير فداه إذ أقبلت قريش * عليه في فرشه الامير وافاه في خم وارتضاه * خليفة بعده وزير وقال لاأجل المرتضى: وهو الذي ما كان دين ظاهر * في الناس لو لا رمحه وحسامه وهو الذي لا يقتضى في موقف * اقدامه نكص به اقدامه ثانيه في كل الامور وحصنه * في الباينات وركنه ودعامه لله در بلائه ودفاعه * فاليوم يغشى الدالعين قتامه وكأنما اجم العوالي غيله * وكأنما هو بينه ضرغامه طلبوا مداه فقاتهم سبقا الى * أمد يشق على الرجال مرامه وقال العوني: أبن لي من كان المقدم في الوغى * بمهجته عن وجه احمد دافعا أبن لي من في القوم جدل مرحبا * وكان لباب الحصن بالكف قالعا ومن باع منهم نفسه واقيا بها * نبي الهدى في الفرش أفديه يافعا وقد وقفوا طرا بجنب مبيته * قريش تهز المرهفات القواطعا


[ 339 ]

ومولاي يقظان يرى كل فعلهم * فما كان مجزاعا من القوم فازعا وقال شاعر آخر: وليلته في الفرش إذ صمدت له * عصايب لا نالوا عليه انهجامها فلما تراؤا ذا الفقار بكفه * أطار بها خوف الردى وأهامها وكم كربة عن وجه أحمد لم يزل * يفرجها قدما وينفي اهتمامها كلما كانت المحنة أغلظ كان الاجر أعظم وأدل على شده الاخلاص وقوة البصيرة، والفارس يمكنه الكر والفر والروغان والجولان، والراجل قد ارتبط روحه وأوثق نفسه والحج بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح وفراق المحبوب فكيف النائم على الفراش بين الثياب والرياش نزل قوله (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) في علي (ع) حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله رواه ابراهيم الثقفي، والفلكي الطوسي بالاسناد عن الحكم عن السدي، وعن أبي مالك عن ابن عباس ورواه أبو المفضل الشيباني باسناده عن زين العابدين (ع)، وعن الحسن البصري عن أنس، وعن أبي زيد الانصاري عن أبي عمرو بن العلاء، ورواه الثعلبي عن ابن عباس والسدي ومعبد انها نزلت في علي بن مكة والمدينة لما بات علي على فراش رسول الله فضايل الصحابة عن عبد الملك العكبري، وعن أبي المظفر السمعاني باسنادهما عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب كان المشركون يطلبون رسول الله فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بكر واضطجع علي على فراش رسول الله فجاء المشركون فوجودا عليا ولم يجدوا رسول الله صلى الله عليه وآله. الثعلبي في تفسيره، وابن عقب في ملحمته، وأبو السعادات في فضايل العشرة، والغزالي في الاحياء وفى كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان، وجماعة من اصحابنا ومن ينتمي الينا نحو: ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة والبرقي وابن فياض والعبد لي والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة انه قال رسول الله: أوحى الله الى جبرئيل وميكائيل اني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كرها الموت فأوحى الله اليهما ألا كنتما مثل وليي طالب آخيت بينه وبين محمد بني فآثره بالحياة على نفسه ثم ظل اؤرقه على فراشه يقيه بمهجته اهبطا الى الارض جميعا فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل


[ 340 ]

جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب والله يباهي به الملائكة، فأنزل الله (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)، قال الشاعر: يجود بالنفس إذ ضمن الجواد بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود وقال ابن حماد: باهى به الرحمن أملاك العلى * لما انثنى من فرش احمد يهجع يا جبرئيل وميكائيل فانني * آخيت بينكما وفضلي أوسع أفأن بدا في واحد أمرى فمن * يفدي أخاه من المنون ويقنع فتوثقا كل يضمن بنفسه * قال الاءله أنا الاعز الا رفع ان الوصي فدى أخاه بنفسه * ولفعله زلفى لدي وموضع فلتهبطا ولتمنعا من رامه * أم من لم بمكيده يتسرع وقال خطيب خوارزم: علي في مهاد الموت عار * وأحمد مكنس غار اغتراب يقول الروح بخ بخ يا علي * فقد عرضت روحك لانتهاب فصل: في المسابقة بالجهاد اجتمعت الامة ووافق الكتاب والسنة ان لله خيرة من خلقه وان خيرته من خلقه المتقون قوله (ان أكرمكم عند الله أتقاكم)، وان خيرته من المتقين المجاهدون (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة)، وان خيرته من المجاهدين السابقون الى الجهاد قوله (لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل) الآية، وان خيرته من المجاهدين أكثرهم عملا في الجهاد، واجتمعت الامة على ان السابقين الى الجهاد هم البدريون وان خيرة البدربين علي فلم يزل القرآن يصدق بعضه بعضا باجماعهم حتى دلوا بأن عليا خيرة هذه الامة بعد نبيها، قال العلوي البصري: ولو يستوي بالنهوض الجلوس * لما بين الله فضل الجهاد قوله تعالى: (يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين) فجاهد النبي صلى الله عليه وآله الكفار في حياته وأمر عليا (ع) بجهاد المنافقين، قوله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وحديث خاصف النعل، وحديث كلاب الحوأب، وحديث تقتلك الفئة الباغية، وحديث ذى الثدية وغير ذلك، وهذا من صفات الخلفاء، ولا يعارض ذلك يقتال


[ 341 ]

أهل الردة لان النبي كان أمر عليا بقتال هؤلاء باجماع أهل الاثر وحكم المسمين أهل الردة لا يخفى على منصف. المعروفون بالجهاد علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث والزبير وطلحة وأبو دجانة وسعد بن أبي وقاص والبراء بن عازب وسعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة، وقد اجتمعت الامة على ان هؤلاء لا يقاسون بعلي في شوكته وكثرة جهاده، فاما أبو بكر وعمر فقد تصفحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة. وقد اجتمعت الامة على ان عليا كان المجاهد في سبيل الله والكاشف الكروب عن وجه رسول الله المقدم في ساير الغزوات إذا لم يحضر النبي صلى الله عليه وآله وإذا حضر فهو تاليه وصاحب الراية واللواء معا وما كان قط تحت لواء جماعة أحد ولا فر من زحف وانهما فرا في غير موضع وكانا تحت لواء جماعة. واستدل اصحابنا بقوله (ليس البران تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) ان المعني بها أمير المؤمنين لانه كان جامعا لهذه الخصال بالانفاق ولا قطع على كون غيره جامعا لها، ولهذا قال الزجاج والفراء كأنها مخصوصة بالانبياء والمرسلين، وقال الزاهي: أيجعل سيد الثقلين شبها * لما لا يرتضيه له غلاما الى من قط لم يهزم شجاعا * ولم يحمل بقبضته حساما ابن عباس في قوله (وله أسلم من في السماوات والارض) قال: أسلمت الملائكة في السماوات والمؤمنون في الارض وأولهم علي إسلاما ومع المشركين قتالا وقاتل من بعده المقاتلين ومن أسلم كرها. تفسير عطاء الخراساني قال ابن عباس في قوله (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي قوى ظهرك بعلي بن أبي طالب. أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن مجاهد في قوله (هو الذي أيدك بنصره) أي قومك بأمير المؤمنين وجعفر وحمزة وعقيل، وقد روينا نحو ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة. كتاب أبي بكر الشيرازي قال ابن عباس (وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق) يعني مكة (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) قال: لقد استجاب الله لنبيه دعاءه وأعطاه علي بن أبي طالب سلطانا ينصره على أعداءه.


[ 342 ]

العكبري في فضايل الصحابة عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله يوم فتح مكة متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ابعث إلي من بني عمي من يعضدني، فهبط عليه جبرئيل كالغضب فقال: يا محمد أو ليس قد أيدك الله بسيف من سيوف الله مجرد على أعداء الله – يعني بذلك علي بن ابي طالب عليه السلام. أبوالمضابيح مولى الرضا عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في قوله (لننصرون رسلنا والذين آمنوا) قال: منهم علي بن أبي طالب عليه السلام، قال الناشي: أيا ناصر المصطفى أحمد * تعلمت نصرته من أبيكا وناصبت نصابه عنوة * فلعنة ربي على ناصبيكا ولو آمنوا بني الهدى * وبالله ذى الطول ما ناصبوكا وقال غيره: كان يصير له سيف الرشاد انتضى * سل على كل من عن أمره أعرضا قوله (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيل الله صفا كأنهم بنيان مرصوص) وكان (ع) إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص وما قتل المشركين قتله أحد. سفيان الثوري، كان علي بن أبي طالب عليه السلام كالجبل بين المسلمين والمشركين أعز الله به المسلمين وأذل به المشركين. قال العوني: فلك النجاة وباب للجنان غدا * وملتجى وصراط غير ذي جنف جنب عزيز يلوذ اللائذون به * حبل متين قوي محكم الطرف ويقال انه نزل فيه (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم). أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام نزل قوله (ولا يرهق وجوههم قتر ولاذلة) في أمير المؤمنين وفى حديث جبير: أنت اول من آمن بي واول من جاهد معي واول من ينشق عنه القبر. وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج من بيته تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبة وعرقوبيه وكان علي (ع) يحمل عليهم فينهزمون فنزل (كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة). ولا خلاف ان اول مبارز في الاسلام علي وحمزة وابو عبيدة بن الحارث في يوم بدر. قال الشعبي: ثم حمل علي على الكتيبة مصمما وحده واجتمعت الامة انه ما رأى أحد ادعيت له الامامة عمل في الجهاد ما عمل علي، قال الله تعالى (ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح)، ولقد فسر قوله (ولقد كنتم تمنون الموت) يعني عليا لان الكفار كانوا يسمونه الموت الاحمر سموه


[ 343 ]

يوم بدر لعظم بلائه ونكايته، قال العوني: من اسمه الموت في القرآن فهل * يسبقه في الحروب من هربا ومن رأى وحده مبارزه إلا رأى الموت منه والعطبا قال المفسرون: لما أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ علي له القول فقال العباس: مالكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا، فقال علي (ع): ألكم محاسن ؟ قال: نعم انا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونستقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى ردا على العباس ووفاقا لعلي بن أبي طالب (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) الآية، ثم قال: (إنما يعمر مساجد الله) الآية، ثم قال: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله). وروى اسماعيل بن خالد عن عامر وابن جريح عن عطاء عن ابن عباس، ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، والسدي عن أبي صالح وابن أبى خالد، وزكريا عن الشعبي انه نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب. الثعلبي والقشيري والجبائي والفلكي في تفاسيرهم، والواحدي في أسباب نزول القرآن عن الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرطي، وروينا عن عثمان ابن أبي شيبة ووكيع بن الجراح وشريك القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان والسديري وأبي مالك ومرة الهمداني وابن عباس انه افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: انا عم محمد وأنا صاحب سقاية الحجيج فأنا أفضل من علي بن أبي طالب، وقال شيبة بن عثمان أو طلحة الداري أو عثمان: وأنا اعمر بيت الله الحرام وصاحب حجابته فأنا أفضل، وسمعهما علي (ع) وهما يذكران ذلك فقال: أنا أفضل منكما لقد صليت قلبكما ست سنين، وفي رواية: سبع سنين وأنا اجاهد في سبيل الله، وفي رواية الحسكاني عن أبي بريدة ان عليا قال: استحييت لكل فقد اوتيت على صغرى ما لم تؤتيا فقالا: وما اوتيت يا علي ؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله وبرسوله، فشكا العباس ذلك الى النبي فقال: ما حملك على ما استقبلت به عمك ؟ فقال: صدمته بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض، فنزلت هذه الآية، قال الناشي: إذ فاخر العباس عم المصطفى * لعلي المختار صهر محمد بعمارة البيت المعظم شأنه * وسقاية الحجاج وسط المسجد


[ 344 ]

فأتى بها جبريل عن رب السما * يقري السلام علي النبي المهتدي أجعلتم سقي الحجيج وما يرى * من ظاهر الاستار فوق الجلمد ؟ كالمؤمنين الضاربي هام العدى * وسط العجاج بساعد لم يرعد وقال البشنوي: يا قاري القرآن مع تأويله * مع كل محكمة أتت في حال أعمارة البيت المحرم مثله * وسقاية الحجاج في الامثال أم مثلى التيمي أم عدويهم * هل كان في حال من الاحوال لا والذي فرض علي وداده * ما عندي العلماء كالجهال وقال خطيب منبج: وقال جعلتم السقيا كمن لا * يزال مجاهدا لا يستوونا وقال القاضي بن قابوس المصري: يا سيد العالم طرا بدوهم والحضر ان عظموا سقي الحجيج فأنت ساقي الكوثر أنت الامام المرتضى * وشفيعنا في المحشر في بعض التفاسير انه نزل قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية في علي (ع) لانه قتل عشيرته مثل عمرو بن عبدود والوليد بن عتبة في خلق، قال أبقراط النصراني: أما رد عمروا يوم سلع بباتر * كأن على جنبيه لطخ العنادم وعاد بن معدى نحو أحمد خاضعا * كشارب اثل في خطام الغمائم وعاديت في الله القبايل كلها * ولم تخش في الرحمن لومة لائم وكنت أحق الناس بعد محمد * وليس جهول القوم فضلا كعالم ” المناقب ج 1، م 43 “


[ 345 ]

فصل: في لمسابقة بالسخاء والنفقة في سبيل الله المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل الله علي وأبو بكر وعمر وعثمان و عبد الرحمن وطلحة، ولعلي في ذلك فضايل لان الجود جودان نفسي ومالي، قال: (جاهدوا بأموالكم وأنفسكم)، وقال النبي صلى الله عليه وآله: أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل الله الخبر، فصار قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ؟) أليق بعلي (ع) لانه جمع بينهما ولم يجمع لغيره، وقولهم: ان أبا بكر أنفق على النبي أربعين الفا فان صح هذا الخبر فليس فيه انه كان دينارا أو درهما وأربعون الف درهم هو أربعة آلاف دينار ومال خديجة اكثر من ماله ونفع ذلك للمسلمين عامة وقد شرحت ذلك في كتابي المشهور، فاما قوله (فاما من أعطى واتقى) عموم ويعارض بقوله (ووجدك عائلا فأغنى) بمال خديجة، وروي انه نزلت في علي (ع)، وفيه يقول العبدي: أبوكم هو الصديق آمن واتقى * وأعطى وما أكدى وصدق بالحسنى الضحاك عن ابن عباس نزلت في علي (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى) الآية. ابن عباس والسدي ومجاهد والكلبي وأبو صالح والواحدي والطوسي والثعلبي والطبرسي والماوردي والقشيري والثمالي والنقاش والفتال وعبيد الله بن الحسين وعلي بن حرب الطائى في تفاسيرهم انه كان عند علي بن أبي طالب أربعة دراهم من الفضة فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد علانية فنزل (الذين ينفقون أموالهم بالليل) الآية، فسمى كل درهم مالا وبشره بالقبول، رواه النطنزي في الخصايص. تفسير النقاش وأسباب النزول قال الكلبي فقال له النبي: ما حملك على هذا ؟ قال: حملني ان استوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله: ألا ان ذلك، فأنزل الله هذه الآية، قال الحميري: وأنفق ماله ليلا وصبحا * واسرارا وجهر الجاهرينا وصدق ماله لما أتاه * الفقير بخاتم المتختمينا الضحاك عن ابن عباس قال: لما انزل الله (للفقراء الذين احضروا في سبيل الله) الآية، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة الى أصحاب الصفة حتى أغناهم، وبعث علي بن أبي طالب في جوف الليل بوسق من تمر، فكان أحب الصدقتين الى الله


[ 346 ]

صدقة علي وانزلت الآية، وسئل النبي: أي الصدقة أفضل في سبيل الله ؟ فقال جهد من مقل. تاريخ البلاذري وفضايل أحمد انه كانت غلة علي أربعين الف دينار فجعلها صدقة وانه باع سيفه وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته. شريك والليث والكلبي وأبو صالح والضحاك والزجاج ومقاتل بن حنان ومجاهد وقتادة وابن عباس: كانت الاغنياء يكثرون مناجاة الرسول صلى الله عليه وآله فلما نزل قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقموا بين يدي نجواكم صدقة) انتهوا فاستقرض (ع) دينارا وتصدق به فناجى النبي صلى الله عليه وآله عشر نجوات ثم نسخته الآية التي بعدها. أمير المؤمنين: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت كلما أردت أن اناجي رسول الله قدمت درهما فنسختها الآية الاخرى. الواحدي في أسباب نزول القرآن والوسيط أيضا، والثعلبي في الكشف والبيان ما رواه علي بن علقمة ومجاهد ان عليا قال: ان في كتاب الله لآية ما عمل به أحد قبلي ولا عمل بها أحدى بعدي ثم تلا هذه الآية. جامع الترمذي، وتفسير الثعلبي، واعتقاد الاشنهي، عن الاشجعي والثوري وسالم بن ابي حفصة وعلي بن علقمة الانماري عن علي (ع) في هذه الآية: فبي خفف الله ذلك عن هذه الامة. وفي مسند الموصلي: فيه خفف الله عن هذه الامة، وزاد أبو القاسم الكوفي في الرواية: ان الله امتحن الصحابة بهذه الآية فتقاعسوا كلهم عن مناجاة الرسول فكان الرسول احتجب في منزله عن مناجاة أحد إلا من تصدق بصدقة فكان معي دينار، وساق (ع) كلامه الى أن قال: فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية فنسخت ولو لم أعمل بها حين كان عملي بها سببا للتوبة عليهم لنزل العذاب عند امتناع الكل عن العمل بها. وقال القاضي الطرثيتي: انهم عصوا في ذلك إلا علي فنسخة عنهم يدل عليه قوله (فاذلم تفعلوا وتاب الله عليكم) ولقد استحقوا العذاب لقوله (ءأشفقتم) وقال مجاهد وما كان إلا ساعة، وقال مقاتل بن حبان: كان ذلك عشر ليال وكانت الصدقة مفوضة إليهم غير مقدرة. سفيان باسناده عن علي عن البني: فيما استطعت تصدقت، وروى الثعلبي عن أبي هريرة وابن عمرانه قال عمر بن الخطاب: كان لعلي ثلاث لو كان لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية


[ 347 ]

النجوى. قال الوراق القمي: علي الذي ناجاه بالوحي أحمد * فعلمه ابواب سلم مسلم وقال الاصفهاني: وبألف حرف أيكم ناجي أخي * فيهن دونكم أخي ناجاني ولكل حرف الف باب شرحه * عندي بفضل حكومة وبيان وأنفق علي ثلاث ضيفان من الطعام قوت ثلاث ليلال فنزلت فيه ثلاثين آية ونصت على عصمته وستره ومراده وقبول صدقته، وكفاك من جوده قوله (عينا يشرب بها عباد الله) الآية، واطعام الاسير خاصة وهو عدو في الدين، قال العوني: من أطعم المسكين واليتيم والاسير لله ثلاثا وطوى وحدث أبو هريرة انه كان في المدينة مجاعة ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئا وسالت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه ومضبت معه الى بابه وودعني وانصرفت جايعا يومي وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر فجئت في اليوم الثالث الى علي وسألته ما يعلمه فقط فلما أردت أن أنصرف دعاني الى بيته فأطعمني رغيفين وسمنا فلما شبعت انصرفت الى رسول الله فلما بصر بي ضحك في وجهي وقال: أنت تحدثني أم أحدثك، ثم قص علي ما جرى وقال لي جبرئيل عرفني ورؤي أمير المؤمنين حزينا فقيل له: مم حزنك ؟ قال لسبع أتت لم يضف الينا ضيف تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة، وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه واللفظ له عن أبي هريرة انه جاء رجل الى رسول الله فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله الى أزواجه فقلن ما عندنا إلا الماء فقال صلى الله عليه وآله: من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال أمير المؤمنين (ع): أنا يا رسول الله، وأتى فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت رسول الله ؟ فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر به ضفينا فقال علي: يا بنت محمد نومى الصبية واطفي المصباح وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلما فرغ من الاكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفنة مملوة من فضل الله، فلما اصبح صلى مع النبي فلما سلم النبي من صلاته نظر الى أمير المؤمنين وبكى بكاء شديدا وقال يا أمير المؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة اقرأ (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) أي مجاعة (ومن يوق شح نفسه) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين فاولئك هم المفلحون، وقال الحميري: قائل للنبي اني غريب * جايع قد أتيتكم مستجيرا


[ 348 ]

فبكى المصطفى وقال غريب * لا يكن للغريب عندي ذكورا من يضيف الغريب قال علي * أنا للضيف فانطلق مأجورا ابنة العم هل من الزاد شئ * فأجابت أراه شيئا يسيرا كف بر قال اصنعيه فان ا * لله قد يجعل القليل كثيرا ثم اطفي المصباح كي لا يراني * فاخلي طعامه موفورا جاهد يلمظ الاصابع والضي‍ * يف يراه الى الطعام مشيرا عجبت منكم ملائكة الله * وأرضيتم اللطيف الخبيرا ولهم قال يؤثرون على * أنفسهم قال ذاك فضلا كبيرا وله ايضا وآثر ضيفه لما أتاه * فضل وأهله يتلمظونا فسماه الاله بما أتاه * من الايثار باسم المفلحينا كتاب أبي بكر الشيرازي باسناده عن مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره الله) الى قوله (بغير حساب) قال هو والله أمير المؤمنين، ثم قال بعد كلام: وذلك ان النبي أعطى عليا يوما ثلاثمائة دينار اهديت إليه قال علي: فأخذتها وقلت والله لاتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله اخذت مائة دينار وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة فاغتممت غما شديدا فلما صليت القابلة صلاة العتمة اخذت مائة دينار وخرجت من المسجد وقلت والله لاتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني فلقيت رجلا فتصدقت عليه بدنانير قأصبح ؟ اهل المدينة يقولون تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق فاغتممت غما شديدا وقلت والله لاتصدقن الليلة صدقة يتقبلها ربي مني فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته إياها فلما اصبحت قال اهل المدينة تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني فاغتممت غما شديدا فأتيت رسول الله فخبرته فقال لي يا علي هذا جبرئيل يقول لك ان الله عزوجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك ان المائة دينار التي تصدقت بها اول ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة فرجعت الى منزلها وتابت الى الله عزوجل من الفساد وجعلت تلك الدنانير رأس مالها وهي في طلب بعل تتزوج به، وان الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق فرجع الى منزله وتاب الى الله من سرقته وجعل الدنانير


[ 349 ]

رأس ماله يتجر بها، وان الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين فرجع الى منزله ووبخ نفسه وقال شحا عليك يا نفس هذا علي بن ابى طالب تصدق علي بمائة دينار ولا مال له وانا قد اوجب الله على مالي الزكاة لاعوام كثيرة لم ازكه فحسب ماله وزكاه وأخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا وانزل الله فيك (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) الآية. أبو الطفيل: رأيت عليا يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض اصحابه: لوددت انى كنت يتيما. المعلى بن خنيس عن الصادق انه (ع) أتى ظلمة بني ساعدة في ليلة قد رشت السماء ومعه جراب فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف والرغيفين حتى أتى على آخره. قال الحميري: ومن ذا كان للفقراء كنزا * إذا نزل الشتاء بهم كنينا محمد بن الصمة عن ابيه عن عمه قال: رأيت في المدينة رجلا على ظهره قربة وفي يده صحفة يقول: اللهم ولي المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين اقبل قربانى الليلة فما امسيت املك سوى ما في صحفتي وغير ما بواربني فانك تعلم انى منعته نفسي مع شدة سغبى في طلب القرية اليك غنما اللهم فلا تخلق وجهي ولا ترد دعوتي، فأتيته حتى عرفته فإذا هو علي بن ابى طالب فأتى رجلا فأطعمه. عبد الله بن علي بن الحسين يرفعه ان النبي أتى مع جماعة من اصحابه الى علي فلم يجد علي شيئا يقربه إليهم فخرج ليحصل لهم شيئا فإذا هو بدينار على الارض فتناوله وعرف به فلم يجد له طالبا فقومه على نفسه و اشترى به طعاما واتى به إليهم واصاب عوضه وجعل ينشد صاحبه فلم يجده فأتى به النبي واخبره بالخبر فقال: يا علي انه شئ أعطاكه الله لما اطلع على نيتك وما اردته وليس هو شئ للناس ودعا له بخير قال الحميري فمال الى ادناهم منه بيعا * توسم فيه خير ما يتوسم فقال له بعني طعاما فباعه * جميل المحيا ليس منه التجهم فكال له حبا به ثم رده * إليه وارزاق العباد تقسم فآب برزق ساقه الله نحوه * الى اهله والقوم للجوع رزم فلا ذلك الدينار أحمى تبره * يقينا واما الحب فالله اعلم أمن زرع ارض كان ام حب جنة * حباه به من ناله منه انعم وبيعه جبريل اطهر بيع * فأي ايادي الخير من تلك اعظم


[ 350 ]

يكلم جبريل الامين فانه * لافضل من يمشي ومن يتكلم روت الخاصة والعامة منهم ابن شاهين المروي وابن شيرويه الديلمي عن الخدري وابى هريرة ان عليا اصبح ساغبا فسأل فاطمة طعاما فقالت: ما كانت إلا ما اطعمتك منذ يومين آثرت به على نفسي وعلى الحسن و الحسين فقال: ألا اعلمتني فأتيتكم بشئ، فقالت: يا ابا الحسين انى لاستحي من إلهي ان اكلفك ما لا تقدر عليه فخرج واستقرض من النبي دينارا فجرج يشتري به شيئا فاستقبله المقداد قائلا: ما شاء الله، فناوله علي الدينار ثم دخل المسجد فوضع رأسه فنام فخرج النبي فإذا هو به فحركه وقال: ما صنعت ؟ فأخبره فقام وصلى معه فما قضى النبي صلاته قال: يا ابا الحسن هل عندك شئ نفطر عليه فنميل معك ؟ فأطرق لا يجيب جوابا حياء منه وكان الله اوحى إليه ان يتعشى تلك الليلة عند علي، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها وخلفها جفنة تفور دخانا فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين ايديهما فسأل علي (ع) (أنى لك هذا قالت هو من فضل الله ورزقه ان الله يرزق من يشاء بغير حساب) قال: فوضع النبي كفه المبارك بين كتفي علي ثم قال: يا علي هذا بدل دينارك، ثم استعبر النبي باكيا وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما راى زكريا لمريم وفي رواية الصادق (ع) انه انزل الله فيهم (ويؤثرون على انفسهم)، قال الحميري: وحدثنا عن حادث الاعور الذي * تصدقه في القول منه وما يروي بأن رسول الله نفسي فداؤه * واهلي ومالي طاوي الحشى يطوي لجوع اصاب المصطفى فاغتدى الى * كريمته والناس لاهون في سهو فصادفها وابنى علي وبعلها * وقد اطرقوا من شدة الجوع كالنضو فقال لها يا فطم قومي تناولي * ولم بك فيما قال ينطق بالهزو هدية ربى انه مترحم * فقامت الى ما قال تسرع بالخطو فجاءت عليها الله صلى بجفنة * مكرمة باللحم جزوا على جزو فسموا وظلوا يطعمون جميعهم * فبخ بخ لهم نفسي الفداء وما احوي فقال لها ذاك الطعام هدية * من الله جبريل اتانى به يهوى ولم بك ؟ منه طاعما غير مرسل * وغير وصى خصه الله بالصفو وفي رواية حذيفة ان جعفرا اعطى النبي صلى الله عليه وآله الفرع من العالية والقطيفة فقال النبي: لادفعن هذه القطيفة الى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، واعطاها عليا (ع)، ففصل على القطيفة سلكا فباع بالذهب فكان الف مثقال ففرقه في فقراء


[ 351 ]

المهاجرين كلها فلقيه النبي ومعه حذيفة وعمار وسلمان وابوذر والمقداد فسأله النبي الغداء فقال حياء منه: نعم فدخلوا عليه فوجدوا الجفنة. وفي حديث ابن عباس ان المقداد قال له: أنا منذ ثلاثة ايام ما طعمت شيئا، فخرج أمير المؤمنين وباع درعه بخمسمائة ودفع إليه بعضها وانصرف متحيرا فناداه أعرابي: اشتر مني هذه الباقة مؤجلا، فاشتراها بمائة درهم ومضى الاعرابي فاستقبله آخر وقال بعني هذه الناقة بمائة وخمسين درهما فباع وصاح يا حسين ويا حسين امضيا في طلب الاعرابي وهو على الباب فرآه النبي فقال وهو متبسم: يا علي الاعرابي صاحب الناقة جبرئيل والمشتري ميكائيل يا على المائة عن الناقة والخمسين بالخمس التي دفعتها الى المقداد ثم تلا (ومن يتق الله يجعل له) الآية. قال السيد الحميري: أليس المؤتر المقداد لما * أتاه مقويا في المقوبينا بدينار وما يحوي سواء * وما كل الافاضل مؤثرينا وقال الوراق: علي غدا يبتاع قوتا لاهله * فبايعه جبريل بيع المحكم وسمع أمير المؤمنين (ع) أعرابيا يقول وهو آخذ بحلقه الباب: البيت بيتك والضيف ضيفك ولكل ضيف قرى فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة، فقال: يا أعرابي هو والله اكرم من ان يرد ضيفه بلا قرى، وسمعه الليلة الثانية قائلا: يا عزيزا في عزك يعز من عز عزك أنت أنت لا يعلم احد كيف انت إلا انت اتوجه اليك بك واتوسل بك اليك واسألك بحقك عليك وبحقك على آل محمد اعطني ما لا يملكه غيرك واصرف عني ما لا يصرفه سواك يا ارحم الراحمين، فقال (ع): هذا اسم الله الاعظم بالسريانية وسمعه الليلة الثالثة يقول: يا زين السماوات والارض ارزقني اربعة آلاف درهم، فضرب يده على كتف الاعرابي ثم قال: قد سمعت ما طلبت وما سألت ربك فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم ؟ قال: الف صداق امرأتي والف أبني به دارا والف اقضي به ديني والف ألتمس به المعاش، قال: انصفت يا اعرابي إذا قدمت المدينة فسل عن علي بن ابى طالب، قال: فلما أتى الاعرابي المدينة قال للحسين (ع): قل لابيك صاحب الضمان بمكة، فدخل فأخبره قال: اي والله يا حسين ايتيني بسلمان، فلما اتاه قال: يا سلمان اجمع لي التجار، فلما اجتمعوا قال لهم: اشتروا مني الحايط الذي غرسه لي رسول الله بيده، فباعه منهم بائنى عشر الف درهم فدفع الى الاعرابي اربعة آلاف فقال: يا اعرابي كم انفقت في طريقك ؟ قال: ثلاثة عشر درهما، قال: ادفعوا له ستا


[ 352 ]

وعشرين درهما حتى يصرف الاربعة آلاف حيث سأل، وصير بين يديه الباقي فلم يزل يعطي قبضة قبضة حتى لم يتق منها درهم فلما أتى فاطمة ذكر بيع الحائط قالت: فأين الثمن ؟ قال: دفعته والله الى عيون استحيبت منها ان احوجها الى ذل المسألة فأعطيتهم قبل ان يسألونى، فقالت لا افارقك أو يحكم بيني وبينك أبى إذ أنا جايعة وابناي جايعان لم يكن لنا في اثنى عشر الف درهم درهم نأكل به الخبز، فقال: يا فاطمة لا تلاحيني وخلي سبيلي، فهبط جبرئيل على النبي فقال: السلام يقرأ عليك السلام ويقول بكت ملائكة السماوات للزوم فاطمة عليا فاذهب اليهما، فجاء اليهما فقال: يا بنتي مالك تلزمين عليا ؟ نقصت عليه القصة فقال: خل سبيله فليس على مثل علي تضرب يد، ثم خرجا من الدار فما لبث ان رجع النبي فقال: يا فاطمة رجع اخي ؟ فقالت: لا، فأعطاها سبعه دراهم سودا هجرية وقال قولي له يبتاع لكم بها طعاما، فلما اتاها اعطته الدراهم فاخذها وقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا من فضل الله، فذهب الى السوق فإذا سائل يقول: من يقرض الله الملي الوفي، فقال: يا ابا الحسن أتسمع ما يقول اقرض الله، ثم مضى ليستقرض من احد فإذا بشيخ معه ناقة فقال: يا علي ابتع مني هذه الناقة، فقال: ليس معي تمنها، قال: انى انظرك بثمنها، فابتاعها بمائة درهم ثم اشترى، الى آخر القصة، المخبرة: أمن طوى يومين لم يطعم ولم * تطعم حليلته ولا الحسنان فمضى لزوجته ببعض ثيابها * ليبيعه في السوق كالعجلان يهوى ابتياع جرادق لعياله * من بين ساغبة ومن سغبان إذ جاءه مقداد يخبر انه * مذلم يذق أكلا له يومان فهوى الى ثمن المثال فصبه * من كف ابيض في يد غرثان فطرا من الاعراب سابق ناقة * حسناء تأجره له معسان نادى ألا اشترها فقال وكيف لي * بشر البعير وما معي فلسان قال الفتى ابتعها فانك منظر * فيما به الكفان تصطفقان فبدا له رجل فقال أبائع * منى بعيرك أنت يا ربانى اخبر شراك اهن ربحك قال ها * مائة فقال فها كها مائتان وأتى البني معجبا فأهابه * واليه قبل قد انتهى الخبران نادى ابا حسن أبدء بالذي * اقبلت ما استلفيت ام تبدانى ” مناقب ج 1، م 44 “


[ 353 ]

قال الوصي له فانبئني به * اني اتجرت فتاح لي ربحان ربح لآخرتي وربح عاجل * وكلاهما لي يا اخي فخران فأبثه ما في الضمير وقال هل * تدري فداك أحبتي من دان جبريل صاحب بيعها والمشتري * ميكال طبت وانجح السعيان والناقة الكوماء كانت ناقة * ترعى بدار الخلد في بطنان وانه (ع) طلب السائل منه صدقة فأعطى خاتما فنزلت (إنما وليكم الله ورسوله) وفيه يضرب المثل في الصدقات، يقال في الدعاء يقبل الله منه كما يقبل توبة آدم وقربان ابراهيم وحج المصطفى وصدقة أمير المؤمنين، وكان (ع) يأخذ من الغنايم لنفسه وفرسه ومن سهم ذى القربى وينفق جميع ذلك في سبيل الله، وتوفي ولم يترك إلا ثمانمائة درهم. فصل: في المسابقة بالشجاعة وصف الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فقال: (والذين معه أشداء على الكفار) ثبتت هذه الصفة لعلي (ع) دون من يدعون له الشدة على الكفار، وقال تعالى في قصة طالوت (ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)، واجتمعت الامة على ان عليا أشد من أبي بكر، واجتمعت ايضا على علمه واختلفوا في علم أبي بكر وليس المجتمع عليه كالمختلف فيه. الباقر والرضا عليهما السلام في قوله (لينذر بأسا شديدا من لدنه) البأس الشديد علي بن ابي طالب وهو لدن رسول الله صلى الله عليه وآله يقاتل معه عدوه، ويروى انه نزل فيه (والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس)، قال الحيص بيص: وأنزع من شرك الرجال مبرأ * بطين من الاحكام جم النوافل سديد مضاء الباس يغني بلاؤه * إذا زحموه بالقنا والقنابل علي بن جعد عن شعبة عن قتادة عن الحسين عن ابن عباس ان عبد الله بن ابى سلول كان يتنحى عن النبي مع جماعة من المنافقين في ناحية من العسكر ليخوضوا في أمر رسول الله في غزوة حنين فلما أقبل راجعا الى المدينة رأى حقالا وهو مسلم لطم للحمقاء وهو منافق فغضب ابن ابي سلول وقال: لو كففتم عن اطعام هؤلاء لتفرقوا عنه – يعني عن النبي – والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل – يعني نفسه والنبي فأخبر زيد بن أرقم للنبي بمقاله فأنى ابن أبي سلول في أشراف الانصار الى


[ 354 ]

النبي يعذرونه ويكذبون زيدا فاستحيى زيد فكف عن اتيان رسول الله فنزل: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يعلمون يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) يعني القوة والقدرة لأمير المؤمنين وأصحابه على المنافقين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد زيد وعركها وقال: ابشر يا صادق فقد صدق الله حديثك وأكذب صاحبك المنافق. وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله (ع): عجب لمن يقاس بمن لم يصب محجمة من دم في جاهلية أو إسلام مع من علم انه قتل في يوم بدر خمسا وثلاثين مبارزا دون الجرحى على قول العامة وهم: الوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد بن العاص، ومطعم بن عدي بن نوفل، وحنظلة بن ابي سفيان، ونوفل بن خويلد، وزمعة بن الاسود، والحارث بن زمعة، والنضر بن ؟ ؟ بن عبدالدار، وعمير بن عثمان بن كعب عم طلحة، وعثمان ومالك أخوا طلحة، ومسعود ابن ابي امية بن المغيرة، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة، وابو القيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن مخزوم، والمنذر بن ابي رفاعة، ومنبه بن الحجاج السهمي، والعاص بن منبه، وعلقمة بن كلدة، وابو العاص بن قيس بن عدي، ومعاوية بن المغيرة بن ابي العاص، ولوذان بن ربيعة، و عبد الله بن المنذر بن ابي رفاعة، ومسعود ابن امية بن المغيرة، والحاجب بن السايب بن عويمر، واوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن ابي عوف، وسعيد بن وهب، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس، و عبد الله بن جميل بن زهير، والسايب بن سعيد بن مالك، وابو الحكم ابن الاخنس، وهاشم بن ابي امية. ويقال قتل بضعة واربعين رجلا. وقتل (ع) في يوم احد كبش الكتيبة طلحة بن ابي طلحة، وابنه أبا سعيد، واخوته خالدا ومخلدا وكلدة والمحالس، و عبد الرحمن بن حميد بن زهرة، والحكم ابن الاخنس بن شريق الثقفي، والوليد بن ارطاة، وامية بن ابي حذيفة، وارطاة ابن شرحبيل، وهشام بن امية، ومسافع، وعمرو بن عبد الله الجمحي، وبشر بن مالك المغافري، وصواب مولى عبدالدار، وأبا حذيفة بن المغيرة، وقاسط بن شريح العبدي، والمغيرة بن المغيرة، سوى من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا اشكال في هزيمة عمر وعثمان، وإنما الاشكال في أبي بكر هل ثبت الى وقت الفرج أو انهزم.


[ 355 ]

وقتل (ع) في يوم الاحزاب: عمرو بن عبدود وولده، ونوفل بن عبد الله ابن المغيرة، ومنبه بن عثمان العبدري، وهبيرة بن أبي هبيرة المخزومي وهاجت الرياح وانهزم الكفار. وقتل (ع) يوم حنين اربعين رجلا وفارسهم أبو جرول وانه قده عظيما بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن الى القربوس وقد اختلفوا في اسمه. ووقف (ع) يوم حنين في وسط اربعة وعشرين الف ضارب سيف الى أن ظهر المدد من السماء. وفي غزاة السلسلة قتل السبعة الاشداء وكان أشدهم آخرهم وهو سعيد بن مالك العجلي ؟ في بني نضير قتل احد عشر منهم غرورا. وفى بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود مثل حي بن أخطب وكعب بن الاشرف. وفى غزوة بني المصطلق قتل مالكا وابنه. الفايق، كانت لعلي ضربتان إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط، وقالوا: كانت ضرباته أبكار إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط وإذا أتى حصنا هد، وقالوا: كانت ضرباته مبتكرات لا عونا، يقال ضربة بكر أي قاطعة لاتثنى والعون التي وقعت مختلسة فأحوجت الى المعاودة، ويقال انه كان يوقعها على شدة في الشدة لم يسبقه الى مثلها بطل. زعمت الفرس ان اصول الضرب ستة وكلها مأخوذة عنه وهي علوية وسفلية وغلبة وماله وجاله وجرهام. وفي يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم: وفى غزوة وادي الرمل قتل مبارزيهم. وبخيبر قتل مرحبا وذا الخمار وعنكبوتا. وبالطايف هزم خيل خثعم وقتل شهاب بن عيس ونافع بن غيلان. وقتل مهلعا وجناحا وقت الهجرة. وقتاله لاحداث مكة عند خروج النبي من داره الى المسجد. ومبيته على فراشه ليلة الهجرة وله المقام المشهور في الجمل حتى قطع يد الجمل ثم قطع رجليه حتى سقط. وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة أسقط بكل تكبيرة عدوا، وفي رواية خمسمائة وثلاثة وعشرون رواه الاعثم، وفي رواية سبعمائة ولم يكن لدرعه ظهر ولا لمركوبه كر وفر. وفيما كتب أمير المؤمنين الى عثمان بن حنيف: لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها. وفي الفايق ان عليا حمل على المشركين فما زالوا يبقطون – يعني تعادوا – الى الجيال


[ 356 ]

منهزمين، وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفا منه، وقد نظر إليه رجل وقد شق العسكر فقال: علمت بأن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي، قال الناشي: همام ملك الموت إذا بادر في كد لذاك الموت يقضي حاجة في صورة العبد ولا يبرح حتى يولج المرهف في الغمد ولا يقتل إلا كل ليث باسل نجد ولا يتبع من ولى * من الحر الى العبد وقد سماه رسول الله كرار غير فرار في حديث خيبر، قال الصاحب: قد كان كرارا فسمي غيره * في الوقت فرارا فهل من معدل وقال غيره: نفسي فداء علي من إمام هدى * مجاهدا في سبيل الله كرار وقال ابن الحجاج: أنا ملوى الكرار يوم حنين * والظبى قد تحكمت في النحور أنا مولى لمن به افتتح الاس‍ * سلام حصنى قريضة والنضير والذي علم الارامل في بدر * على المشركين جز الشعور من مضت ليلة الهرير وقتلاه * جزافا يحصون بالتكبير وكان النبي صلى الله عليه وآله يهدد الكفار به عليه السلام، وروى احمد بن حنبل في الفضايل عن شداد بن الهاد قال: لما قدم على رسول الله وفد من اليمن ليسرح فقال رسول الله اللهم لتقيمن الصلاة أو لابعثن اليكم رجلا يقتل المقاتلة ويسبي الذرية، قال: ثم قال رسول الله: اللهم أنا أو هذا، وانتثل بيد علي. تاريخ النسوي، قال عبد الرحمن بن عوف قال النبي لاهل الطايف في خبر: والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أولا بعثن اليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن اعناق مقاتليكم وليسبين ذراريكم، قال: فرأى الناس انه عنى أبا بكر وعمر فأخذ بيد علي بن ابي طالب فقال هذا. صحيح الترمذي وتاريخ الخطيب وفضايل السمعاني انه قال صلى الله عليه وآله يوم الحديبية لسهيل بن عمير: يا معشر قريش لتنتهن أو ليعثن الله عليكم من ضرب رقابكم على الدين الخبر، ولذلك فسر الرضا (ع) قوله (والذين معه أشداء على الكفار) ان عليا منهم. وقال معاوية يوم صفين: اريد منكم والله أن تشجروه بالرماح فتريحوا العباد والبلاد


[ 357 ]

منه، قال مروان: والله لقد ثقلنا عليك يا معاوية إذ كنت تأمرنا بقتل حية الوادي والاسد العادي، ونهض مغضبا فأنشأ الوليد بن عقبة: يقول لنا معاوية بن حرب * أما فيكم لواتر كم طلوب يشد على أبي حسن علي * بأسمر لا تهجنه الكعوب فقلت له أتلعب يابن هند * فانك بيننا رجل غريب أتأمرنا بحية بطن واد * يتاح لنا به أسد مهيب كأن الخلق لما عاينوه * خلال النقع ليس لهم قلوب فقال عمرو: والله ما يعير أحد بفراره من علي بن أبي طالب، ولمانعى بقتل أمير المؤمنين دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشرا فقال: ان الاسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه، فقال معاوية: قل للارانب تربع حيث ما سلكت * وللظباء بلا خوف ولا حذر وقال الصاحب: أسد ولكن الكلاب تعاورته بالنباح لم يعرفوا لضلالهم فضل الزئير على الضباح وقال أبو العلاء السروري: تخاله أسدا يحمي العرين إذا * يوم الهياج بأبطال الوغى وجفا يظله النصر والرعب اللذان هما * كانا له عادة إذ سار أو وقفا شواهد فرضت في الخلق طاعته * برغم كل حسود مال وانحرفا وقد أسر يزيد بن ركانة أشجع العرب وعمرو بن معدي كرب حتى فتح الله به بلاد العجم وقتل بنهاوند، قال السوسي: فتى قد عمروا حين خندقهم عبر * وساق بن معدى بالعمامة إذ أسر وقال مهيار: وتفكروا في اأمر عمرو أولا * وتفكروا في أمر عمرو ثانيا أسدان كانا من فرايس صيده * ولقلما هابا سواه مناديا وقال الناشي: وافى علي وعمرو في وقايعه * حتى إذا ما رآه حار واضطربا واستعمل الصمت حتى لامه عمر * فقال يؤمي إليه وهو قد رعبا


[ 358 ]

هذا أحاديثه من عظمها أكلت * كل الاحاديث حتى انه رهبا هذا الذي ترك الالباب حائره * وأبلس العجم بالاقدام والعربا في كفه كنت مأسورا فأطلقني * فقد غدوت على شكري له جدبا أبو السعادات في فضايل العشرة روى ان عليا (ع) كان يحارب رجلا من المشركين فقال المشرك: يابن أبي طالب هبني سيفك، فرماه إليه فقال المشرك: عجبا يابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك ! فقال: يا هذا انك مددت يد المسألة إلي وليس من الكرم أن يرد السائل، فرمى الكافر نفسه الى الارض وقال: هذه سيرة اهل الدين، فباس قدمه وأسلم. وقال له جبرئيل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وروى الخلق ان يوم بدر لم يكن عند الرسول صلى الله عليه وآله ماء فمر علي يحمل الماء الى وسط العدو وهم على بئر بدر فيما بينهم وجاء الى البئر ونزل وملا السطيحة ووضعها على راس البئر فسمع حسا واشار لمن يقصده فبرك في البئر فلما سكن صعد فرأى الماء مصبوبا ثم نزل ثانيا فكان مثل ذلك فنزل ثالثا وحمل الماء ولم يصعد به بل صعد به حاملا للماء، فلما حمل الى النبي ضحك النبي في وجهه وقال: أنت تحدث أو أنا، فقال: بل انت يا رسول الله فكلامك أحلى، فقص عليه ثم قال له: كان ذلك جبرئيل يجرب ويري الملائكة ثبات قلبك، قال ابن رزيك: ما جردت من علي ذا الفقار يد * إلا وأغمده في هامة البطل لم يقترب يوم حرب للكمي به * إلا وقرب منه مدة الاجل كم كربة لاخيه المصطفى فرجت * به وكان رهين الحارث الجلل محمد بن أبي السرى التميمي عن احمد بن الفرج عن النهدي عن وبرة عن ابن عباس قال: لما خرج النبي الى بني المصطلق نزل بقرب وادي وعر فلما كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل يخبره ان كفارا من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده فدعا أمير المؤمنين وقال: اذهب الى هذا الوادي فلما قارب شفيره أمر أصحابه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من اعدائه وسماه بأحسن اسمائه ثم أمر اصحابه ان يقربوا منه ثم امر بالهبوط الى الوادي فاعترضتهم ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدتها فصاح: انا علي ابن ابي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله وابن عمه اثبتوا ان شئتم، وظهر


[ 359 ]

أشخاص مثل الزط يخيل الينا ان في ايديهم شعل النار وقد اطمأنوا بجنبات الوادي فتوغل أمير المؤمنين بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويؤمي بسيفه يمينا وشمالا فما لبث الاشخاص حتى صارت كالدخان الاسود وكبر أمير المؤمنين ثم صعد فقال: كفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرهم وسيسبقني بقيتهم الى النبي فيؤمنوا به، قال: فلما وافى النبي قال له: لقد سبقك يا علي إلي من أخافه الله بك فأسلم. وهذا كما رويتم عن ابن مسعود قصة ليلة الجن، وتصح محاربة الجن بأسماء الله تعالى. قال أبو الفتح محمد السابوري. وفي الجن فضل وفي حرفهم * أعاجيب علم لمستعلم وقال أبو الحسن البياضى: من قاتل الجن غير حيدرة * وصاح فيهم بصوته الجهور فصوته قد علا غريفهم * إذ قال هات الحسام يا قنبر فانهزموا ثم مزقت شيعا * منه العفاريت خيفة تذعر وقال أبو الحسن الاسود: من قاتل الجن الطغاة فأسلموا * في البئر كرها يا اولي الالباب من هز خيبر هزة فتساقطت * أبراجها لما دحى بالباب محمد بن اسحاق عن يحيى بن عبد الله بن الحارث عن ابيه عن ابن عباس، وابو عمر وعثمان بن احمد عن محمد بن هارون باسناده عن ابن عباس في خبر طويل انه اصاب الناس عطش شديد في الحديبية فقال النبي: هل من رجل يمضى مع السقاة الى بئر ذات العلم فيأتينا بالماء وأضمن له على الله الجنة فذهب جماعة فيهم سلمة بن الاكوع فلما دنوا من الشجرة والبئر سمعوا حسا وحركة شديدة وقرع طبول ورأوا نيرانا تتقد بغير حطب فرجعوا خائفين ثم قال: هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء اضمن له على الله الجنة، فمضى رجل من بنى سليم وهو يرتجز: أمن غريف ظاهر نحو السلم * ينكل من وجهه خير الامم من قبل ان يبلغ آبار العلم * فيستقي والليل مبسوط الظلم ويا من الذم وتوبيخ الكلم فلما وصلوا الى الحس رجعوا وجلين فقال النبي صلى الله عليه وآله: هل من رجل يمضي مع السقاة الى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء اضمن له على الله الجنة فلم يقم احد واشتد بالناس


[ 360 ]

العطش وهم صيام ثم قال لعلي (ع): سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم وتستقي وتعود ان شاء الله، فخرج علي قائلا: اعوذ بالرحمن ان اميلا * من غرف جن اظهروا تأويلا واوقدت نيرانها لعلها تهويلا * وقرعت مع غرفها طبولا قال: فداخلنا الرعب فالتفت علي الينا وقال: اتبعوا اثري ولا يفزعنكم ما ترون وتسمعون فليس بضائركم انشاء الله، ثم مضى فلما دخلنا الشجر فإذا بنيران تضطرم بغير حطب واصوات هائلة ورؤوس مقطعة لها ضجة وهو يقول: اتبعوني ولا خوف عليكم ولا يلتفت احد منكم يمينا ولا شمالا، فلما جاوزنا الشجرة ووردنا الماء أدلى البراء بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا أو دلوين ثم انقطع الدلو فوقع في القليب والقليب ضيق مظلم بعيد القعر فسمعنا من اسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا فقال علي: من يرجع الى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا ؟ فقال اصحابه: لن نستطيع ذلك، فاتزر بميزر ونزل في القليب وما تزداد القهقهة إلا علوا وجعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله فسقط فيه فسمعنا وجبة شديدة واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق ثم نادى: الله اكبر الله اكبر أنا عبد الله واخو رسول الله هلموا قربكم، فأقعمها واصعدها على عتقه شيئا فشيئا ومضى بين ايدينا فلم نرشيئا، فسمعنا صوتا يقول: أي فتى ليل أخى روعات * وأي سباق الى الغايات لله در الغرر السادات * من هاشم الهامات والقامات مثل رسول الله ذى الآيات * أو كعلي كاشف الكربات كذا يكون المرء في الحاجات فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام: الليل هول يرهب المهيبا * ويذهل المشجع اللبيبا فانني اهول منه ذيبا * ولست أخشى الروع والخطوبا إذا هززت الصارم القضيبا * ابصرت منه عجبا عجيبا وانتهى الى النبي وله زجل فقال رسول الله: ماذا رأيت في طريقك يا علي ؟ فأخبره الخبر كله فقال: ان الذي رأيته مثل ضربه الله لي ولمن حضر معي في وجهي هذا، قال علي: اشرحه لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: اما الرؤوس التي رأيتم لها ضجة ” المناقب ج 1، م 45 “


[ 361 ]

ولالسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ولا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، واما النيران بغير حطب فقتنة تكون في امتي بعدي القائم فيها والقاعد سواء لا يقبل الله لهم عملا ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، واما الهاتف الذي هتف بك فذاك سلقعة وهو سلقعة بن غراف الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان الاصنام الذي كان يكلم قريشا منها ويشرع في هجاي. عبد الله بن سالم: ان النبي صلى الله عليه وآله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية فرجع رعبا من القوم ثم بعث عليا (ع) فاستسقى ثم أقبل بها الى النبي فكبر ودعا له بخير. قال العبدي: من قاتل الجن في القليب ترى * من قلع الباب ثم أدحاها من كان في الحرب فارس بطل * أشدهم ساعدا وأقواها وقال أبو الحسين: من قاتل الجن على الماء ومن * ردت له الشمس فصلى وسرى وقال العوني: علي هبط الجب * وجنح الليل كالقار وقال السروجي: والبئر لما عندها محمد * حل وللبئر لهيب قد سعر وأدلى الوارد منها دلوه * فعاد مقطوعا الى حيث انحدر وأظهرت نار فولى هاربا * عنها وفي أعقابه رمى الحجر فعندها وافى وصي أحمد * صلى عليه من عفا ومن غفر ومر فيها نارلا حتى إذا * صار إلى النصف به الحبل انبتر فطال فيها لبثه ثم ارتقى * لسانه القرآن يقرا والسور فاغترف الناس وأسقى وسقى * والماء فيه من دم الجان عكر وهل ثبت مثل ذلك لكرد من الفرس مثل رستم واسفنديار وكشتاسف وبهمن أو لفرسان من العرب مثل عنتر العبسي وعامر بن الطفيل وعمرو بن عبدود أو لمبارز من الترك مثل افراسياب وشبهه فهو الفارس الذي يفرق العسكر كفرق الشعر ويطويهم كطي السجل الحرب دأبه والجد آدابه والنصر طبعه والعدو غنمه جري خطار وجسور هصار ما لسيفه إلا الرقاب قراب انه لو حضر لكفى الحذر ويقال له غالب كل


[ 362 ]

غالب علي بن أبي طالب. وقد رويتم علي كان أشجعه * وأشجع الجمع بالاعداء أثقفه وقال السروجي: فقلت أما علي آية خلقت * والله أظهرها للناس في رجل مخيفة بعلي ثم ألحقها * بذي الفقار وفيه قبضة الاجل ما سله ورحاء الحرب دائرة * إلا وأغمده في هامة البطل ما صالح في الجيش صوتا ثم اتبعه * أنا علي تولى الجيش من جفل وقال الزاهي: هذا الذي أردى الوليد وعتبة * والعامري وذا الخمار ومرحبا هذا الذي هشمت يداه فوارسا * قسرا ولم يك خائفا مترقبا في كل منبت شعرة من جسمه * أسد يمد الى الفريسة مخلبا وقال دعبل: سنان محمد في كل حرب * إذا نهلت صدور السمهري وأول من يجيب الى براز * إذا زاغ الكمي عن الكمي مشاهد لم تفل سيوف تيم * بهن ولا سيوف بني عدي وقال ابن حماد: ذاك الفتى النجد الذي إذا بدا * بمعرك ألقت له فتيانه ليث لو الليث الجري خاله * أطار من هيبته جنانه ذاك الشجاع إذ بدا بمعرك * تفرقت من خوفه شجعانه تبكي الطلا ان ضحكت أسيافه * ويرتوي ان عطشت سنانه صقر ولكن صيده صيد الوغى * ليث ولكن فرسه فرسانه ترى سباع البيد تقفوا اثره * لانها يوم الوغى ضيفانه يقرن أرواح الكماة بالردى * كذاك خاضت دونه أقرانه وكم كمي قد سقاه في الوغى * وليس تخبو للقرى نيرانه ومن قوله: مجلي الكرب يوم الحرب * في بدر وفي احد إذا الهيجاء هاج لها * بقلب غير مرتعد


[ 363 ]

ترى الابطال باطلة * لخوف الفارس الاسد فأنفسهم مودعة * لها بتنفس الصعد وقد خنقوا لخيفة * فلست تحس من احد فلا صوت بغير البيض * فوق البيض والزرد سقى عمروا منيته * وعمروا قاد في الصفد أمير النحل مولى ال‍ * خلق غير الواحد الصمد فلن تلد النسا شبها * له كلا ولم تلد شبيه المصطفى في الفضل * لم ينقص ولم يزد وقالت جرهمة الانصارية: صهر النبي فذاك الله أكرمه * إذا اصطفاه وذاك الصبر مدخر لا يسلم القرن منه ان ألم به * ولا يهاب وان أعداؤه كثروا من رام صولته وافت منيته * لا يدفع الثكل عن اقرانه الحذر فصل: في المسابقة بالزهد والقناعة المعروفون من الصحابة بالورع: علي وأبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو ذر وسلمان وعمار والمقداد وعثمان بن مظعون وابن عمر، ومعلوم ان أبا بكر ثوفي وعليه لبيت مال المسلمين نيف وأربعون الف درهم وعمر مات وعليه نيف وثمانون الف درهم وعثمان مات وعليه مالا يحصى كثرة وعلي مات وما ترك إلا سبعمائة درهم فضلا عن عطائه أعدها الخادم. قال السوسي: من فارق الدنيا وما * أفاد منهما درهما ولم يكن كغيره * مستأكلا متهما وقد ثبت من زهده انه لم يحفل بالدنيا ولا الرياسة فيها دون أن عكف على غسل رسول الله وتجهيزه وقول اولئك منا أمير ومنكم أمير الى أن تقمصها أبو بكر، وقال الله تعالى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال تعالى (للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا) الآية، واجتمعت الامة على انه من فقراء المهاجرين، وأجمعوا على أن أبا بكر كان غنيا، وكان (ع) جلي الصفحة نقي الصحيفة ناصع الجيب تقي الذيل عذب المشرب عفيف المطلب لم يتدنس بحطام ولم يتلبس بآثام وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله بزهده قوله:


[ 364 ]

علي لا يزره من الدنيا ولا تزرء الدنيا منه. أمالي الطوسي في حديث عمار: يا علي ان الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب الى الله منها زينك بالزهد في الدنيا وجعلت لا تزره منها شيئا ولا تزرء منك شيئا ووهبك حب المساكين فجعلت ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما. اللؤليات، قال عمر بن عبد العزيز: ما علمنا أحدا كان في هذه الامة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله. قوت القلوب، قال ابن عيينة: أزهد الصحابة علي بن أبي طالب. سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا) هو علقمة بن الحارث بن عبدالدار، (وأما من خاف مقام ربه) علي بن أبي طالب خاف فانتهى عن المعصية ونهى عن الهوى نفسه فان الجنة هي المأوى خاصا لعلي ومن كان على منهاجه هكذا عاما. قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله (ان للمتقين مفازا) هو علي بن أبي طالب سيد من اتقاه عن ارتكاب الفواحش ثم ساق التفسير الى قوله (جزاء من ربك) لاهل بيتك خاصا لهم وللمتقين عاما. تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عباس (ان المتقين في ظلال وعيون) من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين في ظلال من الشجر والخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ، ثم ساق الحديث الى قوله (إنا كذلك نجزي المحسنين) المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة، وجاء في تفسير قوله تعالى (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) علي بن أبي طالب. الحليلة، قال سالم بن الجعد: رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين، وفيها عن الشعبي قال: كان أمير المؤمنين (ع) ينضحه ويصلي فيه. وروى أبو عبد الله بن حمويه البصري باسناده عن سالم الجحدري قال: شهدت علي بن أبي طالب اتي بمال عند المساء فقال: اقتسموا هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره الى غد، فقال لهم: تضمنون لي أن أعيش الى غد ؟ قالوا: ماذا بأيدينا، فقال: لا تؤخروه حتى تقسموه. ويروى انه كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها أزارا وما يحتاج إليه ثم يقسم كل ما في بيت المال على الناس ثم يصلى فيه ويقول: الحمد


[ 365 ]

لله الذي أخرجني منه كما دخلته. وروى أبو جعفر الطوسي ان أمير المؤمنين قيل له: اعط هذه الاموال لمن يخاف عليه من الناس وفراره الى معاوية فقال (ع): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور لا والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف وإنما هي اموالهم. واتي إليه بمال فكوم كومة من ذهب وكومة من فضلة وقال: يا صفراء اصفري يا بيضاء ابيضي وغري غيري هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده الى فيه قال العبدي: وكان يقول يا دنياي غري * سواي فلست من اهل الغرور وله ايضا: لم تستمل قلبه الدنيا بزخرفها * بل قال غري سواي قول محتقر الباقر (ع) في خبر: ولقد ولى خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعا والا أورث بيضا ولا حمرا. ابن بطة عن سفيان الثوري ان عينا نبعت في بعض ماله فبشر بذلك فقال (ع): بشر الوارث، وسماها عين ينبع. قال ابن حماد: لقد نبعت له عين فظلت * تفور كأنها عنق البعير فوافاه البشير بها مغذا * فقال علي ابشر يا بشيري فقد صيرتها وقفا مباحا * لوجه الله ذي العز القدير الفايق عن الزمخشري ان عليا اشترى قميصا فقطع ما فضل عن اصابعه ثم قال للرجل: حصه، أي خط كفافه. خصال الكمال عن أبي الحسن البلخي انه اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي فتخرق قميصه فأخذه بيده ثم جاء به الى الخياطين فقال: خيطوا لي ذا بارك الله فيكم الاشعث العبدي قال: رأيت عليا في الفرات يوم جمعة ثم ابتاع قميصا كرابيش بثلاثة دراهم فصلى بالناس الجمعة وما خيط جريانه بعد. عن شبيكة قال: رأيت عليا يأتزر فوق سترته ويرفع ازاره الى انصاف ساقيه. الصادق (ع): كان علي (ع) يلبس القميص الزابي ثم يمد يده فيقطع مع اطراف


[ 366 ]

اصابعه. وفى حديث عبد الله بن الهذيل: كان إذا مده بلغ الظفر وإذا أرسله كان مع نصف الذراع. علي بن ربيعة: رأيت عليا يأتزر فرأيت عليه ثيابا فقلت له في ذلك فقال: وأي ثوب أستر منه للعورة وأنشف للعرق. وفى فضايل أحمد: رؤي على علي (ع) أزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم ورؤي عليه أزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال: يقتدي به المؤمنون ويخشع له القلب وتذل به النفس ويقصد به المبالغ، وفى رواية: أشبة بشعار الصالحين، وفى رواية: احصن لفرجي، وفي رواية: هذا أبعد لي من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم. مسند أحمد، انه قال الجعدي بن نعجة الخارجي: اتق الله يا علي انك ميت، قال بل والله قتلا ضربة على هذا قضاء مقضيا وعهدا معهودا وقد خاب من افترى. وكان كمه لا يجاوز أصابعه ويقول: ليس للكمين على اليدين فضل. ونظر (ع) الى فقير انخرق كم ثوبه فخرق كم قميصه والقاه إليه. أمير المؤمنين: ما كان لنا إلا اهاب كبش أبيت مع فاطمة بالليل ويعلف عليها الناضخ. مسند الموصلي، الشعبي عن الحارث عن علي قال: ما كان ليلة اهدت لي فاطمة شئ ينام عليه إلا جلد كبش، واشترى (ع) ثوبا فأعجبه فتصدق به. الغزالي في الاحياء: كان علي بن ابي طالب يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه ولا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره. ورأى عقيل بن عبد الرحمن الخولاني عليا جالسا على بردعة حمار مبتلة فقال لاهله في ذلك فقالت: لا تلومني فو الله ما يرى شيئا ينكره إلا اخذه وطرحه في بيت المال. فضايل احمد، قال زيد بن محجن قال علي: من يشتري سيفي هذا فوالله لو كان عندي ثمن أزار ما بعته. الاصبغ وابو مسعدة والباقر (ع): انه أنى البزازين فقال لرجل: يعني ثوبين فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه مضى عنه فوقف على غلام فأخذ ثوبين احدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين فقال: يا قنبر خذ الذى بثلاثة، فقال: أنت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس، قال: أنت شابو لك شره الشباب وأنا استحي من ربي أن أتفضل عليك سمعت رسول الله يقول البسوهم مما تلبسون واطعموهم مما تأكلون، فلما لبس القميص مدكم القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء


[ 367 ]

فقال الغلام: هلم اكفه، قال: دعه كما هو فان الامر أسرع من ذلك فجاء أبو الغلام فقال: ان ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما، فقال: ما كنت لافعل قد ما كست وما كسني واتفقنا على رضى، رواه احمد في الفضايل. قال أبو أيوب المورياني: ينشر ديباجا على صحبه * وهم إذا ما نشروا كربسوا علي بن ابي عمران قال: خرج ابن للحسن بن علي عليهما السلام وعلي في الرحبة وعليه قميص خز وطوق من ذهب فقال ابني هذا قالوا نعم قال فدعاه فشقه عليه واخذ الطوق منه فجعله قطعا قطعا. عمرو بن نعجة السكوني قال: اتي علي (ع) بدابة دهقان ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما وضع يده على القربوس زلت يده من الصفة فقال أديباج هي ؟ قال نعم، فلم يركب. الاحياء عن الغزالي انه كان له سويق في اناء مختوم يشرب منه فقيل له أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه فقال: أما اني لااختمه بخلابه ولكني أكره أن يجعل فيه ما ليس منه واكره ان يدخل بطني غير طيب. معاوية بن عمار عن الصادق (ع) قال: كان علي (ع) لا يأكل مما هنا حتى يؤتى به من ثم – يعنى الحجاز -. الاصبغ بن نباتة قال علي: دخلت بلادكم بأشمالي هذه ورحلتي وراحلتي هاهي فان انا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فانني من الخائنين، وفى رواية: يا اهل البصرة ما تنقمون منى ان هذا لمن غزل اهلي، واشار الى قميصه. ورآه سويد بن غفلة وهو يأكل رغيفا يكسر بركبتيه ويلقيه في لبن خازر يجد ريحه من حموضته فقلت: ويحك يا فضه أما تتقون الله تعالى في الشيخ فتخلون له طعاما لما أرى فيه من النخال، فقال أمير المؤمنين: بأبي وامي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر حتى قبضه الله. وقال لعقبة بن علقمة: يا ابا الجنوب ادركت رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا فان أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به. وترصد غداه عمرو بن حريث فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبزا متغيرا خشنا فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته قالت كنت افعل فهاني وكنت اضع في جرابه طعاما طيبا فختم جرابه. ثم ان أمير المؤمنين فته في قصعة وصب عليه


[ 368 ]

الماء ثم ذر عليه الملح وحسر عن ذراعه فلما فرغ قال: يا عمرو لقد حانت هذه، ومد يده الى محاسنه، وخسرت هذه ان ادخلها النار من اجل الطعام وهذا يخزبنى. ورآه عدي بن حاتم وبين يديه شنة فيها قراح ماء وكسرات من خبز شعير وملح فقال اني لا ارى لك يا أمير المؤمنين لتظل نهارك طاويا مجاهدا وبالليل ساهرا مكايدا ثم يكون هذا فطورك ! فقال (ع): علل النفس بالقنوع وإلا طلبت منك فوق ما يكفيها وقال سويد بن غفلة: دخلت عليه يوم عيد فإذا عنده فاثور عليه خبز السمراء وصحفة فيها خطيفة وملبنة فقلت يا أمير المؤمنين يوم عيد وخطيفة ! فقال: إنما هذا عيد من غفر له. ابن بطة في الابانة عن جندب ان عليا قدم إليه لحم غث فقيل له: نجعل لك فيه سمنا ؟ فقال (ع) انا لا نأكل ادمين جميعا. واجتمع عنده في يوم عيد اطعمة فقال: أجعلها بأجا، وخلط بعضها ببعض فصارت كلمته مثلا. العرني: وضع خوان من فالوذج بين يديه فوجأ باصبعه حتى بلغ اسفله ثم سلها ولم يأخذ منه شيئا وتلمظ باصبعه وقال: طيب طيب وما هو بحرام ولكن أكره ان اعود نفسي بما لم اعودها. وفى خبر عن الصادق (ع) انه مد يده إليه ثم قبضها فقيل له في ذلك فقال ذكرت رسول الله انه لم يأكله قط فكرهت ان آكله. وفى خبر آخر عن الصادق انه قالوا له: تحرمه ؟ قال لا ولكن اخشى ان تتوق إليه نفسي ثم تلا أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. الباقر في خبر كان (ع) ليطعم خبز البر واللحم وينصرف الى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل. فضايل احمد، قال علي ما اصبح بالكوفة احد إلا ناعما ان ادناهم منزلة ليأكل البرو يجلس في الظل ويشرب من ماء الفرات. قال الحميري: وكان طعامه خبزا وزيتا * ويؤثر باللحوم الطارقينا وقال الشريف المرتضى وإذا الامور تشابهت وتبهمت * فجلاؤها وشفاؤها احكامه وإذا التفت الى التقى صادفته * من كل بر وافر اقسامه ” مناقب ج 1، م 46 “


[ 369 ]

فالليل فيه قيامه متهجدا * يتلو الكتاب وفي النهار صيامه يعفى الثلاث تعففا وتكرما * حتى يصادف زاده ومقامه فمضى بريئا تشنه ذنوبه * يوما ولا ظفرت به آثامه وقال الحيص بيص: صدوق عن الزاد الشهي فؤاده * رغيب الى زاد التقى والفضايل جري الى قول الصواب لسانه * إذا ما الفتاوى افحمت بالمسائل اعيدت له الشمس الاصيل جلالة * وقد حال ثوب الصبح في ارض بابل أبو صادق عن علي (ع) انه تزوج لبلى ؟ فجعلت له حجلة فهتكها وقال: حسب آل علي ما هم فيه. الحسن بن صالح بن حي قال: بلغني ان عليا تزوج امرأة فنجدت له بيتا فابى ان يدخله كلاب بن علي العامري قال: زفت عمتي الى علي على حمار باكاف تحتها قطيفة وخلفها قفة معلقة. ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات) الآية نزلت في علي وأبي ذر وسلمان والمقداد وعثمان بن مظعون وسالم انهم اتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء والطيب ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الارض وهم بعضهم أن يجب مذاكيره فخطب النبي صلى الله عليه وآله وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما اني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فانه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة امتي ورهبانيتهم الجهاد، الى آخر الخبر أبو عبد الله (ع): نزلت في علي وبلال وعثمان بم مظعون، فاما علي فانه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، واما بلال فانه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا واما عثمان بن مظعون فانه حلف أن لا ينكح أبدا. وقال مهيار: كلا ولا أغنته عفة نفسه * عن جاعل يرضى سواه حاضر ولقاؤه شهواته ببصيرة * معصومة عنها بذيل طاهر وفيما كتب (ع) الى سهل بن حنيف أما علمت ان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطبرته ويسد فاقة جوعه بقرصيه ولا يأكل الفلذة في حوليه إلا في سنة أضحيته يستشرق الافطار على ادميه ولقد آثر اليتيمة على سبطيه ولم تقدروا على ذلك فأعينوني بورع واجتهاد والله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنايمها وفرا ولا اعددت


[ 370 ]

لبالي ثوبي طمرا ولاخرت من اقطارها شبرا وما اقتات منها إلا كقوت أتان دبرة ولهى في عيني أهون من عصفة ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها فقال قائل: القها فذوالاتن لا ترضى لبراذعها فقلت اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى. قال ابن رزيك: هو الزاهد الموفى على كل زاهد * فما قطع الايام بالشهوات بايثاره بالقوت يطوى على الطوى * إذا أمه المسكين في الازمات تقرب للرحمن إذ كان راكعا * بخاتمه في جملة القربات تاريخ الطبري والبلاذري، ان العباس قال لعلي (ع): ما قدمتك الى شئ إلا ما خرت عنه أشرت عليك عنده وفاة رسول الله تسأله في من هذا الامر فأبيت وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الامر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى لا تدخل معهم فأبيت فما الحيلة. دخل ابن عباس على أمير المؤمنين وقال: ان الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا منك وهو يخصف نعلا قال: أما والله إنها لاحب إلي من إمرتكم هذه إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا وكتب (ع) الى ابن عباس: أما بعد فلا يكن حظلك في ولايتك ما لا تستفيده ولا غيظا تشتفيه ولكن اماتة باطل واحياء حق. وقال (ع): يادنيا يادنيا أبي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، وله عليه السلام: طلق الدنيا ثلاثا * واتخذزوجا سواها انها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها وقال الصاحب: من كمولانا علي زاهد * طلق الدنيا ثلاثا ووفى وقال ابن رزيك: ذاك الذي طلق الدنيا لعمري عن * زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن وأوضح المشكلات الخافيات وقد * دقت عن الفكر واعتاضت على الفطن حمل أنساب الاشراف ان أمير المؤمنين مر على قدر بمزبلة وقال هذا ما بخل به الباخلون، ويروى ان أمير المؤمنين (ع) كان في بعض حيطان فدك وفي يده مسحاة فهجمت عليه امرأة من أجمل النساء فقالت: يابن أبي طالب أن تزوجتني أغنيك عن هذه المسحاة وأدلك على خزائن الارض ويكون لك الملك ما بيقيت، قال لها: فمن أنت


[ 371 ]

حتى أخطبك من أهلك ؟ قالت: أنا الدنيا، فقال (ع): ارجعي فاطلبي زوجا غيري فلست من شأني، وأقبل على مسحاته وأنشأ: لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي أن غرت قرونا بباطل أتتنا على زي العروس بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمايل فقلت لها غري سواي فانني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل وما أنا والدنيا وان محمدا * رهين بقفر بين تلك الجنادل وهبها أتتني بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبايل أليس جميعا للفناء مصيرنا * ويطلب من خزانها بالطوايل فغري سواي انني غير راغب * لما فيك من عز وملك ونايل وقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا وأهل الغوايل فاني أخاف الله يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زايل الباقر (ع): انه ما ورد عليه أمران كلاهما رضى الله إلا أخذ بأشدهما على بدنه. وقال معاوية لصرار بن ضمرة: صف لي عليا، قال: كان والله صواما بالنهار قواما بالليل يحب من اللباس أخشنه ومن الطعام أجشبه وكان يجلس فينا ويبتدي إذا سكتنا ويجيب إذا سألنا يقسم بالسوية وبعدل في الرعية لا يخاف الضعيف من جوره ولا يطمع القوي في ميله والله لقد رأيته ليلة من الليالي وقد أسبل الظلام سدوله وغارت نجومه وهو يتململ في المحراب تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ولقد رأيته مسيلا للدموع على خده قابضا على لحيته يخاطب دنياه فيقوليا دنيا أبي تشوقت ولي تعرضت لا حان حينك فقد أنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعيشك قصير وخطرك يسير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. ابن بطة في الابانة، وأبو بكر بن عياش في الامالي عن أبي داود عن السبيعي عن عمران بن حصين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وعلي الى جنبه إذ قرأ النبي هذه الآية (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض) قال: فارتعد علي فضرب النبي على كتفيه وقال: مالك يا علي ؟ قال: قرأت يا رسول الله هذه الآية فخشيت ان أبتلي بها فأصابني ما رايت، فقال رسول الله: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق الى يوم القيامة. قال الحميري: وانك قد ذكرت لدى مليك * يذل لعزه المتجبرونا فخر لوجهه صعقا وأبدى * لرب الناس رهبة راهبينا


[ 372 ]

وقال لقد ذكرت لدى إلهي * فأبدي ذلة المتواضعينا وقال حسان بن ثابت: جزى الله خيرا والجزاء بكفه * أبا حسن عنا ؟ ومن كأبي حسن سبقت قريشا بالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقلبك ممتحن فصل: في المسابقة بالسخاء والتفقة في سبيل الله الاصبغ عن علي (ع) في قوله (وعباد الرحمن) قال: فينا نزلت هذه الآية. أبو الجارود: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله (والذينهم من خشية ربهم مشفقون) الى قوله (راجعون). الصادق: كان أمير المؤمنين يحطب ويستسقي ويكنس وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز. الابانة عن ابن بطة والفضايل عن أحمد انه اشترى (ع) تمرا بالكوفة فحمله في طرف ردائه فتبادر الناس الى حمله وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال (ع): رب العيال أحق بحمله. قوت القلوب عن أبي طالب المكي: ان علي يحمل الثمر والماح بيده ويقول: لا ينقص الكامل من كماله * ما جر من نفع الى عياله زيد بن علي: انه كان يمشي في خمسة حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى يوم الفطر والنحر ويوم الجمعة وعند العيادة وتشييع الجنازة ويقول: انها مواضع الله وأحب أن أكون فيها حافيا. زادان: انه كان (ع) يمشي في الاسواق وحده وهو ذاك يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ (تلك الدار الآخرة نجعلها) الصادق (ع): خرج أمير المؤمنين على أصحابه وهو راكب فمشوا معه فالتفت إليهم فقال: ألكم حاجة ؟ قالوا: لا ولكنا نحب أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا وارجعوا النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكي. وترحل دهاقين الانبار له وأسندوا بين يديه فقال: ما هذا الذي صنعتموه ؟ قالوا: خلق منا نعظم به امراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا امراؤكم وانكم لتشقون به على أنفسكم وتشقون به في آخرتكم وما أخسر المشقة وراءها العقاب وما اربح الراحة معها الامان من النار.


[ 373 ]

أبو عبد الله (ع): افتخر رجلان عند أمير المؤمنين (ع) فقال: أتفتخران بأجساد بالية وأرواح في النار ان لم يكن له عقل فان لك خلفا وان لم يكن له تقوى فان لك كرما وإلا فالحمار خير منكما ولست بخير من أحد. الحسن العسكري (ع) في خبر طويل ان رجلا وابنه وردا عليه فقام اليهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم أخذ الابريق ليصب على يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب فقال: يا أمير المؤمنين كيف الله يراني وأنت تصب على يدي، قال اقعد واغسل فان الله يراني أخاك الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عنك ويزيد بذاك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها، فقعد الرجل وغسل يده فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ولكن الله يأبي أن يسوي بين ابن وأبيه إذا جمعهما قد صب الاب على الاب فليصب الابن على الابن. حلية الاولياء ونزهة الابصار انه مضى علي (ع) في حكومة الى شريح مع يهودي فقال: يا يهودي الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: الدرع لي وفي يدي، فسأله شريح البينة فقال: هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك، فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز لابيه وشهادة العبد لا تجوز لسيده وانهما يجران اليك، فقال أمير المؤمنين: ويلك يا شريح أخطأت من وجوه أما واحدة فأنا إمامك تدين الله بطاعتي وتعلم اني لا أقول باطلا فرددت قولي وأبطلت دعواي ثم سألتني البينة فشهد عبدي وأحد سيدي شباب اهل الجنة فرددت شهادتهما ثم ادعيت عليهما انهما يجران الى أنفسهما أما اني لا أرى عقوبتك إلا ان تقضي بين اليهود ثلاثة ايام اخرجوه، فأخرجه قبافقضى بين اليهود ثلاثا ثم انصرف، فلما سمع اليهودي ذلك قال: هذا أمير المؤمنين جاء الى الحاكم والحاكم حكم عليه، فأسلم ثم قال: الدرع درعك سقط يوم صفين من جمل أورق فأخذته. وفي الاحكام الشرعية عن الخزاز القمي ان عليا كان في مسجد الكوفة فمر به عبد الله بن قفل التيمي ومعه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقال (ع): هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة، فقال ابن قفل: يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبينك قاضيا فحكم شريحا فقال علي: هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم الصرة فالتمس شريحا البينة فشهد الحسن بن علي بذلك فسأل آخر فشهد قنبر بذلك فقال هذا مملوك ولا أقضي بشهادة المملوك، فغضب على ثم قال: خذوا الدرع فقد قضى بجور ثلاث


[ 374 ]

مرات فسأله عن ذلك فقال (ع): اني لما قلت لك انها درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقلت هات على ما قلت بينة فقلت رجل لم يسمع الحديث وقد قال رسول الله حيث ما وجد غلولا أخذ بغير بينة ثم اتيتك بالحسن فشهد فقلت هذا شاهد ولا اقضي بشاهد حتى يكون معه آخر وقد قضى رسول الله بشاهد ويمين فهذان اثنتان ثم اتيتك بقنبر فقلت هذا مملوك ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا فهذه الثالثة، ثم قال: يا شريح ان إمام المسلمين يؤتمن في امورهم على ما هو اعظم من هذا. الباقر (ع) في خبر انه رجع علي الى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول ان زوجي ظلمني وأخافني وتعدى علي وحلف ليضربني، فقال (ع): يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك انشاء الله، فقالت: يشتد غضبه وحرده علي فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع أين منزلك فمضى الى بابه فوقف على بابه فقال السلام عليكم، فخرج شاب فقال علي: يا عبداله اتق الله فانك قد أخفتها واخرجتها، فقال الفتى: وما أنت وذاك والله لاحرقنها لكلامك فقال أمير المؤمنين: آمرك بالمعروف وانهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف، قال فأقبل الناس من الطرق ويقولون سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط الرجل في يديه فقال: يا أمير المؤمنين أقلني عثرتي فو الله لاكونن لها ارضا تطأني، فأغمد علي سيفه وقال: يا أمة الله ادخلي منزلك ولا نلجئي زوجك الى مثل هذا وشبهه وروى الفنجكردي في سلوة الشيعة له (ع): ودع التجبر والتكبر يا اخي * ان التكبر للعيد وبيل واجعل فؤادك للتواضع منزلا * ان التواضع بالشريف جميل فصل: في المسابقة بالعدل والامانة عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عطاء عن ابن مسعود في قوله (إنا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم أحسن عملا) قال زينة الارض الرجال وزنية الرجال علي بن ابي طالب. حمزة بن عطاء عن ابي جعفر (ع) في قوله (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل) قال: هو علي بن ابي طالب يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. وروى نحوا منه ابوالمضا عن الرضا. فضايل احمد بن حنبل قال علي: احاج الناس يوم القيامة بتسع، باقام الصلاة


[ 375 ]

وايتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل في الرعية والقسم بالسوية والجهاد في سبيل الله واقامة الحدود وأشباهه. الفايق، انه بعث العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل بن عباس و عبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات فقال علي: والله لا يستعمل منكم أحد على الصدقة، فقال له ربيعة ؟: هذه امرك نلت صهر رسول الله فلم نحسدك عليه، فألقي علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال: أنا أبو الحسن القوم والله لا أريم حتى يرجع اليكما ابنا كما بحور ما بعثتما به، قال صلى الله عليه وآله: ان هذه الصدقة أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، قال الزمخشري: الحور الخيبة. نزل بالحسن بن علي ضيف فاستقرض من قنبر رطلا من العسل الذي جاء من اليمن فلما قعد علي ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث، قال: صدق فوك، وأخبره الخبر فهم بضرب الحسن وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة قال: ان لنافيه حقا فإذا رددناه، قال: فذاك أبوك وان كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم لو لا اني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لاوجعنك ضربا، ثم دفع الى قنبر درهما وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه. قال الرازي: فكأني أنظر الى يدي علي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده ويقول: اللهم اغفرها للحسن فانه لا يعرف. التهذيب، قال علي بن أبي رافع: وكان علي مال أمير المؤمنين أخذت مني ابنته عقد لؤلؤ عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة ايام في ايام الاضحى فرآه عليها فعرفه وقال لي أتخون المسلمين فقصصت عليه وقلت قد ضمنته من مالي فقال رده من يومك هذا وإياك أن تعوذ لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثم قال لو كانت ابنتي اخذت هذا العقد على غير عارية مضمونة لكانت إذا اول هاشمية قطعت يدها على سرقة، فقالت ابنته في ذلك مقالا فقال: يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبن بنفسك عن الحق أكل نساء المهاجرين يتزين في هذا العيد بمثل هذا. فضايل أحمد، ام كلثوم يا ابا صالح لو رأيت أمير المؤمنين واتي باترج فذهب الحسن والحسين عليهما السلام يتناول اترجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس. ان رجلا من خثعم رأى الحسن والحسين علهيما السلام يأكلان خبزا وبقلا وخلا فقال لهما أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها، فقالا: ما أغفلك عن أمير المؤمنين. عن زاذان ان قنبرا قدم الى أمير المؤمنين جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال


[ 376 ]

انك لا تترك شيئا إلا قسمته فخبأت لك هذا، فسل سيفه وقال: ويحك لقد احببت ان تدخل بيتي نارا، ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين اناء مقطوع بضعة وثلاثين وقال علي بالعرفاء فجاؤا فقال هذا بالحصص وهو يقول: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده الى فيه جمل أنساب الاشراف، انه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفأها فقال: ما هذه ؟ قالت الخادمة: هذه من قطف الصدقة، قال: اصردتمونا بقية ليلتنا. وقدم عليه عقيل فقال للحسن: اكس عمك، فكساه قميصا من قميصه ورداء من أرديته، فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح فقال عقيل ليس ما ارى فقال أو ليس هذا من نعمة الله فله الحمد كثيرا فقال اعطني ما اقضي به ديني وعجل سراحي حتى ارحل عنك، قال فكم دينك يا ابا يزيد ؟ قال مائة الف درهم، قال والله ما هي عندي ولا املكها ولكن اصبر حتى يخرج عطاي فأواسيكه ولو لا انه لابد للعيال من شئ لاعطيتك كله، فقال عقيل: بيت المال في يدك وانت تسوفني الى عطائك وكم عطاؤك وما عسى يكون وله اعطيتنيه كله، فقال: ما انا وانت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين وكانا يتكلمان فوق قصر الامارة مشرفين على صناديق اهل السوق فقال له علي (ع) ان أبيت يا ابا يزيد ما اقول فانزل الى بعض هذه الصناديق فاكسر اقفاله وخذ ما فيه، فقال وما في هذه الصناديق ؟ قال فيها اموال التجار، قال أتأمرني ان اكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها اموالهم، فقال أمير المؤمنين أتأمرني ان افتح بيت المال المسلمين فأعطيك اموالهم وقد توكلوا على الله واقفلوا عليها وان شئت اخذت سيفك واخذت سيفي وخرجنا جميعا الى الحيرة فان بها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله، فقال أو سارق جئت ! قال تسرق من واحد خير من ان تسرق من المسلمين جميعا، قال له أفتأذن لي ان اخرج الى معاوية فقال له قد أذنت لك، قال فأعني على سفري هذا، قال يا حسن اعط عمك اربعمائة درهم فخرج عقيل وهو يقول: سيغنيني الذي اغناك عني * ويقضي ديننا رب قريب وذكر عمرو بن العاص ان عقيلا لما سأل عطاه من بيت المال قال له أمير المؤمنين تقيم الى يوم الجمعة، فأقام فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل: ما تقول فيمن خان هؤلاء اجمعين ؟ قال بئس الرجل ذاك، قال فأنت تأمرني ان اخون هؤلاء واعطيك ومن خطبة له (ع): ولقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا المناقب ج 1، م 47


[ 377 ]

وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه وكاد يطوي ثالث ايامه خامصا ما استطاعه ولقد رأيت اطفاله شعث الالوان من صرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قترهم فلما عاودني في قوله وكره اصغيت إليه سمعي فغره وظنني أرثغ ديني واتبع ما أسره ؟ أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسها ولا يصير ثم ادنيتها من جسمه فضجع من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه وكاد يسبني سفها من كظيمه ولحرمة في لظى ادني له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من أذى ولا أئن من لظى وعن ام عثمان ام ولد علي قالت: جئت عليا وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة، فقال: هاك ذا – ونفذ بيده إلي درهما – فانما هذا للمسلمين اولا فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة. وسأله عبد الله بن زمعة ما لا فقال: ان هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو للمسلمين وجلب اسيافهم فان شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم وإلا فجناة ايديهم لا تكون لغير افواههم. وجاء إليه عاصم بن ميثم وهو يقسم مالا فقال: يا أمير المؤمنين اني شيخ كبير مثقل، قال والله ما هو بكد يدي ولا بترائي عن والدي ولكنها امانة اوعيتها قال رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا. تاريخ الطبري وفضايل أمير المؤمنين عن ابن مردويه انه لما اقبل من اليمن تعجل الى النبي واستخلف على جنده الذين معه رجلا من اصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنى جيشه خرج علي ليتلقاهم فإذا هم عليهم الحلل فقال ويلك ما هذا ؟ قال كسوتهم ليتجملوا إذا قدموا في الناس قال ويلك من قبل ان ينتهي الى رسول الله، قال فانتزع الحلل من الناس وردها في البز واظهر الجيش شكاية لما صنع بهم. ثم روى عن الخدري انه قال: شكا الناس عليا فقام رسول اله خطيبا فقال: ايها الناس لا تشكو عليا فو الله انه لخشن في ذات الله. وسمعت مذاكرة انه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال فطفئ السراج وجلس في ضوء القمر ولم يستحل ان يجلس في الضوء من غير استحقاق. ومن كلام له فيما رده على المسلمين من قطايع عثمان والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه الضيق.


[ 378 ]

ومن كلام له لما اراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان دعوني والتمسوا غيري فانا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا يقوم لها القلوب ولا يثبت عليه العقول وان الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم ولم اصنع الى قول القائل وعتب العاتب. وفي رواية عن ابي الهيثم بن التيهان و عبد الله بن ابي رافع ان طلحة والزبير جاءا الى أمير المؤمنين وقالا ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال فما كان يعطيكما رسول الله فسكتا، قال اليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين ؟ قالا نعم، قال فسنة رسول الله أولى بالاتباع عندكم أم سنة عمر ؟ قالا سنة رسول الله يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، قال سابقتكما اقرب ام سابقتي ؟ قالا سابقتك، قال فقر ابتكما ام قرابتي ؟ قالا قرابتك، قال فعناؤكما اعظم من عناى ؟ قالا عناؤك، قال فو الله ما انا واجيري هذا إلا بمنزلة واحدة، واومى بيده الى الاجير. كتاب ابن الحاشر باسناده الى مالك بن اوس بن الحدثان في خبر طويل انه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال يا أمير المؤمنين قد اعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما اعطى سهل بن حنيف. وسأله (ع) بعض مواليه مالا فقال: يخرج عطاي فاقاسمكم، فقال لا اكتفي وخرج الى معاوية فوصله فكتب الى أمير المؤمنين يخبره بما اصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين: اما بعد فان ما في يدك من المال قد كان له اهل قبلك وهو صائر الى اهل من بعدك فانما لك ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على احوج ولدك فانما انت جامع لاحد رجلين اما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت واما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين احد باهل ان نؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقى برزق الله. حكيم بن اوس: كان علي يبعث الينا بزقاق العسل فيقسم فينا ثم امر ان يلعقوه واتي إليه بأحمال فاكهة فأمر ببيعها وان يطرح ثمنها في بيت المال. سعيد بن المسيب: رأيت عليا بنى للضوال مربدا فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال فمن اقام عليها بينة اخذه وإلا اقرها على حالها. عاصم بن ميثم: انه اهدي الى علي سلال خبيص له خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه ثم جلسوا حلقتين يأكلون. أبو حريز: ان المجوس اهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم


[ 379 ]

السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم. وبعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم الى العطاء. الحلية وفضايل أحمد وعاصم بن كليب عن أبيه انه قال: أتى علي بمال من اصفهان وكان أهل الكوفة اسباعا فقسمه سبعة أسباع فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة كسرثم جعل على كل جزء كسرة ثم دعا امرأة بالاسباع فأقرع أيهم. فضايل أحمد انه رأى حبلا في بيت المال فقال اعطوه الناس فأخذه بعضهم. مجالس ابن مهدي، انه تخاير غلامان في خطيهما الى الحسن (ع) فقال: انظر ما تقول فانه حكم، وكان (ع) قوالا للحق قواما بالقسط إذا رضى لم يقل غير الصدق وان سخط لم يتجاوز جانب الحق، قال مهيار: بنفسي من كانت مع الله نفسه * إذا قل يوم الخلق من لم يحارف أبا حسن إن أنكر القوم فضله * على انه والله انكار عارف إذا ما عزوا دينا فأول عابد * وان أقسموا دنيا فأول عايف وأغرى بك الحساد انك لم تكن * على صنم فيما رووه بعاكف اسر لمن والاك حب موافق * وابدي لمن عاداك سب مخالف فصل: في المسابقة باطلم ؟ والشفقة مختار الثمار عن أبي مطر البصري ان أمير المؤمنين مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال: يا جارية ما يبكيك ؟ فقال: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا فأتيتهم به فلم يرضوه فلما أتيته به أبى أن يقبله، قال: يا عبد الله انها خادم وليس لها أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر فقام إليه الرجل فكزه فقال الناس هذا أمير المؤمنين فربا الرجل واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عني فقال ما أرضاني عنك ان أصلحت أمرك، وفى فضايل أحمد: إذا وفيت الناس حقوقهم ودعا (ع) غلاما له مرارا فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال: ما حملك على ترك اجابتي ؟ قال: كسلت عن اجابتك وأمنت عقوبتك فقال: الحمد لله الذي جعلني ممن تأمنه خلقه امض فأنت حر لوجه الله، وأنشد الاشجع: ولست بخائف لابي حسين * ومن خاف الاءله ؟ فلن يخافا


[ 380 ]

وقال أبو نواس: قد كنت خفتك ثم آمنني * من أن أخافك خوفك اللاها وقال غيره: آمنني منه ومن خوفه * خيفته من خشية الباري وكان علي في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه: (ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأنصت علي تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكواء الآية فأنصت علي ايضا ثم قرأ ثم أعاد ابن الكواء فأنصت علي ثم قال: (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) ثم أتم وركع. وبعث أمير المؤمنين الى لبيد بن العطارد التيمي في كلام بلغه فمر به أمير المؤمنين في بني أسد فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فأفلته فبعث إليه أمير المؤمنين فأتوه به وأمر به ان يضرب فقال له: نعم والله ان المقام معك لذل وان فراقك لكفر، فلما سمع ذلك منه قال: قد عفونا عنك ان الله عزوجل يقول (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) اما قولك ان المقام معك فذل فسيئة اكتسبتها، واما قولك ان فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه. مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال أمير المؤمنين: ان ابصار هذه الفحول طوامح وان ذلك سبب هناتها فإذا نظر احدكم الى امرأة تعجبه فليلمس اهله فانما هي امرأة كامرأة، فقال رجل من الخوارج قاتله الله كافرا ما افقهه، فوثب القوم ليقتلوه فقال علي: رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب. وجاءه أبو هريرة وكان يتكلم فيه واسمعه في اليوم الماضي وسأله حوايجه فقضاها فعاتبه اصحابه على ذلك فقال: اني لاستحي ان يغلب جهله علمي وذنبه عفوي ومسألته جودي. ومن كلامه: الى كم اغضي الجفون على القذى واسحب ذيل على الاذى واقول لعل وعسى. العقد ونزهة الابصار قال قنبر: دخلت مع أمير المؤمنين على عثمان فأحب الخلوة فأومى إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه واقبل إليه عثمان فقال: مالك لا تقول: فقال (ع): ليس جوابك إلا ما تكره وليس لك عندي إلا ما تحب، ثم خرج قائلا: ولو انني جاوبته لامضه * نواقد قولي واحتضار جوابي


[ 381 ]

ولكنني أغضي على مضض الحشا * ولو شئت اقداما لانشب نابي واسر مالك الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه (ع) واطلقه، وقالت عايشة يوم الجمل ملكت فاسجح فجهزها احسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين واستأمنت لعبد الله بن الزبير على لسان محمد بن ابي بكر فآمنه وآمن معه سائر الناس وجئ بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له قل استغفر الله واتوب إليه ثلاث مرات وخلى سبيله وقال اذهب حيث شئت وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه واتق الله فيما تستقبله من امرك واجلس في بيتك. ابن بطة العكبري وابو داود السجستاني عن محمد بن اسحاق عن ابي جعفر (ع) قال: كان علي (ع) إذا اخذ اسيرا في حروب الشام اخذ سلاحه ودابته واستحلفه ان لا يعين عليه. ابن بطة باسناده عن عرفجة عن ابيه قالا: لما قتل على اصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا اخذه حتى بقيت قدرا ثم رأيتها بعد قد اخذت. الطبري، لما ضرب علي طلحة العبدري بركه فكبر رسول الله وقال لعلي ما منعك ان تجهز عليه ؟ قال ان ابن عمي ناشدني الله والرحم حين انكشفت عورته فاستحيبته ولما ادرك عمرو بن عبد ودلم يضربه فوقعوا في علي (ع) فرد عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله: مه يا حذيفة فان عليا سيذكر سبب وقفته، ثم انه ضربه فلما جاء سأله النبي عن ذلك فقال قد كان شتم امي وتفل في وجهي فخشيت ان اضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن مابي ثم قتلته في الله. وانه (ع) لما امتنع من البيعة جرت من الاسباب ما هو معروف فاحتمل وصبر، وروي انه لما طالبوه بالبيعة قال له الاول بايع، قال فان لم افعل ؟ قال والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال فالتفت علي الى القبر فقال يابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني. الجاحظ في البيان والتبيين، ان اول خطبة خطبها أمير المؤمنين قوله: قد مضت امور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي اما لو اشاء ان اقول لقلت ولكن عفا الله عما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه يا ويله لو قص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا له. وقد روى الكافة عنه اللهم اني استعديك على قريش فانهم ظلموني في الحجر والمدر ابراهيم الثقفي عن عثمان بن ابي شيبة والفضل بن دكين باسنادهما قال على: مازلت


[ 382 ]

مظلوما منذ قبض الله نبيه الى يومي هذا. وروى ابراهيم باسناده عن المسيب بن نجية قال: بينما علي يخطب وأعرابي يقول وامظلمتاه، فقال (ع): ادن، فدنا فقال: لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر. وفى رواية كثير بن اليمان وما لا يحصى. أبو نعيم الفضل بن دكين باسناده عن حريث قال: ان عليا لم يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه. وكان (ع) بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب وغياث لمن وهب مآل الآمل وثمال الارامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكلاه بحجته ويكفيه بمهجته ونظر علي الى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها الى موضعها وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي الى بعض الثغور فقتل وترك علي صبيانا يتامى وليس عندي شئ فقد ألجأتني الضرورة الى خدمة الناس فانصرف وبات ليلته قلقا، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم: اعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة، فأتى وقرع الباب فقالت من هذا ؟ قال أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي فان معي شيئا للصبيان فقالت: رضى الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: اني أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لاخبز أنا، فقالت أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز، فعمدت الى الدقيق فعجنته وعمد علي الى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في امرك، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله سجر التنور، فبادر لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه فقالت ويحك هذا أمير المؤمنين، قال فبادرت المرأة وهي تقول واحياي منك يا أمير المؤمنين فقال بل واحياي منك يا أمة الله فيما قصرت في امرك، قال الناشي: يا هالكا هلك الرشاد بهلكه * فلقد يئسنا بعده أن يوجدا هتكت جيوب الصالحات فيابها * اضحى لاجلك مذنأيت مسودا


[ 383 ]

فصل: في المسابقة بالهينة والهمة أبو الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله (اولئك يسارعون في الخيرات) الآية، قال علي بن ابي طالب صلوات الله عليه لم يسبقه احد. وروي عن ابن عباس قال كان أمير المؤمنين إذا اطرق هبنا ان نبتديه بالكلام. وقيل لأمير المؤمنين: بم غلبت الاقران ؟ قال بتمكن هيبتي في قلوبهم. النطنزي في الخصايص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال: كان عمر يمشي فالتفت الى ورائه وعدا فسألته عن ذلك فقال ويحك أما ترى الهزبربن الهزبر القثم ابن القثم الفلاق للبهم الضارب على هامة من طغى وظلم ذا السيفين ورأى فقلت هذا علي بن أبي طالب فقال ثكلتك امك انك تحقره بايعنا رسول الله يوم احد ان من فرمنا فهو ضال ومن قتل فهو شهيد ورسول الله يضمن له الجنة، فلما التقى الجمعان هزمونا وهذا كان يحاربهم وحيدا حتى انسل نفس رسول الله وجبرئيل ثم قال: عاهدتموه وخالفتموه، ورمى بقبضة رمل وقال شاهت الوجوه فو الله ما كان منا إلا واصابت عينه رملة فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين الله الله يا ابا الحسين أقلنا أقالك الله فالكر والفر عادة العرب فاصفح وقل ما اراه وحيدا إلا خفت منه. وقال النبي صلى الله عليه وآله من قتل قتيلا فله سلبه، وكان أمير المؤمنين يتورع عن ذلك وانه لم يتبع منهمزما وتأخر عمن استغاث، ولم يكن يجهز على جريح، قال بعض السادة لم يهتك العورة يبغي سلبا * ولا خطا متبعا لمنهزم ولا قضى يوما على جريحه * ولا استباح محرما ولا ظلم وقال غيره إمام لا يراه الله يوما * يحيف على اليتيمة واليتيم ولا ولى على عقب غداة * الجلاد ولا احاز على كليم ولا عرف العبادة مع قريش * لغير الواحد الصمد القديم ولما اردى (ع) عمروا قال عمرو: يابن عم ان لي اليك حاجة لا تكشف سوأة ابن عمك ولا تسلبه سلبه، فقال ذاك اهون علي، وفيه يقول عليه السلام وعففت عن اثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني اثوابي محمد بن اسحاق قال له عمر: هلا سليت درعه فانها تساوي ثلاثة آلاف وليس


[ 384 ]

للعرب مثلها ؟ قال اني استحييت ان اكشف ابن عمي. وروي انه جاءت اخت عمرو ورأته في سلبه فلم تحزن وقالت إنما قتله كريم. وقال (ع) يا قنبر لانعر فرايسي، أراد لا تسلب قتلاي من البغاة ان الاسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب وسأله أعرابي شيئا فأمر له بألف فقال الوكيل: من ذهب أو فضة ؟ فقال: كلاهما عندي حجران فاعط الاعرابي نفعهما له. وقال له ابن الزبير اني وجدت في حساب أبي ان له على أبيك ثمانين الف درهم، فقال له ان أباك صادق، فقضى ذلك ثم جاءه فقال غلطت فيما قلت إنما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك، فقال والدك في حل والذى قبضته مني هو لك له همم لا منتهى لكبارها * وهمته الصغرى أجل من الدهر له راحة لو ان معشار جودها * على البر صار البرأندى من البحر فصل: في المسابقة باليقين والصبر أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن سمعي عن ابي صالح عن ابي هريرة وابن عباس في قوله تعالى (فما يكذب بعد بالدين) يقول يا محمد لا يكذبك علي بن أبي طالب بعده ما آمن بالحساب. وقال أمير المؤمنين في مقامات كثيرة: أنا باب المقام وحجة الخصام ودابة الارض صاحب العصا وفاصل القضاء وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وقال (ع) أنا شجرة الندى وحجاب الورى وصاحب الدنيا وحجة الانبياء واللسان المبين والحبل المتين والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون وعنه تسألون وفيه تختلفون وقال (ع): فوعزتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ماهبت عدوا ولا تملقت وليا ولا شكرت على النعماء أحدا سواك. وفي مناجاته: اللهم اني عبدك ووليك اخترتني وارتضيتني ورفعتني وكرمتني. بما أورثتني من مقام اصفيائك وخلافة أوليائك وأغنيتنى وأفقرت الناس في دينهم ودنياهم إلي وأعززتني وأذللت العباد إلي وأسكنت قلبي نورك ولم تحوجني الى غيرك وأنعمت علي وانعمت بى ولم تجعل منة علي لاحد سواك وأقمتنى لاحياء حقك (مناقب ج 1، م 48)


[ 385 ]

والشهادة على خلقك وأن لا أرضى ولا أسخط إلا لرضاك وسخطك ولا أقول إلا حقا ولا أنطق إلا صدقا. فانظر الى جسارته على الحق وخذلان جماعة كما تكلموا بما روي عنهم في حلية الاولياء وغريب الحديث وغيرهما. وكان (ع) يطوف بين الصفين بصفين في غلالة فقال الحسن (ع): ما هذا زي الحرب، فقال: يا بني ان أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه. وكان (ع) يقول: ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله قال: فزت ورب الكعبة فقد قال الله تعالى قل يا أيها الذين هادوا ان زعمتم الآية: أبا لموت الذي لابد أني * ملاق لا أباك تخوفيني ومن صبره ما قال الله تعالى فيه: (والصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) والدليل على انها نزلت فيه انه قام الاجماع على صبره مع النبي في شدايد من صغره الى كبره وبعد وفاته وقد ذكر الله تعالى صفة الصابرين في قوله (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا) وهذا صفته بلا شك. مجمع البيان وتفسير علي بن ابراهيم وابان بن عثمان انه أصاب عليا يوم احد ستون جراحة. تفسير القشيري، قال أنس بن مالك: انه اتى رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي وعليه نيف وستون جراحة. قال ابان: أمر النبي ام سليم وام عطية أن تداوياه فقالتا قد خفنا عليه، فدخل النبي والمسلمون يعودونه وهو قرحة وأخذه فجعل النبي يمسحه بيده ويقول ان رجلا لقى هذا في الله لقد أبلى وأعذر، فكان يلتئم، فقال علي: الحمد لله الذي لم أفر ولم اول الدبر، فشكر الله تعالى له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله تعالى (سنجزي الشاكرين وسيجزي الله الشاكرين). سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب والمرتدين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه. سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله تعالى (اني جزيتهم اليوم بما صبروا) يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر وصبروا على البلاء لله في


[ 386 ]

الدنيا انهم هم الفائزون. وقال علي بن عبد الله بن عباس وتواصوا بالصبر علي ابن أبي طالب. ولما نعى رسول الله عليا بحال جعفر في أرض موته قال: انا لله وانا إليه راجعون، فأنزل عزوجل (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون اولئك عليهم صلوات) الاية، وقال له رجل: اني والله لاحبك في الله تعالى، فقال عليه السلام: ان كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا أو جلبابا. قال الحميري: ان كنت من شيعة الهادي أبي حسن * حقا فاعدد لريب الدهر تجفافا ان البلاء مصيب كل شيعته * فاصبر ولاتك عند الهم مقصافا قال أبو عبيدة وتغلب أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى يكون لك جنة من الفقر يوم القيامة، وقال آخرون أي فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على الفقر، يدل عليه قول أمير المؤمنين: ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة، قيل: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال: خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الظما عمش العيون من البكا. قال كشاجم: زعموا ان من أحب عليا * ظل للفقر لابسا جلبابا كذبوا كم حبه من فقير * فتردى من الغنى أثوابا حرفوا منطق الوصي لمعنى * خالفوا إذ تأولوه الصوابا إنما قال ارفضوا عنكم * الدنيا إذا كنتم لنا أحبابا في مسند أبي يعلى واعتقاد الاشنهي ومجموع أبي العلاء الهمداني عن أنس وأبي برزة وأبي رافع وفي ابانة ابن بطة من ثلاثة طرق ان النبي صلى الله عليه وآله خرج يمشي الى قبا فمر بحديقة فقال علي: ما أحسن هذه الحديقة، فقال النبي: حديقتك يا علي في الجنة أحسن منها حتى مر بسع حدائق على ذلك ثم أهوى إليه فاعتنقه فبكى وبكى علي ثم قال علي: ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ قال: أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلا من بعدي، قال: يا رسول الله كيف أصنع ؟ قال: تصبر فان لم تصبر تلق جهدا وشدة، قال: يا رسول الله أتخاف فيها هلاك دبني ؟، قال: بل فيها حياة دينك. وقال الحميري: وقد كان في يوم الحدايق عبرة * وقول رسول الله والعين تدمع فقال علي مم تبكي فقال من * ضغاين قوم شرهم أتوقع عليك وقد يبدونها بعد منيتي * فماذا هديت الله في ذاك يصنع


[ 387 ]

وقال العوني: وقد قال في يوم الحدايق موعزا * إليهم بما في فعلهم هو آت ستغدر بعدي من قريش عصابة * بعهدك دهرا أعظم الغدرات سيبدين أسرارا ثوث في صدورهم * قديما من الاضغان والاحنات سيفتن قوم عندها أي فتنة * وأنت سليم غير ذي فتنات ويوسع غدرا منكم بعهوده * ويملا غيظا قبل حين مماتي وتوجد صبارا شكورا مسلما * كظوما لغيظ النفس ذا حكمات وقال أمير المؤمنين (ع): ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء فالحمد لله ولقد خفت صغيرا وجاهدت كبيرا اقاتل ؟ المشركين واعادي المنافقين حتى قبض الله نبيه فكانت الطامة الكبرى فلم أزل محاذرا وجلا أخاف أن يكون ما لا يسعني فيه المقام فلم أر بحمد الله إلا خيرا حتى مات عمر فكانت أشياء ففعل الله ما شاء الله ثم اصيب فلان فما زلت بعد فيما ترون دائبا اضرب بسيفي حتى كنت شيخا. عمرو بن حريث في حديثه قال أمير المؤمنين كنت أحسب ان الامراء صبيا يظلمون الناس فإذا الناس يظلمون الامراء وقال الحميري ما زال مذ سلك السبيل محمد * ومضى لغير مذلة مظلوما ضامته امته و ضيمهم له * قد كان أصغر ما يكون عظيما أبو الفتح الحفار باسناده ان عليا قال: ما زلت مظلوما منذ كنت، قيل له: عرفنا ظلمك في كبرك فما ظلمك في صغرك فذكر ان عقيلا كان به رمد فكان لا يذرهما حتى يبدأ وابي. قال ابن الحجاج: و قديما كان العقيل تداوى * وسوى ذلك العليل عليل حين كانت تذر عين علي * كلما التاث أو تشكى عقيل فصل: في المسابقة بصالح الاعمال الباقر (ع) في قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، قال قال: أمير المؤمنين وشيعته فلهم أجر غير ممنون. محمد بن عبد الله بن الحسن عن آبائه، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس، ومحمد الباقر (ع) في قوله تعالى (ومنهم سابق بالخيرات باذن الله) والله لهو علي بن أبي طالب. والسدي وأبو صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله تعالى (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) قال: يبشر محمد بالجنة عليا وجعفرا وعقيلا


[ 388 ]

وحمزة وفاطمة والحسن والحسين الذين يعملون الصالحات قال الطاعات، قوله: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) علي وحمزة وعبيد بن الحراث (كالمفسدين في الارض) عتبة وشيبة والوليد. الصادق (ع): انه أعتق الف نسمة من كديده جماعة لا يحصون كثرة. قال الحميري: وأعتق الفا ثم من صلب ماله * أراد بهم وجه الاءله ؟ وشيبا وله أيضا: وأعتق من يديه الف نفس * فأضحوا بعد رق معتقينا وقال له رجل ورأى عنده وسق نوى: ما هذا يا ابا الحسن ؟ قال: مائة الف عبد انشاء الله فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة فهو من أوقافه، ووقف ما لا بخيبر وبوادي القرى، ووقف مال أبى نيرو والبغيبغة وارباجا وارينه ورعدا ورزينا ورباحا على المؤمنين وأمر بذلك اكثر ولد فاطمة من ذوي الامانة والصلاح وأخرج مائة عين ينبع جعلها للحجيج وهو باق الى يومنا هذا وحفر آبارا في طريق مكة والكوفة وبنى مسجد الفتح في المدينة وعند مقابل قبر حمزة وفى الميقات وفي الكوفة وجامع البصرة وفي عبادان وغير ذلك، وكان يصوم النهار ويصلي بالليل الف ركعة، وعمر طريق مكة، وصام مع النبي سبع سنين وبعده ثلاثين سنة، وحج مع النبي عشر حجج، وجاهد في أيامه الكفار وبعد وفاته البغاة وبسط الفتاوى وأنشأ العلوم وأحيا السنن و أمات البدع، قال بعض السادة: مفرق الاحزاب ضراب الطلى * مكسر الاصنام كشاف الغمم الزاهد العابد في محرابه * الساجد الراكع في جنح الظلم صام هجيرا وعلى سائله * جاد بافطار الصيام ثم تم وقال العبدي: وكم غمرة للموت في الله خاضها * ولجة بحر في الحكوم أقامها وكم ليلة ليلاء لله قامها * وكم صبحة مسجورة الحرصامها أبو يعلى في المسند انه قال: ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلاة صلاة الليل نور، فقال ابن الكواء: ولا ليلة الهرير ؟ قال: ولا ليلة الهرير. ابانة العكبري، سليمان بن المغيرة عن امه قالت: سألت ام سعيد سرية علي عن صلاة على في شهر رمضان فقالت رمضان وشوال سواء يحيي الليل كله.


[ 389 ]

النيسابوري في روضة الواعظين انه قال عروة بن الزبير: سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت في علي بن أبي طالب (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) الآية. قال الرجل: فأتيت عليا وقت المغرب فوجدته يصلي ويقرأ القرآن الى أن طلع الفجر ثم جدد وضوئه وخرج الى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر ثم قعد في التعقيب الى ان طلعت الشمس ثم قصده الناس فجعل يقضي بينهم الى ان قام الى صلاة الظهر فجدد الوضوء ثم صلي بأصحابه الظهر ثم قعد في التعقيب الى ان صلى بهم العصر ثم كان يحكم بين الناس ويفتيهم الى ان غابت الشمس. وفى تفسير القشيري انه كان (ع) إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل فقيل له مالك ! فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وحملها الانسان في ضعفه فلا ادري احسن إذا ما حملت أم لا. عروة ابن الزبير قال: تذاكرنا صالح الاعمال فقال أبو الدرداء: أعبد الناس علي بن ابي طالب سمعته قائلا بصوت حزين ونغمة شجية في موضع خال: إلهي كم من موبقة حلمتها عني فقابلتها بنعمتك وكم من جريرة تكرمت علي بكشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ولا انا براج غير رضوانك ثم ركع ركعات فأخذ في الدعاء والبكاء فمن مناجاته إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه ان انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته يرجمهم البلاء إذا اذن فيه بالنداء آه من نار تنضج الاكباد والكلى آه من نار لواعة للشوى آه من غمرة من ملهبات لظى، ثم أنعم (ع) في البكاء فلم اسمع له حسا فقلت غلب عليه النوم اوقظه لصلاة الفجر فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك فقلت انا لله وانا إليه راجعون مات والله علي بن ابي طالب، قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم فقالت فاطمة (ع) ما كان من شأنه ؟ فأخبرتها فقالت: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إلي وانا أبكي فقال: هم بكاؤك يا ابا الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي الى الحساب وايقن اهل الجرائم بالعذاب واحتوشني ملائكة غلاظ وزمانية فظاظ فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمتني الاحباء ورحمني اهل الدنيا اشد رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية. واخذ زين العابدين (ع) بعض صحف عباداته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من


[ 390 ]

يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب. أنس بن مالك قال: لما نزلت الآيات الخمس في طس (أمن جعل الارض قرارا) انتفض علي انتفاض العصفور فقال له رسول الله: مالك يا علي ؟ قال: عجبت يا رسول الله من كفرهم وحلم الله تعالى عنهم، فمسحه رسول الله بيده ثم قال ابشر فانه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ولو لا أنت لم يعرف حزب الله. صاحب الحلية، وأحمد في الفضائل عن مجاهد، وصاحب مسنده العشرة، وجماعة عن محمد بن الكعب القرطي انه رأى أمير المؤمنين أثر الجوع في وجه النبي فأخذاها با فحوى وسطه وأدخله في عنقه وشد وسطه بخوص نخل وهو شديد الجوع فاطلع على رجل يستقي ببكرة فقال: هل لك في كل دلوة بتمرة ؟ فقال: نعم فنزح له حتى امتلا كفه ثم أرسل الدلو فجاء بها الى النبي صلى الله عليه وآله. قال الحميري: حدثنا وهب وكان امرؤ * يصدق بالمنطق عن جابر ان عليا عاين المصطفى * ذا الوحي من مقتدر قادر عاينه من جوعه مطرقا * صلى عليه الله من صابر وظل كالواله مما رأى * بصهره ذي النسب الفاخر يجول إذ مر بذي حائط * يسقى بدلو غير مستأجر قال له ما أنت لي جاعل * بكل دلو مترع ظاهر فقال ما عندي سوى تمرة * بكل دلو غير ماء غادر فأترع الدلو إمام الهدى * يسقي به الماء من الخاسر حتى استقى عشرين دلو على * عشر بقول العالم الخابر ثم أتى بالتمر يسعى به * الى أخيه غير مستاثر فقال ما هذا الذي جئتنا * به هداك الله من زائر فاقتص ما قد كان من أمرة ؟ * في عاجل الامر وفي الآخر فضمه ثم دعا ربه * له بخير دائم ما طر وله أيضا: فقام يسعى حتى استقى فملا * كفيه يسعى به أبو حسن أدناه منه فقال حين قضى * صلاته اذن لي تخبرني من أين هذا فقص قصته * عليه مستعبرا جوى حزن فضمه أحمد كوامقه * يا لك من وامق ومحتضن


[ 391 ]

فقال ذا للبتول فاطمة * اوثرها مرة وتؤثرني وهاك هذا فأنت أول من * آثرني ذو العلى واكرمني فصل: في الاستنابة والولاية ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله في أداء سورة براءة وعزل به أبا بكر باجماع المفسرين ونقلة الاخبار، رواه الطبري والبلاذري والترمذي والواقدى والشعبي والسدي والثعلبي والواحدي والقرطي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن اسحاق وأبو يعلى الموصلي والاعمش وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير وأبي هريرة وأنس وأبي رافع وزيد بن نقيع وابن عمر وابن عباس واللفظ له: انه لما نزل براءة من الله ورسوله الى تسع آيات أنفذ النبي أبا بكر الى مكة لادائها فنزل جبرئيل فقال: انه لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك، فقال النبي لأمير المؤمنين: اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر وخذ براءة من يده، قال: ولما رجع أبو بكر الى النبي جزع وقال: يا رسول الله انك أهلتني لامر طالت الاعناق فيه فلما توجهت له رددتني عنه، فقال صلى الله عليه وآله: الامين هبط إلي عن الله تعالى انه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي. وفى خبر ان عليا قال له: انك خطيب وأنا حديث السن، فقال: لابد من أن تذهب بها أو اذهب بها قال اما إذا كان كذلك فأنا اذهب بها يا رسول الله قال اذهب فسوف يثبت الله لسانك ويهدي قلبك. أبو بصير عن أبي جعفر (ع) قال: خطب علي الناس فاخترط سيفه وقال: لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن البيت مشرك ومن كان له مدة فهو الى مدته ومن لم يكن له مدة فمدته اربعة اشهر. زيادة في مسند الموصلي: ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة وهذا هو الذي أمر الله تعالى به ابراهيم حين قال (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) فكان الله تعالى أمر ابراهيم الخليل بالنداء أولا قوله: (وأذن في الناس بالحج) وأمر الولي بالنداء آخرا قوله (وأذان من الله ورسوله) قال السدي وابو مالك وابن عباس وزين العابدين: الاذان علي بن أبي طالب الذي نادى به. تفسير القشيري، ان رجلا قال لعلي بن ابي طالب فمن اراد منا ان يلقى رسول الله في بعض الامور بعد انقضاء الاربعة فليس له عهد قال علي: بلى ان الله تعالى قال


[ 392 ]

(وان احد من المشركين استجارك فأجره) الى آخر الآية. وفي الحديث عن الباقرين (ع) قالا: قام خداش وسعيد اخو عمرو بن ود فقال: وما يسرنا على اربعة اشهر بل برئنا منك ومن ابن عمك فليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح وان شئت بدأنا بك، فقال علي (ع): هلموا، ثم قال واعلموا انكم غير معجزي الله، الى قوله: الى مدتهم. تفسير الثعلبي، قال المشركون: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب، وطفقوا يقولون: انا منعناك ان تبرك. وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي ان النبي صلى الله عليه وآله قال في خبر طويل: ان اخي موسى ناجى ربه على جبل طور سيناء فقال في آخر الكلام امض الى فرعون وقومه القبط وانا معك لا تخف فكان جوابه ما ذكره الله تعالى (اني قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون) وهذا علي قد انفذته ليسترجع براءة ويقرأها على اهل مكة وقد قتل منهم خلقا عظيما فما خاف ولا توقف ولا تأخذه في الله لومة لائم. وفى رواية: فكان اهل الموسم يتلهفون عليه وما فيهم إلا من قتل أباه أو أخاه أو حميمه فصدهم الله عنه وعاد الى المدينة سالما، وكان أنفذه اول يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة واداها الى الناس يوم عرفة ويوم النحر. قال الحميري: من كان أذن منهم ببراءة * في المشركين فأنذر الكفارا منكم برانا أجمعين فأشهر * في الارض سيروا كلكم فرارا وله ايضا: من كان ارسله النبي بسورة * في الحج كانت فيصلا وقضاء وله ايضا: براءة حين رد بها زريقا * وكان بأن يبلغها ضنينا وقال له رسول الله انى * يؤدي الوحي إلا الاقربونا وقال ابن حماد: بعث النبي براءة مع غيره * فأتاه جبريل يحث ويوضع قال ارتجعها واعطها أولى الورى * بأدائها وهو البطين الانزع فانظر إلي ذي النص من رب العلى * يختص ربي من يشاء ويرفع (مناقب ج 1، م 49)


[ 393 ]

وقال ابن ابي الحديد: ولا كان يوم الغار يهفو جنانه * حذار ولا يوم العريش تسترا ولا كان معزولا غداة براءة * ولا عن صلاة أم فيها مؤخرا ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرا ؟ * عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا وله أيضا: ففي براءة اعطيت الاداء لها * لما اتيت عليا بالبلاغ وفي ألفت شمل الهدى بالسيف مجتهدا * لولاك لم تك في حال بمؤتلف وقال الصاحب بن عباد: سورة التوبة من وليها * بينوا الحق ومن ذا صرفا وله ايضا: اذكرا امر براءة واصدقاني من تلاها واذكرا من زوج الزهراء كيما يتناهى وقال ابن علوية الاصفهاني: أم أيهم فخر الانام بخصلة * طالت طوال فروع كل عنان من بعد إذ بعث النبي الى منى * ببراءة من كان بالخوان فيها فاتبعه رسولا رده * يعدو به القصوي كالسرحان كانت لوحي منزل وافى به * الروح الامين فقص عن تبيان إذ قال لا عني يؤدي حجتي * إلا أنا اولى نسيب دان وقال آخر: وأعلم أصحاب النبي محمد * وأقضاهم من بعد علم وخبرة براءة أداها الى اهل مكة * بأمر الذي أعلى السماء بقدرة واما قول الجاحظ انه كانت عادة العرب في عقد الحلف وحل العقد انه كان لا يتولى ذلك إلا السيد منهم أو رجل من رهطه فانه اراد ان يذمه فمدحه. واجمع اهل السير وقد ذكره التاريخي ان النبي صلى الله عليه وآله بعث خالدا الى اليمن يدعوهم الى الاسلام فيهم البراء بن عازب فأقام ستة اشهر فلم يجبه احد فساء ذلك على النبي وأمره ان يعزل خالد فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) القوم صلى بهم الفجر ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله فأسلم همدان كلها في يوم واحد وتبايع اهل اليمن على الاسلام فلما بلغ ذلك رسول الله خر لله ساجدا وقال السلام على همدان.


[ 394 ]

ومن ابيات لأمير المؤمنين في يوم صفين: ولو ان يوما كنت بواب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام واستنابه لما انفذه الى اليمن قاضيا على ما اطبق عليه الولي والعدو على قوله (ع) وضرب على صدره وقال: اللهم سدده ولقنه فصل الخطاب، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك اليوم، رواه احمد بن حنبل وابو يعلى في مسنديهما، وابن بطة في الابانة من اربعة طرق. واستنابه حين انفذه الى المدنية لمهم شرعي، ذكره احمد في المسند والفضايل، وابو يعلى في المسند، وابن بطة في الابانة، والزمخشري في الفايق واللفظ لاحمد قال علي: كنا مع رسول الله في جنازة فقال: من يأت المدينة فلا يدع قبرا إلا سواه ولا صورة إلا لطخها ولا صنما إلا كسره، فقام رجل فقال: أنا، ثم هاب اهل المدينة فجلس فانطلقت ثم جئت فقلت: يا رسول الله لم أدع بالمدينة قبرا إلا سويته ولا صورة إلا لطختها ولا وثنا إلا كسرته، قال فقال صلى الله عليه وآله: من عاد فصنع شيئا من ذلك فقد كفر بما انزل الله على محمد. الخبر. واستنابه في ذبح باقي ابله فيما زاد على ثلاثة وستين، روى اسماعيل البخاري، وابو داود السجستاني والبلاذري وابو يعلى الموصلي واحمد بن حنبل وابو القاسم الاصفهاني في الترغيب واللفظ له عن جابر وابن عباس قال: اهدى رسول الله مائة بدنة فقدم علي (ع) من المدينة فأشركه في بدنه بالثلث فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله ستا وستين بدنة وأمر عليا فنحر اربعا وثلاثين وامره النبي من كل جزور ببضعة فطبخت فأكلا من اللحم وحسيا من المرق، وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن علي (ع) قال: امرني رسول الله ان اقوم على البدن قال فإذا نحرتها فتصدق بجلودها وبجلالها وبشحومها، وفي رواية ان لا اعطي الجار ومنها نحن نعطيه من عندنا. كافي الكليني، قال أبو عبد الله (ع): نحر رسول الله بيده ثلاثا وستين ونحر علي ما غبر. تهذيب الاحكام: ان النبي لما فرغ من السعي قال: هذا جبرئيل يأمرني بأن آمر من لم يسق هديا ان يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي، وكان (ع) ساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين وجاء علي من اليمين بأربع وثلاثين أو ست وثلاثين وقال لعلي: بما أهللت ؟ قال: يا رسول الله أهلالا كاهلال النبي، فقال النبي: كن على احرامك مثلي وأنت شريكي


[ 395 ]

في هديي، فلما رمى الجمرة نحر رسول الله منها ستا وستين ونحر علي اربعا وثلاثين. قال الحميري: شريك رسول الله في البدن التي * حداها هدايا عام حج فودعا فلم يعد ان وافى الهدي محله * دعا بالهدايا مشعرات فصرعا بكعبة ستا بعد ستين بكرة * هدايا له قد ساقها ماية معا وفاز علي الخير منه بأنيق * ثلاثين بل زادت على ذاك أربعا فنحرها ثم اجتذى من جميعها * جذا ثم القى ما اجتذى منه أجمعا بقدر فأغلاها فلما اتت أتى * بها قد تهوى لحمها وتميعا فقال له كل واحس منها ومثل ما * تراني باذن الله أصنع فاصنعا ولم يطعما خلقا من الناس بضعة * ولا حسوة من ذاك حتى تضلعا واستنابه في التضحي، الحاكم بن البيع في معرفة علوم الحديث: حدثنا أبو نصر سهل الفقيه عن صالح بن محمد بن الحبيب عن علي بن حكيم عن شريك عن أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن رزين بن حنيس قال: كان علي يضحي بكبشين بكبش عن النبي وبكبش عن نفسه وقال: كان أمرني رسول الله أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه أبدا، ورواه أحمد في الفضايل. واستنابه في اصلاح ما أفسده خالد، وروى البخاري ان النبي بعث خالدا في سرية فأغار على حي أبي زاهر الاسدي، وفي رواية الطبري انه أمر بكتفهم ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل فأتوا بالكتاب الذي أمر رسول الله أمانا له ولقومه الى النبي (ص) قالوا جميعا ان النبي قال: اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد، وفي رواية الخدري اللهم اني أبرأ من خالد ثلاثا، ثم قال (ع): اما متاعكم فقد ذهب فاقتسمه المسلمون ولكني أرد عليكم مثل متاعكم، ثم انه قدم على رسول الله ثلاث رزم من متاع اليمن فقال: يا علي فاقض ذمة الله وذمة رسوله، ودفع إليه الرزم الثلاث فأمر علي بنسخة ما اصيب لهم فكتبوا فقال: خذوا هذه الرزمة فقوموها بما اصيب لكم، فقالوا: سبحان الله هذا أكبر مما اصيب لنا، فقال: خذوا هذه الثانية فاكسوا عيالكم وخدمكم ليفرحوا بقدر ما حزنوا وخذوا الثالثة بما علمتم وما لم تعلموا لترضوا عن رسول الله، فلما قدم علي على رسول الله أخبره بالذي كان منه فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال: أدى الله عن ذمتك كما أديت عن ذمتي، ونحو ذلك روي ايضا في بني جذيمة قال الحميري:


[ 396 ]

من ذا الذي أوصى إليه محمد * يقضي العدات فأنفذ الاقضاء وقد ولاه في رد الودايع لما هاجر الى المدينة استخلف صلى الله عليه وآله عليا (ع) في اهله وماله فأمره ان يؤدي عنه كل دين وكل وديعة وأوصى إليه بقضاء ديونه. الطبري باسناده له عن عباد عن علي (ع) انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يؤدي عني ديني ويقضي عداتي ويكون معي في الجنة ؟ قلت: أنا يا رسول الله. فردوس الديلمي قال سليمان قال صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي ديني. أحمد في الفضائل عن ابن آدم السلولي وحبشي بن جنادة السلولي قال النبي: علي مني وأما منه ولا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي، وقوله: يقضي ديني وينجز وعدي، وقوله: أنت قاضي ديني في روايات كثيرة. قتادة: بلغنا ان عليا نادى ثلاثة أعوام بالموسم من كان له على رسول الله دين فليأتنا نقضي عنه. وروت العامة عن حبشي بن جنادة انه أتى رجل أبا بكر فقال: رسول الله وعدني أن يحثو لي ثلاث حثيات من تمر، فقال: يا علي فاحثها له، فعدها أبو بكر فوجد في كل حثية ستين تمرة فقال: صدق رسول الله سمعته يقول: يا أبا بكر كفي وكف علي في العدد سواء، ودين النبي إنما كان عداته وهي ثمانون الف درهم فأداها. قال الحميري: وأديت عنه كل عهد وذمة * وقد كان فيها واثقا بوقائكا فقلت له أقضي ديونك كلها * وأقضي بانجاز جميع عداتكا ثمانين الفا أو تزيد قضيتها * فأبرأته منها بحسن قضائكا وله أيضا: أدى ثمانين الفا عنه كاملة * لابل يزيد فلم يغرم وقد غنما يدعو إليها ولا يدعو ببينة * لابل يصدق فيها زعم من زعما حتى يخلصه منها بذمته * ان الوصي الذي لا يخفر الذمما وله ايضا: قضيت ديونه عنه فكانت * ديون محمد ليست بغرم ثمانين الفا باع فيها تلاده * موقرة ارباتها لم تهضم فمازال يقضي دينه وعداته * ويدعو إليها قائما كل موسم يقول لاهل الدين أهلا ومرحبا * مقالة لا من ولا متجهم


[ 397 ]

وينشدها حتى يخلص ذمة * ببذل عطاياذي ندى متقسم ومما قضى عنه الدين دين الله الذي هو أعظم، وذلك ما كان افترضه الله عليه فقبض صلوات الله عليه قبل أن يقضيه وأوصى عليا بقضائه عنه وذلك قول الله تعالى (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) فجاهد الكفار في حياته وأمر عليا بجهاد المنافقين بعد وفاته فجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين وقضى بذلك دين رسول الله الذى كان لربه عليه. وانه صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه إليه. أبو الدر علي المرادي وصالح مولى التومة عن عايشة ان النبي جعل طلاق نسائه الى علي: الاصبغ بن نباتة قال: بعث علي (ع) يوم الجمل الى عائشة ارجعي وإلا تكلمت بكلام تبرين من الله ورسوله. وقال أمير المؤمنين للحسن: اذهب الى فلانة فقل لها قال لك أمير المؤمنين والذي فلق الحبة والنوى وبرأ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لابعثن اليك بما تعلمين، فلما أخبرها الحسن بما قال أمير المؤمنين قامت ثم قالت: رحلوني، فقالت لها امرأة من المهالبة: أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم حاورتيه وخرج من عندك مغضبا وأتاك غلام فأقلعت ! قالت: ان هذا الغلام ابن رسول الله فمن أراد أن ينظر الى مقلتي رسول الله فلينظر الى هذا الغلام وقد بعث إلي بما علمت، قالت: فأسألك بحق رسول الله عليك إلا أخبرتنا بالذي بعث اليك، قالت: ان رسول الله جعل طلاق نسائه بيد علي فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة، وفي رواية كان النبي يقسم نفلا في أصحابه فسألناه أن يعطينا منه شيئا وألححنا عليه في ذلك فلامنا علي فقال حسبكن ما أضجرتن رسول الله فتجهمناه فغضب النبي مما استقبلنا به عليا ثم قال: يا علي اني قد جعلت طلاقهن اليك فمن طلقتها منهن فهي باينة، ولم يوقت النبي في ذلك وقتا في حياة ولا موت فهي تلك الكلمة فأخاف أن أبين من رسول الله. قال خطيب خوارزم: علي في النساء له وصي * أمين لم يمانع بالحجاب واستنابه في مبيته على فراشه ليلة الغار. واستنابه في نقل الحرم الى المدينة بعد ثلاثة أيام. واستنابه في قتل الصناديد من قريش وولاه عليهم عند هزيمتهم. واستنابه في خاصة أمره وحفظ سره مثل حديث مارية لما قرفوها. واستنابه على المدينة لما خرج الى تبوك. وولاه حين بعثه الى فدك. وولاه الخروج الى بني زهرة. وولاه يوم احد في أخذ الراية وكان صاحب راياته دونهم. وولاه على نفسه عند وفاته وعلى غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.


[ 398 ]

وقد روي عنه (ع): انا أهل بيت النبوة والرسالة والامامة وانه لا يجوز أنه يقبلنا عند ولادتنا القوابل وان الامام لا يتولى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلا إمام مثله، فتولى ولادته رسول الله وتولى وفاة رسول الله علي وتولى أمير المؤمنين ولادة الحسن والحسين وتوليا وفاته، ووصى إليه أمر الامة على ما يأتي بيانه انشاء الله وقد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم فانه وقف حتى صعد على كتفيه وتعلق بسطح البيت وصعد وكان يقلع الاصنام بحيث يهتز حيطان البيت ويرمي بها فتنكسر. ورواه أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وأبو بكر الخطيب في تاريخه، ومحمد بن الصباح الزعفراني في الفضايل، والخطيب الخوارزمي في أربعينه، وأبو عبد الله النطنزي في الخصايص، وأبو المضا صبيح مولى الرضا (ع) قال سمعته يحدث عن ابيه عن جده في قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا) قال: نزلت في صعود علي على ظهر النبي لقلع الصنم. أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين (ع) عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال لي جابر بن عبد الله: دخلنا مع النبي مكة وفى البيت وحوله ثلثمائة وستون صنما فأمر بها رسول الله فألقيت كلها لوجوهها وكان على البيت صنم طويل يقال له هبل فنظر النبي الى علي وقال له: يا علي تركب علي أو أركب عليك لالقى هبل عن ظهر الكعبة ؟ قلت: يا رسول الله بل تركبني فلما جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة قلت يا رسول الله بل أركبك، فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره واستويت عليه فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لامسكتها بيدي فألقيت هبل عن ظهر الكعبة فأنزل الله تعالى (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا). وروى أحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب في كتابيهما بالاسناد عن نعيم بن حكيم المدايني قال: حدثني أبو مريم عن علي بن أبي طالب قال: (انطلق بي رسول الله الى الاصنام فقال اجلس فجلست الى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله على منكبي ثم قال لي انهض بي الى الصنم فنهضت به فلما رأى ضعفي عنه قال اجلس فجلست وأنزلته عني وجلس لي رسول الله ثم قال لي اصعد يا علي فصعدت على منكبه ثم نهض رسول الله فلما نهض بي خيل لي اني لو شئت نلت السماء وصعدت على الكعبة وتنحى رسول الله فألقيت صنمهم الاكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد الى الارض، الخبر، وفي رواية الخطيب فانه تخيل إلي اني لو شئت لنلت افق السماء.


[ 399 ]

وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي عن اسماعيل بن أحمد الواعظ عن أبي بكر البيهقي باسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله احملني لنطرح الاصنام عن الكعبة فلم أطق حمله فحملني فلو شئت أتناول السماء فعلت وفى خبر والله لو شئت أن أنال السماء بيدي المتها ؟. وروى القاضى أبو عمر وعثمان بن أحمد عن شيوخ باسناده عن ابن عباس قال قال النبي لعلي: قم بنا الى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره فقاما جميعا فلما أتياه قال له النبي: قم على عاتقي حتى أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله على عاتقه ثم رفعه حتى وضعه على البيت فأخذ علي الصنم وهو من نحاس فرمى به من فوق الكعبة فنادى رسول الله انزلت فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان له جناحان، ويقال ان عمر كان تمنى ذلك فقال صلى الله عليه وآله: ان الذي عبده لا يقلعه، ولما صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاة فلما صعد عمر نزل مرقاة فلما صعد عثمان نزل مرقاة فلما صعد علي صعد الى موضع يجلس عليه رسول الله فسمع من الناس ضوضاء فقال: ما هذه الذي أسمعها ؟ قالوا: لصعودك الى موضع رسول الله الذي لم يصعده الذي تقدمك، فقال: سمعت رسول الله يقول: من قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبه الله في النار وأنا والله العامل بعمله الممتثل قوله الحاكم بحكمه فلذلك قمت هنا، ثم ذكر في خطبته: معاشر الناس قمت مقام أخي وابن عمي لانه أعلمني بسري وما يكون مني، فكأنه قال: أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة فما هذه الاعواد أنا من محمد ومحمد مني. وقال (ع) في خطبة الافتخار: أنا كسرت الاصنام أنا رفعت الاعلام أنا بنيت الاسلام، قال ابن نباتة: حتى شد به اطناب الاسلام وهد به احزاب الاصنام فأصبح الايمان فاشيا بأقياله والبهتان متلاشيا بصياله، ولمقام ابراهيم شرف على كل حجر لكونه مقاما لقدم ابراهيم فيجب ان يكون قدم على اكرم من رؤس اعدائه لان مقامه كتف النبوة، والغالية والمشبهة تقول اكثر من هذا كما انشد شاعرهم، وقد روي عن أبي نواس: قيل لي قل في علي المرتضى * كلمات تطفؤ نارا موقده قلت لا يبلغ قولي رجلا * حار ذو الجهل الى ان عبده وعلي واضعا رجلا له * بمكان وضع الله يده وانشد آخر: قالوا مدحت علي الطهر قلت لهم * كل امتداح جميع الارض معناه


[ 400 ]

ماذا أقول لمن حطت له قدم * في موضع وضع الرحمن يمناه وقال الشريف المرتضى: ولنا من البيت المحرم كلما * طافت به في موسم أقدامه وبجدنا وبصنوه دعبت عن * البيت الحرام وزعزعت اصنامه وهما علينا اطلعا شمس الهدى * حتى استنار حلاله وحرامه وقال مهيار: فمن آية الباب يوم اليهود * ومن صاحب الجن يوم الخسيف ومن جمع الدين في يوم بدر * واحد بتفريق تلك الصفوف وهدم في الله أصنامهم * بمرأى عيون عليه عكوف وقال أبو الحسن القمي: والمرتقي كتف النبي بمكة * في مجمع للمسلمين كثيف وقال ابن الحجاج: جاوز الروم والنصارى * يحانون بمقتل الصلبان مثل ما كان قد جرى من علي * من إمام الهدى على الاوثان وقال العوني: علي على ظهر النبي توطيا * فهل ظهره شيخا كما يطئان وله ايضا: كسرت اصنام اهل الشرك ويلهم * لما علوت من الهادي على الكتف وله ايضا: امير المؤمنين ابو تراب * بنى الاسلام بالبيض الرقاق غياث محمد في كل كرب * إذا ما الحرب قامت فوق ساق وجاهد في سبيل الله ما ان * يحاني في الجهاد ولا يتاقي علي كاسر الاصنام لما * رقى كتف النبي الى بساق وله ايضا: ومن ارتقى كتف النبي محمد * وكذلك ابنا فاطم الزهراء ما شأن عرسهم وكيف تباهلوا * دون الورى كما هو الاملاء مناقب ج 1، م 50


[ 401 ]

وله أيضا: فهذا ويوم الفتح نادى محمد * ألا قم الى الاصنام حيدر فافلع وطاطا له حتى اعتلى فوق ظهره * فأجلل بهذا من مقام وأرفع فقال علي لو أشأنلت عندها * سما الله أورمت النجوم أتت معي وقال دعبل: علي رقى كتف النبي محمد * فهل كسر الاصنام خلق سوى علي وقال الزاهي: مكسر الاصنام في اليوم الذي * اريح عن وجه الهدى عماسه رقي على الكاهل من خير الورى * والدين مقرون به انباسه ونكس اللات وألقى هبلا * مهشما يقلبه انتكاسه وقام مولاي على البيت وقد * طهر إذ فارقه انجاسه ؟ وقال ابن رزيك: اما علي علت رجلاه كاهل * خير الخلق حتى أزال العز عن هبل وقال القمي: علي تعالى منكب النور أحمد * فأهوى إليه بالصليب المهشم وقال خطيب خوارزم ؟: علي كاسر الاصنام لما * علا كتف النبي بلا احتجاب وقال المفجع: رام حمل النبي كي يقلع الاصنام * من سخطها المشمول ؟ الجثيا فحباه ثقل النبوة حتى * كاد ينآد تحته مثنيا فارتقى منكسب ؟ النبي علي * صنوه ما أجل ذاك رقيا فأماط الاوثان عن طابة * الكعبة ينقي الارجاس عنها نقيا ولو ان الوصي حاول ؟ مس النجم * بالكف لم يجده قصيا وقال المرزوقي (ويقال للحصفكي): يا رب بالقدم التي أوطأتها * من قاب قوسين المحل الاعظما وبحرمة القدم التي جعلت لها * كتف المؤبد بالرسالة سلما اجعلهما ربي اليك وسيلتي * في يوم حشر أن أزور جهنما


[ 402 ]

وقال السروجي: رقى على ظهر النبي حيدر * من دون جمع بين بدو وحضر حتى علا البيت وألقى هبلا * من كعبة الله سريعا وانحدر وقال الناشئ: أما علا من خاتم الرسل كاهلا * وقد كان عبلا يحمل الظهر كاهله ولكن رسول الله علاه عامدا * على كتفيه كي تناهى فضايله وذلك يوم الفتح والبيت قبله * ومن حوله الاصنام والكفر شامله فشرفه خير الانام بحمله * فبورك محمولا وبورك حامله فلما دحى الاصنام أومى بكفه * فكادت تنال الافق منه أنامله أيعجز عنه من دحى باب خيبر * ويحمله أفراسه ورواحله وله ايضا: أقام دين الاءله ؟ إذا كسرت * يداه من فتح مكة هبلا علا على كاهل النبي ولو * رام احتمالا لاحمد حملا ولو أراد النجوم لامسها * هناه ذو العرش ما به كفلا وله ايضا: وكسر أصناما لدى فتح مكة * فأورث حقدا كل من عبدالوثن فأبدت له عليا قريش تراتها * فأصبح بعد المصطفى الطهر في محن يعادونه إذ أخفت الكفرسيفه * واضحى به الدين الحنيفي قد علن وقال خطيب منبج: ومن نهض النبي به فأضحى * بأصنام البنية مستهينا دحى باللات والعزى جميعا * على هبل فغادر مستهينا ولم يسجد له من قبل طوعا * كما كانوا بمكة ساجدينا اجيب دعاء ابراهيم فيه * فكان لها من المتجبينا وقال غيره: ومن علا ظهر النبي وارتقى * وكسر الاصنام بالنصر وحديث الارتقاء مثل حديث المعراج سواء، وقد روي كل واحد منهما من وجهين في زمانين مختلفين فيدل هذا على ان كل واحد منهما كان مرتين. مسند ابو يعلى، ابو مريم قال علي: انطلقت مع رسول الله ليلا حتى أتينا


[ 403 ]

الكعبة فقال لي اجلس فجلست فصعد رسول الله على منكبي ثم نهضت به فلما رأى ضعفي عنه قال اجلس فجلست فنزل رسول الله وجلس لي وقال اصعد على منكبي ثم صعدت عليه ثم نهض بي حتى انه ليخيل إلي لو شئت نلت افق السماء وصعدت على البيت فأتيت صنم قريش وهو بمثال رجل من صفر أو نحاس، الحديث. وروى اسماعيل بن محمد الكوفى في خبر طويل عن ابن عباس انه كان صنم لخزاعة من فوق الكعبة فقال له النبي: يا ابا الحسن انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت فانطلقا ليلا فقال له يا ابا الحسن ارق على ظهري وكان طول الكعبة اربعين ذراعا فحمله رسول الله فقال: انتهيت يا علي ؟ قال: والذي بعثك بالحق لو هممت أن أمس السماء بيدي لمسستها واحتمل الصنم وجلد به الارض فتقطع قطعا ثم تعلق بالميزاب وتخلى بنفسه الى الارض فلما سقط ضحك فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما يضحك يا علي أضحك الله سنك ؟ قال: ضحكت يا رسول الله تعجبا من اني رميت بنفسى من فوق البيت الى الارض فما ألمت ولا اصابني وجع، فقال: كيف تألم يا ابا الحسن أو يصيبك وجع إنما رفعك محمد وانزلك جبرئيل. وفي اربعين الخوارزمي في خبر طويل فانطلقت انا والنبي وخشينا ان يرانا احد من قريش أو غيرهم فقذفته فتكسر ونزوت من فوق الكعبة. قال ابن الاسود الكاتب أمن سرى معه سواء عندما * مضيا بعون الله يبتدران نحو البنية بيته العالي الذي * ما زال يعرف شامخ البنيان حتى إذا أتيا إليه بسدفة * وهما لما قصداله وجلان ويفرق الكفار عن اركانه * وخلا المقام وهوم الحيان أهوى ليحمله رآه وصيه * فونى ونى سوى لالف هدان ان النبوة لم يكن ليقيلها * إلا نبي أيد النهضان فحنى النبي له مطاه وقال قم * فاركب ولاتك عنه بالخشيان فعلاه وهو له مطيع سامع * بأبي المطيع مع المطاع الحاني ولو انه منه يروم بنانه * نجما لنال مطالع الدبران فتناول الصنم الكبير فرجه * من فوقه ورماه بالكذان حتى تحطم منكباه ورأسه * ووهى القوايم والتقى الطرفان ونحا بصم جلامد اوثانهم * فأبادها بالكسر والايهان وغدا عليه الكافرون بحسرة * وهم بلا صنم ولا اوثان


[ 404 ]

وقال الحميري: وليلة خرجا فيها على وجل * وهما يجوبان دون الكعبة الظلما حتى إذا انتهيا قال النبي له * انا نحاول ان نستنزل الصنما من فوقها فاعل ظهري ثم قام به * خير البرية ما استحيى وما احتشما حتى إذا ما استوت رجلا ابي حسن * اهوى به لقرار الارض فانحطما ناداه احمد ان ثب يا علي لقد * احسنت بارك ربي فيك فاقتحما وله ايضا: وليلة قاما يمشيان بظلمة * يجوبان حلبابا من الليل غيهبا الى صنم كانت خزاعة كلها * توقرة كي يكسراه ويهربا فقال اعل ظهري يا علي وحطه * فقام به خير الانام مركبا يغادره فضا جذاذا وقال ثب * جزاك به ربى جزاء مؤربا فهذه دلالات ظاهرة على انه اقرب الناس إليه وأخصهم لديه وانه ولي عهده ووصيه على امته من بعده وانه صلى الله عليه وآله لم يستنب المشايخ في شئ إلا ما روى في ابى بكر انه استنابه في الحج وفي قول عائشة: مروا أبا بكر ليصلى بالناس، وكلا الموضعين فيه خلاف. ولعلي بن ابى طالب (ع) مزايا فانه لم يول عليه احد وما اخرجه الى موضع ولا تركه في قوم إلا ولاه عليهم وكان الشيخان تحت ولاية اسامة وعمرو بن العاص وغيرهما. قال منصور النميري: من كان ولى احمد واليا * على علي فيولوا عليه قل لابي القاسم ان الذي * وليت لم يترك وما في يديه فصل: في المسابقة بالهزم وترك المراهتة تفسير الثعلبي والقشيري والواحدي والقزويني ومعانى الزجاج ومسند الموصلي واسباب نزول القرآن عن الواحدي انه لما دخل النبي صلى الله عليه وآله مكة يوم الفتح غلق عثمان ابن طلحة العبدي باب البيت وصعد السطح فطلب النبي المفتاح منه فقال: لو علمت انه رسول الله لم امنعه فصعد علي بن ابى طالب السطح ولوى يده واخذ المفتاح منه وفتح الباب فدخل النبي البيت فصلى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس ان يعطيه


[ 405 ]

المفتاح فنزل (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر إليه فقال له عثمان: يا علي اكرهت وأذيت ثم جئت برفق، قال: لقد أنزل الله عزوجل في شأنك، وقرأ عليه الآية فأسلم عثمان فأقره النبي في يده وفى رواية صاحب النزول انه جاء جبرئيل فقال: مادام هذا البيت فان المفتاح والسدانة في يد أولاد عثمان وهو الى اليوم في أيديهم. وفي الصحيحين والتاريخين والمسندين وأكثر التفاسير ان سارة مولاة أبي عمرو ابن صيفي بن هشام أتت النبي من مكة مسترفدة فأمر صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب باسدانها فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي الى مكة وكان صلى الله عليه وآله أسر ذلك ليدخل عليهم بغتة فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت فأتى جبرئيل وقص القصة على رسول الله فأنفذ عليا والزبير ومقداد وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد ؟ خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبوها بالكتاب فأنكرت وما وجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي (ع): والله ما كذبنا ولا كذبنا، وسل سيفه وقال: اخرجي الكتاب وإلا والله لاضربن عنقك، فأخرجته من عقيصتها فأخذ أمير المؤمنين الكتاب وجاء الى النبي فدعا بحاطب من أبي بلتعة وقال له: ما حملك على ما فعلت ؟ قال: كنت رجلا عزيزا في أهل مكة – أي غريبا ساكنا بجوارهم – فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة ليدفعوا عن أهلي بذلك فنزل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة). قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) بالكتاب والنصيحة لهم وقد كفروا بما جاءكم أيها المسلمون من الحق يعني الرسول والكتاب يخرجون الرسول يعني محمدا وإياكم يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين ان يؤمنوا بالله ربكم وكان النبي وعلي صلى الله عليهما وحاطب ممن اخرج من مكة فحلاه رسول الله لايمانه ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي أيها المؤمنون تسرون إليهم بالمودة تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي وتتخذون عندهم النصيحة وأنا أعلم بما أخفيتم من اخفاء الكتاب الذي كان معها وما أعلنتم وما قاله أمير المؤمنين (ع) للزبير: والله لاصدقت المرأة ان ليس معها كتاب بل الله أصدق ورسوله فأخذه منها ثم قال: ومن يفعله منكم عند أهل مكة بالكتاب فقد ضل سواء السبيل.


[ 406 ]

وقد اشتهر عنه (ع) قوله: أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليفقأها غيري. وقال الطبري ومجاهد في تاريخهما جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أي يوم نكتب فقال علي: من يوم هاجر رسول الله ونزل أهل الشرك فكأنه أشار أن لا تبتدعوا بدعة وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول الله لانه قدم النبي المدينة في شهر ربيع الاول أمر بالتاريخ فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه الى أن تمت له سنة. ذكره التاريخي عن ابن شهاب، ولقد كان يجري سياسته مجرى المعجزات لصعوبته وتعدده، وذلك ان أصحابه كانوا فرقتين أحدهما على ان عثمان قتل مظلوما وتتولاه وتتبرأ من أعدائه والاخرى وهم جمهور الحرب وأهل الغنى والباس يعتقدون ان عثمان قتل لاحداث أوجبت عليه القتل ومنهم من يصرح بتكفيره وكل من هاتين الفرقتين يزعم ان عليا موافق له على رأيه وكان يعلم انه متى وافق احدى الطائفتين باينته الاخرى وأسلمته وتولت عنه وخذلته يستعمل في كلامه ما يوافق كل واحدة من الطائفتين فيقول والله قتل عثمان قتل ولم. تاريخ الطبري، قال أبو بكر الهذلي: اجتمع أهل همدان والري ونهاوند وقومس واصفهان وتظاهروا على أبي بكر فقال طلحة فضلا ثم قال عثمان تلقيهم في أهل الشام واليمن وأهل الكوفة والبصرة فقال أمير المؤمنين (ع): ان أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم الى ذراريهم وان أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة الى ذراريهم وان أشخصت من هذين الحرمين انقضت العرب عليك من أطرافها وأكنافها حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهم اليك مما بين يديك واما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فانالم نكن نقاتل على عهد رسول الله بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصرة واما ما بلغك من اجتماعهم على المسير الى المسلمين فان الله لمسيرهم أكره منك لذلك وهو أولى بتغيير ما يكره وان الاعاجم إذا نظروا اليك قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه قطعتم العرب فكان أشد لكلبهم فكنت ألبتهم على نفسك وأمدهم من لم يكن يمدهم ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم وتكتب الى اهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق فلتقم منهم فرقة على ذراريهم حرسا لهم ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا يتقضوا ولتسر فرقة منهم الى اخوانهم مددا لهم. قال أبو بريدة الاسلمي: كفى بعلى قائدا لذوي النهى * وحرزا من المكروه والحدثان


[ 407 ]

ونربع إليه ان ألمت ملمة * علينا وترضى قوله ببيان يبين اخفاء النفوس التي لها * من الهلك والوسواس هاجستان وروي عن الصادق عليه السلام: محال وجود النار في بيت ظلمة * وان يهتدى في ظل حيران حاير فلا تطمعوا في العدل من غير أهله * ولا في هدى من غير أهل البصاير تفسير مجاهد وابو يوسف يعقوب بن ابي سفيان قال ابن عباس في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك) قائما ان دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالمسيرة فنزل عند احجار الزيت ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه فانفض الناس إليه إلا علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وابوذر والمقداد وصهيب وتركوا النبي قائما يخطب على المنبر فقال النبي لقد نظر الله يوم الجمعة الى مسجدي فلولا الفئة الذين جلسوا في مسجدي لا نضرمت المدينة على اهلها نارا وحصبوا بالحجارة كقوم لوط ونزل فيهم (رجال لا تلهيهم تجارة) الآية. تاريخ الطبري، ان أمير المؤمنين نزل بقبا على ام كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين أو ثلاثا فرآها تخرج كل ليلة نصف الليل الى طارق وتأخذ منه شيئا فسألها عن ذلك فقالت هذا سهل بن حنيف قد عرف اني امرأة لا احد لي فإذا امسى غدا على اوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها وقال احتطبي بهذا فكان أمير المؤمنين يحترمه بعد ذلك الحسن الحسيني في كتاب النسب انه رأى أمير المؤمنين علي (ع) يوم بدر عقيلا في فدفد فصد عنه فصاح به يابن ام علي اما والله لقد رأيت مكاني ولكن عمدا تصدعني فأتى علي الى النبي وقال: يا رسول الله هل لك في ابي يزيد مشدودة يداه الى عنقه بتسعة فقال انطلق بنا إليه. قوت القلوب، قيل لعلي بن ابي طالب (ع): انك خالفت فلانا في كذا ؟ فقال خيرنا اتبعنا لهذا الدين. وضافه رجل ثم خاصم إليه رجلا فقال تحول عنا فان رسول الله نهانا ان نضيف رجلا إلا وان يكون خصمه معه. ونوشه الحارث الاعور فقال قد اجبتك على ان تضمن لي ثلاث خصال لا تدخل علينا شيئا من خارج ولا تدخر عنا شيئا في البيت ولا تجحف بالعيال. أبو عبد الله قال أمير المؤمنين لعمر بن الخطاب: ثلات ان حفظتهن وعلمتهن


[ 408 ]

كفتك ما سواهن وان تركتهن لم ينفعك شبئ سواهن، قال: وما هن يا ابا الحسن ؟ قال اقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط والقسم بين الناس بالعدل بين الاحمر والاسود، فقال له عمر: لعمري لقد اوجزت وابلغت. زرراة قال سمعت ابا جعفر يقول: اقيم عبيد الله بن عمر وقد شرب الخمر فأمر به عمران يضرب فلم يتقدم إليه احد يضربه حتى قام علي (ع) بنسعة مثنية فضربه بها اربعين. زرارة قال سمعت ابا جعفر يقول: ان الوليد بن عقبة حين شهد عليه شرب الخمر قال عثمان لعلي اقض بيني وبين هؤلاء الذين يزعمون انه شرب الخمر فأمر علي ان يضرب بسوط له شعبتان اربعين جلدة. واخذ (ع) رجلا من بني اسد في حد فاجتمع قومه ليكلموا فيه وطلبوا الى الحسن ان يصحبهم فقال ائتوه فهو اعلى بكم عينا فدخلوا عليه وسألوه فقال لا تسألوني شيئا املك إلا اعطيتكم فخرجوا يرون انهم قد انجحوا فسألهم الحسن فقالوا اتينا خير مأتى وحكوا له قوله فقال ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه فأخرجه علي فحده ثم قال هذا والله لست املكه. تهذيب الاحكام، انه اتي أمير المؤمنين بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين جلدة ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين سوطا فقال له يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين جلدة في شرب الخمر وهذه العشرين ما هي ؟ قال هذا لتجريك على شرب الخمر في شهر رمضان. وبلغ معاوية ان النجاشي هجاه فدس قوما شهدوا عليه عند أمير المؤمنين (ع) انه شرب الخمر فأخذه علي فحده فغضب جماعة على علي في ذلك منهم طارق بن عبد الله النهدي فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى ان اهل المعصية والطاعة واهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث – يعني النجاشي – فأوغرت صدورنا وشتت امورنا وحملتنا على الجادة التي كنا نرى ان سبيل من ركبها النار، فقال علي صلوات الله عليه: انها لكبيرة إلا على الخاشعين يا اخا بني نهد هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا يا اخا بني نهد انه من اتى حدا فاقيم كان كفارته يا اخا بني نهد ان الله عزوجل يقول في كتابه العظيم (ولا يجر منكم شنان قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى) فخرج طارق والنجاشي معه الى معاوية ويقال انه رجع. المناقب ج 1، م 51


[ 409 ]

مطر الوراق وابن شهاب الزهري في خبر انه لما شهد ابو زينب الاسدي وابو مزرع وسعيد بن مالك الاشعري و عبد الله بن خنيس الازدي وعلقمة بن زيد البكري على الوليد بن عقبة انه شرب الخمر امر عثمان باقامة الحد عليه جهرا ونهى سرا فرأى أمير المؤمنين انه يدره عنه الحد قام والحسن معه ليضربه فقال: نشدتك الله والقرابة قال (ع): اسكت ابا وهب فانما هلكت بنو اسرائيل بتعطيلهم الحدود، فضربه وقال لتدعوني قريش بعد هذا جلادها، قال الرشيد الوطواط: المصطفى قال في رهط وفي عدد * لكن واحدة إلا كفى أبو الحسن هذا هو المجد من تبغونه عوجا * ان العلى خشن ينقاد للخشن وروي انه خير لرجل فسق بغلام اما ضربه بالسيف أو هدم حايط عليه أو الحرق بالنار فاختار النار لشدة عقوبتها وسأل النظرة لركعتين فلما صلى رفع رأسه الى السماء وقال: يا رب اني اتبت بفاحشة واتيت الى وليك تائبا واخترت الاحراق لاتخلص من نار يوم القيامة، فبكى علي وبكى من حوله فقال علي: اذهب فقد غفر الله لك، فقال رجل: يا أمير المؤمنين تعطل حدا من حدود الله، فقال له ويلك ان الامام إذا كان من قبل الله ثم تاب العبد من ذنب بينه وبين الله فله ان يغفر له. اتت امرأة الى علي تستعدي على زوجها انه احبل جاريتي ؟ فقال: انها وهبتها لي فقال علي للرجل: تأتيني بالبينة وإلا رجمتك، فلما رأت المرأة انه الرجم ليس دونه شئ اقرت انها وهبتها له فجلدها علي (ع) واجاز له ذلك، ولما حث أمير المؤمنين على حرب صفين قام اربد بن ربيعة الفزاري فقال: يا علي اتريد ان تقتل اهل الشام كما قتلنا اهل البصرة قتلة الغوغاء، فقال ابو علافة التميمي: اعوذ بربي ان تكون منيتي * كما مات في سوق البزازين اربد تغاوره قراؤنا تبعا لهم * إذا رفعت ايدبها وقعت يد فجعل أمير المؤمنين (ع) ديته على بيت المال، قال الصاحب: من كمولانا علي مفتيا * خضع الكل له واعترفا وله ايضا: تولى امور الناس لم يستغلهم * ألا ربما يرتاب من يتقلد ولم يك محتاجا الى علم غيره * إذا احتاج قوم في القضايا تبلدوا فهذه مزايا له فيما شاركهم فيه فتجمع فيه ما تفرق في سائر الصحابة فتبين رجحانه على جميعهم والتقدم على الافضل خطأ. قال الصاحب:


[ 410 ]

تجمع فيه ما تفرق في الورى * من الخلق والاخلاق والفضل والعلى وقال الرشيد وطواط: لقد تجمع في الهادي أبي الحسن * ما قد تفرق في الاصحاب من حسن ولغيره: ولم يكن في جميع الناس من حسن * ما كان في الضيغم العادي أبي الحسن وقال علي بن هارون: وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها * أبو حسن من بينهم ناهضا قدما وقال المنجم: فما فاتهم منها به سلموا له * وما شاركوه كان أوفرهم قسما كتاب أبو موسى الحامض النحوي انه عرض عباسي للسيد الحميري ان أشعر الناس من قال: محمد خير من يمشي على قدم * وصاحباه وعثمان بن عفان فقال السيد: يا حدث علي اهلك بالعداوة، فقال السنة فقال السيد هذه حجة أنا أشعر من هذا حيث أقول: سائل قريشا ان كنت ذا عمه * من كان أثبتهم في الدين أوتادا من كان اولها سلما واكثرها * علما واطيبها اهلا واولادا من كان اعدلهم حكما واقسطهم * فتيا واصدقهم وعدا وايعادا من صدق الله إذا كانت مكذبة * تدعو مع الله اوثانا واندادا ان يصدقوك فان ؟ تعدو أبا حسن * ان أنت لم تلق للابرار حسادا وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها * أبو حسن من بينهم ناهضا قدما وقال المنجم: فما فاتهم منها به سلموا له * وما شاركوه كان أوفرهم قسما كتاب أبو موسى الحامض النحوي انه عرض عباسي للسيد الحميري ان أشعر الناس من قال: محمد خير من يمشي على قدم * وصاحباه وعثمان بن عفان فقال السيد: يا حدث علي اهلك بالعداوة، فقال السنة فقال السيد هذه حجة أنا أشعر من هذا حيث أقول: سائل قريشا ان كنت ذا عمه * من كان أثبتهم في الدين أوتادا من كان اولها سلما واكثرها * علما واطيبها اهلا واولادا من كان اعدلهم حكما واقسطهم * فتيا واصدقهم وعدا وايعادا من صدق الله إذا كانت مكذبة * تدعو مع الله اوثانا واندادا ان يصدقوك فان ؟ تعدو أبا حسن * ان أنت لم تلق للابرار حسادا وقال ابن حماد: هو النبأ الاعلى الذي يسأل الورى * غدا عنه إذ يبلو به الله من يبلو فذاك هو الذكر الحكيم وانه * هو المثل الاعلى الذي ماله مثل هو العروة الوثقى هو الجنب إنما * يفرط فيه الخاسر العمه العقل هو القبلة الوسطى يرى الوفد حولها * لها حرم الله المهيمن والحل وآيته الكبرى وحجته التي * اقيمت على من كان مناله عقل هو الباب أعني باب حطة لم يكن * لخلق الى الرحمن من غيره وصل نعم وصراط الله ينجو وليه * ويهلك من زلت عليه به الرجل (تم الجزء الاول ويليه الجزء الثاني)

اترك تعليقاً