روضة الواعظين

الفتال النيسابوري


[ 1 ]

روضة الواعظين للفتال النيسابوري تأليف الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة 508 ه‍ من أعلام القرنين الخامس و السادس الهجريين وضع المقدمة العلامة الجليل السيد محمد مهدى السيد حسن الخرسان منشورات الرضي قم – إيران


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم


[ 3 ]

حياة المؤلف والتعريف بالكتاب بقلم: العلامة السيد محمد مهدى الخرسان الحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين. ما زالت المكتبة الحيدرية في النجف الاشرف تتحف القراء بكل سفر جليل وكنز ثمين من آثار السلف الصالح خدمة للدين. وتخليدا لذكرى أعلامنا الماضين. وإحياء لما اندثر أو كاد من آثارهم. وقبل ذلك كله طلبا لمرضاة الله تعالى. وانها اليوم لتطالع القراء الكرام بكتاب (روضة الواعظين وبصيرة المتعظين) تأليف الشيخ الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبي علي الفتال النيسابوري من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين. وإن في إعادة طبع هذا الكتاب وتيسير نسخته للقراء في هذا الوقت لفتة طيبة تقدر فتشكر، فعسى أن يكون هذا الكتاب وأمثاله من الكتب الاسلامية النافعة مدعاة لتهذيب النفوس وتخليصها من أدران المادة. فحيا الله الاستاذ محمد كاظم الكتبى صاحب المكتبة الحيدرية وشد أزره ووفقه لما يحب ويرضى. وقد طلب إلى أن أقدم لهذا الكتاب بما تيسر ليتسنى للقارئ الكريم الوقوف على صفحة ناصعة من تاريخ الفكر المجيد في القرنين الخامس والسادس. فأجبت وأنا في زحمة من الاعمال، فعذري سلفا إلى القراء إن قصرت في التقديم أو أخطأت في التصوير، فإن البحث يستدعى إعطاء الفرصة التامة. ولا فرصة والكتاب تم طبعه وهو بانتظار هذه الوريقات. ومن الله استمد التوفيق والتسديد أنه ولي ذلك.


[ 4 ]

المؤلف هو الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبو علي محمد بن الحسن بن علي أحمد ابن الفتال النيسابوري الفارسى. والذى يلاحظ معاجم التراجم يجد الرجل منسوبا إلى أبيه تارة والى جده علي أخرى والى جده أحمد بن علي ثالثا. وربما يظن التعدد خصوصا إذا وجد التفريق في الوصف والنسبة، كما احتمل ذلك غير واحد. ومن الخير أن ندل القارئ على المعاجم الذى ذكرته منسوبا إلى أبيه الحسن، فهى: معالم العلماء ص 116، ومقدمة المناقب ج 1 ص 13، والمقابيس ص 5، وخاتمة المستدرك ج 3 ص 492، وإيضاح المكنون ج 1 ص 334 و 598. والكنى والالقاب ج 3 ص 90، وروضات الجنات ص 564 وغيرها. وأما التى نسبته إلى جده علي فهى: فهرست الشيخ منتجب الدين، واجازة العلامة الحلي لبنى زهرة، ومقدمة المناقب أيضا وغيرها. وأما التى نسب فيها إلى جده الاعلى أحمد بن علي فهى: فهرست الشيخ منتجب الدين أيضا، ورجال ابن داود ص 295، ولسان الميزان لابن حجر ج 5 ص 44، وشعب المقال للنراقي ص 228، والوجيزة للمجلسي، ومنهج المقال ص 280، وتحفة الاحباب ص 314، وجامع الرواة ج 2 ص 62 وتأسيس الشيعة ص 395 وغيرها والتحقيق ان الرجل واحد، ولكن المترجمين اختلفوا في نسبته إلى آبائه لانهم كانوا من الشهرة وذيوع الصيت بالمكان اللائق بهم، حتى صح أن ينسب إلى كل منهم حفيدهم، والنسبة إلى الجد الادنى أو الاعلى أمر شائع في كتب التاريخ والتراجم، ولا يخفى ذلك على من لاحظ تراجم أمثال: ابن طاووس، ابن شهراشوب، ابن زهرة، ابن معد، ابن حمزة، ابن سعيد وغيرهم.


[ 5 ]

تعريف المعاجم له وثناء الشيوخ عليه 1 – قال تلميذه الوفى الحافظ محمد بن علي بن شهراشوب السروى في معالم العلماء ص 116 طبعة الحيدرية: محمد بن الحسن الفتال الفارسى النيسابوري، له كتاب التنوير في معاني التفسير، وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين. وقال في مقدمة كتاب المناقب ج 1 ص 13 عند ذكر أسانيد لرواية كتب الشيعة فقال: فأما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ ابى جعفر الطوسى حدثنا بذلك… وحدثنا أيضا المنتهى بن أبى زيد بن كيابكى الحسينى الجرجاني. ومحمد بن الحسن الفتال النيسابوري وجدى شهراشوب عنه أيضا سماعا وقراءة ومناولة واجازة بأكثر كتبه ورواياته. وأما أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواتهما فعن.. وعن محمد بن علي الفتال الفارسى أيضا عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة ابويهما عليه – أي المرتضى -. وقال في ص 14: وحدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير، وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين. 2 – وعده معاصر الشيخ الجليل عبد الجليل القزويني في كتابه النقض ص 51 في جملة أعلام الطائفة كالشيخ المفيد والطوسي والشريفين واضرابهم. ثم قال ما ترجمته: وكل منهم كان: مدرسا، ومتكلما، وفقيها، وعالما، ومقرئا، ومفسرا، ومتدينا وزاهدا.


[ 6 ]

كما أنه اعتمد تفسيره (التنوير) ونقل عنه أسوة بنقله عن تفاسير شيخ الطائفة أبى جعفر الطوسى وأبى علي الطبرسي وأبى الفتوح الرازي، ثم وصف تفاسيرهم بأنها معروفة معتبرة معتمدة. وقال في ص 304 عند رد من رمى الشيعة بالجبر والتشبيه، بعد كلام ذكر فيه تفاسير الشيعة في وقته وعد منها تفسير الشيخ ابى جعفر الطوسى، وتفسير الشيخ محمد الفتال، وتفسير ابى على الطبرسي، وتفسير الشيخ جمال الدين أبو الفتوح الرازي رحمة الله عليهم، فقال ما ترجمته: وكلهم كان عالما خبيرا، وجميعهم علماء امناء معتمدين. ولم يكونوا مجبرين، ولا مشبهين، ولا غالين ولا اخباريين ولا حشويين. 3 – وقال الشيخ منتجب الدين ابن بابوية في الفهرست المطبوع في آخر مجلدات بحار الانوار ج 26 ص 11: الشيخ محمد بن علي الفتال النيسابوري صاحب التفسير ثقة وأي ثقة، أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره. وقال أيضا في ص 13: الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسى مصنف كتاب روضة الواعظين. 4 – وقال الحسن بن داود الحلى في رجاله ص 295 طبع ايران: محمد بن أحمد بن على الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسى أبو علي لم جخ (1) متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، ورع


(1) – هذا رمز لمن لم يرو عنهم عليهم السلام في رجال الشيخ الطوسى وهو آخر الابواب فيه. وقد تعقب ابن داود كثير من الاعلام على هذه النسبة لخلو رجال الشيخ الطوسى عن ذكره، ومنهم السيد التفريشى في نقد الرجال، والوحيد البهبهانى، والشيخ المجلسي وغيرهم، وانتصر له مكابرا في الدعوى صاحب الروضات بزعم خلو نسخ القوم من ذكره، ولم يذكر لنا أنه رأى نسخة من رجال الشيخ فيها ذكر الرجل فلاحظ. (*)

[ 7 ]

قتله أبو المحاسن عبد الرازق رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام. 5 – وقال آية الله العلامة الحلى في اجازته الكبيرة لبني زهرة وهى مذكورة في آخر مجلدات البحار ج 26: (.. كتاب روضة الواعظين وتبصرة المتعظين للفقيه ابى على محمد ابن على بن أحمد الفارسى). 6 – وقال بن حجر في لسان الميزان ج 5 ص 44: محمد بن أحمد بن على الفارسى أبو على الفتال: ذكره ابن بابوية في تاريخ الري وقال: كان من شيوخ الامامية سمع من المرتضى ابى الحسن المطهر، وعبد الجبار ابن عبد الله. روى عنه على بن الحسن بن عبد الله النيسابوري، ومات سنة ثمان وخمسمائة. 7 – وذكره السيد مصطفى التفريشى في كتابه نقد الرجال ص 289. وذكر مقالة ابن داود المتقدمة، ثم عقب عليها بقوله: ولم أجده في كتب الرجال، خصوصا في الرجال، أي رجال الشيخ. 8 – وذكره الميرزا محمد في رجاله الكبير منهج المقال ص 280 والوسيط المسمى (تلخيص الاقوال) وهو مخطوط. ولم يزد على عبارة الشيخ ابن داود في رجاله، وقد سبق أن ذكرناها. 9 – وقال الوحيد البهبهانى في تعليقته على الرجال (منهج المقال) في النقد – نقد الرجال -: لم أجده في كتب الرجال. وفى الوجيزة حكم بحسنه. والظاهر أنه – الاشتباه – من ابن داود. 10 – وقال الشيخ أسد الله التسترى في مقابس الانوار ص 5: الشيخ الشهيد السعيد الفاضل السديد محمد بن الحسن بن على الفتال الفارسى النيسابوري صاحب روضة الواعظين المعروفة، وكتاب التنوير في معاني


[ 8 ]

التفسير. وقد روى عنه كما صرح به السروى – ابن شهراشوب – الذى روى عنه بلا واسطة في المناقب. 11 – وقال الميرزا أبو القاسم النراقى في شعب المقال ص 228: محمد بن أحمد بن على الفتال النيسابوري أبو على المعروف بابن الفارسى. ذكره الشيخ رحمه الله. وقال ابن داود: أنه متكلم جليل القدر، فقيه عالم زاهد ورع، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام. 12 – وذكره المولى محمد بن على الاردبيلى في جامع الرواة ج 2 ص 62 مرتين، مرة بعنوان: محمد بن أحمد بن على الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسى أبو علي ثم ذكر ما قاله ابن داود واضاف إليه تعقيب السيد التفريشى في نقد الرجال. وكأنه جمع بين منهج المقال وجزءا من تعليقة الوحيد البهبهانى عليه. واخرى بعنوان: محمد بن أحمد الفارسى الشيخ الشهيد مصنف كتاب روضة الواعظين. وحكاه عن فهرست منتجب الدين. 13 – وذكره الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه أمل الآمل ثلاث مرات، تارة بعنوان: الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسى الفتال، ثقة جليل له كتاب روضة الواعظين كما في ص 496 واخرى بعنوان: محمد بن الحسن الفتال الفارسى النيسابوري، له التنوير في معاني التفسير، وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين. قاله ابن شهراشوب. وتقدم ابن أحمد الفتال الفارسى كما في ص 500، وثالثا بعنوان: الشيخ محمد بن على الفتال النيسابوري صاحب التفسير، ثقة وأي ثقة أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره. قاله منتجب الدين.


[ 9 ]

14 – وذكره الرجالي الشيخ أبو علي الحائري في كتابه منتهى المقال ص 258 في ترجمته كلام الميرزا محمد في رجاله منهج المقال. وهو عين كلام ابن داود. وكلام الوحيد البهبهانى في التعليقة عليه، وزاد عليهما بقوله: أقول في مجموعة الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسى صاحب كتاب روضة الواعظين. فلاحظ وتأمل. 15 – وقال العلامة المجلسي في الوجيزة ص 162 ملحقا بآخر خلاصة الاقوال للعلامة الحلى طبع ايران: محمد ابن أحمد بن على الفتال النيسابوري حسن. واستعرض في مقدمة كتابه الجليل (بحار الانوار) عند ذكر مصادر كتابه ومنها كتاب (روضة الواعظين) الصحيح في نسبة الكتاب إلى مؤلفه – المترجم له – واستعرض كلام كل من: ابن شهراشوب، ومنتجب الدين، وابن داود، وتعقب على ابن داود دعوى ذكر المترجم له في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام. وختم كلامه بقوله، وعلى أي حال يظهر مما نقلنا جلالة المؤلف، وإن كتابه كان من الكتب المشهورة. 16 – وذكره السيد محمد باقر الخوانسارى في روضات الجنات من صفحة 564 إلى صفحة 567، وأطال الكلام في ترجمته بنقل ما قاله المتقدمون من الاعلام في حقه، وناقش من ذهب إلى التعدد بما لا يسع المقام نقله بطوله، فمن شاء فليراجع. 17 – وقال خاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري في خاتمة كتابه مستدرك الوسائل ج 3 ص 492: الشيخ الشهيد السعيد العالم النبيل أبو علي محمد بن الحسن بن علي بن أحمد ابن على الحافظ الواعظ الفارسى النيسابوري، المدعو تارة بالفتال، واخرى


[ 10 ]

بابن الفارسى، والمنسوب إلى أبيه الحسن مرة، والى جده علي ثانية، والى جده أحمد ثالثة. والكل تعتبر عن شخص واحد كما يظهر بالتأمل في عبارة ابن شهراشوب في المناقب. وصرح به أيضا صاحب البحار وغيره من العلماء النقاد الابرار، وهو مؤلف كتاب روضة الواعظين، وكتاب التنوير في التفسير… ثم ذكر ما قاله منتجب الدين في فهرسته، وعبارة ابن داود في رجاله، ثم قال: روى عن الشيخ ابى جعفر الطوسى، وعن أبيه الحسن بن على، وعن السيد المرتضى، صرح بذلك في المناقب. 18 – وقال المحدث الشيخ عباس القمى في كتابه الكنى والالقاب ج 3 ص 9 طبع النجف الاشرف: الفتال: هو الشيخ الاجل الشهيد السعيد أبو علي محمد بن الحسن بن على ابن أحمد النيسابوري، المعروف بابن الفارسى الحافظ الواعظ صاحب كتاب روضة الواعظين، والتنوير في التفسير. كان من علماء المئة السادسة، ومن مشايخ ابن شهراشوب، يروى عن الشيخ الطوسى، وعن أبيه الحسن بن على، وعن السيد المرتضى رضى الله عنه. ثم ذكر ما قاله ابن داود في حقه وعقبه بتفسير لفظ الفتال وانه من اسماء البلبل، ولعله لقب به لطلاقة في لسانه في الخطابة والوعظ، وعذوبة في لهجته ورقة في الفاظه. وقال في تحفة الاحباب ص 314: محمد بن أحمد بن على الفتال النيسابوري، صاحب روضة الواعظين. من العلماء جليل القدر، كان متكلما فقيها زاهدا ورعا، قتله أبو المحاسن عبد الرزاق رئيس نيسابور الملقب بشهاب الاسلام. 19 – وذكره الحجة الشيخ اغا بزرك الطهراني دام ظله في الذريعة ج 4 ص 469 عند ذكر كتابه التنوير ج 11 ص 305 عند ذكر كتابه روضة


[ 11 ]

الواعظين، وأشار في كل منهما إلى انه غير الفتال الذى ترجمه الشيخ منتجب الدين في فهرسته ص 11 بعنوان: محمد بن علي الفتال النيسابوري ثقة وأي ثقة، وأصر الشيخ اغا بزرك على التعدد، مع أن التحقيق ما ذهب إليه الشيخ المجلسي، وصاحب الروضات، والشيخ النوري من اتحاد المعنون. وإن اختلفت العناوين المعبر بها عنه كما يظهر ذلك لمن تأمل في مقدمة المناقب لابن شهراشوب. 20 – وذكره الحجة السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة ص 395 وذكر مقالة ابن داود في حقه، ثم ذكر كتاب روضة الواعظين، ثم قال: وهذا الشيخ من شيوخ الشيعة في المائة الخامسة في طبقة ابن الشيخ. الخ. وخلاصة القول في حق المترجم له، أنه شيخ جليل من شيوخ الشيعة واعلام الطائفة، وكان مدرسا متكلما فقيها عالما مقرئا مفسرا متدينا زاهدا، من العلماء الامناء المعتمدين كما وصفه معاصره الشيخ عبد الجليل القزويني. وثقة أي ثقة جليل القدر فقيها عالما زاهدا ورعا كما وصفه الشيخان منتجب الدين وابن داود، وأطبق القول المتأخرون على وصفه بذلك تبعا لهما شيوخه وتلاميذه ظهر مما سبق ان المترجم له روى عن سيد الطائفة الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 ه‍. وسمع أباه الحسن بن علي يقرأ على الشريف أيضا. وروى عن الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة 460 ه‍. وروى عن أبيه الشيخ الحسن بن على الفتال. وروى عن عبد الجبار بن عبد الله، والمرتضى ابى الحسن المطهر، كما في لسان الميزان.


[ 12 ]

وسمع منه الحافظ محمد بن على بن شهراشوب المازندرانى المتوفى سنة 588 ه‍ وعلي بن الحسن بن عبد الله النيسابوري. والمستفاد من جميع ذلك ان المترجم له كان بالعراق برهة من عمره مع أبيه، حيث كانت بغداد محط اكابر العلماء وجامعة الاسلام، فسمع من اعلام الطائفة بها وروى عنهم، وكان ذلك قبل سنة 436 ه‍ وهى سنة وفاة الشريف المرتضى رحمه الله، وبقى بها إلى أن سمع منه الحافظ ابن شهراشوب المولود في حدود سنة 489 ه‍ تقريبا. ومع الاسف الشديد ان التاريخ لم يوفه حقه، لذلك جهلنا كثيرا من جوانب حياته، فلم نعرف عن ولادته، ولا نشأته، ولا دراسته شيئا، وحتى ما ذكره مترجموه كان بإيجاز واجمال، ومن ذلك أمر شهادته وأسبابها، فقد ذكر بعضهم انه قتله أبو المحاسن عبد الرزاق شهاب الاسلام حاكم نيسابور. ولاي سبب قتل ؟ ومتى كان ذلك ؟ هذا ما سكت عنه التاريخ، فلم يبق إلا الحدس والتخمين. شهادته رحمه الله قلنا: ان المؤرخين لم يذكروا أسباب شهادة المترجم له، ومتى كانت ؟ وكل ما ذكروه أن قاتله هو عبد الرزاق شهاب الاسلام رئيس نيسابور وإنا إذا رجعنا إلى تاريخ عبد الرزاق يمكننا أن نعرف السبب الداعي إلى قتله المترجم له رحمه الله، فمن هو عبد الرزاق ؟ ذكر زامباور في معجم الانساب والاسر الحاكمة ج 2 ص 336: ان أبا المحاسن عبد الرزاق شهاب الاسلام وزير سنجر، من سنة 513 إلى 515 وفيها توفي.


[ 13 ]

وذكره في ص 339 في وزراء سنجر فقال: شهاب الاسلام أبو المحاسن عبد الرزاق بن عبد الله بن محمد ابن الفقيه – ابن اخى نظام الملك – سنة وزارته 513. وأما ناصر الدين المنشى الكرماني – 725 ه‍ فيقول في كتابه نسائم الاسحار من لطائم الاخبار ص 58 ما ترجمته: الوزير شهاب الاسلام عبد الرزاق بن اسحاق الطوسى. كان ابن اخ الوزير نظام الملك. وكان من قروم الائمة يومئذ وفحول العلماء المشاهير. اشتغل في أيام صباه وريعان شبابه بتحقيق أحكام الشرع، وتدقيق رموز وإشارات الاحاديث النبوية. وصرف شرخ شبابه بشرح جواب المشكلات، وازالة الشبهات. أمر السلطان سنجر – السلجوقي – بنقله من المدرسة والمحراب إلى سرير الوزارة، واعطى مقاليد الامور، فتبدل عما كان عليه من زي النسك والورع إلى كثير من الصفات المذمومة والافعال القبيحة، كالبخل وشرب الخمر إلى أن توفى مشوه السمعة ممقوتا. وقال سيف الدين العقيلى من أعلام القرن التاسع في كتابه آثار الوزراء: شهاب الاسلام عبد الرزاق وزر للسلطان سنجر السلجوقي بعد عزل ابن عمه صدر الدين بن فخر الدين بن نظام الملك. قال السلطان سنجر عند اجتماعه في مرو بالوزير معين الدين ابى نصر أحمد الكاشى أنه رأى من وزيره شهاب الاسلام من سوء السيرة وخبث السريرة ما لا ينبغى صدوره من السوقة فضلا عن أصحاب الدرس والفتوى والعمائم والتقوى. وقال السلطان أيضا: أغمضت عما شاهدت منه كله إلى ان توفى. وورد في حبيب السير ج 2 ص 513 طبع ايران: شهاب الاسلام عبد الرزاق الطوسى من أقارب خواجه نظام الملك،


[ 14 ]

استوزره السلطان سنجر السلجوقي بعد ما ظهرت خيانات كثيرة من صدر الدين ابن فخر الدين بن خواجه نظام الملك، فتمرد وطغى وسرق الخزانة إلى أن أمر السلطان بقتله، واستوزر من بعده شهاب الاسلام، هذا وكان في أول أمره يشتغل بطلب العلم فلما وزر طغى وتعجرف وشرب الخمر متجاهرا بذلك انتهى. بقي هنا أمر لابد من التنبيه عليه هو: أن ابن حجر في لسان الميزان ذكر ان المترجم له مات سنة 508 ه‍، وهذا لا يتفق مع سني وزارة عبد الرزاق المذكور، اللهم إلا أن يكون عبد الرزاق أفتى بقتله يوم كان حليف المحراب وذلك قبل أيام حكومته، وإن كان الظاهر من عبارة ابن داود أنه قتله وهو رئيس نيسابور، فلاحظ. وورد في تاريخ نيسابور، تلخيص الخليفة النيسابوري ص 152 نقلا عن خط الخواجه قطب الدين، في اسماء الذين لهم قبور معلومة بنيسابور ما ترجمته: الشيخ محمد الفتال رحمه الله وتربته في قبلى مقبرة (خيرة) بنيسابور. مؤلفاته لم نعثر في المعاجم المؤلفة لذكر آثار الاعلام وفى غيرها على سوى هذين المؤلفين: 1 – التنوير في معالم التفسير. 2 – روضة الواعظين وبصيرة المتعظين. أما الاول فقد كان من الكتب المعتبرة عند الشيعة، وفى عداد تفاسيرهم المعتمد عليها، وقد ذكره غير مرة الشيخ الجليل عبد الجليل القزويني – معاصر المترجم له – في كتابه النقض، وحكى عنه وأطراه كثيرا. كما وقد رواه الحافظ ابن شهراشوب عن مؤلفه كما في مقدمة المناقب.


[ 15 ]

وأما روضة الواعظين، وهو هذا الكتاب الذى نحن نقدمه للقراء بكل احترام، فهو من كتب الاخلاق والآداب، ذكر مؤلفه في مقدمته السبب الداعي لتأليفه فقال: فأنى كنت في عنفوان شبابى قد اتفقت لى مجالس وعرضت محافل والناس يسألوننى عن اصول الديانات والفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب يكفيهم ومقال يشفيهم، فحاولوا منى بالكلام في التذكير والزهد والمواعظ والزواجر والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا فما وجدت لهم كتابا يشتمل على هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلا متبترات في كتبهم وتفريقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابا يشتمل على بعض كلام الله تعالى ويدور على محاسن اخبار النبي (صلى الله عليه وآله) ويحتوى على جواهر كلام الائمة عليهم السلام وأبوبه ابوابا ومجالس، وأضع كل جنس موضعه، فأنه لم يسبقنى إليه أحد من أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به أكثر والنصب أعم وأكثر وأنا ان شاء الله أفتتح لكل مجلس منها بكلام الله تعالى ثم بآثار النبي والائمة عليهم السلام محذوفة الاسانيد، فإن الاسانيد لا طائل فيها إذا كان الخبر شائعا ذائعا ووقعت تسميته ب‍ (روضة الواعظين وبصيرة المتعظين). ثم حذر المؤلف القراء من التسرع في الحكم استنادا على ورود بعض الاخبار التى يقتضى ظاهرها مذهب الحشو والاختلاط. ودعا إلى التأمل والتفكر والرجوع إلى من يعرف تأويلها، وأكد ذلك في الخاتمة أيضا وختم ذلك بقوله: فأنى لم أذكر شيئا في هذا الكتاب من الخبر والاثر الذى يقتضى ظاهره مذهب الحشو حتى كنت عالما لمعناه قبل إيراده، لكن لم اذكر معناه


[ 16 ]

لئلا يطول به الكتاب فينبغي ان لا يعتقد أحد انى كنت حشويا ومخلطا. فأنى رجل محقق والحمد لله رب العالمين. ومراده بقوله انى رجل محقق، أي ممن يعتمد الحق – الامامة – ويقول به: وقد توهم بعضهم فنسب الكتاب إلى الشيخ المفيد رحمه الله ورده كثير من المحققين ونبهوا على غلط النسبة، وقبل ذلك كله قول تلميذه الشيخ الحافظ محمد بن علي بن شهراشوب راوي هذا الكتاب وسابقه عن مؤلفه كما صرح بذلك في مقدمة المناقب. وكتابنا هذا في جزءين خص المؤلف الجزء الاول، وهو يشتمل على ثلاثين مجلسا يتخللها بعض الابواب والفصول – بذكر ماهية العقول والعلوم والنظر ووجوب معرفة الله تعالى وفساد التقليد في ذلك والكلام في صفات الباري وخلق الافعال والقضاء والقدر والعدل والتوحيد والنبوة والبعثة ومعجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وتاريخه، ثم الامامة وما يتعلق بها وتاريخ الائمة ” عليه السلام ” من أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن العسكري ” عليه السلام ” مع تاريخ الزهراء ” عليه السلام ” أما الجزء الثاني فيزيد على سبعين مجلسا، أتم في أوله الكلام في تاريخ الحجة عجل الله فرجه وإمامته، ثم ذكر في باقى مجالسه مناقب آل محمد وفضائل بعض الاعلام، ثم استعرض ذكر بعض الاحكام والازمان والاماكن، وحتى القبور والقيامة والصراط والميزان والجنة والنار وغيرها. وقد طبع هذا الكتاب في ايران مكررا، وهذه الطبعة التى تقدمها المكتبة الحيدرية في النجف الاشرف هي أحدث الطبعات. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. النجف الاشرف 25 رجب سنة 1386 ه‍. محمد مهدى السيد حسن الخرسان


[ 1 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله استتماما لنعمته، واستسلاما لربوبيته، واستعصاما من معصيته وصلى الله على محمد خيرته على بريته، وعلى الطيبين الطاهرين من عترته، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: فإنى كنت في عنفوان شبابى قد اتفقت لى مجالس، وعرضت محافل والناس يسألوننى عن اصول ديانات وابانة الفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب يكفيهم، ومقال يشفيهم، فحاولوا عنى بالكلام في التذكير، والزهد والمواعظ والزواجر، والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا، فما وجدت لهم كتابا يشتمل على جميع هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلا متبترات في كتبهم، ومتفرقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابا يشتمل على بعض كلام الله ويدور على محاسن اخبار النبي صلى الله عليه وسلم ويحتوى على جواهر كلام الائمة عليهم السلام وأبوبه أبوابا، ومجالس، وأضع كل جنس موضعه، فإنه لم يسبقنى أحد من اصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به اكثر والنصب اعم واكثر وأنا إن شاء الله افتتح لكل مجلس منها بكلام الله تعالى، ثم بآثار النبي والائمة عليهم السلام، محذوفة الاسانيد، فإن الاسانيد لا طايل فيها إذا كان الخبر شايعا ذايعا، ووقعت تسميته (بروضة الواعظين، وبصيرة المتعظين) وان ورد خبر في هذا الكتاب يقتضى ظاهره مذهب الحشو والاختلاط، ينبغى أن يتأمله الناظر ويتفكر فيه، فإن عرف تأويله عرف معناه، وان لم يظهر له معناه رجع إلى من عرف معناه ليعرفه المراد به، فإن كلام النبي والائمة عليهم السلام ليس له مزية على كلام الله فكلام الله تعالى لم يخل من المتشابه، فكذلك كلام النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة عليهم السلام لكنه يرجع إلى من كان عالما، حاذقا، بصيرا بالاصول والفروع واللغة والاعراب حتى يتبين المراد، فيعلم إنه ليس بين كلام الله تعالى، والنبى والائمة عليهم السلام


[ 2 ]

تناقض سوى من كان من اهل الحشو، وقليل البضاعة في العلم، وانا اذكر امام هذا الكتاب طرفا من الاصول لانها المفزع، واليها المرجع، بعد أن اذكر الكلام في العقول والعلوم، والله الموفق للصواب، بمنه ولطفه. مجلس في ماهية العقول وفضلها قال الله تعالى في سورة آل عمران: (ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب). وقال تعالى في سورة طه: (كلوا وارعوا أنعامكم ان في ذلك لآيات لاولى النهى). وقال في سورة والفجر: (هل في ذلك قسم لذى حجر). (العقل) في عرف المتكلمين عبارة عن مجموع علوم وهى ثلاثة اقسام: أولها العلم بأصول الادلة، وثانيها ما لا يتم العلم بهذه الاصول إلا معه، وثالثها ما لا يتم الغرض المطلوب إلا معه. فالاول: العلم بأحوال الاجسام التى تتغير من حركة وسكون، والعلم باستحالة خلو الذات من النفى والاثبات المتقابلين، والعلم بأحوال الفاعلين، وغير ذلك وليس يصح العلم بذلك إلا ممن يجب ان يكون عالما بالمدركات إذا ادركها وارتفع اللبس عنها وممن إذا مارس الصنايع يعلم. والعلم بالعادات من اصول الادلة الشرعية لابد منه وهو من القسم الثاني. والقسم الثالث: العلم بجهات المدح والذم والخوف، وطرق المضار حتى يصح خوفه من اهمال النظر، فيجب عليه النظر والتوصل به إلى العلم، والذى يدل على ان ذلك هو العقل لا غير انه متى تكاملت هذه العلوم كان عاقلا ولا يكون عاقلا إلا وهذه العلوم حاصلة لو ولو كان للعقل معنى آخر لجاز حصول هذه العلوم، ولا يحصل ذلك المعنى فلا يكون عاقلا أو يحصل ذلك المعنى، ويكون عاقلا، وان لم تكن له هذه العلوم والعلوم خلاف ذلك.


[ 3 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأس العقل بعد الايمان بالله، التحبب إلى الناس. وقال أيضا صلى الله عليه وآله قسم الله العقل على ثلاثة اجزاء، فمن كان فيه كمل عقله، ومن لم يكن فيه فلا عقل له: حسن المعرفة بالله، وحسن الطاعة له وحسن الصبر له. وقال الصادق عليه السلام في خبر طويل: وبالعقل يكمل، وهو دليله وبصره ومفتاح أمره. قال أمير المؤمنين عليه السلام: هبط جبرئيل على آدم ” عليه السلام ” فقال يا آدم إنى أمرت اخيرك واحدة من ثلاث، فاختر واحدة ودع اثنتين، فقال له آدم: واما الثلاث يا جبرئيل ؟ قال العقل، والحياء، والدين قال آدم: فإنى اخترت العقل، قال جبرئيل للحيا والدين: انصرفا فقالا: يا جبرئيل إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان قال: فشأنكما وعرج. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام ” لم يقسم بين العباد أقل من الخمس: اليقين، والقنوع والصبر، والشكر، والذى يكمل به هذا كله من العقل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله تعالى خلق العقل من نور مخزون، مكنون في سابق علمه الذى لم يطلع عليه نبى مرسل ولا ملك مقرب، فجعل العلم نفسه، والفهم وجهه، والزهد رأسه، والحياء عينيه، والحكمة لسانه، والرأفة همه، والرحمة قلبه ثم غشاه، وقواه بعشرة أشياء: باليقين، والايمان، والصدق، والسكينة، والاخلاص، والرفق، والعطية، والقنوع، والتسليم، والشكر. ثم قال له عزوجل ادبر، فأدبر. ثم قال له: اقبل، فاقبل ثم قال له: تكلم، فقال الحمد لله الذى ليس له ضد ولا ند ولا شبيه ولا كفء ولا عديل ولا مثل، الذى كل شئ لعظمته خاضع ذليل، فقال له الرب تعالى: وعزتي وجلالى ما خلقت خلقا احسن منك ولا أطوع لى منك، ولا أرفع منك ولا أشرف منك، ولا أعز منك، بك اوحد وبك اعبد وبك ادعى، وبك ارتجى وبك أبتغى وبك أخاف، وبك أحذر وبك الثواب، وبك العقاب فخر العقل عن ذلك ساجدا، فكان في سجوده ألف عام، وقال الرب تبارك وتعالى: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فرفع العقل رأسه فقال: إلهى أسئلك ان تشفعني فيمن خلقتني فيه.


[ 4 ]

فقال الله جل جلاله لملائكته أشهدكم انى قد شفعته فيمن خلقته فيه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم. وقال أيضا ” عليه السلام “: اصل الانسان لبه، وعقله دينه، ومروته حيث يجعل نفسه والايام دول، والناس إلى آدم شرع سواء. سئل الرضا ” عليه السلام “، فقيل: ما العقل ؟ قال: التجرع للغصة، ومداهنة الاعداء ومداراة الاصدقاء، روى ذلك عن الحسن بن علي عليهما السلام، إلا قوله: ومداراة الاصدقاء. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: صدر العاقل صندوق سره، لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالادب، اعقلوا الخبر إذا سمعتموه، عقل رعاية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل، لا مال اعود من العقل، ولا عقل كالتدبير وليس للعاقل ان يكون شاخصا إلا في ثلاث: مرمة لمعاش أو خطوة إلى معاد أو لذة في غير محرم، ما استودع الله امرء عقلا إلا استنقذه به يوما ما. وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما العقل ؟ قال العمل بطاعة الله، وان العمال بطاعة الله، هم العقلاء. وروى إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بمجنون فقال ما له ؟ فقيل انه مجنون، فقال بل هو مصاب إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة. وروى عن أمير المؤمنين عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ينبغى للعاقل إذا كان عاقلا ان يكون له اربع ساعات من النهار: ساعة يناجى فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يأتي اهل العلم الذين يبصرونه امر دينه وينصحونه، وساعة يخلى بين نفسه ولذتها من امر الدنيا فيما يحل ويجمل. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شئ معدن، ومعدن التقى قلوب العاقلين. وروى عن ابن عباس انه قال: اساس الدين بنى على العقل، وفرضت الفرائض على العقل، وربنا يعرف بالعقل، ويتوسل إليه بالعقل، والعاقل اقرب إلى ربه من جميع المجتهدين بغير عقل، ولمثال ذرة من بر العاقل افضل من جهاد الجاهل الف عام. قال النبي (صلى الله عليه وآله): قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له.


[ 5 ]

قال الشاعر: القلب لولا العقل كان فريسة * لا يستشار كساير الاعضاء والعقل لولا الرشد والتوفيق من * ذى العرش كان كسائر الاهواء وقيل أيضا: أشد عيوب المرء جهل عيوبه * ولا شئ بالاقوام أزرى من الجهل وما فات ذات خير من العقل سهمه * وان كان محروما فقد فاز بالعقل وقال الشاعر: صائن العقل مصان * ولقد ضاع مضيعه مشرق العقل مضئ * ساطع النور سطيعه حصن ذى العقل حصين * في ذرى العز منيعه فاز بالطوبى من العقل * إلى الله شفيعه بارك الله على العقل * ونجى من يطيعه باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها وقال الله تعالى في سورة المجادلة (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير) العلم ما اقتضى سكون النفس إلى ما تناوله ولا يكون لذلك إلا وهو اعتقاد الشئ على ما هو به، مع سكون النفس. وهو على ضربين: ضروري، ومكتسب، فالضروري هو من فعل غيرنا فينا على وجه لا يمكننا دفعه عن انفسنا، والمكتسب هو ما كان من فعلنا لوجوب وقوعه بحسب دواعينا واحوالنا ففارق بذلك العلم الضرورى الذى يحصل من فعل الله فينا، هذا ما حده المتكلمون. وروى عن الصادق ” عليه السلام “، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: والذى نفسي بيده ما جمع شئ إلى شئ افضل من حلم إلى علم. وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلوات الله عليهما: مجالسة أهل الدين، شرف الدنيا والآخرة.


[ 6 ]

وعنه قال: سئل أمير المؤمنين ” عليه السلام “، من اعلم الناس ؟ قال: من جمع علم الناس إلى علمه. وسئل الصادق عن الحديث الذى جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر، ما معناه ؟ قال عليه السلام: هذا على ان يأمره بقدر معرفته، وهو مع ذلك يقبل وإلا فلا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اشراف امتى حملة القرآن، واصحاب الليل. وقال ايضا (صلى الله عليه وآله): حملة القرآن عرفاء اهل الجنة، وأيضا قال: افضل العبادة الفقه، وافضل الدين الورع، وقال أيضا: كلمتان، فاحتملوهما كلمة حكمة من سفيه وكلمة سفه من حكيم، فاغفروها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صنفان من امتى إذا صلحا صلحت امتى، وإذا فسدا فسدت امتى، قيل يا رسول الله من هما ؟ قال الفقهاء والامراء. وقال عليه السلام: لا خير في العيش إلا لرجلين، عالم مطاع، أو مستمع واع. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: ان تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم. قال أمير المؤمنين عليه السلام: قطع ظهرى رجلان من الدنيا: رجل عليم اللسان فاسق ورجل جاهل القلب ناسك هذا يصد بلسانه عن فسقه وهذا بننسكه عن جهله فاتقوا الفاسق من العلماء، والجاهل من المتعبدين، اولئك فتنة كل مفتون، فانى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي هلاك امتى على يدى كل منافق عليم اللسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا سهر إلا في ثلاث، متجهد بالقرآن، وفى طلب العلم أو عروس تهدى إلى زوجها. قال أبو عبد الله عليه السلام: الناس يغدون على ثلاثة: عالم، ومتعلم وغثاء فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء. قال أمير المؤمنين عليه السلام: قوام الدين باربعة: بعالم ناطق مستعمل له وبغنى لا يبخل بفضله على اهل دين الله وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وبجاهل لا يتكبر عن طلب العلم. فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغنى بفضله، وباع الفقير آخرته بدنياه واستكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدنيا على تراثها قهقهرى، ولا يغرنكم كثرة المساجد، واجساد القوم مختلفة.


[ 7 ]

قيل يا أمير المؤمنين: كيف العيش في ذلك الزمان ؟ قال خالطوهم بالبرانية – يعنى في الظاهر – وخالفوهم في الباطن للمرء ما اكتسب، وهو مع من احب، وانتظروا مع ذلك الفرج من الله تعالى. قال الصادق عليه السلام: العلم خزائن، والمفاتيح السؤال، فاسألوا يرحمكم الله فإنه يؤجر اربعة: السائل، والمتكلم، والمستمع، والمحب لهم. قال أبو عبد الله عليه السلام: ان من العلماء من يحب ان يخزن علمه، فلا يؤخذ عنه فذاك في الدرك الاول من النار، ومن العلماء من إذا وعظ انف، وإذا وعظ عنف فذاك في الدرك الثاني من النار، ومن العلماء من يرى ان يضع العلم عند ذوي الثروة ولا يرى له في المسكين وضعا، وذاك في الدرك الثالث من النار، ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين فان رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من امره غضب فذاك في الدرك الرابع من النار، ومن العلماء من يطلب احاديث اليهود والنصارى ليعز به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار، ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول سلونى ولعله لا يصيب حرفا، والله لا يحب المتكلفين فذاك في الدرك السادس من النار، ومن العلماء من يتخذ علمه (1) مروة ونبلا فذاك في الدرك السابع من النار. قال أبو جعفر ” عليه السلام ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يعبد الله بشئ افضل من العقل ولا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال من العلم: الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، ولا يسأم من طلب العلم طول عمره، ولا يتبرم بطلب الحوائج قباله الذل احب إليه من العز، والفقر احب إليه من الغنى نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة وما العاشرة لا يرى احدا إلا قال: هو خير منى، واتقى الناس رجلان: فرجل هو خير منه واتقى، وآخر هو شر منه وادنى فإذا رأى من هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به. فإذا لقي الذى هو شر منه وادنى قال عسى خيرا هذا باطن وشر ظاهر، وعسى ان يختم له بخير فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد اهل زمانه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حفظ عنى من امتى اربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة.


(1) الظاهر في الحديث تصحيف فليراجع. (*)

[ 8 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حفظ عنى من امتى اربعين حديثا في امر دينه يريد به وجه الله والدار الآخرة، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما. قال الصادق ” عليه السلام “: من حفظ عنا اربعين حديثا من احاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ولم يعذبه. قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق سايسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وان لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب احدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذى يجيب ولا تحدث في مجلسه احدا ولا تغتاب عنده احدا وان تدفع عنه إذا ذكر عندك وان تستر به عيوبه، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادى له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بانك قصدته وتعلمت علمه لله تعالى لا للناس. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من دخل في الاسلام طائعا وقرأ القرآن ظاهرا فله في كل سنة مأتا دينار في بيت مال المسلمين، ان منع في الدنيا اخذها يوم القيامة وافية، وهو احوج ما يكون إليها. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: إنى لارحم ثلاث، وحق لهم ان يرحم عزيز اصابته مذلة بعد العز وغنى اصابته حاجة بعد الغنى وعالم يستخف به أهله والجهلة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، واكثر الناس قيمة اكثرهم علما واقل الناس قيمة اقلهم علما، واولى الناس بالحق اعملهم به، واحكم الناس من فر من جهال الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة سترا فيما بينه وبين النار واعطاه الله بكل حرف مكتوب عليها مدينة اوسع من الدنيا سبع مرات وما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه جلست إلى حبيبي وعزتي وجلالى لاسكننك الجنة ولا ابالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضى له، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على


[ 9 ]

ساير النجوم ليلة البدر، وان العلماء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم، فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: تعلم العلم فان تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وهو عند الله لاهله قربة، لانه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبيل الجنة، فهو أنيس في الوحشة وصاحب في الوحدة وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء، يرفع الله به اقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم يرمق اعمالهم ويقتبس آثارهم، وترغب الملائكة في خلتهم يمسحونهم باجنحتهم في صلواتهم لان العلم حياة القلوب، ونور الابصار من العمى، وقوة الابدان من الضعف، ينزل الله حامله منازل الابدال، ويمنحه مجالسة الاخيار في الدنيا والآخرة بالعلم يطاع الله ويعبد وبالعلم يعرف الله ويوحد وبالعلم توصل الارحام وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم امام العقل والعقل تابعه يلهمه الله السعداء ويحرمه الاشقياء. وقال أيضا ” عليه السلام “: طلبة هذا العلم على ثلاثة اصناف فاعرفوهم بصفاتهم واعيانهم صنف منهم يتعلمون للمراء والجهل وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل. وصنف منهم يتعلمون للفقه والعقل فاما صاحب المراء والجهل تراه مؤذيا مماريا للرجال في ندية المقال قد تسربل بالتخشع وتخلى من التورع، فدق الله من هذا حيزومه وقطع منه خيشومه، واما صاحب الاستطالة والختل، فانه يستطيل على اشباهه واشكاله ويتواضع للاغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم، فاعمى الله من هذا بصره وقطع من آثار العلماء اثره، واما صاحب الفقه والعقل تراه ذا كآبة وحزن قد قام الليل في خندسه وقد انحنى في برنسه ويعمل ويخشى خائفا وجلا من كل احد إلا من كل ثقة من اخوانه، فشد الله من هذا اركانه، واعطاه يوم القيامة امانه. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: إذا كان يوم القيامة جمع الله عزوجل الخلق في صعيد واحد ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء. قال الباقر ” عليه السلام “: قراء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة، واستجر به الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن، فحفظ حروفه وضيع حدوده ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه واسهر به ليله واظمأ به نهاره


[ 10 ]

وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله تعالى البلاء، وبأولئك يديل الله من الاعداء، وبذلك ينزل الغيث من السماء، والله لهؤلاء في قراء القرآن اعز من الكبريت الاحمر. قال الصادق ” عليه السلام “: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين، فيذهب باطلكم بحقكم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عمل بالمقياييس، فقد هلك واهلك، ومن افتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه فقد هلك واهلك. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، ولا تزيده سرعة السير من الطريق إلا بعدا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله، ان طلب العلم فريضة على كل مسلم، وكم من مؤمن يخرج من منزله في طلب العلم، فلا يرجع إلا مغفورا. وقال أيضا: العلم وراثة كريمة، والادب حلل مجددة، والفكر مرآة صافية قيمة كل امرء ما يحسن، ولا علم كالنظر، ولا شرف كالعلم. قال كميل بن زياد: أخذ بيدى أمير المؤمنين على بن أبى طالب ” عليه السلام “، فاخرجني إلى الجبانة، فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال يا كميل ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها فاحفظ عنى ما اقول لك الناس ثلاثة: فعالم ربانى ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق يا كميل العلم خير من المال. العلم يحرسك وانت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو عل الانفاق، وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل معرفة العلم دين يدان به يكتسب الانسان الطاعة في حياته، وجميل الاحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم. والمال محكوم عليه. يا كميل هلك خزان الاموال وهم احياء. والعلماء باقون ما بقى الدهر اعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان اشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتل احد والديه، أو عالم لم ينتفع بعلمه.


[ 11 ]

وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا: علماء هذه الامة رجلان رجل اتاه الله علما. فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس. ولم يأخذ عليه طمعا. ولم يشتر به ثمنا قليلا. فذلك يستغفر له من في البحور ودواب البر والبحر. والطير في جو السماء. ويقدم على الله سيدا شريفا. ورجل اتاه الله علما فبخل به على عباد الله واخذ عليه طمعا. واشترى به ثمنا قليلا، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار، وينادي ملك من الملائكة على رؤس الاشهاد، هذا فلان ابن فلان اتاه الله علما في دار الدنيا فبخل به على عباده حتى يفرغ من الحساب. وروى عن علي بن أبى طالب عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب العلم لله لم يصب منه بابا إلا ازداد به في نفسه ذلا، وفى الناس تواضعا، ولله خوفا وفى الدين اجتهادا. وذلك الذى ينتفع بالعلم فليتعلمه، ومن طلب العلم للدنيا والمنزلة عند الناس والحظوة عند السلطان لم يصب منه بابا إلا ازداد في نفسه عظمة، وعلى الناس استطالة وبالله اغترارا ومن الدين جفاءا فذلك الذى لا ينتفع بالعلم فليكف وليمسك عن الحجة على نفسه والندامة والخزى يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به أو صدقة تجرى له، أو ولد صالح يدعو له. وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): يشفع يوم القيامة للانبياء، ثم الشهداء ثم العلماء، ثم الشهداء. وقال ابن عباس: خير سليمان النبي بين العلم والملك والمال، فاختار العلم، فاعطى الملك والمال معه. وقال لقمان لابنه: يا بنى، جالس العلماء، وزاحمهم بركبتك، فان الله عزوجل يحيى القلوب بنور الحكمة كما يحيى الارض بوابل السماء. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: يا مؤمن ان هذا العلم والادب ثمن نفسك فاجتهد في تعلمها، فما يزيد من علمك وادبك، يزيد في ثمنك وقدرك، فان بالعلم تهتدى إلى ربك، وبالادب تحسن خدمة ربك، وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه فاقبل النصيحة كى تنجو من العذاب. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اطلبوا العلم ولو بالصين، فان طلب العلم فريضة على كل مسلم.


[ 12 ]

وقال أيضا ” عليه السلام “: ساعة من عالم يتكئ على فراشه، ينظر في عمله خير من عبادة العابد سبعين عاما. وقال أيضا ” عليه السلام “: فضل العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما. وذلك ان الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها. وقال عليه السلام: من تعلم مسألة واحدة قلد يوم القيامة الف قلادة من نور وغفر له الف ذنب وبنى له مدينة من ذهب وكتب له بكل شعرة على جسده حجة وعمرة. وروى بعض الصحابة قال: جاء رجل من الانصار إلى النبي، فقال: يا رسول الله إذا حضرت جنازة أو حضر مجلس عالم، ايهما احب اليك ان اشهد ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فان حضور مجلس العالم افضل من حضور الف جنازة، ومن عيادة الف مريض، ومن قيام الف ليلة، ومن صيام الف يوم، ومن الف درهم يتصدق بها على المساكين، ومن الف حجة سوى الفريضة ومن الف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك ونفسك. واين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم ! اما علمت ان الله يطاع بالعلم. ويعبد بالعلم وخير الدنيا والآخرة مع العلم. وشر الدنيا والآخرة مع الجهل. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا احدثكم عن اقوام ليسوا بانبياء. ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الانبياء والشهداء بمنازلهم من الله. على منابر من نور قيل من هم يا رسول الله ؟ قال: هم الذين يحببون عباد الله إلى الله. ويحببون الله إلى عباده. قلنا هذا حبب الله إلى عباده. فكيف يحببون عباد الله إلى الله قال يأمرونهم بما يحب الله. وينهونهم عما يكره الله. فإذا اطاعوهم احبهم الله. وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله: اعطاه الله اجر سبعين نبيا. وقال (صلى الله عليه وآله): من تعلم بابا من العلم عمل به. أو لم يعمل كان افضل من ان يصلى الف ركعة تطوعا. قال الشاعر: لا تتركن العلم ان تستفيده * فان استفاد العلم افضل مغنم وكن للذى لم تحصه متعلما * واما الذى احصيت منه فعلم


[ 13 ]

إذا ما المسك طيب ريح قوم * كفانى ذاك رائحة المداد فما شئ بأحسن من بنان * على حافاته اثر السواد * * * يعبد رفيع القوم من كان عالما * وان لم يكن في قومه بحسيب وان حل ارضا عاش فيها بعلمه * وما عالم في بلدة بغريب أرى العلم نورا والتأدب حلية * فخذ منهما في رغبة بنصيب وما اجتمعا إلا لمن صح عقله * وكم عالم بالشئ غير لبيب * * * * العلم فيه جلالة ومهابة * والعلم انفع من كنوز الجوهر تفنى الكنوز على الزمان وصرفه * والعلم يبقى باقيات الاعصر * * * * مصابيح الانام بكل ارض * هم العلماء ابناء الكرام فلو لا علمهم في كل باب * كنور البدر لاح بلا غمام لكان الدين يدرس بعد حين * كما درس الرسوم من الرمام * * * * العلم اشرف مطلوب ومكتسب * لان مذموم علم غير موجود وما سواه من الاشياء منقسم * في نوعه بين مذموم ومحمود باب (*) الكلام في النظر وما يؤدى إليه مجلس في معرفة الله وما يتعلق بها إعلم ان الله تعالى نبه على حدث العالم بأدلة، فقال في سورة البقرة: (ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار، والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها * وبث فيها من كل دابة


(*) وفى بعض النسخ هكذا (مجلس في معرفة الله وما يتعلق بها، باب النظر وما يؤدى إليها. (*)

[ 14 ]

وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون). وقوله تعالى في هذه السورة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء، وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم. فلا تجعلوا لله اندادا، وانتم تعلمون) يدل على حدث العالم والسماء والارض. وقال تعالى في هذه السورة أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها. قال انى يحيى هذه الله بعد موتها. فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال: كم لبثت ؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم قال: بل لبثت مائة عام. فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه. وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس. وانظر إلى العظام كيف ننشزها. ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال: اعلم إن الله على كل شئ قدير). (وإذ قال ابراهيم رب ارنى كيف تحيى الموتى قال: أو لم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبى، قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم) أو كالذى مر، الخ. قال أبو عبد الله عليه السلام: هو عزيز، وقال أبو جعفر: هو ارميا، وقيل: هو الخضر عليه السلام، والقرية هي بيت المقدس لما خربها بخت النصر. وقيل هي القرية التى خرج منها الالوف حذر الموت. خاوية على عروشها معناه خالية، وقيل هي قائمة على اساسها: وقد وقع سقفها. وقيل ان الله تعالى اماته في اول النهار، واحياه بعد مائة عام في آخر النهار فلاجل ذلك قال: يوما أو بعض يوم، ثم التفت فرأى بقية من الشمس. قال أو بعض يوم والطعام الذى لم يغيره السنون كان عصيرا وتينا، وعنبا فوجد العصير حلوا، والتين والعنب كما جنيا لم يتغير، وقيل بعثه الله شابا، واولاد اولاده شيوخ. وروى ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال ان عزيزا خرج من أهله وامرأته حاملة، وله خمسون سنة، فأماته الله مائة عام، ثم بعثه. فرجع إلى اهله هو ابن خمسين سنة، فكان ابنه اكبر منه، وذلك من آيات الله. كيف ننشزها – يعنى ينشزها بالزاى. وروى عن أبى عبد الله ” عليه السلام “، ان ابراهيم، رأى جيفة قد تمزقتها السباع تأكل منها سباع البر وسباع الهواء، ودواب البحر. فسأل الله تعالى ان يريه كيف


[ 15 ]

يحييها وقيل كان سبب ذلك منازعة نمرود له في الاحياء، وتوعده اياه بالقتل ان لم يحيى الله بحيث يشاهده، ولذلك قال ليطمئن قلبى إلى انه لا يقتلنى الجبار. وقال قوم: إنما سأل ذلك لقومه، كما سأل موسى الرؤية لقومه. وقال قوم: إنما سأله لانه احب ان يعلم ذلك علم عيان، بعد أن كان عالما به من الاستدلال أو لم تؤمن معناه التقرير، وليس بانكار بدليل قوله: بلى ولكن ليطمئن قلبى، معناه ليزداد يقينا إلى يقينه وقيل الطير هو: الديك. والطاووس، والغراب والحمام. وروى عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام: ان الجبال كانت عشرة وفى رواية اخرى عنهما عليهما السلام كانت سبعة، وقيل: هي اربعة والدعاء في الآية معناه الاشارة وهذا من اعجب دلائل الله تعالى. وقال تعالى في سورة آل عمران: (ان في خلق السماوات والارض. واختلاف الليل والنهار لآيات لاولى الالباب، الذين يذكرون الله قياما، وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض. ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا عذاب النار) وهذه الآية تدل على حسن النظر. وقال تعالى في سورة الانعام: (قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم). وقوله في هذه السورة: (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون) وذلك وعيد فيمن لا ينظر في هذه الآيات. وقال فيها: (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك، يقول الذين كفروا. إن هذا إلا اساطير الاولين). وقوله تعالى فيها: (إن الله فالق الحب والنوى. إلى قوله: ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون). وذكر تعالى في سورة الاعراف: (ان ربكم الله الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين). وقال تعالى في سورة يونس: (هو الذى جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره


[ 16 ]

منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعقلون). وقال تعالى في سورة ابراهيم: (الله الذى خلق السماوات والارض وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم الانهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتوه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار). وقوله تعالى في النحل: (خلق الانسان من نطفة. فإذا هو خصيم مبين) وفى هذه السورة: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم، لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) لان ذلك الشراب يحصل يإلهام الله تعالى وكذلك فيما يحصل من انواع الحرير. وقال تعالى في سورة طه: (الذى جعل لكم الارض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فأخرجنا به ازواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم ان في ذلك لآيات لاولى النهى). وقال تعالى في سورة الانبياء: (وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين) وقال فيها (أو لم ير الذين كفروا إن السماوات والارض كانتا رتقا، ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون) وقال تعالى في سورة الحج: (الم تر ان الله يسجد له من في السماوات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم، والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب). وذكر فيها (يا أيها الناس ضرب مثل، فاستعملوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب، ما قدروا الله حق قدره ان الله قوى عزيز) وذكر تعالى في سورة النور (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على اربع يخلق الله ما يشاء) وذكره في سورة النمل (أمن خلق السماوات والارض وانزل لكم من السماء ماء، فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم ان تنبتوا شجرها، إلى قوله – ان كنتم صادقين).


[ 17 ]

وقال تعالى في سورة الروم: (ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا انتم بشر تنتشرون). وفى هذه السورة: (الله الذى يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا اصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الارض بعد موتها ان ذلك لمحيى الموتى وهو على كل شئ قدير ولئن ارسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) وذكر في سورة لقمان (ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض). وقال في سورة فاطر: (ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه). وقال تعالى في سورة يس: (وآية لهم الارض الميتة احييناها واخرجنا منها حبا فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته ايديهم افلا يشكرون). وقال تعالى في سورة الزمر: (خلق السماوات والارض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى ألا هو العزيز الغفار خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها). وقال في سورة غافر: (الله الذى جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون وذكر في آخره (ويريكم آياته فأى آيات الله تنكرون). وفى سورة حم السجدة: (قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا، ذلك رب العالمين) إلى آخر السورة. وقال في حم عسق: (لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما). وقال في سورة الجاثية: (ان في السماوات والارض لآيات للمؤمنين وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون، واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء


[ 18 ]

من رزق فأحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون). وقال في سورة النجم: (وإنه هو أضحك وأبكى وإنه هو أمات وأحيا وإنه خلق الزوجين الذكر والانثى من نطفة إذا تمنى وإن عليه النشأة الاخرى وإنه هو أغنى وأقنى وإنه هو رب الشعرى وإنه أهلك عادا الاولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل) إلى آخر ما ذكره وكل ذلك أقوى في الدلالة عليه. وقوله تعالى في سورة الرحمن: (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام والحب ذو العصف والريحان فبأى آلاء ربكما تكذبان). وقال تعالى في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير). وقال تعالى في سورة نوح: (ألم تروا كيف خلق سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الارض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا). وذكر في سورة عم يتسائلون: (ألم نجعل الارض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا – إلى قوله: وجنات ألفافا). وقال تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) يقال أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب وبين وصف لنا ربك، فأنزل الله تعالى هذه السورة ولذلك سميت سورة الاخلاص، وسورة نسبة الرب، وسورة الولاية). وروى عن أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إنه قال الله أحد بلا تأويل عدد. الله الصمد بلا تبعيض به، ولم يلد فيكون إلها مشاركا ولم يولد فيكون موروثا هالكا ولم يكن له كفوا أحد). واعلم: إن الله تعالى قد ذكر في القرآن أدلة كثيرة على حدوث العالم وعلى إثباته وإثبات صفاته، وما لا يجوز عليه وما يجوز أكثر مما ذكرنا، وإنما لم نورد جملتها مخافة التطويل، وفى هذا القدر كفاية إن شاء الله فينبغي للعاقل ان يتأمل في هذه الآيات وينظر فيها ليحصل له العلم بالله تعالى ويعلم إن ما قاله المتكلمون ليس بخارج من القرآن


[ 19 ]

والآثار الصحيحة لانهم قالوا ان النظر في طريق معرفة الله تعالى واجب لانه لا طريق إلى معرفته إلا النظر لانه لا يخلوا ان يكون الله تعالى معلوما بضرورة أو باستدلال فان كان معلوما بضرورة ينبغى ان يتساوى العقلاء في ان الذراع اكبر من الشبر والعشرة أكثر من واحد وان كان معلوما بالاستدلال: فهو كما قلنا، والله تعالى قال في سورة الاعراف: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شئ وان عسى ان يكون قد اقترب أجلهم)، يحذر بذلك المكلف حتى لا يخلو في وقت من اوقاته من النظر لانه لا يأمن من قرب أجله فيكون كالمستعد لما يلزمه من المعرفة. وقال في سورة الفرقان: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا). وقال تعالى في سورة الروم: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والارض). وقال تعالى في سورة ق: (أفلم ينظروا إلى السماء كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والارض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب). ثم قال: (ونزلنا من السماء ماء مباركا)، وأنبتنا به جنات، وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقا) فإن المراد ليتفكروا في النخيل وكيفية تركيب طلعها وفى الرمان وكيفية تنضيد حباتها. وقال في سورة والذاريات: وفى الارض آيات للموقنين، وفى أنفسكم أفلا تبصرون وفى السماء رزقكم، وما توعدون فو رب السماء والارض إنه لحق). وقال تعالى في سورة عبس: (فلينظر الانسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الارض شقا فأنبتنا فيها حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا). وقال في سورة الطارق: (فلينظر الانسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب). وقال تعالى في سورة الغاشية: (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الارض كيف سطحت، فذكر إنما


[ 20 ]

أنت مذكر) والمراد بذلك الاستدلال به على معرفته، وعلى قدرته فكل هذه الآيات دلائل على وجوب النظر في معرفته تعالى، ومعرفة صفاته، فمن تأملها وتدبرها، وتفكر فيها علم ما قلناه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تثبت معرفته وبالفكر تثبت حجته، معروف بالدلالات، مشهور بالبينات إلى آخر الخطبة. وسئل الرضا ” عليه السلام “. فقيل ما الدليل على حدوث العالم ؟ قال: انت لم تكن ثم كنت وقد علمت انك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك، فإذا ثبت وجوب النظر، فينبغي ان ينظر في الاجسام دون الاعراض، ليكون عليه اسهل، والى معرفته تعالى اقرب والدليل على ان الاجسام محدثة، إنه لو كانت قديمة لوجب ان تكون في الازل في جهة من جهات العالم، لان ما هي عليه من الحجم والجثة يوجب ذلك، فلا يخلو كونها في تلك الجهة، اما ان يكون للنفس، أو لمعنى قديم أو لمعنى محدث، أو بالفاعل ولا يجوز ان يكون في جهة للنفس، لانه يوجب استحالة انتقالها، لان صفات النفس لا يجوز تغييرها وزوالها، والمعلوم ضرورة صحة انتقالها، ولا يجوز ان يكون كذلك لمعنى قديم لانها لو كانت كذلك لوجب إذا انتقل الجسم، ان يبطل ذلك المعنى لان وجوده فيها على ما كان يوجب كونها في الجهتين معا، وذلك محال والانتقال لا يجوز على المعنى لانه من صفات الجسم والمعنى المحدث لا يوجب صفة في الازل، ولو كانت كذلك بالفاعل لوجب ان تكون محدثة لان من شأن الفاعل ان يتقدم على فعله، وذلك مستحيل في القديم فبطل بجميع الاقسام كونها في الازل وإذا لم تكن قديمة كانت محدثة، وإذا ثبت ذلك يجب ان يكون العالم محدثا لانه هو الجواهر والاعراض، والآيات التى تقدمت دلائل على حدوث العالم، وقد اطنب المتكلمون القول في هذا الفن، وليس هذا موضعه. باب الكلام في فساد التقليد اعلم ان حد التقليد هو قبول قول الغير بلا دليل وحجة، فإذا ثبت حده فهو باطل لانه لو لم يكن باطلا لم يكن تقليد المحق اولى من تقليد المبطل، لانه قبل النظر لا يعلم المحق من المبطل، والقديم تعالى نصر قولنا في سورة البقرة فقال: ولئن اتبعت اهوائهم


[ 21 ]

بعد الذى جاءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا نصير انك إذا لمن الظالمين. وقال في سورة آل عمران: (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وانتم لا تعلمون). وفى سورة الانعام: (قد جائكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه، ومن عمى فعليها). وقال تعالى في سورة يونس: (وما يتبع اكثرهم إلا ظنا ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال تعالى في سورة بنى اسرائيل: (ولا تقف ما ليس لك به علم. ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). وفى سورة الحج: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم). وفى سورة الحج: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم، ولا هدى ولا كتاب منير). وقال الله تعالى في حم الزخرف: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ان هم الا يخرصون. ام آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون، بل قالوا انا وجدنا آبائنا على امة وانا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها انا وجدنا آبائنا على امة وانا على آثارهم مقتدون قل: أو لو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه آبائكم قالوا انا بما ارسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) وقال تعالى في سورة الانبياء: (ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل، وكنا به عالمين إذ قال لابيه وقومه. ما هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون قالوا: وجدنا آبائنا لها عابدين، قال لقد كنتم انتم وآباؤكم في ضلال مبين). وقال في سورة التوبة: (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله). والمروى عنه ” عليه السلام ” ما اتخذوهم اربابا في الحقيقة لكنهم دخلوا تحت طاعتهم فصاروا بمنزلة من اتخذوهم اربابا. ومثل ذلك روى عن الصادق ” عليه السلام ” إنه قال: والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكن احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم وهم لا يشعرون.


[ 22 ]

وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال، ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل. وهذا الخبر مروى عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهم السلام. وروى ان ابا شاكر الديصانى دخل على أبى عبد الله الصادق ” عليه السلام “، قال له: انك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر وأمهاتك عقيلات عباهر وعنصرك من اكرم العناصر، إذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر فخبرني ايها البحر الخضم الزاخر ما الدليل على حدوث العالم ؟ فقال الصادق ” عليه السلام “: يستدل عليه بأقرب الاشياء قال وما هو ؟ قال: فدعا الصادق ” عليه السلام ” ببيضة ووضعها على راحته، ثم قال: هذا حصن ملموم، داخله غرقى دقيق لطيف به فضة سائلة وذهبة مايعة ثم تنفلق عن مثل الطاووس، أدخلها شئ ؟ قال: لا قال فهذا الدليل على حدوث العالم قال: اخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت فقد علمت إنا لا نقبل إلا ما ادركنا بابصارنا، أو سمعنا بآذاننا أو لمسنا بأكفنا، وشممناه بمناخرنا وذقناه بأفواهنا أو تصور في القلوب بيانا، واستنبطته الروايات ايقانا. فقال الصادق ” عليه السلام “: ذكرت الحواس الخمس وهى لا تنفع شيئا بغير دليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح. باب الكلام في صفات الله تعالى اعلم ان الله تعالى قادر بدلالة صحة الفعل منه، وتعذره على غيره، وصحة الفعل تدل على كون فاعله قادرا. وقال تعالى في سورة الحج: (يا أيها الناس ضرب مثل، فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا، ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب، ما قدرو الله حق قدره ان الله لقوى عزيز) والعزيز القادر الذى لا يمكن منعه. وقال تعالى في سورة الفرقان: (وهو الذى خلق من الماء بشرا، فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا، وقال في سورة الروم: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الارض بعد موتها ان ذلك لمحيى الموتى، وهو على كل شئ قدير).


[ 23 ]

وفى سورة الزمر: (ألا هو العزيز الغفار)، وقد بينا ان العزيز هو القادر الذى لا يمنع، والآيات التى تقدمت في باب حدوث الاجسام تدل على قدرته تعالى، ويجب ان يكون تعالى عالما لان افعاله محكمة متقنة ليس فيها تفاوت، فينبغي ان يكون عالما. قال تعالى في سورة البقرة: (وهو بكل شئ عليم – وفيها: انى اعلم ما لا تعلمون وما الله بغافل عما تعملون، وفى سورة آل عمران: ان الله لا يخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء). وفى سورة المائدة: (جعل الله الكعبة البيت الحرام، قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا إن الله يعلم ما في السماوات وما في الارض وان الله بكل شئ عليم). وقوله في سورة الانعام: (وهو الله في السماوات وفى الارض إن الله يعلم سركم وجهركم، ويعلم ما تكسبون) وقوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)، ويجب أن يكون تعالى حيا لان القادر العالم يستحيل أن يكون ميتا. قال الله تعالى في سورة البقرة: (الله لا إله إلا هو الحى القيوم) وقال تعالى في آل عمران (الم الله لا إله إلا هو الحى القيوم). وقال في سورة حم المؤمن: (هو الحى لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين). وقال في هذه السورة: (هو الذى يحيى ويميت) والاحياء، والامانة لا تصح إلا ممن كان حيا. وقال تعالى في سورة الحديد: (سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز الحكيم، له ملك السماوات والارض يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، هو الاول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شئ عليم) ويجب أن يكون موجودا لان المعدوم لا يوصف بانه اول وآخر، ولان القادر العالم الحى يستحيل ان يكون معدوما، ويجب ان يكون تعالى قديما بهذه الآية وأيضا فلو كان محدثا لاحتاج إلى محدث كالكتابة يحتاج إلى كاتب، والنساجة إلى ناسج، والبناء إلى بان فلا يخلو ان يكون محدثه قديما أو محدثا


[ 24 ]

فان كان قديما فهو ما اردناه، وان كان محدثا ادى إلى اثبات المحدثين، ومحدثى المحدثين لا نهاية لها وذلك باطل، ويجب ان يكون سميعا لانه حى، والآفات والموانع لا تجوز عليه، ومن كان بهذه الصفة يجب أن يكون سميعا بصيرا. قال تعالى: (قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها، وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما. ان الله سميع بصير) وقال في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات، ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شئ بصير) ولا يجوز ان يكون الله تعالى جسما، ولا جوهرا ولا عرضا، ولا من له صفات الاجسام، والاعراض لان هذه الاشياء محدثة، وقد ثبت إنه قديم. وقال تعالى في سورة البقرة: (إن الله مع الصابرين) ولو كان جسما لما صح ان يكون إلا في مكان مخصوص، وكان لا يصح ان يكون مع الصابرين. وقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب) ولو كان جسما لما صح كونه قريبا من كل سائل. وقال تعالى في سورة النساء: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو معهم إذ يبيتون). وقال الله تعالى: (انى معكم) ولو كان جسما لما صح ان يوصف بانه معهم. وفى سورة مريم: (هل تعلم له سميا) يعنى مثلا وفى سورة حم (عسق ليس كمثله شئ) كما يقال ليس مثل فلان سيد. وفى سورة ق: (ونحن اقرب إليه من حبل الوريد)، يعنى إلى الانسان ولا يجوز ان يكون تعالى في جهة، لان كون الشئ في جهة من صفات الاجسام، ولا يجوز عليه تعالى الحاجة لان الحاجة إنما تجوز على الاجسام، والاعراض والله تعالى ليس بجسم ولا عرض قال تعالى في سورة آل عمران: (ومن كفر فان الله غنى عن العالمين). وقوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير، ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا). وفى سورة الانعام: (وربك الغنى ذو الرحمة ان يشأ يذهبكم، ويستخلف من بعدكم ما يشاء. كما انشأكم من ذرية قوم آخرين).


[ 25 ]

وقال تعالى في سورة ابراهيم: (ان الله لغنى حميد). وقال تعالى في سورة العنكبوت: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، ان الله لغنى عن العالمين). وفى لقمان: (ومن كفر فان الله غنى حميد)، وفى سورة فاطر (يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد)، وفى سورة التغابن (واستغنى الله والله غنى حميد ولا يجوز ان يكون الله تعالى قادرا بقدرة وعالما بعلم، وكذلك جميع الصفات لانه لا يخلو ان يكون قادرا بقدرة محدثة أو قديمة ولا يجوز ان يكون قادرا بقدرة محدثة لان القدرة لو كانت محدثة لكانت من فعله، وهو تعالى لا يكون قادرا إلا بعد وجود القدرة، ولا تكون القدرة إلا بعد كونه قادرا فيتعلق كل واحد بالآخر، وذلك باطل ولو كان قادرا بقدرة قديمة كان ذلك باطلا لانه كان يكون مشاركا له في جميع صفاته تعالى لاشتراكه في صفة النفس. وقال تعالى: (وفوق كل ذى علم عليم)، فلو كان عالما بعلم لوجب ان يكون فوقه عالم آخر وذلك باطل والقديم تعالى واحد لانه لو كان اثنين أو ثلاثة، أو ما زاد على ذلك لكان يصح طريق التمانع بينهما. والله يقول في سورة البقرة: (فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون) (وفيها وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم). وقال في سورة آل عمران: (الم الله لا إله إلا هو الحى القيوم)، وقال فيها (شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وفيها (وما من إله إلا الله وان الله لهو العزيز الحكيم). وفى سورة النساء: (إنما الله إله واحد سبحانه ان يكون له ولد). وقال تعالى في سورة الانعام: (قل إنما هو إله واحد واننى برئ مما تشركون). وفى سورة النحل: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) وقال تعالى في بنى اسرائيل (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا). وقال تعالى في آخرها: (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا). وقال تعالى في الفرقان (الذى له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا


[ 26 ]

ولم يكن له شريك في الملك). وفى سورة والصافات (إن الهكم لواحد رب السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق). وقال في سورة ص (قل إنما انا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار) ولا يجوز ان يكون القديم تعالى مرئيا لانه لو كان مرئيا لوجب ان يكون في المقابل أو في حكم المقابل والمقابلة وحكم المقابلة لا يجوزان عليه تعالى. قال تعالى في سورة البقرة وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة، وانتم تنظرون. وقال تعالى في سورة النساء: (يسألك أهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء) فقد سألوا موسى اكبر من ذلك فقالوا: ارنا الله جهرة. وقال في سورة الانعام: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير). وفى سورة الاعراف: (رب ارنى انظر اليك قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا). وفى سورة الفرقان: (وقال الذين لا يرجون لقائنا لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتوا كبيرا) ولا يجوز ان يكون تعالى فاعلا للقبائح لانه عالم بالقبيح ومستغنى عنه، والعالم بالقبيح والمستغني عنه لا يختاره، ولانه حكيم والحكيم لا يختار القبائح. قال الله تعالى في سورة البقرة: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم). وفى سورة النساء: (إن الله كان عليما حكيما). وفى سورة الانعام: (عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير). وفيها: (ان ربك حكيم عليم). وفي سورة الممتحنة: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم)، وفيها (والله عليم حكيم). وفى سورة والتين: (أليس الله بأحكم الحاكمين، وإذا ثبت ذلك فلا يجوز ان


[ 27 ]

يكون مريدا للقبائح لانه صفة نقص وارادة القبيح قبيحة فلا يجوز ان يفعله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. قال تعالى في سورة البقرة: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). وقال: (إن الله يحب المعتدين، والله لا يحب الفساد). وقوله: (ان الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين). وقال في سورة آل عمران: (وما الله يريد ظلما للعالمين) وفى سورة النساء: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما) ويريد الله ان يخفف عنكم، وخلق الانسان ضعيفا دلالة على إنه يريد ما يكون من باب الطاعة ولا يريد ما يكون من باب المعصية. وقال تعالى في سورة الانعام: (سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا، ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم، حتى ذاقوا بأسنا قل: هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وان أنتم إلا تخرصون). وفى سورة النحل: (وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين). وقال تعالى في سورة بنى اسرائيل بعد ذكر ما عده من المعاصي والقبائح: (كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها). وفى سورة الزمر: (ولا يرضى لعباده الكفر). وقوله تعالى: (وما خلقنا الجن والانس إلا ليعبدون) فإذا ثبث ذلك فكل ما يفعله الله تعالى من الآلام والتكاليف وخلق المؤذيات والحشرات والسباع حسن لانه ثبت انه لا يفعل القبيح وان لم نعلم وجه حسنها على وجه التفصيل وكلام الله تعالى محدث لانه لو كان قديما لكان معه قديم آخر ولا يجوز عليه الزوال لو كان قديما. وقال تعالى في سورة البقرة: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها). وقال: (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) فبين ان له مثلا لا يصح منهم.


[ 28 ]

وفى سورة النساء: (وكان أمر الله مفعولا) والامر من جملة الكلام. وقال تعالى في سورة الانعام: قل إن الله قادر على ان ينزل آية) يدل على حدوثه لان ما يتناوله القدرة لا يكون إلا حادثا. وقال في سورة هود: (الرا * كتاب احكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير). وقوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة)، وهذا صريح في ان غيره تقدمه. وفى سورة يوسف: (إنا انزلناه قرآنا عربيا) وفى سورة الحجر: (ولقد آتيناك سبعا من المثانى، والقرآن العظيم). وقال تعالى في سورة الانبياء: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون). وقوله تعالى: (وهذا ذكر مبارك انزلناه، أفأنتم له منكرون ؟). وقال تعالى في سورة لقمان: (ولو إن ما في الارض من شجرة اقلام، والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفذت كلمات الله) وفى سورة الحشر: (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله). وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: كان الله ولا شئ ثم خلق الذكر، وإنه ليس فيما خلق الله شئ أعظم من آية في سورة البقرة: (الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم). باب الكلام في خلق الافعال والقضاء والقدر اعلم إن الواحد منا محدث لما يفعله، بدلالة وجوب وقوعه بحسب دواعيه واحواله ووجوب انتفائه بحسب صوارفه، وكراهاته فلولا إنه فعل له لم يكن موقوفا على دواعيه وكراهاته، كطوله وقصره والوانه، وايضا فالمدح والذم راجعان عليه، فوجب ان يكون فعله. قال تعالى في سورة البقرة: (لعلكم تشكرون، ولعلكم تهتدون، ولعلكم تتقون). وقوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم * ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كسبت أيديهم * وويل لهم مما يكسبون).


[ 29 ]

وقال تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين). وقال تعالى: (ولا يضيع أجر المحسنين). وقال تعالى في سورة آل عمران: (وان منهم فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب ليحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب، وهم يعلمون. وقال تعالى في سورة النساء: (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك). وفى سورة المائدة: (إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام، رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). وفى سورة الانعام: (إنه من عمل منكم سوء بجهالة، وقال فيها: ولا تزر وازرة وزر أخرى). وقال في سورة التوبة: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا). وفى سورة يونس: (إن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس انفسهم يظلمون). وقال تعالى في سورة بنى اسرائيل: (إن احسنتم احسنتم لانفسكم، وان اسأتم فلها) وفى سورة يس: (فاليوم لا تظلم نفس شيئا، ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون). وفى سورة الزمر: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة). فالمحكى عن الحسن إنه قال نزلت فيمن يضيف الكفر والمعاصي إلى الله تعالى. وفي سورة الجاثية: (اليوم تجزون ما كنتم تعملون). وفى سورة والنجم: (لا تزروا وازرة وزر اخرى وان ليس للانسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الاوفى). وفى سورة التغابن: (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن). واعلم إن القضاء في اللغة على اربعة اقسام: أحدهما: بمعنى الخلق والاحداث، كقوله تعالى (فقضيهن سبع سماوات في يومين) أي خلقهن. والثانى بمعنى الحكم لقوله تعالى: (والله يقضى بالحق) ومنه اشتقاق القاضى.


[ 30 ]

والثالث: بمعنى الامر والالزام لقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه). والرابع: بمعنى الاخبار والاعلام كقوله تعالى (وقضينا إلى بنى اسرائيل في الكتاب ولا يجوز ان تكون افعالنا بقضاء الله بمعنى إنه خلقها لانها فعلنا، والفعل الواحد لا يكون من فاعلين، فاما القضاء بمعنى الحكم والالزام فلا يجوز اجماعا. واما القضاء بمعنى الاخبار والاعلام يجوز ان يقال على ضرب من التقييد لان الله اخبروا علم ما لنا في فعل الطاعة من الثواب وما علينا بفعل المعاصي من العقاب وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال يقول الله تعالى: (من لم يرض بقضائي ولم يشكر على نعمائي ولم يصبر على بلائى فليتخذ ربا سواى فلو كانت المعاصي بقضاء الله، واحداثه لوجب الرضا به وذلك خلاف الاجماع، والقول في القدر على مثل ذلك لان القدر يستعمل بمعنى الاحداث والخلق كما قال تعالى وقدر فيها أقواتها في اربعة ايام سواءا للسائلين، وقد يستعمل القدر بمعنى التقدير فعلى هذا يجوز ان يقال افعالنا بقدر الله بمعنى إنه قدر ما عليها من الثواب والعقاب فينبغي ان يقيد القول ولا يطلق. باب الكلام فيما ورد من الاخبار في معنى العدل والتوحيد إعلم ان اصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وخطبه فإنها تتضمن ذلك مالا مزيد عليه ولا غاية وراه، ومن تأمل المأثور في ذلك علم إن جميع ما اطنب المتكلمون في تصانيفهم تفصيل لتلك الاصول. وروى عن الائمة عليهم السلام مثل ذلك. قيل لامير المؤمنين ” عليه السلام ” بم عرفت ربك ؟ قال بما عرفني ربى، قيل: وكيف عرفك ؟ قال لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا يقاس بقياس الناس. وقال أيضا عليه السلام: عرفت ربى بفسخ العزائم وحل العقود. قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله، معناه بنصب ادلته على نفسه والرسول بالرسالة، واولى الامر بالامر، وبالمعروف والعدل والاحسان. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: قام رجل إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام “، فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال: بفسخ العزائم ومنع الهمة لما ان هممت بأمر فحال بينى وبين همتي، وعزمت فخالف القضاء عزمى، علمت ان المدبر غيرى.


[ 31 ]

قال فبماذا شكرت نعمائه ؟ قال: نظرت إلى بلائه قد صرفه عنى، وابلى به غيرى علمت انه قد انعم على فشكرته. وروى عنه عليه السلام إنه يصف الله بمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له وبمقارنته بين الامور. علم ان لا قرين له ضاد النور بالظلمة، والخشونة باللين واليبوسة بالبلل، والبرد بالحر، مؤلف بين معادياتها مفرق بين متدانياتها. وقيل لجعفر بن محمد الصادق ” عليه السلام “: بم عرفت ربك ؟ قال انى لما رأيت حصنا مزلقا املس لا فرج فيه، ولا خلل ظاهره من فضة مايعة، وباطنه من ذهبة مايعة انفلق منه طاووس، وغراب ونسر وعصفور، فعلمت ان للخلق صانعا. وقيل له أيضا عليه السلام: ما الدليل على أن للعالم صانعا ؟ فقال اكثر الادلة في نفسي لانى وجدتها لا تعدو أحد أمرين: اما ان اكون خلقتها وانا موجودا، وايجاد الموجود محال. واما ان اكون خلقتها وانا معدوم فكيف يخلق لا شئ، فلما رأيتها فاسدتين من الجهتين جميعا علمت ان لى صانعا ومدبرا. وقال عليه السلام: احسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله، فان لدين الله اركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده ولا سبيل لاحد إلى ذلك إلا بعون من الله. وقيل لبعض الاعراب: ما الدليل على ان للعالم صانعا ؟ فقال: ويحك ان البعرة تدل على البعير وآثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلى بهذه الكثافة اما يدلان على الصانع الخبير ؟. وقال امير المؤمنين ” عليه السلام “: الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف اهله. قال عبد العظيم بن عبد الله الحسنى: دخلت على سيدى على بن محمد بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام فلما بصر بى قال لى مرحبا بك يا أبا القاسم انت ولينا حقا قال فقلت له: يا بن رسول الله انى اريد ان اعرض عليك معالم دينى فان كان مرضيا اثبت عليه حتى القى الله عزوجل فقال: هات يا أبا القاسم فقلت انى اقول ان الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شئ خارج من الحدين حد الابطال وحد التشبيه وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل هو مجسم


[ 32 ]

الاجسام ومصور الصور وخالق الاعراض والجواهر ورب كل شئ ومالكه وجاعله ومحدثه وان محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبى بعده إلى يوم القيامة وان شريعته خاتم الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة واقول ان الامام والخليفة وولى الامر بعده أمير المؤمنين على بن أبى طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم على بن الحسين ثم محمد بن على ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم على بن موسى ثم محمد بن على ثم انت يا مولاى فقال عليه السلام: ومن بعدى الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال وقلت فكيف ذلك يا مولاى قال: لانه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره بأسمه حتى يخرج فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قال فقلت اقررت. وأقول: إن وليهم ولى الله وعدوهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وأقول ان المعراج حق والمسائلة في القبر حق وان الجنة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور. وأقول ان الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والجهاد، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر. فقال على بن محمد ” عليه السلام “: يا أبا القاسم هذا دين الله الذى ارتضاه لعباده فأثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة. وروى ان أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا على المنبر فقال: سلونى قبل ان تفقدوني ؟ فقام إليه رجل يقال له ذعلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ قال ويحك يا ذعلب، لم اكن بالذى اعبد ربا لم اره، فقال فكيف رأيته صفه لنا ؟ قال ويلك لم تره العيون مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب ان ربى لا يوصف بالبعد ولا بالحركة، ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة مدرك، لا بمحسة قائل، لا بلفظ هو في الاشياء، لا على ممازجة، خارج منها على غير مباينة فوق كل شئ، ولا يقال شئ فوقه امام كل شئ، ولا يقال له امام دليل على في الاشياء، لا كشئ في شئ داخل وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذغلب مغشيا عليه.


[ 33 ]

ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها. وروى ان اعرابيا أتى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، فقال: هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: لم اكن لاعبد ربا لم اره فقال: كيف رأيته ؟ فقال لم تره الابصار بمشاهدة العيان بل رأته القلوب بحقائق الايمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجوز في قضيته، هو الله الذى لا إله إلا هو. فقال الاعرابي: الله اعلم حيث يجعل رسالته. وقيل لامير المؤمنين عليه السلام: كيف يحاسب الله الخلق ؟ قال كما رزقهم، قيل له كيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ قال كما يرزقهم ولا يرونه. وسأله رجل اين كان ربك قبل ان يخلق السماء والارض ؟ فقال عليه السلام: اين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان. وسأل محمد الحلبي جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ؟ قال نعم رآه بقلبه. فأما ربنا جل جلاله فلا تدركه ابصار حدق الناظرين ولا يحط به اسماع السامعين. وروى صفوان بن يحيى قال: دخل أبو قرة المحدث علي أبى الحسن الرضا ” عليه السلام ” فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والاحكام والفرائض حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد. فقال أبو قرة: إنا روينا إن الله تعالى قسم الكلام والرؤية فقسم لموسى الكلام ولمحمد (صلى الله عليه وآله) الرؤية، فقال الرضا: فمن المبلغ عن الله تعالى إلى الثقلين الجن والانس إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما وليس كمثله شئ أليس محمد (صلى الله عليه وآله) نبيا صادقا ؟ قال بلى، قال: فيكف يجي رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم إنه جاء من عند الله تعالى يدعوهم إليه بأمره، ويقول لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ ثم يقول سأراه بعينى واحيط به علما اما تستحيون ما قدرت الزنادقة ان ترميه بهذا ان يكون يأتي عن الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر. قال أبو قرة فإنه يقول: ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى. فقال عليه السلام: ما بعد هذه الآية يدل على ما رأى حيث يقول ما كذب الفؤاد ما رأى يقول ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم اخبر بما رأى، فقال لقد رأى من


[ 34 ]

آيات ربه الكبرى وآيات الله غير الله وقد قال الله ولا يحيطون به علما فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به علما. قال أبو قرة: فأكذب بالرواية. قال الرضا عليه السلام: اذن القرآن كذبها وما اجمع عليه المسلمون إنه لا يحاط به علما ولا تدركه الابصار وليس كمثله شئ وقال الرضا ” عليه السلام ” في قول الله عزوجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: يعنى – مشرقة تنتظر ثواب ربها. وقال أيضا في قول الله عزوجل: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون. وسأل الصادق ” عليه السلام “: هل يرى الله في المعاد ؟ فقال سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا إن الابصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية والله خالق الالوان، والكيفية. وقيل له عليه السلام: ان رجلا رأى ربه في منامه فما يكون ذلك ؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، ان الله تعالى لا يرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة. قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الازرق فقال: يا بن عباس، تفتى في النملة والقملة صف لنا إلهك الذى تعبده ؟ فأطرق ابن عباس إعظاما لله عزوجل وكان الحسين بن علي عليهما السلام قاعدا في موضع (1) فقال إلى يا بن الازرق فقال: لست إياك اسأل. فقال ابن عباس: يا بن الازرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، قأقبل نافع بن الازرق نحو الحسين فقال الحسين عليه السلام، يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس مائلا على المنهاج ظاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير الجميل، يا بن الازرق اصف إلهى بما وصف به نفسه واعرف بما عرف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق وبعيد غير منفصل يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال.


(1) وفى نسخة جالسا في ناحية. (*)

[ 35 ]

وقال الحسن بن خالد: قلت للرضا ” عليه السلام “: يا بن رسول الله إن الناس ينسبونا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روى في الاخبار في ذلك عن آبائك عليهم السلام فقال: يا بن خالد إخبرنى عن الاخبار التى رويت عن آبائى عليهم السلام في التشبيه اكثر أم الاخبار التى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ فقلت بل ما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر فقال فليقولوا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول بالتشبيه إذا فقلت له: إنهم يقولون إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئا وإنما روى عليه قال: قولوا في آبائى عليهم السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا، وإنما روى عليهم. ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة، يا بن خالد: إنما وضع الاخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا عظمة الله جل جلاله فمن أحبهم فقد أبغضنا – إلى آخر الخبر. وقال محمد بن أبى عمير: دخلت على سيدى موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له يا بن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه فتهلك. واعلم: إن الله تعالى واحد، أحد. صمد لم يلد، فيورث ولم يولد فيشارك ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا وإنه الحى الذى لا يموت والقادر الذى لا يعجز والقاهر الذى لا يغلب والحليم الذى لا يعجل والدائم الذى لا يبيد والباقى الذى لا يفنى والثابت الذى لا يزول والغنى الذى لا يفتقر والعزيز الذى لا يذل والعالم الذى لا يجهل والعدل الذى لا يجور والجواد الذى لا يبخل، وإنه لا تقدره العقول، ولا يقع عليه الاوهام ولا يحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا وهو سادسهم، ولا أدنى من ذلك، ولا أكثر إلا هو معهم اينما كانوا، وهو الاول الذى لا شئ قبله، والآخر الذى لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه محدث تعالى عن صفات المخلوقين، علوا كبيرا. وسئل الصادق عليه السلام، هل لله تعالى رضى وسخط ؟ فقال نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه. وقال أيضا ” عليه السلام “: ان الله تعالى لا يوصف بزمان، ولا مكان ولا حركة ولا انتقال


[ 36 ]

ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والانتقال تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: إياكم والتفكر في الله، فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها ان الله عزوجل لا تدركه الابصار، ولا يوصف بمقدار. قال الرضا ” عليه السلام “: إلهى بدت قدرتك، ولم تبد واهية فجهلوك وبه قدروك، والتقدير على غير ما به وصفوك، وأنى برئ يا إلهى من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شئ إلهى وان يدركوك وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك بل سووك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك تعاليت ربى عما به المشبهون نعتوك. (وروى) إنه جاء حبر من الاحبار إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ فقال ثكلتك امك ومتى لم يكن حتى يقال متى كان ربى، كان ربى قبل القبل بلا قبل ويكون بعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنه فهو منتهى كل غاية. وقال الرضا ” عليه السلام “: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله * وأولئك هم الكاذبون). وروى شريح بن هاني، قال: إن اعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال يا أمير المؤمنين أتقول إن الله واحد ؟ قال فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي اما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب ؟ فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” دعوه فإن الذى يريد الاعرابي هو الذى نريده من القول، ثم قال يا اعرابي إن القول بأن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله تعالى، ووجهان يثبتان فيه. فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الاعداء، أما ترى إنه كفر من قال ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز لانه تشبيه جل ربنا تعالى عن ذلك، وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الاشياء شبه كذلك ربنا، وقول القائل إنه احدى المعنى يعنى به إنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا.


[ 37 ]

وقد سئل الصادق ” عليه السلام “: عن قول الله تعالى: (وان إلى ربك المنتهى) قال: إذا إنتهى الكلام إلى الله فأمسكوا. وروى عن أبى جعفر ” عليه السلام ” إنه قال: تكلموا في خلق ولا تكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزيد إلا تحيرا معناه إنه لا يمكن الكلام في ذات الله إلا بعد الكلام في دلايلها ودلايلها مخلوقة لله ومنصوبة من جهته تعالى. وسئل الصادق ” عليه السلام ” عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال استوى من كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ. وقال ” عليه السلام “: من زعم ان الله من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال من زعم ان الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم إنه في شئ فقد زعم إنه محصور ومن زعم إنه على شئ فقد جعله محمولا. وروى عن أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال له رجل أين المعبود ؟ فقال لا يقال له أين لانه أين الاينية، ولا يقال له كيف لانه كيف الكيفية، ولا يقال له ما هو لانه خلق الماهية سبحانه من عظيم تاهت الفطن في تيار أمواج عظمته وحصرت الالباب عن ذكر ازليته وتحيرت العقول في افلاك ملكوته. وروى عنه أيضا ” عليه السلام ” إنه قال: اتقوا الله ان تمثلوا بالرب الذى لا مثل له أو تشبهوه بشئ من خلقه أو تلقوا عليه الاوهام أو تعلموا فيه الفكر أو تضربوا له الامثال أو تنعتوه بنعوت المخلوقين فإن لمن فعل ذلك نارا. وقال الرضا ” عليه السلام ” لم يزل الله تبارك وتعالى عالما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا فقيل له: يا بن رسول الله ان قوما يقولون إنه عزوجل لم يزل عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيا بحياة، وقديما بقدم وسميعا بسمع وبصيرا ببصر ؟ فقال ” عليه السلام ” من قال بذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى. وليس من ولايتنا على شئ، ثم قال ” عليه السلام “: لم يزل الله تعالى عالما قادرا حيا قديما، سميعا بصيرا لذاته تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا. وقيل للصادق عليه السلام: أخبرنا عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا قادرا عالما ؟ قال: نعم، فقيل له فإن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول إن الله تعالى لم يزل سميعا بسمع، وبصيرا ببصر، وعالما بعلم، وقادرا بقدرة، فغضب عليه السلام


[ 38 ]

ثم قال: من قال ذلك، ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شئ إن الله تعالى ذات قادرة، عالمة، سميعة، بصيرة. وسئل الصادق عليه السلام: عن القرآن فقال: هو كلام الله، وقول الله ووحى الله، وكتاب الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقال الرضا ” عليه السلام “: القرآن كلام الله، لا تتجاوزوه ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا. وروى ان على بن محمد بن على بن موسى عليهم السلام، كتب إلى بعض شيعته ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله، وإياك من الفتنة، فان يفعل فأعظم بها نعمة وإلا يفعل وهى الهلكة، نحن نرى إن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله، وما سواه مخلوق، فالقرآن كلام الله لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الظالمين جعلنا الله، وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. وقال سليمان بن جعفر الجعفري: قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا بن رسول الله ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق وقال قوم: انه غير مخلوق، فقال ” عليه السلام ” اما أنا لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني اقول انه كلام الله عزوجل. وقال الصادق ” عليه السلام “: إنا لا نقول جبرا، ولا تفويضا، وقال أيضا ” عليه السلام “: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين. وروى يزيد بن معاوية الشامي، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليهما السلام بمرو فقلت له: يا بن رسول الله، روى لنا عن الصادق ” عليه السلام “، إنه قال: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين، فما معناه ؟ فقال: من زعم إن الله عزوجل فعل أفعالنا، ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم إن الله عزوجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، فالقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك، فقلت له يا بن رسول الله، فما أمر بين أمرين ؟ فقال: وجود


[ 39 ]

السبيل إلى اتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه، فقلت فهل لله مشيئة وإرادة في ذلك ؟ فقال: اما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها، الامر بها والرضا لها، والمعاونة عليها وارادته ومشيته في المعاصي، النهى عنها والسخط لها والعقوبة عليها، والخذلان لها فقلت فلله فيه القضاء ؟ قال نعم ما من فعل فعله العباد من خير وشر إلا ولله فيه القضاء فقلت فما معنى هذا القضاء ؟ قال الحكم عليهم بما يستحقونه على افعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. وقال أيضا ” عليه السلام “: من شبه الله بخلقه، فهو مشرك ومن وصفه بالمكان فهو كافر ومن نسب إليه ما نهى عنه، فهو كاذب ثم تلا هذه الآية: (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، أولئك هم الكاذبون). وقال عليه السلام، من قال بالجبر، فلا تعطوه من الزكاة، ولا تقبلوا له شهادة ان الله عزوجل قال: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر اخرى). وسئل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” عن التوحيد، والعدل ؟ فقال: التوحيد ألا تتوهمه والعدل ألا تتهمه. وروى عن الصادق ” عليه السلام “: إنه قال: أساس التوحيد وعلمه كثير، ولابد لعاقل منه، فاذكر ما سهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه فالتوحيد: هو ألا تجوز على ربك ما جاز عليك، والعدل: ألا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه. وروى ان أبا حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله الصادق ” عليه السلام “، فسلمت عليه وخرجت من عنده، فرأيت ابنه موسى ” عليه السلام ” في دهليز داره قاعدا في مكتب، وهو صغير السن فقلت له: اين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إلي ثم قال: تجنب شطوط الانهار، ومسقط الثمار وفئ النزال، وافنية الدور والطرق النافذة، والمساجد ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء، فلما سمعت هذا القول نبل في عينى، وعظم في قلبى فقلت له: جعلت فداك، فممن المعصية ؟ فنظر إلي ثم قال: اجلس حتى اخبرك، فجلست فقال: إن المعصية لابد أن تكون من العبد أو من ربه، أو منهما جميعا، فإن كانت من الله عزوجل فهو أعدل وانصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وان كانت منهما فهو شريكه، والقوى أولى بإنصاف


[ 40 ]

عبده الضعيف وان كانت من العبد وحده، فعليه وقع الامر، واليه توجه النهى وله حق الثواب والعقاب ولذلك وجبت الجنة والنار، قال: فلما سمعت ذلك قلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم وقد نظم هذا المعنى: لم تخل أفعالنا اللاتى نذم بها * إحدى ثلاث خلال حين نأتيها اما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين ينشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لالهى في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها وقال الصادق ” عليه السلام “: افعال العباد مخلوقة لله تعالى، خلق تقدير لا خلق تكوين والتكوين اخراج الشئ من العدم إلى الوجود فنفى ان تكون من الله تعالى، فينبغي ان تكون من جهة العباد. وروى عنه عليه السلام، ان التقدير هو العلم. باب: في القضاء والقدر سئل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” عن القدر فقال: طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله تعالى فلا تتكلفوه. وروى ان شيخا حضر صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: اخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا هذا إلى الشام، ابقضاء كان من الله وقدر ؟ قال: نعم يا أخا أهل الشام والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا، ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدر. فقال الشامي: عند الله احتسب عناى يا أمير المؤمنين، وما اظن ان لي اجرا في سعيي إذ كان قضاء الله على وقدره، فقال له ” عليه السلام “: ان الله قد أعظم لكم الاجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم، وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين. فقال الشامي: فما ذاك القضاء والقدر الذى ساقانا، وعنهما كان مصيرنا وانصرافنا ؟ فقال ” عليه السلام “: يا أخا أهل الشام، لعلك ظننته قضاء لازما، وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب، والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر، والنهى وما كان


[ 41 ]

المحسن أولى بثواب الاحسان من المسئ، والمسئ أولى بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان، وخصماء الرحمن وحزب الشيطان، وشهداء الزور وقدرية هذه الامة ومجوسها ان الله تعالى أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا وكلف يسيرا وأعطى على القليل كثيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا ولم يكلف عسيرا، ولم يرسل الانبياء لعبا، ولم ينزل الكتاب إلى عباده عبثا، ولا خلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من عذاب النار. قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما ؟ قال: الامر من الله بذلك والحكم، ثم تلا (وكان أمر الله قدرا مقدورا) فقام الشامي فرحا مسرورا لما سمع هذا المقال، فقال: فرجت عنى فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ثم أنشأ يقول: أنت الامام الذى نرجو بطاعته * يوم الحساب من الرحمن غفرانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالاحسان إحسانا نعم المؤدب لانبغ به بدلا * لقيت روح تحيات وريحانا متى يشككنا بالريب ذو سفه * نلقى لديك له شرحا وتبيانا ما أن أرى عادلا في فعل فاحشة * ما كنت راكبها ظلما وعدوانا لا لا ولا قائلا الله أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا ولا القضاء من العدل الرحيم به * دلاه فيها علا عن ذاك مولانا ولا أراد ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولى له كفرا وطغيانا انى أراه وقد صحت عداوته * بالفسق اعلن ذاك الله اعلانا باب: في فضل التوحيد قال الله تعالى في سورة إبراهيم: (ألم تر كيف ضرب الله مثل كلمة طيبة) أي لم تخبر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة – يعنى لا إله إلا الله – كشجرة طيبة – يعنى النخلة اصلها ثابت، فكذلك اصل هذه الكلمة ثابت في القلوب، وفروعها في السماء كما ان فرع هذه الشجرة عال في السماء كذلك المؤمن إذا تكلم بهذه الكلمة صعدت إلى السماء، وهو قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب، توتى أكلها كل حين – يعنى ثمرتها لكل خلق بإذن ربها – ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون).


[ 42 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذى بعثنى بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا وان أهل التوحيد يشفعون فيشفعون، ثم قال (صلى الله عليه وآله): إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى بقوم ساءت اعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون: يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقنا بتوحيدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدنا ان لا إله إلا أنت ؟ ام كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب ؟ ام كيف تحرق ايدينا وقد رفعناها بالدعاء اليك ؟ فيقول الله جل جلاله عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا، فجزاؤكم نار جهنم فيقولون: يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا ؟ فيقول الله تعالى: بل عفوى فيقولون: رحمتك أوسع أم ذنوبنا ؟ فيقول: بل رحمتى، فيقولون: إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا ؟ فيقول تعالى بل اقراركم بتوحيدي أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التى وسعت كل شئ، فيقول الله جل جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالى ما خلقت خلقا أحب الي من المقرين بتوحيدي، وان لا إله غيرى، وحق علي ان لا اصلى بالنار أهل توحيدي ادخلوا عبادي الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة الاسراء مكتوبا على قايمة من قوائم العرش: أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، خلقت جنة عدن بيدى، محمد صفوتي من خلقي، ايدته بعلى ونصرته بعلي. قال أبو هريرة: مكتوب على العرش انا الله لا إله إلا انا وحدي لا شريك لي ومحمد عبدى ورسولي، ايدته بعلى فأنزل الله عزوجل (هو الذى ايدك بنصره وبالمؤمنين) وكان النصر علي ” عليه السلام “، ودخل مع المؤمنين، فدخل في الوجهين جميعا. وقال أبو الحسن الرضا ” عليه السلام “: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال جبرئيل ” عليه السلام “: يقول الله لا إله إلا الله حصنى، فمن دخل حصنى أمن من عذابي. قال الرضا عليه السلام: بشروطها وانا من شروطها وقال الصادق ” عليه السلام “: بنى الاسلام على خمسة دعائم: على الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وولاية أمير المؤمنين، والائمة من ولده عليهم السلام. وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: يا رسول الله اكل من قال لا إله إلا الله مؤمن ؟ قال: ان عداوتنا تلحق باليهود والنصارى، انكم


[ 43 ]

لا تدخلون الجنة حتى تحبوني، وكذب من زعم إنه يحبنى ويبغض هذا – يعنى: عليا عليه السلام. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: في قول الله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يقول: هل جزاء من انعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلى ولا ينسبه أحد بعدى، الاسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الاداء، والاداء هو العمل، ان المؤمن اخذ دينه عن ربه ولم يأخذ عن رأيه ايها الناس: دينكم دينكم تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، لان السيئة فيه تغفر والحسنة في غيره لا تقبل. سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الايمان، فقال: الايمان على اربع دعائم: على الصبر واليقين، والعدل والجهاد. فالصبر منها على اربع شعب: على الشوق، والشفق والزهد، والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن اشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات، واليقين منها على اربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتناول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الاولين فمن تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة، ومن تبينت له الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الاولين. والعدل منها على اربع شعب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزهرة الحكم ورساخة الحلم. فمن فهم علم عوز العلم، ومن علم عوز العلم صدر عن شرائع الحكم ومن حكم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا. والجهاد منها على اربع شعب: على الامر بالمعروف، والنهى عن المنكر والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين ومن نهى عن المنكر ارغم انوف المنافقين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه وشنأ الفاسقين، ومن غضب لله غضب الله له وارضاه يوم القيامة. والكفر على اربع دعايم: على التعمق، والتنازع. والزيغ. والشقاق. فمن تعمق لم ينسب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت


[ 44 ]

عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلالة، ومن شاق وعرت عليه طرقه واعضل عليه أمره وضاق مخرجه. والشك على اربع شعب: على التمارى، والهول. والتردد والاستسلام. فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في الريب وطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما. مجلس في العجائب التي تدل على عظمة الله تعالى قال الرضا ” عليه السلام ” كان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في الجامع بالكوفة، فقام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله ان قال له: يا أمير المؤمنين اخبرني عن الوان السماوات السبع واسمائها فقال له: اسم سماء الدنيا رفيع وهى من ماء دخان واسم السماء الثانية فيدوم وهى على لون النحاس. واسم السماء الثالثة المادوم وهى على لون الشبه واسم السماء الرابعة ارقلون وهى على لون الفضة. والسماء الخامسة اسمها هيعون وهى على لون الذهب. والسماء السادسة اسمها عروس وهى ياقوتة خضراء. والسماء السابعة اسمها عجماء وهى درة بيضاء. وقال زيد بن وهب: سئل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” عن قدرة الله جلت عظمته فقام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ان لله تعالى ملائكة لو ان ملكا منهم هبط إلى الارض ما وسعته لعظم خلقة وكثرة اجنحته ومنهم من لو كلف الجن والانس ان يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته كيف يوصف من ملائكته من سبع مائة عام ما بين منكبيه وشحمة اذنيه. ومنهم من يسد الافق بجناح من اجنحته، دون عظم بدنه. ومنهم من السماوات إلى حجزته. ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الاسفل، والارضون إلى ركبتيه.


[ 45 ]

ومنهم من لو القى في نقرة ابهامه جميع المياه لوسعتها. ومنهم من لو القيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين فتبارك الله أحسن الخالقين. وسئل منه ” عليه السلام ” عن الحجب فقال: الحجب سبعة غلظ كل حجاب منها مسيرة خمس مائة عام وبين كل حجا بين مسيرة خمسمائة عام، والحجاب الثاني سبعون حجابا بين كل حجا بين مسيرة خمسمائة عام، وطوله مسيرة خمسمائة عام حجبة كل حجاب منها سبعون الف ملك قوة كل ملك منها قوة الثقلين منها ظلمة ومنها نور ومنها نار ومنها دخان ومنها سحاب ومنها برق ومنها رعد ومنها ضوء ومنها رمل، ومنها جبل ومنها عجاج ومنها ماء ومنها انهار وهى حجب مختلفة غلظ كل حجاب مسيرة سبعين الف عام ثم سرادقات الجلال، وهى ستون سرادق في كل سرادق سبعون الف ملك ما بين سرادق وسرادق، مسيرة خمسمائة عام. ثم سرادق العز ثم سرادق الكبرياء ثم سرادق العظمة ثم سرادق القدس ثم سرادق الجبروت ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الابيض ثم سرادق الوحدانية وهى مسيرة سبعين الف عام في سبعين الف عام. ثم الحجاب الاعلى وانقضى كلامه ” عليه السلام ” وسكت فقال له عمر: لا بقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن. قال ابن الفارسى: إنما هذه الحجب مضروبة على العظمة العليا من خلق الله التى لا يقدر قدرها وليست مضروبة على الله تعالى لانه لا يوصف بمكان. ولا إنه مستتر بحجاب. وقال الصادق ” عليه السلام ” ان حملة العرش: (أحدهم) على صورة ابن آدم. يسترزق الله لولد آدم (والثانى) على صورة الديك يسترزق الله للطيور. (والثالث) على صورة الاسد يسترزق الله للسباع. (والرابع) على صورة الثور يسترزق الله للبهائم. ونكس الثور رأسه، منذ عبد بنو اسرائيل العجل. فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية. وسئل الحسن بن علي عليهما السلام، فقال الشامي له: كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والارض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التى تأوي


[ 46 ]

إليها أرواح المشركين ؟ وما العين التى تأوى إليها ارواح المؤمنين ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعضها ؟. فقال الحسن بن علي ” عليه السلام ” بين الحق والباطل اربع اصابع. فما رأيته بعينك فهو الحق. وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا. فقال الشامي صدقت. قال: وبين السماء والارض دعوة المظلوم، ومد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال: صدقت يا بن رسول الله. قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حتى تغيب في مغربها قال الشامي: صدقت. فما قوس قزح ؟ قال: ويحك لا تقل قوس قزح فان قزح اسم شيطان هو قوس الله وعلامة الخصب، وأمان لاهل الارض من الغرق. وأما العين التى تأوى إليها أرواح المشركين، فهى عين يقال لها: ” برهوت ” وأما العين التى تأوى إليها ارواح المؤمنين فهى عين يقال لها: ” سلمى ” واما المؤنث فهو الذى لا يدرى اذكر هو أم أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا إحتلم، وان كان انثى حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له: بل على الحائط فان اصاب بوله الحائط، فهو ذكر وان تنكص بوله كما يتنكص بول البعير فهى امرأة. واما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض، فأشد شئ خلقه الله عزوجل الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب الذى يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذى يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذى يميت الملك، وأشد شئ من ملك الموت، الموت الذى يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله تعالى يميت الموت. فقال الشامي أشهد إنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الصادق ” عليه السلام ” ان ذى القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه، فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على جبل، طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك: يا ذى القرنين أما كان خلفك مسلك ؟ فقال له ذى القرنين: من انت ؟ قال: انا ملك من ملكة الرحمن، موكل بهذا الجبل، فليس من جبل خلقه الله إلا وله عرق إلى هذا الجبل، فإذا اراد الله أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها.


[ 47 ]

وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام إنه قال: في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر، قال وهذا تأويل قوله: (وان من شئ إلا عندنا خزائنه) وان بين القائمة من قوائم العرش، والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة الف عام والعرش يكسى كل يوم سبعين الف لون من النور، لا يستطيع ان ينظر إليه خلق من خلق الله، والاشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة، وان لله ملكا يقال له: حزقائيل له ثمانية عشر الف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، فخطر له خاطر هل فوق العرش شئ ؟ فزاده الله مثلها اجنحة اخرى، فكان له ست وثلاثون الف جناح ما بين الجناح، إلى الجناح خمسمائة عام، ثم أوحى الله إليه أيها الملك طر فطار مقدار عشرين الف عام لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش. ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة وأمره ان يطير، فطار مقدار ثلاثين الف عام، ولم ينل أيضا، فأوحى الله إليه أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع اجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق العرش. فقال الملك سبحان ربى الاعلى، فانزل الله عزوجل سبح اسم ربك الاعلى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) اجعلوها في سجودكم. وروى من طريق المخالفين في قوله: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) قال: ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله، لكل ملك اربعة وجوه لهم قرون كقرون الوعل من أصول القرون إلى منتهاها مسيرة خمسمائة عام، والعرش على قرونهم وأقدامهم في الارض السفلى، ورؤوسهم في السماء العليا، ودون العرش سبعون حجابا من نور. وروى أيضا من طريقهم في عظمة الله، وعجيب خلقه عناق بنت آدم. يقال انها كانت أول من بغى على وجه الارض، لها عشرون اصبعا كل اصبع ثلاثة اذرع في ذراعين. في كل اصبع ظفران حديدان، مثل المنجلين وكان موضع مجلسها جريبا من الارض فلما بغت بعث الله عليها اسدا كالفيلة، وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وسلطهم عليها فقتلوها وأكلوها. وقال ابن عباس: لما ركب نوح السفينة جاءه عوج بن عنق، وكانت عنق احدى بنات آدم، وكان عوج يحتجر بالسحاب، ويشرب منه من طوله ويتناول الحوت من قرار البحر. فيشويه بعين الشمس ويرفعه إليها ثم يأكله، فقال لنوح: احملني معك


[ 48 ]

قال: اخرج يا عدو الله، فانى لم اؤمر بك قال: وطبق الماء على الارض من جبال ما بلغ ركبتي عوج، وعاش عوج ثلاثة آلاف سنة، وكان لموسى عسكر فرسخا في فرسخ قال: فجاء عوج حتى نظر إلى عسكر موسى. ثم جاء إلى الجبل حتى قطع منه صخرة قدر العسكر ثم حملها ليطبقها على عسكر موسى ومن معه من العسكر. فبعث الله إليه الهدهد ومعه هذا المسن حتى قطع الصخرة فانتقبت فوقعت في عنق عوج، فطوقته فصرعته واقبل موسى وطول موسى عشر اذرع، وطول عصاه عشرة اذرع وتراقي السماء عشرة اذرع، فما أصاب إلا كعبه فقتله. قال نوف: فلما قتله وقع على نيل مصر فجسرهم سنة – يعنى صار جسر لهم – فقال وكان مجلسه الذى يجلس فيه ثمنمائة ذراع بذراع الملك في عرض اربعمائة ذراع بذراع الملك. وقال وهب بن منبه: ان ذى القرنين أتى على قاف، وهو جبل محيط بالدنيا من زبرجدة خضراء. خضرة السماء منه، وحوله جبال صغار فقال له: من أنت ؟ فقال أنا قاف فقال: يا قاف ما هذه الجبال من حولك ؟ قال: هي عروقي، وإذا أراد الله ان يزلزل الارض، أمرنى فحركت عرقا من عروقي فزلزلت الارض فقال: يا قاف فأخبرني بشئ من عظمة الله، فقال إن شأن ربنا لعظيم، تقصر عنه الصفات وتنقضي دونه الاوهام. قال: أخبرني بأدنى ما يوصف منها. قال: ان ورائي لارضا مسيرة خمسمائة عام في عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا، لولا ذلك لاحترقت من حر جهنم قال زدنى قال: وان من وراء ذلك لارضا من برد طولها وعرضها مملوئة، يحطم بعضها بعضا، لولا ذلك لاحترقت من حر جهنم. قال زدنى قال: ان جبرئيل ” عليه السلام ” واقف بين يدى الله ترعد فرائصه يخلق الله من كل رعدة مائة الف ملك والملائكة صفوف بين يدى الله منكسوا رؤسهم فإذا اذن الله تعالى لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا انت وهو قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا، لا يتكلمون إلا من اذن له الرحمن وقال صوابا – يعنى بالصواب لا إله إلا الله. وقال ابن عباس: ان مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء حافتاه ياقوتة حمراء كتابه نور وقلمه نور وعرضه ما بين السماء والارض ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ففى كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويفعل ما يشاء فذلك قوله: (كل يوم


[ 49 ]

هو في شأن) ويقال شأن الله سبحانه إنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر: عسكرا من الاصلاب إلى الارحام، وعسكرا من الارحام إلى الدنيا، وعسكرا من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون إلى الله جميعا. مجلس في النبوات النبي في العرف هو المؤدى عن الله تعالى بلا واسطة من البشر، والرسول في أصل اللغه يفيد ان مرسلا ارسله بشرط تحمله الرسالة الذى يدل على حسن بعثة الانبياء انهم يؤدون الينا ما هو مصلحة لنا في التكليف العقلي ولا يمتنع ان يعلم الله ان في افعال المكلف ما إذا فعله دعاه إلى فعل الواجب العقلي أو صرفه عن القبيح العقلي وإذا فعله دعاه إلى فعل القبيح أو الاخلال بالواجب فيجب ان يعلمنا ذلك لان الاول لطف، والثانى مفسدة وإذا ثبت ذلك فالذي يدل على نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) القرآن وهو قوله تعالى في سورة البقرة (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا). وقوله تعالى: (الم لا إله إلا الله الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان). وقال الله تعالى: (لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). وقوله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته. ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفى ضلال مبين). وقال تعالى في سورة النساء: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). وقال تعالى في سورة المائدة: (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق


[ 50 ]

لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتيكم). وقال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). وقال تعالى في سورة الانعام: وأوحى إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ) وقال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق للذى بين يديه. ولتنذر ام القرى ومن حولها). وفى سورة الاعراف: (قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا الذى له ملك السماوات والارض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذى يؤمن بالله وكلماته) وقال تعالى في سورة الانفال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وانتم تسمعون). وقال الذين استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم. وقال تعالى في سورة يونس: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ان انذر الناس وبشر الذين آمنوا إن لهم قدم صدق عند ربهم). وقال: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون). وقال تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال). وقال في سورة التوبة: (وهو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق) وفى سورة يونس: (فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك. وضائق به صدرك ان يقولوا: لولا أنزل عليه كنزا أو جاء معه ملك. إنما أنت نذير. والله على كل شئ وكيل). وفى سورة يوسف: (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة). وفى سورة الرعد: (كذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذى أوحينا اليك). وقال في سورة الحجر: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. وقل انى أنا النذير المبين).


[ 51 ]

وفى سورة النحل: (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم). وقال في سورة الانبياء: (وما ارسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه. إنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وفى سورة الاحزاب: (يا أيها النبي اتق الله. ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما. واتبع ما يوحى اليك من ربك. إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). وقال فيها: ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم. ولكن رسول الله وخاتم النبيين). وقال تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وداعيا إلى الله بإذنه. وسراجا منيرا). وقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وفى سورة سبأ: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا). وفى سورة الجاثية: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون). وقال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا). وقال فيها: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين). وفى سورة النجم: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى). وقال في سورة الصف: (هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). وفى سورة والنازعات إنما أنت منذر من يخشيها. وفى سورة الغاشية فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر). قال أبو جعفر ” عليه السلام ” اولوا العزم من الرسل خمسة: نوح، وابراهيم، وموسى وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، واولوا العزم هو من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدم من الانبياء.


[ 52 ]

باب الكلام في مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: (يا أيها المدثر. قم فأنذر وربك فكبر). إعلم: ان الطائفة قد اجتمعت على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رسولا نبيا. مستخفيا يصوم ويصلى على خلاف ما كانت قريش تفعله مذ كلفه الله تعالى. فإذا أتت اربعون سنة. أمر الله عزوجل جبرئيل ” عليه السلام ” أن يهبط إليه بإظهار الرسالة. وذلك في يوم السابع والعشرين من شهر الله الاصم. فاجتاز بميكائيل فقال: أين تريد ؟ فقال له: قد بعث الله جل وعز نبينا نبى الرحمة. وأمرني ان اهبط إليه بالرسالة فقال له: ميكائيل فأجئ معك قال له: نعم فنزلا، ووجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نائما بالابطح. بين أمير المؤمنين وجعفر بن أبى طالب. فجلس جبرئيل عند رأسه. وميكائيل عند رجليه. ولم ينبهه جبرئيل اعظاما له. فقال ميكائيل لجبرئيل: إلى ايهم بعثت ؟ قال: إلى الاوسط فأراد جبرئيل ان ينبهه فمنعه جبرئيل. ثم انتبه النبي (صلى الله عليه وآله). فأدى إليه جبرئيل الرسالة عن الله تعالى. فلما نهض جبرئيل ” عليه السلام ” ليقوم. أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوبه. ثم قال: ما اسمك ؟ قال له جبرئيل. ثم نهض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلحقه بغنمه. فما مر بشجرة ولا مدرة إلا سلمت عليه. وهنأته ثم كان جبرئيل ” عليه السلام ” يأتيه. فلا يدنوا منه إلا بعد ان يستأذن عليه. فأتاه يوما وهو بأعلى مكة. فغمز بعقبه بناحية الوادي فانفجرت عين توضأ جبرئيل ” عليه السلام ” وتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم ثم صلى الظهر. وهى أول صلاة فرضها الله عزوجل. وصلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” تلك الصلاة مع رسول الله. ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يومه إلى خديجة، فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم، ثم أنزل الله عزوجل وانذر عشيرتك الاقربين. فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى هاشم وهم نحو أربعين رجلا، وأمير المؤمنين ” عليه السلام ” فأنضج لهم رجل شاة، وخبز لهم صاعا من طعام، وجاء بعس من لبن. ثم أدخل إليه منهم عشرة فأكلوا حتى صدروا وان منهم لمن يأكل الجذعة، ويشرب الفرق ثم جعل يدخل إليه عشرة عشرة حتى أكلوا جميعا وصدروا ثم قال لهم: انى بعثت إلى الاسود والابيض والاحمر وان الله عزوجل أمرنى ان انذر عشيرتي الاقربين وانى لا أملك لكم من الله حظا إلا ان تقولوا: لا إله إلا الله، فقال أبو لهب لعنه الله: لهذا دعوتنا ثم تفرقوا عنه. فأنزل


[ 53 ]

الله تعالى (تبت يدا أبى لهب وتب) الخ ثم دعاهم دفعة ثانية فأطعمهم وسقيهم كالدفعة الاولى، ثم قال لهم: يا بنى عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الارض، وحكامها وما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا اخا أو وزيرا فأيكم يكون اخى ووزيرى ووصي ووارثى وقاضي دينى. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وهو اصغر القوم سنا: أنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلذلك كان وصيه. وروى إنه جمعهم خمسة وأربعون رجلا منهم أبو لهب، فظن أبو لهب إنه يريد ان ينزع عما دعاهم إليه فقام إليه، فقال له يا محمد: هؤلاء عمومتك وبنو عمك قد اجتمعوا فتكلم واعلم ان قومك ليست لهم بالعرب طاقة فقام (صلى الله عليه وآله) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ان الرائد لا يكذب أهله والله الذى لا إله إلا هو انى رسول الله اليكم حقا خاصة والى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن كما تعلمون ولتجزون بالاحسان إحسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة أبدا والنار أبدا إنكم أول من انذرتم فآمن به من عشيرته واجتمعت قريش إلى دار الندوة وكتبوا الصحيفة على بنى هاشم لا يكلموهم ولا يبايعوهم أو يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ثم اخرجوهم من بيوتهم حتى نزلوا شعب أبى طالب ووضعوا عليهم الحرس فمكثوا بذلك ثلاث سنين ثم بعث الله عزوجل الارضة على الصحيفة فأكلتها ولم يزل ” عليه السلام ” كذلك يريهم الآيات ويخبرهم بالمغيبات وأنزل الله تعالى عليه ولا تعجل بالقرآن قبل ان يقضى اليك وحيه، ومعناه لا تعجل بقرائة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل اليك التلاوة ثم أتاه جبرئيل ” عليه السلام ” ليلا وهو بالابطح ومعه البراق وهو أصغر من البغل، وأكبر من الحمار فركبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامسك جبرئيل ” عليه السلام ” بركابه ومضى إلى بيت المقدس ثم إلى السماء الدنيا فتلقته الملائكة فسلمت عليه وتطايرت بين يديه، حتى انتهى إلى السماء السابعة. قال عكرمة: لما اجتمعت قريش على ادخال بنى هاشم وبنى عبد المطلب شعب أبى طالب كتبوا بينهم صحيفة، فدخل الشعب مؤمن بنى هاشم وكافرهم ومؤمن بنى عبد المطلب وكافرهم ما خلا أبو لهب وأبو سفيان بن الحرب فبقى القوم في الشعب ثلاث سنين فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جائه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه وأضجع عليا مكانه فقال علي: يا أبتاه انى مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب ” عليه السلام “


[ 54 ]

اصبرن يا على فالصبر أحجى * كل حى مصيره لشعوب قد بذلناك والبلاء عسير * لفداء النجيب وابن النجيب لفداء الاغر ذى الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب ان رمتك المنون بالنبل فاصبر * فمصيب منها وغير مصيب كل حى وان تطاول عمرا * آخذ من سهامها بنصيب قال علي بن الحسين ” عليه السلام ” كان أبو طالب يضرب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفه ويقيه بنفسه، فلما حضرته الوفاة وقد قويت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلت كلمته إلا ان قريشا على عداوتها وحسدها فاجتمعوا إلى أبى طالب ورسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده، فقالوا: نسألك من ابن اخيك النصف قال: وما النصف منه ؟ قالوا: ليكف عنا ونكف عنه فلا يكلمنا ولا نكلمه ولا يقاتلنا ولا نقاتله لان هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء. فقال: يا بن اخى بنى عمك وعشيرتك يسألونك النصف وان تكف عنهم ويكفوا عنك فقال: يا عم لو انصفني بنو عمى لاجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي وان الله عزوجل أمرنى أن أدعوا إلى دينه (الحنيفية) ملة ابراهيم فمن اجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فقالوا: يا أبا طالب سله، ارسله الله الينا خاصة أم إلى الناس كافة فقال أبو طالب يا بن اخ إلى الناس كافة ارسلت ام إلى قومك خاصة ؟ قال: لا بل إلى الناس ارسلت كافة إلى الابيض والاسود والاحمر والعربي والعجمي، والذى نفسي بيده لادعون إلى هذا الامر الابيض والاسود، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار ولادعون السنة فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت اما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول والله لو سمعت فارس والروم لاختطفتنا من ارضنا، ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فأنزل الله تعالى: وقالوا ان نتبع الهدى معك فنتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ إلى آخر الآية وأنزلت في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخرها فلما سمعوا ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله) خرجوا من عند ابى طالب فقالوا ألا نرى محمدا يزداد إلا كبرا أو تكبرا وما هو إلا ساحرا أو مجنون وتوعدوه وتحالفوا وتقاعدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش كلها


[ 55 ]

على قتله ما امسكت ايديها السياط وبلغ أبا طالب ذلك فجمع بينه وبين بنو أبيه وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال ابن اخى محمد ابني كما يقول بذلك اخبرنا آباؤنا وعلمائنا ان اخى محمد (صلى الله عليه وآله) نبى صادق وأمين ناطق وان شأنه أعظم شأن ومكانه اعلى مكان من ربه وان يومى قد حضر وانتم الخلقاء النجب فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته وارموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم على الدهر وأنشأ يقول: أوصى بنصر الامين الخير مشهده * بعدى عليا وعلى الخير عباسا وحمزة الاسد المخشى صولته * وجعفرا ان يذوقوا قبله الباسا وهاشما كلها أوصى بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا كونوا فدى لكم امى وما ولدت * من دون أحمد عند الورع أتراسا بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) من عمه فقال: يا عم كلمة واحدة تجب بها لك شفاعتي يوم القيامة فقال يا بن اخى صدقت انت نبى حق وربك إله حق قال له: يا عم ان الله عزوجل وعدني ان قريشا ستؤمن غدا بما تنكره اليوم، وان الله تعالى سيفتح على الارض، ويظهر دينه على جميع الاديان وانك راحل إلى دار المقامة، فقل معى كلمة تستوجب من الله رضوانه ورحمته، فقال: إن أبا طالب حرك بها شفتيه، وأشار بأصبعه فسر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك واستغفر له. قال الشيخ الامام الاجل ابن الفارسى: فمن أدعى هذه الدعوى فلا بد له من دليل يدل على صدق قوله، والا لم يلتفت إلى قوله: والآن نذكر طرفا من معجزاته صلوات الله عليه وآله الطيبيين بعد خبر المعراج. باب الكلام في معراج النبي صلى الله عليه وآله قال ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اسرى به إلى السماء انتهى به جبرئيل ” عليه السلام ” إلى نهر يقال له النور وهو قول الله تعالى: (خلق الظلمات والنور) فلما انتهى إلى ذلك النهر فقال له جبرئيل: يا محمد اعبر على بركة الله فقد نور الله لك بصرك ومد لك املك فإن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب، ولا نبى مرسل غير ان لى في كل يوم اغتماسة فيه


[ 56 ]

ثم اخرج منه فأنفض أجنحتي فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تعالى منها ملكا مقربا له عشرون الف وجه، واربعون الف لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر، فعبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهى إلى الحجب، والحجب خمسمائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام ثم قال له: تقدم يا محمد فقال له ولم لا تكون يا جبرئيل معى ؟ قال: ليس لى أن أجوز هذا المكان فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما شاء الله ان يتقدم حتى سمع ما قال الرب تعالى: أنا المحمود وأنت محمد شققت اسمك من اسمى فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته انزل إلى عبادي فأخبرهم بكر امتى اياك وانى لم ابعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وإنك رسولي وان عليا وزيرك فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكره أن يحدث الناس بشئ كراهة ان يتهموه لانهم كانوا حديثى عهد بالجاهلية إلى آخر الخبر وهو خبر طويل لم نورده ها هنا على الكمال لانه يتعلق بعضه بشئ آخر غير ما قصدناه في هذا الباب. قال الصادق ” عليه السلام ” أسرى برسول الله ” صلى الله عليه وآله ” إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الانبياء وصلى بها ورده فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجوعه بعير قريش وإذا لهم ماء في آنية وقد اضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لقريش إن الله عزوجل قد أسرى بى إلى بيت المقدس وأرانى آثار الانبياء عليهم السلام ومنازلهم وانى مررت بعير قريش في موضع كذا وكذا وقد اضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم واهرقت باقى ذلك الماء. فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه فسألوه كم الاساطين فيها والقناديل ؟ فقالوا يا محمد ان ها هنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم اساطينه وقناديله ومحاريبه، فجاء جبرئيل ” عليه السلام ” فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلما اخبرهم قالوا حتى يجيئ العير ونسألهم عما قلت فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصديق ذلك إن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل اروق فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون هذا الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين طلعت القرص يقدمها جمل اروق فسألوهم، ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: لقد كان هذا ضل بعير لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء فأصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.


[ 57 ]

وروى ان جبرئيل ” عليه السلام ” جاء إلى رسول الله ” صلى الله عليه وآله ” بدابة دون البغل وفوق الحمار رجلاها اطول من يديها خطوها مد البصر، فلما أراد أن يركب امتنعت فقال جبرئيل إنه محمد فتواضعت حتى لصقت بالارض قال: فركب فلما هبطت ارتفعت يداها وقصرت رجلاها وقصرن يداها فمرت به في ظلمة الليل على عير محملة فنفرت العير من زفيف البراق ينادى رجل في آخر العير غلاما له في أول العير يا فلان ان الابل قد نفرت وان فلانة قد القت حملها، وانكسرت يدها وكانت العير لابي سفيان قال: ثم مضى حتى إذا كان ببطن البلقاء قال: يا جبرئيل قد عطشت فتناول جبرئيل قصعة فيها ماء فتناوله فشرب ثم مضيا فمر على قوم معلقين بعراقيبهم بكلاليب من نار فقال ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال: هؤلاء الذين اغناهم الله بالحلال فيبتغون الحرام. قال ثم مر على قوم يخاط جلودهم بمخائط من نار فقال: ما هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال هؤلاء الذين يأخذون عذرة النساء بغير حل. ثم مضى فمر على رجل يرفع حزمة من حطب كلما لم يستطع ان يرفعها زاد فيها فقال من هذا يا جبرئيل ؟ فقال هذا صاحب الدين يريد ان يقضى فإذا لم يستطع زاد عليه ثم مضى حتى إذا كان في الجبل الشرقي من بيت المقدس وجد ريحا حارة وسمع صوتا قال: ما هذه الريح يا جبرئيل التى اجد وهذا الصوت الذى اسمع ؟ قال هذه جهنم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من جهنم ثم وجد ريحا عن يمنه طيبة وسمع صوتا فقال ما هذه الريح التى اجدها وهذا الصوت الذى اسمع ؟ فقال: هذه الجنة، فقال: اسأل الله الجنة. قال: ثم مضى حتى انتهى إلى باب مدينة بيت المقدس وفيها هرقل وكانت ابواب المدينة تغلق كل ليلة ويؤتى بالمفاتيح وتوضع عند رأسه فلما كانت تلك الليلة امتنعت الباب ان تغلق فأخبروه فقال: ضاعفوه عليها من الحرس، قال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بيت المقدس فجاء جبرئيل ” عليه السلام ” إلى الصخرة، فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح، قدحا من لبن وقدحا من عسل، وقدحا من خمر فناول قدح اللبن، فشرب ثم ناول قدح العسل، فشرب ثم ناول قدح الخمر، فقال: قد رويت يا جبرئيل، فقال: اما انك لو شربته لضلت امتك وتفرقت عنك. قال: ثم مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد بيت المقدس بسبعين نبيا، قال: وهبط مع جبرئيل ” عليه السلام ” ملك لم يطأ الارض قط، معه مفاتيح خزائن الارض، فقال يا محمد


[ 58 ]

إن ربك يقرأك السلام ويقول هذه مفاتيح خزائن الارض، فإن شئت فكن نبيا عبدا وان شئت فكن نبيا ملكا فأشار إليه جبرئيل ” عليه السلام ” ان تواضع يا محمد فقال: بل أكون نبيا عبدا ثم صعد إلى السماء فلما انتهى إلى باب السماء استفتح جبرئيل ” عليه السلام ” فقيل: من هذا ؟ قال محمد قالوا: نعم المجئ جاء فدخل فما مر على ملا من الملائكة إلا سلموا عليه، ودعوا له وشيعته مقربوها فمر على شيخ قاعد تحت شجرة، وحوله اطفال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذا الشيخ يا جبرئيل ؟ قال هذا أبوك ابراهيم، قال فما هؤلاء الاطفال حوله ؟ فقال هؤلاء اطفال المؤمنين حوله يغذيهم، ثم مضى فمر على شيخ قاعد على كرسى إذا نظر عن يمينه ضحك وفرح، وإذا نظر عن يساره حزن وبكى، فقال من هذا يا جبرئيل ؟ فقال آدم إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك وفرح وإذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن وبكى. ثم مضى على ملك قاعد على كرسى، فسلم عليه فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة، فقال: يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة إلا رأيت منه ما أحب إلا هذا فمن هذا الملك ؟ قال: هذا مالك خازن النار، اما إنه كان من احسن الملائكة بشرا واطلقهم وجها فلما جعل خازن النار اطلع فيها اطلاعة، فرأى ما أعد الله فيها لاهلها فلم يضحك بعد ذلك. ثم مضى حتى إذا انتهى حيث إنتهى فرضت عليه الصلاة خمسون صلاة قال: فأقبل فلما مر بموسى، فقال: يا محمد كم فرضت الصلاة على أمتك ؟ قال خمسون قال ارجع إلى ربك، فاسأله ان يخفف عن أمتك، قال: فرجع ثم مر على موسى فقال كم فرض على أمتك قال كذا وكذا، قال ان أمتك اضعف الامم ارجع إلى ربك، فاسأله ان يخفف عن امتك فإنى كنت في بنى اسرائيل فلم يكونوا يطيقون إلا دون هذا، فلم يزل يرجع إلى ربه عزوجل حتى جعلها خمس صلوات، قال: ثم مر على موسى قال فكم فرض على امتك ؟ قال خمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك فاسأله ان يخفف عن امتك، قال: قد استحييت من ربى مما ارجع إليه ثم مضى فمر على ابراهيم خليل الرحمن، فناداه من خلفه قال: يا محمد اقرأ امتك منى السلام، وأخبرهم ان الجنة ماؤها عذب وتربتها طيبة قيعانها بيض غرسها سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فمر امتك فليكثروا من غرسها، ثم مضى حتى مر على


[ 59 ]

عير يقدمها جمل اروق ثم أتى أهل مكة فأخبرهم بمسيره، وقد كان بمكة قوم من قريش قد أتوا بيت المقدس فأخبرهم، ثم قال: آية ذلك إنها تطلع عليكم الساعة عير مع طلوع الشمس يقدمها جمل اروق، قال فنظروا فإذا هي قد طلعت واخبرهم إنه قد مر بأبى سفيان، وان ابله نفرت في بعض الليل وانه نادى غلاما له في أول العير يا فلان إن الابل قد نفرت وان فلانة قد القت حملها وكسر يدها فسألوا عن الخبر، فوجدوه كما قال صلى الله عليه وآله. وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى الانبياء ببيت المقدس، فقال: بما تشهدون ؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وعلي أمير المؤمنين، ثم عرج به إلى السماء السابعة، حتى كان قاب قوسين أو أدنى فرفعت الحجب له فمشى فنودى يا محمد إنك لتمشى في مكان ما مشى عليه بشر قبلك فكلمة الله عزوجل. فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه). قال (صلى الله عليه وآله) نعم يا رب والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، فقال الله عزوجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا إلى آخر الآية، فقال عزوجل قد فعلت ثم قال له من خلفت على امتك من بعدك فقال (صلى الله عليه وآله) الله اعلم. قال له: على بن أبى طالب أمير المؤمنين، فكانت امامته مشافهة من الله جل ذكره لنبيه عليه وآله الصلاة والسلام. وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال إن الله عزوجل لما عرج بى إلى السماء مثل لى أمتى في الطين من اولها إلى آخرها، حتى انا اعرف بهم من أحدهم بأعيانهم وعلمني الاسماء كلها وفرض على أمتى الصلاة تلك الليلة، وكان هذا بعد مبعثه (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين ثم رجع (صلى الله عليه وآله) إلى الارض وفقده أبو طالب عمه في تلك الليلة فلم يزل يطلبه ووجه إلى بنى هاشم أن أخرجوا في السلاح، فقد فقدت محمد فخرج جميع بنى هاشم وأبو طالب ” عليه السلام ” يقول: يا لها من عظيمة، ان لم ارانى رسول الله إلى الفجر فبينا هو كذلك إذ تلقاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد نزل من السماء على باب ام هاني بنت أبى طالب اخت أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال له أبو طالب: انطلق معى فأدخل بين يدى المسجد فدخل


[ 60 ]

بنو هاشم، فسل أبو طالب بسيفه عند الحجر، ثم قال لبنى هاشم اخرجوا ما معكم فأخرجوا السلاح ثم التفت إلى قريش فقال: والله لو لم اره لما بقى فيكم عين تطرف فقالت قريش: يا أبا طالب لقد ركبت منا عظيما، وعزمت قريش بعد ذلك ان تغتاله واصبح صلوات الله عليه فصلى بالناس وحدثهم بحديث المعراج، وقالوا له: صف لنا بيت المقدس: فرفعه جبرئيل ” عليه السلام ” حتى جعله تجاهه، فجعل يراه ويحدثهم ثم حدثهم بأمر عير أبى سفيان، وخبر الجمل الاحمر الذى يقدمها، فكذبوه وقالوا: هذا سحر مبين لعنهم الله، واقام (صلى الله عليه وآله) بمكة يدعو الناس. فأجابه المؤمنون وجحده الكافرون. وسئل علي بن الحسين عليهما السلام، عن الله تعالى هل يوصف بمكان، فقال: تعالى الله عن ذلك. فقيل: لم أسرى نبيه إلى السماء ؟ قال: ليريه ملكوت السماء وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه، قلت: فقول الله تعالى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى قال: ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات ثم تدلى فنظر من تحته إلى ملكوت الارض، حتى ظن إنه في القرب من الارض، كقاب قوسين أو أدنى وكان معراجه بعد النبوة بسنين. باب ما ورد من معجزات النبي صلوات الله عليه وآله اعلم إن معجزات النبي صلوات الله عليه وآله كثيرة: وأقواها القرآن، وتحدى العرب به. قال الله تعالى في سورة البقرة: (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهدائكم من دون الله ان كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين) وفى موضع آخر: فأتوا بسورة من مثله. وأيضا فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. وقال: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).


[ 61 ]

وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا لها يا عبدة قد علمت إن محمد قد هدم ركن بنى اسرائيل، وهدم اليهودية وقد غال الملا من بنى اسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على ان تسميه في هذا الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة، فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا محمد قد علمت ما توجب لى، وقد حضرني رؤساء اليهود فزينى بأصحابك، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وأبو دجانة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا واخرجت الشاة شدت اليهود آنافها بالصوف وقاموا على أرجلهم، وتوكوا على عصيهم فقال لهم رسول الله: اقعدوا فقالوا: إنا إذا زارنا نبى لم يقعد منا أحد، وكرهنا ان يصل إليه من انفاسنا ما يتأذى به وكذبت اليهود لعنهم الله إنما فعلت ذلك مخافة شواء السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها، فقالت: مه يا أحمد لا تأكلني فأنني مسمومة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدة، فقال لها: ما حملك على ما صنعت فقالت: قلت إن كان نبيا لم يضره، وان كان ساحرا كذابا ارحت قومي منه، فهبط جبرئيل فقال: الله يقرأك السلام ويقول: قل بسم الله الذى يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن وبنوره الذى اضاءت به السماوات والارض، وبقدرته التى خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد من شر السم والسحر واللمم، باسم العلى الملك الفرد الذى لا إله إلا هو، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذلك وأمر اصحابه فتكلموا به، ثم قال كلوا ثم أمرهم أن يحتجموا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم بقوله: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا. وقال لنبينا (صلى الله عليه وآله) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وقال: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. وقال تعالى لنبينا: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ورفع الله ادريس النبي عليه السلام.


[ 62 ]

وقال لنبينا (صلى الله عليه وآله) ورفعنا لك ذكرك، واطعم ادريس النبي ” عليه السلام ” من تحف الجنة بعد وفاته، وان محمدا اطعمه في الدنيا في حياته، بينما هو (صلى الله عليه وآله) إذ اتاه جبرئيل ” عليه السلام ” بجام من الجنة، فيه تحفة من الجنة فهلل اللجام، وهللت التحفة في يده صلوات الله عليه وآله، وسبحا وكبرا وحمدا، فناولها أهل بيته فقالت: مثل ذلك فهم ان يناولها بعض اصحابه، فتناولها جبرئيل ” عليه السلام ” قال له: كلها فإنها تحفة من الجنة، اتحفك الله بها وليست تصلح إلا لنبى أو وصى نبى، فأكل وأكلنا معه فانى لاجد حلاوته إلى ساعتي وان نوحا ” عليه السلام ” دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة اتوه في يوم جمعة فقالوا يا رسول الله احتبس القطر، واصفر العود وتهافت الورق فرفع يده المباركة (صلى الله عليه وآله) حتى روى بباطن ابطيه، وما في السماء سحابة فما برح حتى سقاه الله عزوجل حتى إن الشاب المعجب بشبابه تهمه نفسه بالرجوع إلى منزله من شدة السيل، فدامت اسبوعا فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله قد تهدمت الجدران واحتبست الركب والسفار، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هذه سرعة ملالة ابن آدم ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في اصول الشيخ ومواقع النقع فرأيت حول المدينة القطر يقطر قطرا وما يقع في المدينة قطرة لكرامته على الله تعالى، وان هودا قد انتصر الله له من اعدائه بالريح وانتصر لمحمد من اعدائه بالريح يوم الخندق إذ ارسل عليهم ريحا تدير الحصا وجنودا لم يروها. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها، وان صالحا قد جعل الله له ناقة) وبينما نحن في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا نضوا فأنطقه الله تعالى فقال يا رسول الله إن فلانا استعملني حتى كبرت، ويريد ذبحى فأنا أستعيذ بك منه فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى صاحبه فأستوهبه فوهبه له وخلاه. ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابى قد أتى بأعرابى إنه قد سرق ناقتي وهو يسوقها وقد استسلم للقطع لما زوروا عليه الشهود، فقالت يا رسول الله ان فلانا منى برئ وان الشهود شهدوا بالزور، وان سارقي فلان اليهودي. وان ابراهيم ” عليه السلام ” قد سلمه قومه إلى الحريق فصير الله عزوجل النار عليه بردا وسلاما ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل بخيبر سمته الخيبرية انتقاما لمن قتل من قومها، فصير الله عزوجل السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله فالسم يحرق إذا استقر كما ان النار تحرق.


[ 63 ]

وان موسى ” عليه السلام ” قد أعطاه الله اثنتى عشرة عينا (فأضرب بعصاك الحجر فأنبجست منه اثنتا عشرة عينا) قد علم كل أناس مشربهم، ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة فجاء أصحابه وشكوا إليه الظمأ حتى التفت خواصر الخيل فذكروا له ذلك فدعا بركوة ماء فجعل يده المباركة فيها فتفجرت من بين اصابعه عيون الماء فصدرنا وصدرت الخيل وملانا كل مزود وسقاء ولقد كنا معه بالحديبية. وإذا بقليب جافة فأخرج ” عليه السلام ” سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب، وقال له اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فأغرسه ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمكذبين لنبوته كحجر موسى حين دعا بالميضاة فنضب يده فيها ففاضت بالماء وارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل، وشربوا كلهم وسقوا دوابهم وحملوا ما أرادوا. وأن عيسى ” عليه السلام ” قد احيى الموتى باذن الله، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سبحت في يده سبع حصياة تسمع همهمتها في جنوبها فلا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولما نزل (صلى الله عليه وآله) بالطائف وحاصر اهلها بعثوا إليه شاة مسمومة فنطقت الذراع منها، وقالت يا رسول الله لا تأكلني فأنى مسمومة وان عيسى ” عليه السلام ” خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيها وكان طيرا باذن الله ومحمد (صلى الله عليه وآله) اخذ يوم خيبر حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ثم قال للحجر: انفلق وانفلق ثلاث فلق تسمع لكل فلقة منها تسبيحة لا يسمع للاخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكل غصن تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها انشقي فانشقت نصفين ثم قال لها: التزقى فالتزقت ثم قال لها: اشهدي لى بالنبوة فشهدت ثم قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت وكان موضعها حيث الجزارون بمكة وهذا خبر طويل قد اوردنا بعضه. ومن معجزاته (صلى الله عليه وآله) انشقاق القمر لما التمسوا منه، والقرآن قد نطق به. قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا اهوائهم وكل أمر مستقر ولقد جائكم من الانباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغنى النذر) فالنبى أشار إلى القمر بأصبعه، فانشق القمر فعانده كفار قريش وقالوا سحر مستمر إلى قوله، فما تغنى النذر قد اخبر عنهم تعالى. ومنها إنه (صلى الله عليه وآله) كان يخطب إلى بعض الاجذاع، فلما عمل المنبر، وتحول إليه


[ 64 ]

حن كما تحن الناقة فلما جاء إليه والتزمه سكن، وانشد لمحمد ابن أبى طلحة العونى: سلام على هادى الورى خاتم النذر * سلام على المستحفظ الطاهر الطهر سلام وريحان وروح وراحة * على علم الدين المتوج بالفخر سلام على بحر النهى لجة الحجى * على مهبط الاملاك والآى والذكر مجلس في مولد النبي صلى الله عليه وآله قال أبو طالب: يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز ومجمتى تضرب منكبي، فلما نظرت الي عرفت في وجهى التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن سيد العرب متغير اللون ؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب ؟ فقلت: بلى رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت على ظهرى، وقد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها الشرق والغرب ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ورأيت العرب والعجم ساجدة لها وهى كل يوم تزداد عظما ونورا، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من احسن الناس وجها وانظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقطع أعينهم، فرفعت يدى لانال غصنا من اغصانها فصاح بى الشاب وقال: مهلا ليس لك منها نصيب فقلت لمن النصيب والشجرة منى فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها، وسيعودون إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير، ثم قالت لان صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب، وينبأ في الناس فتسرى عنى غمى، فانظر أبا طالب لعلك تكون انت، فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، والنبى (صلى الله عليه وآله) قد خرج، ويقول كانت الشجرة والله أبا القاسم الامين. قال ابن عباس: سمعت أبى العباس يحدث قال: ولد لابي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يظهر كنور الشمس، فقال أبى: إن لهذا الغلام شأنا عظيما، قال:


[ 65 ]

فرأيت في منامي إنه خرج من منخره طاير ابيض، فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها فبينما الناس يتأملونه إذ صار نورا بين السماء والارض، وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب، فلما انتبهت سألت كاهنة بنى مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له، فقال أبى: فهمني أمر عبد الله إلى ان تزوج بآمنة، وكانت من اجمل نساء قريش واتمها خلقا، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتيته ورأيت النور بين عينيه يزهر فحملته، وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك وصرت كأنى قطعة مسك من شدة ريحى، فحدثتني آمنة، وقالت لى: إنه لما اخذني الطلق واشتد بى الامر سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام الآدميين ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والارض، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما، قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الاسدية قد مرت وهى تقول: آمنة ما لقيت الكهان والاصنام من ولدك، ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا، وأشدهم بياضا وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب، قد دنا منى فأخذ المولود فتفل في فيه، واستنطقه فنطق فلم افهم ما قال إلا إنه قال: في أمان الله وحفظه وكلائته، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة، انت خير البشر طوبى لمن اتبعك، وويل لمن تخلف عنك، ثم اخرج صرة من حريرة بيضاء، ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب على كتفه، ثم قال أمرنى ربى أن انفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه: وألبسه قميصا وقال هذا أمانك من آفات الدنيا، فهذا ما رأيت يا عباس – قال يعنى العباس – وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين كتفيه، فلم ازل اكتم شأنه وأنسيت الحديث، فلم اذكره إلى يوم اسلامي حتى ذكرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الصادق ” عليه السلام ” كان ابليس لعنه الله يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى ” عليه السلام ” حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق اربع سماوات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش هذا قيام الساعة التى كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه.


[ 66 ]

وقال عمرو بن أمية، وكان من اعلم أهل الجاهلية: أنظروا هذه النجوم التى يهتدى بها، ويعرف بها ازمان الشتاء والصيف، فان كان رمى بها فهو هلاك كل شئ، وان كانت ثبتت ورمى بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الاصنام كلها صبيحة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس في تلك الليلة ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان في تلك المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، حتى عبرت دجلة وانسربت في بلادهم وانفصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز، ثم استطار حتى بلغ المشرق ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك فانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها وعظمت قريش في العرب، وسموا آل الله عزوجل. قال أبو عبد الله ” عليه السلام ” إنما سموا آل الله لانهم في بيت الله الحرام. وقالت آمنة: ان ابني والله سقط فأتقي الارض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منى نور أضاء له كل شئ وسمعت في الضوء قائلا يقول: انك قد ولدت سيد الناس، فسميه محمدا وأتى به عبد المطلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت امه فأخذه، ووضعه في حجره ثم قال: الحمد لله الذى أعطاني * هذا الغلام الطيب الاركان قد سار في المهد على الغلمان ثم عوذه بأركان الكعبة وقال فيه اشعارا، قال وصاح إبليس لعنه الله في ابالسته فاجتمعوا إليه، وقالوا: ما الذى افزعك يا سيدنا فقال لهم: ويلكم لقد انكرت السماء والارض منذ الليلة، لقد حدث في الارض حدث عظيم، ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم ” عليه السلام ” فأخرجوا وأنظرو ما هذا الحدث الذى قد حدث فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثم صار مثل الصر، وهو العصفور قد دخل من قبل حرا فقال له جبرئيل: ما وراك لعنك الله فقال له حرف اسألك عنه يا جبرئيل ما هذا الحدث الذى حدث منذ


[ 67 ]

الليلة في الارض ؟ فقال: ولد محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال له: هل لى فيه نصيب ؟ قال: لا، قال ففى امته قال: نعم قال: رضيت. قال أبو عبد الله ” عليه السلام ” نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا محمد ان الله جل جلاله يقرأك السلام ويقول انى قد حرمت النار على صلب انزلك، وبطن حملك وحجر كفلك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا جبرئيل بين لى ذلك، فقال: اما الصلب الذى انزلك فعبد الله بن عبد المطلب، واما البطن الذى حملك فآمنة بنت وهب، واما الحجر الذى كفلك، فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد. قال الصادق ” عليه السلام ” سئل النبي (صلى الله عليه وآله) اين كنت وآدم في الجنة ؟ قال: كنت في صلبه، وهبط بى إلى الارض في صلبه وركبت السفينة في صلب أبى نوح، وقذف بى في النار في صلب أبى ابراهيم لم يلتق لى ابوان على سفاح قط، لم يزل الله عزوجل ينقلني من الاصلاب الطيبة إلى الارحام الطاهرة، هاديا مهديا حتى أخذ الله بالنبوة عهدي وبالاسلام ميثاقي، وبين كل شئ من صفتي، واثبت في التوراة والانجيل ذكرى ورقى بى إلى سمائه، وشق لى اسما من اسمائه، أمتى الحمادون فذوا العرش محمود وانا محمد. قال ليث بن سعد: قلت لكعب وهو عند معاوية كيف تجدون صفة مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ وهل تجدون لعترته فضلا ؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه فأجرى الله على لسانه، فقال هات يا ابا اسحاق ما عندك قال كعب انى قد قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها انزل من السماء، وقرأت صحف دانيال كلها ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد عترته، وان اسمه لمعروف وانه لم يولد نبى قط، ونزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى، وأحمد عليهما الصلاة والسلام وما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم وآمنة ام أحمد عليهما الصلاة والسلام، وما وكلت الملائكة بأنثى حملت غير مريم أم المسيح وآمنة ام أحمد عليهما الصلاة والسلام، وكان من علامة حمله إنه كانت الليلة التى حملت آمنة به (صلى الله عليه وآله) نادى مناد في السماوات السبع: ابشروا فقد حمل الليلة بأحمد وفى الارضين كذلك حتى في البحار، وما بقى يومئذ في الارض دابة تدب ولا طائر يطير إلا علم بمولده ولقد بنى في الجنة ليلة مولده سبعون الف قصر من ياقوتة حمراء وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل هذه قصور الولادة، ونجدت الجنان وقيل لها: اهتزى وتزيني فإن نبى أوليائك قد ولد، فضحكت الجنة يومئذ فهى ضاحكة إلى يوم القيامة، وبلغني إن


[ 68 ]

حوتا من حيتان البحر يقال له طمسوسا، وهو سيد الحيتان له سبعمائة الف ذنب يمشى على ظهر سبع مائة الف نون، الواحد أكبر من الدنيا لكل نون سبع مائة الف قرن من زمرد أخضر لا بشعر بهن اضطرب فرحا بمولده، ولو لا إن الله عزوجل ثبته لجعل عاليها سافلها، ولقد بلغني ان يومئذ ما بقى من الجبال الا نادى صاحبه بالبشارة، ويقول: لا إله إلا الله ولقد خضعت الجبال كلها لابي قبيس كرامة لمحمد (صلى الله عليه وآله). لقد وقدت الاشجار اربعين يوما بأنواع الانوار وثمارها فرحا بمولده (صلى الله عليه وآله) ولقد ضرب بين السماء والارض سبعون عمودا من انواع الانوار، لا يشبه كل واحد صاحبه ولقد بشر آدم بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفا، وكان قد وجد مرارات الموت، وكان قد مسه ذلك فسرى ذلك عنه، ولقد بلغني ان الكوثر اضطرب في الجنة، واهتز فرمى بسبعمائة الف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد (صلى الله عليه وآله). ولقد ذم إبليس وكبل والقى في الحصن أربعين يوما. ولقد غرق عرشه أربعين يوما ولقد تنكصت الاصنام كلها وصاحت وولولت ولقد سمعوا صوتا من الكعبة: يا آل قريش جائكم البشير جائكم النذير معه عز الابد. والريح الاكبر وهو خاتم الانبياء. ونجد في الكتب ان عترته خير الناس بعده. وإنه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشى. قال معاوية: يا أبا اسحاق. ومن عترته ؟ قال كعب: ولد فاطمة فعبس معاوية وجهه. وعض على شفتيه وأخذ يعبث بلحيته. قال وانا نجد في صفة الفرخين الشهيدين وهما فرخا فاطمة يقتلهما شر البرية. قال: فمن يقتلهما ؟ قال: رجل من قريش فقام معاوية. فقال: قوموا إن شئتم فقمنا. قال الصادق ” عليه السلام ” قالت آمنة بنت وهب بن عبد مناف ” عليه السلام “: لما قربت ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت جناح طاير ابيض قد مسح على فؤادى، وكان قد تداخلنى رعب فذهب الرعب عنى، وأوتيت بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فنوولتها فشربتها فأصابني نور عال. ثم رأيت نسوة كالنخل طولا تحدثني. فعجبت وجعلت أقول في نفسي: من أين علمهن هؤلاء بموضعي ؟ ثم اشتد الامر. وانا اسمع الابيض الوجيه في كل وقت. حتى رأيت كالديباج الابيض قد ملا ما بين السماء والارض. وقائل يقول: خذوه من أعز الناس، ثم رأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ثم


[ 69 ]

كشف عزوجل لى عن بصرى ساعتي تلك فرأيت مشارق الارض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام مضروبة: علما في المشرق وعلما في المغرب. وعلما على ظهر الكعبة. ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخر ساجدا ورفع اصبعه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته فسمعت مناديا ينادى: طوفوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) شرق الارض وغربها والبحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ثم انجلت عنه الغمامة فإذا انا به في ثوب ابيض أشد بياضا من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول: قبض محمد (صلى الله عليه وآله) على مفاتيح النصرة ومفاتيح الريح ومفاتيح النبوة ثم اقبلت سخابة أخرى انور من الاولى حتى غشيته فغيب عن وجهى أطول من المرة الاولى وسمعت مناديا يقول: طوفوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجن والانس والطير والسباع واعطوه صفاء آدم، ورقة نوح وخلة ابراهيم ولسان اسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وصبر أيوب وزهد يحيى وكرم عيسى ثم انكشف عنه فإذا انا به وبيده حريرة خضراء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا دخل في قبضته ثم ان ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ورائحته كرائحة المسك، وفى يد الثاني طست من زمردة خضراء لها اربعة جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء، وقائل يقول: هذه الدنيا فأقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها. فقال قائل قبض على الكعبة، ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتما تحار ابصار الناظرين فيه ثم حمل ابني فغسل بذلك الماء من الابريق سبع مرات وختم بين كتفيه بالخاتم ولفف في الحريرة، وادخل بين اجنحتهم ساعة، وكان الفاعل ما فعل به رضوان عليه السلام. ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول ابشر يا عز الدنيا والآخرة، وولد صلى الله عليه وآله طاهرا مطهرا ومات ابوه وامه وهو صغير السن. وروى عن عبد المطلب إنه قال: كنت تلك الليلة في الكعبة أقم من البيت شيئا فلما انتصف الليل فإذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الاربعة، وخرسا جدا في مقام ابراهيم ” عليه السلام ” ثم استوى البيت قائما اسمع منه تكبيرا عجيبا، ينادى الله أكبر رب محمد المصطفى الآن قد طهرني ربى من انجاس المشركين. وارجاس المشركين الجاهلية ثم انتفضت الاصنام كما ينتفض الثوب. فكأني انظر إلى الصنم الاعظم يميل، وقد انكشف


[ 70 ]

فلما رأيت البيت وفعله والاصنام وفعلها لم ادر ما أقول. وجعلت احسر عن عينى فأقول انى لنائم وأقول: كلا اننى ليقظان ثم انطلقت إلى بطحاء مكة. وخرجت من باب بنى شيبة فإذا انا بالصفا وانادي من كل جانب: يا سيد قريش ما لك كالخائف الوجل امطلوب أنت ؟ فما احير جوابا. إنما همتي آمنة حتى أنظر إلى ابنها محمد (صلى الله عليه وآله) وإذا انا بطير الارض حاشرة إليها. وإذا جبال مكة مشرقة عليها. وإذا سحابة بيضاء بإزاء حجرتها. فلما رأيت ذلك دنوت من الباب على نفسها. فإذا ليس هناك أثر النفاس والولادة. قد دققت الباب فأجابتني بخفى صوتها فقلت: عجلى افتحي الباب ففتحت الباب مبادرة. فأول شئ وقعت عينى عليه من وجهها موضع نور محمد (صلى الله عليه وآله) فلم أره فقلت: أنا نائم أو يقظان ؟ قالت: بل يقظان ما لك كالخائف أمطلوب أنت ؟ قلت: لا ولكننى منذ ليلتى في كل ذعر وخوف، وما لى لا أرى النور الذى كنت أراه بين عينيك ساطعا ؟ قالت: قد وضعته قلت: ومن أين وضعتيه وليس بك أثر النفاس ؟ قالت بلى والله وضعته اتم الوضع واهونه وهذه الطير التى تراها بإزاء حجرتي تنازعني عندما وضعته إن ادفعه إليها فتحمله إلى اعشاشها، وهذه السحاب تسألني كذلك قلت فهاتيه انظر إليه قالت حيل بينك وبينه أن تراه من يومك هذا. قلت ولم ذاك ؟ قالت لانه أتانى آت ساعة ولدته كأنه قصب فضة كالنخلة الباسقة فقال لى: انظري يا آمنة لا تخرجي هذا الغلام إلى خلق الله من ولد آدم حتى يأتي عليه منذ يوم ولدتيه ثلاثة ايام فسللت سيفى وقلت: لتخرجنه أو لاقتلنك وإلا بدئت بنفسى فقتلتها. فلما نظرت إنه الحقيقة قالت: شأنك وإياه قلت وأين هو قالت: هو في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف أبيض تحته حريرة خضراء فلما هممت ان ادلج البيت بدر الي من داخل البيت رجل فقال لي إلى أين ؟ قلت: انظر إلى ابني محمد (صلى الله عليه وآله) قال لى: ارجع وراك فلا سبيل لاحد من بنى آدم إلى رؤيته أو تنقضي زيارة الملائكة. قال عبد المطلب فارتعدت والقيت السيف من يدى وخرجت مبادرا اخبر قريشا بذلك. فأخذ الله عزوجل على لساني فلم انطق بهذه الكلمة سبعة أيام ولياليها. وكانت ولادته يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الاول في عام الفيل. وقيل يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول في عام الفيل والاول اظهر وأصح.


[ 71 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله عزوجل نطفتي بيضاء مكنونة. فنقلها من صلب إلى صلب حتى نقلت النطفة إلى صلب عبد المطلب، فجعل نصفين فصير نصفها في عبد الله ونصفها في أبى طالب فأنا من عبد الله وعلى من أبى طالب، وذلك قول الله عزوجل وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا. سلام على من قدس الارض إذ نوى * بها منه جسم طيب طاهر الطهر سلام على الانجاب ما ذر شارق * إلى القبة البيضاء، سلام على القمر مجلس في ذكر وفاة سيدنا ومولانا صلى الله عليه وآله إعلم: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قبض بالمدينة مسموما يوم الاثنين: لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل كان وفاته في شهر ربيع الاول والاول هو المعتمد عليه وهذا شاذ، فلما قبض (صلى الله عليه وآله) اختلف أهل بيته ومن حضرهم من الصحابة في الموضع الذى يدفن فيه. فقال بعضهم يدفن بالبقيع. وقال آخرون في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إن الله عزوجل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) إلا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التى قبض فيها. فأتفقت الجماعة على قوله ” عليه السلام ” ودفن (صلى الله عليه وآله) في حجرته. (وروى) إن رجلين دخلا على علي بن الحسين عليهما السلام من قريش فقال: ألا أحدثكما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا: بلى حدثنا عن أبى القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: سمعت أبى يقول: لما كان قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة ايام. هبط جبرئيل ” عليه السلام ” فقال: يا أحمد إن الله عزوجل أرسلني اليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو اعلم به منك يقول: كيف تجدك يا محمد ؟ قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله): أجدني مغموما وأجدني يا جبرئيل مكروبا، فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له: اشميعيل في الهواء على سبعين الف ملك. فسبقهم جبرئيل فقال: يا أحمد إن الله تعالى ارسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو به أعلم منك، فقال: كيف تجدك


[ 72 ]

يا محمد ؟ قال: أجدني يا جبرئيل مغموما، وأجدني يا جبرئيل مكروبا. فاستأذن ملك الموت. فقال جبرئيل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك. قال: أئذن له فأذن له جبرئيل ” عليه السلام ” فأقبل حتى وقف بين يديه فقال: يا أحمد إن الله تعالى ارسلني اليك وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني إن أمرتنى بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أتفعل ذلك يا ملك الموت ؟ قال: نعم بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرئيل: يا أحمد إن الله عزو جل قد اشتاق إلى لقائك. قال الشيخ الامام السيد: – يعنى قد أراد كونك في الجنة – فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) امض لما أمرت به. فقال جبرئيل: هذا آخر وطئ للارض إنما كنت حاجتى من الدنيا فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلا روحه الطيبة جاءت التعزية إذ جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه. فقال: السلام عليكم ورحمة الله كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات. فبالله ثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” هل تدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام. قال ابن عباس: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده اصحابه. قام إليه عمار بن ياسر قال له: فداك أبى وأمى يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك ؟ قال: ذاك علي ابن أبى طالب إنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك. قال له: فداك أبى وأمى يا رسول الله. فمن يصلى عليك منا إذا كان ذلك منك ؟ قال: مه رحمك الله ثم قال لعلى ” عليه السلام “: يا بن أبى طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وانق غسلى وكفني في طمرى هذين. أو في بياض مصر وبرد يمانى فلا تغال في كفني، واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري. فأول من يصلى علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه. قال ابن الفارسى: يعنى يوجد الله الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من فوق عرشه. كما قال تعالى: إن الله وملائكتة يصلون على النبي لا إنه تعالى من فوق عرشه، لان الفوق والتحت من أسماء المضاف، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصى عددهم إلا الله جل وعز، ثم الحافون بالعرش ثم سكان أهل سماء سماء. ثم جل أهل


[ 73 ]

بيتى ونسائي الاقربون فالاقربون يومون إيماءا، ويسلمون تسليما ولا تؤذوني بصوت نائحة ولا برنة. ثم قال يا بلال هلم على بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) معتصبا بعمامته متوكيا على قوسه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال معاشر أصحابي: أي نبى كنت لكم، ألم أجاهد بين أظهركم. ألم تكسر رباعيتي. ألم يعفر جبيني، ألم تسل الدما على حر وجهى ؟ حتى خضبت لحيتى ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال قومي ؟ ألم اربط حجر المجاعة على بطني ؟ قالوا: بلى يا رسول الله لقد ابتليت. وكنت لله صابرا، وعن منكر بلاء الله ناهيا فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال: وأنتم فجزاكم الله خير الجزاء ثم قال إن ربى عزوجل حكم وأقسم إلا يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم الله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فليقتص، والقصاص في دار الدنيا أحب الي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والانبياء. فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له: سوادة بن قيس. فقال له: فداك أبى وأمى يا رسول الله إنك لما أقبلت من الطائف استقلتك وانت على ناقتك العضبا، وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني. فلا أدرى عمدا أم خطأ فقال: معاذ الله أن أكون تعمدت ثم قال يا بلال: قم إلى منزل فاطمة فأتيني بالقضيب الممشوق فخرج بلال وهو ينادى في سكك المدينة معاشر الناس من الذى يعطى القصاص من نفسه قبل يوم القيامة ؟ فطرق بلال الباب على فاطمة وهو يقول: يا فاطمة قومي فوالدك يريد القضيب الممشوق. فصاحت عليها السلام فقالت: يا بلال وما يصنع والدى بالقضيب وليس هذا يوم القضيب فقال بلال: يا فاطمة اما علمت ان والدك قد صعد المنبر، وهو يودع أهل الدين والدنيا فصاحت فاطمة عليها السلام. وهى تقول واغماه لغمك يا أبتاه من للفقراء والمساكين وابن السبيل حبيب والله حبيب القلوب. ثم ناولت بلالا القضيب فخرج حتى ناوله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أين الشيخ ؟ فقال الشيخ: هاأنا ذا يا رسول الله بأبى أنت وأمى قال تعال فاقتض حتى ترضى. قال الشيخ: فاكشف لى عن بطنك فكشف (صلى الله عليه وآله) عن بطنه. فقال الشيخ: بأبى أنت وأمى يا رسول الله أتأذن لي ان أضع فمى على بطنك فأذن له. فقال أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم القيامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص قال بل أعفو يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم اعف عن سوادة بن قيس. كما عفى


[ 74 ]

عن نبيك محمد ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بيت أم سلمة، وهو يقول رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. وقالت أم سلمة يا رسول الله ما لي أراك مغموما متغير اللون. قال نعيت الي نفسي هذه الساعة سلام لك منى في الدنيا فلا تسمعين بعد هذا صوت محمد أبدا فقالت أم سلمة: واحزناه حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمد ثم قال (صلى الله عليه وآله) ادع لى حبيبة نفسي وقرة عينى فاطمة ثم اغمى عليه فجائت فاطمة وهى تقول نفسي لنفسي الفداء ووجهى لوجهك الوقا يا ابتاه ألا تكلمني كلمة، فانى أنظر اليك وأراك تفارق الدنيا. وأرى عساكر الموت تغشاك شديدا. فقال لها بنية انى مفارقك فسلام عليك منى، قالت: يا ابتاه فأين الملتقى يوم القيامة قال: عند الحساب. قالت فإن لم القك عند الحساب قال: عند الشفاعة لامتي. قالت: فإن لم ألقك عند الشفاعة لامتك قال عند الصراط جبرئيل عن يمينى وميكائيل عن يسارى والملائكة من خلفي وقدامي ينادون رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. فقالت فاطمة عليها السلام فأين والدتى خديجة قال: في قصر له أبواب إلى الجنة ثم أغمى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى بالناس وخفف الصلاة ثم قال: ادعوا لي علي بن أبى طالب وإسامة بن زيد فوضع ” عليه السلام ” أحدى يديه على عاتق علي ” عليه السلام ” والاخرى على إسامة. ثم قال انطلقا بى إلى فاطمة فجاءا به حتى وضعا رأسه في حجرها فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويضطربان وهما يقولان انفسنا لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هذان يا علي قال: هذان ابناك الحسن والحسين فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن ” عليه السلام ” يبكى أشد بكاء فقال له كف يا حسن فقد شققت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل ملك الموت ” عليه السلام “. فقال السلام عليك يا رسول الله، قال وعليك السلام يا ملك الموت لي اليك حاجة قال: وما حاجتك يا رسول الله ؟ قال: حاجتى أن لا تقبض روحي حتى يجيئ جبرئيل ” عليه السلام ” فيسلم علي واسلم عليه، فخرج ملك الموت وهو يقول: يا محمداه فاستقبله جبرئيل في الهواء. فقال: يا ملك الموت قبضت روح محمد قال: لا يا جبرئيل يسألنى أن لا أقبض روحه حتى يلقاك فيسلم عليك وتسلم عليه، قال جبرئيل يا ملك الموت أما ترى أبواب السماء مفتحة لروح محمد (صلى الله عليه وآله) أما ترى حور العين قد تزين لروح محمد ثم نزل جبرئيل ” عليه السلام ” فقال السلام عليك يا أبا القاسم فقال: وعليك السلام يا جبرئيل ادن منى حبيبي جبرئيل


[ 75 ]

فدنا منه. فنزل ملك الموت فقال له جبرئيل: يا ملك الموت احفظ وصية الله في روح محمد وكان جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وملك الموت آخذ بروحه صلوات الله عليه وآله كلما كشف الثوب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى جبرئيل فقال: عند الشدائد لا تخذلني، فقال: يا محمد (أنك ميت وانهم ميتون كل نفس ذائقة الموت). فروى عن عبد الله بن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في ذلك المرض: أدعوا لي حبيبي فجعل يدعى له رجل بعد رجل فيعرض عنه، فقيل لفاطمة امضى إلى علي ما نرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد غير علي فبعثت فاطمة إلى علي ” عليه السلام ” فلما دخل فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينيه وتهلل وجهه، ثم قال: إلى يا علي فما زال علي ” عليه السلام ” يدنيه حتى أخذ بيده واجلسه عند رأسه، ثم أغمى عليه صلوات الله عليه وآله، فجاء الحسن والحسين عليهما السلام يصيحان يضجان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله، فأراد علي ان ينحيهما عنه فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال يا علي: دعني اشمهما ويشماني واتزود منهما ويتزودان منى، اما انهما سيظلمان بعدى ويقتلان ظلما فلعنة الله على من يظلمهما، يقول ذلك ثلاثا ثم مد يده إلى علي ” عليه السلام ” فجذبه إليه حتى ادخلها تحت ثوبه الذى كان عليه، ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة (صلى الله عليه وآله) فأنسل علي ” عليه السلام ” من تحت ثيابه وقال عظم الله أجوركم في نبيكم فقد قبضه الله فأرتفعت الاصوات بالضجة والبكاء فقيل لامير المؤمنين ” عليه السلام ” ما الذى ناجاك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدخلت تحت ثيابه فقال علمني الف باب كل باب يفتح الف باب وكان سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ ثلاثا وستين سنة ومدة نبوته ورسالته ثلاثة وعشرون سنة، ثلاث عشرة سنة بمكة وعشرة بالمدينة. قال الشاعر: سلام على من قدس الارض إذ ثوى * بها منه جسم طيب طاهر النشر سلام على الانجاب ما ذر شارق * إلى القبة البيضاء سلام على القبر وقالت فاطمة، بعد وفاة أبيها صلوات الله عليهما: حقيق على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الايام صرن لياليا


[ 76 ]

فصل في ذكر وصف النبي صلى الله عليه وآله (روى) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وهو في مسجد الكوفة محتبيا بحمايل سيفه فقال: يا أمير المؤمنين صف لي صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى كأنى انظر إليه ؟ قال نعم كان أبيض اللون مشرب حمرة ادعج العينين، سبط الشعر دقيق المسربة سهل الخد سرته تجرى كالقصب لم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره، كان شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينحدر في صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا لم يكن بالقصير ولا بالطويل، عرقه في وجهه اللؤلؤ وريح عرقه اطيب من ريح المسك الاذفر، لم أر مثله قبله ولا بعده صلوات الله عليه وآله. مجلس في ذكر مولد أمير المؤمنين علي عليه السلام (وروى) إن أمير المؤمنين علي بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخليفته الامام العادل والسيد المرشد والصديق الاكبر سيد الوصيين، وإمام الموحدين كنيته: أبو الحسن، ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلة من رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أول هاشمى في الاسلام من هاشميين. قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وكانت حاملا به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق فقالت: رب إنى مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وانى مصدقة بكلام جدى ابراهيم الخليل ” عليه السلام ” وإنه بنى البيت العتيق فبحق الذى بنى هذا البيت، وبحق المولود الذى في بطني لما يسرت علي ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه


[ 77 ]

وغابت عن أبصارنا والتزق الحايط فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا إن في ذلك أمر من الله عزوجل ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ثم قالت انى فضلت على من تقدمنى من النساء. لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عزوجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله في إلا اضطرارا، وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا، وانى دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها فلما أردت أن اخرج هتف بى هاتف: يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله العلي الاعلى يقول: انى شققت اسمه من اسمى، وأدبته بأدبى ووقفته على غوامض علمي، وهو الذى يكسر الاصنام في بيتى، وهو الذى يؤذن فوق ظهر بيتى ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن احبه واطاعه، وويل لمن ابغضه وعصاه. قال جابر بن عبد الله الانصاري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فقال: آه آه لقد سألتنى عن خير مولود ولد بعدى على سنة المسيح ” عليه السلام ” إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد، قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة الف عام فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه واستقررت انا في جنبه الايمن، وعلي في الايسر ثم نقلنا من صلبه في الاصلاب الطاهرات إلى الارحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى اطلعني الله تعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فأستودعني خير رحم وهى آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم، وهى فاطمة بنت أسد ثم قال: يا جابر ومن قبل ان يقع على في بطن امه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له المثرم بن رعيب بن الشيقنام وكان مذكورا في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة، ولم يسأل حاجة فسأل ربه أن يريه وليا له، فبعث الله تبارك وتعالى بأبى طالب إليه فلما ان بصر به المثرم، قام إليه فقبل رأسه واجلسه بين يديه، فقال: من انت يرحمك الله ؟ قال: رجل من تهامة، فقال من أي تهامة ؟ قال من مكة، قال ممن ؟ قال: من عبد مناف قال من أي عبد مناف ؟ قال من بنى هاشم فوثب إليه الراهب فقبل رأسه ثانيا، وقال الحمد لله الذى أعطاني مسألتي، فلم يمتنى حتى أرانى وليه، ثم قال له: أبشر يا هذا فإن العلي الاعلى قد ألهمنى إلهاما فيه بشارتك، قال أبو طالب وما هو ؟ قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك وتعالى وهو إمام المتقين ووصى رسول الله، فان ادركت


[ 78 ]

ذلك الولد فأقرأه منى السلام وقل له: ان المئرم يقرؤك السلام، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله وانك وصيه حقا، بمحمد تتم النبوة وبك تتم الوصية، قال: فبكى أبو طالب، وقال له: ما اسم هذا المولود ؟ قال اسمه علي، فقال أبو طالب انى لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان بين ودلالة واضحة قال المثرم: فما تريد أن اسأل الله لك ان يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك قال أبو طالب: اريد طعاما من الجنة في وقتى هذا فدعا الراهب بذلك فما استتم دعاه حتى أتى بطبق عليه من فواكه الجنة رطبة وعنبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحا من ساعته، حتى رجع إلى منزله فأكلها فتحولت ماءا في صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد، فحملت بعلي وارتجت الارض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من ذلك شدة وفزعوا، وقالوا قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبى قبيس، حتى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحل بساحتكم، فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبى قبيس، فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم صم الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها فلما بصروا بذلك. قالوا لا طاقة لنا بما حل بنا. فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه. فقال: يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد احدث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقا ان لم تطيعوه، ولم تقروا بولايته وتشهدوا بأمامته لم يسكن ما بكم، ولا يكون لكم بتهامة مسكنا، فقالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك فبكى أبو طالب، ورفع إلى الله تعالى يديه، وقال إلهى وسيدي اسألك بالمحمدية المحمودة، وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة فو الذى فلق الحبة وبرء النسمة، لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات، فتدعوا بها عند شدائدها في الجاهلية وهى لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها، فلما كانت الليلة التى ولد فيها أمير المؤمنين ” عليه السلام “. اشرقت السماء بضيائها، وتضاعف نور نجومها وأبصرت من ذلك قريش عجبا، فهاج بعضها في بعض وقالوا: قد حدث في السماء حادثة، وخرج أبو طالب يتخلل سكك مكة واسواقها، ويقول: يا أيها الناس تمت حجة الله، واقبل الناس يسألونه عن علة ما يرونه من اشراق السماء وتضاعف نور النجوم فقال لهم ابشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله، يكمل الله فيه خصال الخير ويختم به الوصيين، وهو إمام المتقين وناصر الدين، وقامع المشركين، وغيظ المنافقين


[ 79 ]

وزين العابدين ووصى رسول رب العالمين. إمام هدى ونجم علا ومصباح دجى ومبيد الشرك والشبهات وهو نفس اليقين، ورأس الدين فلم يزل يكرر هذه الكلمات والالفاظ إلى ان اصبح فلما اصبح غاب عن قومه اربعين صباحا. قال جابر: فقلت يا رسول الله إلى أين غاب ؟ قال: إنه مضى بطلب المثرم. وقد مات في جبل اللكام فأكتم يا جابر. فإنه من اسرار الله المكنونة وعلومه المخزونة وان المثرم كان وصف لابي طالب كهفا في جبل اللكام. وقيل له: إنك تجدني هناك حيا أو ميتا فلما مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف، ودخل إليه وجد المثرم ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مستجر بها إلى قبلته، فإذا هناك حيتان احديهما بيضاء والاخرى سوداء، وهما يدفعان عنه الاذى، فلما بصرا بأبى طالب غربتا في الكهف ودخل أبو طالب إليه فقال: السلام عليك ياولي الله ورحمة الله وبركاته، فاحيا الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما يمسح وجهه، ويقول: اشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله وان عليا ولى الله والامام بعد نبي الله، فقال أبو طالب ابشر فإن عليا قد اطلع إلى الارض فقال: ما كانت علامة الليلة التى طلع فيها، قال أبو طالب: لما مضى من الليل الثلث اخذت فاطمة فيها ما يأخذ النساء عند الولادة، فقلت لها: ما لك يا سيدة النساء قالت: انى اجد وهجا فقرأت عليها الاسم الذى فيه النجاة فسكنت، فقلت لها انى انهض فأتيك بنسوة من صواحبك تعينك على أمرك في هذه الليلة، قالت رأيك يا أبا طالب. فلما قمت لذلك إذ أنا بهاتف يهتف من زاوية البيت وهو يقول: امسك يا ابا طالب فإن ولى الله لا يمسه يد نجسة، وإذا انا باربع نسوة دخلن عليها وعليهن ثياب كهيئة الحرير الابيض، وإذا رايحتهن أطيب من المسك الاذفر، فقلن لها السلام عليك يا ولية الله فأجابتهن، ثم جلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة، فآنسنها حتى ولد أمير المؤمنين ” عليه السلام “. فلما ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة قد سجد على الارض وهو يقول: اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله، واشهد إن عليا وصى رسول الله بمحمد يختم الله النبوة، وبى يتم الوصية وانا أمير المؤمنين فأخذته واحدة منهن من الارض، ووضعته في حجرها. فلما نظر في وجهها ناداها بلسان ذلق ذرب: السلام عليك يا اماه. فقالت: وعليك السلام يا بنى، فقال ما خبر والدى ؟ فقالت: في نعم الله يتقلب وفى صحبته يتنعم، فلما سمعت ذلك لم اتمالك ان قلت


[ 80 ]

يا بنى الست بأبيك ؟ قال: بلى ولكني واياك من صلب آدم وهذه أمي حواء فلما سمعت ذلك غطيت رأسي بردائي، والقيت نفسي بنفسى في زاوية البيت حيناءا منها ثم دنت الاخرى ومعها جونة فأخذت عليا، فلما نظر إلى وجهها قال السلام عليك يا اختى، قالت وعليك السلام يا اخى، قال: فما خبر عمى ؟ قالت بخير، وهو يقرأ عليك السلام فقلت: يا بنى أي اخت هذه وأى عم هذا ؟ قال: هذه مريم بنت عمران، وعمى عيسى ” عليه السلام ” وطيبته بطيب كان في الجونة فأخذته اخرى منهن، فأدرجته في ثوب كان معها قال أبو طالب فقلت لو طهرناه لكان اخف عليه وذلك ان العرب كانت تطهر أولادها، فقالت يا ابا طالب إنه ولد طاهر مطهرا لا يذيقه حر الحديد في الدنيا إلا على يدى رجل يبغضه الله ورسوله وملائكته والسماوات والارض والجبال والبحار، وتشتاق إليه النار فقلت من هذا الرجل ؟ فقلن: ابن ملجم المرادى لعنه الله، وهو قاتله في الكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد (صلى الله عليه وآله) قال: ثم غبن النسوة فلم ارهن فقلت في نفسي لو عرفت المرأتين الآخرتين فالهم الله عليا، فقال يا أبى اما المرأة الاولى فكانت حواء، واما الذى احضنتني فهى مريم بنت عمران التى احصنت فرجها واما التى ادرجتني في الثوب، فهى آسية بنت مزاحم. واما صاحبة الجونة فهى أم موسى بن عمران، فالحق بالمثرم الآن وبشره وخبره بما رأيت فانه في كهف كذا موضع كذا، فخرجت حتى اتيته وانه وصف حيتين فقلت اتيتك ابشرك بما عاينته، وشاهدت من ابني علي فبكى المثرم. ثم سجد شكرا لله ثم تمطى فقال غطني بمدرعتي فغطيته فإذا انا به ميت كما كان فاقمت ثلاثا اكلم فلا اجاب فاستوحشت لذلك وخرجت الحيتان فقالتا لي: السلام عليك يا ابا طالب فاجبتهما، ثم قالتا لي الحق بولي الله فانك احق بصيانته، وحفظه من غيرك فقلت لهما: من انتما ؟ قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله من خيرات عمله فنحن نذب عنه الاذى إلى أن تقوم الساعة فإذا قامت القيامة كان أحدنا قائده، والآخر سائقه ودليله إلى الجنة، ثم انصرف أبو طالب رضى الله عنه إلى مكة. قال جابر فقلت: يا رسول الله اكثر الناس يقولون: ان ابا طالب مات كافرا (1)


(1) راجع كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبى طالب. (*)

[ 81 ]

قال يا جابر: ربك اعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التى اسرى بى فيها إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت اربعة انوار فقلت: إلهى ما هذه الانوار، فقال يا محمد هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا اخوك طالب فقلت: إلهى وسيدي فبماذا نالوا هذه الدرجة ؟ قال: بكتمانهم الايمان، واظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا عليه سلام الله عليهم اجمعين. وروى ان فاطمة بنت أسد ام أمير المؤمنين ” عليه السلام ” كانت حاضرة في الليلة التى ولدت فيها آمنة بنت وهب ام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأت مثل الذى رأته، فلما كان الصبح انصرف أبو طالب من الطواف فاستقبلته، ثم قالت له: لقد رأيت الليلة عجبا، قال لها ما رأيت ؟ قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولودا اضائت له الدنيا بين السماء والارض نورا حتى مددت عينى، فرأيت سعفات هجر فقال لها: أبو طالب انتظري سبتا تأتين بمثله فولدت أمير المؤمنين بعد ثلاثين سنة، وهكذا روى: ان السبت ثلاثون سنة. وروى ان محمد بن الفضيل الدروقى عن أبى حمزة الثمالى، قال: سمعت علي بن الحسين ” عليه السلام ” يقول: إن فاطمة بنت أسد رضى الله عنها ضربها الطلق، وهى في الطواف فدخلت الكعبة فولدت أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فيها. قال عمر بن عثمان: ذكرت هذا الحديث لسلمة بن الفضل فقال: حدثنى محمد بن اسحاق عن عمه وموسى بن بشار، ان علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” ولد في الكعبة، وفى ذلك يقول السيد الحميرى في شعر له: ولدته في حرم الاله امه * والبيت حيث فناؤه والمسجد بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الاسعد ما لف في خرق القوابل مثله * إلا ابن آمنة النبي محمد


[ 82 ]

مجلس في ذكر اسلام أمير المؤمنين عليه السلام (إعلم): ان اول من اسلم علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وقد طعن قوم في هذا وقالوا إن علي بن أبى طالب كان صغيرا في بدو الامر، فهذا المحال والخطأ الكبير ولا خلاف إنه أول من صلى من الرجال مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يشكو أن الدعوة لزمته، ولم تقع الدعوة إلا على مستحق مع ما ثبت من الخبر، عن الرجال الثقات في عقدة عقله من حين ولدته أمه قبل ان يسلم إلى ان أسلم. وروى عن مجاهد عن أبى عمر: وأبى سعيد الخدرى قالا: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ دخل سلمان الفارسى، وابوذر الغفاري، والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وابو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو الطفيل بن عامر بن واثلة فجثوا بين يديه، والحزن ظاهر في وجوههم فقالوا: فديناك بالآباء والامهات يا رسول الله إنا نسمع من قوم في اخيك وابن عمك ما يحزننا، وإنا نستأذنك في الرد عليهم، ققال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما عساهم يقولون في أخى وابن عمى علي ابن ابى طالب ؟ فقالوا: يقولون أي فضل لعلي في سبقه إلى الاسلام وإنما ادركه الاسلام طفلا، ونحو هذا القول: فقال: (صلى الله عليه وآله) أفهذا يحزنكم ؟ قالوا، إى والله، فقال: وبالله اسألكم هل علمتم من الكتب السالفة إن ابراهيم ” عليه السلام ” هرب به أبوه من الملك الطاغى فوضعت به امه بين اثلاث بشاطئ نهر يتدفق بين غروب الشمس واقبال الليل، فلما وضعته استقر على وجه الارض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من شهادة أن لا إله الا الله، ثم أخذ ثوبا فامتسح به وامه تراه، فذعرت منه ذعرا شديدا، ثم مضى يهرول بين يديها مادا عينيه إلى السماء فكان منه ما قال الله عزوجل (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكبا، قال: هذا ربى – إلى قوله: انى برئ مما يشركون) وعلمتم إن موسى ابن عمران ” عليه السلام ” كان فرعون في طلبه ينقر بطون النساء الحوامل، ويذبح الاطفال ليقتل موسى، فلما ولدته امه امرت ان تأخذه من تحتها وتقذفه في التابوت، وتلقى بالتابوت


[ 83 ]

في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى، وقال لها: يا أم أقذفيني في التابوت، وإلقى التابوت في اليم، فقالت وهى ذعرة من كلامه: يا بنى انى أخاف عليك من الغرق ؟ فقال لها لا تحزني إن الله رادنى اليك فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى، وقال لها يا ام اقذفيني في التابوت وإلقى التابوت في اليم ففعلت ما امرت به، فبقى في التابوت واليم إلى أن قذفه في الساحل ورده إلى امه برمته لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا معصوما. (وروى) ان المدة كانت: سبعين يوما (وروى) سبعة اشهر. وقال الله تعالى في حال طفوليته (ولتصنع على عينى إذ تمشى اختك، فتقول هل أدلكم عى من يكفله، فرجعناك إلى امك كى تقر عينها ولا تحزن) الآية: وهذا عيسى بن مريم ” عليه السلام ” قال الله عزوجل فيه: (فناداها من تحته ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا – إلى قوله: إنسيا) فكلم امه وقت مولده وقال حين اشارت إليه (فقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال: انى عبد الله آتانى الكتاب) إلى آخر الآية فتكلم ” عليه السلام ” في وقت ولادته، واعطى كتاب النبوة واوصى بالصلاة والزكاة في ثلاثة أيام من مولده، وكلمهم في اليوم الثاني من مولده، وقد علمتم جميعا ان الله عزوجل خلقني وعليا نورا واحدا، وإنا كنا في صلب آدم نسبح الله تعالى ثم نقلنا إلى اصلاب الرجال وارحام النساء يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر إلى عبد المطلب وان نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا، وامهاتنا حتى تبين اسماؤنا مخطوطة بالنور على جباههم، ثم افترق نورنا فصار نصفه في عبد الله، ونصفه في أبى طالب عمى، وكان يسمع تسبيحنا من ظهورهما، وكان أبى وعمى إذا جلسا في ملا من قريش وقد تبين نوري من صلب أبى، ونور علي من صلب أبيه إلى ان خرجنا من اصلاب أبوينا وبطون امهاتنا، ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي فقال لى: يا حبيب الله. الله يقرأ عليك السلام ويهنيك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوتك واعلان وحيك وكشف رسالتك، إذ ايدتك باخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به ازرك واعليت به ذكرك فقمت مبادرا وجدت فاطمة بنت اسد أم علي وقد جاءها المخاض وهو بين النساء والقوابل حولها، وقال حبيبي جبرئيل يا محمد أسجف بينها وبينك سجفا فإذا وضعت بعلي فتلقاه، ففعلت ما امرت به ثم قال لى: امدد يدك يا محمد فإنه صاحبك اليمين، فمددت يدى نحو أمه فإذا بعلي مائلا على يدى واضعا يده


[ 84 ]

اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله عزوجل وبرسالتي، ثم قال لي يا رسول الله اقرأ قلت اقرأ، فو الذى نفس محمد بيده لقد ابتدء بالصحف التى انزلها الله عزوجل على آدم. فقام بها شيث فتلاها من اول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر بها شيث لاقر له إنه احفظ له منه، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضره موسى لاقر بأنه احفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضره داود لاقر بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ انجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لاقر بأنه احفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذى أنزله الله علي من أوله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير ان اسمع منه آية، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب الانبياء والاوصياء، ثم عاد إلى حال طفوليته فلم تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله تعالى، هل تعلمون انى أفضل النبيين وان وصييي افضل الوصيين، وان أبى آدم ” عليه السلام ” لما رأى اسمى واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وأسماء أولادهم مكتوبا على ساق العرش بالنور قال: إلهى وسيدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منى ؟ فقال يا آدم لولا هذه الاسماء لما خلقت سماء مبنية، ولا ارضا مدحية ولا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا ولا خلقتك يا آدم فلما عصى آدم ربه سأله بحقنا أن يقبل توبته، ويغفر خطيئته فاجابه وكنا الكلمات التى تلقاه آدم من ربه عزوجل. فتاب عليه وغفر له فقال له: يا آدم ابشر فأن هذه الاسماء من ذريتك وولدك فحمد آدم ربه عزوجل وافتخر على الملائكة بنا وأن هذا من فضلنا وفضل الله علينا. وقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): انتم الفائزون ولكم خلقت الجنة. ولاعدائنا وأعدائكم خلقت النار. قال سعيد بن جبير: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابي طالب: اخطب على خديجة بنت خويلد. قال: ان ذهبت فردوني كانت الفضيحة. ولكن انطلق يا حمزة فأنت صهر القوم فان ردوك كان اجمل. فمروا بعلي بن أبى طالب فقالوا إنطلق حتى تزوج محمدا قال آخذ بردي ونعلي: فتبعهم علي. فلما دخلوا قالوا: تكلم فقال النبي (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الحى الذى لا يموت. قالوا: وما هذا من الكلام ؟ فلم يدع شيئا اراده وارادوه الا تكلم به فقال لهم: تكلموا قالوا: تكلمت بما اردت واردنا ولكن من يضمن المهر ؟ فقال علي ” عليه السلام ” أبى يضمن لكم المهر. فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقبل عليا ويقول: بأبى انت وامى فهذا قبل الاسلام فهل يمدح الكامل من العقلاء إلا بنحو هذا المذهب قال حبة


[ 85 ]

ابن جويرية العرنى: سمعت عليا ” عليه السلام ” على المنبر يقول: اللهم انى لا اعلم احدا أسلم قبلي من هذه الامة غير نبيها صليت قبل ان يصلي احد سبعا. وقال حبة العرنى عن علي ” عليه السلام ” قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين واسلمت يوم الثلاثاء. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: عبدت الله قبل ان يعبده أحد من هذه الامة خمس سنين أو سبع سنين، ان اول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر. قلت يا رسول الله: ما هذا ؟ قال: أمرت به. قال أبو رافع: صلى النبي (صلى الله عليه وآله) غداة الاثنين. وصلت الخديجة آخر نهار يوم الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء. قال علي ” عليه السلام ” فكنت اصلى سبع سنين قبل الناس. قال أمير المؤمنين: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام احملني لنطرح الاصنام من الكعبة فلم اطق حمله فحملني فلو شئت اتناول السماء فعلت. قال عيسى بن سوادة بن الجعد: حدثنى محمد بن المكندر، وربيعة بن أبى عبد الرحمن وأبى حازم المدنى والكلبي. قالوا: علي ” عليه السلام ” اول من اسلم. قال الكلبى: وهو ابن تسع سنين. وقال ابن اسحاق: كان اول ذكر آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى معه وصدقه بما جاء به من عند الله علي بن أبى طالب ” عليه السلام “، وهو يومئذ ابن عشر سنين، وكذلك قال مجاهد وقال جابر: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وصلى علي ” عليه السلام ” يوم الثلاثاء. وقيل: اسلم علي، وهو ابن اربع عشرة سنة. وقيل: ابن احدى عشرة سنة وقيل: اثنا عشرة سنة، وهاجر إلى المدينة، وهو ابن اربع وعشرين سنة. قال أبو ايوب الانصاري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد صلت الملائكة علي، وعلى علي سبع سنين، وذلك إنه لم يصل معي رجل غيره. وقال ابن عباس: في قوله عزوجل: (والسابقون السابقون اولئك المقربون) قال: نزلت في علي عليه السلام. وروى محمد بن اسحاق باسناده عن عفيف، قال عفيف: كنت امرءا تاجرا وكان عباس بن عبد المطلب لى صديقا، وكان يختلف إلى اليمن يشترى العطر ايام الموسم فقدمت ايام الحج في الجاهلية إلى مكة، فنزلت على العباس بن عبد المطلب. قال: فلما


[ 86 ]

طلعت الشمس، وحلقت إلى السماء، وانا انظر إلى الكعبة اقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل فقام مستقبلها فلم يلبث ان جاء غلام فقام عن يمينه، فلم يلبث ان جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب وركع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدا فسجد معه. فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فقلت: يا عباس امر عظيم. قال أمر عظيم تدرى من هذا ؟ فقلت: لا. فقال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخى يزعم إن ربه ارسله، وأمر بهذا وان كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه. أتدرى من هذا الغلام ؟ فقلت: لا قال: هذا علي بن أبى طالب بن عبد المطلب ابن اخى. أتدرى من هذه المرأة إلى خلفهما ؟ قلت: لا قال: خديجة بنت خويلد زوجة ابن اخى، وايم الله ما أعلم على ظهر الارض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء. قال عفيف بعد ما اسلم ورسخ الاسلام في قلبه: يا ليتنى كنت رابعا. قال محمد بن اسحاق: وكان مما انعم الله به على علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” إنه كان في حجر النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام. فحدثني عبد الله بن أبى نجيح. عن مجاهد بن خير أن الحجاج قال: كان من نعمة الله تعالى على علي بن أبى طالب، وما صنع الله له واراده به من الخير إن قريشا اصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس عمه، وكان من اسن بنى هاشم: يا عباس إن اخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة فأنطلق بنا نخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ من بنيه رجلا فنكفهما عنه. قال العباس: نعم فأنطلقا حتى اتيا ابا طالب فقالا: انا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه: فقال أبو طالب لهما ان تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي بن أبى طالب مع رسول الله عليهما الصلاة والسلام حتى بعثه الله نبيا، واتبعه علي فآمن به وصدقه ولم يزل جعفر مع العباس حتى اسلم واستغنى عنه. قال الصادق ” عليه السلام “: اول جماعة كانت ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلى وأمير المؤمنين معه إذ مر أبو طالب به، وجعفر معه قال يا بنى: صل جناح ابن عمك فلما احسه رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقدمهما، وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول: إن عليا وجعفرا ثقتى * عند ملم الزمان والكرب


[ 87 ]

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * اخى لامى من بنيهم وأبى والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب وقال خزيمة بن ثابت: ما كنت أحسب هذا الامر منصرفا * عن هاشم ثم منها على أبى حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * واعرف الناس بالآيات والسننن وآخر الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن ماذا الذى ردكم عنه فنعلمه * ها ان بيعتكم من اغبن الغبن عن أبى الحسن علي بن عبد الله بن أبى يوسف بن أبى سيف المدايني. قال كتب معاوية إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام “: يا ابا الحسن إن لي فضايل كثيرة كان أبى سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الاسلام، وانا صهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخال المؤمنين وكاتب الوحى فلما قرأ أمير المؤمنين ” عليه السلام ” كتابه. قال: ابا الفضايل يفخر علي ابن آكلة الاكباد يا غلام اكتب وأملى عليه: محمد النبي أخى وصهري * وحمزة سيد الشهداء عمى وجعفر الذى يضحى ويمسى * يطير مع الملائكة ابن امى وبنت محمد سكنى وعرسي * منوط لحمها بدمى ولحمي وسبطا أحمد ابناى منها * فمن منكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت اوان حلمي واوجب لي ولاية عليكم * رسول الله يوم غدير خم وما ان زلت اضربهم بسيفي * إلى ان ذل للاسلام قومي فويل ثم ويل ثم ويل * لمن يلقى الاله غدا بظلم فلما قرأها معاوية قال: مزقه يا غلام لا يقرأها أهل الشام فيميلون نحو ابن ابى طالب.


[ 88 ]

مجلس في ذكر الامامة وامامة علي ابن أبى طالب وأولاده صلوات الله عليهم أجمعين اعلم إن الامامة واجبة بدلالة إن الناس متى كانوا غير معصومين، ويجوز منهم الخطأ والنسيان، وترك الواجب إذا كان لهم رئيس مطاع منبسط اليد يردع المعاند ويؤدب الجاني. فيأخذ على يد السفيه والجاهل، وينتصف للمظلوم من الظالم كانوا إلى وقوع الصلاح، وقلة الفساد اقرب ومتى خلوا من رئيس على ما وصفناه، وقع الفساد وقل الصلاح ووقع الهرج والمرج، وفسدت المعايش بهذا جرت العادات وحكم الاعتبار من خالف في ذلك لا يحسن مكالمته لكونه مركوزا في اوايل العقول، ويجب أن يكون الامام معصوما لان الناس إنما احتاجوا إلى رئيس لكونهم غير معصومين، فلو احتاج الرئيس إلى رئيس آخر أدى إلى التسلسل، وان احتاج إلى رعية لكان احتاج الشئ إلى نفسه وذلك باطل. ويجب أن يكون افضل رعيته في الظاهر والباطن لكونه اكثر ثوابا عند الله يدل على ذلك عصمته، وعلى الظاهر قبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو افضل منه كقبح تقديم المبتدى في الفقه على أبى حنيفة والشافعي. ويجب أن يكون عالما بجميع الشرع لكونه حاكما في جميع ذلك. لانه يقبح من حكماء الملوك ان تولى الوزارة والنظر في أمر مملكته من لا يحسنها أو يحسن بعضها. ويجب أن يكون اشجع الناس إذا كان متعبدا بالجهاد لانه لو لم يكن كذلك لانهزم وانهزم بأنهزامه المسلمون فيكون به بوار الاسلام. ويجب أن يكون اعقل الناس والمراد بالاعقل اجودهم رأيا واعلمهم بالسياسة. ويجب أن يكون على صورة غير منفرة ولا مشينة. ويجب أن يكون منصوصا عليه أو يكون له معجز لانه قد ثبت إنه معصوم والعصمة لا تدرك حسا ولا مشاهدة. فيجب أن ينص عليه اما بالمعجز أو باخبار النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا ثبت ذلك يجب ان يكون الامام أمير المؤمنين، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي


[ 89 ]

ابن الحسين ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق ثم موسى الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي. ثم علي بن محمد. ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم صلوات الله عليهم اجمعين لان من شرط هذه الشروط قال الائمة هؤلاء، ومن خالف هذه الشروط تجوز الامامة لغيرهم فمن، قال: بهذه الشروط وقال الامام غير هؤلاء الذين ذكرناهم فقد خالف الاجماع مع إنه قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) كقوله: انت منى بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبى بعدي، وكقوله: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، قال ذلك يوم الثامن عشر من ذى الحجة بعد مرجعه من حجة الوداع والآن فنذكر ما جرى بغدير خم. روى عن أبى جعفر الباقر ” عليه السلام ” قال: حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد بلغ جميع الشرايع قومه ما خلا الحج والولاية، فأتاه جبرئيل ” عليه السلام ” فقال له: يا محمد إن الله عزوجل يقرأك السلام، ويقول لك انى لم اقبض نبيا من انبيائي ورسلي إلا بعد اكمال دينى وتكثير حجتى، وقد بقى عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج إليه ان تبلغهما قومك فريضة الحج وفريضة الولاية، والخليفة من بعدك، فانى لم اخل ارضى من حجة ولم اخليها ابدا، وان الله يأمرك أن تبلغ قومك الحج تحج ويحج معك كل من استطاع السبيل من أهل الحضر وأهل الاطراف والاعراب، وتعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذى وقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع، فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس: ألا ان رسول الله يريد الحج، وان يعلمكم من ذلك مثل الذى علمكم من شرايع دينكم، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم فبلغ من حج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أهل المدينة والاطراف والاعراب سبعين الف انسان، أو يزيدون على نحو عدد اصحاب موسى ” عليه السلام ” السبعين الالف الذين اخذ عليهم بيعة هارون ” عليه السلام ” فاتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة، فلما وقف الموقف أتاه جبرئيل ” عليه السلام ” فقال: يا محمد إن الله عزوجل يقرأك السلام ويقول لك إنه قد دنا اجلك ومدتك، وانى استقدمك على ما لا بد منه ولا محيص عنه فاعهد عهدك، وتقدم وصيتك، واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الانبياء من قبلك والسلاح والتابوت، وجميع ما عندك من آيات الانبياء فسلمها إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتى البالغة على خلقي علي بن أبى طالب فاقمه للناس، وخذ عهده وميثاقه وبيعته


[ 90 ]

وذكرهم ما اخذت عليهم من بيعتى وميثاقي الذى واثقتهم به وعهدي الذى عهدت إليهم من ولاية ولي. ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبى طالب. فأنى لم اقبض نبيا من انبيائي إلا بعد اكمال دينى، واتمام نعمتي بولاية اوليائي ومعادات اعدائي وذلك تمام كمال توحيدي وديني اتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته وانى لا اترك ارضى بغير قيم ليكون حجة على خلقي. فاليوم: أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا علي وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. علي عبدى ووصى نبيي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته مع طاعة محمد نبيي ومقرون طاعة محمد بطاعتي من اطاعه فقد اطاعني، ومن عصاه فقد عصاني جعلته علما بينى وبين خلقي. فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا ومن اشرك ببيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة. ومن لقيني بعداوته دخل النار فاقم يا محمد عليا علما. وخذ عليهم البيعة وخذ عهدي وميثاقي بالذى واثقتهم عليه. فانى قابضك الي ومستقدمك فخشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا. ويرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم وما يبطنون عليه انفسهم لعلي ” عليه السلام ” من البغضاء. وسئل جبرئيل ” عليه السلام ” أن يسأل ربه العصمة من الناس. و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله عزوجل. فأخر ذلك إلى ان بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل ” عليه السلام ” في مسجد الخيف فأمره ان يعهد عهده ويقيم عليا للناس. ولم يأته العصمة من الله تعالى بالذى اراد حتى أتى كراع العميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بالذى أمر به من قبل. ولم يأته بالعصمة فقال يا جبرئيل انى لاخشى قومي ان يكذبونى ولا يقبلوا قولى في علي فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة اميال. اتاه جبرئيل ” عليه السلام ” على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد ان الله عزوجل يقرأك السلام ويقول لك: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك – في علي – وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فكان اولهم بلغ قرب الحجفة فأمره ان يرد من تقدم منهم. وحبس من تأخر منهم في ذلك المكان ليقيم عليا للناس ويبلغهم ما انزل الله عزوجل في علي ” عليه السلام ” واخبر ان الله تعالى قد عصمه من الناس. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما جائته العصمة مناديا فنادى في الناس بالصلاة جامعة. وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل ” عليه السلام “


[ 91 ]

عن الله تعالى. وفى الموضع سلمات فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يقيم ما تحتهن وينصب له احجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس. واحتبس اواخرهم في ذلك المكان. لا يزالون وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوق تلك الاحجار. وقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذى علا بتوحيده ودنا في تفريده. وجل في سلطانه وعظم في اركانه واحاط بكل شئ وهو في مكانه – يعنى ان الشئ في مكانه – وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه حميد لم يزل محمودا لا يزال ومجيدا لا يزول ومبديا معيدا. وكل أمر إليه يعود بارئ المسموكات وداحى المدحوات. قدوس سبوح رب الملائكة والروح. متفضل على جميع من يراه متطول على جميع من ذراه يلحظ كل نفس والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شئ رحمته. ومن على جميع خلقه بنعمته لا يعجل بانتقامه. ولا يبادر بما استحقوا من عذابه قد فهم السراير. وعلم الضمائر ولم تخف عليه المكنونات. وما اشتبهت عليه الخفيات له الاحاطة بكل شئ والغلبة لكل شئ والقوة في كل شئ. والقدرة على كل شئ لا مثله شئ وهو منشئ الشئ حين لا شئ وحين لا حى قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم جل عن ان تدركه الابصار، وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير لا يلحق وصفه احد بمعاينة ولا يحد كيف وهو من سر ولا علانية إلا بما دل على نفسه أشهد له بإنه الذى ابلى الدهر قدسه، والذى يفنى الابد نوره والذى ينفذ امره بلا مشورة، ولا معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير صور ما ابتدع بلا مثال وخلق ما خلق بلا معونة من احد ولا تكلف ولا احتيال انشأها فكانت وبراها فبانت وهو الله الذى لا إله إلا هو المتقن الصنع الحسن الصنعة العدل الذى لا يجور الاكرم الذى ترجع إليه الامور أشهد إنه الله الذى تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لعزته واستلم كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الاملاك، ومسخر الشمس والقمر في الافلاك كل يجرى لاجل مسمى. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يطلبه حثيثا قاصم كل جبار عنيد، وكل شيطان مريد لم يكن له ضد ولا معه ند احد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد. إلها واحدا وربا ماجدا يشاء فيمضى، ويريد فيقضى ويعلم فيحصى، ويميت ويحيى ويفقر ويغنى ويضحك ويبكى، ويدبر فيقضى ويمنع ويعطى له الملك وله الحمد بيده الخير، وهو على كل شئ قدير يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. مستجيب الدعاء جزيل العطاء محصى الانفاس. رب الجنة


[ 92 ]

والناس الذى لا يشكل عليه لغة، ولا يضجره المستصرخون، ولا يبرمه الحاح الملحين عليه، العاصم للصالحين، والموفق للمتقين مولى رب العالمين الذى استحق من كل خلق ان يشكره ويحمده على كل حال احمده واشكره على السراء والضراء والشدة والرخاء واؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله فاسمعوا واطيعوا لامره وبادروا إلى مرضاته وسلموا لما قضاه رغبته في طاعته، وخوفا من عقوبته لانه الله الذى لا يؤمن مكره، ولا يخاف جوده واقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية، وأؤدى ما أوحى إلى به خوفا وحذرا من ان تحل بى قارعة لا يدفعها عنى احد، وان عظمت منته وصفت خلته لانه لا إله إلا هو قد أعلمني ان لم ابلغ ما انزل إلى فما بلغت رسالته فقد تضمن لي العصمة وهو الله الكافي الكريم، وأوحى إلى بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك الآية. معاشر الناس: ما قصرت عن تبليغ ما انزله وانا مبين سبب هذه الآية ان جبرئيل ” عليه السلام ” هبط الي مرارا ثلاثا يأمرنى عن السلام ربى وهو السلام ان اقوم في هذا المشهد، واعلم كل ابيض واحمر واسود ان علي بن أبى طالب اخى ووصى، وخليفتي والامام من بعدى الذى محله منى محل هارون من موسى إلا إنه لا نبى بعدى، وليكم بعد الله ورسوله وقد انزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وعلي بن أبى طالب الذى اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزوجل في كل حال، وسألت جبرئيل ” عليه السلام ” ان يستعفى لى من تبليغ ذلك اليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين، وادغال الآثمين وختل المستهزئين الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم لكثرة اذاهم غير مرة حتى سموني اذنا وزعموا إنه لكثرة ملازمته إياى واقبالي عليه، حتى انزل الله في ذلك الذين يؤذون النبي، ويقولون هو اذن فقال: قل اذن، الاذن من يصدق بكل ما يسمع على الذى تزعمون، إنه اذن خير لكم إلى آخر الآية، ولو شئت ان اسمى القائلين باسمائهم لسميت، وأومأت إليهم بأعيانهم، ولو شئت ان ادل عليهم لدللت ولكني في أمرهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني الا ان أبلغ ما انزل إلي فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك – في علي – وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) الآية.


[ 93 ]

فاعلموا معاشر الناس، وافهموه واعلموا إن الله قد نصبه لكم وليا، واماما مفترضة طاعته على المهاجرين والانصار، وعلى التابعين باحسان وعلى البادى. والحاضر والاعجمي والعربي، والحر والمملوك والصغير والكبير، وعلى الابيض والاسود وعلى كل موحد ماض حكمه حايز قوله نافذ امره ملعون من خالفه مرحوم من صدقه قد غفر الله لمن سمع له واطاع له. معاشر الناس، إنه آخر مقام اقومه في هذا المشهد. فاسمعوا واطيعوا وانقادوا لامر ربكم. فان الله عزوجل هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد، وليكم القائم المخاطب، ثم من بعدى علي وليكم، وامامكم بأمر الله من ربكم، ثم الائمة الذين من صلبه إلى يوم يلقون الله ورسوله لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله عرفني الحلال والحرام، وانا اقضيت مما علمني ربى من كتابه، وحلاله وحرامه إليه. معاشر الناس، ما من علم إلا وقد احصاه الله في وكل علم علمت فقد احصيته في إمام المتقين، ما من علم إلا علمته عليا وهو الامام المبين. معاشر الناس، لا تضلوا عنه، ولا تفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذى يهدى إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا يأخذه في الله لومة لائم أول من آمن بالله ورسوله والذى فدا رسول الله بنفسه، والذى كان مع رسول الله ولا احد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. معاشر الناس: فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس: إنه امام من الله ولن يتوب الله على احد انكر ولايته، ولن يغفر الله له حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف امره فيه، وان يعذبه عذابا نكرا ابد الآبدين ودهر الداهرين فأحذروا ان تخالفوني فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين، أيها الناس هي والله بشرى الاولين من النبيين والمرسلين. فجميع المرسلين إليهم من العالم من أهل السماوات والارضين. فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الاولى، ومن شك في قولى هذا فقد شك في الكل منه والشاك في ذلك فله النار. معاشر الناس حبانى الله بهذه الفضيلة بمنه علي، واحسان منه الي، ولا إله إلا هو وله الحمد منى ابد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال. معاشر الناس: فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدى من ذكر وانثى، بنا انزل الله


[ 94 ]

الرزق، وبقى الخلق ملعون ملعون مغضوب مغضوب على من رد قولى هذا عن جبرئيل ” عليه السلام ” عن الله تعالى فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله ان تخالفوا ان الله خبير بما تعملون. معاشر الناس: تدبروا القرآن، وافهموا آياته ومحكماته، ولا تتبعوا متشابهه فو الله لهو مبين لكم نورا واحدا، ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذى انا آخذه بيده ومصعده إلى وشائل بعضده، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي ابن ابى طالب اخى ووصى ومولاته من الله تعالى انزلها علي. معاشر الناس: إن عليا والطيبيين من ولدى هم الثقل الاصغر، والقرآن الثقل الاكبر، وكل واحد منهم مبين عن صاحبه موافق له لن يتفرقا حتى يردا على الحوض بأمر الله في خلقه وبحكمه في ارضه ألا وقد ادينا ألا وقد بلغت ألا وقد اسمعت ألا وقد اوضحت أن الله عزوجل قال: وانا قلته عن الله تعالى إلا إنه ليس أمير المؤمنين غير اخى هذا، ولا تحل أمرة المؤمنين بعدى لاحد غيره، ثم ضرب بيده إلى عضد علي فرفعه فكان أمير المؤمنين منذ اول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شال عليا حتى صارت رجليه مع ركبة رسول الله صلوات الله عليهما ثم قال: معاشر الناس: هذا علي اخى ووصى، والراعي بعدى وخليفتي على امتى وعلى تفسير كتاب الله عز عزوجل، والداعى إليه والعامل بما يرضيه، والمحارب لاعدائه والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين، والامام الهادى بأمر الله. أقول: ما يبدل القول لديه بأمر ربى. أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه والعن من انكره، واغضب على من جحده. اللهم انك انت انزلت الامامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه بما اكملت لعبادك من دينهم، وانعمت عليهم بنعمتك، ورضيت لهم الاسلام دينا فقلت: ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين اللهم انى اشهدك انى قد بلغت. معاشر الناس: انما اكمل الله عزوجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به، وبمن كان من ولدى من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله تعالى فأولئك حبطت اعمالهم، وفى


[ 95 ]

النار هم خالدون. لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. معاشر الناس: هذا انصركم لي، واحق الناس بى والله عزوجل، وانا عنه راضيان وما انزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى على الانسان إلا له، ولا انزلها في سواه ولا مدح بها غيره. معاشر الناس: هذا ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقى النقى الهادى المهتدى نبيكم خير نبى، ووصيكم خير وصى. معاشر الناس: ذرية كل نبى من صلبه، وذريتي من صلب علي. معاشر الناس: إن ابليس اخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم وتزل أقدامكم فإن آدم ” عليه السلام ” اهبط إلى الارض بخطيئة واحدة، وهو صفوة الله تعالى فكيف انتم ؟ وان زللتم وانتم عباد الله ما يبغض علي إلا شقى، ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص في علي وانزل الله سورة العصر (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الانسان لفى خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. معاشر الناس: قد اشهدت الله وبلغتكم الرسالة، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. معاشر الناس: اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وانتم مسلمون. معاشر الناس: آمنوا بالله ورسوله، وبالنور الذى انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها. معاشر الناس: النور من الله عزوجل في ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدى الذى يأخذ بحق الله، وبحق كل مؤمن لان الله عزوجل قد جعلنا حجة على المقصرين، والغادرين والمخالفين والخائنين، والآثمين والظالمين عن جميع العالمين. معاشر الناس: انى رسول قد خلت من قبله الرسل افان مت أو قتلت انقلبتم على اعقابكم، وان تنقلبوا فلن تضروا الله شيئا، وسيجزى الله الشاكرين الصابرين ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعدى ولدى من صلبه. معاشر الناس: لا تمنوا على الله باسلامكم، فيسخط الله عليكم فيصيبكم بعذاب من عنده إن ربك لبالمرصاد.


[ 96 ]

معاشر الناس: سيكون من بعدى أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون. معاشر الناس: ان الله وانا بريئان منهم. معاشر الناس: انهم وانصارهم واشياعهم واتباعهم في الدرك الاسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين. معاشر الناس: انى ادعها امامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة وقد بلغت ما بلغت حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، ولم يولد فليبلغ الشاهد الغائب، والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا سنفرغ لكم ايها الثقلان ويرسل عليكما شواظ من نار، ونحاس فلا تنتصران. معاشر الناس: إن الله عزوجل لم يكن يذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب. معاشر الناس: إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهى ظالمة كما ذكر الله عزوجل، وهذا إمامكم ووليكم وهو مواعد والله يصدق وعده. معاشر الناس: قد ضل قبلكم اكثر الاولين والله فقد اهلك الاولين وهو مهلك الآخرين إلى آخر الآية. معاشر الناس: إن الله قد أمرنى، ونهاني وقد امرت عليا ونهيته. وعليه الامر والنهى من ربه عزوجل فاسمعوا لامره وانتهوا لنهيه وصيروا إلى مراده، ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله انا صراط الله المستقيم الذى امركم باتباعه ثم علي من بعدى ثم ولدى من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ثم قرأ (صلى الله عليه وآله) الحمد لله إلى آخرها، وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت وعمت أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ألا ان حزب الله هم الغالبون ألا ان اعدائهم أهل الشقاق العادون واخوان الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. ألا ان اوليائهم الذين ذكرهم الله في كتابه المؤمنون، فقال: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله إلى آخر الآية، ألا ان أوليائهم الذين وصفهم الله عزوجل ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ألا ان اولياءهم الذين آمنوا، ولم يرتابوا ان اوليائهم الذين يدخلون الجنة آمنين، وتتلقيهم الملائكة بالتسليم ان طبتم فادخلوها خالدين ألا ان اولياءهم الذين قال الله عزوجل: يدخلون الجنة بغير


[ 97 ]

حساب. ألا ان اعدائهم يصلون سعيرا، ألا إن اعدائهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهى تفور، ولها زفير كلما دخلت امة لعنت اختها الآية. ألا إن اعدائهم الذين قال الله عزوجل: كلما القى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، ألا ان أوليائهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير. معاشر الناس: عدونا من ذمه الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه. معاشر الناس: ألا وانى منذر وعلى هاد. معاشر الناس: انى نبى وعلي وصي ألا ان خاتم الائمة منا القائم المهدى. ألا إنه الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه فاتح كل قبيلة من الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لاولياء الله عزوجل، ألا إنه الناصر لدين الله. ألا إنه الغراف من بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذى فضل بفضله، وكل ذى جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم ألا إنه المخبر عنه ربه تعالى والمشبه لامر إيمانه ألا انه الرشيد ألا إنه المفوض إليه ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق معه إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا إنه ولى الله في أرضه، وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته. معاشر الناس: قد بينت لكم فهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدى. ألا وان عند انقضاء خطبتى ادعوكم إلى مصافقتى على بيعته والاقرار به، ثم مصافقته بعد يدى، ألا وانى قد بايعت الله وعلي قد بايعني، وانا آخذكم بالبيعة له عن الله عزوجل، (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) الآية. معاشر الناس: ان الحج والعمرة من شعائر الله (فمن حج البيت اعتمر) الآية. معاشر الناس: حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا نموا وانسالوا، ولا تخلفوا عنه إلا اهتزوا وافترقوا. معاشر الناس: ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله. معاشر الناس الحجاج معانون، ونفقاتهم مختلفة والله لا يضيع أجر المحسنين. معاشر الناس حجوا بكمال الدين والنفقة ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة واقلاع.


[ 98 ]

معاشر الناس اقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة كما أمركم الله عزوجل، فإن طال عليكم الامد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم، ومبين لكم الذى نصبه الله عزوجل لكم أو من خلفه الله منى ومنه يخبركم بما تسألون، ويبين لكم ما لا تعلمون ألا ان الحرام والحلال اكثر من ان احصيهما واعرفهما، فأمر بالحلال وانهى عن الحرام في مقام واحد، وامرت ان اتخذ البيعة عليكم، والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عزوجل في علي أمير المؤمنين والائمة من بعده الذينهم منى ومنه امة قائمة فيهم خاتمها المهدى إلى يوم القيامة الذى يقضى بالحق. معاشر الناس، وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه، فانى لم ارجع عن ذلك ولم ابدل ألا فاذكروا ذلك، واحفظوا وتواصوا به ولا تبدلوه ألا وانى اجدد القول فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وآمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وان رأس الامر بالمعروف ان تنتهوا إلى قولى وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله عزوجل ومنى. معاشر الناس القرآن يعرفكم إن الائمة من بعد ولده، وعرفتكم إنهم مني ومنه حيث يقول الله عزوجل جعلها كلمة باقية في عقبه، ولن تضلوا ما تمسكتم بهما. معاشر الناس: التقوى التقوى. وأحذروا الساعة كما قال عزوجل: ان زلزلة الساعة شئ عظيم اذكروا الممات والحساب، والموازين والمحاسبة بين يدى رب العالمين والثواب والعقاب فمن جاء بالحسنة افلح، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان من نصيب. معاشر الناس انكم أكثر من ان تصافقوني بكف واحد، وأمرني الله عزوجل ان آخذ من السنتكم الاقرار بما عقد لعلي أمير المؤمنين، ومن جاء بعده من الائمة منى ومنه على ما اعلمتكم ان ذريتي عن صلبه فقولوا بأجمعكم، إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغته عن أمر ربى، وأمر علي أمير المؤمنين ومن ولده من صلبه من الائمة على ذلك قلوبنا، وانفسنا والستنا وابداننا على ذلك نحيا ونموت، ونبعث ألا نغير ولا نبدل ولا نشك، ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ميثاق ونعطى الله ونعطيك ونعطى عليا أمير المؤمنين وولده الائمة الذين لهم ذكر من صلبه من الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما منى، ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربى عزوجل فقد اديت ذلك اليكم وانهما لسيدا شباب أهل الجنة، وانهما الامامان بعد أبيهما علي، وانا ابوهما


[ 99 ]

قبله فقولوا: أعطينا الله بذلك، وانت وعليا والحسن والحسين، والائمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لامير المؤمنين من قلوبنا وانفوسنا والسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده، وإلا فقد اقر بهما بلسانه لا ينبغى بدلا ولا يرى الله عزوجل منهما حولا ابدا واشهدنا الله وكفى بالله شهيدا، وانت علينا به شهيد وكل من اطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد. معاشر الناس ما تقولون فان الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ومن تابع فانما يبايع الله. يد الله فوق ايديهم. معاشر الناس فاتقوا الله وتابعوا عليا أمير المؤمنين، والحسن والحسين والائمة كلمة باقية يهلك الله من غدر، ويرحم من وفى ومن نكث فأنما ينكث عل نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما. معاشر الناس: قولوا الذى قلت لكم، وسلموا علي بأمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير قولوا: الحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. معاشر الناس ان فضائل علي بن أبى طالب عند الله عزوجل، وقد انزلها في القرآن اكثر من ان احصيها في مقام واحد، فمن انبأكم بها فصدقوه. معاشر الناس من يطع الله ورسوله وعليا، والائمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا مبينا. معاشر الناس السابقون السابقون إلى مبايعته، وموالاته والسلام عليه بإمرة المؤمنين أولئك الفائزون في جنات النعيم. معاشر الناس قولوا: ما يرضى الله عنكم من القول، فان تكفروا أنتم ومن في الارض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين واعطب الكافرين، والحمد لله رب العالمين، فناداه القوم نعم سمعنا، واطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، ونداكوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي بأيديهم فكان اول من صافق رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاول والثانى، وباقى المهاجرين والانصار، وباقى الناس على قدر منازلهم إلى ان صليت العشاء والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذى فضلنا على جميع الناس.


[ 100 ]

قال عبد الرحمن بن سمرة: قلت يا رسول الله ارشدني إلى النجاة. قال: يا بن سمرة إذا اختلفت الاهواء، وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبى طالب. فانه إمام امتى وخليفتي عليهم من بعدى، وهو الفاروق الذى يميز بين الحق والباطل. من سأله أجابه ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق من عنده وجده، ومن التمس الهدى وجده لديه، ومن لجأ إليه أمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدى به هداه يا بن سمرة سلم من سلم له ووالاه، وهلك من رد عليه وعاداه يا بن سمرة ان عليا مني روحه من روحي وطينته من طينتي. وهو اخى وانا اخوه. وهو زوج ابنتى فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين. وان منه امامى أمتى وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين. وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتى يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس من احسن من الله قيلا واصدق منه حديثا. معاشر الناس: ان ربكم جلا جلاله امرني ان اقيم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا وان أتخذه أخا ووزيرا. معاشر الناس: ان عليا باب الهدى بعدى. والداعى إلى ربى وهو صالح المؤمنين ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا. وقال: اننى من المسلمين. معاشر الناس: ان عليا مني وولده ولدى. وهو زوج حبيبتي امره امرى ونهيه نهيي. معاشر الناس: عليكم بطاعته واجتناب معصيته. فان طاعته طاعتي ومعصيته معصيتى. معاشر الناس: أن عليا صديق هذه الامة وفاروقها ومحدثها. انه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها إنه باب حطتها. وسفينة نجاتها إنه طالوتها وذو قرنيها. معاشر الناس: إنه محنة الورى، والحجة العظمى والآية الكبرى، وإمام أهل الدنيا والعروة الوثقى. معاشر الناس: ان عليا مع الحق، والحق معه وعلى لسانه. معاشر الناس: ان عليا قسيم النار لا يدخل النار ولي له، ولا ينجوا منها عدو له.


[ 101 ]

إنه قسيم الجنة لا يدخلها عدو له، ولا يزحزح عنها ولى له. معاشر الناس: اصحابي قد نصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين اقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم. قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ولاية علي بن أبى طالب، ولاية الله وحبه عبادة الله واتباعه فريضة الله، واولياؤه اولياء الله واعداءه اعداء الله وحربه حرب الله وسلمه سلم الله عزوجل. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وانا حجة الله وانا خليفته، وانا صراط الله، وانا باب الله وانا خازن علم الله، وانا المؤتمن على سر الله، وانا امام البرية بعد خير الخليفة محمد نبى الرحمة عليه وآله الصلاة والسلام. وقال أيضا ” عليه السلام ” دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في مسجد قبا، وعنده نفر من اصحابه، فلما بصر بى تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض اسنانه تبرق ثم قال: إلي يا علي إلى يا علي، فما زال يدنينى حتى الصق فخذه بفخذى ثم اقبل على اصحابه فقال معاشر اصحابي ان عليا مني، وانا من علي روحه من روحي، وطينته من طينتي وهو أخى ووصيي، وخليفتي على امتى في حياتي، وبعد موتى من أطاعه أطاعنى، ومن وافقه وافقنى ومن خالفه خالفني. قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره ان يحيا حياتي، ويموت ميتنى ويدخل جنة عدن منزلي قصبا غرسه ربى عزوجل، ثم قال له: كن فكان فليتول علي ابن أبى طالب وليا، ثم بالاوصياء من ولده فأنهم عترتي خلقوا من طينتي إلى الله اشكوا اعدائهم من امتى المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وايم الله ليقتلن بعدى ابني الحسين لا انالهم الله شفاعتي. قالت عايشة: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبى طالب فقال هذا سيد العرب. فقلت: يا رسول الله الست سيد العرب ؟ قال أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب. فقلت: وما السيد ؟ فقال: من افترضت طاعته كما افترض طاعتي. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي انت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة اسحاق من إبراهيم، وبمنزلة هارون من موسى وبمنزلة شمعون من عيسى الا إنه لانبي بعدي، يا علي انت وصيي وخليفتي فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس


[ 102 ]

مني ولست منه، وانا خصمه يوم القيامة. يا علي انت افضل امتى فضلا واقدمهم سلما وأكثرهم علما، وأوفرهم حلما واشجعهم قلبا وانجاهم كفا، يا علي انت الامام بعدي والامير، وانت الصاحب بعدى والوزير، وما لك في امتى من نظير. يا علي انت قسيم الجنة والنار بمحبتك يعرف الابرار من الفجار، ويتميز بين الاشرار والاخيار وبين المؤمنين والكفار. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الائمة من بعدى اثنا عشر، أولهم انت يا علي وآخرهم القائم الذى يفتح الله تعالى على يديه مشارق الارض ومغاربها. وقال أبو جعفر ” عليه السلام ” ان رهطا من اليهود اسلموا منهم عبد الله بن سلام، وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبى الله ان موسى ” عليه السلام ” اوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله ومن ولينا بعدك ؟ فنزلت هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا فأتوا المسجد. فإذا سائل خارج فقال يا سائل اما اعطال أحد شيئا ؟ قال: نعم هذا الخاتم ؟ ثم قال: من اعطاكه ؟ قال: اعطانيه ذلك الرجل الذى يصلى. قال: على أي حال اعطاك ؟ قال: كان راكعا فكبر النبي (صلى الله عليه وآله) وكبر أهل المسجد فقال النبي (صلى الله عليه وآله): علي بن أبى طالب وليكم بعدى قال رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبعلي بن أبى طالب وليا فأنزل الله تعالى ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا، فان حزب الله هم الغالبون. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: افضل اعياد أمتى هو اليوم الذى امرني الله تعالى ذكره فيه بنصب اخى علي بن أبى طالب علما لامتي يهتدون به من بعدى وهو اليوم الذى اكمل الله فيه الدين، واتم على امتى فيه النعمة. ورضى لهم الاسلام دينا ثم قال (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس ان عليا منى. وانا من علي خلق من طينتي. وهو امام الخلق بعدى يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتى. وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين. ويعسوب الدين وخير الوصيين. وزوج سيدة نساء العالمين وابو الائمة المهديين. معاشر الناس من احب عليا فقد احببته. ومن ابغض عليا فقد ابغضته. ومن


[ 103 ]

وصل عليه وصلته. ومن قطع عليا قطعته. ومن جفا عليا جفوته. ومن والى عليا واليته. ومن عادى عليا عاديته. معاشر الناس: انا مدينة الحكمة وعلي بابها. ولن يؤتى المدينة إلا من قبل الباب وكذب من زعم إنه يحبنى ويبغض عليا. معاشر الناس والذى بعثنى بالنبوة واصطفانى على جميع البرية ما نصبت عليا علما لامتي في الارض حتى نوه الله باسمه في سماوته. واوجب ولايته على ملائكته. وقال أبو سعيد الخدرى: لما كان يوم غدير خم امر رسول (صلى الله عليه وآله) مناديا فنادى الصلاة جامعة، واخذ بيد على ” عليه السلام ” وقال اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه. وعاد من عاداه. فقال حسان بن ثابت يا رسول الله: اقول في على شعرا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) افعل فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واكرم بالنبي مناديا يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاديا إلهك مولانا وانت ولينا * ولا تجدن منا لك الدهر عاصيا فقال له قم يا علي فأنني * رضيتك من بعدى اماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوه له انصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذى عادا عليا معاديا قال الشيخ الاديب علي بن أحمد الفنجكردى: لا تنكرن غدير خم إنه * كالشمس في اشراقها بل اظهر ما كان مرفوعا باسناد إلى * خير البرايا أحمد لا ينكر فيه امامة حيدر وجماله * وجلاله حتى القيامة يذكر أول الانام بان يوالى المرتضى * من يأخذ الاحكام منه ويأثر وقال الشيخ الاريب أيضا: حسبنا ربنا الذى فتح البص‍ * رة بالامس والحديث طويل وعلي امامنا وامام * لسوانا أتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل


[ 104 ]

وقال قيس بن سعد بن عبادة: يوم الغدير سوى العيدين لى عيد * يوم يسر به السادات والصيد نال الامامة فيه المرتضى وله * فيها من الله تشريف وتمجيد يقول احمد خير المرسلين ضحى * في مجمع حضرته البيض والسود فالحمد لله حمدا لا انقضاء له * له الصنايع والالطاف والجود وكان قصة غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة. مجلس في ذكر فضائل أمير المؤمنين علي ابن أبى طالب صلوات الله عليه قال ابن عباس رضى الله عنه، وعلي بن الحسين عليهما السلام: نزلت في علي (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد). وقال ابن عباس: ما انزل الله في القرآن يا أيها الذين آمنوا، الا وعلي أميرها وشريفها وقال ابن عباس: صالح المؤمنين هو والله علي يقول الله والله حسبه، والملائكة بعد ذلك ظهيرا. وقال ابن عباس: قول الله تعالى: (واتقوا الله، وكونوا مع الصادقين) قال علي. وقال ابن عباس: والذى جاء بالصدق محمد (صلى الله عليه وآله) وصدق به علي بن أبى طالب. وقال علي ” عليه السلام ” إنما انت منذر ولكل قوم هاد، أنا. وقال ابن عباس افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: انا عم محمد وانا صاحب سقاية الحاج فأنا افضل من علي بن أبى طالب. وقال شيبة بن عثمان بن طلحة: انا أعمر بيت الله الحرام، وصاحب حجابته فانا افضل فسمعهما علي، وهما يذكران ذلك. فقال علي: انا افضل منكما انا اجاهد في سبيل الله تعالى فانزل الله تعالى فيهم: اجعلتم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله إلى قوله: ان الله عنده أجر عظيم. وعن ابى جعفر ” عليه السلام ” قريب من ذلك.


[ 105 ]

وقال ابن عباس: وتعيها اذن واعية علي بن أبى طالب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) انى سألت ربى أن يجعلها اذنك يا علي، اللهم اجعلها اذنا واعية اذن على ففعل. وقال ابن عباس: إنما يخشى الله من عباده العلماء قال: كان علي يخشى الله ويراقبه ويعمل بفرايضه، ويجاهد في سبيله وكان إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص يقول الله ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص يتبع في جميع امره مرضاة الله ورسوله، وما قتل المشركين قبله احد. وقال الباقر ” عليه السلام ” ومن عنده علم الكتاب قال: علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” عنده علم الكتاب الاول والآخر. وقال الباقر ” عليه السلام ” ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا: نعم فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين. قال: المؤذن علي ” عليه السلام ” وقال ابن عباس: طوبى لهم وحسن مآب شجرة في الجنة في دار علي ما في الجنة دار إلا وفيها غصن من اغصانها ما خلق الله من شئ إلا وهو تحت طوبى تحتها مجمع أهل الجنة يذكرون نعمة الله عليهم، لما تحت طوبى من كثبان المسك اكثر مما تحت شجر الدنيا من الرمل. وقال الصادق ” عليه السلام ” ثلة من الاولين ابن آدم المقتول، ومؤمن آل فرعون وصاحب ياسين، وقليل من الآخرين علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وقال الباقر ” عليه السلام “: قل هذه سبيلى ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعنى. قال علي اتبعه. وقال أيضا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلي مبتديا: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) هم انت وشيعتك وميعادي، وميعادكم الحوض إذا حشر الناس حيث انت وشيعتك شباعا مرويين غرا محجلين. وقال الصادق ” عليه السلام ” قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) قال: الوالد محمد وعلي. وقال ابن عباس في قوله تعالى: (الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) قال: نزلت في علي ” عليه السلام “، وكان عنده اربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا، وبواحد سرا وبواحد علانية.


[ 106 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وان هذا صراطي مستقيما فأتبعوه، ولا تبتغوا السبل فتفرق بكم. قال: سألت الله ان يجعلها لعلي ففعل. وقال زين بن علي: ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين قال: بولاية علي. وقال الباقر ” عليه السلام “: ذلك بانهم اتبعوا ما اسخط الله، وكرهوا رضوانه فأحبط اعمالهم قال: كرهوا عليا، وكان امر الله بولايته يوم بدر ويوم حنين وببطن النخلة ويوم التروية ويوم عرفة نزلت فيه خمسة عشرة آية في الحجة التى صدعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المسجد الحرام وبالجحفة وبخم. قال ابن عباس: قل بفضل الله وبرحمته. فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. قال: فالفضل من الله النبي (صلى الله عليه وآله)، وبرحمته علي عليه السلام. وقال شريك بن عبد الله في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) قال في ولاية علي. وقال ابن عباس في قوله تعالى: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم) قال هم امراء السرايا وعلي أولهم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ قل هو الله احد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن. ألا ومن احب عليا بقلبه اعطاه الله ثواب ثلث هذه الآية، ومن احبه بقلبه ويده اعطاه ثواب ثلثي هذه الآية، ومن احبه بقلبه ويده ولسانه اعطاه الله ثواب الآية كلها. وقال الباقر ” عليه السلام ” من جاء بالحسنة فله خير منها، من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار، الحسنة ولاية علي وحبه، والسيئة عداوة علي وبغضه، ولا يرفع معهما عمل. وقال رسول الله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) هو علي (فأنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين) قال: هو علي وتنذر به قوما لدا قال بنى امية قوما ظلمة. وقال ابن مسعود: وكفى الله المؤمنون القتال بعلي، وكان الله قويا عزيزا. قال ابن عباس ان النبي (صلى الله عليه وآله) امر عليا ان ينام على فراشه. فانطلق النبي (صلى الله عليه وآله)


[ 107 ]

برد أخضر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال بعضهم: شدوا عليه فقالوا الرجل نايم، ولو كان يريد أن يهرب لفعل، فلما اصبح قام علي فأخذوه وقالوا: اين صاحبك ؟ فقال ما ادرى فأنزل الله تعالى في علي حين نام على الفراش، ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله. وقال بريدة الاسلمي: كنا إذا سافرنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) كان علي ” عليه السلام ” صاحب متاعه يضمه إليه فإذا نزلنا تعاهد متاعه، فان رأى شيئا برمه وان كانت نعلا خصفها فنزلنا منزلا فأقبل على ” عليه السلام ” يخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل الاول فسلم. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اذهب فسلم على أمير المؤمنين. فقال: يا رسول الله وانت حى قال وانا حى. قال ومن ذلك ؟ قال: خاصف النعل ثم جاء الثاني فقال له: مثل ذلك. قال بريدة وكنت انا فيمن دخل معهم فأمرني أن اسلم على علي، فسلمت عليه كما سلموا وقال أبو مسعدة: رأيت عليا ” عليه السلام ” خرج من القصر فدنوت فسلمت عليه، فوضع يده في يدى، ثم مشى حتى أتى دار فرات فاشترى منه قميصا سنبلانيا بثلاثة دراهم أو اربعة فلبسه، وكان كمه كفاف يده. وقال الباقر ” عليه السلام ” ابتاع على قميصا سنبلانيا باربعة دراهم، فجاء إلى الخياط فمدكم القميص، وأمره أن يقطع ما جاز الاصابع. قال الاصبغ بن نباتة في خبر طويل أتى أمير المؤمنين ” عليه السلام “، ومعه قنبر البزازين فساوم رجلا بثوبين. فقال: بعنى ثوبين فقال الرجل يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه انصرف حتى أتى غلاما فقال بعنى ثوبين فماكسه الغلام، حتى اتفقا على سبعة دراهم ثوبا بأربعة دراهم، وثوبا بثلاثة دراهم وقال لغلامه قنبر اختر الثوبين فاختار الذى بأربعة، ولبس هو الذى بثلاثة وقال الحمد لله الذى رزقني ما اوارى به عورتى واتجمل به في خلقه، ثم أتى المسجد فكوم كومة من حصى فاستلقى عليها فجاء أب الغلام. فقال: ان ابني لم يعرفك، وهذان الدرهمان ربحهما فخذهما، فقال ” عليه السلام “: ما كنت لافعل فقد ماكسته وماكسني واتفقنا على رضا. (وروى) أن أمير المؤمنين عليه أفضل السلام: أتى سوق الكرابيس، فإذا هو برجل وسيم فقال: يا هذا عندك ثوبان بخمسة دراهم ؟ فوثب الرجل فقال: يا أمير المؤمنين: عندي حاجتك فلما عرفه مضى عنه، فوقف على غلام. فقال يا غلام


[ 108 ]

عندك ثوبان بخمسة دراهم. قال نعم عندي ثوبان فأخذ ثوبين احدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين. فقال: يا قنبر خذ الذى بثلاثة دراهم، فقال انت أولى به تصعد المنبر وتخطب الناس، قال وانت شباب ولك شره الشباب وانا استحيي من ربى ان أتفضل عليك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، واطعموهم مما تأكلون فلما لبس القميص مد يده في ردنه فإذا هو يفضل عن اصابعه، فقال اقطع هذا الفضل فقطعه فقال الغلام: هلم اكفه قال: دعه كما هو فان الامر اسرع من ذلك وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اسرى بى ربى، فأوحى إلى في علي بثلاث إنه امام المتقين وسيد المؤمنين، وقائد الغر المحجلين. سأل رجل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال له: اسألك عن ثلاث هن فيك: اسألك عن قصر خلقك وعن كبر بطنك، وعن صلع رأسك. فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ان الله تعالى لم يخلقني طويلا ولم يخلقني قصيرا، ولكن خلقني معتدلا اضرب القصير فاقده، واضرب الطويل فاقطعه، واما كبر بطني فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمني بابا من العلم يفتح ذلك الباب الف باب فازدحم العلم في بطني فانتفخ عنه عضوى. فاما صلع رأسي، فمن ادمان لبس البياض ومجالدة الاقران. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في القيامة راكب غيرنا، ونحن اربعة فقام إليه العباس ابن عبد المطلب، فقال: من هم يا رسول الله ؟ فقال: اما انا فعلى البراق، وجهها كوجه الانسان وخدها كخد الفرس، وعرقها من لؤلؤ مسموط واذناها من زبرجدتان خضراوان وعيناها مثل كوكب الزهرة يتوقدان مثل النجمين المضيئين لها شعاع مثل شعاع الشمس ينحدر من نحرها الجمان منظومة الخلق طويلة اليدين والرجلين لها نفس كنفس الآدميين تسمع الكلام وتفهمه، وهى فوق الحمار ودون البغل. قال العباس: ومن يا رسول الله ؟ قال: واخى صالح على ناقة الله تعالى التى عقرها قومه. قال العباس: ومن يا رسول الله ؟ قال: وعمى حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء على ناقتي العضبا. قال العباس: ومن يا رسول الله ؟ قال واخى علي على ناقة من نوق الجنة زمامها من لؤلؤ رطب عليها محمل من ياقوت احمر، قضبانه من الدر الابيض على رأسه تاج


[ 109 ]

من نور عليه حلتان خضراوان، بيده لواء الحمد وهو ينادى: أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله، فيقول الخلايق: ما هذا إلا ملك مقرب أو نبى مرسل، أو حامل عرش فينادى مناد من بطنان العرش ليس هذا ملك مقرب ولا نبى مرسل، ولا حامل عرش هذا علي بن أبى طالب وصى رسول رب العالمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعطاني الله تعالى خمسا، واعطى عليا خمسا: اعطاني جوامع الكلم، واعطى عليا جوامع العلم، وجعلني نبيا، وجعله وصيا، واعطاني الكوثر واعطاه السلسبيل، واعطاني الوحى واعطاه الالهام واسري بى إلى السماء، وفتح له ابواب السماوات والحجب. وقال عامر الشعبى: تكلم أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الانام عن اللحاق بواحدة منهن ثلاث منها في المناجات وثلاث منها في الحكمة وثلاث منها في الادب. اما اللاتى في المناجات فقال: إلهى، وكفى بى عزا أن اكون لك عبدا، وكفى بى فخرا ان تكون لى ربا انت كما احب فاجعلني كما تحب، واللاتي في الحكمة. فقال: قيمة كل امرئ ما يحسنه، وما هلك امرئ عرف قدره، المرأ مخبوخ تحت لسانه. واما اللاتى في الادب فقال: فامننن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن اسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتانى جبرئيل وهو فرح مستبشر فقلت حبيبي جبرئيل مع ما انت فيه من الفرح ما منزلة اخى وابن عمى علي بن أبى طالب عند ربه. فقال: والذى بعثك في النبوة واصفاك بالرسالة. ما هبطت في وقتى هذا إلا لهذا، يا محمد الله العلي الاعلى يقرأ عليكما السلام، وقال: محمد نبى رحمتى وعلي مقيم حجتى لا اعذب من والاه وان عصاني، ولا ارحم من عاداه وان اطاعني، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل، ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع من الشمس والقمر، وانا على كرسى من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فاخذه وادفعه إلى علي بن أبى طالب فوثب الثاني، فقال: يا رسول الله وكيف يطيق علي حمل اللواء، وقد ذكرت إنه سبعون شقة الشقة منه اوسع من الشمس والقمر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إذا كان يوم القيامة يعطى الله عليا من القوة مثل قوة جبرئيل، ومن النور مثل نور آدم


[ 110 ]

ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الجمال مثل جمال يوسف ومن الصوت ما يدانى صوت دواد، ولولا ان داود يكون خطيبا في الجنان لاعطى مثل صوته، وان عليا اول من يشرب من السلسبيل والزنجبيل، لا يجوز لعلي قدم على الصراط الا وثبت مكانها قدم اخرى، وان لعلي وشيعته من الله مكانا يغبطه الاولون والآخرون. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي اخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والارض بألفى عام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي في السماء كالشمس بالنهار في الارض وفى سماء الدنيا كالقمر بالليل في الارض، اعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الارض لوسعهم، واعطاه من الفهم جزءا لو قسم على أهل الارض لوسعهم تشبهت لينه بلين لوط وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب وسخاؤه بسخاء إبراهيم وبهجته ببهجة سليمان بن داود، وقوته بقوة داود له اسم مكتوب على كل حجاب في الجنة بشرني به ربى، وكانت له البشارة عندي، على محمد عند الخلق مزكى عند الملائكة وخاصتي وخالصتي وطاهرتي ومصباحي، ورفيقي آنسنى به ربى، فسألت ربى أن لا يقبضه قبلى وسألته ان يقبضه شهيدا، ادخلت الجنة، فرأيت حور على اكثر من ورق الشجر وقصور علي كعدد البشر وعلي منى انا من على، من تولى عليا فقد تولاني حب علي نعمة واتباعه فضيلة دان به الملائكة، وحف به الجن الصالحون لم يمش على الارض ماش بعدى إلا كان هو اكرم منه عزا وفخرا، ومنهاجا لم يك قط عجولا ولا مسترسلا لفساد ولا متعقدا حملته الارض، فأكرمته لم يخرج من بطن انثى بعدى احد كان اكرم على الله خروجا منه، ولم ينزل منزلا إلا كان ميمونا. انزل الله عليه الحكمة ورواه بالفهم تجالسه الملائكة ولا يراها، ولو أوحى إلى احد بعدى لاوحى إليه فزين الله به المحافل واكرم به العساكر واخصب به البلاد واعز به الاجناد ومثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع اضاء الظلمة، ومثله كمثل الشمس إذا طلعت انارت وصفه الله في كتابه ومدحه بآياته، ووصف فيه آثاره واعلى منازله فهو الكريم حيا والشهيد ميتا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله عزوجل مائة الف نبى واربعة وعشرين الف نبى انا أكرمهم على الله ولا فخر. وخلق الله عزوجل مائة الف وصي واربعة وعشرين


[ 111 ]

الف وصي فعلى أكرمهم على الله وافضلهم. وروى إنه كان النبي (صلى الله عليه وآله) نزل عليه الوحى ليلا لم يصبح حتى يخبر به عليا، وإذا نزل الوحى عليه نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا. قال أبو سعيد الخدرى: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قول الله تعالى: قال الذى عنده علم من الكتاب. قال: ذلك وصى اخى سليمان بن داود عليهما السلام فقلت يا رسول الله قوله عزوجل: قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم، ومن عنده علم الكتاب قال ذلك وصيي واخى علي بن أبى طالب. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفايح الذهب فإذا دقت الحلقة على الصفيحة طنت وقالت يا علي. وقال الاصبغ بن نباتة قال: أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ذات يوم على منبر الكوفة أنا خير الوصيين، ووصى سيد النبيين انا امام المسلمين وقائد المتقين، ومولى المؤمنين وزوج سيدة نساء العالمين انا المتختم باليمين والمعفر للجبين، انا الذى هاجرت الهجرتين وبايعت البيعتين. انا صاحب بدر وحنين. انا الضارب بالسيفين، والحامل على فرسين. انا وارث علم الاولين وحجة الله على العالمين بعد الانبياء ومحمد بن عبد الله خاتم النبيين أهل مولاتي مرحومون، وأهل عداوتي ملعونون، ولقد كان حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرا ما يقول لى: حبك تقوى وإيمان وبغضك كفر ونفاق، وانا بيت الحكمة وانت مفتاحه، وكذب من زعم إنه يحبنى ويبعضك. وقال عروة بن الزبير: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا احوال اعمار أهل بدر. وبيعة الرضوان فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم باقل القوم مالا واكثرهم ورعا واشدهم اجتهادا في العبادة. قالوا: من هو ؟ قال علي بن أبى طالب. قال: فو الله ان كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه. ثم انتدب له رجل من الانصار. فقال له: يا عويم لقد تكلمت بكلمت ما وافقك عليها أحد منذ اتيت بها. فقال أبو الدرداء: يا قوم انى قائل ما رأيته، وليقل كل قوم منكم ما رأوا شهدت علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” بسويحات بنى النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفا ممن يليه واستتر بمغيلات النخل فافتقدته، وبعد على مكانه فقلت لحق بمنزله. فإذا انا بصوت حزين ونغمة سحر شجى، وهو يقول: إلهى كم من موبقة حملتها عنى ؟ فقابلتها


[ 112 ]

بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهى ان طال في عصيانك عمرى عظم في الصحف ذنبي، فما انا مؤمل غير غفرانك، ولا انا براج غير رضوانك فشغلني الصوت، واقتفيت الاثر فإذا هو علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” بعينه فاستترت له لا سمع كلامه، واخملت الحركة فرفع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والتضرع والبكاء، والبث والشكوى فكان مما ناجى به الله ان قال إلهى افكر في عفوك فتهون على خطيئتي، ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه ان انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول: خذوه فياله مأخوذ لا ينجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملا إذا اذن فيه بالنداء. ثم قال: آه من نار تنضج الاكباد والكلى آه من نار نزاعة للشوى. آه من غمرة من ملتهبات اللظى. قال: ثم انعم في البكاء فلم اسمع له حسا ولا حركة. فقلت غلب عليه النوم لطول السهر اوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء: فأتيته فإذ هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك وزويته فلم ينزو فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. مات والله علي بن أبى طالب فأتيت منزله مبادرا انعاه إليهم. فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه وقصته فأخبرتها الخبر. فقالت: هي والله يا ابا الدرداء الغشية التى تأخذه من خشية الله ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر الي وأنا ابكى. فقال: مم بكاؤك يا ابا الدرداء ؟ فقلت مما اراه تنزله بنفسك. فقال يا ابا الدرداء: فكيف ولو رأيتنى ودعى بى إلى الحساب، وايقن اهل الجرايم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ فوقفت بين يدى الملك الجبار قد اسلمتني الاحباء، ورحمني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة لي بين يدى من لا تخفى عليه خافية. فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. (وروى) جابر بن عبد الله: قال: لما قدم علي ” عليه السلام ” على رسول الله صلوات الله عليه وآله بفتح خيبر. فقال له: رسول الله (صلى الله عليه وآله): لولا أن تقول فيك طوايف من امتى ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم ” عليه السلام ” لقلت فيك قولا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فاضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منى وانا منك، ترثني وارثك، وانك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى وانك تبرئ ذمتي وتقاتل سنتى وانك غدا على الحوض خليفتي، وانك اول من يكسى


[ 113 ]

وانك اول داخل الجنة من امتى، وان شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي اشفع لهم، ويكونوا غدا في الجنة جيراني، وان حربك حربى وسلمك سلمى، وان سرك سرى وعلانيتك علانيتي، وان سريرة صدرك كسريرتى، وان ولدك ولدى وانك تنجز عداتي، وان الحق معك وعلى لسانك وقلبك، وبين عينيك الايمان مخالط بلحمك ودمك كما خالط بلحمي ودمى، وإنه لن يرد على الحوض مبغض لك ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد على الحوض معك. قال: فخر علي ساجدا. ثم قال: الحمد لله الذى أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن وحببنى إلى خير البرية خاتم النبيين، وسيد المرسلين إحسانا منه وفضلا علي. قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لولا انت لم يعرف المؤمنون بعدى. قال أبو سعيد الخدرى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا سألتم الله عزوجل فاسألوه لي الوسيلة. فسألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الوسيلة فقال: هي درجتي في الجنة، وهى الف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد شهرا، وهى ما بين مرقاة جوهر إلى مرقاة زبرجد، ومرقاة ياقوت إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة، فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين، فهى درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلا يبقى يومئذ نبى ولا شهيد، ولا صديق إلا قال: طوبى لمن كان هذه الدرجة درجته. فيأتى النداء من قبل الله عزوجل يسمع النبيين، وجميع الخلق: هذه درجة محمد، وأقبل أنا يومئذ متزر بريطة من نور على تاج الملك، وإكليل الكرامة، وعلي بن أبى طالب أمامى وبيده لوائى وهو لواء الحمد. مكتوب عليه: (لا إله إلا الله المفلحون هم الفائزون بالله) وإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما، وإذا مررنا بالملائكة. قالوا: هذان نبيان مرسلان، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني حتى إذا صرت في أعلى درجة منها وعلي أسفل منى بدرجة. فلا يبقى يومئذ نبى، ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لهذين العبدين ما اكرمهما على الله، فيأتى النداء من قبل الله جلا جلاله يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي طوبى لمن أحبه، وويل لمن ابغضه وكذب عليه، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): فلا يبقى يومئذ أحد أحبك يا علي إلا استروح إلى هذا الكلام، وابيض وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه، واضطربت قدماه فبينما انا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إلي. أما احدهما فرضوان خازن الجنة، واما الآخر فمالك


[ 114 ]

خازن النار فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد، فأقول: عليك السلام أيها الملك. من أنت فما أحسن وجهك وأطيب ريحك ؟ فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة التى بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد، فأقول: قد قبلت ذلك من ربى فله الحمد على ما فضلني به ادفعها إلى أخى علي بن أبى طالب، ثم يرجع رضوان فيدنو مالك. فيقول: السلام عليك يا أحمد. فأقول عليك السلام أيها الملك من أنت فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ؟ فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد. فأقول: قد قبلت ذلك من ربى فله الحمد على ما فضلني إدفعها إلى أخى علي بن أبى طالب، ثم يرجع مالك فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة، ومقاليد النار حتى يقف على عجزة جهنم، وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها، وعلي آخذ بزمامها فتقول له جهنم: حزنى يا علي فقد أطفأ نورك لهبى فيقول لها علي: قرى يا جهنم خذى هذا واتركى هذا خذى هذا عدوى، واتركى هذا وليي فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى من غلام أحدكم لصاحبه. فان شاء يذهبما يمنة وان شاء يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى فيما يأمرها به من جميع الخلايق. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الله تبارك وتعالى جعل لاخى علي بن أبى طالب فضايل لا يحصى عددها غيره. فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين، ومن كتب فضيلة من فضائل علي لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم أو أثر، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التى اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابة فضائله غفر الله له الذنوب التى اكتسبها بالنظر. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر إلى علي بن أبى طالب عبادة، وذكره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من اعداءه. قال حبيب بن الجهم: لما رحل بنا علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” إلى بلاد صفين نزل بقرية يقال لها (صندودا) ثم أمرنا فعبرنا عنها ثم عرج بنا في ارض بلقع. فقام إليه مالك بن الحارث الاشتر، وقال: يا أمير المؤمنين أتنزل الناس على غير ماء ؟ فقال: يا مالك ان الله عزوجل سيسقينا في هذا المكان ماء اعذب من الزبد الزلال، وابرد من الثلج، واصفى من الياقوت فتعجبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين. ثم اقبل يجر رداه وبيده سيفه حتى وقف على ارض بلقع. فقال: يا مالك احتفر انت واصحابك


[ 115 ]

فقال مالك فاحتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة تبرق كاللجين. فقال لنا ارموها فرمناها باجمعنا ونحن مائة رجل فلم نستطع ان نزيلها عن موضعها. فدنا أمير المؤمنين ” عليه السلام ” رافعا يده إلى السماء يدعو وهو يقول: طاب طاب مريا عالم طييوما بوثه شتميا كوثا حانوثا ثوديثا برجونا. آمين آمين رب العالمين رب موسى وهارون ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا. فقال مالك بن الحارث الاشتر فظهر لنا ماء اعذب من الشهد، وابرد من الثلج واصفى من الياقوت فشربنا وسقينا دوابنا. ثم رد الصخرة، وأمرنا ان نحثوا عليها التراب. ثم ارتحل وسرنا غير بعيد. فلما سرنا غير بعيد قال: من منكم يعرف موضع العين ؟ قلنا: كلنا يا أمير المؤمنين، فرجعنا فطلبنا العين فخفي مكانها علينا أشد خفاءا فظننا ان أمير المؤمنين قد رهقه العطش، فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة راهب فدنونا منها، فإذا نحن براهب قد سقطت حاجباه على عينيه من الكبر فقلنا يا راهب اعندك ماء تسقى منه صاحبنا ؟ قال: عندي ماء قد استعذبته منذ يومين. فانزل الينا ماء مرا خشنا، فقلنا: هذا وقد استعذبته منذ يومين ؟ فكيف ولو شربت من الماء الذى سقانا منه صاحبنا، وحدثناه بالامر فقال: صاحبكم هذا نبى ؟ قلنا: لا، ولكنه وصى نبى فنزل الينا بعد وحشتنا، وقال: انطلقوا بى إلى صاحبكم، فانطلقنا به فلما بصر به أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال شمعون ؟ قال الراهب: نعم شمعون هذا سمتنى به أمي ما اطلع عليه أحد إلا الله تعالى. ثم انت فكيف عرفته فأتم حتى اتمه لك، قال: وما تشاء يا شمعون ؟ قال: هذه العين، واسمها. قال: هذه راحوما وهى من الجنة شرب منها ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا، وانا آخر الوصيين شربت منه قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، وانك وصى محمد (صلى الله عليه وآله) ثم رحل أمير المؤمنين والراهب يقدمه. حتى نزل صفين ونزل معه العابد، والتقى الصفان فكان اول من اصابته الشهادة الراهب. فنزل أمير المؤمنين وعيناه تهملان، وهو يقول: المرء مع من احب الراهب معنا يوم القيامة وهو رفيقي في الجنة. قال أبو سخيلة: أتيت أبا ذر رضى الله عنه، فقلت: يا أبا ذر قد رأيت إختلاطا فبماذا تأمرني ؟ قال: عليك بهاتين الخصلتين كتاب الله، والشيخ علي بن أبى طالب فانى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: هذا أول من آمن بى، وأول من يصافحني يوم القيامة


[ 116 ]

وهو الصديق الاكبر، وهو الفاروق الذى يفرق بين الحق والباطل. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت ليلة أسرى بى مكتوبا على قائمة من قوائم العرش انا الله لا إله إلا أنا وحدي، خلقت جنة عدن بيدى محمد صفوتي من خلقي ايدته بعلي ونصرته بعلي. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجهني إلى اليمن لاصلح بينهم فقلت يا رسول الله انهم قوم كثيرون ولهم سن وانا شاب حدث فقال: يا على إذا صرت بأعلا عقبة افيق فناد بأعلا صوتك: يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام قال فذهبت فلما صرت بأعلا العقبة أشرفت على اليمن فإذا هم باسرهم مقبلون نحوى مشرعون رماحهم مصوبون اسنتهم متنكبون قسيهم شاهرون سلاحهم. فناديت بأعلا صوتي. يا شجر يا مدر يا ثرى محمد رسول الله يقرئكم السلام، قال فلم تبق شجرة، ولا مدرة ولا ثرى إلا ارتج بصوت واحد وعلى محمد رسول الله وعليك السلام. فاضطربت قوائم القوم وارتعدت ركبهم، ووقع السلاح من ايديهم، واقبلوا إلي مسرعين فاصلحت بينهم وانصرفت. وقال أبو زيد النحوي: سألت الخليل بن أحمد العروضى، فقلت لم هجر الناس عليا عليه السلام وقرباه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه وغناؤه في الاسلام غناؤه. فقال: بهر والله نوره انوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل والناس إلى اشكالهم أميل، اما سمعت الاول حيث يقول: وكل شكل لشكله ألف * أما ترى الفيل يألف الفيلا قال: وانشد الرياشى في معناه عن العباس بن الاحنف: وقائل كيف تهجرنا * فقلت قولا فيه انصاف لم يك من شكلي فهاجرته * والناس اشكال والاف قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ما نزل من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت وفيمن نزلت، وفى أي شئ نزلت في سهل نزلت أم في جبل قيل: فما نزل فيك ؟ فقال: لولا انكم سألتموني لما اخبرتكم. نزلت في الآية: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) فرسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر، وأنا الهادى إلى ما جاء به. وقال أبو جعفر الباقر ” عليه السلام ” والله ان كان علي ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة


[ 117 ]

العبد، وان كان ليشترى القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولى خمس سنين على ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا اقطع قطيعا، ولا أورث بيضا ولا حمرا، وان كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله، ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه امران كلاهما لله رضى، إلا اخذ بأشدهما على بدنه ولقد اعتق الف مملوك من كد يده تربت فيه يداه وعرق فيه وجهه، وما اطاق عمله من الناس احد، وان كان ليصلى في اليوم والليل الف ركعة، وان كان اقرب الناس شبها به علي بن الحسين ” عليه السلام ” وما اطاق عمله بعده أحد من الناس. وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبى طالب ” عليه السلام “: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) قال الرجل: فأتيت عليا ” عليه السلام ” لانظر إلى عبادته، فأشهد الله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلى باصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى ان قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلى يقرأ القرآن إلى ان طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى ان طلع الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه الرجل والرجلان وإذا فرغا قاما وجاء آخران إلى ان قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءا ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى ان صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس فجعل يقوم رجلان، ويقعد آخران يقضى بينهم، ويفتيهم إلى ان غابت الشمس فخرجت وانا أقول: أشهد بالله ان هذه الآية نزلت فيه. وقال الاصبغ بن نباتة: كان أمير الؤمنين ” عليه السلام ” إذا أتى بالمال ادخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة. وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء لا تغرينى غرى غيرى. هذا جناى وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتى كل ذى حق حقه ثم يأمر أن يكنس ويرش ثم يصلى فيه ركعتين. ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: يا دنيا لا تتعرضى لى ولا تتشوقى ولا تغرينى فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي اليك.


[ 118 ]

وقال زيد بن ارقم: كان لنفر من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابواب شارعة في المسجد فقال يوما: سدوا هذه الابواب إلا باب علي فتكلم في ذلك الناس قال: فقام رسول الله فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد. فأنى امرت بسد هذه الابوات غير باب علي فقال فيه قايلكم. انى والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني امرت بشئ فاتبعته. وقال الاصبغ بن نباتة: لما جلس أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في الخلافة وبايعه الناس وخرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابسا بردة رسول الله. متنعلا نعل رسول الله متقلدا بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا ثم شبك بين اصابعه فوضعها اسفل بطنه ثم قال: يا معشر الناس سلونى قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا ما زقني رسول الله زقا سلونى فان عندي علم الاولين والآخرين اما والله لو ثنيت لي وسادة وجلست عليها لافتيت لاهل التوراة بتوراتهم حتى ينطق التوراة فيقول صدق علي ما كذب لكم لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وافتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في وانتم تتلون القرآن ليلا ونهارا. فهل فيكم احد يعلم ما أنزل الله فيه ؟ ولولا آية في كتاب الله عزوجل لاخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهى هذه الآية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ثم قال: سلونى قبل ان تفقدوني فو الذى فلق الحبة وبرء النسمة. لو سألتموني عن آية آية في ليل انزلت أو في نهار مكيها ومدنيها سفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها محكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لاخبرتكم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبى طالب: إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على نجيب من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف فيأتى النداء من عند الله جل جلاله: اين خليفة محمد رسول الله فتقول: ها انا ذا فينادى مناد بأعلى صوته: يا علي ادخل من احبك الجنة، ومن عاداك النار وانت قسيم الجنة وانت قسيم النار. قال أبو هريرة: غزا النبي (صلى الله عليه وآله) غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي ” عليه السلام ” تخلف على أهله فقسم المغنم فدفع إلى علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” سهمين. فقال الناس: يا رسول الله لقد دفعت سهمين إلى علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وهو بالمدينة متخلف. فقال معاشر الناس ناشدتكم بالله وبرسوله ألم تروا إلى الفارس الذى حمل على المشركين من يمين


[ 119 ]

العسكر فهزمهم ثم رجع الي فقال: يا محمد ان لي معك سهما وقد جعلته لعلي بن أبى طالب وهو جبرئيل عليه السلام. معاشر الناس: ناشدتكم بالله وبرسوله هل رأيتم الفارس الذى حمل على المشركين من يسار العسكر. ثم رجع فكلمنى وقال لي معك سهما وقد جعلته لعلي بن أبى طالب وهو ميكائيل ” عليه السلام ” فو الله ما دفعت إلى على إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر الناس باجمعهم. وروى ان الماء طغى في الفرات. وزاد حتى اشفق أهل الكوفة من الغرق ففزعوا إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج الناس معه حتى أتى شاطئ الفرات فنزل ” عليه السلام ” واسبغ الوضوء منفردا بنفسه والناس يرونه. ثم دعا الله عزوجل بدعوات سمعها أكثرهم. ثم تقدم إلى الفرات متوكيا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء. وقال: انقص باذن الله ومشيته فغاض الماء حتى بدت الحيتان فنطق كثير منها بالسلام عليه بأمرة المؤمنين. ولم تنطق منها اصناف من السمك. وهى الجرى والمار ماهى والزامير فتعجب الناس لذلك، وسألوه عن علة نطق ما نطق وصموت ما صمت، فقال: انطق الله لى ما طهر من السمك، واصمت عنى ما حرمه ونجسه وبعده وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل، والرواية بين الخاص والعام. وروى أن أمير المؤمنين ” عليه السلام ” كان ذات يوم يخطب على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر فجعل يرقى حتى دنى من أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فارتاع الناس لذلك وهموا بقصده ودفعه عن أمير المؤمنين فأومى إليهم بالكف عنه. فلما صار إلى المرقاة التى عليها أمير المؤمنين قائم انحنى إلى الثعبان، وتطاول الثعبان إليه حتى التقم اذنه، وسكت الناس وتحيروا، فنق نقيفا سمعه كثير منهم، ثم انه زال عن مكانه وأمير المؤمنين ” عليه السلام ” يحرك شفتيه، والثعبان كالمصغى إليه ثم انساب وكأن الارض ابتلعته. وعاد أمير المؤمنين إلى خطبته فتممها فلما فرغ منها ونزل، اجتمع الناس الينه يسألونه عن الثعبان والاعجوبة فيه، فقال لهم: ليس ذلك كما ظننتم، إنما هو حاكم من حكام الجن التبست عليه قضية فصار إلى يستفتيني عنها فأفهمته إياها ودعا لى بخير وانصرف. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا مدينة الحكمة – وهى الجنة – وانت يا علي بابها وكيف يهتدى المهتدون إلى الجنة ولا يهتدى إليها إلا من بابها.


[ 120 ]

وقال أبو سعيد الخدرى: أتت فاطمة صلوات الله عليها النبي (صلى الله عليه وآله) فذكرت عنده ضعف الحال، فقال لها: أما تدرين ما منزلة علي عندي ؟ كفانى امرى وهو ابن اثنتى عشرة سنة، وضرب بين يدى بالسيف وهو ابن ستة عشرة سنة، وقتل الابطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وفرج همومى وهو ابن عشرين سنة، ورفع باب خيبر وهو ابن اثنتى وعشرين سنة وكان لا يرفعه خمسون رجلا، قال: فاشرق لون فاطمة عليها السلام ولم تقو قدماها حتى أتت عليا ” عليه السلام ” فاخبرته فقال: كيف لو حدثك بفضل الله علي. (وروى) انه ذكر علي ” عليه السلام ” عند ابن عباس بعد وفاته فقال: وا أسفاه على أبى الحسن مضى والله ما غير ولا بدل ولا قصر، ولا جمع ولا منع ولا آثر إلا الله والله لقد كانت الدنيا اهون عليه من شسع نعله. ليث في الوغا، بحر في المجالس، حكيم في الحكماء.. هيهات قد مضى إلى الدرجات العلا. وقال الحسن بن يحيى الدهان: كنت ببغداد عند قاضى بغداد واسمه سماعة إذ دخل رجل من كبار أهل بغداد فقال له اصلح الله القاضى فانى حججت في السنين الماضية فمررت بالكوفة فدخلت في مرجعي إلى مسجدها فبينا أنا واقف في المسجد أريد الصلاة إذ أمامى امرأة اعرابية بدوية مرخية الذوائب عليها شملة وهى تنادى وتقول: يا مشهورا في السماوات ويا مشهورا في الارضين ويا مشهورا في الآخرة ويا مشهورا في الدنيا، جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك واخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا ولنورك إلا ضياء وتماما ولو كره المشركون. فقلت: يا امة الله، ومن هذا الذى تصفينه بهذه الصفة ؟ قالت: ذاك أمير المؤمنين قال: فقلت لها أي أمير المؤمنين هو ؟ قالت: علي ابن أبى طالب الذى لا يجوز التوحيد إلا به وبولايته، قال فالتفت إليها فلم ار أحدا. وقال الاعمش: بعث إلى أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل ان اجب قال: فقمت متفكرا فيما بينى وبين نفسي وقلت: ما بعث إلي أمير المؤمنين هذه الساعة إلا ليسألنى عن فضائل أمير المؤمنين علي ” عليه السلام ” ان اخبرته قتلني، قال: فكتبت وصيتى ولبست كفني ودخلت عليه فقال ادن فدنوت وعنده عمرو بن عبيد، فلما رأيته طابت نفسي شيئا ثم قال: ادن فدنوت حتى كادت تمس ركبتي ركبتيه. قال فوجد منى رائحة الحنوط فقال: والله لتصدقني أو لاصلبنك قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين ؟ قال: ما شأنك متحنطا ؟ قلت: أتانى رسولك في جوف الليل ان اجب. فقلت: عسى ان يكون


[ 121 ]

أمير المؤمنين بعث الي في هذه الساعة ليسألنى عن فضائل علي ” عليه السلام ” فلعلي اخبرته قتلني فكتبت وصيتى ولبست كفني. قال: وكان متكيا فاستوى قاعدا. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله سألتك بالله يا سلمان كم حديثا ترويه في فضائل علي ؟ قال: قلت يسيرا يا أمير المؤمنين. قال: كم ؟ قلت عشرة آلاف حديث وما زاد قال: يا سلمان والله لاحدثنك بحديث في فضائل علي تنسى كل حديث سمعته قال قلت: حدثنا يا أمير المؤمنين قال نعم كنت هاربا من بنى امية وكنت اتردد في البلدان فاتقرب إلى الناس بفضائل علي، وكانوا يطعمونى ويزودوني حتى وردت بلاد الشام وانى لفى كساء خلق ما على غيره فسمعت الاقامة وانا جائع فدخلت المسجد لاصلى وفى نفسي ان اكلم الناس في عشاء يعشونى. فلما سلم الامام دخل صبيان فالتفت اليهما وقال مرحبا بكما وبمن سماكما على اسمهما فكان إلى جنبى شاب فقلت: يا شاب ما الصبيان من الشيخ ؟ قال: هو جدهما، وليس بالمدينة أحد بالمدينة يحب عليا غير هذا الشيخ. فلذلك سمى أحدهما الحسن والآخر الحسين فقمت فرحا، فقلت للشيخ هل في حديث اقر به عينيك ؟ فقال: ان اقررت عينى اقررت عينيك. قال: فقلت أخبرني والدى عن أبيه عن جده قال: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاءت فاطمة عليها السلام تبكى. فقال لها رسول الله: ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت: يا أبة خرج الحسن والحسين فما ادرى اين باتا ؟ فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) يا فاطمة لا تبكين والله الذى خلقهما هو ألطف بهما منك، ورفع النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى السماء فقال: اللهم ان كانا اخذا أو برا وبحرا فاحفظهما وسلمهما فنزل جبرئيل ” عليه السلام ” من السماء فقال: يا محمد ان الله يقرأك السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتم لهما فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة، وابوهما افضل منهما هما نائمان في حظيرة بنى النجار، وقد وكل الله بهما ملكا. قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فرحا ومعه اصحابه حتى اتوا حظيرة بنى النجار فإذا هم بالحسن معانقا للحسين عليهما السلام، وإذا الملك الموكل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطاهما بالآخرة. قال فمكث النبي (صلى الله عليه وآله) يقبلهما حتى انتبها، فلما استيقظا حمل النبي الحسن وحمل جبرئيل الحسين عليهما السلام فخرج من الحظيرة وهو يقول: والله لاشرفكما كما شرفكما الله عزوجل، فقال له أبو بكر: ناولنى أحد الصبيين اخفف عنك، فقال: يا أبا بكر نعم الحملان ونعم الراكبان وابوهما خير منهما فخرج حتى أتى باب المسجد، فقال: يا بلال هلم علي بالناس، فنادى منادى


[ 122 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة فاجتمع الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد، فقام على قدميه فقال: يا معاشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الحسن والحسين فان جدهما محمد، وجدتهما خديجة بنت خويلد. يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس أما وأبا ؟ فقالوا: بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين. فإن أباهما يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وامهما فاطمة بنت رسول الله. يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الحسن والحسين، فان عمهما جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هاني بنت أبى طالب. يا معشر الناس: ألا أدلكم على خير الناس خالا وخالة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الحسن والحسين. فإن خالهما القاسم بن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله ثم قال بيده هكذا يحشرنا، ثم قال: اللهم انك تعلم ان الحسن في الجنة والحسين في الجنة وجديهما في الجنة واباهما في الجنة، وعمهما وعمتهما في الجنة وخالهما وخالتهما في الجنة اللهم انك تعلم ان من يحبهما في الجنة، ومن يبغضهما في النار. قال: فلما قلت ذلك للشيخ قال: من أين أنت يا فتى ؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أعربي أم مولى ؟ قال قلت بل عربي، قال: فانت تحدث بهذا الحديث وانت في هذا الكسا فكساني خلعته وحملنى على بغلته فبعتها بمائة دينار، فقال: يا شاب اقررت عينى فو الله لاقرن عينك ولارشدنك إلى شاب يقر عينك اليوم، قال: قلت: ارشدني قال: لى اخوان احدهما إمام والآخر مؤذن أما الامام فإنه يحب عليا ” عليه السلام ” مذ خرج من بطن امه واما المؤذن فانه يبغض عليا ” عليه السلام ” منذ خرج من بطن امه، قال قلت: فارشدني فأخذ بيدى حتى أتى باب الامام فإذا أنا برجل قد خرج إلي فقال: اما البغلة والكسوة فاعرفهما والله ما كان فلان يحملك ويكسوك إلا انك تحب الله ورسوله، فحدثني بحديث عن فضائل علي ” عليه السلام ” قال: فقلت اخبرني أبى عن ابيه عن جده قال: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاءت فاطمة عليها السلام تبكى بكاءا شديدا فقال لها رسول الله: ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت: يا أبة عيرتني نساء قريش وقلن ان اباك زوجك من معدم لا مال له. فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) لا تبكين فو الله ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه واشهد بذلك


[ 123 ]

جبرئيل وميكائيل، وان الله عزوجل اطلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فاختاره نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار من الخلايق عليا فزوجك إياه واتخذه وصيا فعلى اشجع الناس قلبا، واحلم الناس حلما، واسمح الناس كفا، واقدم الناس سلما واعلم الناس علما، والحسن والحسين إبناه، وهما سيدا شباب أهل الجنة، واسمهما في التوراة شبر وشبير لكرامتهما على الله عزوجل، يا فاطمة: لا تبكين فو الله انه إذا كان يوم القيامة يكسى ابوك حلتين وعلي حلتين ولواء الحمد بيدى فاناوله عليا لكرامته على الله عزوجل يشفع على ذلك اليوم، يا فاطمة لا تبكين إذا كان يوم القيامة نادى منادى في اهوال ذلك اليوم يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم خليل الرحمن ونعم الاخ اخوك علي بن أبى طالب يا فاطمة علي يعيننى على مفاتيح الجنة، وشيعته هم الفائزون يوم القيامة غدا في الجنة. فلما قلت ذلك قال: يا بنى ممن أنت ؟ قلت من أهل الكوفة، قال: أعربي أنت أم مولى ؟ قلت: بل عربي قال: فكساني ثلاثين ثوبا واعطاني عشرة آلاف درهم ثم قال: يا شاب قد أقررت عينى ولي اليك حاجة قلت: قضيت ان شاء الله تعالى قال: فإذا كان غدا فإت مسجد الفلاني كيما ترى أخى المبغض لعلي ” عليه السلام ” قال: فطالت علي تلك الليلة، فلما اصبحت أتيت المسجد الذى وصف لي فقمت في الصف فإذا إلى جانبى شاب متعمم فذهب ليركع فسقطت عمامته من رأسه فنظرت في رأسه ووجهه فإذا رأس خنزير ووجهه وجه خنزير، فو الله ما علمت ما تكلمت في صلاتي حتى سلم الامام فقلت: ويحك ما لذى أرى بك ؟ فبكى وقال لي: انظر إلى هذه الدار فنظرت فقال لي: ادخل فدخلت فقال لي: كنت مؤذنا لآل فلان كلما اصبحت لعنت عليا الف مرة بين الاذان والاقامة في كل جمعة لعنته اربعة آلاف مرة فخرجت من منزلي، فأتيت دارى فانكمأت على هذا الدكان الذى ترى فرأيت في منامي كأنى بالجنة وفيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي فرحين ورأيت كأن النبي (صلى الله عليه وآله)، عن يمينه الحسن وعن يساره الحسين، ومعه كأس فقال يا حسن اسقنى فسقاه ثم قال: اسق الجماعة فشربوا ثم رأيت كأنه قال: اسق المتكى على هذا الدكان فقال له الحسن: يا جد اتأمرنى ان اسقى هذا وهو يلعن والدى في كل يوم الف مرة بين الاذان والاقامة، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرة، فأتاني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لي ما لك عليك لعنة الله تلعن عليا وعلي منى، فرأيته كأنه تفل في وجهى وضربنى برجله


[ 124 ]

وقال: قم غير الله ما بك من نعمة فانتبهت من نومى فإذا رأسي رأس الخنزير ووجهى وجه الخنزير، ثم قال لى أبو جعفر هذان الحديثان في يدك ؟ قلت لا، فقال: يا سليمان حب علي إيمان وبغضه نفاق، والله لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق قال: قلت الامان يا أمير المؤمنين قال: لك الامان قلت: فما تقول في قاتل الحسين بن علي بن أبى طالب عليهم السلام ؟ قال: إلى النار وفى النار قلت: فكذلك من قتل ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى النار وفى النار. قال الملك عقيم اخرج يا سليمان فلا تحدث بما سمعت. (وروى) ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” دخل مكة في بعض حوائجه. فوجد أعرابيا متعلقا باستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك والضيف ضيفك ولكل ضيف من مضيف قراى منك الليلة المغفرة، فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لاصحابه أما تسمعون كلام الاعرابي ؟ قالوا: نعم قال: الله اكرم من ان يرد ضيفه قال: فلما كان الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول، يا عزيزا في عزك ولا اعز منك في عزك، اعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو اتوجه اليك، واتوسل اليك بمحمد وآل محمد عليك اعطني ما لا يعطنى أحد غيرك واصرف عنى ما لا يصرفه أحد غيرك قال: فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لاصحابه هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية اخبرني به حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأله الجنة فاعطاه وسأله صرف النار وقد صرفها عنه، فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحوبه مكان ولا يخلو منه مكان بلا كيفية كان رزق الاعرابي اربعة آلاف درهم قال: فتقدم إليه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك وسألت ربك الجنة فأعطاك وسألته ان يصرف عنك النار وقد صرفها، وفى هذه الليلة تسأله اربعة آلاف درهم. قال الاعرابي: من أنت ؟ قال: انا علي بن أبى طالب قال الاعرابي: انت والله بغيتى وبك انزلت حاجتى قال: سل يا أعرابي قال: الف درهم للصداق والف درهم اقضي به دينى، والف درهم اشترى به دارا والف درهم اتعيش منه قال: انصفت يا أعرابي فإذا خرجت من مكة فسل عن دارى بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) فاقام الاعرابي اسبوعا بمكة وخرج في طلب أمير المؤمنين على ” عليه السلام ” إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ونادى من يدلني على دار أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال الحسين بن علي عليهما السلام من بين الصبيان انا ادلك على دار أمير المؤمنين علي ” عليه السلام ” وانا ابنه الحسين ابن علي فقال الاعرابي: من ابوك ؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب قال: من


[ 125 ]

امك ؟ قال فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين قال: من جدك ؟ قال: رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال: من جدتك ؟ قال: خديجة بنت خويلد قال من اخوك ؟ قال أبو محمد الحسن بن علي، قال: قد اخذت الدنيا بطرفيها امش إلى امير المؤمنين وقل له: الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب. قال فدخل الحسين بن علي على ابيه وقال له الاعرابي بالباب يزعم إنه صاحب الضمان بمكة قال فقال: يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي، قالت: اللهم لا قال: فلبس أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فخرج وقال: ادعو لي يا ابا عبد الله سلمان الفارسى فدخل إليه سلمان الفارسى. فقال: يا ابا عبد الله اعرض الحديقة التى غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي على التجار. قال: فدخل سلمان السوق وعرض الحديقة فباعها باثنتى عشرة الف درهم، واحضر الاعرابي فاعطاه اربعة آلاف درهم واربعين درهما نفقة، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة عليها السلام فاخبرها بذلك. فقالت اجرك على الله في ممشاك فجلس علي ” عليه السلام ” والدراهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه اصحابه فقبض قبضة وجعل يعطى رجلا رجلا حتى لم يبق درهم واحد، فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام يابن عم بعت الحايط الذى غرسه لك والدى ؟ قال: نعم بخير منه عاجلا، وآجلا قالت فأين الثمن قال: دفعته إلى اعين استحييت ان اذلها بذل المسألة قبل ان تسألني قالت فاطمة انا جايعة وابناي جايعان ولا شك انك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم واخذت بطرف ثوب علي ” عليه السلام ” فقال علي يا فاطمة خليني، فقالت. لا والله أو يحكم بينى وبينك أبى فهبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد الله يقرأك السلام، ويقول اقرأ عليا من السلام وقل: لفاطمة ليس لك ان تضربى على على يديه فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي عليهما السلام، فقال لها يا بنية ما لك ملازمة لعلي قالت يا ابة باع الحايط الذى غرسته له باثنى عشرة الف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشرى به طعاما فقال يا بنية جبرئيل يقرأنى من ربى السلام ويقول اقرأ عليا من ربه السلام وامرني ان اقول ليس لك ان لا تضربى عليه يديه فقالت فاطمة فانى استغفر الله ولا اعود ابدا قالت فاطمة عليها السلام فخرج أبى صلوات الله عليه وآله في ناحية وزوجي علي ” عليه السلام ” في ناحية فما لبث ان أتى أبى (صلى الله عليه وآله) ومعه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة أين علي ؟ فقلت له خرج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاك هذه الدراهم، فإذا جاء ابن عمى فقولي له يبتاع


[ 126 ]

لكم بها طعاما فما لبث إلا يسيرا حتى جاء علي ” عليه السلام ” فقال: رجع ابن عمى فانى اجد رائحة طيبة قالت: نعم وقد دفع إلى شيئا تبتاع لنا به طعاما، قال علي ” عليه السلام ” هاتيه فدفعته إليه سبعة دراهم سودا هجرية، فقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا، وهذا من رزق الله عزوجل، ثم قال: يا حسن قم معى فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول من يقرض الملي الوفى، قال: يا بنى تعطيه قال: أي والله يا أبة فأعطاه علي ” عليه السلام ” الدراهم فقال الحسن: يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها، قال: نعم يا بنى ان الذى يعطى القليل قادر على ان يعطى الكثير، قال فمضى علي بباب رجل يستقرض منه شيئا فلقيه اعرابي ومعه ناقة فقال: يا على اشتر مني هذه الناقة، قال: ليس معى ثمنها: قال انظرك به إلى القبض قال بكم يا أعرابي ؟ قال: بمائة درهم، قال: خذها يا حسن فأخذها، فمضى علي ” عليه السلام ” فلقيه أعرابي آخر المثال واحد، والثياب مختلفة قال: يا على تبيع الناقة قال علي ” عليه السلام ” وما تصنع بها ؟ قال: اغزوا عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال: ان قبلتها فهى لك بلا ثمن قال: معى ثمنها وبالثمن اشتريها، فبكم اشتريتها ؟ قال: بمئة درهم قال الاعرابي فلك سبعون ومئة درهم، فقال علي ” عليه السلام ” يا حسن خذ السبعين والمئة وسلم المئة للاعرابي الذى باعنا الناقة والسبعين لنا نبتاع بها شيئا، فاخذ الحسن ” عليه السلام ” الدراهم وسلم الناقة. قال علي ” عليه السلام ” فمضيت اطلب الاعرابي الذى ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا في مكان لم اره فيه قبل ذلك، ولا بعده على قارعة الطريق فلما نظر ألى النبي (صلى الله عليه وآله) تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده، قال علي ” عليه السلام “: اضحك الله سنك وبشرك بيومك، قال: يا علي اتطلب الاعرابي الذى باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟ فقلت أي والله فداك أبى وأمى، فقال: يا أبا الحسن باعك الناقة جبرئيل، والذى اشتراها منك ميكائيل والناقة من نوق الجنة، والدراهم من رب العالمين عزوجل فانفقها في خير ولا تخف أقتارا. (وروى) ان جبرئيل نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد السلام يقرأك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والارضين السبع ومن عليهن، وما خلقت موضعا اعظم من الركن والمقام، ولو ان عبدا دعاني هناك منذ خلقت السماوات والارضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لكببته في سقر. قال عبد الله بن عمر: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفع الراية يوم خيبر إلى رجل من


[ 127 ]

اصحابه فرجع منهزما فدفعها إلى آخر فرجع يجبن اصحابه، ويجبنوه قد رد الراية منهزما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فلما اصبح قال: ادعوا لي عليا فقيل يا رسول الله هو رمد فقال: ادعوه فلما جاء تفل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عينيه، فقال اللهم ادفع عنه الحر والبرد، ثم دفع الراية إليه فمضى وما رجع إلى رسول الله إلا بفتح خيبر، ثم قال اما إنه لما دنا من القموص اقبل اعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل، والحجارة فحمل عليهم علي ” عليه السلام ” حتى دنا من الباب فثنا رجله، ثم نزل مغضبا إلى اصل عتبة الباب فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره اربعين ذراعا، قال ابن عمر: وما عجبنا من فتح الله خيبر على يدى علي ” عليه السلام ” ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه اربعين ذراعا، ولقد تكلف حمله اربعون رجلا فما اطاقوه فاخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال: والذى نفسي بيده لقد اعانه عليه اربعون ملكا. (وروى) ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال في رسالته إلى سهل بن حنيف: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية، ولا بحركة غذائية لكنى ايدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة وانا من احمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ولو امكنتني الفرصة من رقابها لما بغيت، ومن لم يبال منى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط. وقال جابر بن عبد الله: ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فتحوها وانهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا. وقال سعيد بن جبير: اتيت عبد الله بن عباس، فقلت له يا بن عم رسول الله انى جئتك اسئلك عن علي بن أبى طالب واختلاف الناس فيه، فقال ابن عباس: يا بن جبير جئتني تسألني عن خير خلق الله من الامة بعد رسول الله يا بن جبير تسألني عن رجل كانت له الف منقبة في ليلة واحدة، وهى ليلة القربة يا بن جبير جئتني تسألني عن وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووزيره وخليفته، وصاحب حوضه ولوائه، وشفاعته والذى نفس ابن عباس بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا واشجارها اقلاما، واهلها كتابا فكتبوا مناقب علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وفضائله من يوم خلق الله الدنيا إلى ان يفنيها فما بلغوا معشار ما اتاه الله تبارك وتعالى.


[ 128 ]

وقال ابن عباس: لما فتح رسول الله مكة خرجنا، ونحن ثمانية آلاف فلما امسينا صرنا عشرة آلاف من المسلمون فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهجرة بعد الفتح، قال ثم تهيئنا إلى هوازن فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبى طالب ” عليه السلام ” يا علي قم وانظر كرامتك على الله عزوجل كلم الشمس إذا طلعت، قال: ابن عباس والله ما حسدت أحدا إلا علي بن أبى طالب ذلك قلت للفضل قم ننظر كيف يكلم على بن أبى طالب الشمس ؟ فلما طلعت الشمس قام علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فقال: السلام عليك أيها العبد الدائب في طاعة ربه فأجابته الشمس وهى تقول: عليك السلام يا أخا رسول الله، ووصيه وحجة الله على خلقه قال فانكب علي عليه السلام ساجدا شكرا لله عزوجل، قال: فو الله لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام فأخذ برأس علي ” عليه السلام ” يقيمه ويمسح وجهه، ويقول: قم حبيبي فقد ابكيت أهل السماء من بكائك، وباهى الله عزوجل بك حملة عرشه. (وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر ذات يوم إلى علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وحوله جماعة من اصحابه، فقال: من احب ان ينظر إلى يوسف في جماله والى ابراهيم في سخائه والى سليمان في بهجته، والى داود في قوته فلينظر إلى هذا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اراد ان ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في فهمه والى ابراهيم في حلمه، والى يحيى بن زكريا في زهده، والى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبى طالب. وقال (صلى الله عليه وآله): حق علي على الناس كحق الوالد على ولده. وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: نادى ملك من السماء يوم بدر، يقال له رضوان لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي اعطيت ثلاثا قلت: فداك أبى وأمى وما اعطيت ؟ قال اعطيت صهرا مثلى، واعطيت مثل زوجتك فاطمة، واعطيت ولديك الحسن والحسين. قال ابن عباس: إذا كان يوم القيامة اقعد الله سبحانه جبرئيل ومحمد (صلى الله عليه وآله) على الصراط فلا يجوز احد إلا من كان معه براءة من علي بن أبى طالب. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوتة حمراء على يمين العرش، وضربت لابراهيم قبة خضراء على يسار العرش، وضربت فيما بيننا لعلي ابن ابى طالب قبة من لؤلؤة بيضاء فما ظنكم بحبيب بين خليلين.


[ 129 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلقت انا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل ان يخلق الله آدم بألفى عام، فلما خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه ولقد سكن الجنة، ونحن في صلبه، ولقد هم بالخطيئة، ونحن في صلبه ولقد ركب النوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف ابراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم يزل يلقينا الله في اصلاب طاهرة إلى ارحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا نصفين فجعلني في صلب عبد الله وجعل عليا في صلب أبى طالب، وجعل في النبوة والبركة، وجعل في الفصاحة والفروسية، وشق لنا اسمين من اسمائه فذوا العرش محمود، وانا محمد والله الاعلى وهذا علي. (وروى) علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه، قالت: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام قلت: انا نتحدث على ان الشمس ردت على أمير المؤمنين ” عليه السلام ” يوم بابل قال: ما علمت ذلك، ولكن أبى حدثنى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى العصر بكراع الغميم فلما سلم نزل عليه الوحى وجاء على، وهو على ذلك من الحال فاسنده إلى ظهره فلم يزل بتلك الحال حتى غابت الشمس، والقرآن ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي صليت ؟ فقال لا قال: فما منعك ؟ – قال: يا رسول الله جئت، وانت بالحال التى كنت بها فاسندتك إلى صدري، وكرهت ان ادعك حتى تفرغ، فاقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى القبلة وقال: اللهم ان كان علي في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد الشمس فردت عليه الشمس بيضاء نقية، فقال: قم فقام علي وصلى، فلما فرغ من صلاته وقعت الشمس وبدت الكواكب. (وروى) ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لما أراد ان يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من اصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، وصلى ” عليه السلام ” بنفسه في طايفة معه العصر، ولم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس ففات صلاة كثير منهم، وفات الجمهور فضل الاجتماع معه فتكلموا في ذلك، فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى رد الشمس عليه ليجمع كافة اصحابه على صلاة العصر في وقتها، فاجابه الله تعالى وردها عليه فكانت في الافق على الحال التى تكون عليه وقت العصر، فلما سلم القوم غابت الشمس فسمع لها وجيب شديد هال الناس من ذلك، واكثر الناس التسبيح والتهليل والاستغفار والحمد لله على نعمه التى ظهرت فيهم وسار خبر ذلك في الآفاق، وانتشر ذكره في الناس، وكذلك


[ 130 ]

روى عن اسماء بنت عميس وام سلمة، وأبى رافع والحسين بن علي عليهما السلام. (وروى) انه صلى جالسا بالايماء لما توسده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما افاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غشيته دعا له حتى ردت الشمس. (وروى) ان أنس بن مالك عصب بعصابة، فسئل عنها فقال: هذه دعوة علي ابن أبى طالب ” عليه السلام ” فقيل: كيف كان ذلك ؟ فقال: كنت خادما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فاهدى إليه طاير مشوى، فقال: اللهم ايتنى بأحب خلقك اليك والي يأكل معى من هذا الطير فجاء علي ” عليه السلام ” فقلت له رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول، واحببت ان يكون رجلا من قومي فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثانية، وقال: اللهم ايتنى باحب خلقك اليك والي يأكل معى من هذا الطاير، فجاء علي ” عليه السلام ” فقلت له رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول واحببت ان يكون رجلا من قومي، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثالثة فقال: اللهم ايتنى باحب خلقك اليك والي يأكل من هذا الطائر فجاء علي ” عليه السلام ” فقلت: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول، واحببت ان يكون رجلا من قومي، فرفع علي ” عليه السلام ” صوته فقال وما يشغل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنى فسمعه رسول الله فقال: يا أنس من هذا ؟ قلت علي ابن أبى طالب فقال: ائذن له، فلما دخل فقال له: يا علي انى قد دعوت الله عزوجل ثلاث مرات ان يأتيني بأحب خلقه إليه والي ان يأكل معى من هذا الطاير، ولو لم تجبني في الثالثة لدعوت الله في الثالثة باسمك ان يأتنى بك، فقال علي ” عليه السلام ” يا رسول الله انى قد جئت ثلاث مرات كل ذلك يردنى أنس، ويقول: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنك مشغول فقال رسول الله: يا أنس ما حملك على هذا ؟ فقلت: يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت ان يكون رجلا من قومي، قال: فرفع على يده إلى السماء فقال: اللهم ارم انسا بوضح لا تستره من الناس، ثم كشف العصابة عن رأسه، فقال: هذه دعوة علي هذه دعوة علي هذ دعوة عوة علي، وقال أمير المؤمنين عليه السلام بخيبر: انا الذى سمتنى امى حيدرة * عبل الذراعين شديد القيصرة ليث لغابات شديد قسورة * اكيلكم بالسيف كيل السندرة وقال حسان بن ثابت يوم خيبر في أمير المؤمنين عليه السلام: وكان علي ارمد العين يبتغى * دواء فلما لم يحس مداويا شفاه رسول الله منة بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا


[ 131 ]

وقال سأعطى الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا يحب إلهى والرسول يحبه * به يفتح الله الحصون الاوابيا فاصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا وقد روى هذه الابيات لخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين: انا مولى لفتى انزل فيه هل أتى * إلى متى اكتمه اكتمه إلى متى وانشد: حب علي بن أبى طالب * فرض على الشاهد والغائب وأنشد: حب علي علو همة * لانه سيد الائمة وأنشد: إذا ذكرت العزل من هاشم * تنافرت عنك الكلاب الشاردة فقل لمن لامك في حبه * خانتك في مولدك الوالدة أشهد بالله وآلائه * شهادة صادقة خالدة ان علي بن أبى طالب * امامنا في سورة المائدة وأنشد في معناه الصاحب: بحب علي تزول الشكوك * وتزكوا النفوس وتصفوا النجار فمهما رأيت محبا له * فثم الزكاء وثم الفخار ومهما رأيت عدوا له * ففى اصله نسب مستعار فلا تعذلوه على فعله * فحيطان دار أبيه قصار وأنشد: انا وجميع من فوق التراب * فداء تراب نعل أبى تراب وأنشد: ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوى الكوكب وعليه قد حبست ببابل مرة * اخرى وما حبست لخلق مغرب إلا لاحمد أوله من بعده * ولردها تأويل أمر معجب


[ 132 ]

مجلس في ذكر وفاة أمير المؤمنين عليه السلام اعلم ان وفاة أمير المؤمنين ” عليه السلام ” كانت ليلة الجمعة ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف قتله ابن ملجم لعنه الله ليلة تسع عشرة في مسجد الكوفة، وكانت سنة يوم وفاته ثلاثا وستين سنة. وروى ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادى لعنه الله فرده مرتين أو ثلاثا، ثم بايعه وقال عند بيعته له: ما يحبس اشقاها فو الذى نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا، ووضع يده على لحيته ورأسه ” عليه السلام “، فلما ادبر ابن ملجم لعنه الله منصرفا قال عليه السلام: اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا وروى أن ابن ملجم المرادى لعنه الله أتى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” يبايعه فيمن بايعه ثم ادبر عنه فدعاه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فتوثق منه، وتوكد عليه ان لا يغدر ولا ينكث ففعل فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيرى فقال ” عليه السلام ” اريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مرادى امض يا بن ملجم فو الله ما أرى ان تفى بما قلت. وروى ان نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا اعمالهم عليهم، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو إنا شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وارحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا باخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبد الرحمن ابن ملجم لعنه الله انا اكفيكم عليا، وقال المبارك بن عبد الله التميمي: انا اكفيكم معاوية، وقال عمرو بن البكر التميمي: انا اكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على ذلك وتواثقوا على الوفاء، واتعدوا لشهر رمضان في ليلة التسع عشرة ثم تفرقوا فاقبل ابن ملجم، وكان عداده في كندة حتى قدم الكوفة فلقى اصحابه، وكتمهم امره مخافة ان ينتشر منهم شئ فهو في ذلك إذ رأى رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرئاب فصادف


[ 133 ]

عنده قطام بنت الاخضر التميمية، وكان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قتل اباها واخاها بالنهروان وكانت من اجمل نساء زمانها، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد اعجابه فسأل في نكاحها وخطبها، فقالت له: ما الذى تسمى لي من الصداق فقال لها: احكمى ما بدا لك قالت انا محكمة عليك بثلاثة آلاف درهم، ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبى طالب فقال لها: جميع ما سألت واما قتل علي بن أبى طالب فأنى لي بذلك ؟ فقالت تلتمس غرته فان أنت قتلته شفيت نفسي، وهناك العيش معى وان قتلت فما عند الله خير وابقى، فقال: وايم الله ما اقدمني هذا المصر إلا هذا، وقد كنت هاربا منه لامن مع اهله إلا ما سألتنى من قتل علي بن أبى طالب فلك ما سألت، قالت: فانا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك، ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرئاب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم فتحمل ذلك لها وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من اشجع الناس يقال له شيب بن بحرة، فقال له: يا شبيب هل لك شرف في الدنيا والآخرة قال وما ذاك ؟ قال تساعدني على قتل علي، وكان شبيب على رأى الخوارج، فقال له: يا بن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الاعظم فإذا خرج لصلاة الفجر قتلناه فان نحن قتلناه شفينا انفسنا وادركنا ثارنا فلم يزل به حتى اجابه فاقبل معه حتى دخل المسجد على قطام وهى متعكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة فقال لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل قالت لهما: فإذا اردتما ذلك فالقوني في هذا الموضع فانصرفا من عندها فلبث اياما ثم اتياها ومعهما الآخر ليلة الاربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اربعين من الهجرة فدعت لهما بحرير فعصبت به صدورهم وتقلدوا أسيافهم ومضوا، فجلسوا مقابل السدة التى يخرج منها أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إلى الصلاة وقد كانوا قبل ذلك القوا إلى الاشعت بن قيس ما في قلوبهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وواطأهم عليه، وحضر الاشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجمعوا عليه وكان حجر بن عدي رحمه الله بائتا في المسجد فسمع الاشعث يقول لابن ملجم: النجا النجا لحاجتك فقد ضحك الصبح فأحس الرجل بما اراد الاشعث فقال له: قتلته يا أعور وخرج مبادرا ليمضى إلى أمير المؤمنين فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف واقبل حجر، والناس يقولون قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذكر عبد الله بن محمد الازدي قال: انى لاصلى في تلك


[ 134 ]

الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل مصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من اوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون في تلك الليلة في المسجد قريبا من السدة وخرج علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” لصلاة الفجر، فاقبل ينادى: الصلاة الصلاة فما ادرى أنادى ام رأيت بريق السيف وسمعت قايلا يقول: لله الحكم يا علي لا لك ولا لاصحابك، وسمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل فإذا علي ” عليه السلام ” مضروب وقد ضربه شبيب بن بحرة فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق وهرب القوم نحو ابواب المسجد وبادر الناس لاخذهم، فأما شبيب بن بحرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره واخذ السيف من يده ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه فخشى ان يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه فوثب عن صدره وخلاه وطرح السيف من يده ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال له: ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين فاراد ان يقول لا فقال نعم فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله، واما ابن ملجم فان رجلا من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة كان في يده ثم صرعه واخذ السيف من يده وجاء به إلى إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وافلت الثالث فانسل بين الناس، فلما دخل ابن ملجم علي أمير المؤمنين ” عليه السلام ” نظر إليه ثم قال: النفس بالنفس ان انا مت فاقتلوه كما قتلني وان سلمت رأيت فيه رأيى، فقال ابن ملجم لعنه الله والله لقد ابتعته بالف وسممته بالف فان خاننى فايعده الله، قال: ونادته ام كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين، قال: إنما قتلت إباك قالت: يا عدو الله انى لارجو ا أن لا يكون عليه بأس، قال لها: فأراك إنما تبكين على علي إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الارض لاهلكتهم فاخرج من بين يدى أمير المؤمنين ” عليه السلام “، وان الناس ينهشون لحمه باسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ماذا فعلت اهلكت أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وقتلت خير الناس وانه لصامت ما ينطق فذهب به إلى الحبس، وجاء الناس إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام “، فقالوا له يا أمير المؤمنين أمرنا بأمرك في عدو الله فقد أهلك الامة، وافسد الملة فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان عشت رأيت فيه رأيى، وان هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي (صلى الله عليه وآله) اقتلوه ثم احرقوه بالنار بعد ذلك، قال فلما قضى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” نحبه وفرغ اهله من دفنه جلس الحسن ” عليه السلام ” وأمر أن يؤتى بابن ملجم لعنه الله فجيئ به، فلما وقف بين يديه قال له: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين، واعظمت الفساد في الدين ثم


[ 135 ]

أمر به فضرب عنقه واستوهبت أم الهيثم بنت الاسود النخعية جيفته لتتولى احراقها فوهبها لها فاحرقتها بالنار واما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص، فان احدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في اليتيه ونجا منها فاخذ وقتل في وقته، واما الآخر فانه وافى عمروا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبى حبيبة العامري فضربه بالسيف وهو يظن انه عمرو، واخذ وأتى به عمرو فقتله ومات خارجة في يوم الثاني. وروى الاصبغ بن نباتة، قال: خطبنا أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في الشهر الذى قتل فيه فقال: آتيكم شهر رمضان، وهو سيد الشهور وأول السنة، وفيه يدور رحا السلطان إلا وانكم الحاج العام صفا واحدا، وآية ذلك انى لست فيكم فهو ينعى بنفسه الينا ونحن لا ندرى. وروى انه لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” يتعشا ليلة عند الحسن وليلة عند عبد الله بن العباس فكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له في ليلة من الليالى ما لك لا تأكل ؟ فقال: يأتيني أمر ربى، وانا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب ” عليه السلام ” في آخر الليل. وروى ان عليا ” عليه السلام ” يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية اننى ارانى قل ما اصحبكم قالت فكيف ذلك يا أبتاه ؟ قال: انى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي، وهو يمسح الغبار عن وجهى ويقول: يا علي لا عليك قضيت ما عليك، قالت: فما مكثنا إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الليلة فصاحت أم كلثوم، فقال: يا بنية لا تفعلين فأنى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشير إلى بكفه، ويقول: يا علي الينا فان ما عندنا هو خير لك. وروى ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” سهر في الليلة التى قتل في صبيحتها، ولم يخرج لصلاة الليل على عادته، فقالت له ابنته ام كلثوم: ما هذا الذى اسهرك ؟ فقال: انى مقتول لو قد اصبحت وأتاه ابن النباح فاذنه بالصلاة فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت له ام كلثوم مر جعدة فليصل قال: نعم مروا جعدة ليصلي ثم قال: لا مفر من الاجل فخرج إلى المسجد فإذا هو بالرجل قد سهر ليله كلها يرصده، فلما برد السحر نام فحركه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” برجله، وقال له: الصلاة فقام إليه فضربه. وروى في حديث آخر ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” سهر في تلك الليلة، واكثر الخروج


[ 136 ]

والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وانها الليلة التى وعدت بها ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر شد ازاره وهو يقول: اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا فلما خرج إلى صحن الدار استقبلته الاوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردوهن، فقال دعوهن فانهن صوايح تتبعها نوايح، ثم خرج فاصيب عليه السلام. وروى ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لما حضرته الوفاة، قال للحسن والحسين عليهما السلام إذا أنا مت فاحملاني على سرير، ثم اخرجاني واحملا مؤخر السرير فانكما تكفيا مقدمه ثم أتيا بى الغريين فانكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفروا فيها فانكما تجدان فيها شيئا فادفناني فيه قال: فلما مات اخرجنا، وجعلنا نحمل بمؤخر السرير ويكفى مقدمه وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها: مما ادخرها نوح لعلي بن أبى طالب عليهما السلام فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون باكرام الله لامير المؤمنين ” عليه السلام ” فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه فاخبرناهم بما جرى، وباكرام الله لامير المؤمنين ” عليه السلام ” فقالوا نحب ان نعاين من أمره ما عاينتم فقلنا لهم: ان الموضع قد عفى اثره بوصية منه ” عليه السلام ” فمضوا إليه فقالوا: انهم احتفروا فلم يروا شيئا. وقال الباقر ” عليه السلام “: دفن أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي عليهما السلام، وعبد الله بن جعفر (رض) وروى انه لما ضربه ابن ملجم عليه لعاين الله، قال للحسن والحسين عليهما السلام اوصيكما بتقوى الله، وان لا تبغيا الدنيا ولا تأسفا على شئ منها زوى عنكما وقولا بالحق واعملوا للآخرة وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا اوصيكما وجميع ولدى واهلى ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإنى سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام الله الله في الايتام فلا تغبوا افواههم ولا تضيعوا بحضرتكم، الله الله في جيرانكم فانه وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننت انه سيورثهم، الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم، الله الله في الصلاة فانها عمود دينكم، الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا، الله الله في الجهاد بأموالكم وانفسكم والسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل


[ 137 ]

واياكم والتدابر والتقاطع لا تتركوا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، يا بنى عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بى إلا قاتلي، انظروا إذا انا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فانى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. قال الشاعر في أمر قطام التى استدعت ابن ملجم إلى قتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام: فلم ار مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح واعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب على بالحسام المصمصم فلا مهر اغلى من علي وان غلى * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم وروى انه لما ضربه ابن ملجم قال ” عليه السلام “: اطعموه وأسقوه واحسنوا اساره وان أصح فانا ولي دمى ان شئت اعفوا وان شئت استقدت منه، وان انا هلكت فبدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به. قال جعفر بن محمد الصادق ” عليه السلام “: لما قتل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال صعصعة بن صوحان: ألا من لي بنشرك يا اخيا * ومن لي ان ابثك ما اريا طوتك خطوب دهر قد تولى * كذاك خطوبه نشرا وطيا وكانت في حياتك لي عظات * وانت اليوم اوعظ منك حيا وقال أبو الاسود الدؤلى في مقتله ” عليه السلام ” وقيل لاروى بنت أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ألا ابلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا افي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا اجمعينا قتلتم خير من ركب المطايا * واكرمهم ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثانى والمبينا إذا استقبلت وجه أبى حسين * رأيت البدر راع الناظرينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرهم حسبا ودينا قال حبيب بن عمرو: دخلت على أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في مرضه الذى قبض فيه فحل عن جراحه فقلت: يا أمير المؤمنين: ما جرحك هذا بشئ وما بك من بأس ؟ فقال


[ 138 ]

يا حبيب انا والله مفارقكم الساعة، قال فبكيت عند ذلك وبكيت ام كلثوم، وكانت قاعدة عنده فقال لها: ما يبكيك يا بنية ؟ فقالت: ذكرت يا ابت انك تفارقنا الساعة فبكيت فقال لها: يا بنية لا تبكين فو الله لو ترين ما يرى ابوك ما بكيت، قال حبيب فقلت له وما الذى ترى يا أمير المؤمنين قال يا حبيب أرى ملائكة السماوات والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفا إلي يتلقوني، وهذا اخى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس عندي يقول أقدم فان امامك خير لك مما انت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتى توفى عليه الصلاة والسلام فلما كان الغد، واصبح الحسن ” عليه السلام ” قام خطيبا على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ايها الناس في هذه الليلة نزل القرآن، وفى هذه الليلة رفع عيسى بن مريم ” عليه السلام ” وفى هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفى هذه الليلة قتل ابى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” والله لا يسبق أبى أحد كان قبله من الاوصياء إلى الجنة، ولا من يكون بعده وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشترى به خادما لاهله. وكانت امامة أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بعد النبي صلوات الله عليه ثلاثين سنة منها اربع وعشرون سنة واشهر ممنوعا من التصرف مستعملا للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين واشهر ممتحنا بجهاد الناكثين والقاسطين والمارقين. والنبى (صلى الله عليه وآله) كان بمكة كذلك ممنوعا، ثم هاجر فتمكن من الجهاد لاعدائه وكانت سن أمير المؤمنين ثلاثا وستين سنة، ولم يزل قبره ” عليه السلام ” مخفيا بوصية منه لما علم من دولة بنى أمية من بعده، واعتقادهم عداوته حتى دخل عليه الصادق عليه السلام في الدولة العباسية فعرفته الشيعة، واستأنفوا إدراك زيارته عليه السلام. مجلس في ذكر ما يدل على ايمان أبي طالب وفاطمة بنت أسد قال الله تعالى: (الذى يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين). اعلم ان الطائفة المحقة قد اجتمعت على ان أبا طالب وعبد الله بن عبد المطلب وآمنة


[ 139 ]

بنت وهب كانوا مؤمنين، واجماعهم حجة على ما ذكر في غير موضع. وأيضا فقد ظهر واشتهر عن أبى طالب من الموالاة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمحبة والنصرة وذلك ظاهر من شايع ذايع لا ينكره إلا جاهل غبى ليس له علم بالسير، وقد روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال بعد دعاء الاستسقاء: لله در أبى طالب لو كان حيا لقرت عيناه من منكم يحفظ شعره ؟: وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للارامل (وروى) انه سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال: كنت في صلبه وهبط بى إلى الارض في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبى نوح وقذف بى النار في صلب أبى ابراهيم، لم يلتق لي ابوان على سفاح قط لم يزل الله عزوجل ينقلني من الاصلاب الطيبة إلى الارحام الطاهرة هاديا مهديا حتى اخذ الله بالنبوة عهدي، وبالاسلام ميثاقي وبين كل شئ من صفتي، واثبت في التوراة والانجيل ذكرى، ورقى بى إلى السماء وشق لي اسما من اسمائه، أمتى الحامدون فذو العرش محمود وانا محمد، وهذا الخبر يدل على ان ابويه كانا مؤمنين. وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه هبط جبرئيل، وقال: يا محمد ان الله تعالى حرم النار على ثلاثة: صلب انزلك، وبطن حملك وحجر كفلك، وذلك يدل على قولنا. قال ابن عباس عن ابيه: قال أبو طالب للنبى (صلى الله عليه وآله): يا بن اخ الله ارسلك ؟ قال: نعم قال: فارنى آية فادع لي تلك الشجرة فدعاها فاقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت فقال أبو طالب: اشهد انك صادق يا علي صل جناح ابن عمك. وسأل رجل عبد الله بن عباس، فقال له: يا بن عم رسول الله اخبرني عن أبى طالب هل كان مسلما ؟ قال: وكيف لم يكن مسلما وهو القائل: وقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعنى بقول الا باطل ان ابا طالب كان مثله كمثل اصحاب الكهف اسروا الايمان واظهروا الشرك فآتاهم اجرهم مرتين. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان مثل أبى طالب مثل اصحاب الكهف حين كتموا الايمان واظهروا الشرك فآتاهم اجرهم مرتين. وقال أبو عبد الله الصادق ” عليه السلام “: لما حضرت ابا طالب رضى الله عنه الوفاة جمع


[ 140 ]

وجوه قريش فأوصاهم، فقال: يا معشر قريش انتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب وانتم خزنة الله في ارضه، وأهل حرمه فيكم السيد المطاع الطويل الذراع، وفيكم المقدم الشجاع الواسع الباع، اعلموا انكم لم تتركوا للعرب في المفاخرة نصيبا إلا حزتموه ولا شرفا إلا ادركتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به اليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم الب، انى موصيكم بوصية فاحفظوها اوصيكم بتعظيم هذه البنية فان فيها مرضاة الرب، وقواما للمعاش وثبوتا للوطأة، وصلوا ارحامكم ففى صلتها منساة في الاجل وزيادة في العدد، واتركوا العقوق والبغى ففيهما هلكت القرون قبلكم اجيبوا الداعي واعطوا السائل فان فيهما شرفا للحياة والممات، عليكم بصدق الحديث واداء الامانة فان فيهما نفيا للتهمة، وجلالة في الاعين أقلوا الخلاف على الناس، وتفضلوا عليهم بالمعروف فان فيهما محبة للخاصة، ومكرمة للعامة وقوة لاهل البيت، وانى اوصيكم بمحمد خيرا فانه الامير في قريش، والصديق في العرب وهو جامع لهذه الخصال التى اوصيكم بها وقد جائكم بأمر قبله الجنان، وانكره اللسان مخافة الشنآن، وايم الله لكأنى انظر إلى صعاليك العرب، واهل العز في الاطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته، وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤس قريش وصناديدها اذنابا، ودورها خرابا وضعفاؤها اربابا وإذا اعظمهم عليه احوجهم إليه وابعدهم منه احظاهم لديه قد محضته العرب ودادها، وصفت له بلادها واعطته قيادها فدونكم يا معاشر قريش ابن أبيكم وأمكم له ولاة، ولحزبه حماة والله لا يسلك احد سبيله الا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه الا سعد، ولو كان لنفسي مدة وفى اجلى تأخير لكفيته الكوافى ولدفعت عنه الدواهي غير انى أشهد شهادته واعظم مقالته. وقال ابن عباس: مر أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد الحرام يصلى صلاة الظهر، وعلي ” عليه السلام ” عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك فتقدم جعفر، وتأخر علي واصطفا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قضى الصلاة وفى ذلك يقول أبو طالب: ان عليا وجعفرا ثقتى * عند ملم الزمان والنوب اجعلهما عرضة العداء إذا * اترك ميتا وانتمى إلى حسبى لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * اخي لامى من بينهم وأبي


[ 141 ]

والله لااخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب انا ابا معتب قد اسلمنا * ليس أبو معتب بذى نسب وقال أيضا: ليعلم خير الناس ان محمدا * رسول كموسى والمسيح بن مريم أتى بالهدى مثل الذى اتيا به * فكل بحمد الله يهدى ويعصم وانكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المجمجم فلا تجعلوا لله ندا واسلموا * فان طريق الحق ليس بمظلم ومما يدل على توحيده قوله: مليك الناس ليس له شريك * هو الوهاب والمبدى المعيد ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد فاقر بالتوحيد وخلع الانداد من دونه وانه بعيد بعد الابتداء وينشأ خلقه نشأة اخرى وبهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية. وقال رضى الله عنه وقد حضرته الوفاة: اوصى بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا وحمزة الاسد الحامى حقيقته * وجعفرا ان يذودوا دونه الباسا كونوا فداء لكم امى وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس اتراسا وقال أيضا: ألم تعلموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعنى بقول الا باطل وابيض يستسقى الانام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطأ عن دونه ونقاتل ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن ابنائنا والحلائل وقال أيضا: يقولون لى دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب وسلم الينا أحمد وأكفلن لنا * بنينا ولا تحفل بقول المعاتب فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باغ من لوى بن غالب


[ 142 ]

وكل هذه الابيات تدل على إيمانه رضى الله عنه فمن تأملها، وكل من تفكر فيها علم ما قلناه. وقال ابن عباس رضى الله عنهما: اقبل علي بن أبى طالب ذات يوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) باكيا وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له رسول الله: مه يا علي فقال ماتت امى فاطمة فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: رحم الله امك يا علي اما إنها ان كانت لك اما فقد كانت لي اما خذ عمامتى هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما، ومر النساء فلتحسن غسلها ولا تخرجها حتى اجئ فالي امرها، قال: وأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ساعة واخرجت فاطمة ام علي ” عليه السلام ” فصلى عليها النبي صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبر عليها اربعين تكبيرة، ثم دخل القبر فتمدد فيه فلم يسمع له انين ولا حركة، ثم قال يا علي ادخل يا حسن ادخل، فدخلا القبر، فلما فرغ مما احتاج إليه قال له: يا علي اخرج يا حسن اخرج فخرجا ثم زحف النبي حتى صار عند رأسها، ثم قال يا فاطمة انا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فأن أتاك منكر ونكير فسألاك ممن ربك فقولي: الله ربى ومحمد نبي والاسلام دينى والقرآن كتابي وابنى امامى ووليى، ثم قال: اللهم ثبت فاطمة بالقول الثابت ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما، ثم قال: والذى نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفق يمينى على شمالى، فقام إليه عمار بن ياسر فقال: فداك أبى وأمى يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، فقال: يا أبا اليقظان وهل ذلك هي منى لقد كان لها من أبى طالب ولد كثير، ولقد كان خيرهم كثيرا وكان خيرنا قليلا، وكانت تشبعني وتجيعهم وتكسوني وتعريهم، وتدهننى وتشعثهم قال: فلم كبرت عليها اربعين تكبيرت يا رسول الله ؟ قال: نعم يا عمار التفت إلى يمينى ونظرت اربعين صفا من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة، قال فتمددك في القبر ولم يسمع لك انين ولا حركة ؟ قال ان الناس يحشرون يوم القيامة عراة فلم ازل اطلب إلى ربى ان يبعثها ستيرة، والذى نفسي بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها، وملكيها الموكلين بقبرها يستغفران لها إلى ان تقوم الساعة. وروى في خبر آخر طويل ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال يا عمار ان الملائكة قد ملات الافق وفتح لها باب من الجنة ومهد لها مهادا من مهاد الجنة، وبعث إليها بريحان من رياحين


[ 143 ]

الجنة فهى روح وريحان وجنة نعيم، وقبرها روضة من رياض الجنة، وقد ذكرنا في باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ومبعثه ما يدل على إيمان أبى طالب فمن اراد فليلتمس منه ان شاء الله. مجلس في ذكر مولد سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها اعلم ان فاطمة الزهراء ولدت بعد النبوة بخمس سنين، وبعد الاسراء بثلاث سنين واقامت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ثمان سنين، ثم هاجرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة فزوجها من علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” بعد مقدمهم المدينة بسنة، والاصح ستة اشهر وقبض النبي ولفاطمة عليها السلام يومئذ ثمانى عشرة سنة، وعاشت بعد ابيها اثنين وسبعين يوما. قال المفضل بن عمر: قلت لابي عبد الله الصادق ” عليه السلام ” كيف كان ولادة فاطمة ” عليه السلام ” قال نعم ان خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرها نسوة مكة وكن لا يدخلن إليها ولا يسلمن عليها ويمنعن امرأة ارادت ان تدخل إليها فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذرا عليه، فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تحدثها من بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها يا خديجة من تحدثين ؟ قالت الجنين الذى في بطني يحدثنى ويونسني قال: يا خديجة هذا جبرئيل ” عليه السلام ” يبشرني انها ابننى، وانها النسلة الطاهرة الميمونة وان الله تعالى سيجعل نسلى منها وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاء في ارضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى ان حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبنى هاشم ان تعالين لتلين منى ما تلى النساء من النساء فارسلن إليها عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمدا يتيم أبى طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجئ، ولا نلى من أمرك شيئا فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها اربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بنى هاشم ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت احديهن لا تحزني يا خديجة فانا رسل


[ 144 ]

ربك ونحن اخواتك انا سارة وهذه آسية بنت مزاحم، وهذه رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم اخت موسى بن عمران بعثنا الله اليك لنلى منك ما تلى النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها، واخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الارض اشرق منها النور حتى علا بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الارض ولافى غربها موضع إلا اشرق فيه ذلك النور ودخلن عشرة من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وابريق من الجنة وفى الابريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التى كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر فاخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن واطيب ريحا من المسك والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين قالت: أشهد ان لا إله إلا الله وان أبى رسول الله سيد الانبياء وان بعلي سيد الاوصياء وولدى سادة الاسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها واقبلن يضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم يعضا بولادة فاطمة عليها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها وفى نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة والقمتها ثديها فدر عليها فكانت فاطمة عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمى الصبى في الشهر وتنمو في الشهر كما ينمى الصبى في السنة. وأنشد: يا نفس ان تتلقى صبرا فقد ظلمت * بنت النبي رسول الله وابناها فتلك التى أحمد المختار والدها * وجيرئيل أمين الله رباها الله طهرها من كل فاحشة * وكل ريب وصفاها وزكاها مجلس في ذكر تزويج فاطمة عليها السلام قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لقد هممت بتزويج فاطمة ابنة محمد عليهما السلام حينا ولم اتجرئ ان اذكر للنبى (صلى الله عليه وآله) وان ذلك يختلج في صدري ليلى ونهارى حتى دخلت على


[ 145 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا على قلت لبيك يا رسول الله قال: هل لك في التزويج ؟ قلت رسول الله اعلم وإذا هو يريد ان يزوجنى بعض نساء قريش وانى لخائف على فوت فاطمة فما شعرت بشئ إذ أتانى رسول رسول لله فقال لي اجب النبي واسرع فما رأينا رسول الله أشد فرحا منه اليوم قال: فأتيته مسرعا فإذا هو في حجرة ام سلمة فلما نظر إلي تهلل وجهه وتبسم حتى نظرت إلى بياض اسنانه تبرق فقال: ابشر يا علي فان الله تعالى قد كفانى ما كان من همى من أمر تزويجك قلت وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: اتانى جبرئيل ” عليه السلام ” ومعه سنبل الجنة وقرنفلها فناولنيهما فاخذتهما فشممتهما فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنفل فقال ان الله تعالى أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها ان يزينوا الجنان كلها بمغارسها واشجارها وثمارها وقصورها وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب وأمر حور عينها بالقرائة فيها سورة طه وطواسين ويسن وحم عسق ثم نادى مناد من تحت العرش ألا ان اليوم يوم وليمة علي بن أبى طالب ألا انى اشهدكم انى قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبى طالب رضى منى بعضهما لبعض ثم بعث الله تبارك وتعالى سحابا بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة وقرنفلها هذا مما نثرت الملائكة ثم أمر الله تبارك وتعالى ملكا من ملائكة الجنة يقال له: راحيل فليس في الملائكة ابلغ منه فقال اخطب يا راحيل فخطب خطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء ولا أهل الارض ثم نادى مناد ألا يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا علي بن أبى طالب حبيب محمد وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما ألا انى زوجت احب النساء إلى من احب الرجال الي بعد النبيين والمرسلين فقال راحيل الملك يا رب وما بركتك فيهما باكثر مما رأينا لهما في جناتك ودارك فقال عزوجل ان من بركتى عليهما انى اجمعهما على محبتى واجعلهما حجة على خلقي وعزتي وجلالى لاخلقن منهما خلقا ولانشئن فيهما ذرية اجعلهم خزاني في أرضى ومعادن لعلمي ودعاة إلى دينى بهم احتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين فابشر يا علي فان الله تعالى اكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا وقد زوجتك ابنتى فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضى الله لها فدونك اهلك فانك احق بها منى ولقد اخبرني جبرئيل ” عليه السلام ” ان الجنة مشتاقة اليكما، ولولا ان الله عزوجل قدر أن يخرج منكما ما يتخذه على الخلق حجة لاجاب فيكما الجنة واهلها فنعم الاخ أنت ونعم الختن انت ونعم الصاحب انت وكفاك برضى الله رضا، قال علي ” عليه السلام “: فقلت يا رسول الله بلغ


[ 146 ]

من قدري حتى انى ذكرت في الجنة وزوجني الله في ملائكته فقال (صلى الله عليه وآله) ان الله تعالى إذا اكرم وليه واحبه اكرمه بما لا عين رأت ولا اذن سمعت فاختار الله لك يا علي فقال ” عليه السلام “: رب أوزعني ان اشكر نعمتك التى انعمت علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) آمين. وقال الحسين بن علي عليهما السلام: لما زوج فاطمة عليا على اربعمائة وثمانين درهما فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) ان يجعل ثلثيها في العطر، وثلثا في الثياب فدخل بهما وما لهما فراش إلا فروة اضحية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووسادة من أدم حشوها ليف. وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ دخل عليه ملك له اربعة وعشرون وجها، فقال له رسول الله: حبيبي جبرئيل لم ارك في مثل هذه الصورة فقال الملك لست بجبرئيل انا محمود بعثنى الله تعالى ان ازوج النور من النور قال من ومن ؟ قال: فاطمة من علي فلما ولى الملك إذا بين كتفيه محمد رسول الله على وصيه فقال رسول الله منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟ فقال: من قبل ان يخلق الله عزوجل آدم باثنين وعشرين ألف سنة وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: دخلت أم ايمن على النبي وفى ملحفتها شئ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما معك يا أم أيمن، فقالت: ان فلانة املكوها فنثروا عليها فاخذت من نثارها، ثم بكت ام ايمن وقالت: يا رسول الله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا ام ايمن لم تكذبين، فان الله تعالى لما زوج فاطمة عليا أمر أشجار الجنة ان تنثر عليهم من حليها وحللها وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها فاخذوا منها ما لا يعلمون، وقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فجعلها في منزل علي. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتانى ملك فقال: يا محمد ان الله يقرأ عليك السلام ويقول قد زوجت فاطمة من علي فزوجها منه، وقد أمر شجرة طوبى تحمل الدر والياقوت والمرجان وان أهل السماء قد فرحوا لذلك وسيولد لها ولدان سيدا شباب أهل الجنة وبهم بتزين أهل الجنة فأبشر يا محمد فانك خير الاولين والآخرين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يخلق الله علي بن أبى طالب لما كان لفاطمة كفو. وروى انه جهز رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة عليها السلام في حبل وقربة ووسادة حشوها اذخر. وقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): قد علمنا مهر فاطمة في الارض فما مهرها في السماء فقال:


[ 147 ]

سل ما يعنيك ودع مالا يعنيك قيل هذا مما يعنينا يا رسول الله قال: كان مهرها في السماء خمس الارض فمن مشى عليها مبغضا لها أو لولدها مشى عليها حراما إلى ان تقوم الساعة. قال ابن عباس: لما كانت الليلة التى زفت فاطمة كان رسول الله قدامها وجبرئيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك عليهم السلام عن خلفها يسبحون ويقدسون حتى طلع الفجر. وأنشد: سلام على الطهر الزكية فاطم * سلام على اولادها الانجم الزهر خطبة النبي لما اراد تزويج فاطمة من علي عليهم السلام الحمد لله المحمود بنعته، المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب فيما عنده النافذ أمره في سمائه وارضه الذى خلق الخلق بقدرته، وميزهم باحكامه واعزهم بدينه واكرمهم بنبيه محمد. ثم ان الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا، وشج به الارحام والزمه الانام. قال الله تعالى: (وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا أمر الله يجرى إلى قضائه، وقضاؤه يجرى إلى قدره، ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) ثم ان ربى أمرنى ان ازوج فاطمة من علي بن أبى طالب، وقد زوجتها إياه على اربعمائة مثقال فضة ان رضى بذلك علي وكان على بعثه في حاجة ثم انه (صلى الله عليه وآله) دعا بطبق من تمر فوضعه بين ايدينا ثم قال انتهبوا فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي ” عليه السلام ” فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) في وجهه ثم قال يا علي ان ربى عزوجل أمرنى ان ازوجك فاطمة وقد زوجتك إياها على اربعمائة مثقال فضة ان رضيت يا علي قال: رضيت يا رسول الله ثم ان عليا خر ساجدا شكرا لله تعالى فلما رفع رأسه قال النبي (صلى الله عليه وآله): بارك الله عليكما وبارك فيكما واسعد جدكما واخرج منكم الكثير الطيب.


[ 148 ]

وروى ان مهر فاطمة عليها السلام خمسمائة درهم وهو اصح من جميع ما ذكرنا واولى. وأنشد: قالت فمن بات فوق الفراش فدى * فقلت اثبت خلق الله في الوهل قالت فمن زوج الزهراء فاطمة * فقلت افضل ما حاف ومنتعل مجلس في ذكر مناقب فاطمة عليها السلام قال أبو عبد الله ” عليه السلام ” في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) قال علي وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغى أحدهما على صاحبه يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين عليهما السلام. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله الجنة خلقها من نور عرشه ثم اخذ من ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور وأصاب عليا وأهل ولايته ثلث النور فمن اصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله). وقال أبو عبد الله ” عليه السلام ” لفاطمة عليها السلام: تسعة اسماء عند الله عزوجل فاطمة والصديقة والمباركة، والطاهرة والزكية، والراضية والمرضية، والمحدثة والزهراء ثم قال ” عليه السلام “: تدرى أي شئ تفسير فاطمة ؟ قالت فطمت من الشر، ثم قال: لولا ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الارض آدم فما دونه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتى فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوايمها من زمرد اخضر ذنبها من المسك الاذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها داخلها عفو الله خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضئ كما يضئ الكوكب الدرى في أفق السماء وعن يمينها سبعون الف ملك، وعن شمالها سبعون الف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادى


[ 149 ]

بأعلى صوته غضوا ابصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد فلا يبقى يومئذ نبى ولا مرسل ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا ابصارهم حتى تجوز فاطمة فتسير حتى تحاذى عرش ربها تعالى وتزخ بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهى وسيدي احكم بينى وبين من ظلمنى اللهم احكم بينى وبين من قتل ولدى فإذا النداء من قبل الله يا حبيبتي وابنة حبيبي سلينى تعطى واشفعي فتشفعي فو عزتي وجلالى لا جاز في ظلم ظالم فتقول: إلهى وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبى ومحب ذريتي فإذا النداء من قبل الله تعالى أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها فيقبلون وقد احاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة ” عليه السلام ” حتى تدخلهم الجنة وقيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وآسية سيدة نساء عالمها قال: ذاك لمريم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الاولين والآخرين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة ان الله تعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك. وروى ان سندل جاء إلى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: يا ابا عبد الله ان هؤلاء الشباب يحدثونا عنك بأحاديث منكرة قال له جعفر: ما ذاك يا سندل ؟ قال جائنا عنك انك حدثتهم ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها قال جعفر ” عليه السلام ” يا سندل الستم رويتم فيما تروون ان الله تعالى يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه ؟ قال: بلى، قال فما تنكر ان تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، قال سندل: الله اعلم حيث يجعل رسالته. وروى ان النبي (صلى الله عليه وآله) سئل ما البتول ؟ فانا سمعناك يا رسول الله تقول ان مريم بتول وفاطمة بتول، فقال: البتول التى لم تر حمرة قط، ولم تحض فان الحيض مكروه في بنات الانبياء. قال النبي (صلى الله عليه وآله): لما عرج بى إلى السماء اخذ بيدى جبرئيل فادخلني الجنة فناولني من رطبها فاكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبى فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة وفاطمة حوراء أنسية، فلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتى وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين وانها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون الف ملك من المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ثم التفت إلى علي


[ 150 ]

فقال يا علي ان فاطمة بضعة منى وهى نور عينى وثمرة فؤادى يسوءني ما سائها ويسرني ما سرها وانها اول من يلحقني من أهل بيتى فأحسن إليها بعدى. قال الشاعر: ولما قضت فاطم الزهراء غسلها * عن امرها بعلها الهادى وسبطاها وقام حتى أتى بطن البقيع بها * فصلى عليها علي ثم واراها ولم يصل عليها منهم أحد * حاشا لها من صلاة ثم واراها حتى إذا أصبح القوم الغداة اتوا * بعل البتول ولم يدروا بمثواها قالوا له يا أبا السبطين ما فعلت * بنت النبي فانا قد فقدناها اجابهم لحقت بالمصطفى فملوا * عليه غيظا وحقدا حين اخفاها مجلس في ذكر وفاة فاطمة عليها السلام قالت عائشة: اقبلت فاطمة تمشى كان مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال النبي مرحبا بابنتى فاجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم اسر إليها حديثا فبكت ثم اسر إليها حديثا فضحكت فقلت لها: حدثك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحديث فبكيت ثم حدثك بحديث فضحكت فما رأيت كاليوم اقرب فرحا من حزن من فرحك فقالت: ما كنت لافشى سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انه إذا قبض سألتها فقالت: اسر الي فقال: ان جبرئيل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة مرة وانه عارضنى به العام مرتين ولا ارانى إلا وقد حضر اجلى وانك أول أهل بيتى لحوقا بى ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم قال: ألا ترضين ان تكوني سيدة نساء هذه الامة أو سيدة نساء المؤمنين ؟ فضحكت لذلك. وروى ان فاطمة عليها السلام لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي (صلى الله عليه وآله) وهى مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها كل ساعة بعد ساعة في كل ساعة وحين تذكره وتذكر الساعات التى كان يدخل عليها فيعظم حزنها وتنظر مرة إلى الحسن ومرة إلى الحسين وهما بين يديها عليها السلام فتقول أين ابوكما الذى كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة


[ 151 ]

أين أبوكما الذى كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الارض ؟ فإنا لله وانا إليه راجعون فقد والله جدكما وحبيب قلبى ولا اراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت اربعين ليلة في مرضها إلى ان توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت ام ايمن واسماء بنت عميس ووجهت خلف علي واحضرته فقالت يا بن عم انه قد نعيت إلى نفسي لارى ما بى لا أشك إلا اننى لاحقة بأبى ساعة بعد ساعة وانا اوصيك باشياء في قلبى قال لها علي ” عليه السلام “: اوصيني بما احببت يا بنت رسول الله. فجلس عند رأسها واخرج من كان في البيت ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال ” عليه السلام ” معاذ الله انت اعلم بالله وابر واتقى واكرم وأشد خوفا من الله ان اوبخك غدا بمخالفتي فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك إلا انه أمر لابد منه والله جدد على مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك فانا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وألمها وأمضها وأحزنها هذة والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره ثم قال اوصيني بما شئت فانك تجديني وفيا امضى كل ما أمرتنى به واختار أمرك على أمرى ثم قالت جزاك الله عنى خير الجزاء، يا بن عم أوصيك أولا أن تتزوج بعدى بإبنة إمامة فانها تكون لولدي مثلى فان الرجال لابد لهم من النساء قال فمن اجل ذلك، قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: اربعة ليس إلى فراقهن سبيل: بنت امامة اوصتني بها فاطمة، ثم قالت اوصيك يا بن عم ان تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه إلي فوصفته فاتخذه لها، فاول نعش عمل في وجه الارض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد، ثم قالت اوصيك ان لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقى فانهم اعدائي واعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان لا يصلى علي أحد منهم، ولا من اتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الابصار. ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها، وبعلها وبنيها فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بنى هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة ان تزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله، واقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي ” عليه السلام ” وهو جالس، والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان


[ 152 ]

فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها، متجللة برداء عليها تسحبها وهى تقول: يا ابتاه يا رسول الله، الآن حقا فقدناك فقدا لالقاء بعده ابدا واجتمع الناس فجلسوا، وهم يرجون وينظرون ان تخرج الجنازة، فيصلون عليها وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا، فلما ان هدأت العيون، ومضى من الليل، اخرجها علي والحسن والحسين عليهما السلام، وعمار والمقداد، وعقيل والزبير، وابوذر وسلمان وبريدة، ونفر من بنى هاشم وخواصه صلوا عليها، ودفنوها في جوف الليل وسوى على حواليها قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها. وقال بعضهم من الخواص: قبرها سوى مع الارض مستويا، فمسحها مسحا سواء مع الارض حتى لا يعرف أحد موضعه. وقالوا: ليس قبرها بالبقيع، إنما قبرها بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنبره لا ببقيع الغرقد وتصحيح ذلك قوله ” عليه السلام ” بين قبري ومنبرى روضة من رياض الجنة، إنما اراد بهذا القول قبر فاطمة عليها السلام. وروى ان أمير المؤمنين ” عليه السلام “، قال عند دفن فاطمة عليها السلام: السلام عليك يا رسول الله عنى وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبرى ورق عنها تجلدي إلا ان لي في التأسي بعظم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحرى وصدري نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة اما حزنى فسرمد واما ليلي فمسهد إلى ان يختار الله لي دارك التى انت بها مقيم وستنبئك ابنتك فاحفها السؤال واستخبرها الحال هذا ولم يطل العهد ولم يخل الذكر والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وان اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله به الصابرين. قال جابر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبى طالب قبل موته بثلاث سلام الله عليك يا ابا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدينا، فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال علي هذا أحد ركني الذى قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما ماتت فاطمة عليها السلام، قال علي هذا الركن الثاني الذى قال


[ 153 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله. قال الاصبغ بن نباتة: سئل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” عن علة دفن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ” عليه السلام “: انها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم ان يصلى على أحد من ولدها. قال عبد الرحمن الهمداني: لما دفن علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فاطمة عليها السلام قام على شفير القبر، وذلك في جوف الليل لانه كان دفنها ليلا فانشأ يقول: لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذى دون الفراق قليل وان افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على ان لا يدوم خليل سيعرض عن ذكرى وتنسى مودتي * ويحدث بعدى للخليل خليل مجلس في ذكر ولادة السبطين الحسن والحسين عليهما السلام ولد أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به فاطمة إلى النبي يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل نزل بها إلى رسول الله فسماه حسنا، واعق عنه كبشا وولد أبو عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من شعبان سنة اربع من الهجرة، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. قالت اسماء بنت عميس: قبلت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام، فلما ولد الحسن جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا اسماء هاتى بابنى فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا اسماء الم اعهد اليكم ان لاتلفوا المولود في خرقة صفراء، فلفته في خرقة بيضاء ودفعته إليه فأذن في اذنه اليمنى، واقام في اليسرى ثم قال لعلي أي شئ سميت ابني ؟ فقال ما كنت لا سبقك بإسمه وقد كنت احب ان اسميه حربا فقال النبي (صلى الله عليه وآله) وانا لاأسبق بإسمه ربى عزوجل ثم هبط جبرئيل، فقال: السلام عليك يا محمد العلي الاعلى يقرأك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبى بعدك سم ابنك هذا باسم


[ 154 ]

ابن هارون، قال النبي: وما اسم ابن هارون يا جبرئيل قال: شبر. قال النبي (صلى الله عليه وآله): لساني عربي، قال سمه الحسن فسماه الحسن، فلما كان اليوم السابع عق عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين املحين، واعطى القابلة فخذا، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية، فلما ولد الحسين بعده جاء نبى الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا اسماء هاتى ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذن في اذنه اليمنى، واقام في اذنه اليسرى، ووضعه في حجره وبكى، فقالت اسماء: قلت فداك أبى وأمى، مم بكائك ؟ قال: على ابني هذا: قلت: انه ولد الساعة، قال يا اسماء تقتله الفئة الباغية من بعدى لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا اسماء لا تخبرى فاطمة بهذا فانها قريبة ولادة، ثم قال لعلي: أي شئ سميت ابني ؟ قال: ما كنت لاسبقه بإسمه يا رسول الله، وقد كنت احب ان اسميه حربا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) وانا لا اسبق بإسمه ربى عزوجل، ثم هبط جبرئيل، فقال: يا محمد العلي الاعلى يقرأك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبى بعدك سم ابنك هذا باسم ابن هارون فقال (صلى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون: قال شبير قال النبي (صلى الله عليه وآله) لساني عربي، قال جبرئيل ” عليه السلام “: سمه الحسين فسماه الحسين، فلما كان يوم السابع عق عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين املحين واعطى القابلة فخذا، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق، ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية. وروى مثل ذلك عن علي بن الحسين عليهما السلام. وقال الصادق ” عليه السلام ” اقبلت جيران ام ايمن إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله ان ام ايمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكى حتى اصبحت، قال: فبعث رسول الله إلى ام ايمن فجاءته فقال لها: يا ام ايمن لا ابكى الله عينك ان جيرانك اتونى فأخبروني انك لم تزالي الليل تبكين اجمع فلا ابكى الله عينك، ما الذى ابكاك ؟ قالت: يا رسول الله رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم ازل أبكى الليل اجمع، فقال لها رسول الله: فقصيها على رسول الله فان الله ورسوله اعلم، فقالت: يعظم علي ان اتكلم بها، فقال: الرؤيا ليست على ما ترى فقصها على رسول الله قالت: رأيت في ليلتى هذه كأن بعض اعضائك ملقى في بيتى، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) نامت عينك يا ام ايمن تلد فاطمة الحسين فتربيه وتلبيه فيكون بعض اعضائي في بيتك، فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام


[ 155 ]

وكان يوم السابع أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه ثم هيأته ام ايمن ولفته في برد رسول الله ثم اقبلت به إلى رسول الله فقال (صلى الله عليه وآله): مرحبا بالحامل والمحمول هذا تأويل رؤياك. قالت صفية بنت عبد المطلب: لما سقط الحسين من بطن امه عليها السلام وكنت وليتها، قال النبي: يا عمة هلمى إلى ابني، فقلت: يا رسول الله انا لم ننظفه فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انت تنظفيه ؟ ان الله تعالى قد نظفه وطهره، قالت: فدفعته إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فوضع النبي لسانه في فيه، واقبل الحسين على لسان رسول الله يمصه قالت فما كنت احسب رسول الله يغذوه إلا لبنا أو عسلا، فقبل النبي بين عينيه، ثم دفعه إلي وهو يبكى ويقول: لعن الله قوما هم قاتلوك يا بنى يقولها ثلاثا، فقلت: فداك أبى وأمى ومن يقتله ؟ قال: الفئة الباغية من بنى أمية لعنهم الله. قال الباقر ” عليه السلام “: ختن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين عليهما السلام لسبع ليال ؟ وحلق رؤسهما وتصدق بوزنه الشعر فضة أو ذهبا، وقد عق عنهما كبشا كبشا طبخهما جدولا، قال – يعنى اعضاءا فتصدق واكل واطعم جيرانه. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الحسين بن علي لما ولد أمر الله تعالى جبرئيل ” عليه السلام ” ان يهبط في الف من الملائكة فيهنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله تعالى، ومن جبرئيل قال فهبط جبرئيل فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له: فطرس كان من الحملة بعثه الله تعالى في شئ فابطا عليه فكسر جناحيه، وألقاه في تلك الجزيرة فعبد الله تعالى سبعمائة عام حتى ولد الحسين بن علي عليهما السلام، فقال الملك لجبرئيل يا جبرئيل أين تريد ؟ قال ان الله عزوجل انعم على محمد نعمة فبعثت اهنيه من الله ومنى، فقال يا جبرئيل احملني معك لعل محمدا يدعو لي قال فحمله، فلما دخل جبرئيل ” عليه السلام ” على النبي (صلى الله عليه وآله) هناه من الله عزوجل ومنه، واخبره بخبر فطرس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) قل له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين ” عليه السلام ” فارتفع، فقال يا رسول الله اما ان امتك ستقتله وله علي مكافأة، لا يزوره زائر إلا ابلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلا ابلغته سلامه، ولا يصلى عليه مصلى إلا ابلغته صلاته ثم ارتفع. وأنشد للحسين: خيرة الله من الخلق أبى * ثم أمي فانا ابن الخيرتين


[ 156 ]

فضة قد اخلصت من ذهب * فانا الفضة وابن الذهبين أمي الزهراء حقا وأبى * وارث الرسل ومولى الثقلين عبد الله غلاما يافعا * وقريش يعبدون الصنمين يعبدون اللات والعزى معا * وأبى قام فصلى القبلتين مع رسول الله سبعا كملا * ليس في الارض مصل غير ذين من له جد كجدي في الورى * أو كشيخي فانا ابن العلمين فأبى شمس وأمى قمر * فانا ابن الشمس وابن القمرين وقيل: اليكم كل مكرمة تؤول * إذا ما قيل جدكم الرسول كفاكم من مديح الخلق طرا * إذا ما قيل امكم البتول مجلس في ذكر امامة السبطين ومناقبهما عليهما السلام قال الله تعالى في سورة آل عمران: (فقل تعالوا ندع ابنائنا وابناؤكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). وقال تعالى في سورة هل أتى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقيهم الله شر ذلك اليوم ولقيهم نظرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا). وقال في سورة الاحزاب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا. وروى ان فاطمة أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: هذان ابناك فورثهما شيئا قال: أما الحسن فان له هيبتى، وسؤددي وأما الحسين فان له جرئتي وجودي.


[ 157 ]

وروى ان عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام اتوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يقول انا احب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذ (صلى الله عليه وآله) فاطمة مما يلى بطنه، وعليا مما يلى ظهره والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره ثم قال (صلى الله عليه وآله): انتم منى وانا منكم. وقال (صلى الله عليه وآله): الكلمات التى تلقى آدم فتاب الله عليه سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم إلا تبت على فتاب عليه. وقال ” عليه السلام “: من اراد ان يركب سفينة النجاة، ويستمك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا بعدى، وليعاد عدوه وليأتم بالائمة الهداة من ولده فانهم خلفائي واوصيائى وحجج الله على الخلق بعدى وسادة امتى وقادة الاتقياء حزبهم حزبى وحزبى حزب الله وحزب اعدائهم حزب الشيطان. وقال (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة زين عرش رب العالمين بكل زينة ثم يؤتى بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع أحدهما عن يمين العرش، والآخر عن يسار العرش ثم يؤتى بالحسن والحسين عليهما السلام، يزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزين المرأة قرطيها. قيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، قال: هما والله سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين. وروى ان رجلا أتى ابن عمر فسأله عن دم البعوض، فقال: ممن أنت ؟ قال: من أهل العراق قال: انظروا إلى هذا يسألنى عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انهما ريحانتي من الدنيا يعنى الحسن والحسين عليهما السلام. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال من احب هذين، وابوهما وامهما فانه كان معى في درجتي يوم القيامة قالت ام سلمة رضى الله عنها: نزلت هذه الآية في بيتى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرا) وفى البيت سبعة: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبرئيل، وميكائيل وعلي وفاطمة، والحسن والحسين ” عليه السلام ” قالت وانا على الباب قلت: يا رسول الله الست من أهل البيت ؟ قال انك من ازواج النبي (صلى الله عليه وآله) وما قال: انك من أهل البيت.


[ 158 ]

قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: هي لنا وفينا هذه الآية ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. قال أيضا ” عليه السلام “: شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسد الناس لي، فقال أما ترضى أن تكون رابع اربع ؟ فأول من يدخل الجنة انا وانت والحسن والحسين وازواجنا عن ايماننا وشمائلنا وموالينا خلف ازواجنا وشيعتنا من ورائنا. وروى أبو هريرة قال: نظر رسول الله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم. قال أبو عبد الله الصادق ” عليه السلام “: مرض النبي (صلى الله عليه وآله) المرضة التى عوفي منها فعادته سيدة النساء ومعها الحسن والحسين عليهما السلام وقد أخذت الحسن باليد اليمنى والحسين باليد اليسرى وهما يمشيان وفاطمة بينهما حتى دخلوا منزل عائشة فقعد الحسن على جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الايمن والحسين على جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الايسر فاقبلا يغمزان ما يليهما من بدن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما افاق النبي (صلى الله عليه وآله) من نومه فقالت: فاطمة للحسن والحسين: حبيبي ان جدكما قد غشى فانصرفا ساعتكما هذه ودعاه حتى يفيق وترجعان إليه فقالا لسنا ببارحين في وقتنا هذا فاضطجع الحسن على عضد النبي الايمن والحسين على عضده الايسر فغفيا وانتبها قبل ان ينتبه النبي (صلى الله عليه وآله) وقد كانت فاطمة لما ناما انصرفت إلى منزلها فقالا لعائشة: ما فعلت امنا ؟ قالت: لما نمتما رجعت إلى منزلها فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق، وقد ارخت السماء عزالها فسطع لهما نورا فلم يزالا يمشيان في ذلك النور والحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى وهما يتمايشان ويتحدثان حتى اتيا حديقة بنى النجار، فلما بلغا الحديقة حارا فبقيا لا يعلمان أين ياخذان ؟ فقال الحسن للحسين: انا قد حرنا وبقينا على حالتنا هذه وما ندرى أين نسلك فلا علينا ان ننام في وقتنا هذا حتى نصبح ؟ فقال له الحسين ” عليه السلام “: دونك اخى فافعل ما ترى فاضطجعا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وناما وانتبه النبي (صلى الله عليه وآله) من نومته التى نامها وطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه فافتقدهما فقام النبي (صلى الله عليه وآله) قائما على رجليه وهو يقول يا إلهى وسيدي ومولاى هذان شبلاى خرجا من المخمصة والمجاعة اللهم انت وكيلى عليهما فسطع للنبى (صلى الله عليه وآله) نور فلم يزل يمضى في ذلك النور حتى أتى حديقة بنى النجار فإذا هما نائمان وقد اعتنق كل واحد منهما صاحبه وقد تقشطت السماء فوقهما كطبق فهى تمطر


[ 159 ]

كأشد مطر لم يراه الناس قط وقد منع الله عزوجل المطر منهما في البقعة التى هما فيها نائمان لا تمطر عليهما قطرة، وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كاجام القصب وجناحان جناح غطت به الحسن وجناح قد غطت به الحسين، فلما ان بصرهما النبي تنحنح فانسابت الحية وهى تقول: اللهم انى اشهدك، وأشهد ملائكتك ان هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): ايتها الحية من أنت ؟ قالت انا رسول الجن اليك قال: واى الجن ؟ قالت: جن نصيبين نفر من بنى فليح نسينا آية من كتاب الله عزوجل فبعثوني اليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله عزوجل فلما بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادى: ايتها الحية هذان شبلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظيهما من العاهات والآفات ومن طوارق الليل والنهار، فقد حفظتهما وسلمتهما اليك سالمين صحيحين واخذت الحية الآية وانصرفت، واخذ النبي الحسن فوضعه على عاتقه الايمن ووضع الحسين على عاتقه الايسر، وخرج علي فلحق برسول الله، فقال له بعض اصحابه: بأبى انت وأمى ادفع إلى أحد شبليك اخفف عنك، فقال: امض فقد سمع الله كلامك وعرف مقامك وتلقاه آخر، فقال: بأبى انت وأمى ادفع إلى أحد شبليك اخفف عنك: فقال: امض فقد سمع الله كلامك، وعرف مقامك فتلقاه علي ” عليه السلام ” فقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله ادفع إلى أحد شبلي وشبليك حتى اخفف عنك فالتفت النبي إلى الحسن، فقال يا حسن هل تمضى إلى كتف ابيك فقال له: والله يا جداه ان كتفك لاحب إلى من كتف أبى، ثم التفت إلى الحسين، فقال: يا حسين هل تمضى إلى كتف أبيك ؟ فقال: والله يا جداه انى اقول كما قال اخى: ان كتفك لاحب إلى من كتف أبى، فأقبل بهما إلى منزل فاطمة عليها السلام، وقد ادخرت لهما تمرات فوضعتهما بين أيديهما فأكلا وشبعا وفرحا. قالت ام سلمة: كان النبي (صلى الله عليه وآله) عندي، وأتاه جبرئيل ” عليه السلام ” فكان في البيت يتحدثان إذ دق الباب الحسن بن علي فخرجت افتح له الباب، فإذا الحسين معه فدخلا، فلما ابصرا جدهما شبها جبرئيل بدحية الكلبى فجعلا يحفان به ويدوران حوله، فقال جبرئيل ” عليه السلام ” يا رسول الله أما ترى الصبيين ما يفعلان ؟ فقال: يشبهانك بدحية الكلبى فانه كثيرا ما يتعاهدهما ويتحفهما إذا جائنا، فجعل جبرئيل يومى بيده كالمتناول شيئا فإذا بيده تفاحة وسفرجلة ورمانة فناول الحسن، ثم أومى بيده مثل ذلك فناول الحسين ” عليه السلام “


[ 160 ]

ففرحا وتهللت وجوهما، وسعيا إلى جدهما صلوات الله عليهم، فأخذ التفاحة والرمانة والسفرجلة فشمها، ثم ردها إلى كل واحد منهما كهيئتهما، ثم قال لهما: صيرا إلى امكما بما معكما، وبدؤكما ابيكما اعجب الي، فصارا كما امرهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يأكل منها شئ حتى صار اليهما، فإذا التفاح وغيره على حاله، فقال: يا ابا الحسن ما لك لم تأكل ولم تطعم زوجتك وابنيك، وحدثه الحديث فأكل النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام، واطمعنا ام سلمة فلم يزل الرمان والسفرجل والتفاح كل ما أكل منه عادا إلى ما كان حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الحسين: فلم يلحقه التغيير والنقصان ايام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما توفيت عليها السلام فقدنا الرمان، وبقى التفاح والسفرجل ايام أبى فلما استشهد أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقد السفرجل وبقى التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه، ثم بقى التفاحة إلى الوقت الذى حوصرت عن الماء فكنت اشمها إذا عطشت فتكسر لهب عطشى، فلما اشتد علي العطش عضضتها وايقنت بالفناء. قال علي بن الحسين عليهما السلام: سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلما قضى نحبه وجد ريحها من مصرعه فالتمست فلم ير لها أثر فبقى ريحها بعد الحسين ” عليه السلام ” ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره، فمن اراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في اوقات السحر فانه يجده إذا كان مخلصا. قال الباقر ” عليه السلام ” في قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون) قال مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغار فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان فقال احدهما يا ابا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال اصوم ثلاثة ايام شكرا لله تعالى وكذلك قالت فاطمة عليها السلام. وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة ايام وكذلك قالت جاريتهم فضة فالبسهما الله العافية فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام، فانطلق علي ” عليه السلام ” إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال هل لك ان تعطنى جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة اصواع من شعير ؟ قال: نعم فأعطاه فجاء بالصوف، والشعير واخبر فاطمة عليها السلام فقبلت واطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذ صاعا من الشعير فطحنته، وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد قرصا، وصلى على مع النبي صلوات الله عليهما المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم فأول


[ 161 ]

لقمة كسرها على ” عليه السلام ” إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد انا مسكين من مساكين المسلمين اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنة فوضع علي اللقمة من يده، ثم قال: فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس اجمعين اما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين يشكو إلى الله ويستكين * يشكو الينا جايع حزين كل امرئ بكسبه رهين * من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنة رهين * حرمها الله على الضنين وصاحب البخل يقف حزين * تهوى به النار إلى سجين شرابها الحميم والغسلين فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول: أمرك سمع يا بن عم وطاعة * ما بى من لوء ولا وضاعة غذيت باللب وبالبراعة * ارجو إذا اشبعت من مجاعة ان الحق الخيار والجماعة * وادخل الجنة في الشفاعة وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا واصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح، ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم اخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد قرصا وصلى علي المغرب مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب، فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد انا يتيم من يتامى المسلمين اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع علي اللقمة من يده ثم قال: فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبى ليس بالزنيم قد جائنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم فهو رحيم موعده في الجنة النعيم * حرمها الله على اللئيم وصاحب البخل يقف ذميم * تهوى به النار إلى الجحيم شرابه الصديد والحميم


[ 162 ]

فأقبلت فاطمة وهى تقول: فسوف أعطيه ولا ابالى * وآثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهما يقتل في القتال بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع وبال تهوى في النار إلى سفال * مصفد اليدين بالاغلال كبوله زادت على الاكبال ثم عمدت فاطمة إلى جميع ما في الخوان، وأعطته وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام، فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الصاع الباقي، وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص لكل واحد منهم قرصا وصلى المغرب مع النبي عليهما السلام، ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي ” عليه السلام ” إذا اسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا، وتشدوننا ولا تطعموننا فوضع علي ” عليه السلام ” اللقمة من يده ثم قال: فاطم بنت النبي الاحمد * بنت نبى سيد مسدد قد جاءك الاسير ليس يهدى * مكبلا في غله مقيد يشكو إلينا الجوع قد تغدد * من يطعم اليوم يجده في غد عند العلى الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد فاعطين لا تجعليه ينكد * حتى تجازى بالذى تنفذ قال: فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول: لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفى مع الذراعى شبلاى والله هما جياع * يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو إصنطناع * عبل الذراعين طويل الباع وما على رأسي من قناع * إلا عباء نسجها بصاع وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه، وباتوا جياعا وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ. قال شعيب في حديثه: واقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو


[ 163 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي قال يا ابا الحسن شد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتى فاطمة، فانطلقوا وهى في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمها إليه فقال: واغوثوه بالله انتم منذ ثلاث فيما أرى وانا غافل عنكم فهبط جبرئيل ” عليه السلام ” فقال: يا محمد خذ ما هنأ الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل ؟ قال: هل أتى على الانسان حين من الدهر، حتى بلغ إلى قوله: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا). وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل منزل فاطمة ” عليه السلام ” فرأى ما بهم فجمعهم، ثم انكب عليهم يبكى ويقول: انتم منذ ثلاث في ما أرى وانا غافل عنكم فهبط جبرئل ” عليه السلام ” بهذه الآيات: (ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) قال هي عين في دار النبي تفجر إلى دور الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين، والمؤمنين يوفون بالنذر يعنى: عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم ويخافون يوما كان شره مستطيرا يقول عابسا كلوحا، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، يقول: شهوتهم الطعام وايثارهم به مسكينا من مساكين المسلمين، ويتيما من يتامى المساكين، وأسيرا من أسارى المشركين ويقولون: إذا اطعموهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا قال: والله ما قالوا لهم ذلك ولكنهم اضمروا على انفسهم، فاخبر الله باضمارهم يقولون لا نريد منكم جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما نطعمكم لوجه الله وطلب ثوابه، قال الله تعالى: (فوقيهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب وجزاهم بما صبروا جنة يسكنونها وحريرا يفرشونه ويبلسونه متكئين فيها على الارائك والاريكة السرير عليها الحجلة، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد اشرقت له الجنان فيقول أهل الجنة: يا رب انك قد قلت في كتابك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيرسل الله إليهم جبرئيل فيقول ليس هذه بشمس، ولكنه علي وفاطمة قد ضحكا فاشرقت الجنان من نور ضحكمهما ونزلت هل أتى فيهم إلى قوله تعالى: وكان سعيكم مشكورا. وقد طعن في هذه الابيات وانها ليست بصحيحة وانها ملحنة مخلوقة قلت: يجوز


[ 164 ]

ان يكون الغلط من الراوى لانه معلوم انهم فصحاء بلغاء لا يجرى اللحن على لسانهم عليهم السلام. وهذا أيضا يوجب الثواب للحسن والحسين عليهما السلام على عملهما مع ظاهر الطفولية فيهما، ولم يكن ذلك لغيرهما لان الله تعالى عمهما مع ابيهما، وامهما واخبر بضميرهما. وقال ابن عباس في قوله تعالى: (قل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم، قال: وقد وفد نجران على نبى الله (صلى الله عليه وآله)، وفيهم السيد والعاقب، وابو الحرث وهو عبد المسيح ابن نونان اسقف نجران سادة أهل نجران، فقالوا: لم تذكر صاحبنا ؟ قال ومن صاحبكم ؟ قالوا: عيسى بن مريم تزعم إنه عبد الله، قال أجل هو عبد الله قالوا: فأرنا فيمن خلق الله عبدا مثله فاعرض النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم فنزل جبرئيل ” عليه السلام ” بقوله تعالى: ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال لهم: تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونساءنا ونسائكم، وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين قالوا: نعم نلاعنك فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذ بيد علي ومعه فاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: رسول الله هؤلاء ابنائنا ونسائنا وانفسنا فهموا ان يلاعنوه، ثم ان السيد قال لابن الحارث والعاقب: ما تصنعون بملاعنة هذا لانه ان كان كاذبا ما نصنع بملاعنته شيئا، وان كان صادقا لتهلكن فصالحوه على الجزية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اما والذى نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم بشر. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الاسقف قال لهم: ان غدا فجاء بولده وأهل بيته فأحذروا مباهلته وان جاء باصحابه، فليس بشئ فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخذا بيد علي والحسن والحسين بين يديه، وفاطمة تتبعه وتقدم رسول الله صلوات الله عليهم فجثا لركبتيه فقال الاسقف جثا والله محمد كما تجئوا الانبياء للمباهلة، وكاع عن التقدم – وكاع الكلب في الرمل أي: مشى على كوعه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لاعنوني يعنى النصارى لقطعت دابر كل نصراني في الدنيا. ويوم المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ينبغي ان يغتسل الانسان ويصلى


[ 165 ]

ركعتين يقرأ فيهما ويسبح، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ويستغفر الله سبعين مرة ثم يقوم ويرفع يديه ويرمى طرفه إلى السماء، ويقول الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله الحمد لله رب العالمين، وحده لا شريك له الحمد لله الذى ما في السماوات والارض الحمد لله الذى عرفني ما كنت جهلته، ولولا معرفته لكنت من الهالكين إذ قلت: قل لا اسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربى فبينت لنا القرابة، وقلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، وبينت لنا أهل البيت ثم قلت: قل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم، ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، اللهم فلك الحمد والشكر حيث هديتني، وارشدتني وبلغتني حيث عرفتني نسائهم واولادهم ورجالهم. اللهم انى اتقرب اليك بذلك المقام الذى لا يكون اعظم فضلا منه للمؤمنين ولا أكثر رحمة لهم بمعرفتك إياهم، واخراجهم من الشبهات فلولا ذلك المقام المحمود الذى انقذتنا ودللتنا إلى اتباع المحقين من أهل البيت، وعترة نبيك (صلى الله عليه وآله) لخصم أهل الاسلام وظهرت كلمة أهل الالحاد، وأولى العناد فلك الحمد، ولك الشكر ولك المن على انعامك واياديك اللهم فصل على محمد وآل محمد الذين افترضت علينا طاعتهم وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة واجز محمدا وآل محمد افضل ما جزيت أحدا من أنبيائك، ورسلك وادخلنا في شفاعتهم دار كرامتك يا ارحم الراحمين. اللهم وأهل الكساء والعباء يوم المباهلة، ومن دخل فيه من الانس والملائكة اجعلهم شفعائي بحق ذلك المقام واغفر لنا وتب علينا برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم انى اشهد ان ارواحهم وطينتهم واحدة، وهم شجرة واحدة طاب اصلها وفرعها اللهم انت اقمتهم حججا على خلقك، ودلائل على ما استدل من وحدانيتك وباب المعجزات بعملك الذى يعجز عنهم غيرهم، وانت المتفضل بهم فجعلتهم مطهرين ثم اكرمتهم بنورك وانزلت عليهم كتابك، وأمرتنا بالتمسك بهم فارزقنا شفاعتهم حيث يقول الخائبون ما لنا من شافعين، ولا صديق حميم ولا تضلنا بعد إذ هديتنا يا ارحم الراحمين. اعلم ان الحسين ” عليه السلام ” كان يشبه النبي (صلى الله عليه وآله) من صدره إلى رأسه والحسن يشبه النبي (صلى الله عليه وآله) من صدره إلى رجليه وكانا عليهما السلام حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بين جميع أهله وولده.


[ 166 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم انى احبهما فاحبهما، واحبب من احبهما. وقال (صلى الله عليه وآله): من أحب الحسن والحسين احببته، ومن احببته احبه الله ومن احبه الله ادخله الجنة ومن ابغضهما ابغضته، ومن ابغضته ابغضه الله، ومن ابغضه الله خلده النار. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الحسن والحسين شفعاء العرش وان الجنة قالت: يا رب اسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال الله سبحانه ألا ترضين انى زينت اركانك بالحسن والحسين فماست كما تميس العروس فرحا. وقال علي بن أبى طالب: ان الحسن والحسين عليهما السلام كانا يلعبان عند النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مضى عامة الليل، ثم قال لهما: انصرفا إلى امكما فبرقت برقة فما زالت تضئ لهما حتى دخلا على فاطمة، والنبى عليهما السلام ينظر إلى البرق وقال الحمد لله الذى اكرمنا أهل البيت. قال الحسن ” عليه السلام ” لاصحابه: ان لله تعالى مدينتين أحديهما بالمشرق والاخرى بالمغرب فيهما خلق الله تعالى لم يهموا بمعصية له قط والله ما فيهما وبينهما حجة لله تعالى على خلقه غيرى وغير أخى الحسين. وقال الحسين ” عليه السلام “: في يوم الطف لاصحاب ابن زياد لعنهم الله: ما لكم تناصرون علي ؟ اما والله لئن قتلتموني لتقتلن حجة الله عليكم لا والله ما بين جابلقا وجابرسا ابن نبى احتج الله به عليكم غيرى قال الشاعر: مطهرون نقيات ثيابهم * تجرى الصلاة عليهم أينما ذكروا * * * اولئك الخمس لا أبغى بهم بدلا * حتى يصير غراب البين كاللبن رسول ربى وسبطاه وابنته * وخامس القوم مولائى أبو حسن على الله توكلت وبالخمس توسلت وقال آخر: انا مولى لخمسة انزل فيهم السور * أهل طه وهل أتى والحواميم والزمر


[ 167 ]

لنصراني: عدى وتيم لا أحاول ذكرها * بسوء ولكني محب لهاشم وهل يعترينى في علي ورهطه * إذا لم أخف في الله لومة لائم يقولون ما بال النصارى تحبهم * وأهل التقى من معرب واعاجم فقلت لهم انى لاحسب حبهم * طواه إلهى في قلوب البهائم وقال آخر: ان كان حبى خمسة زكت بهم فرايضي * وبغض من عاداهم رفضا فانى رافضي مجلس في ذكر وفاة الحسن بن علي عليه السلام روى عن المغيرة إنه قال: ارسل معاوية إلى جعدة زوجة الحسن ” عليه السلام ” بنت الاشعث انى مزوجك بيزيد إبنى على إن تسمى الحسن، وبعث إليها مئة الف درهم ففعلت وسمت الحسن ” عليه السلام ” فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد لعنه الله فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون من قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بنى مسمة الازواج، قال عمير بن اسحاق: كنت مع الحسن والحسين عليهما السلام في الدار فدخل الحسن ” عليه السلام “: المخرج ثم خرج، فقال: لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت اقلبها بعود معى، فقال له الحسين ” عليه السلام “: ومن سقاك فقال: وما تريد منه ؟ أتريد أن تقتله ؟ ان يكن هو هو فالله أشد نقمة منك وان لم يكن فما احب ان يؤخذ بى برئ. وقال عبد الله بن ابراهيم المخارقى: لما حضرت الحسن ” عليه السلام ” الوفاة استدعى الحسين وقال له: يا اخى انى مفارقك ولاحق بربي، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت وانى لعارف بمن اسقاني السم ومن أين دهيت به وانا اخاصمه إلى الله عزوجل بحقى عليك ان تكلمت في ذلك بشئ مما يحدث الله في فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سرير إلى قبر جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاجدد به عهدا، ثم ردنى إلى قبر


[ 168 ]

جدتى فاطمة رضى الله عنها فادفني هناك، وستعلم يا بن ام ان القوم يظنون انكم تريدون دفنى عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجلبون في منعكم من ذلك، وبالله اقسم عليك ان لا تهريق في أمرى محجمة من دم، ثم وصى إليه بأهله وولده وتركاته، وما كان وصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله لمقامه، ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما من بعده فلما مضى عليه السلام لسبيله غسله الحسين ” عليه السلام ” وكفنه وحمله على سريره ولم يشك مروان ومن معه من بنى أمية انهم سيدفنونه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجتمعوا ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين ” عليه السلام ” إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله) ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهى تقول: مالى ولكم تريدون ان تدخلوا بيتى من لا احب، وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة أيدفن عثمان في اقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكون ذلك أبدا وأنا احمل السيف وكادت الفتنة تقع بين بنى هاشم وبين بنى امية، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته، ولو كان وصى بدفنه مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت انك اقصر باعا من ردنا عن ذلك، لكنه ” عليه السلام ” كان اعلم بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير اذنه ثم اقبل على عائشة، وقال لها: واسوأتاه يوما على بغل ويوما على جمل تريدين ان تطفئ نور الله، وتقاتلى اولياء الله ارجعي فقد كفيت الذى تخافين، وبلغت ما تحبين والله منتصر لاهل هذا البيت ولو بعد حين. وقال الحسين ” عليه السلام “: والله لولا عهد الحسن إلى لحقن الدماء، وان لا اهرق في امره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وابطلتم ما اشترطنا عليكم لانفسنا ومضى بالحسن ” عليه السلام ” فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد رضى الله عنها واسكنها جنات النعيم، وكان مرضه ” عليه السلام ” اربعين يوما ومضى لسبيله في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان واربعون، وقيل سبعة واربعون سنة وخلافته عشر سنين. وقال الصادق ” عليه السلام “: عن آبائه عليهم السلام قال: بينا الحسن بن علي عليهما السلام ذات يوم في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك


[ 169 ]

قال: يا بنى من أتانى زائرا بعد موتى فله الجنة، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة. وقال الحسن بن علي: يا رسول الله ما لمن زارنا ؟ فقال: من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا على ان استنقذه يوم القيامة من النار. قال دعبل بن علي الخزاعى: تعز فكم لك من اسوة * تسكن عليك غليل الحزن بموت النبي وقتل الوصي * وذبح الحسين وسم الحسن وأنشد: محن الزمان سحايب متراكمة * هي بالفوادح فالفواجع ساهمة فإذا الهموم تراكبتك فسلها * بمصاب أولاد البتولة فاطمة مجلس في ذكر مقتل الحسين عليه السلام قال الله تعالى في سورة ابراهيم: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) وفى سورة الشعراء: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). وقال الرضا ” عليه السلام “: ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيه فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا، وسبى فيه ذرارينا ونسائنا واضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلها، ولم تدع لرسول الله حرمة في امرنا ان يوم قتل الحسين اقرح جفوننا واسبل دموعنا، واذل عزيزنا، أرض كربلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فلبيك الباكون، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام ثم قال ” عليه السلام ” كان أبى ” عليه السلام ” إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكئابة تغلب عليه حتى تمضى منه عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم الذى قتل فيه الحسين عليه السلام. وقال أيضا: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزوجل يوم


[ 170 ]

القيامة يوم فرحه وسروره، وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لا يبارك له فيما ادخره وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله ابن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله واوصلهم إلى اسفل درك من النار. وقال الحسين ” عليه السلام “: أنا قتيل العبرة لا يذكرنى مؤمن إلا استعبر، وروى ان ام سلمة اصبحت يوما تبكى، فقيل لها ما يبكيك ؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين وما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مذ مات إلا هذه الليلة، فقلت: بأبى أنت وأمى مالى أراك شاحبا فقال: لم ازل منذ الليلة احفر قبر الحسين وقبور أصحابه، وقالت ما سمعت نوح الجن إلا الليلة لا أرانى إلا وقد اصيب بأبنى، وقيل جاءت الجنية منهم تقول: ألا يا عين فانهملي بجهد * فمن يبكى على الشهداء بعدى على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبد وقال الصادق ” عليه السلام ” البكاؤن خمسة: آدم ويعقوت، ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين صلوات الله عليهم، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه مثل الاودية. وأما يعقوب: فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. واما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا له: اما ان تبكى بالنهار وتسكت بالليل، واما ان تبكى بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما. واما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا: لقد أذيتينا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكى حتى تقضى حاجتها ثم تنصرف. وأما علي بن الحسين عليهما السلام، فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله انى أخاف عليك ان تكون من الهالكين، قال: إنما اشكوا بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون انى لم اذكر مصرع بنى فاطمة إلا خنقتني لذلك العبرة. قال داود بن كثير الرقى: كنت عند أبى عبد الله ” عليه السلام ” إذا استسقى الماء فلما شربه قال: رأيته وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا داود لعنة الله على قاتل الحسين فما انقض ذكر الحسين للعيش انى ما شربت ماءا باردا إلا وذكرت الحسين وما من


[ 171 ]

عبد شرب الماء فذكر الحسين ” عليه السلام ” ولعن قاتله إلا كتب الله له مئة الف حسنة ومحى عنه مئة الف سيئة، ورفع له مئة الف درجة، وكان كأنما اعتق مئة الف نسمة وحشره الله يوم القيامة أبلج الوجه. (وروى) انه لما مات الحسن تحركت الشيعة بالعراق، وكتبت إلى الحسين في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم، وذكر ان بينه وبين معاوية عهدا لا يجوز له نقضه حتى تمضى المدة فإن مات معاوية نظر في ذلك، فلما مات معاوية وذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان، وكان على المدينة من قبل معاوية ان يأخذ من الحسين ” عليه السلام ” بالبيعة، ولا يرخص له في التأخر عن ذلك فانفذ الوليد إلى الحسين ” عليه السلام ” في الليل فاستدعاه فعرف الحسين الذى أراد، فدعا جماعه من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمنا أن يكلفني أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معى فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه منى فصار الحسين ” عليه السلام ” إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمر به في أخذ البيعة منه له، فقال له الحسين: انى لا أراك تقنع ببيعتى ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد اجل فقال الحسين فنصبح ونرى رأينا في ذلك فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا تقدر منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتل بينكم وبينه احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين ” عليه السلام ” وقال: انت يا بن الزرقا تقتلني ؟ انت الذى كذبت واثمت وخرج ” عليه السلام ” فمشى مع مواليه حتى أتى منزله فاقام ” عليه السلام ” في منزله تلك اللية وهى ليلة السبت لثلاث بقين رجب سنة ستين، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته من المدينة متوجها إلى مكة فلما اصبح الوليد سرح في أثر ابن الزبير الرجال فبعث راكبا من موالى بنى امية في ثمانين راكبا فطلبوه ولم يدركوه ورجعوا، فلما كان آخر النهار من يوم السبت بعث الرجال إلى الحسين ” عليه السلام ” ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين: اصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا الليلة ولم يلحوا عليه، فخرج ” عليه السلام ” من تحت ليلته، وهى ليلة


[ 172 ]

الاحد ليومين بقيا من رجب متوجهين نحو مكة، ومضى بنوه واخوته وبنوا أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، وخرج الحسين وهو يقول: فخرج منها خائفا يترقت قال: رب نجنى من القوم الظالمين، فلما دخل مكة وهو يقرأ: ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل ثم نزل فاقبل اهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، فبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فارجعوا بيزيد وعرفوا خبر الحسين ” عليه السلام ” وامتناعه عن بيعته، فاجتمعت الشيعة في الكوفة في منزل سليمان بن صرد فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه، فقال سليمان بن صرد: ان معاوية قد هلك وان حسينا قد تغيض عل القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة وانتم شيعته وشيعة أبيه فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه، وتقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد الخزاعى والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة: سلام الله عليك فإنا نحمد الله اليك الذى لا إله إلا هو، أما بعد: الحمد لله الذى قصم عدوك الجبار العنيد الذى ابتز على هذه الامة فابتزها أمرها وغصبها فيها فتأمر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها واغنيائها، فبعدا لهم كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا انك اقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام انشاء الله، ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني، وعبد الله بن وال وامروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين ” عليه السلام ” بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وانفذوا قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله الارحبي، وعمارة بن عبد الله السلولى إلى الحسين ومعهم نحو من مئة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني السبيعى، وسعد بن عبد الله الحنفي وكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين. أما بعد: فحى هلا فان الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك، فالعجل العجل ثم العجل العجل، وكتب شبث بن ربعي، وحجارة بن ابجر، ويزيد بن الحرث بن


[ 173 ]

رويم وعروة بن قيس، وعمرو بن حجاج الزبيدى، ومحمد بن عمرو التميمي. أما بعد: هذا فقد اخصبت الجنان واينعت الثمار فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة والسلام، وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب، وسأل عن الناس ثم كتب مع هاني بن هاني، وسعد بن عبد الله وكانا آخر الرسل: بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن علي إلى الملا من المسلمين والمؤمنين. أما بعد: فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكان آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذى قصصتم وذكرتم ومقالة اجلائكم: انه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى، وانا باعث اليكم اخى وابن عمى وثقتى من أهل بيتى فان كتب الي انه قد أجمع رأى أجلائكم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت كتبكم قدمت عليكم وشيكا ان شاء الله، فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب القائم القسط، والداين بدين الله الحابس نفسه على ذات الله والسلام ودعا الحسين مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولى وعبد الرحمن بن عبد الله الاريحى، وامره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فان رأى الناس مجمعين مستوثقين عجل إلي بذلك، فأقبل مسلم حتى أتى الكوفة فنزل دار المختار ابن أبى عبيدة، وهى التى تدعى دار سلام بن المسيب، فأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين ” عليه السلام ” وهم يبكون، وبايعه الناس حتى بايعه ثماينة عشر الفا، فكتب مسلم إلى الحسين بن علي عليهما السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضى الله عنه حتى علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها وكتب عبد الله بن مسلم، وعمارة بن عقبة، وعمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية، أما بعد: فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة فبايعه شيعة الحسين بن علي فان يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدول فان النعمان ابن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال له ما رأيك ؟ ان حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني ان النعمان ضعيف فمن ترى ان استعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه ؟


[ 174 ]

قال: نعم قال فاخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة وقال: هذا رأى معاوية وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله فقال له: يزيد افعل ابعث بعهد ابن زياد إليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلى، فكتب إلى عبيد الله معه، أما بعد: فانه كتب إلي من شيعتي من أهل الكوفة تخبرني ان ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقبه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام، وسلم إليه عهده على الكوفة، فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة، فاوصل إليه العهد والكتاب فأمر عبيد الله بالتجهيز من وقته والمسير إلى الكوفة من الغد، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلى، وشريك الاعور الحارثى، وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم، والناس قد بلغهم اقبال الحسين ” عليه السلام ” إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو: ولما كثروا قلت تأخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد، وسار حتى وافى القصر في الليل ومعه جماعة قد التقوا به فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب من مسلم بن عقيل والتمس اصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم، أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم وقل لهم أستعينوا بها على حرب عدوكم، واعلمهم انك منهم فانك لو اعطيتهم إياها اطمأنوا اليك ووثقوا بك ولم يكتموا شيئا من اخبارهم ثم اغد عليهم ورح حتى تعلم مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه ففعل ذلك، وجاء فطلب الاذن فأذن له، فأخذ مسلم بن عقيل بيعته وامر أبا ثمامة الصايدى يقبض المال منه، واقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم وكان يخبره بهم، فاجتمع لابن عقيل اربعة آلاف رجل، وما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد الله أمره، وكان اكثر عمله ان يمسك باب القصر، وليس معه في القصر إلا ثلاثون رجلا من الشرطة، وعشرون رجلا من اشراف الناس وأهل بيته وخاصته حتى كادت الشمس أن تغيب، فكانت المرأة تأتى ابنها واخاها فتقول انصرف الناس يكفونك ويجيئ الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب


[ 175 ]

والشر أنصرف فيذهب به فيصرفه، فما زالوا يتفرقون عن ابن عقيل حتى أمسى وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد، فلما رأى انه قد أمسى وليس معه إلا اولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الابواب ومعه منهم عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا على الطريق ولا يدله على منزله، ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه مترددا في ازقة الكوفة لا يدرى أين يذهب، فمشى حتى انتهى إلى باب إمرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها فزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا وكان بلال قد خرج مع الناس فامه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها يا امة الله اسقنى ماءا فسقته، وجلس وادخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله الم تشرب ؟ قال: بلى قالت فاذهب إلى اهلك فسكت، ثم اعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى اهلك، فانه لا يصلح لك الجلوس على بابى ولا احله لك فقام وقال: يا امة الله ما لى في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف ولعلى مكافيك، قالت: يا عبد الله وما ذاك ؟ قال انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغرونى واخرجوني قالت: انت مسلم ؟ قال: نعم قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذى تكون فيه، ففرشت له وعرضت له العشا فلم يتعش ولم يكن بأسرع ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها: والله انه ليريبنى كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه ان لك لشأنا قالت: يا بنى اعرض عن هذا قال: والله لتخبريني قالت اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فالح عليها قالت يا بنى لا تخبرن أحدا من الناس شيئا مما اخبرك به، قال: نعم، فأخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت، فلما اصبح غدا إلى عبد الرحمن بن محمد الاشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسار فعرف ابن زياد اسراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فأتني به الساعة فقام، وبعث معه قومه لانه قد علم ان كل قوم يكرهون ان يصاب فيهم مثل ابن عقيل، فبعث عبيد الله بن العباس السلمى في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التى فيها مسلم بن عقيل رضى الله عنه، فلما سمع وقع حوافر الخيل واصوات الرجال علم انه قد أتى، فخرج إليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا


[ 176 ]

إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو وبكر بن حمران الاحمري، فضرب فم مسلم فقطع شفته العليا، واسرع في السفلى، ونصلت ثنيتاه فضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه، فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطناب القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة، وقال له محمد بن الاشعث لك الامان لا تقتل نفسك، وهو يقاتلهم ويقول عند ذلك: اقسمت لا اقتل إلا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا واخلط البارد سخنا مرا * رد شعاع الشمس فاستقرا كل امرء يوما ملاق شرا * اخاف ان اكذب أو اغرا فقال له محمد بن الاشعث: انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاريك، وقد عجز عن القتال فابتهر واسند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الاشعث عليه القول لك الامان فقال آمن أنا ؟ فقال نعم فقال للقوم الذين معه لي الامان فقالوا له: نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمى، فإنه قال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحا فقال مسلم أما لو لم تؤمنونى ما وضعت يدى في أيديكم، وأتى ببغلة فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الاشعث ارجوا ان لا يكون عليك بأس، فقال ما هو إلا الرجا أين امانكم ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون وبكى، فقال له عبيد الله بن العباس السلمى ان الذى يطلب مثل الذى تطلب إذا نزل به مثل الذى نزل بك لم يبك، فقال والله انى ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل ارثى وان كنت لم احب لها طرفة عين تلف ولكني ابكى لاهلي المقبلين إلي أبكى للحسين وآل الحسين صلوات الله عليهم، ثم اقبل بابن عقيل إلى باب القصر فاستأذن فأذن له فدخل على عبيد الله، فأخبره خبر ابن عقيل وذكر ما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: وما أنت والامان ؟ كأنما ارسلناك لتأتينا به فسكت ابن الاشعث، وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر، وقد اشتد به العطش فقال اسقوني من هذا الماء، وتساند إلى حايط وبعث عمرو بن حريث غلاما فجاءه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له: اشرب فأخذ كلما شرب امتلا القدح دما من فمه فلا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشربه سقطت ثنيتاه


[ 177 ]

في القدح، فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته، وخرج رسول ابن زياد وأمر بادخاله فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرس: ألا تسلم على الامير فقال ان كان يريد قتلى فما سلامى عليه وان كان لا يريد قتلى ليكثرن سلامى عليه، فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال كذلك ؟ قال نعم قال: دعني اوصى إلى بعض قومي قال: افعل فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد بن أبى وقاص، فقال: يا عمر ان بينى وبينك قرابة ولي اليك حاجة، وقد يجب عليك نجح حاجتى وهو سر فامتنع عمر أن يسمع منه فقال عبيد الله: لم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك ؟ قال فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد، فقال ان علي دينا استندنته مذ وقت قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنى وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين من يرده فانى قد كنت أعلمته ان الناس ليسوا إلا معه ولا اراه إلا مقبلا، فقال عمر لابن زياد أتدرى أيها الامير ما قال ؟ انه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد: لا يخونك الامين، ولكن قد يؤتمن الخائن. أما مالك فهو لك ولسنا نمنعك ان تصنع به ما أحببت. واما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها، واما الحسين فهو ان لم يردنا لم نرده اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه، ثم اتبعوا جسده أين هذا الذى ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعى بكر بن حمران الاحمري، فقال له اصعد فلتكن انت الذى تضرب عنقه فصعد به، وهو يكبر ويستغفر الله ويصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا، فاشرفوا به على موضع الحراس اليوم فضرب عنقه واتبع جسده رأسه، ولما أراد الحسين ” عليه السلام ” التوجه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفاء والمروة، واحل من احرامه وجعلها عمرة لانه لا يتمكن من إتمام الحج وكان قد اجتمع إليه مدة مقامه عليه السلام بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه من مكة وخرجوا معه نحو العراق. ولما بلغ ابن زياد اقبال الحسين ” عليه السلام ” بعث الحصين بن نمير صاحب الشرطة حتى نزل القادسية إلى القطقطانية ولما بلغ الحسين ” عليه السلام ” الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي ويقال ايضا: بعث اخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة مع كتاب فأخذه الحصين بن نمير بالقادسية فبعث به إلى ابن زياد فقال له ابن زياد: اصعد


[ 178 ]

فسب الكذاب الحسين بن علي فصعد قيس فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله بن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم وأنا رسوله اليكم فأجيبوه، ثم لعن ابن زياد وأباه فأمر عبيد الله ان يرمى من فوق القصر فرمى به فتكسرت عظامه وبقى به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير الحضرمي فذبحه فقيل له في ذلك وعيب عليه، فقال اردت ان اريحه، وكان ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج، واقبل الحسين ” عليه السلام ” لا يشعر بشئ حتى لقى الاعراب فسألهم، فقالوا: والله ما ندرى غير إنا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج فسار الحسين ” عليه السلام ” تلقاء وجهه، وحدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا كنا مع زهير بن القين البجلي حين اقبلنا من مكة، وكنا نساير الحسين ” عليه السلام ” فلم يكن شئ ابغض الينا من ان ننازله، فإذا نزل الحسين ” عليه السلام ” في جانب نزلنا في جانب فبينا نحن جلوس نتغذا من طعام لنا إذ اقبل رسول الحسين ” عليه السلام ” حتى سلم ثم دخل، فقال: يا زهير بن القين البجلى ان أبا عبد الله بعثنى اليك لتأتينه فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤسنا الطير فقالت امرأته: سبحان الله ايبعث اليك ابن رسول الله ثم لم تأته ؟ لو أتيته فسمعت من كلامه، ثم انصرفت فأتاه زهير بن القين، فما لبث ان جاء مستبشرا قد اشرق وجهه فأمر فسطاطه فقوض وحمل إلى الحسين ” عليه السلام “، ثم قال لامرأته انت طالق الحقى باهلك فأنى لا احب ان يصيبك بسببي إلا خير، ثم قال لاصحابه، من احب منكم ان يتبعني وإلا فهو آخر العهد انى سأحدثكم حديثا غزونا البحر ففتح الله علينا واصبنا غنائم فقال لنا سلمان الفارسى رضى الله عنه: أفرحتم بما فتح الله عليكم، واصبتم من الغنائم ؟ فقلنا نعم، فقال: إذا ادركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقاتلكم معهم مما اصبتم اليوم من الغنائم. فأما انا فاستودعكم الله قالوا: ثم والله ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمة الله عليه، ووقع الخبر عند الحسين بقتل مسلم بن عقيل وهانى فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا فقيل له ننشدك الله في نفسك، وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر، ولا شيعة بل نتخوف ان يكونوا عليك فنظر إلى بنى عقيل، وقال: ما ترون فقد قتل مسلم بن عقيل ؟ قالوا: والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق فأقبل الحسين ” عليه السلام ” وقال: لا خير في


[ 179 ]

العيش بعد هؤلاء فلما كان السحر، فقال لفتيانه وغلمانه: اكثروا من الماء فأستقوا واكثروا ثم ارتحلوا فساروا حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد: فقد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانى ابن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج ليس عليكم ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقى أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنما فعل ذلك ” عليه السلام ” لانه علم ان الاعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون إنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره ان يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون، وبعث بن زياد الحر بن يزيد في الف فارس إلى الحسين ” عليه السلام ” فجاء حتى وقفوا مقابل الحسين ” عليه السلام ” في حر الظهيرة فقال اسقوهم واوردوهم وصلى بهم الحسين الظهر والعصر، ثم توجه إليهم فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) واخبرهم بمقالة الكوفيين ورسالاتهم، وقال انا أولى بهذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، فقال الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وأمرنا إذا لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة، فقال له الحسين ” عليه السلام ” الموت أدنى اليك من ذلك، ثم قال لاصحابه: قوموا فاركبوا فركبوا، وانتظروا حتى ركبت نساؤهم فقال لاصحابه انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين ” عليه السلام ” فما تريد ؟ قال: اريد انطلق بك إلى الامير عبيد الله بن زياد قال إذا والله لا اتبعك فتراد القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما، قال له الحر: انى لم اومر بقتالك إنما امرت ان لا افارقك حتى اقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بينى وبينك نصفا حتى اكتب إلى الامير فلعل الله ان يأتيني بأمر يرزقنى فيه العافية من ان ابتلى بشئ من أمرك فخذها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين ” عليه السلام “، وسار الحر في أصحابه يسايره، ويقول يا حسين انى اذكرك الله في نفسك فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين ” عليه السلام “: افبالموت تخوفنى ؟ وهل يعدوا بكم الخطب ان يقتلوني، وسأقول كما قال اخو الاوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخوفه ابن عمه، وقال: أين تذهب ؟ فانك مقتول فقال:


[ 180 ]

سأمضى وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما وواس الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما فان مت لم اندم وان عشت لم الم * كفى بك ذلا ان تعيش وترغما فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين ” عليه السلام ” في ناحية اخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات، ثم مضى ” عليه السلام ” حتى انتهى إلى قصر بنى مقاتل فنزل به ولما كان في آخر الليل أمر بالاستقاء من الماء، ثم أمرنا بالرحيل فارتحل من قصر بنى مقاتل فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة فخفق ” عليه السلام ” وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: مم حمدت الله واسترجعت فقال: يا بنى انى خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم فعلمت انها انفسنا نعيت الينا فقال له ابنه: يا ابة لا اراك الله سوءا ألسنا على الحق ؟ قال: بلى والذى إليه المرجع والمعاد، قال: فإذا لا نبالي ان نموت محقين فقال له الحسين ” عليه السلام ” جزاك الله من ولد خير ما جزا ولدا عن والد، فلما اصبح نزل فصل الغداة، ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريدان يفرقهم فيأتيهم الحر بن يزيد فيرده واصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ولم يزالو يتسايرون وكذلك حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذى نزل به الحسين ” عليه السلام ” فإذا راكب على نجيب له عليه السلام متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر واصحابه، ولم يسلم على الحسين ” عليه السلام ” واصحابه ودفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد. أما بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك، ولا يفارقك حتى يأتيني بأنفاذك أمرى والسلام، فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقال له الحسين ” عليه السلام ” دعنا ويحك ننزل في هذه القرية، أو هذه يعنى نينوى والغاضرية قال لا والله ما استطيع ذلك: هذا رجل قد بعث إلى عينا علي، فقال له زهير ابن القين: انى والله ما أراه بعد الذى ترون إلا أشد مما ترون يا بن رسول الله ان قتال هؤلاء البغاة أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به


[ 181 ]

فقال له الحسين ” عليه السلام “: ما كنت لابدأهم بالقتال، ثم نزل يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة احدى وستين، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبى وقاص من الكوفة في اربعة آلاف من الفوارس فنزل نينوى فبعث إلى الحسين ” عليه السلام ” عروة بن قيس الاحمسي، فقال: ائته فاسأله ما الذى جاء بك وما الذى تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين ” عليه السلام ” فاستحيى منه ان يأتيه، فعرض ذلك على الرؤسا الذين كاتبوه وكلهم أبى ذلك وكرهه، فقام إليه كثير بن عبد الله الاشعبى، وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شئ فقال: انا اذهب إليه والله لئن شئت لافتكن به فقال له عمر: ما اريد ان تفتك به ولكن ائته فاسأله ما الذى جاء بك ؟ فاقبل كثير إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصايدى قال: اصلحك الله يا ابا عبد الله قد جاءك شر خلق الله واجرأه على دم وافتكه، وقام إليه وقال له: ضع سيفك، قال لا ولا كرامة إنما انا رسول فان سمعتم منى ابلغتكم ما ارسلت به اليكم فان ابيتم انصرفت عنكم، قال فانى آخذ بقائم سيفك، ثم تكلم بحاجتك قال لا والله لا تمسه، فقال له اخبرني ما جئت به وانا ابلغه عنك، ولا ادعك تدنوا منه فانك فاجر فأبى وانصرف إلى عمر بن سعد: فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي، فقال له ويحك يا قرة الق حسينا، فسأله ما جاء به وماذا يريد فأتاه قرة، فلما رآه الحسين ” عليه السلام ” مقبلا قال: أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظلة بن تميم وهو ابن اختنا، وقد كنت اعرفه بحسن الرأى وما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين ” عليه السلام ” وابلغه رسالة عمر بن سعد فقال له الحسين ” عليه السلام “: كتب الي أهل مصركم هذا ان اقدم، واما إذا كرهتموني فأنى انصرف عنكم، ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة أين ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذى بآبائه ايدك الله بالكرامة، فقال له قرة: ارجع إلى صاحبنا بجواب رسالته فأرى رأى قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال عمر: ارجوا ان يعافينى الله من حربه وقتاله وكتب إلى عبيد الله بن زياد: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فانى حيث نزلت بالحسين، وبعثت إليه برسولى فسألته عما تقدم وماذا يطلب، فقال: كتب إلى أهل هذه البلاد، وأتتنى رسلهم يسألونى القدوم ففعلت فأما إذا كرهتموني، وبدا لهم غير ما اتتنى به رسلهم فأنا منصرف عنهم قال حسان بن قائد العبسي: وكنت عند عبيد الله حين أتاه هذا الكتاب


[ 182 ]

فلما قرأه قال: الآن حين إذا علقت مخالبنا به يرجوا النجاة، ولات حين مناص وكتب إلى عمر بن سعد: أما بعد: فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين ان يبايع ليزيد هو وجميع اصحابه، فإذا هو فعل رأينا رأينا والسلام، فلما ورد الجواب قال عمر ابن سعد قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية، ثم ورد كتاب بن زياد في الاثر إلى عمر ابن سعد: ان حل بين الحسين واصحابه، والماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا الشريعة وحالوا بين الحسين واصحابه وبين الماء ان يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة ايام، ونادى عبد الرحمن بن حصين الازدي، وكان عداده في بجيلة فقال بأعلى صوته: ألا تنظروا إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين ” عليه السلام “: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا. قال حميد بن مسلم: والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فو الله الذى لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغره ويبغى ويصيح العطش الطعش ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغره ثم يبغيه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه ولما رأى الحسين ” عليه السلام ” نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله، انفذ إلى عمر بن سعد: انى اريد ان القاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع إلى مكانه، وكتب إلى عبيد الله ابن زياد أما بعد: فقد اطفأ الله النائرة وجمع الكلمة واصلح أمر الامة، وهذا حسين قد اعطاني انه يرجع إلى المكان الذى منه أتى وان يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد ويضع يده في يده فيرى فيما بينه بينه رأيه، وفى هذا رضاء الله تعالى وللامة صلاح فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه وكتب إلى عمر بن سعد كتابا مع شمر ابن ذى الجوشن فليعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمي فان فعلوا فليبعث بهم إلى سلما وان ابوا فليقاتلهم فان فعل عمر فاسمع له واطع، وان أبى ان يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكان في الكتاب، انى لم ابعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعذر له عندي ولا لتكون له


[ 183 ]

شافعا انظر فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فأبعث بهم إلى سلما وان أبوا فأرجف عليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتل الحسين فاوطئ الخيل صدره وظهره فأنه عاق ظلوم فان انت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع وان ابيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذى الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد، فلما قدم عليه وقرأه فنادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وأبشرى فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الضجة فدنت من أخيها فقالت: يا اخى أما تسمع الاصوات قد اقتربت ؟ فرفع الحسين ” عليه السلام ” رأسه فقال انى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال لي انك تروح الينا فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال الحسين ” عليه السلام ” ليس لك الويل يا اختاه اسكتي رحمك الله وجاءه رسول عمر بن سعد انا قد اجلناك إلى غد فان استسلمتم سرحناكم إلى عبيد الله بن زياد أميرنا، وان أبيتم فلسنا تاركيكم وانصرف فجمع الحسين ” عليه السلام ” اصحابه عند قرب المساء. قال علي بن الحسين زين العابدين ” عليه السلام ” فدنوت منهم لاسمع ما يقول لهم وانا إذ ذاك مريض فسمعت أبى ” عليه السلام ” يقول لاصحابه: اثنى على الله احسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم انى احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعا وابصارا وافئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد: فانى لا اعلم اصحابا ولا أهل بيت ابر ولا اوصل من اصحابي وأهل بيتى فجزاكم الله عنى خير الجزاء ألا وانى لاظن يوما لنا من هؤلاء إلا وقد اذنت فانطلقوا جميعا من حل ليس عليكم منى ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فقال اخوته وابناؤهم وبنو اخيه وابناء عبد الله بن جعفر لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك اليوم أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي (رض) واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه، فقال الحسين ” عليه السلام “: يا بنى عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا انتم فقد اذنت لكم قالوا: سبحان الله ما نقول للناس ؟ نقول انا تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندرى ما صنعوا بهم لا والله لا نفعل ولكن نفديك انفسنا واموالنا واهلنا أو نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.


[ 184 ]

وقال مسلم بن عوسجة وقال والله لو علمت انى اقتل ثم احيا ثم احرق ثم احيا ثم احرق ثم اذرى يفعل بى ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامى من دونك وكيف لا افعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التى لا انقضاء لها أبدا. وقام زهير بن القين رحمه الله فقال والله لوددت انى قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل هكذا الف مرة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت وتكلم بعض اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين ” عليه السلام ” خيرا وانصرف إلى مضربه، قال علي بن الحسين عليهما السلام: بينا انى جالس في تلك العشية التى قتل في صبيحتها أبى وعندي عمتى زينب تمرضني إذا اعتزل أبى في خباء له وعنده فلان مولى أبى ذر الغفاري رضى الله عنه وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول: يادهر اف لك من خليل * كم لك في الاشراق والاصيل من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حى سالك سبيل فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعملت ما أراد فخنقتنى العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل. قال الضحاك بن عبد الله: ومر بنا خيل لابن سعد يحرسنا وان حسينا ” عليه السلام ” ليقرأ (ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لانفسهم إنما نملي لهم خيرا ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) فلما اصبح الحسين ” عليه السلام ” فعبأ اصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة اصحابه وحبيب بن مظاهر في مسيرة اصحابه وأعطى رأيته للعباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان تنزل في خندق كان وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم واصبح عمر ابن سعد لعنه الله في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت فعبأ اصحابه وخرج فيمن معه من اصحابه نحو الحسين ” عليه السلام ” فضرب الحر فرسه فلحق بالحسين ” عليه السلام ” فقال له جعلت فداك يا بن رسول الله انا صاحبك الذى حبسستك عن الرجوع، وجعجعت بك في هذا المكان، والله لو علمت انهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذى ركبت وانى تائب إلى الله عزوجل مما صنعت فترى من توبة ؟ فقال له الحسين: يتوب الله


[ 185 ]

عليك، واقبل رجل من عسكر بن عمر بن سعد على فرس يقال له: ابن أبى جويرة المزني فلما نظر إلى النار تتقد، صفق بيده، ونادى يا حسين واصحاب الحسين ابشروا بالنار، فقد تعجلتموها في الدنيا، فقال الحسين ” عليه السلام “: من الرجل ؟ فقيل: ابن أبى جويرة المزني، فقال الحسين ” عليه السلام “: اللهم اذقه عذاب النار في الدنيا، فنفر به فرسه والقاه في تلك النار، فاحترق ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزارى، فنادى يا حسين ويا اصحاب الحسين أما ترون الفرات يلوح كأنه بطون الحيات ؟ والله لا اذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعا، فقال الحسين ” عليه السلام “: من الرجل ؟ فقيل: تميم بن حصين فقال الحسين ” عليه السلام “: هذا وابوه من أهل النار، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم قال: فخنقته العطش حتى سقط من فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات، ثم اقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له: محمد ابن الاشعث بن قيس الكندى، فقال: يا حسين بن فاطمة أي حرمة لك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليست لغيرك، فتلا الحسين ” عليه السلام ” هذه الآية: (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض) ثم قال: والله ان محمدا لمن آل ابراهيم، وان العترة الهادية لمن آل محمد، من الرجل ؟ فقيل: محمد بن الاشعث ابن قيس الكندى، فرفع الحسين ” عليه السلام ” رأسه إلى السماء فقال: اللهم اذل محمد بن الاشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلذغته فمات بادى العورة، فبلغ العطش من الحسين ” عليه السلام ” واصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني، فقال: يا بن رسول الله اتأذن لى ان اخرج إليهم فاكلمهم ؟ فأذن له فخرج إليهم فقال: يا معشر الناس ان الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنارير السواد، وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف عنا، فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين عليه السلام: اقعد يا يزيد، ثم وثب الحسين عليه السلام متكيا على سيفه، فنادى بأعلى صوته، فقال: انشدكم الله أتعلمون ان جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قالوا: نعم قال انشدكم الله هل تعلمون أن أبى علي بن أبى طالب قالوا اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان أمي فاطمة بنت رسول الله


[ 186 ]

عليها السلام قالوا: نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتى خديجة بنت خويلد واول نساء هذه الامة اسلاما ؟ قالوا: نعم قال: انشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عم أبى ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمى ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فانشدكم الله هل تعملون ان هذا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ وانا متقلده، قالوا: نعم، قال: فانشدكم الله هل تدرون ان هذه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) انا لابسها ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فانشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان اولهم اسلاما واعلمهم علما واعظمهم حلما وانه ولى كل مؤمن ومؤننة ؟ قالوا اللهم نعم، قال: فبم تستحلون دمى ؟ وأبى الذايد عن الحوض غدا، يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد جدى يوم القيامة قالوا: قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا، فأخذ الحسين بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة، ثم قال: اشتد على اليهود غضب الله حيث قالوا، عزيز ابن الله واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا المسيح ابن الله واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم فقال الحر بن يزيد: يا بن رسول الله اتأذن لى ان اقاتل عنك ؟ فأذن له فبرز وهو يقول: اضرب في اعناقكم بالسيف * عن خير من حل بلاد الخيف فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل فأتاه الحسين ” عليه السلام “، ودمه يشخب فقال بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدينا والآخرة ثم أنشأ الحسين ” عليه السلام “: لنعم الحر حر بنى رياح * وحر عند مختلف الرماح ونعم الحر إذ نادى حسينا * فجاد بنفسه عند الصباح ثم برز من بعده زهير بن القين البجلى، وهو يقول مخاطبا للحسين ” عليه السلام “: اليوم نلقا جدك النبيا * وحسنا والمرتضى عليا فقتل منهم تسعة عشر رجلا، ثم صرع وهو يقول: انا زهير وانا ابن القين * أذبكم بالسيف عن حسين ثم برز من بعده حبيب بن مظاهر الاسدي وهو يقول: انا حبيب وأبى مظاهر * لنحن ازكى منكم واطهر ننصر خير الناس حين يذكر


[ 187 ]

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا، ثم قتل رضى الله عنه، ثم برز من بعده عبد الله بن أبى عروة الغفاري وهو يقول: قد علمت حقا بنو غفار * انى اذب في طلاب الثار بالمشرفى والقنا الخطار وقتل منهم عشرين رجلا، ثم قتل رحمه الله. ثم برز من بعده برير بن خضير الهمداني وكان اقرأ أهل زمانه وهو يقول: انا برير وأبى خضير * لا خير فيمن ليس فيه خير فقتل منهم ثلاثين رجلا، ثم قتل رضوان الله عليه، وبرز من بعده مالك بن انس الكاهلى، وهو يقول: قد علمت كاهلها ودودان * والخندقيون وقيس عيلان بان قومي قصم الاقران * يا قوم كونوا كأسود الجان آل علي شيعة الرحمن * وآل حرب شيعة الشيطان فقتل منهم ثمانية عشر رجلا، ثم قتل رحمة الله عليه. وبرز من بعده زياد بن مهاصر، أو مصاهر الكندى، فحمل عليهم وأنشأ يقول: انا زياد وأبى مصاهر * اشجع من ليث القرين الخادر يا رب انى للحسين ناصر * ولابن سعد تارك مهاجر فقتل منهم تسعة ثم قتل رضوان الله عليه. وبرز من بعده وهب، وكان نصرانيا اسلم على يد الحسين ” عليه السلام ” هو وامه فاتبعوه إلى كربلا، فركب فرسا، وتناول بيده عمود الفسطاط، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية، ثم استوسر فأتى عمر بن سعد لعنه الله فأمر بضرب عنقه، ورمى به إلى عسكر الحسين ” عليه السلام “، فأخذت امه سيفه وبرزت فقال لها الحسين ” عليه السلام ” يا ام وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء، انك وابنك مع جدى محمد (صلى الله عليه وآله) في الجنة. ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول: ارمى بها معلمة افواقها * والنفس لا ينفعها اشفاقها فقتل منهم ثلاثة عشر، ثم قتل رحمة الله عليه.


[ 188 ]

وقد برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل، وانشأ يقول: اقسمت لا اقتل الا حرا * وقد وجدت الموت شيئا نكرا اكره ان ادعا جبانا فرا * ان الجبان من عصى وفرا فقتل منهم ثلاثة، ثم قتل رحمة الله عليه. وبرز من بعده علي بن الحسين ” عليه السلام “، فلما برز عليهم دمعت عين الحسين ” عليه السلام ” فقال اللهم كنت انت الشهيد عليهم فقد برز ابن رسولك، واشبه الناس وجها وسمتا به فجعل يرتجز وهو يقول: انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي اما ترون كيف احمى عن أبى فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى ابيه، فقال: يا ابة العطش، فقال له الحسين ” عليه السلام ” صبرا يا بنى يسقيك جدك بالكأس الاوفى، فرجع فقاتل حتى قتل منهم اربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلوات الله عليه وعلى أبيه. وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي عليهم السلام وهو يقول: لا تجزعي نفسي وكل فان * اليوم تلقين ذوى الجنان فقتل منهم ثلاثة، ثم رمى عن فرسه ” عليه السلام ” ثم جلس الحسين ” عليه السلام ” امام الفسطاط فأتى بابنه عبد الله بن الحسن ” عليه السلام ” وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بنى أسد فذبحه، فتلقى الحسين صلوات الله عليه دمه، فلما ملا كفه، صبه في الارض وحملت الجماعة على الحسين، فغلبوه على عسكره واشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات فاعترضه خيل بن سعد لعنهم الله، وفيهم رجل من بنى دارم، فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الماء ولا تمكنوه من الفرات، فقال الحسين ” عليه السلام “: اللهم اظمئه فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين ” عليه السلام ” السهم وبسط يده تحت حنكه فامتلات راحتاه بالدم فرماه إلى الارض، ولما رجع الحسين ” عليه السلام ” من المسناة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذى الجوشن في جماعة من اصحابه، واحاطوا به فاسرع منهم رجل يقال له مالك بن انس فشتم الحسين ” عليه السلام ” فضربه على رأسه بالسيف وكان على رأسه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلات القلنسوة دما، فقال له الحسين ” عليه السلام “: لا أكلت بيمينك ولا شربت بها، وحشرك الله مع الظالمين.


[ 189 ]

ثم القى القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه، واستدعا قلنسوة اخرى فلبسها واعتم عليها، ونظر يمينا وشمالا لا يرى احدا فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم انك ترى ما يصنع بولد نبيك وحال بنو كلاب بينه وبين الماء. قال حميد بن مسلم: فو الله ما رأيت مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته واصحابه اربط جاشا، ولا امضى جنانا منه ان كانت الرجال لتشد عليه، فيشد عليها بسيفه فيكشف عن يمينه، وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب فلما رأى ذلك شمر بن ذى الجوشن استدعا الفرسان، فصاروا في ظهور الرجالة، وامر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام، حتى صار كالقنفد، ونادى شمر الفرسان والرجالة، فقال: ويلكم ما تنتظرون بالرجل، ثكلتكم امهاتكم فحمل عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربة اخرى منه على عاتقه فكبا منها على وجهه فطعنه سنان بن انس بالرمح فصرعه، وبدر إليه خولى بن يزيد الصبحى فنزل ليجتز رأسه فارعد فقال له شمر: فت الله في عضدك ما لك ترعد فنزل إليه فذبحه، ثم دفع رأسه إلى خولى بن يزيد فقال احمله إلى الامير عمر بن سعد، ثم اقبلوا على سلب الحسين ” عليه السلام ” وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه، وبكين فقال لاصحابه: لا يدخل احد منكم بيوت هؤلاء النساء، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض، يعنى علي بن الحسين فسألته النسوة ان يسترجع ما أخذ منهن ليسترن به، فقال من أخذ من متاعهن شيئا فليرده فو الله ما رد أحد منهم شيئا، ونادى عمر لعنه الله من يندب للحسين فيوطيه فرسه فانتدب عشرة منهم فداسوا الحسين صلوات الله عليه بخيولهم حتى رضوا ظهره واقبل فرس الحسين ” عليه السلام ” حتى لطخ عرفه، وناصيته بدم الحسين ” عليه السلام “، وجعل يركض ويصهل فسمع بنات النبي صلوات الله وسلامه صهيله، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن ان حسينا ” عليه السلام ” قد قتل وخرجت ام كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب وتقول: وا محمداه هذا حسين بالعراء قد سلب العمامة والرداء. وقال الباقر ” عليه السلام “: اصيب الحسين بن علي عليهما السلام، ووجد به ثلثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم. وروى انها كانت كلها في مقدمته لانه ” عليه السلام ” كان لا يولى. وبعث عمر بن سعد برأس الحسين ” عليه السلام ” إلى ابن زياد عليهم لعاين الله فاقبل سنان


[ 190 ]

لعنه الله حتى ادخل رأس الحسين ” عليه السلام ” على ابن زياد لعنه الله، وهو يقول: املا ركابي فضة وذهبا * انا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا قال ابن زياد: ويحك إذا علمت انه خير الناس أبا وأما فلم قتلته إذا، فأمر به وضرب عنقه وعجل الله بروحه إلى النار، وارسل ابن زياد لعنه الله إلى ام كلثوم بنت الحسين صلوات الله عليه، فقال: الحمد لله الذى قتل رجالكم فكيف ترين ما فعل الله بكم ؟ فقالت عليها السلام: يا بن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين ” عليه السلام ” فطالما قرت عين جده (صلى الله عليه وآله) به وكان يقبله، ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه يا بن زياد اعد لجده جوابا فانه خصمك غدا، قال حاجب عبيد الله بن زياد لعنهم الله: لما جاء برأس الحسين ” عليه السلام ” أمر فوضع بين يديه طشت من ذهب وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه، ويقول لقد اسرع الشيب اليك يا أبا عبد الله، فقال رجل من القوم: مه فانى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلثم حين تضع قضيبك، فقال: يوم بيوم بدر ثم أمر بعلي بن الحسين ” عليه السلام ” فغل وحمل مع السبايا والنسوة إلى السجن، وكنت معهم فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملآن رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون، فحبسوا في سجن وضيق عليهم ثم ان ابن زياد لعنه الله دعا بعلي بن الحسين ” عليه السلام ” والنسوة، واحضر رأس الحسين صلوات الله عليه، وكانت زينب بنت علي فيهم، فقال ابن زياد لعنه الله الحمد لله الذى فضحكم، وقتلكم واكذب احاديثكم فقالت زينت عليها السلام: الحمد لله الذى اكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا إنما يفضح الله الفاسق، ويكذب الفاجر قال: كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت ؟ قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فيتحاكمون عنده فغضب اين زياد لعنه الله وهم بها فسكن منه عمر بن حريث، فقالت زينب يابن زياد وحسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا وقطعت اصلنا وابحت حريمنا وسبيت نسائنا وذرارينا فان كان ذلك للاشتفاء، فقد اشتفيت فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن وبعث البشاير إلى النواحى بقتل الحسين، ثم أمر بالسبايا ورأس الحسين فحملوا إلى الشام. ولقد حدثنى جماعة كانوا اخرجوا في تلك الصحبة انهم كانوا يسمعون بالليالى نوح الجن على الحسين ” عليه السلام ” إلى الصباح وقالوا فلما دخلنا دمشق، ادخل بالنساء السبايا بالنهار


[ 191 ]

مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا احسن من هؤلاء، فمن انتم فقالت سكينة بنت الحسين ” عليه السلام ” نحن سبايا آل محمد فاقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا وفيهم علي بن الحسين ” عليه السلام ” وهو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من اشياخ أهل الشام، فقال لهم: الحمد لله الذى قتلكم واهلككم وقطع قرن الفتنة فلم يأل عن شتمهم فلما انقضى كلامه فقال له علي بن الحسين ” عليه السلام “: اما قرأت كتاب الله عزوجل ؟ قال نعم قال: اما قرأت هذه الآية ؟ قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال: بلى قال فنحن اولئك. ثم قال: اما قرأت وات ذا القربى حقه ؟ قال: بلى قال: فنحن هم. ثم قال: فهل قرأت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ؟ قال: بلى قال: فنحن هم فرفع الشامي يده إلى السماء. ثم قال: اللهم انى اتوب اليك ثلاث مرات اللهم انى ابرئ اليك من عدو آل محمد ومن قتل أهل بيت محمد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم. ثم ادخل نساء الحسين ” عليه السلام ” على يزيد بن معاوية لعنهما الله واخزاهما فصحن نساء أهل يزيد، وبنات معاوية وأهله وولولن واقمن المأتم، ووضع رأس الحسين ” عليه السلام ” بين يديه لعنه الله، فقالت سكينة: والله ما رأيت اقسى قلبا من يزيد ولا رأيت كافرا ولا مشركا أشر منه ولا اجفا منه ووضع الرأس بين يديه واقبل يزيد ويقول وينظر إلى الرأس: ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل لاستهلوا واستطاروا فرحا * ولقالوا يا يزيد لا تشل ما ابالى بعد فعلى بهم * نزل الويل عليهم ام رحل لست من خندف ان لم انتقم * من بنى أحمد ما كان فعل قد قتلنا القرم من ابنائهم * وعدلناه ببدر فاعتدل فبذاك الشيخ اوصاني به * فانبعت الشيخ في قصد سيل لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحى نزل ثم أمر برأس الحسين ” عليه السلام ” فنصب على باب مسجد دمشق. فروى عن فاطمة بنت الحسين ” عليه السلام ” انها قالت: لما اجلسنا بين يدى يزيد (لع) رق لنا اول


[ 192 ]

شئ وألطفنا ثم أن رجلا من أهل الشام اسمه حمر قام إليه فقال له: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ؟ يعنينى – وكنت جارية وضيئة فارعبت وفزعت وظننت انه يفعل ذلك فاخذت بثياب اختى، وهى اكبر منى واعقل. فقالت له كذبت والله ولعنت، ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد (لع)، وقال بل كذبت والله لو شئت لفعلته، قالت: لا والله ما جعل الله ذلك لك، إلا ان تخرج من ملتنا، وتدين بغير ديننا فغضب يزيد لعنه الله، ثم قال: إياى تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين ابوك واخوك، فقالت: بدين الله ودين جدى، وابى واخى اهتديت انت وجدك وابوك، قال: كذبت يا عدو الله، قالت: أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه، قالت فكأنه لعنه الله استحيا فسكت فعاد الشامي لعنه الله، فقال: يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية، فقال: اعزب وهبك الله حتفا قاضيا. ثم ان يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين ” عليه السلام ” والاطفال مع علي بن الحسين عليهما السلام في مجلس لا يكنهم من حر ولا برد، حتى تقشرت وجوههن، ولم يرفع ببيت المقدس حجر على وجه الارض الا وجد تحته دم عبيط، وابصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة إلى ان خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء. ثم ندب يزيد بن النعمان بن بشير، وقال له: تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة ولما اراد ان يجهزهم دعا بعلي بن الحسين عليهما السلام فاستخلاه ثم قال: لعن الله بن مرجانة، اما والله لو انى صاحبت ابيك ما سألني خصلة إلا اعطيته إياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة، ورفع الي كل حاجة تكون لك، وتقدم بكسوته وكسوة أهل بيته، وانفذ معهم في جملة من انفذ النعمان بن بشير رسولا وتقدم إليه ان يسير في الليل، ويكون امامهم حيث لا يفوتون طرفة فإذا انزلوا نحى عنهم، وتفرق هو واصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، ونزل معهم حيث ان اراد الانسان من جماعتهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم، وصار معهم في جملة النعمان ولم يزل في الطريق، كما وصاه يزيد ويرفق بهم حتى دخلوا المدينة فلم يسمع واعية مثل واعية بنى هاشم في دورهم على الحسين بن علي عليهما السلام، وخرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبى طالب حين سمعت بنعى الحسين عليه السلام حاسرة ومعها اخواتها


[ 193 ]

ام هاني واسماء. ورملة وزينب بنت عقيل بن أبى طالب تبكى قتلاها بالطف وهى تقول ماذا تقولون إذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم وانتم آخر الامم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدى * منهم اسارى ومنهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزاى إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوى رحم وسمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادى يسمعون صوته، ولا يرون شخصه: أيها القاتلون ظلما حسينا * ابشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبى وملك وقبيل لقد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وعيسى وصاحب الانجيل قالت ام سلمة رضى الله عنها: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا ثم جائنا، وهو اشعث اغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله ما لى أراك اشعثا مغبرا ؟ فقال: اسرى بى في هذا الوقت إلى موضع من العراق، يقال له كربلا فرأيت فيه مصرع الحسين واهلى، وجماعة من ولدى وأهل بيتى فلم ازل القط دمائهم فها هي في يدى وبسطها الي، وقال لى: خذيه واحتفظي به فأخذته فإذا هو شبه تراب احمر فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين ” عليه السلام ” من مكة متوجها نحو العراق وكنت اخرج القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وانظر إليها ثم اذكر بمصابه، فلما كان يوم العاشر من المحرم اخرجتها في اول النهار وهى بحالها ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتى وبكيت وكظمت غيظي مخافة ان يسمع اعدائهم بالمدينة فيسروا بالشماتة فلم ازل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه فحقق ما رأيت. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: لما ضرب الحسين بن علي عليهما السلام بالسيف ثم ابتدر ليقطع رأسه نادى منادى من قبل الله رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال ألا أيتها الامة المتحيرة الظالمة الضالة بعد نبيها لا وفقكم الله لاضحى ولا فطر ثم قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: لاجرم والله ما وفقوا ولا يوفقون أبدا حتى يقوم ثاير الحسين ” عليه السلام ” قال شيخ من اشياخ بنى سليم: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنايسهم فوجدنا مكتوبا: أترجو امة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب


[ 194 ]

فسألناهم منذ كم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا: قبل ان يبعث نبيكم بثلاث مائة عام. وقال الصادق ” عليه السلام “: وكل الله عزوجل بقبر الحسين اربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه وان مرض عادوه غدوة وعشيا وان مات شهدوا جنازته واستغفروا له يوم القيامة. قال موسى بن جعفر عليهما السلام: من زار قبر الحسين صلوات الله عليه عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وقال الباقر ” عليه السلام “: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين ” عليه السلام ” فان زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق، وأكل السبع وزيارته مفرضة على من أقر للحسين بالامامة من الله عزوجل. قال بشير الدهان: قلت لابي عبد الله ” عليه السلام “: ربما فاتني الحج فاعرق عند قبر الحسين ” عليه السلام ” قال: احسنت يا بشير إيما مؤمن أتى قبر الحسين ” عليه السلام ” عارفا بحقه في غير يوم عيد كتبت له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبى مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبى مرسل أو إمام عادل. فقلت له: فكيف لي بمثل هذا الموقف ؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب ثم قال يا بشير إن المؤمن لو أتى قبر الحسين ” عليه السلام ” يوم عرفة واغتسل بالفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها ولا أعلمه إلا قال: وغزوة. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من أتى قبر الحسين ” عليه السلام ” عارفا بحقه كتب الله له أجر من اعتق الف نسمة وكمن حمل الف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة ومن زاره كان الله له من وراء حوائجه وكفى ما همه من أمر دنياه فإنه يجلب الرزق على العبد ويخلف عليه ما ينفق ويغفر له ذنوب خمسين سنة ويرجع إلى اهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلا وقد محيت من صحيفته، فان هلك في سفرته نزلت الملائكة فغسلته وفتح له باب إلى الجنة يدخل بذلك عليه روحها حتى ينشر وان سلم فتح له الباب الذى ينزل منه رزقه، ويجعل له بكل درهم انفقه عشرة آلاف درهم وذخر له ذلك وإذا حشر قيل له لك بكل عشرة آلاف درهم ان الله نظر لك فذخرها لك عنده. وقال ” عليه السلام “: ليس ملك في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج.


[ 195 ]

وقال ” عليه السلام “: من زار قبر الحسين ” عليه السلام ” يوم عرفة كتب الله له الف الف حجة مع القائم ومئة الف الف عمرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعتق الف الف نسمة وحملان الف الف فرس في سبيل الله وسماه عبدى الصديق آمن بوعدي وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه وسمى في الارض كروبا. وقال عليه السلام: من زار قبر الحسين ” عليه السلام ” ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحدة، كتب له الله الف حجة مبرورة، والف عمرة متقبلة وقضيت له الف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة. وقال الحسن العسكري ” عليه السلام “: علامات المؤمن خمس: صلاة احدى والخمسين وزيارة الاربعين، والتختم باليمين وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ومضى الحسين صلوات الله وسلامه عليه، يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة ويقال سبع وخمسون سنة ويقال ست وخمسون سنة وخمسة اشهر. أقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” سبعا وثلاثين سنة ومع أخيه الحسن ” عليه السلام ” سبع وأربعين سنة وكانت مده خلافته بعد أخيه عشر سنين. قال الشاعر: جاؤا برأسك يا بن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا قتلوك عطشانا ولم يرتقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بان قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا وآخر: ويل لمن شفعاؤه خصماؤه * والصور في نشر الخلائق ينفخ لابد أن ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ وقال آخر: أفاطم لو أبصرت بالطف من هنا * حسينا صريعا بالسيوف مجزعا غداة أحاطت بالحسين كتائب * عليها ابن سعد يسعر الحرب ممرعا إلى ابن رسول الله وابن وصيه * فما كان أدهى ذاك أمرا واقطعا أينسى تقى كربلاء وكربها * وسبط رسول الله بالطف صرعا


[ 196 ]

مجلس في ذكر ابي مامة امحمد علي بن الحسين زين العابدين ومناقبه، ويكنى عليه السلام بأبى الحسن أيضا والامام بعد الحسين بن علي: علي بن الحسين عليهما السلام، بدليل إعتبار الشرايط العقلية، ونص رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه عليهم السلام، وقد بينا ذلك فلا وجه لاعادته. قال الزهري: كنت عند علي بن الحسين، فجاء رجل من أصحابه، فقال له علي ابن الحسين: ما خبرك أيها الرجل ؟ فقال الرجل: خبرى يا بن رسول الله انى اصبحت وعلي خمسمائة دينار دين لا قضاء عندي لها ولى عيال ثقال ليس لى ما أدعو عليهم به قال فبكى علي بن الحسين بكاءا شديدا فقيل له ما يبكيك يا بن رسول الله ؟ فقال وهل بعد البكاء إلا المصائب والمحن الكبار، قالوا: كذلك يا بن رسول الله، قال: فأية محنة ومصيبة أعظم على حرمة مؤمن من ان يرى بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها، قال: وتفرقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض من المخالفين وهو يطعن على علي بن الحسين ” عليه السلام “: عجبا لهؤلاء يدعون ان السماء والارض وكل شئ تطيعهم وان الله لا يردهم عن شئ طلبا لهم ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح خواص اخوانهم، فاتصل بالرجل صاحب القصة، فجاء إلى علي بن الحسين عليهما السلام فقال: يا بن رسول الله بلغني عن فلان كذا وكذا، وكان ذلك اغلظ علي من محنتي فقال علي بن الحسين عليهما السلام فقد أذن الله في فرجك، يا فلانة احمل سحورى وفطوري فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيرا واسعا منهما، فأخذهما الرجل ودخل السوق ما يدرى ما يصنع بهما يتفكرون في ثقل دينه وسوء حال عياله ويوسوس إليه الشيطان أين موقع هاتين من حاجتك فمر بسماك قد باتت عليه سمكته قد أراحت فقال له سمكتك هذه بائرة عليك واحدى قرصتى هاتين بائرة علي فهل لك ان تعطنى سمكتك البائرة وتأخذ قرصتى هذه البائرة ؟ فقال: نعم فأعطاه السمكة وأخذ القرصة، ثم مر برجل


[ 197 ]

معه ملح قليل مزهود فيه فقال: هل لك ان تعطيني ملحك هذه المزهودة فيه بقرصتي هذه المزهود فيها ؟ قال: نعم ففعل فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال: اصلح هذه بهذه فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما فبينا هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فنظر من الباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله جهدنا ان نأكل نحن، أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه اسناننا، وما نظنك إلا وقد تناهيت في سوء الحال، ومرنت على الشقاء قد رددنا عليك القرصين فأخذ القرصين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع رجل بابه فإذا رسول علي بن الحسين عليهما السلام فدخل، فقال: انه يقول لك ان الله قد أتاك الفرج فاردد طعامنا فانه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤلتين بمال عظيم قضى دينه منه وحسنت بعد ذلك حاله، فقال بعض المخالفين: ما أشد هذه التفاوت، بينا علي ابن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقته إذ اغناه هذا الغناء العظيم كيف يكون هذا ؟ وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على الغناء العظيم ؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام هكذا قالت قريش للنبى (صلى الله عليه وآله) كيف يمضى إلى بيت المقدس، ويشاهد ما فيه من آثار الانبياء من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ مكة إلى المدينة إلا في اثنى عشر يوما، وذلك خير من هاجر منها، ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام: جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه ان المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه وترك الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، ان أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم فجازاهم الله عزوجل عن ذلك بازاء ما وجب لهم، نجح جميع طلباتهم لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريدون منه إلا ما يريده لهم. وقال الزهري: حدثنا علي بن الحسين عليهما السلام، وكان أفضل هاشمى ادركناه قال: احبونا حب الاسلام، فما زال حبكم لنا حتى صار شينا علينا. وقال الباقر ” عليه السلام “: كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلى في اليوم والليلة الف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة. (وروى) ان بينه وبين محمد بن الحنفية جرى منازعة في الامامة. فقال له زين العابدين ” عليه السلام “: فانطلق حتى أتيا قرب حجر الاسود فقال لمحمد: ابتداء وابتهل إلى الله ورسوله ان ينطق لك الحجر، ثم سأله وابتهل محمد في الدعاء، ودعاء الحجر الاسود فلم


[ 198 ]

يجبه فقال علي ” عليه السلام “: اما انك يا عم لو كنت وصيا، وإماما لاجابك، فقال له محمد فادع انت يا بن اخ وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما اراد، ثم قال اسئلك بالذى جعل فيك ميثاق الانبياء، وميثاق الاوصياء، وميثاق الاجمعين لما اخبرتنا بلسان عربي مبين من الوصي والامام بعد الحسين بن علي ؟ وتحرك الحجر حتى كاد ان يزول من موضعه، ثم انطقه الله بلسان عربي مبين وقال: اللهم ان الوصية، والامامة بعد الحسين بن علي لعلي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم وانصرف محمد بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين عليهما السلام، وذكر لعلي بن الحسين عليهما السلام فضله، فقال: حسبنا ان تكون من صالح قومنا. وقال طاووس: دخلت الحجر في الليل، فإذا علي بن الحسين قد دخل، فقام يصلى فصلى ما شاء الله ثم سجد، قال: قلت رجل صالح من اهل الخير لاستمعن إلى دعائه فسمعته يقول في سجوده: عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك، قال طاووس: فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عنى. وقال طاووس: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع وساجد، فتأملته فإذا هو علي بن الحسين ” عليه السلام ” فقلت: يا نفس رجل صالح من أهل بيت النبوة، والله لاغتنمن دعاه فجعلت ارقبه حتى فرغ من صلاته، ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل يقول: إلهى سيدى سيدى هذه يداى قد مددتهما اليك بالذنوب مملوة، وعيناي بالرجاء ممدودة وحق لمن دعاك بالندم تذللا ان تجيبه بالكرم تفضلا، سيدى أمن أهل الشقاء خلقتني ؟ فاطيل بكاى أم من أهل السعادة خلقتني ؟ فابشر رجائي سيدى أبضرب المقامع خلقت اعضائي ؟ ام لشرب الحميم خلقت امعائى ؟ سيدى لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت اول الهاربين منك، لكنى أعلم انى لا افرتك سيدى لو ان عذابي مما يزيد في ملكك سألتك الصبر عليه غير أنى اعلم انه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين سيدى ها أنا وما خطري ؟ هب لى بفضلك وجللنى بسترك واعف عن توبيخي بكرم وجهك إلهى وسيدي ارحمنى مصروعا على الفراش تقلبني أيدى احبتي وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتى، وارحمني محمولا قد تناول إلا قربا باطراف جنازتي وأرحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتى. قال طاووس فبكيت حتى علا نحيبي، فالتفت إلي فقال: ما يبكيك يا يمانى، أو ليس هذا مقام


[ 199 ]

المذنبين ؟ فقلت: حبيبي حقيق على الله ان لا يردك وجدك محمد (صلى الله عليه وآله). (وروى) ان علي بن الحسين ” عليه السلام ” التاثت ناقته عليه في مسيرها فأشار إليها بالقضيب ثم قال: آه لولا القصاص ورد يده عنها. (وروى) انه حج ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة إلى مكة، قال زرارة بن اعين سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه كان ذلك علي بن الحسين ” عليه السلام “. (وروى) ان جارية لعلي بن الحسين عليهما السلام كانت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فغمست فسقط الابريق من يد الجارية فشجه فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية ان الله يقول: والكاظمين الغيظ قال: قد كظمت غيظي قالت: والعافين عن الناس قال: عفا الله عنك قالت: والله يحب المحسنين قال: فاذهبي فانت حرة. قال عمرو بن دينار: حضرت يزيد بن إسامة بن زيد الوفاة فجعل يبكى، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: ما يبكيك ؟ قال: يبكيني ان علي خمسة عشر الف دينار ولم اترك لها وقال: فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لا تبك فهى علي وانت منها برئ فقضاها عنه قال علي بن الحسين عليهما السلام نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين: وموالى المؤمنين ونحن أمان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء ان تقع على الارض إلا بإذنه وبنا يمسك الارض ان تميد بأهلها وبنا ينزل الغيث وبنا ينشر الرحمة ويخرج بركات الارض ولولا مافى الارض منا لساخت بأهلها، ثم قال ” عليه السلام “: ولم يخلوا الارض مذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهود أو غايب مستور ولا تخلوا إلى ان تقوم الساعة من حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق ” عليه السلام ” فكيف ينتفع الناس بالحجة الغايب المستور، قال: كما ينتفع بالشمس إذا سترها السحاب. (وروى) ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر واطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين ” عليه السلام ” وعليه ازار ورداء من احسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبته له واجلالا، فغاط ذلك هشاما فقال رجل من أهل الشام


[ 200 ]

لهشام من هذا الذى قد هابه الناس هذه الهيبة ؟ وافرجوا له عن الحجر فقال هشام لا اعرفه لان لا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق: وكان حاضرا لكنى اعرفه فقال الشامي ؟ من هو يا أبا فراس ؟ فقال: هذا الذى تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقى الطاهر العلم هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدى الظلم إذا رأته قريش قال قايلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم يمنى إلى ذروة العز التى قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضى حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ينشق نور الدجى عن نور غرته * كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم الشيم حمال اثقال أقوام إذا وفدوا * حلو الشمايل تحلو عنده نعم ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا الله فضله قدما وشرفه * جرى بذاك له في لوحه القلم من جده دان فضل الانبياء له * وفضل امته دانت له الامم عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنها العماية والاملاق والظلم كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا يخشى بوادره * تزينه خصلتان: الخلق والكرم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفنا اديب حين يعتزم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجا ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترد به الاحسان والنعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل يوم ومختوم به الكلم ان عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الارض قيل هم


[ 201 ]

لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وان كرموا هم الغيوث إذا ازمة ازمت * والاسد أسد الشرى والبأس محتدم يأبى لهم ان يحل الذم ساحتهم * خير كريم وايدى بالندى هضم لا ينقص العسر بسطا من اكفهم * سيان ذلك ان اثروا وان عدموا أي الخلايق ليست في رقابهم * لاولوية هذا أو له نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الامم قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فبعث إليه باثنى عشر الف درهم. وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا اكثر من هذا لوصلناك به فردها وقال يا بن رسول الله ما قلت الذى قلت إلا لرضا الله ورسوله وما كنت لآخذ شيئا فردها إليه وقال بحقى عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها فجعل الفرزدق يهجوا هشاما وهو في الحبس فكان مما هجا به قوله: أتحبسني بين المدينة والتى * إليها قلوب الناس يهوى منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعين له حولاء باد عيوبها فبعث إليه فأخرجه. وكان مولد علي بن الحسين عليهما السلام يوم الجمعة، ويقال يوم الخميس لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، ويقال سنة ست وثلاثين من الهجرة فبقى مع جده أمير المؤمنين ” عليه السلام ” سنتين ومع عمه اثنى عشر سنة ومع أبيه الحسين ثلاثا وعشرين سنة وبعد أبيه أربعا وثلاثين سنة. وتوفى بالمدينة يوم السبت لاثنى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين من الهجرة وله يومئذ سبع وخمسون سنة وكانت إمامته اربعا وثلاثين سنة. وامه: شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ويقال: ان اسمها كان شهربانويه ويقال: شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز. وكان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ولي حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث إليه بنتى يزدجرد بن شهريار بن كسرى فنحل ابنه الحسين ” عليه السلام ” شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين ” عليه السلام ” ونحل الاخرى محمد بن أبى بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبى بكر فهما ابنا خالة.


[ 202 ]

قال الرضا ” عليه السلام “: ان لكل إمام عهدا في عنق أوليائهم وشيعتهم وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة. قال الصادق ” عليه السلام “: من زار إماما مفترضا طاعته وصلى اربع ركعات كتب الله له حجة مبرورة وعمرة مشكورة. وقال ” عليه السلام “: من زار واحدا منا كان كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله. مجلس في ذكر امامة أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ومناقبه والامام بعد علي بن الحسين ” عليه السلام ” أبو جعفر محمد بن علي الباقر بنص أبيه عليه واعتبار الشرايط العقلية، وهو ” عليه السلام ” قد برز على جماعتهم بالفضل في العلم، والزهد وكان اكثرهم ذكرا واجلهم في الخاصة والعامة ولم يظهر عن أحد منهم من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار، وعلم القرآن والسيرة، وفنون الآداب ما ظهر عن أبى جعفر عليه السلام. (وروى) عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وكان في وصية أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إلى ولده ذكر محمد بن علي والوصاية، وسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرفه بباقر العلم. وقال جابر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لى يوشك ان تبقى يا جابر حتى تلقى ولد إلي من الحسين يقال له: محمد بن على يبقر علم الدين بقرا فإذا لقيته فاقرأه منى السلام. قال الباقر ” عليه السلام “: دخلت على جابر بن عبد الله الانصاري فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي من أنت ؟ وذلك بعد ما كف بصره فقلت محمد بن علي بن الحسين فقال يا بنى ادن منى فدنوت منه فقبل يدى ثم أهوى إلى رجلى يقبلها فتنحيت عنه ثم قال لى: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام، فقلت وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته وكيف ذاك يا جابر ؟ فقال: كنت معه ذات يوم فقال لى يا جابر لعلك ان تبقى


[ 203 ]

حتى تلقى رجلا من ولدى يقال له محمد بن علي بن الحسين، يهب الله له النور والحكمة فاقرأه منى السلام. قال عبد الله بن عطاء المكى: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبى جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب عليهم السلام، ولقد رأيت الحكم ابن عينية مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبى بين يدى معلمه وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي عليهما السلام، قال: حدثنى وصى الاوصياء وولى الاولياء ووارث علم الانبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام. قال الربيع: سألت أبا إسحاق عن المسح، فقال: ادركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بنى هاشم لم ار مثله قط يقال له محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح فنهاني عنه وقال: لم يكن أمير المؤمنين ” عليه السلام ” يمسح، وكان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين. وقال الباقر ” عليه السلام ” في قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال نحن أهل الذكر قال أبو زرعة: صدق محمد بن علي، ولعمري ان ابا جعفر لمن اكبر العلماء. (وروى) ان هشام بن عبد الملك حج فدخل المسجد الحرام متكيا على يدى سالم مولاه ومحمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد، فقال له سالم يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين فقال له هشام: المفتون به أهل العراق ؟ قال: نعم قال فاذهب إليه وقل له يقول أمير المؤمنين: ما الذى يأكل الناس ويشربون إلى ان يفصل بينهم يوم القيامة ؟ قال له أبو جعفر ” عليه السلام ” يحشر الناس على مثل فرضة النهر فيها انهار منفجرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب، قال فرأى هشام انه قد ظفر به فقال الله أكبر اذهب إليه فقل له ما اشغلهم عن الاكل والشرب يومئذ فقال له أبو جعفر ” عليه السلام ” هم في النار اشغل، ولم يشغلوا حتى قالوا (افيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم) فسكت هشام ولم يراجع. (وروى) ان عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ليمتحنه بالسؤال فقال له: جعلت فداك ما معنى قوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا إن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما) ما هذا الرتق والفتق ؟. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: كانت السماء رتقا لا تنزل القر وكانت الارض فتقا لا تخرج


[ 204 ]

النبات فانقطع عمرو ولم يجد إعتراضا ومضى ثم عادا إليه فقال: جعلت فداك اخبرني عن قوله تعالى (ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى) ما غضب الله ؟ قال أبو جعفر ” عليه السلام ” غضب الله عقابه يا عمروا ومن قال ان الله يغيره شئ فقد كفر. (وروى) ان نافع بن الازرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام. قال له أبو جعفر ” عليه السلام “: في أثناء كلامه قل لهذه المارقة بما استحلتم فراق أمير المؤمنين عليه السلام وقد سفكتم دمائكم بين يديه في طاعته، والقربة إلى الله في نصرته وسيقولون لك انه قد حكم في دين الله فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه (صلى الله عليه وآله) رجلين من خلقه فقال: فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) سعد بن معاذ في بنى قريضة فحكم فيهم بما امضاه الله عزوجل أو ما علمتم ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إنما أمر الحاكمين ان يحكما بالقرآن ولا يتعديا واشترط رد ما خالف القرآن من احكام الرجال، وقال حين قالوا له قد حكمت على نفسك من حكم عليك فقال: ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت كتاب الله فاين نجد المارقة تضليل من أمر بالحكمين بالقرآن واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان، فقال نافع ابن الازرق: هذا والله كلام ما مر بسمعي قط ولا خطر ببالى وهو الحق إن شاء الله وكان عليه السلام مع هذه الحال العظيمة والرياسة والامامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهورا بالكرم في الكافة مع كثرة عياله وتوسط حاله. قال عمرو بن دينار وعبد الله ابن عمير: ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي ” عليه السلام ” إلا وحمل الينا النفقة والصلة والكسوة ويقول: هذه معدة لكم قبل ان تلقوني. قال سليمان بن القاسم: كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام يخبرنا بالخمسمئة إلى الستمئة إلى الالف درهم. قال الحسن بن كثير شكوت إلى أبى جعفر محمد بن علي الحاجة وجفاء الاخوان، فقال: بئس الاخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فاخرج كيسا فيه سبعمئة درهم، وقال: استنفق هذه فإذا نفذت فاعلمني. (وروى) عنه ” عليه السلام ” انه سئل عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال: إذا حدثت الحديث ولم اسنده فسندى فيه أبى عن جدى عن أبيه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله تعالى، قال: انى لفى عمرة اعتمرتها في الحجر جالسا إذ نظرت الي جان


[ 205 ]

قد أقبل من ناحية المسعى حتى دنا من الحجر فطاف بالبيت اسبوعا، ثم انه أتى المقام فقام على ذنبه فصلى ركعتين، وذلك عند زوال الشمس فبصر به عطاء واناس من اصحابه فاتوني، فقالوا: يا أبا جعفر هل رأيت هذا الجان ؟ فقلت: رأيته وما صنع ثم قال لهم: انطلقوا إليه فقولوا له: يقول لك محمد بن علي: ان البيت يحضره اعبد وسودان وهذه ساعة خلوته منهم، وقد قضيت نسكك ونحن نتخوف عليك منهم فلو خفقت وانطلقت، قال فكوم كومة من بطحاء المسجد ثم وضع ذنبه عليها، ثم مثل في الهواء. عن أبى عيينة: ان رجلا جاء إلى أبى جعفر ” عليه السلام ” فدخل عليه، فقال انا رجل من أهل الشام لم ازل والله أتولاكم أهل البيت واتبرأ من أعدائكم وان أبى لا رحمه الله كان يتولى بنى أمية ويفضلهم عليكم، فكنت ابغضه على ذلك، وكان يبغضني على حبكم ويحرمني ماله ويجفوني في حياته بعد مماته وقد كان له مال كثير ولم يكن له ولد غيرى، وكان مسكنه بالرملة، وكانت له حبيبة يخلو لفسقه فلما مات طلبت ماله في كل موضع فلم اظفر به، ولست اشك انه دفنه في موضع واخفاه منى لا رضى الله عنه فقال له أبو جعفر ” عليه السلام ” أفتحب ان تراه وتسأله أين وضع ماله ؟ فقال له الرجل: نعم، وانى محتاج فقير فتكتب له أبو جعفر كتابا بيده في رق أبيض ثم ختمه بخاتمه، ثم قال له تنادى: يا درجان فانه سيأتيك رجل معتم فادفع إليه كتابي وقل: انا رسول محمد بن علي فسأله عما بدا لك، قال: فأخذ الرجل الكتاب وانطلق، فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر معتمدا لانظر ما حال الرجل، فإذا هو على باب أبى جعفر ” عليه السلام ” ينتظر متى يؤذن له فدخلنا على ابى جعفر ” عليه السلام ” فقال له الرجل الله اعلم عنده من يضع علمه وقد انطلقت بكتابك الليلة حتى توسطت البقيع فناديت درجانا فأتى رجل معتم فقال: انا درجان فما حاجتك ؟ فقلت انا رسول محمد بن علي اليك وهذا كتابه فقال مرحبا برسول حجة الله على خلقه فاخذ كتابه فقرأه فقال أتحب ان ترى اباك ؟ فقلت: نعم قال: فلا تبرح من موضعك حتى آتيك به فانه (بضجنان) فانطلق فلم يلبث إلا قليلا حتى اتانى برجل اسود في عنقه حبل اسود مدلع لسانه يلهث وعليه سربال اسود، فقال لى: هذا ابوك، ولكن غيره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم وعذاب الاليم، فقلت له: انت ابى ؟ فقال: نعم قلت من غيرك وغير صورتك ؟ قال انى كنت اتولى بنى امية وافضلهم علي أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعذبني الله على ذلك


[ 206 ]

وانك تتولى أهل بيت نبيك وكنت ابغضك على ذلك فاحرمتك مالى ودفنته عنك فانا اليوم على ذلك من النادمين، فانطلق إلى حديقتي فاحتفر تحت الزيتونة فخذ المال وهو مئة وخمسون الفا فادفع إلى محمد بن علي خمسين الفا ولك الباقي قال: فانى منطلق حتى آتى بالمال قال ابوعيينة: فلما كان الحول قلت لابي جعفر ” عليه السلام “: ما فعل الرجل قال قد جاءنا بخمسين الف قضيت بها دينا كان علي وابتعت بها ارضا ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتى اما ان ذلك سينفع الميت النادم على ما فرط من حبنا أهل البيت وضيع من حقنا بما ادخل علي من الرفق والسرور. وقال ” عليه السلام “: نحن أهل بيت الرحمة، وشجرة النبوة، ومعدن الحكمة، وموضع الملائكة، ومهبط الوحى. (وروى) ان جابر كان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو معتم بعمامة سوداء وكان ينادى: يا باقر العلم يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: ان جابر يهجر وكان يقول والله ما اهجر ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انك ستدرك رجلا من أهل بيتى اسمه اسمى وشمايله شمايلى يبقر العلم بقرا، فذاك الذى دعاني إلى ما اقول، قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذا هو بطريق في ذلك الطريق كان محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام، فلما نظر إليه قال: يا غلام اقبل فاقبل، ثم قال ادبر فقال شمايل رسول الله والذى نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك ؟ قال: اسمى محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبى طالب فاقبل إليه يقبل رأسه وقال: بأبى انت وامى ان رسول الله يقرأك السلام وقال فرجع محمد بن علي إلى ابيه علي بن الحسين وهو ذعر فاخبره الخبر فقال له: يا بنى قد فعلها جابر ؟ قال نعم قال يا بنى الزم بيتك قال: وكان جابر يأتيه طرفي النهار، وكان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقى من أصحاب رسول الله فلم يلبث ان مضى علي بن الحسين عليهما السلام، وكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فجلس فحدثهم عن ابيه فقال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قط أجرئ من هذا قال: فلما رأى ما يقولون فحدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدث عمن لم يره ؟ قال: فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه وكان جابر والله يأتيه ويتعلم منه.


[ 207 ]

وولد الباقر ” عليه السلام ” بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل يوم الجمعة لثلاث ليال خلون من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقبض بها في ذى الحجة، ويقال في شهر ربيع الاول ويقال في شهر ربيع الآخر سنة اربع عشرة ومئة من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، وامه فاطمة ام عبد الله عليها السلام ويقال: ام عبدة بنت الحسن بن علي ” عليه السلام ” وهو هاشمى من هاشميين وعلوى من علويين (صلى الله عليه وآله) فصار بالفضل علما يضرب به الامثال ويسير بوصفه الآثار والاشعار وفيه يقول القرطى: يا باقر العلم لاهل التقى * وخير من لبى على الا جبل وقال مالك بن اعين الجهنى يمدحه عليه السلام. إذا طلب الناس علم القرا * ن كانت قريش عليه عيالا وان قيل أين ابن بنت النب‍ * ى نلت بذاك فرعا طوالا نجوم تهلل للمدلجين * جبال تورت علما جبالا وقال محمد بن أبى طلحة العونى: سلام على السجاد ثم على ابنه * علي باقر العلم المشتهر بالبقر مجلس في ذكر أبى عبد الله جعفر بن محمد وامامته ومناقبه عليه السلام والامام بعد أبى عبد الله الصادق ” عليه السلام ” على ما قدمناه من نص آبائه عليهم السلام وكان افضل أهل زمانه فبرز على أقرانه بالفضل والسؤدد في الخاصة والعامة. ونقل الناس عنه من العلوم ما لم ينقل عن أحد من أهل بيته، وقد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة عنهم من الثقاة على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا اربعة آلاف رجل. قال ” عليه السلام “: لما حضر أبى الوفاة قال يا جعفر اوصيك باصحابي خيرا قلت: جعلت فداك لا أدعهم والرجل يكون منهم في المصر ولا يسئل احدا. وسئل أبو جعفر ” عليه السلام ” عن القائم من بعده ؟ فضرب بيده على أبى عبد الله ” عليه السلام ” فقال: هذا والله قائم آل محمد.


[ 208 ]

قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان أبى استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش منهم نافع مولى عبد الله بن عمر قال: كتب هذا ما اوصى به يعقوب بنيه يا بنى ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون واوصى محمد بن علي إلى ابنه جعفر بن محمد وأمره ان يكفنه في برده الذى كان يصلى فيه الجمعة وان يرفع قبره اربع اصابع وان يحل عنه اطماره عند دفنه ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله فقلت له: يا ابة ما كان في هذا بان يشهد عليه ؟ قال: يا بنى كرهت ان تغلب وان يقال لم يوص إليه فاردت ان تكون لك الحجة. وقال زيد بن علي عليهما السلام: في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج به الله على خلقه، وحجة زماننا ابن اخى جعفر بن محمد عليهما السلام لا يضل من تبعه ولا يهتدى من خالفه. قال حسان بن سدير: رأيت في المنام كأنى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يديه طبق عليه منديل قد غطى به، وكشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فقلت له: اطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها ثم قلت اطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها ثم قلت اطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها حتى ناولنى ثمانية رطبات فقلت: زدنى يا رسول الله قال: حسبك فانتهيت. فلما كان من الغد دخلت على مولاى جعفر بن محمد الصادق ” عليه السلام ” وبين يديه طبق قد غطى بالمنديل كأنه الذى رأيته في المنام فكشف المنديل عنه فإذا عليه رطب، فجعل يأكل منه فقلت: اطعمني يا بن رسول الله فناولني رطبة فأكلتها حتى ناولنى ثمانية فقلت له: زدنى يا بن رسول الله فقال لو زاد جدى لزدناك ولكن حسبك. (وروى) ان المنصور أمر الربيع باحضار أبى عبد الله ” عليه السلام ” فاحضره فلما بصر به المنصور قال له قتلني الله ان لم اقتلك اتلحد في سلطاني وتبغينى الغوايل ؟ فقال له أبو عبد الله ” عليه السلام “: والله ما فعلت ولا اردت فان كان بلغك فمن كاذب ولو كنت فعلت فقد ظلم يوسف فغفر، وابتلى ايوب فصبر، واعطى سليمان فشكر فهؤلاء أنبياء الله واليهم يرجع نسبك فقال له المنصور: اجل ارتفع هنا فارتفع قال: ان فلان بن فلان اخبرني عنك بما ذكرت فقال له: احضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك فاحضر الرجل المذكور فقال له المنصور: انت سمعت ما حكيت عن جعفر ؟ قال: نعم فقال له


[ 209 ]

أبو عبد الله: انت سمعت ؟ قال: نعم، فاستحلفه على ذلك فقال له المنصور: اتحلف ؟ قال: نعم، وابتدأ اليمين، قال أبو عبد الله ” عليه السلام ” للساعي: قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتى لقد فعل كذا وكذا جعفر وقال كذا وكذا جعفر فامتنع منها هنيئة، ثم حلف بها فما برح حتى ضرب برجله فقال أبو جعفر: جروا برجله فاخرجوه لعنه الله. وقال الربيع: وكنت رأيت جعفر بن محمد ” عليه السلام ” حين دخل على المنصور يحرك شفتيه فكلما حركها سكن غضب المنصور حتى ادناه منه وقد رضى عنه فلما خرج أبو عبد الله عليه السلام من عند أبى جعفر اتبعته فقلت له: ان هذا الرجل كان من أشد الناس غضبا عليك، فلما دخلت عليه وانت تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضبه عليك فبأى شئ حركتهما قال: بدعاء جدى الحسين بن علي عليهما السلام قلت جعلت فداك فما هذا الدعاء ؟ قال يا عدتي عند شدتي ويا غوثي عند كربتي فاحرسني بعينك التى لا تنام واكفنى بركنك الذى لا يرام. قال الربيع: فحفظت هذا الدعاء فما نزلت في شدة قط إلا دعوت بهذا ففرج عنى قال: وقلت لجعفر بن محمد عليهما السلام لم منعت الساعي ان يحلف بالله ؟ قال: كرهت ان يراه يوحده ويمجده، فيحلم عنه ويؤخر عقوبته فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله تعالى أخذة رابية. (وروى) ان داود بن علي بن عبد الله بن عباس قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر ابن محمد عليهما السلام، واخذ ماله فدخل عليه وهو يجر رداءه فقال له: قتلت مولاى وأخذت مالى اما علمت ان الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب اما والله لادعون الله عليك فقال له داود: تهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله ” عليه السلام ” إلى داره فلم يزل ليله كله قائما وقاعدا حتى إذا كان السحر سمع وهو يقول في مناجاته: يا ذا القوة القوية ويا ذا المحال الشديد، يا ذا العزة التى كل خلقك لها ذليل اكفني هذا الطاغية وانتقم لي منه فما كان إلا ساعة حتى ارتفعت الاصوات بالصياح، وقيل: قد مات داود بن على الساعة. (وروى) أبو بصير قال: دخلت المدينة وكانت معى جويرية فاصبت منها وخرجت إلى الحمام فلقيت اصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى جعفر بن محمد عليهما السلام


[ 210 ]

فخشيت ان يسبقونى ويفوتني الدخول ومشيت معهم حتى دخلت الدار معهم فلما مشيت بين يدى أبى عبد الله ” عليه السلام ” نظر إلي ثم قال: يا أبا بصير أما علمت ان بيوت الانبياء وأولاد الانبياء لا يدخلها الجنب فاستحيت وقلت يا بن رسول الله لقد لقيت اصحابنا وخشيت ان يفوتنى الدخول معهم ولن اعود إلى مثلها أبدا وخرجت، فقال أبو عبد الله الصادق ” عليه السلام ” ألواح موسى ” عليه السلام ” عندنا وعصى موسى عندنا ونحن ورثة الانبياء. وقال ” عليه السلام “: عندي سلاح رسول لله (صلى الله عليه وآله) لا انازع فيه ثم قال: ان السلاح مدفوع عنه لو وضع عند شر خلق الله كان خيرهم ثم قال ان هذا الامر يصير إلى من يلوى إليه الحنك فإذا كانت من الله فيه المشية خرج فيقول الناس: ما هذا الذى كان ؟ ويضع الله له يدا على رأس رعيته. (وروى) عمر بن ابان قال: سألت أبا عبد الله ” عليه السلام ” عما يتحدث الناس انه وقع إلى ام سلمة صحيفة مختومة، فقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض ورث علمه علي وسلاحه وما هناك. ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين قال: فقلت ثم صار إلى علي بن الحسين، ثم إلى ابنه ثم انتهى عليك قال: نعم. قال الصادق ” عليه السلام ” ان عندي سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان عندي لراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغلبة، وان عندي درعه ولامته ومغفره، وان عندي ألواح موسى وعصاه وان عندي لخاتم سليمان بن داود عليهما السلام، وان عندي الطست الذى كان موسى يقرب به القربان، وان عندي الاسم الذى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وضعه بين المشركين والمسلمين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وان عندي لمثل الذى جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بنى اسرائيل كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على ابوابهم اوتوا النبوة ومن صار إليه السلاح منا أوتى الامامة ولقد لبس أبى درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطت عليه الارض خطيطا ولبستها انا وكانت وقايمنا إذا لبسها ملاها ان شاء الله. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب ونقر في الاسماع وان عندنا الجفر الاحمر والجفر الابيض ومصحف فاطمة عندنا وان عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: واما الغابر فالعلم بما يكون واما المزبور


[ 211 ]

فالعلم بما كان، واما النكت قى القلوب فهو الالهام واما النقر في الاسماع فهو حديث الملائكة عليهم السلام يسمع كلامهم ولا ترى اشخاصهم. واما الجفر الاحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت واما الجفر الابيض فوعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الاولى. واما مصحف فاطمة صلوات الله عليها: ففيه ما يكون من حادث واسماء كل من يملك إلى ان تقوم الساعة. واما الجامعة: فهى كتاب طوله سبعون ذراعا املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فلق فيه وخط أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بيده، والله فيه جميع ما يحتاج الناس إلى يوم القيامة حتى ان في ارش الخدش والجلدة، ونصف الجلدة وكان ” عليه السلام ” يقول: حديثى حديث أبى وحديث أبى حديث جدى وحديث جدى وحديث أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وحديث أمير المؤمنين ” عليه السلام ” حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عزوجل. وقال ” عليه السلام “: ان خبرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبى مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان أو مدينة حصينة، قيل وأى شئ المدينة الحصينة ؟ قال القلب المجتمع. (وروى) انه نزل على أبى عبد الله الصادق ” عليه السلام ” قوم من جهينة فاضافهم، فلما أرادوا الرحلة زودهم ووصلهم واعطاهم، ثم قال لغلمانه: تنحوا لا تعينوهم، فلما فرغوا جاءوا ليودعوه فقالوا له: يا بن رسول الله لقد اضفت فاحسنت الضيافة واعطيت فاجزلت العطية، ثم أمرت غلمانك ان لا يعينونا على الرحلة، فقال ” عليه السلام “: إنا لاهل بيت لا نعين اضيافنا على الرحلة من عندنا، وقال مالك بن انس فقيه المدينة: كنت ادخل على الصادق ” عليه السلام ” جعفر بن محمد عليهما السلام فيقدم لي مخدة، ويعرف لي قدرا ويقول: يا مالك انى احبك فكنت اسر بذلك، واحمد الله عليه قال: وكان ” عليه السلام ” رجلا لا يخلوا من احدى ثلاث خصال: اما صائما، واما قائما واما ذاكرا، وكان من عظماء العباد واكابر الزهاد، والذين يخشون ربهم عزوجل، وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله اخضر مرة، واصفر مرة اخرى حتى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الاحرام


[ 212 ]

كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد ان يخر من راحلته، فقلت يا بن رسول الله ولا بد لك ان تقول، فقال: يا بن أبى عامر فكيف اجسر ان اقول: لبيك اللهم لبيك، واخشى ان يقول الله عزوجل لي: لا لبيك ولا سعديك. وكان مولده ” عليه السلام ” بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر، ويقال يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الاول من سنة ثلاث وثمانين، ومضى صلوات الله عليه في شوال سنة ثمان واربعين ومئة. وقيل يوم الاثنين النصف من رجب، وله خمس وستون سنة، وكانت إمامته اربعا وثلاثين سنة، وامه ام فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر. وقال الصادق ” عليه السلام “: من زارني غفرت له ذنوبه، ولم يمت فقيرا. (وروى) عن أبى محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، انه قال: من زار جعفرا وأباه لم يشتك عينيه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلى. (وروى) ان الصادق عليه السلام كثيرا ما يقول: لكل اناس دولة يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر وقال محمد بن أبى طلحة العونى: سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على مولى إلى آخر الدهر وقال السيد الحميرى فيه: يا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يطوى له كل سبسب إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقل لولى الله وابن المهذب ألا ياولى الله وابن وليه * أتوب إلى الرحمان ثم تأوبى اليك من الذنب الذى كنت مطنبا * أجاهد فيها دائما كل معرب مجلس في ذكر امامة ابي الحسن موسى بن جعفر (ومناقبه عليه السلام) والامام بعد أبى عبد الله أبو الحسن موسى، ويكنى أيضا بأبى ابراهيم ويعرف بالعبد الصالح، وبالكاظم، لاجتماع خصال الفضل فيه ولنص أبيه عليه بالامامة


[ 213 ]

واعتبار الشرايط العقلية، ويكنى أبا علي أيضا. قال الفيض بن المختار، قلت لابي عبد الله ” عليه السلام “: خذ بيدى من النار من لنا بعدك ؟ قال فدخل أبو إبراهيم وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به قال معاذ بن كثير: قلت لابي عبد الله ” عليه السلام “: اسأل الله الذى رزق أباك هذه المنزلة ان يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك، فقلت: من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد، فقال: هذا الراقد وهو يومئذ غلام، قال الحسن بن عبد الله وكان اعبد أهل زمانه وكان زاهدا، قلت لابي الحسن موسى ” عليه السلام ” فمن الامام اليوم ؟ قال ان اخبرتك تقبل ؟ قلت: نعم قال: أنا قلت فشئ استدل به فقال اذهب إلى تلك الشجرة وأشار إلى بعض شجر ام غيلان فقل لها يقول لك موسى بن جعفر اقبلي قال فاتيتها فرأيتها والله تخد الارض خدا حتى وقفت بين يديه ثم اشار إليها بالرجوع فرجعت. قال أبو بصير: قلت: لابي الحسن موسى ” عليه السلام “: جعلت فداك بم يعرف الامام ؟ قال بخصال أما اولهن، فانه شئ قد تقدم فيه من أبيه وأشارته إليه ليكون حجة وليسئل فيجيب وإذا سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل كلام، ثم قال: يا أبا محمد أعطيك علامة قبل ان تقوم، فلم البث ان دخل عليه رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية قال له الخراساني: والله ما منعنى ان اكلمك بالفارسية إلا انى ظننت انك لا تحسن الفارسية، فقال له سبحان الله إذا كنت لا احسن ان أجيبك فما فضلى عليك فيما يستحق الامامة، ثم قال: يا أبا محمد ان الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا منطق الطير، ولا كلام شئ فيه روح. (وروى) ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الايام إلى علي بن يقطين ثيابا اكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فانفذ ابن يقطين جل تلك الثياب إلى موسى بن جعفر: وأنفذ في جملتها تلك الدراعة، واضاف إليها مالا كان اعده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله، فلما اوصل ذلك إلى أبى الحسن ” عليه السلام ” قبل المال والثياب ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين، وكتب إليه احتفظ بها ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين بردها إليه ولم يدر ما سبب ذلك واحتفظ بالدراعة، فلما كان بعد أيام تغير على غلام له


[ 214 ]

كان يختص به فصرفه عن خدمته وكان الغلام يعرف ميل على بن يقطين إلى أبى الحسن موسى ” عليه السلام ” ويقف على ما يحلمه إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك فسعى به إلى الرشيد فقال انه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدراعة التى اكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا فاستشاط الرشيد لذلك وغضب غضبا شديدا وقال لاكشفن عن هذه الحال فان كان الامر كما تقول ازهقت نفسه فانفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت بالدراعة التى كسوتك بها ؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيها طيب قد احتفظت بها وكلما اصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها وكلما امسيت صنعت مثل ذلك، فقال: احضرها الساعة، قال: نعم يا أمير المؤمنين فاستدعى بعض خدمه، فقال له امض إلى البيت الفلاني من دارى وخذ مفتاحه من خازانى فافتحه، ثم افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذى فيه بختمه فلم يلبث الغلام ان جاء بالسفط مختوما فوضع بين يدى الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه فلما فتح نظر إلى الدراعة فيها بحالها مطوية مدفونة بالطيب، فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين: ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا، فلن اصدق عليك بعدها ساعيا، وأمر ان يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي الف سوط فضرب نحو الخمسماءة سوط فمات في ذلك. (وروى) علي بن أبى حمزة البطايني قال: خرج أبو الحسن موسى الكاظم ” عليه السلام ” في بعض الايام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها فصحبته، وكان ” عليه السلام ” راكبا بغلة وانا على حمار لي، فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فاحجمت خوفا، فاقدم ابو الحسن موسى ” عليه السلام ” غير مكترث به فرأيت الاسد يتذلل لابي الحسن ” عليه السلام ” فوقف له ابو الحسن ” عليه السلام ” كالمصغى إلى همهمته ووضع الاسد يديه على كفل بغلته، وقد همتني نفسي من ذلك وخفت خوفا عظيما، ثم تنحى الاسد إلى جانب الطريق، وحول ابو الحسن موسى وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ويحرك شفتيه بما لم افهمه ثم اومى إلى الاسد بيده ان امض فهمهم الاسد همهمة طويلة، وابو الحسن يقول: آمين آمين وانصرف الاسد حتى غاب من اعيننا، ومضى أبو الحسن ” عليه السلام ” لوجهه، واتبعته فلما بعدنا عن الموضع لحقته، فقلت له فداك نفسي ما شأن هذا الاسد ؟ فلقد خفته عليك


[ 215 ]

والله وعجبت من شأنه معك، فقال لي أبو الحسن ” عليه السلام “: انه خرج يشكو عسر الولادة على لبوته، وسألني ان اسأل الله عزوجل ان يفرج عنها ففعلت ذلك، والقى في روعى انها تلد ذكرا فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك، ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع فقلت: آمين آمين. قال علي بن يقطين: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم فلما احضرت المائدة عمل نيموسا على الخبز، فكان كلما رام خادم أبى الحسن ” عليه السلام ” تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن ” عليه السلام ” ان رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور، فقال له: يا أسد خذ عدو الله قال فوثب ذلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم فخر هارون وندمائه على وجوههم مغشيا وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه فلما افاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لابي الحسن اسألك بحقى عليك لما سألت هذه الصورة ان ترد الرجل فقال ان كان عصا موسى رد ما ابتلعه من حبال القوم وعصيهم فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، وكانت تلك الاشياء اعمل في ايامه. قال محمد بن عبد الله البكري: قدمت المدينة اطلب بها دينا فاعيانى فقلت لو ذهبت إلى أبى الحسن موسى بن جعفر ” عليه السلام ” فشكوت إليه فاتيته في ضيعته فخرج الي ومعه غلام معه منسف فيه قديد مجزع وليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتى فذكرت له قصتي، فدخل ولم يلبث إلا يسيرا حتى خرج الي فقال لغلامه اذهب ثم مد يده الي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمئة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت. وذكر ابن عمار وغيره من الرواة: انه لما خرج الرشيد إلى الحج، وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها وتقدمهم موسى بن جعفر عليهما السلام على بغلة فقال له الربيع: ما هذة الدابة التى تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ وانت ان طلبت عليها لم تدرك وان طلبت لم تفت، فقال: انها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير وخير الامور أوساطها. قال: ولما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا بن عم مفتخرا


[ 216 ]

بذلك على غيره، فتقدم أبو الحسن ” عليه السلام ” فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة فتغير الرشيد وتبين الغيظ فيه. وسأل محمد بن الحسن أبا الحسن بمحضر الرشيد، وهم بمكة فقال يجوز للمحرم ان يظلل محمله فقال له موسى: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال محمد بن الحسن أفيجوز له ان يمشى تحت الظلال ؟ فقال له نعم فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له ابو الحسن ” ” عليه السلام “: اتعجب من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وتستهزئ به ان رسول الله (صلى الله عليه ظلاله في احرامه ومشى تحت الظلال، وهو محرم ان احكام الله لا تقاس، فمن قاس بعضها على بعض فقد ظل عن سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا. وكان عليه السلام افقه أهل زمانه، وأحفظهم لكتاب الله عزوجل، واحسنهم صوتا بالقرآن. وكان إذا قرأ تحزن وبكى وبكى السامعون لتلاوته، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين. (فصل: في ذكر وفاته عليه السلام) عن أحمد بن عبد الله عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على السطح فقال لى: ادن فدنوت حتى حاذيته، فقال لي اشرف إلى بيت في الدار فاشرفت فقال: ما ترى في البيت ؟ قلت ثوبا مطروحا فقال لي: انظر حسنا فتأملت ونظرت فتيقنت فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه قلت: لا قال: هذا مولاك قلت ومن مولاى ؟ فقال تتجاهل على ؟ فقلت: ما اتجاهل ولكني لا اعرف لي مولى فقال ابو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال لى اتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات إلا على الحال التى اخبرتك بها انه يصلى الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد الزوال فلست ادرى متى يقول الغلام: فقد زالت الشمس إذ يثب فيبتدى بالصلاة من غير ان يحدث وضوءا فاعلم انه لم ينم في سجوده ولا اغفى فلا يزال كذلك إلى ان يفرغ من صلاة العصر فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى ان تغيب الشمس فإذا غابت الشمس وثب من سجدته يصلى المغرب من غير ان يجدد وضوءا ولا يزال في


[ 217 ]

صلاته إلى ان يصلى العتمة فإذا صلى العتمة، افطر على شوى يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال في صلاته في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادرى متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع إذ قد وثب فصلى الفجر فهذا دأبه مند حول الي فقلت: اتق الله ولا تحدثن في أمره حدثا تكون منه زوال النعمة، فقد تعلم انه لم يفعل باحد منهم إلا كانت نعمته زايلة، فقال قد ارسلوا الي غير مرة يأمروني بقتله فلم اجبهم إلى ذلك واعلمتهم انى لا افعل ذلك ولو قتلوني ما اجبتهم إلى ما سئلوني، فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكى يحبس عنده أياما وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائد ويمنع ان يدخل إليه من عند غيره، وكان لا يأكل ولا يفطر إلا على المائدة التى يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة الفضل بن يحيى قال: ورفع يده إلى السماء، فقال: يا رب انك تعلم انى لو اكلت قبل اليوم كنت قد اعنت على نفسي، قال: فأكل فمرض فلما كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسئله عن العلة، فقال له الطبيب ما علتك ؟ فاخرج يده ثم قال: هذه علتى وكانت خضرة وسط راحته تدل على انه سم فاجتمع في ذلك الموضع قال فانصرف إليهم وقال والله لهو اعلم بما فعلتم به منكم ثم توفى عليه السلام. قال الحسن بن محمد بن بشار: حدثنى شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن يقبل قوله، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله، قال قلت: من وكيف رأيته ؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير، فادخلنا على موسى ابن جعفر عليهما السلام، فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فعل به، ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا، وإنما ننتظره ان يقدم أمير المؤمنين فيناظره أمير المؤمنين ها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسئلوه قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته، فقال: اما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير انى أخبركم أيها النفر انى قد سقيت السم في تسع تمرات وانى أخضر غدا وبعد غد أموت، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة.


[ 218 ]

(وروى) ان السبب في أخذ موسى بن جعفر ” عليه السلام ” ان الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك، وكان يقول بالامامة حتى ادخله فاسر به، وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره، ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه على أمره، ثم قال يوما لبعض ثقاته: تعرفون رجلا من آل أبى طالب ليس بواسع الحال ؟ يعرفني ما احتاج إليه فدل على علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد بن برمك مالا وكان موسى ” عليه السلام ” يأنس بعلي بن اسماعيل ويصله ويبره، ثم انفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد ويعده بالاحسان إليه فعمل على ذلك واحس به موسى ” عليه السلام ” فدعاه، فقال له: إلى أين يا بن أخ ؟ قال: إلى بغداد قال: وما تصنع ؟ قال: على دين وانا مملق فقال له موسى ” عليه السلام “: فانا اقضي دينك وافعل بك واصنع فلم يلتفت إلى ذلك، وعزم على الخروج فاستدعاه ابو الحسن ” عليه السلام ” فقال له: انت خارج ؟ قال: نعم لا بد لى من ذلك، قال له: انظر يا بن أخى واتق الله، ولا توتم أولادي وأمر له بثلثمائة دينار واربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه، قال موسى ” عليه السلام ” لمن حضره: والله ليستعين في دمى، ويؤتم اولادي فقالوا له: جعلنا الله فداك وانت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله ؟ قال: نعم حدثنى أبى عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله اننى اردت ان اوصله بعد قطعه لي حتى إذا قطعني قطعه الله قالوا: فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ” عليه السلام ” ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه واوصله الرشيد فسأله عن عمه فسعى به إليه، وقال له: ان الاموال لتحمل إليه من المشرق والمغرب وانه اشترى ضيعة سماها البشيرة بثلاثين الف دينار فقال له صاحبها، وقد احضره المال قال: لا أخذ هذا النقد، ولا أخذ إلا نقد كذا وكذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين الف دينار من النقد الذى سأل بعينه فسمع ذلك منه الرشيد، وأمر له بمئة الف درهم تسيب على النواحى، فاختار بعض كور المشرق وأمضت رسله المال، ومرض في بعض تلك الايام فزحر زحرة خرجت منه حشوته كلها فسقط وجهدوا في ردها فلم يقدروا فوقع لما به، وجائه المال وهو ينزع فقال ما أصنع به وانا في الموت، وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج، وبدأ بالمدينة فقبض فيها على أبى الحسن موسى ” عليه السلام ” في جماعة من الاشراف وانصرفوا من استقباله


[ 219 ]

فمضى أبو الحسن ” عليه السلام ” إلى المسجد على رسمه، واقام الرشيد إلى الليل وصار إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله انى اعتذر اليك من شئ اريد ان افعله اريد ان احبس موسى بن جعفر فانه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها ثم أمر به فأخذ من المسجد فادخل عليه فقيده، واستدعا قبتين فجعله في أحديهما على بغل وجعل القبة الاخرى على بغل، وخرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان، ومع كل واحد منها خيل فافترقت الخيل فمضى بعضها مع احدى القبتين على طريق البصرة والاخرى على طريق الكوفة، وكان أبو الحسن ” عليه السلام ” في القبة التى مضى بها على طريق البصرة وإنما فعل ذلك الرشيد ليعمى على الناس الامر في أمر أبى الحسن ” عليه السلام ” وأمر القوم الذين كانوا مع قبة أبى الحسن بأن يسلموه إلى عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة حينئذ فسلم إليه فحبسه عنده سنة، وكتب الرشيد في دمه فاستدعى عيسى بن جعفر المنصور بعض خاصته وثقاته فاستشارهم فيما كتب به الرشيد، فأشارا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه، وكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له: قد طال أمر موسى ابن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك، ولا علي وما ذكرنا بسوء، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة والرحمة وان انفذت إلى من يتسلمه منى، وإلا خليت سبيله فأنني متحرج من حبسه. وروى بعض عيون عيسى بن جعفر ورفع إليه انه سمعه كثيرا يقول في دعائه وهو محبوس: اللهم انك تعلم اننى كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد فوجه الرشيد من يتسلمه من عيسى بن جعفر، وصير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل ابن الربيع فبقى عنده مدة طويلة، فاراده الرشيد على شئ من أمره، فأبى فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه، وجعله في بعض حجر دوره، ووضع عليه الرصد فكان ” عليه السلام ” مشغولا بالعبادة يحيى الليل كله صلاة، وقرائة القرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في اكثر الايام، ولا يصرف وجهه من المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيى واكرمه فاتصل ذلك بالرشيد، وهو في الرقة فكتب إليه ينكر توسيعه على موسى ” عليه السلام ” ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك، ولم يقدم إليه فاغتاظ الرشيد لذلك، ودعا مسرور الخادم فقال له: اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد، وادخل من فورك على موسى بن جعفر فان وجدته في دعة، ورفاهية فاوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد


[ 220 ]

ومره بامتثال ما فيه، وسلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره فيه بطاعة العباس بن محمد، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدرى أحد ما يريد ثم دخل على موسى ” عليه السلام ” فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندى ابن شاهك، واوصل الكتابين اليهما فلم يلبث الناس ان خرج الرسول يركض إلى الفضل ابن يحيى فخرج مدهوشا حتى دخل على العباس بن محمد فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرده، وضربه السندي بين يديه مئة سوط، وخرج متغير اللون خلاف ما دخل وجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك، وجلس الرشيد مجلسا حافلا، وقال: أيها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني، وخالف طاعتي فرأيت ان العنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه، وبلغ يحيى بن خالد الخبر، فركب إلى الرشيد فدخل من غير الباب الذى يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه، وهو لا يشعر به ثم قال له: التفت الي يا أمير المؤمنين فاصغى إليه فزعا، فقال ان الفضل حدث وانا اكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسر فاقبل على الناس، وقال: ان الفضل كان قد عصى في شئ فلعنته، وقد تاب واناب إلى طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت واعداء من عاديت وقد توليناه، ثم خرج يحيى بن خالد على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس فارجفوا بكل شئ، واظهر انه ورد لتعديل السواد، والنظر في أمر العمال وتشاغل ببعض ذلك اياما، ثم دعا السندي فأمره بأمره فامتثله، وكان الذى تولى به السندي قتله ” عليه السلام ” بالسم جعله في طعام ثم قدمه إليه، ويقال انه جعله في رطب اكل منه فاحس بالسم ولبث ثلاثا بعده موعوكا، ثم مات في اليوم الثالث، ولما مات موسى ” عليه السلام ” ادخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم ابن عدى وغيره فنظروا إليه لا اثر به من جراح، ولا خنق وأشهدهم على انه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك، واخرج ووضع على الجسر ببغداد ونودى هذا موسى بن جعفر قد مات حتف انفه فانظروا إليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت، وقد كان قوم يزعمون في ايام موسى ” عليه السلام ” انه القائم المنتظر وجعلوا حبسه هي الغيبة المذكورة للقائم فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته هذا موسى بن جعفر الذى تزعم الرافضة انه لا يموت، فانظروا إليه فنظر الناس إليه ميتا ثم حمل فدفن في مقابر قريش من


[ 221 ]

باب التين، وكانت هذه المقبرة لبنى هاشم والاشراف من الناس قديما. (وروى) انه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك، قال السندي بن شاهك: وكنت سألته أن يأذن لي في أن أكفنه فأبى وقال: انا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا، واكفان موتانا من طاهر اموالنا وعندي كفني فاريد ان يتولى غسلي وجهازى مولاى فلان فتولى ذلك منه. وكانت مدة خلافته ومقامه في الامامة بعد أبيه عليهما السلام خمسا وثلاثين سنة. وكان مولده بالابواء – موضع بين مكة والمدينة – يوم الاحد لسبع ليال خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومئة، ووفاته ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب وقيل لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة. وله يومئذ خمس وخمسون سنة. وقيل: اربع وخمسون سنة، وامه ام ولد يقال لها: حميدة البربرية. وقال الرضا ” عليه السلام “: زيارة أبى مثل زيارة الحسين عليه السلام. وقال ” عليه السلام “: من زار قبر أبى ببغداد كان كمن زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبر أمير المؤمنين ألا ان لرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما، وقيل له ما لمن زار قبر أباك ؟ قال الجنة فزره. وقال أيضا عليه السلام: زيارة أبى من الفضل كفضل من زار قبره والده يعنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت: فانى خفت ولم يمكني ان ادخل داخلا، قال: سلم من وراء الحائر، وقال عليه السلام: ان الله نجى بغداد بمكان قبر الحسينيين قال دعبل بن علي الخزاعى رحمة الله عليه من قصيدة طويلة: فاين الالى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الاطراف متفرقات هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهو خير سادات وخير حماة افاطم قومي يا ابنت الخير فاندبي * نجوم سماوات بارض فلات قبور بكوفان واخرى بطيبة * واخرى بفخ نالها صلواتي وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات وقال محمد بن أبى طلحة الصرفى: سلام على الطهر المطهر جعفر * سلام على موسى إلى آخر الدهر


[ 222 ]

مجلس في ذكر امامة أبي الحسن علي بن موسى الرضا ومناقبه عليه السلام والامام القائم بعد العبد الصالح أبو الحسن علي بن موسى عليهما السلام بنص أبيه عليه واجتماع رؤوس أصحاب أبيه عليه، واعتبار شرايط العقلية كما قدمناه. قال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح، فقال يا علي بن يقطين هذا على سيد ولدى اما انه قد نحلته كنيتي. قال زياد بن مروان القندى: دخلت على أبى إبراهيم ” عليه السلام “، وعنده أبو الحسن ابنه فقال لي: يا زياد هذا إبنى فلان كتابه كتابي، وكلامه كلامي وقوله قولى ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله. قال داود الرقى: قلت لابي ابراهيم: جعلت فداك ان كبرت سنى فخذ بيدى وانقذني من النار. من صاحبنا بعدك ؟ قال: وأشار إلى ابنه أبى الحسن، وقال: هذا صاحبكم بعدى. قال ابراهيم بن موسى: ألححت على أبى الحسن الرضا ” عليه السلام ” في شئ اطلبه فكان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والى المدينة وكنت معه فجاء إلى قصر فلان فنزل عنده تحت شجرات ونزلت معه وليس معنا ثالث فقلت: جعلت فداك هذا العبد قد اظلنا ولا والله لا املك درهما فما سواه، فحك بسوطه الارض حكا شديدا ثم مد بيده فتناول منه سبيكة ذهب، ثم قال: استنفع بها واكتم ما رأيت. (وروى) عن أحمد بن عبد الله عن الغفاري قال: كان لرجل من آل أبى رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له فلان على حق فتقاضاني وألح علي فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم توجهت نحو الرضا ” عليه السلام ” وهو يومئذ بالعريض فلما قربت من داره إذا هو قد طلع علي وعليه قميص ورداء، فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف فنظر إلي فسلمت عليه وكان شهر رمضان فقلت جعلت فداك ان لمولاك فلان علي حقا وقد والله شهرنى، وأنا اظن في نفسي انه يأمره بالكف عنى


[ 223 ]

ووالله ما قلت له كم له علي ولا سميت له شيئا فأمرني بالجلوس إلى رجوعه فلم ازل حتى صليت المغرب وانا صايم فضاق صدري فاردت ان انصرف فإذا هو قد طلع علي وحوله الناس وقد قعد له السؤال وهو يتصدق عليهم فمضى ودخل بيته ثم خرج، ودعانى فقمت إليه ودخلت معه فجلس وجلست معه فجعلت احدثه عن المسيب، وكان كثيرا ما احدثه عنه فلما فرغت قال ما أظنك افطرت بعد فقلت: لا فدعا لى بطعام فوضع بين يدى وأمر الغلام ان يأكل معى فأصبت والغلام، فلما فرغنا قال ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها فإذا دنانير – فأخذتها ووضعتها في كمى وأمر اربعة من عبيده ان يكونوا معى حتى يبلغوني منزلي فقلت جعلت فداك ان طارف بن المسيب يقعد، واكره ان يلقانى ومعى عبيدك فقال لي: اصبت اصاب الله بك الرشاد وأمرهم ان يرجعوا إذا رددتهم فلما قربت من منزلي وانست رددتهم وصرت إلى منزلي ودعوت بالسراج ونظرت إلى الدنانير فإذا هي ثمانية واربعون دينارا، وكان حق الرجل ثمانية وعشرين دينارا وكان فيها دينار يلوح فأعجبني حسنه فأخذته وقربته من السراج فإذا عليه نقش واضح حق الرجل عليك ثمانية وعشرون دينارا، وما بقى فهو لك والله ما كنت عرفت ماله على التحديد. قال أبو الصلت الهروي: ان المأمون قال للرضا ” عليه السلام “: يا بن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك احق بالخلافة منى، فقال الرضا ” عليه السلام ” بالعبودية لله عزوجل افتخر، وبالزهد في الدنيا ارجو النجاة من شر الدنيا وبالورع عن المحارم ارجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا ارجو الرفعة عند الله تعالى فقال له المأمون: فانى رأيت ان اعزل نفسي عن الخلافة واجعلها لك وأبايعك فقال له الرضا ” عليه السلام “: ان كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة لغيرك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك فقال له المأمون: يا بن رسول الله لابد لك من قبول هذا الامر فقال: لست أفعل ذلك طايعا أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يأس من قبوله، فقال له: وان لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولى عهدي لتكون لك الخلافة بعدى، فقال الرضا ” عليه السلام “: والله لقد حدثنى أبى عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى اخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما تبكى على ملائكة السماء وملائكة الارض وادفن في ارض غربة إلى جنب قبر هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له: يا بن رسول الله ومن الذى يقتلك


[ 224 ]

أو يقدر على الاساءة عليك وأنا حى ؟ فقال الرضا ” عليه السلام “: اما انى لو أشاء أن أقول من ذا الذى يقتلنى لقلت، فقال المأمون: يا بن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الامر عنك ليقول الناس: انك زاهد في الدنيا. فقال الرضا ” عليه السلام “: والله ما كذبت منذ خلقني الله ربى تعالى، وما زهدت للدنيا في الدنيا، وانى لاعلم ما تريد. فقال المأمون: وما اريد ؟ قال: الامان على الصدق قال لك الامان. قال: تريد بذلك ان يقول الناس: ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ؟ فغضب المأمون ثم قال: انك تتلقاني أبدا بما أكرههه وقد أمنت سطواتي والله لئن قبلت ولاية العهد وإلا اجبرتك على ذلك فان فعلت وإلا ضربت عنقك. قال الرضا ” عليه السلام “: قد نهانى الله تعالى ان القى بيدى إلى التهلكة، فان كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك وانا اقبل ذلك على انى لا أولى أحدا ولا اعزل ولا انقض رسما أو سنة واكون في الامر من بعيد مشيرا، فرضى منه بذلك وجعله ولى عهده على كراهة منه عليه السلام لذلك. قال الريان بن الصلت: دخلت على علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” فقلت له: يا بن رسول الله ان الناس يقولون: انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا ؟ فقال عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم اما علموا ان يوسف ” عليه السلام ” كان نييا ورسولا، فلما دفعته الضرورة إلى تولى خزائن العزيز قال: اجعلني على خزائن الارض انى حفيظ عليم، ودفعت لي الضرورة إلى قبول ذلك على اكراه واجبار بعد الاشراف على الهلاك على انى ما دخلت في هذا الامر إلا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان. (وروى) انه المأمون قد انفذ إلى جماعة من آل أبى طالب فحملهم إليه من المدينة وفيهم علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤه بهم، وكان المتولي لاشخاصهم المعروف بالجلودى فقدم بهم على المأمون فانزلهم دارا وانزل الرضا ” عليه السلام ” دارا واكرمه وعظم أمره، ثم انفذ إليه انى اريد أن اخلع نفسي من الخلافة واقلدك إياها فما رأيك في ذلك ؟ فانكر الرضا ” عليه السلام ” هذا الامر، وقال له اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام، وان يسمع به أحد فرد عليه الرسول، فإذا أبيت ما عرضت عليك


[ 225 ]

فلا بد من ولاية العهد بعدى فأبى الرضا ” عليه السلام ” إباءا شديدا فاستدعاه إليه، ومعه الفضل ابن سهل ذو الرياستين ليس في المجلس غيرهم وقال له: انى قد رأيت ان اقلدك أمر المسلمين وافسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك، فقال له الرضا ” عليه السلام “: الله الله يا أمير المؤمنين انه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه، قال له: فانى موليك العهد من بعدى فقال له: اعفنى من ذلك يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: كلاما كالتهديد فيه على الامتناع عليه وقال في كلامه: ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وشرط فيمن خالف منهم ان يضرب عنقه ولابد لك من قبولك ما اريد منك فانى لا أجد محيصا عنه، فقال له الرضا ” عليه السلام “: فانى اجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على اننى لا آمر ولا انهى ولا افنى ولا اقضي ولا أولى ولا اعزل ولا اغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى ذلك كله وخرج ذو الرياستين، وهو يقول واعجبا وقد رأيت عجبا سلونى ما رأيت فقالوا: وما رأيت اصلحك الله ؟ قال: رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول: قد رأيت ان اقلدك امور المسلمين وافسخ ما في رقبتي واجعله في رقبتك ورأيت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة فما رأيت خلافة قط كانت اضيع منها أمير المؤمنين يتفصى منها، ويعرضها على علي بن موسى الرضا، وعلي بن موسى الرضا يرفضها ويأبى. (وروى) ان المأمون لما أراد العقد للرضا عليه السلام، وحدث نفسه بذلك احضر الفضل بن سهل فاعلمه بما قد عزم عليه من ذلك، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في اخراج الامر من أهله عليه، فقال له المأمون: اننى عاهدت الله اننى ان ظفرت بالمخلوع اخرجت الخلافة إلى افضل آل أبى طالب وما اعلم أحدا افضل من هذا الرجل على وجه الارض، فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك امسكا عن معارضته فيه فارسلهما إلى الرضا ” عليه السلام ” فعرضا ذلك عليه فامتنع منه فلم يزالا به حتى أجاب ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته فسر بذلك، وجلس للخاصة في يوم الخميس، وخرج الفضل بن سهل فاعلم الناس برأى المأمون في علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” وانه قد ولى عهده وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضرة، والعود لبيعته في الخميس الآخر على ان يأخذوا أرزاق سنة فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في


[ 226 ]

الحضرة وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه واجلس الرضا ” عليه السلام ” في الحضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس المأمون يبايع له اول الناس، فرفع الرضا ” عليه السلام ” فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة، فقال له الرضا ” عليه السلام “: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق ايديهم، ووضع المنبر وقام الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا ” عليه السلام ” وما كان من المأمون في أمره، ثم دعى أبو عباد بالعباس بن المأمون فوقف فدنا من أبيه وأمرهم بالجلوس، ثم نودى محمد بن جعفر بن محمد وقال له الفضل بن سهل: قم. فقام يمشى حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده فقيل له امض وخذ جايزتك، وناداه المأمون: لترجع يا أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم جعل ابو عباد يدعو بعلوى وعباسي فيقبضان جوايزهم حتى نفدت الاموال، ثم قال المأمون للرضا ” عليه السلام “: اخطب الناس وتكلم فيه فحمد الله واثنى عليه، وقال: ان لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكم علينا حق به فإذا أديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم ولم يذكر عنه غير هذا المجلس، وأمر له المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسم الرضا وزوج اسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه اسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد، وكان عبد الجبار بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال في الدعاء له ولى عهد المسلمين علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (ستة آباءهم هم افضل من يشرب صوب الغمام). ولما جلس الرضا علي بن موسى عليه السلام في الخلع بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الالوية على رأسه فذكر بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا عليه السلام انه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وانا مستبشر بما جرى فأومى إلي ان ادن فدنوت منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيرى: لا تشغل قلبك بهذا الامر ولا تستبشر فانه شئ لا يتم وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعى فلما دخل عليه قال: انى قد قلت قصيدة، وجعلت على نفسي ان لا انشدها احدا قبلك فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له: هاتها قال: فانشد قصيدته التى أولها:


[ 227 ]

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحى مقفر العرصات وليس هذا البيت رأس القصيدة، ولكن انشدها من هذا البيت فقيل له: لم بدأت بمدارس ؟ قال: استحييت من الامام علي بن موسى الرضا ان انشده التشبيب فأنشدته المناقب، ورأس هذه القصيدة: تجاوبن بالازمان والظفرات * نوايح عجم اللفظ والنطقات حتى أتى على آخرها، فلما فرغ عن انشاده قام الرضا ” عليه السلام ” فدخل على حجرته وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ستمئة دينار. وقال لخادمه: قل استعن بهذه على سفرك واعذرنا، فقال له دعبل: لا والله ما هذا اردت ولا له خرجت، ولكن قل له، اكسني ثوبا من اثوابك وردها فردها عليه الرضا ” عليه السلام ” وقال له: خذها، ثم بعث إليه بجبة من ثيابه، فخرج دعبل حتى ورد قم فلما رأوا الجبة معه اعطوه بها الف دينار فأبى وقال: لا والله ولا خرقة منها بالف دينار ثم خرج من قم فأتبعوه فقطعوا عليه الطريق، وأخذوا الجبة فرجع إلى قم فكلمهم فيها وقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن ان شئت فهذه الف دينار، فقال لهم وخرقة منها فاعطوه الف دينار وخرقة من الجبة، قال ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا: لما حضر العيد وكان قد عقد للرضا ” عليه السلام ” بولاية العهد بعث إليه المأمون في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس، والخطبة بهم فبعث إليه الرضا ” عليه السلام ” قد علمت ما كان بينى وبينك من الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس، فقال المأمون: إنما اردت ان يطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك ولم يزل يتردد الرسل بينهم في ذلك فلما ألح عليه في ذلك المأمون ارسل إليه ان أعفيتني فهو أحب إلي وان لم تعفنى خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال له المأمون: اخرج كما شئت وأمر القواد والناس ان يبكروا إلى باب الرضا عليه السلام قال: فقعد الناس لابي الحسن في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القواد والجند إلى بابه على دوابهم فوقفوا حتى طلعت الشمس، فاغتسل أبو الحسن ” عليه السلام ” ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه، ومس شيئا من الطيب وأخذ بيده عكازة وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق عليه ثياب مشمرة فمشى قليلا، ورفع رأسه إلى السماء


[ 228 ]

وكبر وكبر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا كلهم إلى الارض وكان احسنهم حالا من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها وتحفى وكبر الرضا ” عليه السلام ” على الباب، وكبر الناس معه فخيل الينا ان السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن ” عليه السلام ” وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين يا أمير المؤمنين ان بلغ الرضا ” عليه السلام ” المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فانفذ إليه ان يرجع فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا واتعبناك ولسنا نحب ان يلحقك اذى فارجع وليصلى بالناس من كان يصلى بهم على رسمه فدعا أبو الحسن ” عليه السلام ” بخفه فلبسه وركب ورجع واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاته قال ياسر: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد خرج، وخرج معه الفضل ابن سهيل ذو الرياستين، وخرجنا مع أبى الحسن الرضا ” عليه السلام ” فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن بن سهل ونحن في بعض المنازل: انى نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت فيه انك تذوق في شهر كذا وكذا من يوم الاربعاء حر الحديد وحر النار وأرى ان تدخل انت وأمير المؤمنين والرضا الحمام في هذا اليوم وتحتجم فيه وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب ذو الرياستين إلى المأمون بذلك فسأله أن يسأل أبا الحسن ” عليه السلام ” ذلك فكتب المأمون إلى أبى الحسن عليه السلام يسأله فيه فأجابه ابو الحسن لست بداخل الحمام غدا فاعاد عليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن ” عليه السلام ” لست بداخل غدا الحمام، فأنى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الليلة، فقال لى يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا للفضل ان تدخلا الحمام غدا فكتب إليه المأمون صدقت يا أبا الحسن، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لست بداخل الحمام والفضل أعلم. قال: فقال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس، قال لنا الرضا ” عليه السلام ” قولوا: نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فلم يزل يقول ذلك حتى صلى الرضا ” عليه السلام ” الصبح ثم قال لي: إصعد السطح فاستمع هل تجد شيئا، فلما صعدت سمعت الضجة وكثرت وزادت فلم نشعر بشئ فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذى كان من داره إلى دار أبى الحسن ” عليه السلام ” وهو يقول: يا سيدى يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فانه دخل الحمام ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه، وأخذ ممن دخل عليه ثلاثة نفر: أحدهم ابن خالة


[ 229 ]

الفضل بن ذى العلمين قال: واجتمع الجند والقواد ومن كان في خيل الفضل على باب المأمون فقالوا: هو اغتاله وشغبوا عليه وطلبوا بدمه وجاؤا بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لابي الحسن ” عليه السلام “: يا سيدى ترى ان تخرج إليهم، وترفق بهم حتى يتفرقوا قال: نعم فركب أبو الحسن ” عليه السلام ” وقال لي: يا ياسر اركب فركبت، فلما خرجنا من الباب نظر إلى الناس وقد ازدحموا عليه، فقال بيده: تفرقوا، قال ياسر: فاقبل الناس والله يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلا ركض ومضى لوجهه. سئل الرضا ” عليه السلام ” عن ذى الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أين هو ؟ فقال ” عليه السلام ” هبط به جبرئيل من السماء، وكان حليته من فضة وهو عندي وقال ياسر: لما ولى الرضا ” عليه السلام ” العهد سمعته وقد رفع يده إلى السماء وقال: اللهم انك تعلم انى مكره مضطر فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين دفع إلى ولاية مصر. قال ابراهيم ابن العباس: ما رأيت الرضا ” عليه السلام ” سئل عن شئ قط إلا علمه، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجب فيه وكان كلامه كله وجوابه وتمثيله بآيات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاثة أيام ويقول: لو أردت ان اختم في اقل من ثلاث لختمت ولكن ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفى أي شئ نزلت وفى أي وقت فلذلك صرت اختم في ثلاثة أيام. ويقال صعد المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” فقال: أيها الناس، جاءتكم بيعة علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم، والله لو قرأت هذه الاسماء على الصم البكم لبرؤا بإذن الله. (فصل: في ذكر وفاته عليه السلام) قال أبو الصلت الهروي: بينا أنا واقف بين يدى أبى الحسن علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” إذ قال: يا أبا الصلت ادخل إلى هذه القبة التى فيها قبر هارون فأتني بتراب من اربع جوانبها قال: فمضيت وأتيت به فلما مثلت بين يديه، قال لي: ناولنى من هذا التراب وهو من عند الباب فأخده وشمه ثم رمى به ثم قال: سيحفر لى هاهنا قبر وتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال ” عليه السلام “: في الذى عند الرجل والذى عند الرأس مثل ذلك، ثم قال ناولنى هذا التراب فهو من تربتي، ثم قال سيحفر


[ 230 ]

لي في هذا الموضع فتأمرهم ان يحفروا لى سبع مراق إلى اسفل وان يشق لى ضريحا فان ابوافلحد ويجعل اللحد ذراعين وشبرا فأن الله عزوجل سيوسع لى ما شاء فإذا فعلوا ذلك فانك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذى اعملك فانه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتان صغار فتفتت لها الخبز الذى اعطيك فانها تلتقط فإذا لم يبق منه شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى فيه شئ ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء وتكلم بالكلام الذى اعلمك فانه ينضب الماء ولا يبقى شئ ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فان انا خرجت وانا مكشوف الرأس فتكلم اكلمك، فقال أبو الصلت: فلما اصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشى وهو يتبعه حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب واطباق فاكهة بين يديه وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقى بعضه فلما بصر بالرضا ” عليه السلام ” وثب إليه وعانقه وقبل ما بين عينيه واجلسه معه ثم ناوله العنقود وقال: يا بن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا. قال الرضا ” عليه السلام “: ربما كان عنبا حسنا فيكون من الجنة، فقال له: كل منه فقال الرضا ” عليه السلام “: تعفيني منه، فقال لابد من ذلك ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا ” عليه السلام ” ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال له المأمون: إلى أين ؟ قال إلى حيث وجهتني، وخرج مغطا الرأس فلم اكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فاغلق ثم نام على فراشه فمكث واقفا في صحن الدار مهموما محزونا فبينا أنا كذلك إذ دخل على شاب حسن الوجه قطط الشعر اشبه الناس بالرضا ” عليه السلام ” فبادرت إليه فقلت له من أين دخلت والباب مغلق ؟ فقال الذى جاء بى من المدينة في هذا الوقت هو الذى ادخلني الدار فقلت ومن أنت ؟ فقال: انا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ” عليه السلام ” ثم مضى نحو أبيه عليهما السلام فدخل وأمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه واكب عليه محمد بن علي يقبله ويساره بشئ لم افهمه، ورأيت على شفتي الرضا ” عليه السلام ” زبد أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه، ثم ادخل يده بين ثوبه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ومضى


[ 231 ]

الرضا ” عليه السلام ” فقال أبو جعفر: قم يا ابا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، قال لى انته إلى ما آمرك به فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لاغسله معه فقال لى: تنح يا أبا الصلت فإن لى من يعيننى غيرك فغسله ثم قال لى: ادخل الخزانة فأخرج إلي السفط الذى فيه كفنه وحنوطه فدخلت فإذا سفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه، ثم قال إيتنى بالتابوت فقلت امضى إلى النجار حتى يصلح لي تابوتا ؟ قال قم فان في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم ار مثله قط فأتيته به فأخذ الرضا بعد كان صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدمين وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ومضى، فقلت: يا بن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون فيطالبني بالرضا فما نصنع ؟ قال لى: اسكت فانه سيعود يا ابا الصلت ما من نبى يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا وجمع الله بين ارواحهما واجسادهما فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فاستخرج الرضا ” عليه السلام ” من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن، وقال يا ابا الصلت قم وافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا هو المأمون والغلمان بالباب فدخل المأمون باكيا وحزينا وقد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدى، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر فحفر الموضع فظهر كل شئ على ما وصفه الرضا ” عليه السلام ” وقال بعض غلمانه: ألست تزعم ان إمام ؟ قال بلى قال: لا يكون الامام إلا مقدم الرأس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت أمرنى ان احفر له سبع مراق وان يشق له ضريحا فقال انتهوا إلى ما يأمركم به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل الرضا يرينا عجايبه في حياته حتى ارناها بعد وفاته فقال له وزير كان معه أتدرى ما اخبرك به الرضا ؟ قال: انه اخبركم ان ملككم بنى العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله عليكم رجلا منا فاناكم عن آخركم قال له: صدقت ثم قال: يا ابا الصلت علمني الكلام قلت: والله نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت فأمر بحبسي ودفن الرضا ” عليه السلام ” وحبسني سنة وضاق على الحبس وسحرت الليل ودعوت الله عزوجل بدعاء وذكرت فيه محمدا وآل محمد عليهم السلام وسألت الله بحقهم ان يفرج عنى فلم استتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي


[ 232 ]

عليهما السلام فقال لى: يا ابا الصلت ضاق صدرك ؟ قلت: أي والله قال: قم فاخرج ثم ضرب يده إلى القيود التى كانت على فككها وأخذ بيدى واخرجني من الدار والحرسة والغلمة يروننى فلم يستيطعوا ان يكلموني، وخرجت من باب الدار ثم قال امض في ودايع الله فانك لم تصل إليه ولا يصل اليك ابدا، قال أبو الصلت: فلم التق مع المأمون إلى هذا الوقت. وذكر الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد رحمه الله في كتاب (الارشاد) ان الرضا ” عليه السلام ” كان يكثر وعظ المأمون إذا خلا به، ويخوفه بالله عزوجل ويقبح له ما يرتكبه من خلافه وكان المأمون يظهر قبول ذلك منه، ويبطن كراهته واستثقاله ودخل الرضا ” عليه السلام ” يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة، والغلام يصب الماء على يده، فقال يا أمير المؤمنين لا تشرك بعبادة ربك احدا فصرف المأمون الغلام، وتولى تمام وضوئه بنفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده، وكان عليه السلام يزرى على الحسن والفضل ابني سهل عند المأمون إذا ذكرهما ويصف له مساويهما، وينهاه عن الاصغاء اليهما والى قولهما وعرفا ذلك منه فجعلا يوشيان عليه عند المأمون ويذكران له ما يبعده منه، ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه، وعمد على قتله ” عليه السلام ” فاتفق انه اكل هو والمأمون يوما طعاما. فاعتل منه الرضا عليه السلام واظهر المأمون تمارضا. فذكر محمد بن علي بن حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال أمرنى المأمون ان اطول اظفاري على العادة، ولا أظهر لاحد ذلك ففعلت ثم استدعاني فاخرج إلي شيئا شبيها بالتمر الهندي، فقال لي: اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا، وقال ما خبرك ؟ قال ارجو أن اكون صالحا قال له: أنا اليوم بحمد الله صالح أيضا فهل جاءك احد من المترفقين في هذا اليوم ؟ قال فغضب المأمون وصاح على غلمانه، ثم قال فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه، ثم دعاني فقال آتنا برمان فأتيته به، فقال: اعصره بيدك ففعلت وسقاه المأمون الرضا ” عليه السلام ” بيده وكان سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات. وذكر عن أبى الصلت الهروي انه قال: دخلت على الرضا وقد خرج من عنده المأمون فقال لي: يا أبا الصلت قد فعلوها. وجعل يوحد الله ويمجده. (وروى) عن محمد بن الجهم انه قال: كان الرضا عليه السلام يعجبه العنب فاخذ له


[ 233 ]

شئ منه فجعل في موضع اقماعه الابر أياما ثم نزعت منه وجئ به إليه فأكل منه وهو في علته التى ذكرناها فقتله، وذكر ان ذلك من لطيف السموم، ولما توفى الرضا ” عليه السلام ” كتم المأمون موته يوما وليلة، ثم انفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عليه السلام وجماعة آل أبى طالب الذى كانوا عنده، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى، واظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح الجسد، وقال يعز علي يا أخى ان أراك في هذه الحال وقد كنت اومل ان اقدم قبلك فابى الله إلا ما أراد، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذى هو مدفون الآن فدفنه والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها: سناباد، هذا الذى ذكره في كتاب (الارشاد). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة منى بارض خراسان لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله عزوجل له الجنة، وحرم جسده على النار. قال الرضا عليه السلام: ان بخراسان بقعة يأتي عليها زمان تصير موضع مختلف الملائكة فلا يزال فوج ينزل من السماء. وفوج يصعد إلى يوم ان ينفخ في الصور. فقيل له يا بن رسول الله وأية بقعة هذه ؟ قال: هي بأرض طوس وهى والله روضة من رياض الجنة من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب الله تبارك وتعالى له بذلك ثواب الف حجة مبرورة، والف عمرة مقبولة وكنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة. وقال الرضا عليه السلام: والله ما منا إلا مقتول شهيد فقيل له فمن يقتلك يا بن رسول الله ؟ قال: شر خلق الله في زماني يقتلنى بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ألا فمن زارني في غربتى كتب الله له عزوجل أجر مئة الف شهيد ومئة الف صديق ومئة الف حاج ومعتمر، ومئة الف مجاهد وحشر في زمرتنا وجعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقا. قال أحمد بن محمد البزنطى: قرأت كتاب أبى الحسن الرضا عليه السلام ابلغ شيعتي ان زيارتي تعدل عند الله عزوجل الف حجة قلت لابي جعفر عليه السلام الف حجة ؟ قال إى والله والف الف حجة لمن زاره عارفا بحقه. قال رجل من أهل خراسان للرضا (عليه السلام) يا بن رسول الله رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام كأنه يقول لى كيف أنتم إذا دفن في ارضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي وغيب في ترابكم نجمى. فقال له الرضا عليه السلام: انا المدفون في ارضكم وانا بضعة من نبيكم وانا الوديعة والنجم ألا


[ 234 ]

فمن زارني وهو يعرف ما اوجب الله تبارك وتعالى من حقى وطاعتي فانا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ومن كنا شفعاؤه يوم القيامة نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين: الانس والجن، ولقد حدثنى أبى عن جدى عن أبيه عليه السلام ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأني في منامه فقد رأني فإن الشيطان لا يتمثل بى في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة. قال الصادق عليه السلام: يخرج رجل من ولد أبنى موسى اسمه اسم أمير المؤمنين عليه السلام فيدفن في ارض طوس، وهى بخراسان يقتل فيها بالسم فيدفن فيها غريبا فمن زاره عارفا بحقه أعطاه الله عزوجل أجر من انفق من قبل الفتح وقاتل. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة منى بخراسان ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه. قال الرضا عليه السلام: ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقى إلا تشفعت فيه يوم القيامة. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: سيقتل رجل من ولدى بارض خراسان بالسم ظلما اسمه اسمى واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السلام ألا فمن زاره في غربته غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ولو كان مثل عدد النجوم وقطر الامطار وورق الاشجار. وقال أبو الحسن موسى عليه السلام: من زار قبر ولدى علي كان له عند الله عزوجل سبعون حجة مبرورة قيل سبعين حجة مبرورة ؟ قال: نعم وسبعين الف حجة قلت سبعين الف حجة قال فقال: رب حجة لا تقبل، من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه قيل: كمن زار الله في عرشه ؟ قال: نعم إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله جل جلاله أربعة من الاولين واربعة من الآخرين. فاما الاولون: فنوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى. وأما الآخرون: فمحمد، وعلي، والحسن والحسين عليهم السلام، ثم يمد المطمر فيقعد معنا زوار قبور الائمة ألا ان اعلاهم درجة واقربهم حياة زوار قبر ولدى علي. قال أبو جعفر ابن بابوية رحمه الله: معنى قوله: كمن زار الله في عرشه ليس بتشبيه لان الملائكة تزور العرش وتلوذ به وتطوف حوله وتقول: نزور الله في عرشه كما يقول


[ 235 ]

الناس نحج بيت الله ونزور الله لا ان الله عزوجل موصوف بمكان تعالى عن ذلك علوا كبيرا. قال أبو جعفر بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام: من زار قبر أبى (عليه السلام) بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ الله تعالى من حساب عباده. وقال الصادق ” عليه السلام “: يقتل حفدتي بارض خراسان في مدينة يقال لها طوس من زاره بها عارفا بحقه أخذته بيدى يوم القيامة وادخلته الجنة، وان كان من أهل الكبائر قلت جعلت فداك وما عرفان حقه قال: يعلم انه امام مفترض الطاعة غريب شهيد من زاره عارفا بحقه أعطاه الله عزوجل أجر سبعين شهيدا ممن أستشهد بين يدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقيقة. قال الرضا ” عليه السلام “: من زارني على بعد دارى أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى اخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان. وقال هشام بن أحمر: قال لي أبو الحسن الاول ” عليه السلام “: هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟ قلت لا، قال: بل قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا الرجل من أهل المغرب معه رقيق فقلت له: اعرض علينا، فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن ” عليه السلام ” لا حاجة لنا فيها ثم قال: اعرض علينا قال: ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له عليك ان تعرضها فأبى عليه فانصرف، ثم ارسلني من الغد فقال لى قل له: كم غايتك فيها ؟ فإذا قال لك كذا وكذا مقدار قد اخذتها فأتيته فقال: هي لك لكن اخبرني من الرجل الذى كان معك بالامس ؟ قلت: رجل من بنى هاشم قال: من أي بنى هاشم ؟ قلت: ما عندي اكثر من هذا فقال اخبرك: انى اشتريتها من اقصى المغرب فلقيتنى امرأة من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك ؟ فقلت: اشتريتها لنفسي، قالت ما ينبغى ان تكون هذه عند مثلك ان هذه الجارية ينبغى ان تكون عند خير أهل الارض فلا تلبث عنده الا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الارض وغربها مثله، فلم تلبث عنده ” عليه السلام ” قليلا حتى ولدت الرضا ” عليه السلام ” ويقال لها: ام البنين ويقال لها خيزران المريسية ويقال سكن النوبية.


[ 236 ]

وكان مولده بالمدينة يوم الجمعة. وفى رواية اخرى: يوم الخميس، لاحدى عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة ثمان واربعين ومئة من الهجرة. ووفاته عليه السلام: في يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين، وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة. وكان مدة خلافته عشرين سنة. وقال دعبل الخزاعى بقم في مقتل الرضا عليه السلام: اربع بطوس قبر الزكي به * إن كنت تربع من دين على وطر قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر وسمعت مذاكرة ان دعبل بن علي قال في القصيدة التى فيها: مدارس آيات خلت من تلاوة وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات قال الرضا عليه السلام: وقبر بطوس يالها من مصيبة * ألحت على الاحشاء بالزفرات وان كان هذا البيت في قصيدته فهو من قول الرضا عليه السلام. قال الحسن بن هاني: في علي بن موسى الرضا عليه السلام: قيل لى أنت أوحد الناس طرا * في كلام من المقال النبيه لك من جوهر الكلام بديع * يثمر الله في يدى مجتنيه فعلى ما تركت مدح بن موسى * مع خصال كثيرة كن فيه قلت لا أهتدى لمدح إمام * كان جبريل خادما لابيه قال الشيخ الامام علي بن أحمد الفنجكردى: يجوز زيارة قبر ابن حرب * وتربة حفص ويحيى بن يحيى فلم ؟ لا يجوز زيارة قبر * الامام علي بن موسى الرضا سليل البتول وسبط الرسول * ونجل أبى الحسن المرتضى


[ 237 ]

اما تستحى يا أسير الهوى * من الله ذى العرش رب السما ألا لا تطربي ومت صاغرا * يمينى وذيلك يوم القضا مجلس في ذكر امامة أبي جعفر محمد بن علي ومناقبه عليه السلام والامام بعد أبى الحسن علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” ابنه أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام لنص أبيه عليه وأشارته إليه، واعتبار الادلة التى مضت. وكان أبو جعفر منعوتا بالمرتضى، وبالمنتجب قال أبويحيى الصنعانى كنت عند أبى الحسن الرضا فجئ بإبنه أبى جعفر ” عليه السلام “، وهو صغير فقال: هذا المولود الذى لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه. (وروى) ان قايلا يقول لابي الحسن الرضا ” عليه السلام “: يا سيدى ان كان كون فالى من ؟ قال: إلى أبى جعفر إبنى فكأن القائل استصغر سن أبى جعفر فقال أبو الحسن ” عليه السلام “: ان الله تعالى بعث عيسى بن مريم ” عليه السلام ” رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في اصغر من السن الذى فيه أبو جعفر. قال صفوان بن يحيى: قلت لابي الحسن الرضا قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب الله لى غلاما فقد وهب الله لك، واقر عيوننا فلا أرانى الله يومك فان كان كون فالى من ؟ فأشار بيده إلى أبى جعفر وهو قائم بين يديه فقلت له جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين قال: وما يضره من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو ابن اقل من ثلاث سنين. قال يحيى بن حبيب الزيات: أخبرني من كان عند أبى الحسين جالسا فلما نهض القوم قال له أبو الحسن الرضا ” عليه السلام “: القوا أبا جعفر فسلموا عليه وجددوا به عهدا فلما نهض القوم التفت إلي فقال: يرحم الله المفضل انه كان ليقنع بدون هذا. (وروى) ان المأمون قد شغف بأبى جعفر ” عليه السلام ” لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والادب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان فزوجه بابنته ام الفضل، وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفرا على اكرامه وتعظيمه


[ 238 ]

واجلال قدره. قال الريان بن شبيب: لما أراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم فاستنكروه منه وخافوا ان ينتهى الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا ” عليه السلام ” فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الادنون منه، قالوا له: ننشدك الله يا أمير المؤمنين ان تقيم على هذا الامر الذى قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء الراشدون وقبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ” عليه السلام ” حتى كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله ان تردنا إلى غم قد انحسر عنا وانصرف رأيك عن ابن الرضا واعدله إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره فقال لهم المأمون: اما ما بينكم وبين آل أبى طالب فانتم السبب فيه ولو انصفتم القوم لكانوا أولى بكم، واما ما كان يفعله من قبلى بهم فقد كان به قاطعا للرحم واعوذ بالله من ذلك ووالله ما ندمت على ما كان منى من استخلاف الرضا، ولقد سألته ان يقيم بالامر وانزعه عن نفسي فأبى وكان أمر الله قدرا مقدورا. واما أبو جعفر محمد بن علي، فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والاعجوبة فيه بذلك وانا ارجوا أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا ان الرأى ما رأيت فيه فقالوا له: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه فانه صبى لا معرفة له ولا فقه فامهل ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما بدا لك بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم انى اعرف بهذا الفتى منكم وان أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى، ومواده وإلهامه لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين والادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يبين لكن به ما وصفت لكم عن حاله فقالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولانفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة فان اصاب في الجواب عنه لم يكن اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأى أمير المؤمنين فيه، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى اردتم فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم وهو يومئذ قاضى الزمان على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه ان يختار لهم


[ 239 ]

يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذى اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن اكثم وأمر المأمون ان يفرش لابي جعفر ” عليه السلام ” دستا ويجعل فيه مستورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر عليه السلام وهو يومئذ ابن تسع سنين واشهر وجلس المأمون في دست متصل بدست أبى جفعر ” عليه السلام “، فقال يحيى بن اكثم للمأمون: تأذن لي يا أمير المؤمنين ان اسأل أبا جعفر ؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فاقبل إليه يحيى ابن اكثم فقال: اتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟ قال له أبو جعفر ” عليه السلام ” سل ان شئت قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا. فقال أبو جعفر ” عليه السلام “: قتله في حل أو في حرم عالما كان المحرم أو جاهلا عمدا كان أو خطأ حرا كان أو عبدا صغيرا كان ام كبيرا مبتديا ام معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، أبا لليل كان قتل صيده أم نهارا ؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما فتحير يحيى ابن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة من أهل المجلس امره، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأى، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم: أعرفتم الآن إلى ما كنتم تنكرونه ثم اقبل على أبى جعفر ” عليه السلام ” فقال له: أتخطب يا أبا جعفر ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك ام الفضل ابنتى، وان رغم قوم لذلك فقال أبو جعفر ” عليه السلام “: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته والاصفياء من عترته أما بعد: فقد كان من فضل الله تعالى على الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم من فضله والله واسع عليم) ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم اجمعين وهو خمسمئة درهم جيادا فهل زوجتني يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟ فقال: نعم قد زوجتك يا أبا جعفر ام الفضل ابنتى على هذا الصداق المذكور فهل قبلت ذلك على الصداق المذكور ورضيت به فأمر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة، قال الريان بن الصلت ولم يلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مرصعة تشبه بالجبال من الابريسم على عجل مملوة


[ 240 ]

من الغالية فأمر المأمون ان يخضب الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت إلى دار العامة فطيبوا منها ووضعت الموايد وأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على اقدارهم فلما تفرق الناس وبقى من الخاصة من بقى. قال المأمون لابي جعفر ” عليه السلام “: ان رأيت جعلت فداك ان تذكر لنا الفقه فيما فصلته عن وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده، فقال أبو جعفر: نعم ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فان اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وان كان من الوحش وكان حمار وحش أو بقرة فعليه بقرة وان كان نعامة فعليه بدنة، وان كان ظبيا فعليه شاة، وان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وان كان إحرامه للعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفى العمد له الماثم، وهو موضوع عنه في الخطأ والكفارة على الحر في نفسه، وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهى على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عقاب الآخرة، والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة، قال له المأمون: احسنت يا أبا جعفر احسن الله اليك فان رأيت ان تسأل يحيى عن مسألة كما سألك ؟ فقال أبو جعفر ” عليه السلام ” ليحيى: اسألك ؟ قال ذاك اليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك، فقال له أبو جعفر اخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان انتصاف اليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له. ما حال هذه المرأة ؟ وبماذا حلت وحرمت عليه ؟ فقال يحيى ابن اكثم لا والله ما أهتدى إلى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه فان رأيت ان تفيدناه فقال أبو جعفر ” عليه السلام “: هذه امة لرجل من الناس نظر إليها اجنبي في اول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها حلت له، فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت الغروب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان في نصف


[ 241 ]

الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان طلوع الفجر راجعها فحلت له، قال فأقبل المأمون على من حضر من أهل بيته، فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب هذه المسائل بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟ قالوا: لا والله ان أمير المؤمنين اعلم بما رأى فقال: ويحكم ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل وان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، اما علمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين ” عليه السلام ” وهو ابن عشر سنين، واقبل منه الاسلام وحكم له به لم يدع أحدا في سنه غيره وبايع الحسن والحسين عليهما السلام، وهما ابناه دون الست سنين ولم يبايع صبيا غيرهما أفلا تعلمون ان ما اختص الله به هؤلاء القوم فانهم ذرية بعضها من بعض يجرى لآخرهم ما يجرى لاولهم، قالوا: صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم فلما كان من الغد احضر الناس وحضر أبو جعفر ” عليه السلام ” وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنية المأمون وأبى جعفر فاخرجت ثلاثة اطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون في اجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة باموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات فأمر المأمون بنشرها على القوم من خاصته، وكان كل من وقع في يده بندقة اخرج الرقعة التى فيها والتمسه فاطلق له ووضعت اطباق البدر فنثرها بما فيها على القواد وغيرهم وانصرف الناس وهم اغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ولم يزل مكرما لابي جعفر ” عليه السلام ” معظما لقدره مدة حياته ويؤثره على ولده وأهل بيته. وقد روى الناس: ان أم الفضل بنت المأمون كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو ابا جعفر وتقول انه يتسرى علي ويغيرني، وكتب إليها المأمون يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها، ولما توجه أبو جعفر ” عليه السلام ” من بغداد منصرفا من عند المأمون قاصدا بها المدينة صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اسفل النبقة فقام عليه السلام فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الاولى منها (بالحمد) (وإذا جاء نصر الله والفتح) وقرأ في الثانية (بالحمد وقل هو الله أحد) وقنت قبل ركوعه فيها وصلى الثالثة وتشهد ثم جلس بذكر الله عزوجل وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل اربع ركعات وعقب بعدها


[ 242 ]

وسجد سجدتي الشكر ثم خرج، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك واكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له وودعوه، ومضى عليه السلام من وقته إلى المدينة، فلم يزل بها حتى اشخصه المعتصم في اول سنة عشرين ومئتين إلى بغداد فاقام بها حتى توفى. قال علي بن خالد: كنت بالعسكر فبلغني ان هناك رجلا محبوسا أتى به من ناحية الشام مكبولا وقالوا: انه تنبئ فأتيت الباب وداريت البوابين حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم وعقل فقلت له: يا هذا ما قصتك ؟ فقال: انى كنت رجلا بالشام ا عبد الله في الموضع الذى يقال انه نصب فيه رأس الحسين ” عليه السلام ” فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب اذكر الله تعالى إذ رأيت شخصا بين يدى فنظرت إليه فقال لي: قم فقمت معه فمشى بى قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة قال: فصلى وصليت معه ثم انصرف وانصرفت معه فمشى قليلا فإذا أنا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى وصليت معه فمشى قليلا فإذا أنا بمكة فطاف بالبيت وطفت معه ثم خرج ومشى قليلا فإذا أنا بموضع الذى كنت ا عبد الله فيه بالشام وغاب الشخص عن عينى فبقيت حولا مما رأيت فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ودعانى فأجبت ففعل كما فعل في العام الماضي فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بالحق الذى اقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت ؟ فقال: انا محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام فحدثت من كان يصير إلى الحيرة فرقى ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات فبعث إلي واخذني فكبلني في الحديد وحملنى إلى العراق وحبست كما ترى وادعى على المحال فقلت له: فارفع عنك القصة إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فقال افعل فكتبت عنه قصة شرحت امره فيها ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك فوقع في ظهرها قل للذى اخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة ومن مكة إلى الشام ان يخرجك من السجن قال علي ابن خالد: فغمنى ذلك من امره ورققت له وانصرفت محزونا عليه، فلما كان من الغد باكرت الحبس لاعلمه بالحال، وآمره بالصبر والعزاء فوجدت الجند واصحاب السجن وخلقا عظيما من الناس يهرعون فسألت عن حالهم فقيل لى: المحمول من الشام المتنبي افتقد البارحة من الحبس فلا ندرى اخسف به الارض أو اختطفه الطير ؟ وكان هذا الرجل يعنى علي بن خالد زيديا فقال بالامامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده.


[ 243 ]

قال المطر في: مضى أبو الحسن الرضا ” عليه السلام ” ولى عليه اربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيرى وغيره فأرسل إلى أبو جعفر ” عليه السلام ” إذا كان غد فإتنى فأتيته من الغد فقال لي: مضى أبو الحسن ولك عليه اربعة آلاف درهم فقلت: نعم فرفع المصلى الذى كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها إلي، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم. وقال محمد بن حمزة الهاشمي: دخلت على أبى جعفر ” عليه السلام ” صبيحة عرسه ببنت المأمون وكنت تناولت من الليل دواء فاول من دخل صبيحة أنا وقد اصابني العطش فكرهت ان أدعوا بالماء فنظر أبو جعفر ” عليه السلام ” في وجهى وقال: أراك عطشانا قلت أجل قال يا غلام اسقنا ماء فقلت الساعة يأتونه بماء مسموم واغتممت لذلك فاقبل الغلام ومعه الماء المسموم فتبسم في وجهى، ثم قال: يا غلام ناولنى الماء فتناول الماء وشرب ثم ناولنى فشربت واطلت عنده فعطشت أيضا فدعا بالماء، ففعل كما فعل في المرة الاولى فشرب ثم ناولنى فتبسم. قال محمد بن حمزة قال لي محمد بن علي الهاشمي: والله انى اظن ان أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما يقول الرافضة، قال ابراهيم ابن عقبة: كتبت إلى أبا الحسن الثالث سألته عن زيارة أبى عبد الله وزيارة أبى الحسن وزيارة أبى جعفر فكتب إلي أبو عبد الله ” عليه السلام “: المقدم وهذا اجمع وأعظم أجرا. وولد أبو جعفر ” عليه السلام ” بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ويقال النصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومئة من الهجرة وقبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذى القعدة، وقيل مات يوم السبت لست خلون من ذى الحجة سنة عشرين ومئتين فله يومئذ خمس وعشرون سنة، وامه ام ولد يقال لها: الخيزران وكانت من أهل مارية القبطية، ويقال اسمها سبيكة وكانت نوبية، وكانت مدة خلافته سبع عشرة سنة. قال محمد بن أبى طلحة العونى: سلام وريحان وروح على الرضا * سلام على تاليه كالكوب الدرى وقال آخر: اولاد أحمد كل اغبر شاحب * رث الثياب ملوح كأراك وبنو الزناة يملكون على الورى * سبحان خالقنا على الافلاك وكان سبب وروده ” عليه السلام ” إلى بغداد اشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين


[ 244 ]

من المحرم سنة عشرين ومئتين وتوفى بها. مجلس في ذكر امامة أبى الحسن علي بن محمد ومناقبه عليه الصلاة والسلام والامام بعد أبى جعفر محمد ابنه أبو الحسن علي بن محمد لنص أبيه عليه ولدلايل معتبرة باعتبار العقل. قال إسماعيل بن مهران: لما خرج أبو جعفر ” عليه السلام ” من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى عند خرجته قلت له: جعلت فداك انى اخاف عليك في هذا الوجه فالى من الامر بعدك ؟ قال فكر بوجه ضاحكا إلى، وقال لي ليس حيث ظننت في هذه السنة فلما استدعى به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك انت خارج فالى من هذا الامر من بعدك ؟ قال: فبكى حتى خضب لحيته، ثم التفت الي فقال: عند هذه يخاف على الامر، بعدى إلى ابني علي، قال زيد بن علي بن الحسين بن زيد: مرضت فدخلت على الطبيب ليلا ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما فلم يمكني تحصيله من الليل وخرج الطبيب من الباب وورد صاحب أبى الحسن ” عليه السلام ” في الحال، ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فقال لي ابو الحسن يقرأك السلام ويقول: خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما فاخذت فشربت فبرأت. قال محمد بن علي فقال لي زيد بن علي: أين الغلاة عن هذا الحديث ؟ قال خيزران الاسباطي: قدمت على أبى الحسن علي بن محمد عليهما السلام المدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك ؟ قلت جعلت فداك خلفته في عافية انا من اقرب الناس عهدا به عهدي به منذ عشرة ايام قال: ان أهل المدينة يقولون: انه مات قلت: انا اقرب الناس به عهدا قال فقال لي يا هذا ان الناس يقولون: انه مات فلما قال لي: ان الناس يقولون: علمت انه يعنى نفسي ثم قال لى: ما فعل جعفر ؟ قلت تركته اسوء الناس حالا في السجن. قال فقال اما انه صاحب الامر ما فعل ابن الزيات ؟ قلت الناس معه، والامر امره فقال انه شوم


[ 245 ]

عليه قال ثم سكت وقال لي: لابد ان تجرى مقادير الله، واحكامه يا خيزران مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات قلت متى جعلت فداك ؟ قال: بعد خروجك بستة أيام. وكان شخوص أبى الحسن ” عليه السلام ” من المدينة إلى سر من رأى ان عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسعى بأبى الحسن ” عليه السلام ” إلى المتوكل وكان يقصده بالاذى وبلغ ابا الحسن ” عليه السلام ” سعايته فكتب إلى المتوكل تحامل عبد الله بن محمد وتكذيبه عليه فيما سعى به فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول، وخرجت نسخة الكتاب وهى: بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مقدر من الامور فيك وفى أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزك وعزهم ويدخل الامن عليك وعليهم يبتغى بذلك رضاء ربه واداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب والصلاة بمدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعندما قذفك به ونسبك إليه من الامر الذى قد علم أمير المؤمنين برائتك منه وصدق نيتك في برك وقولك وانك لم توهل نفسك فيما فرقت بطلبه وقد ولى به أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وامره باكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى امرك ورأيك والتقرب إلى الله تعالى والى أمير المؤمنين بذلك وامير المؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك والنظر اليك فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما احببت شخصت، ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت وانا احببت ان تكون مع يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك ويسيرون بمسيرك، والامر في ذلك اليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من اخوته وولده وأهل بيته وخاصته الطف منزلة ولا احمد له اثرة ولا هو لهم انظر وعليهم اشفق وبهم ابر واليهم اسكن منه اليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب ابراهيم بن العباس في شهر كذا، ومن سنة ثلاث واربعين ومئتين فلما وصل الكتاب إلى أبى الحسن ” عليه السلام ” تجهز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى


[ 246 ]

سر من رأى، فلما وصل إليها تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك واقام فيه يومه ثم تقدم المتوكل بافراد دار له فانتقل إليها قال: صالح بن سعيد دخلت على أبى الحسن ” عليه السلام ” يوم وروده فقلت له: جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك حتى انزلوك هذا الخان الاشنع خان الصعاليك فقال ها هنا انت يا بن سعيد ثم اومأ بيده فإذا انا بروضات انقات وانهار جاريات وجنان فيها خيرات عطرات وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون فحار بصرى وكثر عجبى فقال لى: حيث كنا فهذا لنا يا بن سعيد لسنا في خان الصعاليك، واقام أبو الحسن ” عليه السلام ” مدة مقامه بسر من رأى مكرما له في ظاهر حاله يجتهد المتوكل بإيقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك وله معه أحاديث يطول بذكره الكتاب. قيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: ما لمن زار أحدا منكم ؟ قال: كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله. قال الرضا ” عليه السلام “: ان لكل امام عهدا في عنق اوليائهم وشيعتهم، ومن تمام الوفاء والعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم من زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كان ائمتهم شفاؤهم يوم القيامة. قال أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام: قبري بسر من رأى امان لاهل الجانبين وكان مولده بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم الثلاثاء النصف من ذى الحجة سنة اثنى عشرة ومئتين وتوفى بسر من رأى بثلاث ليال خلون نصف النهار سنة اربع وخمسين ومئتين وله يومئذ احدى واربعون سنة وسبعة اشهر وامه ام ولد يقال لها سمانة وكانت مدة امامته ثلاث وثلاثين سنة وكانت مدة مقامه بسر من رأى إلى ان قبض ” عليه السلام ” عشرين سنة واشهر. أنشد: اتقتل يا بن الشفيع المطاع * ويا بن المصابيح ويا بن الغرر ويا بن الشريعة ويا بن الكتاب * ويا بن الرواية وابن الاثر مناسب ليست بمجهولة * ببدو البلاد ولا بالحضر مهذبة من جميع الجهات * ومن كل شائبة أو كدر سلام على من اكمل العشر باسمه * سلام من الباري على حادى عشر


[ 247 ]

مجلس في ذكر امامة أبي محمد الحسن بن علي العسكري ومناقبه عليهما السلام والامام بعد أبى الحسن ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام لاجتماع خصال الفضل فيه وتقدمه على كافة عصره فيما يوجب له الامامة ويقتضى له الرياسة من العلم والزهد وكمال العقل والعلم والعصمة، والشجاعة ولنص أبيه عليه والدلايل التى قد مضت. قال على بن مهزيار: قلت لابي الحسن ” عليه السلام “: ان كان كون وأعوذ بالله فالى من ؟ قال: عهدي إلى اكبر ولدى يعنى الحسن ” عليه السلام ” قال محمد بن يحيى: دخلت على أبى الحسن ” عليه السلام ” بعد مضى أبى جعفر ابنه فعزيته عنه وابو محمد جالس فبكى أبو محمد فاقبل عليه أبو الحسن ” عليه السلام ” وقال: ان الله تبارك وتعالى، قد جعل فيك خلفا فاحمد الله قال عبد الله بن محمد الاصفهانى قال أبو الحسن ” عليه السلام “: صاحبكم بعدى الذى يصلى علي. قال: ولم نكن نعرف أبا محمد قبل ذلك. قال: فخرج أبو محمد ” عليه السلام ” بعد وفاة أبيه فصلى عليه، قال محمد بن علي بن ابراهيم بن موسى بن جعفر: ضاق بنا الامر فقال لى أبى امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعنى أبا محمد فانه قد وصف عنه سماحته فقلت تعرفه ؟ فقال: ما اعرفه ولا رأيته قط قال: فقصدناه، فقال أبى وهو في طريقه: ما احوجنا ان يأمر لنا بخمس مئة درهم مئة درهم للكسوة ومئة درهم للرفيق، ومئة درهم للنفقة وقلت في نفسي ليته امر لي بثلثمائة درهم: مئة اشترى بها حمارا ومئة للنفقة ومئة للكسوة فاخرج إلى الجبل قال فلما وافينا الباب خرج الينا غلامه فقال: يدخل علي بن ابراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لابي: يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت ؟ قال: يا سيدى استحييت ان القاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جائنا غلامه فناول أبى صرة وقال: هذه خمس مئة درهم مئتان للكسوة ومئتان لكذا ومئة للنفقة واعطاني صرة، وقال: هذه ثلثمائة درهم: اجعل مئة في ثمن الحمار، ومئة للكسوة ومئة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سور قال فصار إلى سور أو تزوج بامرأة منها فدخله اليوم الفا دينار ومع هذا يقول بالوقف.


[ 248 ]

قال محمد بن ابراهيم الكردى: فقلت له ويحك اتريد أمرا ابين من هذا ؟ قال: فقال صدقت ولكنا على امر قد جرينا عليه. قال أحمد بن الحارث القزويني: كنت مع أبى بسر من رأى، وكان أبى يتعاطى البيطرة في مربط أبى محمد ” عليه السلام ” قال وكان للمستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع ظهره من اللجام، وقد كان جمع عليه الرواض فلم تكن لهم حيلة في ركوبه قال فقال له بعض ندمائه: الا تبعث إلى الحسن بن الرضا ” عليه السلام ” ؟ فيجئ اما ان يركبه واما ان يقتله قال فبعث إلى أبى محمد ” عليه السلام ” ومضى معه أبى، قال فلما دخل أبو محمد الدار كنت مع أبى فنظر ابو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع يده على كفله قال: فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم فرحب به فقرب فقال يا أبا محمد: الجم هذا البغل فقال أبو محمد لابي: الجمه يا غلام، فقال له المستعين: الجمه انت فوضع أبو محمد طيلسانه عليه ثم قال: فالجمه ثم رجع إلى المستعين وجلس فقال له يا ابا محمد اسرجه، فقال لابي: يا غلام اسرجه فقال له المستعين: بل انت اسرجه فقام ثانية فاسرجه ورجع، فقال له ترى ان تركبه فقام أبو محمد فركبه من غير ان يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على المحجة فمشى احسن مشى يكون ثم رجع فنزل فقال له المستعين: يا ابا محمد كيف رأيته ؟ قال: ما رأيت مثله حسنا وراحة قال له المستعين: ان امير المؤمنين حملك عليه، فقال أبو محمد لابي: خذه يا غلام فأخذه وقاده. قال أبو حمزة نصير الخادم: سمعت ابا محمد غيره مرة يكلم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقالبة فتعجبت من ذلك، وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر حتى مضى ابو الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ احدث نفسي بذلك فأقبل علي فقال: ان الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه فأعطاه معرفة كل شئ فهو يعرف اللغات والانساب والحوادث ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق. قال محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسى بن جعفر: دخل العباسيون على صالح ابن وصيف عند ما حبس أبو محمد ” عليه السلام ” فقالوا له: ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم صالح ما اصنع به ؟ قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه فقد صار من العبادة والصلاح والصيام إلى أمر عظيم، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا: ما نقول في رجل يقوم الليل كله ويصوم النهار كله لا يتكلم


[ 249 ]

ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظرنا إليه ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا فلما سمع العباسيون انصرفوا خائبين. (وروى) اصحابنا انه سلم أبو محمد إلى يحيي، وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له امرأته: اتق الله فانك لا تدرى من في منزلك ؟ وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت انى اخاف عليك منه. فقال: والله لارمينه بين السباع ثم استأذن في ذلك فاذن له فرمى به إليها ولم يشك في اكلها فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجده عليه السلام قائما يصلى وهى حوله فأمر باخراجه إلى داره. قال الحسن بن محمد الاشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوما ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبنى هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوى السن منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء والعامة واذكر انى كنت يوما قائما على رأس أبى وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا: أبو محمد الرضا بالباب فقال بصوت عال: ايذنوا له فتعجبت مما سمعته منهم، ومن جسارتهم ان يكنوا رجلا بحضرة أبى ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولى عهد أو من أمر السلطان ان يكنى فدخل رجل اسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة وهيبة حسنة، فلما نظر إليه أبى قام فمشى إليه خطا ولا اعلم فعل هذا باحد من بنى هاشم والقواد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده واجلسه على مصلاه الذى كان عليه، وجلس على جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وانا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبى تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبى وبين الدار سماطين إلى ان يدخل ويخرج فلم يزل أبى مقبلا على أبى محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، فقال حينئذ له: إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا يعنى الموفق، فقام وقام أبى وعانقه ومضى فقلت لحجاب أبى وغلمانه: ويلكم من هذا الذى كنيتموه بحضرة أبى وفعل به هذا الفعل ؟ فقالوا: هذا علوى يقال له: الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازداد تعجبي ولم ازل


[ 250 ]

يومى ذلك قلقا متفكرا في امره وامر أبى، وما رأيته فيه حتى كان الليل، وكان عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه من السلطان فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد ألك حاجة ؟ قلت نعم يا ابة فان اذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت فقلت: يا ابة من الرجل الذى رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والاكرام والتبجيل وفديته بنفسك وابويك ؟ فقال: يا بنى ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة وانا ساكت ثم قال: لو زالت الامامة من خلفائنا بنى العباس ما استحقها أحد من بنى هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميع اخلاقه، ولو رأيت اباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبى وما سمعت منه ورأيته من فعله به فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحدا من بنى هاشم والقواد، والكتاب والقضاة والفقهاء، وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع، والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم ار له وليا، ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه، وقال بعض من حضر مجلسه من الاشعريين: فما خبر أخيه جعفر وكيف كان منه في المحل ؟ فقال: ومن جعفر حتى يسأل عن خبره أو يقرن بالحسن، جعفر معلن بالفسق فاجر يترتب للخمور اقل من رأيت من الرجال واهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان، واصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت انه يكون، وذلك انه لما اعتل بعث إلى أبى ان ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير وامرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى قاضى القضاة فاحضره بمجلسه وامره ان يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وامانته فاحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفى الحسن ” عليه السلام ” فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة وعطلت الاسواق وركب بنو هاشم والقواد وسائر الناس إلى جنازته وكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهنيته بعث السلطان إلى أبى عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم


[ 251 ]

من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين. وقال هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا: مات حتف انفه على فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطبين فلان وفلان ثم غطى وجهه وصلى عليه وامره بحمله، ولما دفن جاء جعفر بن علي اخوه إلى أبى وقال اجعلني على مرتبة اخى، وانا اوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينارا فزبره أبى واسمعه ما كرهه. وقال له يا احمق: السلطان اطال الله بقائه جرد السيف في الذين زعموا ان اخاك واباك ائمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك فان كنت عند شيعة أبيك، واخيك اماما فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم، ولا غير السلطان وان لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا واستقله أبى عند ذلك، واستضعفه وامر ان يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات ابى وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب اثر الولد للحسن بن علي إلى يومنا وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا، وشيعته مقيمون على انه مات وخلف ولدا يقوم مقامه في الامامة. وكان مولده عليه السلام: بالمدينة يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الآخر. وقيل ولد بسر من رأى في شهر ربيع الآخر من سنة اثنين وثلاثين ومئتين وقبض عليه السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين ومئتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة وكانت مدة خلافته ست سنين ومرض في اول شهر ربيع الاول سنة ستين ومئتين، وتوفى يوم الجمعة وامه ام ولا يقال لها حديثة. وفضل زيارته قد بينا قبل هذا الباب فانه قال عليه السلام: قبري بسر من رأى امان لاهل الجانبين وانشد: سلام على من سر من رأى محله * سلام على المرجو في محكم الزبر سلام على اولاد زمزم والصفا * وخفيف منى والبيت والركن والحجر على خمسة منى السلام وسبعة * لعلهم ان يشفعوا في موضع الحشر قال دعبل: ان اليهود بحبها لنبيها * امنت بواثق دهرها الخوان وكذا النصارى حبهم لنبيهم * يمشون رهوا في قرى نجران


[ 252 ]

والمسلمون بحب آل نبيها * يرمون في الآفاق بالنيران مجلس في ذكر ما روى في نرجس ام القائم ” عليه السلام ” واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك قال بشر بن سليمان النخاس من ولد أبى أيوب الانصاري أحد موالى أبى الحسن أبى محمد عليهما السلام قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري ” عليه السلام ” فقهنى في أمر الرقيق فكنت لا ابتاع ولا ابيع إلا باذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه فاحسنت الفرق بين الحلال والحرام، فبينا انا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى وقد مضى هوى منها إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبى الحسن علي بن محمد عليهما السلام يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه ابا محمد ” عليه السلام ” واخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر انك من ولد الانصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وانتم ثقاتنا أهل البيت وانى مزكيك ومسرحك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها بسر اطلعك عليه وانفذك في تتبع أمره، وكتب كتابا ملطفا بخط رومى ولغة رومية وطبع عليه خاتمه واخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، قال خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة كذا فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزت الجوارى منها فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بنى العباس وشراذم من فتيان العراق فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمى عمرو بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى ان يبرز للمتابعين جارية صفتها كذا لابسة خزين صفيقين تمتنع من السفور ولمس المعرض والانقياد لمن يحاول لمسها أو شغل نظرها بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية فاعلم انها تقول: واهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين علي بثلثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية لو برزت في زى سليمان على مثل سرير ملكه ما بدت لى فيك رغبة فاشفق على مالك فيقول لها النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك ؟ فتقول الجارية: وما العجلة ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبى إلى امانته


[ 253 ]

ووفائه فعند ذلك قم إلى عمرو بن يزيد النخاس وقل له: ان معى كتابا ملطفا لبعض الاشراف كتبه بلغة رومية وخط رومى ووصف فيه كرمه، ووفائه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه اخلاق صاحبه فان مالت إليه ورضيته فانا وكيله في ابتياعها منك قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ماحده لى مولاى أبو الحسن ” عليه السلام ” في امر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، وقالت لعمرو بن يزيد النخاس بعنى من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة المغلظة انه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها فما زلت اشاحه في ثمنها حتى استقر الامر على مقدار ما كان اصحبنيه مولاى من الدنانير في الشستقة الصفراء فاستوفاه منى وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التى كنت آوى إليها ببغداد فما اخذها القرار حتى اخرجت كتاب مولانا من جيبها وهى تلثمه وتضعه على خدها، وتمسحه على ثديها فقلت تعجبا منها اتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه ؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل اولاد الانبياء اعرني سمعك وفرغ لى قلبك انا ملكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وانا من ولد الحواريين ينسب إلى وصى المسيح شمعون انبئك العجيب ان جدى قيصر اراد ان يزوجنى من ابن اخيه وانا من بنات ثلاث وعشرة سنة فجمع من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلثمائة رجل، ومن ذوى الاخطار منهم سبعمائة رجل وجمع من امراء الاجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر اربعة آلاف وابرز من نهر ملكه عرشا مرصعا من اصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق اربعين مرقاة، فلما صعده ابن اخيه واحدقت به الصلبان، وقامت الاساقفة عكفا ونشرت اسفار الانجيل تسافلت الصلبان من الاعالى فلصقت بالارض وتقوضت الاعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت الوان الاساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكانى فتطير جدى من ذلك تطيرا شديدا، وقال للاساقفة: اقيموا هذه الاعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا اخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده لازوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الاول فتفرق الناس وقام جدى قيصر مغتما فدخل قصره وارخيت الستور ورأيت من تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدى ونصبوا فيه


[ 254 ]

منبرا يبارى السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذى كان جدى نصب فيه عرشه فيدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، ويقول: يا روح الله انى جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابنى هذا واومأ بيده إلى أبى محمد صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلى شمعون، فقال: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قد فعلت فصعدوا ذلك المنبر وخطب محمد وزوجني من ابنه وشهد بنو محمد والحواريون، فلما استيقظت من نومى خشيت ان اقص هذه الرؤيا على أبى وجدى مخافة القتل فكنت اسرها في نفسي، ولا ابديها لهم فضرب صدري لمحبة أبى محمد حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ورق شخصي، ومرضت مرضا شديدا فما بقى من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدى، وسأله عن دائي فلما برح لي اليأس قال يا قرة عينى فهل يخطر ببالك شهوة ؟ فازودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت: يا جدى ارى ابواب الفرج على مغلقة فلو كشفت عن سجنك من المسلمين من الاسارى وفككت عنهم الاغلال وتصدقت عليهم ومننتهم الخلاص رجوت ان يهب لى المسيح وامه عافية وشفاء فلما فعل ذلك تجلدت في اظهار الصحة في بدنى وتناولت يسيرا من الطعام فسر بذلك جدى واقبل على اكرام الاسارى واعزازهم، فاريت ايضا بعد اربعة عشر ليلة كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران والف من وصائف الجنان فتقول لى مريم: هذه سيدة النساء ام زوجك ابى محمد فاتعلق بها، وابكى واشكو إليها امتناع أبى محمد عن زيارتي. فقالت سيدة النساء ان ابني أبا محمد لا يتزوجك وانت مشركة بالله على مذهب النصارى وهذه اختى مريم تبرأى إلى الله من دينك فان ملت إلى رضا الله ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبى محمد إياك فقولي: انى أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة نساء العالمين إلى صدرها وطيبت نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبى محمد إياك فانى منفذه اليك فانتبهت وانا أقول واشوقاه إلى لقاء أبى محمد. ثم رأيت بعد ذلك أبا محمد كأنى اقول له لم جفوتنى يا حبيبي بعد ان شغلت قلبى بجوامع حبك ؟ قال: ما كان امتناعي وتأخيري عنك إلا لشركك فإذا قد اسلمت فانى زائرك كل ليلة إلى ان يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنى زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية. قال بشر: فقلت لها وكيف وقعت في الاسارى ؟ فقالت اخبرني ابو محمد ليلة من الليالى ان جدك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم


[ 255 ]

فعليك باللحاق به متنكرة في زى الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من امرى ما رأيت وشاهدت وما شعر بانى ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك باطلاعي إياك عليه ولقد سألني الشيخ الذى وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمى فانكرته فقلت نرجس، فقال اسم الجوارى العجيب انك رومية ولسانك عربي، قلت: بلغ من ولوع جدى بى وحمله إياى على تعلم الآداب ان اوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي فكانت تقصدني صباحا ومساءا وتغذيني العربية حتى استمر عليها لساني، واستقام قال بشر: فلما انكفأت إلى سر من رأى دخلت على مولاى أبى الحسن العسكري ” عليه السلام “. قال لها: كيف اراك الله عز الاسلام وذل النصرانية، وشرف أهل بيت نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ قالت: كيف اصف لك يا بن رسول الله ما انت اعلم به منى ؟ قال فانى احب ان اكرمك فأيهما احب اليك: عشرة الف درهم ام بشرى لك فيها شرف الابد ؟ قالت: بل البشرى، قال: فابشرى بولد يملك الدنيا شرقا وغربا، ويملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قالت: ممن ؟ قال ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية قالت: من المسيح أو وصيه ؟ قال: فمن زوجك المسيح ووصيه ؟ قالت: هل اسمك أبى محمد ؟ قال: فهل تعرفينه ؟ قالت: فهل خلت ليلة من زيارته إياى منذ الليلة التى اسلمت فيها على يد سيدة نساء العالمين امه ؟ فقال أبو الحسن ” عليه السلام “: يا كافور ادع لى اختى حكيمة، فلما دخلت عليه قال لها ها هي فاعتنقتها اخته طويلا، وسألتها كثيرا فقال مولانا: يا بنت رسول الله اخرجيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن فانها زوجة أبى محمد وام القائم عليهما السلام. قد تم المجلد الاول من كتاب روضة الواعظين (في مناقب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام)


[ 256 ]

المجلد الثاني بسم الله الرحمن الرحيم مجلس في ذكر ولادة القائم صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام قالت حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي. فقال: يا عمة إجعلى افطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه اليلة الحجة، وهو حجته في ارضه قالت: فقلت له: ومن أمه ؟ قال لي نرجس قلت له: جعلني الله فداك والله ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك قالت فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع بخفي، وقالت لى: يا سيدتي كيف امسيت ؟ فقلت بل انت سيدتي وسيدة أهلي. قالت: فانكرت قولى، وقالت ما هذة يا عمة ؟ فقلت لها: يا بنية ان الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما. سيدا في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت، فلما ان فرغت من صلاة العشاة الآخرة واخذت مضجعي فرقدت، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهى نائمة وليست بها حادثة، ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهى راقدة ثم قامت وصلت ونامت قالت حكيمة: وخرجت اتفقد الفجر، وإذا بالفجر الاول كذبة السرحان وهى نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بى أبو محمد ” عليه السلام ” من المجلس فقال: لا تعجلى يا عمة فهاك الامر قد قرب، وقالت فجلست وقرأت (الم) السجدة و (يس) فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت اسم الله عليك ثم قلت لها تحسين شيئا ؟ قالت نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك ؟ فهو ما قلت لك قالت حكيمة ثم اخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدى فكشفت


[ 257 ]

الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجدا يتلقى الارض بمساجده فضممته عليه السلام الي فإذا أنا به نظيف منظف، فصاح بى أبو محمد ” عليه السلام “: هلمى إلي إبنى يا عمة فجئت به إليه فوضع يديه تحت إليتيه وظهره فوضع قدمه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال تكلم يا بنى، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمد عبده ورسوله، ثم صلى على أمير المؤمنين، وعلى الائمة إلى أن وقف على أبيه ثم احجم، ثم قال أبو محمد: يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وأتيني به فذهبت به فسلم ورددته ووضعته ” عليه السلام ” في المجلس ثم قال يا عمة إذا كان يوم السابع فأتنا، قالت حكيمة: فلما اصبحت وجئت لاسلم على أبى محمد وكشفت الستر لا تفقد سيدى عليه السلام فلم اره فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدى ؟ فقال: يا عمة قد استودعناه الذى استودعت ام موسى ” عليه السلام ” قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: هلمى إلي إبنى فجئت بسيدي وهو في الخرقة ففعل به ما فعل في الاولى. ثم ادلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبنا أو عسلا، ثم قال: تكلم يا بنى فقال ” عليه السلام ” أشهد ان لا إله إلا الله، وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين، وعلى الائمة صلوات الله عليهم اجمعين حتى وقف على أبيه ” عليه السلام ” ثم تلا هذه الآية بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض، ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون). قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا قال صدقت حكيمة. قال محمد بن عبد الله الطهوى: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضى أبى محمد عليهم السلام اسئلها عن الحجة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التى هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست ثم قالت لي: يا أبا محمد ان الله تعالى لا يخلى الارض من حجة ناطقة أو صامتة ولم يجعلها في اخوين بعد الحسن والحسين تفضيلا للحسن والحسين، وتنزيها لهما ان يكون في الارض عديلهما، لان الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن كما خص ولد هارون على ولد موسى، وان كان موسى حجة على هارون فالفضل لولده إلى يوم القيامة، ولابد للامة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقون لئلا يكون للخلق على الله حجة بعد الرسل ان الحيرة الآن لابد واقعة بعد مضى الحسن فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن عقب فتبسمت، ثم قالت: إذا لم يكن للحسن عقب


[ 258 ]

فمن الحجة من بعده ؟ وقد اخبرتك انه لا إمامة لاخوين بعد الحسن والحسين، فقلت يا سيدتي حدثينى بولادة مولاى وغيبته عليه السلام، قال: نعم كانت لى جارية يقال لها نرجس فزارني ابن اخى، واقبل يحدق إليها فقلت له: يا سيدى لعلك هويتها فارسلها اليك ؟ فقال لا يا عمة، ولكني اتعجب منها فقلت: وما اعجبك منها ؟ فقال ” عليه السلام ” سيخرج منها ولد كريم على الله عزوجل الذى يملا الله به الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فقلت: فارسلها اليك يا سيدى فقال: استأذنى في ذلك أبى قالت: فلبست ثيابي واتيت منزل أبى الحسن وجلست فبدأني وقال لى: يا حكيمة ابعثى بنرجس إلى ولدى أبى محمد قالت فقلت: يا سيدى على هذا قصدتك ان استأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة ان الله تبارك وتعالى احب ان يشركك في الاجر ويجعل لك في الخير نصيبا قالت حكيمة فلم البث ان رجعت إلى منزلي فزينتها وهيأتها لابي محمد ” عليه السلام ” وجمعت بينه وبينها في منزلي فاقام عندي اياما ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه. قالت حكيمة فمضى أبو الحسن وجلس ابو محمد عليهما السلام مكان والده فكنت ازوره كما كنت ازور والده فجائتني نرجس يوما تخلع خفى وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك فقلت: بل انت سيدتي ومولاتي والله لا دفعت اليك خفى لتخليعه، ولا خدمتني بل اخدمك على بصرى فسمع أبو محمد ” عليه السلام ” ذلك فقال: جزاك الله خيرا يا عمة، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية فقلت: ناوليني ثيابي لانصرف. فقال ” عليه السلام “: يا عمة بيتى الليلة عندنا فانه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل الذى يحيى الله به الارض بعد موتها قلت: فممن يا سيدى ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل ؟ فقال: من نرجس لا من غيرها قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن فلم ار بها أثر حبل فعدت إليه فاخبرته بما فعلت فتبسم ثم قال لى: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لان مثلها مثل ام موسى لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لان فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسى ” عليه السلام ” قالت حكيمة: فعدت إليها فاخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بى شيئا من هذا قالت حكيمة: فلم ازل ارقبها إلى وقت طلوع الفجر وهى نائمة بين يدى ولا تقلب جنبا إلى جنب حتى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر، وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح ابو محمد ” عليه السلام ” وقال اقرأي انا انزلناه في ليلة القدر، فاقبلت اقرأ عليها وقلت لها ما حالك ؟


[ 259 ]

قالت: ظهر بى الامر الذى اخبرك به أبو محمد مولاى، فاقبلت اقرأ عليها كما امرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ وسلم علي، قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت فصاح بى أبو محمد عليه السلام لا تعجبين من أمر الله ان الله تعالى ينطقنا صغارا بالحكمة ويجعلنا حجة في ارضه كبارا فلم يستتم الكلام حتى غيبت عنى نرجس فلم أرها كأنه ضرب بينى وبينها حجاب فعدوت نحو أبى محمد ” عليه السلام ” وانا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة فانك ستجدينها في مكانها قالت: فرجعت فلم البث إلى ان كشف الغطاء الذى كان بينى وبينها وإذا انا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصرى فإذا انا بالصبى عليه السلام ساجدا لوجهه جاث على ركبتيه رافعا سبابته نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان أبى أمير المؤمنين ثم عد إماما إماما إلى ان بلغ إلى نفسه فقال: اللهم انجز لى وعدى واتمم لى امرى، وثبت وطأتي واملا الارض بى عدلا وقسطا فصاح بى أبو محمد ” عليه السلام “، وقال: يا عمة تناوليه وهاتيه فتناولته وأتيت به نحوه فلما مثلت بين يدى أبيه وهو على يدى فسلم على أبيه فتناوله الحسن ” عليه السلام ” منى والطير يرفرف على رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه ثم قال: امض به إلى امه لترضعه ورديه إلى قالت فناولته امه فارضعته ورددته إلى أبى محمد والطير يرفرف على رأسه فصاح طير منها فقال له: احمله واحفظه ورده الينا في كل اربعين يوما فتناوله الطير وطار به في جو السماء واتبعه سائر الطيور فسمعت أبا محمد يقول: استودعك الذى اودعته ام موسى فبكت نرجس فقال: اسكتي فان الرضاع محرم عليه الا من ثديك وسيعاد اليك كما رد موسى إلى ام موسى وذلك قول الله عزوجل فرددناه إلى امه كى تقر عينها ولا تحزن قالت حكيمة: قلت فما هذا الطير ؟ قال هذا روح القدس الموكل بالائمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويربيهم العلم قالت حكيمة: فلما كان بعد اربعين يوما رد الغلام ووجهه إلى ابن اخى فدعاني فدخلت عليه فإذا انا بصبى متحرك يمشى بين يديه فقلت سيدى هذا ابن سنتين فتبسم عليه السلام ثم قال: ان أولاد الانبياء والاوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤن بخلاف ما ينشأ غيرهم وان الصبى منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة وان الصبى منا ليتكلم في بطن امه ويقرأ القرآن ويعبد الله تعالى عند الرضاع وتطيف به الملائكة وينزل عليه بالسلام صباحا ومساءا قالت حكيمة: فلم ازل أرى ذلك الصبى في كل اربعين يوما إلى ان رأيته رجلا قد مضى أبى محمد بايام قلائل فلم اعرفه فقلت لابن اخى ” عليه السلام ” من


[ 260 ]

هذا الذى تأمرني ان اجلس بين يديه ؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدى وعن قليل تفقدوننى فاسمعي واطيعي قالت حكيمة: فمضى أبو محمد بعد ذلك بايام قلائل وافترق الناس كما ترى ووالله انى لاراه صباحا ومساءا لينبئني عن ما يسألوننى عنه فاخبرهم ووالله انى لا أريد ان اسأله من الشئ فيبدئنى به وانه ليرد على الامر فيخرج إلى منه جوابه من ساعته من غير مساءلتي وقد أخبرني البارحة بمجيئك الي وأمرني ان اخبرك بالحق. قال محمد بن عبد الله فو الله لقد اخبرتني حكيمة باشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله عزوجل فعلمت انه صدق وعدل من الله تبارك وتعالى وان الله قد اطلعها على ما لم يطلع عليها أحدا من خلقه. قال أبو جعفر العمرى: لما ولد السيد ” عليه السلام ” قال أبو محمد ابعثوا إلى أبى عمرو فبعث إليه فصار إليه، فقال له اشتر اربعة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه واحسبه. قال علي بن هاشم: وعق عنه بكذا وكذا شاة. (وروى) انه لما ولد السيد ” عليه السلام ” رأيت له نورا ساطعا قد ظهر منه وبلغ افق السماء ورأيت طيورا بيضا تهبط من السماء وتمسح اجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير فأخبرنا أبا محمد بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرك بهذا المولود وهى انصاره إذا خرج. قال أبو الحسن موسى: لما ولد الرضا ” عليه السلام “: ان ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهرا وليس من الائمة أحدا لا يولد مختونا طاهرا مطهرا ولكنا سنمر الموسى عليه لاصابة السنة واتباع الحنيفية. مجلس في ذكر امامة صاحب الزمان ومناقبه عليه السلام قال الله تعالى: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان، وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).


[ 261 ]

وقال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون). والامام بعد أبى محمد الحسن ابنه المهدى المنتظر عليهما السلام بدليل قد مضى وانه لا يخلو الزمان من كون معصوم يكون لطفا للمكلفين على ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح لانا علمنا ان يكون المعصوم يكون الناس اقرب إلى الصلاح وابعد من الفساد وإذا كان اللطف يجب على الله تعالى وجب ان لا يخلو الزمان من الامام. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتى يواطئ اسمه أسمى يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وقال (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من ولدى يواطئ اسمه اسمى يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاصحابه: آمنوا بليلة القدر فانه ينزل فيه أمر السنة وان لذلك ولاة من بعدى علي بن أبى طالب وأحد عشرة من ولده. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لابن عباس: ان ليلة القدر في كل سنة وانه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الامر ولاة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ابن عباس من هم ؟ قال: انا وأحد عشر من صلبى أئمة محدثون. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: ان الله ارسل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الجن والانس وجعل من بعده اثنى عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقى، وكل وصى جرت به سنة فالاوصياء من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) على سنة اوصياء عيسى وكانوا اثنى عشر، وكان أمير المؤمنين على سنة المسيح عليه السلام. قال جابر: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء والائمة من ولدها فعددت اثنى عشر اسما آخرهم القائم ثلاثة من ولد فاطمة منهم محمد وثلاثة منهم علي. قال مسروق: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ يقول فتى شاب هل عهد اليكم نبيكم ” عليه السلام ” كم يكون من بعده خليفة ؟ قال: انك لحدث السن وان هذا شئ ما سألني عنه احد قبلك نعم عهد الينا نبينا صلوات الله عليه وآله انه يكون من بعده اثنى عشر خليفة بعدد نقباء بنى اسرائيل.


[ 262 ]

قال الشعبى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزال أمر امتى ظاهرا حتى يمضى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش. قال أبو هاشم الجعفري: قلت لابي محمد ” عليه السلام ” جلالتك تمنعني من مسائلتك أفتأذن لي ان اسألك ؟ فقال: سل قلت: يا سيدى هل لك ولد ؟ قال: نعم قلت فان حدث حدث فأين اسأل عنه ؟ قال بالمدينة، قال عمرو الاهوازي أرانى أبو محمد ابنه وقال هذا صاحبكم بعدى. قال داود بن القاسم الجعفري: سمعت ابا الحسن علي بن محمد ” عليه السلام ” يقول الخلف من بعدى الحسن فكيف لكم بالخلف بعد الخلف ؟ قلت: ولم جعلني الله فداك ؟ قال لانكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت فكيف نذكره ؟ قال: قولوا الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله. قال محمد بن اسماعيل وحكيمة بنت محمد بن علي وهى عمة الحسن ” عليه السلام ” وابو عمرو العمرى وابو علي بن مطهر وابو عبد الله بن صالح وابراهيم بن ادريس وجعفر بن علي وابو نصر طريف الخادم: كلهم رأوا صاحب الزمان، وبعضهم ذكر صفته وقده ” عليه السلام “. (وروى) علامات قبل قيامه عليه السلام: منها خروج السفياني وقتل الحسنى واختلاف بنى العباس في ملك الدنياوى، وكسوف الشمس من نصف شهر رمضان وكسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء وخسف بالمشرق وركود الشمس من عند الزوال إلى اوساط اوقات العصر، وطلوعها من المغرب وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمى بين الركن والمقام وهدم حائط مسجد الكوفة واقبال الرايات السود من خراسان، وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقى طرفاه وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا، وتبقى في الجو ثلاثة ايام أو سبعة ايام وخلع العرب اعنتها وتملكها البلاد، وخروجها على سلطان العجم وقتل أهل مصر أميرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء


[ 263 ]

الجزيرة واقبال رايات سود من المشرق ونحوها وشق في الفرات حتى يدخل الماء في ازقة الكوفة وخروج ستين كذا باكلهم يدعى النبوة، وخروج اثنى عشر من آل أبى طالب كلهم يدعى الامامة لنفسه، واحراق رجل عظيم القدر من شيعة بنى العباس بين جلولا وخانقين وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في اول النهار وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه ونقص من الاموال والانفس والثمرات، وجراد يظهر في اوانه وغير اوانه يأتي على الزرع والغلات وقلة ريع لما يزرعه الناس واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم، وقتلهم مواليهم ومسخ القوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير وغلبة العبيد على بلاد السادات ونداء يسمعه أهل الارض كل أهل لغة بلغتهم ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس واموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون ثم يختم ذلك باربع وعشرين مطرة يتصل فتحيي به الارض من بعد موتها، ويعرف بركاتها ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدى ” عليه السلام ” فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الاخبار. ومن جملة هذه الاخبار محتومة ومنها مشترطة. قال الصادق ” عليه السلام “: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع. وقال ” عليه السلام “: ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشورا وهو اليوم الذى قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام لكأنى به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام جبرئيل بين يديه ينادى البيعة لله فيصير إليه شيعته من اطراف الارض تطوى لهم الارض حتى يبايعوه فيملا الله به الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما. وقال أبو جعفر الباقر ” عليه السلام “: يدخل المهدى الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فيصطفوا له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدرى الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة الثانية يسأله الناس ان يصلى بهم الجمعة فيأمر ان يخط له مسجد على الغرى ويصلى بهم هناك ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين ” عليه السلام ” نهرا يجرى إلى الغرى حتى ينزل


[ 264 ]

الماء في النجف ويعمل على فوهته القناطر والارحاء فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتى تلك الارحاء فتطحنه بلا كرا. وقال عليه السلام: كأنى بالقائم على نجف الكوفة، قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره المؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد. قال الصادق ” عليه السلام “: يملك القائم سبع سنين تطول له الايام والليالي، حتى يكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنى ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة ايام من رجب مطرا لم ير الخلائق مثله فينبت الله به لحوم المؤمنين وابدانهم في قبورهم وكأني انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب. وقال عليه السلام: ان قائمنا إذا قام أشرقت الارض بنورها فاستغنى العباد عن ضوء الشمس فذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له الف ذكر لا يولد فيهم انثى وتظهر الارض كنوزها حتى يراه الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم من فصيله بماله ويأخذ زكاته ولا يجد أحدا يقبل منه ذلك استغناء الناس بما رزقهم الله من فضله. وقال أبو جعفر ” عليه السلام ” في حديث طويل: إذا قام القائم سار إلى الكوفة يهدم بها أربعة مساجد ولم يبق على وجه الارض مسجد له شرف إلا هدمها وجعلها جما ووسع الطريق الاعظم وكسر كل جناح خارج في الطريق وابطل الكنف والميازيب إلى الطرقات ولا يترك بدعة إلا ازالها ولا سنة الا اقامها ويفتتح قسطنطنية والصين وجبال ديلم فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشرين سنة من سنيكم هذه ثم يفعل الله ما يشاء قيل له: جعلت فداك فكيف يطول السنون ؟ قال: يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الايام لذلك والسنون قال: قلت لهم: انهم يقولون: ان الفلك ان تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة. فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه (صلى الله عليه وآله) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون، واخبر بطول يوم القيامة وقال كألف سنة مما تعدون. وقال الصادق ” عليه السلام “: إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الاسلام جديدا وهداهم إلى أمر قد دثر وضل عنه الجمهور وإنما سمى المهدى مهديا لانه يهدى إلى أمر مضلول


[ 265 ]

عنه وسمى القائم لقيامه بالحق. وقال عليه السلام: إذا اذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه وان يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعلمه فيبعث الله جبرئيل ” عليه السلام ” حتى يأتيه فينزل على الحطيم ثم يقول له إلى أي شئ تدعو فيخبره القائم فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك فيمسح يده على يده وقد وافاه ثلثمائة وبضعة عشر إلى المدينة. وقال عليه السلام: إذا قام القائم من آل محمد عليهم السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب اعناقهم ثم أقام خمسمائة فضرب اعناقهم ثم خمسمائة مرة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات قلت أو يبلغ عدد هؤلاء هذا ؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم. وقال عليه السلام: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول المقام إلى الموضع الذى كان فيه، وقطع ايدى بنى شيبة وعقلها بالكعبة وقال: هؤلاء سراق الكعبة. وقال الباقر ” عليه السلام “: في حديث طويل: إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر الف يدعون التبرئة عليهم السلام فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بنى فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصرها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزوجل. (وروى) علي بن عقبة عن أبيه قال إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في ايامه الجور وآمنت به السبل واخرجت الارض بركاتها ورد كل حق إلى اهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالايمان أما سمعت الله عزوجل يقول: وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وحكم في الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى الله عليه وآله) فحينئذ تظهر الارض كنوزها وتبدى بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره لشمول الغنا جميع المؤمنين ثم قال: ان دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا: إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قول الله عزوجل والعاقبة للمتقين. وقال أبو جعفر الباقر ” عليه السلام “: إذا قام القائم من آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما انزله الله عزوجل فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لانه يخالف فيه التأليف


[ 266 ]

وقال الصادق ” عليه السلام “: يخرج القائم من ظهر الكعبة مع سبعة وعشرين رجلا خمسة عشر من قوم موسى ” عليه السلام ” الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وابو دجانة الانصاري، والمقداد ومالك الاشتر فيكونون بين يديه انصارا أو حكاما. وقال عليه السلام: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخر كل قوم ما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه بالتوسم. قال الله تعالى: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لسبيل مقيم). وقد روى انه لم يمض مهدى الامة إلا قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيه الهرج وعلامات خروج الاموات وقيام الساعة للحساب والجزاء والعلم عند الله. قال أبو جعفر ” عليه السلام ” سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: اخبرني عن المهدى ما اسمه ؟ قال له: اما اسمه فان حبيبي قد عهد الي ألا أحدث به حتى يبعثه الله عزوجل قال فأخبرني عن صفته ؟ قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر، يسيل شعره على منكبه ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته، ورأسه بأبى ابن خيرة الاماء. وكان مولده عليه السلام يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين اتاه الله الحكمة، وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيا، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في العهد نبيا عليهما السلام، ويقال لامه ريحانه ويقال لها نرجس ويقال صيقل ويقال سوسن. (وروى) انه ولد يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومئتين قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر، والاول هو المعتمد، وبابه عثمان بن سعيد فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبى جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى ابى القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبى الحسن علي بن محمد السمرى فلما حضرت السمرى الوفاة، سأل ان يوصى فقال: ان الله بالغ امره وقد انتظر ” عليه السلام ” لدولة الحق وكان قد اخفى مولده، وستر امره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان إياه واجتهاده في البحث عن أمره، فلما شاع من مذهب الشيعة الامامية فيه وعرف من


[ 267 ]

انتظارهم له فلم يظهر والده في حياته عليه السلام، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته وتولى جعفر بن علي اخو أبى محمد ” عليه السلام ” أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبى محمد ” عليه السلام ” واعتقاله حلائله وشنع على اصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده والقول بإمامته واغزا بالقوم حتى اخافهم وشردهم، وجرى على مخلفي ابى محمد ” عليه السلام ” بسبب ذلك عظيم من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل، ولم يظفر السلطان منهم بطائل وحاز جعفر ظاهر تركة أبى محمد واجتهد في القيام عند الشيعة مقام اخيه فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقد فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن انه يتقرب به فلن ينتفع بشئ من ذلك، وقد اوردنا طرفا من الاخبار ويسيرا من الآثار في مناقب الائمة الابرار، وما يتعلق بها وتاريخ ولادتهم واسماء امهاتهم، وما اشبه ذلك ومن أراد اكثر من ذلك فليلتمس من الكتب المصنفة والزبر المدونة وجده هناك إن شاء الله. (وروى) ان الصادق عليه السلام كثيرا ما يقول: لكل اناس دولة ترقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهر وقال السيد الحميرى: وما به من دان يوم الدهر دنت به * وشاركت كفه كفى بصفينا في سفك ما سفكت فيه إذا حضروا * وابرز الله للقسط الموازينا تلك الدماء معا يا رب في عنقي * ثم اسقنى مثلها آمين آمينا آمين من مثلهم في مثل حالهم * في عصبة هاجروا لله شارينا في عصبة حول مهدى يسير بهم * من بطن مكة ركبانا وماشينا ليسوا يريدون إلا الله ربهم * نعم المراد توخاه المريدونا حتى يلاقوا بنى حرب بجمعهم * فيضربوا الهام منهم والعرانينا هناك ربى ما اعطاك من شرف * منه ابا حسن خير الوصيينا وزادك الله اضعافا مضاعفة * حتى ينيلك ما نال النبيينا فالله يشهد لي انى احبهم * حبا ادين به فيكم له دينا لا ابتغى بدلا من معشر بكم * حتى اغيب في الاكفان مدفونا


[ 268 ]

وقال دعبل بن علي الخزاعى: فلولا الذى ارجوه في اليوم أو غد * تقطع قلبى اثرهم قطعات خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات يبين فينا كل حق وباطل * ويجزى على الاحسان والنعمات ويلعن فذ الناس في الناس كلهم * إذا ما دعا ذاك ابن هن وهنات فيا نفسي طيبى ثم يا نفس فابشرى * فغير بعيد كل ما هو آت ولا تجزعي من مدة الحور اننى * كأنى بها قد آذنت بشتات فان قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر في عمرى ووقت وفات شفيت ولم اترك لنفسي ريبة * ورويت منهم منصلى وقات مجلس في مناقب آل محمد عليهم السلام قال الله تعالى في سورة حم عسق: (قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). قالت الانصار: يا رسول الله اموالنا وانفسنا بيد الله فانزل الله قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. وفى خبر آخر ان تصلوا قرابتي ولا تكذبون. قال أبو بصير: قلت للصادق ” عليه السلام “: من آل محمد ؟ قال: ذريته فقلت: ومن أهل بيته قال الائمة الاوصياء، فقلت: ومن عترته ؟ قال: اصحاب العبا فقلت: من امته ؟ قال المؤمنون الذين صدقوا بما جاء من عند الله المستمسكون بالثقلين الذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهما الخليفتان على الامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في قوله تعالى: سلام على آل يس. قال: يس محمد ونحن آل يس. وقال ابن عباس: سلام على آل يس يعنى على آل محمد.


[ 269 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة رسول الله وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمهدى وقال الباقر ” عليه السلام “: أوحى الله تعالى إلى رسوله: انى شكرت لجعفر بن أبى طالب اربع خصال فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فاخبره، فقال: لولا ان الله اخبرك ما اخبرتك، ما شربت خمرا قط لانى علمت انى لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لان الكذب ينقص المروة ولا زنيت قط لانى خفت انى إذا عملت عمل بى وما عبدت صنما لانى علمت انه لا يضر ولا ينفع قال فضرب النبي (صلى الله عليه وآله) يده على عاتقه، فقال: حق لله عزوجل ان يجعل له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. (وروى) ان جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) يسأله عن خديجة فلم يجدها فقال: إذا جاءت فاخبرها ان ربها يقرأها السلام. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب سأل شريك عن القصب قال: قصب الذهب. وفى حديث آخر يعنى: قصب اللؤلؤ. قال انس: اطعم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خديجة من عنب الجنة، قالت عائشة كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة أحسن عليها الثنا، فقلت: ما تذكر حمراء الشدق قد ابدل الله لك خيرا قال ما ابدلنى الله خيرا منها صدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمال إذ حرمني الناس ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقنى من غيرها. (وروى) ان عجوزا دخلت على النبي فالطفها، فلما خرجت قالت: عائشة من هذه ؟ فقال انها كانت تأتينا زمن خديجة وان حسن العهد من الايمان. قال علي بن الحسين ” عليه السلام “: يخرج من ولدى رجل يقال له: زيد يقتل بالكوفة ويصلب بالكناسة يخرج من قبره نبشا يفتح لروحه ابوات السماء يبتهج به أهل السماوات يجعل روحه في حوصلة طير اخضر يسرح في الجنة حيث يشاء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين: يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى هو واصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بلا حساب. قال أبو الجارود: كنت جالسا عند أبى جعفر إذ اقبل زيد بن علي عليهما السلام فلما نظر إليه أبو جعفر وهو مقبل قال: هذا سيد من سادات أهل بيته، والطالب بأوتارهم


[ 270 ]

لقد انجبت ام ولدتك يا زيد وكان زيد بن علي عين اخوته بعد أبى جعفر عليهم السلام وافضلهم وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين عليه السلام. قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي أذلك حليف القرآن ؟. اعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق اخيه الامامة من قبله. ووصيته عند وفاته إلى أبى عبد الله ” عليه السلام ” وكان سبب خروج زيد ابن علي بعد الذى ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين ” عليه السلام ” انه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر ان يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه، فقال له زيد انه ليس من عباد الله أحد فوق ان يوصى بتقوى الله ولا من عباده أحد دون ان يوصى بتقوى الله وانا اوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه فقال له هشام انت المؤهل نفسك للخلافة الراجى لها ؟ وما انت وذاك لا ام لك وإنما انت ابن امة فقال له زيد انى لا اعلم أحدا اعظم عند الله منزلة من نبى بعثه الله وهو ابن امة فلو كان ذلك نقص عن منتهى غاية لم يبعث وهو اسماعيل بن ابراهيم ” عليه السلام ” فالنبوة اعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام ؟ وبعد فما نقص برجل ابوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن علي بن أبى طالب فوثب هشام من مجلسه، ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتن هذا في عسكري فخرج زيد وهو يقول: لن يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا فلما وصل إلى الكوفة اجتمع إليه اهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته واسلموه فقتل ” عليه السلام ” وصلب بينهم اربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغير بيد ولا لسان ولما قتل بلغ ذلك من أبى عبد الله ” عليه السلام ” كل مبلغ وحزن حزنا عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من اصيب معه من اصحابه الف دينار وأمرني ان اقسمها في عيال من اصيب مع زيد فاصاب عيال عبد الله بن الزبير اخى فضيل الرسان منها اربعة دنانير وكان مقتله ليلة الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومئة وكان سنه يوم قتل اثنين واربعين سنة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لم يحب عترتي فهو لاحدى ثلاث اما منافق واما لزنية واما امرؤ حملت به امه في غير طهر.


[ 271 ]

وقال عليه السلام: ان لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله أمر دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئا حرمة الاسلام وحرمتي وحرمة عترتي. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان لله حرمات ثلاث ليس مثلهن شئ كتابه وهو نوره وحكمته وبيته الذى جعل للناس قبلة لا يقبل الله من احد توجها إلى غيره وعترة نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله). قال أبو جعفر ” عليه السلام “: ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة ثم انه سأل الله عزوجل بحق محمد وأهل بيته لما رحمتني فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل ان اهبط إلى عبدى فأخرجه، قال يا رب: وكيف لى بالهبوط في النار ؟ قال انى قد امرتها ان تكون عليك بردا وسلاما، فقال يا رب: فما علمي بموضعه، قال انه في جب من سجين قال فهبط جبرئيل في النار، وهو معلق على وجهه فأخرجه، فقال يا عبدى كم لبثت تناشدني في النار ؟ قال: ما احصى يا رب، قال: أما وعزتي لولا ما سألتنى به لاطلت هوانك في النار، ولكنه حتم على نفسي ان لا يسألنى عبد بحق محمد وأهل بيته إلا غفرت له ما بينى وبينه، وقد غفرت لك اليوم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبى وحب أهل بيتى نافع في سبعة مواطن: اهوالهن عظيمة عند الوفاة، وفى القبر وعند النشور وعند الكتاب، وعند الحساب وعند الصراط وعند الميزان. قال جابر بن عبد الله: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أيها الناس من ابغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا، قال قلت: يا رسول الله وان صام وصلى وزعم انه مسلم ؟ فقال: وان صام وصلى وزعم انه مسلم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يؤمن عبد حتى اكون احب إليه من نفسه واهلى احب إليه من اهله، وعترتي احب إليه من عترته، وذاتي احب إليه من ذاته. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من احبنا أهل البيت فليحمد الله على اول النعم قيل: وما اول النعم ؟ قال: طيب الولادة ولا يحبنا إلا من طابت ولادته. وقال الباقر ” عليه السلام “: من اصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد الله على بادى النعم قيل: وما بادى النعم ؟ قال: طيب الولادة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رزقه الله تعالى حب الائمة من أهل بيتى فقد أصاب خير الدنيا والآخرة فلا يشكن أحد انه في الجنة فان في حب أهل بيتى عشرين خصلة عشر


[ 272 ]

منها في الدنيا وعشر في الآخرة اما في الدنيا، فالزهد والحرص على العلم والورع في الدين والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدى الناس والحفظ لامر الله ونهيه والتاسعة بغض الدنيا والعاشرة السخاء. واما في الآخرة فلا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار، ويبيض وجهه ويكسى من حلل الجنة ويشفع في مئة من أهل بيته وينظر الله إليه بالرحمة ويتوج من تيجان الجنة، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب فطوبى لمحبي أهل بيتى. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين والآخرين في صعيد واحد فتغشاهم ظلمة شديدة فيصيحون إلى ربهم، ويقولون: يا ربنا اكشف عنا هذه الظلمة قال: فيقبل قوم يمشى النور بين أيديهم قد اضاء ارض القيامة، فيقول أهل الجمع هؤلاء انبياء الله ؟ فيجيئهم النداء من قبل الله تعالى: ما هؤلاء بانبياء الله فيقول أهل الجمع فهؤلاء ملائكة ؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بملائكة فيقولوا أهل الجمع هؤلاء شهداء فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء شهداء فيقولون: من هم ؟ فيجيئهم النداء يا أهل الجمع سلوهم من انتم ؟ فيقول أهل الجمع: من انتم ؟ فيقولون: نحن العلويون نحن ذرية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن اولاد علي ولى الله نحن المخصوصون بكرامة الله نحن الآمنون المطمئنون فيجيئهم النداء من عند الله تعالى اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم فيشفعون فيشفعون. وقال الصادق ” عليه السلام “: أتى يهودى النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال يا يهودى ما حاجتك ؟ قال انت افضل ام موسى بن عمران النبي الذى كلمه الله ؟ وانزل إليه التوراة والعصا وفلق له البحر واظله بالغمام، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) انه يكره للعبد ان يزكى نفسه ولكن أقول: ان آدم ” عليه السلام ” لما اصاب الخطيئة كانت توبته: ان قال: اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لى فغفر الله له وان نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما انجيتنى من الغرق فنجاه الله منها وان ابراهيم ” عليه السلام ” لما القى في النار، قال اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما انجيتنى من النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما وان موسى ” عليه السلام ” لما القى عصاه واوجس في نفسه خيفة، قال: اللهم انى اسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني، فقال الله تعالى: لا تخف انك انت الاعلى يا يهودى ان موسى لو ادركني، ثم لم يؤمن بى وبنبوتى ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته


[ 273 ]

النبوة ومن ذريتي المهدى إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه. وقال الصادق ” عليه السلام “: يا أبا بصير نحن شجرة العلم، ونحن أهل بيت النبي وفى دارنا مهبط جبرئيل ” عليه السلام ” ونحن خزان علم الله، ونحن معادن وحى الله من تبعنا نجا ومن تخلف عنا هلك حقا على الله عزوجل. وقال الرضا ” عليه السلام “: النظر إلى ذريتنا عبادة، فقيل له: يا بن رسول الله إلى الائمة منكم عبادة ام النظر إلى جميع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: بل النظر إلى جميع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) ما لم يفارقوا منها ولم يتلوثوا بالمعاصى. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قمت المقام المحمود تشفعت في اصحاب الكبائر من أمتى فيشفعني الله فيهم والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي. وقال صلى الله عليه وآله: من أذى شعرة منى فقد آذانى ومن آذانى فقد أذى الله عزوجل، ومن آذى الله لعنه الله ملا السماء وملا الارض. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اراد التوسل الي، وان يكون له عندي يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتى ويدخل السرور عليهم. وقال صلى الله عليه وآله: من وصل أحدا من أهل بيتى في دار هذا الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار. قال علي ” عليه السلام “: دينى دين الله، وحسبي حسب النبي فمن تناول دينى وحسبي فإنما يتناول دين رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتى ألا وهما الخليفتان من بعدى، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتى أو قاتلهم أو اعان عليهم أو سبهم اولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم. وقال الصادق ” عليه السلام “: نزلت هاتان الآياتان في أهل ولايتنا وأهل عداوتنا فأما ان كان من المقربين فروح وريحان يعنى في قبره وجنة نعيم في آخرته وأما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم يعنى في قبره، وتصلية جحيم يعنى في الآخرة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى جعل النجوم أمانا لاهل السماء فلا تزال السماء


[ 274 ]

قائمة ما قامت النجوم فإذا انتشرت النجوم تفطرت السماء، وان الله جعل أهل بيتى أمانا لاهل الارض فلا ينزل بهم عذاب عام ما كان أهل بيتى فيهم فإذا قبض أهل بيتى نزل العذاب. أنشد: حب النبي وأهل البيت معتقدي * فليلحنى منهم من كان يلحانى وليس يثنى فؤادى عن محبتهم * ولا لساني عن تقريضهم ثان لنا الجنان غدا مستسعدين بها * والنار للخارجي الفاسق الشأن وقال دعبل بن علي الخزاعى: لآل رسول الله بالخيف من منا * وبالركن والتعريف والجمرات ديار لعبد الله بالخيف من منى * وللسيد الداعي إلى الصلوات ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذى الثفنات منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات منازل وحى الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات قفا نسأل الدار التى خف اهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات واين الاولى شطت بهم غربة النوى * افانين في الاطراف مفترقات وهم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حمات مطاعيم في الاقتار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين اسبلوا العبرات وكيف يحبون النبي واهله * وهم تركوا احشاءهم وغرات لقد لاينوه في المقال واضمروا * قلوبا على الاحقاد منطويات أنشد: أولاد أحمد كل اغبر شاحب * رث الثياب ملوح كاراك وبنو الزناة يملكون على الورى * سبحان خالقنا على الافلاك


[ 275 ]

مجلس في ذكر سبب اسلام سلمان الفارسى رضى الله عنه قيل لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا بن رسول الله ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان ؟ قال: نعم حدثنى أبى ان أمير المؤمنين علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وسلمان الفارسى وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لسلمان: يا أبا عبد الله ألا تخبرنا بمبدأ أمرك ؟ قال سلمان: والله يا أمير المؤمنين لو ان غيرك سألني ما أخبرته انا كنت رجلا من أهل شيراز من ابناء الدهاقين وكنت عزيزا على والدى فبينا انا سائر مع أبى في عيد لهم إذ انا بصومعة وإذا فيها رجل ينادى: أشهد ان لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله، وان محمدا حبيب الله فوصف محمد في لحمى ودمى، فلم يهنيني طعام ولا شراب، فقالت لي أمي: يا بنى ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس ؟ قال: وكابرتها حتى سكتت، فلما انصرفت إلى منزلي إذا انا بكتاب معلق من السقف، فقلت: يا روزبة ان هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان فانك ان قربته قتلك ابوك، قال فجاهدتها حتى جن الليل ونام أبى وأمى فقمت وأخذت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم انه خالق من صلبه نبيا يقال له: محمد يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن عبادة الاوثان يا روزبة انت وصى عيسى فآمن واترك المجوسية، قال: فصعقت صعقة وزادني شدة قال: فعلم أبى وأمى بذلك فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة، وقالوا لي ان رجعت وإلا قتلناك فقلت لهم: افعلوا بى ما شئتم حب محمد لا يذهب من صدري قال سلمان: ما كنت اعرف العربية قبل قرائتي الكتاب ولقد فهمني الله العربية من ذلك اليوم قال فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون إلى قرصا صغيرا، فلما طال امرى رفعت يدى إلى السماء فقلت: يا رب انك حبيب محمد ووصيه فبحق وسيلته عجل فرجى وارحني مما انا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض قال نعم: فقم يا روزبة فأخذ بيدى وأتا بى الصومعة فأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وان محمد حبيب الله فاشرف


[ 276 ]

على الديرانى، فقال: انت روزبة ؟ فقلت: نعم فقال اصعد فأصعدني إليه وخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال: انى ميت فقلت له: فعلى من تخلفنى ؟ فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي إلا راهب بانطاكية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح وناولني لوحا، فلما مات غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وأتيت الصومعة وانشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله وان محمدا حبيب الله فاشرف على الديرانى، فقال لى: انت روزبه ؟ فقلت: نعم فقال اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة قال لي: انى ميت فقلت: على من تخلفنى ؟ فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي الا راهب بالاسكندرية فإذا أتيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح، فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته، وأخذت اللوح وأتيت الصومعة وانشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وان عيسى روح الله وان محمدا حبيب الله فأشرف على الديرانى، فقال: انت روزبه ؟ فقلت نعم فقال: اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة قال انى ميت قلت: على من تخلفنى ؟ فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي في الدنيا، وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح، فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح، وخرجت فصحبت قوما فقلت لهم: يا قوم اكفوني الطعام والشراب اكفكم الخدمة قالوا: نعم قال: فلما ارادوا ان يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب، ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواء فامتنعت من الاكل فقالوا: كل فقلت: انى غلام ديرانى وان الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني وكادوا يقتلونني وقال بعضهم: أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم وانه لا يشرب، فلما أتوا بالشراب قالوا: اشرب فقلت: انى غلام ديرانى، وان الديرانيين لا يشربون الخمر قشدوا على وارادوا قتلي فقلت لهم: يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني، وان اقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعنى بثلثمائة درهم من رجل يهودى قال فسألني عن قصتي فأخبرته، وقلت: ليس لى ذنب إلا ان احببت محمدا ووصيه، فقال اليهودي وانى لابغضك وابغض محمدا، ثم اخرجني إلى خارج داره، وإذا رمل كثير على بابه فقال: والله يا روزبه لئن اصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لاقتلنك قال فجعلت احمل طول ليلى، فلما اجهدني التعب رفعت يدى إلى السماء، وقلت: يا رب


[ 277 ]

انك احببت محمدا ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى وارحني مما انا فيه فبعث الله عزوجل ريحا، فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذى قال اليهودي، فلما اصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال: يا روزبه انت ساحر، وانا لا اعلم فلاخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها فأخرجني وباعنى من امرأة سليمة فأحبتنى حبا شديدا وكان لها حائط فقالت: هذا الحائط لك كل منه ما شئت، وهب وتصدق قال: فبقيت في هذا الحائط ما شاء الله فإذا انا بسبعة رهط قد اقبلوا تظلهم غمامة، فقلت في نفسي: والله ما هؤلاء كلهم انبياء، وان فيهم نبيا قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم فلما دخلوا فإذا فيهم رسول الله وأمير المؤمنين، وابوذر والمقداد وعقيل ابن أبى طالب وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لهم: كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا فدخلت على مولاتي فقلت لها: يا مولاتي هبى لى طبقا فقالت: لك ستة اطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي: ان كان فيهم نبيا فانه لا يأكل صدقة ويأكل الهدية فوضعته بين يديه فقلت: هذه صدقة، فقال رسول الله كلوا وامسك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وعقيل بن أبى طالب، وقال لزيد: مد يدك وكل فأكلوا فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت على مولاتي، فقلت لها: طبقا آخر قالت: ستة اطباق قال: جئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه، فقلت: هذه هدية فمد يده وقال بسم الله الرحمن الرحيم كلوا فمد القوم جميعا أيديهم واكلوا فقلت: هذه أيضا علامة قال فبينا انا ادور خلفه إذ حانت من النبي التفاتة، فقال: روزبه تطلب خاتم النبوة ؟ فقلت نعم فكشف عن كتفه فإذا انا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت على قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقبلها، فقال لى: يا روزبه ادخل على هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله: تبيعنا هذا الغلام فدخلت، وقلت لها: يا مولاتي ان محمد بن عبد الله يقول لك: تبيعنا هذا الغلام ؟ قالت قل له: لا أبيعكه إلا بأربع مئة نخلة: مئة نخلة منها صفراء ومئة نخلة منها حمراء، قال: فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته، فقال: ما اهون ما سألت ؟ ثم قال: قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فأخذه وغرسه، ثم قال: اسقه فأسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا، فقال لى: ادخل إليها وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: خذى شيئك وادفعي الينا شيئنا ؟ قال:


[ 278 ]

فدخلت عليها وقلت لها ذلك فخرجت، ونظرت إلى النخل فقالت: والله لا ابيعكه إلا بأربع مئة نخلة كلها صفراء فهبط جبرئيل ” عليه السلام ” فمسح جناحه على النخل فصار كله صفراء قال: ثم قال لى: قل لها: إن محمدا يقول لك: خذى شيئك وادفعي الينا شيئنا فقلت لها فقالت: والله نخلة من هذه احب إلى من محمد ومنك، فقلت لها: والله ليوم مع محمد أحب الي منك ومن كل شئ انت فيه فاعتقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماني سلمانا. قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية رحمه الله كان اسم سلمان روزبه بن خشنوذان، وكان وصى وصى عيسى ” عليه السلام ” في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين، وهو أبى عليه السلام وقد ذكر قوم ان أبى هو أبو طالب إنما اشتبه الامر به لان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” سأل عن آخر اوصياء عيسى ” عليه السلام ” فقال أبى فصحفه الناس وقالوا: أبى فيقال له: بردة أيضا ولله الحمد والمنة. مجلس في ذكر سبب اسلام أبى ذر رحمه الله قال الصادق ” عليه السلام “: لرجل من اصحابه: ألا اخبرك كيف كان سبب إسلام أبى ذر وسلمان ؟ فقال الرجل: واحظاه أما إسلام سلمان فقد علمته فأخبرني كيف كان سبب إسلام أبى ذر ؟ فقال الصادق ” عليه السلام “: ان أبا ذر كان في بطن وادى يرعى غنما له إذ جاء ذئب عن يمين غنمه فهش أبو ذر بعصاه عليه فجاء الذئب عن يسار غنمه فهش أبو ذر بعصاه عليه ثم قال: والله ما رأيت ذئبا اخبث منك ولا أشر، فقال الذئب: أشر والله منى أهل مكة بعث الله إليهم نبيا فكذبوه وشتموه فوقع كلام الذئب في اذن أبى ذر فقال لاخته هلمى مزودى واداوتي وعصائى ثم خرج يركض حتى دخل مكة فإذا هو بحلقة مجتمعين فجلس إليهم فإذا هم يشتمون النبي (صلى الله عليه وآله) ويسبونه كما قال الذئب، فقال أبو ذر هذا والله ما اخبرني به الذئب فما زالت هذه حالهم حتى إذا كان آخر النهار واقبل أبو طالب قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه، فلما دنا منهم اكرموه وعظموه فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى ان تفرقوا، فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال: ما حاجتك ؟ فقلت اطلب هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال: وما حاجتك إليه ؟ فقاله له


[ 279 ]

ابو ذر: اومن به وأصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته، فقال أبو طالب: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقلت: نعم أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله قال فقال: إذا كان غدا في هذه الساعة فأئتنى، قال: فلما كان من الغد جاء أبو ذر فإذا الحلقة مجتمعون وإذا هم يسبون النبي (صلى الله عليه وآله) ويشتمونه كما قال الذئب: فجلس معهم حتى إذا اقبل أبو طالب فقال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه فكفوا فجاء أبو طالب فجلس فما زال متكلمهم وخطيبهم إلى ان قام، فلما قام تبعه أبو ذر فالتفت إليه أبو طالب فقال ما حاجتك ؟ قال: هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال: وما حاجتك إليه ؟ فقال له: اومن به واصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته فقال أبو طالب: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال: نعم أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله قال: فرفعني إلى بيت فيه جعفر بن أبى طالب، فلما دخلت سلمت فرد علي السلام ثم قال: ما حاجتك ؟ قلت: هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال: وما حاجتك إليه ؟ قلت: اومن به واصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قال قلت: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا رسول الله فرفعني إلى بيت فيه حمزة ابن عبد المطلب، فلما دخلت سلمت فرد علي السلام، ثم قال: وما حاجتك ؟ قلت هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه قلت اومن به واصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وان محمدا رسول الله، قال: فرفعني إلى بيت فيه علي بن أبى طالب فلما دخلت سلمت عليه فرد علي السلام. ثم قال: ما حاجتك ؟ قلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه ؟ قلت اومن به واصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ؟ قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قال فرفعني إلى بيت فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو نور من نور فلما دخلت سلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال: ما حاجتك ؟ قلت: هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه ؟ فقلت: اومن به واصدقه، ولا يأمرنى بشئ إلا اطعته قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وان محمدا رسول الله ؟ قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله: انا رسول الله يا ابا ذر انطلق إلى بلادك فانك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله، وكن بها حتى يظهر


[ 280 ]

أمرى قال أبو ذر: فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لى قد مات وخلف مالا كثيرا في ذلك الوقت الذى اخبرني فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحتويت على ماله، وبقيت ببلادي حتى ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتيته. مجلس في ذكر فضائل اصحابه رضى الله عنهم قال الله تعالى في سورة الفتح: (وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فازره فاستغلظ فأستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما). قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصحابة أربعة: وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: أحب الصحابة إلى الله تعالى اربعة: وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: السباق خمسة فأنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش وخباب سابق النبط. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: خلقت الارض لسبعة نفر بهم يرزقون وبهم يمطرون وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان، والمقداد وعمار وحذيفة، وعبد الله بن مسعود وانا امامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ان الجنة تشتاق اليك، والى عمار وسلمان وأبى ذر والمقداد. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: الايمان عشر درجات، فالمقداد في الثامنة وابوذر في التاسعة وسلمان في العاشرة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما لاصحابه ايكم يصوم الدهر ؟ فقال سلمان انا يا رسول الله قال رسول الله: فأيكم يحيى الليل ؟ قال سلمان: انا يا رسول الله، قال: فأيكم يختم


[ 281 ]

القرآن في كل يوم ؟ فقال سلمان: انا يا رسول الله فغضب بعض اصحابه، فقال يا رسول الله ان سلمان رجل من الفرس يريد ان يفتخر علينا معاشر قريش قلت: ايكم يصوم الدهر فقال: أنا وهو يأكل اكثر أيامه وقلت ايكم يحيى الليل ؟ فقال انا وهو اكثر ليله نائم وقلت ايكم يختم القرآن في كل يوم ؟ قال: انا وهو اكثر نهاره صامت فقال النبي (صلى الله عليه وآله): مه يا فلان انى لك بمثل لقمان الحكيم سله فانه ينبئك فقال الرجل يا ابا عبد الله الست زعمت انك تصوم الدهر ؟ فقال: نعم، قال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل، فقال: ليس حيث تذهب إليه انى أصوم الثلاثة في الشهر، فقال الله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها واصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر، فقال الست زعمت انك تحيى الليل كله ؟ فقال: نعم قال: انت اكثر ليلك نائم، فقال: ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من بات على طهر فكأنما أحيا الليل فأنا أبيت على طهر فقال: الست زعمت انك تختم القرآن في كل يوم ؟ قال نعم قال: فأنت اكثر ايامك صامت، فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: يا أبا الحسن مثلك في امتى مثل قل هو الله أحد فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثى القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فقد ختم القرآن كله فمن احبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن احبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثى الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان والذى بعثنى يا علي لو أحبك أهل الارض كمحبة أهل السماء لما عذب أحد بالنار وانا اقرأ قل هو الله أحد كل يوم ثلاث مرات فقام فكأنه القم حجرا. قيل لامير المؤمنين ” عليه السلام “: حدثنا عن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) حدثنا عن أبى ذر قال علم العلم ثم اوكاه وربط عليه ربطا شديدا. فقالوا: فعن حذيفة قال: تعلم اسماء المنافقين قالوا: فعن عمار بن ياسر، قال مؤمن ملى مشاشة إيمانا نسى إذا ذكر ذكر. قيل فعن عبد الله بن مسعود قال: قرأ القرآن فنزل عنده، قالوا: فحدثنا على سلمان قال: ادرك العلم الاول والآخر وهو بحر لا ينزح، وهو منا أهل البيت قالوا: فحدثنا عنك يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت اعطيت وإذا سكت ابتديت. قال ابن عباس: رأيت سلمان الفارسى رحمه الله في منامي، فقلت: له يا سلمان الست مولى النبي ؟ قال بلى فإذا عليه تاج من ياقوت، وعليه حلى وحلل فقلت: يا سلمان


[ 282 ]

هذه منزلة حسنة اعطاكها الله تعالى ؟ فقال: نعم قلت: فما رأيت في الجنة افضل بعد الايمان بالله ورسوله قال: ليس في الجنة بعد الايمان بالله ورسوله شئ هو افضل من حب علي بن أبى طالب والاقتداء به. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ان الجنة لاشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة وان الجنة لاعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة. قال الباقر ” عليه السلام “. جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي ” عليه السلام ” فقالوا له انت والله أمير المؤمنين وانت والله احق الناس واولاهم بالنبي (صلى الله عليه وآله) هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك، فقال علي ” عليه السلام “. ان كنتم صادقين فاغدوا على غدا محلقين فحلق علي ” عليه السلام ” وحلق سلمان وحلق المقداد، وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم ثم انصرفوا فجاؤا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له. انت والله أمير المؤمنين وانت احق الناس وأولاهم بالنبي هلم يدك نبايعك وحلفوا، فقال ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق إلا هؤلاء الثلاثة قلت. فما كان منهم عمار ؟ قال لا قلت. فعمار من أهل النفاق فقال ان عمارا قد قاتل مع علي عليه السلام. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “. يا سلمان اذهب إلى فاطمة ” عليه السلام ” فقل لها. اتتحفينى من تحف الجنة فذهب إليها سلمان فإذا بين يديها ثلاث سلال فقال لها يا بنت رسول الله افتتحفيني ؟ قالت هذه سلال جاءني بهن ثلاث وصائف فسألتهن عن اسمائهن فقالت واحدة انا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: انا ذرة لابي ذر وقالت الاخرى انا مقدودة لمقداد ثم قبضت قبضة فناولتني فما مررت بملا إلا ملئوا طيبا لريحها. قال أبو الحسن موسى ” عليه السلام “. إذا كان يوم القيامة ينادى مناد أين حوارى محمد ابن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وابوذر ثم ينادى أين حوارى علي بن أبى طالب وصى محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعى ومحمد بن أبى بكر وميثم بن يحيى الثمار مولى بنى أسد واويس القرنى ثم ينادى المنادى أين حوارى حسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فيقوم سفيان بن ليلى الهمداني وحذيفة بن أسد الغفاري، ثم قال ينادى أين حوارى حسين بن علي ؟ فيقوم من استشهد معه ولم يتخلف عليه قال: ثم ينادى أين حوارى علي بن الحسين ؟ فيقوم جبير بن مطعم، ويحيى بن ام الطويل


[ 283 ]

وابو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب، ثم ينادى أين حوارى محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد ؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن اعين وبريد بن معاوية العجلى ومحمد بن مسلم وابو بصير وليث بن البحترى المرادى، وعبد الله بن أبى يعفور وعامر ابن عبد الله بن جذاعة، وحجر بن زائدة وحمران بن اعين، ثم ينادى سائر الشيعة مع سائر الائمة عليهم السلام يوم القيامة فهؤلاء اول السابقين واول المقربين واول المتحورين من التابعين. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ان الله تعالى امرني بحب اربعة قالوا ومن هم يا رسول الله ؟ قال: علي بن أبى طالب ثم سكت، ثم قال ان الله تعالى امرني بحب اربعة قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: علي بن أبى طالب، ثم سكت ثم قال ان الله أمرنى بحب اربعة قالوا: ومن هم يا رسول الله ؟ قال: علي بن أبى طالب والمقداد بن الاسود وابوذر الغفاري، وسلمان الفارسى، ذكر سلمان الفارسى عند أبى جعفر ” عليه السلام “. قال أبو جعفر: مه لا تقولوا سلمان الفارسى، ولكن قولوا: سلمان المحمدى ذاك رجل منا أهل البيت، قال أبو جعفر ” عليه السلام “: جلس عدة من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينتسبون وفيهم سلمان الفارسى، وان عمر سأله عن نسبه وأصله، فقال: انا سلمان ابن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد فهذا حسبى ونسبي، ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدثه سلمان وشكا إليه ما لقى من القوم وما قال لهم فقال: النبي (صلى الله عليه وآله) يا معشر قريش ان حسب الرجل دينه ومروته خلقه واصله عقله. قال الله تعالى: انا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم، يا سلمان لا لاحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله فان كان التقوى لك عليهم فانت افضل، قال عمرو بن يزيد قال سلمان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي إذا حضرك أو اخذك الموت حضر اقوام يجدون الريح ولا يأكلون، ثم اخرج صرة من مسك فقال: هبة اعطانيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بلها ونضحها حوله ثم قال لامرأته قومي اجيفى الباب فقامت واجافت الباب فرجعت وقد قبض رضى الله عنه. وقال أبو علي المروزى المحمودى رفعه. قال أبو ذر الذى قال له: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على


[ 284 ]

ذى لهجة اصدق من أبى ذر يعيش وحده ويموت وحده، ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين، ووصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستخلافه إياه فنفوه عن حرم الله وحرم رسول الله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطأ وهو يصيح فيهم وقد جاز القطار تحمل النار سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا فقتلوه فقرا وجوعا وضرا وصبرا. (وروى): ان أبا ذر مكث بالربذة حتى مات، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته اذبحي شاة من غنمك واصنعيها فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فأول ركب ترينهم قولى: يا عباد الله الصالحين هذا أبو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قضى نحبه ولقى ربه فأعينوني عليه فأجيبوه فان رسول الله اخبرني انى أموت في ارض غربة وانه يلى غسلى ودفني والصلاة على رجال من امته الصالحون. قال محمد بن علقمة: خرجت في رهط اريد الحج منهم مالك بن الحارث الاشتر وعبد الله بن قفل التيمى، ورفاعة بن شداد البجلى حتى قدمنا الربذة فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد هلك غريبا ليس لى أحد يعيننى عليه، قال: فنظر بعضهم إلى بعض فحمدنا الله عل ما ساق فاسترجعنا لعظيم المصيبة، ثم اقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى اخرج من بيننا بالسواء ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الاشتر فصلى بنا عليه ثم دفناه فقام الاشتر على قبره، ثم قال: اللهم ان هذا أبو ذر صاحب رسولك عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم يبدل لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى جفى ونفى وحرم واحتقر، ثم مات وحيدا غريبا اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك، قال فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين ثم قدمت الشاة التى صنعت فقالت أيها الصالحون قد اقسم عليكم ان لا تبرحوا حتى تتغذوا فتغذينا وارتحلنا. قال الصادق عليه السلام: دخل أبو ذر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جبرئيل فقال جبرئيل ” عليه السلام “: من هذا يا رسول الله ؟ قال: أبو ذر قال أما انه في السماء اعرف منه في الارض. قال الصادق ” عليه السلام “: ارسل عثمان إلى أبى ذر موليين ومعهما مئتى دينار فقال لهما


[ 285 ]

انطلقا بها إلى أبى ذر فقولا له عثمان يقرأك السلام وهو يقول لك: هذه مائتي دينار فاستعن بها على ما نابك، فقال أبو ذر: فهل اعطى أحدا من المسلمين مثل ما اعطاني فقالا لا قال فانا رجل من المسلمين يسعنى ما يسع المسلمين فقالا له انه يقول هذا من صلب مالى وبالله الذى لا إله إلا هو ما اخالطها حراما ولا بعثت بها اليك إلا من حلال فقال: لا حاجة لى فيها وقد اصبحت يومى هذا وانا من اغنى الناس فقالا له عافاك الله واصلحك ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا مما تستمتع به فقال: بلى تحت هذا الاكاف الذى ترون رغيفا شعيرا قد أتى عليها أيام فما اصنع بهذه الدنانير لا والله حتى يعلم الله وانى لا اقدر على قليل ولا كثير، ولقد اصبحت غنيا بولاية علي بن أبى طالب وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فكذلك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول انه لقبيح بالشيخ يكون كذا بافردهما عليه واعلماه انه لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى القى الله ربى فيكون هو الحاكم فيما بينه وبيني. قال أبو الحسن ” عليه السلام “: قال أبو ذر ” رض “: من جزاه الله عنه الدنيا خيرا فجزاه الله عنى مذمة بعد رغيفي شعيرا اتغذى بأحدهما واتعشى بالآخر وبعد شملني صوف أتزر بأحدهما وأرتدى بالاخرى. قال: قال ان ابا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينه فخافوا عليهما فقيل يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك، فقال: انى عنهما لمشغول وما عناني اكبر فقيل: ما شغلك عنهما ؟ قال: العظيمتان الجنة والنار، وقيل عند الموت يا أبا ذر ما مالك ؟ قال: عملي قالوا: إنما نسألك عن الذهب والفضة، قال ما اصبح فلا امسى وما امسى فلا اصبح لنا كندوج فيه حرمتا عنا سمعت خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كندوج المرء قبره. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد ان ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى زهد أبى ذر. قيل لابي جعفر ” عليه السلام “: ما تقول في عمار: قال رحم الله عمار ثلاثا قاتل مع أمير المؤمنين عليه السلام وقتل شهيدا. قال الراوى: فقلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة فالتفت الي وقال لعلك تقول مثل الثلاثة هيهات هيهات، قال قلت: وما علمه انه يقتل في ذلك اليوم قال: انه لما رأى الحرب لا تزداد إلا الشدة، والقتل لا يزداد إلا الكثرة ترك الصف وجاء إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال يا أمير المؤمنين هو هو ؟ قال. ارجع إلى صفك فقال


[ 286 ]

له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول: ارجع إلى صفك، فلما كان في الثالثة قال له: نعم فرجع إلى صفه، وهو يقول: اليوم القى الاحبة محمدا وحزبه. (وروى) انه أتى عمار يومئذ بلبن فضحك، ثم قال: قال لى رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخر شراب تشربه في الدنيا مذقة من لبن. (وروى) انه ابصر عبد الله بن عمر رجلان يختصمان في رأس عمار رضى الله عنه يقول هذا: انا قتلته، ويقول هذا انا قتلته، فقال ابن عمر: يختصمان أيهما يدخل النار اولا ثم قال. سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: قاتله وسالبه في النار فبلغ ذلك معاوية، فقال ما نحن قتلناه إنما قتله من جاء به. وقال ابن الفارسى: اقول انه يلزم معاوية على هذا القول ان يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قاتل حمزة وجعفر والشهداء لانه هو الذى جاء بهم. (وروى) انه لما قتل عمار رضى الله عنه اتوا حذيفة رضى الله عنه فقالوا يا أبا عبد الله قتل هذا الرجل، وقد اختلف الناس فما تقول ؟ قال أما إذا أبيتم فاجلسوني قال فأسندوه إلى صدر رجل منهم. وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله). يقول: أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتى يموت، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله. ما خير عمار بين امرين إلا اختار أشدهما. وقال رسو الله (صلى الله عليه وآله). ان الجنة تشتاق إلى ثلاثة: قال علي ” عليه السلام “. من هؤلاء الثلاثة ؟ قال: انت منهم وانت اولهم، وسلمان الفارسى فانه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو كثير خيره مضئ نوره عظيم أجره. قال الصادق ” عليه السلام “: ما من أهل بيت إلا ومنهم نجيب وأنجب النجباء من أهل بيتى محمد بن أبى بكر. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام وعمار بن ياسر من السابقين والمقداد بن الاسود من المجتهدين ولكل شئ فارس وفارس القرآن عبد الله بن العباس. وقد ذكرنا يسيرا من فضل جابر بن عبد الله الانصاري في باب مناقب الباقر ” عليه السلام “


[ 287 ]

فلو ذكرنا فضائل الصحابة باجمعهم واستوفينا مناقبهم لطال الكتاب وخرج من الغرض وهذا كاف إنشاء الله. قال محمد بن أبى طلحة العونى: سلام على سلمان من بعد سادتي * سلام على عمارها وأبى ذر سلام على المقداد منى واننى * ابيت وفى قلبى احر من الجمر فقال أبو فراس الحارث بن سعيد الهمداني: هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا قصت الاخلاق والشيم كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم مجلس في ذكر مناقب اصحاب الائمة وفضائل الشيعة والابدال قال الله تعالى في سورة يونس: (ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم). وقال في سورة الاحزاب: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا). وقال في سورة الحجرات: (إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم). وقال في سورة الحديد: (والذين آمنوا بالله ورسوله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم). (وروى) ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” خرج يوما إلى بستان البرى موضع في ظهر الكوفة ومعه اصحابه فجلس تحت نخلة، ثم أمر بنخلة فلقطت فأنزل منها رطب فوضع بين أيديهم فقال رشيد الهجرى يا أمير المؤمنين: ما اطيب هذا الرطب ؟ فقال: يا رشيد أما انك تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت اختلف إليها طرفي النهار اسقيها ومضى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” قال رشيد: فجئتها يوما وقد قطع سعفها قلت اقترب اجلى ثم جئت


[ 288 ]

يوما فجاء العريف فقال: اجب الامير فأتيته، فلما دخلت القصر إذا بخشب ملقى ثم جئت يوم آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقا يستقى الماء عليه فقلت ما كذبني خليلي فأتاني العريف فقال أجب الامير فأتيته، فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى وإذا فيه الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، ثم قلت لك غذيت ولى انبت ثم ادخلت على عبيد الله بن زياد، فقال: هات من كذب صاحبك، قلت: والله ما أنا بكذاب ولقد اخبرني انك تقطع يدى ورجلي ولساني، فقال إذا نكذبه اقطع يده ورجله واخرجوه، فلما حمل إلى اهله اقبل يحدث الناس بالعظائم وهو يقول سلونى فان للقوم عندي طلبة لم يقضوها فدخل رجل على ابن زياد فقال له ما صنعت قطعت يده ورجله وهو يحدث الناس بالعظائم قال فارسل إليه فردوه وقد انتهى إلى بابه فردوه فأمر بقطع لسانه ويديه ورجليه وأمر بصلبه. (وروى) ان ميثم التمار أتى دار أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقيل له: انه لنائم فنادى بأعلى صوته انتبه أيها النائم فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك فانتبه أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال: ادخلوا ميثما، فقال له: أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك فقال صدقت وانت والله ليقطع يداك ورجلاك ولسانك وليقطعن النخلة التى بالكناسة فتشق اربع قطعات وتصلب انت على ربعها، وحجر بن عدى على ربعها ومحمد بن اكثم على ربعها وخالد بن مسعود على ربعها. قال ميثم: فشككت في نفسي فقلت ان عليا ليخبرنا بالغيب فقلت له: أو كائن ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: أي ورب الكعبة كذا عهده النبي (صلى الله عليه وآله) قال قلت له: من يفعل ذلك بى يا أمير المؤمنين ؟ قال ليأخذك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيد الله بن زياد قال: فكان يخرج إلى الجبانة وانا معه فيمر بالنخلة فيقول: يا ميثم ان لك ولها شأنا من الشأن قال: فلما ولى عبيد الله بن زياد الكوفة، ودخلها تعلق علمه بالنخلة فأمر بقطعها فاشتراها رجل من النجارين فشقها اربع قطع، قال ميثم فقلت لصالح ابني فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمى واسم أبى ودقة في بعض تلك الاجذاع، فلما مضى بعد ذلك أيام أتونى قوم من أهل السوق، فقالوا يا ميثم انهض معنا إلى الامير نشكو إليه عامل السوق ونسأله ان يعزله عنا ويولى علينا غيره، قال: وكنت خطيب القوم فصنت لي واعجبه منطقى، قال له عمرو بن حريث: اصلح الله الامير تعرف هذا المتكلم ؟ قال


[ 289 ]

ومن هو ؟ قال هذا ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبى طالب قال فاستوى جالسا فقال لى: ما يقول ؟ فقلت كذب اصلح الله الامير بل انا الصادق مولى الصادق علي بن أبى طالب أمير المؤمنين حقا، فقال لي: لتبرأن من علي ولتذكرن مساويه وتتولى عثمان وتذكر محاسنه أو لاقطعن يديك ورجليك ولاصلبنك فبكيت، قال لي بكيت من القول دون الفعل، فقلت والله ما بكيت من القول، ولا من الفعل ولكني بكيت من شك كان دخلنى يوم خبرني سيدى ومولاى، قال لى: وما قال لك ؟ قال قلت أتيت الباب فقيل لى انه لنائم فناديت انتبه أيها النائم فو الله لتخضبن لحيتك من رأسك قال: صدقت وانت والله ليقطعنك يديك ورجليك ولسانك ولتصلبن فقلت. ومن يفعل ذلك بى يا أمير المؤمنين ؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيد الله بن زياد قال. فامتلا غيظا ثم قال. والله لاقطعن يديك ورجليك ولادعن لسانك حتى اكذبك واكذب مولاك فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم اخرج فأمر به ان يصلب فنادى بأعلا صوته أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فاجتمع الناس واقبل يحدثهم بالعجائب، قال وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال. ما هذه الجماعة ؟ قالوا ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبى طالب قال فانصرف مسرعا، فقال اصلح الله الامير بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه فانى لست آمن ان يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك قال فالتفت إلى حرس فوق رأسه فقال اذهب فاقطع لسانه قال: فأتاه الحرسى فقال له. يا ميثم قال ما تشاء ؟ قال اخرج لسانك فقد أمرنى الامير بقطعه، فقال ميثم: ألا زعم ابن الامة الفاجرة انه يكذبنى ويكذب مولاى هاك لساني فاقطع، قال فقطع لسانه وشحط ساعة في دمه ثم مات رحمة الله عليه وأمر به فصلب قال صالح فمضيت بعد ذلك بأيام فإذا هو قد صلب على الربع الذى كنت دققت المسمار فيه. قال النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لاصحابه ابشروا برجل من امتى يقال له اويس القرنى فانه يشفع بمثل ربيعة ومضر، ثم قال لعمر: يا عمر إن ادركته فاقرأه منى السلام فبلغ عمر مكانه بالكوفة فجعل يطلبه في الموسم لعله ان يحج حتى وقع إليه هو واصحابه له وهو من اخسهم هيئة وارثهم حالا، فلما سأل عنه انكروا ذلك وقالوا يا أمير المؤمنين تسأل عن رجل لا يسأل عنه مثلك قال فلم ؟ قالوا: لانه عندنا مغمور في عقله وربما عبث به


[ 290 ]

الصبيان قال عمر ذاك احب لى، ثم وقف عليه فقال: يا اويس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اودعني اليك رسالته وهو يقرأ عليك السلام، وقد اخبرني انك تشفع بمثل ربيعة ومضر فخر اويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى له دمعة حتى ظنوا انه مات ونادوه يا اويس هذا أمير المؤمنين فرفع رأسه، ثم قال يا أمير المؤمنين افاعل ذلك ؟ قال نعم يا اويس فادخلني في شفاعتك فأخذ الناس في طلبه والتمسح به فقال: يا أمير المؤمنين شهرتني واهلكتنى وكان يقول كثيرا ما لقيت من عمر ثم قتل بصفين في الرجالة مع علي ابن أبى طالب ” عليه السلام ” قال سعيد بن المسيب كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي ابن الحسين زين العابدين، فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين سبح في سجوده فلم يبق شجر، ولا مدر إلا سبحوا معه ففرغنا فرفع رأسه، فقال يا سعيد افرغت ؟ فقلت نعم يا بن رسول الله، قال: هذا التسبيح الاعظم وقال أبو عبد الله ” عليه السلام ” ان سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين فكان علي يثنى عليه شئ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الامر، وكان مستقيما وذكر انه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال انت شقى بن كسير، قال امى كانت اعرف باسمى سمتنى سعيد بن جبير قال: ما تقول في أبى بكر وعمر هما في الجنة أو في النار ؟ قال: لو دخلت الجنة، ورأيت اهلها لعلمت من فيها ولو دخلت النار ورأيت اهلها لعلمت من فيها، قال: فما قولك في الخلفاء ؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال ايهم احب اليك ؟ قال ارضاهم لخالقي، قال فأيهم ارضى للخالق قال: علم ذلك عند الذى يعلم سرهم ونجواهم، قال: أبيت ان تصدقني قال: بل لم احب ان اكذبك. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: زرارة وابو بصير، ومحمد بن مسلم وبريد من الذين قال الله تعالى: والسابقون السابقون اولئك المقربون. وقال عليه السلام: ما أحيا ذكرنا وأحاديث أبى عبد الله ” عليه السلام ” إلا زرارة وابو بصير ليث المرادى ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية البجلى، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وامناء أبى علي حلال الله وحرامه، وهم السابقون الينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة، وقد ذكرنا طرفا من مناقب اصحاب الائمة عليهم السلام ولو خضت في استيفاء ذكرهم وذكر مناقبهم لطال به الكتاب فمن أراد استيفاء ذلك فعليه باختيار الشيخ أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى من كتاب


[ 291 ]

أبى عمرو الكشى فليطلب منه فانه يجد هناك مراده ان شاء الله. وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: ان الله تعالى اعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا في دينه والفلاح في الآخرة والمهابة في صدور العالمين. وقال أحدهما عليهما السلام: ليس تخلوا الارض من اربعة من المؤمنين وقد يكونون اكثر ولا يكونون اقل من اربعة، وذلك ان الفسطاط لا يقوم إلا بأربعة اطناب والعمود في وسطه. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: المؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النور. وقال عليه السلام: كمال الرجال بست خصال: باصغريه واكبريه وهيبتيه فأما اصغراه فقلبه ولسانه ان قال قال بجنان وان تكلم: تكلم ببيان، وأما اكبراه فعقله وهمته وأما هيبتاه فماله وجماله. قال علي بن الحسين عليهما السلام: الناس في زماننا على ست طبقات: أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير وشاة، فأما الاسد فملوك الدنيا يحب كل واحد أن يغلب ولا يغلب وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا، ويمدحون إذا باعوا، وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون باديانهم، ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بالسنتهم، واما الخنزير فهؤلاء المخنثون واشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا اجابوه، وما الكلب يهر من على الناس بلسانه ويكرهه الناس من شر لسانه، واما الشاة الذين يجز شعورهم ويؤكل لحومهم ويكسر عظمهم فكيف تصنع الشاة بين اسد، وذئب وثعلب وكلب وخنزير. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: للمؤمن على المؤمن سبع حقوق واجبات ما فيها حق إلا وهو عليه واجب ان خالفه خرج من ولاية الله وترك طاعة الله ولم يكن لله فيه نصيب قال: قلت جعلت فداك حدثنى ماهن ؟ قال: ايسر حق منها ان يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، والحق الثاني: ان يمشى في حاجته، ويبتغى رضاه ولا يخالف قوله، والحق الثالث: ان تصله بنفسك ومالك، ويدك ورجلك ولسانك والحق الرابع: ان يكون عينه ودليله، ومرآته وقميصه، والحق الخامس: ان لا تشبع ويجوع ولا تلبس ويعرى، ولا تروى ويظمأ، والحق السادس ان يكون لك خادم وامرأة وليس لاخيك امرأة ولا خادم ان تبعث خادمك فيغسل ثيابه، ويصنع طعامه


[ 292 ]

ويمهد فراشه فان ذلك كله إنما جعل بينك وبينه، والحق السابع ان تبر قسمه وتجيب دعوته وتشهد جنازته، وتعوده في مرضه وتشخص ببدنك في قضاء حاجته ولا تحوجه إلى ان يسألك ولكن تبادر إلى قضاء حوائجه، فإذا فعلت ذلك به وصلت ولايته بولايتك وولايتك بولاية الله تعالى. وقال عليه السلام: ينبغى للمؤمن ان يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز صبور عند البلاء شكور عند الرخاء قانع بما رزقه الله لا يظلم الاعداء ان العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والصبر أمير جنده والرفق اخوه والدين والده. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله تعالى الاجلال في عينيه والود في صدره، والمواساة له في ماله وان يحرم غيبته وان يعوده في مرضه وان يشيع جنازته، وان لا يقول فيه بعد موته إلا خيرا. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد اسرفوا في المعاصي وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين ناداهم جل جلاله وتقدست اسماؤه، يا أهل معصيتى لولا من فيكم من المؤمنين المتحابين بحلالى العامرين بصلاتهم ارضى ومساجدي، والمستغفرين بالاسحار خوفا منى لانزلت بكم عذابي ولا ابالى. وقال عليه السلام: من سائته سيئة، وسرته حسنة فهو مؤمن. وقال الصادق ” عليه السلام “: قضاء حاجة المؤمن افضل من الف حجة متقبلة بمناسكها وعتق الف رقبة لوجه الله، قضاء المؤمن افضل من الف حجة متقبلة بمناسكها، وعتق الف رقية لوجه الله، وحملان الف فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها. وقال عليه السلام: من رأى اخاه على امر يكرهه فلم يرده عنه وهو يقدر عليه فقد خانه ومن لم يجتنب مصادقة الاحمق اوشك ان يتخلق باخلاقه. وقال عليه السلام: لا ينفك المؤمن من خصال اربع: جبار يؤذيه، وشيطان يغويه ومنافق يقفو أثره، ومؤمن يحسده. قال سماعة قلت: جعلت فداك ومؤمن يحسده ؟ قال يا سماعة اما انه اشدهم عليه قلت وكيف ذاك ؟ قال لانه يقول فيه القول فيصدق عليه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف الله، وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام، قالوا: بآبائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء اولياء


[ 293 ]

الله ؟ قال: ان اولياء الله إذا سكتوا كان سكوتهم فكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا الآجال التى كتبت عليهم لم يستقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يعذب الله أهل قرية وفيها مئة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين ولا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسة من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين. (وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة، فقال مرحبا بالبيت ما اعظمك واعظم حرمتك على الله ووالله للمؤمن اعظم حرمة منك لان الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه وان يظن به ظن السوء. وقال أيضا صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنا فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله عزوجل، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والانجيل والزبور والفرقان. وقال صلى الله عليه وآله: مثل المؤمن كمثل ملك مقرب، وان المؤمن اعظم عند الله واكرم عليه من ملك مقرب وليس شئ احب إلى الله من مؤمن تائب، ومؤمنة تائبة وان المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل في اهله وولده. مجلس في ذكر فضائل الشيعة قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: الشيعة ثلاث: محب واد فهو منا، ومتزين بنا ونحن زين لمن تزين بنا ومستأكل بنا الناس، ومن استأكل بنا افتقر. وعنه عليه السلام قال: امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند اسرارهم كيف حفظهم عند عدونا، والى اموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فينا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي بشر شيعتك وانصارك بخصال عشر: (أولها) طيب المولد.


[ 294 ]

(وثانيها) حسن إيمانهم بالله. (وثالثها) حب الله عزوجل لهم. (ورابعها) الفسحة في قبورهم. (وخامسها) النور على صراط بين اعينهم. (وسادسها) نزع الفقر من بين اعينهم وعن قلوبهم. (وسابعها) المقت من الله لاعدائهم. (وثامنها) الامن من الجذام يا علي. (وتاسعها) انحطاط الذنوب والسيئات عنهم. (وعاشرها) هم معى في الجنة وأنا معهم. وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: إنما شيعة علي ” عليه السلام ” الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم خمصة بطونهم متغيرة ألوانهم مصفرة وجوههم، إذا جنهم الليل اتخذوا الارض فراشا واستقبلوا الارض بجباههم، كثيرة سجودهم كثيرة دموعهم، كثير دعاءهم كثير بكاؤهم يفرح الناس وهم يحزنون. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: أيكتفى من انتحل التشيع ان يقول بحبنا أهل البيت فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير فكانوا امناء عشائرهم في الاشياء، فقال جابر: يا بن رسول الله لست اعرف أحدا بهذه الصفة فقال عليه السلام: يا جابر لا يذهبن بك المذاهب حسب الرجل ان يقول احب عليا وأتولاه، فلو قال انى احب رسول الله فرسول الله خير من على، ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنة ما نفعه حبه إياه شيئا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله واكرمهم عليه اتقاهم له، واعلمهم بطاعته، والله ما يتقرب إلى الله تعالى إلا بالطاعة ما معنا برائة من النار، ولا على الله لاحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولى، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا ينال ولايتنا إلا بالورع والعمل. وقال الصادق ” عليه السلام “: خرجت انا وأبى عليهما السلام حتى إذا كنا بين القبر والمنبر


[ 295 ]

إذ هو باناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال: انى والله لاحب ريحكم وارواحكم فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا ان ولايتنا لا تنال إلا بالعمل والاجتهاد من إئتم منكم بعبد فليقتد بعمله انتم شيعة الله وانتم انصار الله، وانتم السابقون الاولون والسابقون الآخرون إلينا السابقون في الدنيا إلى ولايتنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنة قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسول الله على درجات الجنة ليس أحد اكثر ازواجا منكم فتنافسوا في فضائل الدرجات انتم الطيبون، ونسائكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء وكل مؤمن صديق، ولقد قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لقنبر: يا قنبر ابشر وبشر واستبشر ولقد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على امته ساخط إلا الشيعة، ألا وان لكل شئ عروة وعروة الاسلام الشيعة ألا وان لكل شئ دعامة ودعامة الاسلام الشيعة ألا وان لكل شئ شرفا وشرف الاسلام الشيعة، ألا وان لكل شئ سيدا وسيد المجالس مجالس الشيعة، ألا وان لكل شئ إماما وإمام الارض ارض يسكنها الشيعة، والله لولا ما في الارض منكم لما انعم الله على أهل خلافكم، ولا اصابهم الطيبات ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب كل ناصب وان تعبد واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية: (عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع) كل ناصب مجتهد فعمله هباء شيعتنا ينظرون بنور الله عزوجل ومن خالفهم يتقلب والله ما من عبد من شيعتنا ينام إلا اصعد الله عزوجل بروحه إلى السماء فان كان قد أتى عليه أجله جعله الله في كنوز رحمته وفى رياض جنته وفى ظل عرشه وان كان اجله متأخرا عنه بعث به مع امينه من الملائكة إلى الجسد الذى خرج منه ليسكن فيه والله ان حجاجكم وعماركم لخاصة الله، وان فقرائكم لاهل الغنا وان أغنيائكم لاهل القنوع وانكم كلكم لاهل دعوة الله وأهل اجابته. وقال الباقر ” عليه السلام “: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد، فقال إذا احسنوا استبشروا وإذا اساؤا استغفروا وإذا اغنوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا غفروا. وقال امير المؤمنين ” عليه السلام “: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما ابغضنى ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على ان يحبنى ما احبني وذلك انه قضى فانقضى على لسان النبي الامي انه قال: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق. وقال على بن الحسين عليهما السلام: إذا قام قائمنا اذهب الله عن شيعتنا العاهة


[ 296 ]

وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة اربعين رجلا ويكونون حكام الارض وسنامها. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلى ” عليه السلام “: يا على شيعتك هم الفائزون يوم القيامة فمن أهان واحدا منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني ادخله الله نار جهنم وبئس المصير، يا علي انت منى وانا منك روحك من روحي وطينتك من طينتي وشيعتك خلقوا من فاضل طينتنا فمن احبهم فقد أحبنا ومن ابغضهم فقد ابغضنا ومن عاداهم فقد عادانا ومن ودهم فقد ودنا يا علي شيعتك مغفور لهم على ما كان فيهم من ذنوب وعيوب يا علي انا الشفيع لشيعتك غدا إذا قمت المقام المحمود فبشرهم بذلك يا علي شيعتك شيعة الله وانصارك انصار الله، واوليائك أولياء الله وحزبك حزب الله. يا علي: سعد من تولاك وشقي من عاداك، يا علي لك كنز في الجنة، وانت ذو قرنيها. (وروى) انه رأى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” رجلا من شيعته بعد عهد طويل وقد أثر السن فيه وكان يتجلد في مشيه، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين فقال ” عليه السلام “: انك لتتجلد قال: على اعدائك يا أمير المؤمنين، فقال ” عليه السلام ” اجد فيك بقية، قال هي لك يا أمير المؤمنين. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى يبعث اناسا وجوههم من نور على كراسي من نور عليهم ثياب من نور في ظل العرش بمنزلة الانبياء وليسوا بالانبياء وبمنزلة الشهداء وليسوا بالشهداء، فقال رجل: انا منهم يا رسول الله ؟ قال: لا قال الآخر: انا منهم يا رسول الله ؟ قال: لا، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال: فوضع يده على رأس علي وقال هذا وشيعته. وقال صلى الله عليه وآله: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده فان الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة. وقال عليه السلام: رب اشعث اغبر ذى طمرين مدقع بالابواب لو اقسم على الله لابره. وقال جابر بن عبد الله الانصاري: ان شيعة علي والائمة من ولده هم الفائزون


[ 297 ]

الآمنون يوم القيامة اما ترون ان رجلا خرج يدعو الناس إلى ضلالة من كان اقرب الناس منه قالوا شيعته وانصاره قال: ان خرج ويدعوا الناس إلى هدى من كان اقرب الناس منه قالوا: شيعته وانصاره، قال فكذلك علي بن أبى طالب بيده لواء الحمد يوم القيامة اقرب للناس منه شيعته وانصاره. وقال الباقر ” عليه السلام “: ما من عبد من شيعتنا يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يصلون خلفه يدعون الله له حتى يفرغ من صلاته. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يدخل الجنة سبعون الفا من امتى لا حساب عليهم ثم التفت إلى علي، فقال: هم شيعتك وانت إمامهم. قال جابر: كنت ذات يوم عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ اقبل بوجهه على علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فقال: ألا أبشرك يا أبا الحسن ؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: هذا جبرئيل يخبرني عن الله تعالى انه اعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند الوحشة والنور عند الظلمة، والامن عند الفزع والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط ودخول الجنة قبل سائر الناس نورهم يسعى بين ايدهم وبإيمانهم. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا مات المؤمن شيعه سبعون الف ملك إلى قبره فإذا دخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان من ربك وما دينك وما نبيك ؟ فيقول: ربى الله ومحمد نبيى والاسلام دينى فيفسحان له في قبره مد بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنة ويدخلان عليه الروح والريحان، وذلك قوله تعالى: فأما ان كان من المقربين فروح وريحان يعنى في قبره وجنة نعيم يعنى في الآخرة. ثم قال عليه السلام: إذا مات الكافر شيعه سبعون الفا من الزبانية إلى قبره وانه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شئ إلا الثقلان الجن والانس ويقول: لو ان لى كرة فأكون من المؤمنين ويقول رب ارجعوني لعلى اعمل صالحا فيما تركت فتجيبه الزبانية كلا انها كلمة هو قائلها ويناديهم ملك ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فإذا دخل قبره وفارقه الناس اتاه منكر ونكير في اهول صورة فيقيمانه ثم يقولان له: من ربك وما دينك وما نبيك ؟ فيتلجلج لسانه ولا يقدر على الجواب فيضربانه ضربة من عذاب اليم يذعر لها كل شئ ثم يقولان من ربك وما دينك ؟ فيقول: لا ادرى فيقولان لا دريت ولا هديت ولا افلحت ثم يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنم وذلك قول الله و


[ 298 ]

ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم يعنى في القبر وتصلية جحيم – يعنى في الآخرة قال الشاعر: أحب للناس ما لنفسك ترضى * ولهم فاكره الذى لا تريد ان أردت التقى فهذا هو الاصل * وإلا فأنت منه بعيد وأنشد: عسى أيها الساعي تصادفها بالبشر * وإلا من فما كنت تخشاها من النبي مثل الدر محكمة * قد قالها فيكم حقا وانشاها أنشد: إنا ندين بحب آل محمد * دينا ومن يحبهم يستحبب منا المودة والولاء ومن يرد * بدلا بآل محمد يستوجب ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد * حوض النبي وان يرده يضرب مجلس في ذكر فضائل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى في سورة آل عمران: (كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) يا امة محمد كنتم خير امة وقيل: هذه مدحة لهم ولم يكن الله يمدح قوما ثم يعذبهم. وقال الله تعالى في سورة الاعراف: (ورحمتي وسعت كل شئ) الآية. وقال: (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) – يعنى امة محمد – فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك الفضل الكبير فقدم الظالم لئلا يقنط من رحمته وأخر السابق لكيلا يعجب بنفسه ثم جمعهم بدخول الجنة بقوله جنات عدن يدخلونها. (وروى) عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال في هذه الآية: كلهم من أهل الجنة. (وروى) عنه: سابقنا سابق ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور. ويقال: ان سبب إسلام كعب الاحبار هذه الآية.


[ 299 ]

وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: السابق من يؤدى الفرض والسنن والفضائل والمقتصد الذى يؤدى الفرض ويقصر في السنن والفضائل، وقيل: ان الله تعالى اعطى هذه الامة مرتبة الخليل ومرتبة الكليم ومرتبة الحبيب فأما مرتبة الخليل فان ابراهيم ” عليه السلام ” سأل ربه خمس حاجات فاعطاها إياه بسؤاله: واعطى ذلك هذه الامة بلا سؤال سأل الخليل المغفرة بالتعريض، فقال في سورة الشعراء: والذى اطمع ان يغفر لى خطيئتي يوم الدين واعطى هذه الامة بلا سؤال فقال: يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا. والثانى: سأل الخليل. وقال في سورة الشعراء (ولا تخزني يوم يبعثون). وقال لهذه الامة: (يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه). والثالث سأل الخليل الوراثة. قال في الشعراء: (واجعلني من ورثة جنة النعيم). وقال لهذه الامة: (اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون). والرابع: سأل الخليل القبول فقال: (ربنا تقبل منا) وقال لهذه الامة وهو الذى يقبل التوبة عن عباده. والخامس: سأل الخليل الاعقاب الصالحة وقال: (رب هب لى من الصالحين) وقال لهذه الامة في سورة الانعام: (وهو الذى جعلكم خلائف في الارض) ثم اعطى الخليل ست مراتب بالسؤال واعطى هذه الامة جميع ذلك بلا سؤال. (الاول) قال للخليل: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما) وقال لهذه الامة: هو سماكم المسلمين. (والثانى) قال للخليل: (يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم) وقال لهذه الامة وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها. (والثالث) قال للخليل: وبشرناه بغلام حليم. وقال لهذه الامة: وبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا. (والرابع) قال للخليل: سلام على ابراهيم وقال لهذه الامة قل الحمد لله وسلام على


[ 300 ]

عباده الذين اصطفى. (والخامس) قال للخليل: (واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق). وقال لامة الحبيب: وعبادة الرحمن. (والسادس) قال للخليل: شاكرا لانعمه اجتباه، وقال لهذه الامة هو اجتباكم. واما مرتبة الكليم فان الله تعالى اعطى الكليم عشرة مراتب واعطى امة محمد عشرة أمثالها: الاول: قال للكليم: (وانجينا موسى). وقال لامة محمد: (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين). والثانى: (اعطى الكليم النصرة). فقال: (اننى معكما أسمع وأرى). وقال لهذه الامة: (ان الله مع الذين اتقوا). والثالث القربة. قال: (وقربناه نجيا). وقال لهذه الامة: (ونحن اقرب منكم). والرابع المنة. قال: (ولقد مننا على موسى وهارون). وقال لهذه الامة: بل الله يمن عليكم. والخامس: الامن والرفعة. قال الله تعالى: (ولا تخف انك انت الاعلى). وقال لهذه الامة: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين). والسادس: المعرفة والشرح في الصدر، قال الكليم: رب اشرح لى صدري فأعطاه ذلك بقوله: قد اوتيت سؤلك. وقال لامة محمد: (افمن شرح الله صدره للاسلام). والسابع: التيسر قال: ويسر لى امرى. وقال لهذه الامة: (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). والثامن الاجابة. قال الله تعالى: قد اجيبت دعوتكما.


[ 301 ]

وقال لهذه الامة: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله). والتاسع المغفرة. قال الكليم: (رب انى ظلمت نفسي فاغفر لى) فغفر له. وقال لامة محمد: يدعوكم ليغفر لكم ذنوبكم. والعاشر النجاح. قال: قد اوتيت سؤلك يا موسى. وقال لهذه الامة: (واتاكم من كل ما سألتموه) وفى ضمنها وما لم تسألوه كقوله سواء للسائلين أي لمن سأل ولمن لم يسأل. واما مرتبة الحبيب فان الله سبحانه اعطى حبيبه محمد (صلى الله عليه وآله) تسع مراتب واعطى امته مثلها تسعا. الاول: التوبة قال للحبيب: لقد تاب الله على النبي. وقال لامته: والله يريد ان يتوب عليكم. وقال: ثم تاب عليهم ليتوبوا. والثانى المغفرة. قال الله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك. وقال لامته: ان الله يغفر الذنوب جميعا. والثالث النعمة. قال له: ويتم نعمته عليك. وقال لامته: واتممت عليكم نعمتي. والرابع النصرة. قال: وينصرك الله نصرا عزيزا. وقال لامته: وكان حقا علينا نصر المؤمنين. والخامس: الصلاة قال: ان الله وملائكته يصلون على النبي. وقال لامته: هو الذى يصلى عليكم وملائكته. والسادس: الصفوة قال للحبيب: الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس يعنى محمدا.


[ 302 ]

وقال لامته: ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. والسابع الهداية قال للحبيب: ويهديك صراطا مستقيما. وقال لامته: (وان الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم). والثامن من السلام، قال للحبيب في ليلة المعراج: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وقال لامته: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربگم على نفسه الرحمة) والتاسع: الرضا قال للحبيب: ولسوف يعطيك ربك فترضى. وقال لامته: وليدخلنهم مدخلا يرضونه يعنى الجنة. ومن رحمة الله سبحانه على هذه الامة وتخصيصه إياهم دون الامم ما خص به شريعتهم من التخفيف والتيسير فقال: (يريد الله ان يخفف عنكم) وقال (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج). وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال: (يريد الله بكم اليسر). وقال: (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التى كانت عليكم). وكان مما انعم الله تعالى على هذه الامة ان الامم الماضية كانو إذا اصابهم بول أو غائط أو شئ من النجاسات كان تكليفهم قطعه، وابانته من اجسادهم وخفف عن هذه الامة بان جعل الماء طهورا لما يصيب ابدانهم واثوابهم. قال الله تعالى: (وانزلنا من السماء ماء طهورا). وقال: (وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به). ومنها انهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم يكونوا يواكلوهن ولا يجالسونهن وما اصاب الحائض من الفرش والثياب والاوانى غير ذلك نجس حتى لا يجوز الانتفاع به واباح لنا جميع ذلك إلا المجامعة. ومنها ان صلاتهم كانت خمسين وصلاتنا خمسة، وفيها ثواب الخمسين وزكاتهم ربع المال وزكاتنا العشر، وثوابه ثواب ربع المال. ومنها انهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام والشراب


[ 303 ]

والجماع إلى مثلها من الغد، واحل الله لنا السحر والوطى في ليالى الصوم. فقال: (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر) – يعنى بياض النهار من سواد الليل. وقال: (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) – يعنى الجماع. ومنها كانت الامم السالفة تجعل قربانها على اعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه ارسلت إليه نارا فأكلته ومن لم يقبل منه رجع مثبورا، وقد جعل الله تعالى قربان امة نبيه (صلى الله عليه وآله) في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبل ذلك منه اضعف له اضعافا مضاعفة ومن لم يقبل منه رفعت عنه عقوبات الدنيا. ومنها ان الله كتب عليهم في التوراة القصاص في القتل، والجراح ولم يرخص لهم في العفو واخذ الدية، ولم يفرق بين الخطأ والعمد في وجوب القصاص. وقال: وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس، ثم خفف عنا في ذلك فخير بين القصاص والدية والعفو، وفرق بين الخطأ والعمد. فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل إلى قوله: فمن عفى له من اخيه شئ فاتباع بالمعروف، واداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة). ومن ذلك تخفيف الله عزوجل عنهم في امر التوبة، فقال لبنى اسرائيل: وإذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم فكانت توبتهم ان يقتل بعضهم بعضا الاب ابنه والابن اباه، والاخ اخاه والام ولدها ومن فر من القتل أو دفع عن نفسه أو القى السيف بيده أو رحم على ذى رحمة لم يقبل توبته ثم أمرهم الله تعالى بالكف عن القتل بعد ان قتلوا سبعين الفا في مكان واحد فهذا توبتهم وجعل توبتنا الاستغفار باللسان، والندم بالجبان وترك العود بالابدان. فقال عزوجل: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم) الآية وقال افلا يتوبون إلى الله ؟. وقال: (الم قل للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله). ومن الامم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه التوبة وكفارتنا فيه غض البصر والتوبة بالقلب والعزم على ترك العود إليه.


[ 304 ]

وكان منهم من يلاقى بدنه بدن امرأة حراما فتكون التوبة منه ابانة ذلك العضو من نفسه وتوبتنا فيه الندم وترك العود إليه. ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية وخلوة فيخرج، وخطيئته مصورة على باب داره ألا ان فلان ابن فلان ارتكب البارحة خطيئة كذا وكذا، وكان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح وينهتك سره، ومن يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة: عبدى قد ستر ذنبه عن ابناء جنسه لقلة ثقته بهم والتجأ الي لعلة تتبعه رحمتى أشهد انى قد غفرتها له لثقته برحمتي فإذا كان في يوم القيامة واوقف للعرض والحساب يقول عبدى: انا الذى سترتها عليك في الدنيا، وانا الذى استره عليك اليوم. ومما فضل الله به هذه الامة ان قيض لهم الاكرمين من الملائكة، ويستغفرون لهم ويسترحمون بهم من الرحمة. فقال تعالى: (الذين يحملون العرش، ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا). ومنها انه جعلهم شهداء على الناس في الدنيا، وشهداء وشفعاء في الآخرة. قال صلى الله عليه وآله: المؤمنون شهداء في الارض فما رأوه حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا ليتنى قد لقيت اخواني فقيل يا رسول الله أو لسنا اخوانك آمنا بك وهاجرنا معك، واتبعناك ونصرناك ؟ قال: بلى ولكن اخواني الذين يأتون من بعدكم يؤمنون، ويحبونى كحبكم وينصرونى كنصركم ويصدقوني كتصديقكم يا ليتني قد لقيت اخواني. مجلس في ذكر الطهارة وثوابها قال الله تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم – إلى قوله: لعلكم تشكرون).


[ 305 ]

قال الباقر ” عليه السلام “: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم باصحابه صلاة الفجر ثم جلس معهم يحدثهم حتى طلعت الشمس فجعل الرجل يقوم بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان انصاري وثقفى، فقال لهما رسول الله: قد علمت ان لكما حاجة تريدان ان تسألاني عنها فان شئتما اخبرتكما بحاجتكما قبل ان تسألاني، وان شئتما تسألاني قالا: بل تخبرنا أنت يا رسول الله فان ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب واثبت للايمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله. أما أنت يا أخا الانصار فانك من قوم يؤثرون على انفسهم. وانت قروى وهذا الثقفى بدوى افتؤثره بالمسألة ؟ فقال نعم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اما انت يا اخا ثقيف فانك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك فيهما من الثواب فاعلم انك إذا ضربت يدك في الماء وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التى اكتسبتها يداك فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التى اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك بلفظه فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التى مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك وباقى الخبر نذكره في باب الصلاة إن شاء الله تعالى. قال أبو عبد الله الصادق ” عليه السلام “: بينا أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ذات يوم جالس مع ابن الحنفية إذ قال: يا محمد ائتنى باناء من ماء اتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فاكفى بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال: بسم الله وبالله والحمد لله الذى جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال: ثم استنجى، فقال: اللهم حصن فرجى واعفه واستر عورتى وحرمني على النار قال: ثم تمضمض وقال: اللهم لقنى حجتى حتى يوم القاك، واطلق لساني بذكرك ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها قال ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهى يوم تسود الوجوه، ولا تسود وجهى يوم تبيض الوجوه ثم غسل يده اليمنى، فقال: اللهم اعطني كتابي بيمينى، والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسرى فقال: اللهم لا تعطنى كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي واعوذ بك من مقطعات النيران، ثم مسح رأسه فقال اللهم غشنى برحمتك وبركاتك وعفوك، ثم مسح قدميه فقال اللهم ثبت قدمى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيى فيما يرضيك عنى ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال


[ 306 ]

يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولى خلق الله عزوجل من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويكتب الله عزوجل له ثواب ذلك إلى يوم القيامة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اول ما يمس الماء تباعد عنه الشيطان فإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة فإذا اشتنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة فإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه الوجوه وتسود فيه الوجوه، وإذا غسل ساعديه حرم الله عليه اغلال النار وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته وإذا مسح قدميه اجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، وان المؤمن إذا جامع اهله بسط سبعون الف ملك جناحيه وتنزل عليه الرحمة فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة. قال موسى: إلهى فما جزاء من اتم الوضوء من خشيتك قال: ابعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلالا له. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من امتى في والمنام قد بسط عليه عذاب القبر فجائه وضوئه فمنعه منه. قال الصادق عليه السلام: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من سره ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه يعنى غسل يديه. (وروى) ان من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع بدنه فكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب، ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما اصاب به الماء. وقال أبو الحسن موسى ” عليه السلام “: من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى بينهما من الذنوب في نهاره ما خلا الكبائر، ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلا الكبائر. قال الصادق: من توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كتب الله له ثلاثون حسنة. وقال النبي صلى الله عليه وآله: افتحوا عيونكم عند وضوئكم لعلها لا ترى نار جهنم.


[ 307 ]

مجلس في ذكر الآداب وأشياء شتى قال الله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد). وقال الصادق ” عليه السلام “: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذى تنزع ثيابك اللهم انزع عنى ربقة النفاق، وثبتنى على الايمان فإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم انى اعوذ بك من شر نفسي واستعيذ بك من اذاه، وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم اذهب عنى الرجس النجس وطهر جسدي وقلبي، وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك وصب منه على رجليك فان امكن ان تبلع منه جرعة فافعل فانه ينقى المثانة والبث في الثاني ساعة فإذا دخلت البيت الثالث فقل نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فانه يفسد المعدة ولا تصبن عليك الماء البارد فانه يضعف البدن وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فانه يسل الداء من جسدك فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم البسنى التقوى وجنبني الردى فإذا فعلت ذلك امنت من كل داء. وقال الصادق ” عليه السلام “: ثلاثة يسمن وثلاثة يهزلن: فاما الذى يسمن فادمان الحمام وشم الرائحة الطيبة ولبس الثياب اللينة، واما التى يهزلن فادمان اكل البيض والسمك والضلع يعنى بادمان الحمام يوم ويوم لا فانه ان دخل كل يوم نقص من لحمه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بميزر. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اخضبوا بالحناء فانه يجلى البصر وينبت الشعر ويسكن الزوجة فقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ينبغى للمرأة ان تعطل نفسها ولو ان تعلق في عنقها قلادة ولا ينبغى للمرأة ان تدع يدها من الخضاب ولو ان تمسها بالحناء مسا، وان كانت مسنة. وقال عليه السلام: غسل الرأس بالخطمى في كل جمعة أمان من البرص والجنون.


[ 308 ]

وقال عليه السلام: اغسلوا رؤسكم بورق السدر فانه قد قدسه كل ملك مقرب وكل نبى مرسل ومن غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما ومن صرف الله عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص، ومن لم يعص دخل الجنة. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: تقليم الاظفار، واخذ الشارب من جمعة إلى جمعة أمان من الجذام. وقال عليه السلام: ثلاث من سنن المرسلين العطر واحفاء الشعر وكثرة الطروقة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اربع من سنن المرسلين: العطر والسواك والنساء والحناء. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدفن اربعة: الشعر، والسن والظفر، والدم. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: في قوله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: المشط فان المشط يجلب الرزق ويحسن الشعر، وينجز الحاجة ويزيد في الصلب ويقطع البلغم. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله): يسرح تحت لحيته اربعين مرة، ومن فوقها سبع مرات ويقول: انه يزيد في الذهن ويقطع البلغم. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): في السواك اثنى عشرة خصلة هو مطهرة للفم ومرضاة للرب يبيض الاسنان ويذهب بالحفر ويقل البلغم ويشهى الطعام ويضاعف الحسنات ويصاب به السنة ويحضره الملائكة ويشد اللثة وهو يمر بطريقة القرآن وركعتين بسواك احب إلى الله عزوجل من سبعين ركعة بغير سواك. وقال الصادق عليه السلام: الكحل ينبت الشعر، ويجفف الدمعة ويعذب الريق ويجلو البصر. وقال أبو الحسن الاول ” عليه السلام “: ثلاثة يجلين البصر: النظر إلى الخضرة والنظر إلى الماء الجارى، والنظر إلى الوجه الحسن. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمس خصال تورث البرص، النورة يوم الجمعة ويوم الاربعاء والتوضى والاغتسال بالماء الذى تسخنه الشمس والاكل على الجنابة وغشيان المرأة في حيضها والاكل على الشبع. وقال أبو عبد الله عليه السلام: السنة من النورة في كل خمس عشر يوما فمن اتت عليه


[ 309 ]

عشرون يوما فليستدن الله تعالى وليتنور ومن اتت عليه اربعون يوما ولم يتنور فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك حلق عانته فوق الاربعين فان لم يجد فليستقرض بعد الاربعين ولا يؤخر. قال الصادق ” عليه السلام “: اغتتم أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال من أين اوتيت ؟ فما اعلم انى جلست على عتبة دار ولا شققت بين غنم، ولا لبست سراويلي من قيام ولا مسحت يدى ووجهى بذيلى. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لبس ثوبا جديدا وقال: الحمد لله الذى كسانى من الرياش ما اتجمل في الناس. وقال: اللهم اجعله ثياب بركة اسعى فيها بمرضاتك واعمر فيها مساجدك لم يتقمصه حتى يغفر له. قال أبو عبد ” عليه السلام “: من قطع ثوبا جديدا وقرأ إنا انزلناه في ليلة القدر ستا وثلاثين مرة فإذا بلغ تنزل الملائكة اخرج شيئا من الماء ورش بعضه على الثوب رشا خفيفا ثم صلى فيه ركعتين ودعا ربه، وقال في دعائه: الحمد لله الذى رزقني ما اتجمل به في الناس واوارى به عورتى واصلي فيه لربى وحمد الله لم يزل يأكل في سعة حتى يبلى ذلك الثوب. (وروى) ان علي بن موسى الرضا ” عليه السلام ” كان يلبس ثيابه مما يلي يمينه فإذا لبس ثوبا جديدا دعا بقدح من ماء فقرأ فيه إنا انزلناه في ليلة القدر عشر مرات، وقل هو الله احد عشر مرات، وقل يا أيها الكافرون عشر مرات، ثم قال: من فعل هذا بثوبه قبل ان يلبسه لم يزل في رغد من عيشه ما بقى منه سلك. قال ابن عباس: هبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد ربى يقرؤك السلام ويقول لك البس خاتمك بيمينك واجعل فصه عقيقا، وقل لابن عمك يلبس خاتمه بيمينه ويجعل فصه عقيقا، فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: يا رسول الله وما العقيق ؟ قال العقيق جبل في اليمن اقر لله تعالى بالوحدانية، واقر لى بالنبوة واقر لك بالوصية ولاولادك الائمة بالامامة ولشيعتك بالجنة، وفى خبر آخر ولاعدائك بالنار. قال انس ابن مالك: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتختم بيمينه.


[ 310 ]

وقال انس بن مالك: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يد رجل خاتما من ذهب فضرب اصبعه بقضيب كان معه حتى رمى به. قال الصادق عليه السلام: غسل الاناء، وكسح الفناء مجلبة للرزق. وقال الصادق ” عليه السلام “: اتخذوا في اسنانكم السعد فانه يطيب الفم ويزيد في الجماع. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكرهوا اربعة فانها لاربعة لا تكرهوا الزكام فانه امان من الجذام ولا تكرهوا الدماميل فانها امان من البرص ولا تكرهوا الرمد فانه امان من العمى ولا تكرهوا السعال فانه امان من الفالج. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في الشمس اربع خصال: تغير اللون وتنتن الريح وتخلق الثياب وتورث الداء. وقال أبو الحسن ” عليه السلام “: علامات الدم اربعة الحكة والبثر والنعاس والدوران. (وروى) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن المشبهين من الرجال بالنساء والمشبهات من النساء بالرجال. قال حنان بن سدير: كنت مع أبى عبد الله على المائدة فناولني فجلة فقال لى يا حنان كل الفجل فان فيه ثلاث خصال: ورقه يطرد الرياح ولبه يسربل البول واصوله يقطع البلغم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل السفر جل فانه فيه ثلاث خصال قيل وما هي يا رسول الله ؟ قال: يحم الفؤاد ويسخى البخيل ويشجع الجبان. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: كلوا البصل فان فيه ثلاث خصال يطيب النكهة ويشد اللثة ويزيد في الماء والجماع. وقال أبو عبد الله عليه السلام: اربع يعدلن الطبائع الرمان السوادى والبسر المطبوخ والبنفسج والهندباء. وقال عليه السلام: في الكراث اربع خصال: يطيب النكهة ويطرد الرياح ويقطع البواسير هو امان من الجذام لمن ادمن عليه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالزبيب فانه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد العصب ويذهب بالاعياء ويحسن الخلق، ويطيب الفم ويذهب بالغم.


[ 311 ]

وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: خمسة من فاكهة الجنة في الدنيا الرمان الاملس والتفاح والسفر جل والرطب المشان. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته يا علي تسعة اشياء تورث النسيان اكل التفاح الحامض واكل الكزبرة والجبن وسؤر الفار وقرائة كتابة القبور، والمشى بين امرأتين وطرح القملة والحجامة في النقرة والبول في الماء الراكد. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال مجتمعة وهو شحمة الارض لا داء فيه ولا غايلة وهو طعام وشراب، وهو فاكهة وريحان، وهو ادام ويزيد في الباه ويغسل المثانة ويدر البول. وفى حديث آخر: ويذيب الحصاة في المثانة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل البطيخ بالرطب. وقال الصادق ” عليه السلام “: اكل البطيخ على الريق يورث الفالج واكل التمر البرنى على الريق يورث الفالج. وقال الحسن بن علي عليهما السلام: في المائدة اثنتى عشرة خصلة يجب على كل مسلم ان يعرفها اربع منها فرض: واربع منها سنة واربع منها تأديب فأما الفرض فالمعرفة والرضا فالتسمية والشكر، وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسر والاكل بثلاثة اصابع ولعق الاصابع، فأما التأديب فالاكل مما يليك وتصغير اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من وجد كسرة أو تمرة فأكلها لم تفارق جوفه حتى يغفر الله له. وقال الصادق عليه السلام: لا تخللوا بعود الريحان ولا بقضيب الرمان فأنهما يهيجان عرق الجذام. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من قال في السوق أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله كتب الله له الف الف حسنة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه غفر الله له ذنوب خمسين سنة.


[ 312 ]

فصل في ذكر فضائل الاذان قال الله تعالى في سورة المائدة: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بانهم قوم لا يعقلون). قال المفسرون: كان الكفار يجتمعون في وقت صلاة المؤمنين، ويقولون صلوا لا صلوا ركعوا لا ركعوا سجدوا لا سجدوا على طريق الاستهزاء فانزل الله تعالى الآية. اعلم ان النداء على خمسة اوجه: نداء الله، ونداء رسوله ونداء اسرافيل ونداء ابراهيم ونداء المؤذن. فأما نداء الله فقوله تعالى في سورة التحريم: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا). واما نداء رسول الله (صلى الله عليه وآله قوله في سورة الاحقاف: (يا قومنا اجيبوا داعى الله واما نداء ابراهيم ” عليه السلام ” قوله في سورة الحج: واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا. واما نداء اسرافيل ” عليه السلام ” قوله في سورة (ق): فاسمتع يوم ينادى المناد من مكان قريب، واما نداء المؤمنين قوله: وإذا ناديتم إلى الصلاة. قال الله تعالى في سورة حم السجدة: (ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال اننى من المسلمين). قال أبو جعفر ” عليه السلام “: من أذن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مد بصره ومد صوته في السماء ويصدقه كل رطب ويابس سمعه وله بكل من يصلى معه في مسجده سهم وله بكل من يصلى بصوته حسنة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر المؤذن مع النبيين والصديقين والصالحين. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا: وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله اكفى بها عن كل من أبى وجحد، وأغنى بها من أقر وشهد، كان له من الاجر عدد من انكر وجحد، وعدد من أقر وشهد.


[ 313 ]

قال الصادق ” عليه السلام “: من قال حين سمع أذان الصبح اللهم انى اسألك باقبال نهارك وادبار ليلك وحضور صلاتك واصوات دعائك ان تتوب على انك انت التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أذن محتسبا يريد بذلك وجه الله عزوجل اعطاه الله ثواب اربعين الف شهيد واربعين الف صديق، ويدخل في شفاعته اربعين الف مسئ من امتى إلى الجنة ألا وان المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله صلى عليه سبعون الف ملك واستغفروا له، وكان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ من حساب الخلائق ويكتب ثواب قوله: أشهد أن محمدا رسول الله اربعون الف ملك. (وروى) من أذن واقام صلى خلفه صفان من الملائكة، ومن اقام بغير اذان صلى خلفه صف واحد من الملائكة. وقال الصادق ” عليه السلام “: لما هبط جبرئيل ” عليه السلام ” بالاذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حجر علي ” عليه السلام ” فأذن جبريل ” عليه السلام ” وأقام فلما انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي سمعت ؟ قال: نعم يا رسول الله، قال حفظت ؟ قال: نعم قال: ادع بلال فعلمه فدعا بلالا فعلمه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للمؤذن فيما بين الاذان والاقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله. وشكى هشام بن ابراهيم إلى ابى الحسن الرضا ” عليه السلام ” سقمه وانه لا يولد له فأمره ان يرفع صوته بالاذان في منزله، قال ففعلت ذلك فاذهب الله عنى سقمى وكثر ولدى. قال عبد الله بن علي: حملت متاعا من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذا انا بشيخ طوال شديد الادمة اصلع ابيض الرأس واللحية عليه طمران احدهما اسود والآخر ابيض، فقلت: من هذا ؟ قالوا: هذا بلال مؤذن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخذت الواحى فأتيته فسلمت عليه، ثم قلت له: السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قلت: رحمك الله حدثنى بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وما يدريك من أنا فقلت: انت بلال مؤذن رسول الله، قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكى، قال: ثم قال لى يا غلام من أي البلاد أنت ؟ قلت: من أهل العراق فقال: بخ بخ فمكث ساعة، ثم قال اكتب يا أخا العراق بسم الله الرحمن الرحيم


[ 314 ]

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول المؤذنون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزوجل الا اعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا قلت: زدنى رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن اربعين عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة وله عمل اربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا قلت زدنى رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن عشرين عاما بعثه الله يوم القيامة، وله من النور مثل نور سماء الدنيا قلت: زدنى رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن عشر سنين اسكنه الله عزوجل مع ابراهيم الخليل في قبته أو درجته قلت: زدنى رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أذن سنة واحدة بعثه الله عزوجل يوم القيامة، وقد غفرت ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد قلت: زدنى رحمك الله، قال: نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقربا إلى الله تعالى غفر الله له ما تقدم من ذنوبه ومن عليه بالعصمة فيما بقى من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة قلت حدثنى رحمك الله بأحسن ما سمعته، قال: ويحك يا غلام قطعت نياط قلبى وبكى وبكيت حتى انى والله لرحمته، ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان يوم القيامة، وجمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد بعث الله تعالى إلى المؤذنين بملائكة من نور ومعهم الوية واعلام من نور يقودون نجائب ازمتها زبرجد اخضر وحقائبها المسك الاذفر يركبها المؤذنون ويقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلا صوتهم بأذان ثم بكى بكاءا شديدا حتى انتحبت وبكيت فلما سكت قلت مما بكاؤك ؟ قال: ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيى (صلى الله عليه وآله) يقول: والذى بعثنى بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله اكبر الله اكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لامتي ضجيجا، فسأله اسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو ؟ قال: الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا: أشهد ان لا إله إلا الله قالت أمتى إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال: صدقتم فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله قالت: امتى هذا الذى اتانا برسالة ربنا جل جلاله فآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هو الذى أدى اليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله ان يجمع


[ 315 ]

بينكم وبين نبيكم فينتهى بهم إلى منازلهم، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم نظر الي فقال لى: ان استطعت، ولا قوة إلا بالله ان لا تموت إلا مؤذنا فافعل. مجلس في ذكر فضائل الصلاة قال الله تعالى في سورة البقرة: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) وقال في سورة الانعام: (قل ان هدى الله هو الهدى، وامرنا لنسلم لرب العالمين وان اقيموا الصلاة) وقال في سورة الاعراف: (قل أمر ربى بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد) وقال في سورة الانفال (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) إلى آخر الآية. وقال تعالى: (قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان لله ملكا يسمى سخائيل يأخذ البروات للمصلين عند كل صلاة رب العالمين فإذا اصبح المؤمنون وقاموا وتوضئوا أو صلوا صلاة الفجر أخذ من الله تعالى برائة لهم مكتوب فيها: أنا الله الباقي عبادي وامائي في حرزي جعلتكم وفى حفظى وتحت كنفى صيرتكم وعزتي لاخذلتكم وانتم مغفور لكم ذنوبكم إلى الظهر فإذا كان وقت الظهر فقاموا وتوضأوا وصلوا أخذ لهم من الله عزوجل البراءة الثانية مكتوب فيها أنا الله القادر، عبادي وامائي بدلت سيئاتكم حسنات وغفرت لكم السيئات واحلتكم برضائى عنكم دار الجلال فإذا كان وقت العصر وقاموا وتوضأوا وصلوا أخذ لهم من الله تعالى البرائة الثالثة مكتوب فيها أنا الله الجليل جل ذكرى وعظم سلطاني عبيدى وامائي حرمت ابدانكم على النار واسكنتكم مساكن الابرار ودفعت عنكم برحمتي شر الاشرار فإذا كان وقت المغرب فقاموا وتوضأوا وصلوا اخذ لهم من الله تعالى البرائة الرابعة مكتوب فيها أنا الله الجبار المتكبر المتعال عبيدى وامائي صعد ملائكتي من عندكم بالرضا وحق على ان ارضيكم واعطيكم يوم القيامة منيتكم وإذا كان وقت العشاء الآخرة فقاموا وتوضأوا وصلوا اخذ لهم البرائة من الله عزوجل البرائة الخامسة مكتوب


[ 316 ]

فيها انى أنا الله لا إله إلا غيرى ولا رب سواى عبيدى وامائي في بيوتكم تطهرتم لى والى بيوتي مشيتم وفى ذكرى خضتم وحقى عرفتم وفرائضي اديتم أشهد يا سخائيل وسائر ملائكتي انى قد رضيت عنهم، قال: فينادى سخائيل بثلاثة اصوات كل ليلة بعد صلاة العشاء الآخرة يا ملائكتي الله ان الله تعالى قد غفر للمصلين الموحدين فلا يبقى ملك في السماوات إلا استغفر للمصلين ودعا لهم بالمداومة على ذلك فمن رزق صلاة الليل من عبد أو امة وأقام لله عزوجل مخلصا فتوضأ وضوء سابغا وصلى لله تعالى بنية صادقة وقلب سليم وبدن خاشع وعين دامعة جعل الله تعالى خلفه تسعة صفوف من الملائكة من كل صف ما لا يحصى عددهم إلا الله تعالى آخر طرفي كل صف بالمشرق وآخر بالمغرب قال فإذا فرغ كتب الله له بعددهم درجات. قال منصور: كان الربيع بن بدر إذا حدث بهذا الحديث يقول أين انت يا غافل عن هذه الكرامة أين انت عن قيام هذا الليل وعن جزيل هذا الثواب وعن هذه الكرامة. وقال النبي (صلى الله عليه وآله) ان الشمس إذا طلعت عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش لوجه ربى وهى الساعة التى يصلى علي فيها ربى ففرض الله عزوجل على امتى فيها الصلاة. وقال: اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وهى الساعة التى يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة فما من مؤمن يوفق تلك الساعة ان يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله جسده على النار. واما صلاة العصر وهى الساعة التى اكل فيها آدم من الشجرة واخرجه الله من الجنة. قال ابن الفارسى: قلت على طريق المصلحة لا على سبيل الاستخفاف والمعاقبة فأمر ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لامتي فهى من احب الصلاة إلى الله تعالى واوصاني ان احفظها من بين الصلوات. واما صلاة المغرب فهى الساعة التى بات الله على آدم وكان بين ما اكل من الشجرة وبين ما تاب عليه ثلثمائة سنة من أيام الدنيا وفى أيام الآخرة يوم كالف سنة من وقت العصر إلى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته. قال ابن الفارسى: قلت وترك الامر المندوب إليه يسمى خطيئة كما يسمى معصية وإنما فعل آدم ” عليه السلام ” الثلاث ركعات ليستدرك ثواب أمر المندوب إليه الذى فاته وإنما كان


[ 317 ]

توبته عليه السلام إلى الله تعالى على سبيل الانقطاع إليه لا على سبيل تكفير الذنوب فافترض الله عزوجل هذه الثلاث ركعات عل امتى وهى الساعة التى يستجاب فيها الدعاء فوعدني باستجابة لمن دعاه فيها، وهذه الصلاة التى امرني بها ربى، فقال: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. واما صلاة العشاء الآخرة فان للقبر ظلمة وليوم القيامة ظلمة امرني الله وامتى بهذه الصلاة في ذلك الوقت لينور لهم القبور وليعطوا النور على الصراط وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلا حرم الله جسدها على النار، وهى الصلاة التى اختارها الله للمرسلين قبلى. وأما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرنى الشيطان فأمرني الله عزوجل أن اصلى الفجر قبل طلوع الشمس وقبل ان يسجد لها الكافر فيسجد امتى لله وسرعتها أحب إلى الله تعالى وهى الصلاة التى تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى فما جزاء من قام بين يديك مصليا ؟ قال: يا موسى اباهى به ملائكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ومن باهيت به ملائكتي لم اعذبه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من امتى قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته تمنعه منهم. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه ويقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه. وقال أيضا ” عليه السلام “: إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع تخاف ألا تعود إليها أبدا ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لاحسنت صلاتك واعلم انك بين يدى من يراك ولا تراه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تنفلوا في ساعات الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فانهما تورثان دار الكرامة قيل: يا رسول الله وما ساعة الغفلة ؟ قال: بين المغرب والعشاء الآخرة. وقال الصادق ” عليه السلام “: من صلى المغرب، ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلى ركعتين كتبتا له في عليين فان صلى اربعا كتبت له حجة مبرورة.


[ 318 ]

وقال الصادق ” عليه السلام “: صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملوء من الذهب يتصدق به حتى يفنى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زالت الشمس فتحت ابواب السماء وابواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح. قال الباقر ” عليه السلام “: للمصلى ثلاث خصال إذا هو قام في صلاته حفت به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء ويتناثر البر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه وملك موكل به ينادى لو يعلم المصلى من يناجى ما انفتل. وقال الصادق ” عليه السلام “: من صلى الصلاة المفروضات في اول وقتها فأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية فهى تهتف به حفظك الله كما حفظتني واستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة فهى تهتف به ضعتنى ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعنى ثم قال الصادق ” عليه السلام “: ان اول ما يسئل عنه العبد إذا وقف بين يدى الله جل جلاله عن الصلاة المفروضات وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض وعن الحج المفروض وعن ولايتنا أهل البيت فان أقر بولايتنا، ثم مات عليها قبل منه صلاته وصومه وزكاته وحجه وان لم يقر بولايتنا بين يدى الله لم يقبل الله تعالى منه شيئا من اعماله. وقال الباقر ” عليه السلام “: دخل رجل مسجدا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخفف سجوده دون ما ينبغى ما يكون من السجود. فقال رسول الله: نقر كنقر الغراب لو مات على هذا مات على غير دين محمد. وقال عليه السلام: لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذعرا منه ما صلى الصلاة الخمس لوقتهن فإذا ضيعهن اخبر عليه فادخله في العظائم. قال أبو بصير: دخلت على ام حميدة اعزيها بأبى عبد الله الصادق ” عليه السلام ” فبكت وبكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجيبا فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بينى وبينه قرابة قالت: فلم نترك أحدا إلا جمعناه فالتفت ونظر إليهم ثم قال: ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة. قال النبي (صلى الله عليه وآله): مامن صلاة تحضر وقتها إلا نادى ملك من بين يدى الناس قوموا إلى نيرانكم التى اوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم.


[ 319 ]

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تنال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد على الحوض لا والله. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ابصر أمير المؤمنين ” عليه السلام ” رجلا وهو ينقر بصلاته فقال منذ كم صليت بهذه الصلاة ؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا قال: مثلك عند الله مثل الغراب إذا ما نقر لو مت مت على غير ملة أبى القاسم، ثم قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان اسرق السراق من سرق من صلاته. قال الصادق ” عليه السلام “: في رجل يؤخر الصلاة متعمدا قال: يأتي هذا يوم القيامة موتورا اهله وماله – الموتور هو من لا أهل له ولا مال له – في الجنة. وفى رواية اخرى قال الباقر ” عليه السلام “: ملك موكل يقول: من نام عن العشاء إلى نصف الليل فلا انام الله عينيه. وروى) ان رسول الله دخل المسجد وفيه ناس من اصحابه، فقال: تدرون ما قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسول اعلم، فقال: ان ربكم يقول: هذه الصلاة المفروضات من صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد ادخله به الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن، ولم يحافظ عليهن فذاك إلي ان شئت عذبته وان شئت غفرت له. قال الشاعر: إلهى اننى اجنى الجناة * قليل طاعتي جم هناتى فأى الخير يوم الدين ارجو * لصومي ام صلاتي ام زكاتي مجلس في ذكر فضائل صلاة الليل قال الله تعالى: (ومن الليل فتجهد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا). وقال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا). قال الصادق ” عليه السلام “: سأل رجل علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” عن قيام الليل بالقرآن فقال له: ابشر من صلى من الليل عشر ليله مخلصا لله ابتغاء مرضات الله تعالى قال الله تعالى


[ 320 ]

لملائكته: اكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما انبت في النيل من حبه وورقه وشجره وعدد كل قصبة وخوط ومرعى، ومن صلى تسع ليله اعطاه الله عشر دعوات مستجابات واعطاه كتابه بيمينه يوم القيامة، ومن صلى ثمن ليله اعطاه الله اجر شهيد صابر صادق النية وشفع في أهل بيته، ومن صلى سبع ليله خرج من قبره يوم يبعث ووجهه كالقمر ليلة البدر حتى يمر على الصراط مع الآمنين، ومن صلى سدس ليله كتب من الاوابين وغفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صلى خمس ليله زاحم ابراهيم الخليل في قبته، ومن صلى ربع ليله كان في اول الفائزين حتى يمر على الصراط كالريح العاصف ويدخل الجنة بغير حساب، ومن صلى ثلث ليله لم يبق ملك إلا غبطه بمنزلته من الله تعالى، وقيل له: ادخل من أي ابواب الجنة الثمانية شئت، ومن صلى نصف ليله فلو أعطى ملا الارض ذهبا سبعين الف مرة لم يعدل جزائه وكان له ذلك افضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد اسماعيل ومن صلى ثلثى ليله كان له من الحساب قدر رمل عالج ادناها حسنة اثقل من جبل أحد عشر مرات، ومن صلى ليلة تامة تاليا لكتاب الله تعالى راكعا ساجدا وذاكرا اعطى من الثواب ما ادناه يخرج من الذنوب كما ولدته امه، ويكتب له عدد ما خلق الله تعالى من الحسنات ومثلها درجات والنور في قبره، وينزع الاثم والحسد من قلبه ويجار من عذاب القبر ويعطى براءة من النار ويبعث مع الآمنين ويقول الرب تبارك وتعالى للملائكة: ملائكتي انظروا إلى عبدى احيا ليلته ابتغاء مرضاتي اسكنوه الفردوس، وله فيها مئة الف مدينة جميع ما تشتهى الانفس وتلذ الاعين، وما لا يخطر على بال سوى ما اعددت له من الكرامة والمزيد والقربة. وقال الرضا ” عليه السلام “: عليكم بصلاة الليل فما من عبد مؤمن يقوم آخر الليل فيصلى ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا اجير من عذاب القبر ومن عذاب النار، ومد له في عمره ووسع عليه في معيشته ثم قال عليه السلام ان البيوت التى يصلى فيها بالليل يزهر نورها لاهل السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الارض. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه ليرضى ربه تعالى بصلاة ليله باهى الله تعالى به الملائكة، وقال اما ترون عبدى هذا قد قام من لذيذ مضجعه لصلاة لم افترضها عليه اشهدوا عنى غفرت له.


[ 321 ]

وقال عليه السلام: كذب من زعم انه يصلى بالليل ويجوع بالنهار. وقال عليه السلام: ان البيوت التى يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن يضئ لاهل السماء كما تضئ نجوم السماء لاهل الارض. (وروى) ان جبرئيل ” عليه السلام ” نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد عش ما شئت فانك ميت واحبب من شئت فانك مفارقه واعمل ما شئت فانك ملاقيه شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه كف الاذى عن الناس. وقال الصادق ” عليه السلام “: عليكم بصلاة الليل فانها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة الداء عن اجسادكم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار وسأل الصادق ” عليه السلام ” عبد الله بن سنان عن قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) قال هو السهر في الصلاة. قال الصادق ” عليه السلام “: ليس من شيعتنا من لم يصل صلاة الليل معناه انه ليس من شيعتهم المخلصين وليس من شيعتهم أيضا من لم يعتقد فضل صلاة الليل وانها سنة مؤكدة ولم يرد عليه السلام انه من تركها لعذر أو كسل فليس من شيعتهم على حال لانها نافلة وليست فريضة غير أن فيها فضلا كثيرا. قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: ما من عبد إلا وهو يتيقظ مرة أو مرتين في الليل أو مرارا فان قام والا لج فبال الشيطان في اذنه ألا ترى أحدكم إذا كان منه ذلك قام ثقيلا كسلانا. وقال الباقر ” عليه السلام “: ان لليل شيطانا يقال له الرها فإذا استيقظ العبد واراد القيام إلى الصلاة قال له: ليست بساعتك، ثم يستيقظ مرة اخرى فيقول: لم يأن لك فما يزال كذلك يزيله ويحبسه حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر بال في اذنيه، ثم انصاع يمصع بذنبه فخرا ويصيح.


[ 322 ]

مجلس في ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله اعلم ان الله لم يأمر خلقه بأمر الطف من أمر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله في سورة الاحزاب: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) مع حاجتكم إلى نيابة لكم عند الله وافتقاركم إلى شفاعته فجعل الصلاة عليه فرضا كما جعل الشهادة له بالرسالة فرضا، وبعد فان الله تعالى أمرنا بالصلاة عليه وهو يصلى عليه فيكون في ذلك اداء حق الابوة البنوة وينبغى ان يصلى عليه ويصلى على إله لان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي انا وانت ابوا هذه الامة ومن حقوق الآباء والامهات ان يترحموا عليهم في الاوقات ليكون فيه اداء حقوقهم. وصلاة الله عليه هو ما يفعله به من كراماته وتفضيله واعلاء درجاته ورفع منازله وغير ذلك من اكرامه. وصلاة الملائكة والمؤمنين عليه مسألتهم لله ان يفعل به مثل ذلك. قال الرضا ” عليه السلام “: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فانها تهدم الذنوب هدما. وقال عليه السلام: الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله تعالى التسبيح والتهليل والتكبير. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام من امتى على الصراط يرجف أحيانا ويحبوا أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي وإقامته على قدميه حتى مضى على الصراط. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان لله ملائكة سياحون في الارض يبلغوني عن امتى السلام. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال صلى الله على محمد وآله قال الله جل جلاله صلى الله عليك فليكثر من ذلك. قال معاوية بن عمار: ذكرت عند أبى عبد الله الصادق ” عليه السلام ” بعض الانبياء فصليت عليه فقال: إذا ذكر أحد من الانبياء فابدأ بالصلاة على محمد ثم عليه (صلى الله عليه وآله) وعلى جميع الانبياء، قال كعب بن عجزة: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)


[ 323 ]

فقلنا: يا رسول الله كيف السلام عليك كيف الصلاة عليك ؟ قال: قولوا اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما صلى على ابن آدم من قبل نفسه صلاة صادق بها قلبه إلا صلى الله عزوجل عليه عشر صلوات ورفع له عشر درجات وكتب له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات. وقال عليه السلام: من قال: صلى الله على محمد وآل محمد اعطاه الله اجر إثنين وسبعين شهيدا وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: إذا كانت لك حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي وآله ثم سل حاجتك فان الله اكرم من أن يسأل حاجتين فيقضى أحداهما ويمنع الاخرى. قال الباقر ” عليه السلام “: إذا صليت العصر يوم الجمعة فقل اللهم صلى على محمد وآل محمد الاوصياء المرضيين بأفضل صلاتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم ورحمة الله وبركاته فان من قالها بعد العصر كتب الله له مئة الف حسنة ومحا عنه مئة الف سيئة وقضى له بها مئة الف حاجة ورفع له بها مئة الف درجة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى علي ولم يصل على آلى لم يجد ريح الجنة وان ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام. وقال الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لعلي: ألا ابشرك فقال بلى بأبى انت وامى فانك لم تزل مبشرا بكل خير، فقال: اخبرني جبرئيل آنفا بالعجب فقال له وما الذى اخبرك يا رسول الله، قال: اخبرني ان الرجل من امتى إذا صلى علي واتبع الصلاة على أهل بيتى فتحت له ابواب السماء، وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة وانه لمذنب وخاطئ ثم تحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله عزوجل: لبيك عبدى وسعديك ويقول لملائكته: يا ملائكتي انتم تصلون عليه سبعين صلاة وانا اصلى عليه سبع مئة صلاة، وإذا صلى علي ولا يتبع بالصلاة على أهل بيتى كان بينه وبين السماء سبعين حجابا، ويقول الله جلا جلاله: لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاه إلا ان يلحق بنبيى عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بى أهل بيتى.


[ 324 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فابعده الله تعالى. وقال الصادق ” عليه السلام “: إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته سلك بصلاته غير سبيل الجنة. وينبغى ان يصلى على النبي وآله بهذه الالفاظ اللهم صل على محمد وآل محمد اطيب واطهر وازكى وانمى وافضل ما صليت على الاولين والآخرين وعلى أحد من خلقك يا أرحم الراحمين اللهم صل على أمير المؤمنين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من شرك في دمه اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد والعن من آذى نبيك فيها اللهم صل على الحسن والحسين امامى المسلمين، ووال من والاهما وعاد من عاداهما وضاعف العذاب على من شرك في دمائهما اللهم صل على علي بن الحسين إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صل على محمد بن علي ابن الحسين إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صل على جعفر بن محمد إمام المسلمين، ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه وشرك في دمه اللهم صل على موسى بن جعفر إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه وشرك في دمه اللهم صل على علي بن موسى الرضا إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه وشرك في دمه اللهم صل على محمد بن علي امام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صل على علي بن محمد إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه، اللهم صل على الحسن بن علي إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللهم صلى على الخلف من بعده إمام المسلمين ووال من والاه وعاده من عاداه اللهم صل على الطاهر والقاسم ابني نبيك اللهم صل على رقية بنت نبيك والعن من آذى فيها نبيك اللهم صل على الخيرة من ذرية نبيك اللهم اخلف نبيك في أهله اللهم مكن لهم في الارض اللهم اجعلنا من عددهم ومددهم وانصارهم على الحق في السر والعلانية اللهم اطلب بدحلهم ووترهم ودمائهم وكف عنا وعنهم وعن كل مؤمن ومؤمنة بأس كل باغ وطاغ، وكل دابة انت آخذ بناصيتها انك أشد بأسا وأشد تنكيلا.


[ 325 ]

قال الشاعر: لم يوصفوا بخيانة لكنهم * امناء ربى سادة افراد صلى الاله عليهم متتابعا * ما دام حى ناطق وجماد وأنشد: وخيرهم آخرهم محمد * صلى عليه ربه الموحد قامت دلالات له لا تجحد * ذل لها وحار فيها العند مجلس في ذكر الدعاء في حوائج المؤمنين قال الله تعالى في سورة البقرة: (وإذا سألك عبادي عنى فانى قريب اجيب دعوة الداع إذا دعاني) الآية. وقال تعالى في سورة المؤمن: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم، ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من اعطى ثلاثة لم يحرم ثلاثة، من اعطى الدعاء اعطى الاجابة ومن اعطى الشكر اعطى الزيادة، ومن اعطى التوكل اعطى الكفاية فان الله عزوجل يقول في كتابه: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ويقول: (لئن شكرتم لازيدنكم) ويقول: (ادعوني استجب لكم). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته: يا علي اربعة لا يرد لهم دعوة إمام عادل ووالد لولده والرجل يدعو لاخيه بظهر الغيب، والمظلوم يقول الله عزوجل: وعزتي وجلالى لانصرنك ولو بعد حين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمسة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهى تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخل سبيلها، ورجل ابق مملوكه ثلاث مرات ولم يبعه ورجل مر بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشى حتى سقط عليه ورجل اقرض رجلا مالا ولم يشهد عليه، ورجل جلس في بيته، وقال اللهم ارزقني ولم يطلب. وقال الصادق عليه السلام: قحطوا على عهد سليمان بن داود عليهما السلام فخرجوا


[ 326 ]

يستسقون فإذا هم بنملة قائمة على رجلها مادة يديها إلى السماء وهى تقول: اللهم انا خلق من خلقك لا غنى بنا عن فضلك فارزقنا من عندك ولا تؤاخذنا بذنوب سفهاء اولاد آدم. قال أبو عبد الله عليه السلام: من قدم اربعين رجلا من اخوانه فدعا لهم ثم دعا لنفسه استجيب له فيهم وفى نفسه. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ما من مؤمن يقترف في يوم أو ليلة اربعين كبيرة فيقول وهو نادم: استغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام واسأله ان يتوب علي إلا غفرها الله له ثم قال: ولا خير فيمن تقارف في كل يوم أو ليلة اربعين كبيرة. قال الصادق ” عليه السلام “: ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات اسأل الله الجنة واعوذ بالله من النار إلا قالت النار يا رب اعذه منى. قال علي بن أبى طالب: اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن عند قرائة القرآن وعند الاذان وعند نزول الغيث وعند التقاء الصفين للشهادة وعند دعوة المظلوم ليس لها حاجب دون العرش. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تعالى جعل ارزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا وذلك ان العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه. وقال أيضا: ما من رجل دعا فختم دعائه بقول ما شاء الله ولا قوة إلا بالله إلا اجيبت حاجته. وقال أيضا ” عليه السلام “: إذا قام العبد نصف الليل بين يدى ربه فصلى له اربع ركعات في جوف الليل المظلم، ثم سجد سجدة الشكر بعد فراغه، وقال ما شاء الله مئة مرة ناداه الله تعالى من فوقه: عبدى إلى كم تقول ما شاء الله ما شاء الله أنا ربك وإلي المشية وقد شئت قضاء حاجتك فاسألني ما شئت. قال الاصبغ بن نباتة: كان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” يقول في سجوده: اناجيك يا سيدى كما يناجى العبد الذليل مولاه واطلب اليك طلب من يعلم انك تعطى، ولا ينقص مما عندك شئ واستغفرك استغار من يعلم انه لا يغفر الذنوب إلا انت، واتوكل عليك توكل من يعلم انك على كل شئ قدير.


[ 327 ]

قال الصادق ” عليه السلام “: من استغفر الله بعد العصر سبعين مرة غفر الله له ذلك اليوم سبع مئة ذنب فان لم يكن له ذنب فلابيه فان لم يكن لابيه فلامه وان لم يكن لامه فلاخيه وان لم يكن لاخيه فلاخته فان لم يكن لاخته فللاقرب فالاقرب. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما من أحد ابتلى، وان عظمت بلواه باحق بالدعاء من المعافى الذى لا يأمن البلاء. وقال أيضا عليه السلام: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأى الفاكهة الجديدة قبلها ووضعها على عينيه وفمه، ثم قال: اللهم كما أريتنا أولها في عافية فأرنا آخرها في عافية. قال مالك الجهنى: ناولت أبا عبد الله الصادق ” عليه السلام “: شيئا من الرياحين فأخذه فشمه ووضعه على عينيه، ثم قال من تناول ريحانة فشمها ووضعها على عينيه ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد لم تقع على الارض حتى يغفر له. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من قال كل يوم خمسا وعشرين مرة اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى وبعدد كل مؤمن بقى إلى يوم القيامة حسنة ومحا عنة سيئة ورفع له درجة. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) دينا كان علي فقال يا علي قل اللهم اغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك فلو كان عليك مثل صبير دينا قضى الله عنك، وصبير جبل باليمن ليس باليمن جبل أجل ولا أعظم منه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن ولا مؤمنة مضى من اول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة إلا وهم شفعاء لمن يقول في دعائه: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وان العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربنا هذا الذى كان يدعود لنا فتشفعنا فيه فيشفعهم الله فينجو. وقال الباقر ” عليه السلام “: لقد غفر الله لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال: اللهم ان تعذبني فاهل ذلك انا، وان تغفر لى فاهل ذلك انت فغفر الله له. قال أبو بصير: قلت لابي عبد الله ” عليه السلام “: ما كان دعاء يوسف ” عليه السلام ” في الجب ؟ فانا قد اختلفنا فيه قال: ان يوسف ” عليه السلام ” لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهى عندك فلن ترفع لى اليك صوتا، ولن تستجيب دعوة فانى اسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بينى وبينه فقد علمت رقته على


[ 328 ]

وشوقي إليه قال: ثم بكى أبو عبد الله ” عليه السلام ” ثم قال: وانا اقول: اللهم ان كانت الخطايا والذنوب قد اخلقت وجهى عندك فلن ترفع لى اليك صوتا ولن تستجيب دعوة فانى اسألك بك فليس كمثلك شئ. واتوجه اليك بمحمد نبيك نبى الرحمة يا الله يا الله يا الله قال: ثم قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: قولوا هذا واكثروا منه فانى كثيرا ما اقوله عند الكرب العظام. وقال أيضا عليه السلام: إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا رباه يا سيداه ثلاث مرات اجابه الله تعالى لبيك عبدى سل حاجتك. وقال أيضا عليه السلام: دعاء الرجل لاخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه. قال ابراهيم بن هاشم: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا احسن من موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الارض فلما صدر الناس قلت له: يا ابا محمد ما رأيت موقفا احسن من موقفك قال: والله ما دعوت الله إلا لاخواني وذلك ان أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام اخبرني انه من دعا لاخيه بظهر الغيب نودى من العرش ولك مئة الف ضعف، وكرهت ان ادع مئة الف ضعف مضمونة لواحدة لا ادرى تستجاب ام لا ؟ قال الصادق ” عليه السلام “: مر عيسى بن مريم ” عليه السلام ” على قوم يبكون فقال: ما يبكى هؤلاء ؟ فقيل: يبكون على ذنوبهم قال: فليدعوها تغفر لهم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اطولكم قنوتا في دار الدنيا اطولكم راحة يوم القيامة في الموقف. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان آدم شكى إلى الله ما يلقى من حديث النفس والحزن فنزل عليه جبرئيل ” عليه السلام ” فقال له: يا آدم قل لا حول ولا قوة إلا بالله فقالها فذهب عنه الوسوسة والحزن. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زالت الشمس فتحت ابواب السماء وابواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح. قال الصادق ” عليه السلام “: جاء جبرئيل إلى يوسف عليهما السلام وهو في السجن، فقال قل في دبر كل صلاة مفروضة اللهم اجعل لى فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا احتسب


[ 329 ]

ثلاث مرات. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من قال حين يمسى ثلاث مرات: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون لم يفته خير يكون في تلك الليلة، وصرف عنه جميع شرها، ومن قال مثل ذلك حين يصبح لم يفته خير يكون في ذلك اليوم، وصرف عنه جميع شره. قال النبي (صلى الله عليه وآله): من قال إذا خرج من بيته: بسم الله قال الملكان: هديت فان قال لا حول ولا قوة إلا بالله قالا: وقيت فإذا قال توكلت على الله قالا: كفيت فيقول الشيطان كيف لى بعبد هدى ووقى وكفى ؟ وقال صلى الله عليه وآله: ما من صباح إلا وملكان يناديان يقولان: يا باغى الخير هلم ويا باغى الشر انته هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر فيغفر له هل من تائب فيتاب عليه هل من مغموم فيكشف عنه فهذا دعاؤهما حتى تغرب الشمس. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد. (وروى) ان فاطمة عليها السلام إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها فقيل لها: يا بنت رسول الله انك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك فقالت الجار ثم الدار قال الصادق ” عليه السلام “: كان فيما ناجى الله عزوجل موسى بن عمران ” عليه السلام ” ان قال: له يا بن عمران كذب من زعم انه يحبنى فإذا جنه الليل نام عنى اليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟ ها انا يا بن عمران مطلع على احبائى إذا جنهم الليل حولت ابصارهم في قلوبهم ومثلت عقوبتي بين اعينهم يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور يا بن عمران هب لى من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلام الليل فادعني فانك تجدني قريبا مجيبا. قال الصادق ” عليه السلام “: إلهى كيف ادعوك وقد عصيتك ؟ وكيف لا ادعوك وقد عرفتك حبك في قلبى وان كنت عاصيا مددت اليك يدا بالذنوب مملوئة وعينا بالرجاء ممدودة مولاى انت عظيم العظماء وأنا اسير الاسراء، أنا اسير بذنبى مرتهن بجرمى إلهى لئن طالبتي بذنبى لاطالبنك بكرمك ولئن طالبتني بجريرتي لاطالبنك بعفوك ولئن امرت بى إلى النار لاخبرن اهلها انى كنت أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم ان الطاعة تسرك وان


[ 330 ]

المعصية لا تضرك فهب لى ما لا يسرك، واغفر لى ما لا يضرك يا ارحم الراحمين. قال الصادق ” عليه السلام “: بينا إبراهيم خليل الرحمن ” عليه السلام ” في جبل ببيت المقدس يطلب مرعى لغنمه إذ سمع صوتا فإذا هو برجل قائم يصلى طوله اثنى عشر شبرا، فقال له: يا عبد الله لمن تصلى ؟ قال لاله السماء، فقال ابراهيم ” عليه السلام “: هل بقى أحد من قومك غيرك ؟ قال لا قال: فمن أين تأكل ؟ قال: اجتنى من هذه الشجرة في الصيف، وآكله في الشتاء قال وأين منزلك ؟ قال: فأومى بيده إلى جبل فقال ابراهيم ” عليه السلام “: هل لك ان تذهب بى معك فأبيت عندك الليلة، فقال ان قدامى ماء لا يخاض قال: كيف تصنع ؟ قال: امشى عليه قال فاذهب معك فلعل الله ان يرزقنى ما رزقك، قال: فأخذ العابد بيده فمضيا جميعا حتى انتهيا إلى الماء فمشى ومشى ابراهيم ” عليه السلام ” حتى انتهيا إلى منزله، فقال له ابراهيم: أي الايام أعظم ؟ قال له العابد: يوم الدين يوم يدان الناس بعضهم من بعض قال: فهل لك ان ترفع يدك وارفع يدى فندعوا الله عز وحل ان يؤمننا من شر ذلك اليوم ؟ فقال وما تصنع بدعوتي فو الله ان لى لدعوة منذ ثلاث سنين ما اجبت فيها بشئ فقال له ابراهيم: اولا اخبرك لاى شئ احتبست دعوتك ؟ قال: بلى قال له: ان الله عزوجل إذا احب عبدا احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه فإذا ابغض عبدا عجل له دعوته والقى في قلبه اليأس منها، ثم قال له: وما كانت دعوتك ؟ قال مر بى غنم ومعه غلام له ذوابة فقلت: يا غلام لمن هذا الغنم ؟ قال لابراهيم خليل الرحمن فقلت: اللهم ان كان لك في الارض خليل فارنيه، فقال له ابراهيم ” عليه السلام “: فقد استجاب الله لك انا ابراهيم خليل الرحمن فعانقه، فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) جائت المصافحة. (وروى) ان علي ين الحسين سيد العابدين كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم وعزتك وجلالك وعظمتك لو انى منذ ابدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلائق وشكرهم اجمعين لكنت مقصرا في بلوغ اداء شكر اخفى نعمة من نعمك علي، ولو انى كريت معادن حديد الدنيا وحرثت ارضيها باشفار عينى علي، ولو انك إلهى عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق اجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي، وملات جهنم واطباقها منى حتى لا يكون في النار معذب غيرى ولا يكون لجهنم حطب سواى لكان ذلك بعدلك علي قليلا في كثير ما استوجبه من عقوبتك قال الشاعر:


[ 331 ]

إلهى قلت: ادعوني اجبكم * ووعدك صادق ما فيه مرية وها أنا ذا دعوت فجد بعفو * فمالى غير حسن العفو منية وأنشد: إلهى انت جبار السماء * حقيق بالمحامد والثناء وقد أذنبت جهلا فاعف عنى * فعفوك عن عبادك غير نائى وأنشد: إلهى كم سترت علي ذنبا * يفوق بقبحه كل الذنوب ولا عجب فانك مذ قديم * كريم العفو ستار العيوب مجلس في ذكر يوم الجمعة وليلتها وفضل الجماعة قال الله تعالى في سورة الجمعة: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون). وقال تعالى في سورة البروج: (وشاهد ومشهود). وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: إنما سميت الجمعة جمعة لان الله تعالى جمع فيها خلقه لولاية محمد (صلى الله عليه وآله) ووصيه في الميثاق فسماه يوم الجمعة، لجمعه فيه خلقه. قال النبي (صلى الله عليه وآله): سيد الايام يوم الجمعة، وهى شاهد ومشهود يوم عرفة. وقال الباقر عليه السلام: أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها، وحبا لها أعطاه الله عزوجل أجر مئة جمعة للمقيم. قال الصادق ” عليه السلام “: من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين اعاذه الله من ضغطة القبر. وقال عليه السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسده على النار ومن صلى معهم في الصف الاول فكأنما صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الاول. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الناس في الجمعة على ثلاث منازل رجل شهدها بانصات


[ 332 ]

وسكون قبل الامام، وذلك كفارة لذنوبه من الجمعة إلى الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة ايام لقوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر امثالها، ورجل شهدها بلفظ وملق وعلق وقلق فذلك حظه ورجل شهدها، والامام يخطب فقام يصلى فقد اخطأ السنة وذلك لمن سأل الله ان شاء اعطاه وان شاء حرمه. قال الباقر ” عليه السلام “: إذا كان حين يبعث الله العباد أتى بالايام يعرفها الخلائق باسمها وحليتها يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع يتبعه سائر الايام كأنها عروس كريمة ذات وقار تهدى إلى ذى حلم ويسار، ثم تكون الجمعة شاهدا وحافظا لمن سارع إلى الجمعة يدخل المؤمنون إلى الجنة على قدر سبقهم إلى الجمعة. قال الباقر ” عليه السلام “: صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الامام فان ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة إلا منافق. وقال عليه السلام: من ترك الجمعة ثلاثا متوالية لغير علة طبع الله على قلبه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يوم الجمعة سيد الايام يضاعف فيه الحسنات ويرفع فيه الدرجات ويستجاب فيه الدعوات، ويكشف فيه الكربات ويقضى فيه حوائج العظام وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ما دعا فيه أحد من النار، وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله تعالى ان يجعله من عتقائه، وطلقائه من النار فان مات في يومه أو ليلته مات شهيدا، وبعث آمنا وما استخف أحد بحرمته، وضيع حقه إلا كان حقا على الله تعالى ان يصليه نار جهنم إلا ان يتوب. (وروى) عن أمير المؤمنين ” عليه السلام “: انه قال: ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم ازهر ومن مات ليلة الجمعة كتب الله له برائة من ضغطة القبر، ومن مات يوم الجمعة كتب الله له براءة من النار. (وروى) عن الصادق ” عليه السلام ” انه قال: ان الله اختار من كل شئ شيئا واختار من الايام يوم الجمعة. قال الباقر ” عليه السلام “: ان الله لينادي في كل ليلة جمعة من اول الليل إلى آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه ألا عبد مؤمن يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه ألا عبد مؤمن قد قتر عليه رزقه يسألنى الزيادة قبل طلوع


[ 333 ]

الفجر فأزيده واوسع عليه ألا عبد مؤمن سقيم يسألنى ان اشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألنى ان اطلقه من حبسه وافرج عنه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه واخلي سربه ألا عبد مؤمن مظلوم يسألنى ان آخذ بظلامته قبل طلوع الفجر فانتصر له وآخذ بظلامته، قال: فما يزال ينادى بها حتى يطلع الفجر. قال الصادق ” عليه السلام “: ان العبد المؤمن ليسأل الله الحاجة فيؤخر قضاءها إلى يوم الجمعة ليخصه بفضل يوم الجمعة. وقال عليه السلام: ان الله تعالى كريم في عباده خصهم بها في كل ليلة جمعة ويوم الجمعة فاكثروا فيهما من التهليل والتسبيح، والثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله. (وروى) عنه عليه السلام انه قال: من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشغلن بشئ عن العبادة فان فيه يغفر الله للعباد وينزل عليهم الرحمة. قال الصادق ” عليه السلام “: الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف والصلاة على محمد وآله ليلة الجمعة ويوم الجمعة بألف من الحسنات ويحط الله الفا من السيئات، ويرفع الفا من الدرجات فان المصلى على محمد وآله في ليلة الجمعة يزهر نوره في السماوات إلى يوم القيامة وان ملائكة الله في السماوات يستغفرون له ويستغفر له الملك الموكل بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ان تقوم الساعة. (وروى) عنه عليه السلام انه قال: إذا كانت عيشة الخميس وليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها اقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون إلا الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ان تغيب الشمس من يوم الجمعة. قال زرارة: حثنا أبو عبد الله ” عليه السلام ” على الجمعة حتى ظننت انه يريد أن نأتيه فقلت نغدوا عليك ؟ فقال لا إنما عنيت ذلك عندكم. وغسل الجمعة سنة مؤكدة لا ينبغى تركها، وكان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إذا أراد أن يوبخ رجلا قال له: لانت اعجز من تارك الغسل في يوم الجمعة. (وروى) انه كان لا يزال في طهر من يوم الجمعة إلى الجمعة الاخرى. قال الباقر ” عليه السلام “: من أخذ شاربه واظفاره كل يوم الجمعة وقال: حين يأخذه بسم الله وبالله وعلى سنة محمد وآل محمد لم يسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب الله له


[ 334 ]

بها عتق نسمة ولم يمرض إلا مرضه الذى يموت فيه. وقال النبي صلى الله عليه وآله: صلاة الجماعة افضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة. وقال الباقر ” عليه السلام “: ثلاث كفارات اسباغ الوضوء في السبرات والمشى بالليل والنهار إلى الصلاة والمحافظة على الجماعات. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعثمان بن مظعون يا عثمان من صلى صلاة الفجر في جماعة ثم جلس بذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعين درجة بعد بين كل درجة كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسون سنة ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد اسماعيل كل منهم رب بيت يعتقهم ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة متقبلة، ومن صلى العشاء الآخرة في جماعة كان له كقيام ليلة القدر، وقال صلى الله عليه وآله ألا ادلكم على شئ يكفر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات ؟ قيل: بلى يا رسول الله قال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى هذه المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة وما منكم أحد يخرج من بيته متطهرا فيصلى الجمعة مع المسلمين ثم يقعد ينتظر الصلاة الاخرى إلا والملائكة تقول اللهم اغفره اللهم ارحمه فإذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم واقيموها وسدوا الفرج وإذا قال امامكم الله اكبر فقولوا الله اكبر ان خير صفوف الرجال المقدم وشرها المؤخر. وقال عليه السلام: من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه قيل يا رسول الله ما جماعة المسلمين ؟ قال: جماعة أهل الحق وان قلوا. وقال الصادق ” عليه السلام “: اشترط رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جيران المسجد شهود الصلاة وقال لينتهين اقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يوذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتى وهو علي فليحرقن على اقوام بيوتهم بحزم الحطب لانهم لا يأتون الصلاة. وقال أيضا عليه السلام: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر فلما انصرف اقبل بوجهه على اصحابه فسأل عن اناس هل حضروا ؟ قالوا: لا يارسول الله فقال اغيب هم ؟ قالوا لا قال: اما انه ليس من صلاة أشد على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ولم علموا الفضل الذى فيهما لاتوها ولو حبوا.


[ 335 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان صفوف امتى كصفوف الملائكة في السماء والركعة في الجماعة اربعة وعشرون ركعة كل ركعة احب إلى الله تعالى من عبادة اربعين سنة فما من مؤمن مشى إلى ” صلاة ” الجماعة إلا خفف الله عليه اهوال يوم القيامة ثم يأمر به إلى الجنة واما الاجتهار فانه يتباعد لهب النار منهم بقدر ما يبلغ صوته، ويجوز على الصراط ويعطى السرور حين يدخل الجنة بداخل الجنة. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة الله عزوجل. وقال الباقر عليه السلام: لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلا مريض أو مشغول. مجلس في ذكر فضل المساجد قال الله في سورة البقرة: (واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل). وقال تعالى في سورة التوبة: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين). اعلم ان لهذه الآية شأنا وقصة وذلك انه اسر بعض رؤساء قريش فاقبل عليه ناس من المسلمين يعيرونه بالكفر بالله وقطيعة الرحم وعون المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمين فقال الرجل: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا ؟ قالوا: وهل لكم من محاسن ؟ قال: نعم إنا نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونفك العانى ونسقى الحاج ونؤمن الخائف فانزل الله عزوجل ردا عليه ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على انفسهم بالكفر اولئك حبطت اعمالهم يعنى التى ذكرها، وفى النار هم خالدون ثم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر الآية، وكان عند القوم ان عمارة المسجد إنما هي بالمرمة والكنس والتزويق والتصفية والتجصيص والانفاق عليه فاخبر الله تعالى ان العمارة للمساجد اولا بالايمان بالله، ثم بكثرة الركوع والسجود والطاعة والعبادة فيها، وقال في سورة النور: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها


[ 336 ]

اسمه) الآية يعنى المساجد ان تبنى وتعمر بدلالة قوله تعالى في سورة البقرة: واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل. وقال تعالى في سورة الجن: (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) اضاف المساجد إلى نفسه من بين البقاع على طريق التخصيص والتفصيل كما اضاف الكعبة إلى نفسه فقال تعالى: فليعبدوا رب هذا البيت. وقال الصادق ” عليه السلام “: ما عبد الله بشئ افضل من الصمت والمشى إلى بيته. وقال أيضا عليه السلام: ثلاثة يشكون إلى الله عزوجل: مسجد خراب لا يصلى فيه اهله وعالم بين جهال ومصحف مغلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه. وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: بالكوفة مساجد ملعونة، ومساجد مباركة فأما المباركة فمسجد غنى والله ان قبلته لقاسطة، وان طينته لطيبة ولقد بناه رجل مؤمن ولا تذهب الدنيا حتى ينفجر عندها عينان، ويكون فيهما جنتان واهله ملعونون وهو مسلوب منهم ومسجد بنى ظفر ومسجد السهلة، ومسجد بالحمراء ومسجد جعفى، وليس هو مسجدهم اليوم ويقال انه درس. واما المساجد الملعونة: فمسجد ثقيف، ومسجد الاشعث، ومسجد جرير البجلى ومسجد سماك، ومسجد بالحمراء بنى على قبر فرعون من الفراعنة. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان أمير المؤمنين عليهما السلام نهى بالكوفة عن الصلاة في خمسة مساجد: مسجد الاشعث بن قيس، ومسجد جرير بن عبد الله بن البجلى ومسجد سماك بن مخرمة، ومسجد شبث بن ربعى، ومسجد تيم قال: وكان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” إذا نظر إلى مسجدهم قال: هذه بيعة تيم، ومعناه انهم قعدوا عنه لا يصلون معه بغضا له لعنهم الله. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: حريم المسجد اربعون ذراعا، والجوار اربعون دارا من اربعة جوانب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة، ومن خرج منه ما يقذى عينا كتب الله له كفلين من رحمته. وقال صلى الله عليه وآله: من كنس مسجدا يوم الخميس ليلة الجمعة، واخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له.


[ 337 ]

قال الاصبغ بن نباتة: بينا نحن ذات يوم عند أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في مسجد الكوفة إذ قال: يا أهل الكوفة، ولقد حباكم الله بما لم يحب به أحدا ففضل مصلاكم وهو بيت آدم ونوح وبيت ادريس، ومصلى ابراهيم الخليل، ومصلى اخى الخضر ” عليه السلام ” ومصلاي وان مسجدكم أحد الاربعة المساجد التى اختارها الله عزوجل لاهلها، وكأني به يوم القيامة في ثوبين ابيضين شبيه بالمحرم يشفع لاهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته ولا تذهب الايام والليالي حتى ينصب الحجر الاسود فيه، وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدى ” عليه السلام ” من ولدى، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الارض مؤمن إلا كان حن قلبه إليه فلا تهجروه، وتقربوا إلى الله عزوجل بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لاتوه من أقطار الارض ولو حبوا على الثلج. وقال الصادق ” عليه السلام “: عليكم باتيان المساجد فانها بيوت الله في الارض ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره فاكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا في المساجد في بقاع مختلفة فان كل بقعة تشهد للمصلى عليها يوم القيامة. قال الصادق ” عليه السلام “: ما بقى ملك مقرب، ولا نبى مرسل ولا عبد صالح دخل الكوفة إلا وقد صلى في مسجد الكوفة، وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر به ليلة اسرى به فاستأذن الله به الملك فصلى فيه ركعتين، وصلاة الفريضة فيه الف صلاة، والنافلة فيه خمسمائة صلاة والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة فأته ولو زحفا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مشى إلى مسجد يطلب فيه جماعة كان له بكل خطوة سبعون الف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكل الله به سبعين الف ملك يعودونه في قبره، ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث. وقال صلى الله عليه وآله: من سمع النداء في المسجد فخرج منه من غير علة فهو منافق إلا ان يريد الرجوع إليه. وقال صلى الله عليه وآله: من بنى مسجدا ليذكر الله فيه بنى له بيت في الجنة ومن اعتق نفسا مسلمة كان ذلك العتق فدية له من جهنم، ومن شاب شيبته في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة.


[ 338 ]

وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: صلاة في بيت المقدس الف صلاة، وصلاة في المسجد الاعظم مئة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة خمسة وعشرين صلاة وصلاة في مسجد السوق اثنتى عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة. وقال عليه السلام: من اختلف إلى المسجد اصاب احدى الثمان اخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو سمع كلمة تدله على الهدى أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنبا خشية أو حياءا. قال الصادق عليه السلام: خير مساجد نسائكم البيوت. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم المصاحف حليت، والمساجد زينت والمنارة طولت واتخذ القرآن مزامير، والمساجد طرقا، المؤمن في ذلك الزمان اعز من الكبريت الاحمر اما ان مساجدهم مزخرفة، وابدانهم نقية وقلوبهم انتن من الجيفة. مجلس في ذكر فضل شهر رمضان سمى شهر رمضان بذلك لانه رمضت فيه الخصال من الحر، وقيل أيضا سمى بذلك لانه يرمض الذنوب – أي يحرقها. قال الله تعالى في سورة البقرة: (كتب الله عليكم الصيام كما كتب عل الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقال تعالى: (شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن * هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). وقال الباقر ” عليه السلام “: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله واثنى عليه، ثم قال أيها الناس: قد أظلكم شهر فيه ليلة القدر خير من الف شهر وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة فمن تطوع فيها كان كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله


[ 339 ]

كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن ومن أفطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزوجل عتق رقبة ومغفرة الذنوب فيما مضى فقيل يا رسول الله: ليس كلنا نقدر على ان نفطر صائما فقال: ان الله تبارك وتعالى كريم يعطى هذا الثواب منكم من لم يقدر إلا على مذقة من لبن ففطر بها صائما أو شربة ماء عذب أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف عنه حسابه وهو شهر اوله رحمة، واوسطه مغفرة وآخره اجابة والعتق من النار ولا غنى بكم فيه عن اربعة خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم منهما اما اللتان ترضون الله بهما: فشهادة ان لا إله إلا الله وانى رسول الله، واما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون فيه من النار. قال الباقر ” عليه السلام “: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال: اللهم اهله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الاسقام، وتلاوة القرآن والعون على الصلاة والصيام اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه منا حتى ينقضى شهر رمضان وقد غفرت امام مقبل بوجهه على الناس فيقول: يا معشر المسلمين إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين وفتحت ابواب السماء وابواب الجنان، وابواب الرحمة وغلقت ابواب النار واستجيب الدعاء وكان الله عزوجل عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار ونادى مناد كل ليلة: هل من سائل هل من مستغفر اللهم اعط كل منفق خلفا، واعط كل ممسك تلفا حتى إذا طلع هلال شوال نودى المؤمنون: ان اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال ابو جعفر ” عليه السلام “: اما والذى نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير ولا الدراهم. قال الباقر ” عليه السلام “: ان لله تبارك وتعالى ملائكة موكلين بالصائمين كل ليلة عند افطارهم ابشروا عباد الله وقد جعتم قليلا وتشبعون كثيرا بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان نادوهم ابشروا عباد الله فقد غفر الله لكم ذنوبكم وقبل توبتكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان شهر رمضان يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له، ومن احسن فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله له، ومن احسن فيه خلقه


[ 340 ]

غفر الله له ومن وصل فيه رحمه غفر الله له، ثم قال عليه السلام: ان شهركم هذا ليس كالشهور انه إذا اقبل اليكم اقبل بالبركة والرحمة وإذا ادبر عنكم ادبر بغفران الذنوب هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة، واعمال الخير فيه مقبولة من صلى منكم في هذا الشهر لله تعالى ركعتين يتطوع بهما غفر الله له ثم قال عليه السلام: ان الشقى حق الشقى من خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه فحيئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجواز الرب الكريم. قال الصادق ” عليه السلام “: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبل الله منه صيامه فقيل له يا بن رسول الله ما القول الصالح ؟ قال: شهادة ان لا إله إلا الله والعمل الصالح اخراج الفطرة. وقال عليه السلام: ان لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من افطر على مسكر فإذا كان آخر ليلة منه اعتق فيها مثل ما اعتق في جميعه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما حضر شهر رمضان وذلك لثلاث بقين من شعبان قال لبلال ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ان هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور فيه ليلة خير من الف شهر يغلق فيه ابواب النيران ويفتح فيه ابواب الجنان فمن ادركه فلم يغفر له فابعده الله ومن ذكرت عنده فلم يصلى علي فلم يغفر له فابعده الله ومن ادرك والديه فلم يغفر له فابعده الله تعالى. وقال الباقر ” عليه السلام “: لكل شئ ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فاما الدعاء فيدفع عنكم البلاء واما الاستغفار فيمحى به ذنوبكم. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن يصوم شهر رمضان إحتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال: (أولها) يذيب الحرام في جسده. (والثانية) يقرب من رحمته. (والثالثة) يكون قد كفر خطيئة أبيه. (والرابعة) يخفف الله عنه سكرات الموت. (والخامسة) أمان من الجوع والعطش يوم القيامة. (والسادسة) يعطيه الله برائة من النار.


[ 341 ]

(والسابعة) يطعمه الله من ثمرات الجنة. قال أبو هريرة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطب فقال في خطبته: أيها الناس من صام شهر رمضان في انصات وسكون وكف سمعه وبصره ولسانه ويديه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة، والاذى قرب يوم القيامة حتى يمس ركبتيه ركبة ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من امتى في المنام يلهث عطشا كلما ورد حوضا منه منع منه فجائه صيام شهر رمضان فسقاه وارواه. قال علي بن المغيرة: قلت لابي الحسن موسى ” عليه السلام “: ان أبى سأل جدك عليه السلام عن ختم القرآن في كل ليلة فقال له جدك: في كل ليلة قال: في شهر رمضان ؟ فقال جدك في شهر رمضان، فقال له أبى: نعم قال: ما استطعت فكان أبى يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثم ختمته بعد أبى فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلى ونشاطى وكسلي فإذا كان يوم الفطر جعلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ختمة ولعلي ” عليه السلام ” ختمة ولفاطمة ” عليه السلام ” اخرى ثم للائمة صلوات الله عليهم انتهيت اليك فصيرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال فأى شئ لى بذلك ؟ قال فان لك بذلك ان تكون معهم يوم القيامة قلت: الله اكبر فلى بذلك ؟ قال: نعم ثلاث مرات. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تسحروا ولو بجرعة من ماء ألا صلوات الله على المتسحرين. وقال عليه السلام: ان الله وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالاسحار فليتسحر احدكم ولو بجرعة من الماء. وقال عليه السلام: تعاونوا بأكل السحر على صيام النهار، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده افطر على الماء الفاتر، وكان يقول: هو ينقى الكبد والمعدة. ويطيب النكهة والفم ويقوى الاضراس ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا، ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة ويطفى الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع. وقال الصادق ” عليه السلام “: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من فطر صائما كان له مثل اجره من غير ان ينتقص منه شئ، وما عمل بقوة ذلك الطعام من بر.


[ 342 ]

وقال ” عليه السلام “: فطرك لاخيك وادخالك السرور عليه اعظم اجرا من صيامك. قال الصادق ” عليه السلام “: افطارك في منزل اخيك المسلم افضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: يا سدير هل تدرى أي ليال هذه ؟ فقال: نعم فداك أبى وأمى هذه ليالى شهر رمضان، فقال له: اتقدر على ان تعتق في كل ليلة من هذه الليالى عشر رقاب من ولد اسماعيل ؟ فقال سدير: بأبى أنت وأمى ان مالى لا يبلغ ذلك قال فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول: لا اقدر قال: فما تقدر ان تفطر في كل ليلة رجلا مسلما ؟ قال: بلى وعشرة، فقال: انى ذلك اردت بك، يا سدير ان افطارك اخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد اسماعيل قال: وان فطرك لاخيك وادخال السرور عليه اعظم من اجر صيامك. قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس ما لمن صام شهر رمضان وعرف حقه ؟ قال: تهيأ يا بن جبير حتى احدثك ما لم تسمع اذناك ولم يمر على قلبك، وفرغ نفسك لما سألتنى عنه فما اردته فهو علم الاولين والآخرين، وقال سعيد بن جبير: فخرجت من عنده فتهيئت له من الغد فبكرت إليه مع طلوع الفجر فصليت الفجر، ثم ذكرت الحديث فحول وجهه فقال: اسمع منى ما اقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لو علمتم ما لكم في رمضان لزدتم الله تعالى شكرا، وإذا كان اول ليلة غفر الله عزوجل لامتي الذنوب كلها سرها وعلانيتها، ورفع لكم الفى الف درجة وبنى لكم خمسين مدينة، وكتب الله تعالى يوم الثاني بكل خطوة يخطو بها في ذلك اليوم عبادة سنة وثواب نبى وكتب لكم صوم سنة واعطاكم الله عزوجل يوم الثالث بكل شعرة على ابدانكم قبة في الفردوس من درة بيضاء في اعلاها اثنى عشر الف بيت من النور، وفى اسفلها اثنى عشر الف بيت في كل بيت الف سرير على كل سرير حوراء، يدخل عليكم كل يوم الف ملك مع كل ملك هدية واعطاكم الله تعالى يوم الرابع في جنة الخلد سبعين الف قصر في كل قصر سبعون الف بيت في كل بيت خمسون الف سرير على كل سرير حوراء بين يدى كل حوراء الف وصيفة خمار احديهن خير من الدنيا وما فيها، واعطاكم الله في اليوم الخامس في جنة المأوى الف الف مدينة في كل مدينة سبعون الف بيت في كل بيت الف مائدة على كل مائدة سبعون الف قصعة في كل قصعة ستون الف لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا واعطاكم


[ 343 ]

الله عزوجل في اليوم السادس في دار السلام مئة الف مدينة في كل مدينة مئة الف دار في كل دار مئة الف بيت في كل بيت مئة الف سرير من ذهب طول كل سرير الف ذراع على كل سرير زوجة من الحور العين عليها ثلاثون الف ذوابة منسوجة بالدر والياقوت تحمل كل ذوابة مئة جارية، واعطاكم الله عزوجل يوم السابع في جنة النعيم ثواب اربعين الف شهيد، واربعين الف صديق، واعطاكم الله عزوجل يوم الثامن عمل ستين الف عابد وستين الف زاهد، واعطاكم الله عزوجل يوم التاسع ما يعطى الف عالم والف معتكف والف مرابط، واعطاكم الله عزوجل يوم العاشر قضاء سبعين الف حاجة وتستغفر لكم الشمس والقمر والنجوم، والدواب والطير والسباع وكل حجر ومدر وكل رطب ويابس والحيتان في البحار والاوراق على الاشجار، وكتب الله عزوجل يوم الحادى عشر ثواب اربع حجات وعمرات كل حجة مع نبى من الانبياء وكل عمرة مع صديق أو شهيد، وجعل الله عزوجل لكم يوم اثنى عشر ان يبدل الله سيئاتكم حسنات ويجعل حسناتكم اضعافا، ويكتب لكم بكل حسنة الف الف حسنة وكتب الله عزوجل لكم يوم ثالث عشر مثل عبادة أهل مكة والمدينة واعطاكم الله بكل مدر وحجر ما بين مكة والمدينة شفاعة، ويوم رابع عشر فكأنما لقيتم آدم ونوحا وبعدهما ابراهيم وموسى وبعدهما داود وسليمان، وكأنما عبدتم الله عزوجل مع كل نبى مئة سنة وقضى لكم الله يوم خامس عشر الف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، واعطاكم الله ما، واعطاكم الله ما يعطى ايوب واستغفرت لكم حملة العرش، واعطاكم الله عزوجل يوم القيامة اربعين نورا عشرة عن يمينكم وعشرة عن يساركم، وعشرة امامكم، وعشرة خلفكم، واعطاكم الله يوم السادس عشر إذا خرجتم من القبر ستين حلة تلبسونها، وناقة تركبونها وبعث اليكم غمامة تظلكم من حر ذلك اليوم والمقام، واليوم السابع عشر يقول الله عزوجل: انى قد غفرت لكم ولآبائكم، ورفعت عنكم شدائد يوم القيامة وإذا كان يوم الثامن عشر أمر الله تعالى جبرئيل وميكائيل، واسرافيل وحملة العرش والكروبيين ان يستغفروا لامة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى القابلة، واعطاكم الله عزوجل يوم القيامة ثواب البدريين فإذا كان يوم التاسع عشر لم يبق ملك في السماوات والارض إلا استاذنوا ربهم في زيارة قبوركم كل يوم ومع كل هدية وشراب فإذا تم لكم عشرون يوما بعث الله عزوجل اليكم سبعين الف ملك يحفظونكم من كل شيطان رجيم، وكتب الله تعالى لكم بكل يوم صمتم صوم مئة سنة


[ 344 ]

وجعل بينكم وبين النار خندقا، واعطاكم ثواب من قرأ التوراة والانجيل والزبور والفرقان، وكتب الله لكم بكل ريشة على جبرئيل ” عليه السلام ” عبادة سنة واعطاكم ثواب تسبيح العرش والكرسي، وزوجكم بكل آية في القرآن الف حوراء ويوم الحادى والعشرين يوسع الله عليكم القبر الف فرسخ، ويرفع عنكم الظلمة والوحشة ويجعل قبوركم كقبور الشهداء ويجعل وجوهكم كوجه يوسف بن يعقوب عليهما السلام ويوم الثاني والعشرين يبعث الله اليكم ملك الموت كما يبعث إلى الانبياء عليهم السلام ويدفع هول منكر ونكير ويرفع عنكم هم الدنيا وعذاب الآخرة، ويوم الثالث والعشرين تمرون على الصراط مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وكأنما اشبعتم كل يتيم من امتى وكسوتم كل عريان من امتى ويوم اربعة وعشرين لا تخرجون من الدنيا حتى يرى كل واحد منكم مكانه في الجنة ويعطى كل واحد ثواب الف مريض، والف غريب خرجوا في طاعة الله واعطاكم ثواب عتق الف رقبة من ولد اسماعيل ويوم خمسة وعشرين بنى الله تعالى لكم تحت العرش الف قبة خضراء على رأس كل قبة خيمة من نور يقول الله تعالى: يا امة محمد انا ربكم وانتم عبيدى وامائي استظلوا بظل عرشى في هذه القباب وكلوا واشربوا هنيئا لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون. يا امة محمد، وعزتي وجلالى لابعثنكم إلى الجنة يتعجب منكم الاولون والآخرون ولاتوجن كل واحد منكم بالف تاج من نور ولاركبن كل واحد منكم على ناقة خلقت من نور زمامها من نور، وفى ذلك الزمام الف حلقة من الذهب في كل حلقة ملك قائم عليها من الملائكة بيد كل ملك عمود من نور حتى تدخلوا الجنة بغير حساب وإذا كان يوم ستة وعشرين ينظر الله اليكم بالرحمة فيغفر الله لكم الذنوب كلها إلا الدماء والاموال وقدس بينكم كل يوم سبعين مرة من الغيبة والكذب والبهتان ويوم سبعة وعشرين فكأنما نصرتم كل مؤمن ومؤمنة وكسوتم سبعين الف عارى وخدمتم الف مرابط وكأنما قرأتم كل كتاب انزله الله على انبيائه، ويوم ثمانية وعشرين جعل الله لكم في جنة الخلد مئة الف مدينة من نور واعطاكم الله تعالى في جنة المأوى مئة الف قصر من فضة واعطاكم الله في جنة الفردوس مئة الف مدينة في كل مدينة الف حجرة، واعطاكم الله في جنة الجلال مئة الف منبر من مسك في جوف كل منبر الف بيت من زعفران في كل بيت الف سرير من در وياقوت على كل سرير زوجة من حور العين وإذا كان يوم تسعة وعشرين اعطاكم


[ 345 ]

الله الف الف محلة في جوف كل محلة قبة بيضاء في كل قبة سرير من كافور ابيض على ذلك السرير الف فراش من السندس الاخضر فوق كل فراش حوراء عليها سبعون الف حلة على رأسها ثمانون الف ذوابة كل ذوابة مكللة بالدر والياقوت فإذا تم ثلاثون يوما كتب الله تعالى لكم بكل يوم مر عليكم ثواب الف شهيد، وثواب الف صديق وكتب الله تعالى لكم بكل يوم صوم الفى يوم، ورفع لكم تعداد نبت النيل درجات، وكتب الله عزوجل لكم برائة من النار وجواز على الصراط وامانا من العذاب وللجنة باب يقال له الريان لا يفتح ذلك إلا يوم القيامة ثم يفتح للصائمين والصائمات من امة محمد (صلى الله عليه وآله) ثم ينادى رضوان خازن الجنة: يا امة محمد هلموا إلى الريان فيدخل امتى في ذلك الباب إلى الجنة ومن لم يغفر له رمضان ففى أي شهر يغفر له ولا حول ولاقوة إلا بالله. وقال أمير المؤمنين: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم فقال: أيها الناس، انه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله افضل الشهور وايامه افضل الايام ولياليه افضل الليالى، وساعاته افضل الساعات دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل الكرامة انفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعائكم فيه مستجاب فاسألوا ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقى من حرم عليه غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم فارحموا صغاركم، وصلوا ارحامكم واحفظوا السنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه اسماعكم، وتحننوا على ايتام الناس حتى يتحنن على ايتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم فارفعوا إليه ايديكم بالدعاء في اوقات صلاتكم فانها افضل الساعات ينظر الله عزوجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه يا أيها الناس ان انفسكم مرهونة باعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من اوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلم ان الله تعالى ذكره اقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال صلى الله عليه وآله: اتقوا الله ولو بشق


[ 346 ]

تمرة اتقوا الله ولو بشربة من الماء أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عنه حسابه، ومن كف فيه شره كف عنه غضبه يوم يلقاه ومن اكرم فيه يتيما اكرمه الله يوم يلقاه، من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن أكثر فيه من الصلاة على ثقل الله ثقل الله ميزانه يوم يخفف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور أيها الناس ان ابواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم، فقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: فقمت وقلت: يا رسول الله ما افضل الاعمال في هذا الشهر ؟ فقال: يا ابا الحسن افضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله ثم بكى فقلت: يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال: يا علي ابكى لما يستحل منك في هذا الشهر كأنى بك وانت تصلى لربك، وقد اتبعك اشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك قال أمير المؤمنين: فقلت يا رسول الله وذلك في سلامة من دينى، فقال: في سلامة من دينك، ثم قال (صلى الله عليه وآله) يا علي من قتلك فقد قتلني ومن ابغضك فقد ابغضنى، ومن سبك فقد سبنى لانك منى كنفسي وروحك من روحي وطينتك من طينتي ان الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفانى وإياك واختارني للنبوة، واختارك للامامة فمن انكر امامتك فقد انكر نبوتى يا علي انت وصيى وابو ولدي، وزوج ابنتى وخليفتي على امتى في حياتي، وبعد مماتي امرك امرى ونهيك نهيى اقسم بالذى بعثنى بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان فإذا كان اول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال له المثيرة فتصفق ورق اشجار الجنان، وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون احسن منه فتزين الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين هل من خاطب لنا بأعماله الصالحة إلى الله تعالى فيزوجه قال ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة ؟ فيجيبهن بالتلبية يا خيرات يا حسان هذه اول ليلة من شهر رمضان فتحت فيها ابواب الجنان


[ 347 ]

للصائمين من امة محمد (صلى الله عليه وآله) قال فيقول الله تبارك وتعالى: يا رضوان افتح ابواب الجنان يا مالك اغلق ابواب النيران عن الصائمين من امة محمد (صلى الله عليه وآله) يا جبرئيل اهبط إلى الارض فاصفد مردة الشياطين وغلهم في الاغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا على امة حبيبي صيامهم. قال: ويقول الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل فاعطيه سؤاله ؟ هل من تائب فاتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له ؟ من يقرض الملى غير المعدم الوفى غير الظلوم ؟ قال: ولله تعالى في كل يوم من شهر رمضان عند الافطار الف الف عتيق من النار وإذا كان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة اعتق في كل ساعة منها الف الف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان اعتق في ذلك اليوم بعدد ما اعتق من اول الشهر إلى آخره فإذا كان ليلة القدر أمر الله تعالى جبرئيل فهبط في كومة من الملائكة عليهم السلام إلى الارض معه لواء اخضر فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في كل ليلة من ليالى القدر قال: فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب ويبيت جبرئيل والملائكة في هذه الامة، ويسلمون على كل قائم وقاعد ومصلى وذاكر ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل ” عليه السلام ” يا معشر الملائكة يا معشر الملائكة: الرحيل الرحيل فيقولون: يا جبرئيل ما صنع الله تعالى في حوائج امة محمد فيقول: ان الله تعالى نظر إليهم في هذه اليلة وعفى عنهم وغفر لهم إلا اربعة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهؤلاء الاربعة رجل مدمن الخمر، وعاق لوالديه وقاطع رحم ومشاحن قيل يا رسول الله وما المشاحن ؟ قال: المصارم فإذا كان ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة فإذا كان غداة الفطر بعث الله تعالى الملائكة في كل بلاد فيهبطون إلى الارض فيقومون على افواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله تعالى إلا الجن والانس فيقولون يا امة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويغفر العظيم فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله للملائكة: يا ملائكتي ما جزاء الاجير إذا عمل عمله ؟ قال فتقول الملائكة: الهنا وسيدنا جزاؤه ان توفيه اجره، قال فيقول الله تعالى: فانى اشهدكم يا ملائكتي انى قد جعلت ثوابهم من صيامهم رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي


[ 348 ]

قال ويقول الله تعالى: يا عبادي سلونى فو عزتي وجلالى لا تسألونى اليوم شيئا في جمعكم هذا لآخرتكم إلا اعطيتكم، ولا لدنياكم إلا ونظرت لكم وعزتي وجلالى لاسترن عيوبكم لئلا تعرضوا عنى واضاعف اجوركم لاسوين عليكم غفرانكم ما راقبتموني وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم انصرفوا مغفورا لكم قد ارضيتموني، ورضيت عنكم قال فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطى الله عزوجل هذه الامة إذا افطروا شهر رمضان. مجلس في ذكر ليلة القدر وفضل الصيام قال الله تعالى في سورة الدخان: (إنا انزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم) الآيات. قال قوم: هي ليلة القدر، وقال قوم: هي ليلة البراءة. وقال تعالى: (إنا انزلناه في ليلة القدر) إلى آخر السورة، وقد سمى الله في كتابه سبعة أشياء مباركا: سمى مكة مباركا، فقال تعالى في سورة آل عمران: ان اول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وسمى القرآن مباركا، وقال تعالى في سورة الانعام: وهذا كتاب انزلناه مبارك وسمى عيسى ” عليه السلام ” مباركا في سورة مريم فقال وجعلني نبيا وجعلني مباركا وسمى الزيتون مباركا وقال في سورة النور: يوقد من شجرة مباركة زيتونة، وسمى بقعة موسى مباركة. وقال تعالى في سورة القصص: (فلما اتاها نودى من شاطئ الواد الايمن في البقعة المباركة من الشجرة ان يا موسى انى أنا الله وسمى المطر مباركا) فقال في سورة ” ق ” (ونزلنا من السماء ماءا مباركا). قال: واتفق اكثر مشايخنا رضى الله عنهم على ان ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ليلة القدر هي اول السنة وهى آخرها. وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: من اغتسل ليلة القدر واحياها إلى طلوع الفجر خرج من ذنوبه.


[ 349 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحث عليه ولا يحتمه. وقال الباقر ” عليه السلام “: من أحيا ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وصلى فيه مئة ركعة وسع الله عليه معيشته في الدنيا وكفاه امر من يعاديه واعاذه من الحرق والهدم والسرق ومن شر السباع، ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره ونوره يتلالا لاهل الجمع ويعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار وجواز على الصراط وأمانا من العذاب ويدخل الجنة بغير حساب ويجعل فيها من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. قال الباقر ” عليه السلام ” لما انصرف إلى عرفات وسار إلى منى دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله عزوجل. أما بعد: فانكم سألتموني عن ليلة القدر، ولم اطوها عنكم انى لا اكون بها عالما اعلموا أيها الناس، انه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته، وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد ادرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: فان لله جوائز ليست كجوائز العباد، وقال ابن عباس سميت ليلة القدر لان الله يقدر في تلك الليلة ما يكون من السنة إلى السنة من مصيبة أو موت أو رزق أو غير ذلك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى اهدى الي والى امتى هدية لم يهدها إلى احد من الامم كرامة من الله لنا قالوا: وما ذاك يا رسول الله قال الافطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله هديته. قال الصادق عليه السلام: للصائم فرحتان فرحة عند افطاره، وفرحة عند لقاء الله تعالى. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: كل عمل بنى آدم هو له غير الصيام فهو لى وانا اجزى به، والصيام جنة عبدى المؤمن يوم القيامة كما يقى احدكم سلاحه في الدنيا ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك، والصائم يفرح بفرحين حين يفطر فيطعم ويشرب وحين يلقانى فادخله الجنة.


[ 350 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصائم في عبادة: وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما. وقال أيضا عليه السلام: من صام يوما تطوعا ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة. وقال الصادق ” عليه السلام “: من صام يوما في الحر فأصابه ظمأ وكل الله به الف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر. قال الله تعالى: ما اطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا انى قد غفرت له. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: صيام شهر رمضان، وثلاثة ايام في كل شهر يذهبن بلابل الصدور ان صام ثلاثة ايام في كل شهر صام الدهر، ان الله عزوجل يقول: (من جاء بالحسنة فله عشر امثالها). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شئ زكاة، وزكاة البدن الصوم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس من قيامه إلا العنا. قال الصادق ” عليه السلام “: لمحمد بن مسلم: يا محمد إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرتك فلا يكن يوم صومك كيوم فطرك. وقال عليه السلام: ان الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة تدعو له الملائكة حتى يفطر. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح. قال أبو هريرة: من صام يوم ثمانية وعشرين من ذى الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وقال ألست اولى بالمؤمنين ؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلى مولاه فقال له عمر: بخ بخ يا علي بن أبى طالب اصبحت مولاى ومولى كل مسلم فانزل الله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي) (وروى) عن الائمة عليهم السلام انه قال: من صام يوم غدير خم ولم يستبدل به كتب الله له صيام الدهر. قال الصادق ” عليه السلام “: من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب الله له اجر صيام سبعين سنة.


[ 351 ]

(وروى) ان صيامه كفارة ستين شهرا. (وروى) ان من صام الخامس والعشرين من ذى القعدة وهو اليوم الذى دحى الله به الارض من تحت الكعبة كفر الله عنه ذنوبه سبعين سنة. ويوم السابع عشر من شهر ربيع الاول، وهو يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) فمن صامه كتب الله تعالى له صيام ستين سنة. مجلس في ذكر الايام العشر من ذى الحجة قال الله تعالى في سورة الاعراف: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر يعنى من ذى الحجة – فتم ميقات ربه اربعين ليلة). وقال تعالى في سورة الحج: (لتشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في ايام معلومات) يعنى العشر من ذى الحجة. وقال تعالى: (والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر). قال ابن عباس: الفجر النهار، وليال عشر قال: عشر الاضحى، وقيل الوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر لان عرفة يوم التاسع والنحر يوم العاشر. وقال الرضا ” عليه السلام “: بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين في سبعة وعشرين من رجب فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا، وفى خمسة وعشرين من ذى القعدة وضع الله البيت، وهو اول رحمة وضعت على وجه الارض فجعله الله عزوجل مثابة للناس وأمنا فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا، وفى اول يوم من ذى الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن ” عليه السلام ” فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا. قال عبد الرحمن بن سيابة: سألت أبا عبد الله ” عليه السلام ” من غسل يوم عرفة في الامصار فقال: اغتسل اين ما كنت، ويستحب الاجتماع والدعاء عند مشاهدة الائمة عليهم السلام والصوم والصلاة والتضرع.


[ 352 ]

مجلس في ذكر العيدين إعلم ان أسماء العيد اربعة: يوم العيد بالفارسية جشن، وقيل العيد كل مجمع واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل سمى العيد عيدا للعود من الترح إلى الفرح فهو يوم سرور للخلق كلهم ألا ترى ان المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون ولا يعاقبون ولا تصطاد الطيور والوحوش، ولا ينفذ الصبيان إلى المكتب. وقيل: سمى بذلك لان كل إنسان يعود إلى ما وعد الله له في ذلك اليوم وقيل: سمى بذلك لان كل انسان يعود فيه إلى الله بالتوبة والدعاء والرب يعود عليهم بالمغفرة والعطاء. وقيل: سمى بذلك لعود الله تعالى على عباده المؤمنين بالفوائد الجميلة والعوائد الجزيلة والعائد هو المعروف والصلة. ويوم الزينة قال الله في سورة طه في قصة موسى ” عليه السلام “: (قال موعدكم يوم الزينة) يعنى يوم عيدهم – لان الناس يجتمعون فيه من الآفاق ويوم الدين الجزاء. قال النبي (صلى الله عليه وآله): يقول الله لملائكته يوم العيد: ما جزاء الاجير إذا عمل عمله فيقولون يا ربنا جزاؤه ان يوفى اجره فيقول: اشهدوا ملائكتي انى غفرت لهم وقال تعالى في سورة الاعراف: (الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) – أي عيدهم ويقال هو انهم كانوا يقرطون اصنامهم في يوم عيدهم ويحلونها بانواع الحلى فعيرهم الله بذلك والاعياد في القرآن اربعة اعياد كان لعيسى ” عليه السلام ” وقومه، وهو قوله في سورة المائدة (قال عيسى بن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك) الآية. (والثانى) اعياد الكفار قال الله تعالى في سورة الفرقان (والذين لا يشهدون الزور) قيل: الزور أعيادهم. (والثالث) عيد الفطر قال الله: (قد افلح من تزكى) – أي تصدق بصدقة الفطر وذكر اسم ربه – يعنى التكبير – فصلى – يعنى صلاة العيد.


[ 353 ]

(والرابع) عيد النحر. قال الله تعالى: إنا اعطيناك الكوثر فصلى لربك وانحر) يعنى صلاة العيد وانحر يعنى القربان. ينبغى للمؤمن أن يحضر العيد معتبرا لا ناظرا حتى لا يكون حاله كحال الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا فقد قيل: ان الحكمة في العيدين تذكير القيامة واهوالها، وذلك ان احوالها موافقة لاهوالها فإذا كانت ليلة العيد فاذكر الليلة التى تكون صبيحتها يوم القيامة فإذا سمعت صوت الطبل والطوس والبوق فاذكر نفخ الصور. قال الله تعالى في سورة الكهف: (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) فإذا خرجت من بيتك يوم العيد إلى المصلى فاذكر يوم خروجك من الدنيا، ويوم خروجك من القبر إلى المحشر. قال الله تعالى في سورة ” ق “: (واستمع يوم ينادى المناد من مكان قريب). وإذا رأيت الناس متوجهين إلى المصلى مختلفين في احوالهم فبعضهم يلبسون الثياب الفاخرة وبعضهم الخلقان، وبعضهم الجدد فاذكر اختلاف احوالهم في الآخرة فبعضهم يلبسون الحلل، وبعضهم يلبسون القطران، وإذا رأيت اختلافهم في المشى قوم مشاة وقوم ركبان فاذكر مشيك على الصراط. قال النبي (صلى الله عليه وآله): يرد الناس الصراط، ثم يصدرون عنها باعمالهم فاولها كلمح البرق ثم كالريح، ثم كحصر الفرس ثم كالكواكب في رحاه، ثم كشد الرجل ثم كمشيه واذكر ايضا يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا إى عطاشا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر الناس على ثلاثة اثلاث: ثلث على الدواب وثلث ينسلون على اقدامهم نسلا، وثلث على وجوههم وإذا جلست في المصلى ورأيت الناس مجتمعين منتظرين للسلطان بعضهم في الشمس وبعضهم في الظل، وبعضهم قيام فاذكر وقوفك في عرصات القيامة منتظرا للحساب وفصل القضاء. قال الله تعالى في سورة ابراهيم: (إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وافئدتهم هواء). قوم في الشمس قد الجمهم العرق، وقوم في ظل العرش


[ 354 ]

وإذا رأيت الالوية والرايات فاذكر ألوية القيامة لكل قوم لواء، وإذا قمت إلى الصلاة واصطف الناس فاذكر يوم العرض. قال الله تعالى في سورة الكهف: (وعرضوا على ربك صفا) وإذا صعد الامام المنبر وخطب، والناس سكوت منصتون فاذكر يوم يتقدم محمد للشفاعة والخلق حيارى سكوت، وإذا أخذ في الخطبة بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب فاذكر يوم ينادى المنادى سعد فلان وشقي فلان، وإذا رأيت الناس منصرفين طرقهم مختلفة ومنازلهم مختلفة، واطمعتهم مختلفة فاذكر قوله تعالى في سورة الروم: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون الآيات فريق في الجنة وفريق في السعير. وقوله تعالى: (يومئذ يصدر الناس اشتاتا ليروا أعمالهم) إذا ورأيت السؤال في الطريق قد مدوا أيديهم والغبار على وجوههم، واثر الضر والمسكنة ظاهر عليهم فاذكر قوله تعالى في سورة الروم: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) فهذه مقابلة احوال العيد باحوال القيامة، وفيها عبرة لمن اعتبر وعظة لمن تذكر. وقال الصادق ” عليه السلام “: خطب أمير المؤمنين بالناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس ان يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو اشبه يوم بيوم قيامتكم فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الاجداث إلى ربكم واذكروا وقوفكم في مصلاكم ووقوفكم بين يدى ربكم واذكروا رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار واعلموا عباد الله ان أدنى ما للصائمين والصائمات ان يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان ابشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في بعض الاعياد: إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد. قال محمد بن علي عليهما السلام: ما من عمل افضل يوم النحر من دم مسفوك أو مشى في بر الوالدين أو ذى رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل، ويبدأه بالسلام أو رجل اطعم من صالح نسكه، ودعا إلى بقيتها جيرانه من اليتامى والمساكين والمملوك وتعاهد الاسراء قال الصادق ” عليه السلام “: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح يقبل الله منه صيامه فقيل له: يا بن رسول الله ما القول الصالح ؟ قال: شهادة ان لا إله إلا الله والعمل الصالح اخراج الفطرة.


[ 355 ]

قال الصادق ” عليه السلام “: لبعض اصحابه: إذا كان ليلة الفطر فصل المغرب ثلاثا ثم اسجد وقل في سجودك يا ذا الطول يا ذا الحول يا مصطفى محمد وناصره صل على محمد وآل محمد فاغفر لى كل ذنب اذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين ثم تقول مئة مرة اتوب إلى الله وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة، وصلاة الغداة وصلاة العيد كما يكبر ايام التشريق يقول الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد الله اكبر على ما هدانا والحمد لله على ما ابلانا، ولا تقل فيه ورزقنا من بهيمة الانعام فان ذلك في ايام التشريق. مجلس في ذكر الزكاة قال الله تعالى في سورة البقرة: (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة) وقال أيضا في هذه السورة: (مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة) الآية. وقال أيضا في هذه السورة: (مثل الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم) وقال في سورة التوبة: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم إلى قوله ان الله هو التواب الرحيم). وقال فيها: (والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم). وقال في سورة النور: (واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). وقال في سورة لقمان: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة). وقال في سورة السبا: (وما انفقتم من شئ فهو يخلفه) الآية وقال تعالى: (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).


[ 356 ]

قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: السراق ثلاث: مانع الزكاة ومستحل مهر النساء، وكذلك من استدان دينا ولم ينو قضاءه. وقال عليه السلام: ان لله بقاعا يسمى المنتقمة فإذا اعطى الله عبدا مالا لم يخرج حق الله منه سلط الله عليه من تلك البقاع فاتلف المال فيها ثم مات وتركها. وقال عليه السلام: ما من ذى مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر وسلط عليه شجاعا اقرعا يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى انه لا يتخلص منه امكنه من يده فقضمها كما يقضم الفحل، ثم يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، وما من ذى مال ابل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر يطأه كل ذات ظلف بظفلها أو تنهشه كل ذات ناب بانيابها وما من ذى مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاتها إلا طوقه الله رقبته ارضه إلى سبع ارضين إلى يوم القيامة. قال عبد الله: بعثنى إنسان إلى أبى عبد الله ” عليه السلام ” زعم انه يفزع في منامه من امرأة تأتيه قال: فضحت حتى سمع الجيران، فقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: اذهب فقل انك لا تؤدى الزكاة قال بلى والله انى لاوديها، قال قل له: ان كنت تؤديها لا تؤتيها اهلها. في حديث له قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من منع من الزكاة سأل الرجعة عند الموت وهو قول الله تعالى: رب ارجعون لعلي اعمل صالحا. وقال عليه السلام: دمين في الاسلام لا يقضى فيها احد بحكم الله حتى يقوم قائمنا الزانى المحصن يرجمه ومانع الزكاة فيضرب عنقه. قال عليه السلام: من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا. وقال عليه السلام: من منع الزكاة في حياته طلب الكرة بعد موته. وقال عليه السلام: ما ضاع مال في بر أو بحر إلا من مانع الزكاة. وقال عليه السلام: إذا قام القائم اخذ مانع الزكاة فضرب عنقه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبة الوداع قال في خطبته أيها الناس ادوا زكاة اموالكم ألا فمن لم يزك فلا صلاة له ولا دين له ولا صوم له ولا حج له ولا جهاد له.


[ 357 ]

(وروى) ان الحسن بن علي عليهما السلام سئل عن بدو الزكاة فقال: ان الله عزوجل أوحى إلى آدم ان زك عن نفسك يا آدم قال: رب ما الزكاة: قال: صل لي عشر ركعات فصلى، ثم قال: رب هذه الزكاة علي وعلى الخلق ؟ فقال الله عزوجل هذه الزكاة عليك في الصلاة وعلى ولدك في المال من جمع من ولدك مالا. وقيل الصدقة اربعة احرف: فالصاد يصد صاحبها من مكاره الدنيا والآخرة والدال يكون دليله إلى الجنة، والقاف يقرب صاحبها إلى الله تعالى، والهاء يهدي صاحبها للاعمال الصالحة فيستوجب بها رضوان الاكبر. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى فما جزاء من اطعم مسكينا ابتغاء وجهك ؟ قال: يا موسى أمر مناديا يوم القيامة على رؤس الخلائق ان فلان بن فلان من عتقاء الله من النار. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من امتى في المنام يتقى وهج النيران وشررها بيده ووجهه فجائته صدقته وكانت ظلا على رأسه وسترا على وجهه. قال الصادق ” عليه السلام “: ان صدقة النهار تميت الخطيئة كما يميت الماء الملح، وان صدقة الليل تطفى غضب الرب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تصدق بصدقة فله بوزن كل درهم مثل جبل احد من نعيم الجنة. (وروى) ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام ” فقال له يا أمير المؤمنين: ان لي اليك حاجة فقال: اكتبها في الارض فانى ارى الضر فيك بينا فكتب على الارض انا فقير محتاج فقال عليه السلام: يا قنبر اكسه حلتين فانشأ يقول: كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف اكسوك من حسن الثنا حللا ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغى بما قد نلته بدلا ان الثناء ليحيى ذكر صاحبه * كالغيث يحيى نداء السهل والجبلا لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * فكل عبد سيجزى بالذى فعلا فقال علي ” عليه السلام “: اعطوه مئة دينار فقيل له يا أمير المؤمنين قد اغنيته فقال ” عليه السلام ” انى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انزلوا الناس منازلهم، ثم قال عليه السلام: انى لاعجب من اقوام يشترون المماليك باموالهم ولا يشترون الاحرار بمعروفهم. وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي الصدقات افضل ؟ فقال على ذى الرحم الكاشح.


[ 358 ]

قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: أترون ان في المال زكاة وحدها ما فرض الله في المال من غير الزكاة اكثر تعطى منه القرابة والمعترض لك. قال الصادق ” عليه السلام “: اعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ان الله تعالى يقول وقولوا للناس قولا حسنا ولا تعط من نصب بشئ من الحق أو دعى بشئ إلى باطل فقال عليه السلام: اعط من وقعت في قلبك الرحمة، ولكن إذا لم تعرفه فاعط دون الدرهم إلى اربعة دوانيق. وقال عليه السلام: تمام الصوم اعطاء الزكاة يعنى الفطرة كالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة من صام فلم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى ولم يصل على النبي وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ان الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة، فقال قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. قال الصادق ” عليه السلام “: ان عيسى روح الله ” عليه السلام ” مر بقوم محلين فقال: ما لهؤلاء فقيل يا روح الله ان فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه، قال يحليون اليوم ويبكون غدا، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله ؟ قال: لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال: أهل النفاق ما اقرب غدا فلما اصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ، فقال: يا روح الله ان الذى اخبرتنا به امس انها ميتة لم تمت، فقال عيسى ” عليه السلام “: يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال عيسى ” عليه السلام “: استأذن لي صاحبتك قال فدخل عليها فأخبرها ان روح الله وكلمته بالباب مع عدة قال: فتخدرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه قالت لم اصنع شيئا إلا وقد كنت اصنعه فيما مضى انه كان يعبر بنا سائل في كل ليلة جمعة فننيله إلى ما يقوته إلى مثلها فانه جاءني في ليلتى هذه وانا مشغولة بامرى واهلى في مشاغيل فهتف فلم يجبه احد ثم هتف فلم يجب فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى انلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحى عن مجلسك وإذا تحت ثيابها افعى مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف عنك هذا.


[ 359 ]

مجلس في ذكر فضائل الحج واحكام تاركيه قال الله تعالى في سورة آل عمران: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين). قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا، قال حريز: من حج ثلاث سنين متوالية، ثم حج أو لم يحج فهو بمنزلة مد من الحج. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من حج اربع حجج لم يصبه ضغطة القبر أبدا، وإذا مات صور الله الحج الذى حج في صورة حسنة من احسن ما يكون من الصور بين عينيه يصلى في جوف قبره حتى يبعثه الله من قبره، ويكون ثواب تلك الصلاة له، واعلم ان ركعة من تلك الصلاة تعدل الف ركعة من صلاة الآدميين. قال أبو عبد الله عليه السلام: من حج عشر حجج لم يحاسبه الله أبدا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فرض الله على امتى الوقوف والتضرع والدعاء في احب المواضع إليه وتكفل لهم بالجنة، والساعة التى ينصرف فيها الناس هي الساعة التى تلقى فيها آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم، ثم قال النبي والذى بعثنى بالحق بشيرا ونذيرا ان لله بابا في سماء الدنيا يقال له: باب الرحمة، وباب التوبة وباب الحاجة وباب التفضل وباب الاحسان، وباب الجود وباب الكرم، وباب العفو ولا يجتمع بعرفات احد إلا استاهل من الله في ذلك الوقت هذه الخصال، وان لله تعالى مئة الف ملك مع كل ملك مئة وعشرون الف ملك ولله رحمة على أهل عرفات ينزلها على أهل عرفات فإذا انصرفوا اشهد الله ملائكته بعفو أهل عرفات من النار، واوجب الله تعالى لهم الجنة وينادى مناد انصرفوا مغفورين فقد ارضيتموني ورضيت عنكم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من امتى بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة فجاءه حجه وعمرته فاخرجاه من الظلمة وادخلاه النور قال المشعمل الاسدي: خرجت ذات سنة حاجا فانصرفت إلى أبى عبد الله ” عليه السلام ” قال: من أين جئت يا مشعمل ؟ قلت: جعلت فداك كنت حاجا، فقال أو تدرى ما للحاج من الثواب ؟


[ 360 ]

فقلت ما ادرى حتى تعلمني، فقال ان العبد إذا طاف بهذا البيت اسبوعا وصلى ركعتين وسعى بين الصفا والمروة كتب الله له ستة آلاف حسنة، وحط عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستة آلاف حاجة للدنيا كذا وادخر له الآخرة كذا. قال الصادق عليه السلام: من لقى حاجا فصافحه كان كمن استلم الحجر. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انك إذا توجهت إلى سبيل الحج، ثم ركبت راحلتك ومضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خفا ولم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة ومحى عنك سيئة، فإذا احرمت ولبيت كتب الله لك بكل تلبية عشر حسنات، ومحى عنك عشر سيئات فإذا طفت بالبيت اسبوعا كان لك بذلك عند الله تعالى عهدا، وذكرا يستحيي منك ربك ان يعذبك بعده فإذا صليت عند المقام ركعتين كتب الله لك بهما الفى ركعة مقبولة فإذا سعيت بين الصفا والمروة سبعة اشواط كان بذلك عند الله مثل اجر من حج ماشيا من بلاده ومثل اجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب قدر رمل عالج وزبد البحر لغفرها الله لك فإذا رميت الجمار كتب الله لك بكل حصاة عشر حسنات يكتب الله لما يستقبل من عمرك فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كتب الله لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك لما يستقبل من عمرك فإذا طفت بالبيت اسبوعا للزيارة، وصليت عند المقام ركعتين ضرب ملك كريم على كتفيك، ثم قال: اما الماضي فقد غفر لك فاستأنف العمل فيما بينك وبين عشرين ومئة يوما. (وروى) ان رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) حين قضى حجه، فقال يا رسول الله بأبى انت وامى انى خرجت من اهلي واريد الحج معك ففاتنى ذلك وانا رجل مقل فاخبرني بشئ إذا فعلته كان لى مثل اجر الحاج، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انظر إلى هذا الجبل يعنى ابا قيس لو انفقت زنته في سبيل الله لما ادركت فضل الحاج. قال زين العابدين ” عليه السلام “: إذا كان عيشة عرفة ينزل الله وملائكته إلى سماء الدنيا يقول: انظروا إلى عبادي اتونى شعثا غبرا ارسلت إليهم رسولا فصدقوه، ثم قصدوني فسألوني ودعوني اشهدوا ان حقا على ان اجيبهم اليوم قد شفعت محسنهم في مسيئهم وتقبلت من محسنهم فليفيضوا مغفورا لهم ثم يأمر ملكين بالمأزمين فيقف هذا من هذا


[ 361 ]

الجانب وهذا من هذا الجانب في الطريق يقولان: اللهم سلم، فما تكاد ترى صريعا ولا كسيرا. (وروى) عن أبى الحسن ” عليه السلام ” انه قال: من قدم حاجا فطاف بالبيت اسبوعا وصلى ركعتين كتب الله له سبعين الف حسنة ومحى عنه سبعين الف سيئة وكتب الله له سبعين رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم. (وروى) عن الصادق ” عليه السلام ” انه سأله رجل فقال: عتق نسمة افضل ام حجة ؟ فقال حجة قال: فرقبتين ؟ قال: بل حجة فلم يزل يزيد، وهو يقول: بل حجة حتى بلغ ثلاثين رقبة فقال الحج افضل. وقال عليه السلام: من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معها أو سلطان يمنعه فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا. قال عليه السلام: كان في وصية علي ” عليه السلام ” لا تدعوا حج بيت ربكم فتهلكوا وقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمل جهازه على راحلته قال هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة ثم قال عليه السلام: من تجهز وفى جهازه علق حرام لم يقبل الله منه الحج. وقال عليه السلام: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما النجاة غدا ؟ قال: إنما النجاة ألا تخادعوا الله فيخدعكم فانه من يخادع الله فيخدعه، ويخلع منه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر فقيل له: وكيف يخادع الله قال: يعمل بما امره، ويريد به غيره فاتقوا الله والريا فانه شرك بالله ان المرائى يدعى يوم القيامة باربعة اسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر، حبط عملك وبطل اجرك ولا خلاق لك اليوم. مجلس في ذكر فضائل الجهاد والحث عليه قال الله في سورة الانفال: (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله). وقال في سورة التوبة: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله اولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم) الآية.


[ 362 ]

وفى هذه السورة أيضا: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). وفيها أيضا (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وانفسكم في سبيل الله) أي عزابا ومتأهلين ثم عاتب واوعد على التخلف من هذا. وقال أيضا فيها: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله تثاقلتم إلى الارض ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة – إلى قوله: والله على كل شئ قدير) ثم وعد على افضل الثواب، فقال فيها: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) فاوقع البيع عليك ليقطع طمع عدوك ابليس منك، واشترى نفسك الذى هو محل كل محنة وبلية ومالك الذى هو محل كل اثم ومعصية مع علمه بما فيك من العيب ومن علم بالعيب حين العقد لم يكن له بعده الرد، ثم وعد لك اوفر الثمن وهو الجنة واشهد على نفسه بذلك كرما منه وفضلا فقال: وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله، ثم هناك كما يهنى الرجل عند الشرى شيئا خطير الثمن بيسير فقال: فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان جبرئيل ” عليه السلام ” اخبرني بأمر قرت به عينى وفرح له قلبى فقال: يا محمد من غزا غزاة في سبيل الله من امتك فما اصابته قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة. وقال أيضا: للجنة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم والجميع في الموقف، والملائكة ترحب بهم فمن ترك الجهاد البسه الله عزوجل ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه ان الله تبارك وتعالى اعز أمتى بسنابك خيلها ومراكز رماحها. وقال أيضا: من بلغ رسالة غاز، كان كمن اعتق رقبة وهو شريكه في باب غزوته وقال أيضا: خيول الغزاة خيولهم في الجنة. وقال أيضا عليه السلام: الخير كله في السيف وتحت ظل السيف، ولا يقيم الناس إلا بالسيف والسيوف مقاليد الجنة والنار. قال الصادق ” عليه السلام “: الجهاد أفضل الاشياء بعد الفرائض.


[ 363 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للشهيد سبع خصال من الله: اول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب. (والثانية) رفع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، ويمسحان الغبار عن وجهه يقولان: مرحبا بك، ويقول هو مثل ذلك لهما. (والثالثة) يكسى من كسوة الجنة. (والرابعة) يبتدر خزنة الجنة بكل ريح طيبة له يأخذ منه. (والخامسة) ان يرى منزلته. (والسادسة) يقال لروحه: اسرعى في الجنة حيث شئت. (والسابعة) ان ينظر في وجه الله وانها لواجبة لكل نبى وشهيد. قال النبي (صلى الله عليه وآله): فوق كل ذى بر بر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر، وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل احد والديه فإذا قتل احد والديه فليس فوقه عقوق. قال الصادق ” عليه السلام “: ثلاثة دعوتهم مستجابة أحدهم الغازى في سبيل الله فانظروا كيف تخلفوه ؟ سئل الرضا ” عليه السلام “: عن قول أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لالف ضربة بالسيف اهون من موت على فراش فقال: في سبيل الله. وعن أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان الجهاد باب فتحه الله لخاصة اوليائه وسوغهم كرامة منه ونعمة ذخرها والجهاد لباس التقوى، ودرع الله الحصين وجنته الوثيقة فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب الذلة وشمله البلاء وفارق الرخاء وضرب على قلبه باشباه وديث بالصغار والقماء وسيم الخسف ومنع النصف فازيل منه الحق بتضييعه الجهاد وغضب الله بتركه نصرته. وقد قال الله عزوجل في محكم كتابه: (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).


[ 364 ]

مجلس في ذكر الامر بالمعروف والنهى عن المنكر اعلم إن الله تعالى انعم على امة محمد (صلى الله عليه وآله) واكرمهم بان جعلهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ووصفهم بذلك في كتابه واثنى عليهم، فقال تعالى في سورة آل عمران (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله) فقرن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر بالايمان بالله والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين وذم قوما وعابهم وقبح فعلهم واوعدهم اشد العذاب بتركهم الامر بالمعروف والاخذ على يد الظالم فقال تعالى في سورة المائدة: (لعن الله الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود، وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وقال في هذه السورة (ترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان، واكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون) لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم إلى قوله يصنعون فسوى تعالى وقال بين المباشر للمعصية والتارك لنهيه عنها في تهجين فعلهم، والوعيد لهم ان الله امرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر في غير موضع من كتابه، ووعد عليه الثواب العظيم، واوعدنا على تركه العقاب الاليم وكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال تعالى في سورة آل عمران: (وليكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعرون، وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) – أي الناجون من عذاب الله. وقال تعالى في سورة الاعراف: (وإذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا: معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء، واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون). وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: أيها المؤمنون انه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن انكره بلسانه فقد اجر وهو افضل من صاحبه ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذى


[ 365 ]

اصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: الامر بالمعروف والنهى عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما اعزه الله، ومن خذلهما خذله الله. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالم لما يأمر به، وتارك لما ينهى عنه عادل فيما يأمر عادل فيما ينهى رفيق فيما يأمر رفيق فيما ينهى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من امر بمعروف ونهى عن منكر أو دل على خير أو اشار به فهو شريك. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا من امتى في المنام قد اخذته الزبانية من كل مكان فجائه امره بالمعروف، ونهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع الملائكة. قال أبو عبد الله عليه السلام: ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر. قال الصادق ” عليه السلام “: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله اخبرني ما افضل الاسلام ؟ قال: الايمان بالله، قال: ثم ماذا ؟ قال صلة الرحم قال: ثم ماذا قال الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال فقال الرجل: واى الاعمال ابغض إلى الله عزوجل، قال: الشرك بالله قال: ثم ماذا ؟ قال: قطيعة الرحم قال: ثم ماذا ؟ قال الامر بالمنكر والنهى عن المعروف. قال النبي (صلى الله عليه وآله): كيف بكم إذا فسدت نساءكم، وفسق شبابكم ولم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ فقال: نعم وشر من ذلك فكيف بكم إذا اتيتم المنكر ونهيتم عن المعروف ؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك فقال: نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا. قال الصادق ” عليه السلام “: لما نزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا) جلس رجل من المسلمين يبكى، وقال انا قد عجزت عن نفسي كلفت اهلي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبك ان تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك.


[ 366 ]

مجلس في ذكر وجوب بر الوالدين وما يلزم الولد من حقوقهما قال الله تعالى في سورة البقرة: (وإذ أخذنا ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا، وذى القربى واليتامى والمساكين، وقولوا للناس حسنا). وقال تعالى في سورة النساء: (فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) وقال الله تعالى في سورة الانعام: (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) وقال تعالى في سورة بنى اسرائيل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). وقال تعالى في سورة العنكبوت: (ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون). وقال تعالى في سورة لقمان: (ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير). وقال في سورة الاحقاف: (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته امه كرها). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله تعالى فليس فوقه بر وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل احد والديه فإذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق. (وروى) أبو جعفر ” عليه السلام ” قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الجنة لتوجد ريحها من مسيرة خمس مئة عام، ولا يجدها عاق ولا ديوث قيل يا رسول الله وما الديوث ؟ قال الذى تزني امرأته وهو يعلم. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: بروا اباكم يبركم ابناءكم وعفوا عن نساء الناس يعف عن نسائكم.


[ 367 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحا مؤمنا ما يلزم الولد لهما. قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجان ولد كافرا ومؤمنا وابليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس فيهم اناث. قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق امك ان تعلم انها حملتك حيث لا يحمل احد احدا واعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطى احد احدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال ان تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم لاجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فانك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه. واما حق ابيك فان تعلم انه اصلك وانك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك واعلم ان اباك اصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله. قال الصادق ” عليه السلام “: بينا موسى بن عمران عليهما السلام يناجى ربه تعالى إذ رأى رجلا تحت ظل عرش الله، فقال يا رب من هذا الذى قد اظله عرشك ؟ فقال هذا كان بارا بوالديه ولم يمش بالنميمة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا قد أتاه ملك الموت لقبض روحه فجاءه بر والديه فمنعه منه. وقال صلى الله عليه وآله: رحم الله امرءا اعان والده على بره رحم الله امرءا اعان ولده على بره رحم الله جارا اعان جاره على بره رحم الله رفيقا أعان رفيقه رحم الله خليطا اعان خليطه على بره رحم الله رجلا اعان سلطانه على بره. قال الصادق ” عليه السلام “: من احب ان يخفف الله عزوجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولا، وبوالديه بارا فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقر أبدا. وقال عليه السلام: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله انى راغب في الجهاد نشيط قال: فجاهد في سبيل الله فانك ان تقتل كنت حيا عند الله ترزق وان مت فقد وقع اجرك على الله وان رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله


[ 368 ]

ان لي والدين كبيرين يزعمان انهما يأنسان بى ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقم مع والديك فو الذى نفسي بيده لانسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة. قال الباقر ” عليه السلام “: قال موسى بن عمران ” عليه السلام ” يا رب اوصني قال اوصيك بى قال يا رب اوصني قال اوصيك بى ثلاثا قال يا رب اوصني قال: اوصيك بامك قال: يا رب اوصني قال اوصيك بامك قال: يا رب اوصني قال اوصيك بابيك قال فكان يقال لاجل ذلك للام ثلثا البر وللاب الثلث. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رضا الله مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين. وقال صلى الله عليه وآله: ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كان له بكل نظرة حجة مبرورة قالوا: يا رسول الله، وان نظر كل يوم مئة مرة قال: نعم الله اكبر واطيب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقال: اعمل ما شئت فانى لا اغفر لك ويقال للبار اعمل ما شئت فانى سأغفر لك. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بر والديه زاد الله في عمره. قال الشاعر: لعمرك ان البر من افضل التقى * وان عقوق الوالدين عظيم أنشد: وما عق مولود من الناس والدا * عقوق الذى يجنى بوالده شتما لآخر: اكرم الوالد واستوص به * لم يوص الله قدما ان يعق فصل في ذكر حق الولد على الوالد اعلم إن الله تعالى كما اوجب حق الوالدين على المولودين كذلك اوجب حق الاولاد على الوالدين واوصى كل واحد منهما بالآخر رحمة منه وحكمة.


[ 369 ]

قال تعالى في سورة النساء: (يوصيكم الله في اولادكم). وقال فيها: والمستضعفين من الولدان وان تقوموا لليتامى بالقسط. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ريح الولد من ريح الجنة. وقال صلى الله عليه وآله: إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة. قيل يا رسول الله: وان نظر ثلثمائة وستين نظرة قال: الله تعالى اكبر. وقال صلى الله عليه وآله: اكثروا من قبلة اولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام. وقيل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان يقبل الحسن بن علي عليهما السلام فقال الاقرع ابن حابس: ان لى عشرة من الولد ما قبلت احدا منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لا يرحم لا يرحم. وقال صلى الله عليه وآله: من حق الولد على والده ثلاثة يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ. وقال صلى الله عليه وآله: نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها الله له سترا من النار، ومن كانت عنده اثنتان ادخله الله بهما الجنة، ومن كانت له ثلاث أو مثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة. مجلس في ذكر الحث على اصطناع المعروف واداء الامانة قال الله تعالى في سورة الاعراف: (خذ العفو وامر بالمعروف، واعرض عن الجاهلين). وقال في سورة القصص: (واحسن كما احسن الله اليك). قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: رحم الله عبدا يجر مودة الناس إلى نفسه فيحدثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون. قال الصادق ” عليه السلام “: اتقوا الله في الضعيفين يعنى بذلك اليتيم والنساء.


[ 370 ]

قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: المعروف شئ سوى الزكاة فتقربوا إلى الله تعالى بالبر وصلة الرحم. قال سيد العابدين ” عليه السلام “: القول الحسن يثرى المال وينمى الرزق وينسى في الاجل ويحبب الاهل ويدخل الجنة. (وروى) ان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” مر برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثم قال يا هذا انك تملى على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعينك ودع ما لا يعينك. قال الباقر ” عليه السلام “: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف عليه فقال له ألا أدلك على غرس اثبت اصلا واسرع ايتاءا واطيب ثمرا وابقى قال: بلى فداك أبى وامى يا رسول الله، فقال: إذا اصبحت وامسيت فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر فان لك بذلك ان قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من انواع الفاكهة (وهن) من الباقيات الصالحات، قال فقال الرجل: اشهدك يا رسول الله ان حائطي هذه صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين من أهل الصدقة فانزل الله تعالى فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال: انسى له اجله واهون عليه سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة هلم الينا فادخل من أي باب شئت. قال موسى فما جزاء من كف اذاه عن الناس وبذل معروفه لهم ؟ فقال: يا موسى يناديه النار يوم القيامة: لا سبيل لى عليك. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” احسن يحسن اليك ارحم ترحم فقل خيرا تذكر بخير وصل رحمك يزيد الله في عمرك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيت في المنام رجلا من امتى يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجائه صلته الرحم، فقال: يا معاشر المؤمنين كلموه فانه كان واصلا لرحمه فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم. قال الباقر عليه السلام: ما احسن الحسنات بعد السيئات، وما اقبح السيئات بعد الحسنات. وقال عليه السلام: في قول الله عزوجل: وقولوا للناس حسنا قال: قولوا للناس احسن ما تحبون ان يقال لكم فان الله تعالى يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش المتفحش السائل الملحف، ويحب الحيى الحليم العفيف المتعفف.


[ 371 ]

وقال ايضا عليه السلام: صنائع المعروف تقى مصارع السوء، وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة واول أهل الجنة دخولا إلى الجنة أهل المعروف، واول أهل النار دخولا إلى النار أهل المنكر. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها يسكنها من امتى من اطاب الكلام، واطعم الطعام وافشى السلام وصلى بالليل والناس نيام، فقال علي يا رسول الله ومن يطيق هذا من امتك ؟ فقال يا علي اوما تدرى ما اطابة الكلام من قال إذا اصبح وامسي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر عشر مرات واطعم الطعام نفقة الرجل على عياله، واما الصلاة بالليل والناس نيام فمن صلى المغرب والعشاء الآخرة وصلى الغداة في مسجد جماعة فكأنما أحيا الليل كله وافشاء الاسلام ان لا يبخل بالسلام على احد من المسلمين. قال الصادق ” عليه السلام “: يا اسحاق صانع المنافق بلسانك واخلص ودك للمؤمنين وان جالسك يهودى فاحسن مجالسته. قال عليه السلام: اصنع المعروف إلى من هو اهله، والى من ليس بأهله فان لم يكن اهله فانت اهله، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: ان عيال الرجل اسراؤه فمن انعم الله عليه نعمة فليوسع على اسرائه فان لم يفعل اوشك ان تزول عنه تلك النعمة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الملك ينزل بصحيفة اول النهار فيكتب فيها عمل ابن آدم فاملوا في اولها خيرا، وفى آخرها خيرا فان الله عزوجل يغفر لكم فيما بين ذلك فان الله يقول: اذكروني اذكركم. ولقوله تعالى: (ولذكر الله اكبر). قال سلمان اوصاني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبع خصال لا ادعهن على كل حال اوصاني ان انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من هو فوقى، وان احب الفقراء والدنو منهم وان اقول الحق وان كان مرا وان اصل رحمى وان كانت مدبرة وان لا اسأل الناس شيئا واوصاني ان اقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فانها من كنوز الجنة.


[ 372 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسن المحضر من طيب المولد. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من عاد مريضا فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعون الف الف حسنة، ومحى عنه سبعون الف الف سيئة ويرفع له سبعون الف الف درجة ويوكل به سبعون الف الف ملك يقعدونه في قبره ويستغفرونه إلى يوم القيامة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كفن ميتا كساه الله من سندس الجنة وحريرها. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو والجبن والبخل فان كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها وإذا كانت جبانة فرقت من كل شئ يعرض لها احسنوا في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم. وقال علي ” عليه السلام “: افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فان صغيره كبير وقليله كثير ولا تقولن احدكم: ان احدا اولى بفعل الخير منى فيكون والله كذلك ان للخير والشر اهلا فمهما تركتموه منها كفاكموه اهله من اصلح سريرته اصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله امر دنياه، ومن احسن فيما بينه وبين الله كفى الله فيما بينه وبين الناس. قال الشاعر: يد المعروف غنم حيث كانت * تحملها شكورا أو كفور وأنشد: زاد معروفك عظما انه * عندك محقور ضعيف وصغير آخر: يتناساه كأن لم تأته * وهو عند الناس مشهور كبير وقال آخر: لاشكرنك معروفا هممت به * ان اهتمامك بالمعروف معروف فصل في ذكر وجوب اداء الامانة قال الله تعالى في سورة النساء: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى أهلها).


[ 373 ]

قال الصادق ” عليه السلام “: ادوا الامانات ولو إلى قاتل الحسين بن علي ” عليه السلام ” وقال عليه السلام: اتقوا الله وعليكم بأداء الامانات إلى من ائتمنكم فلو ان قاتل أمير المؤمنين ” عليه السلام ” ائتمننى على امانة لاديتها إليه. قال زين العابدين ” عليه السلام ” لشيعته عليكم باداء الامانة فو الذى بعث محمدا بالحق نبيا لو أن قاتل أبى الحسين بن علي ” عليه السلام ” ائتمننى على السيف الذى قتله به لاديته إليه. قال الصادق ” عليه السلام “: أحب العباد إلى الله تعالى رجل صدوق في حديثه محافظ على صلاته وما افترض الله عليه مع اداء الامانة. ثم قال عليه السلام: من اؤتمن على أمانة فاداها فقد حل الف عقدة من عنقه من عقد النار فبادروا باداء الامانة فان من ائتمن على أمانة وكل به ابليس مئة شيطان من مردة اعوانه ليضلوه ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه إلا من عصم الله عزوجل. قال صلى الله عليه وآله: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل انظروا إلى صدق الحديث واداء الامانة. مجلس في ذكر الحث على النكاح وفضله قال الله تعالى في سورة النور: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم). وقال في سورة النساء: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض إلى قوله عليما خبيرا). وقال في هذه السورة: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة). قال أبو جعفر ” عليه السلام ” لهو المؤمن ثلاثة أشياء: التمتع بالنساء ومفاكهة الاخوان والصلاة بالليل. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب ان يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة. وقال عليه السلام: حبب إلى من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عينى في الصلاة.


[ 374 ]

وقال عليه السلام: ركعة يصليها متزوج افضل من سبعين ركعة يصليها عزب. وقال عليه السلام لاصحابه: شرار موتاكم العزاب. وقال ” عليه السلام “: ما استفاد المرئ المسلم فائدة بعد الاسلام افضل من زوجة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا امرها وتحفظه في ماله ونفسها إذا غاب عنها. قال عليها السلام: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ومن لم يستطعها فليدمن الصوم فان له وجاء فأمر الشباب بالنكاح مع الطول له فان لم يجدوا له طولا فليستعففوا عن الفجور بالصيام فانه يضعف الشهوة ويمنع الدواعى إلى النكاح. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ركعتان يصليهما المتزوج افضل من سبعين ركعة يصليها عزب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رذال موتاكم العزاب. قال الصادق ” عليه السلام “: جاء رجل إلى أبى عليه السلام فقال له هل لك من زوجة ؟ فقال لا فقال أبى ما احب ان لى الدنيا وما فيها وانى بت ليلة وليست لى زوجة ثم قال: لركعتين يصليهما رجل متزوج افضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره ثم اعطاه أبى سبعة دنانير فقال له: تزوج بهذه ثم قال أبى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتخذوا الاهل فانه ارزق لكم. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تعالى لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه (صلى الله عليه وآله) وكان من تعليمه إياه انه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله واثنى عليه: ثم قال: أيها الناس ان جبرئيل أتانى عن اللطيف الخبير، فقال: ان الابكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا ادرك ثمارها فلم يجتنى افسدته الشمس وهدمه الريح وكذلك الابكار إذا ادركن ما تدرك النساء فليس من دواء إلا البعولة، وإلا لم يؤمن عليها الفساد لانهن بشر. قال فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله فمن نتزوج ؟ قال الاكفاء قال يا رسول الله من الاكفاء ؟ قال المؤمنون بعضهم اكفاء بعض. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه فعليكم بذات الدين. وقال جابر بن عبد الله الانصاري: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرنا النساء وفضل بعضهن على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا اخبركم ؟ فقلنا: بلى يا رسول الله فاخبرنا، فقال: ان من خير نسائكم الولود الودود والستيرة العزيزة في


[ 375 ]

اهلها والذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان من غيره التى تسمع قوله وتطيع امره وإذا خلا بها بذلت له ما اراد منها ولم تبذل له ببذل الرجل، ثم قال: ألا اخبركم بشر نسائكم ؟ قالوا: بلى قال: ان من شر نسائگم الذليلة في اهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التى لا تتروع من قبيح المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا. قال عليه السلام: تزوجوا الابكار فانهن اطيب شئ افواها وادر شئ اخلافا واحسن شئ اخلاقا، وافتح شئ ارحاما ما افتح انعم والين. قال الصادق ” عليه السلام “: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا، فقال أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل يا رسول الله، وما خضراء الدمن ؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. قال الصادق ” عليه السلام “: ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن. اما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة وهى خير من الذهب والفضة. واما طالحتهن فليس التراب خطرها، والتراب خير منها. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من اخلاق الانبياء عليهم السلام حب النساء قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): افضل نساء أمتى اصبحهن وجها واقلهن مهرا. قال زيد بن ثابت: قال لى رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا زيد تزوجت ؟ قال قلت: لا قال تزوج تستعف مع عفتك ولا تتزوج خمسا قال زيد: من هن يا رسول الله ؟ قال رسول الله لا تزوج شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة، ولاهيدرة ولا لفوتا قال قلت: يا رسول الله ما عرفت مما قلت شيئا وانى باخرهن الجاهل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألستم عربا ؟ اما الشهبرة فالزرقاء البذية، واما اللهبرة فالطويلة المهزولة، واما النهبرة فالقصيرة الدميمة واما الهيدرة فالعجوز المدبرة، واما اللفوت فذات الولد من غيرك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج فقد أعطى نصف العبادة. وقال صلى الله عليه وآله: اعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة. وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تحل لامرأة بنيت ليلة إلا تعرض نفسها على زوجها قيل: وكيف تعرض ؟ قال: إذا نزعت ثيابها دخلت في فراشه يلزق بجلدها. وقال عليه السلام: إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عصيانا لعنتها الملائكة حتى تصبح.


[ 376 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. (وروى) ان النساء قلن لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله قال رسول الله مهنة احداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله. مجلس في ذكر الخلق والحلم وكظم الغيظ قال الله تعالى في سورة آل عمران: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) الآية. وقال تعالى في سورة القلم: (وانك لعلى خلق عظيم). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسن الخلق نصف الدين، وقيل له صلى الله عليه وآله ما افضل ما أعطى المرئ المسلم ؟ قال: الخلق الحسن. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان احسن الحسن الخلق الحسن. قالت ام سلمة لرسول الله: بأبى أنت وأمى المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنة لايهما تكون ؟ قال: يا أم سلمة تخير احسنهما خلقا وخيرهما لاهله يا ام سلمة ان حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” لبنيه: إياكم ومعاداة الرجال فانهم لا يخلون من ضربين من عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل بكم والكلام ذكر والجواب انثى فإذا اجتمع الزوجان فلابد من النتاج. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انكم لن تسعوا الناس باموالكم فسعوهم باخلاقكم. وقال عليه السلام: افضل الناس إيمانا احسنهم خلقا، واصلح الناس انصحهم للناس وخير الناس من انتفع به الناس. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تعالى أوحى إلى داود ” عليه السلام ” ان خالط الناس وخالفهم


[ 377 ]

باخلاقهم وزايلهم في اعمالهم تنل ما تريد منى يوم القيامة. قال الصادق ” عليه السلام “: من أساء خلقه عذب نفسه. قال النبي (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام جاثيا على ركبتيه بينه وبين رحمة الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله في رحمة الله. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان جبرئيل روح الامين نزل علي من عند رب العالمين فقال: يا محمد عليك بحسن الخلق فانه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وان أشبهكم بى أحسنكم خلقا. قال الصادق ” عليه السلام “: أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بأسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم فقال الرجل بأبى انت وأمى كيف اطلقت عنى من بينهم ؟ فقال: اخبرني جبرئيل عن الله ان فيك خمس خصال يحبه الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء وحسن الخلق وصدق اللسان والشجاعة، فلما سمعها الرجل اسلم وحسن اسلامه فقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا شديدا حتى استشهد. قال رجل للصادق ” عليه السلام “: اخبرني بمكارم الاخلاق قال العفو عمن ظلمك وصلة من قطعك واعطاء من حرمك، وقل الحق ولو على نفسك. وقال أيضا عليه السلام: عليكم بمكارم الاخلاق فان الله عزوجل يحبها وعليكم بحسن الخلق فانه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم. قال الصادق ” عليه السلام “: من اراد أن يدخله الله في رحمته ويسكنه جنته فليحسن خلقه وليعط النصفة وليرحم اليتيم، وليعن الضعيف وليتواضع لله الذى خلقه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان اقربكم منى غدا واوجبكم علي شفاعة اصدقكم لسانا واداكم للامانة واحسنكم خلقا واقربكم من الناس. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: البشاشة حبالة المودة والاحتمال قبر العيوب والمسالمة خباء العيوب ولا قربى كحسن الخلق. قال الصادق ” عليه السلام “: أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: ان سعد بن معاذ مات فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام اصحابه فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما ان حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى إنتهى به إلى القبر فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحده وسوى


[ 378 ]

اللبن عليه وجعل يقول: ناولونى حجرا ناولونى ترابا رطبا يسد به ما بين اللبن فلما ان فرغ وحثا التراب عليه، وسوى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انى لاعلم انه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا احكمه، فلما ان سوى التربة عليه قالت امه: طوبى لك يا سعد: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا ام سعد مه لا تجزمى على ربك فان سعدا قد اصابته ضمة، قال: فرجع رسول الله ورجع الناس فقالوا يا رسول الله فقد رأيناك صنعت بسعد ما لم تصنعه على احد انك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء فقال صلى الله عليه وآله: ان الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها قالوا: وكنت تأخذ يمنة السريرة مرة ويسرة السرير مرة قال: كانت يدى في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ قالوا: امرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت ان سعدا قد اصابته ضمة، قال: فقال صلى الله عليه وآله نعم انه كان في خلقه مع اهله بسوء (سوء) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من شئ أثقل في الميزان من حسن الخلق. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة، وكان عليه السلام يقول: اللهم احسنت خلقي فاحسن خلقي وقال (صلى الله عليه وآله): رجلان آمنا وهاجرا ودخلا الجنة جميعا فرفع أحدهما على صاحبه كما ترى الثريا، فقال بماذا فضلته علي يا رب ؟ قال: انه كان احسن منك خلقا. قال أمير المؤمنين عليه السلام: سليم العرض من حذر الجوابا * ومن دار الرجال فقد اصابا ومن هاب الرجال فهيبوه * ومن حقر الرجال فلن يهابا وكان عليه السلام يقول: لئن كنت محتاجا إلى الحلم اننى * إلى الجهل في بعض الاحايين أحوج ولى فرس للحلم بالحلم ملجم * ولى فرس للجهل بالجهل مسرج فمن رام تقويمي فانى مقوم * ومن رام تعويجى فانى معوج أنشد: وان قال بعض الناس فيه سماجة * فقد صدقوا والذل بالحر أسمج


[ 379 ]

أنشد: فيارب زدنى اليوم حلما فانني * أرى الحلم لم يندم عليه حليم وأنشد: ولم أر مثل الحلم خيرا لصاحبي * ولا صاحبا للمرء شر من الجهل وقال آخر: ان الكريم وان تضعضع حاله * والخلق منه لا يزال شريفا احذر مجالسة اللئيم فانه * يفشى القبيح ويكتم المعروفا فصل في ذكر كظم الغيظ قال الله تعالى في سورة آل عمران: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس). وقال تعالى في سورة الفرقان: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). وقال تعالى في سورة حم عسق: (وإذا ما غضبوهم يغفرون). قال الصادق ” عليه السلام “: الغضب مفتاح كل شر. وقال عليه السلام: قال الحواريون لعيسى: يا معلم الخير اعلمنا أي الاشياء أشد ؟ قال عليه السلام: أشد الاشياء غضب الله، قالوا فبما نتقى غضب الله ؟ قال بان لا تغضبوا قالوا وما بدو الغضب ؟ قال الكبر والتجبر ومحقرة الناس، قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة. قال الصادق ” عليه السلام “: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوم يرفعون حجرا، فقال ما هذا ؟ قالوا نعرف بذلك أشدنا واقوانا، فقال صلى الله عليه وآله: ألا اخبركم بأشدكم وأقواكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: اشدكم واقواكم الذى إذا رضى لم يدخله رضاه في اثم ولا باطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس بحق. وقال عليه السلام: أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، أحزم الناس أكظمهم غيظا. (وروى) ان لعلي بن الحسين عليهما السلام جارية تسكب الماء عليه وهو يتوضأ


[ 380 ]

للصلاة فسقط الابريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع علي بن الحسين رأسه إليها فقالت الجارية ان الله عزوجل يقول: (والكاظمين الغيظ) قال لها: قد كظمت غيظي قالت: (والعافين عن الناس) قال لها: قد عفى الله عنك قالت (والله يحب المحسنين) قال: اذهبي فانك حرة. قال الصادق ” عليه السلام “: شكى رجلا من أصحاب أمير المؤمنين نسائه فقام عليه السلام خطيبا فقال: معاشر الناس لا تطيعوا النساء على كل حال، ولا تأمنوهن على مال ولا تذروهن يدبرن أمر العيال فانهن ان تركن تركن، وان أردن اوردن المهالك فانا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهن لازم وان كبرن والعجب بهن لاحق وان عجزن لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل ينسين الخير ويحفظن الشر يتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان ويتصدين للشيطان فداروهن على كل حال واحسنوا لهن المقال لعلهن يحسن الفعال. قال الصادق ” عليه السلام “: من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضى حرم الله جسده على النار. (وروى) انه ذكر الغضب عند الباقر ” عليه السلام ” فقال: ان الرجل ليغضب حتى ما يرضى أبدا ويدخل بذلك النار فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فانه سيذهب عنه رجز الشيطان وان كان جالسا فليقم، وأيما رجل غضب على ذوى رحمه فليقم إليه وليدن منه وليمسه فان الرحم إذا مست الرحم سكنت. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ثلاث هم أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب رجل لم يدعه قدرته في حال غضبه إلى ان يحيف على من تحت يديه ورجل مشى بين اثنين فلم يمل أحدهما عن الآخر بشعيرة، ورجل قال الحق فيما عليه وله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كظم غيظا وهو يقدر على ان ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخير من أي الحور شاء. وقال صلى الله عليه وآله: من عاش مداريا مات شهيدا. وقال صلى الله عليه وآله: مداراة الناس صدقة. وقال صلى الله عليه وآله: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد يملك عند الغضب. وقال رجل لابي ذر رضى الله عنه: أنت الذى نفاك فلان من البلد لو كان فيك


[ 381 ]

خير ما نفاك، فقال: يا بن أمي ان قدامى عقبة كؤدا ان نجوت منها فلم يضرنى ما قلت وان لم انج منها فانا شر مما قلت لى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله يحب الحيى الحليم الغنى المتعفف ويبغض البذى الفاحش السائل الملحف وأنشد: أضم عن الكلم المحفظات * واحلم الحلم بى أشبه وانى لاترك كل المكارم * لكى لا اجاب بما أكره وأنشد: وما شئ أحب إلى اللئيم * إذا فكرت فيه من الجواب متاركة اللئيم بلا جواب * أشد على اللئيم من السباب مجلس في ذكر حسن التواضع وذم التكبر قال الله تعالى في سورة سبحان: (ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا). وقال تعالى في سورة القصص: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا). وقال تعالى في سورة لقمان: (ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور). قال الصادق ” عليه السلام “: ثلاثة من اصول الكفر الحرص والاستكبار والحسد. وقال عليه السلام: قال ابليس لعنه الله لجنوده: إذا استمكنتم من ابن آدم في ثلاث لم ابال ما عمل فانه غير مقبول إذا استكثر عمله ونسى ذنبه ودخله العجب. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: ثلاث قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، ونسى ذنوبه واعجب برأيه. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اشقى الناس الملوك، وامقت الناس واذل الناس من اهان الناس.


[ 382 ]

سأل الحسن بن الجهم الرضا ” عليه السلام “: فقال: ما حد التواضع ؟ قال ان تعطى الناس من نفسك ما تحب ان يعطوك مثله، قال: قلت جعلت فداك أشتهى ان أعلم كيف أنا عندك قال انظر كيف انا عندك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوحى الله تعالى إلى داود ” عليه السلام “: يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتى على من دخل فيها، وكما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون وان أقرب الناس منى يوم القيامة المتواضعون كذلك وابعد الناس منى يوم القيامة المتكبرون. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لا حسب كالتواضع، ولا وحدة أوحش من العجب وعجبت للمتكبر الذى كان بالامس نطفة ويكون غدا جيفة. قال الصادق ” عليه السلام “: ان المتكبرين يجعلون في صورة الذر فيطأهم الناس حتى يفرغ من الحساب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر وضعاه. قال الباقر ” عليه السلام “: ان في جهنم جبلا يقال له صعود، وان في صعود لواديا يقال له سعر وان في قعر سعر لجبا يقال له هبهب كلما كشف غطاء ذلك الجب ضج أهل النار من حره وذلك منازل الجبارين. وقال عليه السلام: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل من بنى تميم فقال له إياك واسبال الازار والقميص فان ذلك من المخيلة والله لا يحب المخيلة. قال بشير النبال: كنا مع أبى جعفر ” عليه السلام “: في المسجد إذ مر علينا اسود وهو ينزع في مشيه فقال أبو جعفر عليه السلام: انه لجبار قلت: انه لسائل قال: انه لجبار، قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: كان علي بن الحسين عليهما السلام يمشى مشية لو كان على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس من عبد إلا وملك أخذ بحكمة رأسه ان هو تواضع لله رفعه الله وان هو تكبر وضعه الله. قال عليه السلام: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، وقال: ان الذى يجر ثوبه من الخيال لا ينظر الله إليه يوم القيامة. وقال عليه السلام: رأس التواضع ان تبدأ بالسلام على من لقيت وترد على من


[ 383 ]

سلم عليك وان ترضى بالدون من المجلس ولا تحب المدحة والتزكية والبر. قال الشاعر: يا صاحب الكبر الذى قد علا به * إذا كنت يوما في التراب فما الكبر ويا قوم لا يغرركم دار قلعة * بباطلها جدوا فانكم سفر وهل يغفل الانسان أو يأمن الردى * إذا كان لا يدرى متى ينزل الامر وقال آخر: هب أنت قد ملكت الارض طرا * ودان لك العباد فكان ماذا ألست تصير في قبر ويحثو * عليك الترب هذا ثم هذا وأنشد: توكلت على الله وما أرجو سوى الله * وما الرزق من الناس بل الرزق من الله وقال آخر: قلت للمعجب لما قال مثلى لا يراجع * يا قريب العهد بالمخرج لم لا تتواضع مجلس في ذكر حسن الجود والسخاء وذم البخل قال الله تعالى في سورة البقرة: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) نزلت في علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” وكانت عنده أربعة دراهم فتصدق بواحدة منها ليلا وبواحدة منها نهارا وبواحدة سرا وبواحدة علانية. وقال تعالى في سورة التغابن: (ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل وسوء الخلق. وقال عليه السلام: لا يجتمع الشح والايمان في قلب عبد أبدا. قيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: أي الخصال بالمرء اجمل ؟ قال: وقار بلا مهابة وسماح بلا طلب، مكافأة وتشاغل بغير متاع الدنيا.


[ 384 ]

قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم ومن صالح الاعمال البر بالاخوان والسعى في حوائجهم، وفى ذلك مرغمة للشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان، قال يا جميل اخبر بهذا الحديث غرر اصحابك قال: فقلت له: جعلت فداك من غرر أصحابي ؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال جميل اما ان صاحب الكثير يهون عليه ذلك وقد مدح الله صاحب القليل والمؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: لا تقارن ولا تواخ اربعة: الاحمق والبخيل والجبان والكذاب. أما الاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك، وأما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك وأما الجبان فانه يهرب عنك وعن والديك، وأما الكذاب فانه يصدق ولا يصدق. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بأسارى فأمر بقتلهم وخلا رجلا من بينهم فقال الرجل: يا نبى الله كيف اطلقت عنى من بينهم ؟ قال: اخبرني جبرئيل عن الله تعالى ان فيك خمس خصال يحبها الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك والسخا وحسن الخلق وصدق اللسان والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن اسلامه وقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا شديدا حتى استشهد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اسخى الناس من أدى زكاة ماله، واعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا خطرا، واقل الناس راحة البخيل، وابخل الناس من بخل بما افترض من الله عليه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وفى الآخرة الاتقياء قال الصادق ” عليه السلام “: عجبت لمن يبخل للدنيا وهى مقبلة عليه أو يبخل بها وهى مدبرة عنه فلا الانفاق مع الاقبال يضره ولا الامساك مع الادبار ينفعه. وقال عليه السلام: ان الله تعالى رضى لكم الاسلام دينا فاحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: البخل عار، والجبن منقصة، كن سمحا ولا تكن مبذرا وكن مقدرا ولا تكن مقترا، ولا تستحى من أعطاء القليل فان الحرمان اقل منه، عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذى هرب منه، ويفوته الغنى الذى إياه طلب فيعيش في الدنيا


[ 385 ]

عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء البخل جامع لمساوى العيوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء. (وروى) ان أمير المؤمنين أتى رسول الله صلوات عليهما بأسيرين فأمر النبي بضرب عنقهما فضرب عنق أحدهما، ثم قصد الآخر فنزل جبرئيل فقال يا محمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول لا تقتله فانه حسن الخلق سخى في قومه، فقال اليهودي: تحت السيف هذا رسول ربك ؟ قال: نعم، قال والله ما ملكت درهما مع اخ لى قط ولا قطبت وجهى في الحرب، وانا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ممن جره حسن خلقه وسخائه إلى جنات النعيم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السخى قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار. قال النبي (صلى الله عليه وآله): السماح شجرة في الجنة اغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من اغصانها قادته إلى الجنة، والبخل شجرة في النار اغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من اغصانها قادته إلى النار. وقال علي بن الحسين ” عليه السلام “: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وسادة الناس في الآخرة الاتقياء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي كن سخيا فان الله يحب كل سخى وان أتاك امرء في حاجة فاقضها له فان لم يكن له أهلا فانت له أهل. قال الشاعر: يا مانع المال كم تضن به * تطمع بالله في الخلود معه هل حمل المال ميت معه * أما تراه لغيره جمعه وقال آخر: ويظهر عيب المرء في الناس بخله * ويستره عنهم جميعا سخاؤه تغط باثواب السخاء فانني * أرى كل عيب في السخاء غطاؤه وقال آخر: أراك تؤمل حسن الثناء * ولم يرزق الله ذاك البخيلا وكيف يسود أخو بطنة * يمن كثيرا ويعطى قليلا


[ 386 ]

وأنشد: لا تبخلن بالدنيا وهى مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف فان تولت فاحرى ان تجود بها * فليس يبقى ويلقى شكرها خلف وأنشد: إذا اجتمع الآفات فالبخل شرها * وشر من البخل المواعيد والمطل فلا خير في وعد إذا كان كاذبا * ولا خير في قول يخالفه فعل مجلس في ذكر حقوق الاخوان والاقرباء والجار قال الله تعالى في سورة النساء: (واتقوا الله الذى تسائلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا) يعنى واتقوا الارحام ان تقطعوها، فقال فيها: والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل. وقال في سورة محمد: (فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم). سئل أبو عبد الله ” عليه السلام “: ما أدنى حق المؤمن على أخيه ؟ قال: ان لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه. وقال أيضا عليه السلام: تقربوا إلى الله بمواساة اخوانكم. وقال عليه السلام: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة. قيل تذاكروا الشؤم عند أبى عبد الله عليه السلام فقال الشوم في ثلاثة: المرأة والدابة والدار. فأما شوم المرأة: فكثرة مهرها وعقوق زوجها. وأما الدابة: فسوء خلقها ومنعها ظهرها. وأما الدار: فضيق ساحتها، وشر جيرانها وكثرة عيوبها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يحل للمسلم ان يهجر أخاه فوق ثلاث.


[ 387 ]

وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): اربعة من قواصم الظهر: إمام يعصى الله ويطاع امره وزوجة يحفظها زوجها وهى تخونه وفقر لا يجد صاحبه له مداويا، وجار سوء في دار مقام. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: الصداقة محدودة فمن لم تكن فيه شئ من تلك الحدود فلا تنسبه إلى شئ من الصداقة. (أولها) ان تكون سريرته وعلانيته لك واحدة. (والثانية) ان يرى زينك زينة وشينك شينه. (والثالثة) ان لا يغيره مال ولا ولاية. (والرابعة) ان لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته. (والخامسة) لا يسلمك عند النكبات. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: قال إبليس عليه اللعنة: خمس ليس لى فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي من اعتصم بالله من نية صادقة واتكل عليه في جميع امره. ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره. ومن رضى لاخوته المؤمنين ما يرضى لنفسه. ومن لم يجزع على المعصبة حين تصيبه. ومن رضى بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه. قال الباقر ” عليه السلام “: أحبب أخاك المسلم، وأحببب له ما تحب لنفسك واكره له ما تكرهه لنفسك إذا احتجت فاسأله، وإذا سألك فاعطه ولا تدخر عنه خيرا فانه لا يدخره عنك كن له ظهرا فانه لك ظهر ان غاب فاحفظه في غيبته، وان شهد فزره وأجله واكرمه فانه منك وانت منه، وان كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتى تسل سخيمته وما في نفسه وإذا اصابه خير فاحمد الله عليه، وان ابتلى فاعضده وتمحل له. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيع جاره فليس منا وما زال جبرئيل ” عليه السلام ” يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ما من مؤمن يخذل أخاه، وهو يقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والآخرة. وقال عليه السلام: من روى على أخيه المؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته


[ 388 ]

ليسقط من أعين الناس اخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان. وقال عليه السلام: من كف اذاه عن جاره اقاله الله عثرته يوم القيامة ومن عف بطنه وفرجه كان في الجنة ملكا محبوبا، ومن اعتق نسمة مؤمنة بنى له بيت في الجنة. وقال عليه السلام: لبعض أصحابه: من غضب عليك من اخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك شيئا شرا فاتخذه لنفسك صديقا. وقال عليه السلام: لا تثقن باخيك كل الثقة فان سرعة الاسترسال لن تستقال. وقال عليه السلام لبعض اصحابه: لا تطلع صديقك من سرك الاعلى ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك فان الصديق قد يكون عدوا يوما. وقال عليه السلام: قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من لك يوما باخيك كله وأى الرجال المهذب. قال الباقر ” عليه السلام “: أيما مؤمن لجأ إليه مكروب فقضى حاجته قضى الله له ثلاثة وسبعين حاجة اثنين وسبعين حاجة في الآخرة، وواحدة في الدنيا وان أدنى ما يكون في الدنيا ان يدفع عن نفسه وماله واهله وولده وان أدنى ما يكون من الآخرة ان تفتح له ابواب الجنة فيقال له: ادخل من أيها شئت قال: أين يدخل الينا الينا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: أحسن الحسنات عيادة المريض، وامرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيادة المريض. قال الصادق ” عليه السلام “: عودوا مرضاكم واسألوهم ان يدعوا لكم فان دعاءهم تعدل دعاء الملائكة. قال الباقر ” عليه السلام “: ان فيما ناجى به موسى ربه، قال يا رب ما لمن عاد مريضا ؟ قال والله به ملكا يعوده في قبره إلى يوم الحشر. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما ادخر له في الآخرة من البغى وقطيعة الرحم. وقال (صلى الله عليه وآله): من أحب ان يوسع في رزقه، ويسأله في اجله فليصل رحمه. وقال صلى الله عليه وآله: من ضمن لى واحدة ضمنت له اربعة يصل رحمه فيحبه أهله ويوسع عليه في رزقه ويزاد في اجله، ويدخله الله الجنة التى وعده. وقال عليه السلام: هل تدرون ما حق الجار ؟ ما تدرون من حق الجار إلا قليلا


[ 389 ]

ألا لا يؤمن بالله واليوم الآخر من لا يؤمن جاره بواثقه، وإذا استقرضه ان يقرضه وإذا اصابه خير هناه، وإذا اصابه شر عزاه، ولا يستطيل عليه في البناء يحجب عنه الريح إلا باذنه وإذا اشترى فاكهة فليهد له، وان لم يهد له فليدخلها سرا ولا يعطى صبيانه منه الشئ يغايظون صبيانه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة حقوق: حق الاسلام، وحق الجوار، وحق القرابة، ومنهم من له حقان حق الاسلام وحق الجوار، ومنهم من له حق واحد، الكافر له حق الجوار. وقال عليه السلام: ليس من المؤمنين الذى يشبع وجاره جائع إلى جنبه، قال الشاعر: أخلاء الرخاء هم كثير * ولكن في الشدائد هم قليل فلا يغررك خلة من تواخى * فما لك عند نائبة خليل وكل أخ يقول أنا وفى * ولكن ليس يفعل ما يقول سوى رجل له حسب ودين * فذاك إذا يقول هو الفعول وقال آخر: اصافي من الاخوان كل موافق * صبور على ما ناب عند الحقائق وقال آخر: وكل صديق ليس في الله وده * فانى به في وده غير واثق تود عدوى ثم تحسب اننى * صديقك ان الرأى منك لعازب وليس اخى من ودنى بلسانه * ولكن اخى من ودنى في المغائب مجلس في فضل الذكر والذاكرين والمذكرين قال الله تعالى قى سورة البقرة: (فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون). وفى سورة الاحزاب: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا – وفيها والذاكرين الله كثيرا والذاكرات). وفى سورة الغاشية: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر). قال المفسرون قال الله: اذكروني بالايمان أذكركم بالجنان اذكروني بالاسلام


[ 390 ]

اذكركم بالاكرام اذكروني بالتوبة اذكركم بالحوبة، اذكروني بالمعذرة اذكركم بالمغفرة اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال، اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء، اذكروني بالاستغفار اذكركم بالاغتفار، اذكروني بلا غفلة اذكركم بلا مهلة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي سيد الاعمال ثلاث خصال انصافك من نفسك ومواساة الاخ في الله وذكر الله تعالى على كل حال. (وروى) عن بعض الصادقين ” عليه السلام ” انه قال: الذكر مقسوم على سبعة اعضاء اللسان والروح والنفس والعقل والمعرفة والسر والقلب، وكل واحد يحتاج إلى الاستقامة فاستقامة اللسان صدق الاقرار، واستقامة الروح صدق الاحتضار، واستقامة النفس صدق الاستغفار، واستقامة القلب صدق الاعتذار، واستقامة العقل صدق الاعتبار واستقامة المعرفة صدق الافتخار، واستقامة السر السرور لعالم الاسرار وذكر اللسان الحمد والثناء وذكر النفس الجهد والعناء، وذكر الروح الخوف والرجاء، وذكر القلب الصدق والصفاء، وذكر العقل التعظيم والحياء، وذكر المعرفة التسليم والرضا وذكر السر رؤية اللقاء. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرا، وسكوته فكرا، وكلامه ذكرا، وابكى على خطيئته وامن الناس شره. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال: يا موسى اظله يوم القيامة بظل عرشى واجعله في كنفى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت في المنام رجلا من امتى قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله تعالى فنجاه من بينهم. قال جابر: قلت لابي جعفر ” عليه السلام “: ان قوما إذا ذكروا بشئ من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى انه لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك، فقال سبحان الله ذلك من الشيطان الرجيم ما بهذا امروا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ايما امرئ مسلم جلس في مصلاه الذى كان يصلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له من الاجر كحجاج بيت الله وغفر الله له.


[ 391 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا وجدتم رياض الجنة فارتعوا فيها، قالوا وما رياض الجنة يا رسول الله ؟ قال: مجالس الذكر. وقال صلى الله عليه وآله: ما جلس قوم يذكرون الله إلا نادى بهم مناد من السماء قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات، وغفر لكم جميعا، وما قعد عدة من أهل الارض يذكرون الله إلا قعد معهم عدة من الملائكة. وقال صلى الله عليه وآله: ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرتهم فيمن عندهم. قال الشاعر: أبلغ أخاك اخا الاحسان بى حسنا * انى وانه كنت لا القاه القاه وان طرفي موصول برؤيته * وان تباعد عن مثواى مثواه الله يعلم انى لست اذكره * وكيف اذكره من لست انساه فكيف يرجى سواه مونس أبدا * وكيف يحزن عبد وهو مولاه مجلس في ذكر الاوقات وما يتعلق بها قال الله تعالى في سورة التوبة: (ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم). واعلم ان الله تعالى خلق الدنيا، وخلق المكان والزمان فجعل الزمان ذات أدوار وفصول فمنها العام، ومنها الشهر واليوم والليلة والساعة، ومنها الربيع والصيف والخريف والشتاء. قال الله عزوجل: ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض، منها اربعة حرم – يعنى ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد. قال الله تعالى: ذلك الدين القيم – أي الحساب المستقيم فلا تظلموا فيهن انفسكم يعنى في الاشهر الحرم، وسميت هذه الاشهر الاربعة حرما لعظم حرمتها وتحريم القتال فيها.


[ 392 ]

قال أبو جعفر ” عليه السلام “: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يوم الجمعة يوم عبادة فتعبدوا الله فيه، ويوم السبت لآل محمد عليهم السلام، ويوم الاحد لشيعتهم، ويوم الاثنين يوم بنى أمية، ويوم الثلاثاء يوم لين، ويوم الاربعاء لبنى عباس، ويوم الخميس يوم مبارك بورك لامتي في بكورها فيه. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو أن حجرا زال عن جبل في يوم السبت لرده الله إلى مكانه، ومن تعذرت عليه الحوائج فيلتمس طلبها يوم الثلاثاء فانه اليوم الذى ألان الله تعالى فيه الحديد لداود عليه السلام. وقال أبو عبد الله ” عليه السلام “: السبت لنا والاحد لشيعتنا، والاثنين لاعدائنا والثلاثاء لبنى أمية والاربعاء يوم شرب الدواء، والخميس يقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظيف والتطيب وهو عيد المسلمين، وهو افضل من الفطر والاضحى، ويوم الحجة وكان غدير افضل الاعياد وهو الثامن عشر من ذى الحجة، وكان يوم الجمعة ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة ويقوم القيامة يوم الجمعة، وما من عمل افضل يوم الجمعة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله. (وروى) الصقر بن أبى دلف في خبر طويل، فقال: قلت لابي الحسن العسكري ” عليه السلام ” يا سيدى حديث يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا اعرف معناه، قال: ما هو ؟ قال: قلت قوله لا تعادوا الايام فتعاديكم ما معناه ؟ فقال: نعم الايام ما قامت السماوات والارض فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام والاثنين الحسن والحسين عليهما السلام، والثلاثاء علي بن الحسين وجعفر بن محمد، والاربعاء موسى ابن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وانا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني واليه يجتمع عصابة الحق، وهو الذى يملاها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فهذا معنى الايام فلا تعادوهم في الدنيا يعادوكم في الآخرة. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: في قول الله تعالى: (ان عدة الشهور عند الله كان إثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض) قال: المحرم وصفر وشهر ربيع الاول وربيع الآخر وجمادى الاولى وجمادى الآخر، ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، منها أربعة حرم عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر


[ 393 ]

ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر. قال عليه السلام: ساعات الليل اثنتى عشرة وساعات النهار اثنتى عشرة وافضل ساعات الليل والنهار اوقات الصلاة، ثم قال عليه السلام: انه إذا زالت الشمس فتحت ابواب السماء وهبت الرياح ونظر الله تعالى إلى خلقه، وانى لاحب ان يصعد لى عند ذلك إلى السماء عمل صالح ثم قال عليه السلام: عليكم بالدعاء في ادبار الصلوات فانه مستجاب. قال الصادق عليه السلام: ليلة القدر هي أول السنة. سئل أبو عبد الله ” عليه السلام “: عن السنة كم يوم هي ؟ قال: ثلاثمائة وستون يوما منها ستة أيام خلق الله عزوجل فيها الدنيا فطرحت من أصل السنة فصارت السنة ثلاثمائة واربعة وخمسين يوما قال الصادق ” عليه السلام “: ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض فغرة الشهور شهر الله تعالى وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان، واستقبل الشهر بالقرآن. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم يا بن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فقل في خيرا، واعمل في خيرا اشهد لك به يوم القيامة فانك لن تراني بعده أبدا، والعام اثنى عشر شهرا، المحرم وسمى بذلك لتحريم القتال فيه، ثم صفر سمى بذلك لان مكة تصفر من الناس في ذلك الوقت أي تخلو ومنه يقال صفر اليد، ثم شهر ربيع الاول، وشهر ربيع الآخر سميا بذلك لانبات الارض وامراعها فيهما، ثم جمادى الاولى وجمادى الآخرة سميتا بذلك لجمود المياه فيهما ثم رجب سمى بذلك لانهم كانوا يرجبونه أي يعظمونه، والترجيب التعظيم وبالتخفيف لغة فيه قال الكميت: ولا غيرهم ابغى لنفسي جنة * ولا غيرهم ممن أجل وأرجب ثم شعبان سمى بذلك لانه يتشعب فيه خير كثير لشهر رمضان، ثم شهر رمضان سمى بذلك لانه رمضت فيه الفصال من الحر، وقيل أيضا: سمى بذلك لانه يرمض الذنوب أي يحرقها، ثم شوال سمى بذلك لشولان الناقة باذنابها عند اللقاح ثم ذو القعدة سمى بذلك لقعودهم عن القتال فيه، ثم ذو الحجة سمى بذلك لقضاء حجتهم فيه وسمى الشهر شهرا لشهرته والايام سبعة.


[ 394 ]

أولها يوم الاحد وذلك ان الله تعالى خلق اول العدد أحدا فسماه أحدا ثم ثانيا فسماه الاثنين. قال ابن عباس: ان النبي (صلى الله عليه وآله) ولد يوم الاثنين، ونبى يوم الاثنين ورفع الحجر الاسود يوم الاثنين وخرج من مكة مهاجرا إلى المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين ثم ان الله تعالى خلق ثالثا فسماه الثلاثاء، ثم رابعا فسماه الاربعاء، ثم خامسا فسماه الخميس، ثم الجمعة سميت بذلك لان الله جمع فيها خلق آدم، وقيل سمى بذلك لان الله جمع خلق السماوات والارض وأخذ ميثاقهم بولاية آل محمد عليهم السلام ثم السبت سمى بذلك لقطع الخلق فيه وذلك ان الله تعالى ابتدأ خلق الاشياء يوم الاحد وفرغ منها في آخر ساعة من الجمعة، وخلق في تلك الساعة آدم وهى الساعة التى تقوم فيها الساعة. قال الله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والارض، وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) فسمى اليوم الذى فرغ الله عزوجل فيه من الخلق سبتا لانقطاع العمل فيه والسبت في كلام العرب القطع. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خلق الله الجنة يوم الخميس وسماه مونسا. (روى) ان اليهود أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته عن خلق السماوات والارض فقال خلق الله الارض يوم الاحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن يوم الثلاثاء وخلق يوم الاربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد ؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد اصبت لو اتممت، قالوا: ثم استراح فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) غضبا شديدا فنزل (ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون). وقيل: ان في كل ساعة من ساعات الليل والنهار تحمل ستمائة الف امرأة وتضع ستمائة الف حامل ويموت ستمائة الف مولود، ويذل ستمائة الف عزيز ويعز ستمائة الف ذليل وستمائة الف عتيق لله من النار. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: بقية عمر المرئ لا ثمن له يدرك به ما فاته ويحيى به ما أماته.


[ 395 ]

قال الشاعر: القى علي الدهر رجلا ويدا * والدهر ما اصلح يوما افسدا يصلحه اليوم ويفسده غدا وقال آخر: لقد عمرت حتى مل أهلى * ثواى عندهم وسميت عمرى وحق لمن أتى مائتان عاما * عليه اربع من بعد عشرى يمل من الثواء وصبح يوم * يغاديه وليل بعد يسر مجلس في فضل رجب قال الله تعالى في سورة البقرة: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير). اعلم ان الله تعالى سمى اربعة أشياء في كتابه حراما: اولها مسجد مكة فقال في سورة البقرة: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام). والثانى الكعبة فقال في سورة المائدة: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس). والثالث: مكة فقال في سورة النمل: (إنما امرت ان اعبد رب هذه البلدة التى حرمها). والرابع الاشهر الحرم فقال: منها اربعة حرم، وقال في سورة البقرة: الشهر الحرام بالشهر الحرام. وقال في سورة المائدة: (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام). ثم سمى رجب بانفراده على التخصيص حراما فقال: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، ورجب كان افضل الاشهر من عهد نوح ” عليه السلام ” لانه ظهر فيه معجزاته بركوبه السفينة مع من آمن به، ونجاتهم وهلاك اعدائهم بالطوفان. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان نوحا ” عليه السلام ” ركب السفينة اول يوم من رجب فأمر من معه ان يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة فمن


[ 396 ]

صام سبعة أيام اغلقت عنه ابواب النيران، ومن زاد زاده الله تعالى في عمره. قال الباقر ” عليه السلام “: من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن صام يومين من رجب قيل له استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى، ومن صام ثلاثة أيام من رجب قيل له: قد غفر لك ما مضى وما بقى فاشفع لمن شئت من مذنبي اخوانك وأهل معرفتك ومن صام سبعة أيام من رجب اغلقت عنه ابواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له ابواب الجنة الثمانية فيدخلها من ايها شاء. قال الرضا ” عليه السلام “: من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله عزوجل وجبت له الجنة، ومن صام يوما في وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر، ومن صام يوما في آخره جعله الله عزوجل من ملوك الجنة، وشفعه في أبيه وأمه وعمه وعمته وخاله وخالته ومعارفيه وجيرانه، وان كان فيهم مستوجبا للنار. قال سالم: دخلت على الصادق ” عليه السلام ” في رجب وقد بقيت منه ايام، فلما نظر الي قال لي: يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئا ؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله فقال لي لقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلا الله تعالى ان هذا شهر قد فضله الله وعظم حرمته واوجب للصائمين فيه كرامته، قال فقلت له: يا بن رسول الله فان صمت مما بقى شيئا هل انال فوزا ببعض ثواب الصائمين فيه ؟ فقال: يا سالم من صام يوما من آخر هذا الشهر كان ذلك أمانا له من شدة سكرات الموت، وأمانا له من هول المطلع، وعذاب القبر ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الاكبر من اهواله وشدائده، وأعطى براءة من النار. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا ان رجب شهر الله الاصم وهو شهر عظيم، وإنما سمى الاصم لانه لا يقارنه شهر من الشهور حرمة وفضلا عند الله تعالى كان أهل الجاهلية يعظمونه في جاهليتهم، فلما جاء الاسلام لم يزده إلا تعظيما وفضلا ألا ان رجب وشعبان شهراى وشهر رمضان شهر أمتى. ألا فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الاكبر واطفى صومه في ذلك غضب الله، واغلق منه بابا من ابواب النار فلو أعطى مثل


[ 397 ]

الارض ذهبا ما كان بأفضل من صومه، ولا يستكمله اجره بشئ من الدنيا دون الحسنات إذا اخلصه لله تعالى، وله إذا أمسى عشر دعوات مستجابات ان دعا بشئ في عاجل الدنيا أعطاه الله تعالى وإلا ادخر له من الخير افضل مما دعا به داع من اوليائه واحبائه واصفيائه. ومن صام من رجب يومين لم يصف الواصفون من أهل السماء والارض ما له عند الله من الكرامة، وكتب له من الاجر مثل اجور عشرة من الصادقين في عمرهم بالغة اعمالهم ما بلغت، ويشفع يوم القيامة في مثل ما يشفعون فيه ويحشرهم معهم في زمرتهم حتى يدخل الجنة ويكون من رفقائهم. ومن صام من رجب ثلاثة ايام جعل الله عزوجل بينه وبين النار خندقا أو حجابا طوله مسيرة سبعين عاما، ويقول الله تعالى عند افطاره: لقد وجب حقك علي ووجب لك محبتى وولايتي اشهدكم يا ملائكتي انى قد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومن صام من رجب اربعة أيام عوفي من البلايا كلها من الجنون والجذام والبرص وفتنة الدجال واجير من عذاب القبر، وكتب له مثل اجور أولى الالباب التوابين الاوابين وأعطي كتابه بيمينه في أول العابدين. ومن صام من رجب خمسة أيام كان حقا على الله عزوجل ان يرضيه يوم القيامة وبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر، وكتب له عدد رمل عالج حسنات وادخل الجنة بغير حساب ويقال له تمن على ربك ما شئت. ومن صام من رجب ستت أيام خرج من قبره ولوجهه نور يتلالا أشد بياضا من نور الشمس وأعطى سوى ذلك نور يستضئ به أهل الجمع يوم القيامة، وبعث من الآمنين حتى يمر على الصراط بغير حساب ويعافى من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم ومن صام من رجب سبعة أيام فان لجهنم سبعة ابواب يغلق الله بصوم كل يوم بابا من ابوابها وحرم عزوجل جسده على النار. ومن صام رجب ثمانية أيام فان للجنة ثمانية ابواب يفتح الله عزوجل له بصوم كل يوم بابا من ابوابها، ويقال له: ادخل من أي ابواب الجنان شئت. ومن صام من رجب تسعة أيام خرج من قبره وهو ينادى بلا إله إلا الله


[ 398 ]

ولا يصرف وجهه دون الجنة وخرج من قبره ولوجهه نور يتلالا لاهل الجمع حتى يقولوا هذا نبى مصطفى وان أدنى ما يعطى ان يدخل الجنة بغير حساب. ومن صام من رجب عشرة أيام جعل الله عزوجل له جناحين أخضرين منظومين بالدر والياقوت يطير بهما على الصراط كالبرق الخاطف إلى الجنان ويبدل الله سيئاته حسنات وكتب من المقربين القوامين لله بالقسط وكأنه عبد الله عزوجل الف عام قائما صابرا محتسبا. ومن صام أحد عشر يوما من رجب لم يواف يوم القيامة عبدا افضل ثوابا منه إلا من صام مثله أو زاد عليه. ومن صام من رجب اثنى عشر يوما كسى يوم القيامة حليتين خضراوين من سندس واستبرق يحبر بهما لو دليت حلة منهما إلى الدنيا لاضاء ما بين شرقها وغربها ولصارت الدنيا اطيب من ريح المسك. ومن صام من رجب ثلاثة عشر يوما وضعت له يوم القيامة مائدة من ياقوت اخضر في ظل العرش قوائمها من در اوسع من الدنيا سبعين مرة عليها صحاف الدر والياقوت في كل صحيفة سبعون الف لون من الطعام لا يشبه اللون اللون ولا الريح الريح فيأكل منها والناس في شدة شديدة وكربة عظيمة. ومن صام من رجب اربعة عشر يوما اعطاه الله من الثواب ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من قصور الجنان التى بنيت بالدر والياقوت. ومن صام من رجب خمسة عشر يوما وقف يوم القيامة موقف الآمنين فلا يمر به ملك مقرب ولا نبى مرسل ولا رسول إلا قال: طوبى لك انت آمن مقرب مشرف مغبوط محبور ساكن للجنان. ومن صام من رجب ستة عشر يوما كان في اول من يركب على دواب من نور يطير بهم في عرصة الجنان إلى دار الرحمن. ومن صام سبعة عشر يوما من رجب وضع له يوم القيامة على الصراط سبعون مصباحا من نور حتى يمر على الصراط بنور تلك المصابيح إلى الجنان تشيعه الملائكة بالترحيب والتسليم. ومن صام من رجب ثمانية عشر يوما زاحم ابراهيم في قبته في جنة الخلد على سرر


[ 399 ]

الدر والياقوت. ومن صام من رجب تسعة عشر يوما بنى الله له قصرا من لؤلؤ رطب بحذاء قصر آدم وابراهيم عليهما السلام في جنة عدن فيسلم عليهما ويسلمان عليه تكرمة له وايجابا لحقه وكتب له بكل يوم يصوم منها كصيام الف عام. ومن صام من رجب عشرين يوما فكأنما عبد الله عزوجل عشرين الف عام. ومن صام من رجب احدى وعشرين يوما شفع له يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر وكلهم من أهل الخطايا والذنوب. ومن صام اثنين وعشرين يوما من رجب نادى مناد من أهل السماء ابشر يا ولى الله من الله الكرامة والعظمة ومرافقة الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. ومن صام من رجب ثلاثة وعشرين يوما نودى من السماء طوبى لك يا عبد الله نصبت قليلا ونعمت طويلا طوبى لك إذا كشف الغطاء، وافضيت إلى جسيم ثواب ربك الكريم وجاورت الجليل في دار السلام. ومن صام من رجب اربعة وعشرين يوما فإذا نزل ملك الموت يرى له في صورة شاب عليه حلة من ديباج اخضر على فرس من افراس الجنان وبيده حرير اخضر ممسك بالمسك الاذفر وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان فيلقاه إياه عند خروج نفسه يهون به عليه سكرات الموت، ثم يأخذ روحه في تلك الحرير فتفوح منها رائحة ليستنشقها أهل السماوات السبع فيظل في قبره ريان ويبعث من قبره ريان حتى يرد حوض النبي صلى الله عليه وآله. ومن صام من رجب خمسة وعشرين يوما فانه إذا خرج من قبره تلقاه سبعون الف ملك بيد كل ملك منهم لواء من در وياقوت ومعهم طرائف الحلى والحلل ويقولون يا ولى الله النجاة إلى ربك فهو من اول الناس دخولا في جنات عدن مع المقربين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم. ومن صام من رجب ستة وعشرين يوما بنى الله له في ظل العرش مئة قصر من در وياقوت على رأس كل قصر خيمة حمراء من حرير الجنان يسكنها ناعما والناس في الحساب.


[ 400 ]

ومن صام من رجب سبعة وعشرين يوما اوسع الله عليه القبر مسيرة اربع مائة عام وملا جميع ذلك مسكا وعنبرا. ومن صام من رجب ثمانية وعشرين يوما جعل الله عزوجل بينه وبين النار سبعة خنادق كل خندق ما بين السماء والارض مسيرة خمسمائة عام. ومن صام من رجب تسعة وعشرين يوما غفر الله عزوجل له، ولو كان عشارا ولو كانت امرأة فجرت سبعين مرة بعد ما ارادت به وجه الله والخلاص من جهنم لغفر الله لها. ومن صام من رجب ثلاثين يوما نادى مناد من السماء: يا عبد الله اما ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل فيما بقى وأعطاه الله عزوجل في الجنان كلها في كل جنة اربعون الف مدينة من ذهب في كل مدينة اربعون الف الف قصر في كل قصر اربعون الف الف بيت في كل بيت اربعون الف الف سرير في كل سرير اربعون الف الف مائدة من ذهب على كل مادة اربعون الف قصعة من ذهب في كل قصعة اربعون الف الف لون من الطعام والشراب لكل طعام وشراب من ذلك لون على حدة، وفى كل بيت اربعون الف الف سرير من ذهب طول كل سرير الفى ذراع في الفى ذراع على كل سرير جارية من الحور عليها ثلثمائة الف ذوابة من نور تحمل كل ذوابة منها الف الف وصيفة تغلفها بالمسك والعنبر إلى ان يوافيها صائم رجب هذا لمن صام شهر رجب كله قيل يا نبي الله فمن عجز عن صيام رجب لضعفه أو لعلة كانت به أو امرأة غير طاهرة يصنع ماذا لينال ما وصفت ؟ قال: يتصدق كل يوم برغيف على المساكين والذى نفسي بيده انه إذا تصدق بهذه الصدقة كل يوم نال ما وصفت وكثر انه لو اجتمع جميع الخلائق كلهم من أهل السماوات والارض على ان يقدروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات قيل يا رسول الله فمن لم يقدر على هذه الصدقة يصنع ماذا لينال ما وصفت ؟ قال: يسبح الله عزوجل في كل يوم من رجب إلى تمام ثلاثين يوما بهذا التسبيح مائة مرة سبحان الاله الجليل سبحان من لا ينبغى التسبيح الا له سبحان الاعز الاكرم سبحان من لبس العز وهو له أهل. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من صام يوما من رجب في اوله أو وسطه أو في آخره غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.


[ 401 ]

ومن صام ثلاثة أيام من رجب في اوله وثلاثة أيام في وسطه وثلاثة أيام في آخره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومن احيى ليلة من ليالى رجب اعتقه الله من النار وقبل شفاعته في سبعين الف رجل من المذنبين. ومن تصدق بصدقة في رجب ابتغاء وجه الله اكرمه الله يوم القيامة في الجنة من الثواب بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال مالك بن انس الفقيه ما رأت عينى افضل من جعفر بن محمد عليهما السلام زهدا وفضلا وعبادة وورعا وكنت اقصده فيكرمني ويقبل علي فقلت له يوما: يا بن رسول الله ما ثواب من صام يوما من رجب إيمانا واحتسابا ؟ فقال: حدثنى أبى عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صام يوما من رجب ايمانا واحتسابا غفر له فقلت: يا بن رسول الله فما ثواب من صام يوما من شعبان ؟ قال: حدثنى أبى عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صام يوما من شعبان إيمانا واحتسابا غفر له. قال الصادق ” عليه السلام “: ان في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من الثلج واحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر. وقال الصادق ” عليه السلام “: إذا كان يوم القيامة نادى مناد في بطنان العرش أين الرجبيون فيقوم اناس يضئ وجوههم لاهل الجمع على رؤسهم تيجان الملك مكللة بالدر والياقوت مع كل واحد منهم الف ملك عن يمينه والف ملك عن يساره يقولون له هنيئا لك كرامة الله يا عبد الله فيأتى النداء من عند الله جل جلاله عبادي وامائي وعزتي وجلالى لاكرمن مثواكم ولاجزلن عطاياكم، ولابوئنكم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين انكم تطوعتم بالصوم لى شهرا عظمت حرمته واوجبت حقه ملائكتي ادخلوا عبادي وامائي الجنة. ثم قال جعفر بن محمد عليهما السلام: هذا لمن صام شيئا من رجب ولو يوما واحدا في اوله أو في وسطه أو في آخره.


[ 402 ]

مجلس في ذكر فضل شعبان اعلم ان لهذا الشهر ثلاثة اسماء: شعبان، وسمى بذلك لانه تتشعب فيه الخيرات لشهر رمضان. وقيل: لانه يتشعب فيه ارزاق المؤمنين وشهر الغفران لانه يغفر فيه الذنوب وشهر الجيران – يعنى جيران شهر رمضان. قال الصادق ” عليه السلام “: صيام شعبان ذخر العبد يوم القيامة، وما من عبد يكثر الصيام في شعبان إلا اصلح الله له امر معيشته، وكفاه شر عدوه وان أدنى ما يكون لمن يصوم يوما من شعبان ان تجب له الجنة. قال الرضا ” عليه السلام “: من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرة غفر له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهرى وشهر رمضان شهر الله عزوجل فمن صام يوما من شهرى كنت شفيعه يوم القيامة. ومن صام يومين من شهرى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر من ذنبه. ومن صام ثلاثة أيام من شهرى قيل له: استأنف العمل. ومن صام شهر رمضان فحفظ فرجه ولسانه وكف اذاه عن الناس غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر واعتقه من النار، واحله دار القرار وقبل شفاعته في عدد رمل عالج من مذنبي أهل التوحيد. قال الرضا ” عليه السلام “: ليلة النصف من شعبان هي ليلة يعتق الله عزوجل فيها الرقاب من النار ويغفر فيها الذنوب الكبار فقيل له: فهل فيها صلاة زيادة على سائر الليالى ؟ قال ليس فيها شئ موظف، ولكن ان اجبت ان تتطوع فيها بشئ فعليك بصلاة جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه وأكثر فيها من ذكر الله ومن الاستغفار والدعاء فان أبى ” عليه السلام ” كان يقول: الدعاء فيها مستجاب. قيل له: ان الناس يقولون انها ليلة الصكاك، فقال عليه السلام تلك ليلة القدر في


[ 403 ]

شهر رمضان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) شعبان شهرى وشهر رمضان شهر الله عزوجل فمن صام من شهرى يوما كنت شفيعه يوم القيامة ومن صام شهر رمضان اعتق من النار. قال الرضا ” عليه السلام “: من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة استغفر الله واسأله التوبة كتب الله له برائة من النار وجوازا على الصراط واحله دار القرار. قال الصادق ” عليه السلام “: من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله عزوجل له كما يربى احدكم فصيله حتى يوافي يوم القيامة وقد صارت له مثل أحد. وقال: من صام ثلاثة أيام من شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين. وقال: صوم شعبان وصوم رمضان توبة من الله ولو من دم حرام. قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تذاكر اصحابه عند فضائل شعبان فقال شهر شريف وهو شهرى وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه وهو شهر يزاد فيه ارزاق المؤمنين لشهر رمضان وتزين فيه الجنان وإنما سمى شعبان لانه يتشعب فيه ارزاق المؤمنين وهو شهر العمل فيه تضاعف الحسنة بسبعين والسيئة محطوطة والذنب مغفور والحسنة مقبولة والجبار جل جلاله يباهى فيه بعباده وينظر إلى صوامه وقوامه فيباهي بهم حملة العرش فقام علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله صف لنا شيئا من فضائله لنزداد رغبة في صيامه وقيامه ولنجتهد للجليل عزوجل فيه فقال النبي (صلى الله عليه وآله) من صام اول يوم من شعبان كتب الله سبعين حسنة الحسنة تعادل عبادة سنة. ومن صام يومين من شعبان حطت عنه السيئة الموبقة. ومن صام ثلاثة أيام من شعبان رفع له سبعون درجة في الجنان من در وياقوت. ومن صام اربعة ايام من شعبان وسع عليه في الرزق. ومن صام خمسة أيام من شعبان حبب إلى العباد. ومن صام ستة أيام من شعبان صرف عنه سبعون لونا من البلاء. ومن صام سبعة أيام من شعبان عصم من ابليس وجنوده في دهره وعمره. ومن صام ثمانية أيام من شعبان لم يخرج من الدنيا حتى يسقى من حياض القدس. ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه. ومن صام عشرة أيام من شعبان وسع الله عليه قبره سبعين ذراعا.


[ 404 ]

ومن صام أحد عشر يوما من شعبان ضرب على قبره أحد عشر منارة من نور. ومن صام اثنى عشر يوما من شعبان زاره كل يوم في قبره تسعون الف ملك إلى النفخ في الصور. ومن صام ثلاثة عشر يوما من شعبان استغفرت له ملائكة سبع سماوات. ومن صام اربعة عشر يوما من شعبان الهمت الدواب والسباع حتى الحيتان في البحور أن يستغفروا له. ومن صام خمسة عشر يوما من شعبان ناداه رب العزة وعزتي لا احرقك بالنار. ومن صام ستة عشر يوما من شعبان اطفى عنه سبعين بحرا من النيران. ومن صام سبعة عشر يوما من شعبان اغلقت عنه ابواب النيران كلها. ومن صام ثمانية عشر يوما من شعبان فتحت له ابواب الجنان كلها. ومن صام تسعة عشر يوما من شعبان أعطى له سبعون الف قصر من الجنان من در وياقوت. ومن صام عشرين يوما من شعبان زوج سبعون الف زوجة من الحور العين. ومن صام احدى وعشرين يوما من شعبان رحبت به الملائكة ومسحته بأجنحتها. ومن صام اثنين وعشرين يوما من شعبان كسى له سبعون الف حلة من سندس واستبرق. ومن صام ثلاثة وعشرين يوما من شعبان أتى بدابة من نور عند خروجه من قبره فيركبها طائرا إلى الجنة. ومن صام اربعة وعشرين يوما من شعبان شفع في سبعين الف من أهل التوحيد. ومن صام خمسة وعشرين يوما من شعبان أعطى برائة من النفاق. ومن صام ستة وعشرين يوما من شعبان كتب الله له جوازا على الصراط. ومن صام سبعة وعشرين يوما من شعبان كتب الله له برائة من النار. ومن صام ثمانية وعشرين يوما من شعبان تهلل وجهه يوم القيامة. ومن صام تسعة وعشرين يوما من شعبان نال رضوان الله الاكبر. ومن صام ثلاثين يوما من شعبان ناداه جبرئيل ” عليه السلام ” من قدام العرش يا هذا استأنف العمل عملا جديدا فقد غفر لك ما مضى وتقدم من ذنوبك والجليل عزوجل


[ 405 ]

يقول لو كان ذنوبك عدد نجوم السماء وقطر الامطار وورق الاشجار وعدد الرمل والثرى وايام الدنيا لغفرتها لك وما ذلك على الله بعزيز بعد صيامك شعبان. مجلس في ذكر فضائل مكة حماها الله تعالى قال الله تعالى: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الامين). اعلم ان الله تعالى سمى البيت بعشرة اسماء: سماها الكعبة، وسماها البيت الحرام وسماها قياما للناس وسماها العتيق، فقال: ثم محلها إلى البيت العتيق، وسماها مصلى فقال تعالى: واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى، وسماها مثابة وامنا فقال: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، وسماها مباركا وهدى ومأمنا، فقال: ان اول بيت وضع للناس الذى ببكة مباركا وهدى للعالمين، وسماها شعائر فقال: ومن شعائر الله فانها من تقوى القلوب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ اربعة من الملائكة جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت. واختار من الانبياء اربعة للسيف: ابراهيم، وداود وموسى وانا. واختار من البيوتات اربعة: فقال تعالى: (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابرهيم وآل عمران على العالمين). واختار من البلدان اربعة فقال عزوجل: والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الامين، التين المدينة والزيتون بيت المقدس، وطور سينين الكوفة وهذا البلد الامين مكة. واختار من النساء اربعة: مريم وآسية، وخديجة وفاطمة. واختار من الحج اربعة: الثج والعج والاحرام والطواف فأما الثج فالنحر والعج ضجيج الناس بالتلبية، واختار من الاشهر اربعة رجب وشوال وذو القعدة وذو الحجة. واختار من الايام اربعة: يوم الجمعة ويوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر. وقيل أيضا: اختار من الامم اربعة امة ابراهيم وامة موسى وامة عيسى وامة محمد (صلى الله عليه وآله) واختار من امة محمد اربعة اصناف: العلماء والزهاد والابدال والغزاة.


[ 406 ]

واختار من الصحابة اربعة: سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار. واختار من الليالى اربعة: ليلة النصف من شعبان وليلة القدر وليلتي العيدين. واختار من الكلمات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. واختار من الانهار اربعة: الفرات والنيل، وسيحان وجيحان. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اربعة انهار من الجنة فالفرات الماء في الدنيا والآخرة والنيل العسل وسيحان الخمر وجيحان اللبن. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: اسماء مكة ام القرى ومكة وبكة والبساسة كانوا إذا ظلموا بستهم أي اخرجتهم وهلكوا، وام رحم كانوا إذا لزموها رحموا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الكلمات التى اختارهن الله لابراهيم حيث بنى البيت هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وسمى الكعبة لانها وسط الدنيا ومكة اشرف البلدان وافضل البقاع واول ارض ظهرت على وجه الماء. قال الله تعالى: ان اول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا، فلما خلق الله تعالى طينة مكة على وجه الماء دحى بعدها منها الارضين وذلك قوله عزوجل: والارض بعد ذلك دحاها. ومن اجل فضائلها انها حرم الله تعالى، ومولد خير الاولين والآخرين محمد نبينا (صلى الله عليه وآله) ومنشأه ومبعثه واحب البلاد إليه قال: مقاتل بن سليمان ان النبي (صلى الله عليه وآله) هاجر إلى المدينة فلما نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إلى مكة وذكر مولده ومولد آبائه فأتاه جبرئيل ” عليه السلام ” فقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ فقال: نعم فقال جبرئيل ” عليه السلام “: فان الله عزوجل يقول: ان الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد يعنى لرادك إلى مكة ظاهرا عليها، قال رجل من بنى زهرة: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على راحلته بالخرازة، وهو يقول لمكة: والله انك لخير ارض الله واحب ارض الله إلى ولولا انى اخرجت منك ما خرجت. (وروى) ان الطيور كلها لا تطير فوق الكعبة تعظيما لها.


[ 407 ]

مجلس في ذكر فضل المدينة وبيت المقدس والكوفة قال الله تعالى في سورة بنى اسرائيل: (وان كادوا يستفزونك من الارض ليخرجوك) إلى قوله (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا). قال ابن عباس: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة حسدته اليهود مقامه بالمدينة ونظام أمره بها فقالوا باجمعهم: لقد كرهنا قرب هذا الرجل فلا نأمن منه ان يفسد علينا ديننا فاجتمعوا عنده يوما فقالوا يا محمد انت نبى ؟ قال: نعم قالوا من عند الله ؟ قال نعم فقالوا: والله لقد علمت ما هذه بارض الانبياء وان ارض الانبياء الشام كان بها ابراهيم والانبياء بعده فان كنت نبيا مثلهم فأيت الشام فان الله سيمنعك بها من الروم ان كنت نبيا وهى المقدسة وارض المحشر، وان الانبياء لم يكونوا بهذا البلد قال فعسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأس ثلاثة أميال من المدينة حتى يرتاد ويجتمع إليه اصحابه فنزل جبرئيل ” عليه السلام ” فقال: يا محمد ان الله يقول: وان كادوا – يعنى اليهود – ليستفزونك أي ليستخفونك من الارض – يعنى ارض المدينة فيخرجوك منها إلى الشام وإذا يلبثون خلافك إلا قليلا – يعنى بعدك إلا يسيرا حتى يهلكوا سنة من قد أرسلنا قبلك يقول هكذا سنتى فيمن مضى أن أهلك من عصى الرسول ولا اهلكهم ونبيهم بينهم ومعهم بين أظهرهم حتى يخرج من عندهم فإذا خرج عذبوا فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ولقن حتى قال: رب ادخلني – يعنى المدينة – مدخل صدق واخرجني – يعنى إلى مكة – مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا فاستجاب الله دعاه وفتح على يديه بنى اسرائيل مكة ونصره عليهم وذلك قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: مكة حرم الله والمدينة حرم رسول الله والكوفة حرمى لا يريدها جبار يجور فيها إلا قصمه الله. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان الدجال لم يبق منهل إلا وطئه إلا مكة والمدينة فان على كل نقب من أنقابها ملكا يحفظها من الطاعون والدجال.


[ 408 ]

وقال عليه السلام: حد الروضة في مسجد الرسول إلى طريق الظلال. قال عليه السلام: من مات في المدينة بعثه الله في الآمنين يوم القيامة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصلاة في مسجدي تعادل الف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فانه أفضل منه. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: لا تدع اتيان المشاهد كلها مسجد قبا فانه المسجد الذى اسس على التقوى من اول يوم ومشربة أم ابراهيم، ومسجد الفضيح وقبور الشهداء، ومسجد الاحزاب وهو مسجد الفتح. قال وبلغنا ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا أتى قبور الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وليكن فيما يقول عند مسجد الفتح، يا صريخ المستصرخين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف غمى وهمى وكربي كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان. وقال عليه السلام: إنما سمى مسجد الفضيح بذلك النخل بسمى الفضيح فلذلك سمى مسجد الفضيح. بيت المقدس قال الله تعالى: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله – يعنى ببيت المقدس الذى باركنا حوله بالماء والثمار – لنريه من آياتنا، عجبا بينا انه هو السميع البصير). اعلم ان لبيت المقدس أسماء مذكورة في القرآن، وهى المسجد الاقصى والربوة ذات قرار ومعين. قال الله تعالى: (وجلعلنا ابن مريم وأمه آية، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين). واكثر المفسرين على انها بيت المقدس وهو المشهور. قال الصادق ” عليه السلام “: الربوة نجف الكوفة، والمعين الفرات.


[ 409 ]

والمكان القريب فقال تعالى: واستمع يوم ينادى المناد من مكان قريب – يعنى صخرة بيت المقدس سماها مكانا قريبا لانها اقرب من سائر الارضين إلى السماء بثمانية عشر ميلا فيقوم ملك عليها وينادى يا أيتها العظام البالية، والاوصال المقطعة ان الله يأمركم ان تجمعن لفصل القضاء والارض المقدسة. فقال تعالى: (يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم) – يعنى بيت المقدس – والقرى التى حولها. قال عبد الله بن سلام: يا محمد اخبرني أين وسط الدنيا ؟ قال بيت المقدس قال ولم ذلك ؟ قال لان فيها المحشر والمنشر ومنه ارتفع العرش وفيه الصراط والميزان قال صدقت يا محمد قال: فاخبرني عن فسطاط موسى بن عمران ؟ قال موضع بيت المقدس، قال من ابتدأ ببناء بيت المقدس ؟ فقال داود وابنه من بعده سليمان قال واخبرني عن آدم من أي الارض خلق ؟ قال: خلق رأسه ووجهه من موضع الكعبة، وخلق بدنه من بيت المقدس. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اربع محفوظات مكة والمدينة وبيت المقدس ونجران ومدينة الجنة. وقال أيضا عليه السلام: اربع مدائن من الجنة مكة والمدينة، وبيت المقدس ومدينة بين سيحان وجيحان يقال لها منصورة وهى مصيصة محفوظة بالملائكة. واربعة قصور: الاسكندرية التى بناها ذو القرنين، وعسقلان وملطية ومسجد الكوفة وهو قبة الاسلام. والانهار من الجنة في الدنيا: سيحان وجيحان والنيل والفرات. قال عبد الله بن سلام لرسول الله (صلى الله عليه وآله): اخبرني عن موضع الباب الذى فتح من السماء فنزلت منه الملائكة بالرحمة على بنى اسرائيل أي موضع هو ؟ قال مقابل الصخرة التى ببيت المقدس ومعراج الانبياء فان بيت المقدس بقعة جمع الله فيها خيار خلقه من الانبياء والاولياء والملائكة والمقربين.


[ 410 ]

الكوفة قال الباقر ” عليه السلام “: الكوفة هي الزكية الطاهرة فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين والاوصياء الصادقين وفيها مسجد سهيل الذى لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيها وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده وهى منازل النبيين والاوصياء والصالحين. قال الصادق ” عليه السلام “: مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” الصلاة فيها بماءة الف صلاة والدرهم فيها بمائة الف درهم، والمدينة حرم الله تعالى وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين عليهما السلام الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله تعالى وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين ” عليه السلام ” الصلاة فيها بالف صلاة. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي (صلى الله عليه وآله) والفريضة تعدل حجة مع النبي (صلى الله عليه وآله) وقد صلى فيه الف نبى والف وصى. وقال الصادق ” عليه السلام “: ما من عبد صالح ولا نبى إلا وقد صلى في مسجد كوفان حتى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما اسرى به قال له جبرئيل: أتدرى أين أنت يا رسول الله الساعة ؟ انت مقابل مسجد كوفان قال: فاستأذن لي ربى حتى آتيه فاصلي ركعتين فاستأذن الله عزوجل فأذن له وان ميمنته لروضة من رياض الجنة. وفى خبر آخر وان وسطه لروضة من رياض الجنة، وان مؤخره لروضة من رياض الجنة وان الصلاة المكتوبة فيه لتعدل بالف صلاة، وان النافلة لتعدل بخمسمائة صلاة وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ولو علم الناس ما فيه لاتوه ولو حبوا. قال الباقر ” عليه السلام “: مسجد كوفان روضة من رياض الجنة صلى فيه الف نبى وسبعون نبيا وميمنته رحمة وميسرته مكرمة، وفيها عصى موسى وشجرة يقطين وخاتم سليمان ومنه فار التنور وبحرت السفينة وهى صرة بابل ومجمع الانبياء عليهم السلام. قال عبد الله بن طلحة الهندي: دخلت على أبى عبد الله ” عليه السلام ” فذكر حديثا فحدثناه


[ 411 ]

قال: فمضينا معه يعنى أبا عبد الله حتى انتهينا إلى الغرى قال فأتى موضعا فصلى ثم قال لاسماعيل: قم فصل عند رأس ابيك الحسين قلت اليس قد ذهب برأسه إلى الشام ؟ قال بلى ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به ودفنه هاهنا. قال الصادق ” عليه السلام “: احب لكل مؤمن ان يختم بخمسة خواتيم: بالياقوت وهو افخرها وبالعقيق وهو اخلصها لله ولنا، وبالفيروزج وهو نزهة الناظر من المؤمنين والمؤمنات وهو يقوى البصر ويوسع الصدر ويزيد في قوة القلب، وبالحديد الصينى وما احب التختم به ولا اكره لبسه عند لقاء أهل الشر ليطفئ شرهم واحب اتخاذه فانه يشرد المردة من الجن. وما يظهر الله بالدرات البيض بالغريين قلت: يا مولاى وما فيه من الفضل ؟ قال من تختم به فنظر إليه كتب الله له بكل نظرة زورة اجرها اجر النبيين والصالحين ولولا رحمة الله لشيعتنا لبلغ الفص منه ما لا يوجد بالثمن، ولكن الله رخصه عليهم ليختم به غنيهم وفقيرهم. فصل في ذكر فضل كربلاء وفضل التربة قال الصادق ” عليه السلام “: موضع قبر الحسين ” عليه السلام ” من يوم دفن روضة من رياض الجنة ومنه معراج يعرج باعمال زواره إلى السماء فليس ملك في السماء ولا في الارض إلا وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين ” عليه السلام ” ففوج ينزل وفوج يعرج. قال عليه السلام: قبر الحسين عشرون ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة. قال الباقر ” عليه السلام “: خلق الله كربلاء قبل ان يخلق الكعبة بأربعة وعشرين الف عام وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل ان يخلق الله الخلق مقدسة في منازله ولا تزال كذلك وجعلها الله افضل الارض في الجنة. وقال عليه السلام: ان الصلاة المفروضة عنده تعدل حجة والصلاة النافلة تعدل عمرة. قال الصادق ” عليه السلام “: في طين قبر الحسين ” عليه السلام “: شفاء من كل داء وهو الدواء الاكبر.


[ 412 ]

وقال عليه السلام: حنكوا اولادكم بتربة الحسين ” عليه السلام ” فانها أمان من كل داء. وقال عليه السلام: يؤخذ طين قبر الحسين ” عليه السلام ” من عند القبر على سبعين ذراعا. قال أبو الحسن موسى ” عليه السلام “: لا تستغنى شيعتنا عن اربع: خمرة يصلى عليها وخاتم يتختم به وسواك يستاك به وسبحة من طين قبر أبى عبد الله الحسين ” عليه السلام ” فيها ثلاث وثلاثون حبة متى قلبها ذاكرا لله كتب الله له بكل حبة اربعون حسنة، وإذا قلبها ساهيا يعبث بها كتب الله له عشرين حسنة. مجلس في ذكر صفة خلق الانسان قال الله تعالى في سورة المؤمنين: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين إلى قوله: ثم انكم بعد ذلك لميتون ثم انكم يوم القيامة تبعثون). وقال تعالى في سورة حم: (هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة إلى قوله ومنكم من يرد إلى ارذل العمر). وقال تعالى في سورة نوح: (وقد خلقكم اطوارا). وقال تعالى في سورة الانسان: (إنا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا). (وروى) ان النطفة تبقى في الرحم اربعين يوما، ثم تصير علقة اربعين يوما ثم تصير مضغة اربعين يوما، ثم تصير عظما اربعين يوما ثم تكسى لحما ويتصور ويلجها الروح في عشرين يوما فذلك ستة اشهر. قال الصادق ” عليه السلام “: جرى بين رجل وبين سلمان خصومة فقال له الرجل: من انت يا سلمان ؟ قال اولي واولك فنطفة قذرة، واما اخرى وآخرك فجيفة منتنة فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم. قال: قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: مسكين ابن آدم مكتوم الاجل مكنون الحلل محفوظ العمل تولمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة ما لابن آدم والفخر اوله نطفة وآخره جيفة


[ 413 ]

لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من معمر يعمر في الاسلام اربعين سنة إلا عوفي من انواع البلاء فان عمر خمسين سنة لين عليه الحساب فان عمر ستين سنة رزقه الانابة إلى ما يحب ويرضى وان عمر سبعين سنة احبه الله واحبه أهل السماء فان عمر ثمانين سنة يقبل الله حسناته ومحى عنه سيئاته فان عمر تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمى أسير الله في الارض وشفع لاهل بيته. قال الشاعر: وكل معمر لابد يوما * وذا دنيا يصير إلى زوال ويبلى بعد جدته ويفنى * سوى الباقي المقدس ذى الجلال مجلس في ذكر معرفة القلب قال الله تعالى في سورة النساء: في صفة المنافقين (يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) لان ما لم يكن لوجه الله لا يكون إلا قليلا. وقال تعالى في سورة الكهف: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا). قال ابن عباس: يعنى فمن كان يرجو ثواب الله فليعمل عملا صالحا ولا يرائى بعبادة ربه أحدا. وقال تعالى في سورة تنزيل لنبيه: (فا عبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص). قال تعالى في سورة حم المؤمن: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون). وقال أيضا: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في الانسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد


[ 414 ]

فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد وهى القلب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ثلاث يقسين القلب: استماع اللهو وطلب الصيد وأتيان باب السلطان. وقال صلى الله عليه وآله: اربعة يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر استماع اللهو والبذاء واتيان باب السلطان وطلب الصيد. وقال صلى الله عليه وآله: اربع يمتن القلب: الذنب على الذنب وكثرة مشاورة النساء يعنى محادثتهن ومماراة الاحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبدا ومجالسة الموتى فقيل له يا رسول الله وما مجالسة الموتى ؟ قال: كل غنى مترف. وقال عليه السلام: من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الرزق والاصرار على الذنب. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان هذه القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكمة وان للقلواب اقبالا وادبارا فإذا اقبلت فاحملوها على النوافل وإذا ادبرت فليقتصروا بها على الفرائض قال الباقر ” عليه السلام “: ما من شئ افسد للقلب من الخطيئة ان القلب ليواقع الخطيئة فما يزال به حتى تغلب عليه فيصير اسفله اعلاه واعلاه اسفله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان المؤمن إذا ذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منه، وان زاد زادت فذلك الرين الذى ذكره الله في كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. وقال عليه السلام: ان لكل حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شئ من عمل الله. وقال عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع أين الذين كانوا يعبدون الناس ؟ قوموا خذوا اجوركم ممن عملتم له فانى لا اقبل عملا خالطه شئ من الدنيا واهلها. اعلم ان القلب اشرف الاعضاء لانه منبع العقل ومعدن العلم وانبل جارحة يكون خزانة للمعرفة ومنظرا للحق سبحانه فهو كالامير للبدن والرئيس الذى لصلاحه أثر شامل ولفساده ضرر كامل فإذا صلح صلح الجسد وإذا فسد فسد كله كما روينا في الخبر، ثم هو


[ 415 ]

مع شرفه وفضله محفوف بالآفات والعيوب وكلما كان اعز ومنافعه اوفر كانت آفاته واعدائه اكثر وقيل القلوب خمسة: قلب مشروح وهو قلب المؤمن، وقلب مطروح وهو قلب الكافر وقلب مذبوح وهو قلب المنافق، وقلب مجروح وهو قلب العاصى وقلب مصفوح وهو قلب التائب. وقال بعض الحكماء: قلب نقى في ثياب دنسة احب إلي من قلب دنس في ثياب نقية. وقيل ارق الناس قلوبا اقلهم ذنوبا. وقال رجل: لو قيل لى أي شئ اعجب ؟ لقلت قلب امرئ عرف ربه ثم عصاه. وقيل: إذا كانت الآخرة في القلب فان الدنيا ترحمها وإذا كانت الدنيا في القلب لم ترحمها الآخرة لان الآخرة كريمة والدنيا لئيمة. وقيل: ان البدن إذا سقم لم ينجع فيه طعام ولا شراب، ولا نوم ولا راحة وكذلك القلب إذا علقه حب الدنيا لم تنجع المواعظ. وقيل: المكفوف المخلص من كتم حسناته كما يكتم سيئاته. وقيل: إذا اقبل العبد إلى الله تعالى اقبل الله عزو جل بقلوب العباد إليه. وقيل: يابن آدم اما تستحى تتكلم بكلام القانتين وتسطو سطوة الجبارين وتعمل عمل المنافقين وتتزين بلباس العابدين، وتخبت اخبات المريدين وتلحظ لحظ المغيرين ما هذه خصال المخلصين فانظر في أي الخلق تكون يوم الدين ؟ قال: وقال مرة اخرى لنفسه يا نفس تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين، وفى الجنة تطمعين هيهات ان للجنة اقواما آخرين ولهم اعمال غير ما تعملين. (وروى) ان الصادق عليه السلام: كثيرا ما يقول: علم المحجة واضح لمريده * وارى القلوب عن المحجة في عمى ولقد عجبت لهالك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجى قال الشاعر: وما لى لا انوح على خطائى * وقد بارزت جبار السماء قرأت كتابه وعصيت فيه * لعظم مصيبتي ولشوم رأى وكيف تخلصي ان قال ربى * إلى النيران سوقوا إذا المرائى فهذا كان يعصينى جهارا * ويزعم انه من اولياء


[ 416 ]

ويصنع للعباد ولم يردنى * وكان يريد بالمعنى سوائى مجلس في ذكر محبة الله والحب في الله والبغض في الله قال الله تعالى في سورة البقرة: (والذين آمنوا أشد حبا لله). وقال تعالى في سورة آل عمران: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا ان تتقوا منهم تقية). وفى سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم اولياء بعض، ومن يتوله منكم فانه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين). وفى سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم واخوانكم اولياء). وفى سورة المجادلة: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباؤهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم). وفى سورة الممتحنة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء) الآية. وقال تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه – إلى قوله: فان حزب الله هم الغالبون). وقال تعالى في سورة حم الزخرف: (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين). وقال الصادق ” عليه السلام “: هل الدين إلا الحب ؟ ان الله عزوجل يقول: ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان الناس يعبدون الله على ثلاثة اوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهى الرهبة ولكني اعبده حبا له عزوجل فتلك عبادة الكرام وهو الامن لقوله تعالى: وهم من فزع يومئذ آمنون ولقوله عزوجل: (ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فمن احب الله احبه الله عزوجل كان


[ 417 ]

من الآمنين). وقال عليه السلام: ان امرأة كانت من الجن يقال لها: عفرا تأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فتسمع من كلامه فتأتى صالحي الجن فيسلمون على يديها وانها فقدها النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل عنها جبرئيل ” عليه السلام ” فقال زارت اختا لها تحبها في الله تعالى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): طوبى للمتحابين في الله ان الله تبارك وتعالى خلق في الجنة عمودا من ياقوتة حمراء عليه سبعون الف قصر في كل قصر سبعون الف غرفة خلقها الله عزوجل للمتحابين والمتزاورين. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبعض اصحابه ذات يوم: يا عبد الله احبب في الله وابغض في الله ووال في الله وعاد في الله فانه لا ينال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الايمان وان كثر صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون وعليها يتباغضون وذلك لا يغنى عنهم من الله شيئا فقال له: وكيف لى ان أعلم انى قد واليت وعاديت في الله عزوجل فمن ولى الله حتى اواليه ومن عدوه حتى اعاديه ؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي ” عليه السلام ” فقال أترى هذا ؟ قال بلى فقال ولي هذا ولى الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده ووال ولي هذا ولو انه قاتل ابيك وولدك وعاد عدو هذا ولو انه ابوك وولدك. قال الصادق ” عليه السلام “: من جالس لنا غائبا أو مدح لنا قاليا أو واصل لنا قاطعا أو قطع لنا واصلا أو والى لنا عدوا أو عادى لنا وليا فقد كفر بالذى انزل السبع المثانى والقرآن العظيم قال علي ” عليه السلام “: ان للمرئ المسلم ثلاثة اخلاء فخليل يقول: انا معك حيا وميتا وهو عمله وخليل يقول: انا معك حتى تموت وهو ماله فإذا مات صار للورثة وخليل يقول لك انا معك إلى باب قبرك ثم اخليك وهو ولده. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحبنا كان معنا يوم القيامة، ولو ان رجلا أحب حجرا لحشره الله معه. قال الصادق ” عليه السلام “: ان من اوثق عرى الايمان ان تحب في الله وتبغض في الله وتعطى في الله وتمنع في الله، وقال عليه السلام: من أحب كافرا فقد ابغض الله ومن ابغض كافرا فقد أحب صديق عدو الله عدو الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث من كن فيه وجد طعم الايمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرئ لا يحبه إلا لله، ومن كان يلقى في النار


[ 418 ]

أحب إليه من ان يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه. وقال صلى الله عليه وآله: والذى نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا ادلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم وقال: إذا الناس اظهروا العلم وضيعوا العمل، وتحابوا بالالسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الارحام لعنهم الله عند ذلك واصمهم واعمى ابصارهم. قال الشاعر وتمثل الصادق عليه السلام: تعصى الاله وانت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لاطعته * ان المحب لمن يحب مطيع آخر: ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي * وابحت جسمي من اراد جلوسي والجسم منى للجليس مؤانس * وحبيب قلبى في الفؤاد انيسى وقال آخر: ونفس محب الله نفس ذليلة * واى محب لا يكون ذليلا إذا اتصلت نفس المحب بربه * فان محالا ان يريد بديلا وأنشد: يقولون لى بالله هل انت عاشق * فقلت وهل يوما خلوت من العشق شربت بكأس الحب في المهد شربة * حلاوتها حتى القيامة في حلقى وقال آخر: اتق الاحمق ان تصحبه * إنما الاحمق كالثوب الخلق كلما رقعت منه جانبا * حركته الريح وهنا فانخرق أو كصدع في زجاج فاحش * هل ترى صدع زجاج يلتصق كحمار السوء ان اشبعته * رمح الناس وان جاع نهق أو غلام السوء ان جوعته * سرق الجار وان يشبع فسق


[ 419 ]

مجلس في الحث على مخالفة النفس والهوى قال الله تعالى في سورة آل عمران: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة). وقال تعالى في سورة يوسف: (ان النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى). وقال تعالى في سورة والنازعات: (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مقت نفسه دون مقت الناس آمنه الله من فزع يوم القيامة. قال علي بن الحسين عليهما السلام: وحق نفسك عليك ان تستعملها بطاعة الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عجبا لمن يحتمى من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمى من الذنوب مخافة النار. قال علي بن الحسين ” عليه السلام “: قال الله تعالى: إذا عصاني من خلقي من عرفني سلطت عليه من لا يعرفني. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قالت ام سليمان بن داود لسليمان بن داود: يا بنى إياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كثرة المزاح يذهب بماء الوجه، وكثرة الضحك يمحو الايمان وكثرة الكذب يذهب بالبهاء. قيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: بم يعرف الناجى ؟ قال: من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: أنا الله لاإله إلا أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدى فايما قوم اطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وإيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا انفسكم بسب الملوك، وتوبوا إلى الله اعطف بقلوبكم عليكم.


[ 420 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان العبد ليجلس على ذنب من ذنوبه مائة عام وانه لينظر إلى ازواجه، واخوانه في الجنة. قال الصادق ” عليه السلام “: من لم يكن له واعظ من قلبه، وزاجر من نفسه ولم يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث بسرية، فلما رجعوا قال مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر، وبقى عليهم الجهاد الاكبر. قيل: يا رسول الله وما الجهاد الاكبر ؟ قال: جهاد النفس، ثم قال (صلى الله عليه وآله) افضل الجهاد من جاهد نفسه التى بين جنبيه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: إيما عبد اطاعني لم اوكله إلى غيرى وإيما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ثم لم ابال في أي واد هلك. قال الصادق عليه السلام: ما احب الله عزوجل من عصاه. قال أبو ليلى: شيعنا الحسن بن علي ” عليه السلام ” فلما ذهبنا ننصرف قلنا له اوصنا قال اتقوا الله وإياكم والطمع فان الطمع يصير طبعا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما جفت الدموع إلا لقسوة القلب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لرجل ان كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه وان كنت واليت عدوه فاخرج من مملكته، وان كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربا سواه لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب ان لا يعصى شكرا لنعمته، العقل حسام قاطع قاتل هواك بعقلك. قال الباقر ” عليه السلام “: ليس من سنة اقل مطرا من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء ان الله إذا عمل قوم بالمعاصى صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم والى الفيافي والبحار والجبال وان الله ليعذب (أهل المعاصي). الجعلة في جحرها تحبس المطر عن الارض التى هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها وقد جعل الله لها السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي، ثم قال أبو جعفر ” عليه السلام ” فاعتبروا يا أولى الابصار. وجدنا في كتاب علي، قال رسول الله صلوات الله عليهما: إذا ظهر الزنا كثر


[ 421 ]

موت الفجأة وإذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الارض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في الاحكام تعاونوا على الظلم كلها والعدوان، وإذا نقضوا العهود سلط الله عليهم عدوهم، وإذا قطعوا الارحام جعلت الاموال في ايدى الاشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الاخيار من أهل بيتى سلط الله عليهم شرارهم فيدعو عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم. وقال عليه السلام: ان في التوراة مكتوبا يا موسى انى خلقتك واصطنعتك وقويتك وأمرتك بطاعتي، ونهيتك عن معصيتى فان اطعتني اعنتك على طاعتي وان عصيتني لم اعنك على معصيتى يا موسى ولى المنة عليك في طاعتك ولى الحجة عليك في معصيتك لى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات. قال الله تعالى لداود عليه السلام: حرام على كل قلب عالم محب للشهوات ان اجعله إماما للمتقين. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من غلب علمه هواه فذاك علم نافع، ومن جعل شهوته تحت قدميه فر الشيطان من ظله. قال سيد العابدين عليه السلام: تخرب ما يبقى وتعمر فانيا * فلا ذاك معمور ولا ذاك عامر وهل لك ان وافاك حتفك بغتة * فلم تكتسب خيرا لدى الله عاذر أترضى بان تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر مجلس في ذكر فضل الصبر قال الله تعالى في سورة البقرة: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين – إلى قوله – واولئك هم المهتدون). وقال تعالى في سورة آل عمران: (والله يحب الصابرين). وقال تعالى في سورة الانفال: واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا


[ 422 ]

وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) وقال تعالى في سورة التنزيل: (إنما يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب) وقال الصادق ” عليه السلام ” اصبر على اعداء النعم فانك لن تكافى من عصى الله فيك بافضل من ان تطيع الله فيه. قال الرضا ” عليه السلام “: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه، وسنة من وليه فالسنة من ربه فكتمان سره. قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول). واما السنة من رسول الله فمداراة الناس فان الله عزوجل أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بمداراة الناس فقال: خذ العفو وامر بالمعروف واعرض عن الجاهلين. واما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء. فان الله عزوجل يقول: (والصابرين في البأساء والضراء). قال الباقر ” عليه السلام “: ان الله تبارك وتعالى جعل للمرأة صبر عشرة رجال فإذا حملت زادت قوة عشرة رجال أخرى. (وروى) انه توفى ابن لعثمان بن مظعون رضى الله عنه فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجدا يتعبد فيه فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا عثمان ان الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية إنما رهبانية امتى الجهاد في سبيل الله يا عثمان بن مظعون للجنة ثمانية ابواب فما يسرك ان تأتى بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذ بحجزتك يشفع لك إلى ربك ؟ قال: بلى فقال المسلمون: يا رسول الله لنا في فرطنا ما لعثمان ؟ قال نعم لمن صبر منكم واحتسب. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى فما جزاء من صبر على أذى الناس وشتمهم فيك ؟ قال اعينه على أهوال يوم القيامة. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الصبر شجاعة، والعجز آفة، الصبر صبران: صبر على ما يكره وصبر على ما يحب، والصبر على الايمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في إيمان لا صبر معه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: خمسة لو دخلتم فيهن ما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحى الجاهل إذا سئل عما لا يعلم ان يتعلم والصبر من


[ 423 ]

الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. قال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله تعالى ليكتب للعبد درجة العليا في الجنة فلا يبلغها عمله فلا يزال يتعهد بالبلاء حتى يبلغها. وقال: إذا اصبتم بمصيبة فاذكروا مصيبتي فانها اعظم المصائب. وقال: ان اعظم الجزاء مع اعظم البلاء، وان الله إذا احب قوما ابتلاهم ببلاء فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط. وقال أيضا عليه السلام: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها. وقال: طفى مصباح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون فقيل يا نبى الله مصيبة فقال: نعم كل شئ يؤذى المؤمن فهو له مصيبة وله أجر المصيبة. وقيل: عزى أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الاشعث بن قيس على ابنه فقال ان تحزن فقد استحقت ذلك منه الرحم وان تصبر ففى الله حلفك من ابنك، وان صبرت جرى عليك القدر وانت مأجور وان جزعت جرى عليك القدر وانت مأثوم. قال الشاعر: مفتاح باب الفرج الصبر * وكل عسر معه يسر والدهر لا يبقى على حالة * والامر يأتي بعده أمر قال الشاعر: اصبر لدهر نال منك * فهكذا مضت الدهور فرحا وحزنا مرة * لا الحزن دام ولا السرور مجلس في ذكر النصيحة والحسد قال الله تعالى في سورة النساء: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: لما هبط نوح ” عليه السلام ” من السفينة أتاه ابليس فقال ما في الارض رجل اعظم منة على منك دعوت الله على هؤلاء الفساق فارحتني منهم ألا اعلمك خصلتين


[ 424 ]

إياك والحسد هو الذى عمل بى وإياك والحرص فهو الذي فعل بآدم. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي انهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص والكذب. قال (صلى الله عليه وآله): من ضمن لى خمسا اضمن له الجنة: النصيحة لله عزوجل والنصيحة لرسوله، والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله، والنصيحة لجماعة المسلمين. وقال صلى الله عليه وآله: اقل الناس راحة الحسود. قال صلى الله عليه وآله: ان الدين النصيحة ان الدين النصيحة ان الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين والمؤمنين وعامتهم. وقال صلى الله عليه وآله: الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب. وقال: لا تظهر الشماتة لاخيك فيرحمه الله ويبتليك، وأوحى الله إلى سليمان بن داود عليهما السلام: انى موصيك بسبعة أشياء لا تحسدن أحدا من عبادي ولا تغتابن صالح عبادي. وقال: رب حسبى هذين: ورأى موسى ” عليه السلام ” رجلا عند العرش فغبطه بمكانه فسأل عنه فقال: كان لا يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله، ويقال لا راحة لحسود، الحاسد طويل الحسرات. وقال بعض الحكماء: ان الحسد يضعف النفس ويكثر الهم ويسهر الليل. قال الشاعر: ألا قل لمن كان لى حاسدا * اتدرى على من اسأت الادب اسأت على الله في فعله * إذا لم ترض لى ما وهب جزاؤك منه الزيادات لى * وان لا تنال الذى تطلب وقال آخر: تمنى رجال ان اموت فان امت * فتلك سبيل لست فيها باوحد فما عيش من يبقى خلافى بضائر * ولا موت من قد مات قبلى بمخلدى


[ 425 ]

وقال آخر: فقل للذى يبقى خلاف الذى مضى * تجهز لاخرى مثلها فكان قد وقال أيضا: إذا ما الموت حل بدار قوم * فأفناهم اناخ باخرينا فقل للشامتين بنا افيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا مجلس في ذكر التوكل قال الله تعالى في سورة المائدة: (وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين). وقال تعالى في سورة يونس: (وقال موسى يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مؤمنين). وقال تعالى في سورة يوسف: (وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغنى عنكم من الله من شئ ان الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون). وقال تعالى في سورة ابراهيم: (قالت لهم رسلهم ان نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المتوكلون، وما لنا ان لا نتوكل على الله وقد هدينا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون). وقال تعالى في سورة الفرقان: (وتوكل على الحى الذى لا يموت). قال في سورة الطلاق: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه). سأل الحسن بن الجهم الرضا ” عليه السلام “: فقال له: جعلت فداك ما حد التوكل ؟ فقال ان لا تخاف مع الله أحدا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يكون اتقى الناس فليتوكل على الله. قال الباقر ” عليه السلام “: من توكل على الله لا يغلب، ومن اعتصم بالله لا يهزم.


[ 426 ]

قال النبي (صلى الله عليه وآله): يقول الله عزوجل: ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماوات والارض من دونه فان سألني لم اعطه، وان دعاني لم اجبه وما من مخلوق يعتصم بى دون خلقي إلا ضمنت السماوات والارض رزقه فان سألني اعطيته وان دعاني اجبته، وان استغفرني غفرت له. وقال صلى الله عليه وآله: من انقطع إلى الله كفاه الله مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها. وقال صلى الله عليه وآله: من سره ان يكون اقوى الناس فليتوكل على الله ومن سره ان يكون اكرم الناس فليتق الله ومن سره ان يكون اغنى الناس فليكن بما في يد الله اوثق منه مما في يديه، وقيل: حقيقة التوكل الثقة بالله. وقيل: التوكل ان علمت ان عملك لا يعمله غيرك وانت مشغول به وعلمت ان الموت يأتيك بغتة وانت تبادره، وعلمت ان يغنيك الله في كل حال، وقيل هو الاعتصام بالله، وقيل هو التعلق بالله. وقيل: لو ان رجلا توكل على الله بصدق النية لا حتاجت إليه الامراء فمن دونهم فكيف يحتاج هو ومولاه الغنى الحميد. قال النبي (صلى الله عليه وآله): ان الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين وجعل الغل والحزن في الشك والسخط، وقال أبو ذر رضى الله عنه قتلني هم يوم لم ادركه وقيل إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك. وقال النابغة الذبيانى في الجاهلية: ولست بحابس لغد طعاما * حذار غد لكل غد طعام قال محمد بن حاتم: للناس مال ولى ما لان مالهما * إذا تحارس أهل المال افراس مالى الرضا بالذى اصبحت املكه * ومالى اليأس مما يملك الناس وقال دعبل: اسعى لاطلب رزقي وهو يطلبني * والرزق اكثر لى منى له طلبا


[ 427 ]

مجلس في ذكر المال والولد قال الله تعالى في سورة الكهف: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا). وقال تعالى في سورة التغابن: (إنما اموالكم واولادكم فتنة، والله عنده أجر عظيم). قيل: شكى رجل إلى أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الحاجة فقال له: اعلم ان كل شئ تصيبه من الدنيا فوق قوتك فإنما انت فيه خازن لغيرك. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدينار والدرهم اهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يهرم ابن آدم، ويشب فيه اثنان: الحرص على المال والحرص على العمر. قال عيسى بن مريم ” عليه السلام “: الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه، واعلموا انه غير ناصح لغيره. قال الصادق ” عليه السلام “: جاء علي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد بلى ثوبه فحمل إليه اثنى عشر درهما فقال صلى الله عليه وآله: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لى بها ثوبا البسه فقال علي ” عليه السلام ” فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصا باثنى عشر درهما، وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليه فقال: يا علي غير هذا أحب الي أترى صاحبه يقيلنا ؟ فقلت: لا ادرى قال فانظر فجئت إلى صاحبه فقلت: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كره هذا يريد غيره فاقلنا فيه فرد علي الدراهم وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمشى معى إلى السوق ليبتاع قميصا فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكى فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما شأنك ؟ فقالت يا رسول الله ان اهلي اعطوني اربعة دراهم لاشتري لهم حاجة فضاعت فلا اجسر ان ارجع إليهم فاعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) اربعة دراهم، فقال لها ارجعي إلى اهلك ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السوق فاشترى قميصا باربعة دراهم ولبسه وحمد الله عزوجل، وخرج فرأى رجلا عريانا يقول: من كسانى كساه الله من ثياب الجنة فخلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قميصه الذى


[ 428 ]

اشتراه وكساه السائل، ثم رجع عليه السلام إلى السوق فاشترى بالاربعة التى بقيت قميصا آخر فلبسه وحمد الله عزوجل ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق تبكى فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): مالك لا تأتين أهلك ؟ قالت يا رسول الله: انى قد ابطأت عليهم واخاف ان يضربوني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مرى بين يدى ودليني على اهلك وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار فلم يجيبوه فاعاد السلام فلم يجيبوه فاعاد السلام فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال صلى الله عليه وآله: ما لكم تركتم اجابتي في اول السلام والثانى ؟ فقالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فاحببنا ان تستكثر منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان هذه الجارية قد ابطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرة لممشاك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله ما رأيت اثنى عشر درهما أعظم بركة من هذه كسى الله بها عاريين، واعتق بها نسمة قال: علي بن الحسين عليهما السلام: حق ولدك ان تعلم انه منك ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وانك مسئول عما وليته به من حسن الآداب والدلالة على ربه عزوجل، والمعونة به على طاعته فاعمل في امره عمل من يعمل انه مثاب على الاحسان إليه معاقب على الاساءة إليه. قال الصادق ” عليه السلام “: ان عيسى بن مريم توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من اصحابه فمر بلبنات من ذهب على ظهر الطريق، فقال عليه السلام لاصحابه: ان هذا يقتل الناس ثم مضى فقال أحدهم: ان لى حاجة قال: فانصرف، ثم قال الآخر: ان لى حاجة قال: فانصرف، ثم قال الآخر: ان لى حاجة قال: فانصرف فوافوا عند الذهب ثلاثتهم فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما فذهب يشترى لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما كى لا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذا جائنا قتلناه كى لا يشاركنا، فلما جاء قاما إليه فقتلاه ثم تغذيا فماتا فرجع إليهم عيسى ” عليه السلام ” وهم موتى حوله فأحياهم عيسى باذن الله تعالى ثم قال: الم اقل لكم ان هذا يقتل الناس. قال ابن عباس: ان اول درهم ودينار ضربا في الارض نظر اليهما إبليس فلما عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه، ثم ضمها إلى صدره ثم صرخ صرخة، ثم ضمها إلى صدره ثم قال: انتما قرة عينى وثمرة فؤادى، ما ابالى من بنى آدم إذا احبوكما ان لا يعبدوا وثنا حسبى من بنى آدم ان يحبوكما.


[ 429 ]

وقال بعض اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ما بالنا نجد بأولادنا ما لا يجدون بنا قال: لانهم منكم ولستم منهم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مر عيسى بن مريم ” عليه السلام ” بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام اول فكان صاحبه يعذب ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب فأوحى الله جل جلاله إليه يا روح الله انه ادرك له ولد صالح فاصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من دخل إلى السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبد بالاناث قبل الذكور فانه من فرح ابنته فكأنما عتق رقبة من ولد اسماعيل ” عليه السلام ” ومن اقر بعين ابن فكأنما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله ادخله الله جنات النعيم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لا تجعلن أكثر شغلك باهلك وولدك فان يكن اهلك وولدك أولياء الله فان الله لا يضيع اوليائه، وان يكونوا اعداء الله فما همك وشغلك باعداء الله ؟ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتنة امتى المال. وقال صلى الله عليه وآله: اللهم من آمن بك وشهد انى رسولك فحبب إليه لقاك وسهل عليه قضاك واقلل ماله. وقال صلى الله عليه وآله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وقال صلى الله عليه وآله: أيضا يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنان: الحرص والامل وقال صلى الله عليه وآله: قلب الشيخ شاب على حب اثنين على جمع المال وطول الحياة. وقال صلى الله عليه وآله: ما ذئبان جائعان ارسلا في غنم بافسد لها من حرص الرجل على المال والشرف. وقال صلى الله عليه وآله: ان لكل امة فتنة وان فتنة امتى المال. وقال صلى الله عليه وآله: إذا مات ابن آدم قالت الملائكة بعضهم لبعض ما قدم ويقول بنوا آدم ما خلف ؟


[ 430 ]

وقال رجل من الانصار: يا رسول الله مالى لا احب الموت ؟ قال: هل لك مال ؟ قال نعم يا رسول الله قال قدم المال فان قلب الرجل مع ماله ان قدمه احب ان يلحقه وان خلفه احب ان يتخلف معه. قال الشاعر: لا خير في المال لكنازه * إلا لجواد ووهابه يفعل أحيانا باصحابه * ما يفعل الخمر بشرابه وقال آخر: ألا يا جامع المال حريصا * على الدنيا الم تخف السؤالا اتجمعها وتكسبها حراما * وتتركها لوارثها حلالا فيسعد من جمعت له وتشقى * ألا اقبح بذاك المال مالا مجلس في الزهد والتقوى قال الله تعالى في سورة البقرة: (واتقوني يا اولى الالباب). وقال تعالى فيها: (اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون). وقال فيها: (وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من ابوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون). وقال تعالى في سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في هذه الآية: حق تقاته ان يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. وقال تعالى فيها: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). وقال تعالى في سورة النساة: (قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى). وقال تعالى في سورة المائدة (وتعاونوا على البر والتقوى). وقوله فيها: (إنما يتقبل الله من المتقين).


[ 431 ]

وقال تعالى في سورة القصص: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين). وقال في سورة الحجرات: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم). وقال تعالى في سورة النجم: (فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى).. وقال تعالى في سورة الطلاق: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال تعالى في سورة البقرة: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب). وقال تعالى في سورة المائدة: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين). وقال الله في سورة الحجرات: (ان المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين). وقال تعالى في سورة الدخان: (ان المتقين في مقام آمنين في جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين). وقال تعالى في سورة والذاريات: (ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالاسحار هم يستغفرون وفى اموالهم حق للسائل والمحروم). وقال تعالى في سورة والطور: (ان المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما أتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم). وقال تعالى في سورة القمر: (ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر). وقال تعالى في سورة والمرسلات: (ان المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزى المحسنين). قال أبو جعفر ” عليه السلام “: ان الله عزوجل يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائى


[ 432 ]

وارتفاعي لا يؤثر عبد هواى على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمه في اخوته وكففت عنه ضيعته وضمنت السماوات والارض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر. (وروى) انه قال رجل للنبى (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله علمني شيئا إذا انا فعلته احبني الله من السماء واحبني الناس من الارض، فقال له: ارغب فيما عند الله عزوجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس. قال علي بن الحسين عليهما السلام: الزهد على عشرة اجزاء فاعلي درجات الزهد ادنى درجات الورع واعلى درجات الورع ادنى درجات اليقين واعلى درجات اليقين ادنى درجات الرضا وان الزهد في آية من كتاب الله عزوجل لكى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لاهل التقوى علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء الامانة والوفاء بالعهد وقلة الفخر والبخل، وصلة الارحام ورحمة الضعفاء وقلة المواناة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم، واتباع العلم فيما يقرب إلى الله تعالى طوبى لهم وحسن مآب وطوبى شجرة في الجنة اصلها في دار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليس مؤمن إلا وفى داره غصن من اغصانها لا ينوى في قلبه شيئا إلا أتاه ذلك الغصن به ولو ان راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ولو ان غرابا طار من اصلها ما بلغ اعلاها حتى يبيض هرما ألا ففى هذا فارغبوا إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة إذا جن عليه الليل فرش وجهه وسجد لله تعالى ذكره بمكارم بدنه ويناجى الذى خلقه في فكاك رقبته ألا فهكذا تكونوا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعبد الناس من اقام الفرائض وازهد الناس من اجتنب الحرام واتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه، واورع الناس من ترك المراء وان كان محقا واشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب، واكرم الناس اتقاهم واعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه، واسعد الناس من خالط كرام الناس. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبى من انبياء بنى اسرائيل ان احببت ان تلقاني في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا غريبا مهموما محزونا مستوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد الذى يطير في ارض القفار ويأكل من رؤس الاشجار ويشرب من ماء العيون فإذا كان الليل آوى وحده ولم يأوى مع الطيور استأنس


[ 433 ]

بربه واستوحش من الطيور. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين بن علي ” عليه السلام “: اعمل بفرائض الله تكن اتقى الناس وارض بقسم الله تكن اغنى الناس، وكف عن محام الله تكن اورع الناس واحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا، واحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان صلاح اول هذه الامة بالزهد واليقين وهلاك آخرها بالشح والامل. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ثبات الايمان الورع، وزواله الطمع. قال الصادق ” عليه السلام “: ان المرئ إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به ابتلاه الله عزوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به فان فعل ذلك به وإلا عذبه في قبره ليلقاه الله عزوجل يوم يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من ذنوبه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام قالوا: بآبائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله ؟ قال ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكرا، وتكلموا فكان كلامهم ذكرا ونظروا فكان نظرهم عبرة ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا الآجال التى كتبت عليهم لما تستقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من احب ان يكون اكرم الناس فليتق الله. قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة طويلة: أيها الناس إنما الناس ثلاثة زاهد وراغب وصابر. فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته. وأما الصابر فيتمناها بقلبه فان ادرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها. وأما الراغب فلا يبالى من حلال اصابها أو من حرام. سئل الصادق ” عليه السلام “: عن الزهد في الدنيا قال: الذى يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): استحيوا من الله تعالى حق الحياء قالوا: وما نفعل


[ 434 ]

يا رسول الله ؟ قال: فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا واجله بين عينيه فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر القبر والبلى، ومن اراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا. قيل للصادق ” عليه السلام “: ما الزهد في الدنيا ؟ قال: قد حد الله ذلك في كتابه فقال: لكى لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الزهد ثروة، والورع جنة وافضل الزهد اخفاء الزهد الزهد يخلق الابدان ويحدد الآمال ويقرب المنية ويباعد الامنية من ظفر به نصب ومن فاته تعب ولا كرم كالتقوى، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ولا زهد كالزهد في الحرام، الزهد كله بين كلمتين، قال الله: لكى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم فمن لم يأس على الماضي، ومن لم يفرح بالآتى فقد أخذ الزهد بطرفيه أيها الناس الزهادة قصر الامل، والشكر عند النعم والورع عند المحارم فان عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شكركم فقد اعذر الله اليكم بحجج مسفرة ظاهرة، وكتب بارزة العذر واضحة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان في زهد يحيى بن زكريا ” عليه السلام ” انه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل، وشدوها إلى سوارى المسجد فلما نظر إلى ذلك أتى امه فقال: يا اماه انسجى لى مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف حتى آتى بيت المقدس فا عبد الله فيه مع الاحبار والرهبان، فقالت له امه: حتى يأتي نبى الله فأخبره في ذلك فلما دخل زكريا ” عليه السلام ” اخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بنى ما يدعوك إلى هذا ؟ وإنما انت صبى صغير فقال له: يا ابة أما رأيت من هو اصغر سنا منى قد ذاق الموت ؟ قال: بلى قال لامه انسجى له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف ففعلت فتدرع بالمدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه ثم أتى بيت المقدس فاقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى اكلت مدرعة الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى فأوحى الله عزوجل يا يحيى أتبكى بما قد نحل من جسمك وعزتي وجلالى لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتى اكلت الدموع لحم خديه، ثم بدت للناظرين اضراسه فبلغ ذلك امه فدخلت عليه واقبل زكريا


[ 435 ]

واجتمع الاحبار والرهبان فاخبروه بذهاب لحم خديه فقال: ما شعرت بذلك فقال زكريا: يا بنى ما يدعوك إلى هذا إنما سألت ربى ان يهبك لى لتقر بك عينى قال انت امرتني بذلك يا ابة قال: ومتى ذلك يا بنى ؟ قال: الست القائل ان بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤن من خشية الله تعالى ؟ قال: بلى قال: فجد واجتهد فشأنك غير شأني فقام يحيى فنفض مدرعته فأخذته امه فقالت: اتأذن لى يا بنى ان اتخذ لك قطعتي لبود تواريان اضراسك وينشفان دموعك ؟ فقال لها: شأنك فاتخذت له قطعتي لبود تواريان اضراسه وينشفان دموعه حتى ابتلت من دموع عينيه فحسر عن دراعيه ثم اخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين اصابعه فنظر زكريا إلى ابنه والى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم ان هذا ابني وهذه دموع عينيه وانت ارحم الراحمين، وكان زكريا ” عليه السلام ” إذا اراد ان يعظ بنى اسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإذا رأى يحيى لم يذكر جنة ولا نار فجلس ذات يوم يعظ بنى اسرائيل، واقبل يحيى قد لف رأسه بعباه فجلس في غمار الناس والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول: حدثنى حبيبي جبرئيل ” عليه السلام ” عن الله تبارك وتعالى ان في جهنم جبلا يقال له السكران في اصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك الجب توابيت من نار في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار وسلاسل من نار واغلال من نار فرفع يحيى رأسه، فقال: واغفلتاه من السكران ثم اقبل هائما على وجهه وقام زكريا ” عليه السلام ” من مجلسه فدخل على ام يحيى فقال لها: قومي يا ام يحيى فاطلبي يحيى فانى قد تخوفت ان لا تراه إلا وقد ذاق الموت فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بنى اسرائيل فقالوا لها: يا ام يحيى أين تريدين ؟ قالت أريد أن أطلب ولدى يحيى ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مروا براعى غنم فقالت له: يا راعى هل رأيت شابا من صفة كذا وكذا فقال لها: لعلك تطلبين يحيى ابن زكريا ؟ قالت: نعم ذاك ولدى ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه قال انى تركته الساعة على عقبة ثانية كذا وكذا ناقعا قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء يقول وعزتك يا مولاى لا ذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك فاقبلت امه، فلما رأته دنت منه وأخذت برأسه فوضعته بين ثديها وهى تناشده بالله ان ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها إلى المنزل فقالت أم يحيى: هل لك ان تخلع مدرعة الشعر ؟ وتلبس مدرعة الصوف


[ 436 ]

فانها الين ففعل وطبخت له عدسا فأكل واستوفى فنام وذهب به النوم فلم يقم لصلاته فنودى في منامه يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من دارى وجوارا خيرا من جواري فاستيقظ فقام فقال: يا رب أقلنى عثرتي إلهى فوعزتك لا استظل بظل سوى ظل المقدس وقال لامه ناوليني مدرعة الشعر فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا أم يحيى دعيه فان ولدى قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش فقام يحيى فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان. قال وهب: وجدت في بعض كتب الله عزوجل ان ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه فبينا هو يسير وجنوده معه إذ مر على شيخ يصلى فوقف بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف ولم تروعك ما حضرك من الجنود ؟ قال كنت اناجي من هو اكثر جنودا منك واعز سلطانا وأشد قوة، ولو صرفت وجهى اليك لم ادرك حاجتى قبله فقال له ذو القرنين: هل لك في ان تنطلق معى ؟ فأواسيك بنفسى واستعين بك على بعض أمورى قال: نعم ان ضمنت لى اربع خصال: نعيما لا يزول وصحة لا سقم فيها وشبابا لا هرم فيه، وحياة لا موت فيها فقال له ذو القرنين: أي مخلوق يقدر على هذه الخصال فقال الشيخ: فأنى مع من يقدر عليها ويملكها وإياك فبينا هو يسير إذ وقع إلى الامة العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وهم يعدلون فلما رآهم قال لهم: أيها القوم اخبروني بخبركم فأنى درت الارض شرقها وغربها برها وبحرها سهلها وجبلها نورها وظلمتها فلم الق مثلكم فأخبروني ما بال قبور موتاكم على ابواب بيوتكم ؟ قالوا فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ولا نخرج ذكره من قلوبنا قال: فما بال بيوتكم ليس عليها ابواب ؟ قالوا: ليس فينا لص ولا ظنين وليس فينا إلا أمين قال فما بالكم ليس عليكم أمراء ؟ قالوا: لا نتظالم قال فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قالوا: لا نتكاثر قال فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا: من قبل إنا متواسون متراحمون قال فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا: من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال فما بالكم لا تسبون ولا تقتلون ؟ قالوا من قبل انا غلبنا طبايعنا بالعزم وروضنا انفسنا بالحلم قال فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة قالوا من قبل إنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا نغتاب بضعنا بعضا قال فاخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا من


[ 437 ]

قبل إنا نقسم بالسوية قال: فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع قال: فلم جعلكم اطول الناس اعمارا ؟ قالوا من إنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل قال فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا: من قبل إنا لا نغفل عن الاستغفار قال فما بالكم لا تجزعون ؟ قالوا: من قبل إنا وطنا انفسنا على البلاء فعزينا انفسنا قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات قالوا من قبل إنا لا نتوكل على غير الله عزوجل ولا نستمطر بالانواء والنجوم قال فحدثوني أيها القوم هكذا وجدتم يفعلون قالوا: وجدنا آبائنا يرحمون مسكينهم ويواسون فقيرهم ويعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من اساء إليهم ويستغفرون لمسيئهم ويصلون ارحامهم ويؤدون أماناتهم ويصدقون ولا يكذبون فاصلح الله بذلك أمرهم فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض وكان له خمسمائة عام. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: أيها الناس اتقوا الله الذى ان قلتم سمع وان اضمرتم علم وبادروا الموت الذى ان هربتم ادرككم وان اقمتم أخذكم وان نسيتموه ذكركم. قال النبي (صلى الله عليه وآله): لعلي ان الله زينك بزينة لم يتزين الخلائق بزينة أحب إلى الله منها الزهد في الدنيا وجعل الدنيا لا تنال منك شيئا. وقال صلى الله عليه وآله: جماع التقوى في قوله تعالى: ان الله يأمر بالعدل والاحسان. وقال صلى الله عليه وآله: اتق الله فانه جماع الخير. وقيل: المتقون سادة، والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان اخوف ما اتخوف على امتى الهوى وطول الامل. فأما الهوى فيصد عن الحق واما طول الامل فينسى الآخرة. وقال صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الرجل قد أعطى الزهد في الدنيا فاقتربوا منه فانه يلقى الحكمة. وقال عليه السلام: المؤمن بيته قصب وطعامه كسر ورأسه شعث وثيابه خلق وقلبه خاشع ولا يعدل السلامة شيئا. (وروى) ان اسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ألا تعجبون من أسامة المشترى إلى شهر ؟ ان اسامة لطويل الامل والذى نفسي بيده ما طرفت عيناى إلا ظننت ان شفرتي لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت


[ 438 ]

طرفي وظننت انى خافضه حتى اقبض ولا تلقمت لقمة إلا ظننت انى لا اسيغها اتحصر بها من الموت ثم قال يا بنى آدم ان كنتم تعقلون فعدوا انفسكم من الموتى والذى نفسي بيده إنما توعدون وما انتم بمعجزين. (وروى) ان صاحبا يقال له: همام كان رجلا عابدا فقال: يا أمير المؤمنين صف لى المتقين حتى كأنى انظر إليهم فتثاقل عن جوابه، ثم قال يا همام اتق الله واحسن فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه فقام فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أما بعد، فان الله عزوجل خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا عن معصيتهم لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه فقسم بينهم معايشهم ووضع من الدنيا مواضعهم فالمتقون فيها أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم نزلت انفسهم منهم في البلاء كالذى نزلت في الرخاء لولا الاجل الذى كتب الله لهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة، واجسادهم نحيفة وحاجتهم خفيفة وانفسهم عفيفة صبروا أياما قصيرة اعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم ارادتهم الدنيا ولم يريدوها واسرتهم ففدوا انفسهم منها أما الليل فصافون اقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا يحزنون به انفسهم ويستبشرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا فظنوا انها نصب اعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم واطراف اقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم واما النهار فحلماء علماء ابرار أتقياء قد براهم الخوف برى القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم مرض ويقول: قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير فهم لانفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكى أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسى من غيرى وربى أعلم منى بنفسى اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون


[ 439 ]

واغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم انك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا في علم وعلما في حلم، وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتحملا في فاقة وصبرا في شدة، وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل يمسى وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا من الغفلة وفرحا بما اصاب من الفضل والرحمة ان استصعبت عليه نفسه فيما يكره لم يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لا يزول ورغبته فيما يبقى وزهادته فيما لا يبقى مزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل تراه قريبا امله بعيدا كسله قليلا زلله خاشعا قلبه قانعا نفسه منزورا اكله سهلا امره حريزا دينه ميتا شهوته مكظومة غيظه الخير منه مأمول والشر منه مأمون ان كان في الغافلين كتب في الذاكرين وان كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه، ويعطى عمن حرمه ويصل من قطعه بعيدا فحشه لينا قوله غائبا منكره حاضرا معروفه مقبلا خيره مدبرا شره في الزلازل وقور، وفى المكاره صبور وفى الرخى شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه ولا يضيع ما استحفظ ولا ينسى ما ذكر ولا ينابز بالالقاب، ولا يضار بالجار ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل ولا يخرج من الحق ان صمت لم يغمه صمته وان ضحك لم يعل صوته، وان بغى عليه صبر حتى يكون الله الذى ينتقم له نفسه منه في عناء والناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته واراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنى منه لين ورحمة ليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوه بمكر وخديعة قال فصعق صعقة كانت نفسه فيها، وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: أما والله لقد كنت أخافها عليه ثم قال هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها، فقال له قائل: فما بالك انت يا أمير المؤمنين ؟ فقال: ويحك ان لكل اجل وقتا لا يعدوه، وسببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فانها نفث الشيطان على لسانك. قال الشاعر: يريد المرئ ان يعطى مناه * ويأبى الله إلا ما اراد يقول المرئ فائدتي ومالى * وتقوى الله افضل ما استفاد وقال آخر: افادتني القناعة كل عز * وأى غنى أعز من القناعة


[ 440 ]

فصيرها لنفسك رأس مال * وصير بعدها التقوى البضاعة وقال آخر: أيها المتعب جهلا نفسه * تطلب الدنيا حريصا جاهدا لا لك الدنيا ولا انت لها * فاجعل الهمين هما واحدا مجلس في ذكر الدنيا قال الله تعالى في سورة يونس: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون): وقال في سورة الكهف: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا). وقال تعالى في سورة الحديد: (اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذابا شديدا ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدينا إلا متاع الغرور). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مالى والدنيا إنما مثلى ومثل الدنيا كمثل راكب قام من القيلولة في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها. وقال عليه السلام: ما الدنيا في الآخرة ما يجعل أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم ترجع. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: والدنيا دار مضى لها الفناء، ولاهلها منها الجلاء وهى حلوة خضرة قد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر فارتحلوا عنها باحسن ما بحضرتكم من الزاد ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها اكثر من البلاغ. وقال عليه السلام: لا وان الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها ولا ينجى بشئ كان لها


[ 441 ]

ابتلى الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها اخرجوا منه وحوسبوا عليه وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه واقاموا فيه وانها عند ذوى العقول كفئ الظل بينا تراه سائغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص. وقال عليه السلام: ان مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما ايقنت به من فراقها وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها فان صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور اشخصته إلى محذور. وقال عليه السلام: يا دنيا يا دنيا اليك عنى أبى تعرضت أم إلي تشوقت ؟ لا حان حينك هيهات غرى غيرى لا حاجة لى فيها قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير آه من قلة الزاد، وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد. وقال عليه السلام: وقد سمع رجلا يذم الدنيا أيها الذام للدنيا اتغتر بالدنيا ثم تذمها انت المتجرم عليها ام هي المتجرمة عليك ؟ متى استهوتك ام متى غرتك ؟ وقال عليه السلام: حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الدنيا حلاوة الآخرة. وقال عليه السلام: الدنيا تغر وتضر وتمر ان الله تعالى لم يرضها ثوابا لاوليائه ولا عقابا لاعدائه وان أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذا صاح بها سائقهم فارتحلوا. قال الصادق عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة. قال المسيح ” عليه السلام ” للحواريين: إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن، والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن. قال الصادق ” عليه السلام “: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال: هم لا يفنى وامل لا يدرك ورجاء لا ينال. قال الباقر ” عليه السلام “: الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك أتاك ولم تمتنع منه بقوة ثم اتبع هذا الكلام بان قال من يئس مما فات اراح بدنه ومن قنع بما أوتى قرت عينه. قال الصادق ” عليه السلام “: ان كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وان كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا ؟ وان كان الحساب حقا فالجمع لماذا ؟ وان كان


[ 442 ]

الخلف من الله عزوجل فالبخل لماذا ؟ وان كانت العقوبة من الله عزوجل فالمعصية لماذا ؟ وان كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ وان كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا ؟ وان كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا ؟ وان كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال واغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن اصلح سريرته اصلح الله علانيته، ومن اصلح فيما بينه وبين الله عزوجل اصلح الله له فيما بينه وبين الناس. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان داود ” عليه السلام ” خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا وجاوبه فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبى عابد يقال له: حزقيل، فلما سمع دوى الجبال واصوات السباع والطير علم انه داود ” عليه السلام ” فقال داود: يا حزقيل اتأذن لى ان اصعد اليك قال: لا فبكى داود فأوحى الله جل جلاله إليه يا حزقيل لا تعير داود وسلنى العافية فقام حزقيل فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة ؟ قال لا قال: فهل دخلك العجب بما انت فيه من عبادة الله عزوجل ؟ قال لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا فاحببت ان تأخذ من شهوتها ولذتها ؟ قال: ربما عرض بقلبي قال: فما تصنع إذا كان كذلك قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر مما فيه قال فدخل داود النبي ” عليه السلام ” فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام فانية فإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود ” عليه السلام ” فإذا هي أنا فلان ملكت الف سنة، وبنيت الف مدينة وافتضضت الف بكر فكان آخر عمرى ان صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي والديدان والحيات جيراني فمن زارني فلا يغتر بالدنيا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في بعض خطبه أيها الناس ألا ان الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا استاركم عند من لا يخفى عليه اسراركم واخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها ابدانكم ففى الدنيا حبستم وللآخرة


[ 443 ]

خلقتم إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه ان العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدم وقال الناس ما أخر فقدموا فضلا يكن لكم، ولا تؤخروا كلا يكن عليكم فان المحروم من حرم الله خير ماله والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه، واحسن في الجنة بها مهاده وطيب على الصراط بها مسلكه. قال الصادق ” عليه السلام “: عجبت لمن يبخل بالدنيا وهى مقبلة عليه أو يبخل بها وهى مدبرة عنه فلا الانفاق مع الاقبال يضره، ولا البخل والامساك مع الادبار ينفعه. (وروى) ان رجلا كتب إلى الحسين بن علي عليهما السلام يا سيدى اخبرني بخير الدنيا والآخرة فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم فانه من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام. وقال الحرث الاعور بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في الحيرة إذا نحن بديرانى يضرب بالناقوس، قال فقال علي بن أبى طالب ” عليه السلام “: أتدرى ما يقول هذا الناقوس ؟ فقلت الله ورسوله وابن عمه اعلم، قال انه يضرب مثل الدنيا وخرابها، ويقول لا إله إلا الله حقا حقا صدقا صدقا ان الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستغوتنا يا بن الدنيا مهلا مهلا يا بن الدنيا دقا دقا يا بن الدنيا جمعا جمعا تفنى الدنيا قرنا قرنا ما من يوم يمضى عنا إلا ارهى منا ركنا قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى لسنا ندرى ما فرطنا فيها إلا لو قد متنا. قال الحرث: يا أمير المؤمنين: النصارى يعلمون ذلك ؟ قال لو علموا ذلك ما اتخذوا المسيح إلها من دون الله، قال ثم جئت إلى الديرانى فقلت له بحق المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التى تضربها قال فأخذ يضرب، وأنا اقول حرفا حرفا حتى بلغ إلى موضع إلا لو قدمتنا فقال بحق نبيكم من اخبرك بهذا ؟ قلت هذا الرجل الذى كان معى امس فقال: وهل بينه وبين النبي من قرابة ؟ قلت هو ابن عمه قال بحق نبيكم اسمع هذا من نبيكم قال: قلت نعم فاسلم ثم قال لى والله انى وجدت في التوراة انه يكون في آخر الانبياء نبى وهو يفسر ما يقول الناقوس. (وروى) ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها فأطال عندها المكث فخرج مرة في سفر، وصنعت فاطمة ” عليه السلام ” مسكتين من ورق وقلادة وقرطين، وسترا لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها عليهم السلام فلما قدم


[ 444 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فوقف اصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر فظنت فاطمة ” عليه السلام ” انه إنما فعل ذلك لما رأى من المستكين والقلادة والستر فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت للرسول قل له تقرأ عليك السلام ابنتك، وتقول اجعل هذا في سبيل الله فلما أتاه قال جعل فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة من ماء، ثم قام فدخل عليها صلوات الله عليهما. (وروى) انه لما مات اسماعيل بن جعفر، وفرغ من جنازته جلس الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام، وجلس قوم حوله وهو مطرق، ثم رفع رأسه فقال: أيها الناس ان هذه الدنيا دار فراق، ودار التواء لا دار استواء على ان فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا ترد، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل بقول أبى خراش الهذلى يرثى أخاه: ولا تحسبى أنى تناسيت عهده * ولكن صبرى يا إميم جميل قيل للصادق ” عليه السلام “: أي الخصال بالمرئ أجمل: قال وقار بلا مهابة وسماح بلا طلب مكافاة وتشاغل بغير متاع الدنيا. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر من يومه فمحروم، ومن لم يبال ما زرى من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ومن كان في نقص فالموت خير له ان الدنيا خضرة حلوة، ولها أهل وان الآخرة لها أهل طلقت انفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا ينافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها ولا يحزنون لبؤسها ألا فان طالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه وعلى أثر الماضي يصير الباقي ان الله تعالى خلق خلقا ضيق عليهم الدنيا نظرا لهم فزهدهم فيها وفى حطامها فرغبوا في دار السلام التى دعاهم إليها، وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة، وبذلوا أنفسهم


[ 445 ]

ابتغاء رضوان الله وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله وهو عنهم راض، وعلموا ان الموت سبيل من مضى ومن بقى، وتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا الخشن وصبروا على القوت وقدموا الفضل، واحبوا في الله وابغضوا في الله عزوجل اولئك المصابيح، وأهل النعيم في الآخرة والسلام. قال الرضا ” عليه السلام “: قال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين يا بنى اسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم إذا سلم دينكم كما لا يأس أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم. قال أبو جعفر: كان أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بالكوفة، وإذا صلى العشاء الاخيرة ينادى الناس ثلاث مرات حتى يسمع أهل المسجد أيها الناس تجهزوا رحمكم الله فقد نودى فيكم بالرحيل فما التعرج على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل تجهزوا رحمكم الله وانقلبوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد وهو التقوى، واعلموا إن طريقكم إلى المعاد وممركم على الصراط والهول الاعظم امامكم وعلى طريقكم عقبة كئودة ومنازل مهولة مخوفة ولا بد لكم من الممر عليها والوقوف بها. فأما برحمة من الله فنجاة من هولها وعظم خطرها وفظاعة منظرها وشدة مختبرها، واما بهلكة ليس لها بعدها انجبار. قال الصادق ” عليه السلام “: عاش نوح ” عليه السلام ” الفى سنة وخمسمائة سنة منها ثمان مائة وخمسون قبل ان يبعث والف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، ومائتا سنة في عمل السفينة وخمسمائة بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء ومصر الامصار واسكن ولده البلدان ثم ان ملك الموت جاء وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت ؟ قال: جئت لا قبض روحك فقال له: ألا تدعني ادخل من الشمس إلى الظل ؟ قال: نعم فتحول نوح ” عليه السلام ” ثم قال يا ملك الموت فكان ما مر بى في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت قال فقبض روحه عليه السلام. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا اقبلت الدنيا على إنسان اعطته محاسن غيره وإذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما اصف دارا أولها عناء وآخرها فناء في حلالها حساب وفى حرامها عقاب من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن سعى لها فاتته ومن قعد عنها أتته ومن ابصر بها بصرته ومن ابصر إليها اعمته.


[ 446 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا ان اتعبى من خدمك واخدمى من رفضك وان العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه اثبت الله النور في قلبه فإذا قال يا رب يا رب ناداه الجليل جل جلاله لبيك عبدى سلنى اعطك وتوكل على اكفك ثم يقول جل جلاله لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى عبدى قد تخلى بى في جوف هذا الليل المظلم والبطالون لاهون والغافلون نيام اشهدوا انى قد غفرت له ثم قال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد والعبادة، وازهدوا في الدنيا الزاهدة فيكم فانها غرارة دار فناء وزوال، كم من مغتر بها قد اهلكته وكم من واثق بها قد خانته وكم من معتمد عليها قد خدعته واسلمته واعلموا ان أمامكم طريق بعيد وسفر مهول وممركم على الصراط ولا بد للمسافر من زاد فمن لم يتزود وسافر عطب وهلك وخير الزاد التقوى إلى آخر الخبر. قال شريح القاضى: اشتريت دارا بثمانين دينارا، وكتبت كتابا واشهدت عدولا فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” فبعث الي مولاه قنبر فأتيته فلما ان دخلت عليه قال يا شريح اشتريت دارا وكتبت كتابا، واشهدت عدولا ووزنت مالا ؟ قال قلت: نعم قال: يا شريح اتق الله فانه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسأل عن بيتك حتى يخرجك من دارك شاخصا ويسلمك إلى قبرك خالصا فانظر ان لا تكون اشتريت هذه الدار من غير مالكها ووزنت المال من غير حله فإذا انت قد خسرت الدارين جميعا الدنيا والآخرة، ثم قال عليه السلام: يا شريح فلو كنت عندما اشتريت هذه الدار اتيتني وكتبت لك كتابا على هذه النسخة إذا لم تشترها بدرهمين قال: قلت وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين ؟ قال: كنت اكتب لك هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت ازعج بالرحيل اشترى منه دارا في دار الغرور، ومن جانب الفانين إلى عسكر الهالكين ويجمع هذه الدار حدود اربعة فالحد الاول منها ينتهى إلى دواعى الآفات والحد الثاني منها ينتهى إلى دواعى العاهات، والحد الثالث منها ينتهى إلى دواعى المصيبات والحد الرابع منها ينتهى إلى الهوى المردى والشيطان المغوى وفيه يشرع باب هذه الدار اشترى هذا المفتون بالامل من هذا المزعج بالاجل جميع هذه الدار بالخروج عن القنوع والدخول في ذل الطلب فما ادرك هذا المشترى من درك فعلى مبلى اجسام الملوك وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير، ومن جمع المال


[ 447 ]

إلى المال فاكثر ومن بنى فشيد ونجد وزخرف، وادخر بزعمه للولد اشخاصهم جميعا إلى موقف العرض لفصل القضاء وخسر هنالك المبطلون شهد على ذلك العقل إذا خرج من اسر الهوى ونظر بعين الزوال لاهل الدنيا وسمع منادى الزهد ينادى في عرصاتها ما ابين الحق لذى عينين ان الرحيل أحد اليومين تزودوا من صالح الاعمال وقربوا الآمال بالآجال فقد دنا الرحلة والزوال. قال الصادق ” عليه السلام “: كان عيسى بن مريم ” عليه السلام ” يقول لاصحابه: يا بنى آدم اهربوا من الدنيا إلى الله واخرجوا قلوبكم عنها فانكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ولا تبقون فيها لا تبقى لكم هي الخداعة الفجاعة المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إليها الهالك من احبها وارادها فتوبوا إلى الله بارئكم واتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا أين آبائكم ؟ أين أمهاتكم ؟ أين اخوانكم ؟ أين اخواتكم أين أولادكم ؟ دعوا فأجابوا واستودعوا الثرى وجاوروا الموتى وصاروا في الهلكى وخرجوا عن الدنيا وفارقوا الاحبة واحتاجوا إلى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا كم توعظون وكم تزجرون ؟ وانتم لاهون ساهون مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم فروجكم وبطونكم أما تستحون ممن خلقكم قد وعد من عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار ووعد من اطاعه الجنة، ومجاورته الفردوس الاعلى فتنافسوا فيه وكونوا من اهله وانصفوا من انفسكم وتعطفوا على ضعفائكم من أهل الحاجة منكم وتوبوا إلى الله توبة نصوحا وكونوا عبيدا أبرارا ولا تكونوا ملوكا جبابرة ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت جبار الجبابرة رب السماوات ورب الارض وإله الاولين والآخرين ملك يوم الدين شديد العقاب الاليم العذاب لا ينجوا منه ظالم ولا يفوته شئ ولا يعزب عنه شئ ولا يتوارى منه شئ احصى كل شئ علمه وانزله منزله في الجنة أو النار ابن آدم الضعيف أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفى كل حال من حالاتك قد ابلغ من وعظ وافلح من اتعظ قال الله تعالى: يا موسى ان الدنيا دار عقوبة وجعلتها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لى يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسايرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه ولم يحقرها إلا انتفع بها، ثم قال الصادق ” عليه السلام “: ان قدرتم ألا تعرفوا فافعلوا وما عليك ان لم يئن عليك اليأس، وما عليك ان تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله


[ 448 ]

محمودا ان عليا ” عليه السلام ” كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لاحد الرجلين رجل يزداد كل يوم إحسانا ورجل يتدارك سيئة بالتوبة، وانى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت. قال المسيح ” عليه السلام ” مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان ان أرضى أحديهما سخطت الاخرى. وقيل للنبى (صلى الله عليه وآله): كيف يكون الرجل في الدنيا ؟ قال متشمرا كطالب القافلة قيل في كم القرار فيها ؟ قال كقدر المتخلف عن القافلة قيل: فكم ما بين الدنيا والآخرة ؟ قال غمضة عين. قال الله عزوجل: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار الآية. قال النبي (صلى الله عليه وآله): الدنيا حلم المنام، وأهلها عليها مجازون ومعاقبون. وقيل ان النبي (صلى الله عليه وآله): مر على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال أترون هذه هينة على أهلها فو الله ان الدنيا اهون على الله من هذه على أهلها. وقال صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له وشهواتها يطلب من لا فهم له، وعليها يعادى من لا علم له وعليها يحسد من لا فقه له ولها يسعى من لا يقين له. (وروى) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قرأ (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه) فقال ان النور إذا وقع في القلب انفسح له، وانشرح قالوا: يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف بها ؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والانابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت. وقال عليه السلام لابن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل واعدد نفسك مع الموتى. قال الشاعر: كن غريبا واجعل الدنيا سبيلا للعبور * واعدد النفس طوى الدهر من أهل القبور وارفض الدنيا ولا تركن إلى دار الغرور وقال آخر: أرى طالب الدنيا وان طال عمره * ونال من الدنيا سرورا وانعما


[ 449 ]

كبان بنى بنيانه فأتمه * فلما استوى ما قد بناه تهدما وقال آخر: يا خاطب الدنيا إلى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم ان التى تنكح غرارة * قريبة العرس من المأتم وقال آخر: سأقنع ما بقيت بقوت يوم * ولا ابغى مكاثرة بمال هب الدنيا تساق اليك عفوا * اليس مصير ذاك إلى زوال وما دنياك إلا مثل فئ * اظلك ثم أدنى بالزوال وقال أبو العتاهية: همومك بالعيش مقرونة * فلا تقطع العيش إلا بهم حلاوة دنياك مسمومة * فلا تأكل الشهد إلا بسم إذا كنت في نعمة فارعها * فان المعاصي تزيل النعم إذا تم أمر دنى نقصه * توقع زوالا إذا قيل تم مجلس في ذكر الحزن والبكاء من خشية الله قال تعالى في سورة آل عمران: (فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين). وقال في سورة المائدة: (فلا تخشوهم واخشوني)، وقال تعالى في سورة النحل (يخافون ربهم من فوقهم). وقال تعالى في سورة الرعد: (يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب). وقال تعالى في سورة الانبياء: (يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين). وقال تعالى في سورة القصص: (حكاية قول قوم قارون: (لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين). وقال في سورة النجم: (افمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون) أي لاهون.


[ 450 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث اعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله. قال أبو جعفر: قال سليمان بن داود عليهما السلام: اوتينا ما أوتى الناس وما لم يؤتوا وعلمنا ما علم الناس، وما لم يعلموا فلم نجد شيئا افضل من خشية الله في المغيب والمشهد والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضى والغضب والتضرع إلى الله عزوجل على كل حال. قال الصادق ” عليه السلام “: عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربعة عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإنى سمعت الله عزوجل يقول بعقبها (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله: (لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين) فإنى سمعت الله عزوجل يقول بعقبها: (فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله: (وافوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد) فإنى سمعت الله عزوجل يقول بعقبها (فوقاه الله سيئات ما مكروا) وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله: (ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) فإنى سمعت الله عزوجل يقول بعقبها: ان ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتينى خيرا من جنتك) وعسى موجبة. وقال الصادق ” عليه السلام “: أرجو الله رجاء لا يجريك على معصيته وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته. قال الصادق ” عليه السلام “: البكاؤن خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي ابن الحسين صلوات الله عليهم فاما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خدية مثل الاودية. واما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. وأما يوسف، فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا أما أن تبكى بالنهار وتسكت بالليل، واما ان تبكى بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما. وأما فاطمة بنت محمد عليهما السلام فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل


[ 451 ]

المدينة وقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكى حتى تقضى حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا بن رسول الله انى اخاف عليك ان تكون من الجاهلين قال: إنما أشكو بثى وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون انى لم اذكر مصرع بنى فاطمة إلا خنقتني العبرة. وقال موسى ” عليه السلام “: يا إلهى فما جزاء من دمعت عينه من خشيتك ؟ قال: يا موسى اقى وجهه من حر النار، وآمنه يوم الفزع الاكبر. قال الصادق ” عليه السلام “: لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى فقيل: يا بن رسول الله تبكى ؟ ومكانك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذى انت به وقد قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشيا، وقد قاسمت ربك ثلاث مرات حتى النعل والنعل، فقال عليه السلام: إنما ابكى لخصلتين: لهول المطلع وفراق الاحبة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت رجلا في المنام من أمتى قد هوت صحيفة قبل شماله فجاء خوفه من الله فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه، ورأيت رجلا من أمتى قد هوى في النار فجاءته دموعه التى بكى من خشية الله فاستخرجه من ذلك. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذرفت عيناه من خشية الله كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصرا في الجنة مكللا بالدر والجوهر فيه ما لا عين رأت، ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الرجل ليكون بينه وبين الجنة اكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه فما هو إلا ان يبكى من خشية الله عزوجل ندما عليها حتى يصير بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مقلته. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: وعزتي وجلالى لا أجمع على عبدى خوفين ولا أجمع له أمنين فإذا أمننى في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة. قال رجل من الانصار: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر إذ جاء رجل فنزع ثيابه، ثم جعل يتمرغ في الرمضاء يكوى ظهره مرة وبطنه مرة


[ 452 ]

وجبهته مرة ويقول يا نفس ذوقي فما عند الله عزوجل اعظم مما صنعت بك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ينظر إلى ما يصنع، ثم ان الرجل لبس ثيابه ثم أقبل فأومى إليه النبي (صلى الله عليه وآله) ودعاه فقال له: يا عبد الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت أحدا من الناس صنعه فما حملك على ما صنعت ؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله عزوجل قلت لنفسي يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لقد خفت ربك حق مخافته وان ربك ليباهي بك أهل السماء، ثم قال لاصحابه: يا معشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم فدنوا منه فدعى لهم، وقال: اللهم اجمع امرنا على الهدى واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا. قال علي بن الحسين عليهما السلام: يا بن آدم انك ما تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همتك، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ابن آدم انك ميت ومبعوث ومسؤل فاعد جوابا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بكى على ذنبه حتى تسيل دموعه على لحيته حرم الله ديباجة وجهه على النار. وقال صلى الله عليه وآله: من خرج من عينيه مثل الذباب من الدمع من خشية الله آمنه الله يوم الفزع الاكبر. وقال صلى الله عليه وآله: كان داود ” عليه السلام ” يعوده الناس ويظنون انه مريض وما به من مرض إلا خوف الله والحياء منه. وقال أيضا عليه السلام: العبد المؤمن بين مخافتين بين اجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه وبين اجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته فو الذى نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. قال علي بن الحسين سيد العابدين عليهما السلام: مليك عزيز لا يرد قضائه * عليم حكيم نافذ الامر قاهر عنا كل ذى عز لعزة وجهه * وكل عزيز للمهيمن صاغر لقد خشعت واستسلمت وتصغرت * لعزة ذى العرش الملوك الجبابر وفى دون ما عاينت من فجعاتها * إلى رفضها داع بالزهد آمر


[ 453 ]

وجد فلا تغفل فعيشك زائل * وانت إلى دار المنية صائر ولا تطلب الدنيا فان طلابها * وان نلت منها غبها لك ضائر وقال آخر: ألا يا نفس جدى واستعدى * ليوم ليس يجزى فيه عز ولا يحنوا عليك اب شفيق * ولا ام ولا يؤويك حزب مجلس في ذكر فضل الفقر والقوت وما أشبه ذلك قال الله تعالى في سورة البقرة: (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله) الآية. قال الله تعالى في سورة الانعام: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي). وقال تعالى في سورة الكهف: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الآية. وقال تعالى في سورة البقرة: (يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين). وقال أيضا في هذه السورة: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ان كنتم إياه تعبدون) وقال تعالى في سورة المزمل: (علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض ويبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) فساوى الله سبحانه بين درجة المكتسبين ودرجة المجاهدين. وقال تعالى في سورة الاعراف: (وكلوا وشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وقال تعالى في سورة طه لنبيه: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى، وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) الآية. قال أبو الحسن موسى عليه السلام: ان الانبياء واولاد الانبياء واتباع


[ 454 ]

الانبياء عليهم السلام خصوا بثلاث خصال: السقم في الابدان وخوف السلطان والفقر. قال الرضا ” عليه السلام “: من لقى فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغنى لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الفقر يخرس الفطن عن حجته، والمقل غريب في بلدته طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف، الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة القناعة مال لا ينفد الفقر الموت الاكبر، ان الله سبحانه فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما منع غنى ما أحسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله واحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله، القناعة كنز لايتفد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه. وقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين. وقيل: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال والله انى لاحبك في الله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان كنت تحبنى فاعد للفقر فان الفقر أسرع إلى من يحبنى من السبيل إلى منتهاه. وقال صلى الله عليه وآله: انظروا إلى من اسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فانه اجدر ان تزدروا نعمة الله. فقال صلى الله عليه وآله: إذا أحب الله عبدا في الدنيا يوجعه قالوا يا رسول الله وكيف يوجعه ؟ قال في موضع الطعام الرخيص والخير الكثير ولي الله لا يجد طعاما يملا بطنه. وقال صلى الله عليه وآله: ابواب الجنة مفتحة على الفقراء والمساكين والرحمة نازلة على الرحماء والله راض عن الاسخياء. وقال صلى الله عليه وآله: الفقر فقران فقر الدنيا وفقر الآخرة ففقر الدنيا غنى الآخرة وغنى الدنيا فقر الآخرة وذاك الهلاك. وقال صلى الله عليه وآله: ما أوحى إلى ان اجمع المال واكن من التاجرين ولكن أوحى إلى ان سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.


[ 455 ]

وقال لقمان لابنه يا بنى لا تحقرن أحدا بخلقان ثيابه فان ربك وربه واحد. وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة فقير في الدنيا وغنى في الدنيا فيقول الفقير يا رب على ما اوقف ؟ فوعزتك انك لتعلم انك لم تولني ولاية فاعدل فيها أو اجور ولم ترزقني مالا فاؤدى منه حقا أو امنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت لي فيقول الله جل جلاله صدق عبدى خلو عنه يدخل الجنة ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه اربعون بعيرا لكفاه ثم يدخل الجنة فيقول الفقير له ما حسبك فيقول طول الحساب ما زال الشئ يجيئنى بعد الشئ يغفر لى ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدنى الله عزوجل منه برحمة والحقني بالتائبين فمن انت ؟ فيقول: أنا الفقير الذى كنت معك آنفا فيقول: لقد غيرك النعيم بعدى. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ترك نسج العنكبوت في البيت يورث الفقر والبول في الحمام يورث الفقر والاكل على الجنابة يورث الفقر والتخلل بالطرفاء يورث الفقر والتمشط من قيام يورث الفقر وترك القمامة في البيت يورث الفقر واليمين الفاجرة يورث الفقر والزنا يورث الفقر واظهار الحرص يورث الفقر والنوم بين العشائين يورث الفقر والنوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر، واعتياد الكذب يورث الفقر وكثرة الاستماع إلى الغناء يورث الفقر ورد السائل (الذكر) بالليل يورث الفقر وترك التقدير في المعيشة يورث الفقر وقطيعة الرحم يورث الفقر، ثم قال عليه السلام ألا انبئكم بعد ذلك بما يزيد في الرزق ؟ قالوا بلى يا أمير المؤمنين قال: الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق وصلة الرحم يزيد في الرزق والاستغفار يزيد في الرزق وكسح القاذورات يزيد في الرزق ومواساة الاخ في الله يزيد في الرزق والبكور في طلب الرزق يزيد في الرزق واستعمال الامانة يزيد في الرزق، وقول الحق يزيد في الرزق واجابة المؤذن يزيد في الرزق وترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق، وترك الحرص يزيد في الرزق وشكر المنعم يزيد في الرزق، واجتناب يمين الكاذبة يزيد في الرزق، والوضوء قبل الطعام يزيد في الرزق، واكل ما يسقط عن الخوان يزيد في الرزق، ومن سبح الله كل يوم ثلاثين مرة دفع الله عنه سبعين نوعا من البلاء ايسرها الفقر. استأذن العباسي الرضا ” عليه السلام ” في النفقة على العيال قال بين المكروهين قال: فقلت


[ 456 ]

جعلت فداك لا والله ما اعرف المكروهين، قال: فقال يرحمك الله أما ترى ان الله عزوجل كره الاسراف وكره الاقتار، وقال والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تعلموا من الغراب خصالا ثلاث: استتاره بالسفاد وبكوره في طلب الرزق وحذره. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اصبح معافا في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا يابن جشعم يكفيك منها ما سد جوعتك، ووارى عورتك فان يكن بيت يكنك فذاك وان يكن دابة تركبها فبخ بخ وإلا فالخبز والملح وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): القناعة كنز لا يفنى، وقال ليس الغنى عن كثر العرض إنما الغنى غنى النفس. وقال ذو القرنين: من قنع استراح من أهل زمانه واستطال على اقرانه. وقال المسيح ” عليه السلام “: اخرج الطمع عن قلبك يحل القيد من رجلك. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما من أحد غنى، ولا فقير إلا ود يوم القيامة انه كان في الدنيا أوتي قوتا. قال العيص بن القاسم: قلت للصادق ” عليه السلام ” حديث يروى عن أبيك عليه السلام انه قال ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خبز بر قط أهو صحيح ؟ فقال: لا ما اكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط قالت عائشة ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خبز الشعير حتى مات. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم اجعل رزق محمد قوته، وقال عائشة: ما زالت الدنيا علينا عسيرة كدرة حتى قبض النبي (صلى الله عليه وآله) فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) صبت الدنيا علينا صبا. وقيل ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأكل على خوان حتى مات ولا أكل خبزا مرققا حتى مات. (وروى) علي بن أبى طالب ” عليه السلام ” عن أبى جحيفة قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا اتجشأ فقال يا جحيفة اخفض جشاك فان اكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.


[ 457 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نور الحكمة والمعرفة الجوع، والتباعد من الله الشبع والقربة إلى الله حب المساكين، والدنو منهم، لا تشبعوا فيطفى نور المعرفة من قلوبكم ومن بات يصلى في خفة من الطعام بات حور العين حوله وقال صلى الله عليه وآله لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، وان القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء. وسئل صلى الله عليه وآله: ما اكثر ما يدخل النار ؟ قال الاجوفان البطن والفرج. وقال صلى الله عليه وآله: من سعى على عياله في طلب الحلال فهو في سبيل الله. وقال صلى الله عليه وآله: ان طلب كسب الحلال فريضة بعد فريضة. قال صلى الله عليه وآله: من اكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من اكله وقال إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والارض ما دامت تلك اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه، ومن أكل اللقمة من الحرام فقد باء بغضب من الله فان تاب تاب الله عليه فان مات فالنار أولى به. قال الشاعر: يا عائب الفقر ألا تزدجر * عيب الغنى اكثر لو تعتبر من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى ان صح منك النظر انك تعصى لتنال الغنى * ولست تعصى الله كى تفتقر وقال الشافعي: ألا يا نفس ان ترضى بقوة * فانت عزيزة أبدا غنية دعى عنك المطامع والاماني * فكم أمنية جلبت منية وقال آخر: ويلهيك عن دار الخلود مطاعم * ولذة عيش غبها غير نافع ففى حلها نقش الحساب وجرمها * سيورثك الزقوم يوم الوقائع مجلس في ذكر افشاء السلام قال الله تعالى في سورة النساء: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) الآية.


[ 458 ]

وقال تعالى في سورة الانعام: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة). وقال تعالى في سورة النور: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة). وقال تعالى في سورة المجادلة: (وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله) الآية. (وروى) ان اليهود اتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا السام عليك يا محمد (والسام بلغتهم الموت) فقال رسول الله وعليكم فانزل الله تعالى هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه. وقال عليه السلام: لا تدع أحدا إلى طعامك حتى يسلم. قال الباقر ” عليه السلام “: ثلاث درجات وثلاث كفارات، وثلاث موبقات وثلاث منجيات فاما الدرجات فافشاء السلام واطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام والكفارات اسباغ الوضوء في السبرات أي في الزمان البارد من الغداوت والمشى بالليل والنهار إلى الصلاة والمحافظة على الجماعات، واما الثلاث الموبقات فشح مطاع وهوى متبع واعجاب المرئ بنفسه، واما المنجيات خوف الله في السر والعلانية والقصد في الغنا والفقر وكلمة العدل في الرضا والسخط. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يسلم على اربعة: على سكران في سكره وعلى من يعمل التماثيل، وعلى من يلعب بالنرد، وعلى من يلعب باربعة عشر فانا ازيدكم الخامسة انهاكم ان تسلموا على صاحب الشطرنج. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ستة لا ينبغى ان يسلم عليهم، وستة من اخلاق قوم لوط فاما الذى لا ينبغى السلام عليهم: فاليهود والنصارى واصحاب النرد والشطرنج واصحاب الخمر والبربط والطنبور، والمتفكهون بسب الامهات والشعراء واما الذى من اخلاق قوم لوط فالجلاهق وهو البندق والخذف ومضغ العلك وارخاء الازار وحل الازار من القبا والقميص. قال الباقر ” عليه السلام “: لا تسلموا على اليهود ولا النصارى، ولا على المجوس ولا عبدة الاوثان ولا على موائد شراب الخمر، ولا على صاحب الشطرنج والنرد، ولا على المخنث ولا على الشاعر الذى يقذف المحصنات، ولا على المصلى وذلك ان المصلى


[ 459 ]

لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة، ولا على آكل الربى ولا على رجل جالس على غائط، ولا على الذى في الحمام، ولا على الفاسق المعلن بفسقه. قال الباقر ” عليه السلام “: ان ملكا من الملائكة مر برجل قائم على باب دار فقال الملك يا عبد الله ما يقيمك على باب هذه الدار ؟ قال: فقال اخ لى فيها اردت ان اسلم عليه فقال له الملك هل بينك وبينه رحم ماسة أو نزعتك إليه حاجة ؟ قال: فقال لا ما بينى وبينه قرابة ولا نزعتني إليه حاجة إلا اخوة الاسلام وحرمته، وانا اتعاهده واسلم عليه لله رب العالمين فقال: انى رسول الله اليك وهو يقرئك السلام: ويقول إنما إياى اردت ولى تعاهدت وقد اوجبت لك الجنة واعفيتك من غضبى، وآجرتك من النار ومعنى قول العبد لاخيه: السلام عليك أي السلامة لك منى كما قال تعالى: فسلام لك من اصحاب اليمين أي سلامة، وقيل إذا سلم الرجل على المطيع المتقى كان معناه يكرمك ويثيبك على طاعتك فإذا سلم على أهل المعصية كان معناه السلام مطلع عليك وانتبه ولا تغفل. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السلام اسم من اسماء الله تعالى فافشوه بينكم فان الرجل المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم فان لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم واطيب. وقال صلى الله عليه وآله: ان اعجز الناس من عجز عن الدعاء، وان ابخل الناس من بخل بالسلام. قال عمار بن ياسر: ثلاث من جمعهن جمع الايمان: الانفاق من الاقتار والانصاف من نفسك، وبذل السلام إلى العالم. مجلس في ذكر الحياء قال الله تعالى في سورة النساء: (يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله). وقال في سورة المجادلة: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) الآية.


[ 460 ]

قال أبو الحسن الاول ” عليه السلام “: ما بقى من امثال الانبياء عليهم السلام إلا كلمة إذا لم تستحى فاعمل ما شئت وانها في بنى أمية. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان الله تبارك وتعالى جعل الشهوة عشرة اجزاء تسعة منها في النساء وواحدة في الرجال، ولولا ما جعل الله فيهن من اجزاء الحياء على قدر اجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به. وقال عليه السلام: الحياء عشرة اجزاء تسعة في النساء وواحد في الرجال فإذا حاضت الجارية ذهب جزئين من حيائها فإذا تزوجت ذهب جزئين وبقى لها خمسة اجزاء فان فجرت ذهب حياؤها كله، وان عفت بقى خمسة اجزاء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الايمان عريان ولباسه الحياء، وزينته الوفاء ومروته العمل الصالح وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت. قال الصادق ” عليه السلام “: ثلاث من لم يكن فيه فلا يرجى خيره أبدا من لم يخشى الله في الغيب ولم يرع عند الشيب ولم يستحى من العيب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان الحياء في شئ قط إلا زانه، ولا كان الفحش في شئ قط إلا شانه. وقال صلى الله عليه وآله: ان لكل دين خلقا، وان خلق الاسلام عارضة الحياء. وقال صلى الله عليه وآله: الحياء من الاحياء من الايمان. وقيل له صلى الله عليه وآله: اوصني قال: استحي من الله كما تستحى من الرجل الصالح من قومك. وقال صلى الله عليه وآله: استحيوا من الله حق الحياء قيل إنا نستحي يا رسول الله قال ليس كذلك ولكن من استحي من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن اراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحى من الله حق الحياء. وقيل: من كساه الحياء ثوبه خفى على الناس عيبه. قال الشاعر: إذا لم تخش عاقبة الليالى * ولم تستحى فاصنع ما تشاء فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء


[ 461 ]

يعيش المرئ ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقى الحياء ورب قبيحة ما حال بينى * وبين ركوبها إلا الحياء فكان هو الدواء لها ولكن * إذا ذهب الحياء فلا دواء ومخرق عنه القميص تخاله * وسط البيوت من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته * تحت اللواء على الخميس زعيما مجلس في ذكر قتل النفس والزنا قال الله تعالى في سورة النساء: (من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) الآية. قال تعالى في سورة سبحان: (ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق). وقال فيها: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن يعمل ابن آدم عملا اعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبيا أو إماما أو هدم الكعبة التى جعلها الله قبلة لعباده أو افرغ ماءه في امرأة حراما. وقال صلى الله عليه وآله: ما عجت الارض إلى ربها كعجتها من ثلاثة: من دم حرام يسفك عليها أو اغتسال من زنا أو النوم عليها قبل طلوع الشمس. قال الصادق ” عليه السلام “: أوحى الله عزوجل إلى داود ” عليه السلام ” يا داود بى فافرح وبذكري فتلذذو بمناجاتي فتنعم فعن قليل اخلي الدار عن الفاسقين واجعل لعنتي على الظالمين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لزوال الدنيا ايسر على الله من قتل المؤمن. وقال صلى الله عليه وآله: لو ان أهل السماوات السبع وأهل الارضين السبع اشتركوا في دم مؤمن لاكبهم الله عزوجل جميعا في النار. وقال صلى الله عليه وآله: اول ما يقضى يوم القيامة الدماء. وقال صلى الله عليه وآله: لو ان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب كان كمن قتله واشترك في دمه.


[ 462 ]

قال الصادق ” عليه السلام “: أوحى الله عزوجل إلى موسى ” عليه السلام ” قل للملا من بنى اسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير الحق فمن قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة قتلة مثل قتلته صاحبه. وقال الباقر ” عليه السلام “: اول ما يحكم يوم القيامة فهو حق بنى آدم فيوقف بنى آدم فيفصل بينهم ثم الذين يلونهم من اصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك فيأتى المقتول قاتله يشخب دمه في وجهه فيقول هذا قتلني فيقول انت قاتله ولا يستطيع ان يكتم الله حديثا. قال الصادق ” عليه السلام “: من لم يبال ما قال وما قيل فهو شرك شيطان، ومن لم يبال ان يراه الناس مسيئا فهو شرك الشيطان ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان ومن شغف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو شرك شيطان. ثم قال عليه السلام: ان لولد الزنا علامات: أحدها بغضنا أهل البيت وثانيها انه يحن إلى الحرام الذى خلق منه وثالثها الاستخفاف بالدين ورابعها سوء المحضر للناس ولا يسئ محضر اخوانه إلا من ولد على غير فراش ابيه أو من حملت به امه في حيضها. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا فشت اربعة ظهرت اربعة إذا فشى الزنا ظهر الزلازل وإذا امسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحكام في القضاء امسك القطر من السماء فإذا حقرت الذمة نصر المشركون على المسلمين. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كذب من زعم انه ولد من حلال وهو يحب الزنا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زنى بامرأة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية حرة أو أمة ثم لم يتب ومات مصرا عليه فتح الله في قبرة ثلثمائة باب تخرج منها حيات وعقارب وثعبان النار إلى يوم القيامة وإذا بعث من قبره تأذى الناس من نتن ريحه فيعرف بذلك وبما كان يعمل في دار الدنيا حتى يؤمر به إلى النار. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر المسلمين إياكم والزنا فان فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فأما التى في الدنيا فانه يذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر. وأما التى في الآخرة فانه يوجب سخط الرب عزوجل وسوء الحساب والخلود في النار ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: سولت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفى


[ 463 ]

العذاب هم خالدون. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة. قال الصادق ” عليه السلام “: لما أقام الله العالم الجدار أوحى الله تعالى إلى موسى ” عليه السلام ” انى مجازى الابناء بسعي الآباء قلت ان خيرا فخير وان شرا فشر لا تزنوا فتزني نساؤكم ومن وطئ فراش امرء مسلم وطئ فراشه كما تدين تدان. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: إذا كان يوم القيامة اهب الله ريحا منتنة يتأذى بها أهل الجمع حتى إذا همت ان تمسك بانفاس ناداهم: هل تدرون ما هذه الريح التى قد آذتكم ؟ فيقولون: لا وقد آذتنا وبلغت منا كل مبلغ، قال فقال: هذه ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بالزنا، ثم لم يتوبوا فالعنوهم لعنهم الله قال: ولا يبقى أحد إلا قال: اللهم العن الزناة. مجلس في ذكر الخمر والربى قال الله تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) الآية. وقال تعالى في سورة البقرة: (الذين يأكلون الربى لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس). وقال تعالى في سورة البقرة: (واحل الله البيع وحرم الربوا فمن جائه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره إلى الله، ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون). سئل أبو عبد الله ” عليه السلام “: عن السفلة قال من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور. وقال عليه السلام: ان لله تعالى كل يوم ينادى مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله فلولا بهائم رتع وصبية رضع وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ترضون به رضا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر. قال الصادق ” عليه السلام “: ثلاثة لا يدخلون الجنة السفاك للدم وشارب الخمر ومشاء بنميمة.


[ 464 ]

قال الباقر ” عليه السلام “: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخمر عشرة غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: من شرب الخمر لم تقبل صلاته اربعين يوما فان ترك الصلاة في هذه الايام ضوعف عليه العذاب لترك الصلاة. وفى خبر آخر ان شارب الخمر تتوقف صلاته بين السماء والارض فإذا تاب ردت عليه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اول ما نهانى ربى عنه عن عبادة الاوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال ان الله تبارك وتعالى بعثنى رحمة للعالمين ولامحق المعازف والمزامير وامور الجاهلية واوثانها وازلامها واحداثها اقسم ربى جل جلاله فقال لا يشرب عبد لى خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ما يشرب منها من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له. وقال صلى الله عليه وآله: لا تجالسوا شارب الخمر ولا تزوجوه ولا تزوجوا إليه وان مرض فلا تعودوه وان مات فلا تشيعوا جنازته، ان شارب الخمر يجئ يوم القيامة مسودا وجهه مزرقة عيناه مائلا شدقه سائلا العابه دالعا لسانه من قفاه. وقال صلى الله عليه وآله: شارب الخمر ان مرض فلا تعودوه، وان شهد فلا تقبلوه وان ذكر فلا تزكوه، وان خطب فلا تزوجوه، وان حدث فلا تصدقوه وان مات فلا تشهدوه شارب الخمر يلقى الله عزوجل كعابد الوثن، شارب الخمر يأتي عليه حال لا يعرف فيها ربه عزوجل ان شرب الخمر ذنب يعلو كل ذنب كما ان شجرة تعلو كل شجرة شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودا وجهه ينادى بالويل والثبور. وأوصى قصى بن كلاب بنيه: فقال: يا بنى إياكم وشرب الخمر فانها ان اصلحت الابدان افسدت الاذهان. قال الصادق ” عليه السلام “: شرب الخمر أشد من ترك الصلاة أو تدرى لم ذلك ؟ قال: لا قال لانه يصير في حال لا يعرف فيها ربه. وسئل عن مدمن الخمر قال: إذا وجد شرب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من وضع الخمر على كفه لم يقبل الله له دعوة ومن شربها لم يقبل الله له صلاة اربعين صباحا ومن ادمن عليها كتب من أهل الخبال. قيل: وما الخبال يا رسول الله ؟ قال: عصارة أهل النار وصديدهم.


[ 465 ]

بيت الله الحرام يا علي درهم من ربى عند الله اعظم من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام. وقال بلفظ آخر الربى سبعون بابا اهونها عند الله كالذى ينكح امه. قال الصادق عليه السلام: كل ربى باشرك. وقال عليه السلام: درهم ربا اعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلها بذات محرم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: معاشر الناس الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر والله الربى في هذه الدنيا اخفى من دبيب النمل على الصفا. وقال عليه السلام: من لم يتفقه في دينه ثم اتجر ارتطم في الربى ثم ارتطم في النار. مجلس في ذكر وبال الظلم قال الله تعالى في سورة ابراهيم: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون). وقال تعالى في سورة الشعراء: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث خصال من كن فيه استكمل الايمان: الذى إذا رضى لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له. قال الصادق ” عليه السلام “: انى لارجو النجاة لهذه الامة لمن عرف حقنا منهم إلا لاحد ثلاث: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى والفاسق المعلن. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعدل الناس من يرضى للناس ما يرضى لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه، واعتى الناس من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه. قال الباقر ” عليه السلام “: لما حضرت علي بن الحسين ” عليه السلام ” الوفاة ضمنى إلى صدره ثم قال يا بنى اوصيك بما أوصاني به أبى عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر إن أباه أوصى به فقال به يا بني إياكم وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله. قال الصادق ” عليه السلام “: من تولى امرا من امور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في امور الناس كان حقا على الله عزوجل ان يؤمن روعته يوم القيامة


[ 466 ]

ويدخله الجنة. وقال عليه السلام: إذا أراد الله برعية خيرا جعل لها سلطانا رحيما وقيض له وزيرا عادلا. وقال الباقر ” عليه السلام ” الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله عزوجل وظلم لا يغفره وظلم لا يدعه فاما الظلم الذى لا يغفره عزوجل فالشرك بالله واما الظلم الذى يغفره عزوجل فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عزوجل، واما الظلم الذى لا يدعه الله عزوجل فالمدانية بين العباد. وقال عليه السلام: ما يأخذ المظلوم من دنيا الظالم اكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم. قال الصادق ” عليه السلام “: من الجور قول الراكب للماشي الطريق الطريق. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان عيسى بن مريم ” عليه السلام ” قام في بنى اسرائيل فقال يا بنى اسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تعينوا الظالم على ظلمهم فيبطل فضلكم. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا ظلم الرجل فظل يدعو على صاحبه قال الله تعالى جل جلاله ان ها هنا آخر يدعو عليك يزعم انك ظلمته فان شئت اجبتك واجبت عليك وان شئت أخرتكما فيوسعكما عفوى. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، ويوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، للظالم من الرجال ثلاث علامات: يظلم من فوقه بالمعصية، ومن دونه بالغلبة ويظاهر القوم الظلمة. سئل أمير المؤمنين ” عليه السلام “: أيما أفضل العدل أو الجود ؟ فقال العدل يضع الامور مواضعها والجود يخرجها عن جهتها والعدل سايس عام والجود عارض خاص فالعدل أشرفهما وافضلهما، أحذر العسف والحيف فان العسف يعود بالجلاء والحيف يدعو إلى السيف. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم والظلم فانه يخرب قلوبكم. وقال أيضا: أحب الناس يوم القيامة وأقربهم من الله مجلسا إمام عادل، ان ابغض الناس إلى الله وأشدهم عذابا إمام جائر.


[ 467 ]

وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح ولا يهم بظلم أحد غفر له ما اجترم. قال الشاعر: لكل ولاية لابد عزل * وصرف الدهر عقد ثم حل واحسن سيرة تبقى لوال * على الايام إحسان وعدل مجلس في ذكر حفظ اللسان والصدق والاشتغال عن عيوب الناس قال الله تعالى في سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). وقال تعالى في سورة الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن إثم ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا). وقال تعالى في سورة ” ق “: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة). قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما شئ أحق بطول الحبس من اللسان. وقال الصادق ” عليه السلام “: لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا. قال علي بن الحسين عليهما السلام: حق اللسان اكرامه من الخنا وتعويده الخير وتركه الفضول التى لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تقبلوا إلى ست خصال أتقبل لكم الجنة إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا وغضوا ابصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم وألسنتكم. قال الصادق ” عليه السلام “: كونوا لنا زينا لا تكونوا علينا شينا قولوا للناس حسنا واحفظوا السنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول.


[ 468 ]

قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لا يصلح من الكذب جد ولا هزل وان يعد أحدكم صبيته ثم لا يفى له، ان الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النار ولا يزال أحدكم يكذب حتى يقال كذب وفجر وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع ابرة صدق فيسمى عند الله كذابا. وقال زرارة: سألت أبا جعفر ” عليه السلام “: ما حق الله على العباد ؟ قال: ان لا يقولوا ما لا يعلمون ويقفوا عند ما يعلمون. وقال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تبارك وتعالى عير عباده بآيتين من كتابه ان لا يقولوا حتى يعلموا ولا يرووا ما لم يعلموا. قال الله عزوجل: (الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله إلا الحق). وقال: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله. (وروى) ان سلمان رضى الله عنه مر على المقابر، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين يا أهل الديار هل علمتم ان اليوم جمعة فلما انصرف إلى منزله ونام وملكته عيناه أتاه آت وقال وعليك السلام يا أبا عبد الله تكلمت فسمعنا وسلمت فرددنا وقلت هل تعلمون ان اليوم جمعة وقد علمنا ما يقول الطير في يوم الجمعة قال وما يقول ؟ قال: يقول قدوس ربنا الرحمن ما يعرف عظمة الله من يحلف باسمه كاذبا. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الله تبارك وتعالى ليبغض المنفق سلعته بالايمان. وقال: من حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله. قال الباقر ” عليه السلام “: ان الله تعالى خلق ديكا ابيض عنقه تحت العرش ورجلاه في تخوم الارض السابعة له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب لا تصيح الديكة حتى يصيح فإذا صاح خفق بجناحيه ثم قال: سبحان الله العظيم الذى ليس كمثله شئ فيجيبه الله فيقول: ما آمن بما يقول من يحلف بى كاذبا. قال الصادق ” عليه السلام “: من حلف على يمين وهو يعلم انه كاذب فقد بارز الله. وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون المؤمن جبانا ؟ قال: نعم قيل ويكون بخيلا ؟ قال نعم قيل ويكون كذابا ؟ قال لا.


[ 469 ]

قال صلى الله عليه وآله: من صمت نجا. قال: البلاء موكل بالمنطق أو بالقول. وقال: اكثر خطايا ابن آدم في لسانه ومن كف لسانه ستر الله عزوجل عورته قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فرب كلمة سلبت نعمة لا تقل ما لم تعلم فان الله سبحانه وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة هانت عليه نفسه من امر عليها لسانه، ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثرة خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث من كن فيه أو واحدة منها كان في ظل عرش الله عزوجل يوم لا ظل إلا ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها ورجل لم يقدم رجلا ولم يؤخر اخرى حتى يعلم ان ذلك لله فيه رضى أو سخط ورجل لم يعب اخاه المسلم بظهر الغيب حتى ينفى ذلك العيب من نفسه فانه لا ينفى منها عيبا إلا بدا له عيب وكفى بالمرئ شغلا بنفسه عن الناس. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: قال الله تعالى لموسى ” عليه السلام ” احفظ وصيتى، لك باربعة أشياء اولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك. والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت لا تغتم بسبب رزقك. والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكى فلا ترج أحدا غيرى. والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النار خالدا فيها وبئس المصير. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كذب من زعم انه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس. بالغيبة اجتنب الغيبة فانها ادام كلاب النار. قال الصادق ” عليه السلام “: من الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره الله عليه وان من البهتان ان تقول في اخيك ما ليس فيه. وقال: من قال في اخيه المؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه فهو ممن قال الله تعالى


[ 470 ]

ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة. قال الباقر ” عليه السلام “: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطرد أخاه شاهدا ويأكله غائبا ان أعطى حسده، وان ابتلى خذله. قال الصادق ” عليه السلام “: من لقى الناس بوجه، وعابهم بوجه جاء يوم القيامة وله لسان من نار. وقال الصادق ” عليه السلام “: قال عيسى بن مريم ” عليه السلام ” لبعض اصحابه ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله باحد، وان لطم أحد خدك الايمن فاعطه الايسر. وقال عليه السلام: لا تغتب فتغتب، ولا تحفر لاخيك حفيرة فتقع فيها فانك كما تدين تدان. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة عبادة ما لم يحدث قيل يا رسول الله ما الحدث ؟ قال: الاغتياب. وقال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: ما عمر مجلس بالغيبة إلا خرب من الدين فنزهوا أسماعكم عن استماع الغيبة فان القائل والمستمع لها شريكان في الاثم، ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول الغيبة أدام كلاب النار من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن نظر في عيوب الناس فانكرها، ثم رضيها لنفسه فذاك الاحمق بعينه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله عزوجل على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الاذى يسقون من الحميم والجحيم ينادون بالويل والثبور يقول أهل النار بعضهم لبعض ما بال هؤلاء الاربعة ؟ قد آذونا على ما بنا من أذى فرجل معلق من تابوت من جمر، ورجل يجز أمعاؤه ورجل يسيل فوه قيحا ودما، ورجل يأكل لحمه فيقال لصاحب التابوت ما بال الابعد قد آذنا على ما بنا من الاذى ؟ فيقول: ان الابعد قد مات وفى عنقه أموال الناس لم يجد لها في نفسه اداء ولا وفاءه. ثم يقال الذى يجز أمعاؤه ما بال الابعد قد آذانا على ما بنا من الاذى ؟ فيقول ان الابعد كان لا يبالى أين اصاب البول من جسده، ثم يقال للذى يسيل فوه قيحا ودما ما بال الابعد قد آذانا على ما بنا من الاذى ؟ فيقول ان الابعد كان يحاكى ينظر


[ 471 ]

إلى كل كلمة خبيثة فيسندها ويحاكى بها، ثم يقال للذى كان يأكل لحمه: ما بال الابعد قد آذانا على ما بنا من الاذى ؟ فيقول: ان الابعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشى بالنميمة. قال الله عزوجل: (وامرأته حمالة الحطب) قال مجاهد كانت تمشى بالنميمة. وقيل: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله): بقبرين قال فانهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين، ثم غرس في كل قبر واحدة فقيل يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ قال: لعلهما ان يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا. قال جابر: كنا نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهاجت ريح منتنة فقال: إنما هاجت هذه الريح ان قوما من المنافقين ذكروا قوما من المؤمنين فاغتابوهم. قال الشاعر: اخفض الصوت ان نطقت بليل * والتفت بالنهار قبل الكلام * * * * الحلم زين والسكوت سلامة * فإذا نطقت فلا تكن مهذارا ما أن ندمت على سكوت مرة * ولقد ندمت على الكلام مرارا وقال آخر: تكلم وسدد ما استطعت وإنما * كلامك حى والسكوت جماد فان لم تجد قولا سديدا تقوله * فصمتك عن غير السديد سداد وقال آخر: تعتب نفسك من لا يعاب * وفى جنبك العيب لا تنكره وتبصر في العين منى القذا * وفى عينك الجذع لا تبصره وتعذر نفسك من غير عذر * وغيرك بالعذر لا تعذره فما أنصف المرئ من نفسه * إذا كان يأتي الذى ينكره


[ 472 ]

مجلس في ذكر الرضا والشكر لله تعالى قال الله تعالى في سورة البقرة: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون، هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا). وقال تعالى فيها: (يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين). وقال فيها: (واشكروا لي ولا تكفرون). وقال في سورة المائدة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا). وقال فيها: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون). وقال تعالى في سورة ابراهيم: (لئن شكرتم لازيدنكم، ولئن كفرتم ان عذابي لشديد) وقال تعالى في سورة السبا: (وقليل من عبادي الشكور). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعمتان مجهولتان الامن والعافية. وقال صلى الله عليه وآله: خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما الصحة والفراغ. قال أبو جعفر ” عليه السلام “: العبد بين ثلاثة: بلاء وقضاء ونعمة فعليه في البلاء من الله الصبر فريضة، وعليه في القضاء من الله التسليم فريضة، وعليه في النعمة من الله عزوجل الشكر فريضة. قال علي بن الحسين عليهما السلام: من قال الحمد لله الذى هداني فقد أدى شكر كل نعمة لله عزوجل. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في قول الله عزوجل: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك ان تطلب بها الآخرة. قال الصادق ” عليه السلام “: العافية نعمة خفية إذا وجدت نسيت، وإذا فقدت ذكرت


[ 473 ]

والعافية نعمة يعجز الشكر عنها. قال الباقر ” عليه السلام ” لرجل: يا فلان لا تجالس الاغنياء فان العبد يجالسهم هو ويرى ان لله عليه نعمة فما يقوم حتى يرى انه ليس لله تعالى عليه نعمة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رأى يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو واحدا على غير ملة الاسلام فقال: الحمد لله الذى فضلني عليك بالاسلام دينا وبالقرآن كتابا وبمحمد نبيا وبعلي إماما وبالمؤمنين اخوانا وبالكعبة قبلة لم يجمع الله بينه وبينه في النار أبدا. قال الصادق ” عليه السلام “: من نظر إلى ذى عاهة أو من قد مثل به أو صاحب بلاء فليقل في نفسه من غير ان يسمعه الحمد لله الذى عافاني مما ابتلاك فلو شاء لفعل ثلاث مرات فانه لا يصيبه ذلك البلاء أبدا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا عطس المرئ المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنه الحمد لله رب العالمين فان قال الحمد لله قالت الملائكة يغفر الله لك. قال الصادق ” عليه السلام “: ان الله عزوجل انعم على قوم بالمواهب ولم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تظاهرت عليه النعم فليقل: الحمد لله رب العالمين ومن الح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فانه كنز من كنوز الجنة وفيه شفاء من اثنين وسبعين داءا أدناها الهم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: إذا وصلت اليكم اطراف النعم فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر يا بن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمة فاحذره ومن اعطى الشكر لم يحرم الزيادة قال الله تعالى لئن شكرتم لازيدنكم احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود. قال موسى ” عليه السلام “: إلهى كيف استطاع آدم ان يؤدى شكر ما اجريت عليه من نعمتك خلقته بيديك واسجدت له ملائكتك واسكنته جنتك فأوحى الله إليه ان آدم علم ان ذلك كله منى ومن عندي فذلك شكره. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): للطاعم الشاكر كأجر الصائم المحتسب وللمعافى الشاكر كأجر المبتلى الصابر، وللمعطى الشاكر كأجر المحروم القانع. وقال الصادق ” عليه السلام “: النعمة وحشية فاشكلوها بالشكر.


[ 474 ]

وقيل أيضا: الشكر ان تعتبر احواله الاربع حال النعمة وحال الشدة وحال الطاعة وحال المعصية فيقول في حال النعمة: الحمد لله الذى هداني لها، وفي حال الشدة الحمد لله الذى لم يجعلها اكثر منها ولم يجعلها في الدين واوجب لى بها اجرا وفى حال الطاعة الحمد لله الذى وفقني لها وفى حال المعصية الحمد لله الذى لم يخذلني حتى كنت اكفر بدلها والحمد لله الذى جعلها مما تمحقه التوبة ويعترض عليه عفوه. وقيل: الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير، قال الشاعر: إذا ما أتيت الخير ثم كفرته * فلست برب العالمين بشاكر فلو كان للشكر شخصا يرى * إذا ما تأمله الناظر ليثبته لك حتى تراه * فتعلم انى امرئ شاكر ولكنه ساكن في الضمير * تحركه الكلم السائر سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بى * فقصرت مغلوبا وانى لشاكر لانك تعطيني الجزيل بداهة * وانك مما استكثرت من ذاك حاقر مجلس في ذكر ايذان الشيب والخضاب وقبح التصابى قال الله تعالى في سورة الروم: (الله الذى خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) الآية. وقال تعالى في سورة الحديد: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله). قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: الناتف شيبته والناكح نفسه والمنكوح في دبره. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الشيب في مقدم الرأس يمن، وفى العارضين سخاء وفى الدوائب شجاعة، وفى القفا شوم. قال الصادق ” عليه السلام “: عن ابيه عى علي عن النبي عليهم السلام إلى أن قال في وصيته إليه يا علي درهم في الخضاب أفضل من الف درهم ينفق في سبيل الله وفيه اربع عشر خصلة


[ 475 ]

يطرد الريح من الاذنين ويجلو الغشاوة من البصر ويلين الخياشم، ويطيب النكهة ويشد اللثة ويذهب بالضنا ويقل الوسوسة من الشيطان وتفرح به الملائكة ويستبشر به المؤمن ويغيظ به الكافر وهو زينة وطيب ويستحى منه منكر ونكير وهو برائة له في قبره. قال علي بن المرمل: لقيت موسى بن جعفر عليهما السلام وكان يخضب بالحمرة فقلت جعلت فداك ليس هذا من خضاب أهلك، قال اجل كنت اخضب بالوسمة فتحركت علي اسناني ان الرجل كان إذا أسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خضبه أمير المؤمنين بالصفرة فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال إسلام فخضبه بالحمرة فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إسلام وإيمان فخضبه بالسواد فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك فقال: إسلام وإيمان ونور. وقيل لامير المؤمنين ” عليه السلام “: لو غيرت شيبك يا امير المؤمنين فقال: الخضاب زينة ونحن قوم في مصيبة. وقال الباقر ” عليه السلام “: أتى رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يقال له شيبة الهذلى فقال يا رسول الله انى شيخ قد كبر سنى وضعفت قوتي من عمل كنت عودته نفسي من صلاة وصيام وحج وجهاد فعلمني يا رسول الله كلاما ينفعني الله به وخفف علي يا رسول الله فقال اعدها فأعادها ثلاث مرات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما حولك شجرة ولا مدرة إلا وقد بكت من رحمتك فإذا صليت الصبح فقل عشر مرات سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فان الله عزوجل يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام والفقر والهرم، فقال: يا رسول الله هذا للدينا فما للآخرة ؟ قال: تقول في دبر كل صلاة: اللهم اهدني من عندك وافض على من رحمتك وانزل على من بركاتك قال فقبض عليهن بيده ثم مضى فقال رجل لابن عباس: ما أشد ما قبض عليها خالك فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أما ان وافى بها يوم القيامة لم يدعها متعمدا فتحت له ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن طال عمره وحسن عمله فحسن منقلبه إذا رضى عنه ربه عزوجل، وويل لمن طال عمره وساء عمله فساء منقلبه إذا سخط عليه ربه عزوجل. وقال أيضا عليه السلام: من احسن فيما بقى من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه ومن اساء فيما بقى من عمره اخذ بالاول والآخر. قال الصادق ” عليه السلام “: ان اعرابيا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إليه في رداء ممشق فقال يا محمد خرجت الي كأنك فتى، فقال صلى الله عليه وآله: نعم يا اعرابي انا الفتى وابن


[ 476 ]

الفتى واخو الفتى، فقال: يا محمد أما الفتى فنعم وكيف ابن الفتى واخو الفتى ؟ فقال اما سمعت الله عزوجل يقول: قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم. وأما اخو الفتى فان مناديا نادى من السماء يوم أحد: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فعلي اخى وانا اخوه فقال الرجل: يا رسول الله اسرع اليك الشيب فقال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتسائلون. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يوسع المجلس إلا لثلاث لذى سن لسنه وذى علم لعلمه ولذي سلطان لسلطانه. وقال أيضا عليه السلام: ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق ذو الشيب في الاسلام والعالم وإمام مقسط. وقال صلى الله عليه وآله: من شاب شيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة يسعى بها إلى الجنة يقول الرب مرحبا بعبدي شاب في الاسلام ولم يشرك بى شيئا. قال صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى شيبة المؤمن نور من نوري ولا احرق نوري بناري. وقال صلى الله عليه وآله: ليس منا من لم يبجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا. وقال صلى الله عليه وآله: الشيخ في اهله كالنبى في امته. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان العبد لفى فسحة من امره ما بينه وبين اربعين فإذا بلغ اربعين سنة أوحى الله عزوجل إلى ملائكته انى قد عمرت عبدى عمرا فغلظا وشددا وتحفظا فاكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره. قال وقال أبو جعفر ” عليه السلام “: إذا اتت على العبد اربعون سنة قيل له: خذ حذرك فانك غير معذور، وليس ابن اربعين سنة احق بالعذر من ابن عشرين سنة فان الذى يطلبهما واحد وليس عنهما براقد فاعمل لامامك من الهول ودع عنك فضول القول. قال الشاعر: في كل يوم أرى قد طلعت * كأنما نبتت في باطن البصر لئن قصصتك بالمقراض عن بصرى * فما قصصتك عن همى وعن فكرى


[ 477 ]

لقد نشر المشيب عليك ثوبا * وما بعد المشيب سوى الذهاب فخذ منه لنفسك لا تضيعه * كما ضيعت ايام الشباب نخرب ما يدوم لنا ويبقى * ونجهد للعمارة في الخراب وقال آخر: كلال العيون ووهن العظام * وبيت المنية لو تعلمينا فلو كنت تبكين من قد مضى * فابكى على الحى في الهالكينا وابكى لنفسك جهد البكا * ء ان كنت تبكين أو تعقلينا وقال آخر: أليس عجبا بان الفتى * يصاب ببعض الذى في يديه فمن بين باك له موجع * ومن بين عاد معز عليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب * فليس يعزيه خلق عليه وقال آخر: ويحك يا شيخ ما دهاك * تضحك والموت قد علاك كف من الضحك والتصابي * والموت يا شيخ قد أتاك مجلس في ذكر التوبة قال الله تعالى في سورة البقرة: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم). وقال تعالى فيها: (إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا فاولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم). وقال تعالى في سورة آل عمران: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). وقال تعالى في سورة النساء: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة


[ 478 ]

ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما * وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال انى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفارا اولئك اعتدنا لهم عذابا أليما). وقال الله في سورة المائدة: في السارق: (فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه). وقال تعالى في سورة الانفال: (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين). وقال تعالى في سورة هود: (وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذى فضل فضله). وقال تعالى في سورة مريم: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا). وقال تعالى في سورة النور: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). وقال في سورة الزمر: (وانيبوا إلى ربكم واسلموا من قبل ان يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون). وقال تعالى في سورة التحريم: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدى فايما قوم اطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة وايما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا انفسكم بسب الملوك توبوا إلى اعطف بقلوبكم عليكم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في الارض أمانان من عذاب الله سبحانه وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به أما الامان الذى رفع فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) واما الامان الباقي فهو الاستغفار. قال الله عز من قائل: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل اذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة


[ 479 ]

ورجل يسارع في الخيرات، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول، ومن اعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة وتصديق ذلك في كتاب الله: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما). وقال: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما). قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لقائل قال بحضرته استغفر الله: ثكلتك امك أتدرى ما الاستغفار ان الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: اولها الندم على ما مضى والثانى العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث ان تؤدى إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله املس ليس عليك تبعة والرابع ان تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدى حقها والخامس ان تعمد إلى اللحم الذى نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد والسادس ان تذيق الجسم الم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله. قال الصادق ” عليه السلام “: لما نزلت هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم). صعد إبليس جبلا بمكة يقال له: ثور فصرخ بأعلا صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: سيدنا لم دعوتنا ؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها ؟ قال: عفريت من الشيطان انا لها بكذا وكذا قال: لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك قال: لست لها قال الوسواس الخناس انا لها قال: بماذا ؟ قال اعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة انسيتهم الاستغفار فقال: انت لها فوكله بها إلى يوم القيامة. (وروى) ان معاذ بن جبل دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا فسلم فرده عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا معاذ ؟ فقال: يارسول الله ان بالباب شاب طرى الجسد نقى اللون حسن الصورة يبكى على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ادخل على الشاب يا معاذ فادخله عليه فسلم فرد عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا شاب ؟ قال: وكيف لا ابكى وقد ركبت ذنوبا ان اخذني الله عزوجل ببعضها ادخلني نار جهنم ولا ارانى إلا سيأخذني ولا يغفر لى أبدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل اشركت بالله شيئا قال: اعوذ بالله ان اشرك بربي شيئا قال: أقتلت النفس التى حرم الله ؟ قال: لا فقال


[ 480 ]

النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل الجبال الرواسى، فقال الشاب: فانها اعظم من الجبال الرواسى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله ذنوبك وان كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورمالها واشجارها وما فيها من الخلق قال: فانها اعظم من الارضين السبع وبحارها ورمالها وثمارها واشجارها وما فيها من الخلق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل السماوات ونجومها، ومثل العرش والكرسي قال فانها اعظم من ذلك قال: فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان، ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك اعظم ام ربك ؟ فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربى ما شئ اعظم من ربى ربى اعظم يا رسول الله من كل عظيم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ؟ قال الشاب: لا والله ثم سكت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك قال: بلى اخبرك اني كنت انبش القبور سبع سنين اخرح الاموات فانزع الاكفان فماتت جارية من بعض بنات الانصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف الناس عنها وجن الليل اتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من اكفانها وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا فأتاني الشيطان فاقبل يزينها لي ويقول أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركها فلم يزل يقول لى ذلك حتى رجعت إليها ولم املك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها فإذا انا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يقفنى وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموت ونزعتني من حفرتي وسلبتني اكفاني وتركتني اقوم جنبا إلى حسابى فويل لشبابك من النار فما اظن انى اشم ريح الجنة أبدا فما ترى لي يا رسول الله ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): تنح عنى يا فاسق انى اخاف ان احترق بنارك فما اقربك من النار ثم لم يزل صلى الله عليه وآله يقول: ويشير إليه حتى ابعده من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا رب انت الذى تعرفني وزل منى ما تعلم سيدى يا رب انى اصبحت من النادمين واتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا فاسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك ان لا تخيب رجائي سيدى ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك اربعين يوما وليلة تبكى له السباع والوحوش، فلما تمت له اربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتى ؟ ان كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فاوح إلى


[ 481 ]

نبيك وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي واردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة فانزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم – يعنى بارتكاب ذنب اعظم من الزنا ونبش القبور واخذ الاكفان – ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله يقول الله عزوجل أتاك عبدى يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب والى من يقصد ؟ ومن يسأل ان يغفر له ذنبا غيرى ثم قال عزوجل: أتاك عبدى يا محمد ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور واخذ الاكفان اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم، وجنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين، فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويبسم:، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب ؟ قال معاذ: يا رسول الله بلغنا انه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت اشفار عينيه من البكاء وهو يقول سيدى قد احسنت خلقي واحسنت صورتي فليت شعرى ماذا تريد بى ؟ أفى النار تحرقني أو في جوارك تسكننى اللهم انك قد اكثرت الاحسان الي وانعمت علي فليت شعرى ماذا يكون آخر أمرى إلى الجنة ترزقني أم إلى النار تسوقنى ؟ اللهم ان خطيئتي اعظم من السماوات والارض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت شعرى تغفر خطيئتي أو تفضحني بها يوم القيامة ؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكى ويحثو التراب على رأسه وقد احاطت به السباع وصف فوقه الطير وهم يبكون لبكائه فدنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول ابشر فانك عتيق من النار ثم قال صلى الله عليه وآله: لاصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما انزل الله عزوجل فيه وبشره بالجنة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من شئ أحب إلى الله من شاب تائب، وقيل: التوبة تجمع أربعة أشياء: الاستغفار باللسان واضمار وترك العود بالجنان والاقلاع بالابدان ومهاجرة من الخلان. قال الشاعر: سوفت بالتوبة إذ لم تشب * فالآن قد شبت فما تنتظر


[ 482 ]

ابعد شيب الرأس لا ترعوى * وبعد فوت العمر لا تنزجر يا عجبا انك ذو خبرة * تعلم ما تلقى ولا تزدجر وقال آخر: لا والذى سمك السماء بايده * والارض صير للانام مهادا ان المصر على الذنوب لهالك * صدقت قولى ام اردت عنادا وقيل: اغسل اربع خصال باربع خصال: اغسل وجهك بماء العين واغسل لسانك بالاستغفار، واغسل قلبك بالتفكر، واغسل ذنبك بالتوبة. مجلس في ذكر الوصية قال الله تعالى في سورة البقرة: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية. وقال صلى الله عليه وآله: ما ينبغى لامرئ مسلم ان يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه. وقال صلى الله عليه وآله: الوصية تمام ما نقص من الزكاة. وقال صلى الله عليه وآله: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: من أوصى ولم يحف ولم يضاد كان كمن تصدق به في حياته وقال: ما ابالى اضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال. قال الصادق عليه السلام: الوصية حق على كل مسلم. وقال عليه السلام: ما من ميت يحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية اخذ الوصية أو ترك وهى الراحة التى يقال لها راحة الموت فهى حق على كل مسلم. وقال عليه السلام: من لم يوص عند موته لذوى قرابة ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.


[ 483 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله قيل يا رسول الله: وكيف يوصى الميت ؟ قال: إذا حضرته الوفاة، واجتمع الناس إليه قال: اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم انى اعهد اليك في دار الدنيا انى اشهد ان لا إله إلا انت وحدك لا شريك لك، وان محمدا عبدك ورسولك وان الجنة حق والنار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وان القرآن كما انزلت وانك انت الله الحق المبين جزا الله محمدا (صلى الله عليه وآله) خير الجزاء، وحيا الله محمد بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدتي ويا وليي في نعمتي إلهى وإله آبائى لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فانك ان تكلني إلى نفسي كنت اقرب من الشر وابعد من الخير، وآنس في القبر وحشتي، واجعل لي عهدا يوم القاك منشورا ثم يوصى بحاجته وتصديق هذه الوصية في القرآن في سورة التى ذكر فيها مريم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فهذا عهد الميت، والوصية حق على كل مسلم ان يحفظ هذه الوصية ويعلمها. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: علمنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: علمنيها جبرئيل ” عليه السلام “. قال أحدهما عليهما السلام: ان الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم تطاولت عليكم بثلاثة: سترت عليكم ما لو علم به اهلك ما واروك واوسعت عليك واستقرضت منك لك فلم تقدم خيرا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في وصيته لعلي ” عليه السلام “: يا علي اوصيك في نفسك لخصال فاحفظها ثم قال: اللهم اعنه أما الاولى فالصدق لا يخرجك من فيك كذبة أبدا والثانية الورع لا تجتر على خيانة أبدا، والثالث الخوف من الله تعالى كأنك تراه والرابعة كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة الف بيت في الجنة، والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك، والسادسة الاخذ بسنتى في صلاتي وصيامى وصدقتي، فأما الصلاة فالاحدى والخمسون ركعة وأما الصوم فثلاثة في كل شهر: خميس في اوله واربعاء في وسطه وخميس في آخره. وأما الصدقة: فجهدك حتى تقول قد اسرفت ولم تسرف وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك


[ 484 ]

في صلاتك وتقليبها وعليك بالسواك عند كل وضوء وعليك بمحاسن الاخلاق فاركبها ومساوى الاخلاق فاجتنبها فان لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك. مجلس في ذكر اشراط الساعة قال الله تعالى: (أتى امر الله فلا تستعجلوه). وقال: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون). وقال تعالى في سورة الانبياء: (واقترب الوعد الحق). وقال تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر). (وروى) رجل قال: كنا جلوسا في المدينة في ظل حائط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رسول الله في غرفة فاطلع علينا فقال فيما انتم قلنا نتحدث قال: عماذا ؟ قلنا عن الساعة فقال: انكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الارض وثلاثة خسوف تكون في الارض: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وخروج عيسى ” عليه السلام ” وخروج ياجوج ومأجوج، ويكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الارض لا تدع خلفها أحدا تسوق الناس إلى المحشر كلما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر. قال الباقر ” عليه السلام “: ان الزلازل والسكوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا رأيتم من ذلك فتذكروا قيام الساعة وافزعوا إلى مساجدكم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة. وقال صلى الله عليه وآله: إذا عملت امتى خمسة عشر خصلة حل بهم البلاء قيل وما هن يا رسول الله ؟ قال: إذا اتخذوا الفئ دولا والامانة مغنما والزكاة مغرما واطاع الرجل زوجته وعق امه وبر صديقه وجفى أباه وشرب الخمر ولبس الحرير والديباج واتخذوا المعازف والقينات واكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم ارذلهم ولعن آخر هذه الامة اولها، وارتفعت الاصوات في المساجد فليتوقعوا خلالا ثلاثة: ريحا حمراء وخسفا ومسخا.


[ 485 ]

وقال صلى الله عليه وآله: يأتي على الناس زمان يخير الرجل بين العجز والفخور فمن ادرك ذلك الزمان فليخير العجز على الفخور. وقال صلى الله عليه وآله: يأتي الناس زمان يقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص فيا ليت العلماء تحامقوا في ذلك الزمان. وقال صلى الله عليه وآله: ان من اشراط الساعة ان يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشوا الزنا وتقل الرجال، وتكثر النساء حتى ان الخمسين امرأة فيهن واحد من الرجال. (وروى) أبو سعيد الخدرى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدى يكون في امتى ان قصر عمره فسبع وإلا فثمان أو تسع تنعم امتى في زمانه نعيما لم ينعموا مثله قط البر منهم والفاجر يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تحبس الارض شيئا من نباتها والمال كدوس يأتيه الرجل فيسأله فيجثى له، والصحيح في مقدار مدة ولاية القائم ” عليه السلام ” ما ذكرناه في باب امامته عليه السلام. وقال صلى الله عليه وآله: إذا فشى فيكم خمس حل بكم خمس: إذا فشى فيكم الزنا كانت الزلزلة وإذا فشى فيكم الربى كان الخسف، وإذا منعت الزكاة هلكت البهائم وإذا جار السلطان قحط المطر، وإذا حقرت الذمة كانت الدولة للمشركين على المسلمين قال الشاعر: يعيب الناس كلهم زمانا * ولا لزماننا عيب سوانا نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان به هجانا لبسنا للخداع مسوح ضان * فويل للغريب إذا اتانا وليس الذئب يأكل لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا عيانا وقال آخر: ارى حللا تصان على رجال * واعراضا تهان ولا تصان يقولون الزمان به فسادا * وهم فسدوا وما فسد الزمان وأنشد: ألا قل لمن ذم صرف الزمان * ظلمت الزمان فذم البشر فما كدرت صفوات الزمان * فتلحى ولكن فينا كدر


[ 486 ]

مجلس في ذكر الموت والروح قال الله تعالى في سورة آل عمران: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا). وقال فيها: (كل نفس ذائقة الموت). قال الله تعالى في سورة الانعام: (ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده). وقال تعالى في سورة الاعراف: (لكل امة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). وقال تعالى في سورة النحل: (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). وقال تعالى في سورة المؤمنون: (ما استبق من أمة أجلها وما يستأخرون). وقال تعالى في سورة القصص: (كل شئ هالك إلا وجهه). وقال تعالى في سورة فاطر: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ان ذلك على الله يسير). وقال تعالى في سورة التنزبل: (انك ميت وانهم ميتون). وقال في سورة نوح: (يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى ان اجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شيئان يكرهما ابن آدم: يكره الموت فالموت راحة للمؤمن من الفتنة، ويكرة قلة المال وقلة المال اقل للحساب. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان الله عزو جل يقول انى تطولت على عبادي بثلاث القيت عليهم الريح بعد الروح لولا ذلك ما دفن حميم حميما، والقيت عليهم السلوة بعد المصيبة لولا ذلك لم يتهنأ أحد معيشته، وخلق هذه الدابة وسلطها على الحنطة والشعير لولا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة. قال سلمان رضى الله عنه: عجبت لست: ثلاث اضحكتني وثلاث ابكتنى فأما الذى


[ 487 ]

ابكتنى ففراق الاحبة محمد وحزبه وهو المطلع والوقوف بين يدى الله عزوجل وأما التى اضحكتني فطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملا فيه لا يدرى ارضى الله ام سخط. قال الصادق ” عليه السلام “: إذا مات المؤمن فحضر جنازته اربعون رجلا من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وانت اعلم به منا، قال الله تبارك وتعالى انى قد اخذت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون. قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فدخلت وعنده صلصال بن الدلهمس فقلت: يا نبى الله عظنا موعظة ننتفع بها فانا قوم نعيش في البرية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا قيس ان مع العز ذلا وان مع الحياة موتا وان مع الدنيا آخرة وان لكل شئ حسيبا وهو على كل شئ رقيب وان لكل اجل كتابا وانه لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حى، وتدفن معه وانت ميت فان كان كريما اكرمك وان كان لئيما اسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه ولا تجعله إلا صالحا فإنه ان صلح آنست به، وان فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك فقال يا نبى الله احب ان يكون هذا الكلام في ابيات من الشعر نفخر به على من يلينا من العرب وندخره فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) من يأتيه بحسان قال: فاقبلت افكر فيما اشبه هذه العظة من الشعر فاستتب لي القول فيه قبل مجئ حسان فقلت: يا رسول الله قد حضرتني ابيات احسبها توافق ما تريد فقلت لقيس: تخير خليطا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل ولا بد بعد الموت من ان تعده * ليوم ينادى المرئ فيه فيقبل فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذى ترضى به الله تشغل فلن يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذى كان يعمل ألا إنما الانسان ضيف لاهله * يقيم قليلا بينهم ثم يرحل قال النبي (صلى الله عليه وآله): اكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت، واغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب ويرجو الثواب. قال الصادق ” عليه السلام “: ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث خصال: صدقة اجراها في حياته فهى تجرى بعد موته، وسنة هدى سنها فيمن يعمل بها بعد موته


[ 488 ]

وولد صالح يستغفر له. وقال الصادق ” عليه السلام “: خطب أمير المؤمنين ” عليه السلام ” بالبصرة فقال بعد ما حمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وآله الدنيا وان طالت قصيرة والماضي للمقيم عبرة والميت للحى عظة وليس لامس ان مضى عودة ولا المرئ من غد على ثقة الاول للاوسط رائد والاوسط لآخره قائد وكل لكل مفارق، وكل بكل لاحق، والموت لكل غالب واليوم الهائل لكل آزف وهو الذى لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ثم قال عليه السلام: معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه إنا وجدنا الصبر على طاعة الله اهون من الصبر على عذاب الله عزوجل واعلموا انكم في اجل محدود وامل ممدود ونفس معدود ولابد لاجل ان يتناهى والامل ان يطوى والنفس ان تحصى ثم دمعت عيناه وقرأ (وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون). قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه ويبنى بناء ليسكنه وإنما هو موضع قبره وقيل له: ما الاستعداد للموت قال ” عليه السلام “: اداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثم لا يبالى اوقع على الموت أو وقع عليه الموت. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: لما اراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم ” عليه السلام ” اهبط الله ملك الموت فقال: السلام عليك يا ابراهيم قال: وعليك السلام يا ملك الموت اداعي ام ناعى ؟ قال: بل داعى يا ابراهيم فاجب، قال ابراهيم فهل رأيت خليلا يميت خليله قال: فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدى الله جل جلاله، فقال: إلهى قد سمعت ما قال خليلك ابراهيم قال الله جل جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه ان الحبيب يحب لقاء حبيبه. قال الصادق ” عليه السلام “: من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله عزوجل به سبعين الف ملك من المشيعين يشيعونه ويستغفرن له حتى إذا خرج من قبره. (وروى) انه جاء جبرئيل ” عليه السلام ” إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد عش ما شئت فانك ميت واحبب من شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فانك مجزى به، واعلم ان شرف الرجل قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس. قيل للصادق ” عليه السلام “: اوصنا فقال عليه السلام: عليك اعد جهازك وقدم زادك لطول


[ 489 ]

سفرك وكن وصى نفسك، ولا تأمن غيرك ان يبعث اليك بما يصلحك. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام ” في خطبة طويلة: أيها الناس من مشى على وجه الارض فانه يصير إلى بطنها والليل والنهار مسرعان في هدم الاعمار ولكل ذى رمق قوت ولكل حبة آكل وانت قوت الموت، وان من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد لن ينجو من الموت غنى بماله ولا فقير لاقلاله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا اعد الرجل كفنه كان مأجورا كلما نظر إليه. رأى الصادق ” عليه السلام “: رجلا قد اشتد جزعه على ولده فقال: يا هذا اجزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى ؟ لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد عليك جزعك فمصابك بترك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك. قال أبو عبد الله ” عليه السلام “: ان قوما اتوا نبيا لهم فقالوا: ادع لنا ربك يدفع عنا الموت فدعا لهم فرفع الله عنهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل وكان الرجل يصبح فيحتاج ان يطعم اباه وامه وجده وجدته ويوصيهم ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش فاتوا فقالوا سل ربك ان يردنا إلى آجالنا التى كنا عليها فسأل ربه عزوجل فردهم إلى آجالهم. قال الباقر ” عليه السلام “: إيما مؤمن غسل مؤمنا فقال: إذا قلبه اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد اخرجت روحه منه، وفرقت بينهما فعفوك عفوك غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر. قال الصادق ” عليه السلام “: من غسل مؤمنا ميتا فأدى فيه الامانة غفر له قيل وكيف يؤدى فيه الامانة ؟ قال: لا يخبر بما يرى. (وروى) انه سئل الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له: كيف اصبحت يا بن رسول الله قال: اصبحت ولى رب فوقى، والنار امامى والموت يطلبني والحساب محدق بى وانا مرتهن بعملي لا اجد ما احب ولا ادفع ما اكره والامور بيد غيرى فان شاء عذبني وان شاء عفا عنى فأى فقير افقر منى. (وروى) انه مر الصادق ” عليه السلام ” بقوم وقد مات لهم ميت فوقف عليهم وعزاهم ثم قال لهم: يا هؤلاء ان الموت ليس بكم بدأ ولا اليكم انتهى فهل كان ميتكم يسافر ؟ قالوا نعم قال فعدوا هذا من بعض اسفاره فان قدم عليكم وإلا فانتم قادمون.


[ 490 ]

(وروى) انه جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: اتيتك لتعلمني غرائب العلم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما صنعت في رأس العلم ؟ قال: وما رأس العلم ؟ قال: هل عرفت الرب تبارك وتعالى قال: نعم قال: وما صنعت في حقه ؟ قال: ما شاء الله عزوجل قال فاذهب فاحكم ما هناك ثم تعال نعلمك غرائب العلم. قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: في خطبة فان الغاية امامكم، وان ورائكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر باولكم آخركم، وقال أيضا في خطبة فما ينجو من الموت من يخافه ولا يعطى البقاء من احبه، ومن جرى في عنان امله عثره اجله إذا كنت في ادبار والموت في اقبال فما اسرع الملتقى ؟ الحذر الحذر فو الله لقد ستر حتى كأنه غفر وتبع أمير المؤمنين ” عليه السلام “: جنازة فسمع رجلا يضحك فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذى نرى من الاموات سفر عما قليل الينا راجعون نبوئهم اجداثهم، ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظ وواعظة ورمينا بكل حاجة وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى الموت، ومن اكثر ذكر الموت رضى من الدنيا باليسير. قال الصادق ” عليه السلام “: مكتوب في التوراة نحنا لكم فلا تبكوا وشوقناكم فلا تشاقوا اعلم القتالين ان لله سيفا لا ينام وهو جهنم ابناء الاربعين اوفوا للحساب ابناء الخمسين زرع قد دنى حصاده ابناء الستين ماذا قدمتم وماذا اخرتم ابناء السبعين عدو انفسكم في الموتى ابناء الثمانين يكتب لكم الحسنات ولا يكتب عليكم السيئات ابناء التسعين انتم اسراء الله في ارضه ثم يقول: ما يقول في رجل كريم اسر رجلا ماذا يصنع به قلت يطعمه ويسقيه ويفعل به فقال: فما ترى الله صانعا باسيره. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما خلق الله آدم اشتكت الارض إلى ربها لما اخذ منها فوعد ان يرد فيها ما اخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التى خلق منها. (وروى) ان سعد بن أبى وقاص دخل على سلمان الفارسى يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض وترد الحوض عليه فقال سلمان: اما انا لا ابكى جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد الينا فقال: لتكن بلغة أحدكم كزاد الراكب وحولي هذه الاساود وإنما حوله اجانة وجفنة ومطهرة.


[ 491 ]

قال أمير المؤمنين ” عليه السلام “: عند دفن فاطمة عليها السلام وعلى رسول الله: لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذى دون الممات قليل وان افتقادي واحد بعد واحد * دليل على ان لا يدوم خليل ستعرض عن ذكرى وتنسى مودتي * وتحدث بعدى للخليل خليل وقيل للصادق عليه السلام: اعمل على مهل فانك ميت * واختر لنفسك أيها الانسان فكان ما قد كان لم يك إذ مضى * وكان ما هو كائن قد كان * * * * أيا من له في باطن الارض منزل * أتأنس بالدنيا وانت غريب وما الدهر إلا مثل يوم وليلة * وما الموت إلا نازل وقريب وانك والايام غلب كما ترى * رزية مال أو فراق حبيبي وأنشد: تفكر كيف أفنى الموت قوما * ثمود وقوم فرعون وعادا وسل دار البلى كم قد ابادت * ملوكا طال ما ركبوا الجيادا وسل بيت الفنا كم من ملوك * عظيم شأنهم كانوا رمادا وقال آخر: عشت دهرا في نعيم * وسرورا واغتباطي ثم صار القبر بيتى * وثرى الارض بساطى (فصل في الروح) قال الله تعالى في سورة البقرة: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل أحياء ولكن لا تشعرون). وقال تعالى في سورة آل عمران: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). اعلم ان الروح جسم رقيق هوائي يتردد في مخاريق مجارى البدن وإنما اخبر الله عن ارواحهم لان اجسادهم في التراب قد بليت وإنما يصل النعيم والعذاب إلى ارواحهم وهى


[ 492 ]

الحية وهى الانسان والجثة كالجنة واللباس لصيانة الارواح هذا على مذهب من قال ان الانسان بكماله. قال الله تعالى في سورة المؤمن: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) فدل على ان ارواحهم حية. قيل لابي عبد الله ” عليه السلام “: يرى الرؤيا فتكون كما رآها وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا قال: ان المؤمن إذا نام خرجت من نوره حركة ممدودة صاعدة إلى السماء فكلما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق وكلما رآه في الارض فهو اضغاث احلام. قيل له: ويصعد روح المؤمن إلى السماء ؟ قال: نعم قلت: لا يبقى منه شئ في بدنه فقال: لا لو خرجت كلها من الانسان حتى لا يبقى منه شئ إذا لماتت قلت: وكيف يخرج قال: أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوئها وشعاعها في الارض فكذلك الروح اصلها في البدن وحركتها ممدودة. قال الباقر ” عليه السلام “: ان العباد إذا ناموا خرجت ارواحهم إلى السماء فما رأت الروح في السماء فهو الحق، وما رأت في الهواء فهو اضغاث احلام ألا وان الارواح جند مجندة فما تعارف منها ايتلف، وما تناكر منها اختلف وإذا كانت الارواح في السماء تعارفت وتباغضت فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الارض، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الارض. قال أمير المؤمنين ” ع “: سألت رسول الله (ص) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربما كانت حقا وربما كانت باطلا. قال رسول الله (ص): يا على انه ما من عبد ينام الاعرج بروحه الى رب العالمين فما رأى عند رب العالمين فهو حق ثم إذا أمر العزيز الجبار برد روحه الى جسده فصارت الروح الى جسده فصارت الروح من السماء والارض فما رأت فهو اضغاث احلام قال الصادق ” ع “: ان لا بليس شيطانا كل ليلة يأتي الناس في المنام. قال أمير المؤمنين ” ع “: الروح ملك من الملائكة له سبعون الف وجه ولكل وجه منها سبعون الف لسان لكل منها سبعون الف لغة يسبح الله تبارك وتعالى بتلك


[ 493 ]

اللغات كلها يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة يوم القيامة. قال بعض الحكماء: ان الله تعالى خلق الارواح من خمسة أشياء من جوهر النور والدليل عليه ان الروح ما دام في الجسد يكون الجسد نورانيا تبصر العينان وتسمع الاذان ويتكلم اللسان ويعقل القلب ويأتى منه الافعال الظاهرة والباطنة منه فإذا زال عنه الروح بطلان، الافعال منه ومن جوهر الطيب والدليل ان الجسد يكون طيبا ما دام فيه الروح فإذا خرجت منه الروح نتن الجسد أشد النتن ومن جوهر البقاء والدليل على ان الجسد يكون باقيا ما دام فيه الروح فإذا زايله الروح صار فانيا ومن جوهر الحياة والدليل عليه ان الجسد يكون حيا مادام فيه الروح فإذا خرجت منه صار ميتا ومن جوهر العلم والدليل عليه ان الجسد يكون عالما ما دام فيه الروح فإذا خرج منه صار لم يعلم. قال الشاعر: كدر الموت حياتي لم يقل لى عثرات * ورماني الموت فودا في قفار موحشات أيها الحافر كنزا أنا رهن بفلات * انارهن بذنوب وخطايا موبقات مجلس في ذكر القبر قال ابن عباس: قرأ رسول الله (ص) (الهيكم التكاثر) ثم قال: تكاثر الاموال جمعها من غير حقها ومنعها من حقها وسدها في الاوعية (حتى زرتم المقابر) حتى دخلتم قبوركم (كلا سوف تعلمون) لو قد خرجتم من قبوركم الى محشركم (كلا لو تعلمون علم اليقين) قال وذلك حين يؤتى بالصراط فينصب بين جسري جهنم (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال عن خمس: عن شبع البطون وبارد الشراب، ولذة النوم فظلال المساكن واعتدال الخلق. (وروي) في اخبار ان النعيم ولاية على بن أبي طالب عليه السلام. وقال الصادق ” ع “: اشرف أمير المؤمنين ” ع “: على المقابر فقال: يا أهل التربة ويا أهل الغربة أما الدور فقد سكنت واما الازواج فقد نكحت، واما الاموال فقد قسمت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت الى اصحابه فقال: لو اذن لهم


[ 494 ]

في الكلام لاخبروا ان خير الزاد التقوى. قال الصادق ” ع “: من شيع جنازة ميت مؤمن حتى تدفن في قبره وكل الله به عزوجل سبعين الف ملك من المشيعين يشعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره. وقال الباقر ” ع “: من شيع جنازة امرئ مسلم اعطى يوم القيامة اربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا قال: الملك ولك مثل ذلك. قال أبو بصير: قال لي الصادق ” ع “: أما تحزن ؟ أما هم ؟ أما تألم ؟ قلت بلى والله قال فإذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك وسيلان عينيك على خديك وتقطع أو صالك واكل الدود من لحمك وبلاك وانقطاعك عن الدنيا فان ذلك يحثك على العمل ويرعك عن كثير من الحرص على الدنيا، ولما مات الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم السلام على قبره فسطاطا وكانت تقوم الليل وتصوم النهار كانت تشبه بالحور العين لجمالها فلما كان رأس السنة قالت لهمواليها إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط، فلما اظلم الليل سمعت قائلا يقول: هل وجدوا ما فقدوا ؟ فاجابه آخر بل يئسوا فانقلبوا. (وروى) ان النبي (ص) كان في جنازة فانتهى الى القبر فبكى حتى بل الثوب دموعه ثم قال: اخواني لمثل هذا اليوم فاستعدوا. وقال النبي (ص): ان القبر اول منازل الاخرة فان نجى منه فما بعده ايسر وان لم ينج منه فما بعده اشد منه، وقيل: توفيت النور امرأة الفرزدق: ما اعددت لهذا اليوم يا أبا فراس ؟ قال شهادة ان لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فلما دفنت قام على قبرها فقال: أخاف وراء القبر ان لم يعافني * أشد من القبر التهابأ واضيقا إذا جاء في يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا فقد خاب من أولاد آدم من مشى * الى النار مغلول القلادة أزرقا وأنشد: وإذا وليت امور قوم مرة * فاعلم بانك عنهم مسئول وإذا حملت الى القبور جنازة * فاعلم بانك بعدها محمول يا صاحب القبر المنقش سطحه * ولعله من تحته مغلول


[ 495 ]

مجلس في ذكر القيامة والصراط ونصب الموازين قال الله تعالى في سورة البقرة (واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله). وقال الله: (واتقوا يوما لا يجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) وقوله: (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة وقوله في سورة آل عمران: (يوم تبيبض وجوه وتسود وجوه). وقال في هذه السورة في قصة المسيح: (ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) وقال فيها: (ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملا الارض ذهبا ولو افتدي به). وقال تعالى في سورة النساء في عظيم ندامتهم: (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول له تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا). وقال تعالى في سورة المائدة: (ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولههم عذاب اليم). وقال تعالى في سورة الانعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآياتنا ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون). وقال تعالى فيها: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارههم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو والدار الاخرة خير الذين يتقون أفلا تعقلون). وقال الله تعالى فيها: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا). وقال تعالى في سورة الانفال: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه


[ 496 ]

على بعض فيركمه جميعا في جهنم). وقال تعالى في سورة يونس: (ويوم يحشرهم كان لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم). وقال تعالى في سورة هود: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود). وقال في سورة النحل (وما أمر الساعة إلا كلح البصر أو هو أقرب). وقال تعالى في سورة بنى اسرائيل: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسببا). وقال تعالى في سورة الكهف: (ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ان لن نجعل لكم موعدا). قال: (ووضع الكتاب وترى المجرمين مشفقين بما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا). وقال تعالى في سورة الانبياء: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين). وقال تعالى في سورة الحج: (يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد). وفى سورة المؤمنين: (فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون). وقال بعده: (فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون). قال تعالى في سورة النور: (يوم تشهد عليهم السنتهم وأيديهم وارجلهم بما كانوا يعملون). وفى سورة لقمان: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والدعن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق). قال تعالى في سورة السجدة: (ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إبا موقنون).


[ 497 ]

وقال تعالى في سورة الزخرف (هل ينظرون إلا الساعة ان تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون). وفى سورة الدخان: (يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا، ولا هم ينصرون إلا من رحم الله). وقال في سورة ” ق “: (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد، وجائت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). وقال تعالى: (إذا وقعت الواقعة). وقال تعالى في سورة الممتحنة: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم). وفى سورة التغابن: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن). وقال تعالى في سورة سأل سائل: (ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته واخيه وفصيلته التى نؤويه ومن في الارض جميعا ثم ينجيه). وفى سورة عم: (ان يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا وفتحت السماء فكانت ابوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا ان جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا). وقال تعالى في سورة والنازعات: (فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان وما سعى وبرزت الحجيم لمن يرى فأما من طغى وآثرا الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي الماوى). وفى سورة عبس: (فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرئ من اخيه واما وابيه وصاحبته وبنيه لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه). قال الصادق عليه السلام: القيامة عرس للتقين. قال الرضا ” ع “: ان أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد ويوم يخرج من بطن امه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الاخرة واهلها ويوم يبعث فيرى احكاما لم يراها في دار الدنيا، وقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته، فقال: والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.


[ 498 ]

وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن، فقال عليه السلام والسلام على يوم ولدت ويوم أومت ويوم ابعث حيا. قال الصادق عليه السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه ظاهرة مما يلى الناس لا يرى إلا مساوى فيطول ذلك عليه فيقول: يا رب اتأمرى الى النار فيقول الجبار جل جلالة: انى استحيى ان اعذبك وقد كنت تصلى لى في ار الدنيا اذهبوا بعبعدى الى الجنة. قال رسول اله (ص): لا يزول قد ما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن اربعة: عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه: وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. قال الصادق ” ع ” إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الارض أربعين صباحا فاجتمعت الاوصاك ونبتت اللحوم. قال أمير المؤمنين ” ع ” لا تنشق الارض عن احد يوم القيامة إلا وملكان آخذان بضبعه يقولان أجب رب العزة، ان أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله فورثه رجلا فانفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة ودخل الاول به النار. فصل قال الله تعالى في سورة البلد: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة) اما الصراط فقال قوم: انه طريق الى الجنة والنار وانه يتسع لاهل الجنة ويتسهل لهم سلوكه ويضيق على أهل النار ويشق عليهم سلوكه، وقال آخرون: المراد به الحجج والادلة المفرقة بين أهل الجنة والنار المميزة بينهم. قال الباقر ” ع ” في خبر طيل: ثم يوضع صراط ادق من حد السيف عليه ثلاث قناطر أما واحدة فعليها الامانة والرحم، واما الاخرى فعليها الصلاة، واما الاخرى فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره فيكلفون الممر عليه فيحبسهم الرحم والامانة فان نجوا منها حبسهم الصلاة فان نجوا منها كان المتنهى الى رب العالمين عزوجل. وهو قوله تبارك وتعالى: (ان ربك لما لمرصاد) والناس على الصراط فمتعلق فقدم ترك وقد تستمسك والملائكة حولهم ينادون: يا حليم اغفر واصفح وعد بفضلك


[ 499 ]

وسلم سلم، والناس يتهافتون فيها كالفراش فإذا نجى ناج برحمته الله عزوجل نظر إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد أياس بفضله ان ربنا لغفور شكور. قال الصادقف ” ع “: الناس يمرون على الصراط طبقات والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل الرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا، ومنهم من يمر متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا وتتترك منه شيئا. فصل قال الله تعالى في سورة الاعراف: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه). وقال تعالى في سورة سبحان: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا إقرأ كتابك كفى بفنسك اليوم عليك حسيبا). وقال تعالى في سورة الكهف: (وعرضوا على ربك صفا). وقال تعالى في سورة الانبياء: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسا شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين). أما الميزان فقال قوم: انه عبارة عن العدك والتسوية والقسمة الصحيحة كما يقولون كلام فلان موزون وافعاله موزونة وهو وجه يليق بفصاحة الكلام وهو أولى. وقال قوم: المراد بالميزان ذو الكفتين، وان اعمال العباد وان لم يصح وزنها فالصحف التى يكتب فيها الاعمال يصح وزنها، وقيل: انه يجعل النور في احدى الكفتين والظلمة في الاخرى ويكون لنا في الاخبار عن ذلك مصلحة في التكليف فصل قال الله تعالى في سورة الاعراف: (فلنسألن الذين ارسل عليهم ولنسأ لن المرسلين). وقال تعالى في سورة النور: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، وقال تعالى في سورة يس: (اليوم تختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).


[ 500 ]

وأما المسألة والمحاسبة في الموقف، وان كان الله عالما بأحوالهم لانه عالم لنفسه لا يمتنع ان يكون فيه غرض لانه بالمحاسبة والمسألة وشهادة الجوارح يظهر الفرق بين أهل الجنة والنار ويتميز بعضهم من بعض فيسر بذلك أهل الجنة ويكسر بذلك نفعهم ويكون لنا في العلم به مصلحة في دار التكليف والاجماع حاصل على المحاسبة والقرآن يشهد به كقوله (وكفى بنا حاسبين) وكذلك شهادة الجوارح ونشر الصحف مجمع عليه والقرآن شاهد به لكن المسألة وان كانت عامة فهى على المؤمنين سهلة وعلى الكافرين صبعبة لما فيها من التبكيت والمناقشة. وأما كيفية شهادة الجوارح، فقال قوم بينها الله بينة حتى تشهد وقيل ان الله تعالى يفعل فيها الشهادة واضافتها الى الجوارح مجازا وكلا الامرين مجاز، وقيل ان الشاهد هو العاصى نفسه يشهد على نفسه بما فعله ويقلبه ويكون ذلك حقيقة، وقيل انها تظهر فيها امارة تدل على الفرق بين المطيع والعاصي، وكل ذلك جائز والله أعلم بالصواب. قال الشاعر: إلهى لست أدرى ما جوابي * إذا ما قلت لى عبدي لماذا أتيت محارمي وعصيت أمرى * وفيم فعلت هذا ثم هذا وقال آخر: إلهى ليت شعرى كيف حالى * لدى الميزان أو عند الصراط وحولي من خصومى كل شاك * إليك صنوف ظلمي واشتطاطي مجلس في ذكر الشفاعة والحوض قال الله تعالى في سورة سبحان: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: المقام الذي اشفع فيه لامتي. قال الرضا ” ع ” قال رسول الله (ص): من لم يؤمن بحوضى فلا اورده الله حوضى ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا اناله الله شفاعتي، ثم قال عليه السلام ؟ إنما شفاعتي لاهل الكبائر من أمتى، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.


[ 501 ]

قيل للرضا ” ع ” يابن رسول الله فما معنى قول الله تعلاى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه. قال رسول الله (ص): شفاعتي لاهل الكبائر من أمتى ما خلا الشرك والظلم. وقال الصادق ” ع ” من انكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمسألة في القبر والشفاعة. قال ابن عباس: لما نزلت (إنا اعطيناك الكوثر) صعد رسول الله (ص) المنبر فقرأها على الناس فلما نزل قالوا يا رسول الله ما هذا الذى قد أعطاك الله قال: نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن وأشد استقامة من القدح حافتاه قباب الدر والياقوت يرده طير خضر لها اعناق كالعناق البخت، قالوا يا رسول الله ما انعم هذا الطائر ؟ قال أفلا اخبركم يا نعم منه ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال من اكل الطير وشر بالماء فاز برضوان الله. قال رسول الله (ص) أ: خيرت بين ان يدخل شطرا من الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لانها اعم واكفى أترونها للمؤمنين المتقين لا ولكنها للمؤمنين المتلوثين الخطائين. ولا خلاف بين المسلمين ان الشفاعة ثابتة إلا ان اصحاب الوعيد قالوا مقتضاها زيادة المنافع والدرجات وقلنا مقتضاها اسقاط المضار والدليل على بطلان قول من قال مقتضاها زيادة المنافع انه لو كان كذلك لوجب إذا سألنا الله تعالى ان يزيد في كرامات رسول الله (ص) ورفع درجاته ان تكون شافعين له وادح من المسلمين لا يقول ذلك لا لفظا ولا معنى فلم يبق إلا ان الشفاعة في اسقاط المضار دون زيادة المنافع. مجلس في ذكر الرجاء وسعة رحمة الله تعالى قال الله تعالى في سورة الاعراف: (ورحمتي وسعت كل شئ). وقال تعالى في سورة الاحزاب (وكان بالمؤمنين رحيما). وقال تعالى في سورة التنزيل: (قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).


[ 502 ]

وقال تعالى في سورة حم عسق: (آلله لطيف بعبادة). قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة تجلى الله لعبده المؤمن فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر الله له لا يطلع على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ويستر عليه ما يكره ان يقف عليه أحد ثم يقول لسيئانه كونى حسنات. قال أمير المؤمنين عليه السلام: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى بن عمران ” ع ” خرج يقتبس لاهله نارا فكلمه الله عزوجل فرجع نبيا وخرجت ملكه سبا فاسلمت مع سليمان ” ع “: إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته تعالى وتقدس. قال رسول الله (ص): رأيت في المنام رجلا من امتى قائما على شفير جهنم فجاء. رجاه من الله عزوجل استنقذه من ذلك. قال أبو الحسن موسى ” ع “: لله عزوجل يوم الجمعة الف نفحة من رحمته يعطى كل عبد منها ما شاء فمن قرأ إنا انزلنا بعد العصر يوم الجمعة مائة مرة وهب الله عزولج له تلك الالف ومثلها. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تأمنن على خير هذه الامة عذاب الله لقول الله سبحانه وتعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ولا تيأس لشر هذه الامة من روح الله لقول الله سبحانه وتعالى انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وقال صلى الله عليه وآله: آن اللخلق يوم خلق السماوات والارض مائة رحمة فجعل في الارض منها رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والبهائم بعضها على بعض والطير كذلك واخر تسعة وتسعين الى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة اكملها بهذه الرحمة مائة. قال رسول الله (ص): من اصاب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله اعدل من ان يثنى عقوبة على عبده، ومن اذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفى، فالله اكرم من ان يعود في شئ إذا عفى عنه. وقال صلى الله عليه وآله: مامن حافظين يرفعان الى الله تعالى ما حفظا في اول الصحية خيرا وفى آخرها خيرا إلا قال لملائكة اشهدوا انى غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة.


[ 503 ]

وقال صلى الله عليه وآله: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله فان حسن الظن بالله ثمن الجنة. وقال صلى الله عليه واله: آن الله تعالى كتب كتابا بيده لنفسه قبل ان يخلق السماوات والارضين ووضعه تحت العرش فيه رحمتى سبقت غضبى. وقال صلى الله عليه وآله: والذى نفسي بيده ان الله تعلاى ارحم بعبده من الوالدة المشفقة بولدها. وقال صلى الله عليه وآهل: لعن الل المبترين ثلاثا قيل: يا رسول الله من هم ؟ قال الذين يقنطون الناس من رحمة الله قال الله تعالى لموسى ” ع “: استغاث بك قارون فلم تغثه فو عزتي لو استغاث بى لاغثته وعفوت عنه. روى ان رسول (ص) دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك ؟ قال ارجو الله واخاف فقال رسول الله (ص): لا يجتمعان في قلب عبد إلا اعطاه الله ما يرجوه وآمنه مما يخاف. وقيل كان في بنى اسرائيل ملك فوصف له رجل من العباد فدعاه وراوده على صحبته ولزوم بابه فقال له العابد أيه الملك احسن ما تقول ولكن ما تقول لو دخلت يوما بيتك فوجدتني العب يجاريتك قال فغضب الملك وقال يا فاجر تجترى على النفوه بمثل هذا قال له العابد ان لى ربا كريما لو رأى منى في اليوم سبعين ذنبا ما غضب على ولا انتهرني عن بابه ولا حرمني رزقه فكيف افارق بابه والزام باب من يغضب على قبل ان اعصيه فكيف ولو قد رأيتنى على المعصية. انشد: ذنوبي كثير لا اطيق احتمالها * وعفوك عن ذنبي اجل واكبر وقد وسعتني رحمة منك هاهنا * وانى بها يوم القيامة افقر مجلس في ذكر الجنة وكيفيتها قال الله تعالى في سورة البقرة: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم


[ 504 ]

جنات تجرى من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قيل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون). وقال تعالى في سورة آل عمران: (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين). قال رسول الله (ص): ان الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت وملاطها المسك الاذفر وشرفها الياقوت الاحمر والاخضر والاصفر وابوابها مختلفة باب الرحمة من ياقوته حمراء. واما الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقتوته حمراء لا حلق له. واما باب الشكر فانه من ياقوتة بيضاء لها مصراعات مسيرة ما بينهما خمس مائة عام له ضجيج وحنين يقول: اللهم جئني باهلي ينطقه ذو الجلال والاكرام. وأبا باب البلا من ياقوتة صفراء له مصراع واحد ما اقل من يدخل منه. فأما الباب الاعظم فيدخل منه العباد الصالحون وهم أهل الزهد والورع والراغبون الى الله تعالى وتقدس المستأفسون به فإذا دخلوا الجنة يسيرون على نهرين في مصاحف في سفين الياقوت مجاديفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور عليهم ثياب شديدة خضرتها يسيرون على حافتى ذلك النهر واسم ذلك النهر جنة المأوى وجنة عدن وهى وسط الجنان وسورها ياقوت احمر وحصاؤها اللؤلؤ. قال أمير المؤمنين ” ع “: طوبى شجرة في الجنة اصلها في دار رسول الله (ص) فليس مؤمن إلا وفى داره غصن من اغصانها لا ينوى في قلبه شيئا إلا اتاه ذلك الغصن به ولو ان راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ولو ان غرابا طار من اصلها ما بلغ اعلاها حتى يبيض هرما. (وروى ة ان رجلا سأل ابن عباس فقال: ما الذي اخفاه الله تبارك وتعالى من الجنة وقد اخبر عن خدمها وازواجها وطيبها وشرابها وثمرها وما ذكر الله تبارك وتعالى من امرها وانزله في كتابه. فقال ابن عباس: هي جنة عدن خلقها يوم الجمعة ثم اطيق فلم يراها مخلوق من أهل السموات والارضين حتى يدخلها اهلها قال لها عزوجل ثلاث مرات تكلمي فقال طوبى للمؤمنين قال جل جلاله: طوبى للمؤمنين وطوبى لك قال فقال: رسول الله (ص)


[ 505 ]

ألا من كان فيه ست خصال فانه منهم من صدق حديثه وانجز موعوده وأدى أمانته وبر والديه ووصل رحمه واستغفر من ذنبه فهو مؤمن. قال أمير المؤمنين ان في الجنة لشجرة تخرج من اعلاها الحلل ومن اسفلها خيل بلق مسرجة ملجمة ذوات اجنحة لا تروث ولا تبول فيركبها أولياء الله فيطير بهم في الجنة حيث شاؤا فيقول الذين اسفل منهم يا ربنا ما بلغ بعبادك هذه الكرامة فيقلو الله جل جلاله انهم كانوا يقومون الليل ولا يناءون ويصومون النهار ولا يأكلون ويجاهدون العدو ولا يحبنون ويتصدق ولا يبخلون. سئل انس بن مالك فقيل له يا ابا حمزة الجنة في الارض ام في السماء قال واية ارض تسع الجنة وأى سماء تسع الجنة قيل فأين هي ؟ قال فوق السماء السابعة تحت العرش قال رسول الله (ص) ادخلت الجنة فرأيت في عارض الجنة مكتوبا ثلاثة اسطر بالذهب فالسطر الاول لا إله إلا الله محمد رسول الله والسطر الثاني ما قدمنا وجدنا وما اكلنا ربحنا وما خلفنا خسرنا، والسطر الثالث امة مذنبة ورب غفور وقال صلى الله عليه وآله: ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب. وقال صلى الله عليه وآله: ان أهل لا يغوطون ولا يبولون طعامهم جشا ورشح كالمسك يلهمون اخذ والتسبيه كما يلهمون النفس. وقال صلى الله عليه وآله: والذى انزل الكتاب على محمد ان أهل الجنة ليزدادون جمالا وحسنا كما يدادون في الدنيا قباحة وهرما. وقال صلى الله عليه واله: ان ادنى أهل الجنة منزلا من له ثمانون الف خادم واثنان وتسعون درجة وينتصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت وكما بين الجانبة الى صنعا. وقال رسول الله (ص): سطح نور في الجنة فرفعوا رؤسهم فإذا هو ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها. قال ابن عباس: ان دون الجنة سبع حوائط وثمان قناطر محيط بالجنان كلها اول حائط منها فضة والثاني ذهب وفضة، والثالث ذهب والرابع لؤلؤة والخامس در والسادس زبرجد والسابع نور يتلالا ما بين الحائطين مسيرة مائة عام قوامها من در وياقوت وزبرجد ما بين كل مصراعين مسيرة ولها ثمانية ابواب. قال الشاعر:


[ 506 ]

جنة الفردوس لا يصلح إلا الكرام * كن كريما وادخل الجنة عفوا بسلام وقال آخر: في الخلد جارية بالغنج ماشية * للزوج ساقية في وسط اشجار من مسكه عجنت بعنبر خلطت * لمن ترى خلقت للزاهد القار معشوقة حرة في خدها حمرة * كأنها درة في نقش دينار بالدل مقبلة الشعر مرسلة * الذيل مسبلة في وسط انهار قد زانها عبث في قربها طرب * في خلقها عجب شيبت بانوار تسقى الولى بها خمرا مشعشعة * خمر الفراديس لامن خمر خمار والطير في غرف الياقوت صادحة * كان اصواتها ألحان زمار فيالها طرب من شأنها عجب * من حيث شاء من الجنات طيار مجلس في ذكر جهنم وكيفيتها قال الله تعالى في سورة البقرة: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون): وقال تعالى في سورة النساء: (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلها فضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب). وقال تعالى فيها: (ان الذين يأكلون امواك اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسسصلون سعيرا). وقال تعالى في سورة التوبة: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لا نفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون). وقال تعالى في سورة مريم: (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا). قال أبو عبد الله ” ع “: بينما رسول الله (ص) ذات يوم قاعد إذ نزل جبرئيل ” ع “.


[ 507 ]

وهو كئيب حزين متغير اللون، فقال له رسول الله (ص): مالى اراك كئيبا حزينا ؟ قال يا محمد وكيف لا أكون كذلك وإنما وضعت منافيخ جهنم اليوم فقال رسول الله (ص): وما منافيخ جهنم يا جبرئيل ؟ قال ان الله تبارك وتعالى امر بالنار فاوقد عليها الف عام حتى احمرت ثم أمر بها فاوقد عليها الف عام حتى ابيضت ثم أمر فاوقد عليها الف عام حتى اسودت وهى سوداء مظلمة فلو ان حلقة من السلسلة التى طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها ولو ان قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهل الدنيا من نتنها قال: فبكى رسول الله (ص) وبكى جبرئيل ” ع ” فبعث الله اليهما ملكا فقال: ان ربكما يقرؤكما السلام ويقول لكما انى قد امنتكما من ان تذنبا ذنبا اعذبكما عليه. قال أمير المؤمنين ” ع “: ان في جهنم طواحن يطحن بها أفلا تسألونى ما طحنها فقيل له وما طحنها يا أمير المؤمنين قال العلماء الفجرة والقراء الفسقة والجبابرة الظلمة والوزراء الخونة والعرفاء الكذبة وان في النار لمدينة يقال لها الحصينة أفلا تسألونى ما فيها ؟ فقيل له وما فيه يا أمير المؤمنين ؟ قال فيها أيدى الناكثين. قال الكاظم ” ع “: في خبر طويل ان في النار واديا يقال له سقر لم تنفس منذ خلقه الله لو اذن الله عزوجل له في النفس بقدر مخيط لا حرق ما على وجه الارض وان أهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذرة وما اعد الله فيه لاهله وان في ذلك الوادي لجبل يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما اعده الله يهبه لاهله وان في ذلك الجبل لشعب يتعوذ جميع أهل الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما عد الله فيه لاهله وان في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ جميع أهل ذلك الشعب من حر ذلك القليب ونتنه وقذره وما اعده الله فيه لاهله وان في ذلك القليب لحية يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما اعده الله في انيابها من السم لاهلها وان في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة قال جعلت فداك من الخمسة ؟ ومن الاثنان ؟ قال اما الخمسة فقابيل الذى قتل هابيل ونمرود الذى حاج ابراهيم في ربه قال: انا احيى واميت وفرعون الذى قال انا ربكم الاعلى ويهود الذى هود اليهود وپولس الذى قصر النصاري ومن هذه الامة الاعرابيان.


[ 508 ]

قال أبو جعفر ” ع ” لما نزلت هذه الاية وجئ يومئذ بجهنم يومئذ، سئل عن ذلك رسول الله (ص) فقال اخبرني الروح الامين ان الله لا إله غيره إذا جمع الاولين والاخرين أتى بجهنم يقاد بالف زمان اخذ بكل زمان مائة الف ملك من الغلاظ الشداد إذلها هذه وتغيظ وزفير وانها لتزفر الزفرة فلو لا ان الله أخرهم الى الحساب لاهلكت الجميع ثم يخرج منها غسق محيط بالخلائق البر منهم والفاجر. قال الباقر ” ع “: ان أهل النار يتعاوون كما يتعاوى الكلاب والذائب مما يلقون اليم العذاب ما ظنك يا عمر وبقوم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها عطاشى فيها جياع كليلة ابصارهم صم بكم عمى مسودة وجوههم خاسئين فيها نادمين مغضوب عليهم فلا يرحمون ومن العذاب لا يخفف عنهم، وفى النار يسجرون ومن الحميم يشربون، ومن الزقوم يأكلون وبكلاليب النار يحطمون وبالمقامع يضربون والملائكة الغلاظ الشداد لا يرحمون فهم في النار يسحبون على وجوههم ومن الشياطين يقرنون وفى الانكال والاغلال يصفدون ان دعوا لم يستجب هلم، وان سألوا حاجة لم تقض لهم هذه حال من دخل النار. قال الباقر ” ع “: ان رسول الله (ص) أسرى به لم يمر بخلق من خلق الله إلا رأى ما يحب من البشر واللطف والسرور حتى مر بخلق من خلق الله فلم يلتفت إليه ولم يقل شيئا فوجدا قاطبا عابسا، فقال يا جبرئيل ما مررت بخلق من خلق الله إلا رأيت البشر واللطف والسرور منه إلا هذا فمن هذا ؟ قال: هذا مالك خازن النار وهكذا خلقه ربه قال: فانى أحب ان تطلب إليه ان يرينى النار، فقال له جبرئيل: ان هذا محمد رسول الله وقد سألني ان اطلب اليك ان تريه النار قال: فاخرج له عنقا منها فرآها فما افتر ضاحكا حتى قبضه الله عزوجل. قال رسول الله (ص): لو كان في هذا المسجد مائة الف أو يزيدون ثم تنفس رجل من أهل النار فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه. وقال: ان في النار لحيات مثل اعناق البخت يلسعن أحدهم فيجد حموتها اربعين خريفا وان فيها لعقارب كالبغال يلسعن أحدهم فيجد حموتها اربعين خريفا. قال ابن عباس لجهتم سبعة ابواب على كل باب سبعون الف جبل في كل جبل سبعون الف شعب في كل شعب سبعون الف وادى في كل واد سبعون الف شق في كل شق سبعون


[ 509 ]

الف بيت في كل بيت سبعون الف حية طول كل حية مسيرة ثلاثة أيام انيابها كالنخل الطوال تأتى ابن آدم فتأخذ باشفار عينيه وشفئيه فيكشف كل لحم على عظمه وهو ينظر فيهرب منها فيقع في نهر من اتهار جهنم يذهب به سبعين خريفا. قال الشاعر: إلهى كان في القيامة واقف * وقد فاض دمعى حين أقرء كتابيا يقول لى الجبار اقرأ فأنني * اثيبتك يا عبدى بما كنت ساعيا فيا سوأتي من موقفي وصحيفتي * تخبره تحصى على الدواهيا تعرفني ذنبا قديما عملته * وقد كنت عنها ساهى القلب لاهيا وقد وضع الميزان للفصل والقضا * كفى لعباد الله بالله قاضيا فهذا بوجه مسفر اللون ضاحك * وآخر مصروفا الى النار باكيا * * * * انقطع كلامنا إذا انتهينا الى هذا الموضع، وقد شرطنا في أول الكتاب ونبهنا على ان اخبارنا كثيرة، وآثار جمة يقتضى ظاهرها مذهب الحشو وخلاف الحق ينبغى ان يتأملها الناظر ويتفكر فيها ويحملها على وجه يكون موافقة للاصول ودلائل العقول فأنى لم اذكر شيئا في هذا الكتاب من الخبر، والاثر الذى يقتضى ظاهره مذهب الحسو حتى كنت عالما لمعناه قبل ايراده لكن لم اذكر معناه لئلا انقطع كلامنا إذا انتهينا الى هذا الموضع، وقد شرطنا في أول الكتاب ونبهنا على ان اخبارنا كثيرة، وآثار جمة يقتضى ظاهرها مذهب الحشو وخلاف الحق ينبغى ان يتأملها الناظر ويتفكر فيها ويحملها على وجه يكون موافقة للاصول ودلائل العقول فأنى لم اذكر شيئا في هذا الكتاب من الخبر، والاثر الذى يقتضى ظاهره مذهب الحسو حتى كنت عالما لمعناه قبل ايراده لكن لم اذكر معناه لئلا يطول به الكتاب فينبغي لا يعتقد أحد انى كنت حشوبا ومخلطا فأنى رجل محقق والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً