كتاب سليم بن قيس

تحقيق محمد باقر الأنصاري


[ 1 ]

كتاب سليم بن قيس الهلالي أول مصنف عقائدي حديثي تاريخي وصل إلينا من القرن الأول تأليف التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي (2 قبل الهجرة – 76 هجرية) من خواص أصحاب الأمام أمير المؤمنين والأمامين الحسنين والأمام زين العابدين والأمام الباقر عليهم السلام تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني


[ 2 ]


[ 3 ]

أهدي كتاب سليم بن قيس إلى الذين أحبهم سليم وأحبوه: إلى أهل بيت الرسول الأطهار.. صلى الله عليه وعليهم. وأخص منهم السبط الذي سماه جده الرسول محسنا قبل أن يولد.. ريحانة النبي.. ومهجة الزهراء.. وقلب علي.. الزهرة التي ولدت قبل الفجر.. فاغتالتها يد الغدر.. الملاك المذبوح بين الباب والجدار.. وهج دم النبوة.. وشهيد حق الأمامة.. وقتيل سيف البيعة.. أول شمعة ذابت في محراب الولاية.. ورائد الشهداء من آل محمد.. ب ب وإلى محبيهم.. الذين وجدوا فيهم كل شئ فاسترخصوا من أجلهم كل شئ.. الذين استمعوا القول فاتبعوا أحسنه.. وما زالوا يستمعونه ويتبعون أحسنه.. وإلى الأحرار الذين يحبون أن يفهموا، ولا يستعملون دواء ضد الفهم.. الذين يحبون الحق للحق.. أيا كان.. وأينما كان.. ويقدسون موروثاتهم بشرط مشدد.. أن تطابق العقل والقرآن والمنطق.. وإلا.. قالوا لها وداعا.. هذا فراق ما بيننا فهؤلاء تستطيع أفكارهم أن تهضم هذا الكتاب.. وأعصابهم أن تتحمله.. المحقق


[ 4 ]

بعد أن وفقني الله تعالى لنشر الطبعة المحققة من كتاب سليم في ثلاث مجلدات، أشار علي بعض إخواني بنشره بصورة ميسرة في مجلد واحد ليتمكن من الاستفادة منه كل مسلم يريد أن يتعرف على معالم دينه من هذا التراث القيم. فقمت في هذه الطبعة بتلخيص المقدمة، وضبط متن الكتاب على 14 نسخة مخطوطة واختصرت الهوامش وأضفت التخريج الموضوعي في آخر الكتاب. واسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين وينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون.


[ 7 ]

كتاب سليم بن قيس الوجه الاخر لتاريخ الأسلام ما الذي حدث بعد الأنبياء عليهم السلام ؟ ما الذي حدث بعد وفاة أبينا آدم عليه السلام ؟ قالت الأحاديث: غلب ولده الشرير قابيل وذريته على ولده الصالح هبة الله وذريته، وطردوهم إلى جزيرة من جزائر البحر وما الذي حدث بعد وفاة نوح عليه السلام ؟ قال التاريخ: غلب أولاده وأصحابه الأشرار على أتباعه المؤمنين وجحدوا الله ورسوله وأعادوا عبادة الأصنام – ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا – بنفس أسمائها ومراسمها قبل الطوفان وماذا حدث بعد وفاة إبراهيم عليه السلام ؟ قال التاريخ: إن الأنبياء والصالحين من أولاده لم يحكموا بعده إلا فترات قليلة فقد تغلب الأشرار من أبناء إسحاق واضطهدوا الأنبياء والمؤمنين وشردوهم


[ 8 ]

وماذا حدث بعد وفاة موسى عليه السلام ؟ قال التاريخ: لم يطع اليهود وصيه يوشع بن نون إلا قليلا عند ما كانوا في صحراء التيه، ولما دخلوا فلسطين انقلبوا عليه وساعدتهم زوجته الصفوراء بنت شعيب وغلب الفجار منهم على أوصياء موسى الشرعيين وأسسوا دولة القضاة، تتداولها قبائل بني إسرائيل وبعد وفاة سليمان عليه السلام ؟ قال التاريخ: انقلب أصحابه وشرار أولاده على وصيه الشرعي آصف بن برخيا وشيعته فعزلوهم، واستدعوا رحبعام عدو سليمان المنفي إلى مصر ثم اختلفوا بينهم فتفككت الدولة وضاع أكثرها، وبقي للمختلفين إمارة القدس، فملكوا عليهم إبنا لسليمان غير وصي وإمارة الخليل، وملكوا عليهم عدو سليمان الذي كان نفاه وما الذي حدث بعد عيسى عليه السلام ؟ قال التاريخ: تواصلت مطاردة الرومان واليهود لوصيه شمعون الصفا وبقية الحواريين والمؤمنين واضطهدوهم، حتى جاء بولس بعد ثلاثين سنة وادعى أن عيسى عليه السلام ظهر له من السماء في حوران، فكثر أتباعه ثم تبنت الدولة الرومانية مسيحية بولس وواصلت اضطهادها للحواريين وأتباعهم، حتى انقرضوا ب ب ب وما الذي حدث بعد وفاة محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال التاريخ: اختلف أصحابه عند وفاته، فقالت أكثريتهم: إن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص إلى أحد، وخلافته ليست لأهل بيته، بل هي لقبائل قريش يتداولونها بينهم فبايعوا أبا بكر بن أبي قحافة التيمي على أنه خليفة لنبيهم.


[ 9 ]

وقال أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم: بل أوصى النبي صلى الله عليه وآله لأثني عشر إماما من أهل بيته، وقال إنهم بعدد حواري عيسى عليه السلام ونقباء بني إسرائيل، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ذرية الحسين عليهم السلام، خاتمهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهكذا سار التاريخ الأسلامي بأكثرية حاكمة وأقلية معارضة محكومة، عرفت من الأول باسم (شيعة علي عليه السلام) و (شيعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله). وواصل السنيون سيطرتهم على الامة الأسلامية قرونا طويلة، كانت الخلافة فيها لقبائل قريش، حتى انتقلت الخلافة بفتوى المذهب الحنفي إلى جماعة من الأتراك جدهم يسمى عثمان، عرفوا باسم الخلفاء العثمانيين، حتى انهارت الدولة الأسلامية على أيديهم وتسلط الغربيون على بلاد المسلمين الشيعة معارضة لم تتعب رغم القمع القرشي والعثماني الشيعة هم أطول معارضة في تاريخ ما بعد الأنبياء.. وأكثرها مأساوية.. وأكثرها حيوية ونشاطا هل قرأت سفر المكابيين من بعد موسى عليه السلام ؟ كانوا فرقة يهودية متدينة، عارضوا حكام اليهود المنحرفين وأسيادهم الرومان وقاتلوهم سنين طويلة، وتشردوا وعاشت أجيالهم في الجبال والكهوف والصحاري وكتبوا أفكارهم ومأساتهم وتاريخهم، ولكنهم انتهوا وانقرضوا. إن ملحمة المكابيين ومأساتهم، إنما هي جزء صغير من تاريخ الشيعة ومأساتهم


[ 10 ]

وأول ما يواجهك من قرارات الدولة القرشية والعثمانية بحق الشيعة أنه يحرم عليهم أن يكتبوا وجهة نظرهم، حتى لو كانت أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وتفسيره للقرآن ويحرم على الناس أن يقرؤوا وجهة نظرهم من كتبهم، أو يسمعوها منهم، أو يفكروا فيها، مجرد تفكير لغرض المعرفة ومن يكتب منهم أو يقرأ لهم، فهو عدو للصحابة، وعدو لله ولرسوله، وخارج عن الأسلام، مهدور الدم، مباح للمسلمين عرضه وماله ومن عجائب الدنيا أن الخلافة القرشية قد انتهت عمليا من بعد المعتصم العباسي.. فيومها سيطر الجند الأتراك على مقدرات الدولة، وصار الخليفة مؤظفا عندهم براتب شهري ثم انتهت خلافة قريش حتى اسميا على يد الأتراك العثمانيين. ثم انتهت الخلافة العثمانية على يد الغربيين. وصارت جميع قراراتهم وسياساتهم تاريخا، مجرد تاريخ ولكن قراراتهم بشأن الشيعة بقيت في أذهان كثير من السنيين دينا يتدينون به فهؤلاء يرون أن الخلفاء القرشيين والعثمانيين ركن من أركان الأسلام، أنزله الله على رسوله، مع بقية أركانه أو قبلها وكل شئ يعارض الخلفاء وينتقدهم، فهو بخيالهم كفر بالله ورسوله لقد صار خلفاء قريش وبني عثمان جزء من الأسلام عندهم، بل جزءه الأعز على قلوبهم حتى أنك لا تجد عند متعصبيهم غيرة وحمية لله تعالى ولرسوله كما تجدها لهذا الخليفة أو ذاك إن الأفكار والفتاوى التي ما زالت جزء من المذاهب السنية إلى عصرنا تدلك على أعباء القرون التي تحملها الشيعة، وعانوا من وطأتها. وتشير لك إلى أن اضطهاد الشيعة زاد في كمه وكيفه عن اضطهاد أي معارضة بعد الأنبياء


[ 11 ]

ومع كل هذا بقي الشيعة أحياء يرزقون وكان عددهم يزداد في التاريخ حتى بلغوا في بعض القرون نصف الامة الأسلامية أما نحن فنعتقد أننا بقينا ولم ننقرض، لأن الله تعالى وعد على لسان نبيه صلى الله عليه وآله أنه لابد أن يبلغ أمره في أهل بيت نبيه، حتى يبعث منهم المهدي الموعود الذي يصحح مسيرة الامة ويضئ العالم بنور الأسلام. ب ب ب ب شاب نجدي يكتب قصة الوجه الاخر لتاريخنا أكثر الناس لا يحبون النظر إلى الوجه الاخر لتاريخنا الأسلامي، ولا يحبون سماع وجهة نظر المعارضة فيه ولا القراءة عنها. وبعضهم يحبون ذلك لأنهم يحبون الفهم والمعرفة، أو لأنهم متدينون يعتقدون بأن الأسلام هو الرسالة الخاتمة، فهو مشروع إلهي للعالم إلى يوم القيامة، ويتساء لون في أنفسهم: هل يعقل أن الله تعالى جعل خاتم الأنبياء والرسل بلا أوصياء ولا وصية، ولا خطة ربانية تمتد إلى يوم القيامة ؟ وهل يعقل أن تكون الخطة أن يحكم بعد نبيه عدد من الخلفاء القرشيين، ثم عدد من الخلفاء العثمانيين، ثم تضعف الامة وتنتهي الدولة وكان الله يحب المحسنين ؟ وعند ما يسمعون أن الشيعة عندهم إعتقاد آخر وتصور آخر عن نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، وعن المشروع الألهي المستمر بعد النبي بعترته إلى يوم القيامة، يحبون أن يسمعوا عن ذلك ويقرؤوا.


[ 12 ]

إن كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري كتب لهذا النوع من الناس، الذين عندهم أعصاب لتحمل سماع الحقائق التي تخالف الأفكار المألوفة، التي تربى عليها الناس. ومن مقادير الله تعالى العجيبة أن يكون هذا المؤلف شابا نجديا من قبيلة بني هلال العوامر، الذين ما زال قسم من عشيرتهم إلى عصرنا في المنطقة. على أي، فهذا الشاب النجدي كان أول مؤلف في تاريخ الأسلام بعد المؤلفات التي أملاها النبي صلى الله عليه وآله على على عليه السلام. فقد دخل سليم بن قيس إلى المدينة المنورة في أوائل خلافة عمر بن الخطاب، وكان عمره سبعة عشر عاما، وبدأ يسأل ويتتبع لكي يعرف ويفهم، وبدأ يكتب ويدون، مع أن تدوين الحديث كان جريمة يعاقب عليها صاحبها بالضرب والحبس والحرمان والعزل الأجتماعي ولكن سليما كان يجيد التحفظ والتقية، وبذلك استطاع أن يكتب ويحافظ على كتابه، واستمر على ذلك في خلافة عثمان وبعده طيلة 60 سنة من عمره المبارك… وحمله معه في تشريده من بلد إلى بلد، وهروبه من سيف الحجاج… إلى أن ورثه لراويه أبان بن أبي عياش في سنة 76 الهجرية


[ 13 ]

(1) ميزات كتاب سليم كتاب سليم، أول مؤلف في الأسلام لا يوجد عند المسلمين بعد كتاب الله تعالى ومواريث الأنبياء التي عند أهل البيت عليهم السلام كتاب أقدم من كتاب سليم بن قيس. (1) وهي ميزة عظيمة لهذا النص التاريخي العقائدي، فمؤلفه قدس الله نفسه أول من فكر في تدوين العقائد والتاريخ الأسلاميين، ثم قام بذلك وحده في ظروف خطيرة، لم يجد فيها من يعينه في مهمته. وقد خاطر بحياته الشريفة في جمعه وتأليفه ثم نسخه وحفظه، والوصية به وإيصاله إلى من بعده. لقد كان سليم يحس بمسؤولية شرعية للقيام بهذه المهمة التاريخية، وقد شاء الله تعالى أن يتفرد عن جيله، وينهض بمسؤولية هذا الأمر الخطير، ويقدم للامة الأسلامية أقدم قصة للوجه الاخر لتاريخها.


(1). وقد يذكر في عداد أول ما صنف في الأسلام كتاب لأبي رافع في السنن، وكتاب لعبد الله بن أبي رافع في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، وكتاب لسلمان في حديث الجاثليق، وكتاب لأبي ذر في الفتن، وكتابان للأصبغ بن نباتة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر، وكتاب في مقتل الحسين عليه السلام، وكتاب للحارث الهمداني، وكتاب لربيعة بن سميع (رجال البرقي: ص 27). ولكن جميع المذكورين من معاصري سليم، وليس فيهم أحد أقدم منه عصرا، فلا دليل على تقدم كتبهم على كتاب سليم، ومجرد تقدم تاريخ وفاة بعضهم على وفاة سليم لا يكفي في ذلك. ثم إن الكتب المذكورة لم تكن بمستوى أهمية كتاب سليم ومن جهة أخرى فإنها لم تصل بأيدينا، وبذلك يتميز عليها كتاب سليم.

[ 14 ]

يكفي كتاب سليم أنه تراث علمي ممتاز من أقدم ما وصلنا في الثقافة الأسلامية، ولكن مع ذلك له ميزات هامة ضاعفت من قيمته، نجملها في النقاط التالية: الميزة الاولى: أن موضوعه عقائد الأسلام وتاريخه فقد اختار المؤلف مسائل في الدرجة الاولى من الأهمية، مثلت الحقيقة المقابلة لما فعلته وقالته ودونته دولة الخلافة القرشية، التي سيطرت على تاريخ الأسلام وعلى أفواه المسلمين لقد كشف سليم في كتابه عن الوقائع التي حدثت في مرض النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، وكيف وصل زعماء قريش إلى السلطة، وكيف اضطهدوا النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام بيت العصمة والطهارة، ثم تربعوا على كرسي الحكم باسم النبي صلى الله عليه وآله وباسم الأسلام. الميزة الثانية: الفترة التي أرخ سليم أحداثها وهي أكثر الفترات حساسية وتأثيرا على عقائد المسلمين على الأطلاق. ذلك أن جميع عقائد المسلمين ومذاهبهم قد تكونت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، بسبب ما حدث عند وفاته وبعد وفاته من اختلاف فجميع ما طرح من عقائد وأحكام خلال أربعة عشر قرنا إلى يومنا هذا، يرجع إلى تلك الفترة الحساسة وقد أرخ سليم بن قيس لتلك الفترة، فكان عمله فريدا من نوعه، وبهذا احتل مكانة الدرجة الاولى بعد أحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام، الذين قاموا بكشف حقائق تلك الفترة. إن الأجيال المسلمة مدينة لهذا المؤلف الشجاع الذي سد فراغا لم يسده غيره، ودون الحقيقة للأجيال.


[ 15 ]

الميزة الثالثة: صراحته رغم ظروف تأليفه الخانقة فقد كتبه سليم في عصر المنع المطلق من تدوين أحاديث النبي صلى الله عليه وآله حتى ما يتعلق منها بالسنن والأحكام الشرعية بل لقد منعت الدولة حتى مجرد رواية الحديث النبوي، حتى في المسجد، وحتى من كبار الصحابة في مثل تلك الظروف الخانقة، قام سليم بن قيس بتسجيل هذه الحقائق التاريخية والعقائدية وتدوينها في كتاب، وكان يجمع أحاديثه من الأئمة الأطهار عليهم السلام والصحابة الأبرار ويكتبها في كتابه على خوف ووجل، لأن الدولة لو اطلعت على ذلك لكان ذلك برأيها سببا كافيا لأعدام المؤلف ومن جهة أخرى فقد دون سليم مخالفات حكام عصره الذين كان يعيش معهم، واستطاع أن يخفي ذلك عن عيونهم. وقد كان لحرصه على كتابه، يحمله معه في أسفاره وتنقلاته العديدة، خاصة بعد أن تسلط بنو أمية وأخذوا يطاردون شيعة علي عليه السلام. وفي آخر عمره المبارك عند ما كان الحجاج يتتبع من بقي من أصحاب علي عليه السلام ليقتلهم، اختفى سليم وتنقل من بلد إلى بلد ما بين نجد ومكة والمدينة والكوفة والبصرة.. ثم عبر إلى أرض فارس ووصل إلى نوبندجان، وهناك في بيت أحد أصدقائه أبان بن أبي عياش حط به المرض وجاءه الأجل، وكان لابد من البوح بالسر وايصال الأمانة إلى أهلها. فأخذ على أبان الأيمان، وكشف له حقيقة أحداث عاشها وشاهدها وسجلها، وقرأ عليه الكتاب، وأودعه عنده، ليوصله إلى أهله وقد حافظ أبان على الأمانة، وحمل الكتاب بعد وفاة سليم إلى علماء البصرة، فنسخه بعض الرواة والعلماء رغم تلك الظروف الصعبة وانتشرت نسخه منهم عبر الأجيال.. حتى وصل إلينا. الميزة الرابعة: الدقة والأتقان إن كتاب سليم بعد التدقيق والمقايسة مع المصادر الاخرى، يعتبر من مصادر الدرجة الاولى في دقته، وهذه ميزة تزيد من قيمة كتابه المبارك.


[ 16 ]

لهذا كله، لابد أن ننظر إلى كتاب سليم باعتباره أول نص متقن في أهم الموضوعات الأسلامية، تم تدوينه في فترة حساسة وظروف صعبة.. وأن نشكر مؤلفه من صميم قلوبنا. وقد شكر الله سعيه حيث حفظ كتابه عبر القرون والأجيال حتى وصل إلينا، وتم في عصرنا طبعه بطبعات جديدة، والحمد لله. أحاديث رواها الرواة، ولم يذكرها مؤلف في كتابه قبل سليم (1) أولا: أحاديث أساسية في العقائد 1. حديث الغدير. 2. حديث الثقلين. 3. حديث المنزلة. 4. حديث السفينة. 5. حديث باب حطة. 6. حديث الحوض. 7. حديث سد الأبواب. 8. حديث الكساء وآية التطهير. 9. حديث المباهلة. 10. حديث الكتف.


(1). راجع التخريج الموضوعي آخر الكتاب، لتفاصيل المواضيع العقائدية والتاريخية التي لم يذكرها مؤلف في كتابه قبل سليم.

[ 17 ]

ثانيا: مسائل عقائدية مهمة 1. معنى الأسلام والايمان، وشروطهما، ودرجاتهما. 2. معنى إقامة النبي والأمام الحجة لله تعالى، ومن هم حجج الله تعالى على الناس، وكيفية إقامتهم الحجة لله تعالى. 3. بيان عقيدة المسلمين في القرآن، ومن هم المفسرون الشرعيون له. وقد تضمن كتابه تفسير عدد من آيات القرآن الكريم وسبب نزولها. 4. عقيدة المسلمين في الخلافة والأمامة، وضرورتها وحدودها، وتسمية مستحقيها، وبيان غاصبيها. 5. بيان معنى فريضة الولاية لأولياء الله تعالى، والبراءة من أعدائه، وتعيينهم. 6. بيان أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي نص فيها على إمامة الأئمة الأثني عشر من عترته عليهم السلام وذكر أسمائهم. 7. بيان عدد من الأحاديث التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله في مناقب أهل البيت عليهم السلام وأفضيلتهم على جميع الأمة. 8. بيان العلم ومعدنه وأنواعه، وأن أهل البيت عليهم السلام هم معدن علم النبي صلى الله عليه وآله، وبيان جهل مخالفيهم وانخفاض مستوى ثقافتهم، وعدم معرفتهم عقائد الأسلام، ولا أجوبة ما يرد عليهم من المسائل العادية. 9. بيان بعض ما ورد في الكتب السماوية في البشارة بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. 10. بيان معاداة قريش والمنافقين وغيرهم لأهل البيت عليهم السلام، وبغضهم لهم وحسدهم اياهم. كما تضمن الكتاب إشارات إلى ما كان يصدر في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله من المنافقين عامة، وغاصبي الخلافة خاصة. 11. أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي أخبر فيها عما سيقع من ظلم قريش وغيرهم لأهل البيت عليهم السلام، واضطهادهم وغصب حقهم. 12. بيان الضلال الذي حدث في الأمة، وكشف أول من فتح بابه على الامة وأدخل المسلمين فيه.


[ 18 ]

13. بيان العقيدة الأسلامية في الأمام المهدي عليه السلام، وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله في التبشير به وعلامات ظهوره. 14. كما تضمن كتاب سليم بعض أحوال يوم القيامة وأحوال أهل الجنة والنار، والمستحقين بعد النبي صلى الله عليه وآله لدخول الجنة أو النار من هذه الأمة. 15. بيان معنى الشفاعة، ومن يشفع ومن يشفع لهم يوم القيامة. ثالثا: مسائل تاريخية مهمة. أحاديث مهمة عن حروب رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر وأحد وخيبر والخندق وحنين وتبوك وصلح الحديبية وفتح مكة وغيرها.. بيان موارد مواساة علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وايثاره اياه وفداؤه إياه بنفسه.. بيان عدد من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي نص فيها على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، من أول بعثته إلى يوم الغدير.. أحاديث إشهاد النبي صلى الله عليه وآله أصحابه عند إقامة الحجة عليهم وعلى الأمة بولاية علي عليه السلام بعده صلى الله عليه وآله، وخاصة من غصب منهم الخلافة بعده.. جانب من مؤامرات المنافقين لقتل النبي صلى الله عليه وآله.. خبر الصحيفة الملعونة التي كتبها المنافقون من قريش ومن تبعهم، ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، وذكر أصحابها.. أخبار هامة عن الأيام الأخيرة والساعات الأخيرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. أخبار دقيقة ومفصلة عن قضايا السقيفة، واستعجال أصحابها، واغتنامهم فرصة انشغال على عليه السلام وأهل البيت بجنازة النبي صلى الله عليه وآله. ثم تدبيرهم الهجوم المكرر على بيت فاطمة عليها السلام وإحراق بابه، ودخولهم البيت، وإجبارهم أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه على البيعة. وما جرى على فاطمة عليها السلام في هذه الهجمات، وإسقاطها جنينها المحسن عليه السلام.. قصة ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وما جرى بشأن الخلافة بعده صلى الله عليه وآله، وخطط الغاصبين ضد أمير المؤمنين عليه السلام.


[ 19 ]

. ما جرى على شيعة أهل البيت عليهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وجانب من نفي أبي ذر إلى الربذة، وجانب من ظلم معاوية للشيعة واضطهادهم وتقتيلهم.. نماذج من دفاع أهل البيت عليهم السلام عن الأسلام وعن شيعتهم.. التأريخ لعدد من المجالس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واحتجاجات أهل البيت عليهم السلام على الصحابة في تلك المجالس، ومناشداتهم الناس ليشهدوا بوصية النبي صلى الله عليه وآله لهم، وإقرار الناس وشهادتهم لهم بذلك. قصص بعض أهل الكتاب مع أهل البيت عليهم السلام وإقرارهم بشأنهم.. قصص تتعلق بموت أبي بكر وقتل عمر وعثمان.. وثائق شعرية تعتبر من أقدم ما قيل من الشعر في القضايا الأسلامية.. وثائق تاريخية في القضايا الأسلامية يختص سليم بنقلها مثل رسالة معاوية إلى زياد.. قضايا حروب الجمل وصفين والنهروان.. الرسائل المهمة المتبادلة بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية.. أخبار شهادة أمير المؤمنين عليه السلام.. أخبار هامة عما جرى من الفتن بعد أمير المؤمنين عليه السلام في زمن معاوية.. أخبار عن صلح الأمام الحسن عليه السلام مع معاوية وما وقع بينهما.


[ 21 ]

(2) القيمة العلمية لكتاب سليم إشتهار الكتاب في العصور المختلفة اشتهر هذا الكتاب منذ القرن الأول إلى يومنا هذا ب‍ (كتاب سليم بن قيس الهلالي)، وكثيرا ما يعبر عنه اختصارا ب‍ (كتاب سليم). وربما يسمى بأصل سليم وكتاب السقيفة. وأول من سمى الكتاب به الأمام الصادق عليه السلام (1)، وجرى ذكر الكتاب بهذا الاسم على لسان القدماء كالنعماني والشيخ المفيد والنجاشي والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب، وكذلك المتأخرين كالعلامة الحلي والشهيد الثاني والمير الداماد والقاضي التستري والشيخ الحر العاملي، والعلامة المجلسي والشيخ البحراني والمير حامد حسين والمحدث النوري والعلامة الطهراني. كما كان يعرف بنفس الاسم في ألسنة علماء السنة أيضا كالقاضي السبكي وابن أبي الحديد والفيض آبادي وغيرهم. (2) ومن خصائص كتاب سليم أنه كتاب مشهور شهد الموافق والمخالف بأنه كتاب معروف معتبر عند الشيعة، وقد رووا منه أحاديث مما يدل على اشتهار الكتاب وتداول نسخه طيلة أربعة عشر قرنا. ونورد فيما يلي كلمات بعض من شهد بذلك، ونبدأ بغير الشيعة منهم:


(1). في الحديث الذى سيجئ ذكره في تأييد الأئمة عليهم السلام لكتاب سليم. (2). الذريعة: ج 1 ص 63، ج 2 ص 152، ج 6 ص 336. الغيبة للنعماني: ص 61. الأعلام للزركلي: ج 3 ص 119. تأسيس الشيعة لفنون الأسلام: ص 282، 357. المراجعات: ص 307، المراجعة 110. مؤلفو الشيعة في صدر الأسلام: ص 16. التنبيه والأشراف: ص 198.

[ 22 ]

. قال ابن النديم المتوفى 385: (وهو كتاب سليم بن قيس المشهور). (1). قال ابن أبي الحديد المتوفى 656: (سليم معروف المذهب… وكتابه المعروف بينهم المسمى كتاب سليم). (2). قال القاضي بدر الدين السبكي المتوفى 769: (إن أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي). (3). قال الملا حيدر علي الفيض آبادي: (كأن صحة هذين الكتابين أي كتاب سليم وتفسير أهل البيت (يريد به تفسير القمي) وأصحية واحد منهما على سبيل منع الخلو إجماعي عند محققي الشيعة، وعليه فمحتوى الكتابين (عند الشيعة) صادر بعلم اليقين عن لسان ترجمان الوحي النبوي، وذلك لأن جميع علوم الأئمة الصادقين تنتهي إلى هذه البحار الذاخرة). (4). قال النعماني المتوفى 462: (ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاصول). (5). قال ابن الغضائري المتوفى 411: (ينسب إليه هذا الكتاب المشهور). (6). عده الشيخ الحر العاملي في عداد الكتب التي تواترت عن مؤلفيها وعلمت صحة نسبتها إليهم… كوجودها بخط أكابر العلماء وتكرر ذكرها في مصنفاتهم. (7). قال السيد هاشم البحراني المتوفى سنة 1107: (وهو كتاب مشهور معتمد نقل عنه المصنفون في كتبهم). (8)


(1). الفهرست لابن النديم: ص 275. (2). شرح نهج البلاغة: ج 12 ص 216. (3). جاء هذا الكلام في كتابه (محاسن الوسائل في معرفة الأوائل) وهو مخطوط. نقلته من الذريعة: ج 2 ص 153. (4). منتهى الكلام: ج 3 ص 29، ونقله عنه المير حامد حسين في استقصاء الأفحام: ج 2 ص 350. (5). الغيبة للنعماني: ص 61. (6). خلاصة الأقوال: ص 83. (7). وسائل الشيعة: ج 20 ص 36. (8). غاية المرام: ص 549، الباب 54.

[ 23 ]

. قال العلامة المجلسي المتوفى سنة 1111: (كتاب سليم بن قيس الهلالي في غاية الاشتهار). وقال أيضا: (كتاب معروف بين المحدثين). (1). قال المحدث النوري المتوفى سنة 1320: (كتابه من الاصول المعروفة وللأصحاب إليه طرق كثيرة). وقال أيضا: (إنه كتاب مشهور معروف نقل عنه أجلة المحدثين). (2). قال المحدث القمي: ((كتاب) معروف بين المحدثين). (3). قال العلامة الطهراني: (كتاب سليم هذا من الاصول الشهيرة عند الخاصة والعامة). (4). قال السيد الأمين العاملي: (كتاب مشهور). (5). قال العلامة الأميني: (كتاب سليم من الاصول المشهورة المتداولة في العصور القديمة). (6). قال العلامة المرعشي النجفي: (كتاب معروف مطبوع منتشر في الأقطار). (7)


(1). بحار الأنوار: ج 1 ص 32، ج 8 طبع قديم ص 198. (2). مستدرك الوسائل: ج 3 ص 73. نفس الرحمن: ص 56. (3). الكنى والألقاب: ج 3 ص 243. (4). الذريعة: ج 2 ص 153. (5). أعيان الشيعة: ج 35 ص 293. (6). الغدير: ج 1 ص 195 الهامش. (7). إحقاق الحق: ج 2 ص 421 الهامش. (*)

[ 24 ]

شهادات أئمة أهل البيت عليهم السلام بشأن سليم وكتابه يتميز كتاب سليم بأنه عرض على ستة من الأئمة المعصومين عليهم السلام فأقروه ووثقوا صاحبه فقد عرض سليم كتابه على أمير المؤمنين والأمام الحسن والأمام الحسين والأمام زين العابدين عليهم السلام. كما عرضه أبان بن أبي عياش على الأمام زين العابدين والأمام الباقر عليهما السلام. ثم عرضه حماد بن عيسى – الناقل الرابع للكتاب – على الأمام الصادق عليه السلام أيضا. توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لكتاب سليم ب روى الفضل بن شاذان في مختصر إثبات الرجعة: ح 1، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الصفار في بصائر الدرجات: ص 198 ح 3، قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم عن ابن أذينة عن أبان عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الكليني في الكافي: ج 1 ص 62، عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى ابن جرير الطبري الشيعي في المسترشد: ص 36، عن محمد بن عبد الله بن مهران عن حماد بن عيسى عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الصدوق في الأعتقادات: ص 22 وفي الخصال: الباب 4 ح 131، قال: حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام.


[ 25 ]

ب وروى الصدوق أيضا في إكمال الدين: ص 284، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن نصر عن الحسن بن موسى الخشاب، قال: حدثنا الحكم بن بهلول الأنصاري عن إسماعيل بن همام عن عمران بن قرة عن أبي محمد المدني عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش، قال: حدثنا سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الكشي في اختيار معرفة الرجال: ج 1 ص 321 ح 167 عن محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي بن كيسان عن إسحاق بن إبراهيم عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الكراجكي في الأستنصار: ص 10، قال: أخبرني أبو المرجا محمد بن عبد الله بن أبي طالب البلدي، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رحمه الله، قال: حدثني أحمد بن عبيد الله بن جعفر بن المعلى الهمداني، قال: حدثني أبو الحسن عمرو بن جامع بن حرب الكندي، قال: حدثني عبد الله بن المبارك عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى النعماني في الغيبة: ص 49، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ومحمد بن همام بن سهيل وعبد العزيز وعبد الواحد ابني عبد الله بن يونس عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى النعماني أيضا في الغيبة: ص 49، عن هارون بن محمد قال: حدثني أحمد بن عبيد الله بن جعفر بن المعلى الهمداني، قال: حدثني أبو الحسن عمرو بن جامع بن عمرو بن حرب الكندي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك شيخ لنا كوفي ثقة، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام شيخا عن معمر عن أبان بن أبي عياش عن سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب وروى الحسكاني في شواهد التنزيل: ج 1 ص 148 ح 202، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، أخبرنا أبو أحمد البصري، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عمر بن يونس، قال: حدثنى بشر بن المفضل النيسابوري عن عيسى بن يوسف الهمداني عن أبي الحسن بن يحيى، قال: حدثنى أبان بن أبي عياش، قال: حدثني سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام.


[ 26 ]

ب وروى الحسكاني في شواهد التنزيل: ج 1 ص 35 ح 41، قال: حدثنا محمد بن مسعود بن محمد، قال: حدثنا محمد بن نصير، حدثنا الحسن بن موسى الخشاب، حدثنا الحكم بن بهلول الأنصاري عن إسماعيل بن همام عن عمران بن قرة عن أبي محمد المديني عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش، قال: حدثني سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام. ب ورواه الحراني (1) في تحف العقول: ص 131، والعياشي في تفسيره: ج 1 ص 14 ح 2، وص 253 ح 177، وجاء ذلك في الحديث 10 من كتاب سليم: قال سليم: قلت لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم ؟ قال: فأقبل على فقال لي: (يا سليم، قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما…). أقول: تضمن هذا الحديث تأكيد صحة جميع ما في كتاب سليم بإمضاء أمير المؤمنين عليه السلام، وإن خالف ذلك ما دونته مدرسة غاصبي الخلافة.


(1). رواه عن هؤلاء في الصراط المستقيم: ج 2 ص 127. فضائل السادات: ص 170. إثبات الهداة: ج 1 ص 543 و 544. الذريعة: ج 2 ص 152. كفاية المهتدي (للميرلوحي): ص 13. الأربعين (للبهائي): ص 142 ح 21. روضة المتقين: ج 12 ص 201. البحار: ج 2 ص 228، ج 92 ص 99، ج 36 ص 273. عوالم العلوم: ج 2 – 3 ص 539 ح 3. كتاب التحفة في الكلام، ورواه عنه في إثبات الهداة: ج 2 ص 200 ح 1007 بالأسناد إلى عيسى بن أيوب الهمداني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. كفاية الموحدين للطبرسي: ج 2 ص 291، 345.

[ 27 ]

ثوثيق الأمامين الحسن والحسين عليهما السلام لكتاب سليم قال سليم (بعد تمام الحديث 10): ثم لقيت الحسن والحسين عليهما السلام بالمدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين عليه السلام فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما، فقالا: صدقت، قد حدثك أبونا على عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا. توثيق الأمام زين العابدين عليه السلام لكتاب سليم قال سليم (بعد تمام الحديث 10): ثم لقيت علي بن الحسين عليهما السلام وعنده ابنه محمد بن علي عليهما السلام، فحدثته بما سمعت من أبيه وعمه وما سمعت من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله السلام وهو مريض وأنا صبي. ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله – وهو مريض – السلام. قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم. توثيق الأمام زين العابدين عليه السلام لكتاب سليم بعد قرائته ب وردت هذه الشهادة في مفتتح كتاب سليم، ورواه الشيخ حسن بن سليمان في مختصر البصائر: ص 40، ورواها الكشي في رجاله: ج 2 ص 321، قال: حدثني محمد بن الحسن البراثي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن كيسان عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر اليماني (1) عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش. (2)


(1). استظهر بعضهم أن الصحيح: (عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر اليماني). (2). رواه عنه في البحار: ج 1 ص 76 وج 23 ص 124 وج 53 ص 66. وفي إثبات الهداة: ج 1 ص 663 ح 854. وفي وسائل الشيعة: ج 18 ص 72 وج 20 ص 12. (3). (ب): فقرأته عليهم فقالوا لي. (4). (ب): كل. (ب) خ ل: كلنا. وفي (د): كله أعرفه.

[ 28 ]

قال أبان: حججت من عامي ذلك (أي عام وفاة سليم) فدخلت على علي بن الحسين عليه السلام، وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله – وكان من خيار أصحاب علي عليه السلام – ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله. فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين عليه السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام – كل يوم إلى الليل – ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال عليه السلام لي (3): (صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (4) نعرفه). أقول: تضمنت هذه الكلمة النورانية خمسة أمور: 1. تأييد سليم بصفته محدثا صادقا. 2. الترحم عليه إعلاما بأنه من المرضيين عند الله ورسوله والأئمة عليهم السلام. 3. تقرير ما أورده سليم في كتابه بأنها من أحاديث أهل البيت عليهم السلام الثابتة عندهم. 4. تأكيد صحة جميع ما في كتاب سليم، وأنه ليس مثل الكتب التي يوجد فيها الغث والثمين. 5. التصريح بأن أحاديثه معروفة عند أهل البيت عليهم السلام، وأنها تمثل مذهبهم. توثيق الأمام الباقر عليه السلام لكتاب سليم قال أبان (بعد تمام الحديث 10 الذى مر أنه يؤكد صحة جميع أحاديث الكتاب): فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني (خ ل: فحدثه) بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود، ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وآله.


[ 29 ]

توثيق الأمامين السجاد والباقر عليهما السلام لكتاب سليم ب روى الشيخ الكليني في الكافي: ج 1 ص 297 ح 1، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة عن أبان عن سليم. ب وروى الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 139 ج 484. ب وروى الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 117، قال: أخبرنا أحمد بن عبدون عن ابن أبي الزبير القرشي عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن عبد الله بن زرارة عمن رواه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام. ب وروى الشيخ أيضا في التهذيب: ج 9 ص 176، عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام. ب وروى الطبرسي في أعلام الورى: ص 207، وروى جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم (1): حدث عبد الرحمن بن حجاج عن أبي عبد الله عليه السلام وعمن رواه عن عمرو بن شمر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن أبي جعفر عليه السلام (2) أنه قال: هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه. قال أبان: وقرأتها علي بن الحسين عليه السلام فقال: (صدق سليم، رحمه الله). توثيق الأمام الصادق عليه السلام لكتاب سليم قال حماد بن عيسى (الناقل لكتاب سليم عن ابن أذينة عن أبان، بعد تمام الحديث 10 التي مرت أسانيدها): قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال: صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام


(1). الكتاب مخطوط، وتوجد نسخة منه في مكتبة غرب همدان رقمها 1553، ونسخة مصورة منه في مركز إحياء التراث الأسلامي بقم، ونقلته عن مقدمة كتاب سليم للسيد بحر العلوم في الطبعة النجفية: ص 15. (2). رواه عن هؤلاء في إثبات الهداة: ج 1 ص 444، 445، ج 2 ص 543 ح 1. البحار: ج 42 ص 212 ح 12، ج 43 ص 322 ح 1.

[ 30 ]

عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام، قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم بن قيس. توثيق الأمام الصادق عليه السلام لكتاب سليم ب وروى العلامة الشيخ عبد النبي الكاظمي في تكملة الرجال: ج 1 ص 467 عن خط العلامة المجلسي في هوامش مرآة العقول (1) عن مختصر بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله القمي بأسانيده. ب نقله العلامة الطهراني عنه في الذريعة المخطوطة بيده الموجودة في مركز إحياء التراث الأسلامي بقم. ب ورواه العلامة الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. ب ورواه العلامة الشيخ أحمد الأردبيلي في جامع الرواة: ج 1 ص 375. ب ويوجد في نسخة العلامة المجلسي التي تاريخها سنة 609، ونسخة الشيخ الحر العاملي التي استنسخت في سنة 1087 على نسخة عتيقة، ونسخة مكتبة كلية الحقوق رقم 29 د، ونسخة مكتبة ملك، ونسخة صاحب الروضات، ونسختين في مكتبة آستان قدس بمشهد رقمهما 8130 و 9719، ونسخة السيد أبو القاسم الخوانساري في بمبئى ونسخة السيد الجلالي.


(1). رواه العلامة المامقاني في تنقيح المقال: ج 2 ص 54. كما رواه المحدث النوري في مستدرك الوسائل: ج 3 ص 183. وذكره العلامة الطهراني في الذريعة: ج 2 ص 152.

[ 31 ]

أقول: أنظر كيف حاز الرجل نصيبه الأوفر من تقرير حديثه من عند الأئمة عليهم السلام حيث صدقه ستة من أئمتنا عليهم السلام، وذلك بصورة يرجع إلى تصديق جميع كتابه وأحاديثه. هذه جملة ما وصل إلينا من تقرير المعصومين عليهم السلام ومزيد عنايتهم بشأن كتاب سليم وأحاديثه. ويكفيه فخرا إذ كان معروفا عند الأئمة عليهم السلام وأنهم ذكروه بخير وقرروا ما نقله من الأحاديث. وهذا بمعنى أن ما في كتاب سليم حق وصدق ومحكم ومحفوظ وليس مثل ما في أيدي الناس الذى هو مخلوط من الغث والثمين.


[ 32 ]

كلمات العلماء في توثيق كتاب سليم استمرار تأييد العلماء للكتاب طيلة أربعة عشر قرنا صدر من أعاظم العلماء – منذ الصدر الأول إلى اليوم – كلمات درية بشأن الكتاب ومؤلفه الجليل. ومما يدل على عظمة الكتاب وغاية اعتباره أنهم نقلوا أحاديث سليم في كتبهم ومروياتهم منذ القرن الأول إلى يومنا هذا في سلسلة متلاحقة لم تنقطع في عصر من العصور بصورة تكشف عن اعتمادهم عليه في الغاية. ويبدء هذه السلسلة من العلماء المؤيدين لكتاب سليم في عصر المؤلف مثل سلمان وأبي ذر والمقداد ونظرائهم. ولقد عرض أبان بعده الكتاب على أبي الطفيل وعمر بن أبي سلمة والحسن البصري وقرءوا جميع الكتاب وصدقوه بأجمعه. ويكفي في ذلك أن نلاحظ رواة كتاب سليم وأحاديثه، فإن أكثرهم من المشايخ الثقات كعمر بن أذينة وحماد بن عيسى وعثمان بن عيسى ومحمد بن إسماعيل بن بزيع والفضل بن شاذان ومحمد بن أبي عمير ومثل ابن أبي جيد ويعقوب بن يزيد وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن همام بن سهيل وهارون بن موسى التلعكبري ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى والحسين بن سعيد والخزاز القمي وابن الوليد وابن الغضائري وغيرهم من أجلاء الطائفة المحقة وأعاظم المحدثين. إلى أن يصل دور المؤلفين كابن الجحام وفرات بن إبراهيم والصفار والكليني والنعماني والصدوق والمفيد والسيد المرتضى والكراجكي والشيخ الطوسي والطبرسيين وابن شهر آشوب، ومن بعدهم من المؤلفين كالعلامة والمحقق والشهيد


[ 33 ]

والقاضي التستري والشيخ البهائي والشيخ الحر العاملي والمجلسيين والبحرانيين، والمير حامد حسين إلى غيرهم من أعاظم مؤلفي الشيعة ومشايخهم. فإن هؤلاء اعتمدوا على كتاب سليم بن قيس ورووا أحاديثه في مؤلفاتهم وليسوا ممن يستهان بهم وبآرائهم وبكتبهم التي صارت اليوم مصادر للشيعة ومرجعا لمعالم الدين. كتاب سليم من كتب الاصول الأربعمائة قال النعماني: (ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاصول… وهومن الاصول التي ترجع إليها الشيعة…). (1) وقال العلامة الطهراني: (وهو من الاصول القليلة التي أشرنا إلى أنها ألفت قبل عصر الصادق عليه السلام). (2) قال العلامة الطهراني: (الأصل من كتب الحديث هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلفه من المعصوم عليه السلام أو عمن سمع منه لا منقولا عن مكتوب… ومن الواضح أن احتمال الخطاء والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الأمام عليه السلام أو عمن سمعه منه أقل… فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحة عند القدماء… هذه الميزة ترشحت إلى الاصول من قبل مزية شخصية توجد في مؤلفيها. تلك هي المثابرة الأكيدة على كيفية تأليفها والتحفظ على ما لا يتحفظ عليه غيرهم من المؤلفين وبذلك صاروا ممدوحين من عند الأئمة عليهم السلام… ولذا نعد قول أئمة الرجال في ترجمة أحدهم (أن له أصلا) من ألفاظ المدح له… إن المزايا التي توجد في الاصول ومؤلفيها دعت أصحابنا إلى الاهتمام التام بشأنها


(1). الغيبة: ص 61. (2). الذريعة: ج 2 ص 152.

[ 34 ]

قراءة ورواية وحفظا وتصحيحا، والعناية الزائدة بها وتفضيلها على غيرها من المصنفات. ويرشدنا إلى ذلك تخصيصهم الاصول بتصنيف فهرس خاص لها وإفرادهم مؤلفيها عن سائر الرواة والمصنفين بتدوين تراجمهم مستقلة). (3) ولذلك فإن كتاب سليم بما أنه أحد الاصول الأربعمائة بل أقدمها ومن أهمها، كانت تعتبر من أوثق المصادر لدى علمائنا منذ العصور الاولى. كلمة سليم عن كتابه نص المؤلف في مفتتح كتابه على الدقة والأتقان اللذين استعملهما في تدوين كتابه قائلا: إن عندي كتبا (1) سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي، فيها أحاديث لا أحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها، وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود. وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الاخر حتى اجتمعوا عليه جميعا، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق… نصوص كلمات العلماء في توثيق الكتاب اورد هنا النصوص الصادرة عن العلماء في صحة كتاب سليم على ترتيب تاريخ وفياتهم: 1. عمر بن أبي سلمة المتوفى 83 ق: (ما فيه حديث إلا وقد سمعته من علي عليه السلام ومن سلمان وأبي ذر ومن المقداد). (2)


(3). الذريعة: ج 2 ص 128 – 125. (1). أي مكتوبات، لا بمعنى مؤلفات متعددة. (3). راجع مفتتح كتاب سليم.

[ 35 ]

2. أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني المتوفى 100 ق: (ما فيه حديث إلا وقد سمعته من علي صلوات الله عليه ومن سلمان وأبي ذر ومن المقداد). (3) 3. المؤرخ المسعودي المتوفى 346 ق: (والقطعية بالأمامة، الأثنا عشرية منهم، الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه). (4) 4. ابن النديم المتوفى 380 ق: (أول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلالي… وهو كتاب سليم بن قيس المشهور). أقول: يدل كلامه على شهرة الكتاب في تلك العصور كما يدل على ذلك كلام ابن الغضائري أيضا حيث يقول: (وينسب إليه هذا الكتاب المشهور). (1) 5. الشيخ النجاشي المتوفى 450 ق: (ها أنا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح وهي أسماء قليلة…). ثم بدء بالطبقة الاولى وذكر منهم سليم، فقال: (سليم بن قيس الهلالي له كتاب، يكنى أبا صادق، أخبرني علي بن أحمد…). (2) 6. الشيخ الطوسي المتوفى 465 ق: (سليم بن قيس الهلالي يكنى أبا صادق، له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد…). (3) 7. الشيخ النعماني المتوفى 462 ق: (ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة عليهم السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو عن رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وسمع منهما. وهو من الاصول التي ترجع الشيعة


(1) راجع مفتتح كتاب سليم. (2) التنبيه والاشراف: ص 198. (3) الفهرست لابن النديم: ص 275 * الفن الخامس من المقالة السادسة. (1). خلاصة الأقوال للعلامة: ص 83. (2). رجال النجاشي: ص 6. (3). الفهرست للطوسي: ص 81 رقم 336. (*)

[ 36 ]

إليها وتعول عليها). (4) 8. الحافظ ابن شهر آشوب المتوفى 588 ق: (سليم بن قيس الهلالي صاحب الأحاديث، له كتاب). (5) 9. السيد أحمد بن موسى آل طاووس المتوفى 677 ق: (تضمن الكتاب ما يشهد بشكره وصحة كتابه). (6) 10. العلامة محمد تقي المجلسي المتوفى 1070 ق: (إن الشيخين الأعظمين حكما بصحة كتابه، مع أن متن كتابه دال على صحته). وقال فيما حكي عنه: (كفى باعتماد الصدوقين – الكليني والصدوق ابن بابويه – عليه… وهذا الأصل عندي ومتنه دليل صحته “. 4 11. المولى عبد الله البشروئي التوني المتوفى 1071: (إن أحاديث الكتب الأربعة… مأخوذة من أصول وكتب معتمدة معول عليها، كان مدار العمل عليها عند الشيعة وكان عدة من الأئمة عليهم السلام عالمين بأن شيعتهم يعملون بها في الأقطار والأمصار، وكان مدار مقابلة الحديث وسماعه في زمن العسكريين عليهما السلام بل بعد زمان الصادق عليه السلام على هذه الكتب، ولم ينكر أحد من الأئمة عليهم السلام على أحد من الشيعة في ذلك بل قد عرض عليهم عدة من الكتب ككتاب الحلبي وكتاب حريز وكتاب سليم بن قيس الهلالي). (2) 12. الشيخ الحر العاملي المتوفى 1104 ق: (الفائدة الرابعة في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم وقامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلفيها أو علمت صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شك ولاريب كوجودها بخط أكابر العلماء وتكرر ذكرها في مصنفاتهم وشهادتهم بنسبتها وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد


(4). الغيبة: ص 61. (5). معالم العلماء: ص 58 رقم 390. (6). التحرير الطاووسي: ص 136 رقم 175. ونقله عنه في تنقيح المقال: ج 2 ص 52. (1). روضة المتقين: ج 14 ص 372. تنقيح المقال: ج 2 ص 53. (2). الوافية: ص 277.

[ 37 ]

محفوف بالقرينة وغير ذلك…). ثم عد تلك الكتب إلى أن قال: (وكتاب سليم بن قيس الهلالي). (3) 13. العلامة التفريشي: (والصدق مبين في وجه أحاديث هذا الكتاب من أوله إلى آخره). (4) 14. السيد هاشم البحراني المتوفى 1107 ق: (وهو (أي كتاب سليم) كتاب مشهور معتمد نقل عنه المصنفون في كتبهم). (5) 15. العلامة محمد باقر المجلسي المتوفى 1111 ق، قد أورد جميع كتاب سليم متفرقا في أجزاء بحار الأنوار وعده من مصادره في مقدمة البحار وقال: (كتاب سليم بن قيس الهلالي في غاية الاشتهار… والحق أنه من الاصول المعتبرة). وقال مثل ذلك تلميذه العلامة الشيخ عبد الله البحراني في (عوالم العلوم). (1) وقال في موضع آخر: (… كتاب معروف بين المحدثين اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء، وأكثر أخباره مطابقة لما روي بالأسانيد الصحيحة في الاصول المعتبرة). وقال مثل ذلك الشيخ يوسف البحراني في الدرر النجفية. (2) 16. المولى حيدر علي الشيرواني: (وبذلك يعلم صحة كتاب سليم بن قيس الهلالي فإنه ورد من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن ثقات أصحاب الأئمة عليهم السلام وأجلائهم كعمر بن أذينة و… الرواية كثيرا في أمور شتى ومهمات، فكيف يتصور خفاء ذلك على الأئمة عليهم السلام أو إغضائهم عن ذلك وترك النهي عنه وعن اعتقاد صحته وروايته). (3)


(3). وسائل الشيعة: ج 20 ص 36 و 42. (4). نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387. (5). غاية المرام. ص 546، الباب 54 من فصل فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. (1). بحار الأنوار: ج 1 ص 32. عوالم العلوم (ج 1 ص 17) مخطوطة في مكتبة آية الله المرعشي بقم. (2). بحار الأنوار، الطبعة القديمة: ج 8 ص 198. الدرر النجفية: ص 281. (3). رسالة في استنباط الأحكام في زمن الغيبة، مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة حجة الأسلام والمسلمين الشيخ علي حيدر بقم، والكلام المنقول يوجد في أواخر الكتاب.

[ 38 ]

17. العلامة المير حامد حسين الهندي: (كتاب سليم بن قيس الذي يمكننا أن نقول في حقه أنه أقدم وأفضل من جميع كتب الأمامية الحديثية كما اعترف المجلسي بذلك في مجلد الفتن من البحار). (4) وقال: (أكثر روايات كتاب سليم معاضدة بروايات صحيحة وأحاديث معتمدة). (5) 18. العلامة الخوانساري المتوفى 1313 ق: (أما كتابه المشار إليه فهو أول ما صنف ودون في الأسلام وجمع فيه الأخبار كما في البال). (6) 19. المحدث النوري المتوفى 1320 ق: (كتابه من الاصول المعروفة وللأصحاب إليه طرق كثيرة). (7) وقال: (إنه كتاب مشهور معروف نقل عنه أجلة المحدثين). (8) 20. المولى محمد هاشم الخراساني المتوفى 1352 ق: (كتاب سليم بن قيس الذي ودعه إلى أبان بن أبي عياش معروف). (1) 21. المحدث القمي المتوفى 1359 ق: (هو أول كتاب ظهر للشيعة معروف بين المحدثين، اعتمد عليه الشيخ الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء رضوان الله عليهم). (2) 22. العلامة المامقاني، قال بعد ايراد ما يؤيد جلالة الكتاب: (إن كتاب سليم بن قيس في غاية الاعتبار). وقال في موضع آخر: (كتابه صحيح). (3) 23. المحقق السيد حسين البروجردي المتوفى 1283 ق: سليم بن قيس الهلالي (صه) ثقة من أولياء الال (طق)، (ضف) كتابه من الاصول عنه روى أجلة الفحول (4)


(4). عبقات الأنوار: ج 2 ص 61. (5). استقصاء الأفحام: ج 1 ص 579. (6). روضات الجنات: ج 4 ص 67. (7). مستدرك الوسائل: ج 3 ص 733، الفائدة السادسة. (8). نفس الرحمن في فضائل سلمان: ص 56.

[ 39 ]

24. العلامة الخياباني: (كتابه معروف وهو من الاصول الأربعمائة المشهورة وهو أول كتاب ظهر في الشيعة… واعتمد عليه الصدوق والكليني وغيرهما من أكابر المحدثين اعتمادا تاما). (5) 25. العلامة الطهراني: (أصل سليم بن قيس الهلالي وهو من الاصول القليلة التي أشرنا إلى أنها ألفت قبل عصر الصادق عليه السلام). وقال في موضع آخر: (كتاب سليم هذا من الاصول الشهيرة عند الخاصة والعامة). (6) 26. العلامة السيد حسن الصدر المتوفى 1354 ق: (له (أي لسليم) كتاب جليل عظيم روى فيه عن علي عليه السلام وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد وعمار بن ياسر وجماعة من كبار الصحابة). (7) 27. العلامة السيد أحمد الصفائي الخوانساري المتوفى 1359 ق: (إن كتابه من أكبر الاصول القديمة والمحكوم بالصحة والمعروض على الأئمة عليهم السلام فحكموا بصحته وصحة أحاديثه). (1) 28. العلامة الأميني: (كتاب سليم من الاصول المشهورة المتداولة في العصور القديمة المعتمد عليها عند محدثي الفريقين وحملة التاريخ… وحول الكتاب كلمات درية أفردناها في رسالة، وإنما ذكرنا هذا الأجمال لتعلم أن التعويل على الكتاب مما تسالم عليه الفريقان وهو الذي حدانا إلى النقل عنه في كتابنا هذا). (2) 29. العلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم، قال بعد ما أورد كلمات بعض الأعاظم حول الكتاب: (قد حقق هؤلاء الأعاظم صحة نسبة الكتاب إلى سليم وأنه معتبر غاية الأعتبار وأخباره صحيحة موثوق بها… فإذا الكتاب لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه). (3)


(5). ريحانة الأدب: ج 6 ص 369. (6). الذريعة: ج 2 ص 152 و 153. (7). الشيعة وفنون الأسلام: ص 68. (1). كشف الأستار عن وجه الكتب والأسفار: ج 2 ص 130. (2). الغدير: ج 1 ص 195، الهامش. (3). كتاب سليم المطبوع في النجف: ص 15.

[ 40 ]

30. العلامة المرعشي النجفي المتوفى 1411 ق: (هو من أقدم الكتب عند الشيعة وأصحها بل حكم بعض العامة بصحته أيضا). وقال: (هو كتاب معروف مطبوع منتشر في الأقطار معتمد عليه عند أصحابنا وأكثر القوم (أي العامة)، ممدوح من ساداتنا الأئمة المعصومين عليهم السلام). (4) هذا نزر من شهادات الأعلام المحققين رحمهم الله باعتبار هذا الكتاب وصحة نسبته إلى مؤلفه. واقتصرنا هنا على ايراد الصريح من كلامهم وإلا فلكثير من الأعاظم بحوث مفصلة في اعتبار الكتاب، ولكن لما لم يكن في كلماتهم كلمة موجزة نوردها بنصه نشير في ختام هذا الفصل إلى أسماء المصادر التي جاء فيها ذكر كتاب سليم. مصادر ذكرت كتاب سليم أسماء عدة من الأعاظم الذين لهم بحوث مفصلة في اعتبار الكتاب:. الشيخ الطوسي في الفهرست: ص 81.. الشيخ النجاشي في الفهرست: ص 6.. الشيخ النعماني في الغيبة: ص 61.. المسعودي في التنبيه والأشراف: ص 198.. الشيخ حسن بن سليمان الحلي في مختصر البصائر: ص 40.. ابن شهر آشوب في معالم العلماء: ص 58.. الشيخ الكشي في اختيار معرفة الرجال: ج 1 ص 321.. السيد أحمد بن طاووس في التحرير الطاووسي: ص 136.. العلامة الحلي في خلاصة الأقوال: ص 83.. المحقق الداماد في الرواشح السماوية: ص 98، الراشحة 29.. العلامة المجلسي الأول في روضة المتقين: ج 14 ص 371.


(4). إحقاق الحق: ج 1 ص 55، الهامش، وج 2 ص 421، الهامش.

[ 41 ]

. العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج 1 ص 32، ج 8 (طبع قديم) ص 195، ج 22 ص 150.. السيد حامد حسين في استقصاء الأفحام: ج 1 ص 457 إلى 567، 593 إلى 604، 616 إلى 635، 853 إلى 861، ج 2 ص 360.. العلامة الخوانساري في روضات الجنات: ج 3 ص 30، ج 4 ص 71. . الوحيد البهبهاني في التعليقة على منهج المقال: ص 171.. العلامة الحائري في منتهى المقال: ص 153.. المحقق الأستر آبادي في منهج المقال: ص 15، 171.. السيد البروجردي في نخبة المقال: ص 50.. الفاضل التفريشي في نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387.. العلامة الخواجوئي في الفوائد الرجالية: ص 323، 327، 328.. الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج 20 ص 36، 42.. العلامة الكاظمي في تكملة الرجال: ج 1 ص 467.. السيد الأمين العاملي في أعيان الشيعة: ج 5 ص 50، ج 35 ص 293.. العلامة الطهراني في الذريعة: ج 2 ص 152، 159، ج 6 ص 336، ج 12 ص 227، ج 17 ص 276.. السيد الصدر في الشيعة وفنون الأسلام: ص 68 وتأسيس الشيعة لفنون الأسلام: ص 272.. السيد الصدر في دائرة المعارف الشيعية: ج 5 ص 41.. السيد إعجاز حسين في كشف الحجب والأستار: ص 445.. المحدث القمي في الكنى والألقاب: ج 3 ص 243.. السيد شرف الدين في مؤلفو الشيعة في صدر الأسلام: ص 16.. العلامة المامقاني في تنقيح المقال: ج 2 ص 152.


[ 42 ]

. العلامة الزنجاني في الجامع في الرجال: ج 1 ص 11 وج 2 ص 331.. المحقق الخياباني في ريحانة الأدب: ج 6 ص 369.. العلامة الأميني في الغدير: ج 1 ص 195. . العلامة التستري في قاموس الرجال: ج 4 ص 452.. السيد الصفائي في كشف الأستار: ج 2 ص 132، 123.. ثقة الأسلام في مرآة الكتب: ج 3 ص 153.. المحدث النوري في مستدرك الوسائل: ج 3 ص 733.. الفاضل القائيني في معجم مؤلفي الشيعة: ص 360.. السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: ج 1 ص 102، ج 8 ص 225.. الشيخ الأعلمي في مقتبس الأثر ومجدد ما دثر: ج 19 ص 255.. السيد صادق بحر العلوم في مقدمة كتاب سليم.. السيد الروضاتي في الدرر واللالي (مخطوط).. السيد الأبطحي في تهذيب المقال: ج 1 ص 186.. خانبابا مشار في فهرست كتابهاي چاپي عربي: ص 729.. ابن النديم في الفهرست: ص 275.. القاضى السبكي في محاسن الوسائل في معرفة الأوائل (مخطوط).. الزركلي في الأعلام: ج 3 ص 119.. البروكلمان في تاريخ الأدب العربي (الترجمة العربية): ج 3 ص 335.


[ 43 ]

رواية العلماء لكتاب سليم وأحاديثه بما أن كتاب سليم نقلت بصورة مجموعة، ولم يكن سليم من المشتهرين في المجتمع بنقل الحديث والأخذ عنه حتى ينقل أحاديثه بصورة متفرقة، يعلم من ذلك أن كل ما نقل عن سليم فهو منقول عن كتابه. وبملاحظة أسانيد الروايات المنقولة عن سليم واتحادها في أكثر الطبقات وتماثلها في كثير من الكتب، وبالنظر إلى وجود أكثر تلك الأحاديث المنقولة في كتبهم في نسخ كتاب سليم، بذلك كله يستكشف وجود نسخ معتبرة من كتاب سليم عندهم، اعتمدوا عليها ونقلوا عنها أحاديثها بالأسانيد الموجودة في صدر نسخهم. في هذا الفصل نذكر أسماء كل من روى عن سليم بن قيس كتابه بأجمعه أو أحاديث كتابه متفرقا، وذلك بعد الفحص الكثير عن مظانها في عدد كبير من الكتب الحديثية والتاريخية. وإليك ما قالته الأعاظم في ذلك مثل المجلسيين والوحيد البهبهاني والمحقق الخوانساري وغيرهم. وملخص كلماتهم ما يلى: اعتمد على كتاب سليم الكليني والصدوق وغيرهما من أكابر المحدثين القدماء اعتمادا تاما، وما في الكافي والخصال من أسانيد متعددة صحيحة ومعتبرة، فالظاهر منهما روايتهما عن سليم من كتابه وإسنادهما إليه إلى ما رواه فيه… والظاهر من روايتهما صحة كتابه سيما من الكافي، فإن الكليني حيثما يخرج أحاديث الرجل يوردها في أول الباب، وهو قرينة أن كتابه عنده معتمد واضح الحديث يتعين عليه العمل، فإن من طريقة الكليني وضع الأحاديث المخرجة الموضوعة على الأبواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح). (1)


(1). الذريعة: ج 2 ص 154. التعليقة على منهج المقال: ص 171. تنقيح المقال: ج 2 ص 53، 54. روضات الجنات: ج 4 ص 68، 70. روضة المتقين: ج 14 ص 372. بحار الأنوار، الطبعة القديمة: ج 8 ص 198. ريحانة الأدب: ج 6 ص 369. كشف الأستار عن وجه الكتب والأسفار: ج 2 ص 130.

[ 44 ]

ومما يدل على اعتمادهم على كتاب سليم أن عدة من أعاظم الفقهاء استشهدوا بأحاديث سليم وأسندوا إليها فتاواهم في الأحكام الشرعية (2)، ولا يخفى الدقة والاحتياط الشديد التي يلتزم به فقهاؤنا في مقام الأفتاء. وهذا يدل على اعتمادهم عليه في تلك الامور الدقيقة. هذا ونرى عدة من العلماء والرواة من غير الشيعة رووا كتاب سليم بأجمعه أو نقلوا بعض أحاديثه في كتبهم. ومن أقوى الشواهد على اعتناء غير الشيعة بشأن الكتاب أن الرواة في أحد الأسانيد الناقلة لكتاب سليم كلهم من أعاظم المحدثين عند العامة وهو السند الموجود في مفتتح النوع (ب) من نسخ الكتاب وتوجد اليوم عدة نسخ خطية منها بنفس الأسانيد ونرى أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة من الزيدية الجارودية المتوفى 333 يروي كتاب سليم بأجمعه بأسانيد متصلة، وهناك جماعة من المحدثين من غير الشيعة رووا أحاديث سليم كابن فضال من الفطحية وابن مردويه في مناقبه والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل والخطيب الخوارزمي في المقتل والحموئي في فرائد السمطين وابن شهاب الهمداني والقندوزي في ينابيع المودة. بالأضافة إلى من هو متفق عليه عند الشيعة وغيرهم في علو شأنهم والاعتماد عليهم، فمنهم من روى كتاب سليم بأجمعه أو أكد على اعتبار الكتاب أو روى أحاديثه وذلك مثل أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني وعمر بن أبي سلمة وإبراهيم بن عمر اليماني ونصر بن مزاحم والحسين بن الحكم الحبري وابن أبي عمير وابن النديم وإبراهيم بن محمد الثقفي والشيخ المفيد والمؤرخ المسعودي وابن شاذان وغيرهم.


(2). من نماذج ذلك استدلالهم في باب الخمس بحديث سليم في كثير من الكتب الفقهية.

[ 45 ]

فهرس الرواة والمصنفين الذين رووا كتاب سليم وأحاديثه. شيخ الشيعة في البصرة ووجههم عمر بن أذينة المتوفى 168، وهو من أصحاب الأمامين الصادق والكاظم عليهما السلام وله كتاب.. الشيخ الثقة أبو إسحاق إبراهيم بن عمر اليماني من أصحاب الأمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وهو صاحب الاصول وأصوله معتمد الأصحاب بشهادة الصدوق والمفيد ووثقة الثقتان.. الحافظ أبو عروة معمر بن راشد البصري الأزدي المتوفى 152، وهو من العامة وقد وثقه العجلي والنسائي والسمعاني والذهبي.. المؤرخ الشهير أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي وهو من أصحاب الأمام الباقر عليه السلام وله مصنفات.. الشيخ الثقة أبو خالد الكابلي من أصحاب الأمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام.. العالم الجليل أبو المحجل عبد الله بن شريك العامري من أصحاب الأمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، وكان عندهم وجيها مقدما.. أبو خيبة محمد بن خالد الضبي من أصحاب الأمام الصادق عليه السلام.. أبو معمر سعيد بن خيثم الهلالي الزيدي.. المحدث الثقة عبادة بن زياد الأسدي الزيدي وله كتاب.. الشيخ الثقة عبد الله بن مسكان من أصحاب الأمام الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام وهو صاحب تصانيف.. الشيخ الثقة الثبت أبو محمد عبد الله بن المغيرة البجلي من أصحاب الأمام الكاظم عليه السلام وهو مصنف 30 كتابا.. الثقة الجليل المفضل بن عمر الجعفي من أصحاب الأمامين الصادق والكاظم عليهما السلام.


[ 46 ]

. الثقة العين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الزعفراني من أصحاب الأمام الصادق عليه السلام.. الشيخ الصدوق الثقة حماد بن عيسى المتوفى 209 وهو من أصحاب الأمام الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، وهو صاحب مصنفات كثيرة.. المحدث الكبير عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني المتوفى 211، من أصحاب الأمام الصادق عليه السلام وهو صاحب تصانيف كثيرة، كما أن كتب العامة ملئ من رواياته وله الكتاب الكبير المسمى ب‍ (المصنف).. الشيخ الجليل محمد بن أبي عمير الأزدي البغدادي المتوفى 217 من أصحاب الأمام الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام، وكان وجها من وجوه الشيعة جليل القدر عظيم المنزلة عند الشيعة وغيرهم. وقد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه ويعد مراسيله مسانيد وقد صنف 94 كتابا.. الشيخ الثقة محمد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب الأمام الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام وهو صاحب مصنفات.. المحدث الثقة الحسين بن سعيد الأهوازي من أصحاب الأمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام وقد ألف ثلاثين كتابا.. الشيخ الجليل الثقة علي بن مهزيار الأهوازي من أصحاب الأمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وهو واسع الرواية وصنف 33 كتابا.. الشيخ الثقة العباس بن معروف من أصحاب الأمامين الرضا والهادي عليهما السلام.. شيخ القميين المحدث الجليل محمد بن عيسى من أصحاب الأمام الرضا عليه السلام.. الشيخ الثقة المعتمد أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي نجران التميمي الكوفي، من أصحاب الأمام الرضا عليه السلام، له كتب كثيرة.. الشيخ الثقة الجليل الزاهد أبو محمد الحسن بن علي بن فضال التيملي الكوفي المتوفى 224 من خواص الأمام الرضا عليه السلام.


[ 47 ]

. الثقة الصدوق أبو يوسف يعقوب بن يزيد السلمي من أصحاب الأمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام وهو صاحب كتب.. شيخ مشايخ الشيعة والمتقدم فيهم أبو الحسن علي بن يحيى السلماني من أصحاب الأمام الرضا عليه السلام.. شيخ القميين ووجههم وفقيههم الثقة الجليل أحمد بن محمد بن عيسى من أصحاب الأمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، المتوفى في عصر الغيبة الصغرى. وهو صاحب تصانيف، ومن شدة احتياطه وتثبته في نقل الأحاديث كان يخرج من قم كل من كان يروي عن الضعفاء.. المحدث الجليل إبراهيم بن هاشم القمي تلميذ يونس بن عبد الرحمن. لقي الأمام الرضا عليه السلام وهو أول من نشر حديث الكوفيين بقم وله كتب.. المتكلم الفقيه المحدث أبو محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري المتوفى 260. وهو من أصحاب الأمامين الهادي والعسكري عليهما السلام وصنف 180 كتابا.. الشيخ الثقة علي بن الحسن بن فضال من أصحاب الأمامين الهادي والعسكري عليهما السلام وقد صنف ثلاثين كتابا.. الشيخ الوجيه الحسن بن موسى الخشاب من أصحاب الأمام العسكري عليه السلام، وهو من وجوه الشيعة كثير العلم وله مصنفات.. الشيخ الجليل الثقة محمد بن الحسين بن أبي الخطاب المتوفى 262، من أصحاب الأمام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام. وهو ثقة عين عظيم القدر مسكون إلى روايته وله تصانيف.. الشيخ المحدث الثقة الجليل أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي المتوفى 274، وهو من أصحاب الأمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام وصنف حدود مائة كتاب.. الشيخ المحدث المؤرخ إبراهيم بن محمد الثقفي المتوفى 283.


[ 48 ]

. الشيخ الثقة المحدث الحسين بن الحكم الحبري المتوفى 286.. شيخ القميين ووجههم أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري الذي كان حيا في سنة 350. وهو من أصحاب الأمامين الهادي والعسكري عليهما السلام وله تصانيف كثيرة.. الشيخ الثقة سليمان بن سماعة الضبي الكوفي.. شيخ الشيعة وفقيهها ووجهها أبو القاسم سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي المتوفى 299 أو 351. لقي الأمام العسكري عليه السلام وفاز بلقاء الأمام المهدي عجل الله فرجه أيضا. صنف كتبا كثيرة وكان من الحريصين على جمع الكتب.. فقيه الشيعة وأوحد دهره أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السمرقندي من علماء أواخر القرن الثالث، وهو الثقة الصدوق الذي صنف أكثر من 200 كتابا وكان لكتبه شأنا من الشأن في نواحي خراسان.. الحافظ أبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي القاضي من علماء القرن الثالث.. سيد المحدثين أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفى 295 أو 300، وهو من أصحاب الأمام العسكري عليه السلام وكان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر وله كتب.. المحدث الجليل فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي المتوفى 307. وهو من مشايخ والد الصدوق وكان في عصر الأمام الجواد عليه السلام.. المحدث المعتمد الثبت أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي الذي كان حيا سنة 307، وهو من أجل رواة أصحابنا وصنف كتبا.. المحدث الثقة الجليل أبو عبد الله محمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار المعروف بابن الجحام الذي كان حيا سنة 328، وهو ثقة عين سديد كثير الحديث وله مصنفات منها تفسيره المعروف ب‍ (ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام).. رئيس المحدثين ثقة الأسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفى 329، وهو من علماء عصر الغيبة الصغرى وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، ومجدد الأمامية على رأس المائة الثالثة وانتهت إليه رئاسة فقهاء الأمامية في عصره.


[ 49 ]

. شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم وثقتهم أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى 329، وهو والد الشيخ الصدوق وله كتب كثيرة.. شيخ البصريين الثقة عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي المتوفى 330. وهو صاحب تصانيف.. الشيخ الثقة المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي وهو من مشايخ الأجازة.. شيخ الشيعة ومتقدمهم أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب الأسكافي المتوفى 332، وهو من أثبات المحدثين ومصنفيهم ثقة وولد بدعاء الأمام العسكري عليه السلام وله منزلة عظيمة.. الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة المتوفى 333، وكان زيديا جاروديا. وهو رجل جليل في أصحاب الحديث مشهور بالحفظ، ذكره أصحابنا لاختلاطه بهم وعظم محله وثقته وأمانته. روى جميع كتب أصحابنا وصنف لهم وذكر أصولهم وله كتب كثيرة.. المتكلم الجليل أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الاملي من علماء القرن الرابع وهو من المصنفين. وهو غير محمد بن جرير صاحب التاريخ.. الشيخ المحدث محمد بن علي ماجيلويه القمي الذي كان من مشايخ الصدوق وروى عنه كثيرا وترحم عليه وترضى عنه وهو سيد أصحابنا القميين ثقة عالم فقيه.. شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم ووجههم محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي الذي كان حيا سنة 343. وهو من مشايخ الصدوق جليل القدر، بصير بالفقه ثقة عارف بالرجال معروف بتحرزه عن الضعاف وله كتب.. شيخ أصحابنا في زمانه أبو جعفر محمد بن يحيى العطار الأشعري القمي وهو من مشايخ الكليني والصدوق، ثقة عين له كتب.


[ 50 ]

. المحدث الثقة محمد بن موسى بن المتوكل، وهو ممن أكثر الصدوق من الرواية عنه مترحما عليه.. العلامة المؤرخ الشهير أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي المتوفى 346، وله تصانيف كثيرة.. الشيخ علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المتوفى 348، وهو من مشايخ الأجازة.. الحافظ المحدث المفسر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني المتوفى 352.. القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي المتوفى 363.. الحافظ أبو بكر المفيد محمد بن أحمد الجرجرائي المتوفى 378.. شيخ المحدثين وعلم الأمامية أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشتهر بالصدوق المتوفى 381. ولقد ولد بدعاء الأمام المهدي عجل الله فرجه وصدر فيه من الناحية المقدسة: (إنه فقيه خير مبارك). وهو صاحب كتب شتى في فنون الأسلام.. الشيخ المحدث الجليل أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من أعلام القرن الرابع وهو من معاصري الصدوق.. الفقيه الوجيه الثقة أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن الرابع، وهو فاضل متكلم جليل محدث معروف. . المحدث الجليل الثقة أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري المتوفى 385، وكان وجها في الشيعة ثقة معتمدا عليه عديم النظير، وروى جميع الاصول والمصنفات.. الشيخ الفقيه والمحدث الهمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي الكوفي من أعلام القرنين الرابع والخامس.. الشيخ حسين بن بسطام بن سابور الزيات النيسابوري المتوفى 401.. الشيخ أبو عتاب عبد الله بن بسطام بن سابور الزيات النيسابوري.


[ 51 ]

. المحدث الجليل الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري المتوفى 411، وهو من أجلة الثقات والعارفين بالرجال وهو من مشايخ الأجازة، كثير السماع وله تصانيف.. لسان الأمامية ومتكلم الشيعة والمحامي عن حوزتهم الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى 413. وكان عميد الطائفة وله تصانيف كثيرة وهي أكثر من 250 كتابا.. المتكلم الجليل أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الملقب بالسيد المرتضى المتوفى 436، وهو صاحب المصنفات المشهورة.. الشيخ المحدث أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد القمي الأشعري المعروف بابن أبي جيد من أعلام القرن الخامس، وهو من مشايخ الأجازة.. الشيخ أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون من مشايخ الأجازة.. الثقة العين جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي من تلامذة الشيخ المفيد والسيد المرتضى.. العلامة الجليل الفقيه المحدث أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي المتوفى 449، من تلامذة السيد المرتضى والشيخ الطوسي.. الشيخ الثقه الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي المتوفى 450 وهو أحد المشايخ الثقات ومن أعظم أركان الجرح والتعديل وله مصنفات.. الشيخ المحدث أبو المفضل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الشيباني صاحب التصانيف.. شيخ الطائفة وأعلمها في مختلف العلوم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى 460 وهو المؤسس للحوزة العلمية النجفية، وصاحب المكتبة العظمى بكرخ بغداد والمؤلف لكتب كثيرة.


[ 52 ]

. المحدث المتبحر والعلامة البحاثة الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن أبي زينب المتوفى 462. وهو شيخ الأجازة ومن كبراء أصحابنا المتقدمين وأعاظم مصنفي الشيعة. وكان تلميذا للكليني وساعده في تأليف كتاب الكافي وكتبه له بخطه طيلة عشرين سنة وقد تعهد بصحة ما أورده في كتاب الغيبة.. الشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيدين الرضي والمرتضى.. العالم المحقق الشيخ تقي الدين أبي الصلاح بن نجم الدين الحلبي تلميذ الشيخ الطوسي والشريف المرتضى.. العالم المحقق القاضي ابن البراج الطرابلسي المتوفى 481.. الفاضل المحدث القاضي أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني المتوفى 483.. الشيخ شمس الدين السرخسي المتوفى 483. . المحدث الجليل والفقيه الثقة الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالمفيد الثاني المتوفى 515. وهو ابن الشيخ الطوسي الذي خلفه في العلم والعمل وكان من مشاهير رجال العلم وكبار رواة الحديث، وله كتب.. الشيخ الفقيه الصالح السعيد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن لخزانة الحرم الغروي الشريف وكان حيا سنة 516.. الشريف الجليل الفاضل العالم نظام الشرف أبو الحسن العريضي من أعلام القرن السادس.. الشيخ الفقيه الجليل الصالح أبو عبد الله محمد بن هارون المعروف بابن الكمال المتوفى 597، وهو صاحب مصنفات.. الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور بالحائر الحسيني على مشرفه السلام وكان عالما جليلا وفقيها صالحا.


[ 53 ]

. الفاضل المحدث الشيخ شهر آشوب السروي المازندراني من أعلام القرن السادس.. الشيخ الثقة الفاضل أمين الأسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفى 548، وكان من أجلاء الطائفة وله تصانيف.. أخطب خطباء خوارزم الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد المكي الحنفي المعروف بالخطيب الخوارزمي المتوفى 568، وهو من العامة.. الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر المتوفى 571، وهو من العامة.. الشيخ المحدث الحسين بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الحسين الجاواني من أعلام القرن السادس.. الشيخ الفقيه جمال الدين الحسن بن هبة الله بن رطبة السوراوي من أعلام القرن السادس، وكان فاضلا عابدا وله كتب.. الفقيه العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن على بن حمدون الحلي من أعلام القرن السادس، وكان عالما فاضلا من رؤساء الأمامية جليل القدر.. المحدث الجليل زين الأسلام أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي المتوفى 620، وهو الفاضل الثقة من مشايخ ابن شهر آشوب.. الحافظ الثقة علامة عصره الشيخ الفقيه أبو عبد الله رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني المتوفى 588 وهو العارف بالرجال والأخبار وله كتب.. الشيخ الأجل الثقة الفقيه أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي نزيل المدينة المنورة والمتوفى 660 وله كتب.. السيد العالم الزاهد النقيب رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى آل طاووس الحسني الحسيني المتوفى 664، وهو من أجلاء الطائفة وثقاتها، جليل القدر كثير الحفظ وهو صاحب مصنفات كثيرة.. العالم الجليل محمد بن الحسين الرازي من علماء القرن السابع.


[ 54 ]

. العالم الفاضل المحدث السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي الحائري.. الشيخ المدقق العلامة نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المعروف بالمحقق الحلي المتوفى 676 وهو صاحب مصنفات كثيرة.. الفاضل الفقيه العابد الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهند الدمشقي العاملي المتوفى 676.. جمال الدين محمد بن أحمد الموصلي الحنفي الشهير بابن حسنويه المتوفى 680.. المحدث الثقة والمؤرخ العلامة أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي المتوفى 692 وهو صاحب مصنفات.. الشيخ الفاضل العالم رضي الدين علي بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الذي كان حيا سنة 703، وهو أخو العلامة الحلي.. الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمد بن محمد بن حمويه الجويني المعروف بالحموئي المتوفى 722، وهو من أعظم محدثي العامة وحفاظهم.. الشيخ المحقق العلامة جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الشهير بالعلامة الحلي المتوفى 726.. العالم الوجيه والمحدث النبيه أبو محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي، من أعلام القرن الثامن الهجري.. المحدث علي بن شهاب الدين بن محمد الهمداني المتوفى 786، وهو من العامة.. الحافظ الفقيه الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المتوفى 773.. الشيخ الفقيه العلامة عز الدين أبو محمد الحسن بن سليمان بن محمد الحلي الذي كان حيا سنة 803 وهو من تلامذة الشهيد الأول.. العلامة الشيخ مقداد السيوري الحلي المتوفى 824.. العلامة الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلي المتوفى 841.


[ 55 ]

. العلامة الخبير المتكلم المدقق الشيخ نور الدين علي بن محمد بن يونس النباطي البياضي العاملي المتوفى 877، وهو صاحب مصنفات.. الشيخ الفاضل العالم الفقيه المحدث أبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان القطيفي الخطي البحراني من أعلام القرن العاشر وكان حيا سنة 927.. الشيخ علاء الدين علي البرهان بوري المتقي الهندي المتوفى 975.. العالم المحقق المقدس الشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي المتوفى 993.. الشيخ الجليل علم بن سيف بن منصور النجفي الحلي من أعلام القرن العاشر وكان حيا سنة 937.. السيد الجليل المحدث الصالح شرف الدين بن علي الحسيني الأستر آبادي النجفي المتوفى 940.. العالم المحقق فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحموئي الخراساني المتوفى حدود 950.. الشيخ الجليل الفاضل المحقق الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني المتوفى 1011، وكان أعرف أهل زمانه بالفقه والحديث والرجال.. المتكلم المتبحر بحاثة آل الرسول وسيف الشيعة القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد سنة 1019.. العالم الرباني وجامع الفنون الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي المتوفى 1030.. الشيخ الأجل الأكمل جامع الفنون النقلية والعقلية محمد تقي بن مقصود علي الملقب بالمجلسي الأول المتوفى 1070.. العلامة المحقق السيد مصطفى الحسيني التفريشي الذي كان حيا في سنة 1015، وهو الرجالي الماهر.. العالم الجليل المولى عبد الله البشروئي التوني المتوفى 1071.


[ 56 ]

. العالم الجليل السيد محمد بن محمد الحسيني الميرلوحي السبزواري الأصفهاني المتوفى بعد 1083.. العلامة المحقق محمد باقر السبزواري المتوفى 1090.. المحقق النحرير الشيخ محمد علي بن أحمد الأستر آبادي المتوفى 1094.. المحدث الأكبر والفقيه المتبحر الشيخ محمد بن الحسن بن علي المشغري المشتهر بالحر العاملي المتوفى 1104.. المحدث الجليل العلامة السيد هاشم بن سليمان الحسيني التوبلي البحراني المتوفى 1107.. محيي الشيعة ومروج المذهب رئيس المحدثين العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي المتوفى 1111.. العلامة الخبير والمحدث النحرير الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي المتوفى 1112.. العلامة المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري المتوفى 1112، صاحب التأليفات الكثيرة.. العالم المحقق الميرزا محمد بن عبد النبي النيشابوري المتوفى 1232.. العالم المدقق الخبير المولى بهاء الدين محمد بن تاج الدين المعروف بالفاضل الهندي المتوفى 1135.. العلامة المحقق والمحدث المتبحر السيد مير محمد أشرف بن عبد الحسيب العاملي المتوفى 1145 وهو سبط المحقق الداماد.. المحدث المتبحر الشيخ يوسف البحراني المتوفى 1186.. العالم المتتبع الخبير المحدث الشيخ عبد الله بن نور الدين البحراني تلميذ العلامة المجلسي. . المحقق الرجالي الخبير أبو علي محمد بن إسماعيل الحائري المتوفى 1216، وهو تلميذ الوحيد البهبهاني.


[ 57 ]

. العلامة المحقق الميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي المتوفى 1231.. المولى المحقق أحمد بن محمد مهدي النراقي الكاشاني المتوفى 1244.. العلامة المحقق الحاج الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى 1281.. العالم المتتبع السيد إسماعيل بن أحمد العلوي العقيلي النوري الطبرسي.. الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي البلخي الحنفي المتوفى 1294.. العلامة الخبير السيد مهدي القزويني النجفي الحلي المتوفى 1300.. سيف الشيعة القاطع وركنه الدافع العلامة السيد حامد حسين بن محمد قلي الموسوي الهندي المتوفى 1306.. المحدث المتكلم الحافظ السيد إعجاز حسين بن محمد قلي الكنتوري أخو المير حامد حسين صاحب العبقات.. العالم المتتبع الخبير السيد محمد باقر الخوانساري المتوفى 1313.. العلامة المحدث الثقة الشيخ حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى 1320.. العلامة المحقق الشيخ آقا رضا الهمداني المتوفى 1322.. العلامة المحقق المتتبع الشيخ عبد الله المامقاني المتوفى 1353.. العلامة المحقق المتتبع الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر المتوفى 1366.. العلامة المحقق السيد محسن الحكيم المتوفى 1390.


[ 58 ]

لماذا تثار الشبهات ضد كتاب سليم إذ قد عرفت عظمة كتاب سليم من أول أمره إلى يومنا هذا ومدى اعتناء العلماء بشأنه تأييدا ونقلا، فلا ريب أن النقاش في أصل مثله وسوء المواجهة بالنسبة إليه نشأت من عدم ملاحظته كأصل أصيل اهتم بها العلماء طيلة 14 قرنا. إن جذور المسألة تنتهى في الأكثر إلى الدافع العقائدي في عدة من أعداء أهل البيت عليهم السلام المظهرين للبغض والعناد مع كل ما يوجب إحياء أمر آل رسول الله صلوات الله عليهم. والعلة في بعض تلك الاتجاهات هو اتقاء شر الأعداء المتوجهة إليهم أو إلى الكتاب أو إلى المتحفظين على نسخه. ويشهد لذلك أن عدة من هؤلاء بعد إظهارهم شيئا من المناقشات حول الكتاب استندوا إلى أحاديثه في كتبهم في المسائل الاعتقادية والأحكام الشرعية. وتعرض العلماء لأبطال الدعاوي الموهونة وقالوا بعد ذلك ما ملخصه: إن مطالعة متن كتاب سليم كاف في الحكم بصحته واعتباره، وتلقي الكتاب من عند كبار العلماء بالصحة والاعتبار وروايتهم للكتاب بأجمعه ولأحاديثه بأسانيد صحيحة عالية طيلة أربعة عشر قرنا دليل واضح على جلالته ونزاهته وإلا لم يكن معتبرا عندهم إلى هذا الحد. وذلك أن العلماء الناقلين والمؤيدين لكتاب سليم لم يكونوا إلا بصدد نقل تراث هذا الدين القويم وإرائة مصادره أمام الرأي العام العالمي. فهل تجدهم يعرفون كتابا غير معتبر ؟ أو تراهم ينقلون عنه الأحاديث الكثيرة ويستشهدون بها في بحوثهم العلمية مع المناقشة في اعتباره ؟ (1)


(1). روضة المتقين: ج 14 ص 372. نقد الرجال: ص 159. منهج المقال: ص 171. وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. رسالة في كيفية استنباط الأحكام من الاثار في زمن الغيبة (مخطوط) والعبارة في آخر الرسالة. معجم رجال الحديث: ج 8 ص 225. تهذيب المقال: ج 1 ص 186. (*)

[ 59 ]

أسماء من تعرض لتفنيد الشبهات إن كثيرا ممن أورد ترجمة سليم وتاريخ كتابه تعرض لرد الشبهات عن كتابه (2)، فهم: 1. العلامة المجلسي الأول في روضة المتقين: ج 14 ص 371. 2. الميرزا الأستر آبادي في منهج المقال: ص 15 و 171. 3. الفاضل التفريشي في نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387. 4. الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. 5. العلامة المجلسي الثاني في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 195، ج 22 ص 150. 6. الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: ص 171. 7. الشيخ أبو علي الحائري في منتهى المقال: ص 153. 8. المير حامد حسين في استقصاء الأفحام: ج 1 ص 464، 466، 514، 554، 581، 855. 9. السيد إعجاز حسين الكنتوري في كشف الحجب والأستار: ص 445. 10. السيد الخوانساري في روضات الجنات: ج 3 ص 30، ج 4 ص 71. 11. العلامة المامقاني في تنقيح المقال: ج 2 ص 52. 12. السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ج 5 ص 50، ج 35 ص 293. 13. السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: ج 8 ص 225. 14. الشيخ محمد تقي التستري في قاموس الرجال: ج 4 ص 452. 15. السيد الموحد الأبطحي في تهذيب المقال: ج 1 ص 186. قد تبين في تمام هذا الفصل أن كتاب سليم من أتقن كتب الاصول وأمتنها بحيث لا يدانيه الشك ولا يعتريه الريب، وأنه معتمد على ركن وثيق.


(2). قد أوردنا تفاصيل الرد على المناقشات الموجهة إلى الكتاب في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات: ج 1 ص 155 – 200. (*)

[ 61 ]

(3) طرق رواية كتاب سليم وأسانيده وجود أحاديث سليم في كتب القدماء بملاحظة الأسانيد والتأمل في تكرار أسماء بعض الرواة في عدد منها يعلم أن بعضها أسانيد منتهية إلى كتاب سليم وأنه كان عند بعضهم نسخة كتاب سليم وذلك مثل سعد بن عبد الله الأشعري القمي ومحمد بن يحيى العطار القمي وإبراهيم بن هاشم وعلي بن إبراهيم والحسين بن سعيد والكليني والنعماني والصدوق وغيرهم. ولابد من أن نشير إلى نكتة أخرى، وهي أنا فحصنا عن مواضع يوجد فيها محتوى أحاديث سليم بطرق أخرى ينتهى إلى غير سليم وحصلنا مجموعة جيدة ألحقناها بآخر الكتاب، وذلك لمزيد الاطمئنان بروايات سليم وليعلم أن أحاديثه ليست مما يتفرد بها، بل أكثرها منقولة بطرق عديدة وفيها المستفيض والمتواتر ولا يخلو مما يوجد في مصدر معتبر بأسانيد صحيحة. شجرة الطرق المنتهية إلى سليم إليك مشجرة الأسانيد المنتهية إلى سليم أوردناها بعين ما وجدناها في الكتب الحديثية تراها في الصفحة التالية. فهذا الجدول يمثل النتيجة النهائية من جميع الأبحاث المتدخلة في أسانيد الكتاب، ويرسم لنا المسيرة التي سلكها الكتاب ويعرف إلينا الأيدي الأمينة التي احتفظت بهذا التراث القويم طيلة أربعة عشر قرنا.


[ 63 ]

جدول الطرق المنتهية إلى سليم


[ 64 ]

المناولة والقراءة في نقل كتاب سليم إن من طرق تحمل الحديث ونقله هو المناولة وهي أن يعطي المؤلف أو الراوي الكتاب إلى من يريد تحمله عنه يدا بيد. ويزداد قيمة السند إذا أضيفت القراءة إلى ذلك، وهي أن يقرأ المؤلف أو الراوي كتابه لمن يناوله، أو يقرأ المتناول فيستمع إليه المؤلف أو الراوي فيصدقه. وقد تكررت المناولة والقراءة في تحمل كتاب سليم ونقله، عثرنا منها على الموارد التالية: 1. المناولة بين سليم وأبان وقراءة سليم جميع الكتاب لأبان في سنة 76. نص على ذلك في مفتتح الكتاب. 2. قراءة أبو الطفيل وعمر بن أبى سلمة جميع الكتاب على الأمام زين العابدين عليه السلام طيلة ثلاثة أيام في سنة 77. نص على ذلك في مفتتح الكتاب. 3. المناولة بين أبان وابن أذينة وقراءة أبان له في سنة 138. نص على ذلك في مفتتح الكتاب. 4. القراءة في سنة 520، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (حدثني أبو عبد الله المقدادي قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة). 5. القراءة في سنة 560، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني الحسن بن هبة الله بن رطبة عن المفيد أبي علي عن والده فيما سمعته يقرء عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما في المحرم سنة ستين وخمسمائة). 6. القراءة والمناولة في سنة 565، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني هبة الله بن نما قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الاولى سنة خمس وستين وخمسمائة).


[ 65 ]

7. القراءة في سنة 567، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة). ثم إنه وقع كثير من المناولات والقراءات قطعا مما لم يخبر بها. ولا يخفى أن المناولة والقراءة تدلا ن على وجود نسخة الكتاب عند المناولين والمقرئين، وبذلك فقد اطلعنا على وجود عدة من مخطوطات الكتاب أيضا وإن لم يصل إلينا. الأسانيد التي وصل بها كتاب سليم إلينا إن ابن أذينة رحمه الله أول من نشر كتاب سليم، فقد وردت أسماء سبعة أشخاص نسخوه منه (1) وهم: ابن أبي عمير، وحماد بن عيسى، وعثمان بن عيسى، ومعمر بن راشد البصري، وإبراهيم بن عمر اليماني، وهمام بن نافع الصنعاني، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني. وتصل الأسانيد التي نقلت إلينا كتاب سليم إلى سبع طرق، ثلاث منها تنتهى إلى الشيخ الطوسي وواحدة منها إلى محمد بن صبيح وواحدة إلى ابن عقدة وواحدة إلى الكشي وواحدة إلى الحسن بن أبي يعقوب الدينوري. وهذه الأسانيد تنتهي إلى ثلاثة من كبار رجال العلم والحديث وهم: ابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعبد الرزاق بن همام، وكانت نسخة كتاب سليم موجودة عند هؤلاء الثلاثة، ثم انتشر في الأقطار على أيديهم. وفيما يلي أستعرض سلسلة الأسانيد الناقلة للكتاب وهو يكشف عن كيفية انتشار نسخه في الأوساط العلمية والاجتماعية طيلة القرون، فأقول:


(1) راجع مشجرة الاسانيد المنتهية إلى سليم. (*)

[ 66 ]

الأول: نسخة عبد الرزاق، وقد وصلت إلينا بأربعة طرق: 1. طريق ابن عقدة المتوفى 333. 2. طريق محمد بن همام بن سهيل المتوفى 332. 3. طريق الحسن بن أبي يعقوب الدينوري. 4. طريق أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق في سنة 334. وأصبح الكتاب متداولا حيث كانت عدة نسخ خطية منها موجودة عند كبار علمائنا كما توجد اليوم مخطوطات منها في مكتبات ايران والعراق والهند. الثاني: نسخة حماد بن عيسى، وقد وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي (صاحب كتاب الرجال) بأسانيد متصلة. الثالث: نسخة ابن أبي عمير، وقد وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي بأسانيد متصلة كما وصلت إلى العلامة الشيخ الحر العاملي والعلامة المجلسي وهي المتداولة اليوم مطبوعا. الأسانيد المنتهية إلى سليم إن لكتاب سليم 22 سندا موثوقا بها وذلك أن الأسانيد الموجودة في مفتتح نسخ الكتاب بنفسها تتضمن 18 طريقا ورواتها في جميع الطبقات من أعاظم العلماء، بالأضافة إلى طرق أخرى سنبينها، وإليك تفاصيلها: 1 إلى 16 – وهي السند المذكور في عدد من نسخ الكتاب كنسخة الشيخ الحر ونسخة العلامة المجلسي، وهذا بيانه: يتصل الأسانيد إلى الشيخ الطوسي بأربعة طرق هكذا:


[ 67 ]

1. هبة الله عن المقدادي عن ابن الشيخ عن الشيخ الطوسي. 2. الحسن بن هبة الله عن ابن الشيخ عن الشيخ الطوسي. 3. ابن الكال عن العريضي عن ابن شهريار الخازن عن الشيخ الطوسي. 4. ابن شهر آشوب عن جده عن الشيخ الطوسي. ويتصل الأسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم بأربعة طرق: 1. الشيخ عن ابن أبي جيد عن ابن الوليد، وماجيلويه عن الصيرفي عن أبان عن سليم. 2. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم. 3. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم. 4. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن ابن أبي الخطاب عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم. وعلى هذا فإذا ضربت عدد الأسانيد الأربعة المنتهية إلى الشيخ في عدد الأسانيد الأربعة المنتهية من الشيخ إلى سليم تحصل على 16 طريقا كلها صحيحة معتبرة. 17 – السند المذكور في مفتتح عدد آخر من نسخ الكتاب كنسخة صاحب الروضات والمحدث النوري وهي أسانيد صحيحة ورجالها مقبول بين الفريقين وهذا نصه: (محمد بن صبيح بن رجاء عن عصمة بن أبي عصمة البخاري عن أحمد بن المنذر الصنعاني عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد البصري عن أبان عن سليم). وقد ثبت توسط ابن أذينة بين معمر وأبان في محله. 18 – السند المذكور في مفتتح عدد آخر من نسخ الكتاب وهذا نصه: (الحسن بن أبي يعقوب الدينوري عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان عن سليم).


[ 68 ]

19 – السند المذكور في الذريعة: (إبراهيم بن عمر اليماني عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن سليم). 20 و 21 – السند المذكور في فهرستي الشيخ والنجاشي، وهو يتضمن طريقين: 1. ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن ماجيلويه عن الصيرفي عن حماد وعثمان إبني عيسى عن أبان عن سليم. 2. ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن ماجيلويه عن الصيرفي عن حماد عن إبراهيم بن عمر عن سليم. 22 – السند المذكور في رجال الكشي: (محمد بن الحسن عن الحسن بن علي عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر عن ابن أذينة عن أبان عن سليم). تعريف بمفردات رجال أسانيد الكتاب قمنا بترجمة مفردات رجال أسانيد الكتاب على ترتيب طبقات الرواة في الفصل الثامن من المقدمة المفصلة التي جاء في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات وهو بحث رجالي يراجعها الطالب هناك. ونكتفي هنا بترجمة سليم المؤلف للكتاب وأبان الراوي الوحيد عن مؤلفه.


[ 69 ]

حياة سليم بن قيس الهلالي أبو صادق سليم – بالضم مصغرا (1) – بن قيس الهلالي العامري الكوفي. من خواص أمير المؤمنين والأمام الحسن والأمام الحسين والأمام زين العابدين عليهم السلام، وقد أدرك الأمام الباقر عليه السلام أيضا. ذكر ذلك البرقي والطوسي وابن النديم. (1) وقد أورده في أصحابهم كل من تعرض لترجمته من الرجاليين، مضافا إلى أن محتوى كتابه وأحاديثه أقوى شاهد على أنه من أصحاب الأئمة الخمسة المذكورين. (2) ب أصله من بني هلال بن عامر بطن من عامر بن صعصعة، من هوازن من قيس بن عيلان، من العدنانية الذين كانوا يقطنون الحجاز، وما زال قسم من عشيرتهم إلى عصرنا في المنطقة. (3) ب ولد سليم قبل الهجرة بسنتين (4)، وكان عمره عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إثنتي عشرة سنة. ولم يأت المدينة زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا زمن أبي بكر، وإنما دخلها شابا في أوائل إمارة


(1). ضبطه البرقي في رجاله: ص 4، والنجاشي في رجاله: ص 6، والطوسي في فهرسته: ص 81 رقم 336 ورجاله: ص 91، والكشي في اختيار معرفة الرجال: ج 1 ص 321، والعلامة في خلاصة الأقوال: ص 82 و 86. (1). رجال البرقي: ص 4 و 7 و 8 و 9. رجال الشيخ: ص 43 و 68 و 74 و 91 و 124. الفهرست لابن النديم: ص 275. خلاصة الأقوال: ص 83. الأختصاص: ص 2. مناقب ابن شهر آشوب: ج 3 ص 201. استقصاء الأفحام: ج 1 ص 859. (2). يراجع في هذا الكتاب: الأحاديث 7، 10، 24، 26، 37، 38، 67، 69، 74، 76، ومفتتح الكتاب، بالأضافة إلى أن سليما روى أكثر من نصف أحاديثه (50 حديثا) عن أمير المؤمنين عليه السلام. (3). معجم قبائل العرب: ج 3 ص 1221. اللباب لابن الأثير: ج 3 ص 396. (4). يدل على ذلك الحديث 34 من كتاب سليم إذ يسأل أبان سليما عن سنه في أواخر وقعة صفين وهذا نصه: (قال أبان: وسمعت سليم بن قيس يقول: وسألته: هل شهدت صفين ؟ قال: نعم. قلت: هل شهدت يوم الهرير ؟ قال: نعم. قلت: كم كان أتى عليك من السن ؟ قال: أربعون سنة). فإذا علمنا أن وقعة الهرير كانت في العاشر من صفر سنة 38 (كتاب صفين لنصر بن مزاحم: ص 473) وهو آخر أيام صفين وعلمنا أيضا أن عمر سليم كان في تلك الوقعة أربعين سنة يكون النتيجة أن سليما ولد قبل الهجرة بسنتين وذلك بعد كسر 38 من 40.

[ 70 ]

عمر قبل السنة 16 الهجرية. ب لا خبر عندنا عن أوائل نشأة سليم حتى الرابعة عشرة من عمره، الا أن ما رواه في الحديث 39 من كتابه عن أبي سعيد الخدري يدل على أنه لم يكن في المدينة في فترة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما أنه لم يرو أي حديث يدل على رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وآله أو حضوره في المدينة في عصره. ب كذلك لم يكن سليم في المدينة في فترة خلافة أبي بكر من سنة 10 إلى 13. فقدروى أحداث السقيفة وما جرى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وابن عباس، والبراء بن عازب، كما لا يوجد ما يدل على التقائه بأبي بكر أو وجوده في المدينة إلى آخر عهده. ب كان سليم حاضرا في المدينة أو كان يختلف إليها شابا بعد انقضاء عهد أبي بكر وفي أول إمارة عمر حدود سنة 14 هجرية. يدل على ذلك أن سلمان قدم المدائن واليا عليها سنة 16 (1) وتوفي بها ولم يرجع إلى المدينة، بينما يروي عنه سليم في مجالس حضرها أشخاص غير سلمان ممن لم يكونوا في المدائن. ولم نجد شيئا تدل على رحلة سليم إلى المدائن في عصر سلمان. فمن ذلك نستنتج أن لقاءاته بسلمان كانت قبل سنة 16 في المدينة، وقد صرح بذلك في بعضها كما ترى في الأحاديث 13، 14، 19، 52. ب كان سليم في هذه الفترة – أي من سنة 14 إلى سنة 16 هجرية – يلتقي كثيرا بأمير المؤمنين عليه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد. يدل على ذلك ما رواه عنهم جميعا في مجلس واحد، كما في الأحاديث: 5، 19، 21، 24، أو بحضور الثلاثة غير علي عليه السلام، كما في الأحاديث: 38، 44، 71، كما أنه روى أحاديث كثيرة عن سلمان فقط مثل الأحاديث: 1، 4، 5، 47، 49، 52، 58، 62، 77، 91.


(1). مروج الذهب: ج 2 ص 306.

[ 71 ]

ب لا ندري أين كان سليم بعد رحلة سلمان إلى المدائن في سنة 16 إلى أوائل إمارة عثمان، إذ لا نجد في أحاديثه شيئا يدل على ذلك، إلا ما صرح به في الحديث 42 حيث يقول (وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب). نعم بعض أحاديثه عن أبي ذر والمقداد معا أو منفردا (2) يكشف عن اتصاله بأمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر والمقداد في تلك الفترة. ويقوى احتمال بقائه في المدينة إلى آخر عهد عثمان أو تردده بين الحجاز والعراق في تلك الفترة. ب حج سليم في أواسط أيام عثمان عند ما قدم أبو ذر حاجا وحضر الموسم ورجع معه إلى المدينة. يدل على ذلك الحديث 75. ب عاش سليم في المدينة من حدود سنة 27 إلى آخر عهد عثمان أي سنة 35. يدل على ذلك قوله في الحديث 11: (رأيت عليا عليه السلام في خلافة عثمان وعدة جماعة يتحدثون… وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل…). ثم يعد منهم أبي بن كعب الذي مات سنة 30 وعبد الرحمن بن عوف الذي مات سنة 31، وهذا يدل على حضوره في المدينة في تلك السنين. ب سافر سليم إلى الربذة في سنة 34 التي توفي فيها أبو ذر، كما يدل عليه الحديث 20. ب في أول عهد أمير المؤمنين عليه السلام – سنة 35 – كان سليم من خلص أصحابه والفدائيين في سبيله، وهذا أمر يلوح من جميع ما أورده سليم في كتابه. ب شهد سليم مع أمير المؤمنين عليه السلام وقعة الجمل في سنة 35، وكتب كثيرا من جزئيات ما وقع في تلك الوقعة وبعدها، كما في الأحاديث 28، 29، 53، 56، 59، 67. ب شهد سليم وقعة صفين في سنة 36 من أولها إلى آخرها، وكان من شرطة الخميس المتقدمين في الحرب. وكان حاضرا ليلة الهرير العاشر من صفر سنة 38، وهي آخر وقعات صفين. وقد رجع سليم مع علي عليه السلام إلى الكوفة، بعد ما حضر في (2). راجع الأحاديث: 6، 19، 20، 21، 22، 24، 36، 38، 44، 46، 52، 71، 72، 75.


[ 72 ]

قصة الحكمين كما يدل على ذلك الأحاديث: 15، 16، 25، 34، مضافا إلى ما مر في الحديثين 53 و 59، وما مر من أنه كان من شرطة الخميس. ب كان سليم في الكوفة بعد وقعة صفين وقبل النهروان وذلك في الفترة التي استشهد فيها محمد بن أبي بكر بمصر سنة 38، كما في الحديثين 37 و 78. ب شهد سليم وقعة النهروان في سنة 39، كما في الأحاديث 56 و 59. ب كان سليم في الكوفة بعد وقعة النهروان إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السلام في شهر رمضان سنة 40، كما في الأحاديث: 12، 17، 69، 79. ب كان سليم في الكوفة بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، وعند ما دخلها معاوية ووقع معاهدة السلح بينه وبين الامام الحسن عليه السلام، كما في الحجديث 76. ب بعد انتقال الأمامين الحسنين عليهما السلام إلى المدينة سافر سليم إليها والتقى بهما، ولا ندري هل بقي فيها أم لا، إلا أنه كان حاضرا بالمدينة سنة 50 بعد شهادة الأمام الحسن عليه السلام، وفي السنة التي قدم فيها معاوية حاجا كما في الحديث 10 و 26. ب كان سليم في الكوفة في بعض الفترات بين سنة 49 وسنة 53، عند ما كان زياد بن أبيه واليا عليها، فأخذ من كاتب زياد رسالة معاوية إلى زياد كما في الحديث 23. ب حج سليم قبل موت معاوية بسنة أو سنتين، وحضر في منى في مجلس الأمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، كما في الحديث 26. ب لا علم لنا بالظروف التي عاشها سليم من سنة 60 إلى 75 الهجرية، إلا ما ذكره عن التقائه بالأمام السجاد والأمام الباقر عليهما السلام، وكذلك ابن عباس في تلك الفترة. يدل على ذلك ما في الحديثين 10 و 66. ب كان سليم في الكوفة ظاهرا في سنة 75 عند ما قدم الحجاج واليا عليها، فطلبه ليقتله، فهرب منه إلى البصرة ثم إلى فارس، ووصل إلى مدينة (نوبندجان) وآوى في تلك البلدة إلى أبان بن أبي عياش. ولم يلبث كثيرا في نوبندجان حتى مرض، ثم توفي إلى رحمة الله تعالى. يدل على ذلك ما في مفتتح الكتاب، وما قال ابن النديم والعقيقي: (كان (سليم)


[ 73 ]

هاربا من الحجاج، لأنه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه). (1) ب كان وفات سليم في سنة 76 من الهجرة عن 78 سنة بعد أن صرف أكثر من 60 سنة من عمره الشريف في سبيل إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام. يدل على ذلك أن سليما كان من أول من طلبه الحجاج، وذكر أبان في مفتتح الكتاب والحديث 58 أنه بعد وفاة سليم التقى بالحسن البصري في أوائل عمره وفي أول إمارة الحجاج أي سنة 75، فيحاسب السنة الاولى التي طلبه فيها الحجاج (وهي السنة 75) وهروبه وبقائه مدة في نوبندجان ثم وفاته هناك. وظاهر كلام أبان في قوله (لم ألبث أن حضرته الوفاة) أنه لم يكن بعد قدوم سليم بأكثر من سنة. عدالة سليم يدل على وثاقة سليم وعدالته جميع ما مر في اعتبار كتابه ورواية الراوين الثقات لأحاديثه وتصديقهم له. ونورد بعض النصوص في ذلك: 1. نص أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث 38 من هذا الكتاب على أنه من الأصفياء الأولياء ذوي الخبرة في الدين، وأنه عبد امتحن الله قلبه بالايمان. وقد مر تصديق خمسة من الأئمة عليهم السلام له، وخاصة الأمام السجاد عليه السلام الذي صدقه في جميع كتابه وترحم عليه. 2. قال أبان بن أبي عياش في مفتتح الكتاب: (لم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا ولا أطول حزنا ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه).


(1). الفهرست لابن النديم: ص 275. خلاصة الاقوال: ص 83.

[ 74 ]

3. قال أبان أيضا فيما نقله عنه ابن النديم والعقيقي: (كان (سليم) شيخا متعبدا له نور يعلوه). (1) 4. ذكره البرقي في رجاله من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ونقله عنه العلامة في الخلاصة. (2) 5. مرت الرواية التي رواها الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص الدالة على أن سليما كان من شرطة الخميس (3)، وبذلك يعلم جلالة سليم. 6. أورد الكشي في رجاله روايتين تدلان على تصديق الأئمة عليهم السلام لسليم (1)، وقد رواهما سليم بنفس النص في مفتتح كتابه في الحديث 10. 7. ذكره الشيخ أبو العباس النجاشي في رجاله في عداد المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح). (2) 8. قال ابن قتيبة الدينوري في المعارف عند ذكر فرق المسلمين والمشهورين من كل فرقة: (الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة بن صوحان، والأصبغ بن نباتة، وعطية العوفي، وطاووس، والأعمش، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو صادق…). (والظاهر أنه يريد بأبي صادق سليم بن قيس. 9. قال العلامة الحلي في الخلاصة: (روى الكشي أحاديث تشهد بشكره… والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه). ثم أورده في أولياء أمير المؤمنين عليه السلام. (4) 10. قال العلامة السيد محمد باقر الداماد في تعليقته على أصول الكافي: (صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواص أصحابه… وهو من الأولياء المتنسكين، والحق عندي


(1). الفهرست لابن النديم: ص 275. خلاصة الاقوال: ص 83. (2). رجال البرقي: ص 4. خلاصة الاقوال: ص 192، باب الكنى. (3). الاختصاص: ص 2.

[ 75 ]

فيه وفاقا للعلامة وغيره من وجوه الأصحاب تعديله). (5) 11. ذكره العلامة المجلسي في البحار في عداد الثقات العظام والعلماء الأعلام. (6) 13. قال السيد حسين بن محمد رضا البروجردي في نخبة المقال: سليم بن قيس الهلالي (صة) ثقة من أولياء الال (7) 14. قال العلامة الميرزا محمد الأخباري في كتابه تحفة الأمين: (كان (سليم بن قيس) من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر عليهم السلام وهو من تلامذة سلمان وأبي ذر والمقداد…). (8) 15. قال العلامة السيد الخوانساري في روضات الجنات: (قد كان من قدماء علماء أهل البيت عليهم السلام وكبراء أصحابهم… ويظهر لك من التضاعيف أضعاف ما يكون فيه الكفاية لأجل التعديل. كيف لا ومن الظاهر أن الرجل كان عند الأئمة عليهم السلام بمنزلة الأركان الأربعة ومحبوبا لدى حضراتهم في الغاية. وحسب الدلالة على رفعة مكانته عندهم وغاية جلالته… أنه لم ينقل إلى الان رواية في مذمته، كما روي في مدحه وجلالته، ولا وجد بيننا ناص على جهالته فضلا عن خلاف عدالته. ويعلم منازل الرجال من رواياتهم ويعلم منها أنه كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام… وأوليائه وكان متصلبا في دينه ولم يرجع إلى أعداء أمير المؤمنين عليه السلام حتى أن الحجاج طلبه ليقتله). (1) 16. قال السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة: (إن المترجم (أي سليم)… يكفي فيه عد البرقي إياه من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام، وكونه صاحب كتاب مشهور، وأنه السبب في هداية أبان بن أبي عياش، وقول أبان: أنه كان شيخا متعبدا له نور يعلوه،


(5). تعليقة السيد الد (اماد على اصول الكافي: ص 145. ونقل المحدث القمي هذا الكلام في سفينة البحار: ج 1 ص 652. (6). بحار الانوار: ج 53 ح 122. (7). نخبة المقال: ص 50. وقوله (صه) يريد أنه مذكور في (خلاصة الأقوال) للعلامة الحلي. (8). روضات الجنات: ج 7 ص 129. (1). روضات الجنات: ج 4 ص 65، 73.

[ 76 ]

إلى غير ذلك). (2) 17. قال العلامة المامقاني في تنقيح المقال: (هو من الأولياء المتنسكين والعلماء المشهورين بين العامة والخاصة، وظاهر أهل الرجال أنه ثقة معتمد عليه، وقد يطمئن بوثاقة الرجل من عد الشيخ في باب أصحاب السجاد عليه السلام إياه صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وجعله إياه من أوليائه وغير ذلك مما لا يخفى على أهل الفن). (3) 18. قال المحقق الخبير السيد حسن الصدر في كتابه (تأسيس الشيعة لعلوم الأسلام): سليم – بالتصغير – ابن قيس الهلالي التابعي صاحب علي عليه السلام والملازم له وللحسنين عليهما السلام المنقطع إليهم. أول من كتب الحوادث الكائنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثقة صدوق متكلم فقيه كثير السماع). (4) 19. قال المتتبع الخبير الحاج مولى هاشم الخراساني في كتابه منتخب التواريخ: (سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي، كان من عظماء الرجال في الغاية). (1) 20. قال الشيخ جواد الخراساني في منظومته الرجالية: علي بن عيسى وأبانا صدقه سليم بن قيس وكذا الفراء ثقة (2) 21. قال المحقق الخياباني في ريحانة الأدب: (هو من أكابر أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر عليهم السلام. كان محبوبا لدى حضراتهم في الغاية، وكان بمنزلة الأركان الأربعة، وورد أخبار كثيرة في مدحه، وهو من أولياء أهل بيت العصمة عليهم السلام). (3) 22. قال العلامة الأميني في كتابه الغدير: (هو ممن يحتج به وبكتابه عند الفريقين)، وعبر عنه ب‍ (التابعي الكبير الصدوق الثبت). (4) 23. قال العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمته على كتاب سليم:


(2). أعيان الشيعة: ج 35 ص 293. (3). تنقيح المقال: ج 2 ص 54. (4). تأسيس الشيعة لعلوم الأسلام: ص 282، 357. (1). منتخب التواريخ: ص 210. (2). منظومة في الرجال: ص 51. (3). ريحانة الأدب: ج 6 ص 369. (4). الغدير: ج 1 ص 66 و 163 وج 2 ص 34.

[ 77 ]

(قد أدرك سليم خمسة من الأئمة عليهم السلام واتصل بهم… وكان موثقا عندهم مقتبسا من علومهم الفياضة، وكان متصلبا في دينه مناوئا لأعداء آل البيت النبوي مجاهرا بالعداء لهم حتى أن الحجاج طلبه ليقتله فاختفى عنه أيام إمارته الغاشمة خو فاعلي نفسه). (5) 24. قال العلامة السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: (ثقة جليل القدر عظيم الشأن، ويكفي في ذلك شهادة البرقي بأنه من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام). (6) حياة أبان بن أبي عياش الشيخ الثقة الفقيه الزاهد العابد طاووس القراء أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش العبدي البصري. ولد أبان حدود سنة 62 وتوفي في أول رجب من سنة 138 عن عمر بلغ 76 سنة، وكان له عند قدوم سليم نحو 14 سنة. (1) ولا شك أن سليم بن قيس رحمه الله كان يعرف والد أبان أو أحد أقاربه أو معارفه، حيث كان فارا من الحجاج مختفيا عنه، وقد دخل إلى بلدتهم نوبندجان تلك المدينة الخارجة نسبيا عن حكم الحجاج ووجد المأوى فيها، وقد استضافوا هذا الشيخ المشرد المطارد الذي يبلغ الثمانين من عمره، وتحملوا الخطر على أنفسهم، وحموا سليما من سيف الحجاج. وفي ذلك الجو الخاص المحمي كان يوجد شاب صغير السن، له ولع بالعلم والأحاديث، على نمط الشباب المتدينين المتحفزين للمعرفة في ذلك الزمان.. وهو أبان بن أبي عياش.. فاختاره سليم أو اختاره له الذين آووه، لكي يسلمه تلك الأمانة العلمية المهمة والخطيرة، والتي هي كتاب سليم


(5). راجع مقدمة الطبعة الاولى من كتاب سليم في القطع الرقعي من الطبعات النجفية. (6). معجم رجال الحديث: ج 8 ص 220. مفتتح كتاب سليم. أعيان الشيعة: ج 5 ص 48. ميزان الاعتدال: ج 1 ص 14.

[ 78 ]

أبان وكتاب سليم في البصرة ذكر أبان أنه كان بعد وفاة سليم ينظر في كتابه ويطالعه، وأنه رحل لطلب العلم من بلاده إلى أقرب الحواضر الأسلامية إلى شيراز، وهي البصرة وذلك في حدود سنة 77 هجرية، وكان معه كتاب سليم. وقد استوطن أبان في البصرة إلى آخر عمره وكان هو وأهله من موالي قبيلة عبد القيس، فقد ذكر له مترجموه نسبة العبدي التي هي نسبة إلى عبد القيس، وهي قبيلة بصرية معروفة كان يرأسها في عهده المنذر بن الجارود، وقد شاركت في فتح منطقة فارس التي كان منها أبان، وقد كان فتح فارس في سنة 19 وترجع سابقة تشيع بني عبد القيس إلى قبل سنة 30 وصاروا شيعة بالتدريج. (2) وقد درس أبان في البصرة ونبغ في الفقه، حتى أن قبيلة عبد القيس كانت تفتخر بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه (1)، وكان يلقب ب‍ (طاووس القراء). (2) كما كان أبان من الأتقياء العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام. (3) وقد وصفه مترجموه بأنه الشيخ التابعي العالم الفقيه العابد أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش فيروز العبدي البصري الزاهد من موالي عبد القيس. (4) وقد كان أبان من أصحاب الأمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام (5)، وتوفي قبل وفاة الأمام الصادق عليه السلام بعشر سنين. ثم إن أبانا أطلع الحسن البصري على كتاب سليم في البصرة، فطالعه الحسن البصري بأجمعه ثم قال: (ما في حديثه شئ إلا حق سمعته من الثقات). (6)


(1). (2). فتوح البلاذري: ص 378 – 380. (1). المعارف لابن قتيبة: ص 239. (2). الضعفاء الكبير: ج 1 ص 38. (3). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 12. (4). معجم رجال الحديث: ج 1 ص 18. أعيان الشيعة: ج 5 ص 48. (5). رجال البرقي: ص 9. رجال الشيخ: ص 83، 106، 156. (6). مفتتح كتاب سليم.

[ 79 ]

أبان وكتاب سليم في مكة والمدينة قدم أبان من البصرة إلى مكة حاجا، والتقى بكثير من العلماء، وزار الأمام زين العابدين عليه السلام وعرض عليه كتاب سليم، وكان ذلك بحضور الصحابيين أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وعمر بن أبي سلمة. وعلى مدى ثلاثة أيام كان يغدو عليه كل يوم ويقرؤون الكتاب والأمام عليه السلام يستمع إلى قرائتهم. ولما فرغوا قال الأمام عليه السلام: (صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله نعرفه). ثم إن أبا الطفيل وابن أبي سلمة أيضا شهدا بصحة الكتاب فقالا: (ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد). (7) أبان يوصي بكتاب سليم إلى عمر بن أذينة لا يبعد أن يكون أبان أعطى نسخة الكتاب إلى تلاميذه وأصدقائه في البصرة، فقد صار فقيها كبيرا، ودرس عنده واستفاد منه كثيرون. ولكن الروايات تقتصر على أنه أطلع الأمام زين العابدين عليه السلام وأبي الطفيل وابن أبي سلمة والحسن البصري على الكتاب، وتذكر أنه عند ما جاوز السبعين من عمره سلم نسخة كتاب سليم إلى شيخ الشيعة في البصرة ووجههم عمر بن أذينة، الذي هو من أصحاب الأمام الصادق عليه السلام، ثم من أعاظم أصحاب الأمام الكاظم عليه السلام. فقد أخبره أبان بقصة الكتاب كلها وقرأه عليه وناوله إياه كما فعل سليم، وبهذا أدى أمانة سليم إلى من كان يثق به. ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا قليلا حتى فاز بلقاء ربه، وكان ذلك في رجب سنة 138 الهجرية.


(7). مفتتح كتاب سليم.

[ 80 ]

عدالة أبان بن أبي عياش الشيخ الثقة الفقيه الزاهد العابد طاووس القراء أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش العبدي البصري من أعاظم فقهاء زمانه كما أقر بذلك المخالف والمؤالف. ولا ينتظر الأنسان من أجهزة الخلافة أن تمدح أبان بن أبي عياش، بل ينتظر أن يرث أبان أستاذه سليما في غضب السلطة عليه ومطاردتها له.. ولكن أبانا لم يكن معروفا عند السلطة بولاء أهل البيت النبوي الطاهرين مثل سليم. ثم إن الامور اختلفت بعد هلاك الحجاج، فنجا أبان من مطاردة السلطة. وكان فقيها يعيش في البصرة ويدرس تلاميذه الفقه والحديث، ويستعمل التقية الشرعية حتى لا يعطي على نفسه ممسكا ويسفك دمه لقد استطاع أبان بذلك أن ينجو من بطش السلطة، ولكنه لم يستطع أن ينجو من بطش علماء السلطة ولهذا تجد ترجمة أبان في مصادر علماء الخلافة مليئة بتضعيفه والتحذير من رواياته، مع أنه أستاذ عدد من كبار أئمتهم ثم إن المتعرضين لترجمة أبان من الخاصة أيضا لم ينقحوا أحواله وغفل كثير منهم عن ملاحظة الظروف الخاصة التي عاشها وما واجهه به المخالفون من الافتراء والتهمة. نعم تفطن بهذا عدة من المتأخرين. ونحن نركز البحث حول وثاقته بنقل كلمات العلماء فيه، وما نستخرجه من تاريخ الأوضاع التي كانت تسود على المجتمع الذي عاش فيه. كلمات العلماء السنيين عن أبان بن أبي عياش اعلم أن أكثر ما صدر عن المخالفين عند ذكر أبان إنما نشأ من العناد الخاص معه بالأضافة إلى مواجهتهم العامة مع رواة الشيعة، ويلاحظ في كلماتهم الأقرار بوثاقته


[ 81 ]

وتشيعه بجانب ما ذكروه من الوقيعة فيه إظهارا للمعاندة، وما في كلماتهم من جهة المدح فيه. فمن نماذج ذلك: 1. قيل لشعبة: لم سمعت منه ؟ قال: ومن يصبر عن ذا الحديث (1) 2. قال سلم العلوي: يا بني، عليك بأبان. فذكرت ذلك لأيوب السختياني فقال: ما زال نعرفه بالخير مذ كان. (2) 3. إن ابن عدي قال: أرجو أنه لا يتعمد الكذب وعامة ما أتى به من جهة الرواة عنه. (3) 4. قال الفلاس: هو رجل صالح (4) 5. إن أبا حاتم قال: كان رجلا صالحا. (5) 6. قال العقيلي: انه كان طاووس القراء. (6) 7. قال ابن قتيبة في المعارف: كانت تفخر عبد القيس بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه. (1) 8. قال الذهبي: كان أبان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام. (2) من كلمات العلماء في الدفاع عن أبان لقد تفطن المتأخرون إلى وثاقة أبان بن أبي عياش وغاية الاعتماد عليه ولم يكن ذلك إلا حصيلة الدراسة في حياة أبان والقرائن الكثيرة التي تحتف بها.


(1). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 10. (2). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 10. (3). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 11 وتهذيب التهذيب: ج 1 ص 97. (4). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 10. (5). تهذيب التهذيب: ج 1 ص 97. (6). الضعفاء الكبير: ج 1 ص 38. (1). المعارف: ص 239. (2). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 12. (*)

[ 82 ]

1. قال الأستر آبادي في منهج المقال: (إني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع). (3) 2. قال المير حامد حسين في استقصاء الأفحام: (إن أبان بن أبي عياش يعد عند العامة أيضا من أعاظم علمائهم ويعدونه من خيار التابعين وثقاتهم، وكان أبو حنيفة ممن أخذ عنه وارتضاه لأخذ الأحكام الشرعية (4) كما يرى ذلك من كتب أكابر فن التنقيد). (5) 3. قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: (يدل على تشيعه قول أحمد بن حنبل كما سمعت (قيل أنه كان له هوى) أي من أهل الأهواء والمراد به التشيع…، وأما شعبة فتحامله عليه ظاهر وليس ذلك إلا لتشيعه كما هو العادة مع أنه صرح بأن قدحه فيه بالظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ولا يسوغ كل هذا التحامل بمجرد الظن وقد سمعت تصريح غير واحد بصلاحه وعبادته وكثرة روايته وأنه لا يتعمد الكذب. (6) وجعلهم له منكر الحديث لروايته ما ليس معروفا عندهم أو مخالفا لما يروونه أو ما يرون فيه شيئا من الغلو. وأما الاعتماد على المنامات في تضعيف الرجال فغريب طريف، مع أن بعض المنامات السابقة دل على حسن حاله). (1) 4. قال السيد الموحد الأبطحي في تهذيب المقال: (أما تضعيف العامة لأبان فلا يوجب وهنا فيه… وكان أكثر تضعيفات العامة لأبان عولا على شعبة، فقد أسس الوقيعة في أبان وتبعه غيره… وملخص ما قالوا عن شعبة وغيره في تضعيفه أمور: أحدها منامات ذكروها… وثانيها رواية أبان عن أنس بن مالك، وثالثها رواية المناكير وعد منها روايات في فضل أهل البيت عليهم السلام ؟… يظهر ممن ضعفه من العامة


(3). منهج المقال: ص 15. (4). جامع المسانيد للخوارزمي: ج 2 ص 389 ب 40. (5). استقصاء الأفحام: ج 1 ص 563، 564، 566. (6). بيان ذلك أولا: ان كذبه على رسول الله صلى الله عليه وآله انما كان على رأي شعبة وأمثاله ورأيهم لا يكون حجة لغيرهم. وثانيا: ان أمثال شعبة كانوا يرون نقل ما يدل على مذهب أهل البيت عليهم السلام وما يكشف عن فضائلهم كذبا على رسول الله عليهم السلام ولم يكن ابتلاء أبان بكلماتهم الا بنقله أمثال ذلك كما أشار إليه السيد الأمين. (1). أعيان الشيعة: ج 5 ص 50.

[ 83 ]

أن أبان بن أبي عياش كان من العباد فلعل التضعيف كان من جهة المذهب). (2) 5. قال المولى حيدر علي الشيرواني: (أبان بن أبي عياش كان يتظاهر بنقل كتاب سليم في زمن سيد العابدين والباقر والصادق عليهم السلام وهو من أصحابهم الثقات المذكورين، والأجلاء ينقلون عنه مسلمين موقنين). (3) 6. قال السيد الصفائي الخوانساري في كشف الأستار: ينبغي عده (أي تضعيف المخالفين لأبان) من مدائحه. (4) 8. قال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في (الجامع في الرجال): (الأقرب عندي قبول رواياته تبعا لجماعة من متأخري أصحابنا اعتمادا بثقات المحدثين كالصفار وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين يروون عنه، ولاستقامة أخبار الرجل وجودة المتن فيها). (5) 8. أقول: كل ما ذكرناه من وجوه اعتماد العلماء على كتاب سليم واعتباره عندهم فتلك كلها تدل على اعتمادهم على أبان بن أبي عياش الراوي الوحيد للكتاب عن مؤلفه كما سوف نحقق في ترجمة سليم أنه لم يرو عنه أحد غير أبان بن أبي عياش. فاعتماد الأعلام المتقدمين والمتأخرين على كتاب سليم ونقلهم عنه يتوقف على اعتمادهم على أبان الناقل له. ومن المعلوم أن هذا الجم الغفير من الأعاظم لا يعتمدون إلا على كتاب مروي بسند قوى، وقد أشار إلى ذلك السيد الخوانساري في كشف الأستار فقال: (وإذا انتهت أسانيد الكتاب إلى أبان فهذا الأجماع يكشف عن وثاقته جدا “. 5


(2). تهذيب المقال: ج 1 ص 182 و 183. (3). قال ذلك في آخر رسالته المسماة (رسالة في كيفية استنباط الأحكام من الاثار في زمن الغيبة) وهي مخطوطة. (4). كشف الأستار: ج 2 ص 30. (5). الجامع في الرجال: ج 1 ص 11. 5. كشف الاستار: 2 ص 132.

[ 84 ]

ويؤيد ذلك وجود (أبان) في جميع الأسانيد الناقلة لأحاديث سليم في المصادر الحديثية. أضف إلى ذلك أن ابن أبي عمير الذي يعتمد على مسانيده ومراسيله نقل كتاب سليم وأحاديثه بالأسناد إلى أبان بن أبي عياش، وهذا يدل على اعتماده عليه. وفي نهاية المطاف ألخص الكلام في كلمة واحدة وأقول: إن أبان بن أبي عياش كان من كبار علماء الشيعة، وكان متصلا بالأئمة المعصومين عليهم السلام وأصحابهم، وأنه كان ممن أصابه سهام التهمة والافتراء من الأعداء في سبيل إحياء مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو أوثق من أن يبحث عن ذلك فيه، وله علينا حق عظيم لسعيه الوافر في استبقاء هذا التراث القيم في تلك الظروف المملوؤة بالغشم والأرهاب والاتهام. جزاه الله عن أهل بيت نبيه عليهم السلام خير الجزاء. وهنا ننهي الدراسة عن أسانيد كتاب سليم، وقد ظهر من خلالها كثرة الطرق الصحيحة إلى الكتاب والدقة في نقله وأن جميع رواته من أعاظم أصحاب الأئمة عليهم السلام وأكابر رواة الشيعة والذين كانت لهم منزلة كبيرة في عالم الحديث والتراث الأسلامي الخالد، شكر الله مساعيهم الجميلة.


[ 85 ]

(4) مخطوطات الكتاب ونسخه المطبوعة والمترجمة والملخصة الاهتمام بحفظ نسخ الكتاب تداولت الأيدى الأمينة نسخ كتاب سليم طيلة أربعة عشر قرنا، وقام العلماء بحفظ هذا الأثر القيم من التراث الشيعي الخالد منذ القرن الأول وهلم جرا إلى زماننا هذا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل في سلسلة متلاحقة لم تنقطع. وتمثل ذلك في روايتهم للكتاب وقرائته ومناولته وإجازته واستنساخه ورواية أحاديثه والتحفظ بنسخه وتكثير مخطوطاته، وأخيرا إخراجه إلى عالم النور ونشره العالمي. القرائن على وجود النسخ الكثيرة من الكتاب عند القدماء والمتأخرين لقد عرفت عند ذكر أسماء الراوين عن كتاب سليم ما يعطي وجود نسخة من الكتاب عند أكثرهم أو رؤيتهم لنسخة منه، وكان ملخص تلك القرائن ما يلي: – تداول كلمة (كتاب سليم) على لسان عدة منهم. – تصريح عدة منهم بالرواية عن كتابه. – وجود ما نقلوه عن سليم بعينه في نسخ كتابه الذي بأيدينا. – ذكر عدة منهم طريقهم إلى كتاب سليم.


[ 86 ]

– تكرر الأسانيد المتشابهة في كتبهم. – توافق الأسانيد في أحاديثهم مع أسانيد نسخ كتاب سليم الذي بأيدينا غالبا. – ذكر عدة منهم مفتتح كتاب سليم في كتبهم. – تكلمهم حول الكتاب وإبراز الاراء عنه والبحث عن محتواه بصورة تدل على رؤيتهم للنسخة. ويؤيد وجود النسخ الكثيرة شهادات العلماء باشتهار الكتاب في كل عصر مثل ما عن ابن النديم المتوفى 385 والنعماني المتوفى 462 وابن الغضائري المتوفى 411 وابن أبي الحديد المتوفى 656. (1) وذكره الشيخ الحر العاملي والسيد هاشم البحراني والعلامة المجلسي والمحدث النوري والمحدث القمي والعلامة الطهراني والسيد الأمين العاملي والعلامة الأميني والعلامة المرعشي في عداد الكتب التي تواترت عن مؤلفيها وعلمت صحة نسبتها إليهم… كوجودها بخط أكابر العلماء وتكرر ذكرها في مصنفاتهم وأنه كتاب مشهور معتمد متداولة من العصور القديمة، نقل عنه المصنفون في كتبهم وللأصحاب إليه طرق كثيرة وأنه من الاصول الشهيرة عند الخاصة والعامة). (2) وهناك شهادات من عدة من الأعاظم تدل على أن كل واحد منهم رآى عدة نسخ خطية من الكتاب، وهو يدل على تداول نسخ الكتاب عند المتقدمين والمتأخرين وأنهم كانوا بصدد مقابلتها والتحفظ بها. واورد هنا أسمائهم، فهم الشيخ الحر والفاضل


(1). الفهرست لابن النديم: ص 275. الغيبة للنعماني: ص 61. خلاصة الأقوال: ص 83. شرح نهج البلاغة: ج 12 ص 216. (2). وسائل الشيعة: ج 20 ص 36. غاية المرام: ص 549، الباب 54. بحار الأنوار: ج 1 ص 32. بحار الأنوار (الطبعة القديمة): ج 8 ص 198. مستدرك الوسائل: ج 3 ص 73. نفس الرحمن: ص 56. الكنى والألقاب: ج 3 ص 243. الذريعة: ج 2 ص 153. أعيان الشيعة: ج 35 ص 293. الغدير: ج 1 ص 195، الهامش. إحقاق الحق: ج 2 ص 421، الهامش.

[ 87 ]

التفريشي والميرزا الأستر آبادي والعلامة المجلسي والشيخ أبو علي الحائري والعلامة الطهراني والشيخ شير محمد الهمداني. (1) أسماء الذين تداولوا نسخ الكتاب في القرون نذكر هنا أسماء الذين نصوا على وجود نسخة الكتاب عندهم أو شهدوا برؤيتهم لها عينا، والذين يلوح ذلك من كلماتهم ومن كيفية نقلهم لأحاديث سليم. وهي تدل على أن الكتاب كان في جميع العصور محل اهتمام العلماء، وأنهم كانوا يرجعون إليه كمصدر في الفقه والاصول والرجال والحديث والتاريخ والتفسير وغيرها. ونورد أسمائهم على ترتيب القرون وبملاحظة تاريخ وفياتهم (2): القرن الأول: انتقلت النسخة من يد سليم إلى أبان بن أبي عياش. القرن الثاني: تداولتها أيدي ثلاثة أشخاص من أعاظم رواة هذا القرن وهم عمر بن أذينة ومعمر بن راشد البصري وإبراهيم بن عمر اليماني. القرن الثالث: تكثرت نسخه بحضور أئمتنا عليهم السلام على أيدي هؤلاء: حماد بن عيسى، أخوه عثمان بن عيسى، عبد الرزاق بن همام، ابن أبي عمير، يعقوب بن يزيد، أحمد بن محمد بن عيسى، إبراهيم بن هاشم، محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عبد الله بن جعفر الحميري، سعد بن عبد الله الأشعري. القرن الرابع: قام العلماء بنشره أحسن قيام فكان منهم: علي بن إبراهيم، الكليني، والد الصدوق، محمد بن همام بن سهيل، ابن عقدة، ماجيلويه، أحمد بن محمد بن الوليد، محمد بن يحيي العطار، المسعودي، الصدوق، هارون التعلكبري، ابن النديم، أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء المصفى الدمشقي الثقفي، وهذا الأخير هو الذي استنسخ على نسخته نسخا


(1). وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387. منهج المقال: ص 171. منتهى المقال: ص 153. الذريعة: ج 2 ص 156. كتاب سليم المطبوع في النجف، المقدمة ص 19. (2). مر الأشارة إلى تاريخ وفاتهم في الفصل الثاني. (*)

[ 88 ]

كثيرة وتداولت إلى اليوم. القرن الخامس: صار الكتاب مشهورا غاية الأشتهار، رواها مثل النعماني وابن الغضائري وابن أبي جيد والنجاشي والشيخ الطوسي، وقد صرح باشتهارها الشيخ المفيد. القرن السادس: استمر العلماء في التحفظ على نسخه، فمنهم أبو علي ابن الشيخ الطوسي، ابن شهريار الخازن، شهر آشوب جد صاحب المناقب، أبو الحسن العريضي، محمد بن هارون بن الكال، أبو عبد الله المقدادي، الحسن بن هبة الله السوراوي، هبة الله بن نما، محمد بن علي بن شهر آشوب. ثم إنه استنسخ على نسخهم نسخا كثيرة وتداولت إلى اليوم، وقد شهد باشتهارها في ذلك القرن ابن أبي الحديد. القرن السابع: كانت نسخ الكتاب منتشرة محفوظا بها، فممن أشار إليها من رجال هذا القرن: أبو منصور الطبرسي صاحب الاحتجاج، السيد أحمد بن طاووس، شاذان بن جبرئيل صاحب الفضائل، محمد بن الحسين الرازي صاحب نزهة الكرام. وكان قدبقيت من المائة السابعة نسخة قيمة وصلت إلى يد العلامة المجلسي وكان تاريخها 609، وتكثرت النسخ المنتسخة عليها بعد ذلك. القرن الثامن: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة الحلي والديلمي صاحب إرشاد القلوب، والحافظ رجب البرسي. القرن التاسع: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة البياضي صاحب الصراط المستقيم والحسن بن سليمان الحلي صاحب مختصر البصائر. القرن العاشر: كانت نسخ من الكتاب عند الشهيد الثاني والعلامة القطيفي صاحب (الفرقة الناجية)، والحموئي الخراساني صاحب (منهاج الفاضلين). القرن الحادي عشر: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة المجلسي الأول والفاضل التفريشي والميرزا الأستر آبادي.


[ 89 ]

القرن الثاني عشر: كانت نسخ منه عند الشيخ الحر والسيد البحراني والعلامة المجلسي الثاني والمير محمد أشرف والوحيد البهبهاني والفاضل الهندي. القرن الثالث عشر: كانت نسخ منه عند الشيخ أبي علي الحائري والشيخ عبد الله البحراني والسيد مهدي القزويني صاحب (الصوارم الماضية). القرن الرابع عشر: كانت نسخ منه عند المير حامد حسين والسيد الخوانساري والمحدث النوري والمحدث القمي والعلامة المامقاني والعلامة الطهراني والعلامة الأميني والشيخ شير محمد الهمداني والسيد صادق بحر العلوم. وقد طبع الكتاب في أوائل النصف الثاني من هذا القرن وانتشر نسخه في البلاد، كما نقل إلى الاردية ونشرت الترجمة مطبوعا. القرن الخامس عشر: توجد عد ة نسخ مخطوطة منه في المكتبات العامة والخاصة على ما ساورد تفاصيلها. وقد طبع الكتاب في هذا القرن مرارا وفي نماذج مختلفة وانتشر في الأقطار، كما نقل إلى الفارسية والاردية ونشرت الترجمتان مطبوعا. الأسانيد الموجودة في أول النسخ مما يعجب كل محقق وجود الأسانيد المتسلسلة إلى المؤلف سليم في مفتتح نسخ الكتاب وأن المذكور في أول النسخ ليس سندا واحدا بل أسانيد متعددة تبلغ 18 طريقا (1)، وأكثر رجالها من المشايخ العظام (2) وهي هكذا: ب أسانيد شيخ الطائفة إلى كتاب سليم، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة الشيخ الحر والعلامة المجلسي وغيرهم وهي هكذا (3):


(1). قد مر بيانها عند ذكر أسانيد الكتاب. (2). يراجع عن تراجمهم المفصلة: كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 209 – 253. (3). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 316.

[ 90 ]

أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادي الاولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة. وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن على صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة. وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي. وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهر آشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه. أربعة أسانيد من الشيخ الطوسى إلى سليم قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.


[ 91 ]

ب الأسانيد إلى عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة صاحب الروضات وصاحب العبقات والمحدث النوري والشيخ كاشف الغطاء هكذا (1): حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة 334، قال: أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر بن أحمد الصنعاني بصنعاء – شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري – قال: حدثنا أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بشهر فقال: (إني رأيت الليلة…) وساق القول بعين قول ابن أذينة في السند السابق، ثم قال في آخره: (قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان كتاب سليم بن قيس). ب الأسانيد إلى إبراهيم بن عمر اليماني، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة الحموئي الخراساني وأبي عبد الله المجتهد الموسوي هكذا (2): الحسن بن أبي يعقوب الدينوري عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمه عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه هلال بن نافع عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.


(1). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 318. (2). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 324.

[ 92 ]

مخطوطات الكتاب نقصد بالنسخ المخطوطة ما ورد النص عليها في كتب المؤلفين، أو هي موجودة في المكتبات العامة أو الخاصة، أو ورد ذكرها في مخطوطات الكتاب. وقد بلغت 68 نسخة، وهي موجودة في مختلف البلدان: في مكة والمدينة و صنعاء والنجف الأشرف وكربلاء والحلة وبغداد والبصرة والكوفة ودمشق من البلاد العربية. وفي إصفهان وطهران ومشهد وقم وشيراز ويزد وزنجان من البلاد الايرانية. وفي لكنهو وفيض آباد وبمبئى من البلاد الهندية. وفيما يلي نورد فهرسا بنسخه، ونضع الموجودة منها بحرف مميز، وهي 25 نسخة (1):. نسخة الشيخ الحر العاملي الاولى، تاريخها 1087 ق، في مكتبة السيد الحكيم بالنجف في مجموعة رقمها 316.. نسخة عتيقة انتسخ عليها نسخة الشيخ الحر، كتبت بأمر السيد حيدرا، مذكورة في النسخة 1.. نسخة سقيمة قوبل عليها نسخة الشيخ الحر، وهي مذكورة أيضا في آخر النسخة 1.. نسخة العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي، ذكرها في روضة المتقين: ج 12 ص 201، ج 14 ص 371.. نسخة العلامة المجلسي الاولى، ذكرها في أول بحار الأنوار: ج 1 ص 15، 76.. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الاولى، تاريخها 1353 ق، في مكتبة الأمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف رقمها 3230.


(1). على الطالب ان يراجع تفاصيل كل نسخة في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات.

[ 93 ]

. نسخة الشيخ أبي علي الحائري، ذكرها في منتهى المقال: ص 153، والذريعة: ج 2 ص 157.. نسخة المير حامد حسين صاحب العبقات في لكنهو، رقمها في فهرست المكتبة: 7728، وذكرها في استقصاء الأفحام: ج 1 ص 860، ج 2 ص 332، 361، وفي الذريعة: ج 2 ص 157.. نسخة الخواجة الكابلي، ذكرها في استقصاء الأفحام: ج 1 ص 363.. نسخة حيدر علي الفيض آبادي، ذكرها في منتهى الكلام: ج 3 ص 12.. نسخة صاحب الروضات، ذكرها في روضات الجنات: ج 4 ص 67، والظاهر أنها انتقلت إلى النجف.. نسخة مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء بالنجف، ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 156.. نسخة المحدث النوري، تاريخها 1270 ق، ذكرها في نفس الرحمن: ص 65، والذريعة: ج 2 ص 157 وجاء ذكرها في فهرست مكتبته: ج 1 ص 147.. نسخة الشيخ عبد الحميد الكرهرودي، التي انتخب عنها عدة أحاديث وطبعها قبل طبع أصل كتاب سليم.. نسخة مكتبة السيد الروضاتي الخاصة بإصفهان، تاريخها 1288.. نسخة مكتبة الشيخ علي حيدر الخاصة بقم، في مجموعة رقمها 296، تاريخها 1059.. نسخة مكتبة كلية الألهيات بمشهد، في مجموعة رقمها 456، تاريخها 1082، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 1 ص 362. . نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، رقمها 2035، ذكرها في فهرست المكتبة القديم: ج 5 ص 150.. نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، في مجموعة رقمها 8130، تاريخها 1346 ق، ذكرها في الفهرست الألفبائي للمكتبة: ص 312.. نسخة قديمة انتسخ عليها نسخة آستان قدس رقم 8130، مذكورة في النسخة 19.


[ 94 ]

. نسخة المشكاة في مكتبة جامعة طهران، في مجموعة رقمها 575، تاريخها 1160، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 5 ص 1485.. نسخة أخرى للمشكاة في مكتبة جامعة طهران، رقمها 669، ذكر في فهرست المكتبة: ج 5 ص 1486.. نسخة انتسخ عليها نسخة المشكاة رقم 669، ذكر فيها.. نسخة كلية الحقوق في مكتبة جامعة طهران، رقمها 178 ج، ذكرها في فهرست مكتبة الحقوق: ص 420.. نسخة مكتبة جامعة طهران، رقمها 2200، تاريخها 1252 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 9 ص 883.. نسخة مكتبة جامعة طهران، رقمها 6808، تاريخها 1282 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 16 ص 365.. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الثانية، تاريخها 1346 ق، في مكتبة الأمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف رقمها 3219.. نسخة مكتبة مدرسة إمام العصر عليه السلام بشيراز، في مجموعة رقمها 256، تاريخها 1112 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 1 ص 109.. نسخة مكتبة مجلس الشورى الجديد بطهران في مجموعة رقمها 652، تاريخها 1306، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 2 ص 5. وهى نسخة مكتبة السيد محمد مهدي راجه بفيض آباد الهند انتقلت إلى طهران، وقد ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 159.. نسخة مكتبة مدرسة السيد الخوئي بمشهد، في مجموعة رقمها 87، تاريخها 1337 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ص 56.. نسخة الشيخ الرازي صاحب كتاب (نزهة الكرام) من علماء القرن السابع، ذكرها في كتابه: ص 557، 558.. نسخة الشيخ ابن حاتم الدمشقي المتوفى 676 ق، ذكرها في كتابه (الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم) (مخطوط) وروى فيه من أحاديثها.


[ 95 ]

. نسخة الشيخ الحر العاملي الثانية، ذكرها في أول كتابه إثبات الهداة: ج 1 ص 29، وأورد من أحاديثها في ج 1 ص 661، ج 2 ص 509.. نسخة العلامة المجلسي الثانية، تاريخها 609، ذكرها في تكلمة الرجال: ج 1 ص 467.. نسخة خزانة الحاج علي محمد النجف آبادي بالنجف، تاريخها 1048 ق، ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 157.. نسخة السيد أبو القاسم الخوانساري في بمبئي بالهند، ذكرها في الذريعة: ج 17 ص 276.. نسخة المير محمد أشرف صاحب فضائل السادات، ذكرها في ص 510 من كتابه، وروى من أحاديثها في ص 291.. نسخة كلية الحقوق في مكتبة جامعة طهران، رقمها 29 د، تاريخها 1107، ذكرها في فهرست المكتبة: ص 420.. نسخة مكتبة ملك بطهران، رقمها 729، تاريخها 1282 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: القسم العربي: ج 1 ص 587.. نسخة ذكرها أخو صاحب الروضات، جاء ذكرها في النسخة 15.. نسخة السيد الجلالي، تاريخها 1385 ق، ذكرها في دائرة المعارف الشيعية: ج 5 ص 42.. نسخة السيد نصر الله المستنبط، ذكرها في النسخة 40، وفي فهرس تراث أهل البيت عليهم السلام: ص 135.. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الثالثة، تاريخها 1362، في مكتبة الأمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف في مجموعة رقمها 3222.. نسخة محمد جعفر الخرم آبادي بإصفهان تاريخها 1078 ق، ذكرها في فهرس تراث أهل البيت عليهم السلام: ص 136.. نسخة مكتبة مجلس الشورى القديم بطهران، رقمها 5366، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 16 ص 274.


[ 96 ]

. نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، رقمها 9719، تاريخها 1080.. نسخة صحيحة انتسخ عليها نسخة آستان قدس بمشهد رقم 9719.. نسخة مكتبة مجلس الشورى القديم بطهران، رقمها 7699، تاريخها 1310 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 26 ص 192.. نسخة أبي عبد الله المجتهد الموسوي، ذكرها في النسخة 47.. نسخة الحموئي الخراساني، من القرن العاشر، ذكرها في كتابه (منهاج الفاضلين)، وروى من أحاديثها في ص 228، 233، 236، 239، 240، 241، 242، 259.. نسخة ذكرت في النسخ: 15، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24، 26.. نسخة برواية إبراهيم بن عمر اليماني، ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 157.. نسخة برواية عبد الرزاق عن معمر بن راشد، ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 157. . نسخة الشيخ الطوسي، ذكرها في الفهرست: ص 81.. نسخة الشيخ النجاشي، ذكرها في رجاله: ص 6.. نسخة الشيخ الكشي، ذكرها في رجاله: ج 1 ص 321.. نسخة العلامة البياضي المتوفى 877 ق، ذكرها في الصراط المستقيم: ج 1 ص 4.. نسخة الشهيد الثاني (سنة 965)، ذكرها في روضات الجنات: ج 4 ص 69.. نسخة الفاضل التفريشي، ذكرها في نقد الرجال: ص 159.. نسخة الميرزا الأستر آبادي، ذكرها في منهج المقال: ص 15.. نسخة المحدث البحراني، ذكرها في غاية المرام: ص 549 واللوامع النورانية: ص 237.. نسخة السيد إعجاز حسين الكنتوري، ذكرها في كشف الحجب: ص 445، والذريعة: ج 17 ص 68.. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الرابعة، تاريخها 1361 ق، في مكتبة الأمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف في مجموعة رقمها 3215.


[ 97 ]

. نسخة العلامة الأميني، التي كتبها بيده، جاء ذكرها في مقدمة (الغدير): ج 1 ص 79 وفي متن الكتاب: ج 1 ص 66.. نسخة قوبل عليها الطبعة الاولى من الكتاب، ذكرها في ص 179 من تلك الطبعة.. نسخة السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي المتوفى 1334 ق، التي انتخب منها عدة أحاديث قبل طبع الكتاب. ذكرها في الذريعة: ج 22 ص 411.. نسخة مكتبة السيد محمد باقر الطباطبائي بكربلاء في مجموعة رقمها 288، ذكرها في فهرست المكتبة: ص 170.. نسخة الشيخ يعقوب المنصوري، التي ترجع تاريخها إلى 12 قرنا، وهي مكتوبة على جلد الغزال، وفقدت في سنة 1400 ق في الحرب العراقية الايرانية في خرمشهر.


[ 98 ]

طبعات الكتاب طبع الكتاب لأول مرة قبل أكثر من ستين عاما، كما طبع منتخبه قبل إخراج أصله، وطبعت ترجمته بالاردية لأول مرة قبل ثلاثين عاما، وطبعت ترجمته بالفارسية لأول مرة قبل عشرين عاما، وطبعت ترجمته بالانكليزية قبل سنة. وهذا مجمل طبعاته: 1. طبعة النجف، المكتبة الحيدرية، على نسخة الشيخ الحر والمقابلة على نسخة أخرى وبمقدمة موجزة للسيد محمد صادق آل بحر العلوم في سنة 1361 ق، في القطع الرقعي في 192 صفحة، ومرة أخرى بمقدمة مفصلة للسيد بحر العلوم بالأضافة إلى ما حققها الشيخ شير محمد الهمداني في سنة 1366 ق في 212 صفحة، ومرة أخرى في 236 صفحة، ومرة أخرى في 270 صفحة في القطعين الرقعي والوزيري. وجدد هذه الطبعة في النجف عدة مرات. كما وجدد هذه الطبعة بقم عدة مرات وقام بها دار الكتب الأسلامية حدود سنة 1395 ق. وجدد هذه الطبعة في بيروت عدة مرات وقام بها دار الفنون ومكتبة الايمان في سنة 1400 ق، ومؤسسة الأعلمي في سنة 1412 ق. 2. طبعة بيروت، مؤسسة البعثة، بمقدمة السيد علاء الدين الموسوي، وإبقاء المتن كما كان في الطبعة النجفية، في سنة 1407 ق، في القطع الوزيري، في 215 صفحة. وجدد المؤسسة طبعه بطهران في سنة 1408 ق، في 328 صفحة بإضافة الفهارس. 3. طبعة قم، مؤسسة نشر الهادي، بتحقيق محمد باقر الأنصاري، سنة 1415 ق، ثلاث مجلدات في القطع الوزيري: المجلد الأول إلى ص 552 وهو المقدمة، والمجلد الثاني إلى ص 957 وهو متن الكتاب، والمجلد الثالث إلى ص 1472 وهو التخريجات والفهارس. وجدد المؤسسة طبعه في سنة 1416 ق مع إضافة ملحق يحوي بعض المعلومات الجديدة.


[ 99 ]

4. هذه الطبعة، وهى طبعة قم، مؤسسة نشر الهادي، في 640 صفحة، سنة 1420 ق، مجلد واحد في القطع الوزيري. وهو تلخيص لمقدمة الطبعة السابقة، وإبقاء المتن كما كان مع حذف كثير من الهوامش، وتلخيص في التخريجات السابقة وإضافة التخريج الموضوعي وحذف كثير من الفهارس. يراجع للمعلومات عن طبعات الكتاب المصادر التالية:. إحقاق الحق: ج 2 ص 421.. إمامية مصنفين كى مطبوعة تصانيف اور تراجم، للسيد النقوي: ج 1 ص 80.. تذكره علماى امامية پاكستان: ص 314.. دائرة المعارف الشيعية: ج 5 ص 42.. دراسة حول الاصول الأربعمائة، للسيد الجلالي: ص 39.. الذريعة: ج 2 ص 159، ج 12 ص 227.. شيعة كتب حديث كى تاريخ تدوين: ص 201.. كتابنامه (وزارة الأرشاد): العدد 51 ص 164 رقم 72.. فهرس تراث أهل البيت عليهم السلام، للسيد الجلالي: ص 136.. فهرست كتابهاي چاپي عربي، لخانبابا مشار: ص 729.. فهرست المطبوعات العراقية (لسنة 1856 – 1972): ص 488.. مؤلفين كتب چاپى، لخانبابا مشار: ج 3 ص 360.. معجم المطبوعات النجفية، للشيخ محمد هادي الأميني: ص 214 رقم 830.. مجلة تراثنا، نشرة مؤسسة آل البيت عليهم السلام لأحياء التراث: العدد 4 ص 229، العدد 14 ص 229، العدد 22 ص 147، العدد 39 ص 465.. (Synopses of the Open School Monographs) Chicago، كميل رضوي: رقم 89.


[ 100 ]

منتخب كتاب سليم عثرنا على كتاب (منتخب كتاب سليم بن قيس) في موردين: 1. للشيخ عبد الحميد بن عبد الله الكرهرودي. 2. للسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي. وقد نص علي ذلك في الذريعة: ج 2 ص 158، ج 22 ص 411، وفي فهرست كتب چاپي عربي: ص 730، وفي مؤلفين كتب چاپي: ج 3 ص 360. وفهرست مكتبة آستان قدس القديم: ص 335 رقم 944. أما المنتخب الأول (للشيخ عبد الحميد) فقد توجد نسخ من مطبوعه في مكتبة آستان قدس بمشهد ومكتبة آية الله المرعشي بقم، ولا شك أنه طبع قبل سنة 1360 ق، حيث جاء ذكرها في الذريعة المطبوع قبل كتاب سليم. وأما المنتخب الثاني فلم يطبع ولم نعثر عليه. ترجمة كتاب سليم إلى الفارسية ب قام بترجمة الكتاب إلى اللغة الفارسية سيدي الوالد المعظم المحدث الخبير الحاج إسماعيل الأنصاري أدام الله عزه وسماه (أسرار آل محمد عليهم السلام). وقد نشرت الترجمة لأول مرة سنة 1400 ق. ثم جدد طبعها مرات عديدة في طهران وقم ومشهد وغيرها، في القطعين الوزيري والجيبي. وهي منطبقة على النسخة المطبوعة في النجف في 270 صفحة. وقد لخص فيه مقدمة الطبعة النجفية، وألحق به المستدركات التي جاءت فيها. ثم أعاد طبعته بحلة جديدة، وقد نشرتها مؤسسة العلامة ومؤسسة المعارف الأسلامي بقم في سنة 1413 ق، في القطع الوزيري في 621 صفحة. ثم أعادوا طبعها في سنة 1414 و 1415. وفي سنة 1416، قام الوالد المعظم بترجمة جديدة للكتاب طبقا للطبعة الجديدة


[ 101 ]

في ثلاث مجلدات. ونشرت الترجمة مؤسسة الهادى بقم في سنة 1416 ق، بالقطع الوزيري في 776 صفحة، وأعيد طبعها في سنة 1417 و 1418 و 1419 و 1420. وسوف ينشر الترجمة الفارسية في القطع الجيبي طبقا لهذه الطبعة التي بين يديك. ب قام بترجمة كتاب سليم بالفارسية ملفقا بمتنه العربي، المرحوم العلامة الشيخ محمد باقر الكمره أي المتوفى 1414 ق. ونشرتها مؤسسة أهل البيت عليهم السلام في سنة 1412 ق، في 556 صفحة في القطع الرقعي. ب قام بالأقتباس عن كتاب سليم وترجمته بالفارسية وتدوينه تحت عنوان (تاريخ سياسي صدر إسلام) الدكتور محمود رضا إفتخار زاده. فاختار 66 حديثا من أحاديث الكتاب مما يتصل بموضوعه وقسم الكتاب موضوعيا على سبعة فصول وقدم له مقدمة في 72 صفحة. وقام بنشرها منشورات رسالت قلم بطهران في سنة 1419 ق في القطع الوزيري في 480 صفحة. ترجمة كتاب سليم بالاردية قام بترجمة الكتاب إلى اللغة الاردية المرحوم الشيخ ملك محمد شريف بن شيرمحمد الشاه رسولوي الملتاني في سنة 1375 ق، وقد توفي رحمه الله في سنة 1407 ق. (1) وقام بطبعه في 237 ص مكتبة الساجد في الملتان في باكستان، وذلك في سنة 1391 ق. وجدد طبعه في 288 ص في سنة 1400 ق، كما وأعيد طبعها في القطع


(1). تذكره علماى امامية پاكستان باللغة الاردية: ص 343، وباللغة الفارسية: ص 314. امامية مصنفين كى مطبوعة تصانيف اور تراجم: ج 1 ص 80.

[ 102 ]

الرقعي وبصورة جديدة في سنة 1415 ق، وقام بطبعها مكتبة إبلاغ العمران في لاهور في باكستان. جاء في أولها تلخيص مقدمة الطبعة النجفية، ثم ترجمة المتن طبقا للطبعة النجفية ولم يورد مستدركات أحاديث سليم. ترجمة كتاب سليم بالأنكليزية ب قام السيد علي يوسف بترجمة كتاب سليم مع مقدمة مختصرة إلى الأنكليزية تحت عنوان: The Book of Sulaim bin Qays Al – hilali وقام بطبعها مؤسسة (أپن اسكول) بشيكاغو في امريكا في سنة 1419 في 160 صفحة في القطع الرحلي.


[ 103 ]

النماذج المصورة نقدم في هذا الفصل 26 صورة تتعلق بالنسخ المخطوطة ونماذج عن طبعات الكتاب ومنتخبه وترجمته بالفارسية والأردوية والأنكليزية.


[ 104 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة السيد الروضاتي بإصفهان النموذج: أول نسخة مكتبة الشيخ علي حيدر بقم


[ 105 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة كلية الألهيات بمشهد النموذج: أول نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد رقم 2035


[ 106 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد رقم 8130 النموذج: أول نسخة المشكاة في مكتبة جامعة طهران رقم 575


[ 107 ]

النموذج: أول نسخة المشكاة في مكتبة جامعة طهران رقم 669 النموذج: أول نسخة مكتبة كلية الحقوق بطهران رقم 178 ج


[ 108 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة جامعة طهران رقم 2200 النموذج: أول نسخة مكتبة جامعة طهران رقم 6808


[ 109 ]

النموذج: صورة خاتم العلامة المجلسي في نسخة مكتبة كلية الحقوق رقم 29 د النموذج: أول نسخة مكتبة كلية الحقوق رقم 29 د


[ 110 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة ملك بطهران النموذج: أول نسخة السيد الجلالي


[ 111 ]

النموذج: صفحة من نسخة السيد المستنبط النموذج: أول نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران رقم 5366


[ 112 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، رقم 9719 النموذج: أول نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران رقم 7699


[ 113 ]

النموذج: أول نسخة مكتبة مدرسة السيد الخوئي بمشهد النموذج: أول نسخة مكتبة مدرسة إمام العصر عليه السلام بشيراز


[ 114 ]

النموذج: طبعة الكتاب النجفية النموذج: طبعة الكتاب الأخيرة في ثلاث مجلدات


[ 115 ]

النموذج: منتخب الكتاب النموذج: الطبعة الأخيرة من ترجمة الكتاب بالفارسية


[ 116 ]

النموذج: الطبعة الأخيرة من ترجمة الكتاب بالاردية النموذج: ترجمة الكتاب بالأنكليزية


[ 117 ]

منهج التحقيق تحقيق الكتاب ونشره هذا الكتاب الذي بين يديك حصيلة عمل متواضع استمر أكثر من اثنتي عشرة سنة وفقني الله تعالى فيها لمواصلة العمل في تحقيقه. وبعد ما نشرت طبعته في ثلاث مجلدات، أشير علي بنشرها في مجلد واحد لتيسير الاستفادة منه، وقد تم إعداد هذه الطبعة كما يلي: النسخ المعتمد عليها انتخبنا أربع عشرة نسخة، تم إخراج هذه النسخة المطبوعة من بينها وقد مر ذكرها ونشير إليها هنا إجمالا: 1. نسخة الشيخ الحر التي نسخ عنها الشيخ شير محمد الهمداني وقابلها على عدة نسخ أخرى وهي متمثلة في النسخة المطبوعة في النجف. 2. نسخة العلامة المجلسي المنتزعة عن موسوعته القيمة (بحار الأنوار) في مجلداته ال‍ 110. 3. نسخة مكتبة السيد الروضاتي بإصفهان المنتسخة عن نسخة صاحب الروضات. 4. نسخة السيد الجلالي المنتسخة عن نسخة السيد المستنبط. 5. نسخة مكتبة الشيخ علي حيدر بقم. 6. نسخة مكتبه آستان قدس رقم 9719. 7. نسخة مكتبة آستان قدس رقم 2035 التي كتبت في بلاد اليمن. 8. نسخة مكتبة آستان قدس رقم 8130 التي قوبلت على عدة نسخ. 9. نسخة مكتبة كلية الألهيات بمشهد. 10. نسخة مكتبة كلية الحقوق بطهران رقم 178 ج، المنتسخة عن نسخة المحدث النوري. 11. نسخة مكتبة كلية الحقوق بطهران رقم 29 د المنتسخة بأمر العلامة المجلسي عن نسخة سنة 609.


[ 118 ]

12. نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران رقم 5366. 13. نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران رقم 7699. 14. نسخة مكتبة ملك بطهران رقم 729. هذا وقد أكملنا المقابلة على سائر المخطوطات الموجودة أيضا بمرور عاجل. تخريج الأحاديث بما أن كتاب سليم أول المصادر الحديثية والتاريخية، فمعنى تخريج أحاديثه استخراجها عن المصادر المتأخرة الناقلة عنه، وأوردت هذه التخريجات آخر الكتاب في أربعة أقسام: 1. تخريج ما نقل عن كتاب سليم بالأسناد إلى الكتاب. 2. تخريج أحاديث سليم بأسانيد متصلة إلى سليم. 3. تخريج أحاديث الكتاب بالأسناد إلى غير سليم من معاصريه. 4. التخريج الموضوعي لأحاديث الكتاب بذكر المؤيدات لمضامينها وفقراتها. عنوان الأحاديث وضعت العناوين لكل شطر من رواية واحدة. واعتبرت في ترقيم الأحاديث الترتيب الذي في نسخة الشيخ الحر، وكان كذلك في الطبعة النجفية من 1 إلى 48، فواصلت الترقيم في (تتمة المتن) من 49 إلى 70، وفي (المستدركات) إلى رقم 98. وأوردت التخريجات في آخر الكتاب.


[ 119 ]

الكلمة الأخيرة في الختام أتوجه بخالص شكري وتقديري إلى كل الأساتذة والأخوة الأعزاء الذين ساعدوني في هذا العمل الجليل، راجيا أن يكتب الله تعالى عملهم وعملي في الخدمات المبرورة في إحياء ذخائر تراث أهل البيت عليهم السلام، ونشر تراثنا الحديثي والتاريخي، وتخليد ذكرى مؤلفه العظيم. كما أرجو أن أكون قدمت للامة الأسلامية أثرا نفيسا يرجع إليه الباحثون في الحديث والمهتمون في التاريخ. وأغلى الأماني عندي أن يكون عملي القاصر هذا مقبولا لدى موالي المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. محمد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني قم المشرفة، عيد الغدير المبارك 1420 ق


[ 121 ]

متن كتاب سليم العناوين والأرقام من المحقق


[ 122 ]

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين المنتخبين (1) أسانيد الكتاب (1) أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي * أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الاولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.


(1). سبق الكلام عن أسانيد الكتاب ومفردات رجالها في المقدمة.

[ 123 ]

* وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة. * وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي. * وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهر آشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه. أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. (1) قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. (2)


(1). في فهرست الشيخ الطوسي هكذا: ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه، ورواه حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عنه. أقول: الظاهر توسط عمر بن أذينة بين أبان وحماد كما مر في المقدمة. (2). الأسانيد المذكورة إلى هنا هي التي توجد في مفتتح نسخة (الف)، وهناك سند آخر في مفتتح نسخة

[ 124 ]

* 2 * مسيرة الكتاب التاريخية كيف تعرف ابن أذينة على أبان ؟ قال عمر بن أذينة: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعا. إني رأيتك الغداة ففرحت بك. إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: (يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها، وف لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب). فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك وذكرت رؤياي سليم بن قيس.


(ب) هكذا: (قال: حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني بصنعاء – شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري – قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته…). والظاهر توسط ابن أذينة بين معمر وأبان. وهناك أيضا سند آخر في مفتتح نسخة (د) هكذا: حدثنا الحسن بن أبي يعقوب الدينوري قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان بن أبي عياش. ومر الكلام حول الأسناد في المقدمة.

[ 125 ]

كيف تعرف أبان على سليم ؟ لما قدم الحجاج العراق (1) سأل عن سليم بن قيس، فهرب منه فوقع إلينا بالنوبندجان (2) متواريا، فنزل معنا في الدار. فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا ولا أطول حزنا منه، ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه. وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وقد قرأت القرآن، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر. فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة (3) ابن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب. ثم استكتمنيها ولم يأخذ علي فيها يمينا. قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه فلم ألبث أن حضرته الوفاة، فدعاني وخلا بي وقال: يا أبان، إني قد جاورتك فلم أر منك إلا ما احب. وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي، فيها أحاديث لااحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها. وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم. وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الاخر حتى اجتمعوا عليه جميعا، فتبعتهم عليه، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق. وإني هممت


(1). قدم الحجاج العراق حاكما عليها من قبل عبد الملك بن مروان في سنة 75 الهجرية. (2). كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور، قريبة من شعب بوان الموصوف بالحسن والنزاهة، وقد تدعى نوبنجان. ذكرها في معجم البلدان: ج 5 ص 302، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة، ص 128 وآثار العجم: ص 90 و 304. وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي ايران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى (نوبندكان). (3). عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الأمام السجاد عليه السلام كما سيجيئ.

[ 126 ]

حين مرضت أن أحرقها، فتأثمت من ذلك وقطعت به. (1) فإن جعلت لي عهد الله عزوجل وميثاقه أن لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا، ولا تحدث بشيئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب. فضمنت ذلك له، فدفعها إلي وقرأها كلها علي. فلم يلبث سليم أن هلك، رحمه الله. إقرار الحسن البصري بمحتوى كتاب سليم فنظرت فيها بعده فقطعت بها (2) وأعظمتها واستصعبتها (3)، لأن فيها هلاك جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار والتابعين، غير علي بن أبي طالب وأهل بيته صلوات الله عليهم وشيعته. فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو يومئذ متوار من الحجاج. والحسن يومئذ من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن مفرطيهم (4)، نادم متلهف على ما فاته من نصرة علي عليه السلام والقتال معه يوم الجمل. فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي (5)، فعرضتها عليه، فبكى ثم قال: (ما في أحاديثه شيئ إلا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وغيرهم “.


(1). تأثم أي امتنع من الأثم، وقطع به أي امتنع منه ولم يره صوابا. (2). أي جزمت بما فيها. في (د): ففظعت بها. (3). أي وجدتها صعبا. (4). إن الحسن البصري من المذبذبين المنافقين، وإن أبان يشير إلى نفاقه بقوله: (يومئذ)، أي كان في تلك الأيام يظهر الأفراط في التشيع. راجع عن أحوال الحسن البصري: بحار الأنوار: ج 2 ص 64، وج 42 ص 141. (5). هو الذي توارى عنده الحسن البصري كما يصرح بذلك أبان في الحديث 58. وقد يذكر بعنوان (الحجاج بن عتاب العبدي البصري). وفي (د): (الدئلي) مكان (الديلمي).

[ 127 ]

تقرير الأمام زين العابدين عليه السلام للكتاب قال أبان: فحججت من عامي ذلك فدخلت على علي بن الحسين عليه السلام، وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله – وكان من خيار أصحاب علي عليه السلام – ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله. (1) فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين عليه السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام – كل يوم إلى الليل – ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال عليه السلام لي (2): (صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (3) نعرفه). وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه، ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد). فقلت لأبي الحسن علي بن الحسين عليه السلام: جعلت فداك، إنه ليضيق صدري ببعض ما فيه، لأن فيه هلاك أمة محمد صلى الله عليه وآله رأسا من المهاجرين والأنصار والتابعين، غيركم أهل البيت وشيعتكم. فقال عليه السلام: يا أخا عبد القيس، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وكمثل باب حطة في بني إسرائيل) ؟ (1) فقلت: نعم. قال: من حدثك ؟ فقلت: قد سمعته من أكثر من


(1). أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الأسقع ولد عام احد وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ثماني سنين من حياة النبي. كان له منزلة عند أمير المؤمنين عليه السلام وشهد صفين وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة. وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم لكنه نجا لأنه كانت له يد عند عبد الملك. مات سنة 100 وهو آخر من بقي من الصحابة. وأبو حفص عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أصحابه. كان واليا على البحرين من قبل علي عليه السلام وشهد معه صفين. توفي بالمدينة في سنة 83. (2). (ب): فقرأته عليهم، فقالوا لي. (3). (ب): كل. (ب) خ ل: كلنا. وفي (د): كله أعرفه. (4) ” باب حطة ” في بني إسرائيل كان علامة الخضوع أمام الاوامر الالهية ولذلك كان الوجب عليهم

[ 128 ]

مائة من الفقهاء. فقال: ممن ؟ فقلت: سمعته من حنش بن المعتمر، وذكر أنه سمعه من أبي ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ينادي به نداء ويرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله. (2) فقال: وممن ؟ فقلت: ومن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه سمعه من أبي ذر ومن المقداد بن الأسود الكندي ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فقال: وممن ؟ (3) فقلت: ومن سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس، ومن أبي ظبيان الجنبي، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى (4) – كل هؤلاء حاجين – أخبروا أنهم سمعوا من أبي ذر.


أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الألهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج 13 ص 185 – 180. (1). أوردنا هذا الحديث عن سليم في المستدركات: الحديث 75. (2). من هنا إلى آخر العبارة في (د) هكذا: قال: وممن نقلت ؟ قلت: من سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس وأبي ظبيان الجنبي وأبي وائل أنهم سمعوه من أبي ذر، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعاصم بن ضمرة وهبيرة بن مريم عن علي عليه السلام. ثم إن أبا وائل هو شقيق بن سلمة مات في إمارة عمر بن عبد العزيز. وعاصم بن ضمرة السلولي من أصحاب علي عليه السلام. وهبيرة بن مريم الحميري الكوفي من أصحاب علي عليه السلام. (3). أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المتوفى سنة 94، رباه أمير المؤمنين عليه السلام وقد عد في الخمس الذين كانوا حواري علي بن الحسين عليه السلام. وعلقمة بن قيس كان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله عالما بالفرائض وهو من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام. شهد صفين واصيبت إحدى رجليه فعرج منها. وأبو ظبيان حصين بن جندب بن الحارث الجنبي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن، تابعي مشهور الحديث. مات سنة 90. وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عربي كوفي من خواص أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحابه من اليمن. شهد مع علي عليه السلام مشاهده وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه. قتل سنة 82.

[ 129 ]

وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ونحن والله سمعنا من أبي ذر، وسمعناه من علي بن أبي طالب عليه السلام والمقداد وسلمان). ثم أقبل عمر بن أبي سلمة فقال: والله، لقد سمعته ممن هو خير من هؤلاء كلهم، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، سمعته أذناي ووعاه قلبي. فأقبل علي علي بن الحسين عليه السلام فقال: أو ليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث ؟ اتق الله يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والأرض. قال أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني. أبان وأبو الطفيل قال أبان: ثم لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدثني في الرجعة عن اناس من أهل بدر وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وابي بن كعب. (1) وقال أبو الطفيل: فعرضت ذلك الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فقال لي: (هذا علم خاص يسع الامة جهله ورد علمه إلى الله تعالى). ثم صدقني بكل ما حدثوني فيها وقرأ علي بذلك قرآنا كثيرا وفسره تفسيرا شافيا، حتى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشد يقينا مني بالرجعة. (2) وكان مما قلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن حوض رسول الله صلى الله عليه وآله، أفي الدنيا هو أم في الاخرة ؟ فقال: بل في الدنيا. (2) قلت: فمن الذائد عنه ؟ قال: أنا بيدي هذه، فليردنه


(1). أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي. شهد بدرا والعقبة وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر. (1). راجع عن (الرجعة): البحار: ج 53 ص 39 ب 29. (2). الظاهر – بقرينة كلمة (بل) – أنه عليه السلام يريد بذلك أن أصل الحوض في الدنيا وهو محبة محمد وآله عليهم السلام وولايتهم وبغض أعدائهم كما يستفاد ذلك من أحاديث كثيرة. يراجع البحار: ج 8 ص 16 الباب 20.

[ 130 ]

أوليائي وليصرفن عنه أعدائي. قلت: يا أمير المؤمنين، قول الله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم، أن الناس…) الاية (3)، ما الدابة ؟ قال: يا أبا الطفيل، اله (4) عن هذا. فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء. فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو ؟ قال: هو زر الأرض (3) الذي إليه تسكن الأرض. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو ؟ قال: صديق هذه الامة وفاروقها ورئيسها وذو قرنها. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو ؟ قال: الذي قال الله عزوجل: (ويتلوه شاهد منه) (6)، والذي (عنده علم الكتاب) (7)، (والذي جاء بالصدق) (8)، والذي (صدق به) أنا، والناس كلهم كافرون غيري وغيره. (1) قلت: يا أمير المؤمنين، فسمه لي. قال: قد سميته لك.


(3). سورة النمل: الاية 82. وبقية الاية هكذا: (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). روى في البحار: ج 39 ص 243 ح 31 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الله فقال رجل من أصحابه: يارسول الله، أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا والله، ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك…. (4). (ب): إليك. 5) الذي (5). زر الأرض كناية عما به قوامها. (6). سورة هود: الاية 17، وما قبل الاية هكذا: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه). (7). سورة الرعد: الاية 43، وما قبل الاية هكذا: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (8). سورة الزمر: الاية 33. وتمام الاية هكذا: (والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون). (1). أي أنا الذي صدقت الصدق الذي جاء به، والناس كلهم كانوا كافرين به ومكذبين له غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي (د) هكذا: والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي صدق به (أنا) أيام كان الناس كلهم كافرين مكذبين غيري وغيره.

[ 131 ]

يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني (أمير المؤمنين) واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم شهرا ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وببعض ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة، أنت وأشباهك من شيعتي. ففزعت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك ؟ قال: لا، بل تثبتون. ثم أقبل علي فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للايمان. يا أبا الطفيل، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا (2)، إلا من عصمه الله بنا أهل البيت. قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان (كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري)، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهرا (1) حتى مات. فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إلي أبان بن أبي عياش وقرأه علي. وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليه السلام فقال: (صدق سليم، هذا حديثنا نعرفه). (2)


(2). في (د): فارتد الناس بعده كفارا. (1). (ب): شهرين. (2). في مختصر البصائر: (هذه أحاديثنا صحيحة)، والظاهر أنه نقل بالمعنى.

[ 132 ]

* 1 * كلام النبي صلى الله عليه وآله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك قال سليم: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه. فدخلت فاطمة عليها السلام، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بنية، ما يبكيك ؟ قالت: يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك. آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله – واغرورقت عيناه بالدموع -: يا فاطمة، أوما علمت إنا أهل بيت إختار الله لنا الاخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا. ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا وأن أجعله خليفتي في أمتي. فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أول من يلحقني من أهلي. ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد أخي بعلك منك. بشارة النبي بالأئمة الأثني عشر عليهم السلام فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا


[ 133 ]

وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون. أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم. إكرام الله لفاطمة عليها السلام أما تعلمين – يا بنية – أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا. فاستبشرت فاطمة عليها السلام بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وفرحت. ميزات أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ، ومناقب ليست لأحد من الناس: إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره. وإنك – يا بنية – زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب. ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الاخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.


[ 134 ]

قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك ؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والاخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. (1) وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. (2) وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة. ومنا – والذي نفسي بيده – مهدي هذه الامة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا – وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله بيده إلى الحسين عليه السلام – منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الاخر لأنه إمامه والاخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا. إخبار النبي صلى الله عليه وآله بتظاهر الامة على علي عليه السلام من بعده ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنة. ثم أقبل النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة،


(1). (ب): ما خلا النبيين والوصيين. وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام هو سيد الشهداء من الأولين والاخرين. (2). ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.

[ 135 ]

فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى (1): (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).


(1). سورة الاعراف: الاية 150، وتمام الاية هكذا: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين).

[ 136 ]

* 2 * تظاهر الامة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله قال سليم: وحدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض طرق المدينة. فأتينا على حديقة فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها. ثم أتينا على حديقة اخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها. حتى أتينا على سبع حدائق، أقول: يا رسول الله، ما أحسنها ويقول: لك في الجنة أحسن منها. علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت: يارسول الله، ما يبكيك ؟ فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وترات احد. قلت: في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك. برنامج النبي عليه السلام لعلي صلى الله عليه وآله فابشر يا علي، فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي ووزيري ووارثي والمؤدي عني، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني، وأنت تبرء ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين، وأنت


[ 137 ]

مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. اختلاف الامة امتحان إلهي يا علي، ما بعث الله رسولا إلا وأسلم معه قوم طوعا وقوم آخرون كرها، فسلط الله الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لاجورهم. يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الامة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجل النقمة فكان منه التغيير (1) حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكن جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الاخرة دار القرار، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2) فقلت: الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.


(1). أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجل النقمة على الظالمين وغير النعمة عليهم. (2). سورة النجم: الاية 31. (*)

[ 138 ]

* 3 * قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب وعن سليم، قال: سمعت البراء بن عازب يقول: كنت أحب بني هاشم حبا شديدا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد وفاته. كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ذهب بصره. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك ؟ قال: جبرائيل في جنود من الملائكة. فكان علي عليه السلام يغسله، والفضل بن العباس مربوط العينين يصب الماء والملائكة يقلبونه له كيف شاء. ولقد أراد علي عليه السلام أن ينزع قميص رسول الله صلى الله عليه وآله، فصاح به صائح: (لا تنزع قميص نبيك، يا علي). فأدخل يده تحت القميص فغسله ثم حنطه وكفنه، ثم نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه. مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة قال البراء بن عازب: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت أن تتظاهر قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم. فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.


[ 139 ]

فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلى الله عليه وآله لغسله وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ. فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالازر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى (1) فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله. فخرجت مسرعا حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلق دونهم. فضربت الباب ضربا عنيفا وقلت: يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس أبا بكر فقال العباس: (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكم فعصيتموني). ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة فكمثت أكابد ما في نفسي. فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن. فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء – فضاء بني بياضة -، فوجدت نفرا يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذا المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام،


(1). روى الشيخ المفيد في كتاب (الجمل): ص 59 عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قددخلوا المدينة ليتماروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر. فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: (خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه). قال: والله، لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالازر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاءوا بهم مكرهين للبيعة.

[ 140 ]

وحذيفة يقول: والله ليفعلن ما أخبرتكم به. فوالله ما كذبت ولا كذبت. وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار. فقال حذيفة: انطلقوا بنا إلى أبي بن كعب فقد علم مثل ما علمت. فانطلقنا إلى أبي بن كعب فضربنا عليه بابه، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال: من أنتم ؟ فكلمه المقداد. فقال: ما جاء بكم ؟ فقال: افتح بابك، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب. فقال: ما أنا بفاتح بابي، وقد علمت ما جئتم له. وما أنا بفاتح بابي، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد. فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة ؟ فقلنا: نعم. قال: القول ما قال حذيفة، فأما أنا فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه، ولما يكون بعدها شر منها، وإلى الله جل ثنائه المشتكى. قال: فرجعوا. ثم دخل ابي بن كعب بيته. محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة قال: وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي. فقال المغيرة بن شعبة: أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت الحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده. قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا على العباس بن عبد المطلب في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: فتكلم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث لكم محمدا نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لانفسهم مصلحتهم، متفقين لا مختلفين. فاختاروني عليهم


[ 141 ]

واليا ولامورهم راعيا، فتوليت ذلك. وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله. غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كان الناس أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكما. فقال عمر (1): أي والله، واخرى يا بني هاشم على رسلكم (2)، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم، وإنا لم نأتكم لحاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم وللعامة. ثم سكت. مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة فتكلم العباس فقال: إن الله تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله – كما وصفت – نبيا وللمؤمنين وليا، فإن كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن من المؤمنين، ما تقدمنا في أمرك ولا تشاورنا ولا تآمرنا ولا نحب لك ذلك، إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين. وأما قولك (أن تجعل لي في هذا الأمر نصيبا)، فإن كان هذا الأمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم دونهم، وإن كان حقنا فإنا لا نرضى منك ببعضه دون بعض. (1)


(1). (ب): فتكلم عمر فقال. وفي شرح النهج: (فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال…). (2). (ترسل) أي تمهل ولم يعجل. و (على رسلك) أي على هينتك، و (الرسل): الرفق. وقوله (يتفاقم الخطب) أي يعظم الأمر ولا يجري على استواء. (1). زاد في شرح النهج: (وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان).

[ 142 ]

وأما قولك يا عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم)، فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، فنحن أولى به منكم. وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)، فهذا الذي فعلتموه أوائل ذلك، والله المستعان. فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول: ما كنت أحسب هذا الأمر منحرفا عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالاثار والسنن وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما في جميع الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الحسن من ذا الذي ردكم عنه فنعرفه ها إن بيعتكم من أول الفتن


[ 143 ]

* 4 * قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي * 1 * احتجاج الأنصار على أهل السقيفة وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال: لما أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه السلام فقالوا: يا معاشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش، والمهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الأئمة من قريش). كيفية تغسيل النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه قال سلمان: فأتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره. فقال: يا رسول الله، فمن يعينني على ذلك ؟ فقال: (جبرائيل). فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا قلب له. فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فتقدم علي عليه السلام وصففنا خلفه وصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها.


[ 144 ]

ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه. (1) أفراد قلائل بايعوا أبا بكر قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا عليه السلام – وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله – بما صنع القوم، وقلت: إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة (2) وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير (3) بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل. قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء، ولكن هل تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر ؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول: (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك). فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. (1)


(1). عن أبي جعفر عليه السلام، قيل له: كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه وسجاه، أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. أورد ذلك في الكافي: ج 1 ص 450، إعلام الورى: ص 84. وسائل الشيعة: ج 2 ص 779. (2). في (د) وروضة الكافي: والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة. (3). (ب): بشر. يوجد ضبطه بكلا العنوانين، كما أن اسم أبيه قد يذكر بعنوان (سعد). (1). روى في البحار: ج 30 ص 155 ح 13 عنه عليه السلام: أن ابليس هو الذي أشار على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه.

[ 145 ]

فقال علي عليه السلام: يا سلمان، أتدري من هو ؟ قلت: لا، لقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله. قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه الله. إبليس ينتقم بالسقيفة من يوم الغدير أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله إياي يوم غدير خم بأمر الله، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب. فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: (إن هذه الامة أمة مرحومة معصومة، فما لك ولا لنا عليهم سبيل، وقد اعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم). فانطلق إبليس كئيبا حزينا. قال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك وقال: يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا. ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا. ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا فيقولون: (يا سيدنا، يا كبيرنا، أنت الذي أخرجت آدم من الجنة). فيقول: أي أمة لن تضل بعد نبيها ؟ كلا (2)، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل ؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله وذلك قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين). (3)


(2). (ب) مكان قوله (فيقولون) إلى هنا هكذا: (فيجث ويكسع ثم يقول). ويجث بمعنى يقلع من مكانه، ويكسع أي يضرب دبره بيده فرحا. (3). سورة سبأ: الاية 20.

[ 146 ]

* 2 * أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال قال سلمان: فلما أن كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا. فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت. فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة. فقلت لسلمان: من الأربعة ؟ فقال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا: (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا. علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. (1) فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام: (إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه). فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته:


(1). الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.

[ 147 ]

(يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها). ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدا: (إنا كنا عن هذا غافلين). (1) ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إنى لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه (2) ثم دخل علي عليه السلام بيته. إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شيئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه.


(1). لعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الاية 172: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين). (2). في الاحتجاج: فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله وبعده في (د) هكذا: فدخل بيته وأغلق بابه. في البحار: ج 92 ص 42 ح 2 عن أبي ذر: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم. فوثب عمر وقال: يا علي، أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القران على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل ما قد علمتم ؟ قال عمر: فما الحيلة ؟ قال: زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك…. فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين)، أو تقولوا: (ما جئتنا به). إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقت لأظهاره معلوم ؟ قال علي عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة عليه.

[ 148 ]

فأرسل إليه أبو بكر: (أجب خليفة رسول الله) فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي عليه السلام: (سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري). وذهب الرسول فأخبره بما قال له. قال: اذهب فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأتاه فأخبره بما قال. فقال له علي عليه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى. فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين. فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحق من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم، حقا حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار. فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك. إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته. فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته. * 3 * شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام هجوم قبائل قريش على بيت الوحي وإحراقه فلما رآى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر


[ 149 ]

وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته. فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والاخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما. فقال أبو بكر: من نرسل إليه ؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر – وهما جالسان في المسجد والناس حولهما – فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فان أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام: (أحرج عليكم (1) أن تدخلوا على بيتي بغير إذن). فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا (1) أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء


(1). حرج عليه أي شدد عليه. (1). من هنا إلى قوله: (ثم انطلق بعلي عليه السلام…) (بعد صفحات) في (د) هكذا: فقالوا: إن فاطمة حرجت علينا، فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها بغير إذنها. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حزم الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما. ثم نادى عمر: يا علي، والله لتخرجن فلتبايعن خليفة رسول الله عليك أو لأضرمنها عليك نارا فلم يجبه. فوضع عمر النار بالباب وهو متخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما عرف من بأسه وشدته حتى احترق الباب. ثم قال لقنفذ: اقتحم عليه فأخرجه فاقتحم هو وأصحابه وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوا إليه وكاثروه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا. وجاءت فاطمة عليها السلام لتحول بينهم وبينه، فضربها قنفذ بسوطه وأضغطت بين الباب فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا وأثر سوط قنفذ في عضدها مثل الدملوج.

[ 150 ]

ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليهما السلام: (والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار) فقالت فاطمة عليها السلام: يا عمر، ما لنا ولك ؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: (يا عمر، أما تتقى الله تدخل على بيتي) ؟ فأبى أن ينصرف. ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: (يا أبتاه يا رسول الله) فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت: (يا أبتاه) فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: (يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر). دفاع علي عليه السلام عن سليلة النبوة فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (2) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة – يابن صهاك – لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي). أبو بكر يصدر أمره بإحراق البيت مرة اخرى فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه. فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته. فقال أبو بكر لقنفذ: (ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار). فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى


(2). أي جذبه بشدة.

[ 151 ]

سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه (1) فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط (2) فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، لعنه الله ولعن من بعث به. * 4 * بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والأكراه ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (1) حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه (2)، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح (3) الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلام بغير إذن ؟ (4) قال: اي والله، وما عليها من


(1). في الاحتجاج: فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود (2). (ب): بسوط كان معه. وفي الاحتجاج: بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها. فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: (اضربها) فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة. (1). أي يجذب ويجر جرا عنيفا. وفي الاحتجاج: ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر. (2). (ب): على رأس أبي بكر بالسيف. (3). في (د): قد سلوا السيوف. (4). قد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335 ه‍ ق، هذا الموضع من

[ 152 ]

خمار فنادت: (وا أبتاه، وارسول الله يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر عيناك لم تتفقأ في قبرك) – تنادي بأعلى صوتها -. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شيئ. أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني. ولما أن بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر، ما أسرع ماتوثبتم على رسول الله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله ؟


حديث سليم في أرجوزته حيث يقول: يا عجبا يستأذن الأمين عليهم ويهجم الخؤون قال سليم: قلت يا سلمان هل هجموا ولم يك استيذان فقال: اي وعزة الجباروما على الزهراء من خمار لكنها لاذت وراء الباب رعاية للستر والحجاب فمذ رأوها عصروها عصرة كادت بنفسي أن تموت حسرة تصيح يا فضة سنديني فقد وربى قتلوا جنيني فأسقطت بنت الهدى وا حزنا جنينها ذاك المسمى محسنا ولم يرعها كلما قد فعلوا لكنها قد خرجت تولول فانبعثت تصيح بين الناس خلوه أو لأكشفن راسي راجع وفاة الصديقة الطاهرة للمقرم: ص 49. رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي آل الشيخ سليمان البلادي البحراني: ص 3.

[ 153 ]

وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط – حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر: (إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها) – فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها (1) فألقت جنينا من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة. قال: ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال عليه السلام له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا: نقتلك ذلا وصغارا فقال عليه السلام: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بيني وبينه ؟ قال: نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات. ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا ؟ فلم يدع عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله علانية للعامة إلا ذكرهم إياه. قالوا: اللهم نعم. أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له (1): كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الاخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة).


(1). (د): ألجأها إلى عضادة بابها فأضغطها فتكسر ضلعا من أضلاعها. (1). (د): فقال مبادرا: نعم، كل ما قلت حق.

[ 154 ]

فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك ؟ فقال عمر: صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة (2): ” إن قتل الله محمدا أو مات لتزون (2) هذا الامر عنا أهل البيت “. فقال أبو بكر: فما علمك بذلك ؟ ما أطلعناك عليها 3 فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت


1 – فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال: الله أكبر، ما أشد ما وفيتم بصحيفتكم المعلومة التي تعاهدتم وتعاقدتم عليها في الكعبة. (1). زوى عنه حقه: منعه إياه. (2). روى في البحار: ج 28 ص 111 – 96، تفصيل المعاقدة ضد الخلافة وكتابة الصحيفة الملعونة ومحتوى الصحيفة، كل ذلك نقلا عن حذيفة بن اليمان الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها. وملخص ذلك أن أول من تعاقد على غصب الخلافة هو أبو بكر وعمر، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو: (إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا). ثم اتصل بهما أبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأخيرا التحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة، فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا: (إن مات محمد أو قتل…) وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القضايا. ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة. وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك. فتقدم الأمر من الله في غدير خم بنصب أمير المؤمنين عليه السلام. ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من عقبة هرشى تقدم القوم فتواروا في ثنية العقبة، إلا أن الله صرف الشر عن نبيه وفضح اولئك الأربعة عشر. فلما دخلوا المدينة اجتمعوا جميعا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة. وكان أول ما في

[ 155 ]

يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالأسلام، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا – حتى عد هؤلاء الخمسة – قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت) ؟ (1) فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي). قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل ؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك. فقال علي عليه السلام: أما والله، لو أن اولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. (2) الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى وفيما يكذب قولكم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم


الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر منهم أبو سفيان، عكرمة بن أبي جهل، صفوان بن أمية بن خلف، سعيد بن العاص، خالد بن الوليد، عياش بن أبي ربيعة، بشير بن سعيد، سهيل بن عمرو، حكيم بن حزام، صهيب بن سنان، أبو الأعور الأسلمي، مطيع بن الأسود المدري. وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون. وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي، فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم في المحرم سنة عشرة من الهجرة. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها. (1). (د): وكتبوا بينهم كتابا: إن هلك محمد أن يتظاهروا على أهل بيتي حتى يزيلوا هذا الأمر عنهم. (2). (د): أما والله لقد أزلتموها عن أهل بيت نبيكم ولا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: يابن عم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. فالمعذرة إلى الله ثم إليك.

[ 156 ]

الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (3)، فالكتاب النبوة، والحكمة السنة، والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم. دفاع المقداد وسلمان وأبي ذر عن علي عليه السلام فقام المقداد فقال: يا علي، بما تأمرني ؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت. فقال علي عليه السلام: كف يا مقداد، واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به. فقمت (1) وقلت: والذي نفسي بيده، لو أني أعلم أني أدفع ضيما وأعز لله دينا لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما. أتثبون على أخي رسول الله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده ؟ فابشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء. وقام أبو ذر فقال: أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (2). وآل محمد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة، أضاء نورها وبورك زيتها. محمد خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، وعلي وصي الأوصياء وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم واولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض


(1) سورة النساء: الاية 54. (2). القائل هو سلمان. (3). سورة آل عمران: الايتان 33 و 34.

[ 157 ]

في كتاب الله) (3). فقدموا من قدم الله وأخروا من أخر الله واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله. عمر يهدد عليا بالقتل فقام عمر فقال لأبي بكر – وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ؟ أو تأمر به فنضرب عنقه – والحسن والحسين قائمان – فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما عليه السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا، فو الله ما يقدران على قتل أبيكما. دفاع ام أيمن وبريدة عن علي عليه السلام وأقبلت ام أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: (يا أبا بكر، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم) فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء. وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب – يا عمر – على أخي رسول الله وأبي ولده وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ؟ ألستما قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله: (انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين) ؟ فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله ؟ قال: نعم. فقال أبو بكر: قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك: (لا يجتمع لأهل بيتي النبوة والخلافة). فقال: والله ما قال هذا رسول الله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير. فأمر به عمر فضرب وطرد كيفية بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: قم يابن أبي طالب فبايع. فقال: فإن لم أفعل ؟ قال: إذا والله نضرب عنقك


(1). سورة الأحزاب: الاية 6.

[ 158 ]

فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه. فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع – والحبل في عنقه -: (يابن أام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). (1) بيعة الزبير وسلمان وأبي ذر والمقداد وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لببوه. فقال الزبير – وعمر على صدره -: يابن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني). ثم بايع. قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها. ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الامة مكرها غير علي عليه السلام وأربعتنا. ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يابن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول. فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك ؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها ؟ وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك ؟ أو ليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك – بعد ما زنى بها – فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا ؟ (1)


(1). سورة الأعراف: الاية 150. (1). روى في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 295: ان صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له

[ 159 ]

فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه. * 5 * أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقيمون الحجة على الغاصبين كلمة سلمان بعد البيعة قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر – يا سلمان – ولم تقل شيئا ؟ قال: قد قلت – بعد ما بايعت -: تبا لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. (1) فقال عمر: يا سلمان، أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقل صاحبك ما بدا له. قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا). فقال: قل ما شئت، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك ؟


الأبل فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب. ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة، فلفقها في خرقة من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق. فرآها هاشم بن المغيرة مرمية فأخذها ورباها وسماها حنتمة. فلما بلغت رآها خطاب يوما فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إياه فجاءت بعمر بن الخطاب. فكان الخطاب أبا وجدا وخالا لعمر، وكانت حنتمة أما وأختا وعمة له. (1). في (د) هكذا: قال: بلى، قد قلت: تبا لكم، أصبتم وأخطأتم، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم. قالوا: وما الذي أصبنا وأخطأنا ؟ قلت: أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والضلالة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حين أخرجتموها من معدنها وأهلها.

[ 160 ]

فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة: (إنك – باسمك ونسبك وصفتك – باب من أبواب جهنم) فقالوا لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله ؟ فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، وسألته عن هذه الاية: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) (1)، فأخبرني بأنك أنت هو. فقال عمر: أسكت، أسكت الله نامتك، أيها العبد، يابن اللخناء فقال علي عليه السلام: أقسمت عليك يا سلمان لما سكت. فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شيئ نزل فيه، وكل شيئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وفي صاحبه. فلما رأني عمر قد سكت قال لي: إنك له لمطيع مسلم. كلمة أبي ذر بعد البيعة فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: يا سلمان، ألا تكف كما كف صاحباك ؟ والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفا كما ترى وبايعا. فقال أبو ذر: يا عمر، أفتعيرنا بحب آل محمد وتعظيمهم ؟ لعن الله – وقد فعل – من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الامة القهقرى على أدبارها. فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها من حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم ؟


(1). سورة الفجر: الايتان 25 و 26. روى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: عن الباقر عليه السلام في قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال: زفر، فلا يعذب عذابه يوم القيامة أحد من خلقه. راجع تأويل الايات: ج 2 ص 795.

[ 161 ]

كلمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد البيعة فقال علي عليه السلام لعمر: يابن صهاك، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان ؟ فقال عمر: كف الان يا أبا الحسن إذ بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا، بك فما ذنبي ؟ فقال علي عليه السلام: ولكن الله عز وجل ورسوله لم يرضيا إلا بي، فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه. ويلك يابن الخطاب، لو ترى ماذا جنيت على نفسك لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وما ذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك ؟ فقال أبو بكر: يا عمر، أما إذ قد بايعنا وآمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء. أصحاب الصحيفة الملعونة في تابوت جهنم فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شيئ واحد. أذكركم بالله أيها الأربعة – يعنيني وأبا ذر والزبير والمقداد -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة من الأولين وستة من الاخرين، في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل (1)، على ذلك الجب صخرة. فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره. قال علي عليه السلام: فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم – وأنتم شهود به – عن الأولين، فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والاخر نصر النصارى (2)، وإبليس سادسهم. وفي الاخرين الدجال وهؤلاء الخمسة أصحاب


(1). (د): في جب في قعر جهنم، ذلك التابوت في تابوت آخر من نار مقفل عليه. (2). في النسخ هكذا: (… والاخر نصر النصارى، وعاقر الناقة، وقاتل يحيى بن زكريا)، وابليس غير مذكور في النسخ إلا في (ب) خ ل. ونحن صححناه على ما في كتاب الاحتجاج حيث أورد الحد يث بعينه نقلا عن سليم وذكر إبليس ولم يذكر عاقر الناقة وقاتل يحيى.

[ 162 ]

الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، وتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا. قال سلمان: فقلنا: صدقت، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله في عثمان والزبير فقال عثمان: يا أبا الحسن، أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث في ؟ فقال علي عليه السلام: بلى، سمعت رسول الله يلعنك مرتين (1) ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك. فغضب عثمان ثم قال: ما لي وما لك ولا تدعني على حال، عهد النبي ولا بعده. فقال علي عليه السلام: نعم، فأرغم الله أنفك. فقال عثمان: فو الله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن الزبير يقتل مرتدا عن الأسلام) قال سلمان: فقال علي عليه السلام لي – فيما بيني وبينه -: صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتدا. إرتد الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله إلا أربعة قال سلمان: فقال علي عليه السلام (2): (إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله غير أربعة). إن الناس صاروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه. فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري.


(1). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 312: انه لما توفي أبو سلمة وعبد الله بن حذافة، وتزوج النبي صلى الله عليه وآله امرأتيهما ام سلمة وحفصة، قال طلحة وعثمان: أينكح محمد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات ؟ والله لو قد مات لقد أجلنا على نساءه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد ام سلمة. فأنزل الله تعالى: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما) وأنزل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا). (2). في الاحتجاج: قال سليم: ثم أقبل علي سلمان فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد عليهم السلام.

[ 163 ]

وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة مني ليمروا على الصراط. فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني. فأقول: أي رب، أصحابي أصحابي فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم حيث فارقتهم. فأقول: بعدا وسحقا. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة، شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع، حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا فيه معهم. إن التوراة والقرآن كتبه ملك واحد في رق واحد بقلم واحد، وجرت الأمثال والسنن سواء.


[ 164 ]

* 5 * إبليس ومؤسس السقيفة يوم القيامة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول (1): إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس مزموما بزمام من نار، ويؤتى


(1). ينبغي أن اورد بذيل هذا الحديث ما رواه في البحار: ج 8 قديم ص 315 ح 95 عن الاختصاص للشيخ المفيد بأسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر، فإذا إبليس قد أقبل، فقلت: بئس الشيخ أنت فقال: ولم تقول هذا يا أمير المؤمنين ؟ فوالله لأحدثنك بحديث عني عن الله عز وجل ما بيننا ثالث. إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت: يا إلهى وسيدي، ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني. فأوحى الله تعالى إلي: بلى، قد خلقت من هو أشقى منك، فانطلق إلى مالك يريكه. فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني. فانطلق بي مالك إلى النار، فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا. فقال لها: اهدئي فهدأت. ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى. فقال لها: اخمدي. فخمدت، إلى أن انطلق بي إلى السابع، وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الاولى. فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل. فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك تخمد وإلا خمدت. فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم. فأمرها فخمدت. فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بهما إلى فوق، وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها. فقلت: يا مالك، من هذان ؟ فقال: أو ما قرأت على ساق العرش – وكنت قبل قرأته، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام – (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته ونصرته بعلي). فقال: هذان عدوا اولئك وظالماهم. وروى في البحار: ج 8 قديم ص 298: قال الله تعالى: (لاصلبنه (أي عمر) وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه).

[ 165 ]

بزفر (1) مزموما بزمامين من نار فينطلق إليه إبليس فيصرخ ويقول: ثكلتك أمك، من أنت ؟ أنا الذي فتنت الأولين والاخرين وأنا مزموم بزمام واحد وأنت مزموم بزمامين فيقول: أنا الذي أمرت فأطعت، وأمر الله فعصي.


(1). قال العلامة المجلسي في البحار: ج 22 ص 223: (زفر) و (حبتر) عمر وصاحبه، فالأول لموافقة الوزن والثاني لمشابهته لحبتر وهو الثعلب في الحيلة والمكر. أقول: أستعمل كلمة (زفر) كناية عن عمر في كثير من الروايات. راجع البحار: ج 22 ص 223 وج 37 ص 119.

[ 166 ]

* 6 * مفاخر أمير المؤمنين عليه السلام وقال سليم: وحدثني أبو ذر وسلمان والمقداد، ثم سمعته من علي عليه السلام، قالوا: إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: أي أخي، فاخر العرب، فأنت أكرمهم ابن عم (1) وأكرمهم أبا وأكرمهم أخا وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما، وأعظمهم عناء بنفسك ومالك، وأتمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما. وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله (2) وأشجعهم قلبا في لقاء يوم الهيج، وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلى. إخبار النبي صلى الله عليه وآله بظلم الامة لأمير المؤمنين عليه السلام وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش، ثم تجاهدهم في سبيل الله عز وجل إذا وجدت أعوانا. تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الامة. ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك. قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد من الله ومني، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذا الأوتاد. (3)


(1). في الفضائل: يا علي فاخر أهل الشرق والغرب والعجم والعرب، فأنت أكرمهم وابن عم رسول الله وأكرمهم زواجا…. (2). (ب): بسر الله. (3). زاد في الفضائل: (يا علي، إنك من بعدي في كل أمر غالب مغلوب مغصوب، تصبر على الأذى في الله وفي رسوله محتسبا أجرك غير ضائع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الأسلام خيرا).

[ 167 ]

كلام الحسن البصري عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام قال أبان: وحدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر، فقال: صدق سليم وصدق أبو ذر. لعلي بن أبي طالب السابقة في الدين والعلم والحكمة والفقه، وفي الرأي والصحبة وفي الفضل وفي البسطة وفي العشيرة وفي الصهر، وفي النجدة (1) في الحرب، وفي الجود وفي الماعون وفي العلم بالقضاء وفي القرابة للرسول والعلم بالقضاء والفصل وفي حسن البلاء في الأسلام. إن عليا في كل أمر أمره علي، فرحم الله عليا وصلى عليه. ثم بكى حتى بل لحيته. قال: (2) فقلت له: يا أبا سعيد، أتقول لأحد غير النبي (صلى الله عليه) إذا ذكرته ؟ فقال: ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم وصل على محمد وآل محمد. وإن عليا خير آل محمد. فقلت: يا أبا سعيد، خير من حمزة ومن جعفر ومن فاطمة ومن الحسن والحسين ؟ فقال: اي والله، إنه لخير منهم، ومن يشك أنه خير منهم ؟ فقلت له: بما ذا ؟ قال: إنه لم يجر عليه اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر. وعلي خير منهم بالسبق إلى الأسلام والعلم بكتاب الله وسنة نبيه. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أمتي)، فلو كان في الامة خيرا منه لاستثناه. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه، وآخى بين علي ونفسه، فرسول الله خيرهم نفسا وخيرهم أخا. ونصبه يوم غدير خم وأوجب له من الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وقال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولم يقل ذلك لأحد من أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره. وله سوابق كثيرة ومناقب ليس لأحد من الناس مثلها. قال: فقلت له: من خير هذه الامة بعد علي عليه السلام ؟ قال: زوجته وابناه. قلت: ثم من ؟ قال: ثم جعفر وحمزة. إن خير الناس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير،


(1). أي الشجاعة والغلبة. (2). القائل أبان يخاطب الحسن البصري.

[ 168 ]

ضم فيه رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه وعليا وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: هؤلاء ثقتي وعترتي في أهل بيتي، فأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت ام سلمة: أدخلني معك ومعهم في الكساء. فقال لها: يا ام سلمة، أنت بخير وإلى خير، وإنما نزلت هذه الاية في وفي هؤلاء خاصة. محاولة الحسن البصري تبرير نفاقه فقلت: الله يا أبا سعيد ما ترويه في علي عليه السلام وما سمعتك تقول فيه ؟ قال: يا أخي، أحقن بذلك دمي من هؤلاء الجبابرة الظلمة لعنهم الله. يا أخي، لو لا ذلك لقد شالت بي الخشب ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك فيكفون عني. وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب عليه السلام، فيحسبون أني لهم ولي. قال الله عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (1) يعني التقية.


(1). سورة المؤمنون: الاية 96.

[ 169 ]

* 7 * اختلاف الامة وفرقها افتراق الامة إلى ثلاث وسبعين فرقة قال أبان: قال سليم: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: إن الامة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة في النار تعيين الفرقة الناجية وأما الفرقة الناجية المهدية المؤملة المؤمنة المسلمة الموافقة المرشدة فهي المؤتمنة بي المسلمة لأمري المطيعة لي المتبرئة من عدوي المحبة لي والمبغضة لعدوي، التي قد عرفت حقي وإمامتي وفرض طاعتي من كتاب الله وسنة نبيه، فلم ترتد ولم تشك لما قد نور الله في قلبها من معرفة حقنا وعرفها من فضلها، وألهمها وأخذها بنواصيها فأدخلها في شيعتنا حتى اطمأنت قلوبها واستيقنت يقينا لا يخالطه شك. أئمة الفرقة الناجية إني أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في آي من الكتاب كثيرة، وطهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه وتراجمة وحيه وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا حتى نرد على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه كما قال.


[ 170 ]

الفرق الثلاث والسبعون يوم القيامة وتلك الفرقة الواحدة من الثلاث والسبعين فرقة هي الناجية من النار ومن جميع الفتن والضلالات والشبهات، وهم من أهل الجنة حقا، وهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب. وجميع تلك الفرق الاثنتين والسبعين هم المتدينون بغير الحق، الناصرون لدين الشيطان الاخذون عن إبليس وأوليائه، هم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين، يدخلون النار بغير حساب. برآء من الله ومن رسوله، نسوا الله ورسوله (1) وأشركوا بالله وكفروا به وعبدوا غير الله من حيث لا يعلمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يقولون يوم القيامة: (والله ربنا ما كنا مشركين) (2)، (يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيئ ألا إنهم هم الكاذبون) (3). المستضعفون دينيا قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أرأيت من قد وقف فلم يأتم بكم ولم يعادكم ولم ينصب لكم ولم يتعصب ولم يتولكم ولم يتبرء من عدوكم وقال: (لا أدري) وهو صادق ؟ قال: ليس اولئك من الثلاث والسبعين فرقة، إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله بالثلاث والسبعين فرقة الباغين الناصبين الذين قد شهروا أنفسهم ودعوا إلى دينهم. ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان وتتولى على قبولها وتتبرأ ممن خالفها. فأما من وحد الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يعرف ولايتنا ولا ضلالة عدونا ولم ينصب شيئا ولم يحل ولم يحرم، وأخذ بجميع ما ليس بين المختلفين من الامة


(1). في (د) هكذا: برآء من الله ومن رسوله والله ورسوله برآء منهم، سبوا الله ورسوله وأشركوا…. (2). سورة الأنعام: الاية 23. (3). سورة المجادلة: الاية 18.

[ 171 ]

فيه خلاف في أن الله عز وجل أمر به، وكف عما بين المختلفين من الامة خلاف في أن الله أمر به أو نهى عنه، فلم ينصب شيئا ولم يحلل ولم يحرم ولا يعلم ورد علم ما أشكل عليه إلى الله فهذا ناج. أهل الجنة وأهل النار وأصحاب الأعراف وهذه الطبقة بين المؤمنين وبين المشركين، هم أعظم الناس وجلهم، وهم أصحاب الحساب والموازين والأعراف، والجهنميون الذين يشفع لهم الأنبياء والملائكة والمؤمنون، ويخرجون من النار فيسمون (الجهنميين). (1) فأما المؤمنون فينجون ويدخلون الجنة بغير حساب، أما المشركون فيدخلون النار بغير حساب. وإنما الحساب على أهل هذه الصفات بين المؤمنين والمشركين، والمؤلفة قلوبهم والمقترفة والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة الكفر والشرك ولا يحسنون أن ينصبوا ولا يهتدون سبيلا إلى


(1). روى في البحار: ج 8 ص 355 ح 8 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ثم تأخذ بحجزتي وآخذ بحجزة الله – وهي الحق – وتأخذ ذريتك بحجزتك وتأخذ شيعتك بحجزة ذريتك، فأين يذهب بكم إلا إلى الجنة ؟ فإذا دخلتم الجنة فتبوأتم مع أزواجكم ونزلتم منازلكم أوحى الله إلى مالك: أن افتح باب جهنم لينظر أوليائي إلى ما فضلتهم على عدوهم. فيفتح أبواب جهنم فتطلون عليهم. فإذا وجد أهل جهنم روح رائحة الجنة قالوا: يا مالك، أتطمع لنا في تخفيف العذاب عنا ؟ إنا لنجد روحا. فيقول لهم مالك: إن الله أوحى إلي أن أفتح أبواب جهنم لينظر أهل الجنة إليكم. فيرفعون رؤوسهم، فيقول هذا: يا فلان، ألم تك تجوع فأشبعك ؟ ويقول هذا: ألم تك تعري فأكسوك ؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تخاف فآويتك ؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تحدث فأكتم عليك ؟ فيقولون: بلى. فيقولون: استوهبونا من ربكم. فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنة فيكونون فيها ملومين ويسمون (الجهنميين). فيقولون: سألتم ربكم فأنقذنا من عذابه فادعوه يذهب عنا هذا الاسم ويجعل لنا في الجنة مأوى. فيدعون فيوحى الله إلى ريح فتهب على أفواه أهل الجنة فينسيهم ذلك الاسم ويجعل لهم في الجنة مأوى. وروى في البحار: ج 8 ص 360 ح 29 عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن (الجهنميين)، فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: يخرجون منها فينتهى بها إلى عين عند باب الجنة تسمى (عين الحيوان) فينضح عليهم من مائها، فينبتون كما تنبت الزرع، تنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم.

[ 172 ]

أن يكونوا مؤمنين عارفين، فهم أصحاب الأعراف، وهؤلاء لله فيهم المشيئة. إن الله عزوجل إن يدخل أحدا منهم النار فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته. المؤمن والكافر والمستضعف فقلت: أصلحك الله، أيدخل النار المؤمن العارف الداعي ؟ قال عليه السلام: لا. قلت: أفيدخل الجنة من لا يعرف إمامه ؟ قال عليه السلام: لا، إلا أن يشاء الله. قلت: أيدخل الجنة كافر أو مشرك ؟ قال: لا يدخل النار إلا كافر، إلا أن يشاء الله. قلت: أصلحك الله، فمن لقي الله مؤمنا عارفا بإمامه مطيعا له، أمن أهل الجنة هو ؟ قال: نعم إذا لقي الله وهو مؤمن من الذين قال الله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (1)، (الذين آمنوا وكانوا يتقون) (2)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم). (3) قلت: فمن لقي الله منهم على الكبائر ؟ قال: هو في مشيته، إن عذبه فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته. قلت: فيدخله النار وهو مؤمن ؟ قال: نعم بذنبه، لأنه ليس من المؤمنين الذين عنى الله (أنه ولي المؤمنين)، لأن الذين عنى الله (أنه لهم ولي) و (أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، هم المؤمنون (4) (الذين يتقون الله والذين عملوا الصالحات والذين لم يلبسوا ايمانهم بظلم). (1)


(1). سورة البقرة: الاية 82، وتمام الاية هكذا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون). (2). سورة يونس: الاية 63. (3). سورة الأنعام: الاية 82، وتمام الاية هكذا: (… اولئك لهم الأمن وهم مهتدون). (4). أي إن المؤمنين الذين عنى الله في تلك الاية هم المؤمنون الذين جاء وصفهم في هذه الايات. وهي إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: الاية 68: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وإلى قوله تعالى في سورة يونس: الاية 62: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). (1). قد مر الأشارة إلى مواضع الايات في المصحف.

[ 173 ]

الفرق بين الايمان والأسلام قلت: يا أمير المؤمنين، ما الايمان وما الأسلام ؟ قال: أما الايمان فالأقرار بالمعرفة، والأسلام فما أقررت به والتسليم والطاعة لهم. قلت: الايمان الأقرار بعد المعرفة به ؟ قال: من عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر بطاعته فهو مؤمن. قلت: المعرفة من الله والأقرار من العبد ؟ قال: المعرفة من الله دعاء وحجة ومنة ونعمة، والأقرار من الله قبول العبد، يمن على من يشاء، والمعرفة صنع الله تعالى في القلب، والأقرار فعال القلب من الله وعصمته ورحمته. تكليف الجاهل بالحق فمن لم يجعله الله عارفا فلا حجة عليه، وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم، فلا يعذبه الله على جهله. فإنما يحمده على عمله بالطاعة ويعذبه على عمله بالمعصية. ويستطيع أن يطيع ويستطيع أن يعصي، ولا يستطيع أن يعرف ويستطيع أن يجهل ؟ هذا محال لا يكون شيئ من ذلك إلا بقضاء من الله وقدره وعلمه وكتابه بغير جبر لأنهم لو كانوا مجبورين كانوا معذورين وغير محمودين. ومن جهل وسعه أن يرد إلينا ما أشكل عليه ومن حمد الله على النعمة واستغفره من المعصية وأحب المطيعين وحمدهم على الطاعة، وأبغض العاصين وذمهم فإنه يكتفي بذلك إذا رد علمه إلينا. لهذا الحديث زيادة في (ج) وهي تنطبق على أواسطه هكذا: أصحاب الحساب والشفاعة… يحاسبون، منهم من يغفر له ويدخله الجنة بالأقرار والتوحيد، ومنهم من يعذب في النار ثم يشفع له الملائكة والأنبياء والمؤمنون، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة


[ 174 ]

فيسمون فيها (الجهنميين) منهم أصحاب الأقرار، وليست الموازين والحساب إلا عليهم، لأن أولياء الله العارفين لله ولرسوله والحجة في أرضه وشهدائه على خلقه المقرين لهم المطيعين لهم يدخلون الجنة بغير حساب، والمعاندين لهم المنذرين المكابرين المناصبين أعداء الله يدخلون النار بغير حساب. وأما ما بين هذين، فهم جل الناس وهم أصحاب الموازين والحساب والشفاعة. دعاء أمير المؤمنين عليه السلام لسليم بالولاية قال (1): قلت: فرجت عني وأوضحت لي وشفيت صدري، فادع الله أن يجعلني لك وليا في الدنيا والاخرة. قال: اللهم اجعله منهم. قال: ثم أقبل علي فقال: ألا أعلمك شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، علمه سلمان وأبا ذر والمقداد ؟ قلت: بلى، يا أمير المؤمنين. قال: قل كلما أصبحت وأمسيت: (اللهم ابعثني على الايمان بك والتصديق بمحمد رسولك والولاية لعلي بن أبي طالب والايتمام بالأئمة من آل محمد، فإني قد رضيت بذلك يا رب)، عشر مرات. قلت: يا أمير المؤمنين، قد حدثني بذلك سلمان وأبو ذر والمقداد، فلم أدع ذلك منذ سمعته منهم. قال: لا تدعه ما بقيت.


(1). القائل هو سليم.

[ 175 ]

* 8 * * 1 * معنى الأسلام والايمان وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام – وسأله رجل عن الايمان – فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الايمان، لا أسأل عنه أحدا غيرك ولا بعدك. فقال علي عليه السلام: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله عن مثل ما سألتني عنه، فقال له مثل مقالتك، فأخذ يحدثه. ثم قال له: اقعد. فقال له: آمنت. ثم أقبل علي عليه السلام على الرجل فقال: أما علمت أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة آدمي فقال له: ما الأسلام ؟ فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة). فقال: وما الايمان ؟ قال: (تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالحياة بعد الموت وبالقدر كله خيره وشره وحلوه ومره). فلما قام الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (هذا جبرئيل، جاءكم ليعلمكم دينكم). فكان كلما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا قال له: (صدقت). قال: فمتى الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: صدقت.


[ 176 ]

* 2 * دعائم الايمان ثم قال علي عليه السلام – بعد ما فرغ من قول جبرئيل (صدقت) -: ألا إن الايمان بني على أربع دعائم: على اليقين والصبر والعدل والجهاد. فاليقين منه على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب. فمن اشتاق إلى الجنة سلا (1) عن الشهوات، ومن أشفق من النار اتقى المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. والصبر على أربع شعب: على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين. فمن تبصر الفطنة تبين في الحكمة، ومن تبين في الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة أبصر العبرة، ومن أبصر العبرة فكأنما كان في الأولين. والعدل منه على أربع شعب: على غوامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم. فمن فهم فسر جمل العلم، ومن علم عرضه شرائع الحكمة، ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش به في الناس حميدا. والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن والغضب لله وشنآن الفاسقين.


(1). أي طابت نفسه عنه وذهل عن ذكره وهجره. (*)

[ 177 ]

فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له. وذلك الايمان ودعائمه وشعبه. أدنى درجات الايمان والكفر والضلالة فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمنا، وأدنى ما يكون به كافرا، وأدنى ما يكون به ضالا ؟ قال: قد سألت فاسمع الجواب: أدنى ما يكون به مؤمنا أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة. وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة. قال: يا أمير المؤمنين، وإن جهل جميع الأشياء غير ما وصفت ؟ قال: نعم، إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى. وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين بشيئ فيزعم أن الله أمره به – مما نهى الله عنه – ثم ينصبه دينا فيتبرأ ويتولى ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به. وأدنى ما يكون به ضالا أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه الذي أمر الله بطاعته وفرض ولايته. نص الرسول صلى الله عليه وآله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لي. قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم). (1) قال: أوضحهم لي. قال: الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه: (إنى قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن


(1). سورة النساء: الاية 59. (*)

[ 178 ]

اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين – وأشار بإصبعيه المسبحتين – ولا أقول كهاتين – وأشار بالمسبحة والوسطى – لأن إحديهما قدام الاخرى. فتمسكوا بهما لا تضلوا، ولا تقدموهم فتهلكوا، ولا تخلفوا عنهم فتفرقوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم). قال: يا أمير المؤمنين، سمه لي. قال: الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم، فأخبرهم (أنه أولى بهم من أنفسهم). ثم أمرهم أن يعلم الشاهد الغائب منهم. فقلت: أنت هو، يا أمير المؤمنين ؟ قال: أنا أولهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن من بعدى أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يردوا عليه حوضه واحدا بعد واحد. فقام الرجل إلى علي عليه السلام فقبل رأسه، ثم قال: أوضحت لي وفرجت عني وأذهبت كل شيئ في قلبي. (1)


(1). في البحار بيان مفصل في توضيح عبارات الحديث وغوامضه: راجع: ج 68 ص 365.

[ 179 ]

* 9 * خصائص الأسلام وآثاره عن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: جاء رجل (1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن الأسلام. فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى شرع الأسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وإماما لمن ائتم به، وزينة لمن تحلاه، وعدة لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تعلمه، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا (2) لمن حاكم به وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به وحلما لمن جرب، وشفاء ولبا لمن تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة لمن أصلح، وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل، ورجاء (3) لمن فوض، وسابقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن رشد، وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين، وموعظة للمتقين ونجاة للفائزين.


(1). الرجل هو ابن الكواء، كما صرح به في الكافي: ج 1 ص 49. (2). أي فوزا وظفرا. (3). (ب) خ ل: رخاء. وفي أمالي المفيد وأمالي الطوسي وتحف العقول: راحة.

[ 180 ]

ذلك الحق، سبيله الهدى وصفته الحسنى ومأثرته المجد، أبلج المنهاج، مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة (1)، متنافس السبقة (2)، أليم النقمة، قديم النعمة، قديم العدة، كريم الفرسان. فالايمان منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته (3)، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه. فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنخ الايمان. فذلك الأسلام


(1). الحلبة: خيل تجمع للسباق من كل ناحية. (2). السبقة: ما يتراهن عليه المتسابقون. (3). قال المجلسي: معناه أن القيامة محل اجتماع الحلبة إما للسباق أو لحيازة السبقة.

[ 181 ]

* 10 * * 1 * علة الفرق بين أحاديث الشيعة وأحاديث مخالفيهم أبان عن سليم، قال: قلت لعلي عليه السلام (1): يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم ؟ قال: فأقبل علي فقال لي: يا سليم، قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما. وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام فيهم خطيبا فقال: (أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة. (2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). ثم كذب عليه من بعده حين توفي، رحمة الله على نبي الرحمة وصلى الله عليه وآله.


(1). يظهر مما رواه مسعدة بن صدقة عن الأمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في خطبة له فسأله سليم هذا السؤال أثناء الخطبة، وأصل الخطبة هي الحديث 18 من كتاب سليم. راجع البحار: ج 2 ص 230، والاحتجاج: ج 1 ص 392. (2). قال المحقق السيد الداماد في التعليقة على الكافي: ص 146 في شرح حديث سليم ما ملخصه: (الكذابة) مصدر كذب يكذب، أي (كثرت علي كذابة الكاذبين)، أو بمعنى (المكذوب)، أي كثرت الأحاديث المفتراة المختلقة علي. وأما الكذابة بمعنى البليغ في الكذب أي (كثرت علي أكاذيب الكذابة)، أو (كثرت الجماعة الكذابة علي). (*)

[ 182 ]

المحدثون أربعة وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للايمان متصنع بالأسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا. فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: (هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، رآه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله). وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (1). ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا. وإنما الناس مع الملوك في الدنيا إلا من عصم الله. فهذا أول الأربعة. ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول: (أنا سمعته من رسول الله). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنه وهم فيه لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شيئ ثم أمر به وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه. ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وتخوفا من الله وتعظيما لرسوله صلى الله عليه وآله ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه


(1). سورة المنافقون: الاية 4.

[ 183 ]

ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. وإن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ونهيه مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله. وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا منه. وكنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره. وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني. وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي. ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني. فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها، فحفظته وأملاه علي فكتبته. وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا، وأن يعلمني فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى. فقلت له ذات يوم: يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته ؟ أتتخوف علي النسيان ؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.


[ 184 ]

الأئمة الأحد عشر عليهم السلام شركاء أمير المؤمنين عليه السلام قلت: يا نبي الله، ومن شركائي ؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال في حقهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) فان (خفتم التنازع في شيئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولى الأمر منكم. قلت: يا نبي الله، ومن هم ؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم. بهم ينصر الله أمتى وبهم يمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم. فقلت (2): يا رسول الله، سمهم لي. فقال: ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام – ثم ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام – ثم ابن ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام – ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام. ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي. فقلت: يا نبي الله، سمهم لي. فسماهم لي رجلا رجلا. منهم – والله يا أخا بني هلال – مهدي هذه الامة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم.


1) فإن (1). سورة النساء: الاية 59. وتمام الاية هكذا: (فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا). (2). هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت: سمهم لي يا رسول الله، قال: أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام – ثم ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام – ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام. ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى. ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم.

[ 185 ]

* 2 * تقرير الأئمة عليهم السلام لسليم في نقل هذا الحديث قال سليم: ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة (1) بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما. فقالا: صدقت، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا. قال سليم: ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام – وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام – فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام وهو مريض وأنا صبي. ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله – وهو مريض – السلام. قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله وأقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله السلام. (3)


(1). في (د) وفي اعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية. (2). الكتاب بمعنى موضع التعليم. (3). روى في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري. فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الأمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر. فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام، أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام ؟ قال: محمد. قال: ابن من ؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن

[ 186 ]

قال أبان: فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود. ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال: صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم. (1) * 3 * غدر الامة بأهل بيت نبيها عليهم السلام قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.


الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: أنت إذا الباقر. قال: فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد، إن رسول الله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه. فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما: يا جابر، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي…. (1). جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الأمام الصادق عليه السلام. راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 و طبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15. ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه.

[ 187 ]

السقيفة لأبي بكر وعمر فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعته العامة. فقالوا: صدقت، قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه فقال: (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله. واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر. ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها. الشورى لعثمان ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فقلدوها عبد الرحمن. ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه (1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات. حروب الجمل وصفين والنهروان ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثم نكثا وغدرا، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه،


(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9 ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32. وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا بالله.

[ 188 ]

فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام (1) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه. (2) النكث والغدر بالأمامين الحسن والحسين عليهما السلام ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده. فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل، حين لا يجد أعوانا. ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا. ثم غدروا به، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل. مظلومية الشيعة في عصر زياد وابن زياد والحجاج ثم لم نزل أهل البيت – منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله – نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب. وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا (1).


(1). الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين). (2). في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا: ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود. (1). في شرح نهج البلاغة هكذا: وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.

[ 189 ]

ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه) * 4 * تاريخ الجعل والتحريف في الأحاديث وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير – ولعله يكون ورعا صدوقا – يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة، لم يخلق الله منها شيئا قط، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع. ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور. نماذج من الأحاديث المختلقة قال: قلت له: أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا. (1) قال: رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)، و (أن عمر محدث)، و (أن الملك يلقنه)، و (أن السكينة تنطق على لسانه)، و (أن عثمان، الملائكة تستحي منه)، و (أن لي وزيرا من أهل السماء


(1). لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بايراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين. وذلك في ج 5 ص 378 – 297، ج 6 ص 96 – 87، ج 8 ص 96 – 33، ج 9 ص 396 – 273، ج 10 ص 138 – 70، ج 11 ص 101 – 75. هذا وقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 – 189 احتجاج الأمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع.

[ 190 ]

ووزيرا من أهل الارض ” (1)، و ” أن اقتدروا بالذين من بعدي “، و ” أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) (3) – حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق – فقال عليه السلام: هي والله كلها كذب وزور. قلت: أصلحك الله لم يكن منها شيئ ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها. (1) ومثله (2) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام. وعامها كذب وزور وباطل. اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.


(1). أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء. قلنا: من هؤلاء الوزراء يا رسول الله ؟ قال: اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء ؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض – أو من أهل الدنيا – ؟ قال: أبو بكر وعمر (3). روى في البحار: ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على جبل حراء، إذ تحرك الجبل. فقال له: (قر، فليس عليك إلا نبى وصديق شهيد). فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته. وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بحر اء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض. فركضه برجله فقال: اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد). وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10 ص 73. (1). معناه على الظاهر: فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسكن. (2). لعل المعنى: ومثله في التحريف تحريفهم لمعنى الحديث.

[ 191 ]

* 11 * * 1 * أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على المسلمين في عصر عثمان أبان عن سليم قال: رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم. فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل، مثل قوله: (الأئمة من قريش)، وقوله: (الناس تبع لقريش) و (قريش أئمة العرب)، وقوله: (لا تسبوا قريشا)، وقوله: (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله: (أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله: (من أراد هوان قريش أهانه الله). وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل. وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته (1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال


(1). في الاحتجاج زيادة هكذا: وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، و (ان العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله – لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس – فقال: (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها). ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة سعد: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره. راجع البحار: ج 10 ص 43 وج 20 ص 236. (2). هو الذي استشهد يوم احد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سأل زوجته عن حاله، قالت: لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له: (غسيل الملائكة). راجع البحار: ج 20 ص 47 و 58. (3). الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير. فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف

[ 192 ]

كل حي: (منا فلان وفلان). وقالت قريش: (منا رسول الله صلى الله عليه وآله ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة (1) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف). فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه. وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة. فكان ممن حفظت من قريش: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (2) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار (3): أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب


بحمى الدبر. أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه. روى في البحار: ج 20 ص 152: أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد. فحمته الدبر، فقالوا: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه. فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر). (1). أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة. وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة. (2). هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الفضلاء الأخيار. كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين. (3). زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51. كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه. وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام. شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان. وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسى الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من الاثني عشر

[ 193 ]

الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه، غلام أمرد صبيح الوجه. وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة. قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما. فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال – وعثمان في داره لا يعلم بشيئ مما هم فيه – وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته. * 2 * احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم ؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا. ثم قال: يا معاشر قريش، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل ؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم ؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلى الله عليه وآله


الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين. ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46. وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفى سنة 86. أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين. وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب.

[ 194 ]

وبه أدركنا ذلك كله ونلناه. فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلى الله عليه وآله لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا. قال: صدقتم، يا معاشر قريش والأنصار. أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والاخرة منا خاصة – أهل البيت – دونكم جميعا، وأنكم سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم) ؟ (1) قال أهل بدر وأهل احد وأهل السابقة والقدمة: نعم، سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الاباء والامهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط) ؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل احد: نعم، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والاخرة) ؟ فقالوا: اللهم نعم. قال: أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل، تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي. فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلى الله عليه وآله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلى الله عليه وآله واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله


(1). راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25.

[ 195 ]

ولي فيه أولاد ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه (1)، ثم قال صلى الله عليه وآله: (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي وابنيه) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله – حين دعا أهل نجران إلى المباهلة – إنه لم يأت إلا بي و بصاحبتي وابني ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال: (لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه) ؟ قالوا: اللهم نعم.


(1). روى في البحار: ج 39 ص 23: انه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني احب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مررت إلى مصلاك، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها. فقال: قدأبى الله ذلك. فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه عيني. فقال: قد أبى الله ذلك، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك. والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم….

[ 196 ]

قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني بسورة براءة ورد غيري – بعد أن كان بعثه – بوحي من الله وقال: (إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عنك إلارجل منك) ؟ قالوا: اللهم بلى. (1) قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي، وأنه لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال: (يا علي، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي) ؟ قالوا: اللهم نعم. (1) قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا


(1). روى في البحار: ج 35 ص 295 عن الأمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس. فنزل جبرئيل فقال: (لا يبلغ عنك إلا علي). فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة. فقال أبو بكر: أسخطة ؟ فقال: لا، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك. فلما قدم علي عليه السلام مكة – وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر – قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الاخر. وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانه ولا مشرك. ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر). راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير: ج 6 ص 341 (1). في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3 ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها. فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر. قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الام)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا).

[ 197 ]

سألته أعطاني وإذا سكت ابتدأني ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضلني على جعفر وحمزة، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله، أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبكم: (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي) ؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال (1) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله أحد من هذه الامة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (والسابقون الأولون من المهاجرين


(1). زاد في (الاحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أني أول الامة ايمانا بالله وبرسوله ؟ قالوا: اللهم نعم.

[ 198 ]

والأنصار) (2)، (والسابقون السابقون اولئك المقربون) (3)، سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء ؟ قالوا: اللهم نعم. يوم غدير خم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال: فأنشدكم، أتعلمون حيث نزلت (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) (4)، وحيث نزلت (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (5)، وحيث نزلت (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (6)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب وقال: (أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني). ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أن الله عزوجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم) ؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: (قم، يا علي). فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).


(2). سورة التوبة: الاية 100، وتمام الاية هكذا: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم). (3). سورة الواقعة: الاية 10. (4). سورة النساء: الاية 59. (5). سورة المائدة: الاية 55. (6). سورة التوبة: الاية 16.

[ 199 ]

فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كما ذا ؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا). (1) فكبر النبي صلى الله عليه وآله وقال: (الله أكبر، تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي). فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الايات خاصة في علي ؟ قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي. فقالوا كلهم: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم: قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا. فقال علي عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله لما قام فأخبر به. فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبي صلى الله عليه وآله – وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه – وهو يقول: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم فيه بولايته. وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني. أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج


(1). سورة المائدة: الاية 3.

[ 200 ]

فبينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة – ووضع يده على علي بن أبي طالب عليه السلام – ثم لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي. أيها الناس، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم بعدي ووليكم وهاديكم، وهو أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم. فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم). ثم جلسوا. (1) قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (2) فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كسساء وقال: (هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم (1)، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت ام سلمة: وأنا يا رسول الله ؟ فقال: (أنت إلى خير، إنما نزلت في وفي أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ليس معنا فيها أحد غيرهم) ؟ فقالوا كلهم: نشهد أن ام سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثنا كما حدثتنا به ام سلمة. ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله


(1). أي ثم جلس زيد بن أرقم والبراء وأبو ذر والمقداد وعمار بعد شهادتهم. (2). سورة الأحزاب: الاية 33. (1). سورة الأحزاب: الاية 33.

[ 201 ]

وكونوا مع الصادقين). (2) فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة ؟ قال صلى الله عليه وآله: (أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أنى قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: لم خلفتني ؟ قال: (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). (3) فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم ؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الامة. قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله ؟ فقال: (أنا وأخي وأحد عشر من ولدي). قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسكوا بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). فقام عمر بن الخطاب – وهو شبه المغضب – فقال: يا رسول الله، أكل أهل


(2). سورة التوبة: الاية 119. (3). سورة الحج: الاية: 78.

[ 202 ]

أهل بيتك ؟ قال: (لا، ولكن أوصيائي منهم. أولهم أخي علي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض. شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله) ؟ فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك. وصف مجلس المناشدة ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق. قال: فلم يدع شيئا مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ناشدهم الله فيه. فمنه ما يقولون جميعا: (نعم) ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم: (اللهم نعم) ويقول الذين سكتوا للذين أقروا: أنتم عندنا ثقاة، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قال حين فرغ: اللهم اشهد عليهم. قالوا: اللهم اشهد أنا لم نقل إلا حقا وما قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني) – ووضع يده على رأسي – فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال: (لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) ؟ فقال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيين: (اللهم نعم)، وسكت بقيتهم. فقال علي عليه السلام للسكوت: ما لكم سكوت ؟ فقالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة


[ 203 ]

في صدقهم وفضلهم وسابقتهم. فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد عليهم. فقالوا: اللهم إنا لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله. * 3 * كلمات بين أمير المؤمنين عليه السلام وطلحة سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة فقال طلحة بن عبيد الله – وكان يقال له (داهية قريش) -: فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك حبل، فقالوا لك: (بايع)، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة، فصدقوك جميعا. ثم ادعى أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فصدقه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل ؟ ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة والفضل نحن نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد اولئك الخمسة بما سمعت الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة فقام عند ذلك علي عليه السلام – وغضب من مقالة طلحة – فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر


[ 204 ]

شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به (1)، وأقبل على طلحة – والناس يسمعون – فقال: يا طلحة، أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: (إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا علي فلا أصل إلى الخلافة) الجواب الثاني: حديث الغدير وقال عليه السلام: والدليل – يا طلحة – على باطل ما شهدوا عليه قول نبي الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام ؟ الجواب الثالث: حديث المنزلة وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، أفلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة ؟ ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله. الجواب الرابع: حديث الثقلين وقوله صلى الله عليه وآله: (إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الامة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (1، وقال: (وزاده بسطة في العلم والجسم) (2)، وقال: (أو أثارة من علم إن


(1). عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه: (ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى). فقال عليه السلام: عنى بها صحيفته التي في الكعبة. راجع البحار: ج 8 طبع قديم ص 27. وروى في ص 22 عن حذيفة بن اليمان أنه قال: وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال: (ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى) (2). سورة يونس: الاية 35.

[ 205 ]

في العلم والجسم ” (1)، وقال: ” أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ” (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا)، فما الولاية غير الأمارة على الامة ؟ الجواب الخامس: حديث التسليم عن علي عليه السلام بإمرة المؤمنين والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك – يعني الزبير – وعلى الامة رأسا وعلى هذين – وأشار إلى سعد وابن عوف – وعلى خليفتكم هذا الظالم – يعني عثمان -. الجواب السادس: الشورى التى أمر بها عمر وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا، فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها ؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الأمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها ؟ وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم ؟ فهلا أخرجني وقد قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب) ؟ الجواب السابع: ما قال عمر عند موته ولم قال عمر – حين دعانا رجلا رجلا – لابنه عبد الله – وها هو ذا (1) – أنشدك بالله، ما قال لك حين خرجنا ؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال: (إن بايعوا أصلع


) (2). سورة البقرة: الاية 247. (3). سورة الأحقاف: الاية 4. (1). كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشار عليه السلام إليه وصير الخطاب إليه.

[ 206 ]

بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم) ثم قال عليه السلام: يابن عمر، فما قلت أنت عند ذلك ؟ قال: قلت له: فما يمنعك – يا أبه – أن تستخلفه ؟ قال: فما رد عليك ؟ قال: رد علي شيئا أكتمه قال عليه السلام: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له. قال: ومتى أخبرك ؟ قال عليه السلام: أخبرني في حياته ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رآى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقد رآه في اليقظة. قال له ابن عمر: فما أخبرك ؟ قال عليه السلام: أنشدك الله يابن عمر، لئن حدثتك به لتصدقني. قال: أو أسكت قال: فإنه قد قال لك – حين قلت له: (فما يمنعك أن تستخلفه ؟) – قال: الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر فقال: أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله لما أمسكت عني قال سليم: فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعا. شورى عمر غير الشرعية ثم أقبل علي عليه السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال: والله إن كان اولئك الخمسة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم – أيها الخمسة – أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبة عنه. الخلافة والأمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام ثم أقبل علي عليه السلام على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا عندكم أم كذاب ؟ فقالوا: بل صديق صدوق، لا والله ما علمناك كذبت في


[ 207 ]

جاهلية ولا إسلام. قال عليه السلام: فو الله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ (1) عنه صلى الله عليه وآله غيرنا ولا تصلح الأمامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا. أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم الأنبياء برسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن. والله جعل محمدا نبيا وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته، فبلغهم كما أمره الله عز وجل. من هو الأحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فأيهما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثني ببراءة فقال: (إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني) ؟ فأنشدكم الله، أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالوا: اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعثك ببراءة. قال: فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلغ لها غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه ؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو من خص من بين هذه الامة أنه ليس من رسول الله ؟ (1)


(1). قوله (لا يبلغ…) جواب للقسم. (1). المراد أنا أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله أو أبو بكر الذي علم رسول الله صلى الله عليه وآله أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصة ليس من رسول الله صلى الله عليه وآله.

[ 208 ]

ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله: ليبلغ الشاهد الغائب ؟ فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قال لنا ولسائر الناس: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: (رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل (1) عليهن قلب امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم)، وقام في غير موطن فقال: (ليبلغ الشاهد الغائب) ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض (2). فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي. فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين – وأشار بمسبحته والوسطى – فإن إحديهما قدام الاخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا، ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم). وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بايجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وايجاب حقهم، ولم يقل ذلك في شيئ من الأشياء غير ذلك. وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من لا يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما بعثه الله به غيرهم.


(1). روى في البحار: ج 21 ص 138 ح 33 عن الصادق عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه. يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب. فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم. والمراد من ذكر هذه الفقرة ايراد موارد قوله (ليبلغ الشاهد الغائب). (2). معنى الجملة: أن قوله (ليبلغ الشاهد الغائب) كان في هذه المواضع الثلاثة.

[ 209 ]

ألا ترى يا طلحة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي – وأنتم تسمعون -: يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك. أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي). فلما ولى أبو بكر هل قضى عن رسول الله صلى الله عليه وآله دينه وعداته ؟ فأثبتهم جميعا فقضيت دينه وعداته. وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري. ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر بقضاء لدينه وعداته، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته. الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس وإنما يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله جميع ما جاء عن الله عز وجل الأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. فقال طلحة: فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك حتى فسرته لي. فجزاك الله يا أبا الحسن خيرا عن جميع الامة. * 4 * كلمة عن جمع القرآن جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن يا أبا الحسن، شيئ أريد أن أسألك عنه: رأيتك خرجت بثوب مختوم عليه فقلت: (يا أيها الناس، إني لم أزل مشغولا برسول الله صلى الله عليه وآله، بغسله وتكفينه ودفنه. ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله مجموعا لم يسقط منه حرف)، فلم أر ذلك الكتاب الذي كتبت وألفت.


[ 210 ]

جمع عمر وعثمان للقرآن ولقد رأيت عمر بعث إليك – حين استخلف – أن ابعث به إلي، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد رماها ولم يكتبه وقد قال عمر – وأنا أسمع -: (إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب)، وقد جاءت شاة إلى صحيفة – وكتاب عمر يكتبون – فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون ؟ (1) وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عثمان: (إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات تسعون آية) فما هذا ؟ وما يمنعك – يرحمك الله – أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس ؟ وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار. (2) فما هذا ؟


(1). لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضا، انظر: منتخب كنز العمال: ج 2 ص 42 و 45. مسند أحمد: ج 5 ص 117. كنز العمال: ج 2 ص 569. الأتقان: ج 2 ص 25. الدر المنثور: ج 6 ص 378. وروى الفضل بن شاذان في كتاب (الايضاح): ص 112 عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقبلا منه، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها. وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة. وأن عمر قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآنا لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر. وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر. (2). روى في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 308: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له (الأمام).

[ 211 ]

إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وآله عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شيئ تحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش. قال طلحة: كل شيئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك ؟ قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب. ولو أن الامة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدا إلى يوم القيامة. ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الامة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تركها ؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (أن الله عز وجل قد علم من الامة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا – وأدنى بيده إلى الحسن – ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا – يعني الحسين -. كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد ؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما


[ 212 ]

لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما. ثم أقبل عليه السلام على طلحة فقال: اتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يابن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم. سند القرآن الموجود في زماننا قال طلحة: ما أراك – يا أبا الحسن – أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس ؟ قال عليه السلام: يا طلحة، عمدا كففت عن جوابك. قال: فأخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال عليه السلام: بل هو قرآن كله، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا. فقال طلحة: حسبي، أما إذا كان قرآنا فحسبي. ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال عليه السلام: إلى الذي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أدفعه إليه. قال: من هو ؟ قال: وصيي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم. اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم، وعليهما مثل أوزار هذه الامة. فقالوا: يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك وحسن قولك.


[ 213 ]

* 12 * خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في السنة الأخيرة من عمره المبارك أبان عن سليم قال: كنا جلوسا حول أمير المؤمنين عليه السلام وعنده جماعة من أصحابه، فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، لو استنفرت الناس. فقام وخطب فقال: ألا إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحتكم فلم تقبلوا، ودعوتكم فلم تسمعوا. فأنتم شهود كغياب وأحياء كأموات وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية وأحثكم على الجهاد لأهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقا شتى، تتناشدون الأشعار وتضربون الأمثال وتسألون عن سعر التمر واللبن تبت أيديكم، لقد سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأباطيل والأضاليل والأعاليل. ويحكم، أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومن ممارستكم. فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب. كأني بكم والله فيما أرى، لو قد حمس الوغى واستحر الموت قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن ولدها لا تمنع يد لامس.


[ 214 ]

لما ذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت ؟ قال الأشعث بن قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان ؟ فقال علي عليه السلام: يا عرف النار (1)، أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت ؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول، يابن قيس، والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي ؟ والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. فكن أنت ذلك يابن قيس فأما أنا فدون – والله – أن اعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء. ويلك يابن قيس، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه، فمن قدر على حقن دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه. ويلك يابن قيس، إن هذه الامة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار. وشرها وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون: (لا قتال)، وكذبوا. قد أمر الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة. لما ذا لم يقم أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة فقال الأشعث بن قيس – وغضب من قوله -: فما يمنعك يابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما، أن تقاتل وتضرب بسيفك ؟ وأنت لم تخطبنا خطبة – منذ كنت قدمت العراق – إلا وقد قلت فيها قبل


(1). خطاب إلى الأشعث بن قيس. روى في البحار: ج 41 ص 306 أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يسمي أشعثا (عنق النار) فسئل عن ذلك فقال: إن الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء. فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور.

[ 215 ]

أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس ومازلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله). فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟ فقال له علي عليه السلام: يابن قيس، قلت فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولاكراهية للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وعهده إلي. أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بما الامة صانعة بي بعده، فلم أك بما صنعوا – حين عاينته – بأعلم مني ولا أشد يقينا مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت. فقلت: يا رسول الله، فما تعهد إلي إذا كان ذلك ؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا. وأخبرني صلى الله عليه وآله أن الامة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري. وأخبرني صلى الله عليه وآله أني منه بمنزلة هارون من موسى، وأن الامة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه، إذ قال له موسى: (يا هارون، ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)، وقال: (يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي). (1) وإنما يعني: إن موسى أمر هارون – حين استخلفه عليهم – إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. وإني خشيت أن يقول لي ذلك أخي رسول الله صلى الله عليه وآله: (لم فرقت بين الامة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكف يدك وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك) ؟


(1). سورة الأعراف: الاية 150.

[ 216 ]

إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلى الله عليه وآله بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب، ففعلت. ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي. فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم احد، وأما جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر. فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: (يابن ام، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله حجة قوية. قال عليه السلام: فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث بالناس ودعاهم إلى نصرته فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما. قال عليه السلام: ويلك يابن قيس، إن القوم – حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني – لو قالوا لي: (نقتلك البتة) لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي، ولكن قالوا: (إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك). فلما لم أجد أحدا بايعتهم، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلا ولا يوجب لهم حقا. فلو كان عثمان – حين قال له الناس: (اخلعها ونكف عنك) – خلعها لم يقتلوه، ولكنه قال: (لا أخلعها). قالوا: (فإنا قاتلوك)، فكف يده عنهم حتى قتلوه. ولعمري لخلعه إياها كان خيرا له، لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.


[ 217 ]

عثمان أعان على قتل نفسه ويلك يابن قيس، إن عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه، وإما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته، فلم يكن يحل له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا لم يحدث حدثا ولم يؤو محدثا. وبئس ما صنع حين نهاهم وبئس ما صنعوا حين أطاعوه وإما أن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلا لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنة. وقد كان مع عثمان – من أهل بيته ومواليه وأصحابه – أكثر من أربعة آلاف رجل، ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل. فلم نهاهم عن نصرته ؟ ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم، وأما يوم بويع عمر وعثمان فلا، لأني قد كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته. مواقف أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب ويلك يابن قيس، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعوانا ؟ هل رأيت مني فشلا أو تأخرا أو جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة وهم حول جملهم. الملعون من معه، الملعون من قتل حوله، الملعون من رجع بعده لا تائبا ولا مستغفرا، فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي ومثلوا بعاملي وبغوا علي. وسرت إليهم في اثني عشر ألفا وهم نيف على عشرين ومائة ألف، فنصرني الله عليهم وقتلهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين. وكيف رأيت – يابن قيس – وقعتنا بصفين وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار.


[ 218 ]

وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟ فقتلهم الله بأيدينا في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة. ويلك يابن قيس، هل رأيت لي لواء رد أو راية ردت ؟ إياي تعير يابن قيس ؟ وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه، لاأفر ولا أزول ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس لامته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له. لو وجدت أربعين رجلا مثل الأربعة يابن قيس، هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة ؟ يابن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم – الذي عيرتني بدخولي في بيعته – أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت لما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامسا فأمسكت. قال الأشعث: فمن الأربعة، يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي، فإنه بايعني مرتين: أما بيعته الاولى التي وفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير. وأما بيعته الاخرى إياي، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين معاندين


[ 219 ]

خاسرين، فقتلهما الله إلى النار. وأما الثلاثة – سلمان وأبو ذر والمقداد – فثبتوا على دين محمد صلى الله عليه وآله وعلى ملة إبراهيم حتى لحقوا بالله يرحمهم الله. يابن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن اولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا لي وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل. ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم إلى الله، فإن ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند موته، وأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل. الشيعة، النواصب، المستضعفون فقال الأشعث: والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمد صلى الله عليه وآله غيرك وغير شيعتك. فقال له علي عليه السلام: فإن الحق والله معي يابن قيس كما أقول. وما هلك من الامة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون، فأما من تمسك بالتوحيد والأقرار بمحمد صلى الله عليه وآله والأسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه. قال أبان: قال سليم بن قيس: فلم يبق يومئذ من شيعة علي عليه السلام أحد إلا تهلل وجهه وفرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية. ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف. ولم يبق حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رئي ذلك في


[ 220 ]

وجهه وضاق به أمره وكره مقالته. ثم إنه استبصر عامتهم وذهب شكهم. (1) قال أبان عن سليم: فما شهدت يوما قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيننا من ذلك اليوم، لما كشف أمير المؤمنين عليه السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر والعاقبة وألقى فيه من التقية، وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ورسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم. شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية. ثم لم يلبث أن قتل صلوات الله عليه، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلة وفتكا، وقد كان سيفه مسموما قدسمه قبل ذلك. وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلم تسليما.


(1). المراد أن عددا من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام إلا على وجه ما بويع أبو بكر وعمر وعثمان. وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منه عليه السلام كرهوا مقالته ورئي أثر الكراهة في وجوههم. وفي (ج) هكذا: ولم يبق أحد ممن أبى بيعته على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته.

[ 221 ]

* 13 * بيت المال في عصر عمر عن أبان، قال سليم: كتب أبو المختار بن أبي الصعق (1) إلى عمر بن الخطاب هذه الأبيات: ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة فانت أمين الله في المال والأمر وأنت أمين الله فينا ومن يكن أمينا لرب الناس يسلم له صدري فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى يخونون مال الله في الادم الحمر وأرسل إلى النعمان وابن معقل وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر وأرسل إلى الحجاج واعلم حسابه وذاك الذي في السوق مولى بني بدر ولا تنسين التابعين كليهما و صهر بني غزوان في القوم ذا وفر وما عاصم فيها بصفر عيابه ولا ابن غلاب من رماة بني نصر واستل ذاك المال دون ابن محرز وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2) فأرسل إليهم يصدقوك ويخبروا أحاديث هذا المال من كان ذا فكر وقاسمهم أهلي فداؤك إنهم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر


(1). أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد. (2). قوله: بصفر عيابه، الصفر بمعنى الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم. وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح البلاذري: ابن محرش.

[ 222 ]

ولا تدعوني للشهادة إنني أغيب ولكني أرى عجب الدهر أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى (1) وخطية (2) في عدة النمل والقطر ومن ريطة (3) مطوية في قرابها ومن طى أبراد مضاعفة صفر إذ التاجر الداري جاء بفأرة من المسك راحت في مفارقهم تجري ننوب إذا نابوا ونغزو إذا غزوا فإن لهم مالا و ليس لنا وفر فقال ابن غلاب المصري (4): ألا أبلغ أبا المختار إني أتيته ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر وما كان عندي من تراث ورثته ولا صدقات من سبى ولا غدر ولكن دراك الركض في كل غارة وصبري إذا ما الموت كان ورا السمر بسابغة يغشى اللبان فصولها (5) أكفكفها عني بأبيض ذي وفر حكم عمر بمصادرة نصف أموال عماله قال سليم: فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر


(1). الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة. (2). جمع الخطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين. (3). الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة. (4). ابن غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان. (5). السابغة كناية عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر.

[ 223 ]

أبي المختار (1) ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا – وقد كان من عماله – ورد عليه ما أخذ منه وهو عشرون ألف درهم ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره وكان من عماله الذين أغرموا أبو هريرة – وكان على البحرين – فأحصى ماله فبلغ أربعة وعشرون ألفا، فأغرمه اثني عشر ألفا. علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله قال أبان: قال سليم: فلقيت عليا عليه السلام فسألته عما صنع عمر، فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئا ؟ قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جائت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.


(1). ذكر البلاذري أسماء عدد من عمال عمر بن الخطاب، شاطرهم أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم: أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي، نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي، الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات، جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق، بشر بن المحتفز كان على جندي سابور، ابن غلاب خالد بن الحرث كان على بيت المال بإصبهان، عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر، سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز، النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة، مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها، شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم، أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رامهرمز. وهؤلاء ذكرهم أبو المختار في شعره الذي ورد في المتن مع اختلاف في ضبط بعض الأسماء. وكان أيضا من عماله الذين شاطرهم سعد بن أبي وقاص وكان على الكوفة، وأبو موسى الأشعري وكان على البصرة، وعمرو بن العاص وكان على مصر، وعتبة بن أبي سفيان وكان على الطائف، وأبو هريرة وكان على البحرين، وخالد بن الوليد. راجع الغدير: ج 6 ص 277 – 271. إثبات الهداة: ج 2 ص 369 ح 218.

[ 224 ]

* 14 * بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين قال أبان عن سليم، قال: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة. * 1 * بدع أبي بكر وعمر تغريم عمر لعماله فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج. ثم قال عليه السلام: العجب مما أشربت قلوب هذه الامة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله، والتسليم له في كل شيئ أحدثه لئن كان عماله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منهم قليلا


[ 225 ]

ولا كثيرا، وإنما أخذ أنصافها. ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلا ولا كثيرا وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم، ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم. أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا شيئا وبابا بابا ثم يرضون ولا ينكرون، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ قوم بعدنا، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون بها إلى الله في مثل: نقل مقام إبراهيم عليه السلام إلى موضعه في الجاهلية تحويله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوله منه رسول الله صلى الله عليه وآله. (1) تغيير صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده وفي تغييره صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده، وفيهما فريضة وسنة. فما كان زيادته إلا سوء لأن المساكين – في كفارة اليمين والظهار – بهما يعطون ما يجب من الزرع. وقد قال


(1). روى في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال: كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم. فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام. فلم يزل هناك إلى أن ولى عمربن الخطاب فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام ؟ فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال: تأتيني به. فأتاه به، فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان وذكر اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 149 أن ذلك كان في سنة 17.

[ 226 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله: (اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا). لا يحولون بينه وبين ذلك (1)، لكنهم رضوا وقبلوا ما صنع. غصب فدك وقبضه وصاحبه فدك وهي في يد فاطمة عليها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله. فسألها البينة على ما في يدها ولم يصدقها ولا صدق ام أيمن. وهو يعلم يقينا – كما نعلم – أنها في يدها. ولم يكن يحل له أن يسألها البينة على ما في يدها ولا أن يتهمها. ثم استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا: (إنما حمله على ذلك الورع والفضل) ثم حسن قبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا: (نظن إن فاطمة لن تقول إلا حقا وإن عليا لم يشهد إلا بحق، ولو كانت مع ام أيمن امرأة اخرى أمضيناها لها). فحظيا بذلك عند الجهال وما هما ومن أمر هما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان ؟ ولكن الامة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما فيما لا حق لهما فيه ولا علم لهما به. وقد قالت فاطمة عليها السلام لهما – حين أراد انتزاعها وهي في يدها -: (أليست في يدي وفيها وكيلي وقد أكلت غلتها ورسول الله صلى الله عليه وآله حي) ؟ قالا: بلى. قالت: (فلم تسألني البينة على ما في يدي) ؟ قالا: لأنها فيئ المسلمين، فإن قامت بينة وإلا لم نمضها قالت لهما – والناس حولهما يسمعون -: (أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين ؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها. أرأيتما إن ادعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم) ؟ قالا: بل نسألك.


(1). أي لا يحول الناس بين عمر وفعله ذلك، بل رضوا به وقبلوه.

[ 227 ]

قالت: (فإن ادعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني) ؟ فغضب عمر وقال: إن هذا فيئ للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها، فإن أقامت بينة على ما ادعت أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين – وهي فيئهم وحقهم – نظرنا في ذلك فقالت: حسبي أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة) ؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله. قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدعي الباطل وتأخذ ما ليس لها ؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا علي بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين علي ؟ فأما أبو بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعم، ونوقع عليك الحد فقالت: كذبت ولؤمت، إلا أن تقر أنك لست على دين محمد صلى الله عليه وآله. إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، لأن من (أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لا تجوز عليهم شهادة لأنهم معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة. حدثني – يا عمر – من أهل هذه الاية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم ؟ قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء قالت: كذبت وكفرت، ما هم وسائر الناس في ذلك سواء لأن الله عصمهم ونزل عصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس. فمن صدق عليهم فإنما يكذب الله ورسوله. فقال أبو بكر: أقسمت عليك – يا عمر – لما سكت مؤامرة قتل أمير المؤمنين عليه السلام فلما أن كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد فقالا: إنا نريد أن نسر إليك أمرا


[ 228 ]

ونحملكه لثقتنا بك. فقال: احملاني على ما شئتما، فإني طوع أيديكما. فقالا له: (إنه لا ينفعنا ما نحن فيه من الملك والسلطان ما دام علي حيا أما سمعت ما قال لنا وما استقبلنا به ؟ ونحن لا نأمنه أن يدعو في السر فيستجيب له قوم فيناهضنا فإنه أشجع العرب، وقد ارتكبنا منه ما رأيت وغلبناه على ملك ابن عمه ولا حق لنا فيه، وانتزعنا فدك من امرأته. فإذا صليت بالناس صلاة الغداة فقم إلى جنبه وليكن سيفك معك، فإذا صليت وسلمت فاضرب عنقه) قال علي عليه السلام: فصلى خالد بن الوليد بجنبي متقلدا السيف. فقام أبو بكر في الصلاة وجعل يؤامر نفسه وندم وأسقط في يده (1) حتى كادت الشمس أن تطلع ثم قال – قبل أن يسلم -: (لا تفعل ما أمرتك) ثم سلم فقلت لخالد: وما ذاك ؟ قال: كان قد أمرني – إذا سلم – أن أضرب عنقك قلت: أو كنت فاعلا ؟ قال: إي وربي إذا لفعلت حبس الخمس قال سليم: ثم أقبل عليه السلام على العباس وعلى من حوله، ثم قال: ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن ؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا، فقال: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). (2)


(1). أسقط في يده أي تحير. (2). سورة الأنفال: الاية 41. والعبارة في إرشاد القلوب هكذا: وأقبل عليه السلام على من كان حوله فقال: أو ليس قد ظهر لكم رأى وحملهم علينا أهل البيت من كل جانب ووجه لا يألون به إبعاد ا وتقاصيا وأخذ حقوقنا ؟ أليس العجب بحبسه وصاحبه عنا…

[ 229 ]

إلحاق بيت جعفر بالمسجد والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد، ولم يعط بنيه من ثمنه قليلا ولا كثيرا. ثم لم يعب ذلك عليه الناس ولم يغيروه، فكأنما أخذ منزل رجل من الديلم. (1) البدعة في غسل الجنابة والعجب لجهله وجهل الامة أنه كتب إلى جميع عماله: (أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء وإن لم يجده حتى يلقى الله) ثم قبل الناس ذلك ورضوا به، وقد علم وعلم الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما (2) فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا. البدعة في إرث الجد والعجب لما خلطا قضايا مختلفة في الجد بغير علم تعسفا وجهلا وادعائهما ما لم يعلما جرأة على الله وقلة ورع.


(1). (ب) و (د): ولم يعيروه فكأنما أخذ دار رجل من ترك أو كابل. روى في الغدير: ج 6 ص 262 عن طبقات ابن سعد: أنه لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين. (2). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 83 عن صحيح مسلم: أن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ؟ فقال عمر: اتق الله يا عمار قال: إن شئت لم أحدث به.

[ 230 ]

إدعيا أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات ولم يقض في الجد شيئا منه (3) ولم يدع أحد يعلم (1) ما للجد من الميراث ثم تابعوهما على ذلك وصدقوهما. عتق أمهات الأولاد وعتقه أمهات الأولاد (2) فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله. القضاء الباطل في ثلاثة أشخاص وما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة من سليم وبابن وبرة. (3)


(3). أي من الميراث. (2). روى العلامة الاميني في الغدير: ج 6 ص 117 عن سنن البيهقي عن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال: وقال (عمر): إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لاقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ثم إن أبا بكر أيضا حكم في الجد بقضايا مختلفة (راجع الغدير: ج 7 ص 120)، ولذلك جاء بضمير التثنية في هذا المورد. (3). قوله ” عثقه أمهات الاولاد ” إشارة إلى بدعة عمر حيث حكم بأن كل أمة حبلى تعتق إذا وضعت حملها. (4). إشارة إلى تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من المدينة من غير ذنب. روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 286: بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها: هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى آخر الابيات. فقال: لا أرى معي رجلا تهتف به العوانق في خدورهن. علي بنصر بن الحجاج. فأتي به وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا. فأمر بشعره فجز، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فأمره أن يعتم، فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال: عمر: لا والله، لا تساكنني بأرض أنا بها فقال: ولم يا أمير المؤمنين ؟ قال: هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة. هذا وقد فعل مثل ذلك لك بابن عم لنصر بن الحجاج. راجع طبقات ابن سعد: ج 3 ص 385. وقوله (بجعدة من سليم)، في النسخ (بجعدة بن سليم)، والصحيح ما أوردناه. روى ابن سعد في طبقاته: ج 3 ص 285: أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها:

[ 231 ]

البدعة في الطلاق وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: (إني طلقت امرأتي وأنا غائب فوصل إليها الطلاق. ثم راجعتها وهي في عدتها وكتبت إليها فلم يصل الكتاب إليها حتى تزوجت). فكتب له: (إن كان هذا الذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك) وكتب له ذلك وأنا شاهد، فلم يشاورني ولم يسألني، يرى استغناءه بعلمه عني، فأردت أن أنهاه، ثم قلت: (ما أبالي أن يفضحه الله). ثم لم يعبه الناس بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه منه ورأوه صوابا وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف لما زاد. إسقاط أجزاء الأذان ثم تركه من الأذان (حي على خير العمل)، فاتخذوه سنة وتابعوه على ذلك. (1)


ألا أبلغ أبا حفص رسولافدى لك من أخي ثقة إزاري قلائصنا – هداك الله – إناشغلنا عنكم زمن الحصار فما قلص وجدن معقلات قفا سلع بمختلف البحار قلائص من بني سعد بن بكر وأسلم أو جهينة أو غفار يعقلهن جعدة من سليم معيدا يبتغى سقط العذار فقال (عمر): ادعوا لي جعدة من سليم. قال: فدعوا به، فجلد مائة معقولا، ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة. وأما قوله (بابن وبرة)، فلم أظفر على مصدر يذكر قصته. ثم إن الأشكال في فعل عمر في الموردين من جهة أنه حكم بما لم يثبت مقتضيه، فمجرد حسن الوجه في نصر بن الحجاج لا يقتضي نفيه عن البلد ومجرد تلك الأبيات الدالة على أن الرجل كانت تفتن النساء إليه بفعاله مع عدم ثبوته بالبينة لا يوجب حد الرجل ولا تعزيره. (1). روى العلامة الاميني في الغدير: ج 6 ص 213 عن الطبري عن عمر أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الاذان. وروى في إثبات الهداة: ج 2 ص 371 ح 232: أن عمر ترك ” حي على خير العمل ” وقال: خففت أن يتكل الناس عليها ويدع غيرها. وقد روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بها. (*)

[ 232 ]

البدعة في حكم المفقود زوجها وقضيته في المفقود وأن (أجل امرأته أربع سنين، ثم تتزوج، فإن جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق). (1) فاستحسنه الناس واتخذوه سنة وقبلوه منه جهلا وقلة علم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه. بدعه في الأعاجم وإخراجه من المدينة كل أعجمي. (2) وإرساله إلى عماله بالبصرة بحبل طوله خمسة أشبار وقوله: (من أخذتموه من الأعاجم فبلغ طول هذا الحبل فاضربوا عنقه) ورده سبايا تستر وهن حبالى وإرساله بحبل في صبيان سرقوا بالبصرة وقوله: (من بلغ طول هذا الحبل فاقطعوه) (3) وأعجب من ذلك أن كذابا رجم بكذابة فقبلها وقبلها الجهال فزعموا أن الملك ينطق على لسانه ويلقنه (4) وإعتاقه سبايا أهل اليمن. (1)


(1). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 200 ما رواه مالك أن عمر قال: (أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع سنين. ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا ثم تحل). وأنه إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق كان على زوجها الاخر، وإن اختار امرأته اعتدت حتى تحل، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الاخر مهرها بما استحل من فرجها (2). ذكر المسعودي في مروج الذهب: ج 2 ص 320: أن عمر كان لا يترك أحدا من العجم يدخل المدينة. (3). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 171 عن ابن أبي مليكة: أن عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق، فكتب: أن اشبروه، فإن وجدتموه ستة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستة أشبار تنقص أنملة فترك (4). قوله (رجم بكذابة) أي ألقى كلاما كاذبا رجما بالغيب وهو ادعائه (أن الملك ينطق على لسان عمر). راجع عن هذه المنقبة المختلقة لعمر: الغدير: ج 6 ص 331، وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب. (1). روى الفضل بن شاذان في (الايضاح) ص 463: أن عمر أعتق سبايا اليمن وهن حبالى من المسلمين

[ 233 ]

* 2 * معصية أبي بكر وعمر للرسول صلى الله عليه وآله واعتراضاتهما عليه (2) وتخلفه وصاحبه عن جيش أسامة بن زيد مع تسليمهما عليه بالأمرة. (3) ثم أعجب من ذلك أنه قد علم الله وعلمه الناس أنه الذي صد رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكتف الذي دعاه به. ثم لم يضره ذلك عندهم ولم ينقصه. (4) وإنه صاحب صفية حين قال لها ما قال. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال ما قال. (1)


وفرق بينهن وبين من اشتراهن. وروى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 108: أن أبا بكر أرق سبى اليمن وبيعوا، فوطئت الفروج. فلما استخلف الثاني أعتق ذلك السبى وقال: لا أملك على عربي فأعتقهن وهن حبالى، وفرق بينهن وبين من اشتراهن. فمضين إلى بلادهن ومعهن أولاد أيضا منهن وذلك أن أبا موسى ادعى أنه أعطاهن عهدا وحلف على ذلك فردهم عمر إلى أرضهم حبالى وروى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 196 عن تقريب المعارف والخصال: أن عمر قال عند موته: أتوب إلى الله من ثلاث: من ردي (عتقي) سبايا اليمن و…. (2). قد أورد في إثبات الهداة: ج 2 ص 325 موارد كثيرة من إعتراضات عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله. (3). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 245 بطرق كثيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة. فدعا أسامة بن زيد وولاه الجيش وأعطاه الراية ولعن المتخلف عن جيش أسامة وكان ممن نص على أسمائهم أبو بكر وعمر. فرجعا ودخلا المدينة ليلة وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. وتهيؤوا لغصب الخلافة وما في سقيفة بني ساعدة. وقال صلى الله عليه وآله في تلك الليلة: (دخل المدينة الليلة شر عظيم). (4). راجع عن قصة الكتف: الحديث 11 و 49. (1). روى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 200 ب 19 ح 3 عن أبي جعفر عليه السلام: إن صفية بنت

[ 234 ]

وإنه وصاحبه اللذان كفا عن قتل الرجل الذي أمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله، ثم أمرني بعدهما وقال النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ما قال. (2) وأمر النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر ينادي في الناس: (إنه من لقي الله موحدا لا يشرك به شيئا دخل الجنة)، فرده عمر وأطاعه أبو بكر (3) وعصى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تنفذ أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ما قال. فمساويه ومساوي صاحبه أكثر من أن تحصى أو تعد، ثم لم ينقصهم ذلك عند الجهال والعامة، وهما أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم، ويبغضون لهما ما لا يبغضون لرسول الله صلى الله عليه وآله. (1)


عبد المطلب مات إبن لها فأقبلت فقال لها عمر: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا فقالت له: هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء ؟ ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك فبكت. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع… وجاء مثله في مجمع الزوائد: ج 8 ص 216. (2). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 7 ص 216 عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله، فجاء إلى رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: اذهب إليه فاقتله. قال: فذهب عمر فرآه على تلك الحالة التي رآه أبو بكر، فكره أن يقتله. فرجع فقال: يا رسول الله، إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله. فقال: يا علي، اذهب فاقتله. فذهب علي عليه السلام فلم يره. فرجع فقال: يا رسول الله، إني لم أره. فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية). وروى مثله في البحار: ج 8 طبع قديم ص 229 و 270. (3). أي رد عمر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وأطاع أبو بكر قول عمر. روى ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3 ص 108 أن أبا هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب فمن لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فخرجت فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذا ؟… فضرب عمر في صدري فخررت لأستي وقال: ارجع إلى رسول الله فأجهشت بالبكاء راجعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بالك ؟ فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا عمر، فقال: ما حملك يا عمر على فعلت ؟ (1). زاد في إرشاد القلوب: ويتورعون ذكرهما بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله.

[ 235 ]

إهانة عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله قال علي عليه السلام: ثم مررت بالصهاكي (2) يوما فقال لي: (ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وخرج مغضبا فأتى المنبر، وفزعت الأنصار فجاءت شاكة في السلاح لما رأت من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما بال أقوام يعيرونني بقرابتي ؟ وقد سمعوا مني ما قلت في فضلهم وتفضيل الله إياهم وما اختصهم الله به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم، وقد سمعتم ما قلت في أفضل أهل بيتي وخيرهم مما خصه الله به وأكرمه وفضله من سبقه في الأسلام وبلاؤه فيه وقرابته مني وأنه بمنزلة هارون من موسى، ثم تزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة ؟ ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين. ثم فرق الفرقة ثلاث فرق، شعوبا وقبائل وبيوتا وجعلني في خيرها شعبا وخيرها قبيلة. ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، فذلك قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3)، فحصلت (4) في أهل بيتي وعترتي وأنا وأخي علي بن أبي طالب. ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار أخي عليا ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. فبعثني رسولا ونبيا ودليلا، فأوحى إلي أن أتخذ عليا أخا ووليا ووصيا وخليفة في أمتي بعدي. ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله ومن أحبه أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. رب الأرض


(2). المراد بالصهاكي عمر بن الخطاب باعتبار أمه الصهاك الحبشية. راجع الحديث 4 من هذا الكتاب. (3). سورة الأحزاب: الاية 33. (4). أي فحصلت هذه الاية في هذه الأشخاص.

[ 236 ]

بعدي وسكنها وهو كلمة الله التقوى وعروة الله الوثقى. أتريدون أن تطفؤوا نور الله بأفواهكم ؟ والله متم نوره ولو كره المشركون. ويريد أعداء الله أن يطفؤوا نور أخي، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. يا أيها الناس، ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم. اللهم اشهد عليهم. يا أيها الناس، إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيا من أهل بيتي وهم خيار أمتي منهم أحد عشر إماما بعد أخي واحدا بعد واحد كلما هلك واحد قام واحد منهم. مثلهم كمثل النجوم في السماء كلما غاب نجم طلع نجم لأنهم أئمة هداة مهتدون، لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم بل يضر الله بذلك من كادهم وخذلهم. فهم حجة الله في أرضه وشهداءه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي. أول الأئمة أخي علي خيرهم، ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين، وأمهم ابنتي فاطمة، صلوات الله عليهم. ثم من بعدهم (1) جعفر بن أبي طالب ابن عمي وأخو أخي، وعمي حمزة بن عبد المطلب. ألا إني محمد بن عبد الله. أنا خير المرسلين والنبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة، وعلي وبنوه الأوصياء خير الوصيين، وأهل بيتي خير أهل بيوتات النبيين وابناي سيدا شباب أهل الجنة.


(1). أي ثم من بعدهم في الفضل.

[ 237 ]

أيها الناس، إن شفاعتي ليرجوها رجاءكم، أفيعجز عنها أهل بيتي ؟ ما من أحد ولده جدي عبد المطلب يلقى الله موحدا لا يشرك به شيئا إلا أدخله الجنة ولو كان فيه من الذنوب عدد الحصى وزبد البحر. أيها الناس، عظموا أهل بيتي في حياتي ومن بعدي وأكرموهم وفضلوهم، فإنه لا يحل لأحد أن يقوم من مجلسه لأحد إلا لأهل بيتي. إني لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي ربي تبارك وتعالى فسجدت وأذن لي بالشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحدا. أيها الناس، انسبوني من أنا ؟ فقام إليه رجل من الأنصار فقال: نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، أخبرنا – يا رسول الله – من الذي آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه وليبر عترته. فقال: انسبوني، أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم حتى انتسب إلى نزار، ثم مضى في نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله (1)، ثم قال: إني وأهل بيتي بطينة طيبة من تحت العرش إلى آدم نكاح غير سفاح لم يخالطنا نكاح الجاهلية. تحدي الرسول صلى الله عليه وآله لهم في أنسابهم وآخرتهم فسلوني، فوالله لا يسألني رجل عن أبيه وعن أمه وعن نسبه إلا أخبرته به. فقام إليه رجل فقال: من أبي ؟ فقال صلى الله عليه وآله: أبوك فلان الذي تدعى إليه. فحمد الله


(1). روى في البحار: ج 15 ص 107 نسب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى آدم عليه السلام هكذا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت حمل بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ بن هود بن أرفخشذ بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن إدريس بن مهلائيل بن زبارز بن قينان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم.

[ 238 ]

وأثنى عليه وقال: لو نسبتني إلى غيره لرضيت وسلمت. ثم قام إليه رجل آخر فقال له: من أبي ؟ فقال: أبوك فلان – لغير إبيه الذي يدعى إليه – فارتد عن الأسلام. ثم قام إليه رجل آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار ؟ فقال: من أهل الجنة. ثم قام رجل آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار ؟ فقال: من أهل النار. اعتراض عمر بإهانته لساحة رسول الله صلى الله عليه وآله القدسية ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله – وهو مغضب -: ما يمنع الذي عير أفضل أهل بيتي وأخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي أن يقوم فيسألني من أبوه وأين هو، أفي الجنة أم في النار ؟ فقام إليه عمر بن الخطاب فقال (1): أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، أعف عنا يارسول الله عفا الله عنك، أقلنا أقالك الله، استرنا سترك الله، اصفح عنا صلى الله عليك. فاستحى رسول الله صلى الله عليه وآله فكف. اعتراض عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله في زكاة أموال العباس قال علي عليه السلام: وهو صاحب العباس الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله ساعيا فرجع وقال: إن العباس قد منع صدقة ماله. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (الحمد لله الذي عافانا أهل البيت من شر ما يلطخونا به. إن العباس لم يمنع صدقة ماله ولكنك عجلت عليه وقد عجل زكاة سنين. ثم أتاني بعد ذلك يطلب أن أمشي معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله شافعا ليرضى عنه، ففعلت. اعتراض عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة على جنازة المنافق وهو صاحب عبد الله بن أبي سلول حين تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله ليصلي عليه فأخذ


(1). في الفضائل: فعند ذلك خشي الثاني على نفسه أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ويفضحه بين الناس، فقام وقال: نعوذ بالله…

[ 239 ]

بثوبه من ورائه فمده إليه من خلفه وقال: (قد نهاك الله أن تصلي عليه ولا يحل لك أن تصلي عليه) فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك، قد آذيتني إنما صليت عليه كرامة لابنه، وإني لأرجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه وأهل بيته. وما يدريك ما قلت، إنما دعوت الله عليه. (1) اعتراض عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية (2) – حين كتب القضية – إذ قال له: أنعطي


(1). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 200 أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع إلى المدينة مرض عبد الله بن أبي (وكان من المنافقين) وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وأبوه يجود بنفسه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إنك لم تأت أبي عائدا كان ذلك عارا علينا. فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، استغفر الله له. فاستغفر له. فقال عمر: ألم ينهك الله – يا رسول الله – أن تصلي عليهم أو تستغفر لهم ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأعاد عليه، فقال له: ويلك، إني خيرت فاخترت. إن الله يقول: ” استغفر لهم أولا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم “. فلما مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن رأيت أن تحضر جنازته ؟ فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وقام على قبره ؟ فقال له عمر: يا رسول الله، ألم ينهك الله أن تصلى على أحد منهم مات أبدا وأن تقوم على قبره ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك وهل تدري ما قلت ؟ إنما قلت: ” اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا وأصله النار “. فبدا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكن يحب. (2). روى في البحار: ج 2 ص 334 عند ذكر كتاب الصلح الذي تصالح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسهيل بن عمرو من جملة ما كتبوه أن سهيلا قال: (على أن لا يأتيك منا رجل – وإن كان على دينك – إلا رددته إلينا، ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك). فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم الله الأسلام من قلبه جعل له مخرجا)… فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: يا محمد، هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده… قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا ترون ما قد لقيت. وكان قد عذب عذابا شديدا.

[ 240 ]

الدنية في ديننا ؟ ثم جعل يطوف في عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله يشككهم ويحضضهم ويقول: (أنعطي الدنية في ديننا) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افرجوا عني، أتريدون أن أغدر بذمتي ؟ ولأفي لهم بما كتبت لهم، خذ يا سهيل بيد أبي جندل). فأخذه فشده وثاقا في الحديد. ثم جعل الله عاقبة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الخير والرشد والهدى والعزة والفضل. اعتراض عمر يوم غدير خم وهو صاحب يوم غدير خم إذ قال هو وصاحبه – حين نصبني رسول الله صلى الله عليه وآله لولايتي – فقال: (ما يألو أن يرفع خسيسته) وقال الاخر: (ما يألو رفعا بضبع ابن عمه) وقال لصاحبه – وأنا منصوب -: (إن هذه لهي الكرامة). فقطب صاحبه في وجهه وقال: لا والله لا أسمع له ولا أطيع أبدا ثم اتكأ عليه ثم تمطى وانصرفا، فأنزل الله فيه: (فلاصدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى، أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى) (1)، وعيدا من الله له وانتهارا. اعتراض عمر في مرض على عليه السلام واستهزاءه وهو الذي دخل علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني في رهط من أصحابه، حين غمزه صاحبه فقام وقال: يا رسول الله، إنك قد كنت عهدت إلينا في علي عهدا وإني لأرآه لما به فإن هلك فإلى من ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اجلس، فأعادها ثلاث مرات، فأقبل عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إيه، والله إنه لا يموت في مرضه هذا. والله لا يموت حتى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وظلما، ثم تجداه صابرا قواما. ولا يموت حتى يلقى منكما هنات وهنات، ولا يموت إلا شهيدا مقتولا.


فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم. (1). سورة القيامة: الايات 31 – 35.

[ 241 ]

* 3 * إتمام الحجة على أبي بكر وعمر وعثمان في خلافة علي عليه السلام وأعظم من ذلك كله أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع ثمانين رجلا، أربعين من العرب وأربعين من العجم – وهما فيهم – فسلموا علي بإمرة المؤمنين. ثم قال: (إني أشهدكم أن عليا أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي ووصيي في أهلي وولي كل مؤمن بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا)، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ورهط من الأنصار. ثم قال: (إني أشهد الله عليكم). الانتخاب أو الانتصاب أو الشورى ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: سبحان الله، مما أشربت قلوب هذه الامة من بليتهما وفتنتهما، من عجلها وسامريها. إنهم أقروا وادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وأنه أمر بالشوري وقال من قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وإن نبي الله قال: (إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة)، وقد قال لاولئك الثمانين رجلا: (سلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين) وأشهدهم على ما أشهدهم عليه. والعجب أنهم أقروا ثم ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وأنهم أمروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا في أبي بكر وأن بيعته كانت فلتة. وأي ذنب أعظم من الفلتة. ثم استخلف أبو بكر عمر ولم يقتد برسول الله صلى الله عليه وآله فيدعهم بغير استخلاف فقيل له في ذلك، فقال: (أدع أمة محمد كالنعل الخلق، أدعهم بغير أحد أستخلف عليهم) ؟ طعنا منه على رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبة عن رأيه


[ 242 ]

ثم صنع عمر شيئا ثالثا. لم يدعهم على ما ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبو بكر، وجاء بشئ ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر وأخرج منها جميع العرب. ثم حظى بذلك عند العامة، فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم من الفتنة والضلالة أقراني ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه، وقد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله في عثمان ما قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن. (1) أبو بكر وعمر أسوء حالا من عثمان فعثمان على ما كان عليه خير منهما. ولقد قال منذ أيام قولا رققت له وأعجبتني مقالته. بينما أنا قاعد عنده في بيته إذ أتته عائشة وحفصة تطلبان ميراثهما من ضياع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمواله التي بيده، فقال: (لا والله ولا كرامة لكما ولا نعمت عنه ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما. فإنكما شهدتما عند أبويكما أنكما سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (النبي لا يورث، ما ترك فهو صدقة). ثم لقنتما أعرابيا جلفا يبول على عقبيه ويتطهر ببوله (مالك بن أوس بن الحدثان) فشهد معكما، ولم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي. أما والله، ما أشك أنه قد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وكذبتما عليه معه. ولكني أجيز شهادتكما على أنفسكما فاذهبا فلا حق لكما. فانصرفتا من عنده تلعنانه وتشتمانه. فقال: ارجعا، أليس قد شهدتما بذلك عند أبي بكر ؟ قالتا: نعم. قال: فإن شهدتما بحق فلا حق لكما، وإن كنتما شهدتما بباطل فعليكما وعلى من أجاز شهادتكما على أهل هذا البيت لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قال عليه السلام: ثم نظر إلي فتبسم ثم قال: يا أبا الحسن، أشفيتك منهما ؟ قلت: نعم، والله


(1). راجع عن لعن عثمان: الحديث 4 من هذا الكتاب.

[ 243 ]

وأبلغت وقلت حقا، فلا يرغم الله إلا آنافهما. فرققت لعثمان وعلمت أنه إنما أراد بذلك رضاي وأنه أقرب منهما رحما وأكف عنا منهما، ح وإن كان لا عذر له ولا حجة بتأميره علينا وادعائه حقنا.


[ 244 ]

(15) من احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام حول أبي بكر وعمر وعثمان وصف رجال الحرب أبان عن سليم، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قبل وقعة صفين: إن هؤلاء القوم لن ينيبوا إلى الحق ولا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم حتى يرموا بالعساكر تتبعها العساكر، وحتى يردفوا بالكتائب تتبعها الكتائب، وحتى يجر ببلا دهم الخميس تتبعها الخميس، وحتى تشن الغارات عليهم من كل فج عميق، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله. الصحبة الصادقون مع رسول الله صلى الله عليه وآله والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آبائنا وأبنائنا وأخوالنا وأعمامنا وأهل بيوتاتنا، ثم لا يزيدنا ذلك إلا ايمانا وتسليما وجدا في طاعة الله واستقلالا بمبارزة الأقران. وإن كان الرجل منا والرجل من عدونا ليتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس الموت. فمرة لنا من عدونا ومره لعدونا منا. فلما رآنا الله صدقا وصبرا أنزل الكتاب بحسن الثناء علينا والرضا عنا وأنزل علينا النصر. فرار أبي بكر وعمر في الحروب وسوء أدبهما عند الصلح ولست أقول: إن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، ولكن أعظمهم وجلهم وعامتهم كانوا كذلك. ولقد كانت معنا بطانة لا تألونا خبالا. قال الله عز وجل: (قد بدت


[ 245 ]

البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ” (1). ولقد كان منهم بعض من تفضله أنت وأصحابك – يا ابن قيس – فارين، فلا رمى بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح (2). إذا كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل، ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد لامس، وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره جبنا ولؤما (3)، وإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم، كما قال الله: ” سلقوكم بألسنة حداد


(1) سورة آل عمران: الآية 118. وقوله ” لا تألونا خبالا ” أي لا تقصرون في فساد الامور. (2) روي في البحار: ج 29 ص 564 خطبة أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال فيه: يا معشر المجاهدين المهاجرين والانصار أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ؟ إلا كانت يوم الابواء إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف ؟ أم هلا خشيا فتنة الاسلام يوم ابن عبد ود وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه ؟ ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط إذ اسود لون الافق، واعوج عظم العنق، وانحل سيل الغرق ؟ ولم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والاسد تزأر ؟ وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الاسنان تصطك، والاذان تستك، والدروع تهتك ؟ وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الارواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والارض من دماء الابطال ترتوي ؟ ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، والرعابيب ترعب، والاوداج تشخب، والصدور تخضب ؟ أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح المتولب، واصطلم الشقب، وادلهم الكوكب ؟ ولم لا كانت شفقتهما على الاسلام يوم الكدر، والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفائح تنزع. ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا من النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة وقد توطأ الاسلام بسيفه، واستقر قراره، وزال حذاره. (3) روي في البحار: ج 20 ص 228: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عمر بن الخطاب في يوم الخندق أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما. فقال ضرار: ويلك يابن صهاك، أرمي في مبارزة ؟ والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته. فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضرب بالقناة على رأسه، ثم قال: احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي، وولاه وروي في البحار: ج 21 ص 11 ح 7 عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سعد بن معاذ براية الانصار إلى خيبر فرجع منهزما. ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحا، وجاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه.

[ 246 ]

أشحة على الخير). (1) فلا يزال قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ضرب عنق الرجل الذي ليس يريد رسول الله صلى الله عليه وآله قتله، فأبى عليه. (2) ولقد نظر رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وعليه السلاح تام،


(1). سورة الأحزاب: الاية 19. (2). روى في البحار: ج 19 ص 271 عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لما كان يوم بدر وأسرت الاسارى قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ترون في هؤلاء القوم ؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، هم الذين كذبوك وأخرجوك فاقتلهم وروى في البحار: ج 21 ص 94 و 121، وصحيح البخاري: ج 5 ص 9، وج 8 ص 54، والكشاف للزمخشري: ج 4 ص 511، وتاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 58: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتجهز لفتح مكة، فأتى حاطب بن أبي بلتعة إلى سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام وهي تريد مكة، فكتب معها كتابا إلى أهل مكة… وكتب في الكتاب: (من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم). فخرجت سارة. ونزل جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بما فعل. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام… فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب ؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عزيزا فيهم – أي غريبا – وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أ ن أتخذ عندهم يدا. وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول الله صلى الله عليه وآله وعذره. فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني – يا رسول الله – أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (وما يدريك يا عمر، لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وروى في البحار: ج 21 ص 103 عند ذكر فتح مكة أنه لما أجار العباس أبا سفيان وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله دخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه وروى في البحار: ج 19 ص 241 و 271 و 277 و 281، ج 21 ص 158 و 173، ودلائل النبوة للبيهقي: ج 3 ص 140: أن ابن الأكوع كان عينا على النبي صلى الله عليه وآله أيام الفتح وأسر يوم حنين. فمر به عمر بن الخطاب، فلما رآه أقبل على رجل من الأنصار وقال: هذا عدو الله الذي كان علينا عينا، ها هو أسير فاقتله. فضرب الأنصاري عنقه، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فكره ذلك وقال: ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيرا ؟ وقتل بعده جميل بن معمر بن زهير وهو أسير، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأنصار وهو مغضب فقال: ما حملكم على قتله=

[ 247 ]

فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال – يكنيه -: (أبا فلان، اليوم يومك) فقال الأشعث: ما أعلمني بمن تعني إن ذلك يفر منه الشيطان (3) قال عليه السلام: يابن قيس، لا آمن الله روعة الشيطان إذ قال إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن عاقبة أمر أصحابه ثم قال: ولو كنا – حين كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وتصيبنا الشدائد والأذى والبأس – فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام لله دين ولا أعز الله الأسلام. وأيم الله لتحتلبنها دما وندما وحسرة، فاحفظوا ما أقول لكم واذكروه. فليسلطن عليكم شراركم والأدعياء منكم والطلقاء والطرداء والمنافقون، فليقتلنكم ثم لتدعن الله فلا يستجيب لكم ولا يرفع البلاء عنكم حتى تتوبوا وترجعوا فإن تتوبوا وترجعوا يستنقذكم الله من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكم من شركم وجهالتكم. التعجب من استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان على الامة ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الامة وضلالها وقادتها وساقتها إلى النار لأنهم قد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عودا وبدءا: (ما ولت أمة رجلا قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا)، فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علما بكتاب الله ولا سنة نبيه. وقد علموا يقينا أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله،


= وقد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسيرا ؟ فقالوا: إنما قتلناه بقول عمر. فأعرض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك. وروى في صحيح البخاري: ج 8 ص 52: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم جاء عبد الله التميمي من ذي الخويصرة فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله: دعه. (3). يريد بذلك عمر، وقد اختلقوا له حديثا: (إن الشيطان يفر منه). راجع الغدير: ج 5 ص 311 وج 8 ص 64 و 94. وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب.

[ 248 ]

وأقضاهم بحكم الله. وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف جبنا ولؤما ورغبة في البقاء. وقد علموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف وقتل مسجع بن عوف. (1) وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك. (2) وقد علموا يقينا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري، ولا نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة قط ولا كربه أمر ولا ضيق ومستصعب من الأمر إلا قال: (أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي عن وجهي)، فيقدمني، فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه. ولله عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول حيث خصني بذلك ووفقني له. لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ولا فتح ولا نصر غير مرة واحدة، ثم فر ومنح عدوه دبره ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقد فر مرارا (3)


(1). روى في البحار: ج 18 ص 68 و 69 و 74 و 95: أن أبي بن خلف قال للنبي صلى الله عليه وآله بمكة: إني أعلف العوراء – يعني فرسا له – أقتلك عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لكن أنا إن شاء الله. فلقي يوم أحد، فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وآله الحربة من الحارث بن الصمة، فمشى إليه فطعن وانصرف. فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني محمد. قالوا: ما بك بأس قال: إنه قال لي بمكة: (إني أقتلك) ولو بصق علي لقتلني. فمات بشرف. وقصة مسجع لم أعثر عليه. (2). في البحار: ج 16 ص 117: ومن أسمائه صلى الله عليه وآله (القتال)، (سيفه على عاتقه)، سمى بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع ودؤوبه في ذات الله وعدم إحجامه. ولذلك قال علي عليه السلام: (كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن أحد أقرب إلى العدو منه). وذلك مشهور من فعله يوم احد إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها، ويوم حنين إذ ولوا مدبرين. (3). روى في البحار: ج 20 ص 107 ح 24: أنه لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: (أنا محمد…). فالتفت إليه أبو بكر وعمر فقالا: الان يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وأورد في البحار: ج 21 ص 70 انهزامهما في غزوة ذات السلاسل.

[ 249 ]

فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغير وأمر ونهى. ولقد نادى ابن عبد ود – يوم الخندق – باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه (4) حتى تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله مما رآى به من الرعب وقال صلى الله عليه وآله: (أين حبيبي علي ؟ تقدم يا حبيبي يا علي). عبادتهما الأصنام بعد الأسلام وهو القائل يوم الخندق لأصحابه الأربعة – أصحاب الكتاب والرأي -: (والله إن ندفع محمدا إليهم برمته نسلم من ذلك، حين جاء العدو من فوقنا ومن تحتنا) كما قال الله تعالى: (وزلزلوا زلزالا شديدا)، (وظنوا بالله الظنونا)، (وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). (5) فقال له صاحبه: (لا، ولكن نتخذ صنما عظيما نعبده لأنا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا ولكن يكون هذا الصنم لنا ذخرا فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا الصنم (6) وأعلمناهم أنا لن نفارق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على عباد ة هذا الصنم سرا). فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك، ثم خبر به رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قتلي ابن عبدود. فدعاهما فقال: (كم صنم عبدتما في الجاهلية) ؟ فقالا: يا محمد، لا تعيرنا بما مضى في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وآله لهما: (فكم صنم تعبدان يومكما هذا) ؟ فقالا: والذي بعثك بالحق نبيا ما نعبد إلا الله منذ أظهرنا من دينك ما أظهرنا.


(4). روى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: إن عمرو بن عبد ود رآى بيد عمر بن الخطاب (يوم الخندق) قوسا فقال: يابن صهاك، واللات لئن نقل عن يدك سهم لأقطعنها فتناثر النبل من يده ورجع القهقرى. (5). سورة الأحزاب: الايات 10 و 11 و 12، وفي المصحف هكذا: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). (6). قد أورد قصة عبادتهما للصنم المرندي في (مجمع النورين): ص 229 عن كتاب المحتضر.

[ 250 ]

فقال: يا علي، خذ هذا السيف، فانطلق إلى موضع كذا وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه. فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه. فانكبا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا: استرنا سترك الله. فقلت أنا لهما: (اضمنا لله ولرسوله أن لا تعبدا إلا الله ولا تشركا به شيئا). فعاهدا رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك. وانطلقت حتى استخرجت الصنم من موضعه وكسرت وجهه ويديه وجذمت رجليه، ثم انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. فوالله لقد عرفت ذلك في وجههما علي حتى ماتا مخاصمة أبي بكر وعمر للأنصار بحجة علي عليه السلام ثم انطلق هو وأصحابه – حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله – فخاصموا الأنصار بحقي. فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق (أنهم أولى من الأنصار لأنهم من قريش ورسول الله صلى الله عليه وآله من قريش)، فمن كان أولى برسول الله صلى الله عليه وآله كان أولى بالأمر، وإنما ظلموني حقي، وإن كانوا احتجوا بباطل فقد ظلموا الأنصار حقهم، والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على رقابنا. ابتلاء الامة بحب مضليها وقصورها عن لعنهم والعجب لما قد أشربت قلوب هذه الامة من حبهم وحب من صدهم عن سبيل ربهم وردهم عن دينهم والله، لو أن هذه الامة قامت على أرجلها على التراب ووضعت الرماد على رؤوسها وتضرعت إلى الله ودعت إلى يوم القيامة على من أضلهم وصدهم عن سبيل الله ودعاهم إلى النار وعرضهم لسخط ربهم وأوجب عليهم عذابه – بما أجرموا إليهم – لكانوا مقصرين في ذلك. ما منع أمير المؤمنين عليه السلام عن إعلان الحقائق وذلك أن المحق الصادق والعالم بالله ورسوله يتخوف إن غير شيئا من بدعهم


[ 251 ]

وسننهم وأحداثهم، وعادته العامة، ومتى فعل شاقوه وخالفوه وتبرؤا منه وخذلوه وتفرقوا عن حقه، وإن أخذ ببدعهم وأقر بها وزينها ودان بها أحبته وشرفته وفضلته. والله لو ناديت في عسكري هذا بالحق الذي أنزل الله على نبيه وأظهرته ودعوت إليه وشرحته وفسرته – على ما سمعت من نبي الله صلى الله عليه وآله فيه – ما بقي فيه إلا أقله وأذله وأرذله ولا ستوحشوا منه ولتفرقوا عني. ولو لا ما عاهد رسول الله صلى الله عليه وآله إلي وسمعته منه وتقدم إلي فيه لفعلت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال: (يا أخي، كل ما اضطر إليه العبد فقد أحله الله له وأباحه إياه)، وسمعته يقول: (إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له). ثم أقبل عليه السلام علي فقال: أدفعهم بالراح دفعا عني ثلثان من حي وثلث مني فإن عوضني ربي فأعذرني ابتلاء أمير المؤمنين عليه السلام بأخابث الناس وقال علي عليه السلام للحكمين – حين بعثهما -: (أحكما بكتاب الله وسنة نبيه وإن كان فيهما حز حلقي، فإنه من قادها إلى هؤلاء فإن نيتهم أخبثت). فقال له رجل من الأنصار: ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك ؟ ما كان أحد من الامة أضبط للأمر منك، فما هذا الاختلاف والانتشار ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا صاحبك الذي تعرف، إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله، أريدهم على الأمر فيأبون، فإن تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني


[ 252 ]

(16) نبوءات نبي الله عيسى عليه السلام عن الرسول والأئمة عليهم السلام والأئمة المضلين أبان عن سليم: قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل العسكر قريبا من دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلام فسلم عليه بالخلافة. فقال له علي عليه السلام: مرحبا يا أخي شمعون بن حمون، كيف حالك رحمك الله ؟ فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا. النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام في كتب عيسى عليه السلام وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخط أبينا بيده، وفيها كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم، حتى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى (تهامة) من قرية يقال لها (مكة)، يقال له (أحمد)، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج – يعني العمامة – له اثنا عشر اسما.


[ 253 ]

ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف. وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء. فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلا (1) من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية. مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحدا بعد واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول: (إنكم أئمة لا ينبغي لأحد أن يتقدمكم)، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأول. أولهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم. نص ما في كتب عيسى عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين وطه ون والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيه وأمينه وخيرته. يرى تقلبه في الساجدين – يعني في أصلاب النبيين – ويكلمه برحمته فيذكر إذا ذكر. وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله خلقا – ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، من آدم فمن سواه – خيرا عند الله ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه. وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب وبذكره، محمد رسول الله. ثم أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه ووصيه ووزيره،


(1). هم النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

[ 254 ]

وخليفته في أمته، وأحب خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن بعده. ثم أحد عشر إماما من ولد أول الاثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسين، واحدا بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه). (1) فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسر بدينه ومن يظهر. فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطا وعدلا، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها. فلما بعث النبي – وأبي حي – صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله، وكان شيخا كبيرا ولم يكن به شخوص. فمات أبي وقال لي: (إن وصي محمد وخليفته – الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته – سيمر بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحد منهم، فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع محمد، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد). الأخبار عن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الغاصبين في كتب عيسى عليه السلام وفي هذا الكتاب – يا أمير المؤمنين – إن اثني عشر إماما من قريش من قومه يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويتبرؤون منهم ويخيفونهم، مسمون واحدا بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم، وكم يملك كل رجل منهم وما يملك، وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء. وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.


(1). هنا آخر النص الذي ينقله من كتاب الراهب.

[ 255 ]

الراهب يبايع أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك خليفة رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه، وإن الأسلام دين الله وإني أبرء من كل دين خالف دين الأسلام، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه، وإنه دين عيسى بن مريم ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله، وهو الذي دان به من مضى من آبائي. وإني أتولاك وأتولى أوليائك، وأبرء من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من ولدك وأبرء من عدوهم وممن خالفهم وبرء منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والاخرين. ثم تناول يده وبايعه. ثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام: ناولني كتابك، فناوله إياه. فقال علي عليه السلام لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجمانا يفهم كلامه، فلينسخه لك بالعربية مفسرا. فأتاه مكتوبا بالعربية. فلما أتاه به قال لابنه الحسن عليه السلام: يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك. فأتاه به، فقال: أنت يا بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان – الذي تستجهل – في نسخة هذا الكتاب، فإنه خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله علي. فقرأه فما خالف حرفا واحدا ليس فيه تقديم ولا تأخير، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين فحمد الله أمير المؤمنين عليه السلام وأثنى عليه وقال: (الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الامة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه). ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنين عليه السلام من شيعته وشكر، وساء ذلك كثيرا ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.


[ 256 ]

(17) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام محذرا من الفتن أبان عن سليم بن قيس قال: صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، أنا الذي فقأت (1) عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان. وأيم الله لو لا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه. ثم قال عليه السلام: سلوني عما شئتم قبل أن تفقدوني، فو الله إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين وأول السابقين وإمام المتقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين. أنا ديان الناس يوم القيامة وقسيم الله بين أهل الجنة والنار، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل، وإن عندي علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وما من آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت. أيها الناس، إنه وشيك أن تفقدوني، إني مفارقكم وإني ميت أو مقتول. ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها ؟ يعني لحيته من دم رأسه. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألوني من فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها فيما


(1). أي قلعت.

[ 257 ]

بينكم وبين قيام الساعة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها (2)، وبخراب العرصات متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة. فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن البلايا. فقال عليه السلام: إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسئول فليلبث. إن من ورائكم أمورا ملتجة مجلجلة (1) وبلاء مكلحا مبلحا. (2) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الامور وحقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين واشتغل كثير من المسؤولين. وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب وقامت عن ساق وصارت الدنيا بلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار. فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتن. فقال عليه السلام: إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت. وإن الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا وتخطئ الاخر. فانظروا أقواما كانوا أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا. فتنة بني أمية أخوف الفتن ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أمية. إنها فتنة عمياء صماء مطبقة مظلمة، عمت فتنتها وخصت بليتها. أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها. أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها، يملؤون الأرض بدعا وظلما وجورا. وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين.


(2). تشبيه بالراعي إذا نعق بغنمه أي صاح بها وزجرها. (1). أي مضطربة مرددة. (2). أي مفزعة معجزة.

[ 258 ]

ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها. وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبه وإذا حضر أطاعه. وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم. فتن ما بعد بني أمية فقال الرجل: فهل من جماعة – يا أمير المؤمنين – بعد ذلك ؟ قال عليه السلام: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة. قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب ؟ قال عليه السلام: هكذا – وشبك بين أصابعه – ثم قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجا هرجا ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولاعلم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة. قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء. يفرج الله عن الفتن بالأمام المهدي عليه السلام قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاما واحدا فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو


[ 259 ]

كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا) يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى. (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا). (1) أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في الفتن أما بعد، فإنه لابد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن لطحنها روقا وإن روقها حدها وعلى الله فلها. ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا. معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق. إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء. نحن أفق الأسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب. والله لو لا أن تستعجلوا ويتأخر الحق لنبأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي، فلا تسألوا أهل بيت محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل. وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلا بذرا. كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم عبادا اختارهم لنفسه ليحتج بهم على خلقه. فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم معصيته. وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن والخلد الذي لا يورع أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته نارا تأجج لغضبه، (وما ظلمهم


(1). سورة الأحزاب: الاية 62. وفي المتن: وأخذوا.

[ 260 ]

الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). (2) يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله. فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة، ونموت بالبطن والقتل والشهادة. بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن ثم التفت عليه السلام إلى بنيه فقال: يا بني، ليبر صغاركم كباركم، وليرحم كبار كم صغاركم، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيض بيض في داح. (3) ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خليفة يستخلف، جبار (4) عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي. أما والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي الأسباب وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيئ فات ولم يفتني ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد. وبي يتم الله موعده ويكمل كلماته، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الأسلام الذي ارتضاه لنفسه، كل ذلك من من الله به علي وأذل به منكبي. وليس إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته، وذلك قول الله عز وجل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد). (5) ثم نزل، صلى الله عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا.


(2). سورة النحل: الاية 33. (3). الداح نقش يلوح به للصبيان يعللون به. (4). العتريف بمعنى الخبيث الفاجر. وفي (د): الغطريف، بمعنى المتكبر. (5). سورة الرعد: الاية 7.

[ 261 ]

(18) (1) تأثير الميل إلى الدنيا في علم الأنسان ودينه قال سليم بن قيس: سمعت أبا الحسن عليه السلام يحدثني ويقول: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: منهومان لا يشبعان: منهوم في الدنيا لا يشبع منها، ومنهوم في العلم لا يشبع منه. فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع. ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه. والعلماء عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناج، وعالم تارك لعلمه فهو هالك. إن أهل النار ليتأذون من نتن ريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له، فأطاع الله فدخل الجنة وعصى الله الداعي فأدخل النار بتركه علمه واتباعه هواه وعصيانه لله. إنما هما اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الاخرة. إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الاخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الاخرة إن استطعتم ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنما اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولا عمل.


[ 262 ]

كيف تبدأ الفتن وإنما ابتداء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ويتبرء رجال من رجال. ألا إن الحق لو خلص لم يكن فيه اختلاف وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيحسبان معا، فهنالك استولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم منا الحسنى. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الوليد ويزيد (1) فيها الكبير، يجري الناس عليها فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شيئ قيل: (إن الناس قد أتوا منكرا) ثم يشتد البلاء وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثفالها (2)، يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الاخرة. (2) كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع أبي بكر وعمر وعثمان ثم أقبل عليه السلام بوجهه على ناس من أهل بيته وشيعته فقال: والله لقد عملت الأئمة قبلي بأمور عظيمة خالفت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين، لو حملت الناس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي، حتى لا يبقى في عسكري غيري وقليل من شيعتي الذين إنما عرفوا فضلي وإمامتي من


(1). أي ينمو. (2). الثفال: حجر الرحى الأسفل.

[ 263 ]

كتاب الله وسنة نبيه لا من غيرهما أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده إلى ما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأهلها ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها من المسجد (1)، ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجور، ورددت ما قسم من أرض خيبر (2)، ومحوت ديوان الأعطية (3) وأعطيت كما كان يعطي رسول الله (2). (صلى الله عليه وآله


(1). راجع الحديث 14 من هذا الكتاب. وقوله (رددت قضايا من قضى…)، القضى والقضاء بمعنى واحد. روى ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة: ج 1 ص 185 وأحمد في مسنده: ج 6 ص 330: أنه لما أخرج عمر اليهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر بن خنساء – وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم – ويزيد بن ثابت، فهما قسما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها. فكانت مما قسم عمر من وادي القرى لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن أبي سلمة وعامر بن ربيعة وعمرو بن سراقة والأشيم وبني جعفر ولابن عبد الله بن حجش وعبد الله بن الأرقم وغيرهم، لكل إنسان حظر، والحظر القطعة من النخيل أو الأبل أو غيره. وعن ابن عباس: قسمت خيبر على ألف سهم: خمسمائة وثمانين سهما للذين شهدوا الحديبية، ألف وخمسمائة وأربعين رجلا والذين كانوا مع جعفر بأرض الحبشة أربعون رجلا وكان معهم يومئذ مائتا فرس أو نحوها فأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما. (3). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 عن ابن أبي الحديد بأسناده: أن عمر استشار الصحابة بمن يبدء في القسم والفريضة ؟ فقالوا: ابدء بنفسك. فقال: بل أبدء بآل رسول الله وذوي قرابته. فبدء بالعباس قال ابن الجوزي: قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له. روى أنه فرض له خمسة عشر ألفا، وروى أنه فرض له اثني عشر ألفا وهو الأصح. ثم فرض لزوجات رسول الله صلى الله عليه وآله لكل واحدة عشرة آلاف. وفضل عائشة عليهن بألفين… ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف. وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو غيرهم من القبائل خمسة آلاف. ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف. ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألفين وخمسمائة وألفين وألفا وخمسمائة وألفا واحدا إلى مائتين وهم أهل هجر. ومات عمر على ذلك. فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعد بدر الى=

[ 264 ]

ولم أجعله دولة بين الأغنياء، وسبيت ذراري بني تغلب (4)، وأمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، لنادى بعض الناس من أهل العسكر – ممن يقاتل معي -: (يا أهل الاسلام) وقالوا: (غيرت سنة عمر، نهيتنا أن نصلي في شهر رمضان تطوعا) حتى خفت أن يثوروا في ناحية عسكري. (5)


= إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة ثلاثمائة، وجعل نساء أهل القادسية على مائتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك. وكان ذلك في سنة 20 للهجرة. راجع تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 153 وكتاب الخراج لأبي يوسف: ج 1 ص 43. (4). روى في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن الأمام الصادق عليه السلام: أن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا. فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك. قال المجلسي: فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة ليكونوا أذلاء صاغرين وليس في أحد من الزكاة صغار وذل. فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار. (5). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 31 عن السيوطي وغيره: أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وأن أول من جمع الناس على التراويح عمر وأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر. و (التراويح) عشرون ركعة يصلونها جماعة في ليالي شهر رمضان. روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 284 عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة…). ثم روى أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرآى المصابيح في المسجد. فقال: ما هذا ؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع. فقال: بدعة ونعمت البدعة روى الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3 ص 70 ح 227 عن الأمام الصادق عليه السلام قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة). فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام. فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا: واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت ؟ فقال: يا أمير المؤ منين، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم: صلوا روى في البحار: ج 96 ص 385 ح 5 أنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماما منا في رمضان. فقال: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه. فلما أمسوا جعلوا يقولون: (ابكوا في رمضان، وارمضاناه) فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك. فقال=

[ 265 ]

بؤسي لما لقيت من هذه الامة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار. ولم أعط سهم ذوي القربي منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) (6)، فنحن الذين عنى الله بذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كل هؤلاء منا خاصة (7) لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. (8)


= عند ذلك: دعوهم وما يريدون. ليصلي بهم من شاءوا. ثم قال: (فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا). (6). سورة الأنفال: الاية 41. (7). في الكافي والتهذيب: نحن والله الذين عنى الله بذى القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)، منا خاصة. (8). من قوله (ورددت من قضى من كان قبلي بجور…) إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا: (… ورددت قضايا من الجور قضى بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول الله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الامم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: (يا أهل الأسلام، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا) ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري. ما لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. وأعطيت من ذلك سهم ذى القربى

[ 266 ]

[… ]


الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، فنحن والله عني بذى القر بى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل – فينا خاصة – كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله – في ظلم آل محمد – إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس. فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم). ولا بأس بالأشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه السلام إليه من البدع: قوله عليه السلام: (وألقيت المساحة)، روى في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 284 أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين. وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة. قوله عليه السلام: (أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل)، قال ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 393: إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله وقوله عليه السلام: (سويت بين المناكح) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم ولا ينكحوهم. وقوله عليه السلام (حرمت المسح على الخفين)، روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام وقال: ما تقولون في المسح على الخفين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها ؟ (أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها ؟) فقال: لا أدري. فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة. وقوله عليه السلام (وحددت على النبيذ)، روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 257 عن عدة طرق: أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الأبل في بطوننا=

[ 267 ]

[…. ]


= أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شيئ فليمزجه بالماء وقوله عليه السلام (وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات)، روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن ابن حزم في كتاب المحلى قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنائز. فقالوا: أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا. فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. وأورده في الغدير: ج 6 ص 244. وقوله عليه السلام: (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور، فقد روى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 381: أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن الصلاة وقال: ليس في القرآن إلا مرة واحدة وقوله عليه السلام (الطلاق على السنة)، روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. وأورده العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 178. وقوله عليه السلام (رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها)، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس والاذنين وغسل الرجلين، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل، ومثل وضع اليمين على الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول (آمين) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك. وقوله عليه السلام (رددت أهل نجران إلى مواضعهم)، روى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 والطبري في وقائع سنة 20: أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا. وقوله عليه السلام (رددت سائر الامم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله)، روى ابن شهر آشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 عن كتاب آداب الوزراء: أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما. والفقهاء أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات. وقد جعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا.

[ 268 ]

(19) أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر أبان عن سليم قال: شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته، فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان والمقداد، وقد أوصى أبو ذر إلى علي عليه السلام وكتب وأشهد. فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار: ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر ؟ قال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا. أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم، فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين). ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه، فإنهما قالا: (أحق من الله ورسوله) ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اللهم نعم، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمر تكم به. قال سليم: فقلت: يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد، أتقولون كما قال أبو ذر ؟ قالوا: نعم، صدق. قلت: أربعة عدول، ولو لم يحدثني غير واحد ما شككت في صدقه ولكن أربعتكم أشد لنفسي وبصيرتي. قلت: أصلحك الله، أتسمون الثمانين من العرب والموالي ؟ فسماهم سلمان رجلا رجلا. فقال علي عليه السلام وأبو ذر والمقداد: (صدق سلمان) رحمة الله ومغفرته عليه وعليهم.


[ 269 ]

فكان ممن سمى (1): أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومعاذ وسالم والخمسة من أصحاب الشورى، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة (2) وأبي بن كعب وأبو ذر والمقداد، وبقية جلهم وأعظمهم من أهل بدر وأعظمهم من الأنصار، فيهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد. قال سليم: فأظن أني قد لقيت عامتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلا رجلا، فمنهم من سكت عني فلم يجبني بشيئ وكتمني، ومنهم من حدثني ثم قال: أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وذلك لما ادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد ذلك: (إنا أهل بيت أكرمنا الله واختار لنا الاخرة على الدنيا وإن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة). فاحتج بذلك أبو بكر على علي عليه السلام حين جيئ به للبيعة، وصدقه وشهد له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متهمين: أبو عبيدة وسالم وعمر ومعاذ، وظننا أنهم قد صدقوا. الصحيفة الملعونة والمعاهدة في الكعبة فلما بايع علي عليه السلام أخبرنا (3) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما قاله، وأخبر أن هؤلاء الخمسة كتبوا بينهم كتابا تعاهدوا فيه وتعاقدوا في ظل الكعبة: (إن مات محمد أو قتل أن يتظاهروا على علي عليه السلام فيزووا عنه هذا الأمر)، واستشهد أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، وشهدوا بعد ما وجبت في أعناقنا لأبي بكر بيعته الملعونة الضالة. فعلمنا أن عليا عليه السلام لم يكن ليروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله باطلا، وشهد له الأخيار من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.


(1). أي من سماهم أبو ذر من الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. (2). راجع الحديث 20 من هذا الكتاب. (3). قائل هذا الكلام هو البعض الذي لقيهم سليم لا أبو ذر، فلا يشتبه.

[ 270 ]

ندامة الصحابة لتقصيرهم في حق أمير المؤمنين عليه السلام فقال جل من قال هذه المقالة: إنا تدبرنا الأمر بعد ذلك فذكرنا قول النبي صلى الله عليه وآله – ونحن نسمع -: (إن الله يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم وإن الجنة تشتاق إليهم). فقلنا: من هم يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وآله: (أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد بن الأسود). وإنا نستغفر الله ونتوب إليه مما ركبناه ومما أتيناه. وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول قولا لم نعلم تأويله ومعناه إلا خيرا. قال صلى الله عليه وآله: ليردن علي الحوض أقوام ممن صحبني ومن أهل المكانة مني والمنزلة عندي، حتى إذا وقفوا على مراتبهم ورأوني اختلسوا دوني وأخذ بهم ذات الشمال. فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم. ولعمرنا، لو أنا – حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله – سلمنا الأمر إلى علي عليه السلام وأطعناه وتابعناه وبايعناه لرشدنا واهتدينا ووفقنا، ولكن الله قضى الاختلاف والفرقة والبلاء، فلابد من أن يكون ما علم الله وقضى وقدر.


[ 271 ]

(20) أصحاب الصحيفة وأصحاب العقبة سليم بن قيس قال: شهدت أبا ذر بالربذة حين سيره عثمان (1) وأوصى إلى علي عليه السلام في أهله وماله، فقال له قائل: لو كنت أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان. فقال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله. قال لنا: (سلموا على أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي بإمرة المؤمنين، فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه ولو فقدتموه أنكرتم الأرض وأهلها). فرأيت عجل هذه الامة وسامريها راجعا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: حق من الله ورسوله ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك). فلما سلمنا عليه أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة – حين خرجا من بيت علي عليه السلام من بعد ما سلمنا عليه – فقالا لهم: ما بال هذا الرجل، ما زال يرفع خسيسة


(1). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 305 ما ملخصه: أن عثمان قال لأبي ذر: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، الحق بالشام. فأخرجه إليها. فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فكتب معاوية إلى عثمان فيه. فكتب عثمان إلى معاوية: (أما بعد فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره). فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد. فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان: أن الحق بأي أرض شئت. قال: بمكة ؟ قال: لا. قال: فبيت المقدس ؟ قال: لا. قال: فبأحد المصرين ؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة. فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات.

[ 272 ]

ابن عمه وقال أحدهما: إنه ليحسن أمر ابن عمه وقال الجميع: ما لنا عنده خير ما بقي علي قال: فقلت: يا أبا ذر، هذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها ؟ فقال: أما التسليمة الاولى فقبل حجة الوداع، وأما التسليمة الاخرى فبعد حجة الوداع. قلت: فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت ؟ قال: في حجة الوداع. قلت: أخبرني – أصلحك الله عن الاثني عشر أصحاب العقبة المتلثمين الذين أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله الناقة، ومتى كان ذلك ؟ قال: بغدير خم مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع. قلت: أصلحك الله، تعرفهم ؟ قال: أي والله، كلهم. قلت: من أين تعرفهم وقد أسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حذيفة ؟ قال: عمار بن ياسر كان قائدا وحذيفة كان سائقا، فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عمارا. قلت: تسميهم لي ؟ قال: خمسة أصحاب الصحيفة، وخمسة أصحاب الشورى وعمرو بن العاص ومعاوية. (1) عمار وحذيفة في فتنة السقيفة قلت: أصلحك الله، كيف تردد عمار وحذيفة في أمرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حين رأياهم ؟ قال: إنهم أظهروا التوبة والندامة بعد ذلك، وادعى عجلهم منزلة وشهد لهم سامريهم والثلاثة معهم بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك، فقالوا: لعل هذا أمر حدث بعد الأول، فشكا فيمن شك منهم إلا أنهما تابا وعرفا وسلما.


(1). فهم: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص. راجع الحديث 4 من هذا الكتاب.

[ 273 ]

قال سليم بن قيس: فلقيت عمارا في خلافة عثمان بعد ما مات أبو ذر، فأخبرته بما قال أبو ذر. فقال: صدق أخي أبو ذر، إنه لأبر وأصدق من أن يحدث عن عمار بما لا يسمع منه. فقلت: أصلحك الله، بما تصدق أبا ذر ؟ قال: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر). قلت: يا نبي الله، ولا أهل بيتك ؟ قال: إنما أعني غيرهم من الناس. ثم لقيت حذيفة بالمدائن – رحلت إليه من الكوفة – فذكرت له ما قال أبو ذر. فقال: سبحان الله، أبو ذر أصدق وأبر من أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بغير ما قال.


[ 274 ]

(21) شدة حب رسول الله صلى الله عليه وآله للأمامين الحسنين عليهما السلام استسقيا رسول الله صلى الله عليه وآله أبان عن سليم قال: حدثني علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان وأبو ذر والمقداد، وحدث أبو الحجاف داود بن أبي عوف العوفي (2) يروي عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنته فاطمة عليها السلام وهي توقد تحت قدر لها تطبخ طعاما لأهلها، وعلي عليه السلام في ناحية البيت نائم والحسن والحسين عليهما السلام نائمان إلى جنبه. فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله مع ابنته يحدثها وهي توقد تحت قدرها ليس لها خادم، إذ استيقظ الحسن عليه السلام فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (يا أبت، اسقني). فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قام إلى لقحة (1) كانت، فاحتلبها بيده، ثم جاء بالعلبة (2) – وعلى اللبن رغوة – ليناوله الحسن عليه السلام. فاستيقظ الحسين عليه السلام فقال: (يا أبت اسقني). فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا بني، أخوك، وهو أكبر منك وقد استسقاني قبلك. فقال الحسين عليه السلام: (اسقني قبله) فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يرقبه ويلين له ويطلب إليه أن يدع أخاه يشرب قبله، والحسين عليه السلام يأبى.


(2). أبو الحجاف البرجمي الكوفي من أصحاب الأمام الصادق عليه السلام، ثقة. وعلى هذا فقائل (حدث أبو الحجاف) هو أبان بن أبي عياش، لا سليم. (1). اللقحة: الناقة الحلوي الغزيرة اللبن. (2). العلبة: إناء ضخم من جلد أو خشب.

[ 275 ]

فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبت، كأن الحسن أحب إليك من الحسين ؟ قال صلى الله عليه وآله: ما هو بأحبهما إلي وإنهما عندي لسواء، غير أن الحسن استسقاني أول مرة، وإني وإياك وإياهما وهذا الراقد في الجنة لفي منزل واحد ودرجة واحدة. قال (3): وعلي عليه السلام نائم لا يدري بشئ من ذلك. على منكب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ومر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهما يلعبان، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وآله فاحتملهما ووضع كل واحد منهما على عاتقه. فاستقبله رجل فقال: لنعم الراحلة أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ونعم الراكبان هما إن هذين الغلامين ريحانتاي من الدنيا. إصطرعا عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فلما أتى بهما منزل فاطمة عليها السلام قال: (اصطرعا). فأقبلا يصطرعان، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (هي (4) يا حسن) فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، أتقول (هي يا حسن) وهو أكبر منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا جبرئيل يقول: (هي يا حسين). فصرع الحسين الحسن الرسول صلى الله عليه وآله يخاطبهما بالأمامة قال: ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليهما يوما وقد أقبلا، فقال: هذان والله سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما. إن خير الناس عندي وأحبهم إلي وأكرمهم علي أبوكما ثم أمكما، وليس عند الله أحد أفضل مني وأخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب. ألا إن أخي وخليلي ووزيري وصفيي وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي علي بن أبي طالب، فإذا هلك فابني الحسن من


(3). أي قال الراوي. (4). (هي) كلمة استزادة، تقولها للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل.

[ 276 ]

بعده، فإذا هلك فابني الحسين من بعده ثم الأئمة التسعة من عقب الحسين. هم الهداة المهتدون، هم مع الحق والحق معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم إلى يوم القيامة. هم زر الأرض الذين تسكن إليهم الأرض، وهم حبل الله المتين، وهم عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها، وهم حجج الله في أرضه وشهداءه على خلقه وخزنة علمه ومعادن حكمته. وهم بمنزلة سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تركها غرق، وهم بمنزلة باب حطة في بني إسرائيل، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا. فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر فيه بولايتهم، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. الحسين عليه السلام يعلو ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله في السجدة قال: وكان الحسين عليه السلام يجيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد، فيتخطي الصفوف حتى يأتي النبي صلى الله عليه وآله فيركب ظهره، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد وضع يده على ظهر الحسين عليه السلام ويده الاخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته. الحسن عليه السلام على عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله في المنبر وكان الحسن عليه السلام يأتيه وهو على المنبر يخطب، فيصعد إليه فيركب على عاتق النبي صلى الله عليه وآله ويدلي رجليه على صدر النبي صلى الله عليه وآله حتى يرى بريق خلخاله، ورسول الله صلى الله عليه وآله يخطب، فيمسكه كذلك حتى يفرغ من خطبته.


[ 277 ]

(22) (1) خطبة عمرو بن العاص في الشام ضد أمير المؤمنين عليه السلام أبان عن سليم قال: بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أن عمرو بن العاص خطب الناس بالشام فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله على جيشه فيه أبو بكر وعمر، فظننت أنه إنما بعثني لكرامتي عليه. فلما قدمت قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك ؟ فقال: (عائشة). قلت: ومن الرجال ؟ قال: (أبوها). أيها الناس، وهذا علي يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه) وقال في عثمان: (إن الملائكة لتستحي من عثمان) وقد سمعت عليا وإلا فصمتا – يعني أذنيه – يروي على عهد عمر: إن نبي الله نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: (يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والاخرين ما خلا النبيين منهم والمرسلين، ولا تحدثهما بذلك فيهلكا)


[ 278 ]

(2) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بتكذيب ابن العاص فقام علي عليه السلام فقال: العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد لعنه سبعين لعنة ولعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن، وذلك أنه هجا رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة سبعين بيتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (اللهم إني لا أقول الشعر ولا أحله، فالعنه أنت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة). (1) ثم لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال: إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له، وإني لأشنأ الناس له وأقولهم فيه سوء فأنزل الله فيه: (إن شانئك هو الأبتر) (2)، يعني أبتر من الايمان ومن كل خير.


(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 139 عن تاريخ الطبري: أنه قد رآى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به. قال: لعن الله القائد والراكب والسائق. وروى في ج 2 ص 135: أن الأمام الحسن عليه السلام قال لعمرو بن العاص: إنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي. اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. وروى في البحار: ج 20 ص 76 ح 14: أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بعمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطلب حين قتل: (كم من حوارى تلوح عظامه…)، فقال صلى الله عليه وآله: (اللهم العنهما واركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا). (2). سورة الكوثر: الاية 3.

[ 279 ]

ما لقيت من هذه الامة من كذابيها ومنافقيها. لكأني بالقراء الضعفة المجتهدين قدرووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه. إنا نقول: خير هذه الامة أبو بكر وعمر ؟ (3) ولو شئت لسميت الثالث. والله ما أراد بقوله في عائشة وأبيها إلا رضا معاوية ولقد استرضاه بسخط الله. وأما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني، فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليعلم أنه كذب علي يقينا وأن الله لم يسمعه مني سرا ولا جهرا. اللهم العن عمرا والعن معاوية بصدهما عن سبيلك وكذبهما على كتابك ونبيك واستخفافهما بنبيك وكذبهما عليه وعلي. (3) كيف جمع معاوية أهل الشام على الأخذ بثار عثمان قال سليم: ثم دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها، يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الاصول الباطلة، ويخبرونهم بأن عليا عليه السلام قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر، وإن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان، حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم. ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة، ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغام الشام وأعوان الباطل المنزلون له بالطعام والشراب، يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع


(3). أي هل يمكن أن يصدر عن مثلنا هذا الكلام ؟ فيريد عليه السلام أن عمرو بن العاص يكذب علينا إذا نسب إلينا القول بأن أبا بكر وعمر خير هذه الامة.

[ 280 ]

ويطعمهم الطعام والشراب، حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر عليه الأعرابي، وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا: لعن علي وقاتل عثمان. فاستقر على ذلك جهلة الامة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء.


[ 281 ]

(23) الرسالة السرية من معاوية إلى زياد بن أبيه أبان عن سليم قال: كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا، فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه: سيرة معاوية في قبايل العرب أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب، من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرب ومن أبعد، ومن آمن منهم ومن أحذر ؟ وأنا – يا أخي – أعلم الناس بالعرب. انظر إلى هذا الحي من اليمن، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في الخلاء فإني كذلك أصنع بهم، أقرب مجالسهم وأريهم أنهم آثر عندي من غيرهم ويكون عطائي وفضلي على غيرهم سرا منهم لكثرة من يقاتلني منهم مع هذا الرجل. وانظر (ربيعة بن نزار)، فأكرم أشرافهم وأهن عامتهم، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم. وانظر إلى (مضر) فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا وأبهة ونخوة شديدة، وإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا، ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين.


[ 282 ]

سيرة معاوية في إهانة العجم والموالي وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن ترثهم العرب ولا يرثوهم (1) وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم، وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموا الصف. ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته، جزاه الله عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء كيف طمع معاوية في الخلافة وكيف نالها ؟ فلعمري لو لا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين الله لكنا وجميع هذه الامة لبني هاشم الموالي، ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر، ولكن الله أخرجها بأيديهما من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب، وليس في قريش حيان أقل وأذل منهما ولا أنذل (2)، فأطمعانا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما، لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول الله في الرحم منهما. ثم نالها قبلنا صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة، ونالها من نالها قبله بغير شورى. فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لأن من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا


(1). روى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب. فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى. وروى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 وفي الغدير: ج 6 ص 187 عن موطأ مالك عن سعيد بن المسيب أنه قال: أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب. (2). الأنذل: الأخس والأحقر والأسقط في الحسب.

[ 283 ]

أمر معاوية بإهانة الأعاجم ولعمري يا أخي، لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى التقوى، ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي. وبحسبك ما سنه عمر فيهم فهو خزي لهم وذل. فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة. معاوية يستلحق زيادا بأبي سفيان فو الله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه، وما تناسب عبيدا نسبا دون آدم (1)


(1) قال العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 216 ما ملخصه: كان من ضروريات الأسلام إلى سنة 44: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ولكن سياسة معاوية المتهجمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب فوهب زيادا كله لأبي سفيان العاهر. وقد كان زياد ولد على فراش عبيد مولى ثقيف وربي في شر حجر، فكان يقال له قبل الاستلحاق: (زياد بن عبيد الثقفي) وبعده: (زياد بن أبي سفيان) ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الأمام الحسن عليه السلام: (من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد، أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة… إنك لا أم لك، بل لا أب لك) ولما انقضت الدولة الاموية صار يقال له: (زياد بن أبيه) و (زياد بن أمه) و (زياد بن سمية). وأمه سمية كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن الكلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ، فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له (عبيد)، فولدت زيادا على فراشه… وكانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية. أمر عمر زيادا أن يخطب يوما فأحسن في خطبته وجود، وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب عليه السلام. فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى ؟ قال: نعم. قال: أما إنه إبن عمك. قال: وكيف ذلك ؟ قال: أنا قذفته في رحم أمه سمية… ولما بويع معاوية قدم زياد على معاوية فصالحه… ورآى معاوية أن يستميل زيادا واستصفى مودته باستلحاقه. فاتفقا على ذلك وأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد، وكان فيمن حضر أبو مريم=

[ 284 ]

وقد كنت حدثتني – وأنت يا أخي عندي صدوق -: أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده، وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف، ولو كنت تعلم يومئذ يقينا – كيقينك اليوم – أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين. وأنت تعلم ونحن يقينا أن أبا سفيان خرج معه جده أمية بن عبد شمس في بعض تجارته إلى الشام فمر بصفورية فاشترى قينا وابنه عبد الله وأن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية عبد شمس. سيرة عمر في إهانة الأعاجم وسبب ذلك وحدثني ابن أبي معيط أنك أخبرته: انك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار، وقال له: (أعرض من قبلك من أهل البصرة. فمن وجدته من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار، فقدمه فاضرب عنقه) (3) فشاورك أبو موسى في ذلك، فنهيته وأمرته أن يراجع عمر. فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر، وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك منهم وأنك ابن عبيد. فلم تزل بعمر حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع. وقلت له: (ما يؤمنك – وقد عاديت أهل هذا البيت – أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك)، فكف عن ذلك.


السلولي، فقال له معاوية: بم تشهد يا أبا مريم ؟ فقال: أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا، فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها على قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلا يا أبا مريم، إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما فاستلحقه معاوية. وأن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد (2). جاء في البحار: ج 19 ص 260 وج 8 طبع قديم ص 302: أن عقيل قال لوليد بن العقبة بن أبي معيط: يابن أبي معيط، كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية، كان ذكر أن أباه كان يهودي منها. و (صفورية) قرية في فلسطين شمال غربي الناصرة. (3). راجع الحديث 14 من هذا الكتاب.

[ 285 ]

وما أعلم يا أخي إنه ولد مولود من آل أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت: إنك سمعت علي بن أبي طالب يقول: (لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا)، وقال: (ليملأن الله أيديكم من الأعاجم ثم ليصيرن أشداء لا يفرون، فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم). فقال لك عمر: (قد سمعت ذلك عن رسول الله، فذاك الذي حملني على الكتاب إلى صاحبك في قتلهم، وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار بذلك). فقلت لعمر: (لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنك لن تأمنهم أن يدعوهم علي إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك)، فرددته عن ذلك. فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية وأنك لم ترجع عن رواية جبنا. وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي بن أبي طالب في إمارة عثمان فأخبرك (أن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم، وأنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل حجر وكوكب). فلو كنت – يا أخي – لم ترد عمر عن رأيه لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع أصلهم وإذا لاستنت به الخلفاء من بعده حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار، فإنهم آفة الدين بدع عمر على لسان معاوية فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الامة بخلاف سنة رسول الله، فتابعه الناس عليها وأخذوا بها، فتكون هذه مثل واحدة منهن. فمنهن تحويله المقام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله، وصاع رسول الله ومده حين غيره وزاد فيه، ونهيه الجنب عن التيمم، وأشياء كثيرة سنها (1) أكثر من ألف


(1). قد مر نماذج من بدع عمر في الأحاديث 11 و 14 و 18 من هذا الكتاب. (*)

[ 286 ]

باب، أعظمها وأحبها إلينا وأقر ها لأعيننا زيلة الخلافة عن بني هاشم وهم أهلها ومعدنها، لأنها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الأرض إلا بهم. سليم يستنسخ الرسالة السرية فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزقه. (2) قال (3): فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض، ثم أقبل علي فقال: (ويلي مما خرجت وفيما دخلت كنت والله من شيعة آل محمد وحزبه، فخرجت منها ودخلت في شيعة الشيطان وحزبه وفي شيعة من يكتب إلي مثل هذا الكتاب. إنما والله مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لادم كبرا وكفرا وحسدا. قال سليم: فلم أمس حتى نسخت كتابه. فلما كان الليل دعا زياد بالكتاب فمزقه وقال: (لا يطلعن أحد من الناس على ما في هذا الكتاب)، ولم يعلم أني قد نسخته.


(2). هذا كلام معاوية في آخر كتابه يخاطب به زيادا. (3). أي قال كاتب زياد لسليم.

[ 287 ]

(24) النبي صلى الله عليه وآله يقيم الحجة على عائشة في حق علي عليه السلام أبان عن سليم، قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد، وسألت علي بن أبي طالب عليه السلام عن ذلك فقال: صدقوا. قالوا: دخل علي بن أبي طالب عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيت غاص بأهله فيهم الخمسة أصحاب الكتاب والخمسة أصحاب الشورى. فلم يجد مكانا فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله: (هاهنا)، يعني خلفه. فجاء علي عليه السلام فقعد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي. فدفعته عائشة وغضبت وقالت: أما وجدت لأستك موضعا غير حجري ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الحمد، وقائد الغر المحجلين يوم القيامة. يجعله الله على الصراط فيقاسم النار، فيدخل أوليائه الجنة ويدخل أعدائه النار.


[ 288 ]

(25) رسائل بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية أثناء حرب بصفين أبان عن سليم، وزعم أبو هارون العبدي (1) أنه سمعه من عمر بن أبي سلمة: (1) رسالة من معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام إن معاوية دعا أبا الدرداء (2) ونحن مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين ودعا أبا هريرة فقال لهما: انطلقا إلى علي فاقرآه مني السلام وقولا له: والله إني لأعلم أنك أولى الناس بالخلافة وأحق بها مني، لأنك من المهاجرين الأولين وأنا من الطلقاء وليس لي مثل سابقتك في الأسلام وقرابتك من رسول الله وعلمك بكتاب الله وسنة نبيه. ولقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيك قبل ثلاثة أيام. ثم أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين. وكان أول من بايعك طلحة والزبير، ثم نكثا بيعتك


(1). هو عمارة بن جويرة (جوين)، مات سنة 134. فقوله (زعم أبو هارون…) من كلام أبان، لا سليم. (2). أبو مسلم الخولاني. وكذا في سائر موارد الحديث جاء هذا الاسم مكان أبي الدرداء. وأبو الدرداء هو عويمر بن عامر بن زيد الخزرجي الأنصاري المدني الصحابي.

[ 289 ]

وظلماك وطلبا ما ليس لهما، وأنا ابن عم عثمان والطالب بدمه. وبلغني أنك تعتذر من قتل عثمان وتتبرأ من دمه، وتزعم أنه قتل وأنت قاعد في بيتك، وأنك قلت حين قتل – واسترجعت -: (اللهم لم أرض ولم أمالئ)، وقلت يوم الجمل حين نادوا (يا لثارات عثمان) – حين ثار من حول الجمل – قلت: (كب قتلة عثمان اليوم لوجوههم إلى النار، أنحن قتلناه ؟ وإنما قتله هما وصاحبتهما وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي). وأنا ابن عم عثمان ووليه والطالب بدمه، فإن كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا، ونبايعك ونسلم إليك الأمر. لعن أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر وعمر وعثمان وبراءته منهم هذه واحدة، وأما الثانية فقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب من أولياء عثمان – ممن هو معك يقاتل وتحسب أنه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه عندنا وجسده معك – أنك تظهر ولاية أبي بكر وعمر وتترحم عليهما، وتكف عن عثمان ولا تذكره ولا تترحم عليه ولا تلعنه. وبلغني عنك: أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وشيعتك وخاصتك الضالة المغيرة الكاذبة تبرأت عندهم من أبي بكر وعمر وعثمان ولعنتهم. وادعيت أنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في أمته ووصيه فيهم، وأن الله فرض على المؤمنين طاعتك وأمر بولايتك في كتابه وسنة نبيه، وأن الله أمر محمدا أن يقوم بذلك في أمته، وأنه أنزل عليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (1)، فجمع أمته بغدير خم فبلغ ما أمر به فيك عن الله، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب، وأخبرهم أنك أولى بهم من أنفسهم، وأنك منه بمنزلة هارون من موسى.


(1). سورة المائدة: الاية 67.

[ 290 ]

غصب الخلافة على لسان معاوية وبلغني عنك: أنك لا تخطب الناس خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله). لئن كان ما بلغني عنك من ذلك حقا فلظلم أبي بكر وعمر إياك أعظم من ظلم عثمان. لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن شهود، فانطلق عمر وبايع أبا بكر وما استأمرك ولاشاورك، ولقد خاصم الرجلان بحقك وحجتك وقرابتك من رسول الله، ولو سلما لك وبايعاك لكان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه وحقك عليه لأنه ابن عمك وابن عمتك. ثم عمد أبو بكر فردها إلى عمر عند موته ما شاورك ولا استأمرك حين استخلفه وبايع له. ثم جعلك عمر في الشورى بين ستة منكم وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم، فوليتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا واخترطوا سيوفهم وحلفوا بالله (لئن غابت الشمس ولم تختاروا أحدكم ليضربن أعناقكم ولينفذن فيكم أمر عمر ووصيته)، فوليتم أمركم ابن عوف، فبايع عثمان فبايعتموه. ثم حوصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه ودعاكم فلم تجيبوه، وبيعته في أعناقكم وأنتم يا معاشر المهاجرين والأنصار حضور شهود. فخليتم عن أهل مصر حتى قتلوه وأعانهم طوائف منكم على قتله وخذله عامتكم، فصرتم في أمره بين قاتل وآمر وخاذل. ثم بايعك الناس وأنت أحق بهذا الأمر مني، فأمكني من قتلة عثمان حتى أقتلهم، وأسلم الأمر لك وأبايعك أنا وجميع من قبلي من أهل الشام.


[ 291 ]

(2) رسالة من أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية فلما قرأ علي عليه السلام كتاب معاوية وأبلغه أبو الدرداء وأبو هريرة رسالته ومقالته، قال علي عليه السلام لأبي الدرداء: قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا مني ثم أبلغاه عني كما أبلغتماني عنه وقولا له: إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الامة خذلانه، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته. فلا يخلو من إحدى الخصلتين. والواجب في حكم الله وحكم الأسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل – ضالا كان أو مهتديا، مظلوما كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم – أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدءوا بشيئ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجهم وجمعتهم ويجبي صدقاتهم. ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ويحاكمون قتلته إليه ليحكم بينهم بالحق: فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه، وإن كان قتل ظالما نظر كيف الحكم في ذلك. هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماما يجمع أمرهم – إن كانت الخيرة لهم – ويتابعوه ويطيعوه. وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في


[ 292 ]

ذلك والأختيار، ورسول الله صلى الله عليه وآله قد رضي لهم إماما وأمرهم بطاعته واتباعه وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، بايعني المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا في ثلاثة أيام، وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم، ولى ذلك أهل بدر والسابقة من المهاجرين والأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة وإن بيعتي كانت بمشورة من العامة. فإن كان الله جل اسمه قد جعل الأختيار إلى الامة وهم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم، واختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم، وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى وكان إماما واجبا على الناس طاعته ونصرته، فقد تشاوروا في واختاروني بإجماع منهم، وإن كان الله عز وجل هو الذي يختار، له الخيرة فقد اختارني للامة واستخلفني عليهم وأمرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي. ولو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر وعمر كان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما للطلب ؟ قال أبو هريرة وأبو الدرداء: لا. قال علي عليه السلام: فكذلك أنا فإن قال معاوية: (نعم)، فقولا: إذا يجوز لكل من ظلم بمظلمة أو قتل له قتيل أن يشق عصى المسلمين ويفرق جماعتهم ويدعو إلى نفسه، مع أن ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية. قال: فسكت أبو الدرداء وأبو هريرة وقالا: لقد أنصفت من نفسك. قال علي عليه السلام: ولعمري لقد أنصفني معاوية إن تم على قوله وصدق ما أعطاني، فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولى عليهم، فليأتوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم، فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه وليهم ووكيلهم وحربهم في خصومتهم.


[ 293 ]

وليقعدوا هم وخصمائهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الأمام والوالي الذي يقرون بحكمه وينفذون قضائه، وأنظر في حجتهم وحجة خصمائهم. فإن كان أبوهم قتل ظالما وكان حلال الدم أبطلت دمه، وإن كان مظلوما حرام الدم أقدتهم من قاتل أبيهم، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا وإن شاءوا قبلوا الدية. وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم ولهم، فليأتني ولد عثمان أو معاوية – إن كان وليهم ووكيلهم – فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم وبينهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. وإن كان معاوية إنما يتجني ويطلب الأعاليل والأباطيل فليتجن ما بدا له فسوف يعين الله عليه. (1) قال أبو الدرداء وأبو هريرة: قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة، وأزحت علته وقطعت حجته، وجئت بحجة قوية صادقة ما عليها لوم. ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء، فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين بالحديد فقالوا: (نحن قتلة عثمان ونحن مقرون راضون بحكم علي عليه السلام علينا ولنا، فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم، فإن وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا). فقالا: قد أنصفتم، ولا يحل لعلي عليه السلام دفعكم ولا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم وبين صاحبكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.


(1). يتجني أي يرمي بإثم لم نفعله.

[ 294 ]

(3) رد فعل معاوية على رسالة أمير المؤمنين عليه السلام فانطلق أبو الدرداء وأبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما قال علي عليه السلام وما قال قتلة عثمان وما قال أبو النعمان بن ضمان. (2) فقال لهما معاوية: فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر وعمر وكفه عن الترحم على عثمان وبرائته منه في السر وما يدعي من استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله إياه وأنه لم يزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالا: بلى، قد ترحم على أبي بكر وعمر وعثمان عندنا ونحن نسمع. ثم قال لنا فيما يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الامة فكانوا هم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم – وكان اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خيرا لهم وأرشد من اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله – فقد اختاروني وبايعوني، فبيعتي بيعة هدى وأنا إمام واجب على الناس طاعتي ونصرتي، لأنهم قد تشاوروا في واختاروني. وإن كان اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا لهم وأرشد من اختيا رهم لأنفسهم ونظرهم لها، فقد اختارني الله ورسوله للامة واستخلفاني عليهم وأمراهم بنصرتي وطاعتي في كتاب الله المنزل على لسان نبيه المرسل، وذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.


(2). لم نعرف الرجل ولا وجه ذكره هنا. ولعله تكلم نيابة عن العشرين ألف المسمين أنفسهم بقتلة عثمان.

[ 295 ]

(4) مناشدات أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين في صفين ثم صعد عليه السلام المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: مناقب علي عليه السلام لا تحصى يا معاشر الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد، ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال في رسول الله صلى الله عليه وآله، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي. أتعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق، السابق إلى الأسلام – في غير آية من كتابه – على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الامة ؟ قالوا: اللهم نعم. علي عليه السلام أفضل الأوصياء قال: أنشدكم الله، سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله: (والسابقون السابقون اولئك المقربون) (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء ؟ فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن ياسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك.


(1). سورة الواقعة: الايتان 10 و 11.

[ 296 ]

إعلان الولاية في غدير خم قال: أنشدكم الله في قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) (2)، وقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3)، ثم قال: (ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (4)، فقال الناس: (يا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم) ؟ فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الايات وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وز كاتهم وحجهم. فنصبني بغدير خم وقال: (إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني، فأوعدني لابلغنها أو يعذبني. قم يا علي). ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر، ثم قال: (أيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عا داه وانصر من نصره واخذل من خذله). فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كما ذا ؟ فقال: (ولاؤه كولايتى، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وأنزل الله تبارك وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا). (1) فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، أنزلت هذه الايات في علي خاصة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة).


(2). سورة النساء: الاية 59. (3). سورة المائدة: الاية 55. (4). سورة التوبة: الاية 16. وفي المصحف: ولم يتخذوا.

[ 297 ]

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا سلمان، اشهد أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب). فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، بينهم لنا. فقال: (علي أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما من ولده. أولهم ابني الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض). فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفا، وأشهدنا رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك. وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا. فقال عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض. فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما ووصيا يكون وصي نبيكم فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته. فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لابلغها أو ليعذبني). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أيها الناس، إن الله – جل اسمه – أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم، وأمركم في كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب والأوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي، علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين


[ 298 ]

ابني، لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض. يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني الله أن أعلمه إياه وأعلمكم أنه عنده، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم). حديث الكساء وآية التطهير ثم قال علي عليه السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله: أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (1) فجمعني رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: (اللهم هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت ام سلمة: وأنا يا رسول الله ؟ فقال: (إنك على خير، وإنما أنزلت في وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني – صلوات الله عليهم – خاصة ليس معنا غيرنا). فقام كلهم فقالوا: نشهد أن ام سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثنا به كما حدثتنا ام سلمة به. الصادقون في القرآن هم الأئمة عليهم السلام ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل في كتابه: (يا أيها


(1). سورة المائدة: الاية 3. (*)

[ 299 ]

الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (2)، فقال سلمان: يا رسول الله، أعامة هي أم خاصة ؟ فقال: (أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة). قال علي عليه السلام: وقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: يا رسول الله، لم خلفتني ؟ فقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي. فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك. الشهداء على الناس في القرآن هم الأئمة عليهم السلام فقال عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) (3)، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا وأخي علي بن أبي طالب وأحدعشر من ولدي، واحدا بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفترقون حتى يردوا علي الحوض. قالوا: اللهم نعم.


(2). سورة التوبة: الاية 119. (3). سورة الحج: الايتان 77 و 78.

[ 300 ]

حديث الثقلين والنص على أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام خطيبا – ولم يخطب بعدها – وقال: (يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إلي اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ؟ فقالوا: اللهم نعم، قد شهدنا ذلك كله من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال عليه السلام: حسبي الله. فقام الاثنا عشر من الجماعة البدريين فقالوا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك ؟ فقال: لا ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده، هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان – وأشار بيده إلى الحسن والحسين – ثم وصي ابني يسمى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثم وصي علي وهو ولده واسمه محمد، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الامة. اسمه كاسمي وطينته كطينتي، يأمر بأمري وينهى بنهيى، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يتلو بعضهم بعضا، واحدا بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهد اء الله في أرضه وحججه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. فقام باقي السبعين البدريين ومثلهم من الاخرين فقالوا: ذكرتنا ما كنا نسينا، نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم عاد عليه السلام إلى السؤال فلم يدع شيئا مما سأل عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان (1) إلا ناشدهم فيه حتى أتى عليه السلام على آخر مناقبه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله.


(1). راجع عما قاله عليه السلام في خلافة عثمان: الحديث 11 من هذا الكتاب.

[ 301 ]

(5) كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنين عليه السلام فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقا لقد هلك المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته. أمير المؤمنين عليه السلام تقية أبو بكر وعمر وعثمان ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام: لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك. وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم، وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما تقية إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: (إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (2)، فإذا سمعتموني أترحم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بني). مشاهدات معاوية في السقيفة والدليل على صدق ما أتوني به ورقوه إلي: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل


(2). روى في البحار: ج 31 ص 307 قال: كنا جلوسا عند علي عليه السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان ثم قال: إني لم أسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون. (*)

[ 302 ]

من ذلك غيرنا، رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين – إذ بويع أبو بكر – فلم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير. لعمري لو كنت محقا لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلا وما لا يقرون به. وسمعتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان – حين قال لك: (غلبت يابن أبي طالب على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي) ودعاك إلى أن ينصرك – فقلت: (لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل)، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرها. (6) كتاب أمير المؤمنين عليه السلام جوابا لمعاوية قال: فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطت فيه يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الامة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،


[ 303 ]

الموافق لك كما وافق شن طبقة (1)، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه. والله لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلا، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الامة جميعا إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم. فليس من دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراما ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره. وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال: (جاهد في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) (2)، وقال: (حرض المؤمنين على القتال) (3)، فكنت أنا وأنت المجاهدين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم اومر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه لايعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام. وإن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت من حجتك، متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه، ولا سيما لما أتوك قبل (4) مخالفة ما


(1). قوله (وافق شن طبقة) مثل يضرب للشيئين يتفقان. (2). إشارة إلى سورة النساء: الاية 84، والاية هكذا: (فقاتل في سبيل الله…). (3). سورة الأنفال: الاية 65. (4). لعل المراد من قوله (لما أتوك) أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.

[ 304 ]

أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدع، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك (1) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكت عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك. ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتم من غير أن يكون معك فئة أعوان تقوي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له. وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الامة، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول ذاالفضل فضله، ولو شاء عجل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الاخرة دار الثواب والعقاب، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2) فقلت: شكرا لله على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.


(1). المراد من قوله (إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم…)، إن استجابو الك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان. (2). سورة النجم: الاية 31.

[ 305 ]

ثم قال صلى الله عليه وآله: يا أخي، ابشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وترات أحد. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك، إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق. واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الامة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه. ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلا، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذابا. وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرما ولا أصغر ذنبا وأهون بدعة وضلالة ممن استنالك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا، فإن الله يقول: (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون


[ 306 ]

الناس على ما آتاهم الله من فضله) (3)، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله عزوجل: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (1)، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد ؟ يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الامة، فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى. يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفا من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلا وقد رد عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم، وأنزل فيهم قرآنا قاطعا ناطقا عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل، (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (2)، الراسخون نحن آل محمد. وأمر الله سائر الامة أن يقولوا: (آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولوا الألباب) (3)، وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (4)، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.


(1). سورة النساء: الايتان 54 و 55. (2). سورة آل عمران: الاية 7. (3). سورة آل عمران: الاية 7. (4). سورة النساء: الاية 83.

[ 307 ]

آيتان نزلتا في معاوية لعمري لو أن الناس – حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله – سلموا لنا واتبعونا وقلدونا أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم. ولقد أنزل الله في وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) إلى قوله: (وأما من أوتي كتابه بشماله) (5) إلى آخر الاية، وذلك انه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي ويدعى بك. يا معاوية، وأنت صاحب السلسلة الذي يقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه) إلى آخر القصص (6)، والله لقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه. آية نزلت في بني أمية ونزل فيكم قول الله عز وجل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس


(5). الاية الاولى في سورة الانشقاق: الاية 6 وتمام الايات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى اهله مسرورا). والاية الثانية في سورة الحاقة: الايات 37 – 19، وتمام الايات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ما ليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه…). (6). سورة الحاقة: الايات 29 – 25. وقوله (أنت صاحب السلسلة)، إشارة إلى قوله تعالى في الاية 32 من هذه السورة: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).

[ 308 ]

والشجرة الملعونة في القرآن) (7)، وذلك حين رآى رسول الله صلى الله عليه وآله اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلى الله عليه وآله. (1) يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثوابا. وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله أنت ووزيرك وصويحبك، يقول: (إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). (2) يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديما حاربوا أولياء الرحمن، قال الله: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم). (3)


(7). سورة الاسراء: الاية 60. (1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 243 عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الأسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذه الوزغة اللعين ؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغربهم جميعا إلى الطائف. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لاوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة. (2). قوله (كتاب الله دخلا) أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيدا وإماء ويتداولون مال الله بينهم. (3). سورة آل عمران: الاية 21.

[ 309 ]

يا معاوية، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي، وإني مستشهد، وستلي الامة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم، وأن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين، يلي ذلك منه ابن الزانية. إخباره عليه السلام عن تسلط بني أمية على الامة وأن الامة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده تكملة اثنى عشر إماما قد رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقري، وأنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة. وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر. إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ظهور الأمام المهدي عليه السلام وأن رجلا من ولدك مشوم ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو. فيبعث جيشا إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منه رجل من ولدي زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا. وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته. وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه. فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيا بريا عند أحجار الزيت. ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله


[ 310 ]

عزوجل: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (1) – قال: من تحت أقدامكم – فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه. ويبعث الله للمهدي أقواما يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف. والله إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم. فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع، قال الله عز وجل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) (2) هذا لنا خاصة أهل البيت. هدف أمير المؤمنين عليه السلام من مراسلاته لمعاوية أما والله يا معاوية، لقد كتبت إليك هذا الكتاب وإني لأعلم أنك لا تنتفع به، وأنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك، لأن الاخرة ليست من بالك وأنك بالاخرة لمن الكافرين. وستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة. ومما دعاني إلى الكتاب إليك بما كتبت به: إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ورؤوس أصحابي لعل الله أن ينفعهم بذلك، أو يقرأه واحد ممن قبلك فيخرجه الله به وبنا من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتهم، وأحببت أن أحتج عليك. (7) جواب معاوية الأخير إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكتب إليه معاوية: (هنيئا لك يا أبا الحسن تملك الاخرة، وهنيئا لنا نملك الدنيا)


(1). سورة سبأ: الاية 51. (2). سورة النمل: الاية 62.

[ 311 ]

(26) (1) احتجاجات قيس بن سعد بن عبادة على معاوية أبان عن سليم وعمر بن أبي سلمة – حديثهما واحد، هذا وذلك – قالا: قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين عليه السلام وصالح الحسن عليه السلام. فاستقبله أهل المدينة (3)، فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر من الأنصار. فسأل عن ذلك، فقيل له: (إنهم محتاجون ليست لهم دواب) فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا معشر الأنصار، ما لكم لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش ؟ فقال قيس – وكان سيد الأنصار وابن سيدهم -: أقعدنا – يا أمير المؤمنين – أن لم تكن لنا دواب فقال معاوية: فأين النواضح ؟ فقال قيس: أفنيناها يوم بدر ويوم أحد وما بعدهما في مشاهد رسول الله حين ضربناك وأباك على الأسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون. قال معاوية: اللهم غفرا. قال قيس: أما إن رسول الله قال: (إنكم سترون بعدي إثرة). فقال معاوية: فما أمركم ؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. فقال: فاصبروا حتى تلقوه


(3). في المثالب لابن شهر آشوب: فتلقته قريش بوادي القرى والأنصار بأبواء المدينة.

[ 312 ]

ثم قال قيس: يا معاوية، تعيرنا بنواضحنا ؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا. ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الأسلام الذي ضربناكم عليه. فقال له معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتك إيانا، والله لقريش بذلك المن والطول. ألستم تمنون علينا – يا معشر الأنصار – بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا ؟ فلنا المن والطول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا. سوابق أبي طالب عليه السلام في نصرة الأسلام فقال قيس: إن الله عز وجل بعث محمدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى الجن والأنس والأحمر والأسود والأبيض، واختاره لنبوته واختصه برسالته. فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وكان أبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه. فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه عليا بموازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك عليا من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم. فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وخادمه يومئذ علي عليه السلام، ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب، فقال: (أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي) ؟ فسكت القوم حتى أعادها رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات. فقال علي عليه السلام: (أنا يا رسول الله، صلى الله عليك). فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه


[ 313 ]

وقال: (اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما). ثم قال لأبي طالب: (يا أبا طالب، اسمع الان لابنك علي وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى). وآخى بين الناس وآخى بين علي وبين نفسه. فلم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال: منهم أهل البيت جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين، اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين. فإذا وضعت من قريش رسول الله وأهل بيته وعترته الطيبين، فنحن والله خير منكم – يا معشر قريش – وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم. لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ثم قالوا: (لا نبايع غير سعد). فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله. فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمد عليهم السلام. ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولالأحد من العرب والعجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده. فغضب معاوية وقال: يابن سعد، عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته ؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته ؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم علي حقا من أبي. قال: ومن هو ؟ قال: ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عالم هذه الامة وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل وهو قوله عزوجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (1) فلم يدع قيس آية نزلت في علي عليه السلام إلا ذكرها.


(1). سورة الرعد: الاية 43.

[ 314 ]

فقال معاوية: فإن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (2)، والذي أنزل الله جل اسمه فيه: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (3)، والله لقد نزلت: (وعلي لكل قوم هاد)، فأسقطتم ذلك، والذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم فقال: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وقال له رسول الله في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). (2) بداية خطة معاوية في لعن علي عليه السلام وكان معاوية يومئذ بالمدينة، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله: (ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحل بنفسه العقوبة). وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل بيته عليهم السلام بما ليس فيهم، واللعنة لهم.


(2). سورة هود: الاية 17. (3). سورة الرعد: الاية 7.

[ 315 ]

(3) احتجاجات ابن عباس على معاوية ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال له: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك علي بقتالي إياكم يوم صفين. يابن عباس، إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما. قال له ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما، أفسلمتم الأمر إلى ولده، وهذا ابنه ؟ قال: إن عمر قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان ؟ قال: قتله المسلمون قال: فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق. قال معاوية: فإنا قد كتبنا في الافاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف لسانك – يابن عباس – واربع على نفسك. فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال: لا. قال: أفتنهانا عن تأويله ؟ قال: نعم. قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به ؟ قال: نعم. قال: فأيما أوجب علينا، قرائته أو العمل به ؟ قال معاوية: العمل به. قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟ قال: سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك. قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه آل أبي معيط أو اليهود والنصارى والمجوس ؟ قال له معاوية: فقد عدلتنا بهم وصيرتنا منهم.


[ 316 ]

قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الامة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا. قال معاوية: فاقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم من تفسيره وما قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك. قال ابن عباس: قال الله في القرآن: (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). (1) قال معاوية: يابن عباس، إكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لابد فاعلا فليكن ذلك سرا ولا يسمعه أحد منك علانية. ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم. (4) اشتداد البلاء على الشيعة في عهد معاوية ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته عليهم السلام، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زيادا أخاه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقد عرفهم وسمع كلامهم أول شئ.


(1). سورة التوبة: الاية 32.

[ 317 ]

فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق. فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب. وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: (أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة). تقريب معاوية جماعة عثمان واختلاق المناقب له وكتب إلى عماله: (انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه، فأدنوا مجالسهم وأكرموهم وقربوهم وشرفوهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل واسم أبيه وممن هو). ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات والكسى وأكثر لهم القطائع من العرب والموالي. فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل والضياع واتسعت عليهم الدنيا. فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قرية فيروي في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع. فلبثوا بذلك ما شاء الله. سعي معاوية في إحياء اسم أبي بكر وعمر ثم كتب بعد ذلك إلى عماله: (أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل قرية ومصر ومن كل ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في أبي بكر وعمر، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله).


[ 318 ]

فقرأ كل قاض وأمير من ولاته كتابه على الناس، وأخذ الناس في الروايات في أبي بكر وعمر وفي مناقبهم. أمر معاوية بتعليم المناقب الكاذبة للأطفال والنساء ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل، وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقرائتها على المنابر وفي كل كورة وفي كل مسجد. وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن (1) وحتى علموها بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله. (2) برنامج معاوية لأبادة الشيعة ثم كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة). ثم كتب كتابا آخر: (من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه). فقتلوهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب، حتى لقد كان الرجل يغلط بكلمة فيضرب عنقه. ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أنه كان الرجل من شيعة علي عليه السلام – وممن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها – ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ثم يلقي إليه سره فيخاف من خادمه ومملوكه، فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه عليه.


(1). راجع عن المناقب المفتعلة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان: الحديث 10 من هذا الكتاب. (2). زاد هنا في الاحتجاج: وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: (أنهم على دين علي وعلى رأيه). فكتب إليه معاوية: (اقتل كل من كان على دين علي ورأيه)، فقتلهم ومثل بهم. روى في البحار: ج 44 ص 212 من جملة ما كتبه الأمام الحسين عليه السلام إلى معاوية جوابا لرسالته: (… أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثل بهم بأمرك).

[ 319 ]

وجعل الأمر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور والبهتان، فنشأ الناس على ذلك ولم يتعلموا إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهائهم. وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنه القراء المراءون المتصنعون، الذين يظهرون لهم الحزن والخشوع والنسك، ويكذبون ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويدنوا بذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل. حتى صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق، فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا، حتى جمعت على ذلك مجالسهم وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب ويبغضون عليه أهله. فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها ولا تنقصوا من خالفهم. فصار الحق في ذلك الزمان باطلا والباطل حقا والصدق كذبا والكذب صدقا. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة. فإذا غير منها شئ قالوا: أتى الناس منكرا، غيرت السنة) فلما مات الحسن بن علي عليه السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان، فلم يبق ولي لله إلا خائفا على دمه أو مقتولا أو طريدا أو شريدا، ولم يبق عدو لله إلا مظهرا حجته غير مستتر ببدعته وضلالته.


[ 320 ]

(5) مناشدات واحتجاجات الأمام الحسين عليه السلام بمكة فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته. ثم أرسل رسلا: (لا تدعوا أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي). فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل (1) وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وغيرهم. فقام فيهم الحسين عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شئ، فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون.


(1). في الاحتجاج: ألف رجل.

[ 321 ]

مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان الأمام الحسين عليه السلام وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا وشهدنا)، ويقول التابعي: (اللهم قد حدثني به من أصدقه وأئتمنه من الصحابة). فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه. قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين عليه السلام وذكرهم أن قال: أنشدكم الله أتعلمون أن علي بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلى الله عليه وآله حين آخى بين أصحابه، فآخى بينه وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والاخرة) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه، ثم ابتنى فيه عشرة منازل، تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي. ثم سد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه، فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلى الله عليه وآله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله، فولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وله فيه أولاد ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد، فأبى عليه. ثم خطب صلى الله عليه وآله فقال: إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: (ليبلغ الشاهد الغائب) ؟ قالوا: اللهم نعم.


[ 322 ]

قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كل مؤمن بعدي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله، أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: (لأدفعه إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار يفتحها الله على يديه) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثه ببراءة وقال: (لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تنزل به شدة قط إلا قدمه لها ثقة به، وانه لم يدعه باسمه قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بينه وبين جعفر وزيد (1)، فقال له: (يا علي، أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم خلوة وكل ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه وإذا سكت أبداه ؟ قالوا: اللهم نعم.


(1). راجع الحديث 11 من هذا الكتاب.

[ 323 ]

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره بغسله وأخبره أن جبرئيل يعينه عليه ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبها: (أيها الناس، إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا) ؟ قالوا: اللهم نعم. فلم يدع شيئا أنزله الله في علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيه صلى الله عليه وآله إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا)، ويقول التابعي: (اللهم قد حدثنيه من أثق به، فلان وفلان). ثم ناشدهم أنهم قد سمعوه صلى الله عليه وآله يقول: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب، ليس يحبني وهو يبغض عليا) فقال له قائل: يا رسول الله، وكيف ذلك ؟ قال: لأنه مني وأنا منه، من أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) ؟ فقالوا: (اللهم نعم، قد سمعنا). وتفرقوا على ذلك.


[ 324 ]

(27) ابن عباس يحكى قضية الكتف أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: إني كنت عند عبد الله بن عباس في بيته وعنده رهط من الشيعة. قال: فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وموته، فبكى ابن عباس، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاثنين – وهو اليوم الذي قبض فيه – وحوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا بعدي. فمنعهم فرعون هذه الامة فقال: (إن رسول الله يهجر) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (إني أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي) ؟ فترك الكتف. قال سليم: ثم أقبل علي ابن عباس فقال: يا سليم، لو لا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتابا لا يضل أحد ولا يختلف. فقال رجل من القوم: ومن ذلك الرجل ؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل. فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعت عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: (إنه عمر). فقال: يا سليم، اكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك، فإن قلوب هذه الامة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل والسامري.


[ 325 ]

(28) أحاديث عن حرب الجمل قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول: شهدت يوم الجمل عليا عليه السلام، وكنا اثني عشر ألفا وكان أصحاب الجمل زيادة على عشرين ومائة ألف. وكان مع علي عليه السلام من المهاجرين والأنصار نحو من أربعة آلاف ممن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدرا والحديبية ومشاهده، وسائر الناس من أهل الكوفة إلا من تبعه (1) من أهل البصرة والحجاز ليست له هجرة ممن أسلم بعد الفتح. وجل الأربعة آلاف من الأنصار. ولم يكره أحدا من الناس على البيعة ولا على القتال، إنما ندبهم فانتدب من أهل بدر سبعون ومائة رجل، وجلهم من الأنصار ممن شاهد أحدا والحديبية، ولم يتخلف عنه أحد. وليس أحد من المهاجرين والأنصار إلا وهواه معه، يتولونه ويدعون له بالظفر والنصر ويحبون ظهوره على من ناواه، ولم يحرجهم ولم يضيق عليهم وقد بايعوه، وليس كل الناس يقاتل في سبيل الله. (1)


(1). أي مضافا إلى من تبعه من أهل البصرة ومن غير المهاجرين من أهل الحجاز الذين أسلموا بعد فتح مكة. (1). أي عدم إكراهه عليه السلام لهم لا ينافي عدم خلوص نياتهم في الحرب.

[ 326 ]

والطاعن عليه والمتبرء منه قليل مستتر عنه، مظهر له الطاعة غير ثلاثة رهط، بايعوه ثم شكوا في القتال معه وقعدوا في بيوتهم: محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر. وأسامة بن زيد سلم بعد ذلك ورضي، ودعا لعلي عليه السلام واستغفر له وبرئ من عدوه وشهد أنه على الحق، ومن خالفه ملعون حلال الدم.


[ 327 ]

(29) احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة والزبير قال أبان: قال سليم: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام، وأهل البصرة يوم الجمل نادى علي عليه السلام الزبير: يا أبا عبد الله، اخرج إلي. فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس شاك في السلاح وأنت على بغلة بلا سلاح ؟ فقال علي عليه السلام: إن علي من الله جنة واقية. لن يستطيع أحد فرارا من أجله. وإني لا أموت ولا أقتل إلا على يدي أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى ثمود. فخرج إليه الزبير. فقال: أين طلحة ؟ ليخرج. فخرج طلحة. أصحاب الجمل ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام: نشدتكما بالله، أتعلمان واولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر (أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله) وقد خاب من افترى ؟ فقال الزبير: كيف نكون ملعونين ونحن من أهل الجنة ؟ فقال علي عليه السلام: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم. فقال الزبير: أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد: (أوجب طلحة الجنة، ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حيا فلينظر إلى طلحة) ؟ أوما سمعت رسول الله


[ 328 ]

يقول: (عشرة من قريش في الجنة) ؟ (2) رد أمير المؤمنين عليه السلام حديث العشرة المبشرة فقال علي عليه السلام: فسمهم. قال: فلان وفلان وفلان، حتى عد تسعة، فيهم أبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. فقال علي عليه السلام: عددت تسعة، فمن العاشر ؟ قال الزبير: أنت فقال علي عليه السلام: أما أنت فقد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإني به لمن الجاحدين. والله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم. سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا فأظفرك الله بي وسفك دمي بيدك، وإلا فأظفرني الله بك وبأصحابك فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي. إخراج زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله بيد طلحة والزبير ثم أقبل على طلحة فقال: يا طلحة، معكما نساؤكما ؟ قال: لا. قال: عمدتما إلى امرأة موضعها في كتاب الله القعود في بيتها فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام والحجال ؟ ما أنصفتما رسول الله صلى الله عليه وآله من أنفسكم حيث أجلستما نسائكما في البيوت وأخرجتما زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أمر الله أن لا يكلمن إلا من وراء حجاب. أخبرني عن صلاة عبد الله بن الزبير بكما، أما يرضى أحدكما بصاحبه ؟ أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي، ما يحملكما على ذلك ؟


(2). في الاحتجاج: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (عشرة من قريش في الجنة) ؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته. فقال له علي عليه السلام: لست أخبرك بشئ حتى تسميهم.

[ 329 ]

فقال طلحة: يا هذا، كنا في الشورى ستة مات منا واحد وقتل آخر، فنحن اليوم أربعة كلنا لك كاره. فقال له علي عليه السلام: ليس ذلك علي، قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا وهو اليوم في يدي. أرأيت لو أردت – بعد ما بايعت عثمان – أن أرد هذا الأمر شورى، أكان ذلك لي ؟ قال: لا. قال: ولم ؟ قال: لأنك بايعت طائعا. فقال علي عليه السلام: وكيف ذلك، والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون: (لئن فرغتم وبايعتم واحدا منكم، وإلا ضربنا أعناقكم أجمعين) فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئا من هذا حيث بايعتماني ؟ وحجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك وقد بايعتني أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين، وكنتما أول من فعل ذلك، ولم يقل أحد: لتبايعان أو لنقتلنكما فانصرف طلحة ونشب القتال، فقتل طلحة وانهزم الزبير.


[ 330 ]

(30) مفتاح العلوم عند أمير المؤمنين عليه السلام قال أبان: قال سليم: سمعت ابن عباس يقول: سمعت من علي عليه السلام حديثا لم أدر ما وجهه ولم أنكره. سمعته يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلي في مرضه، فعلمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب). وإني لجالس بذي قار في فسطاط علي عليه السلام وقد بعث الحسن عليه السلام وعمارا إلى أهل الكوفة يستنفران الناس، إذ أقبل علي علي عليه السلام فقال: يابن عباس، يقدم عليك الحسن ومعه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. (1) فقلت في نفسي: إن كان كما قال فهو من تلك الألف باب. فلما أظلنا الحسن عليه السلام بذلك الجند استقبلتهم، فقلت لكاتب الجيش الذي معه أسمائهم: كم رجل معكم ؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.


(1). الترديد من الراوي، ورواه في البحار: ج 41 ص 300 بتفصيل أكثر هكذا: قال أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على الموت. قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من العدد أو يزيدوا عليه فيفسدوا الأمر علينا. وإني أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسعمائة ر جل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجئ القوم. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما ذا حمله على ما قال ؟ فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وإداوة. فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لأبايعك. قال علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني ؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك أو يفتح الله عليك. فقال: ما اسمك ؟ قال: أويس القرني، قال: نعم، الله أكبر فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أني أدرك رجلا من أمته يقال له (أويس القرني)، يكون من حزب الله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عباس: فسري عنا.

[ 331 ]

(31) سلونى قبل أن تفقدوني قال أبان عن سليم، قال: جلست إلى علي عليه السلام بالكوفة في المسجد والناس حوله. فقال: سلوني قبل أن تفقدوني. سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها. فقال ابن الكواء: فما كان ينزل عليه وأنت غائب ؟ فقال عليه السلام: بلى، يحفظ علي ما غبت عنه، فإذا قدمت عليه قال لي: (يا علي، أنزل الله بعدك كذا وكذا) فيقرأنيه، (وتأويله كذا وكذا) فيعلمنيه.


[ 332 ]

(32) افتراق الأمم قال أبان: قال سليم: سمعت عليا عليه السلام وهو يقول لرأس اليهود: كم افترقتم ؟ فقال: على كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه السلام: كذبت ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الأنجيل بإنجيلهم وبين أهل القرآن بقرآنهم. افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى. وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى عليه السلام. وتفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه وآله – وضرب بيده على صدره -. ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة منها في النار.


[ 333 ]

(33) أسماء أهل السعادة والشقاوة قال أبان: قال سليم: قلت لابن عباس: أخبرني بأعظم ما سمعتم من علي بن أبي طالب عليه السلام، ما هو ؟ قال سليم: فأتاني بشيئ قد كنت سمعته أنا من علي عليه السلام. قال عليه السلام: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده كتاب، فقال: يا علي، دونك هذا الكتاب. فقلت: يا نبي الله، وما هذا الكتاب ؟ قال: كتاب كتبه الله، فيه تسمية أهل السعادة وأهل الشقاوة من أمتي إلى يوم القيامة، أمرني ربي أن أدفعه إليك. (1)


(1). يناسب هنا أن أورد ما رواه في البحار: ج 17 ص 146 ح 40 بأسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرى كتاب. فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب لأهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد). قال: ثم نشر الذي بيده اليسرى فقرأ: (كتاب من الله الرحمن الرحيم لأهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد). وروى في البحار ايضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: انتهى النبي صلى الله عليه وآله إلى السماء السابعة وانتهى إلى سدرة المنتهى. قال: فقالت السدرة: ما جازني مخلوق قبلك. ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى. قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وكتاب أصحاب الشمال. فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه ونظر فيه، فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم. قال: وفتح كتاب أصحاب الشمال ونظر فيه فإذا فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم. ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

[ 334 ]

(34) أخبار ليلة الهرير أشد مراحل حرب صفين قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول – وسألته (2): هل شهدت صفين ؟ فقال: نعم. قلت: هل شهدت يوم الهرير ؟ قال: نعم. قلت: كم كان أتى عليك من السن ؟ قال: أربعون سنة. (3) قلت: فحدثني رحمك الله. قال: مهما نسيت من شيئ من الاشياء فلا أنسى هذا الحديث. ثم بكى وقال: صفوا وصففنا، فخرج مالك الأشتر على فرس له أدهم مجنب (4) وسلاحه معلق على فرسه وبيده الرمح وهو يقرع به رؤوسنا ويقول: (أقيموا صفوفكم). فلما كتب الكتائب (5) وأقام الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره وأقبل علينا بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال: (أما بعد، فإنه كان من قضاء الله وقدره اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لاجال قد اقتربت وأمور تصرمت، يسوسنا فيها سيد المسلمين وأمير المؤمنين


(2). أي وقد سألت سليما، وسيأتي في موارد من هذا الحديث قوله: (قال سليم). ويؤيد ذلك أن سليم كان حاضرا بصفين إلى آخرها كما هو صريح عدة أحاديث في هذا الكتاب. (3). يستفاد من هذه العبارة أن سليما ولد بسنتين أو أربع سنين قبل الهجرة، وذلك أن وقعة صفين بدئت في سنة 36 وانتهت في سنة 38. فإذا كان عمر سليم آنذاك أربعون سنة يكون ميلاده إما بسنتين قبل الهجرة أو أربع سنوات. (4). أي كان يقوده إلى جنبه ولم يركبه. (5). كتب الكتائب أي هيأهم وجعلهم في فئات منظمة. (*)

[ 335 ]

وخير الوصيين وابن عم نبينا وأخوه ووارثه، وسيو فنا سيوف الله، ورئيسهم ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء والنار. ونحن نرجو بقتالهم من الله الثواب، وهم ينتظرون العقاب. فإذا حمى الوطيس وثار القتال (6) وجالت الخيل بقتلانا وقتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله، فلا أسمعن إلا غمغمة (7) أو همهمة. أيها الناس، غضوا الأبصار وعضوا على النواجذ من الأضراس فإنها أشد لضرب الرأس، واستقبلوا القوم بوجوهكم وخذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم، فاضربوا الهام وأطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف (موتورين بآبائهم وبدماء إخوانهم حنقين على عدوهم، قد وطنوا أنفسهم على الموت، لكيلاتذلوا ولا يلزمكم في الدنيا عار). ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم، فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة العرب (2). وكانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول. ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. (3) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد ليلة الهرير قال سليم: ثم إن عليا عليه السلام قام خطيبا فقال: (يا أيها الناس، إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم وبعدوكم كمثل فلم يبق إلا آخر نفس، وإن الامور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها،


(6). حمى الوطيس أي اشتد الحرب. (7). الغمغمة: الكلام الذي لا يبين. 3 الشرسوف: طرف الضلع المشرف على البطن. (2). أي ساداتهم. (3). قوله: (ما سجد لله…) أي كانوا يصلون صلاة الخوف حالة القيام، كما ورد ذلك عن الأمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (… وما كانت صلاة القوم يومئذ إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة). راجع أمالي الصدوق: ص 332 والبحار: ج 32 ص 615 ح 482.

[ 336 ]

وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا. وأنا غاد عليهم بالغداة إن شاء الله ومحاكمهم إلى الله). رفع المصاحف فبلغ ذلك معاوية ففزع فزعا شديدا وانكسر هو وجميع أصحابه وأهل الشام لذلك. فدعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إنما هي الليلة حتى يغدو علينا، فما ترى ؟ قال: أرى الرجال قد قلوا، وما بقي فلا يقومون لرجاله ولست مثله، وإنما يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره: أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء. وليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم. ولكن ألق إليهم أمرا إن ردوه اختلفوا وإن قبلوه اختلفوا دعهم إلى كتاب الله وارفع المصاحف على رؤوس الرماح، فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها لك. كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام خديعة فعرفها معاوية وقال: صدقت، ولكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا: (طلبي إليه الشام على الموادعة)، وهو الشيئ الأول الذي ردني عنه. فضحك عمرو وقال: أين أنت يا معاوية من خديعة علي ؟ وإن شئت أن تكتب فاكتب. قال: فكتب معاوية إلى علي عليه السلام كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له (عبد الله بن عقبة): (أما بعد، فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمناه نحن، لم يجنها بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به (4) ما مضى ونصلح ما بقي. وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك علي


(4). أي نصلح ونأخذ في ترميمه.

[ 337 ]

فأعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف، وقد والله رقت الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز ولا يسترق به ذليل، والسلام). جواب أمير المؤمنين عليه السلام لكتاب معاوية قال سليم: فلما قرأ علي عليه السلام كتابه ضحك وقال: العجب من معاوية وخديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له: اكتب: أما بعد، فقد جائني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض)، وإنا وإياك – يا معاوية – على غاية منها لم نبلغها بعد. وأما طلبك الشام، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الاخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض)، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم، والسلام). شماتة عمرو بن العاص بمعاوية قال: فلما انتهى كتاب علي عليه السلام إلى معاوية كتمه عن عمرو، ثم دعاه فأقرأه. فشمت به عمرو، وقد كان نهاه. ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي عليه السلام من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن دابته. فقال عمرو:


[ 338 ]

ألا لله درك يابن هندودر المرء ذى الحال المسود أتطمع – لا أبا لك – في علي وقد قرع الحديد على الحديد وترجو أن تخادعه بشك وترجو أن يهابك بالوعيد وقد كشف القناع وجر حربايشيب لهولها رأس الوليد له جاواه مظلمة طحول فوارسها تلهب كالاسود (1) يقول لها إذا رجعت إليه وقابل بالطعان القوم عودي فإن وردت فأولها وروداوإن صدرت فليس بذى ورود وما هي من أبي حسن بنكروما هي من مسائك بالبعيد وقلت له مقالة مستكين ضعيف القلب منقطع الوريد طلبت الشام حسبك يابن هند من السوءات والرأي الزهيد ولو أعطاكها ما ازددت عزاوما لك في استزادك من مزيد فلم تكسر بهذا الرأي عوداسوى ما كان، لا بل دون عود فضيحة معاوية وعمرو بن العاص فقال معاوية: والله لقد علمت ما أردت بهذا. قال عمرو: وما أردت به ؟ قال: عيبك رأيي وخلافك علي وإعظامك عليا، لما فضحك يوم بارزته. فضحك عمرو وقال: أما خلافك ومعصيتك فقد كانت، وأما فضيحتي فلم يفتضح


(1). جاوى بالأبل: دعاه إلى الماء، والطحول: الملان.

[ 339 ]

رجل بارز عليا (1)، فإن شئت أن تتلوها أنت منه فافعل فسكت معاوية وفشا أمرهما في أهل الشام.


(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 2 ص 161 عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن ابن عباس قال: تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السلام يوما من أيام صفين وظن أنه يطمع منه في غرة فيصيبه. فحمل عليه علي عليه السلام، فلما كاد أن يخالطه أذرى نفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته فصرف عليه السلام وجهه عنه وقام (أي ابن العاص) معفرا بالتراب هاربا على رجليه معتصما بصفوفه. فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين، أفلت الرجل. فقال: أتدرون من هو ؟ قالوا: لا. قال: إنه عمرو بن العاص، تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم، فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية، فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله ؟ فقال: لقيني علي فصرعني قال: احمد الله وعورتك

[ 340 ]

(35) أخبار مقطع من حرب صفين قال أبان: قال سليم: ومر علي عليه السلام بجماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط (2) وهم يشتمونه.


(2). أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 120 عن الأغاني: أن الوليد بن عقبة كان زانيا شريب الخمر. فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلى بهم أربع ركعات. ثم التفت إليهم وقال لهم: أزيدكم ؟ وتقيأ في المحراب، وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته: علق القلب الربا بابعد ما شابت وشابا وروى عن عدة طرق: أن طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له: قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت، وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله. وقال علي عليه السلام: اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه. فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد. فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الأمارة وأشخص الوليد. فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتا. فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين عليك فيكف. فلما رآى ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام أخذ السوط ودخل عليه… فجعل يضربه والوليد يسبه وفي رواية البحار: ج 8 طبع قديم ص 302: (فأقبل الوليد يروغ من علي عليه السلام. فاجتذبه وضرب به الأرض وعلاه بالسوط). وابن النابغة هو عمرو بن العاص، وأمه كانت بغيا من ذوات الرايات من طوائف مكة. فوقع عليها ستة من قريش في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه فألحقته النابغة بالعاص بن وائل. راجع الغدير: ج 2 ص 121. وأما أبو الأعور الأسلمي فهو عمرو بن سفيان كان ممن شهد معاهدة المنافقين ضد أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. ولم يزل معاديا لأمير المؤمنين عليه السلام حتى صار من أمراء جند معاوية بصفين وكان على مقدمته.=

[ 341 ]

فأخبر بذلك. فوقف فيمن يليهم من أصحابه ثم قال لهم: (انهضوا إليهم وعليكم السكينة وسيماء الصالحين ووقار الأسلام. إن أقربنا من الجهل بالله والجرأة عليه والأغترار لقوم رئيسهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود الحد في الأسلام والطريد مروان، وهم هؤلاء يقومون ويشتمون. وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الأسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأوثان فالحمد لله قديما وحديثا على ما عاداني الفاسقون المنافقون. إن هذا الخطب لجليل، إن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين وعلى الأسلام متخوفين، خدعوا شطر هذه الامة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهوائهم إلى الباطل. فقد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون). ثم حرض عليهم وقال: (إن هؤلاء لا يزالون عن موقفهم هذا دون طعن دراك (3) تطير منه القلوب، وضرب يفلق الهام وتطيح منه الانوف والعظام وتسقط منه المعاصم، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد وتنشر حواجبهم على صدورهم والأذقان والنحور. أين أهل الدين، طلاب الأجر) ؟ حملة محمد بن الحنفية بأربعة آلاف على عسكر معاوية فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف، فدعا محمد بن الحنفية فقال: (يا بني، امش نحو هذه الراية مشيا وئيدا على هينتك (1) حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فامسك


= وأما مروان بن الحكم فهو الذي أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبيه من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف. ولما أدخل مروان – حين ولد – على النبي صلى الله عليه وآله قال: هو الوزغ بن الوزغ، المعلون بن الملعون. راجع الغدير: ج 8 ص 244 و 260. (3). قوله (دراك) أي متواصل. (1). أي بتمهل وتأني.

[ 342 ]

حتى يأتيك رأيي)، ففعل. وأعد علي عليه السلام مثلهم، فلما دنا محمد وأشرع الرماح في صدورهم أمر علي عليه السلام الذين كان أعدهم أن يحملوا معهم. فشدوا عليهم ونهض محمد ومن معه في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وقتلوا عامتهم.


[ 343 ]

(36) دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أبان عن سليم، قال: سألت المقداد عن علي عليه السلام، قال: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله – وذلك قبل أن يأمر نساءه بالحجاب – وهو يخدم رسول الله صلى الله عليه وآله ليس له خادم غيره، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام بين علي وعائشة ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله من الليل يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتهم، ويقوم رسول الله صلى الله عليه وآله فيصلي. فأخذت عليا عليه السلام الحمى ليلة فأسهرته، فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله لسهره، فبات ليله مرة يصلي ومرة يأتي عليا عليه السلام يسليه وينظر إليه حتى أصبح. فلما صلى بأصحابه الغداة قال: (اللهم اشف عليا وعافه، فإنه قد أسهرني مما به من الوجع). فعوفي، فكأنما أنشط من عقال ما به من علة. ما سأل رسول الله صلى الله عليه وآله ربه لعلي عليه السلام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ابشر يا أخي قال ذلك وأصحابه حوله يسمعون. فقال علي عليه السلام: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك. قال: إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله. إني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن بعدي ففعل، وسألته إذا ألبسني ثوب النبوة والرسالة أن يلبسك ثوب الوصية والشجاعة ففعل، وسألته أن يجعلك وصيي ووارثي


[ 344 ]

وخازن علمي ففعل، وسألته أن يجعلك مني بمنزلة هارون من موسى وأن يشد بك أزري ويشركك في أمري ففعل، إلا أنه قال: (لا نبي بعدك) فرضيت، وسألته أن يزوجك ابنتي ويجعلك أبا ولدي ففعل. فقال رجل لصاحبه: أرأيت ما سأل ؟ فوالله لو سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو يفتح له كنزا ينفقه هو وأصحابه – فإن به حاجة – كان خيرا له مما سأل وقال الاخر: والله لصاع من تمر خير مما سأل


[ 345 ]

* 1 * ما قاله أصحاب الصحيفة الملعونة عند موتهم (1) كلام معاذ بن جبل وما رآه عند الموت عن أبان قال: سمعت سليم بن قيس يقول: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأزدي ثم الثمالي (2) ختن معاذ بن جبل – وكانت ابنته تحت معاذ بن جبل – وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهادا. قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون (3)، فشهدته يوم مات – وكان الناس متشاغلين بالطاعون – قال: فسمعته حين احتضر وليس في البيت معه غيري – وذلك في خلافة عمر بن


[ 346 ]

الخطاب – يقول: ويل لي ويل لي ويل لي ويل لي فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون يهذون ويتكلمون ويقولون الأعاجيب. فقلت له: تهذي رحمك الله ؟ فقال: لا. فقلت: فلم تدعو بالويل ؟ قال: لموالاتي عدو الله على ولي الله فقلت له: من هو ؟ قال: لموالاتي عدو الله عتيقا وعمر على خليفة رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب. فقلت: إنك لتهجر ؟ فقال: يابن غنم، والله ما أهجر هذا رسول الله وعلي بن أبي طالب يقولان: يا معاذ بن جبل، إبشر بالنار أنت وأصحابك الذين قلتم: (إن مات رسول الله أو قتل زوينا الخلافة عن علي فلن يصل إليها)، أنت وعتيق وعمر وأبو عبيدة وسالم. فقلت: يا معاذ، متى هذا ؟ فقال: في حجة الوداع، قلنا: (نتظاهر على علي فلا ينال الخلافة ما حيينا). فلما قبض رسول الله قلت لهم: (أنا أكفيكم قومي الأنصار، فاكفوني قريشا). ثم دعوت على عهد رسول الله إلى الذي تعاهدنا عليه بشير بن سعيد وأسيد بن حضير (4)، فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ، إنك لتهجر ؟ قال: (ضع خدي بالأرض). فما زال يدعو بالويل والثبور حتى قضى.


(1). ينبغي أن نورد علي عليه السلام: (وما هم بخارجين من النار). راجع عن تفصيل معاقدة أصحاب الصحيفة وأسمائهم: الحديث 4 من هذا الكتاب. وراجع عن سائر ما قاله أبو بكر وعمر عند مماتهم: البحار ج 8 طبع قديم ص 196 ب 18. (2). عبد الرحمن بن غنم أسلم زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يره ولم يفد إليه. ولزم معاذ بن جبل منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن إلى أن مات معاذ في خلافة عمر. وكان يعرف بصاحب معاذ وكان أفقه أهل الشام وهو الذي فقه عامة التابعين من أهل الشام. وكانت له جلالة وقدر وهو الذي عاتب أبا الدرداء وأبا هريرة بحمص لما انصرفا من عند علي عليه السلام رسولين لمعاوية. توفي عبد الرحمن سنة 78. (3). وذلك في سنة 18 الهجرية.كلام أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة عند الموت قال سليم: قال لي ابن غنم: ما حدثت به أحدا قبلك قط – لا والله غير رجلين، فإني فزعت مما سمعت من معاذ. فحججت فلقيت الذي ولى موت أبي عبيدة بن الجراح

(1). بشير بن سعيد كان رئيس الخزرج. قتل في إمارة أبي بكر باليمن. وأسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسى الأنصاري الأشهلي كان رئيس الأوس. مات سنة 20، وهو ممن حمل الحطب إلى بيت فاطمة عليها السلام لأضرامه. فأصحاب الصحيفة لما يئسوا من سعد بن عبادة رئيس الأنصار أجمع تعاهدوا مع هذين اللذين كان كل واحد منهما رئيسا لنصف قبائل الأنصار.

[ 347 ]

وسالم مولى أبي حذيفة (1)، فقلت: أو لم يقتل سالم يوم اليمامة ؟ قال: بلى، ولكن احتملناه وبه رمق. قال: فحدثني كل واحد منهما بمثله سواء، لم يزد ولم ينقص أنهما قالا كما قال معاذ. كلام أبي بكر عند الموت قال أبان: قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر. فقال: اكتم علي، وأشهد أن أبي عند موته قال مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي ليهجر كلام عمر عند الموت قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان فحدثته بما قال أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتمن علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص. (2) ثم تداركها عبد الله بن عمر وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، لما قد علم من حبي له وانقطاعي إليه، فقال: إنما كان أبي يهجر توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث فأتيت (3) أمير المؤمنين عليه السلام فحدثته بما سمعت من أبي وبما حدثنيه ابن عمر عن أبيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد حدثني بذلك عن أبيه وعن أبيك وعن أبي عبيدة وعن سالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر. فقلت: من هو ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: بعض من يحدثني. قال: فعلمت من عنى. فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين، إنما حسبت إنسانا حدثك، وما شهد أبي – وهو يقول هذا – غيري. (4)


(1). مات أبو عبيدة في سنة 18 الهجرية في مدينة حمص بالشام، وقتل سالم في سنة 12 في وقعة اليمامة. (2). راجع عن كلام عبد الله بن عمر عن أبيه: الحديث 11 من هذا الكتاب. (3). هذا من كلام محمد بن أبي بكر. (4). معناه: إني ظننت أولا أن الذي أخبرك عما جرى كان شخصا من الأشخاص، وحيث لم يكن عند قول أبي في ساعات موته أحدا غيري وأنت قلت (بعض من يحدثني) علمت أن الذي أخبرك لم يكن من البشر.

[ 348 ]

قال سليم: فقلت لعبد الرحمن بن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبم مات أبو عبيدة بن الجراح ؟ قال: بالدبيلة. (1) * 2 * بعض ما جرى عند موت أبي بكر فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمن وعائشة وعمر ؟ قال: لا. قلت: وهل سمعوا منه ما سمعت ؟ قال: سمعوا منه طرفا فبكوا وقالوا: يهجر. فأما كل ما سمعت أنا فلا. أبو بكر يشاهد رسول الله وعليا عليهما السلام عند الموت قلت: والذي سمعوا منه ما هو ؟ قال: دعا بالويل والثبور، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، ما لك تدعو بالويل والثبور ؟ قال: هذا رسول الله وعلي معه يبشرني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: (لعمري لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين). فلما سمعها عمر خرج وهو يقول: إنه ليهجر. قال: لا والله ما أهجر، أين تذهب ؟ قال عمر: أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار. قال: الان أيضا ؟ أو لم أحدثك: أن محمدا – ولم يقل رسول الله – قال لي وأنا معه في الغار: (إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر). فقلت: أرنيها. فمسح وجهي فنظرت إليها فاستيقنت عند ذلك أنه


(1). الدبيلة مصغرة: الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالبا.

[ 349 ]

ساحر (1) فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر ؟ فقال عمر: (يا هؤلاء إن أباكم يهجر فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لا يشمت بكم أهل هذا البيت). ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا. إقرار أبي بكر بدخوله في تابوت جهنم فقلت له لما خلوت به: يا أبه، قل: (لا إله إلا الله). قال: (لا أقولها أبدا ولا أقدر عليها حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أي تابوت ؟ فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت: عمر ؟ قال: نعم، فمن أعني ؟ وعشرة في جب في جهنم عليه صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة. لعن عمر على لسان أبي بكر قلت: تهذي ؟ قال: (لا والله ما أهذي. لعن الله ابن صهاك. هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين (2)، لعنه الله، الصق خدي بالأرض)، فألصقت خده بالأرض


(1). روى في البحار: ج 8 ص 109 ح 10 بأسناده عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصديق ؟ قال: نعم. قلت: فكيف ؟ قال: حين كان معه في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، وإنك لتراها ؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها ؟ فقال: ادن مني. قال: فدنا منه فمسح على عينيه، ثم قال: انظر. فنظر أبو بكر فرآى السفينة وهي تضطرب في البحر. ثم نظر إلى قصور أهل المدينة. فقال في نفسه: الان صدقت أنك ساحر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت (2). قال الله تعالى في سورة الفرقان: الايات 31 – 27: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان =(*)

[ 350 ]

فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته. ثم دخل علي عمر وقد غمضته، فقال: هل قال بعدي شيئا ؟ فعرفته ما قال. فقال عمر: يرحم الله خليفة رسول الله، اكتمه فإن هذا هذيان، وأنتم أهل بيت معروف لكم في مرضكم الهذيان فقالت عائشة: صدقت وقالوا لي جميعا: لا يسمعن أحد منكم من هذا شيئا فيشمت به ابن أبي طالب وأهل بيته. قال سليم: فقلت لمحمد: من تراه حدث أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنه يراه في منامه كل ليلة، وحديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في الحياة واليقظة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة).


= للأنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا). وقال تعالى في سورة زخرف: الايات 39 – 36: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون). وروى في الكافي – كتاب الروضة – ص 27 في حديث طويل بأسناده عن الأمام الباقر عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه، فقال:… ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرء كل واحد منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين). فيجيبه الأشقى على رثوثة: (يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للأنسان خذولا). فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار، لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة…

[ 351 ]

قال سليم: فقلت لمحمد بن أبي بكر: من حدثك بهذا ؟ قال: علي عليه السلام. فقلت: وأنا سمعته أيضا منه كما سمعت أنت. فقلت لمحمد: فلعل ملكا من الملائكة حدثه ؟ قال: أو ذاك ؟ قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء ؟ قال: أما تقرأ القرآن: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) ؟ (1) قال: قلت له: أمير المؤمنين عليه السلام محدث هو ؟ قال: نعم، وكانت فاطمة عليها السلام محدثة ولم تكن نبية، ومريم كانت محدثة ولم تكن نبية، وام موسى ما كانت نبية وكانت محدثة، وكانت سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية. توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث مرة ثانية قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعى عزيت به أمير المؤمنين عليه السلام (2) وخلوت به فحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وخبرته بما خبرني به


(1). سورة الحج: الاية 52، وفي المصحف: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته…) وقد ورد روايات متضافرة أنه في قراءة أهل البيت عليهم السلام: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث…) كما في المتن، وروى ابن شهر آشوب في المناقب: ج 3 ص 336: أن ابن عباس أيضا قرأ: (ولا محدث) كما روى الصفار في بصائر الدرجات: ص 321 ح 8 عن قتادة أنه قرأ: (ولا محدث). راجع عن آية المحدث وبيان معناها بصائر الدرجات للصفار: ص 324 – 320، الكافي للكليني: ج 1 ص 176 و 177 و 270، الاختصاص للشيخ المفيد: ص 323، أمالي الطوسي: ج 2 ص 21. وقد أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 42 بحثا ضافيا حول آية المحدث ومعنى المحدث عند الشيعة وغيرهم، ونقل عن القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: ج 6 ص 99 قراءة ابن عباس (… ولا نبي ولا محدث). وكذلك نقله عن أبي جعفر الطحاوي في مشكل الاثار: ج 2 ص 257 وعن القرطبي في تفسيره: ج 12 ص 79. راجع أيضا البحار: ج 26 ص 66 ب 2. (2). ذكر في مجمع النورين للمرندي: ص 206 أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس للتعزية بمحمد بن أبى بكر ثلاثة أيام لأنه ولده.

[ 352 ]

عبد الرحمن بن غنم، قال: صدق محمد رحمه الله، أما إنه شهيد حي يرزق. (1) خصائص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يا سليم، إن أوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة هداة مهديون كلهم محدثون. قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم ؟ قال: ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم ابني هذا – وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع – ثم ثمانية من ولده (2) واحدا بعد واحد. وهم الذين أقسم الله بهم فقال: (ووالد وما ولد) (3)، فالوالد رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا، و (ما ولد) يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم. قلت: يا أمير المؤمنين، فيجتمع إمامان ؟ قال: نعم، إلا أن واحدا صامت لا ينطق حتى يهلك الأول. نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب، نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث: موت أصحاب الصحيفة على الجاهلية هذا ما خطه بيده أبان عن لسان سليم: (إن القوم – وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأنس وسعد وعبد الرحمن بن عوف – شهدوا على أنفسهم عند مماتهم: أنهم ماتوا على ما مات عليه آبائهم في الجاهلية…).


(1). ليعلم أن محمد بن أبي بكر كان ربيب علي بن أبي طالب عليه السلام وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع منذ زمن الصبا فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أبا غير علي عليه السلام ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره. (2). أي من ولد علي بن الحسين عليه السلام. (3). سورة البلد: الاية 3.

[ 353 ]

(38) افتراق الامة إلى أهل حق وأهل باطل ومذبذبين أبان عن سليم: قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وآله ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين كلهم بدريون. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي بعدي ثلاث فرق: فرقة حق لا يشوبه شئ من الباطل، مثلهم كمثل الذهب الأحمر كلما سبكته على النار ازداد جودة وطيبا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة أهل باطل لا يشوبه شيئ من الحق، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا ونتنا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة اخرى ضلال مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إمامهم أحد هذه الثلاثة. فسألتهم عن الثلاثة، فقالوا: إمام الحق والهدى علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص إمام المذبذبين، وحرصت عليهم أن يسموا لي الثالث فأبوا علي وعرضوا لي (1) حتى عرفت من يعنون به. قال سليم: فحدثت أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة بما حدثني به سلمان وأبو ذر والمقداد من قول رسول الله صلى الله عليه وآله حين رآى الثلاثة من أهل بدر من المهاجرين من قريش مقبلين، قال: (تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق) فسموك وسموا سعدا، والثالث لم يسموا إلا بالمعاريض حتى علمت من عنوا.


(1). أي لم يصرحوا باسمه وذكروه بالتعريض.

[ 354 ]

فقال عليه السلام: لا تلمهم يا سليم، فإن الامة قد أشربت قلوبهم حبه كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل. يا سليم، أفي شك أنت فيه من هو ؟ قال: قلت: بلى (1)، ولكن أحب أن تسميه لي وأسمعه منك فأزداد يقينا. قال: هو عتيق. أمر الولاية أشد خبرية من الذهب والفضة إن هذا الأمر الذي عرفكم الله ومن به عليكم أشد خبرية من الذهب والفضة، وأقل الامة الذين يعرفونه، ولقد ماتت ام أيمن وإنها لمن أهل الجنة وما كانت تعرف ما عرفك الله (2)، فاحمد الله وخذ ما أعطاك الله وخصك به بشكر. واعلم أن الله تعالى يعطي الدنيا البر والفاجر، وإن هذا الأمر الذي أنت فيه إنما يعطيه الله صفوته من خلقه. إن أمرنا لا يعرفه إلا ثلاثة من الخلق: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان. يا سليم، إن ملاك هذا الأمر الورع لأنه لا ينال ولايتنا إلا بالورع.


(1). أي بلى أعرفه ولا أشك فيه. (2). روى في البحار: ج 22 ص 265 ح 8 والكافي: ج 2 ص 405 عن أبي جعفر عليه السلام قال: أرأيت ام أيمن، فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

[ 355 ]

(39) غدير خم أبو سعيد الخدري يروي بيعة الغدير أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا الناس بغدير خم، فأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس. ثم دعا الناس إليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب عليه السلام فرفعها حتى نظرت إلى بياض إبط رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله). قال أبو سعيد: فلم ينزل عن المنبر حتى نزلت هذه الاية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا). (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي. شعر حسان في غدير خم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله، ائذن لي لأقول في علي عليه السلام أبياتا. فقال صلى الله عليه وآله: قل على بركة الله. فقال حسان: يا مشيخة قريش، اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله. ثم أنشأ يقول:


(1). سورة المائدة: الاية 3.

[ 356 ]

ألم تعلموا أن النبي محمدا لدى دوح خم حين قام مناديا وقد جاء جبريل من عند ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا وبلغهم ما أنزل الله ربهم وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا عليك فما بلغتهم عن إلههم رسالته إن كنت تخشى الأعاديا فقام به إذ ذاك رافع كفه بيمنى يديه معلن الصوت عاليا فقال لهم: من كنت مولاه منكم وكان لقولي حافظا ليس ناسيا فمولاه من بعدي علي وإنني به لكم دون البرية راضيا فيا رب من والى عليا فواله وكن للذي عادى عليا معاديا ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب، نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث: اعتراض أبي بكر وعمر في الغدير قام رسول الله صلى الله عليه وآله في وقت الظهيرة وأمر بنصب خيمة وأمر عليا عليه السلام أن يدخل فيها، وأول من أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله هما أبو بكر وعمر. فلم يقوما إلا بعد ما سألا رسول الله صلى الله عليه وآله: هل من أمر الله هذه البيعة ؟ فأجابهما: نعم، من أمر الله جل وعلا، واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع عليا كافر، فإن قول علي قولي وأمره أمري. فمن خالف قول علي وأمره فقد خالفني. وبعد ما أكد عليهم هذا الكلام أمرهم بالأسراع في البيعة. فقاما ودخلا على علي عليه السلام وبايعاه بإمرة المؤمنين. وقال عمر عند البيعة: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان وأبا ذر بالبيعة، فقاما ولم يقولا شيئا….


[ 357 ]

(40) من خصال أمير المؤمنين عليه السلام أبان عن سليم بن قيس قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر خصال ما يسرني بإحديهن ما طلعت عليه الشمس وما غربت. فقيل له: بينها لنا يا أمير المؤمنين. فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي، أنت الأخ وأنت الخليل وأنت الوصي وأنت الوزير، وأنت الخليفة في الأهل والمال وفي كل غيبة أغيبها. ومنزلتك منى كمنزلتي من ربي، وأنت الخليفة في أمتي. وليك وليي وعدوك عدوي، وأنت أمير المؤمنين وسيد المسلمين من بعدي. أثر حب أهل البيت عليهم السلام في ثبات الايمان ثم أقبل علي عليه السلام على أصحابه فقال: يا معشر الصحابة، والله ما تقدمت على أمر إلا ما عهد إلي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله. فطوبى لمن رسخ حبنا أهل البيت في قلبه. ليكون الايمان أثبت في قلبه من جبل أحد في مكانه، ومن لم تصر مودتنا في قلبه إنماث (1) الايمان في قلبه كانمياث الملح في الماء. والله ثم والله، ما ذكر في العالمين ذكر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مني، ولا صلى القبلتين كصلاتي. صليت صبيا ولم أرهق حلما.


(1). أي ذاب.

[ 358 ]

وهذه فاطمة بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله تحتي، هي في زمانها كمريم بنت عمران في زمانها. وأقول لكم الثالثة: إن الحسن والحسين سبطا هذه الامة، وهما من محمد كمكان العينين من الرأس، وأما أنا فكمكان اليدين من البدن، وأما فاطمة فكمكان القلب من الجسد. مثلنا مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.


[ 359 ]

(41) كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله الأخيرة عن الشيعة أبان عن سليم، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله يوم توفي وقد أسندته إلى صدري وإن رأسه عند أذني، وقد أصغت المرأتان (لتسمعا الكلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم سد مسامعهما. ثم قال لي: يا علي، أرأيت قول الله تبارك وتعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) (2)، أتدري من هم ؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنهم شيعتك وأنصارك، وموعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة إذا جثت الامم على ركبها وبدا لله تبارك وتعالى في عرض خلقه ودعا الناس إلى ما لابد لهم منه. فيدعوك وشيعتك، فتجيئون غرا محجلين شباعا مرويين. يا علي، (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية) (3)، فهم اليهود وبنو أمية وشيعتهم، يبعثون يوم القيامة أشقياء جياعا عطاشى مسودة وجوههم.


1) (1). أي عائشة وحفصة. (2). سورة البينة: الاية 7. (3). سورة البينة: الاية 6.

[ 360 ]

يوجد في آخر نسخ (ب) و (د) من كتاب سليم هذه الزيادة: الأمر بحفظ الكتاب حتى ظهور الحق صن هذا الكتاب يا جابر (1)، فالملك لبني العباس حتى يختم بعباد الله ذو العين الاخرة (2) ويظهر ناد (3) بالحجاز ويخرب جامع الكوفة وما شيده الثاني بالفرات. وإذا هلك ملك الترك تميد (4) لسان الشام ويكثر الملوك ويظهر الحق والحمد لله.


(1). لعل هذا خطاب من الأمام المعصوم عليه السلام إلى جابر بن عبد الله أو جابر بن يزيد الجعفي يأمره بالاحتفاظ بكتاب سليم. هذا وإن بقية الكلام إخبار عن بعض الملاحم بصورة مجملة. (2). روى الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 285 عن كعب الأحبار أنه قال: إذا ملك رجل من بني العباس يقال له (عبد الله)، وهو ذو العين، بها افتتحوا وبها يختمون، وهو مفتاح البلاء وسيف الفناء. (3). (ب): نار. (4). أي تضطرب.

[ 361 ]

(42) * 1 * احتجاجات عبد الله بن جعفر على معاوية أبان عن سليم، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس. فالتفت إلي معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشد تعظيمك للحسن والحسين والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولو لا أن فاطمة بنت رسول الله أمهما لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس دونها فغضبت من مقالته وأخذني ما لم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنك لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وبأمهما. بل والله لهما خير مني ولأبوهما خير من أبي ولامهما خير من أمي. يا معاوية، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمهما، قد حفظته ووعيته ورويته. قال معاوية: هات ما سمعت – وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس والفضل بن عباس وابن أبي لهب – فو الله ما أنت بكذاب ولا متهم. فقلت: إنه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من احد وحراء جميعا، فلست أبالي إذا لم يكن في المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه فحدثنا فإنا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادعيتم.


[ 362 ]

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله – وقد سئل عن هذه الاية: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (1) – فقال: (إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى. فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص). وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). نص رسول الله صلى الله عليه وآله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يا معاوية، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول – وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام – وهو يقول: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ؟ فقلنا: بلى، يارسول الله. قال: (أليس أزواجي أمهاتكم) ؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه – وضرب بيديه على منكب علي عليه السلام – اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). (أيها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر). إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن شهادة نفسه والأئمة عليهم السلام ثم عاد صلى الله عليه وآله فقال: (أيها الناس، إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسن


(1). سورة الأسراء: الاية 60.

[ 363 ]

فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر). ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: (يا علي، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام. فإذا استشهد فابنه محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام. ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر). ثم أعادها ثلاثا ثم قال: (وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين). فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يبكي، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أتقتل ؟ قال: (نعم، أهلك شهيدا بالسم، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغي بن طاغي، دعي بن دعي، منافق بن منافق. هلاك أبي بكر وعمر وعثمان بتقرير معاوية فقال معاوية: يابن جعفر، لقد تكلمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت وهلك الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الامة، ولقد هلكت أمة محمد وأصحاب محمد من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم. فقلت: والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال معاوية: يا حسن ويا حسين ويابن عباس، ما يقول ابن جعفر ؟ فقال ابن عباس: إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسألهما، فشهدا أن الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أول سنة جمعت الامة على معاوية.


[ 364 ]

قال سليم: وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب. الحجج المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام فقال معاوية: يابن جعفر، قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت في أمهما ؟ – ومعاوية كالمستهزء والمنكر -. فقلت: بلى، قد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي. نحن فيه أربعة عشر انسانا، أنا وأخي علي وهو خيرهم وأحبهم إلي، وفاطمة وهي سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين وتسعة أئمة من ولد الحسين. فنحن فيه أربعة عشر إنسانا في منزل واحد أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، هداة مهديين. أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وعن الله عز وجل. وهم حجج الله تبارك وتعالى على خلقه وشهدائه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم، ولا تصلح الأرض إلا بهم. يخبرون الامة بأمر دينهم وبحلالهم وحرامهم. يدلونهم على رضى ربهم وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع. يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده، يتوارثونه إلى يوم القيامة. أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيه وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم. لا يحتاجون إلى أحد من الامة في شيئ من أمر دينهم، والامة تحتاج إليهم. وهم الذين عنى الله في كتابه (1) وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم). (2)


(1). (ج): عنى الله في كتابه. فلم يدع آية نزلت فيهم من القرآن إلا ذكرها. (2). سورة النساء: الاية 59.

[ 365 ]

قال: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، فقال: كلكم على ما قال ابن جعفر ؟ فقالوا: نعم. قال: يا بني عبد المطلب، إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقا. وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء. ولئن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الامة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم فاولئك في الناس قليل. * 2 * احتجاجات ابن عباس على معاوية فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله عز وجل في كتابه: (وقليل من عبادي الشكور) (1)، ويقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (2)، ويقول: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (3)، ويقول لنوح: (وما آمن معه إلا قليل). (4) وتعجب من ذلك يا معاوية ؟ وأعجب من أمرنا أمر بني إسرائيل. إن السحرة قالوا لفرعون: (اقض ما انت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا برب العالمين). (5) فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه. فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر


(1). سورة سبأ: الاية 13. (2). سورة يوسف: الاية 103. (3). سورة ص: الاية 24. (4). سورة هود: الاية 40. وقوله (يقول لنوح) أي قال لقصة نوح مع قومه لا أن الخطاب إلى نوح. (5). سورة طه: الاية 72.

[ 366 ]

وأراهم الأعاجيب وهم يصدقون به وبالتوراة يقرون له بدينه، فمر بهم على قوم يعبدون أصناما لهم، فقالوا: (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (1)، ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري: (هذا إلهكم وإله موسى) (2)، ثم قال لهم بعد ذلك: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم). (3) فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه: (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) (4)، حتى قال موسى: (رب إني لا املك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) (5)، ثم قال: (فلا تأس على القوم الفاسقين). (6) فاحتذت هذه الامة ذلك المثال سواء. وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومنازل منه قريبة، ومقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عزوجل على دينهم وايمانهم، ورجع الاخرون القهقرى على أدبارهم، كما فعل أصحاب موسى عليه السلام باتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته. ونبينا صلى الله عليه وآله قد نصب لامته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن. واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل مؤمن بعده، وأن كل من كان هو وليه فعلي وليه ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي


(1). سورة الأعراف: الاية 138. (2). سورة طه: الاية 88. (3). سورة المائدة: الاية 21. (4). سورة المائدة: الاية 22. (5). سورة المائدة: الاية 25. (6). سورة المائدة: الاية 26. (*)

[ 367 ]

أولى به من نفسه، وأنه خليفته فيهم ووصيه، وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله. فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره. رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرض بانتخاب الناس في الخلافة يا معاوية (1)، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثم قال: (إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبدالله بن رواحة)، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم، أفكان يترك أمته لا يبين لهم خليفته فيهم ؟ بلى والله، ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد البينة وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فهلكوا وهلك من شايعهم وضلوا وضل من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين. فقال معاوية: يابن عباس، إنك لتتفوه بعظيم، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف، وقد علمت أن الامة لم تستقم على صاحبك.


(1). من هنا إلى قوله: (شهادة أن لا إله إلا الله…) في (ج) هكذا: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله جعفرا إلى مؤتة فقال: (وليت عليكم جعفرا، إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة)، فقتلوا جميعا. ثم يترك أمته لا يبين لهم من خلفائه من بعده ؟ يأمرهم باتباع خيرهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ويتركهم يختارون لأنفسهم ؟ إذا لكان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره لهم وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد البينة والحجة، وما تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله في عمياء ولا شبهة. وإنما هلك اولئك الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السلام وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فشبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم. فقال معاوية: ما تقول يا حسن ؟ فقال عليه السلام: يا معاوية، قد سمعت ما قال ابن جعفر وما قال ابن عباس. والعجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك وجرأتك على الله أن تقول: (قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه) فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا ؟ الويل لك ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة. لأقولن لك قولا ما أريد بذلك إلا أن يسمعه هؤلاء الذين حولي: إن الناس قد اجتمعوا على أشياء كثيرة وليس بينهم فيها اختلاف. اجتمعوا على شهادة أن لا إله إلا الله….

[ 368 ]

فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها)، وإن هذه الامة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله، واجتمعوا على تحريم الخمر والزنا والسرقة وقطع الأرحام والكذب والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرء بعضها من بعض، والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه، وما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه. وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلى الله عليه وآله. فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله فقد سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلفت فيهما. ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو، فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا. وكان نبي الله صلى الله عليه وآله يقول: (رحم الله عبدا قال حقا فغنم، أو سكت فسلم). جميع العلم عند أهل البيت عليهم السلام فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة، لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها وجعلها أهلا في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله. فالعلم فيهم وهم أهله، وهو عندهم كله بحذافيره، باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه.


[ 369 ]

جمع وحفظ القرآن يا معاوية، إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمارته (1) إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: (إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إلينا ما كتبت من القرآن). فقال عليه السلام: تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه. فقلت: ولم ؟ قال عليه السلام (2): لأن الله يقول: (لا يمسه إلا المطهرون) (3)، يعني لا يناله كله إلا المطهرون. إيانا عنى، نحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. وقال: (وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (4)، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضربت الأمثال وعلينا نزل الوحي. قال: فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه، وإلا لم يكتبه. فمن قال – يا معاوية – إنه ضاع من القرآن شيئ فقد كذب، هو عند أهله مجموع محفوظ. أول إعلان رسمي عن إعمال الرأى في دين الله ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: (إجتهدوا رأيكم واتبعوا ما ترون أنه الحق) فلم يزل هو وبعض ولاته وقد وقعوا في عظيمة، فكان علي بن أبي طالب عليه السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم. وكان عماله وقضاته يحكمون في شيئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم، لأن الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب.


(1). راجع عن طلب عمر قرآن أمير المؤمنين عليه السلام: الحديث 4 من هذا الكتاب. (2). زاد في الاحتجاج هنا: قال: لأن الله تعالى قال: (والراسخون في العلم)، إيانا عنى ولم يعنك ولا أصحابك. (3). سورة الواقعة: الاية 79. (4). سورة فاطر: الاية 32.

[ 370 ]

وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم فبالله نستعين على من جحدهم حقهم وسن للناس ما يحتج به مثلك عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل. الناس تجاه أهل البيت عليهم السلام ثلاثة إنما الناس ثلاثة: مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا، فذلك ناج نجيب لله ولي، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دمائنا ويجحد حقنا ويدين بالبراءة منا، فهذا كافر به مشرك ملعون، ورجل آخذ بما لا يختلفون فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله من ولايتنا ولم يعادنا، فنحن نرجو له فأمره إلى الله. فلما سمع ذلك معاوية أمر للحسن والحسين عليهما السلام بألف ألف درهم، لكل واحد بخمسمائة ألف.


[ 371 ]

(43) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين وعن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقال له (همام) (1) – وكان عابدا مجتهدا – فقال: يا أمير المؤمنين، صف لي المؤمنين كأني أنظر إليهم. فتثاقل أمير المؤمنين عليه السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال له همام: أسألك بالذي أكرمك وخصك وحباك وفضلك بما آتاك لما وصفتهم لي. فقام أمير المؤمنين عليه السلام على رجليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم قال: أما بعد، فإن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم. فقسم بينهم معايشهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم. وإنما أهبط آدم إليها عقوبة لما صنع حيث نهاه الله فخالفه وأمره فعصاه. المؤمن في الدنيا فالمؤمنون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع. خضعوا لله بالطاعة فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين


(1). هو همام بن شريح بن زيد بن مرة بن عمرو. راجع البحار: ج 67 ص 317، ج 68 ص 192 و 196.

[ 372 ]

أسماعهم على العلم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، رضى عن الله بالقضاء. لولا الاجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم. المؤمن والجنة والنار فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة، وحدودهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الأسلام عظيمة. صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسرها لهم رب كريم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها. المؤمن في يومه ليلته أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم (1) جوانحهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت إليها أنفسهم شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم، حافين على أوساطهم، يمجدون جبارا عظيما، مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم من النار. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم، واقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم وظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.


(1). جمع الكلم بمعنى الجرح.

[ 373 ]

وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء، برأهم الخوف فهم أمثال القداح (1)، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو قد خولطوا، قد خالط القوم أمر عظيم. إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة، فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها جلودهم. وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية، لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل. علامات المؤمن الظاهرية فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إن زكي أحدهم خاف مما يقولون وقال: (أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من غيري. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب). ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين، وحرصا على علم، وفهما في فقه، وعلما في حلم، وشفقة في نفقة، وكيسا في رفق، وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتحملا في فاقة، وصبرا في شدة، ورحمة للمجهود (2)، وإعطاء في حق، ورفقا في كسب، وطيبا في الحلال، ونشاطا في الهدى، وتحرجا عن الطمع، وبرا في استقامة، واعتصاما عند شهوة. علامات المؤمن الباطنية لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء عمله، مستبطأ لنفسه في العمل، يعمل الأعمال الصالحة.


(1). برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام، والقداح هو السهم قبل أن ينصل ويراش. (2). المجهود: الطاقة والاستطاعة.

[ 374 ]

وهو رجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله الذكر. يبيت حذرا ويصبح فرحا، حذرا لما حذر وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه بشره. ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرة عينه فيما لا يزول. رغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى. يمزج الحلم بالعلم والعلم بالعقل. تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا أجله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، متغيبا جهله، سهلا أمره، حريزا لدينه، ميتة شهوته، مكظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالذي قدر له، متينا صبره، محكما أمره، كثيرا ذكره. لا يحدث بما اؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادة الأعداء، ولا يعمل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون. يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. لا يعزب حلمه ولا يعجل فيما يريبه، ويصفح عما تبين له. بعيد جهله، لين قوله، عائب منكره، قريب معروفه، صادق قوله، حسن فعله، مقبل خيره، مدبر شره. وهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور. المؤمن والناس لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيما يحب، ولا يدعى ما ليس له، ولا يجحد حقا هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه. لا يضيع ما استحفظ عليه، ولا ينابز بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يهم بالحسد، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب. مؤد للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطيئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الامور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز.


[ 375 ]

إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعل صوته. قانع بالذي قدر له. لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له. يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، ويبحث ليعلم. لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبر على من سواه. نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة. أتعب نفسه لاخرته، وأراح الناس من نفسه. إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له. بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبرا ولا عظمة، ولا دنوه خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. فهو إمام لمن خلفه من أهل البر. تأثير خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في همام قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشيا عليه. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله لقد كنت أخافها عليه، وقال: (هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها). فقال له قائل: فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ قال: لكل أجل لن يعدوه وسبب لا يجاوزه. فمهلا لا تعد، فإنما نفث على لسانك الشيطان. ثم رفع همام رأسه فصعق صعقة وفارق الدنيا، رحمه الله.


[ 376 ]

(44) قوله صلى الله عليه وآله: (سلوني عما بدا لكم) أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن سلمان وأبي ذر والمقداد: إن نفرا من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن محمدا ليخبرنا عن الجنة وما أعد الله فيها من النعيم لأوليائه وأهل طاعته، وعن النار وما أعد الله فيها من الأنكال والهوان لأعدائه وأهل معصيته. فلو أخبرنا عن آبائنا وأمهاتنا ومقعدنا في الجنة والنار، فعرفنا الذي يبنى عليه في العاجل والاجل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فأمر بلالا فنادى بالصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتى غص المسجد وتضايق بأهله. فخرج مغضبا حاسرا عن ذراعيه وركبتيه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، أنا بشر مثلكم أوحى إلي ربي، فاختصني برسالته واصطفاني لنبوته وفضلني على جميع ولد آدم وأطلعني على ما شاء من غيبه. فاسألوني عما بدا لكم. فوالذي نفسي بيده لا يسألني رجل منكم عن أبيه وأمه وعن مقعده من الجنة والنار إلا أخبرته. هذا جبرئيل عن يميني يخبرني عن ربي فاسألوني. سؤال الناس عن أنسابهم وعن الجنة والنار فقام رجل مؤمن يحب الله ورسوله، فقال: يا نبي الله، من أنا ؟ قال: أنت عبد الله بن جعفر، فنسبه إلى أبيه الذي كان يدعى به، فجلس قريرة عينه.


[ 377 ]

ثم قام منافق مريض القلب مبغض لله ولرسوله فقال: يا رسول الله، من أنا ؟ قال: أنت فلان بن فلان راع لبني عصمة وهم شر حي في ثقيف، عصوا الله فأخزاهم. فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد، وكان قبل ذلك لا يشك الناس أنه صنديد من صناديد قريش وناب من أنيابهم ثم قام ثالث منافق مريض القلب، فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا أم في النار ؟ قال: في النار ورغما فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد. فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربا وبالأسلام دينا وبك يا رسول الله نبيا، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. اعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، واستر سترك الله. فقال صلى الله عليه وآله: عن غير هذا – أو تطلب سواه (1) – يا عمر. فقال: يا رسول الله، العفو عن أمتك. خلق رسول الله وعلي عليهما السلام فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك. فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقين من تحت العرش، يقدسان الملك (2) من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام. ثم خلق من ذينك العمودين نطفتين بيضاوين ملتويتين. ثم نقل تلك النطفتين في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب. فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا


(1). الظاهر أن المراد: عن غير هذا كنت تسأل، أو قال: (كنت تطلب سواه). ولعل كلا الجملتين معطوفتان للتوضيح لا من ترديد الراوي. (2). أي الله تعالى. (*)

[ 378 ]

وصهرا وكان ربك قديرا). (1) علي عليه السلام السبب بين الله وخلقه يا علي، أنت مني وأنا منك. سيط (2) لحمك بلحمي ودمك بدمي. وأنت السبب فيما بين الله وبين خلقه بعدي. فمن جحد ولايتك قطع السبب الذي فيما بينه وبين الله وكان ماضيا في الدركات. يا علي، ما عرف الله إلا بي ثم بك. من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته يا علي، أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة. فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك والموقف موقفك والحساب حسابك. فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك. اللهم اشهد، اللهم اشهد. ثم نزل صلى الله عليه وآله.


(1). سورة الفرقان: الاية 54. (2). أي اختلط.

[ 379 ]

(45) كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله عن علي والأئمة عليهم السلام أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلا من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: (ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا ؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في نسبه حتى انتهى إلى نزار. (1) خلق أهل البيت عليهم السلام ونسبهم ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم. ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتدا (2) وأكرم المغارس منبتا بين الاباء والامهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.


(1) راجع عن نسب رسول الله صلى الله عليه واله وآله وأسماء آبائه: الحديث 14 من هذا الكتاب. (2) أي أخلصهما أصلا.

[ 380 ]

ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي. اختار الله محمدا وعليا والأئمة عليهم السلام حججا ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني رسولا ونبيا، والاخر علي بن أبي طالب، وأوحى إلي أن أتخذه أخا وخليلا ووزيرا ووصيا وخليفة. ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته الوثقى. (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). (1) ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيا (2) من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي واحدا بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم أئمة هداة مهتدون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه، ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض. فليبلغ الشاهد الغائب. اللهم اشهد، اللهم اشهد – ثلاث مرات -.


(1). إشارة إلى سورة الصف: الاية 8، وفي القرآن: (ليطفؤوا). (2). إن التصحيف إما في (بعدنا) وأنه كان في الأصل (بعدي)، أو في (اثني عشر) وأنه كان في الأصل (أحد عشر).

[ 381 ]

(46) أعظم مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان أبي ذر والمقداد أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: قلت لأبي ذر: حدثني رحمك الله بأعجب ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام. طاعة علي عليه السلام والبراءة من أعدائه عند الملائكة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن حول العرش لتسعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الطاعة لعلي بن أبي طالب والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته). قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: سمعته يقول: (إن الله خص جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بطاعة علي والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته). احتجاج الله على الامم السالفة بعلي عليه السلام قلت: فغير هذا رحمك الله. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (لم يزل الله يحتج بعلي في كل أمة فيها نبي مرسل، وأشدهم معرفة لعلي أعظمهم درجة عند الله). علي عليه السلام الستر والحجاب بين الله وبين خلقه قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (لو لا أنا وعلي ما عرف الله، ولو لا أنا وعلي ما عبد الله، ولو لا أنا وعلي ما كان ثواب ولا عقاب. ولا يستر عليا عن الله ستر، ولا يحجبه عن الله حجاب، وهو الستر والحجاب فيما بين الله وبين خلقه).


[ 382 ]

ولاية علي عليه السلام تطهير للقلب قال سليم: ثم سألت المقداد فقلت: حدثني – رحمك الله – بأفضل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي بن أبي طالب. قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله توحد بملكه، فعرف أنواره نفسه (1)، ثم فوض إليهم أمره وأباحهم جنته. فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والأنس عرفه ولاية علي بن أبي طالب، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب. منزلة الأنبياء عليهم السلام بالأقرار للنبي وعلي عليهما السلام والذي نفسي بيده، ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي. والذي نفسي بيده، ما أري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ولا اتخذه خليلا إلا بنبوتي والأقرار لعلي بعدي. والذي نفسي بيده، ما كلم الله موسى تكليما ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي. والذي نفسي بيده، ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفته والأقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والأقرار لعلي بعدي. ثم سكت، فقلت: فغير هذا رحمك الله. علي عليه السلام الموكل بحساب الامة قال: نعم، سعمت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (علي ديان هذه الامة والشاهد عليها


(1). المراد من الأنوار المعصومون عليهم السلام ظاهرا أي عرفهم الله نفسه.

[ 383 ]

والمتولي لحسابها. وهو صاحب السنام الأعظم وطريق الحق الأبهج السبيل، وصراط الله المستقيم. به يهتدى بعدي من الضلالة ويبصر به من العمى. به ينجو الناجون ويجار من الموت ويؤمن من الخوف، ويمحى به السيئات ويدفع الضيم وينزل الرحمة. وهو عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرحمة، ووجهه في السماوات والأرض وجنبه الظاهر اليمين، وحبله القوي المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، وبابه الذي يؤتى منه، وبيته الذي من دخله كان آمنا. وعلمه على الصراط في بعثه. من عرفه نجا إلى الجنة ومن أنكره هوى إلى النار.


[ 384 ]

(47) ولاية علي عليه السلام هي الفارق بين الايمان والكفر وعنه عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: إن عليا باب فتحه الله، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا. (1)


(1). أورد الطبرسي في الأحتجاج: ج 1 ص 66، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في خطبته يوم الغدير: (قال الله تعالى: جعلت (عليا) علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار).

[ 385 ]

(48) وقائع السقيفة على لسان ابن عباس أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام، فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال: يا إخوتي، توفي رسول الله صلى الله عليه وآله يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف. واشتغل علي بن أبي طالب عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته. ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يكن همته الملك لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره عن القوم. * 1 * أخذ البيعة من علي عليه السلام بالأكراه فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين، فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير، قال عمر لأبي بكر: (يا هذا، إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر، فابعث إليه). فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له (قنفذ) فقال له: (يا قنفذ، انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله). فانطلق فأبلغه. فقال علي عليه السلام: (ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، نكثتم وارتددتم.


[ 386 ]

والله ما استخلف رسول الله غيري. فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي: والله ما استخلفك رسول الله وإنك لتعلم من خليفة رسول الله). فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة. فقال أبو بكر: (صدق علي، ما استخلفني رسول الله) فغضب عمر ووثب وقام. فقال أبو بكر: (اجلس). ثم قال لقنفذ: (اذهب إليه فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأقبل قنفذ حتى دخل على علي عليه السلام فأبلغه الرسالة. فقال عليه السلام: (كذب والله، انطلق إليه فقل له: والله لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك). فرجع قنفذ فأخبرهما. فوثب عمر غضبان فقال: (والله إني لعارف بسخفه وضعف رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله فخلني آتك برأسه) فقال أبو بكر: (اجلس)، فأبى فأقسم عليه فجلس. ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: (أجب أبا بكر). فأقبل قنفذ فقال: (يا علي، أجب أبا بكر). فقال علي عليه السلام: (إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور). هجومهم على بيت فاطمة عليها السلام واحراقه فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر. فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا. ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: (يابن أبي طالب، افتح الباب). فقالت فاطمة عليها السلام: (يا عمر، ما لنا ولك ؟ لا تدعنا وما نحن فيه). قال: (افتحي الباب وإلا أحرقناه عليكم)


[ 387 ]

فقال: (يا عمر، أما تتقي الله عز وجل، تدخل على بيتي وتهجم على داري) ؟ فأبى أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر. ضرب الصديقة الطاهرة عليها السلام فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: (يا أبتاه يا رسول الله) فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت. فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: (يا أبتاه) أمير المؤمنين عليه السلام يهم بقتل عمر فوثب علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة يابن صهاك، لو لا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتى). يريدون قتل الزهراء عليها السلام بالسيف فأرسل عمر يستغيث. فأقبل الناس حتى دخلوا الدار. وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام فحمل عليه بسيفه، فأقسم على علي عليه السلام فكف. إخراج أمير المؤمنين عليه السلام من البيت وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه السلام، حتى كادت تقع فتنة. فأخرج علي عليه السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون: (ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم). وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: (يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به). فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك.


[ 388 ]

* 2 * كيفية البيعة الجبرية أول ما قال أمير المؤمنين عليه السلام عند البيعة الجبرية فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر ملببا. فلما بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: (ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم يا أبا بكر، بأي حق وبأي ميراث وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله) ؟ التهديد الأول لعلي عليه السلام فقال عمر: دع عنك هذا يا علي، فوالله إن لم تبايع لنقتلنك فقال علي عليه السلام: (إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول). فقال عمر: (أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا) فقال علي عليه السلام: (أما والله، لو لا قضاء من الله سبق وعهد عهده إلي خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا)، وأبو بكر ساكت لا يتكلم. فقام بريدة فقال: يا عمر، ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله: (انطلقا إلى علي فسلما عليه بإمرة المؤمنين)، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله ؟ فقال: نعم. فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة، ولكنك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده الأمر فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة ؟ وما يدخلك في هذا ؟ فقال بريدة: (والله لاسكنت في بلدة أنتم فيها أمراء). فأمر به عمر فضرب وأخرج. ثم قام سلمان فقال: (يا أبا بكر، اتق الله وقم عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الامة سيفان)، فلم يجبه أبو بكر. فأعاد


[ 389 ]

سلمان فقال مثلها. فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر ؟ وما يدخلك فيما هيهنا ؟ فقال: مهلا يا عمر، قم يا أبا بكر عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون. والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما. أتثبون على وصي رسول الله ؟ فابشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء. ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار، فقالوا لعلي عليه السلام: (ما تأمر ؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل). فقال علي عليه السلام: (كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاكم به)، فكفوا. التهديد الثاني لعلي عليه السلام فقال عمر لأبي بكر – وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك ؟ أو تأمر به فيضرب عنقه ؟ – والحسن والحسين عليهما السلام قائمان على رأس علي عليه السلام – فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما: (يا جداه يا رسول الله) فضمهما علي عليه السلام إلى صدره وقال: (لا تبكيا، فوالله لا يقدران على قتل أبيكما، هما أقل وأذل وأدخر (1) من ذلك. وأقبلت ام أيمن النوبية حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله وام سلمة فقالتا: (يا عتيق، ما أسرع ما أبديتم حسدكم لال محمد). فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: (ما لنا وللنساء)


(1) أي أصغر وأذل.

[ 390 ]

التهديد الثالث لعلي عليه السلام ثم قال: يا علي، قم بايع. فقال علي عليه السلام: إن لم أفعل ؟ قال: إذا والله نضرب عنقك. قال عليه السلام: كذبت والله يابن صهاك، لا تقدر على ذلك. أنت ألأم وأضعف من ذلك. التهديد الرابع لعلي عليه السلام فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: (والله إن لم تفعل لأقتلنك). فقام إليه علي عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده التهديد الخامس لعلي عليه السلام فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع. قال عليه السلام: فإن لم أفعل ؟ قال: (إذا والله نقتلك). واحتج عليهم علي عليه السلام ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي منه بذلك. ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس. * 3 * غصبهم فدكا هدية النبي صلى الله عليه وآله للزهراء عليها السلام احتجاج الزهراء عليها السلام لأعادة فدك قال: ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك. فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولاركاب ؟ أما كان قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (المرء يحفظ في ولده بعده) ؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها.


[ 391 ]

منع عمر من كتاب أبي بكر برد فدك فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله، لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي. فقالت فاطمة عليها السلام: نعم، أقيم البينة. قال: من ؟ قالت: علي وام أيمن. فقال عمر: (لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه). فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لا يوصف، فمرضت. أبو بكر وعمر يعودان فاطمة عليها السلام وكان علي عليه السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس. فكلما صلى قال له أبو بكر وعمر: (كيف بنت رسول الله) ؟ إلى أن ثقلت، فسألا عنها وقالا: (قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا) ؟ قال عليه السلام: ذاك إليكما. فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها: (أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين) ؟ قالت عليها السلام: البيت بيتك والحرة زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال: (شدي قناعك)، فشدت قناعها وحولت وجهها إلى الحائط. دعاء فاطمة عليها السلام على أبي بكر وعمر فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي الله عنك. فقالت: ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا: اعترفنا بالأساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك. فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدا لك. قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (فاطمة بضعة منى، فمن آذاها فقد آذاني) ؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: (اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى


[ 392 ]

رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما). قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا. فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة ؟ * 4 * وصية فاطمة الزهراء عليها السلام وشهادتها قال: فبقيت فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين ليلة. فلما اشتد بها الأمر دعت عليا عليه السلام وقالت: (يابن عم، ما أراني إلا لما بي، وأنا اوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلى، وتتخذ لي نعشا، فإني رأيت الملائكة يصفونه لي. وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة علي). قال ابن عباس: وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (أشياء لم أجد إلى تركهن سبيلا، لأن القرآن بها أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وآله: قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذي أوصاني وعهد إلي خليلي رسول الله بقتالهم، وتزويج أمامة بنت زينب أوصتني بها فاطمة عليها السلام). قال ابن عباس: فقبضت فاطمة عليها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله. فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ويقولان له: (يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله).


[ 393 ]

فلما كان في الليل دعا علي عليه السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا، فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها. أراد عمر نبش قبر الزهراء عليها السلام فواجهه أمير المؤمنين عليه السلام فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون ؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها. فقال عمر: والله لا تتركون – يا بني هاشم – حسدكم القديم لنا أبدا. إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها. فقال علي عليه السلام: (والله لو رمت ذلك يابن صهاك لأرجعت إليك يمينك. والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك). (1) فانكسر عمر وسكت، وعلم أن عليا عليه السلام إذا حلف صدق. ثم قال علي عليه السلام: يا عمر، ألست الذي هم بك رسول الله صلى الله عليه وآله وأرسل إلي، فجئت متقلدا بسيفي، ثم أقبلت نحوك لأقتلك، فأنزل الله عز وجل: (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) (2)، فانصرفوا.


(1). أي اقصد نحوه إن قدرت عليه. (2). سورة مريم: الاية 84.

[ 394 ]

* 5 * مؤامرتهم لقتل أمير المؤمنين عليه السلام قال ابن عباس: ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: (لا يستقيم لنا أمر مادام هذا الرجل حيا) فقال أبو بكر: من لنا بقتله ؟ فقال عمر: (خالد بن الوليد) فأرسلا إليه فقالا: (يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه ؟ قال: احملاني على ما شئتما، فوالله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت. فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا سلمت فاضرب عنقه. قال: نعم. فافترقوا على ذلك. ندامة أبي بكر عند إجراء المؤامرة ثم إن أبا بكر تفكر فيما أمر به من قتل علي عليه السلام وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به. فلم ينم ليلته تلك حتى أصبح ثم أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة. فتقدم فصلى بالناس مفكرا لا يدري ما يقول. وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف حتى قام إلى جانب علي عليه السلام، وقد فطن علي عليه السلام ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلم: (يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك) ثم سلم عن يمينه وشماله. المواجهة لمؤامرة القتل فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه.


[ 395 ]

فقال العباس: حلفوه بحق القبر (لما كففت). فحلفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى منزله. وجاء الزبير والعباس وأبو ذر والمقداد وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا: (والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل) واختلف الناس وماجوا واضطربوا. وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: (يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته لطالما أردتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالأمس، ثم أنتم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده ؟ كذبتم ورب الكعبة. ما كنتم تصلون إلى قتله). حتى تخوف الناس أن تقع فتنة عظيمة.


[ 396 ]

سفيد


[ 397 ]

تتمة متن كتاب سليم نذكر في هذا الفصل 22 حديثا جاء في نسخة (ج) من كتاب سليم


[ 398 ]

(49) ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الكتف وعن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت عليا عليه السلام – بعد ما قال ذلك الرجل ما قال وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع الكتف -: ألا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان ؟ كلام رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قول عمر فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذهبنا نقوم أنا وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا علي عليه السلام: إجلسوا. فأراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله ؟ أتاني جبرئيل قبل فأخبرني أنه سامري هذه الامة وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتى من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة). أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام في الكتف فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا رجلا وعلي عليه السلام يخطه بيده. وقال صلى الله عليه وآله: إني أشهدكم إن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين.


[ 399 ]

ثم لم أحفظ منهم غير رجلين علي ومحمد، ثم اشتبه الاخرون (1) من أسماء الأئمة عليهم السلام، غير أني سمعت صفة المهدي وعدله وعمله وأن الله يملأ به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: إني أردت أن أكتب هذا ثم أخرج به إلى المسجد ثم أدعو العامة فأقرأه عليهم وأشهدهم عليه. فأبى الله وقضى ما أراد. ثم قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدثاني. ثم لقيت عليا عليه السلام بالكوفة والحسن والحسين عليهما السلام فحدثاني به سرا ما زادوا ولا نقصوا كأنما ينطقون بلسان واحد.


(1). (ج) خ ل: (ثم اشتبه عليه الاخرون). ثم إنه لا مجال لوقوع هذا الاشتباه من سلمان ولا من سليم ولا من أبان، وذلك لما نراه في سائر أحاديث هذا الكتاب وكتب اخرى من تصريح سلمان وسليم وأبان بأسماء الأئمة فردا فردا، فالاشتباه عليهم في مثل هذا المورد عجيب، ولا شك في استعمالهم التقية في هذا الكلام لئلا يعرف الظالمون أشخاص الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

[ 400 ]

(50) يحل لعلي عليه السلام في المسجد ما يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله سليم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده عسيب (1) رطب ونحن في مسجده، فجعل يضربنا ويقول: لا ترقدوا في المسجد. قال جابر: فخرجنا وأراد علي عليه السلام أن يخرج معنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أين تخرج يا أخي ؟ إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا طيبا لا يسكنه معه إلا هو وابناه شبر وشبير. علي عليه السلام الذائد عن الحوض يوم القيامة يا أخي، والذي نفسي بيده إنك للذائد عن حوضي بيدك كما يذود الرجل عن إبله الأبل الجربة، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي معك عصى من عوسج. (2)


(1). العسيب: جريدة من النخل كشط خوصها. (2). العوسج: شجيرة من فصيلة الباذنجانيات، أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان.

[ 401 ]

(51) يحل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل بيته فقط سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بصحن مسجده يقول: (ألا إنه لا يحل مسجدي لجنب ولا لحائض غيري وغير أخي وغير ابنتي ونسائي وخدمي وحشمي. ألا هل سمعتم ؟ ألا هل بينت لكم ؟ ألا لا تضلوا)، ينادي بذلك نداء.


[ 402 ]

(52) علي عليه السلام صديق الامة وفاروقها وذكر سليم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذر والمقداد في إمارة عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا. فقالوا له: عليك بكتاب الله فألزمه، وعلي بن أبي طالب فإنه مع الكتاب لا يفارقه. وإنا نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن عليا مع القرآن والحق، حيثما دار دار. (1) إنه أول من آمن بالله وأول من يصافحني يوم القيامة من أمتي، وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي). أبو بكر وعمر انتحلا اسم غيرهما فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق ؟ فقالوا له (2): نحلهما الناس اسم غيرهما (3) كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وإمرة المؤمنين،


1 – هكذا في النسخ بصيغة المفرد. 2 – من هنا الى آخر الحديث في (الفضائل) هكذا: فقالوا له: الناس تجهل حق علي عليه السلام. كما جهل خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله جهلا حق أمير المؤمنين عليه السلام. وما هما لهما باسم لانهما اسم غيرهما. والله إن عليا هو الصديق الاكبر والفاروق الازهر، والله إن عليا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا إليه – جميعا وهما معا – بإمرة المؤمنين والفاروق الازهر وأنه الصديق الاكبر. 3 – أورد الكاندهلوي في حياة الصحابة: ج 2 ص 22 عن ابن شهاب قال: بلغنا أن أول من قال لعمر (الفاروق) أهل الكتاب.

[ 403 ]

وما هو لهما بإسم لأنه إسم غيرهما. إن عليا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرهما معنا فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. (1)


(1). ورد هذا الحديث في الاحتجاج للطبرسي بتفاوت كثير. ولذا نورد ما في الاحتجاج هيهنا: قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا، فقال له سلمان: عليك بكتاب الله فألزمه وعلي بن أبي طالب عليه السلام فإنه مع القرآن لا يفارقه، فإنا نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عليا يدور مع الحق حيث دار، وإن عليا هو الصديق والفاروق، يفرق بين الحق والباطل. قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق ؟ قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بن أبي طالب عليه السلام بإمرة المؤمنين.

[ 404 ]

(53) الدافع لحرب الجمل وصفين عند علي عليه السلام سليم قال: سمعت عليا عليه السلام يقول يوم الجمل ويوم الصفين: إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله والجحود بما أنزل الله تعالى، أو الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاخترت الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الكفر بالله والجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم، إذا وجدت أعوانا على ذلك. إني لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، فلو وجدت قبل اليوم أعوانا على إحياء الكتاب والسنة كما وجدتهم اليوم لقاتلت ولم يسعني الجلوس.


[ 405 ]

(54) أهل البيت عليهم السلام الشهداء على الناس يحذر على الدين من ثلاثة رجال سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجل قرأ القرآن حتى إذا رآى عليه بهجته كأن رداء للايمان غيره إلى ما شاء الله، اخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك. قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك ؟ قال: الرامي به منهما. ورجل استخفته الأحاديث، كلما انقطعت أحدوثة كذب مثلها أطول منها. إن يدرك الدجال يتبعه. ورجل آتاه الله عز وجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله. العصمة هي المناط في طاعة النبي والأئمة عليهم السلام إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) (1)، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية الله، وإنما أمر بطاعة اولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله.


(1). سورة النساء: الاية 59.

[ 406 ]

طريق أهل البيت عليهم السلام ينجي من الضلال قال: ثم أقبل علي علي بن أبي طالب عليه السلام – حين فرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله – فقال: لابد من رحى ضلالة، فإذا قامت طحنت وإن لطحنها روقا وإن روقها حدتها وعلى الله فلها. إن أبرار عترتي وطيب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا. ألا وبنا يفرج الله الضيق والزمان الكلب، وعلى أيدينا يغير الكذب. ألا وإنا أهل بيت من حكم الله حكمنا وقول صادق سمعنا، فإن تتبعوا سبيلنا وتسلكوا طريقنا وآثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تخالفونا تهلكوا، وإن تقتدوا بنا تجدونا على الكتاب أمامكم، وإن تخالفونا لم تضروا بذلك إلا أنفسكم. إن الله يسأل الشهداء من أهل البيت عليهم السلام عن أهل زمانهم إن الله سائل أهل كل زمان ويدعى الشهداء عليهم في زمانهم منا، فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه. (1) إن رسول الله صلى الله عليه وآله هو المنذر الهادي الرسول إلى الجن والأنس إلى يوم القيامة، لا نبي بعده ولا رسول، ولا ينزل بعد القرآن كتابا. ولكل أهل زمان هاد ودليل وإمام يهديهم ويدلهم ويرشدهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، كلما مضى هاد خلف آخر مثله. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه.


(1). يمكن قراءة هذه الفقرة بالتشديد هكذا: فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه.

[ 407 ]

إنا أهل بيت دعا الله لنا أبونا إبراهيم عليه السلام فقال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) (1)، فإيانا عنى الله بذلك خاصة. ونحن الذين عنى الله: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) إلى آخر السورة (2)، فرسول الله الشاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه. ونحن الذين عنى الله بقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) إلى آخر الاية. (3) فلكل زمان منا إمام شاهد على أهل زمانه. (4)


(1). سورة إبراهيم: الاية 37. (2). سورة الحج: الايتان 77 و 78. والاية الثانية هكذا: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). (3). سورة البقرة: الاية 143، وتمام الاية هكذا: (… ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم). (4). ورد الحديث في خصال الصدوق بصورة أخصر وبتفاوت، وهذا نص ما في الخصال: سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجلا قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك. قلت: يا أمير المؤمنين، أيهما أولى بالشرك ؟ قال: الرامي. ورجلا استخفته الأحاديث، كلما حدث احدوثة كذب مدها بأطول منها. ورجلا آتاه الله عز وجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر. إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة اولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.

[ 408 ]

(55) اعترافات سعد بن أبى وقاص بشأن أمير المؤمنين عليه السلام قال سليم بن قيس: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إني سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (اتقوا فتنة الأخينس (فتنة سعد، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله). فقال سعد: اللهم إني أعوذ بك أن أبغض عليا أو يبغضني، أو أقاتل عليا أو يقاتلني، أو أعادي عليا أو يعاديني. فضائل أمير المؤمنين عليه السلام على لسان سعد إن عليا كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها: إنه صاحب براءة حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني). وقال صلى الله عليه وآله له يوم غزاة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فإنه لانبى بعدي). وأمر صلى الله عليه وآله بسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه، فجهد عمر أن يرخص له في كوة صغيرة قدر عينه فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال عند ذلك حمزة والعباس وجعفر: (سددت أبوابنا وتركت باب علي) ؟ فقال صلى الله عليه وآله: (ما أنا سددتها ولا فتحت بابه، ولكن الله سدها وفتح بابه). وآخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين كل رجلين من أصحابه، فقال عليه السلام له: آخيت بين كل رجلين من أصحابك وتركتني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والاخرة).


(1). (ج) خ ل: الأخنس، بمعنى المتأخر والمتنحي.

[ 409 ]

غزوة خيبر على لسان سعد وقال في يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون ؟ لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبرا). فلما أصبحنا اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأريت رسول الله وجهي (1 فقال: (أين أخي، ادعوا لي عليا). فأتوه به، فإذا هو رمد يقاد من رمده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه. ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حيي بن أخطب، فأعتقها النبي صلى الله عليه وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها واقعة الغدير على لسان سعد وأعظم من ذلك – يا أخا بني هلال (2) – يوم غدير خم، أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده – وأنا أنظر إليه – رافعا عضديه فقال: (ألست أولى بكم من أنفسكم) ؟ فقالوا: بلى. قال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ليبلغ الشاهد الغائب). محاولة سعد بن أبى وقاص تبرير نفاقه قال سليم: وأقبل علي سعد فقال: إنما شككت ولست بقاتل نفسي إن كان سبقني إلى فضل غبت عنه إني لم أزعم أني مخطئ ولا مسئ، بل هو على الحق.


(1). قائل هذا الكلام سعد بن أبي وقاص. (2). المخاطب به سليم بن قيس الهلالي.

[ 410 ]

(56) المهاجرون والأنصار لم يواجهوا عليا عليه السلام في حروبه قال: وذكر سليم: أنه لم يكن مع طلحة والزبير رجل واحد من المهاجرين والأنصار، ولا مع معاوية رجل من المهاجرين والأنصار، ولا مع الخوارج يوم النهروان أحد من المهاجرين والأنصار. سعد يخبر عن رئيس الخوارج قال: وسمعت سعدا وذكر المخدج، قال: فقال علي عليه السلام: قتل شيطان الوهدة. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أمه أمة لبني سليم وأبوه شيطان)


[ 411 ]

(57) ندامة الثلاثة المتخلفين عن علي عليه السلام قال سليم بن قيس: وجلست يوما إلى محمد بن مسلمة وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر (1)، فسمعتهم يقولون: لقد تخوفنا أن نكون قد هلكنا بتخلفنا عن نصرة علي وعن قتالنا معه الفئة الباغية. فقلت: اللهم إني قد سمعت عليا عليه السلام يقول: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين). قال: فبكوا، ثم قالوا: صدق علي عليه السلام وبر، ما قال على الله ولا على رسوله قط إلا الحق. فنستغفر الله من تخلفنا عنه وخذلاننا إياه.


(1). هؤلاء الثلاثة هم الذين تخلفوا عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام والمسير معه إلى القتال. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ص 65 عن خفاف بن عبد الله قال: ثم تهيأ علي عليه السلام للمسير إلى البصرة وخف معه المهاجرون والأنصار، وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك (وهو ابن أبي وقاص) وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة. وروى ابن أبي الحديد أن محمد بن مسلمة كان معهم (يوم بيعة أبي بكر) وأنه هو الذي كسر سيف الزبير. راجع البحار: ج 8 طبع قديم ص 59.

[ 412 ]

(58) احتجاجات أبان على الحسن البصري التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنين عليه السلام سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (لو لا أن تقول طوائف من أمتي ما قالت النصاري في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه). (1) فضائل أمير المؤمنين عليه السلام على لسان الحسن البصري قال أبان: فحدثت الحسن بن أبي الحسن – وهو في بيت أبي خليفة (2) – بهذا الحديث عن سليم عن سلمان. فقال الحسن: (والله لقد سمعت في علي حديثين ما حدثت بهما


(1). ورد هذا الحديث في (ج) خ ل هكذا: سليم قال: سمعت سلمان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: (لو لا أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه). روى في البحار: ج 68 ص 137 بأسناده عن جابر قال: لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح خيبر قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (لو لا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به…). وقد قال صلى الله عليه وآله مثل ذلك بشأن علي عليه السلام في غزوة ذات السلاسل كما في البحار: ج 21 ص 79. (2). أبو خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي العبدي البصري هو الذي آوى إليه عدد ممن هرب من ظلم الحجاج الثقفي.

[ 413 ]

أحدا قط). فحدث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحد. (1) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن علي عليه السلام أنه سمعهما منه. أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة، وبت ليلتي إذ ذاك عنده. فقال الحسن تلك الليلة: لو لا رواية يرويها الناس عن النبي صلى الله عليه وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله غير علي عليه السلام وشيعته. قلت: يا با سعيد، وأبو بكر وعمر ؟ قال: نعم.


(1). روى في البحار: ج 39 ص 9 بأسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس ليلة بدر إلى الماء. فانتدب علي عليه السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة. فخرج بقربته، فلما كان إلى القليب لم يجد دلوا. فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل. فاستقبلته ريح شديدة، فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به اخرى فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به اخرى فجلس حتى مضت. فلما جاء قال النبي صلى الله عليه وآله: ما حبسك يا أبا الحسن ؟ قال: لقيت ريحا ثم ريحا ثم ريحا شديدة، فأصابتني قشعريرة. فقال: أتدري ما كان ذلك يا علي ؟ فقال: لا. فقال: ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلم عليك وسلموا. ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلم عليك وسلموا. ثم مر إسرافيل في ألف من الملائكة فسلم عليك وسلموا. وروى في البحار: ج 20 ص 85 أنه أشار رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم أحد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم علي عليه السلام فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل: فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما. وروى في البحار: ج 20 ص 72 عن ابن مسعود أنه قال: انهزم الناس يوم أحد إلا علي وحده. فقلت: إن ثبوت علي عليه السلام في ذلك المقام لعجب قال: إن تعجبت منه فقد تعجبت الملائكة. أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي). وروى في البحار: ج 20 ص 69 أن أمير المؤمنين عليه السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحد حين ذهب الناس غيري ؟ قالوا: لا.

[ 414 ]

قلت: وما تلك الرواية يا با سعيد ؟ قال: قول حذيفة (قوم ينجون ويهلك أتباعهم). قيل: وكيف ذلك يا حذيفة ؟ قال: (قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثا فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق. فنجا اولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم). (1) وقول رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر – حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة (1) – فقال: (وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته: إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا). وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر الموجبتين. قالوا: يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين ؟ قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار). فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة. قلت: أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير، إن كان الأمر لعلي عليه السلام دونهم من الله ورسوله ؟ فقال: يا أحمق، لا تقولن (إن كان) هو والله لعلي دونهم، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع ؟ ولقد حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله الثقات ما لا أحصي. قلت: وما هذه الخصال الأربع ؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وآله ونصبه إياه يوم غدير خم. وقوله في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد علمنا يقينا أن الخلافة غير النبوة. وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه: (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين – وجمع بين سبابتيه – لا كهاتين – وجمع بين سبابته والوسطى – لأن إحديهما


(1). لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه. (2). حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة 30، قد مر قصته في الحديث 15 من هذا الكتاب.

[ 415 ]

قدام الاخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا. لا تقدموهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر وعمر – وهما سابعا سبعة – أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. ولعمري لئن جاز لنا – يا أخا عبد القيس (1) – أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير – وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا – إنه ليسعنا أن نستغفر لهما. فأما طلحة والزبير، فإنهما بايعا عليا عليه السلام – وأنا شاهد – طائعين غير مكرهين. ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصا على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله. وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسير أولياء الله أبا ذر وقوما صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى، وأعظمهما تحريق كتاب الله، وأفظعها صلاته بمنى أربعا خلافا على رسول الله صلى الله عليه وآله. (2)


1 – المخاطب به ابان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس. راجع المقدمة. 2 – راجع عن تحريق عثمان المصاحف: الحديث 11 من هذا الكتاب. وروى في البحار: ج 8 طبع قديم ص 312، والغدير: ج 8 ص 101 عن تاريخ الطبري وغيره: أنه حج عثمان بالناس في سنة 29 فضرب بمنى فسطاطا، فكام أول فسطاط ضربه عثمان بمنى واتم الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي بالاسناد عن ابن عباس قال: ان اول ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه علي عليه السلام فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. أولا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر، ثم عمر، وأنت صدرا من ولايتك. فما أدري ما يرجع إليه ؟ فقال: رأي رأيته راجع عن مثالب عثمان: بحار الأنوار: ج 8 (طبع قديم) ص 323 – 301، والغدير: ج 8 ص 387 – 9 وج 9 ص 69 – 3.

[ 416 ]

قلت: أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه ؟ قال: إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة، الحجاج وابن زياد قبله وأبوه. أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب علي عليه السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ليس للمؤمن أن يذل نفسه). قلت: وما إذلاله لنفسه ؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به. وقد سمعت عليا عليه السلام يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قتل عثمان وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له. والله لو لا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس). فقال له رجل: وما دولة إبليس ؟ قال عليه السلام: (إذا ولى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا وليهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس). ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال: (ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري). كيف بايع الناس عليا عليه السلام بعد قتل عثمان ثم هرب من الناس ثلاثة أيام، فطلبوه فأتوه في خص (1) لبني النجار فقالوا: إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحدا من الناس أحق بها منك، فننشدك الله في أمة محمد صلى الله عليه وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك. فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين، وكذبا. ثم أتاه رجل من مهرة (2) – ومحمد بن أبي بكر بجنبه – فقال له علي عليه السلام – وأنا أسمع -: يا أخا مهرة، أجئت لتبايع ؟ قال: نعم. قال: تبايعني على أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض والأمر لي، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلما وعدوانا. ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال: نعم. فبايعه على ذلك طائعا غير مكره.


(1). الخص: البيت من قصب أو شجر. (2). (مهرة): بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.

[ 417 ]

قال: فقلت للحسن: أفبايع الناس كلهم على هذا ؟ قال: لا، إنما بايع من أمن ووثق به على هذا. يا أخا عبد القيس، ولئن جاز لنا أن نستغفر لعثمان وقد ركب ما ركب من الكبائر والامور القبيحة، إنه ليجوز لنا أن نستغفر لهما وقد عوفيا من الدماء وعفا في ولايتهما وكفا وأحسنا السيرة، ولم يعملا بمثل عمل عثمان من الجور والتخليط، ولا بمثل ما عمله طلحة والزبير من نكثهما البيعة وما سفكا من الدماء إرادة الدنيا والملك، وقد سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عما ركبا وعما أتيا فتركا أمر الله وأمر رسوله بعد الحجة والبينة استخفافا بأمر الله وأمر رسوله. ولئن قلت يا أخا عبد القيس: (إن أبا بكر وعمر قد سمعا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام)، فلقد سمع ذلك عثمان وطلحة والزبير ثم ركبوا ما ركبوا من الحرب وسفك الدماء وعوفيا من ذلك أبو بكر وعمر أول من أسس الضلالة في الامة ولئن قلت: (إنهما أول من فتح ذلك وسنه وأدخلا الفتنة والبلاء على الامة بانتزائهما على ما قد علما يقينا أنه لا حق لهما فيه وأن الله جعله لغيرهما، وأنهما سلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، ثم قالا للنبي صلى الله عليه وآله حين أمرهما بالتسليم عليه: أمن الله ومن رسوله ؟ قال: نعم، من الله ومن رسوله)، إن في ذلك لمقالا. (1) لقد قال لي أبو ذر – حين حدثني بتسليمهما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، هو والمقداد وسلمان -: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا).


(1). جواب لقوله (لئن قلت:…) أي لئن قلت هكذا فهذا كلام في محله.

[ 418 ]

اعتراف جميع الصحابة بخلافة علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله يا أخا عبد القيس، إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا يشكون ولا يختلفون ولا يتنازعون بينهم أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أولهم إسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم عناء في الجهاد في سبيل الله ومبارزة الأقران ووقايته لرسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه. وأنه لم ينزل برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة ولا كربة ولا مبارزة قرن وفتح حصن إلا قدمه فيها ثقة به ومعرفة بفضله وأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأنه أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله. وأنه قد كان له كل يوم وكل ليلة من رسول الله صلى الله عليه وآله خلوة ودخلة إليه، إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه. وأنه لم يحتج إلى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في علم ولا فقه، وأن جميعهم كانوا يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إلى أحد. وأن له من السوابق والمناقب وما أنزل فيه من القرآن ما ليس لأحد منهم، وأنه كان أجودهم كفا وأسخاهم نفسا وأشجعهم لقاء. وما خصلة من خصال الخير له فيها نظير ولا شبيه ولا كفو، في زهده في الدنيا ولا في اجتهاده. فمما خصه الله به أن أخذ على الناس بالفصل الأول (1) مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يسبقه أحد منهم إلى خير، ولم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا قط عليه ولم يتقدم أمامه أحد في صلاة قط.


1 – إن الحسن البصري قسم حياة أمير المؤمنين عليه السلام على فصلين: الفصل الاول جهاده في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، والفصل الاخر صبره وجهاده بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.

[ 419 ]

الجواب عن قضية صلاة أبي بكر عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبان: قلت: يا أبا سعيد، أليس أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر أن يصلي بالناس ؟ فقال: أين يذهب بك يا أبان ؟ إن عليا عليه السلام لم يكن مع الناس الذين أمر أبا بكر أن يصلي بهم، وإنما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يمرضه ويوصي إليه ويصلي بصلاته. ثم لم يتم ذلك لأبي بكر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأخر أبا بكر وصلى بالناس. (1)


1 – في (ب) هكذا: والله لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأخر أبا بكر عن المحراب فصلى بالناس. روي في البحاار: ج 28 ص 110 طبع قديم ص 25 عن حذيفة بن اليمان أنه قال عند ذكر وقائع الايام الاخيرة من عمر رسول الله صلى الله عليه وآله: كان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة: فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عي بن أبي طالب عليه السلام فصلى بالناس وكان علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته تلك – التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة – أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه. فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه: (أن رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس. فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فإنها حال تهنئك وحجة لك بعد اليوم) قال: فلم تشعر الناس – وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله أو عليا عليه السلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه – إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: (إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلى بالناس) فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة. ثم نادى الناس بلال، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك. ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: ما هذا الدق العنيف ؟ فانظروا ما هو ؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال. فقال: ما وراءك يا بلال ؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك. فقال: أو ليس أبو بكر مع جيش أسامة ؟ هذا هو والله الشر العظيم، طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك. ودخل الفضل وأدخل بلالا معه، فقال: ما وراءك يا بلال ؟ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر. فقال: (أقيموني، أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد. والذي نفسي بيده قد نزلت بالأسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن). ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي عليه السلام والفضل بن العباس ورجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد

[ 420 ]

والله لقد سمعت عليا عليه السلام يقول: فتح لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه مفتاح ألف باب من العلم، كل باب يفتح ألف باب. ثم أخذ (1) بالفصل الاخر أن صبر على الظلم، فلما وجد أعوانا قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في سبيل الله حتى استشهد، فلقي الله نقيا زكيا سعيدا شهيدا طيبا مطيبا قد قاتل الذين أمره الله ورسوله بقتالهم: الناكثين والقاسطين والمارقين. خلط الحسن البصري النفاق بالتقية قال أبان: قال الحسن هذه المقالة في أول عمره في أول عمل الحجاج وهو متوار في بيت أبي خليفة وهو يومئذ من الشيعة. فلما كبر وشهر وسمعته يقول ما يقول في علي عليه السلام خلوت به فذكرته ما سمعت منه. فقال: اكتم علي، فإنما صنعت ما صنعت أحقن دمي ولو لا ذلك لشالت بي الخشب.


= وأبو بكر قائم في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال. فلما رآى الناس رسول الله صلى الله عليه وآله قددخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك. وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فجذب أبا بكر من وراءه فنحاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله. وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته. ثم التفت فلم ير أبا بكر، فقال: (يا أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ؟ ألا وإن الله قد أركسهم فيها). (1). أي علي عليه السلام.

[ 421 ]

(59) دعاء أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل وصفين والنهروان وذكر سليم بن قيس: أن عليا عليه السلام كان إذا لقي عدوا يوم الجمل ويوم صفين ويوم النهروان استقبل القبلة على بغلته الشهباء بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: (اللهم بسطت إليك الأيدي ورفعت الأبصار وأفضت القلوب ونقلت الأقدام. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين)، وهو رافع يديه وأصحابه يؤمنون.


[ 422 ]

(60) أفضل مناقب أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن وعند النبي صلى الله عليه وآله سليم قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وأنا أسمع، فقال: أخبرني يا أمير المؤمنين بأفضل منقبة لك ؟ قال: ما أنزل الله في من كتابه. قال: وما أنزل الله فيك ؟ قال: قوله: (افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (1)، أنا الشاهد من رسول الله صلى الله عليه وآله. وقوله: (ومن عنده علم الكتاب) (عنى. ولم يدع شيئا مما ذكر الله فيه إلا ذكره. (3) أفضل منقبة له عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عليه السلام: نصبه إياي بغدير خم، فقام لي بالولاية من الله عز وجل بأمر الله تبارك وتعالى. وقوله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله – وذلك قبل أن يأمر نسائه بالحجاب – وأنا أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله ليس له خادم غيري. وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله لحاف ليس له لحاف غيره


(1). سورة هود: الاية 17. (2)، إياي (2). سورة الرعد: الاية 43. (3). في الاحتجاج هكذا: فلم يدع شيئا أنزل الله فيه إلا ذكره، ومثل قوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، وقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) وغير ذلك.

[ 423 ]

ومعه عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثة لحاف غيره. وإذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ليمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ويقوم رسول الله صلى الله عليه وآله فيصلي. فأخذتني الحمي ليلة فأسهرتني، فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله لسهري. فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له. ثم يأتيني فيسألني وينظر إلي. فلم يزل دأبه ذلك إلى أن أصبح. فلما أصبح صلى بأصحابه الغداة ثم قال: (اللهم اشف عليا وعافه فإنه قد أسهرني الليلة لما به من الوجع)، فكأنما نشطت من عقال ما بي قبله. (1) قال عليه السلام: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ابشر يا أخي – قال ذلك وأصحابه يسمعون – قلت: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداؤك. قال: إني لم أسأل الله شيئا إلا أعطانيه، ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله، وإني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته (أن يجعلك ولي كل مؤمن من بعدي) ففعل. فقال رجلان – أحدهما لصاحبه -: وما أراد إلى ما سأل ؟ فوالله لصاع من تمر بال في شن بال خير مما سأل ولو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو ينزل عليه كنزا ينفقه على أصحابه – فإن بهم حاجة – كان خيرا مما سأل. وما دعا عليا قط إلى حق ولا إلى باطل (2) إلا أجابه. وحدث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام بهذا الحديث. (3)


(1). قد مر ذكر هذه القضية في الحديث 36 من هذا الكتاب. (2). قوله: (إلى باطل) على زعم أبي بكر وعمر. فقوله: (وما دعا عليا…) من تتمة كلام أبي بكر وعمر فيما بينهما، يريدان أن عليا عليه السلام تسليم لكل أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي الاحتجاج أورد هذه الفقرة هكذا: (ومادعا عليا قط إلى خير إلا استجابه). (3). الظاهر أن هذه العبارة من كلام أبان الذي كان من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام.

[ 424 ]

(61) * 1 * وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله لبني هاشم سليم: قال: قلت لعبد الله بن العباس – وجابر بن عبد الله الأنصاري إلى جنبه -: شهدت النبي صلى الله عليه وآله عند موته ؟ قال: نعم، لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله جمع كل محتلم من بني عبد المطلب وامرأة وصبي قد عقل، فجمعهم جميعا فلم يدخل معهم غيرهم إلا الزبير فإنما أدخله لمكان صفية، وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد. ثم قال: (إن هؤلاء الثلاثة منا أهل البيت)، وقال: (أسامة مولانا ومنا). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله استعمله على جيش وعقد له وفي ذلك الجيش أبو بكر وعمر، فقال كل واحد منهما: (لا ينتهي يستعمل علينا هذا الصبي العبد) فاستأذن (1) رسول الله صلى الله عليه وآله ليودعه ويسلم عليه، فوافق ذلك اجتماع بني هاشم فدخل معهم واستأذن أبو بكر وعمر أسامة ليسلما على النبي صلى الله عليه وآله فأذن لهما. فلما دخل أسامة معنا – وهو من أوسط بني هاشم (2) وكان صلى الله عليه وآله شديد الحب له – قال رسول الله صلى الله عليه وآله لنسائه: (قمن عني فأخلينني وأهل بيتي). فقمن كلهن غير عائشة وحفصة فنظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (اخلياني وأهل بيتي). فقامت عائشة آخذة بيد حفصة وهي تدمر غضبا وتقول: (قد أخليناك وإياهم) فدخلتا بيتا من خشب.


(1). أي استأذن أسامة. (2). كناية عن أنه يعد منهم وإن لم يكن منهم نسبا. (*)

[ 425 ]

الأخبار عن اثني عشر إمام هداية واثني عشر إمام ضلالة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (يا أخي، أقعدني)، فأقعده علي عليه السلام وأسنده إلى نحره، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا بني عبد المطلب، اتقوا الله واعبدوه، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ولا تختلفوا. إن الأسلام بني على خمسة: على الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. فأما الولاية فلله ولرسوله وللمؤمنين الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون (1)، (ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون). (2) قال ابن عباس: وجاء سلمان والمقداد وأبو ذر، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله مع بني عبد المطلب. فقال سلمان: يا رسول الله، للمؤمنين عامة أو خاصة لبعضهم ؟ قال: بل خاصة لبعضهم، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في غير آية من القرآن. قال: من هم يا رسول الله ؟ قال: أولهم وأفضلهم وخيرهم أخي هذا علي بن أبي طالب – ووضع يده على رأس علي عليه السلام – ثم ابني هذا من بعده – ثم وضع يده على رأس الحسن عليه السلام – ثم ابني هذا – ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام – من بعده، والأوصياء تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد، حبل الله المتين وعروته الوثقى. هم حجة الله على خلقه وشهدائه في أرضه. من أطاعهم فقد أطاع الله وأطاعني، ومن عصاهم فقد عصى الله وعصاني، هم مع الكتاب والكتاب معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردا علي الحوض. يا بني عبد المطلب، إنكم ستلقون من بعدي من ظلمة قريش وجهال العرب وطغاتهم تعبا وبلاء وتظاهرا منهم عليكم واستذلالا وتوثبا عليكم وحسدا لكم وبغيا عليكم، فاصبروا حتى


(1). إشارة إلى قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) في سورة المائدة: الاية 55. (2). سورة المائدة: الاية 56.

[ 426 ]

تلقوني. إنه من لقي الله – يا بني عبد المطلب – موحدا مقرا برسالتي أدخله الجنة ويقبل ضعيف عمله ويجاوز عن سيئاته. يا بني عبد المطلب، إني رأيت على منبري اثني عشر من قريش، كلهم ضال مضل يدعون أمتي إلى النار ويردونهم عن الصراط القهقرى: رجلان من حيين من قريش (1) عليهما مثل إثم الامة ومثل جميع عذابهم، وعشرة من بني أمية. رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية (2) وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية. ومن أهل بيتي اثنا عشر إمام هدى كلهم يدعون إلى الجنة: علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد. إمامهم ووالدهم علي، وأنا إمام علي وإمامهم. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض. يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا واتبعوه وتولوه ولا تخالفوه وابرؤوا من عدوه وآزروه وانصروه واقتدوا به ترشدوا وتهتدوا وتسعدوا. يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا. إني لو قد أخذت بحلقة باب الجنة ففتح لي فتح إلى ربي فوقعت ساجدا فقال لي: (ارفع رأسك، سل تسمع واشفع تشفع)، لم اوثر عليكم أحدا. قالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله.


(1). هما أبو بكر من بني تيم وعمر من بني عدي. (2). هما معاوية ويزيد.

[ 427 ]

* 2 * إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن مصائب أهل بيته في آخر عمره المبارك ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: يا أخي: إن قريشا ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك. فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك. أما إن الشهادة من وراءك، لعن الله قاتلك. ثم أقبل على ابنته فقال: إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة. وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك. لعن الله قاتلك ولعن الامر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك. وأما أنت يا حسن فإن الامة تغدر بك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإلا فكف يدك واحقن دمك فإن الشهادة من وراءك، لعن الله قاتلك والمعين عليك، فإن الذي يقتلك ولد زنا ابن زنا ابن ولد زنا. إنا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة ولم يرض لنا الدنيا. قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس (1) فقال: أما إن أول هلاك بني أمية – بعد ما يملك منهم عشرة – على يد ولدك. فليتقوا الله وليراقبوا في ولدي وعترتي، فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا. دولتنا آخر الدول، يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين. ومنا من ولدي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.


(1). الظاهر أن الخطاب إلى عباس لا ابن عباس الناقل للحديث. ولا إشكال في توجه الخطاب إلى ابن عباس أيضا.

[ 428 ]

(62) كلمة النبي صلى الله عليه وآله عن أوصيائه الأثني عشر سليم، قال: سمعت سلمان يقول: قلت: يا رسول الله، إن الله لم يبعث نبيا قبلك إلا وله وصي، فمن وصيك يا نبي الله ؟ قال: يا سلمان، إنه ما أتاني من الله فيه شيئ. فمكث غير كثير، ثم قال لي: يا سلمان، إنه قد أتاني من الله في الأمر الذي سألتني عنه. إني أشهدك يا سلمان إن علي بن أبي طالب وصيي وأخي ووارثي ووزيري وخليفتي في أهلي وولي كل مؤمن من بعدي، يبرئ ذمتي ويقضي ديني ويقاتل على سنتي. يا سلمان، إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منهم. ثم اطلع ثانية فاختار منهم عليا أخي، وأمرني فزوجته سيدة نساء أهل الجنة. ثم اطلع ثالثة فاختار فاطمة والأوصياء: ابني حسنا وحسينا وبقيتهم من ولد الحسين. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه كهاتين – وجمع بين إصبعيه المسبحتين – حتى يردوا علي الحوض واحدا بعد واحد، شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، كلهم هاد مهدي. ونزلت هذه الاية في وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني والأوصياء واحدا بعد واحد، ولدي وولد أخي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (1) أتدرون ما (الرجس) يا سلمان ؟ قلت: لا. قال: الشك،


(1) سورة الاحزاب: الاية 33.

[ 429 ]

لا يشكون في شيئ جاء من عند الله أبدا، مطهرون في ولادتنا وطينتنا إلى آدم، مطهرون معصومون من كل سوء. إخباره صلى الله عليه وآله عن المهدي عليه السلام ثم ضرب بيده على الحسين عليه السلام فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما من ولد هذا. إمام بن إمام، عالم بن عالم، وصي بن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به. أيما داع دعا إلى هدى فله أجره ومثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة فعليه وزره ومثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. يا سلمان، إن موسى سأل ربه أن يجعل له وزيرا من أهله فجعل له أخاه هارون وزيرا. وإنني سألت ربي أن يجعل لي وزيرا من أهلي فجعل لي أخي أشد به ظهري وأشركه في أمري. فاستجاب لي كما استجاب لموسى في هارون. التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنين عليه السلام يا سلمان، لو لا أن تفرط أمتي في أخي علي كإفراط النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيه مقالة يتبعون آثار قدميه في التراب يقبلونه.


[ 430 ]

(63) كلام لا يقوله أحد غير أمير المؤمنين عليه السلام سليم، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول على منبر الكوفة: والذي فلق الحبة وبرء النسمة لأقولن كلاما لم يقله أحد قبلي ولا يقوله أحد بعدي إلا كذاب: (أنا عبد الله وأخو رسوله. ورثت نبي الرحمة ونكحت خير نساء الامة وأنا خير الوصيين). فقام رجل من الخوارج فقال: (أنا عبد الله وأخو رسول الله) فأخذته الموتة مكانه، فما انقلع عنه حتى مات.


[ 431 ]

(64) علم أمير المؤمنين عليه السلام قال سليم: وسمعت عليا عليه السلام يقول: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم، يفتح كل باب ألف). فلم أشك أنه عليه السلام صادق، ولم أسأل عن ذلك أحدا.


[ 432 ]

(65) اختلاف الامة والفرقة الناجية وقال سليم: إني لجالس أنا وعلي عليه السلام والناس حوله، إذ أتاه رأس اليهود ورأس النصارى. فأقبل على رأس اليهود فقال: على كم تفرقت اليهود ؟ فقال: هو عندي مكتوب في كتاب. فقال علي عليه السلام: قاتل الله زعيم قوم يسأل عن مثل هذا من أمر دينه فيقول: (هو عندي في كتاب) قال: ثم قال لرأس النصارى: كم تفرقت النصارى ؟ قال: (على كذا وكذا)، فأخطأ. فقال علي عليه السلام: لو قلت كما قال صاحبك كان خيرا من أن تقول وتخطئ. ثم أقبل عليهما علي عليه السلام وعلى الناس فقال: أنا والله أعلم بالتوراة من أهل التوراة، وأعلم بالأنجيل من أهل الأنجيل، وأعلم بالقرآن من أهل القرآن. أنا أخبركم على كم تفرقوا. الفرقة الناجية بعد الأنبياء عليهم السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصي موسى. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصي عيسى. وأمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصيي.


[ 433 ]

قال: ثم ضرب بيده على منكب علي عليه السلام (1)، ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث وسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة وثنتا عشرة في النار. (2)


(1). الأوفق بالعبارة باعتبار أن القائل هو أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون هكذا: قال عليه السلام: ثم ضرب بيده على منكبي ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتك وحبك. (2). ورد هذا الحديث في الفضائل لشاذان بن جبرئيل عن سليم بتفاوت ليس باليسير ولذا نورد هنا نص ما في الفضائل بعينه: بالأسناد يرفعه إلى سليم بن قيس قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة والناس حوله، إذ دخل عليه رأس اليهود ورأس النصارى، فسلما وجلسا. فقال الجماعة: بالله عليك يا مولانا، اسألهم حتى ننظر ما يعملون. قال عليه السلام لرأس اليهود: يا أخا اليهود. قال: لبيك. قال: على كم انقسمت أمة نبيكم ؟ قال: هو عندي في كتاب مكنون. قال: قاتل الله قوما أنت زعيمهم يسأل عن أمر دينه فيقول: (هو عندي في كتاب مكنون) ثم التفت إلى رأس النصارى وقال له: كم انقسمت أمة نبيكم ؟ قال: على كذا وكذا، فأخطأ. فقال عليه السلام: لو قلت مثل قول صاحبك لكان خيرا لك من أن تقول وتخطئ ولا تعلم. ثم أقبل عند ذلك وقال: أيها الناس، أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل الأنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم. أنا أعرف كم انقسمت الامم. أخبرني به أخي وحبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه. وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه. وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيي – وضرب بيده على منكبي -. ثم قال: اثنتان وسبعون فرقة حلت عقد الأله فيك، وواحدة في الجنة وهي التي اتخذت محبتك وهم شيعتك.

[ 434 ]

(66) كتاب حوادث العالم عند أمير المؤمنين عليه السلام سليم، قال: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا، ثم قال: ما لقيت هذه الامة بعد نبيها اللهم إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب ولي ولولده، ومن عدوه وعدوهم برئ، وإني أسلم لأمرهم. الأخبار عن بلايا أهل البيت عليهم السلام في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لقد دخلت على علي عليه السلام بذي قار، فأخرج إلي صحيفة وقال لي: يابن عباس، هذه صحيفة أملاها علي رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي. فقلت: يا أمير المؤمنين، إقرأها علي فقرأها، فإذا فيها كل شيئ كان منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مقتل الحسين عليه السلام وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه. فبكى بكاء شديدا وأبكاني. فكان فيما قرأه علي: كيف يصنع به وكيف يستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الامة. فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله أكثر البكاء، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة. (1) الأخبار عن دولة الغاصبين في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام وكان فيها – فيما قرأ – أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كل إنسان منهم، وكيف بويع علي عليه السلام، ووقعة الجمل وسير عائشة وطلحة والزبير، ووقعة صفين ومن يقتل


(1). أي بقي قراءته ولم أره.

[ 435 ]

فيها، ووقعة النهروان وأمر الحكمين، وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة، وما يصنع الناس بالحسن، وأمر يزيد بن معاوية حتى انتهى إلى قتل الحسين. فسمعت ذلك ثم كان كل ما قرأ (1) لم يزد ولم ينقص. فرأيت خطه أعرفه في صحيفة لم تتغير ولم تصفر. فلما أدرج الصحيفة قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت علي بقية الصحيفة ؟ قال عليه السلام: لا، ولكني محدثك. ما يمنعني فيها ما نلقى من أهل بيتك وولدك (2) وهو أمر فظيع من قتلهم لنا وعداوتهم إيانا وسوء ملكهم وشوم قدرتهم. فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك ولكني أحدثك. أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب – وأبو بكر وعمر ينظران إلي – وهو يشير إلى ذلك. فلما خرجت قالا لي: ما قال لك ؟ فحدثتهما بما قال. فحركا أيديهما ثم حكيا قولي، ثم وليا يردان قولي ويخطران بأيديهما. الأخبار عن دولة بني العباس يابن عباس، إن الحسن يأتيك من الكوفة بكذا وكذا ألف رجل غير رجل. (3) يابن عباس، إن ملك بني أمية إذا زال كان أول ما يملك من بني هاشم ولدك، فيفعلون الأفاعيل. فقال ابن عباس: لان يكون نسختي ذلك الكتاب أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.


(1). أي وقع كل ما قرأه من ذلك الكتاب من غير زيادة ولا نقيصة. (2). أي إن المانع من قراءة الصحيفة كلها ما جاء فيها مما نلقى من أهل بيتك. (3). راجع الحديث 30 من هذا الكتاب.

[ 436 ]

(67) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بعد وقعة الجمل قال سليم: شهدت عليا عليه السلام حين عاد زياد بن عبيد بعد ظهوره على أهل الجمل، وإن البيت لممتلئ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم عمار وأبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب وجماعة من أهل بدر نحو من سبعين رجلا – وزياد في بيت عظيم شبه البهو (1) – إذ أتاه رجل بكتاب من رجل من الشيعة بالشام: (إن معاوية إستنفر الناس ودعاهم إلى الطلب بدم عثمان، وكان فيما يحضهم به أن قال: إن عليا قتل عثمان وآوى قتلته، وإنه يطعن على أبي بكر وعمر ويدعي أنه خليفة رسول الله وإنه أحق بالأمر منهما. فنفرت العامة والقراء، واجتمعوا على معاوية إلا قليلا منهم). كلام أمير المؤمنين عليه السلام حول الخلافة المغصوبة قال: فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، ما لقيت من الامة بعد نبيها منذ قبض صلى الله عليه وآله. فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا علي أبا بكر فبايعوه وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنه ودفنه، وما فرغت من ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي وحقي. والله إنه ليعلم يقينا والذين ظاهروه أني أحق بها من أبي بكر. فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي ناشدتهم الله عز وجل وحملت فاطمة عليها السلام


(1). البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلا للغرباء والضيوف.

[ 437 ]

على حمار وأخذت بيد ابني الحسن والحسين لعلهم يرعوون (1)، فلم أدع أحدا من أهل بدر ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقي فلم يجيبوني ولم ينصروني. أنتم تعلمون يا معاشر من حضر من أهل بدر أني لم أقل إلا حقا. قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين وبررت، فنستغفر الله من ذلك ونتوب إليه. قال: وكان الناس قريبي عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد واختلاف كلمتهم، وذكرت ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني: إن وجدت أعوانا جاهدتهم وإن لم أجد أعوانا كففت يدي وحقنت دمي. ثم ردها أبو بكر إلى عمر – ووالله إنه ليعلم يقينا أني أحق بها من عمر – فكرهت الفرقة فبايعت وسمعت وأطعت. ثم جعلني عمر سادس ستة فولى الأمر ابن عوف، فخلا بابن عفان فجعلها له على أن يردها عليه ثم بايعه، فكرهت الفرقة والاختلاف. ثم إن عثمان غدر بإبن عوف وزواها عنه، فبرء منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله. ثم مات ابن عوف وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، وزعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه. ثم قتل (2)، واجتمع الناس ثلاثة أيام يتشاورون في أمرهم. ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين.


(1). أي يرجعون، أو يكفون عن الجهل. (2). أي قتل عثمان.

[ 438 ]

امتحن الله المسلمين بأمهم عائشة ثم إن الزبير وطلحة أتياني يستأذناني في العمرة، فأخذت عليهما ألا ينكثا بيعتي ولا يغدرا بي ولا يبغيا علي غائلة. ثم توجها إلى مكة فسارا بعائشة إلى أهل مدرة (1 جهلهم قليل فقههم، فحملوهم على نكث بيعتي واستحلال دمي. ثم ذكر عليه السلام عائشة وخروجها من بيتها وما ركبت منه. فقال عمار: (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فترك ذكرها وأخذ في شيئ آخر، ثم عاد إلى ذكرها فقال أشد مما قال أولا. فقال عمار: (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فأعرض عن ذكرها ثم عاد الثالثة فقال أشد مما قال. قال: فقال عمار: (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فقال: كلا، إني مع الله على من خالفه، وإن أمكم ابتلاكم الله بها ليعلم أمعه تكونون أم معها ؟ تناقض الغاصبين في نظرية تعيين الخليفة قال سليم: ثم ذكر علي عليه السلام بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فقال: (لعمري لئن كان الأمر كما يقولون، ولا والله ما هو كما يقولون)، ثم سكت. فقال له عمار: وما يقولون ؟ فقال: يقولون (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا)، ففعلوا غير ما أمروا في قوله. (2) فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة ولا رضى من أحد، ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة. ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة. ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ثم قال: (يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام)، ثم أمر الناس: (إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين). ثم تشاوروا في ثلاثة أيام وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملأهم، ثم صنعوا ما رأيتم


) كثير (1). المدرة بمعنى البلدة والقرية لأن بنيانها غالبا من المدر أي الطين، ولعله تصحيف كلمة (مدينة). والمراد به البصرة. (2). أي في قوله المنسوب إليه بزعمهم.

[ 439 ]

ثم قال: إن موسى قال لهارون: (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن) إلى قوله (ولم ترقب قولي) (1)، وأنا من نبي الله بمنزلة هارون من موسى، عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن ضلت الامة بعده وتبعت غيري أن أجاهدهم إن وجدت أعوانا، وإن لم أجد أعوانا أن أكف يدي وأحقن دمي)، وأخبرني بما الامة صانعة بعده. إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن صفين والنهروان فلما وجدت أعوانا بعد قتل عثمان على إقامة أمر الله وإحياء الكتاب والسنة لم يسعني الكف، فبسطت يدي فقاتلت هؤلاء الناكثين، وأنا غدا إن شاء الله مقاتل القاسطين بأرض الشام في موضع يقال له (صفين)، ثم أنا بعد ذلك مقاتل المارقين بأرض من أرض العراق يقال لها (النهروان). أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتالهم في هذه المواطن الثلاث. وكففت يدي لغير عجز ولا جبن ولا كراهية للقاء ربي، ولكن لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ وصيته. فلما وجدت أعوانا نظرت فلم أجد بين السبيلين ثالثا: إما الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الكفر بالله والجهود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم والارتداد عن الأسلام. إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن قاتله وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن الشهادة من ورائي، وأن لحيتي ستخضب من دم رأسي، بل قاتلي أشقى الأولين والاخرين، رجل أحيمر (2) يعدل عاقر الناقة ويعدل قابيل


(1) سورة طه: الاية 94. (2) (أحيمر) لقب قدار بن سالف عاقر ناقة ثمود أخذت هنا اسما لابن ملجم، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا أحدثكم بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه – ووضع يده على قرنه – حتى تبتل منه هذه – وأخذ بلحيته -. =

[ 440 ]

قاتل أخيه هابيل وفرعون الفراعنة والذي حاج إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم. ثم قال صلى الله عليه وآله: ورجلين من أمتي. خطايا أمة محمد صلى الله عليه وآله عليهما ثم قال عليه السلام: إن عليهما خطايا أمة محمد. إن كل دم سفك إلى يوم القيامة ومال يؤكل حراما وفرج يغشى حراما وحكم يجار فيه عليهما، من غير أن ينقص من إثم من عمل به شيئ. قال عمار: يا أمير المؤمنين، سمهما لنا فنلعنهما. قال: يا عمار، ألست تتولى رسول الله صلى الله عليه وآله وتبرء من عدوه ؟ قال: بلى. قال: وتتولاني وتبرء من عدوي ؟ قال: بلى. قال: حسبك يا عمار، قد برئت منهما ولعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما. قال: يا أمير المؤمنين لو سميتهما لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك. قال: رحم الله سلمان وأبا ذر والمقداد، ما كان أعرفهم بهما وأشد برائتهم منهما ولعنتهم لهما قال: يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فسمهما فإنا نشهد أن نتولى من توليت ونتبرء ممن تبرأت منه. قال: يا عمار، إذا يقتل أصحابي وتتفرق عني جماعتي وأهل عسكري وكثير ممن ترى حولي قاعدة عامة في الولاية والبراءة يا عمار، من تولى موسى وهارون وبرئ من عدوهما فقد برئ من العجل والسامري، ومن تولى العجل والسامري وبرئ من عدوهما فقد برئ من موسى وهارون من حيث لا يعلم. يا عمار، ومن تولى رسول الله وأهل بيته وتولاني وتبرء من عدوي


= راجع مناقب ابن المغازلي: ص 9. وأورده في البحار: ج 32 ص 312 ح 276 عن الطرائف عن الفائق للخوارزمي. وأورده في الغدير: ج 6 ص 334 أيضا.

[ 441 ]

فقد برئ منهما، ومن برئ من عدوهما فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث لا يعلم. (1) محمد بن أبي بكر نجيب قومه فقال محمد بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين، لا تسمهما فقد عرفتهما ونشهد الله أن نتولاك ونبرء من عدوك كلهم، قريبهم وبعيدهم وأولهم وآخرهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم. (2) فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يرحمك الله يا محمد، إن لكل قوم نجيبا وشاهدا عليهم وشافعا لأماثلهم، وأفضل النجباء النجيب من أهل السوء وإنك يا محمد لنجيب أهل بيتك. (3) تحذير رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر وعمر من غصب الخلافة أما إني سأخبرك: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وآله عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان، فدخلوا. فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أبا بكر، يا عمر، يا عثمان، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلا على منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى. فاتقوا الله وسلموا الأمر لعلي بعدي ولا تنازعوه في الخلافة، ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحدا. قالوا: يا نبي الله، نعوذ بالله من ذلك أماتنا الله قبل ذلك


(1). يعني أن من برء من عدو أبي بكر وعمر فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث لا يعلم (2). روى في الاختصاص: ص 65 عن أبي جعفر عليه السلام: إن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه. (3). روى في (الاختصاص): ص 65 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانت النجابة (في محمد بن أبي بكر) قد أتته من قبل أمه أسماء بنت عميس لا من قبل أبيه. وروى في البحار: ج 22 ص 343 عن الصادق عليه السلام: أنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر.

[ 442 ]

النص على الأئمة الأثني عشر بحضور أبي بكر وعمر وعثمان قال صلى الله عليه وآله: فإني أشهدكم جميعا ومن في البيت من رجل وامرأة: (أن علي بن أبي طالب خليفتي في أمتي، وإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى فابني هذا – ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام – فإذا مضى فابني هذا – ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام – ثم تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد. وهم الذين عنى الله بقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) (1) آية نزلت في الأئمة إلا تلاها رسول الله صلى الله عليه وآله. رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله في الغاصبين فقام أبو بكر وعمر وعثمان، وبقيت أنا وأصحابي أبو ذر وسلمان والمقداد وبقيت فاطمة والحسن والحسين، وقمن نساءه وبناته غير فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (رأيت هؤلاء الثلاثة وتسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان (2) وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى). قال ذلك علي عليه السلام وبيت زياد ملان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أقبل عليهم فقال: (اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد. يا زياد، اتق الله في شيعتي بعدي) فلما خرج من عند زياد أقبل علينا فقال: (إن معاوية سيدعيه، ويقتل شيعتي، لعنه الله).


(1). سورة النساء: الاية 59. (2). المراد به معاوية، أي معاوية أحد التسعة من بني أمية.

[ 443 ]

(68) إبراهيم النخعي يقر بالأئمة عليهم السلام وفي كتاب سليم (1) عن الأعمش عن خيثمة، قال: لما حضرت إبراهيم النخعي (2) الوفاة قال لي: (ضمني إليك)، ففعلت. فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله، وأن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وصي محمد، وأن الحسن وصي علي، وأن الحسين وصي الحسن، وأن علي بن الحسين وصي الحسين). قال: ثم أغمي عليه فسقط، فقلت: هي هي ثم أفاق فقال: سمعني غيرك ؟ فقلت: لا. فقال: (على هذا أحيي وعليه أموت، وعليه كان علقمة والأسود (3)، ومن لم يكن على هذا فليس على شيئ).


(1). هكذا في النسخ، والظاهر أنه من رواية أبان بن أبي عياش يرويها عن الأعمش. (2). إبراهيم النخعي هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج. توفي سنة 96 بالكوفة. وكان علقمة والأسود المذكوران في آخر هذا الحديث عمه وخاله. (3). هما تلميذا ابن مسعود. أما علقمة فهو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ومات سنة 62 أو 73 بالكوفة. ولعل هذا هو الذي شهد صفين وخضب سيفه دما وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها. وكان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله وهو من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام ومن كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم. والأسود هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي من أصحاب علي عليه السلام مات في سنة 74.

[ 444 ]

(69) وصية أمير المؤمنين عليه السلام في الساعات الأخيرة سليم بن قيس الهلالي قال (1): شهدت وصية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده وأهل بيته ورؤساء شيعته. النص على الأئمة عليهم السلام وتسليم ودائع الأمامة ثم دفع عليه السلام الكتب والسلاح إليه، ثم قال: يا بني، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اوصي إليك وأدفع كتبي وسلاحي إليك، كما أوصى إلي رسول الله ودفع كتبه وسلاحه إلي، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال له: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا) – وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين عليه السلام وهو صغير (2) – فضمه إليه وقال له: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد، فاقرأه من رسول الله السلام ومني).


(1). ورد هذا الحديث في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، وفي أوله هذه الزيادة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه. قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: صدق سليم، رحمه الله. (2). إنه عليه السلام كان ابن سنتين آنذاك. (*)

[ 445 ]

ثم أقبل على ابنه الحسن عليه السلام فقال: يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم بعدي، فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثل. ثم قال: اكتب: نص وصية أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم، وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين) (1)، ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. والله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم ولا تضيعوا من بحضرتكم (2)، فقد سمعت


(1) في الكافي: وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين. (2) في الكافي والتهذيب: فلا تغبوا افواههم، أي لا تكونوا تصلوهم يوما. وفي الفقيه: فلا تعر أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، أي لا ترفع أصواتهم.

[ 446 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لاكل مال اليتيم النار). والله الله في القرآن، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم. والله الله في جيرانكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم. والله الله في بيت ربكم، فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن يترك لم تناظروا. وإن أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما قد سلف. والله الله في الصلاة، فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم. والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب ربكم. والله الله في شهر رمضان، فإن صيامه جنة من النار. والله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معيشتكم. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه. والله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث. والله الله في النساء (1) وما ملكت أيمانكم، لا تخافن في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله. ولا تتركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم.


(1). ورد هذه الفقرة في الكافي هكذا: الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: (اوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم وبغي عليكم. قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف و…). (*)

[ 447 ]

عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرق. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله وأقرء عليكم السلام. ثم لم يزل يقول (لا إله إلا الله) حتى قبض عليه السلام في أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين، ليلة الجمعة، سنة أربعين من الهجرة. (1)


(1). زاد في التهذيب هذه العبارة في آخر الحديث: قال أبان: قرأتها على علي بن الحسين عليه السلام، فقال علي بن الحسين عليه السلام: صدق سليم.

[ 448 ]

(70) أقل ما يجب على المؤمن لحفظ عقيدته وعن سليم بن قيس، قال: قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما الأمر اللازم الذي لابد منه والأمر الذي إذا أخذت به وسعني الشك فيما سواه ؟ فقال عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأقر بما أنزل الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا واجتنب كل مسكر. الولاية والبراءة إجمالا وتفصيلا قلت: جعلت فداك، الأقرار بما جاء من عندكم جملة أو مفسرا ؟ قال: لا، بل جملة. قلت: جعلت فداك، فما المسكر ؟ قال: كل شراب إذا أكثر منه صاحبه سكر، فالجرعة منه بل القطرة حرام. قلت: جعلت فداك، ليس شيئ مما قلت إلا وقد صح غير الولاية، أعامة لجميع بني هاشم أو خاصة لفقهائكم وعلمائكم ؟ البراءة من عدوكم، من عادى جميعكم أو من عادى رجلا منكم ؟ (1)


(1). معناه: إن في مسألة (البراءة من عدوكم)، هل هذا العدو من عادى جميعكم أو يكفي عداوته لرجل منكم ؟

[ 449 ]

فقال عليه السلام: لقد سألت – يا أخا بني هلال – فافهم. إذا أتيت بولايتنا أهل البيت في الجملة وبرئت من أعدائنا في الجملة فقد أجزأك. فإن عرفك الله الأئمة منا الأوصياء العلماء الفقهاء، فعرفتهم وأقررت لهم بالطاعة وأطعتهم فأنت مؤمن بالله وأنت من أهل الجنة، فهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وإن وحدت الله وشهدت أن محمدا رسول الله وأخذت بما ليس بين جميع أهل القبلة فيه اختلاف – مما قد أجمعوا عليه أن الله قد أمر به ونهى عنه – وأشكل عليك موضع الأمامة والوصية والعلم والفقه، فرددت علمه إلى الله ولم تعادهم ولم تبرء منهم ولم تنصب لهم العداوة، فأنت جاهل بما جهلت ضال عما اهتدى إليه أهل الفضل والولاية. لله فيك المشية، إن عذبك فبذنبك وإن تجاوز عنك فبرحمته. وأما الناصب لنا والمعادي لنا فمشرك كافر عدو لله. والعارفون بحقنا المؤمنون بنا مؤمنون مسلمون أولياء الله.


[ 450 ]

سفيد


[ 451 ]

المستدرك من أحاديث سليم نذكر في هذا الفصل 28 حديثا رويت في الموسوعات الحديثية نقلا عن سليم بن قيس، وتعطي القرائن أنها كانت جزء من كتابه.


[ 452 ]

(71) من لم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية الصدوق في كمال الدين قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا عن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي: أنه سمع من سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد رحمة الله عليهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية). ثم عرضه (1) على جابر وابن عباس فقالا: صدقوا وبروا، قد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن سلمان قال: يا رسول الله، إنك قلت: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية)، من هذا الأمام يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: من أوصيائي يا سلمان. فمن مات من أمتي وليس له إمام يعرفه مات ميتة جاهلية. فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدوا فهو جاهل وليس بمشرك.


(1). أي عرضه سليم عليهما.

[ 453 ]

(72) أمير المؤمنين عليه السلام يكلم الشمس بأمر النبي صلى الله عليه وآله الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات قال: حدثني ابن عياش الجوهري، قال: حدثني أبو طالب عبد الله بن محمد الأنباري: قال: حدثني أبو الحسين محمد بن زيد التستري، قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، قال: حدثني إبراهيم بن عمر اليماني عن حماد بن عيسى المعروف بغريق الجحفة، قال: حدثني عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري، قال: رأيت السيد محمدا صلى الله عليه وآله وقد قال لأمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة: إذا كان غدا اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز (1) من الأرض، فإذا بزغت الشمس فسلم عليها، فإن الله تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك. فلما كان من الغد خرج أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى وافى البقيع ووقف على نشز من الأرض. فلما أطلعت الشمس قرنيها قال عليه السلام: (السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له). فسمعوا دويا من السماء وجواب قائل يقول: (وعليك السلام يا أول، يا آخر، يا ظاهر، يا باطن، يا من هو بكل شئ عليم).


(1). أي مكان مرتفع.

[ 454 ]

فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا. ثم أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن المكان فوافوا رسول الله صلى الله عليه وآله مع الجماعة وقالوا: أنت تقول إن عليا بشر مثلنا وقد خاطبته الشمس بما خاطب به الباري نفسه ؟ تفسير كلام الشمس مع علي عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله: وما سمعتموه منها ؟ فقالوا: سمعناها تقول: (السلام عليك يا أول) قال: صدقت، هو أول من آمن بي. فقالوا: سمعناها تقول: (يا آخر). قال: صدقت، هو آخر الناس عهدا بي، يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري. فقالوا: سمعناها تقول: (يا ظاهر). قال: صدقت، ظهر علمي كله له. قالوا: سمعناها تقول: (يا باطن). قال: صدقت، بطن سري كله. قالوا: سمعناها تقول: (يا من هو بكل شيئ عليم). قال: صدقت، هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسنن وما شاكل ذلك. فقاموا كلهم وقالوا: (لقد أوقعنا محمد في طخياء) وخرجوا من باب المسجد.


[ 455 ]

(73) هل ينفعني حب علي عليه السلام ؟ الكراجكي في كنز الفوائد قال: أخبرني أبو المرجا البلدي، قال: أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني الكوفي، قال: حدثني الحسن بن علي بن نعيم بن سهل بن أبان بن محمد البغدادي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن بشير الكوفي، قال: حدثنا محمد بن سنان عن مفضل بن عمر الجعفي عن أبي خالد الكابلي عن سليم بن قيس الهلالي عن عبد الله بن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: هل ينفعني حب علي عليه السلام ؟ فقال: ويحك، من أحبه أحبني ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله لم يعذبه. فقال الرجل: زدني من فضل محبة علي عليه السلام. فقال: أسأل لك عن ذلك جبرئيل. فهبط جبرئيل لوقته، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بقول الرجل. فقال جبرئيل: (سأسأل عن ذلك رب العزة)، وارتفع. فأوحى الله إليه: اقرأ محمدا خيرتي مني السلام وقل له: (أنت مني بحيث شئت أنا، وعلي منك بحيث أنت مني، ومحبو علي مني بحيث علي منك). قال الكراجكي: وللحديث تمام (1)، وفيه: أن السائل كان أبو ذر.


(1). من المؤسف عدم وصول تمام الحديث إلينا. (*)

[ 456 ]

(74) علي عليه السلام سيد السابقين المقربين محمد بن العباس في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بأسناده عن رجاله عن سليم بن قيس عن الحسن بن علي عن أبيه عليهما السلام في قوله عز وجل (والسابقون السابقون اولئك المقربون) (1)، قال: إني أسبق السابقين إلى الله وإلى رسوله، وأقرب المقربين إلى الله وإلى رسوله.


(1). سورة الواقعة: الايتان 10 و 11.

[ 457 ]

(75) أبو ذر ينادي بالولاية في موسم الحج الطبرسي في الاحتجاج قال: قال سليم بن قيس: بينما أنا وحنش بن المعتمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب، ثم نادى بأعلى صوته في الموسم: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة، أنا أبو ذر. أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول: (مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تركها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل). أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول: (إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي…) إلى آخر الحديث. عثمان يؤاخذ أبا ذر فلما قدم (1) المدينة بعث إليه عثمان فقال: ما حملك على ما قمت به في الموسم ؟ قال: عهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرني به. فقال: من يشهد بذلك ؟ فقام علي عليه السلام والمقداد فشهدا، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم. فقال عثمان: إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شيئ.


(1). أي فلما قدم أبو ذر.

[ 458 ]

(76) خطبة الأمام الحسن عليه السلام عند الصلح مع معاوية الطبرسي في الاحتجاج وابن المطهر في العدد القوية عن سليم بن قيس، قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر – حين اجتمع مع معاوية – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله. فأقسم بالله، لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما طمعت فيها يا معاوية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل). وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى. وقد تركت الامة عليا وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي). وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم. ولو وجدت أعوانا ما بايعتك يا معاوية.


[ 459 ]

وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه، وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعوانا، وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم. وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الامة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا. وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا. أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير أخي.


[ 460 ]

(77) الحسين عليه السلام إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة ابن شاذان في المائة منقبة: حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الله العلوي الطبري رحمه الله، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد عن أبيه، قال: حدثني حماد بن عيسى، قال: حدثني عمر بن أذينة، قال: حدثني أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي عليه السلام على فخذه، وتفرس في وجهه وقبل بين عينيه وقال: (أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أبو أئمة، أنت حجة الله ابن حجة الله، وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم). (1)


(1). في مقتل الخوارزمي: أنت سيد ابن السيد أبو السادات، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن الحجة أبو الحجج، تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم. وفي مودة القربى: أنت سيد ابن سيد أخو سيد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.

[ 461 ]

(78) الجنة تشتاق إلى أربعة من الصحابة فرات في تفسيره قال: حدثني علي بن محمد بن عمر الزهري، قال: حدثني القاسم بن إسماعيل الأنباري، قال: حدثني حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم وعبد الله بن المغيرة عن محمد بن هارون السندي، قال: حدثني أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: أمر الله رسوله بحب أربعة من أصحابه خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن قعود في المسجد، بعد رجوعه من صفين وقبل يوم النهروان. فقعد علي عليه السلام واحتوشناه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن أصحابك. قال: سل. فذكر قصة طويلة فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في كلام طويل له: إن الله أمرني بحب أربعة رجال من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم وأن الجنة تشتاق إليهم. فقيل: من هم يا رسول الله ؟ فقال: (علي بن أبي طالب) ثم سكت. فقالوا: من هم يارسول الله ؟ فقال: (علي)، ثم سكت. فقالوا: من هم يا رسول الله ؟ فقال: (علي وثلاثة معه، هو إمامهم ودليلهم وهاديهم. لا ينثنون ولا يضلون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم، سلمان وأبو ذر والمقداد).


[ 462 ]

علم أمير المؤمنين عليه السلام عند الأئمة عليهم السلام الى يوم القيامة فذكر قصة طويلة، ثم قال: (ادعوا لي عليا). فأكببت عليه فأسرني ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب. ثم أقبل علينا أمير المؤمنين عليه السلام وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وإني لأعلم بالأنجيل من أهل الأنجيل، وإني لأعلم بالقرآن من أهل القرآن. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما من فئة تبلغ مائة رجل إلى يوم القيامة إلا وأنا عارف بقائدها وسائقها. وسلوني عن القرآن، فإن في القرآن بيان كل شيئ وفيه علم الأولين والاخرين، وإن القرآن لم يدع لقائل مقالا. (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (1) ليسوا بواحد. رسول الله منهم، أعلمه الله إياه فعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم لا يزال في عقبنا إلى يوم القيامة. ثم قرأ أمير المؤمنين عليه السلام: (بقية مما ترك آل موسى وآل هارون) (2)، وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة. (3)


(1) سورة آل عمران: الاية 7. (2) سورة البقرة: الاية 248. (3) ورد الحديث في تفسير محمد بن العباس بصورة أخصر، هذا نصه: أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: خرج علينا علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن في المسجد، فاحتوشناه فقال: سلوني قبل ان تفقدوني، سلوني عن القرآن، فإن في القرآن علم الاولين والاخرين، لم يدع لقائل مقالا. ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، وليسوا بواحد، ورسول الله صلى الله عليه وآله كان واحدا منهم، علمه الله اياه وعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم لا يزال في عقبه الى يوم تقوم الساعة (خ ل: إلى يوم القيامة). ثم قرأ عليه السلام: (بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة). فأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة. ثم قرأ: (وجعلها كلمة باقية في عقبه)، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله عقب إبراهيم، ونحن أهل البيت عقب إبراهيم وعقب محمد صلى الله عليه وآله.

[ 463 ]

(79) كلمة أمير المؤمنين عليه السلام لخواص شيعته في أواخر أيامه الحسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر الدرجات، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إسماعيل بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: اختيار الناس لغير الحق لا يضر أهل الحق سمعت عليا عليه السلام يقول في شهر رمضان – وهو الشهر الذي قتل فيه – وهو بين ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام وبني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وخاصة شيعته، وهو يقول: دعوا الناس وما رضوا لأنفسهم، وألزموا أنفسكم السكوت ودولة عدوكم، فإنه لا يعدمكم (1) ما ينتحل أمركم وعدو باغ حاسد. الناس في نسبتهم إلى أهل البيت عليهم السلام ثلاثة الناس ثلاثة أصناف: صنف بين بنورنا، وصنف يأكلون بنا، وصنف اهتدوا بنا واقتدوا بأمرنا، هم أقل الأصناف. اولئك الشيعة النجباء الحكماء والعلماء الفقهاء والأتقياء الأسخياء، طوبى لهم وحسن مآب.


(1). في بعض النسخ: لا يعدكم. والمعنى غير واضح أوردناه بعين العبارة.

[ 464 ]

(80) الأئمة عليهم السلام شهداء الله على خلقه الحسكاني في شواهد التنزيل قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصوفي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد الحافظ: أخبرنا عبد العزيز بن يحيى بن أحمد، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عمير، قال: حدثني بشر بن المفضل عن عيسى بن يوسف عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام: إن الله تعالى إيانا عنى بقوله: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (1)، فرسول الله صلى الله عليه وآله شاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه. ونحن الذين قال الله جل اسمه فيهم: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا). (2)


(1). سورة البقرة: الاية 143. (2). سورة البقرة: الاية 143.

[ 465 ]

(81) الأئمة عليهم السلام معدن الكتاب والحكمة محمد بن العباس رحمه الله في تفسيره قال: حدثنا محمد بن القاسم عن عبيد بن كثير عن حسين بن نصر بن مزاحم عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام، قال: نحن الذين بعث الله فينا رسولا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة. (1)


(1). لعله تفسير لقوله تعالى في سورة الجمعة: الاية 2: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة…)، أو تفسير لقوله تعالى في سورة آل عمران: الاية 164: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة…).

[ 466 ]

(82) أهل البيت عليهم السلام هم آل ياسين محمد بن العباس وفرات في تفسيريهما قالا: حدثنا محمد بن القاسم عن حسين بن الحكم عن حسين بن نصر بن مزاحم عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله اسمه (ياسين)، ونحن الذين قال الله: (سلام على آل ياسين). (1)


(1). سورة الصافات: الاية 129.

[ 467 ]

(83) الأئمة عليهم السلام هم المسؤولون محمد بن العباس رحمه الله في تفسيره: حدثنا محمد بن القاسم عن حسين بن الحكم عن حسين بن نصر عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام، قال: قوله عز وجل: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) (1)، فنحن قومه ونحن المسؤولون.


(1). سورة الزخرف: الاية 44.

[ 468 ]

(84) العذاب الشديد لظالمي آل محمد عليهم السلام محمد بن العباس رحمه الله في تفسيره والكليني في الروضة من الكافي: حدثنا الحسين بن أحمد المالكي عن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: قوله عز وجل (1): (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله) وظلم آل محمد، (إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم.


(1). سورة الحشر: الاية 7.

[ 469 ]

(85) الموؤدة في القرآن من قتل في مودة أهل البيت عليهم السلام شرف الدين النجفي في تأويل الايات عن سليمان بن سماعة عن عبد الله بن القاسم عن أبي الحسن الأزدي عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن ابن عباس أنه قال (1): هو (أي قوله تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت) (2)) من قتل في مودتنا أهل البيت.


(1). يبعد رواية سليم تفسير القرآن عن غير المعصوم كما نراه في جميع موارد كتابه. إذا فالحديث مروي عن ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام، لا سيما بعد وجود ضمير (نا) في (مودتنا)، حيث أن ابن عباس ليس من أهل البيت عليهم السلام. (2). سورة التكوير: الاية 9.

[ 470 ]

(86) * 1 * دعائم الكفر الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: بني الكفر على أربع دعائم: الفسق والغلو والشك والشبهة. شعب الفسق والفسق على أربع شعب: على الجفا والعمى والغفلة والعتو. فمن جفا احتقر الحق ومقت الفقهاء وأصر على الحنث العظيم. ومن عمى نسي الذكر واتبع الظن وبارز خالقه وألح عليه الشيطان وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ولا غفلة. ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيه رشدا وغرته الأماني، وأخذته الحسرة والندامة إذا قضي الأمر وانكشف عنه الغطاء وبدا له ما لم يكن يحتسب. ومن عتا عن أمر الله شك، ومن شك تعالى الله عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم وفرط في أمره.


[ 471 ]

شعب الغلو والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي والتنازع فيه والزيغ والشقاق. فمن تعمق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اخرى وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج. ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل من طول اللجاج. ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، ومن شاق أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره فضاق عليه مخرجه إذا لم يتبع سبيل المؤمنين. شعب الشك والشك على أربع شعب: على المرية والهوى والتردد والاستسلام، وهو قول الله عزوجل: (فبأي آلاء ربك تتمارى). (1) فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ومن امترى في الدين تردد في الريب وسبقه الأولون من المؤمنين وأدركه الاخرون ووطئته سنابك الشيطان. ومن استسلم لهلكة الدنيا والاخرة هلك فيما بينهما، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين، ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين. شعب الشبهة والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأويل العوج ولبس الحق بالباطل. وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة، وإن تسويل النفس يقحم على الشهوة، وإن العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما، وإن اللبس ظلمات بعضها فوق بعض. فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.


(1). سورة النجم: الاية 55. (*)

[ 472 ]

* 2 * دعائم النفاق قال عليه السلام: والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع. شعب الهوى فالهوى على أربع شعب: على البغي والعدوان والشهوة والطغيان. فمن بغي كثرت غوائله وتخلى منه ونصر عليه. ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه، ولم يسلم قلبه ولم يملك نفسه عن الشهوات. ومن لم يعذل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات، ومن طغى ضل على عمد بلا حجة. شعب الهوينا والهوينا على أربع شعب: على الغرة والأمل والهيبة والمماطلة. وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق، والمماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الأجل. ولو لا الأمل علم الأنسان حساب ما هو فيه، ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل. والغرة تقصر بالمرء عن العمل. شعب الحفيظة والحفيظة على أربع شعب: على الكبر والفخر والحمية والعصبية. فمن استكبر أدبر من الحق، ومن فخر فجر، ومن حمى أصر على الذنوب، ومن أخذته العصبية جار. فبئس الأمر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور على الصراط.


[ 473 ]

شعب الطمع والطمع على أربع شعب: الفرح والمرح واللجاجة والتكاثر. فالفرح مكروه عند الله، والمرح خيلاء، واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الاثام، والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. فذلك النفاق ودعائمه وشعبه. سنن إلهية في الخلق والله قاهر فوق عباده، تعالى ذكره وجل وجهه وأحسن كل شيئ خلقه وانبسطت يداه ووسعت كل شيئ رحمته وظهر أمره وأشرق نوره وفاضت بركته واستضاءت حكمته وهيمن كتابه وفلجت حجته وخلص دينه واستظهر سلطانه وحقت كلمته وأقسطت موازينه وبلغت رسله. فجعل السيئة ذنبا، والذنب فتنة، والفتنة دنسا، وجعل الحسنى عتبى، والعتبى توبة، والتوبة طهورا. فمن تاب اهتدى، ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ولا يهلك على الله إلا هالك. الله، الله فما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم. وما أنكل ما عنده من الأنكال والجحيم والبطش الشديد. فمن ظفر بطاعته اجتلب كرامته، ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته، وعما قليل ليصبحن نادمين.


[ 474 ]

(87) العلم الواجب والعلم الأوجب الصدوق في الخصال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن حكم بن بهلول عن إسماعيل بن همام عن عمر بن أذينة عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول لأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني: يا أبا الطفيل، العلم علمان: علم لا يسع الناس إلا النظر فيه وهو صبغة الأسلام، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله عز وجل.


[ 475 ]

(88) دعاء لتسهيل الولادة ابنا بسطام في طب الأئمة عليهم السلام عن الخواتيمي عن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن أسلم عن الحسن بن محمد الهاشمي عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: إني لأعرف آيتين من كتاب الله المنزل تكتبان للمرأة إذا عسر عليها ولدها، تكتبان في رق ظبي ويعلقه في حقويها: (بسم الله وبالله، إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا) (1)، سبع مرات. (يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيئ عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (2) مرة واحدة. يكتب على ورقة وتربط بخيط من كتان غير مفتول وتشد على فخذها الأيسر. فإذا ولدته قطعته من ساعتك ولا تتواني عنه. ويكتب (3): (حي ولدت مريم ومريم ولدت حي، يا حي اهبط إلى الأرض الساعة بإذن الله تعالى).


(1). سورة الانشراح: الايتان 5 و 6. (2). سورة الحج: الايتان 1 و 2. (3). هذا الدعاء إما بضميمة الايتين أو هو دعاء مستقل يكتب عند عسر الولادة، والثاني أظهر لتصريحه عليه السلام في أول الحديث بأن الايتين يكتبان للمرأة ولم يشر إلى الدعاء.

[ 476 ]

(89) حرم الله الجنة على الفحاش الحسين بن سعيد في كتاب الزهد والعياشي في تفسيره والكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان. فقيل: يا رسول الله، وفي الناس شرك شيطان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما تقرأ قول الله عز وجل: (وشاركهم في الأموال والأولاد) ؟ (1) فقيل: وفي الناس من لا يبالي ما قال وما قيل له ؟ فقال: نعم، من تعرض للناس، فقال فيهم وهو يعلم أنهم لا يتركونه فذلك الذى لا يبالي ما قال وما قيل له.


(1). سورة الأسراء: الاية 64.

[ 477 ]

(90) قلة الكلام علامة فقه الرجل الشيخ الطوسي في أماليه: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: حدثني عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي قال: حدثنا الفضل بن المفضل بن قيس بن زمانة الأشعري، قال: حدثنا حماد بن عيسى الغريق، قال: حدثني عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه).


[ 478 ]

(91) بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمام المهدي عليه السلام أبو محمد الفضل بن شاذان بن خليل في إثبات الرجعة: حدثنا الحسن بن علي بن فضال وابن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن أبان بن تغلب عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أبشركم – أيها الناس – بالمهدي ؟ قالوا: بلى. قال: فاعلموا أن الله تعالى يبعث في أمتي سلطانا عادلا وإماما قاسطا يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. وهو التاسع من ولد ولدي الحسين، اسمه اسمي وكنيته كنيتي. ألا ولا خير في الحياة بعده، ولا يكون انتهاء دولته إلا قبل القيامة بأربعين يوما.


[ 479 ]

(92) عظمة علي عليه السلام في السماوات والأرض السيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية: روى الصدوق بأسناده إلى سليم بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (1): علي في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض. أعطى الله تعالى عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم، وأعطاه الله من الفهم جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم. شبهت لينه بلين لوط، وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب، وسخاؤه بسخاء إبراهيم، وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوته بقوة داود. له اسم مكتوب على كل حجاب في الجنة، بشرني ربي… الحديث. (2)


(1). سقط الواسطة بين سليم ورسول الله صلى الله عليه وآله اختصارا. (2). من المؤسف جدا عدم وصول تمام الحديث الينا. (*)

[ 480 ]

(93) من فضائل علي عليه السلام فرات في تفسيره والحسكاني في شواهد التنزيل: حدثني جعفر بن محمد بن هشام، عن عبادة بن زياد، عن أبى معمر سعيد بن خثيم، عن محمد بن خالد الضبي وعبد الله بن شريك العامري، عن سليم بن قيس عن الحسن بن على عليه السلام: إنه حمد الله تعالى وأثنى عليه (1) وقال: (السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) (2)، فكما أن للسابقين فضلهم على من بعدهم كذلك لأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فضيلته على السابقين بسبقه السابقين. وقال: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله) (3) واستجاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وواساه بنفسه. ثم عمه حمزة سيد الشهداء وقد كان قتل معه كثير، فكان حمزة سيدهم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله.


(1). أورد الخطبة بكاملها في البحار: ج 10 ص 138 ح 5 فراجع. (2). سورة التوبة: الاية 100. (3). سورة التوبة: الاية 19.

[ 481 ]

ثم جعل الله لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة حيث يشاء. وذلك لمكانهما وقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله ومنزلتهما منه. وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه. وجعل لنساء النبي صلى الله عليه وآله فضلا على غيرهن (1) لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وآله. وفضل الله الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بألف صلاة على سائر المساجد إلا المسجد الذي ابتناه إبراهيم عليه السلام بمكة، لمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وفضله. وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله الناس الصلوات، فقال: قولوا: (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد). فحقنا على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة فريضة واجبة من الله. وأحل الله لرسوله الغنيمة وأحلها لنا، وحرم الصدقات عليه وحرمها علينا، كرامة أكرمنا الله وفضيلة فضلنا الله بها.


(1). لا يخفى ما ورد في القرآن في نساء النبي صلى الله عليه وآله من تضاعف عذابهم إذا خالفوا حكم الله

[ 482 ]

(94) شهادة أويس وعمار وخزيمة بصفين ابن عساكر في تاريخ دمشق: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية بن الحسن الحسني، حدثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد بن الفرزدق، حدثنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أذينة البصري عن أبان بن أبى عياش عن سليم بن قيس العامري قال: رأيت أويسا القرني بصفين صريعا بين عمار وخزيمة بن ثابت.


[ 483 ]

(95) أول من يرد على النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة ابن شهر آشوب في المثالب عن محمد بن خشيش عن التميمي بالأسناد عن سليم، قال: سمعت سلمان يقول: إن أول هذه الامة ورودا على نبيها أولها إسلاما علي بن أبي طالب، وإن خراب هذا البيت على يدى رجل من ولد فلان (ى ع ر ى ع ب ابن). (1)


(1). المراد من (هذا البيت) إما بيت الله الحرام، أو بيت النبوة التى كان أول خرابها على يدي أصحاب الصحيفة والسقيفة، الذين هجموا بيت الأمامة وأحرقوا بابها ونادى أبو بكر من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لم يبايع علي أحرقوا البيت بأهلها وكرر هذا النداء مناديهم عمر من وراء الباب قائلا: اخرج يا علي للبيعة وإلا أحرقنا عليكم البيت بمن فيها ثم أحرقوا الباب وكسروها ودخلوا البيت من غير رخصة أهلها وهجموا على أهل البيت بالضرب والشتم وضربوا سيدة النساء لحد القتل بما انجر إلى شهادتها، وقتلوا ولدها المحسن عليه السلام، وألقوا حبلا في عنق صاحب البيت أمير المؤمنين عليه السلام وأخذوا السيوف على رأسه ووأرادوا قتله إن لم يبايع. وكان هذا أول خراب هذا البيت، واستمر ذلك إلى قتل سيد الشهداء ومهجة قلب الرسول الأمام الحسين عليه السلام. ثم استمر طيلة أربعة عشر قرنا حتى يبعث الله الأمام المهدي الذي يقوم بإذن الله من عند بيت الله الحرام وينتقم من مخربي بيت النبوة في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله. واسم مؤسس تخريب البيت كما ترى مذكورة بصورة رمزية (ى ع ر ى ع ب ابن). وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يدعو في قنوت صلاته على مخربي بيت النبوة ويقول: اللهم العن صنمي قريش… اللهم العنهما وأنصارهما فقد أخربا بيت النبوة ورد ما بابه ونقضا سقفه وألحقا سماءه بأرضه وعاليه بسافله وظاهره بباطنه واستأصلا أهله وأبادا أنصاره وقتلا أطفاله وأخليا منبره من وصيه ووارثه… اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار.

[ 484 ]

(96) السنة والبدعة، الجماعة والفرقة المتقي الهندي في كنز العمال بالأسناد عن سليم بن قيس العامري قال: سأل ابن الكوا عليا عليه السلام عن السنة والبدعة وعن الجماعة والفرقة. فقال عليه السلام: يا ابن الكوا، حفظت المسألة فافهم الجواب: السنة – والله – سنة محمد صلى الله عليه وآله والبدعة ما فارقها، والجماعة – والله – مجامعة أهل الحق وإن قلوا والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا.


[ 485 ]

(97) إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله عن مستقبل الامة محمد بن سليمان الصنعاني في شرح الأخبار قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبيد، قال: حدثنا محمد بن عمر بن أبي مسلم، قال: حدثنا عبد القدوس بن إبراهيم بن مرداس، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان (1) قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله دخلنا عليه فقال للناس: اخلوا لي عن أهل البيت. فقام الناس وقمت معهم، فقال: اقعد، يا سلمان إنك منا أهل البيت. الأخبار عن بني أمية وبني العباس ودولة أهل البيت عليهم السلام فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: يا بني عبد مناف، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإنه لو قد أذن لي بالسجود لم اوثر عليكم أحدا. إني رأيت على منبرى هذا اثني عشر كلهم من قريش، رجلين من ولد الحرب بن أمية وعشرة من ولد العاص بن أمية (2)، كلهم


(1) روى سليم مثل هذا الحديث عن جابر وابن عباس في الحديث 61 فراجع. (2) الظاهر أنه صلى الله عليه وآله أراد من قوله (رجلان من بني أمية): معاوية ويزيد. فيكون التعبير ب‍ (عشرة من ولد العاص) سبق لسان من الراوي لانه يبقى لولد العاص ثمانية، أولهم عثمان والباقي من بني مروان. ولا شك في سقط اسم الرجلين من قريش أبي بكر وعمر، فقد جاء ذكر أئمة الضلال يعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمثل العبارة التي في هذا الحديث في مواضع من كتاب سليم، يعلم منها السقط الذى هنا: ففي الحديث 25: عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش. =

[ 486 ]

ضال مضل، يردون أمتى عن الصراط القهقرى. ثم قال للعباس: أما إن هلكتهم على يدي ولدك. ثم قال: فاتقوا الله في عترتي أهل بيتي، فإن الدنيا لم تدم لأحد قبلنا ولا تبقى لنا ولا تدوم لأحد بعدنا. ثم قال لعلي عليه السلام: دولة الحق أبر الدول. أما إنكم ستملكون بعدهم باليوم يومين وبالشهر شهرين وبالسنة سنتين. ستة لعنهم الله في كتابه ثم قال صلى الله عليه وآله: ستة لعنهم الله في كتابه: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي، والمستأثر على المسلمين بفيئهم، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله.


= وفي الحديث 25 أيضا يقول أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية: رجلان من حيين مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه (أي عثمان) وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان. وفي الحديث 42: فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص. وفي الحديث 61: رجلان من حيين من قريش – وهما أبو بكر من بني تيم وعمر من بني عدي – عليهما مثل إثم الامة ومثل جميع عذابهم، وعشرة من بني أمية، رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية – وهما معاوية ويزيد – وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية. وفي الحديث 67: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (رأيت هؤلاء الثلاثة (أي أبا بكر وعمر وعثمان) وتسعة من بني أمية وفلان (أي معاوية) من التسعة من آل أبي سفيان وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية، يردون أمتي على أدبارها القهقرى).

[ 487 ]

من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه (أي عثمان) وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان. وفي الحديث 42: فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص. وفي الحديث 61: رجلان من حيين من قريش – وهما أبو بكر من بني تيم وعمر من بني عدي – عليهما مثل إثم الامة ومثل جميع عذابهم، وعشرة من بني أمية، رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية – وهما معاوية ويزيد – وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية. وفي الحديث 67: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (رأيت هؤلاء الثلاثة (أي أبا بكر وعمر وعثمان) وتسعة من بني أمية وفلان (أي معاوية) من التسعة من آل أبي سفيان وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية، يردون أمتي على أدبارها القهقرى).


[ 487 ]

(98) موقع الشيعة في الناس النعمان بن محمد التميمي المغربي في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام عن سليم بن قيس الهلالي قال: قلت لأمير المؤمنين علي عليه السلام: إن أهل بيتي يقطعوني واوصلهم، ويحرموني فأعطيهم، ويكلموني وأعفو عنهم، ويشتموني ولا أشتمهم. فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: عهدت الناس ورقا لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لاورق فيه. فقلت: فكيف أصنع، يا أمير المؤمنين ؟ قال: ولهم غرضك ليوم فقرك. شيعتنا ثلاثة أصناف: صنف يصلونا، وصنف يصلون الناس، وصنف والوا ولينا وعادوا عدونا. اولئك الأولياء الأخيار الحكماء العلماء، وطوبى لهم وحسن مآب

اترك تعليقاً