التوحيد

الشيخ الصدوق


[ 1 ]

التوحيد للشيخ الجليل الاقدم الصدوق ابي جعفر محمد على بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381 صححه وعلق عليه المحقق البارع السيد هاشم الحسيني الطهراني منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة


[ 2 ]

كلمتنا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله محيي قلوب العارفين بحياة التوحيد، ومخلص خواطر المحققين من مضائق الاوهام إلى فسح التجريد، والصلاة والسلام على رسوله المؤيد بالآيات والاملاك وغيرها من صنوف التأييد، وعلى آله المعصومين الذين بولائهم نجاة – الناجي وسعادة السعيد. أما بعد: فهذا السفر الكريم من أحسن ما ألف في المعارف العالية الآلهية، يتراءى لمن طالعة اصول علمية مبنية على اساس وثيق، من البراهين المأثورة العقلية المؤيدة بالآيات، والاخبار الارشادية المروية عن الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار، فيه أبحاث ضافية ترشد إلى مهيع الحق، وحجج بالغة تدل على منهج الصواب في الاصول الاعتقادية ومعرفة الله سبحانه ببيان متين، وقول سديد وطريق لاحب، ومسلك جدد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن مال عنه إلى غيره تحير في واد السدر، وبنى أمره على شفا جرف هار، أو تطلب في الماء جذوة نار. ومصنفه أبو جعفر الصدوق – رضوان الله عليه – محدث فقيه، عالم رباني بتمام معنى الكلمة، والذي يستفاد من أرائه ومعتقداته المبثوثة في تضاعيف كتبه، ويظهر من رحلاته إلى الارجاء، وتحمله المشاق فيها لاخذ العلم وترويج المذهب، ومناظراته مع المخالفين، ومرجعيته العامة أنه رجل زكي الوجدان، ثابت الجنان، قوي الارادة، عالي الهمة، نقي الذمة، ذكي الفؤاد، رفيع العماد، واضح الاخلاق، طاهر الاعراق، متكلم كثير الحفظ، صريح اللسان فصيحه، سديد الرأي حصيفه، عصامي النفس مع كونه معروف النسب سني الحسب، عارف بالدين أصولا وفروعا، عالم بما تحتاج إليه الامة، ساع إلى نشر العلم في ربوعها، غير متقاعس عما يفيدها ويعلي شأنها. وقد مثل الحق في هذا الكتاب عيانا، وبين غوامض العلم بيانا، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.


[ 3 ]

واني لما رأيت – بعد انتشار الطبعة الاولى – اقبال الفضلاء لاقتناء نسخه، واعجابهم بتصحيحه وتحقيقه وتعاليقه العلمية التي عني بها الشريف الحجة السيد هاشم الحسيني الطهراني – مد ظلة العالي – احد أماجد المحققين في عصرنا هذا، حداني ذلك إلى نشره مرة ثانية مشكولا باعجام كامل دقيق، حرصا على تنقيب – الكتاب وتخليده، وتسهيلا للقراء الناشئين الكرام، ووفاء لحق التأليف والمؤلف، وان كان كثير من أهل العلم يكرهون الاعجام والاعراب، ولا يسوغونه الا في الملتبس أو الذي يخشى ان يلتبس، وقالوا: (انما يشكل ما يشكل). ولكني رأيت الصواب في اعجامه لان الاعجام يمنع الاستعجام، والشكل يمنع الاشكال لاسيما في أسماء الناس لانها شئ لا يدخله القياس، ففعلت ذلك وبليت بحمل أعبائه حينما كان الليل دامسا، وبحر الظلام طامسا، قد ضربت الفتنة سرادقها، وقامت على سنابكها، خيل المصائب نازلة، وكوارث النوائب متواصلة، دهم الكفر ساحتنا، ورام استباحتنا، فكم من دماء لابنائنا سفكت، وأحاريم هتكت، يسمع من كل ناحية عويل وزفرة، ويرى في كل جانب غليل وعبرة، لا تراب منهم درجوا، وشبان في دمائهم ولجوا، وجرحى لا يرجى لهم الالتيام. وانما الشكوى ترفع إلى رب الانام، أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟ والحديث ذو شجون، ولعل القائل غير مصون، والعدو غشوم ظلوم، ولا امل له الا في التمرس بالمسلمين، واعمال الحيلة على المؤمنين، يظهر انه ساع لهم في العاقبة الحسنى، وداع لهم إلى المقصد الاسنى والحضارة العليا، مع أنه يسر حسوا في ارتغائه، وأياديه يلتمسون له الحيل ابتغاء مرضاته، وليس هنا مجال الكلام، ولكل مقال مقام، وذكر تفصيل الواقعة يطول، فلنضرب عنه صفحا ونقول: ربنا افرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. والواجب علي في هذه العجالة، وختام هذه المقالة أن انوه بذكر الشابين الفاضلين الالمعيين: (حسين آقا استاد ولي) و (محسن آقا الاحمدي) وفقهما الله لمرضاته حيث وازراني في عمل هذا المشروع فلله درهما وعلى الله برهما. غرة ذى الحجة 1398 – ق علي اكبر الغفاري تطابق 11 ر 8 ر 1357 – ش ايران – طهران


[ 4 ]

كلمات حول الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لمن نطق الكائنات بوجوده، ومد على الممكنات ظل رحمته وجوده. الذي فات لعلوه على اعلى الاشياء مواقع رجم المتوهمين. وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، وتجلى بنور الفطرة عند العقول، ورأته بحقيقة الايمان القلوب. وابدع الاشياء عن حكمته، وخلق الخلائق لرحمته. وعاملهم بعد عدله بفضله، واعطى كلا حسب تقديره من نواله. وسلامه وصلواته على أقرب الخلق إليه، المبدع من نور عظمته. المخلوق من أشرف طينته رحمته للعالمين، وسراجه للمهتدين، وعلى عترته أهل بيته بيت النبوة الذين هم هو إلا النبوة. وقولي بعد ذاك إن التوحيد قطب عليه تدور كل فضيلة. وبه يتزكى الانسان عن كل رذيلة، وبه نيل العز والشرف، ويسعد الموجود في كل ناحية وطرف. إذ عليه فطرته. وعلى الفطرة حركته، وبالحركة وصوله إلى كماله وبكماله سعادته وبحرمانه عنه شقاوته ثم إن الباب الذي لا ينبغي الدخول لهذا المغزى في غيره هو الباب الذي فتحه الله عزوجل بعد رسوله المصطفى صلى الله عليه واله وسلم على العباد، وحثهم على الاتيان إليه لكل أمر في المبدء والمعاد. فانك إن أمعنت النظر ودققته، وأعطيت فكرك حقه وتأملت بالغور في كلماتهم عليهم السلام، وائتجعت في رياضها، ورويت من حياضها، وجدت ما طلبت فوق ما تمنيت خالصا عن كدورات أوهام المتصوفة، وزلالا عن شبهات المتفلسفة، كافيا بل فوقه في هذا السبيل، مرويا لكل غليل، شافيا من داء الجهل كل


[ 5 ]

عليل، مغنيا عنك كل برهان ودليل، بل أعلى من ذلك وفوقه، وكل ما صدر عن غيرهم لا يصل إلى ما دونه، بل النسبة نسبة الظلمة والضحى، لان كل حكمة وعلم من الحق صدرت فمن طريقهم إلى الخلق وصلت، وكل رحمة من الله انتشرت فبهم انتشرت، وكل عناية منه على الخلائق وقعت فبسببهم تحققت، لانهم عيبة علمه، ومعدن حكمته، وسبب خيره، ووسائط فيضه، ويده الباسطة، وعينه الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق، والمخلوقون من نوره، والمؤيدون بروحه وبهم يقضي في الخلق قضيته، وإليهم تهبط في مقادير أموره إرادته. بلى، بلى، أيها السالك سبيل الحكمة والطالب بالعرفان طريق السعادة، إليهم، إليهم فان عندهم الحكمة، وباتباعهم تحصل السعادة، وبهم عرف الله وبهم عبد الله، ولولاهم لا. فانظر ما ذا ترى فانك ترى بين يديك سفرا كريما من غرر حكمتهم، و بحرا عظيما من لئالي كلماتهم، ألفته يمين فريد من جهابذة العلم، كبير من أعلام الدين – قلما أتى الدهر بمثله – فخر الشيعة، أحد حفاظ الشريعة، الشيخ الاجل الاسعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي – قدس الله نفسه، ونور رمسه – فانه كتاب يحتوي على أحاديث قيمة ثمينة عن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم في مطالب التوحيد ومعرفة صفات الله عزوجل وأسمائه وأفعاله وكثير من المباحث الحكمية والكلامية التي دارت عليها الابحاث بين أهل العلم وفي مؤلفاتهم منذ القرن الاول إلى الان كما ترى ذلك في تفصيل المطالب بلحاق الكتاب، ولعمري إنه جدير بأن يوضع هذا المزبور في المجامع العلمية للتدريس ويحث المشتغلون ورواد العلم على تحقيق مطالبه وتخريج مغازي كلماته مستمدين من تحقيقات أعلام السلف في زبرهم حول تلك المطالب العلمية العالية فإن الحكمة حقا ما اخذ من عين صافية، نبعت عن ينابيع الوحي، والعلم حقيقة ما يؤخذ من نواميس الدين، الذين هم وسائط بين الحق والخلق. ثم إن مؤلف الكتاب – رضوان الله تعالى عليه – من الاشتهار والمعرفة


[ 6 ]

بين أهل العلم والفضيلة بمكان يفوق على التعريف بما نزبر في هذا المزبور كما هو المعمول في بداية ما يخرج إلى أيدي رواد العلم بالطبع في دهرنا ومن قبل هذا، والطالب لذلك يراجع مقدمة كتاب معاني الاخبار للمؤلف المطبوع (بتهران سنة 1379 ه‍)، ولكن دون القارئ الكريم تعريفا ببعض شؤون الكتاب مما ظفرنا عليه. (كتاب التوحيد) واشتهر بتوحيد الصدوق وتوحيد ابن بابويه، يجمع من مطالب التوحيد ما يكتفي به الطالب، ويرشد به المسترشد، وينتجع في رياضها العارف، ويرتوي من حياضه عطشان المعارف، فإنه لم يوجد في مؤلفات أهل العلم والحديث كتاب جامع لاحاديث التوحيد ومطالبه وما يرتبط به من صفات الله وأسمائه وأفعاله مثل هذا الكتاب، وأحاديثه وإن كان بعض منها ليس على حد الصحة المصطلحة، ولكن شامة المتضلع من معارف كلمات أهل البيت عليهم السلام تستشم الصحة من متونها، و بنور الولاية يستخرج المعارف الحقة من بطونها، مع أن أكثر أحاديثه مذكورة متفرقة في غيره من الكتب المعتبرة المعتمد عليها كنهج البلاغة والكافي والمحاسن وبعض كتب المؤلف كالعيون ومعاني الاخبار وغيرهما بأسانيد متعددة. فالكتاب كغيره من كتب المؤلف من الاصول المعتبرة كان مورد الاستناد لمن تأخر عنه من العلماء. وإني كنت كثيرا مشتغلا بمطالعته. ملتذا بمعاينته، مستنيرا من أنوار حقائقه، مستفيدا من غرر فوائده، ولعلو قدره وغلاء قيمته أتعبت نفسي كثير إتعاب في تصحيحه، وصححته سندا ومتنا على عدة نسخ مطبوعة ومخطوطة تطلع بمنظر القارئ قريبا، ولتكثير الفائدة جعلت على مواضع من أحاديثه بيانات و توضيحات موجزة وتعليقات مفيدة حسب ما اقتضى الكتاب من التطفل وإلا فشرحه كملا يستدعي أوراقا كثيرة، ومجلدات ضخمة إلى أن من الله تعالى بتسبيب طبعه


[ 7 ]

فخرج منه بهذه الصورة المزدانة الممتازة بعناية الاخ الكريم، اللوذعي المفضال، الناشر لاثار مدارس الايات وبيوت العلم والايحاء: مؤسس مكتبة الصدوق (علي أكبر الغفاري) المحترم، أبقاه الله للاسلام، وشكر الله مساعيه الجميلة، و إني أشكر عنايته وأسأل المولى توفيقه وتسديده. إنه ولي الاجر والفضل وله المنة والحمد. كلمة المجلسي رحمه الله حول كتب المؤلف بعد أن عد في الفصل الاول من مقدمته على بحار الانوار قبل سائر الاصول والكتب كتبه التي منها كتاب التوحيد قال في أول الفصل الثاني: (اعلم أن أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ككتب الصدوق رحمه الله فانها سوى الهداية وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة الاخوان وفضائل الاشهر – لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الاربعة التي عليها المدار في هذه الاعصار وهي داخلة في إجازاتنا، ونقل منها من تأخر عن الصدوق من الافاضل الاخيار، ولقد يسر الله لنا منها كتبا عتيقة مصححة – الخ). * (شروح الكتاب) * 1 – شرح للمولى الحكيم العارف القاضي محمد سعيد بن محمد مفيد القمي تلميذ المحدث الفيض الكاشاني، وهو شرح كبير جيد لطيف أورد فيه المطالب الحكميه والعرفانية والكلامية بوجه حسن وبيان مستحسن، فرغ منه سنة 1099 ه‍. 2 – شرح للمحدث الجزائري السيد نعمة الله ابن عبد الله التستري المتوفي سنة 1112 ه‍، اسمه (انس الوحيد في شرح التوحيد). 3 – شرح للامير محمد علي نائب الصدارة بقم المشرفة. 4 – شرح فارسي للمولى المحقق محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري المدفون


[ 8 ]

بمشهد الرضا عليه السلام سنة، 1090 ه‍. كذا في الذريعة ملخصا مع زيادة. أقول: هذه الشروح غير مطبوعة، وعلى الكتاب ترجمة في خلالها شروح يسيرة لمحمد علي بن محمد حسن الاردكاني، (اسمه أسرار توحيد) طبع قبل سنوات والظاهر أن المترجم كان من علماء القرن الثالث عشر. ولي عليه ترجمة ستطبع إن شاء الله تعالى. * (طبعاته) * 1 – بطهران، سنة 1285 ه‍ طبعا حجريا، بلحاقه حديث الشبلي عن الامام سيد الساجدين في أسرار الحج وآدابه، رمزها في التعليقة (ط). 2 – بهند، سنة 1321 بالطبع الحجري، بلحاقه رسالة في السير والسلوك للعلامة المجلسي – رحمه الله تعالى -، رمزها (ن). 3 – بطهران، سنة 1375 بالحروف، لم نرمزها لتقاربها مع الاولى 4 – هذه الطبعة، ونكتفي عن ذكر امتيازاتها بما يرى القارئ فيها. عدد الابواب والاحاديث: إن أبواب الكتاب سبعة وستون، والظاهر من كثير من النسخ أنها ستة وستون بجعل الباب الثالث والاربعين في بعض النسخ وجعل التاسع والاربعين في بعض آخر مع قبله واحدا، ولكن كل منهما في الموضعين باب على حدته لاختلاف موضوعه مع ما قبله، والمؤلف رحمه الله لم يعنون حديثي ذعلب وحديثي سبخت بالباب، ولكن جعلنا لفظ (باب) في الموضعين لحصول الاطراد، ثم إن عناوين الابواب في بعض النسخ مصدرة بلفظة (في) لكن تركناها طبقا لاكثر النسخ وسائر كتب الصدوق رحمه الله تعالى. وأما عدد الاحاديث فخمسمائة وثلاثة وثمانون (583).


[ 9 ]

مراجع التصحيح ورموزها 1 – نسخة مصححة مخطوطة في القرن الحادي عشر (11) ه‍ ق، عليها في مواضع كثيرة مختلفات النسخ وحواش يسيرة مفيدة من الحكيم النوري بقلمه – رحمه الله – وفي آخره (تم كتاب التوحيد بعون الملك المجيد) رمزها (ب) انظر ص 9 و 10. 2 – نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب المبارك بحمد الله وحسن توفيقه – والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الطيبين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – بقلم الحقير الفقير تراب أقدام المؤمنين إسماعيل بن الشيخ إبراهيم في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الاول من سنة ثلاث وسبعين بعد الالف (1073) رمزها (ج) – انظر ص 11. 3 – نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب على يد العبد الضعيف أعظم في شهر ذي العقدة سنة 1074) رمزها (د) انظر ص 12. تفضل بهذه النسخ الثلاث المفضال الالمعي، العالم البارع الحاج الشيخ حسن المصطفوي التبريزي دام عزه. 4 – نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (عارضت الكتاب من أوله إلى أول الباب الاخير وهو باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله تعالى بنسخ متعددة تزيد على اثنتي عشرة وبالغت في التصحيح قدر الوسع والطاقة إلا مواضع يسيرة بقي لي اشتباه فيها وقد كتبت عليها علامة تنظر، منها في باب العرش وصفاته منها في بحث عمران الصابئ، ومنها في غيرها، وكان ذلك في مشهد مولانا ثامن الائمة الاطهار في شهور سنة 1083، كتب ذلك بيمناه الداثرة أحوج المفتاقين إلى رحمة ربه الغفور المنعم موسى الحسيني المدرس الخادم بلغه الله تعالى أقصى ما يتمناه والحمد لله أولا وآخرا) رمزها (ه‍) انظر ص 13 و 14. وهذه النسخة الان في مكتبة الامام امير المؤمنين عليه السلام العامة بالنجف الاشرف.


[ 10 ]

5 – نسخة مخطوطه في آخرها: (تم كتاب التوحيد بعون الله الملك المجيد من تصنيف الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي نزيل الري رضي الله عنه بيد أقل خلق الله نور الله عفي عنه سنة 1098 رابع عشر جمادى الثانية) رمزها (و) انظر ص 15. وهذه النسخة عندي في مكتبتي. 6 – النسخ المطبوعة الثلاث التي مر ذكرها، ولم أكتف بذلك، بل قابلت أحاديث الكتاب بما في الكافي والعيون والبحار وغيرها من الكتب التي ذكرت أحاديث الكتاب فيها، والحمد لله على توفيقه. السيد هاشم الحسيني الطهراني يوم الاثنين – 20 ر 6 ر 1387 ط 3 ر 6 ر 1346 يوم ميلاد ام الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم


[ 17 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الاحد الذي لا شريك له، الفرد الصمد الذي لاشبيه له، الاول القديم الذي لاغاية له، الاخر الباقي الذي لا نهاية له، الموجود الثابت الذي لاعدم له، الملك الدائم الذي لا زوال له، القادر الذي لا يعجزه شئ، العليم الذي لا يخفى عليه شئ، الحي لا بحياة، الكائن لافي مكان، السميع البصير الذي لا آلة له ولا أداة، الذي أمر بالعدل، وأخذ بالفضل، وحكم بالفصل، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا غالب لارادته، ولا قاهر لمشيته، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه المرجع والمصير. وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد النبيين وخير خلقه أجمعين، وأشهد أن علي بن أبي طالب سيد الوصيين وإمام المتقين و قائد الغر المحجلين، وأن الائمة من ولده بعده حجج الله إلى يوم الدين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه نزيل الري مصنف هذا الكتاب – أعانه الله تعالى على طاعته، ووفقه لمرضاته – إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوما من المخالفين لنا ينسون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر لما وجدوا في كتبهم من الاخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها (1) ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا –


(1) في (ب) و (د) و (و) (ووضعوها غير مواضعها) في (ج) (ووضعوها غير موضعها). (*)

[ 18 ]

الناس عن دين الله، وحملوهم على جحود حجج الله فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد (1) ونقي التشبيه، والجبر، مستعينا به ومتوكلا عليه، و هو حسبي ونعم الوكيل. 1 – باب ثواب الموحدين والعارفين 1 – قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه: حدثنا أبي – رضي الله عنه – قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبوعمران العجلي، قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا أبو العلاء الخفاف، قال: حدثنا عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: خير العبادة قول لا إله إلا الله.


(1) التوحيد في اصطلاح المتكلمين اسم للعلم الذى يبحث فيه عن الله تعالى وصفاته و أفعاله، فكتابه هذا كله في التوحيد بهذا المعنى، وأما نفى التشبيه فهو من باب ذكر الخاص بعد العام لاهميته، وكذا الجبر فانه داخل في مبحث أفعاله تعالى. اعلم أن الناس في كل من المباحث الثلاثة ثلاثة: ففى مبحث اثبات الصانع ذهبت فرقة إلى الابطال، وفرقة إلى التشبيه والتجسيم، وفرقة – هي النمط الاوسط – على أنه تعالى ثابت موجود بلا تشبيه، وفى مبحث صفاته فرقة إلى زياده الصفات على الذات في الحقيقة كالاشاعرة وفرقة إلى سلبها عنها ونيابة الذات عن الصفات كالمعتزلة، وآخرون إلى أن ذاته تعالى مطابق كل من صفاته فانه بوجوده الخاص به مصداق للعلم والقدرة والحياة وغيرها. وفى مبحث الافعال فرقة إلى الجبر، واخرى إلى التفويض، وآخرون إلى أمر بين امرين، والتفصيل موكول إلى محله. (*)

[ 19 ]

3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: ما من شئ أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله لان الله عزوجل لا يعدله شئ ولا يشركه في الامر أحد (1). 4 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن جعفر الاسدي، قال: حدثني موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضمانا، قال: قلت: وما هو ؟ قال: ضمن له – إن هو أقر له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه واله وسلم بالنبوة ولعلي عليه السلام بالامامة وأدى ما افترض عليه – أن يسكنه في جواره، قال: قلت: فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها كرامة الادميين (2) قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تتنعموا كثيرا. 5 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخي عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من مات ولا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة. 6 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن –


(1) قد تبين في محله أن شرف كل معرفة بحسب شرف المعروف لان مطلوب العارف بالذات هو لاهي وان ضلت أقوام إذ أخذوا ما بالعرض مكان ما بالذات، فلان الله تعالى لا يعدله شئ فمعرفته لا يعدلها شئ مما يحصل للانسان من المعارف والاعمال، فهى أعظم ثوابا من كل ما يثاب به الانسان، بل لاثواب لغيرها من دونها لان أول الديانة معرفته. (2) هذا الحديث مقيد لسائر الاحاديث المطلقة في هذا الباب وشارح لها، ومن هذا وغيره بل من بعض الايات القرآنية يظهر أن السيئات ما لم تصل إلى حد ينافى احدى هذه الاربع لا تمنع من دخول الجنة، الا أن السيئة كائنة ما كانت لابد أن تمحى بأمر من الامور في الدنيا أوفى البرزخ أوفى القيامة، ثم يدخل صاحبها الجنة. (*)

[ 20 ]

أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله عزوجل: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أهل أن اتقى ولا يشرك بى عبدي شيئا، وأنا أهل أن لم يشرك بي عبدي شيئا أن ادخله الجنة، وقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل توحيده بالنار أبدا. 7 – حدثنا محمد بن أحمد الشيباني (1) رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي – عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى حرم أجساد الموحدين على النار. 8 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، قال: حدثني الحجاج بن أرطاة، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: الموجبتان (2) من مات يشهد أن لاإله إلا الله (وحده لا شريك له) (3) دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النار. – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد


(1) هذا الرجل يلقب بالسنانى أيضا كما في بعض أحاديث الكتاب. ولعل الشيباني مصحف السنانى وهو ابو عيسى محمد بن أحمد بن محمد بن سنان الزاهرى نزيل الرى المترجم في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم. والسنانى نسبة إلى جده الاعلى. (2) الموجبتان مبتدء وما بعده خبره، وهى على صيغة الفاعل عبارة اخرى عن القضية الشرطية التى توجب حقيقة مقدمها حقيقة تاليها، أي الموت على التوحيد يوجب دخول الجنة وهو على الاشراك يوجب دخول النار، وروى الصدوق في معاني الاخبار ص 183 والكليني في الكافي ج 3 ص 343 عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا تنسوا الموجبتين أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة، قلت: وما الموجبتان ؟ قال: تسأل الله الجنة وتتعوذ به من النار). (3) مابين القوسين زيادة في نسخة (ج) و (و). (*)

[ 21 ]

ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن الحسن بن الصباح، قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: كل جبار عنيد من أبى أن يقول لا إله إلا الله. 10 – حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي رضي الله عنه، قال: حدثني جدي الحسن بن علي الكوفي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: يا محمد طوبى لمن قال من امتك: لا إله إلا الله وحده وحده وحده. 11 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي عبد الله جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة، فقال: يا محمد طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده مخلصا. 12 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين الكوفي، عن أبيه، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال: ما من عبد مسلم يقول: لا إله إلا الله إلا صعدت تخرق كل سقف لاتمر بشئ من سيئاته إلا طلستها حتى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف. 13 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن المفضل بن صالح، عن عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قول لا إله إلا الله ثمن الجنة. 14 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن سليمان بن عمرو، قال: حدثنى عمران بن أبي عطاء، قال: حدثني عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: ما من الكلام


[ 22 ]

كلمة أحب إلى الله عزوجل لا إله إلا الله، وما من عبد يقول: لا إله إلا الله يمد بها صوته فيفرغ إلا تناثرت ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر تحتها (1). 15 – حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس، قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا هارون بن عبد الله الجمال، عن أبي أيوب، قال: حدثني قدامة بن محرز الاشجعي، قال: حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الاشج (2)، عن أبيه، عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني، قال: أشهد على أبي زيد بن خالد لسمعته يقول: أرسلني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال لي: بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فله الجنة. 16 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن زياد، عن أبان وغيره، عن الصادق عليه السلام قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح (3) تقبل الله منه صيامه، فقيل له: يا ابن رسول الله ما القول الصالح ؟ قال: شهادة أن لا إله الا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة. 17 – حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري، ويقال له: الهروي والنهرواني والشيباني، عن الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ما جزاء من أنعم الله عزوجل عليه


(1) في نسخة (ج): (كما يتناثر ورق الشجرة تحتها). (2) عنونه ابن حجر في التقريب وقال: مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الاشج أبو – المسور المدنى صدوق. (3) الترديد بحسب أفراد المكلفين فان من لم يقدر على اخراج الفطرة فليختم صيامه بشهادة أن لا اله الا الله، وهذا الحديث ذكره الصدوق في معاني الاخبار بالواو في هذا الموضع مكان أو. (*)

[ 23 ]

بالتوحيد إلا الجنة. 18 – وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن لاإله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزوجل، من قالها مخلصا استوجب الجنة، ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النار. 19 – وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من قال: لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار طلست (1) ما في صحيفته من السيئات. 20 – وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن الله عزوجل عمودا من ياقوتة حمراء (2) رأسه تحت العرش، وأسفله على ظهر الحوت في الارض السابعة السفلى. فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز العرش (3) وتحرك العمود وتحرك الحوت، فيقول الله تبارك وتعالى: اسكن يا عرشي، فيقول: كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها (4) فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا سكان سماواتي أني قد غفرت لقائلها.


(1) أي محيت. (2) ذكر العمود في الاحاديث كثير، وهذا الكلام تمثيل لوضع عمود الامر النازل من عرش الله تعالى على كاهل صاحب الامر عليه السلام الذى عبر عنه بالحوت كما عبر عن النبي صلى الله عليه وآله بالنون، واطلاق العمود على الامر القائم عليه أمر آخر من الامور المجردة غير قليل في لسان الشرع وغيره كما ورد في الحديث (الصلاة عمود الدين) والمراد من العمود هنا كما يستفاد من اخبار ناهو علم الامام الذى عليه يقوم أمر الخلائق من التكوين والتشريع، وكونه من ياقوتة حمراء تعبير عن تلك الحقيقة بأنفس جوهر من الجواهر الجسمانية كما هو الشأن في السنة أصحاب الوحى إذا حاولوا بيان حقائق العوالم التى فوق عالمنا هذا، فانهم يعبرون عن تلك الحقائق بنفائس جواهر هذا العالم إذ ليست عندنا ألفاظ ومفاهيم تحكى عن تلك الحقائق، والارض السابعة هي هذه الارض التى هي قرار الانسان وغيره مما يحتاج إليه لحياته الدنيوية وهي سابعة الاراضي السبع التى ست منها في السماوات على ما فصل في حديث مذكور عن الامام الرضا عليه السلام. (3) الاهتزاز البهجة والسرور، وهذا تمثيل لتأثير حقيقة التوحيد في جميع الكائنات. (4) هذا تمثيل لاستدعاء العرش لان يشمل رحمة الحق تعالى وغفرانه الداخل في حيطة التوحيد، والعرش يطلق على معان: منها جميع الخلق باعتبار ملك الحق عليه ونفاذ سلطانه = (*)

[ 24 ]

21 – حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه الفقيه بمرو الروذ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عباس الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنه ستين ومائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليهما السلام، سنة أربع وتسعين ومائة (1) قال: حدثني أبي موسى ابن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يقول الله جل جلاله: (لا إله إلا الله) حصني، فمن دخله أمن من عذابي. 22 – حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور، قال: حدثني أبو علي الحسن بن علي الخزرجي الانصاري السعدي (2) قال: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع علي بن موسى الرضا عليهما السلام، حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمد بن رافع و أحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته في المربعة (3) فقالوا: بحق آبائك المطهرين حدثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الانبياء، قال: حدثني أبي علي بن –


= فيه، والانسب في هذا الحديث هذا المعنى، والذى ذكرت في تفسير الحديث يستفاد من أحاديثنا والمتتبع غير جاهل به. (1) في النسخ سنة أربع وستين ومائة وهو تصحيف، صححناه من كتاب العيون ص 194. (2) في نسخة (ب) و (ه‍) (الحسن بن على الخزرجي الانصاري السعيدي). وفى العيون كما في المتن. (3) المربعة بفتح الاول يحتمل أن يكون اسما للمكان الذى فيه اليربوع أي الفار البري، وذكر العلامة المجلسي – رحمه الله – في البحار في الصفحة السادسة من الجزء السادس من الطبعة الحديثة بعد ذكر هذا الحديث وجوها لها. (*)

[ 25 ]

الحسين سيد العابدين، قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: قال الله جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي. 23 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثنا محمد بن الحسين الصوفي، قال: حدثنا يوسف ابن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا (1) بحديث فنستفيده منك ؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي. قال: فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها. قال مصنف هذا الكتاب: من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه إمام من قبل الله عزوجل على العباد، مفترض الطاعة عليهم. 24 – حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي، قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا حريز (2) عن عبد العزيز، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر – رحمه الله – قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: من


(1) في نسخة (ط) و (ن) (ولم تحدثنا). (2) أخرجه البخاري في صحيحه ج 8 ص 116 عن حريز عن زيد عن أبى ذر رضى الله عنه. (*)

[ 26 ]

هذا ؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين هم الاقلون (1) يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله (2) وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: إجلس حتى أرجع إليك، قال: وانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته صلى الله عليه واله وسلم وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى أن سرق، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة ؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبريئل عرض لي في جانب الحرة، فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله عزوجل شيئا دخل الجنة، قال: قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال: نعم وإن شرب الخمر (3). قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة. 25 – حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الانماطي، قال أخبرنا أبو عمرو أحمد بن الحسن بن غزوان، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا داود بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بينا رجل مستلق على ظهره ينظر إلى


(1) الاقلون جمع الاقل وهو صفة مشبهة على نحو أحمر وأحمق بمعنى المقل الذى لا شئ عنده. وفى صحيح البخاري (هم المقلون). (2) النفح بالحاء المهملة: الضرب والرمى كما في النهاية الاثيرية وفى الصحيح (فنفح فيه يمينه وشماله) أي ضرب يديه فيه بالعطاء. وعلى ما في المتن (من) للتبعيض والضمير المجرور بها يرجع إلى المال المدلول عليه في الكلام لا الى (خيرا) لان المراد منه التوفيق وحب الانفاق الناشئ من الايمان بالله واليوم الاخر، والباء للظرفية، ومعنى الكلام: الا من اعطاه الله التوفيق وحب الانفاق فاخرج بعضا من ماله فيمن حوله من الفقراء و الجيران، وفى نسخة (ط) و (ن) و (ج) و (ه‍) (فنفخ) بالخاء المعجمة. (3) هذا الحديث بعينه سندا ومتنا مذكور في الباب الثالث والستين. وليس بمذكور ههنا في نسخة (ب) و (د). (*)

[ 27 ]

السماء وإلى النجوم ويقول: والله إن لك لربا هو خالقك اللهم اغفر لي، قال: فنظر الله عزوجل إليه فغفر له. قال مصنف هذا الكتاب: وقد قال الله عزوجل: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شئ) (1) يعني بذلك: أولم يتفكروا في ملكوت السماوات والارض وفي عجائب صنعها، أولم ينظروا في ذلك نظر مستدل معتبر، فيعرفوا بما يرون ما أقامه الله عزوجل من السماوات والارض مع عظم أجسامها وثقلها على غير عمد وتسكينه إياها بغير آله، فيستدلوا بذلك على خالقها ومالكها ومقيمها أنه لا يشبه الاجسام ولا ما يتخذ الكافرون إلها من دون الله عزوجل، إذ كانت الاجسام لا تقدر على إقامة الصغير من الاجسام في الهواء بغير عمد وبغير آلة، فيعرفوا بذلك خالق السماوات والارض وسائر الاجسام، ويعرفوا أنه لا يشبهها و لا تشبهه في قدرة الله وملكه (2) وأما ملكوت السماوات والارض فهو ملك الله لها و اقتداره عليها، وأراد بذلك، اولم ينظروا ويتفكروا في السماوات والارض في الخلق الله عزوجل إياهما على ما يشاهدونهما عليه، فيعلموا أن الله عزوجل هو مالكها والمقتدر عليها لانها مملوكة مخلوقة، وهى في قدرته وسلطانه وملكه، فجعل نظرهم في السماوات والارض وفي خلق الله لها نظرا في ملكوتها وفي ملك الله لها لان الله عزوجل لا يخلق إلا ما يملكه ويقدر عليه، وعنى بقوله: (وما خلق الله من شئ) يعني: من أصناف خلقه، فيستدلون به على أن الله خالقها وأنه أولى بالالهية من الاجسام المحدثة المخلوقة. 26 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من قال. لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه أن تحجزه لا اله الا الله عما حرم


(1) الاعراف: 185. (2) لم اعلم لهذا القيد وجها لانه تعالى لا يشبهه شئ في شئ، الا ان يتعلق الظرف بقوله: (يعرفوا) على وجه بعيد. (*)

[ 28 ]

الله عزوجل. 27 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن علي الكوفي، وإبراهيم بن هاشم كلهم، عن الحسين ابن سيف، عن سليمان بن عمرو، عن المهاجر بن الحسين (1)، عن زيد بن ارقم، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من قال: لا إله الا الله مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله الا الله عما حرم الله عزوجل. 28 – حدثنا ابو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو العطار ببلخ، قال: حدثنا محمد بن محمود، قال: حدثنا حمران، عن مالك بن إبراهيم بن طهمان، عن (أبي) حصين، عن الاسود بن هلال (2)، عن معاذ بن جبل، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله عزوجل على العباد ؟ – يقولها ثلاثا -، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: حق الله عزوجل على العباد أن لا يشركوا به شيئا، ثم قال صلى الله عليه وآله: هل تدري ما حق العباد على الله عزوجل إذا فعلوا ذلك ؟ قال: قلت: الله ورسوله اعلم، قال: ان لا يعذبهم، أو قال: أن لا يدخلهم النار. 29 – حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمران القشيري، قال: حدثنا أبو الجريش أحمد بن عيسى الكلابي قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني أبي، عن ابيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابائه عن علي عليهم السلام، في قول الله عزوجل: (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الله عزوجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.


(1) في نسخة (د) و (ب) و (و) (المهاجر بن الحسن). (2) الاسود بن هلال هو المحاربي ابو سلام الكوفي مخضرم ثقة جليل مات سنة أربع وثمانين كما في التقريب لابن حجر والخبر رواه مسلم عن أبي حصين، عن الاسود عن معاذ. (*)

[ 29 ]

30 – حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسين، قال: حدثنا أبو يزيد بن محبوب المزني، قال: حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي بشر العنبري، عن حمران، عن عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة. (1) 31 – حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن على بن أبي طالب عليهم السلام قال: أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن الحسين بن يحيى بن الحسين، عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا، وإن أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون، ثم قال عليه السلام: إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله تبارك وتعالى بقوم ساءت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إله إلا أنت ؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب ؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك، فيقول الله جل جلاله: عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنم، فيقولون: يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا ؟ فيقول عزوجل: بل عفوي، فيقولون: رحمتك أوسع أم ذنوبنا ؟ فيقول عزوجل: بل رحمتي، فيقولون: إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا ؟ فيقول عزوجل: بل أقراركم بتوحيدي أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل شئ، فيقول الله جل جلاله، ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا احب إلى من المقرين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري، وحق علي أن لا أصلي بالنار أهل توحيدي ادخلوا عبادي الجنة.


(1) أخرجه مسلم في صحيحه ج 1 ص 41 باسناده عن خالد الحذاء – الخ). (*)

[ 30 ]

32 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري، قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن عمارة، عن ابيه، عن جعفر بن محمد، عن ابيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن ابيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة. 33 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن ابيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم و أبي أيوب، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال: لا أله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد. 34 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني أحمد بن هلال، عن أحمد بن صالح، عن عيسى بن عبد الله من ولد عمر بن علي، عن آبائه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله جل جلاله لموسى: يا موسى لو أن السماوات وعامريهن والارضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله (1). 35 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال في يوم: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) كتب الله عزوجل له خمسة وأربعين ألف ألف حسنة، ومحا عنه خمسة وأربعين ألف ألف سيئة، ورفع له في الجنة خمسة وأربعين ألف ألف درجة، وكان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وبنى الله بيتا في الجنة.


(1) لان الموجودات قائمة بحقيقة التوحيد الذي أجراه الله تعالى عليها كما في الحديث السابع من الباب العاشر والقائم يقصر عن الذي قام به. (*)

[ 31 ]

2 – باب التوحيد ونفي التشبيه 1 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر، وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل – سماه – عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال: أبو إسحاق: فقلت للحارث: أوما حفظتها ؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه: الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لانه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن (1) الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يقع عليه الاوهام فتقدره شبحا ماثلا (2) ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها، حائلا (3) الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولاغاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره (4) زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان (5) الذي بطن من خفيات الامور، وظهر في العقول بما يرى في


(1) اي هو تعالى في كل وقت يوجد فيه بديعا من خلقه يكون في شأن ايجاد ذلك البديع فاليوم يوم ذلك الموجود البديع ووقته. (2) في نسخة (ج) (مماثلا). (3) أي فيكون تعالى بعد انتقال الابصار متحولا متغيرا عن الحالة التى كان عليها من المقابلة والوضع الخاص والمحاذاة للابصار، وبعض الافاضل قرآ بضم الاول على ان يكون مصدرا لبعد يبعد وفسر الحائل بالحاجز أي فيكون بعد انتقال الابصار حاجزا من رؤيته تعالى، وبعضهم قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي متمثلا في القوة المتخيلة. (4) تعاور القوم الشئ: تعاطوه وتداولوه. والتعاور: الورود على التناوب. (5) في الكافي في باب جوامع التوحيد وفي البحار في الصفحة 265 من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان) أي ليست له ماهية وراء حقيقة الوجود حتى يسأل بما هو ويجاب بما هو، والمراد بها (*)

[ 32 ]

خلقه من علامات التدبير، الذي سئلت الانبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص (1) بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته (2) ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لان من كانت السماوات والارض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته (3) الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله، الذي خلق الخلق لعبادته (4) وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا، ولله الفضل مبدئا ومعيدا. ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه، وختم أمر الدنيا ومجئ


الماهية بالمعنى الاخص المقابل للوجود، وأما الماهية بالمعنى الاعم فلا شئ بدونها كما أثبتها له الامام الصادق عليه السلام في جواب السائل بقوله: (لا يثبت الشئ الابانية ومائية) في الحديث الاول من الباب السادس والثلاثين. (1) الظاهر أن المراد بالحد والنقص ما هو اصطلح عليه اهل الميزان في باب الحد والرسم، ويحتمل ان يكون المراد بالحد التحدد بالحدود الجسمانية وغيرها وبالنقص الاوصاف الموجبة للنقص، وفي نسخة (ج) (ولا ببعض) أي التركب والتبعض، وكل ذلك منفى عنه تعالى لا يوصف به. (2) كما قال الخليل: (ربى الذى يحيى ويميت). وقال الكليم في جواب فرعون حيث قال: (وما رب العالمين: رب السماوات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين) وقال المسيح: (ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان الوحي في القرآن من آيات كثيرة في ذلك، وإبلغ ما أجيب في هذا المقام ما قاله الامام الصادق عليه السلام في جواب الزنديق الذي سأله عنه: (هو شئ بخلاف الاشياء ارجع بقولي شئ إلى اثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية) ويأتي هذا في الحديث الاول من الباب السادس والثلاثين. (3) المراد به الاعتقادي الذي يرجع إلى معنى الجحد والانكار، أي فلا منكر لقدرته مع ظهور آثارها في السماوات والارض، أو الدفع الفعلي، أي لا يمانعه ولا يدافعه أحد في قدرته لان كل ما سواه مفطور مخلوق له، والاول أنسب بما قبله، وفي نسخة (ط) و (ن) (فلا مدافع لقدرته). (4) ليست العبادة الغاية النهائية بل هي غاية قريبة، والنهائية هي ما تترتب على العبادة وهي القرار في جوار رحمته تعالى على ما نطق به التنزيل حيث قال تعالى: = (*)

[ 33 ]

الاخرة بالحمد لنفسه، فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) (1). الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الاشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه و عزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الاول قبل كل شئ والاخر بعد كل شئ، ولا يعد له شئ، الظاهر على كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الاماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله، وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد خلقه من الاشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه، ابتدأ ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من الثقلين الجن والانس لتعرف بذلك ربوبيته، وتمكن فيهم طواعيته. نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد امورنا ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه، فهدانا به من الضلالة، واستنقذنا به من الجهالة، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ونال ثوابا كريما، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا، واستحق عذابا أليما، فانجعوا (2) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الامور المكروهة، وتعاطوا


= (الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) على ما فسرت الاية في الحديث العاشر من الباب الثاني والستين. (1) الزمر: 75. (2) الانجاع: الافلاح، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه، أي فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الاخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا. (*)

[ 34 ]

الحق بينكم، وتعانوا عليه، وخذوا على يدي الظالم السفيه، مروا بالمعروف، وانهو عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم بالهدي، و ثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر الله لي ولكم. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي (1)، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا (*) لبعضهم عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الامر جمع بني هاشم فقال: إني اريد أن أستعمل الرضا على هذا الامر من بعدي، فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر (2) بتدبير الخلافقة ؟ ! فابعث إليه رجلا ياتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما (3) نعبد اللهه عليه، فصعد عليه السلام المنبر، فقعد مليا لا يتكلم مطرقا، ثم انتفض انتفاضة (4). واستوى قائما، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وأهل بيته. ثم قال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد –


(1) في نسخة (ب) و (و) وحاشية (ط) (محمد بن زياد القلمزي) بتقديم الميم على الزاي، وفي (د) (العلوي) وفي (ج) (العامري) وفي عيون اخبار الرضا عليه السلام (القلوني) و في نسخة منه (العرزمي) ولم أجده. (*) كذا. (2) وهكذا في العيون وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (ليس له بصيرة). (3) بالفتحتين، ويحتمل كسر الاول وسكون الثاني. (4) نفض الثوب: حركة لينتفض، ونفض المكان نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. و نفض الطريق تتبعها. (*)

[ 35 ]

الله تفي الصفات عنه (1) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (2) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحده من اكتنهه (3) ولا حقيقة أصاب من مثله، ولابه صدق من نهاه (4) ولا صمد صمده من أشار إليه (5) ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع (6) وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه و بالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته (7). خلق الله حجاب بينه


(1) هذا الكلام كثير الدور في الكلمات ائمتنا سلام الله عليهم، والمراد به انه تعالى ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح به في بعض الاخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للاشاعرة حيث قالوا: (ان كل مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات)، وفى بعض كلماتهم عليهم السلام يمكن تفسير نفى الصفات بنفى الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب عن وصف الواصفين. (2) أي كل مركب من الصفة والموصوف. (3) الاكتناه طلب الكنه، فان من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات التى يمكن اكتناهها. (4) التنهية جعل الشئ ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج. (5) أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لانه أينما تولوا فثم وجه الله، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة. (6) أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع، وهذا لا ينافى قول امير المؤمنين عليه السلام: (يا من دل على ذاته بذاته) ولا قول الصادق عليه السلام: (اعرفوا الله بالله) لان معنى ذلك انه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى الا الله لان الكل ينتهى إليه، فالباء هنا للالصاق و المصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث احاط به ادراكا فهو مصنوع، وهنالك للسببية. (7) أي لولا الفطرة التى فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الادلة وحجية الحجج. (*)

[ 36 ]

وبينهم (1) ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الادوات بفاقة المتأدين (2) وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه (3) فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله (4) وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: كيف فقد شبهه، و من قال: لم فقد علله، ومن قال: متى فقد وقته، ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: إلى م فقدنهاه، ومن قال. حتى م فقد غياه (5) ومن غياه فقد غاياه، ومن


(1) (خلق الله) على صيغة المصدر مبتدء مضاف إلى فاعله والخلق مفعوله، وحجاب خبر له. وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (خلقة الله – الخ)، والكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل عريض عميق لا يسعه التعليق وفي كثير من احاديث هذا الكتاب مذكور ببيانات مختلفة فليراجع. (2) آدوه على وزان فلس مصدر جعلى من الاداة مضاف إليه تعالى، اي جعله اياهم ذوى ادوات وآلات في ادراكاتهم وافعالهم، وكذا ادوته بزيادة التاء في نسخة (و) و (د) و (ب) و (ج). والمتأدين ايضا من هذه المادة جمع لاسم الفاعل من باب التفعل أي من يستعمل الادوات في اموره، وأما ادواؤه على صيغة المصدر من باب الافعال كما في نسخة (ط) و (ن) وكذا (المادين) على صيغة اسم الفاعل من مد يمد كما في نسخة (ج) و (ط) و (ن) فخطاء من النساخ لعدم توافق المادة في الموضوعين وعدم تناسب المعنى. وفي العيون (وادواؤه اياهم دليلهم على ان لا اداة فيه لشهادة الادوات بفاقة المؤدين) وهكذا في تحف العقول في خطبة لامير المؤمنين عليه السلام الا ان فيه (وايداؤه اياهم شاهد على ان لا أداة فيه). (3) بالباء الموحدة مصدر بمعنى البقاء أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدد لما سواه، وفي نسخة (ج) و (ط) و (و) بالياء المثناة وعلى هذا فهو مصدر بمعنى المغايرة لا جمع الغير، وفي نسخة (د) و (ب) (وغبوره تجديد لما سواه) بالجيم أي قدمه يوجب حدوث ما سواه. (4) الاشتمال هو الاحاطة، أي من أحاط بشئ تصور أو توهم انه الله تعالى فقد تجاوز عن مطلوبه، وفي نسخة (ب) و (د) (أشمله) من باب الافعال. (5) أي من توهم انه تعالى ذو نهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات = (*)

[ 37 ]

غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لابمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لابمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحول فكرة (1) مدبر لا بحركة، مريد لابهمامة، شاء لابهمة، مدرك لا بمجسة (2) سميع لا بآلة، بصير لا بأداة. لا تصحبه الاوقات، ولا تضمنه الاماكن، ولا تأخذه السنات (3) ولا تحده الصفات، ولا تقيده الادوات (4) سبق الاوقات كونه. والعدم وجوده، والابتداء أزاله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (5) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الاشياء عرف ان لا ضد له، وبمقارنته بين الامور عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل (6)، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عزوجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين


= ينتهي إليها، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك بينهما، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا اجزاء، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق ومن وصفه بها فقد ألحد فيه، والالحاد هو الطعن في امر من امور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر. (1) أي بقوة الفكرة، وفي نسخة (د) و (ن) بالجيم. (2) المجسة: آلة الجس. (3) جمع السنة وهي النعاس، وفي حاشية نسخة (ب) و (د) (السبات) بالباء الموحدة: على وزان الغراب وهو النوم، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه. (4) في نسخة (ط) (ولا تفيده الادوات) من الافادة. (5) لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الاتية. (6) جسا يجسو جسوا: يبس وصلب. (*)

[ 38 ]

لعلكم تذكرون) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لاقبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها (2)، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها (3) له معنى الربوبية إذ لا مربوب (4) وحقيقة الالهية إذ لا مألوه (5) ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع (6) ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية (6) كيف (7) ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين،


(1) الذاريات: 49، والاية اما استشهاد للمضادة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا ضدين كالامثلة المذكورة بخلافه تعالى فانه لاضد له، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا قرينين فان كل شئ له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى، والاول أظهر بحسب الكلام هنا، والثاني أولى بحسب الايات المذكور فيها لفظ الزوجين. (2) اثبات التفاوت هنا لا ينافي قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) لان ما في الاية بمعنى عدم التناسب. (3) في نسخة (ط) و (ن) وفى البحار: (من غيرها). (4) كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث ائمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته، لا أنها حاصلة له من غيره، وهذا مفاد قاعدة (أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه). (5) الالهية ان اخذت بمعنى العبادة فالله مألوه والعبد آله متأله، وأما بمعنى ملك التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفى كثير من الاحاديث فهو تعالى اله والعبد مألوه، وعلى هذا فسر الامام عليه السلام (الله) في الحديث الرابع من الباب الحادى والثلاثين. (6) انما غير اسلوب الكلام وقال: (وتأويل السمع) إذ ليس له السمع الذى لنا بل سمعه يؤول إلى علمه بالمسموعات، وفى نسخة (ب) و (ج) كلمة إذ في الفقرات الثلاثة الاخيرة مكان الواو أيضا. (6) في اكثر النسخ (البرائية) وفى نسخة (ن) والبحار (البارئية) كما في المتن. (7) أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لاتغيبه مذ التي = (*)

[ 39 ]

ولا تقارنه مع، إنما تحد الادوات أنفسها، وتشير الالة إلى نظائرها (1) وفي الاشياء يوجد فعالها (2) منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الازلية، وجبتها لولا التكملة (3) افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها لما تجلى صانعها للعقول (4)


هي لابتداء الزمان عن فعله أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتى يكون غائبا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان منتظرا لحضور ابتدائه، ولا تقربه قد التى هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال: قد قرب وقت فعله لانه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه بل كل الاوقات سواء النسبة إليه، ولا تحجبه عن مراده لعل التى هي للترجي أي لا يترجى شيئا لشئ مراد له له بل (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ولا توقته في مبادى أفعاله (متى) أي لا يقال: متى علم، متى قدر، متى ملك لان له صفات كما له ومبادي افعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية وجوده، ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفه وفعلا (حين) لانه فاعل الزمان، ولا تقارنه بشئ (مع) أي ليس معه شئ ولا في مرتبته شئ في شئ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق لعدم تقيد خلقه وايجاده بشئ غيره، فصح أن يقال: له معنى الخالق اذلا مخلوق، وفى نسخة (ج) يغيبه وما بعدها من الافعال بصيغة التذكير. (1) أي انما يتقيد في الفعل والتأثير بالادوات أمثالها في المحدودية والجسمانيه، و لا يبعد أن يكون (تحد) على صيغة المجهول فلا يفسر أنفسها بأمثالها، واشارة الالة كناية عن التناسب اي تناسب الالة نظائرها وامثالها في المادية والجسمانية والمحدودية. (2) أي في الاشياء الممكنة توجد تأثيرات الالات والادوات، وأما الحق تعالى فمنزه عن ذلك كله. (3) منذ وقد ولولا فواعل للافعال الثلاثة والضمائر مفاعيل أولى لها والقدمة والازلية والتكملة مفاعيل ثواني، والمعنى أن اتصاف الاشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقيدها بها يمنعها عن الاتصاف بالقدم والازلية والكمال في ذاتها فان القديم الكامل في ذاته لا يتقيد بها، والاظهر أن الضمائر المؤنثة من قوله: منعتها إلى قوله: عرفها الاقرار ترجع إلى الاشياء. (4) لما تجلى متعلق بدلت وأعربت، و (ما) مصدرية، وفى البحار وفى هامش نسخة (و) (بها تجلى صانعها للعقول) فجملة مستقلة. (*)

[ 40 ]

وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الاوهام، وفيها اثبت غيره (1) ومنها انيط الدليل (2) وبها عرفها الاقرار، وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالاقرار يكمل الايمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة ولا معرفة إلا بالاخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبية (3) فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه (4) إذا لتفاوتت ذاته، ولتجز أكنهه، ولا متنع من الازل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء، و لوحد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء، إذا لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلا بعدما كان مدلولا عليه، ليس في محال القول حجة (5) ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الازلي أن يثنى وما لابدأ له أن يبدأ (6)، لا إله إلا الله


(1) غيره بفتح الاول وسكون الثاني مصدر بمعنى التغير أي في الاشياء أثبت التغير والاختلاف من عنده تعالى بحسب حدودها الامكانية وباعتبارها، وأما لولا اعتبار الحدود ففيضه الفائض على الاشياء ورحمته الواسعة كل شئ وتوحيده السارى على هياكل الممكنات واحد، ويمكن أن يقرأ بكسر الاول وفتح الثاني بمعنى الاحداث المغيرة لاحوال الشئ أي في الاشياء أثبت ذلك، وفى نسخة (ج) (عزه) بالعين والزاى المشددة. (2) أنيط بالنون والياء المثناة مجهول أناط بمعنى علق ووصل أي من الاشياء يوصل بالدليل عليه، وفى نسخة (ب) و (د) و (ط) بالنون والباء الموحدة أي من الاشياء انبط و أخرج الدليل عليه وعلى صفاته. (3) اي لانفي لتشبيهه تعالى بالمخلوق مع اثبات الصفات الزائدة له. (4) في نسخة (ط) وفى البحار (أو يعود فيه – الخ). (5) من اضافة الصفة إلى الموصوف، والقول المحال هو القول المخالف للحق الواقع. (6) أي ليس في القول بأنه تعالى بائن عن خلقه في ذاته وصفاته وأفعاله ظلم وافتراء = (*)

[ 41 ]

العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا، وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين. 3 – حدثنا علي بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق – رحمه الله – قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله ابن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي معاوية، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال: الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد، الذي لامن شئ كان، ولا من شئ خلق ماكان، قدرته (1) بان بها من الاشياء، وبانت الاشياء منه، فليست له


= الا ان القديم الازلي يمتنع عن التركب والاثنينية وأن الذي لا أول له يمتنع أن يكون مبدوءا مخلوقا، وهذا من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قول النابغة الذبياني. ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب وفي نسخة (د) و (ب) (ولا بامتناع الازلي أن يثنى) وهو عطف على ما قبله، أي و ليس في امتناع الازلي من الاثنينية وامتناع ما لابدء له من الابتداء ضيم، وفي نسخة (ن) و (و) و (ج) (ولا بامتناع الازلي أن ينشأ). (1) في الكافي: (قدرة) بلا اضافة إلى ضميره أي له قدرة أو هو بذاته قدرة، وقرأ المولى صدرا الشيرازي في شرحه للكافي بالفاء الموحدة المكسورة وجعلها اسما لكان وجعل ما الداخلة عليها نافية، والقدرة في اللغة بمعنى القطعة من الشئ، ومعنى الكلام على هذا: ماكان له تعالى قدرة وجزء بها امتاز عن الاشياء وامتازت الاشياء منه كما هو الشأن في الاشياء المشتركة في تمام الحقيقة أؤ في بعض الحقيقة إذ ليس له ما به الاشتراك في الحقيقة مع غيره لانه وجود بحت ونور صرف وغيره ماهيات عرضها الوجود فليست له صفة تنال و لاحد يضرب له الامثال، وهذا أقرب من جهة التفريع ومن جهة ان القدرة ليست لها خصوصية بها يحصل الامتياز والبينونة له تعالى عن غيره دون سائر الصفات، بل هو تعالى ممتاز من غيره بذاته التي كل من صفاتها عينها. (*)

[ 42 ]

صفة تنال، ولاحد يضرب له الامثال، كل دون صفاته تعبير اللغات (1) وضل هنالك تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، وتاهت في أدني أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور (2) فتبارك الله الذي لايبلغة بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولانعت محدود، وسبحان الذي ليس له أول مبتدء، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى، سبحانه، هو كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، حد الاشياء كلها عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، فلم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن (3) ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهوى (4) لا غوامض مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى والارضين السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب، وكل شئ منها بشئ محيط (5) والمحيط بما أحاط منها الله الواحد الاحد الصمد الذي لم تغيره صروف الازمان ولم يتكاده


في نسخة (ج) و (و) (تحبير اللغات). (2) أي تحيرت في أدنى أداني الحجب العقول الطامحة المرتفعة في الامور اللطيفة و العلوم الدقيقة. (3) فلم يحلل فيها بالحلول المكيف كحلول بعض الاشياء في بعض، فلا ينافى قوله صلوات الله عليه: (داخل في الاشياء لا بالكيفية). وفى موضع آخر: (داخل في الاشياء لا كدخول شئ في شئ). في موضع آخر: (داخل في الاشياء لا بالممازجة. (4) أي لم يعزب عنه خفيات الاهواء الغائبة عن الادراك في صدور العالمين فانه عليم بذات الصدور، وفى الكافي (غيوب الهواء) بالمد وهو الجو المحيط والذى فيه مما يستنشقه الحيوان. (5) احاطة التأثير والعلية لا الجسمية كما هو مقتضى وحده السياق لان احاطة الحق تعالى بالمحيط بالكل ليست جسمية، وضمير منها محتمل الرجوع إلى الاشياء والى السماوات والارضين. (*)

[ 43 ]

صنع شئ كان، إنما قال لما شاء ان يكون: كن فكان، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولاتعب ولانصب، وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ صنع ما خلق، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالاشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها، لم يكونها لشدة سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد مثاور (1) ولا ند مكاثر، ولا شريك مكائد (2) لكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون، فسبحان الذي لا يؤده خلق مابتدأ، ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولامن فترة بما خلق اكتفى، علم ما خلق وخلق ما علم لا بالتفكر، ولا بعلم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم، وأمر متقن، توحد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص المجد والثناء، فتمجد بالتمجيد، وتحمد بالتحميد، وعلا عن اتخاذ الابناء، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء (3) وعزوجل عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد (4) الواحد الاحد الصمد المبيد للابد، و الوارث، للامد (5) الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور وبعد


(1) المثاورة من الثورة، وفي البحار بالسين وهو بمعناه، وفي نسخة (د) (مشارد) والمشاردة بمعنى المطاردة، وفي نسخة (ط) و (ن): مشاور ” بالشين المعجمة وهو من خطأ النساخ، وفي الكافي ” ضد مناو ” أي معاد (2) في نسخة (ب) و (ن) ” شريك مكابد ” بالباء الموحدة والدال، وفي الكافي ” مكابر ” بالباء الموحدة والراء. (3) في نسخة (ب) و (د) ” عن ملابسة النساء ” وهو مأخوذ من الاية الكنائية. (4) في نسخة (ب) ” ولم يشرك في حكمه أحد “. (5) أي المهلك المفني للابد والدهر فان الدهر والزمان ليس في جنب أزليته وسرمديتة الا كان. وهو الوارث الباقي بعد فناء الغايات ووصول النهايات، وفي نسخة (ج) ” المؤبد للابد ” وفي نسخة (ط) و (ن) ليس الابد والامد مصدرين بلام التقوية، وقوله: ” الذي – إلى قوله: – صرف الامور ” تفسير لهذا الذي قبله. (*)

[ 44 ]

صرف الامور، الذي لا يبيد ولا يفقد (1) بذلك أصف ربي، فلا إله الا الله من عظيم ما أعظمه، وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا محمد بن العباس بن بسام، قال: حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري، قال: حدثتني عمرة بنت أوس (2) قالت: حدثني جدي الحصين بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي – عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة لما استنهض النا س في حرب معاوية في المرة الثانية. 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب كلهم، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه: الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا، وفي أزليته متعظما بالالهية، متكبرا بكبريائه وجبروته (3) ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق بشئ مما خلق، ربنا القديم بلط ف ربوبيته وبعلم خبره فتق (4) وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق، وبنور الاصباح فلق، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير لصنعه، ولا معقب لحكمه، ولا راد لامره، ولا مستراح عن دعوته (5) ولا زوال لملكه،


(1) في الكافي (الذي لا يبيد ولا ينفد). (2) في نسخة (ط) و (ن) (بنت اويس). (3) أي وكان في ازليته متعظما بالالهية، متكبرا بكبريائه وجبروته، ولا يبعد عطف في أزليته على في أوليته وكون متعظما خبرا بعد خبر وكذا متكبرا. (4) في نسخة (ب) و (و) (وبعلم جبره فتق) بالجيم أي بعلمه الجبروتي الفعلي المتقدم على فتق الامور وتقديرها. (5) مصدر ميمي أو اسم مكان وزمان، وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا مستزاح من دعوته) بالزاي المعجمة والاستزاحة استفعال من الرواح بمعنى الذهاب. (*)

[ 45 ]

ولا انقطاع لمدته، وهو الكينون أولا (1) والديموم أبدا، المحتجب بنوره دون خلقه في الافق الطامح، والعز الشامخ والملك الباذخ، فوق كل شئ علا، و من كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى. وهو بالمنظر الاعلى، فأحب الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره، وسما في علوه، واستتر عن خلقه، و بعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ويكون رسله إليهم شهداء عليهم، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه فيعرفوه بربوبيته، بعد ما أنكروا ويوحدوه بالالهية بعد ما عضدوا (2). 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا رفعه، قال: جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه، فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام مليا، ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم (3) ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتى (4) ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى (5) فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، و


(1) في نسخة (ن) (وهو الكينون أزلا). (2) هو ثلاثي من العضد بمعنى القطع، أو مزيد من التعضيد بمعنى الذهاب يمينا و شمالا، وفي البحار في باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ج) و (ن) وحاشية نسخة (و) و (ب) (بعد ما عندوا). (3) هذه الصفة والثلاثة التي بعدها توضيحية. (4) أي ليس له نهاية بحتى فالتقييد توضيح، وفي نسخة (و) (فيحتى) بالفاء والفعل المجهول من التحتية المجعولة المأخوذة من حتى أي ليس له نهاية فيقال له: انه ينتهي إلى تلك النهاية. (5) المراد بالاختلاف اما اختلاف حقائق الصفات كما يقول به الاشعرية أو توارد الصفات المتضادة، وكل منهما مستلزم للامكان المستلزم للتناهي. (*)

[ 46 ]

لا الالباب وأذهانها صفته فتقول: متى ؟ (1) ولا بدئ مما، ولاظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا (2) خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، و ابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد وأراد ما استزاد، ذلكم الله رب العالمين. 6 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو الذي أنتم عليه (3). 7 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، و يعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول في قوله عزوجل: (وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها) (4) قال: هو توحيدهم لله عزوجل. 8 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن الحارث، عن أبي بصير، قال: أخرج أبو عبد الله عليه السلام حقا، فأخرج منه ورقة، فإذا فيها: سبحان الواحد الذي لا إله غيره، القديم المبدئ الذي لا بدئ له (5) الدائم الذي لانفاد له، الحي الذي لا يموت، الخالق ما يرى، وما لا يرى، العالم كل شئ بغير تعليم، ذلك الله الذي


(1) أي فتقول أنت أو فتقول العقول: متى وجد، والفقرات الثلاث بعدها عطف عليها والتقدير ولا تدرك العقول الخ صفته فتقول مما بدئ وعلى ما ظهر وفيما بطن، ويحتمل أن تكون جملات مستقلة بتقدير المبتدأ و (ما) بمعنى الشئ لا الاستفهامية أي ولا هو بدئ من شئ ولا ظاهر على شئ ولا باطن في شئ. (2) أي ولا هو تارك ما ينبغى خلقه فيقال: هلا تركه. (3) لان ولاية أهل البيت عليهم السلام من شروط التوحيد كما مر في حديث الرضا عليه السلام في الباب الاول فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. (4) آل عمران: 83. (5) على وزان المصدر أو على بناء الصفة المشبهة. (*)

[ 47 ]

لا شريك له. 9 – حدثنا محمد بن القاسم المفسر رحمه الله، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قام رجل إلى الرضا عليه السلام فقال له: يا أبن رسول الله صف لنا ربك فان من قبلنا قد اختلفوا علينا، فقال الرضا عليه السلام: إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس، مائلا عن المنهاج (1) ظاعنا في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، اعرفح بما عرف به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه، ومتدان في بعده لا بنظير، لا يمثل بخليقته، ولا يجور في قضيته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون، ولا يعملون خلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق وبعيد غير متقص، يحقق ولا يمثل، ويوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره، الكبير المتعال. 10 – ثم قال عليه السلام: بعد كلام آخر تكلم به: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: ما عرف الله من شبهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده. (2) والحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في تفسير القرآن. 11 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن يقول: (يا ذا الذي كان قبل كل


(1) في حاشية نسخة (ب) (نائما عن المنهاج). (2) أتى بهذا الحديث دفعا لما يتوهم من معنى الجبر في كلامه عليه السلام، وهذا توهم باطل إذ قد تبين في محله أن كل ما يقع في الوجود يقع طبقا لعلمه السابق ولا يلزم من ذلك الجبر في شئ. (*)

[ 48 ]

شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى كل شئ، وياذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الارضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره) (1). 12 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن سليمان بن راشد. عن أبيه، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الحمد لله الذي لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك. 13 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي (2) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام، ونادى الصلاة جامعة (3) فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال:


(1) لان ما يعبد غيره ليس باله، فان المراد بالاله ههنا ليس المعبود بل الذى له الخلق والامر المستحق بذلك للعبادة، ولهذا الدعاء تمام: (لك الحمد حمدا لا يقوى على احصائه الا أنت فصل على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى على احصائها الا أنت) والدعاء بتمامه مذكور في أعمال أيام شهر رمضان. (2) محمد بن أبي عبد الله الكوفي هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الاسدي الكوفي كما يشهد به اسناد الكليني – رحمه الله – كالحديث الثالث من باب حدوث العالم وغيره في الكافي. (3) الصلاة منصوب بفعل مقدار أي احضروها، وجامعة منصوب على الحال من الصلاة، وهذه الكلمة كانت تستعمل لدعوة الناس إلى التجمع وان لم يكن لاقامة الصلاة، وهذه الخطبة مسماة في نهج البلاغة بخطبة الاشباح مذكورة فيه مع اختلافات وزيادات. (*)

[ 49 ]

الحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الاعطاء (1) إذ كل معط منتقص سواه، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد، وبجوده ضمن عيالة الخلق، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل، وما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فلذ اللجين (2) وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده، لما أثر ذلك في وجوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال مالا ينفذه مطالب السؤال (3) ولا يخطر لكثرته على بال، لانه الجواد الذي لا تنقصه المواهب، ولا ينحله إلحاح الملحين (4) (وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (5)


(1) وفريفر كوعد يعد من الوفور بمعنى الكثرة أي لا يوجب المنع كثرة في خزائنه، وفى نسخة (ب) و (و) و (د) و (ج) (لا يغيره المنع). والاكداء بمعنى الافقار والتقليل أي لا يوجب الاعطاء فقرا وقلة فيها. (2) الفلذ بكسر الفاء وسكون اللام آخره الذال كبد البعير جمعه الافلاذ، وأفلاذ الارض كنوزها، أو بكسر الاول وفتح الثاني جمع الفلذة بمعنى الذهب والفضة، وفي نسخة (د) و (ب) وفي البحار بالزاى المشددة في آخر الكلمة وهو اسم جامع لجواهر الارض كلها، واللجين مصغرا بمعنى الفضة. (3) السؤال كالتجار جمع السائل. (4) ينحله من الانحال أو التنحيل بمعنى الاعطاء أي لايعطيه الحاح الملحين شيئا يؤثر فيه، بل يعطي مسألة السائلين أو يمنعها حسب المصلحة، وهذا نظير ما في آخر دعاء الجوشن الكبير: (يا من لا يبرمه الحاح الملحين) وان كان الالحاح في السؤال لله تعالى ممدوح كما ورد في الحديث، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ب) و (ج) بالباء الموحدة والخاء المعجمة من البخل على بناء التفعيل أي لا يصيره بخيلا أو على بناء الافعال أي لا يجده بخيلا. (5) في حديث رواه في آخر الباب التاسع (ان موسى على نبينا وآله وعليه السلام سأل ربه فقال: يا رب أرني خزائنك، فقال تعالى: يا موسى انما خزائني إذا أردت شيئا أت أقول له كن فيكون). (*)

[ 50 ]

الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي كرامته، وطول ولههم إليه وتعظيم جلال عزه، وقربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم، وهم من ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا: (سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) (1). فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا، سبحانه وبحمده، لم يحدث فيمكن فيه التغير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال (2) ولم يختلف عليه حقب الليالي والايام (3) الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار احتذى عليه من معبود كان قبله (4) ولم تحط به الصفات فيكون بادراكها إياه بالحدود متناهيا، وما زال – ليس كمثله شئ – عن صفة المخلوقين متعاليا (5) وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا (6) وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا، وفات لعلوه على أعلى الاشياء مواقع رجم المتوهمين (7) وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة (8) رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها


(1) قوله: (ان قالوا) بتقدير المضاف خبر لضمير الجمع بعد حيث، وتقدير الكلام: وهم من ملكوت القدس بحيث أنهم من جهة معرفتهم به على ما فطرهم عليه من الروحانية المحضة في منزلة أن قالوا – الخ، وهي منزلة اظهار العجز والجهل بحضرة الربوبية. (2) أي لم يقع التغير والتحول في ذاته تعالى بسبب تكرر الاحوال المختلفة الحادثة في الاشياء. (3) أي ولم يتردد عليه الزمان الذي يتجزأ بالليالي والايام، والحقب كالقفل بمعنى الدهر والزمان ويأتي بمعان اخر، ومر نظير هذا الكلام في صدر الخطبة. (4) أي لم يمتثل في صنعه على مثال ولم يحتذ على مقدار ماخوذين مستفادين من معبود كان قبله تعالى. (5) ليس كمثله شئ معترضة بين زال وخبره. (6) في نسخة (ط) و (ن) (وانحصرت الابصار – الخ). (7) لا يبعد ان يكون (فات تصحيف فاق) وفي نسخة (ب) و (د) (مواقع وهم المتوهمين). (8) الفهاهة: العى. (*)

[ 51 ]

به (1) وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد منزها، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم (2) وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزوه بتقدير منتج خواطرهم (3) وقد روه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم (4) وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الاوهام، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام لانه أجل من أن يحده ألباب البشر بالتفكير، أو يحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه، وحاولت الفكر المبرأة من خطر الوسواس إدراك علم ذاته (5) وتولهت القلوب إليه لتحوي منه مكيفا في صفاته (6) وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته (7) ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، رجعت إذ جبهت


(1) لان ما عداه كائنا ماكان مخلوق له ويمتنع أن يكون المخلوق مشبها بالخالق. (2) في نسخة (ج) (بمثل أصنامهم). (3) جزوه من الجز بمعنى القطع، ومنتج على بناء المفعول من باب الافعال بمعنى النتيجة، وفي البحار وفي نسخة (و) و (ب) (وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم) وفي نسخة (د) (وحدوه بتقدير منتج من خواطر هممهم). (4) الخلق بكسر الاول وفتح الثاني جمع الخلقة، ولا يبعد أن يكون بفتح الاول وسكون الثاني والمختلفة فارغ الضمير، والقوى بالرفع فاعله واللام في قوى بدلا عن الضمير الراجع إلى الخلق، وفي النهج (على الخلقة المختلفة القوى). (5) الفكر جمع الفكرة، وفي النهج (وحاول الفكر المبرأ) وفي نسخة (ج) (وحاولت الفكرة المبرأة). والخطر بالفتح فالسكون مصدر بمعنى الخطور. (6) مكيفا مصدر ميمى بمعنى التكييف والكيفية، مفعول لتحوى، أو على بناء المفعول صفة لمحذوف أي لتحوى منه تعالى شيئا مكيفا في صفاته، أو حال من الضمير، و في النهج (وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته). (7) أي لطفت ودقت طرق تفكير العقول بحيث يمتنع وصفه أي وصف لطف الطرق = (*)

[ 52 ]

معترفة بأنه لا ينال بجوب الاعتساف كنه معرفته (1) ولا يخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه خلاف خلقه، فلا شبه له من المخلوقين (2) وإنما يشبه الشئ بعديله، فأما مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله، والآخر الذي ليس شئ بعده، لا تناله الابصار من مجد جبروته إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته (3) ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته (4) الذي صدرت الامور عن مشيته، وتصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب، وعنت الوجوه من مخافته (5) وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته (6) وصار


= وغموضها، أو الضمير المنصوب يرجع إليه تعالى فالحيثية تعليل، وفي النهج وفي نسخة (ج) (في حيث – الخ)، وفي نسخة (ب) و (د) (لتناول علم الهيته) وفي النهج (لتناول علم ذاته). (1) ردعت جواب إذا، ورجعت عطف بيان له أو بدل، وفي النهج ونسخة (و) معطوفة عليه بالفاء، والجواب قطع البلاد والسير فيها، وسدف جمع سدفة بضم الاول بمعنى الباب أو بفتحة بمعنى الظلمة، وفي نسخة (ط) و (ج) و (ب) (محاوى سدف الغيوب) بالحاء أي مجامعها، وفي نسخة (ن) (بجور الاعتساف). (2) في نسخة (و) و (ج) و (ب) و (د) (في المخلوقين)). (3) أي لا تنفذ الابصار في ثخن كثافة الحجب، هكذا في النسخ، ومقتضى القاعدة كثافتها، وفي حاشية نسخة (ب) (إذ حجبها بحجاب – الخ). (4) أي ولا تخرق الابصار متوجهة إلى الله ذي العرش ستراته المتينة الخصيصة به حتى تراه. (5) في البحار وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (وعنت له الوجوه من مخافته). (6) أي في بدائع الله الذي أحدث الامور، والضمير المنصوب باحدث لا يرجع إلى بدائع لان الصلة لاتعمل في ما اضيف إلى الموصول لان المضاف حينئذ يصير تعريفه بالموصول دوريا. وفي حاشية نسخة (ب) (وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار حكمته) فيستقيم = (*)

[ 53 ]

كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه (1) فإن كان خلقا صامتها فحجته بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق، فأحكم تقديره، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه، ووجهه بجهة (2) فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته (3) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته، ولم يستعصب إذ أمره بالمضي إلى أرادته، بلا معاناة للغوب مسه (4) ولا مكائدة لمخالف له على أمره (5) فتم خلقه، وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ ولا أناة المتلكئ (6) فأقام من


= الكلام ويرجع الضمير إلى البدائع، وفي النهج (وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته وأعلام حكمته). (1) في نسخة (ب) و (و) و (د) فصار كل شئ – الخ). (2) في النهج (ووجهه لو جهته). (3) أي فلم يبلغ مما خلق شئ حدود منزلة الحق تعالى، وفي البحار وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) (فلم يبلغ منه شئ محدود منزلته) وفي النهج (فلم يتعد حدود منزلته) أي فلم يتعد شئ حدود منزلته التي وضعها الله تعالى له، وما في النهج أنسب بالفقرات السابقة. (4) قوله. (بلا معاناة) متعلق بقوله: (فقدر ما خلق – الخ). (5) في نسخة (ب) (ولا مكابدة) بالباء الموحدة والدال. وفي نسخة (ط) ولا مكابرة بالباء الموحدة والراء. (6) أي ووافي كل شئ الوقت الذي أخرج ذلك الشئ إليه اجابة لامره التكويني كاجابة السماء والارض في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) قوله: (لم يعترض – الخ) صفه لاجابة، واعترض دون الشئ أي حال دونه، والمعنى اجابة لم يعترض دونها بطوء المبطئ ولا تأني المتوقف المتعلل، وفي نسخة (و) و (د) وفي حاشية نسخة (ب) (ولا أناة المتكلئ) وهو بمعنى المتأخر، وهذا الكلام كناية عن عدم تأخر مراده تعالى عن ارادته فانه إذا أراد شيئا فانما يقول له كن فيكون. (*)

[ 54 ]

الاشياء أودها (1) ونهى معالم حدودها، ولام بقدرته بين متضادتها (2) ووصل أسباب قرائنها (3) وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الاقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها. أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته (4) ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ندله، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون: (تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) (5) فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لانه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا (6) المنشئ أصناف الاشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث


(1) في نسخة (ط) و (ن) و (ب) (وأقام – الخ). (2) في النهج والبحار وفي نسخة (ب) و (و) (ولاءم بقدرته – الخ) من باب المفاعلة. (3) في نسخة (و) (ووصل أسباب قرابتها). (4) التلاحم: الالتصاق والالتيام بين الاجسام، وأحقاق جمع حق بالضم وهو رأس الورك الذي فيه عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة، أي ان من شبه ربنا الجليل بالخلق ذي الاعضاء المتباينة والاحقاق المتلاحمة المحتجبة بالجلد واللحم كائنا ذلك بتدبير حكمته أنه لم يعرفه بقلبه، وأن هذه خبر لان الاولى. و (من) الموصولة بعدها اسمها. (5) الشعراء: 98. (6) حواصل جمع حوصلة وهي في الطيور بمنزلة المعدة، واضافتها إلى الرويات من قبيل اضافة الظرف إلى المظروف وفيها لطف. (*)

[ 55 ]

الدهور (1) ولا شريك أعانة على ابتداع عجائب الامور، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الاقطار والنواحي المختلفة فطبقاته، و كان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره (2) فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الانداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) (3) ما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته (4) وأتم به (5) واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة اوتيتهما فخذما اوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عزوجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك. واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب


(1) أقادها أي اقتناها واكتسبها، وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) أفادها من موجودات الدهور، وفي حاشية نسخة (د) و (ب) (استفادها من موجودات الدهور) وفي النهج (أفادها من حوادث الدهور). (2) قوله: (وكان عزوجل الموجود – الخ) عطف على مدخول (لما) أي الموجود بذاته الواحدة وحده حقيقية لا بأجزاء هي اداته وآلاته للادراك والفعل كالانسان، وفي نسخة (و) و (د) (لا بآياته) التي هي مخلوقاته فيكون موجودا بالغير، فان الوجود ينقسم إلى ما بالذات وما بالغير، وقوله: (انتفى) جواب لما، أي امتنع عن أن يكون في تقدير مقدر و تحديد محدد. (3) الزمر: 67. (4) في نسخة (و) و (ج) (لتوسل بينك – الخ). (5) في نسخة (ط) و (ن) (فأتم به). (*)

[ 56 ]

فقالوا: (آمنا به كل من عند ربنا) (1) فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله (سبحانه) على قدر عقلك فتكون من الهالكين. 14 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني جعفر بن محمد الاشعري، عن فتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد فكتب إلي بخطه – قال جعفر: وإن فتحا أخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي – الحسن عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيته، الدال على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله، وبأشباههم على أن لاشبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من الصفات ذاته (2) ومن الابصار رؤيته، ومن الاوهام الاحاطة به لا امد لكونه ولاغاية لبقائه لا يشمله المشاعر و لا يحجبه الحجاب فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب، والحاد والمحدود، أحد لا بتأويل عدد، الخالق لا بمعنى حركة (3) السميع لا بأداة، البصير لا بتفريق آلة، الشاهد لابمماسة، البائن لاببراح مسافة (4) الباطن لاباجتنان،


(1) الغيب المحجوب هنا والغيب المكنون الذي ذكر في الحديث الثالث هو مقام ذات الواجب الذي لا يناله أحد حتى الراسخين في العلم. والاية في آل عمران: 7. (2) أي من الوصف إذ لا يدرك ذاته حتى توصف، أو المعنى ليس مقام أحدية ذاته مقام الصفات والاسماء إذ ليس في ذلك المقام الشامخ اسم ولا صفة ولا اشارة ولا معرفة. (3) أي ليس ايجاده بالحركة كايجادنا. (4) البراح بمعنى الزوال أي بائن عن خلقه لا ببعده عنهم بالمسافة، وفي الكافي في = (*)

[ 57 ]

الظاهر لا بمحاذ، الذي قد حسرت دون كنهه نواقد الابصار (1) وامتنع وجوده جوائل الاوهام (2). أول الديانة معرفته، وكمال المعرفة توحيده، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة، و شهادتهما جميعا على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الازل (3) فمن وصف الله فقد حده ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال: كيف فقد استوصفه، و من قال: على م فقد حمله، ومن قال: أين فقد أخلى منه، ومن قال: إلى م فقد وقته، عالم إذلا معلوم، وخالق إذ لا مخلوق، ورب إذ لامربوب، وإله إذ لامالوه وكذلك يوصف ربنا، وهو فوق ما يصفه الواصفون. 15 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن التوحيد، فقال: واحد، صمد، أزلي، صمدي (4)


= باب جوامع التوحيد في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي نهج البلاغة (لا بتراخي مسافة). (1) في نسخة (د) و (ب) (الظاهر الذي قد حسرت دون كنهه نوافذ الابصار) وفي الكافي (قد حسر كنهه نوافذ الابصار). (2) في البحار وفي نسخة (ب) (واقمع وجوده – الخ)، وفي الكافي (وقمع وجوده – الخ) وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (واقمع وجوده جوائد الاوهام). (3) البينة كالجلسة مصدر بمعنى البينونة، وفي الكافي (بالتثنية الممتنعة من الازل) وفي نسخة (ط) (بالبينة الممتنع فيها الازل) وفي حاشية نسخة (ن) (بالبينة الممتنع بها الازل). (4) النسبة للمبالغة كالاحدى، وكذا فرداني وديمومي، ولعله عليه السلام أراد به معنى و بما قبله معنى آخر فان للصمد معاني تصح على الله تعالى يأتي ذكرها في الباب الرابع. (*)

[ 58 ]

لا ظل له يمسكه، وهو يمسك الاشياء بأظلتها (1) عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل (2) فرداني، لاخلقه فيه ولا هو في خلقه، غير محسوس ولا مجسوس ولا تدركه الابصار، علا فقرب، ودنا فبعد، وعصى فغفر، واطيع فشكر، لا تحويه أرضه، ولا تقله سماواته، وإنه حامل الاشياء بقدرته، ديمومي، أزلي، لا ينسى، ولا يلهو (3) ولا يغلط، ولا يلعب، ولا لارادته فصل (4) وفصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفوا أحد. 16 – وبهذا الاسناد، عن علي بن العباس، قال: حدثنا يزيد بن عبد الله عن الحسين بن سعيد الخزاز، عن رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله غاية من غياه، والمغيى، غير الغاية، توحد بالربوبية، ووصف نفسه بغير محدودية، فالذاكر الله غير الله، والله غير أسمائه (5) وكل شئ وقع عليه اسم شئ سواه فهو


(1) للظل معان، والكلام من العلماء والمفسرين في تفسير الظل في الكتاب والاحاديث كثير مختلف، والانسب الاقرب هنا أن يقال: الظل من كل شئ كنهه ووقاؤه الذي يصان به عن الفساد والبطلان، وكل موجد انما يصان عن الفساد والعدم بعلته ومبدئه فالمعنى أنه تعالى لا مبدأ له يمسكه ويصونه عن العدم. بل هو موجود بنفسه ممتنع عليه العدم وهو تعالى مبدء الاشياء يمسكها ويقيمها ويصونها عن التلاشي والعدم مع أظلتها أي مع مباديها الوسطية التى هي أيضا من جملة الاشياء الممكنة. (2) أي عارف بما يجهله غيره، ويعرفه كل أحد بفطرته وان كان من الجهال. (3) وفي نسخة (ب) (ولا يلهم) على بناء المجهول من الالهام. (4) أي لافصل بين ارادته، ومراده، أولا مانع لارادته بل هي نافذة في الاشياء كلها. (5) النغيية جعل الشئ غاية للسلوك والحركة، والغاية لابد أن تقع في الذهن ابتداء السلوك حتى تكون باعثة له، فمعنى الكلام أن الله تعالى يصح أن يجعله الانسان غاية لسلوكه الانساني ولكن المغيي أي الذي يقع في الذهن قبل السلوك غير الله الذي هو غاية موصول بها بعد السلوك لان ما هو واقع في الذهب محدود. والله تعالى وصف نفسه بغير محدودية فالذاكر الله الذي هو مفهوم واقع في ذكرك وذهنك ويوجب توجهك وسلوكك إلى الله تعالى =

[ 59 ]

مخلوق (1) ألا ترى قوله: (العزة لله، العظمة لله)، وقال: (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) (2) وقال: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى) (3) فالاسماء مضافة إليه، وهو التوحيد الخالص (4). 17 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي أبو الحسين (5)، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين ابن يزيد، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس


= غير الله الذي هو مصداق تام حقيقي لهذا المفهوم وموصل وموصول لك في سلوكك إليه، فإذا كان هذا المفهوم غير الله فاسمائه التي تحكى عن هذه المفاهيم غير الله بطريق أولى، بل هي مضافة إليه اضافة ما، فما ذهب إليه قوم من اتحاد الاسم والمعنى باطل. (1) قد استعمل الاسم في لسان الشرع الاقدس في اللفظ الدال وفي مفهوم اللفظ، وبمعنى العلامة وفي صفة الشي، والمناسب هنا الاول والثاني، فمعنى الكلام أن كل شئ وقع عليه لفظ الشئ أو مفهوم الشئ سوى الله تعالى فهو مخلوق وان كان ذلك الشئ اسما من أسمائه تعالى أو مفهوما ينطبق عليه، واستدل عليه السلام للثاني باضافة العزة والعظمة إلى الله تعالى فان الاضافة تدل على المغايرة لان الشئ لا يضاف إلى نفسه، واستدل للاول بالايتين فان المدعو غير المدعو به. (2) الاعراف: 180. (3) الاسراء: 110. (4) أي تنزيهه تعالى عن أن يكون متحدا مع الاسم، أو أن يكون هو تعالى ما يقع في الذهن، هو التوحيد الخالص فان كل ما صورتموه بأوهامكم في أدق المعاني فهو مخلوق لكم مردود اليكم فهو تعالى ذات ليست بنفس هذه الاسماء ولا هذه المفاهيم ولا بمصداقها على حد ما نتصوره من المصاديق الممكنة، بل هو شئ لا كالاشياء، وعالم لا كالعلماء، وحي لا كالاحياء، وقادر لا كالقادرين، وهكذا. (5) هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الاسدي الكوفي، ثقة. (*)

[ 60 ]

لا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الالسن، فكل شئ حسته الحواس أو جسته الجواس أو لمسته الايدي فهو مخلوق، والله هو العلي حيث ما يبتغى يوجد، والحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان (1) لم يوجد لوصفه كان (2) بل كان أولا كائنا (3) لم يكونه مكون، جل ثناؤه، بل كون الاشياء قبل كونها (4) فكانت كما كونها، علم ما كان وما هو كائن، كان إذ لم يكن شئ ولم ينطق فيه ناطق (5) فكان إذلا كان. 18 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن بردة (6)، قال: حدثني العباس بن عمرو الفقيمي، عن


(1) هذه والجملة الاخيرة في الحديث والتي قبلها بمثابة واحدة، أي كان قبل أن يكون شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، وكان إذ لا شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، كما يقال: صرت إلى كان وكنت أي صرت إلى أن يقال فيك: كان فلان كذا وكذا وكنت أنا فيما كنت من قبل، وحاصل الكلام كله نفي أن يكون معه تعالى في أزليته شئ. (2) أي لم يوجد لوصفه تغير فيقال: كان كذا ثم صار كذا، وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (لا يوجد – الخ). (3) في البحار في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ص 298 (بل كان أزلا كان كائنا – الخ) وفي نسخة (ط) (بل كان أزلا كائنا – الخ). (4) قبلية التأثير على الاثر التي يقال لها التقدم بالعلية، لاقبلية بالزمان فان تكوين الشئ يمتنع أن يكون قبل كونه زمانا. (5) أي في الله تعالى، ويحتمل رجوع الضمير إلى شئ أي كان إذ لم يكن شئ ولم يكن ناطق فينطق في ذلك الشئ. (6) في نسخة (ب) و (د) (الحسين بن بردة) وفي الكافي باب حدوث العالم روي حديثا عن الرضا عليه السلام مع رجلا من الزنادقة سنده هكذا: حدثني محمد بن جعفر الاسدي عن محمد بن اسماعيل البرمكي الرازي، عن الحسين بن الحسن بن برد (بدون التاء في = (*)

[ 61 ]

أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته عليه السلام (1) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع. فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والاوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والابصار عن الاحاطة به ؟ جل عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في بعده قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال له: كيف وأين الاين فلا يقال له أين، إذ هو مبدع الكيفوفية والاينونية (2) يا فتح كل جسم مغذي بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جسم الاجسام، وهو ليس بجسم ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرء من ذات ما ركب في ذات من جسمه (3) وهو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الاحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الاشياء (4) ومجسم الاجسام، و مصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره و


= آخر الكلمة) الدينوري – الخ، وما في الكافي مذكور في الكتاب في الباب السادس والثلاثين وليس في سنده هذا الرجل، ولم أجد له ذكرا فيما عندي من كتب الرجال. (1) يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام بشهادة الحديث الرابع عشر. (2) في نسخة (ب) (مبدء الكيفوفية – الخ). (3) أي هو تعالى منزه من ذوات الاشياء والاجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من أوجده جسما. (4) في حاشية نسخة (ب) (مشيئ الاشياء). (*)

[ 62 ]

شيئه وبينه (1) إذ كان لا يشبهه شئ. قلت: فالله واحد والانسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية ؟ فقال: أحلت ثبتك الله (2) إنما التشبيه في المعاني فأما في الاسماء فهي واحدة (3) وهي دلالة على المسمى (4) وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، والانسان نفسه ليس بواحد، لان أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء (5) دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره. وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالانسان واحد في الاسم، لا واحد في المعنى (6) والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف


(1) قوله: (فرق) على صيغة المصدر مبتدء خبره (بين من جسمه – الخ) وقوله: (بينه) معادلة بين الاولى، ويحتمل أن يكون ماضيا من باب التفعيل أي جعل بينه تعالى و بين من جسمه – الخ تفرقة ومباينة، ويحتمل بعيدا أن يكون قوله: (بينه) فعلا من النبيين إذ لا يناسب قوله: (إذ لا يشبهه شئ)، وقوله: (شيئه) من باب التفعيل أي جعله شيئا بالجعل البسيط أو المركب، وفي الكافي باب معاني الاسماء (وأنشأه) مكان (شيئه). (2) أي أتيت بشئ محال. (3) أي انما التشبيه الذي ننفيه عنه تعالى في الحقائق فأما في الاسماء أي الالفاظ أو المفاهيم (والثاني أقرب) فالتشبيه واقع لانها فيه تعالى وفي غيره واحدة متشابهة ولا يضر ذلك بوحدة ذاته تعالى، ويمكن أن يقرأ بالنصب أي انما ننفي عنه التشبيه في المعاني وفي البحار وفي نسخة (ج) (وأما في الاسماء). (4) أي والالفاظ دلالة على المفهوم أو والمفاهيم دلالة على المصداق والحقيقة، و شباهة الدال بشئ لا تستلزم شباهة المدلول للمغايرة بينهما ذاتا. (5) قوله: (ليس سواء) خبر لهو بعد خبر، وفي الكافي وفي حاشية نسخة (ط) و (ن) (ليست بسواء) فصفة لاجزاء بعد صفة. (6) في نسخة (ط) و (ن) فالانسان واحد بالاسم لا واحد بالمعنى. (*)

[ 63 ]

فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد. قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل، غير أني احب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار (1) وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار و إفهام بعضها عن بعض منطقها (2) وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع (3) والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ. قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين) (4) فقد أخبر أن في عباده خالقين (5) منهم عيسى ابن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار، قلت: إن عيسى خلق من الطين طيرا


(1) في البحار (سما في لجج البحار) وفي الكافي (وما في لجج البحار) (2) استعمل الافهام ههنا بمعنى التفاهم إذ تعدى بعن. (3) قوله: (وان كل صانع شئ – الخ) جملة مستأنفة، ويحتمل بعيدا عطفه على مدخول علمنا. (4) المؤمنون: 14. (5) هذا لا ينافي قوله تعالى: (الله خالق كل شئ) إذ هو تعالى خالق كل شئ بواسطة أو بلا واسطة، فاسناد خلق بعض الاشياء إلى الوسائط لا يخرجه عن كونه مخلوقا له تعالى. (*)

[ 64 ]

دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ؟ إن هذا لهو العجب، فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم (1) ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله (2) وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، و شاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ ان لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عزوجل (3)


(1) ان لله تعالى اردة عزم سماها المتكلمون بالارادة التشريعية هي أمره ونهيه بل نفس تشريعه، والتشريع هو تعليم الله تعالى عبادة كيفية سلوكهم في طريقة العبودية وهذه لا تأثير لها في شئ من أفعال العباد الا أن لها شأنية بعثهم للافعال والتروك. وارادة حتم سموها بالتكوينية ولها تعلق بأفعالهم بمعنى أنه تعالى يريد أفعالهم من طريق اختيارهم وارادتهم، وبعبارة اخرى أن فعل العبد لا يقع في ملكه تعالى الا بارادته تعالى جميع مقدماته التي منها اختيار العبد الموهوب من عند الله تعالى، فان الله تعالى يريد فعل العبد هكذا وإذا لم يرده يبطل بعض المقدمات فيبقى عاجزا، فالعبد دائما مقهور في فعله تحت ارادة الله لان بيده الاختيار فقط الذي هو موهوب من الله تعالى وباقي المقدمات خارج من يده، فان تمت واختار العبد وقع الفعل والافلا، والمدح والذم دائما يتوجهان إلى العبد في فعله وتركه لانه عند نقصان المقدمات لايذم ولا يمدح لعجزه عن اتيان الفعل وتركه بل تارك قهرا وعند تمامها يختار أولا يختار فيمدح أو يذم، وباقي الكلام في الابواب الاتية المناسبة له. (2) أي ولو أكلا مع عدم مشية الله تعالى للاكل بابطال بعض المقدمات لغلبت الخ. (3) أي شاء عدم الذبح بتحقيق علته وهي عدم علة الذبح التامة فان علة عدم الشئ عدم علته، وعدم علة الذبح تحقق بابطال تأثير السكين، وأما ابراهيم عليه السلام فشاء أن يذبحه فوقع ما شاء الله ولم يقع ما شاء ابراهيم وان كان مأمورا بايقاعه، ولو لم يشأ الله أن لا يذبحه وشاء ابراهيم أن لا يذبحه في هذه الصورة التي لم يقع الذبح لغلبت مشيئة ابراهيم مشية الله. وفي الكافي باب المشيئة والارادة: (وأمر ابراهيم أن يذبح اسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله تعالى) أي ولو شاء لذبحه وما غلبت مشيئة ابراهيم = (*)

[ 65 ]

قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالاذن وبصير بالعين ؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين، ولمالم يشتبه عليه ضروب اللغات ولم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين. قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك. قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ (1) قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (2) وقوله: (ولعلا بعضهم على بعض) (3) وقال يحكي قول أهل النار: (أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) (4) وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (5) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون. فقمت لا قبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت و بي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عزوجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة (6) كما منعهما من الاكل منها


= مشيئة الله تعالى لتوافق المشيئتين، ثم ان المأمور بالذبح في رواية الكافي اسحاق، وفي نسخة (و) و (ب) و (ج) و (د) لم يذكر الاسم بل فيها هكذا: (وأمر ابراهيم بذبح ابنه عليهما السلام – الخ) لكن الاخبار الكثيرة صريحة في أن المأمور بالذبح هو اسماعيل عليه السلام. (1) (أن) بالفتح مع ما بعده مأول بالمصدر وبدل اشتمال للشئ الذي هو مفعول يعلم. (2) الانبياء: 22. (3) المؤمنون: 91. (4) فاطر: 37. (5) الانعام: 28. (6) هذا لازم مشيته تعالى لفعل العبد على النحو الذي بيناه. (*)

[ 66 ]

بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولو شاء عزوجل منعهما من الاكل بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته كما قال العالم عليه السلام، تعالى الله عن العجز علوا كبيرا. 19 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن جعفر البغدادي، عن سهل بن زياد، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام، أنه قال: (إلهي تاهت أوهام المتوهمين وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوك (1) فأنت في المكان الذي لا يتناهى (2) ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة (3) هيهات ثم هيهات، يا أولي، يا وحداني، يافرداني (4) شمخت في العلو بعز الكبر، وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية بجبروت الفخر). 20 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبو سمينة، عن إسماعيل بن أبان، عن زيد بن جبير، عن جابر الجعفي، قال: جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسرها لي، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف غير ما قال الآخر، فقال أبو جعفر عليه السلام: وما ذلك ؟ فقال: أسألك، ما أول ما خلق الله عزوجل من خلقه ؟ (5) فإن بعض من سألته قال:


(1) أي الوقوع عليك بسبب البلوغ إلى علوك، والوقوع بمعنى الوقوف والاطلاع. (2) في نخسة (د) و (و) و (ب) (فأنت الذي لا يتناهى). (3) (ولا عبارة) متعلق بمحذوف إذ لا يستقيم قولنا: ولم تقع عليك عيون بعبارة أو المراد بالعيون مطلق الادراكات. (4) ياءات النسبة للمبالغة، وفي نسخة (ب) و (د) (يا أزلي). (5) في نسخة (ج) فقال: (أسألك عن أول – الخ). (*)

[ 67 ]

القدرة، وقال بعضهم: العلم، وقال بعضهم: الروح، فقال أبو جعفر عليه السلام: ما قالوا شيئا، اخبرك أن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز لانه كان قبل عزه (1) وذلك قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) (2) وكان خالقا ولا مخلوق (3) فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الاشياء منه، وهو الماء (4) فقال السائل: فالشئ خلقه من شئ أو من لا شئ ؟ فقال: خلق الشئ لامن شئ كان قبله، ولو خلق الشئ من شئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل الله إذا ومعه شئ (5) ولكن كان الله ولا شئ معه، فخلق الشئ الذي جميع الاشياء، منه، وهو الماء. 21 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في سجوده: (يا من علا فلا شئ فوقه، يامن دنا فلا شئ دونه، اغفر لي ولاصحابي).


(1) أي كان عزيزا بذاته ولم يظهر عزه على خلقه لانه كان قبل ظهور عزه على خلقه إذ كان ولا شئ غيره. (2) الصافات: 180. (3) أي كان تاما بذاته في جهات الخلق والايجاد من دون توقف في خلقه على شئ ولا انتظار لشئ ولا مخلوق. (4) ان كان المراد به الماء الجسماني فهو أول شئ من الجسمانيات، وان استعاره لاول شئ صدر منه تعالى فهو أول الاشياء مطلقا الذي عبر عنه في أخبار بالعقل والنور، والثاني أظهر لشهادة ذيل الحديث. (5) أجاب عليه السلام عن أول شقي الترديد في السؤال بلزوم التسلسل أو أن يكون لله تعالى ثان في الازلية، ولم يجب عن الشق الثاني لظهور أن لا شئ لا يكون مبدءا للشئ، فتعين الشق الثالث وهو خلق الشئ لامن شئ بان يكون هو تعالى بذاته مبدءا له، ولصاحب الكافي بيانا في باب جوامع التوحيد لنظير هذا الكلام في حديث لامير المؤمنين عليه السلام فليراجع. (*)

[ 68 ]

22 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن سهل ابن زياد، عن أحمد بن بشر (1) عن محمد بن جمهور العمي، عن محمد بن الفضيل بن يسار، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال في الربوبية العظمى والالهية الكبرى: لا يكون الشئ لامن شئ إلا الله، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر آخر إلا الله، ولا ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله (2). 23 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي، عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن أبيه، عن ابائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله، ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني. 24 – حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الاشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء (3) عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: التوحيد نصف الدين، واستنزلوا الرزق بالصدقة (4). 25 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين


(1) في نسخة (ج) (أحمد بن بشير). (2) مضمون هذا الحديث معنى قولهم: (لا مؤثر في الوجود الا الله) فكل ما يقع في الوجود من دون أن يكون من شئ فهو من تكوينه وابداعه، فكل مصنوع لكل أحد الا الله فيه شئ كان قبله وشئ حادث افاضه الله تعالى. (3) كذا راجع ص 377. (4) التوحيد بشروطه من سائر الاعتقادات الحقة نصف الدين، والنصف الاخر العمل بما اقتضاه التوحيد، وقوله: (واستنزلوا – الخ) تنبيه على أن هم الرزق لا يشغلهم عن الدين وتحصيل معارفه فانه مقسوم بينكم مضمون لكم يصل اليكم من رازقكم، فان قدر عليكم في بعض الاحيان فاستنزلوه واطلبوا السعة بالصدقة والانفاق كما قال تعالى: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله). (*)

[ 69 ]

السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن داود بن القاسم، قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليهما السلام، يقول: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون) (1). 26 – حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة، فقال: الحمد لله الذي لامن شئ كان، ولا من شئ كون ما قد كان، مستشهد بحدوث الاشياء على أزليته (2) وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية، ولاله شبه مثال فيوصف بكيفية (3) ولم يغب عن علمه شئ فيعلم بحيثية (4) مبائن لجميع ما أحدث في


(1) النحل: 105. (2) في البحار (المستشهد – الخ). (3) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (ولاله شبح مثال – الخ). (4) (فيعلم) على صيغة المعلوم والمستتر فيه يرجع إلى الله تعالى ومفعوله محذوف، أي لم يغب عن علمه شئ فيعلمه بحيثية دون حيثية بل أحاط بكل شئ علما احاطه تامة، أو المعنى لم يخرج عن علمه شئ حتى يعلم ذلك الشئ بصورته التي هي حيثية من حيثياته، وفي البحار (ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية) ويحتمل أن يكون على صيغة المجهول كالفعلين قبله، وفي نسخة (ط) و (ج) و (د). (بحيثية) بالاضافة إلى الضمير وكذا (بكيفيته) وفي نسخة (ن) و (ب) كذلك في (باينيته أيضا). (*)

[ 70 ]

الصفات، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات (1) وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده (2) و على عوامق ناقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات الفطر تصويرة (3) لا تحويه الاماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه، ممتنع عن الاوهام أن تكتنهه، وعن الافهام أن تستغرقه (4) وعن الاذهان أن تمثله، قد يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم (5) واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الاجناس، ولا بشبح فتضارعه الاشباح، ولا كالاشياء فتقع عليه الصفات، قد ضلت العقول في أمواج


(1) (بما) متعلق بالادراك أي يمتنع أن يدرك ذاته بما ابتدع من الذوات الممكنة المتغيرة المتصرفة لان ذاته مبائنة لهذه الذوات والشئ لا يعرف بمبائنه. (2) هذا من اضافة الصفة إلى الموصوف أي الفطن الثاقبة البارعة، وكذا فيما بعده. (3) في البحار (النظر)) مكان (الفطر)، وهو أنسب لان الغوص من شؤون النظر الذي يغوص في بحار المبادى ويأخذ ما يناسب مطلوبه التصوري أو التصديقي وأما الفطرة فساكنة مطمئنة تنظر دائما بعينها إلى جناب قدس الرب تعالى وعينها عمياء عما سواه، وهذا هو الدين القيم الحنيف الذي أمر باقامة الوجه له في الكتاب. (4) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ط) (ان تستعرفه). (5) الباء بمعنى مع والى متعلق بالسمو، أي رجعت الخصوم اللطيفة الدقيقة مع الذل والحقارة عن التصعد إلى وصف قدرته، والمراد بالخصوم الاوهام وانما اطلق الخصم على الوهم لانه يخاصم وينازع العقل فيما هو خارج عن ادراكه فيشبهه في الاحكام بما هو في ادراكه، ويحتمل أن يكون المراد بها الافكار القوية التي تنازع جنود الجهل وتفتح قلاع المجملات والمجهولات لسلطان النفس وهي مع ذلك ترجع من تلك المعركة مهانة ذليلة مقهورة. (*)

[ 71 ]

تيار إدراكه، وتحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته (1) وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته (2) مقتدر بالآلاء (3) وممتنع بالكبرياء ومتملك على الاشياء (4) فلا دهر يخلقه (5) ولا وصف يحيط به، قد خضعت له ثوابت الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها (6) مستشهد بكلية الاجناس على ربوبيته (7) وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه، فلالها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها (8) ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع عليها دلالة (9) و بحدوث الفطر عليها قدمة (10) وبإحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه حد منسوب، و


(1) في نسخة (و) و (د) و (ب) (وتخبطت الاوهام – الخ). (2) الفلك من كل شئ مستداره ومعظمه. (3) أي مقتدر على الآلاء، أو مقتدر على الخلق بالآلاء بأن يعطيهم اياها ويمنعهم اياها. (4) في نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (ومستملك بالاشياء). (5) من الاخلاق أي لا يبليه دهر. (6) الظاهر أن المراد بثوابت الصعاب ما في الارض من اصول الكائنات وبرواصن الاسباب ما في السماوات من علل الحادثات، وفي البحار وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (رواتب الصعاب). (7) أي بكل ضرب من ضروب الاشياء وكل قسم من أقسام الموجودات. (8) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (ولا احتجار عن احصائه لها) من الحجر بمعنى المنع. (9) أي بالطبع المركب على الاجناس، أو مصدر ميمى بمعنى تركيب الطبع عليها. (10) أي كفى بحدوث الايجاد على الاجناس أو حدوث التفطر والانعدام عليها دلالة. على قدمته. (*)

[ 72 ]

لا له مثل مضروب، ولا شئ عنه محجوب، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا. وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته، وخلافا على من أنكره، وأشهد أن محمد عبده ورسوله المقر في خير مستقر، المتناسخ من أكارم الاصلاب ومطهرات الارحام (1) المخرج من أكرم المعادن محتدا، وأفضل المنابت منبتا، من أمنع ذروة، وأعز ارومة، من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه (2) وانتجب منها امناءه الطيبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار الكريمة الحشا، في كرم غرست، وفي حرم انبتت، وفيه تشعبت، وأثمرت، و عزت، وامتنعت، فسمت به (3) وشمخت حتى أكرمه الله عزوجل بالروح الامين والنور المبين والكتاب المستبين، وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الا باليس، وهدم به الاصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل وحكمه الحق، صدع بما أمره ربه، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى خلصت له الوحدانية وصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلى بالاسلام درجته، واختار الله عزوجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة، صلى الله عليه عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين، وآله الطاهرين. 27 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن علي بن معن، قال: حدثنا محمد بن علي بن عاتكة، عن الحسين بن النضر الفهري، عن عمرو الاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر


(1) المقر بصيغة المفعول من باب الافعال، والمتناسخ بمعنى المنتقل. (2) في ابراهيم عليه السلام، وفي الحديث (ما من نبي بعده الا من صلبه) كما قال تعالى: (و.. لنا في ذريته النبوة والكتاب). (3) الضمير المجرور اما يرجع إلى حرم فالباء للظرفية، ويحتمل التعدية أو إلى محمد صلى الله عليه وآله، فللسببية، والضمائر المؤنثة كلها راجعة إلى الشجرة. (*)

[ 73 ]

ابن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه واله وسلم بسبعة أيام، و ذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال: الحمد لله الذي أعجز الاوهام أن تنال إلا وجوده (1) وحجب العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته، ولم يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الاشياء لا على اختلاف الاماكن، وتمكن منها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة – لا يكون العلم إلا بها – (2) وليس بينه وبين معلومه علم غيره، إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: لم يزل فعلى تأويل نفى العدم (3) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا. ونحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول، وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، و بهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادتين يدخلون الجنة، وبالصلاة ينالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. أيها الناس إنه لاشرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب، ولا نسب أوضع من الغضب، ولا


(1) أي لا يدرك منه الا أنه تعالى موجود وأما ذاته فلا، وفي البحار باب جوامع التوحيد عن تحف العقول: (أعدم الاوهام أن تنال إلى وجوده) أي إلى ذاته. (2) هذه الجملة صفة لاداة والضمير المجرور بالباء يرجع إليها، أي علم الاشياء لا باداة لا يكون علم المخلوق الا بها. (3) أي ليس كونه وبقاؤه مقرونين بالزمان على ما يفهم من كلمة كان ولم يزل. (*)

[ 74 ]

جمال أزين من العقل، ولا سوء أسوء من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا لباس أجمل من العافية، ولا غائب أقرب من الموت. أيها الناس إنه من مشى على وجه الارض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار مسرعان في هدم الاعمار، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، و أنتم قوت الموت، وإن من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لا قلاله. أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، وما شر بشر بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية. 28 – حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك ان الانبياء معصومون، قال: بلى، قال: فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عزوجل في إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي اخفي فيه، فلما جن عليه الليل و رأى الزهرة قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل الكوكب قال: (لا احب الآفلين) لان الافول من صفات المحدث لامن صفات القديم، فلما رأى القمر بازغا قال: هذا ربي على الانكار والاستخبار، فلما أفل قال: (لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) فلما أصبح (ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الانكار والاستخبار لا على الاخبار


[ 75 ]

والاقرار، فلما أفلت قال للاصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: (يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين) وإنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والارض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عزوجل وآتاه كما قال الله عزوجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (1) فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام. 29 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن إبراهيم ابن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس، ولا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الالسن، وكل شئ حسته الحواس أو لمسته الايدي فهو مخلوق، الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شئ غيره، وكون الاشياء فكانت كما كونها، وعلم ما كان وما هو كائن. 30 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، وهو يكلم راهبا من النصارى، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه. الاوهام، أو تحيط به صفة العقول (2) أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة


(1) الانعام: 83. والايات قبل هذه الاية. (2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) و (ج) و (و) (أو تحيط بصفته العقول). (*)

[ 76 ]

ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن فكان خبرا كما أراد في اللوح (1). 31 – حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن أنكر قدرته فهو كافر. 32 – حدثنا أبي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمهما الله، قالا: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا، وإنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لايجور، والجواد الذي لا يبخل، و إنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الاوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير (ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) وهو الاول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى


(1) قوله: (خبرا) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء بمعنى العلم وهو بمعنى الفاعل حال من فاعل (شاء)، وفي نسخة (و) و (د) و (ب) بالجيم والباء الموحدة، أي شاء من دون خيرة للمخلوق فيما كان بمشيئته، وفي البحار باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة (ج) بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت، وقوله: (كما أراد – الخ) أي ما حدث في الوجود بقوله كن كان كما أراد وأثبت في لوح التقدير أو لوح من الالواح السابقة عليه إلى أن ينتهي إلى عمله. (*)

[ 77 ]

عن صفات المخلوقين علوا كبيرا. 33 – حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال: حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال ابن سبرة (1)، قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ قال: فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متى كان لشئ لم يكن فكان وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة (2) كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلالم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها (3) غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية. 34 – أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء (4) قال: حدثني


(1) النسخ في ضبط أسماء رجال هذا الحديث وألقابهم وكناهم مختلفة كثيرا، وتركنا ذكر الاختلاف لقلة الجدوى فانهم أو أكثرهم من العامة، والحديث مذكور بسند آخر في الباب الثامن والعشرين في موضعين. (2) أي ربنا تبارك وتعالى كائن بحقيقة الكينونة بلا أن يكون له كينونة زائدة على ذاته (3) أي هو غاية كل شئ ولا غاية له ينتهي إليها، وحاصل كلامه عليه السلام أنه تعالى لا يتصف بمتى ولا بلوازمه من كونه ذا مبدء ومنتهى لان ذلك ينافي الربوبية الكبرى بل الاشياء كلها حتى الزمان تبتدء منه وتنتهي إليه، هو الاول والاخر. (4) في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) (عبيد الله بن العلاء). (*)

[ 78 ]

صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان (1) قال: حدثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون – كأنه من متهودة اليمن – فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عزوجل وقال: الحمد لله الذي هو أول بلا بدئ مما (2) ولا باطن فيما، ولا يزال مهما (3) ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما (4) ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزأ، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى (5) كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارث الاوهام أن تكيف المكيف للاشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الازمان، ولا ينقلب شأنا بعد شأن (6)، البعيد من حدس


(1) في نسخة (د) و (ب) (عن عمر بن محمد – الخ)، وفي نسخة (و) وحاشية نسخة (ط) (حدثني صالح بن سبيع بن عمرو بن محمد – الخ) ورجال هذا السند كلهم مجاهيل الا البلوى وهو رجل ضعيف مطعون عليه، لكن لا ضير فيه لان الاعتبار في أمثال هذه الاحاديث بالمتن، ولو كان سندها معتبرا ولم تكن متونها موافقة لما تواتر من مذهب أهل البيت (ع) أو مضمونها مخالف لما دل عليه العقل لم تكن حجة الا عند الحشوية من أهل الحديث. (2) أي بلا بدئ من شئ، وهو فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل، وعلى الاول فهو مضمون ما في خطبه الاخرى: (لامن شئ كان) وعلى الثاني فهو مضمون قوله: (لامن شئ كون ما قد كان) والاول أظهر بل الظاهر. (3) أي ولا يزول أبدا فان يزال يأتي بمعنى يزول قليلا، ومهما لعموم الازمان. (4) الخيال بفتح الاول ما يتمثل في النوم واليقظة من صورة الشئ، أي ولا هو كالخيال يتصور ويتمثل في قوة الوهم. (5) أي لا يستره حجب فيكون محويا في مكان وراء الحجب. (6) لا ينافي هذا ما في الاية الشريفة من أنه كل يوم هو في شأن لان هنا بمعنى الحال = (*)

[ 79 ]

القلوب (1) المتعالي عن الاشياء والضروب، والوتر، علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الابصار، ولا تحيط به الافكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الاوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالاشباح، و ينعت بالالسن الفصاح ؟ من لم يحلل في الاشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد عنها بالافتراق، بل هو في الاشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد (2) لم يخلق الاشياء من اصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية (3) بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولاله بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والارض مطيعة، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات (4) سبحانه و تعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود – و الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة -. 35 – حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه.


= في نفسه وهناك بمعنى الامر في خلقه، كما قال عليه السلام في صدر الحديث الاول: (انه كل يوم في شأن من احداث بديع لم يكن). (1) في نسخة (ب) و (ج) (البعيد من حدث القلوب). (2) في البحار وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) (وابعد من الشبهة – الخ). (3) بدية أي مبتدئة، والمعنى لم يخلق الاشياء على مثال أشياء مبتدئة قبل خلق هذه الاشياء، بل فعله ابداع واختراع، والجملتان نظير قول الرضا عليه السلام في الحديث الخامس من الباب السادس: الحمد لله فاطر الاشياء – الخ، وفي نسخة (ط) و (ن) (ابدية) مكان بدية. (4) جمع لهاة وهي اللحمة الصغيرة المشرفة على الحلق في أقصى الفم تسمى باللسان الصغير عندها مخرج الكاف والقاف. (*)

[ 80 ]

قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة، قال: أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدثنا العباس بن بكار الضبي، قال: حدثنا ابو بكر الهذلي عن عكرمة، قال: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الازرق، فقال: يا ابن عباس تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس إعظاما لله عزوجل، وكان الحسين ابن علي عليهما السلام جالسا ناحية، فقال: إلى يا ابن الازرق، فقال: لست إياك أسأل: فقال ابن العباس: يا ابن الازرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم فأقبل نافع بن الازرق نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلا عن المنهاج، ظاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، يا ابن الازرق أصف إلهي بما وصف به نفسه واعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير متقص، يوحد، ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال. 36 – حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه (1). قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الدليل على أن الله سبحانه لا يشبه شيئا من خلقه من جهة من الجهات أنه لاجهة لشئ من أفعاله إلا محدثة، ولا جهة محدثة إلا وهي تدل على حدوث من هي له، فلو كان الله جل ثناؤه يشبه شيئا منها لدلت على حدوثه من حيث دلت على حدوث من هي له (2) إذ المتماثلان في العقول


(1) في نسخة (ب) (فهو يخالفه). (2) أي لو كان يشبه شيئا من أفعاله لكان له جهة محدثة ولدلت تلك الجهة على حدوثه كما دلت على حدوث من هي له. (*)

[ 81 ]

يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها (1) وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم، ومحال أن يكون قديما من جهة وحادثا من اخرى. ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان حادثا لوجب أن يكون له محدث، لان الفعل لا يكون إلا بفاعل، ولكان القول في محدثه كالقول فيه، وفي هذا وجود حادث قبل حادث لا إلى أول، وهذا محال، فصح أنه لابد من صانع قديم، وإذا كان ذلك كذلك فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل عليه (2). 37 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله وعلي بن عبد الله الوراق، قالا: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا أبو تراب عبيد الله ابن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصربي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال: فقلت له: يا ابن رسول الله إني اريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عزوجل: فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شئ، خارج عن الحدين حد الابطال و حد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الاجسام، ومصور الصور، وخالق الاعراض والجواهر، ورب كل شئ ومالكه وجاعلة ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وأقول: إن الامام والخليفة وولي الامر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقال


(1) أي من جهة من الجهات. (2) أي يوجب أن يكون صانعنا القديم الذي كلامنا فيه ذلك الصانع القديم الذي اضطر العقل إلى اثباته. (*)

[ 82 ]

عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال: لانه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قال: فقلت: أقررت، وأقول إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، و أقول: إن المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، وإن النار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لاريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. 3 – باب معنى الواحد والتوحيد والموحد 1 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام، ما معنى الواحد ؟ فقال: المجتمع عليه بجميع الالسن بالوحدانية (1).


(1) هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الاسماء من الكافي، ورواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ (الاحد) كلهم عن أبي هاشم الجعفري، والسؤال ليس عن المفهوم لان السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى انه بأي معنى يطلق عليه تعالى، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الالوهية وصنع الاشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى (ولئن سئلتهم – الاية) كما في الخبر الآتى، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله: (بعد ذلك له شريك وصاحبه) ؟ ! استفهاما انكاريا كما في البحار عن الاحتجاج، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن = (*)

[ 83 ]

2 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد ؟ قال: الذي اجتماع الالسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عزوجل: (ولئن سئلتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) (1). 3 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدثنا أبي، عن المعافي بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير – المؤمنين أتقول: إن الله واحد ؟ قال: فحمل الناس عليه، قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن الذي يريده الاعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل، و وجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل: واحد يقصد به باب الاعداد، فهذا مالا يجوز، لان مالا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترى أنه كفر من قال: ثالث ثلثة. وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فبهذا مالا يجوز عليه لانه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك و تعالى (2). وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الاشياء


= والاحتجاج واحد الا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى، أو أبو هاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا. (1) العنكبوت: 61، ولقمان: 25، والزمر: 38، والزخرف: 9. (2) الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل، وقوله عليه السلام: (يريد به النوع من الجنس) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الافراد =

[ 84 ]

شبه، كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عزوجل أحدي المعنى، يعنى به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (1) كذلك ربنا عزوجل. قال مصنف هذا الكتاب: سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول: إن قول القائل: واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للابانة عن كمية ما يقال عليه، لا لان له مسمى يتسمى به بعينه، أو لان له معنى سوى ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الاصابع عند ضبط الآحاد و العشرات والمئات الالوف، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شئ بعينه سماه باسمه الاخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه، ومن أجله يقول القائل: درهم واحد، وإنما يعني به أنه درهم فقط، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن، ودرهما بالضرب، فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال: درهم واحد بالوزن، وإذا أراد ان يخبر عن عدده وضربه قال: درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب، وعلى هذا الاصل يقول القائل: هو رجل واحد، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس بانسانين، ورجل وليس برجلين، وشخص وليس بشخصين، ويكون واحد في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة، فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال: هو رجل واحد، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال: هذا واحد عصره، فدل ذلك على أنه لا ثاني له


= المتجانسة المتماثلة كافراد الانسان مثلا، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز ان عليه تعالى أن الاول يثبت له وقوعا أو امكانا فردا آخر مثله في الالوهية أو صفة غيرها وان لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته، فالمنفى أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية. (1) أي لا في الخارج كانقسام الانسان إلى بدن وروح، ولا في عقل كانقسام الماهية إلى أجزائها الحدية، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصور. (*)

[ 85 ]

في الفضل، وإذا أراد أن يدل على علمه قال: إنه واحد في علمه، فلو دل قوله: واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني له في جوده، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل الا على كمية الشئ دون غيره وإلا لم يكن لما اضيف إليه من قول القائل: واحد عصره ودهره معنى، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى، لانه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشئ صح ما قلناه، فقد تقرر أن لفظة القائل: واحد إذا قيل على الشئ دل بمجرده على كميته في اسمه الاخص، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالاجزاء كثيرا، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولايكون عبدين بوجه، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض، وتركب بعضها مع بعض، ولايكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد، وإنما لم يكن العبد واحدا لانه مامن عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لانه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا، ووجب لذلك أن يكون الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله الا هو، وقديم واحد لا قديم إلا هو، وموجود واحد ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو، وشئ واحد لا يجانسه شئ، ولا يشاكله شئ، ولا يشبهه شئ، ولا شئ كذلك إلا هو، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم،


[ 86 ]

وشئ لا يشبهه شئ بوجه، وإله لا إله غيره بوجه، وصار قولنا: يا واحد يا أحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عزوجل، كما أن قولنا: الله اسم لا يسمى به غيره. وفصل آخر في ذلك وهو أن الشئ قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله، يقال: هذا رجل، وهذان رجلان، وثلاثة رجال، وهذا عبد، وهذا سواد، وهذان عبدان، وهذان سوادان، ولايجوز على هذا الاصل أن يقال: هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد، فالله لا يعد على هذا الوجه، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه، وقد يعد الشئ مع مالا يجانسه ولا يشاكله، يقال: هذا بياض، وهذان بياض وسواد، وهذا محدث، وهذان محدثان، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين، بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى: (ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا – الآية) (1) وكما أن قولنا: إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله بمجرده فكذلك قولنا: فلان ثاني فلان. لا يدل بمجرده إلا على كونه، وإنما يدل على فضله متى قيل: إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم. فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى، وأسمائه الحسنى كان كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عزوجل من أوصافه العلى، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان و إخلاص، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى، فهو غير موحد، وربما قال جاهل من الناس: إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لان من وحد الشئ فهو موحد في أصل اللغة، فيقال له: أنكرنا ذلك لان من زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها


(1) المجادلة: 7. (*)

[ 87 ]

فهو عند جميع الامة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم، و إن زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد وموجود واحد، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالالهية من أجلها وتوحد بالواحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر، ويكون الله واحدا والا له واحدا لا شريك له ولا شبيه لانه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من اجلها كان عبدا كان له شبيه، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا. والاوصاف التي توحد الله عزوجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الاوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به إلا هو، وتلك الاوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا في شئ، ولا يجوز أن يحله شئ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال، مستحق للوصوف بذلك بأنه أول الاولين، وآخر الآخرين، قادر يفعل ما يشاء ولايجوز عليه ضعف ولا عجز، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين، عالم لا يخفى عليه شئ، ولا يعزب عنه شئ، ولايجوز عليه جهل ولاسهو ولا شك ولا نسيان، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم، ولا ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين وأكمل الكاملين، فاعل لا يشغله شئ عن شئ ولا يعجزه شئ ولا يفوته شئ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الاولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع الحاسبين، غني لا يكون له قلة، مستغن لا يكون له حاجة، عدل لايلحقه مذمة ولا يرجع إليه منقصة، حكيم لا تقع منه سفاهة، رحيم لا يكون له رقة فيكون في رحمته سعة، حليم لايلحقه موجدة، ولا يقع منه عجلة، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، وذلك لان أول الاولين لا يكون إلا واحدا وكذلك إقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن


[ 88 ]

الخالقين، وكلما جاء على هذا الوزن، فصح بذلك ما قلناه، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد. 4 – باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها 1 – حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي، ثم الايلاقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال: حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله تبارك وتعالى: (قل هو الله احد) قال: (قل) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك (هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس (1) وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك (2) فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله احد، فالهاء تثبيت للثابت (3) والواو إشارة


(1) في نسخة (ج) (المشاهد) بصيغة المفعول من باب المفاعلة، وهو الاصح، و كذا فيما يأتي على الاحتمال الاول فيه. (2) يحتمل أن يكون اشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الاول بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل. (3) نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي. (*)

[ 89 ]

إلى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك، بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس. 2 – حدثني أبي (1)، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنصر به على الاعداء، فقال: قل: ياهو يا من لاهو إلا هو، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: يا علي علمت الاسم الاعظم، فكان على لساني يوم بدر. وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال: ياهو، يامن لاهو إلا هو، اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين، وكان علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟ قال: اسم الله الاعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو (2) ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو (3) وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال. قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله إليه، والله هو المستور عن درك الابصار، المحجوب عن الاوهام والخطرات. قال الباقر عليه السلام: الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والاحاطة بكيفيته (4) ويقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط به علما، ووله إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه فالاله هو المستور عن حواس الخلق (5).


(1) من تتمة كلام الباقر عليه السلام. (2) عماديته باعتبار اشتماله على هو الذي هو اشارة إلى الثابت الموجود الذي لايستطيع أحد أن ينكره ولا أن يثبت له ثانيا. (3) آل عمران: 18. (4) اي تحير الخلق بتضمين معنى عجز والا فهو يتعدى بفى لابعن. (5) تفريع على المعنى الاول، وذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار باب التوحيد ونفي الشريك في ذيل هذا الخبر اشتقاق لفظ الجلالة أو عدمه ومن أي شئ اشتق واختلاف الاقوال فيه وأنه عربي أم لا، وللصدوق رحمه الله تعالى كلام في اشتقاقه = (*)

[ 90 ]

قال الباقر عليه السلام: الاحد الفرد المتفرد، والاحد والواحد بمعنى واحد، وهو المتفرد الذي لا نظير له، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شئ ولا يتحد بشئ، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لان العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله احد: المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والاحاطة بكيفيته فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه. 3 – قال الباقر عليه السلام: حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لاجوف له (1) والصمد الذي قد انتهى سؤدده، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد الذي لاينام، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال. قال الباقر عليه السلام: كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول: الصمد القائم بنفسه، الغني عن غيره، وقال غيره: الصمد المتعالي عن الكون والفساد، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير. قال الباقر عليه السلام: الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمروناه. قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، عن الصمد، فقال: الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شئ ولا يعزب عنه شئ. 4 – قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام: الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، والصمد الذي أبدع الاشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولاند. 5 – قال وهب بن وهب القرشي: وحدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسألونه عن الصمد


= ذيل الحديث التاسع من الباب التاسع والعشرين، وفي هذا الباب في الحديث الثالث عشر صرح الامام عليه السلام باشتقاقه. (1) هذا المعنى يرجع فيه تعالى إلى أنه كامل ليس فيه جهة امكان ونقصان. (*)

[ 91 ]

فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال: (الله أحد. الله الصمد) ثم فسره فقال: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). (لم يلد) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم و الخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شئ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف. (ولم يولد) لم يتولد من شئ ولم يخرج من شئ كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من الشئ والدابة من الدابه والنبات من الارض والماء من الينابيع و الثمار من الاشجار، ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم (1) والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب (2) وكالنار من الحجر، لابل هو الله الصمد الذي لامن شئ ولا في شئ ولا على شئ، مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه (3) فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفوا أحد.


(1) هذه الثلاثة من قبيل خروج القوة وظهورها في محلها لا خروجها إلى خارج المحل كخروج قوة البصر إلى خارج العين على القول بالشعاع، ويمكن أن تكون كذلك ولما يدركها الانسان. (2) كخروج النور من النير. (3) علق عليه السلام تلاشى الفاني بالمشيئة وبقاء الباقي بالعلم لمناسبة المشيئة المحدثة لما يفنى والعلم القديم لما يبقى لانها في مذهب أهل البيت عليهم السلام محدثة، والا فلا شئ خارج عن تعلق العلم والمشيئة. (*)

[ 92 ]

6 – قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام يقول: قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه، الصمد خمسة أحرف: فالالف دليل على إنيته وهو قوله عزوجل: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) (1) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله، والالف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان (2) ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع، لان تفسير الا له هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أوبوهم، لابل هو مبدع الاوهام وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمسة، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشئ يتصور له لانه عزوجل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عزوجل خالقهم و مركب أرواحهم في أجسادهم. وأما الصاد فدليل على أنه عزوجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه. وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عزوجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عزوجل يكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن، ثم قال عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان و الدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: (سلوني قبل أن تفقدوني


(1) آل عمران: 18. (2) في حال الوصل، وهذا معنى الادغام اللغوي. (*)

[ 93 ]

فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه إلا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور). ثم قال الباقر عليه السلام: الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته، الاحد الصمد (1) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وجنبنا عبادة الاوثان، حمدا سرمدا وشكرا واصبا، وقوله عزوجل: (لم يلد ولم يولد) يقول: لم يلد عزوجل فيكون له ولد يرثه (2) ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه (ولم يكن له كفوا أحد) فيعاونه في سلطانه (3). 7 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد ابن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن الصمد فقال: الصمد الذي لاجوف له. 8 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها، فقلت له: ما الصمد ؟ فقال: الذي ليس بمجوف. 9 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن أبي السري (4)، عن جابر بن يزيد،


(1) في نسخة (ب) و (ج) و (ط) و (ن) (ووفقنا لعبادة الاحد الصمد) – الخ). (2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) (يرثه في ملكه). (3) في نسخة (ج) (فيعارضه في سلطانه) وفي البحار (فيعازه في سلطانه). (4) في نسخة (و) و (د) و (ب) (الحسين بن أبي السري) وكلاهما تصحيف والصحيح الحسن بن السري كما في الكافي باب تأويل الصمد وفي البحار في الحديث السادس عشر من الباب السادس في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة، وفي جامع الرواة. (*)

[ 94 ]

قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فقال: أن الله – تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه – واحد، توحد بالتوحيد في علو توحيده، ثم أجراه على خلقه (1) فهو واحد، صمد، قدوس، يعبده كل شئ ويصمد إليه كل شئ، ووسع كل شئ علما. 10 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما الصمد ؟ قال: السيد المصمود إليه في القليل والكثير. 11 – حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني، قال: حدثنا أبو أحمد محمد ابن سليمان بفارس، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرواسي (2) قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك (3) عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام، فلما رجعوا سألهم فقالوا: كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد، فقال: يا علي لم فعلت هذا ؟ فقال: لحبي لقل هو الله أحد، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عزوجل. 12 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن أحمد بن –


(1) اجراء التوحيد على الخلق هو فطرهم بفطرة التوحيد كما ذكر في الكتاب و فسر به في الاثار، واليه يصمد كل شئ بالفطرة وان غشيتها في البعض كدورات العلائق المادية فغفلوا عنها. (2) في نسخة (ب) و (د) (محمد بن عبد الله الرقاشي). (3) هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي ابو الازهر البصري، يعرف بالرشك – بكسر الراء المهملة وسكون الشين المعجمة – قال ابن حجر: ثقة عابد وقال الذهبي وثقه أبو حاتم وأبو زرعه، روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، وروى عنه جعفر بن سليمان الضبعي الامامي. (*)

[ 95 ]

هلال، عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له عزوجل ذنوب خمسين سنة. 13 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ، فقال: لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلون عليه، فقلت: يا جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه ؟ قال: بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا. 14 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف بن عميرة، عن محمد بن عبيد، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام، فقال لي: قل للعباسي: يكف عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عزوجل: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عزوجل (ليس كمثله شئ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عزوجل: (هو السميع العليم) فكلم الناس بما يعرفون. 15 – حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي – عبد الله عليه السلام، قال: من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرآن و ثلث التوراة وثلث الانجيل وثلث الزبور.


[ 96 ]

5 – باب معنى التوحيد والعدل 1 – حدثنا أبو الحسن محمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي – الفقيه بأرض بلخ (1) قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الزاهد السمرقندي باسناده رفعه إلى الصادق عليه السلام، أنه سأله رجل فقال له: إن أساس الدين التوحيد والعدل، و علمه كثير، ولابد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه، فقال عليه السلام: أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، واما العدل فأن لاتنسب إلى خالقك مالاملك عليه. 2 – حدثنا محمد بن أحمد الشيباني المكتب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الامام علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى عليهم السلام، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام، فاستقبله موسى ابن جعفر عليهما السلام فقال له: يا غلام ممن المعصية ؟ قال: لا تخلو من ثلاث: إما أن تكون من الله عزوجل، وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد، وليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده. 3 – حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن حر ابخت الجير فتي النسابة (2) قال: حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن، قال: حدثنا جعفر بن محمد الصائغ، قال:


(1) في نسخة (ب) وحاشية نسخة (د) (محمد بن سعيد بن عزيز) بالراء المهملة في آخره. (2) في نسخة (د) (خدابخت) وأظن انه الصحيح، والكلمة عجمية مركبة من خدا بمعنى مالك وبخت بمعنى الحظ، وحرابخت معنى خوشبخت، وجيرفت قرية قرب كرمان، وفي بعض الاسماء المذكورة في السند اختلاف في النسخ لم نذكره لقلة الجدوى. (*)

[ 97 ]

حدثنا خالد العرني، قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو سفيان مولى مزينة عمن حدث عن سلمان الفارسي رحمه الله، أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله إني لا أقوى على الصلاة بالليل، فقال: لاتعص الله بالنهار، وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حرمت الصلاة بالليل، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنت رجل قد قيدتك ذنوبك. 6 – باب انه عزوجل ليس بجسم ولا صورة 1 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمد بن حكيم، قال: وصفت لابي الحسن عليه السلام قول هشام الجو اليقي وما يقول في الشاب الموفق (1) و وصفت له قول هشام بن الحكم، فقال: إن الله عزوجل لا يشبهه شئ. 2 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، رفعه، عن محمد بن الفرج الرخجي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: أساله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، و هشام بن سالم في الصورة، فكتب عليه السلام: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان (2). 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي – الحسن عليه السلام: أسأله عن الجسم والصورة، فكتب عليه السلام: سبحان من ليس كمثله


(1) الموفق على بناء الفاعل من باب الافعال: الذي حسنت خلقته وجملت صورته لتوافق أعضائه وتناسب هندسة أشكاله. (2) لاريب في جلالة قدر الهشامين عند الاصحاب، وفي كتب الرجال والاخبار توجيهات لما يزريهما. راجع هامش شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني ج 3 ص 288. (*)

[ 98 ]

شئ لاجسم ولا صورة. 4 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم: أن الله عزوجل جسم، صمدي، نوري، معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء من خلقه (1) فقال عليه السلام: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، لا يحد، ولا يحس، ولا يجس ولا يمس، ولا تدركه الحواس، لا يحيط به شئ، لا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط، ولا تحديد. 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ، عن محمد ابن زيد، قال: جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد، فأملي علي: الحمد لله فاطر الاشياء إنشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لامن شئ فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع (2) خلق ما شاء كيف شاء، متوحدا بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الاوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الابصار، وضل فيه تصاريف – الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب. واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال.


(1) أي ليست معرفته من صنع العباد بل ضرورية بالفطرة كما يأتي الاخبار بذلك في الباب الثالث والستين. (2) العلة المنفية ليست الفاعلية لانه تعالى فاعل الاشياء، ولا المادة إذ نفاها قبل هذا، ولا الصورة إذ هي في الحقيقة نفس الشئ المعلول. ولا الغاية إذ لا يناسب التفريع. بل المراد بها مثال سابق خلق الاشياء على ذلك المثال كما وقع كثيرا في كلامه وكلام آبائه عليهم السلام في هذا الكتاب وغيره، ويستفاد ذلك من التفريع لان الابتداع هو انشاء الشئ من دون أن يكون له مثال سبقه. (*)

[ 99 ]

6 – حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي الله عنه، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن حكيم، قال: وصفت لابي إبراهيم عليه السلام قول هشام الجواليقي، وحكيت له قول هشام بن الحكم: إنه جسم، فقال: إن الله لا يشبهه شئ، أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الاشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء ؟ ! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. 7 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، والحسين بن علي، عن صالح بن أبي حماد (1) عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت يونس بن ظبيان يقول: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني أختصر لك منه أحرفا، يزعم: أن الله جسم لان الاشياء شيئان: جسم و فعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويله، أما علم أن الجسم محدود متناه، والصورة محدودة متناهية، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا، قال: قلت: فما أقول ؟ قال: لاجسم ولا صورة، وهو مجسم الاجسام، ومصور الصور، لم يتجزء، ولم يتناه. ولم يتزايد، ولم يتناقص، لو كان كما يقول لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق، ولابين المنشئ والمنشأ، لكن هو المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شئ ولا يشبه هو شيئا (2).


(1) هذا الحديث بعين السند والمتن مذكور في الكافي باب النهى عن الجسم والصورة وليس هناك في السند: (والحسين بن علي، عن صالح بن أبي حماد). (2) فرق على صيغة المصدر، ومعادل كلمة بين محذوف أي وبينه، ومر نظير هذا في الحديث السابع عشر من الباب الثاني بذكر المعادل، وكون فرق بصيغة الفعل الماضي حتى = (*)

[ 100 ]

8 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني (1)، قال: قلت لابي الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام: إن هشام بن الحكم زعم: أن الله جسم ليس كمثله شئ، عالم سميع، بصير، قادر متكلم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم تجري مجرى واحدا ليس شئ منها مخلوقا، فقال: قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود، والكلام غير المتكلم (2) معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول، لاجسم ولا صورة ولا تحديد، وكل شئ سواه مخلوق وإنما تكون الاشياء بإرادته ومشيته من غير كلام ولا تردد في نفس، ولا نطق بلسان. 9 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال كتبت إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من يقول صورة، فكتب عليه السلام بخطه: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم – أو قال: البصير -. 10 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن هشام بن إبراهيم،


= لا يحتاج إلى المعادل بعيد المناسبة لما قبله، وقوله: (إذ كان – الخ) بيان وتعميم للفرق أي من جميع الجهات. (1) المظنون أن الحسن بن الحسين بن عبد الله مكان هذا الرجل كما في نسخة (ط) و (ن) اشتباه من النساخ لشهادة سائر النسخ والحديث السابع باب النهي عن الجسم والصورة من الكافي والحديث التاسع عشر باب نفي الجسم والصورة من البحار. (2) تعرض عليه السلام لابطال شيئين في كلام هشام ليسا بالحق: كونه تعالى جسما وكلامه تعالى كالعلم والقدرة من صفات الذات، وسكت عن الباقي لكونه حقا. (*)

[ 101 ]

قال: قال العباسي قلت له – يعني أبا الحسن عليه السلام -: جعلت فداك أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة قال: ومن هو ؟ قلت: الحسن بن سهل (1) قال: في أي شئ المسألة ؟ قال: قلت في التوحيد، قال: وأي شئ من التوحيد ؟ قال: يسألك عن الله جسم أو لاجسم ؟ قال: فقال لي: إن للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب مذهب إثبات بتشبيه، و مذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه. فمذهب الاثبات بتشبيه لا يجوز، ومذهب النفي لا يجوز، والطريق في المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه. 11 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن العباس ابن حريش الرازي، عن بعض أصحابنا، عن الطيب يعني علي بن محمد، وعن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنهما قالا: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه. 12 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال، حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي القاساني، قال: كتبت إليه عليه السلام: أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، قال: فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير. 13 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أبي سعيد الآدمي، عن بشر بن بشار النيسابوري، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام بأن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول صورة، فكتب عليه السلام: سبحان من لا يحد، ولا يوصف، ولا يشبهه شئ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير. 14 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على


(1) في نسخة (ب) و (د) (الحسين بن سهل). (*)

[ 102 ]

عبدك، فوقع عليه السلام بخطه: سألت عن التوحيد، وهذا عنكم معزول (1)، الله تعالى واحد، أحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الاجسام وغير ذلك، ويصور ما يشاء، وليس بمصور، جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتعالى عن أن يكون له شبيه، هو لاغيره (2) ليس كمثله شئ، وهو السمع البصير. 15 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف، قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عزوجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد فكتب عليه السلام بيدي عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان. 16 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم و الصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ ولا جسم ولا صورة. 17 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن سهل


(1) أي البحث عن ذاته تعالى وأنها ماهي لانه خارج عن طوق المخلوق فيقع في الباطل كما وقع كثير، بل صفوه بصفاته ودلوا عليه بآياته. (2) اما عطف على هو أي هو ليس كمثله شئ لاغيره لان غيره من المخلوق له الامثال، أو خبر له أي هو لا يكون غيره بل مبائن له بالذات والصفات. (*)

[ 103 ]

ابن زياد الآدمي، عن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ. 18 – حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رحمه الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر، عن أبي – أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله عزوجل خلق آدم على صورته (1) فقال: هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه. فقال: (بيتي) (2) وقال: (ونفخت فيه من روحي) (3). 19 – حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الانسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجدا، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شئ، ولا تدركه


(1) في هذا الكلام وجوه محتملة: فان الضمير اما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الامام عليه السلام هنا على أن يكون الاضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجعله قابلا للتخلق باخلاقه ومكرما بالخلاقه الالهية، واما يرجع إلى آدم عليه السلام فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للاجنة في الارحام كما لا دخل لغيره في تجهير ذاته وذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره، واما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع. (2) البقرة: 125. (3) الحجر: 29. (*)

[ 104 ]

الابصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لان الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفوا أحد، تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا. 20 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن أيراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الصقر بن (أبي) دلف، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد، وقلت له: أني أقول بقول هشام ابن الحكم، فغضب عليه السلام ثم قال: مالكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم (1) ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة، يا ابن (أبي) دلف إن الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه. وأنا أذكر الدليل على حدوث الاجسام في باب الدليل على حدوث العالم من هذا الكتاب إن شاء الله. 7 – باب أنه تبارك وتعالى شئ 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله الاشعري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عمن ذكره، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال: إن الله عزوجل شئ ؟ قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه (2). 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله ما هو ؟ قال: هو شئ بخلاف الاشياء، ارجع بقولي: (شئ) إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة (3).


(1) قوله: (من زعم – الخ) اسم ليس و (منا) خبره قدم على اسمه. (2) أما خروجه عن حد التعطيل أي الابطال والنفي فواضح، وأما عن حد التشبيه فبانضمام قوله تعالى. (ليس كمثله شئ). (3) في المجمع عن القاموس: الزنديق معرب زندين أي دين المرأة، أقول: و = (*)

[ 105 ]

3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه (1) وكل ما وقع عليه اسم شئ ما خلا الله عزوجل فهو مخلوق، والله خالق كل شئ، تبارك الذي ليس كمثله شئ. 4 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن خيثمة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه اسم شئ ما خلا الله عزوجل فهو مخلوق والله تعالى خالق كل شئ. 5 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم


= يكون بمعنى من كان على دين المرأة كما يقال: زن صفت أي من كان على صفة المرأة، والمعنى الثاني هو المناسب هنا، ويحتمل أن يكون معرب، زند دين وزند كتاب للمجوس زعموا أنه الذي جاء به زرادشت الذي ادعوا أنه نبي وعلى هذا فالزنديق هو الذي يكون على دين المجوس، وقال في مجمع البحرين: وفي الحديث: الزنادقة هم الدهرية الذي يقولون: لارب ولا جنة ولا نار وما يهلكنا الا الدهر – انتهى، وأتى به هنا معرفا لسبق ذكره في الحديث الذي ذكره الصدوق رحمه الله بتمامه في الباب السادس والثلاثين، وقوله: (وانه شئ – الخ) اما بكسر الهمزة مستأنفا أو عطفا على أول الكلام، واما بفتحها عطفا على معنى أي اثبات معنى واثبات أنه شئ – الخ، وفي البحار باب النهي عن التفكر في ذات الله عن الاحتجاج: (ارجع بقولي شئ إلى أنه شئ – الخ) وفي البحار أيضا باب اثبات الصانع: (ارجع بقولي شئ إلى اثباته وأنه شئ – الخ) وفي نسخة (ط) و (ن) (ارجع بقولي شئ إلى اثبات معنى أنه شئ – الخ) وفي الكافي باب حدوث العالم وباب اطلاق القول بأنه شئ: (ارجع بقولي إلى اثبات معنى وأنه شئ – الخ). (1) اشارة اما إلى المباينة بالذات والانية بينه وبين خلقه واما إلى عدم الحلول. (*)

[ 106 ]

ابن هاشم عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي المغرا (1)، رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه، وخلقه خلو منه وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله عزوجل. 6 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهم شيئا (2) فقال: نعم غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شئ فهو خلافه، لا يشبهه شئ، ولا تدركه الاوهام كيف تدركه الاوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الاوهام، إنما يتوهم شئ غير معقول ولا محدود (3).


(1) أبوالمغرا بالغين المعجمة والراء المهملة مقصورا وقد يمد. وهو حميد بن المثنى العجلي الكوفي، ثقة. (2) الهمزة للاستفهام والفعل مجهول من باب التفعل يرجع ضميره إلى الله و (شيئا) منصوب على التميز، أو الكلام اخبار والفعل بصيغة المتكلم و (شيئا) مفعوله. (3) كلمة (ان) من الحروف الستة و (ما) موصولة مبتدء صلته (يتوهم) على بناء المجهول وخبره (شئ) أي ان الذي يتوهم شئ غير محدود وغير معقول، وأما كون (شئ) نائب الفاعل ليتوهم و (انما) للحصر فمحتمل على اشكال وان كان كتبه في النسخ متصلا، ولب المراد في هذا الباب أن ذاته تعالى حقيقة محض الحقيقة والوجود فلا يكون هالكا منفيا ولا مخلوقا ولا شبيها به ولا جسما ولا صورة ولا حالا في شئ ولا حالا فيه شئ ولا محدودا ولا مدركا بالحواس والاوهام والعقول، بل الذي يقع في أوهامنا وأذهاننا منه تعالى هو عنوان الشئ والموجود بما هو هو من دون تقيد بهذه الخصوصيات وغيرها التي تخرج الشئ عن الصرافة، وهكذا جميع صفاته الذاتية، ثم انا لو لم نتصوره أيضا بعنوان الشئ والموجود والعالم والقادر و غيرها مجردا عن الخصوصيات الامكانية مع عدم امكان تصور ذاته وصفاته الذاتية بحقيقتها لكان التوحيد والمعرفة عنا مرتفعا كما قال الامام عليه السلام في الحديث الاول من الباب السادس والثلاثين. (*)

[ 107 ]

7 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، قال: سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام يجوز أن يقال لله: إنه شئ ؟ فقال: نعم، يخرجه من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه. 8 – حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة، قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: ما تقول إذا قيل لك: أخبرني عن الله عزوجل شئ هو ام لا ؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عزوجل نفسه شيئا حيث يقول: (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) (1) فأقول: إنه شئ لا كالاشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه، قال لي: صدقت وأصبت، ثم قال لي الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه. 8 – باب ما جاء في الرؤية 1 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: مر النبي صلى الله عليه واله وسلم على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: غض بصرك فإنك لن تراه. وقال: ومر النبي صلى الله عليه واله وسلم على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: اقصر من يديك فإنك لن تناله (2).


(1) الانعام: 19. (2) انه صلى الله عليه وآله علم انهما يتوقعان رؤيته تعالى هناك فزجرهما والا فرفع اليد والبصر وتقلب الوجه إلى السماء مما أمر به كما ذكر في الحديث الاول من الباب السادس والثلاثين. (*)

[ 108 ]

2 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ ! فوقع عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال: وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ربه ؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. 3 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذا كرت أبا عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب (1). 4 – أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لما اسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطاه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عزوجل من نور عظمته ما أحب. 5 – أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شئ تعبد ؟ قال: الله، قال: رأيته ؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان لايعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لايجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو. قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.


(1) في نسخة (د) و (ج) وحاشية نسخة (ب) (ليس دونها حجاب). (*)

[ 109 ]

6 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء حبر إلى أمير المومنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: ويلك ماكنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. 7 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس فكتب عليه السلام لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه (1) لان الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه، لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات (2). 8 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي ابن سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة، وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب عليه السلام بخطه


(1) (عدم) فعل ماضي على بناء المجهول، وفي البحار (عن الرائي والمرئي)، وفي نسخة (ج) و (د) و (و) (فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي – الخ). (2) حاصل كلامه عليه السلام قياس استثنائي لاثبات امتناع رؤيته تعالى وهو أنه تعالى لو كان مرئيا لكان بينه وبين الرائي هواء وضياء لانهما من شرائط الرؤية فلا تصح بدونهما كسائر شرائطهما، والتالي باطل لان في ذلك له الاشتباه أي التشابه مع الرائي في كون كل منهما مرئيا لانهما متساويان متشاركان في السبب الموجب للرؤية الذي هو كون كل منهما في جهة وحيز، بينهما هواء وضياء، وكان في ذلك تشبيهه تعالى بالرائي في الجسمية والاحتياج إلى الحيز سبحانه وتعالى عن ذلك، ولا يمكن أن يقال: هو تعالى مرئي من دون هذا السبب لان السبب لابد من اتصاله بالمسبب إذ يمتنع وجود المسبب بدونه. (*)

[ 110 ]

اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فإذا جاز أن يرى الله عزوجل بالعين وقعت المعرفة ضرورة، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لانها ضده فلا يكون في الدنيا أحد مؤمنا لانهم لم يروا الله عز ذكره، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد، فهذا دليل على أن الله عز ذكره لا يرى بالعين، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا (1). 9 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن


(1) ان كلامه عليه السلام رد على الذين يدعون جواز رؤيته تعالى في الاخرة فقط لا مطلقا، فان القائلين على فرقتين فيرد قول المجوزين مطلقا بطريق اولى، وتوضيحه أن الرؤية تستلزم المعرفة ضرورة وقطعا، والمعرفة التي حصلت من جهة الرؤية هي العلم بكونه تعالى في جهة وحيز، متكمما بكميات، متكيفا بكيفيات، حاضرا في مكان، غائبا عن آخر، واقعا في شئ، محمولا على شئ، مركبا، مبعضا، محدودا، فلو جاز أن يرى الله تعالى بالعين لكانت معرفتنا به هكذا، ولكن التالي باطل فالمقدم مثله، والملازمة ظاهرة، واما بيان بطلان التالي فان المعرفة هكذا اما ايمان أو ليست بايمان، فان كانت ايمانا فالمعرفة التي حصلت من جهة الاكتساب بالبرهان في الدنيا ليست بايمان لانها العلم بكونه تعالى على نقائض هذه الاوصاف فلزم أن يكون أحد في الدنيا ممن قبل الانبياء عليهم السلام ايمانهم مؤمنا، لان معرفة الناس انما هي بالاكتساب لا بالرؤية، وهذا لا ينكره عاقل، وان لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية في الاخرة ايمانا فاما أن تزول في الاخرة المعرفة الاكتسابية بالبرهان التي هي نقيضها فلزم عدم الايمان بالله تعالى في الاخرة أصلا، وهذا أمر باطل منكر بالعقل والنقل، واما أن لاتزول فلزم اجتماع النقيضين أي الايمان واللاايمان لان المفروض ان المعرفة من جهة الرؤية لا ايمان والمعرفة الاكتسابية ايمان. (*)

[ 111 ]

يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث أن ادخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذان لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى بلغ سؤاله التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله عزوجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين، فقسم لموسى عليه السلام الكلام ولمحمد صلى الله عليه واله وسلم الرؤية، فقال أبو الحسن عليه السلام فمن المبلغ عن عزوجل إلى الثقلين الجن والانس (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) (1) (ويحيطون به علما) (2) (وليس كمثله شئ) (3) أليس محمدا صلى الله عليه واله وسلم قال: بلى ؟ قال: فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) (ولا يحيطون به علما) (وليس كمثله شئ) ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما وهو على صورة البشر، أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشئ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر ! (4). قال أبو قرة: فإنه يقول: (ولقد رآه نزلة اخرى) (5) فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه واله وسلم ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، فآيات الله عزوجل غير الله: وقد قال: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم (6) ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبت


(1) الانعام: 103. (2) طه: 110. (3) الشورى: 11. (4) قوله: (ما قدرت الزنادقة – الخ) استفهام تقرير، أي ألم تقدر الزنادقة أن ترميه بهذا القبيح، وقوله: (ان يكون يأتي – الخ) عطف بيان لهذا. (5) النجم: 13. (6) أي فقد أحاطت به الابصار علما فان التميز قد يأتي معرفة، والنسخ متفقة في هذه العبارة حتى الكافي والبحار. (*)

[ 112 ]

بها (1) وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علم (2) ولا تدركه الابصار، وليس كمثله شئ. 10 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: (قد جاءكم بصائر من ربكم) (3) ليس بمعنى بصر العيون (فمن أبصر فلنفسه) ليس يعني من البصر بعينه (ومن عمي فعليها) لم يعن عمى العيون، إنما عنى إطاطة الوهم كما يقال: فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم وفلان بصير بالثياب، الله أعظم من أن يرى بالعين (4). 11 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عزوجل هل يوصف ؟ فقال: أما تقرء القرآن ؟ ! قلت: بلى، قال: أما تقرء قوله عزوجل: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) قلت: بلي، قال: فتعرفون الابصار ؟ قلت: بلى، قال: وماهي ؟ قلت: أبصار العيون


(1) أي كذبت بها بالمعني الذي تزعمونه، والا فأحاديث الرؤية واللقاء والنظر كالايات كثيرة متواترة كما أشار إلى كثرتها المصنف في هذا الباب، فتؤول إلى المعنى الصحيح اللائق بجناب قدسه تعالى. (2) هكذا في النسخ والظاهر أنه اشتباه من النساخ، والصواب (لا يحاط بعلم). وفي البحار باب نفي الرؤية: (انه لا يحيط به علم) كما مر في ص 104 وفي الكافي باب ابطال الرؤية (ولا يحاط به علما). (3) الانعام: 104 والاية بعد آية (لا تدركه الابصار). (4) اي الله اعظم من أن يرى بالعين بالبديهة فلا حاجة إلى نفي ادراك العيون عنه، بل المنفي ادراك الاوهام التي تدرك المعاني. (*)

[ 113 ]

فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون (1) فهو لا تدركه الاوهام وهو يدرك الاوهام. 12 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لابي جعفر ابن الرضا عليهما السلام (لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار) ؟ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون. 13 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين ابن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد (2) عن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين، قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن ابناء ثلاثين سنة رجلاه في خضرة (3) وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون:


(1) في نسخة (ب) و (و) و (د) (اكبر من ابصار العيون). (2) الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد الاهوازي كانا من اصحاب الرضا والجواد عليهما السلام، موثقان عند الاصحاب، وكثيرا ما يذكر احدهما مكان الاخر في اسناد الاحاديث ولا باس به لما قال الشيخ رحمه الله في الفهرست: الحسن بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الاهوازي من موالى على بن الحسين عليهما السلام اخو الحسين بن سعيد ثقة، روى جميع ما صنفه اخوه عن جميع شيوخه، وزاد عليه بروايته عن زرعة عن سماعة فانه يختص به الحسن، والحسين انما يرويه عن اخيه عن زرعة، والباقي هما متساويان فيه وسنذكر كتب اخيه إذا ذكرناه، والطريق إلى روايتهما واحد – انتهي. (3) قد مر تفسير الموفق في الحديث الاول من الباب السادس. (*)

[ 114 ]

إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجدا، ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك، إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا اشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين) ثم التفت إلينا، فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد النمط الاوسط (1) الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي، يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين، قال: قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة ؟ قال: ذاك محمد صلى الله عليه وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب، إن نور الله منه اخضر ما – اخضر، ومنه احمر ما احمر، ومنه ابيض ما ابيض، ومنه غير ذلك (2) يا محمد


(1) في اكثر النسخ النمط الوسطي بمعنى الطريقة صح تأنيثه باعتبارها، ويأتي بمعان أخر. (2) النور تجلى الشئ وظهوره فكل موجود إذا تجلى لموجود كان هذا في نور الموجود المتجلى وعارفا به بقدر نورانية نفسه وذاك مستبينا له، وكلما كان النورانية أشد كان التجلي أكثر، فالعرفان أتم، فالنبي صلى الله عليه وآله تجلى له كل شئ بكماله لانه أشد نورا من كل شئ الا الله تعالى فانه تعالى تجلى له على قدره لا على قدره لانه لا يتناهى فقال صلى الله عليه وآله: (ما عرفناك حق معرفتك) وقال: (لاأثنى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك) ووصف النور بهذه الالوان اشارة إلى مراتب أنوار الاشياء التى كلها من نور الله تعالى. والنور التام فوق التمام هو نور الله وأضعف الانوار نور عالمنا الجسماني الذي يكاد أن يكون ظلمه، والمتتبع الناظر في مواضع ذكر النور في الكتاب والسنة يظهر له احكامه، وفي الكافي باب النهي عن الصفة: (ان نور الله منه أخضر ومنه أحمر ومنه أبيض ومنه غير ذلك) وفي حديث العرش في الباب الخمسين من هذا الكتاب: (فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة الخ -). (*)

[ 115 ]

ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به. 14 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد وغيره، عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الله عظيم، رفيع، لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث (1) فكيف أصفه بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا، فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الاين حتى صار إينا، فعرفت الاين بما أين لنا من الاين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان، وخارج من كل شئ، لا تدركه الابصار، وهو يدرك الابصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير. 15 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الاشعريين عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الغشية التى كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا انزل عليه الوحي ؟ فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له، قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، و اقبل متخشع (2).


(1) المراد به الزمان على ما قيل: انه يأتي له قليلا، أو المراد به اختلاف الجهات والحيثيات في ذات الشئ الموجب للتكثر. (2) يحتمل أن يكون (أقبل) فعل ماض من الاقبال وضميره يرجع إلى الامام عليه السلام أي وأقبل عليه السلام إلى الله تعالى حين التكلم بهذا الكلام بحالة التخشع والخضوع، وفي نسخة (د) و (ب) و (و) (يتخشع) على صيغة المضارع. ويحتمل أن يكون فعل امر من القبول = (*)

[ 116 ]

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عزوجل يعني بقلبه (1). وتصديق ذلك: 17 – ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عزوجل ؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عزوجل يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يره بالبصرة، لكن رآه بالفؤاد. 18 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الاصفهاني عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث أو غيره، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (2) قال: رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل، له ستمائة جناج قد ملا مابين السماء إلى الارض. 19 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام في قول الله عزوجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (3) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها.


= خطابا لزرارة أي واقبل ما قلت بقبلك بتخشع وخضوع. الا أنه لا يناسب نسخة (يتخشع)، وفي نسخة (ج) وحاشية نسخة (و) (وقال يتخشع) أي وقال زرارة: يتخشع الامام عليه السلام حين التكلم بهذا الكلام. (1) كلام المؤلف رحمه الله. (2) النجم: 18. (3) القيامة: 23. (*)

[ 117 ]

20 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: أخبرني عن الله عزوجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت: متى ؟ قال: حين قال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى) ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك فاحدث بهذا عنك ؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر (1) وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون. 21 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي ابن ابراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام،: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال عليه السلام: يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عزوجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، وقال: (إن الذين يابيونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله) درجة النبي صلى الله عليه واله وسلم في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله ؟ فقال عليه السلام: يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم


(1) (كفر) فعل ماض جواب إذا. (*)

[ 118 ]

يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته، وقال الله عزوجل: (كل من عليها فان و يبقى وجه ربك) (1) وقال عزوجل: (كل شئ هالك إلا رجهه) (2) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة) وقال عليه السلام: (إن فيكم من لايراني بعد أن يفارقني) يا أبا الصلت إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان، ولا تدركه الابصار والاوهام. فقال: قلت له: يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان ؟ فقال: نعم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء، قال: فقلت له: إن قوما يقولون: إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين، فقال عليه السلام: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا، ولا من ولايتنا على شئ، ويخلد في نار جهنم، قال الله عزوجل: (هذه جهنم التي يكذب بها، المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) (3) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما اهبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوارء إنسية، وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام. 22 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عزوجل: (فلما أفق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (4) قال: يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين بانك لا ترى.


(1) الرحمن: 27. (2) القصص: 88. (3) الرحمن: 44. (4) الارعراف: 143. (*)

[ 119 ]

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن موسى عليه السلام علم أن الله عزوجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عزوجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه، فقال: رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني، ومعناه أنك لا تراني أبدا لان الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا، وهذا مثل قوله عزوجل: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (1) ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل بآية من آياته وتلك الآية نور من الانوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جعله دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره (2) فلما أفاق قال: سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لان الانبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله، على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عزوجل وقوله: وأنا أول المؤمنين يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى. والاخبار التى رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية ان يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عزوجل وهو لا يعلم. والاخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن


(1) الاعراف: 40. (2) في نسخة (و) و (ج) (تدكدكه وتدكدك ذلك الجبل) مكان (تزلزله وتزلزل ذلك الجبل) في الموضعين. (*)

[ 120 ]

أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به وألفاظها ألفاظ القرآن، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد، وقد أمرنا الائمة صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم. ومعنى الرؤية الواردة في الاخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك و ارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله واموره في ثوابه وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عزوجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) (1) فمعنى ما روي في الحديث أنه عزوجل يرى أي يعلم علما يقينا، كقوله عزوجل: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) (2) وقوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) (3) وقوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت) (4) وقوله: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (5) وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين، وأما قول الله عزوجل: (فلما تجلى ربه للجبل) فمعناه لما ظهر عزوجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا والتى ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لانه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل: إنه بداله من نور العرش. 23 – حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن قول الله عزوجل: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: ساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة (6).


(1) ق: 22. (2) الفرقان: 45. (3) البقرة: 258. (4) البقرة: 243. (5) الفيل: 1. (6) لابعد في ذلك فان الارض كروية يهوى فيها دورا، ولو كان هوية بالاستقامة لكان = (*)

[ 121 ]

24 – وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الانبياء معصومون ؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله إن قال له: فما معنى قول الله عزوجل: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني – الآية) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟ فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله، تعالى عن أن يرى بالابصار، و لكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، و كان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لان الله عزوجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عزوجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن


= في غاية البطوء، ولا ظاهر من العبارة أنه يهوى في البحر خاصة دون أعماق الارض بعد الوصول إلى قعر البحر، وحكمه الهوى خافية علينا، وحفص بن غياث عامى المذهب، كان قاضيا من قبل هارون، وهذا الحديث معترض بين ما ذكره وبين تصديق ما ذكره. (*)

[ 122 ]

صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله إن يريك أن تنظر إليه لاجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته، فقال موسى عليه السلام: يا قوم إن الله لا يرى بالابصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى عليه السلام يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى عليه السلام: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه (وهو يهوي) فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل (بآية من آياته) جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك (يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي) وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى، فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام. ولو أوردت الاخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها و شرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الائمة عليهم السلام بالاسانيد الصحيحة، وسلم لهم، ورد الامر فيما اشتبه عليه إليهم إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله عزوجل وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين. 9 – باب القدرة 1 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي إسحاق الخفاف، قال: حدثني عدة من أصحابنا أن عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك رب ؟ فقال: بلى، قال: قادر ؟ قال: نعم قادر، قاهر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا ؟ فقال هشام: النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم


[ 123 ]

خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك ؟ فقال: قال لي كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك ؟ قال: خمس، فقال: أيها أصغر ؟ فقال الناظر، فقال: وكم قدر الناظر ؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة (1) فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله فانصرف إلى منزله، وغدا إليه الديصاني (2) فقال: يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك متقاضيا للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب، فخرج عنه الديصاني، فأخبر أن هشاما دخل على أبي عبد الله عليه السلام فعلمه الجواب فمضى عبد الله الديصاني حتى أتى باب أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما اسمك ؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك ؟ ! قال: لو كنت قلت له: (عبد الله) كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد ؟ فقالوا له:


(1) على نحو ما أدخل في حدقة العين، ولم يرجع السائل بالاعتراض وقنع بالجواب وقنع هشام أيضا لانه يدل على ما أنكره السائل من قدرة الله، ونظير ذلك الجواب الذي في الحديث الخامش والعاشر، والجواب الحكمي هو ما في الحديث التاسع من أن ذلك محال لا يتعلق به القدرة، ولا يلزم من ذلك قصور فيها بل هو قاصر غير قابل لها كسائر الممتنعات. (2) في البحار باب القدرة والارادة وفي نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (و غدا عليه الديصاني)، وعلى ما قال بعض الاساتيد ديصان اسم رجل صاحب مذهب قريب من مذهب ماني وكانا يقولان باصلين النور والظلمة، وبينهما فرق في بعض الفروع. (*)

[ 124 ]

عد إليه فقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك، فرجع إليه فقال له: يا جعفر دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس، وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون (1) له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للانثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا ؟ (2) قال: فأطرق مليا ؟ ثم قال: أشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، قال: مر أبو الحسن الرضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه، ثم قال: إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك (3) وقد روك والتقدير على غير ما به


(1) في نسخة (ب) (هذا حص مكنون) والحص بالحاء المهملة المضمومة والصاد المشددة بمعنى اللؤلؤة، وهو أنسب بالاستعارات المذكورة. (2) حاصل الكلام أنه لا يكون تحت تدبير أحد منا ولا لنا علم بحاله وماله ويمتنع أن لا يكون له مدبر حكيم عالم ببدئه وخاتمه فله مدبر غيرنا وهو الله تعالى. (3) (هيئة) منصوب على التميز وفاعل (لم تبد) ضمير يرجع إلى القدرة، وفي البحار عن الامالي باب نفي الجسم والصوره وفي نسخة (ن) (ولم تبد هيئته) مضافا إلى ضمير يرجع إلى القدرة ولا بأس بعدم تطابق الضمير والمرجع، والهيئة بمعنى الكيفية، ومعنى الكلام الهي بدت قدرتك في الاشياء وما بدت كيفيتها، ويحتمل أن يكون لم تبد مخاطبا والهيئه حينئذ بمعنى الصورة، والمعنى أنك لم تظهر بالصورة لانها عليك ممتنعة فجهلوك، وهذا أنسب = (*)

[ 125 ]

وصفوك (1) وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شئ، إلهي ولن يدركوك، وظاهر ما بهم منعمتك دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك (2) بل سووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك، واتخدوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك. 3 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن أبي نصر، قال: جاء قوم من وراء النهر إلى أبي الحسن عليه السلام، فقالوا له: جئناك نسألك عن ثلاث مسائل، فان أجبتنا فيها علمنا أنك عالم، فقال: سلوا، فقالوا: أخبرنا عن الله أين كان، وكيف كان، وعلى أي شئ كان اعتماده ؟ فقال: إن الله عزوجل كيف الكيف فهو بلا كيف، وأين الاين فهو بلا أين، وكان اعتماده على قدرته، فقالوا: نشهد أنك عالم. قال مصنف هذا الكتاب: يعني بقوله: (وكان اعتماده على قدرته) أي على ذاته لان القدرة من صفات ذات الله عزوجل (3). 4 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن


= بالتفريع ولكنه لا يلائم نسخة الامالي لكون الضمير المجرور غائبا، وفي نسخة (ب) و (د) و حاشية نسخة (ط) (ولم تبد واهية) أي قدرتك وهذا أقرب. (1) أي وتقديرهم اياك باقدار الخلق من التجسم والتمكن والتزمن والرؤية وغيرها يكون على غير ما وصفوك به من صفة الربوبية أي ينافي ذلك ويناقضه. (2) المندوحة: السعة أي وفي خلقك سعة لهم ان أرادوا معرفتك بان يتفكروا فيه فيعرفوك بافعالك وآياتك من أن يتناولوا ذاتك ويتفكروا في حقيقتك وكنهك، بل بسبب تفكرهم في ذاتك سووك بخلقك – الخ. (3) كأن المصنف رحمه الله فهم أن اعتماده في ذاته على أي شئ ؟ وظاهر الكلام اعتماده في فعله. (*)

[ 126 ]

أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم عن أحمد بن محسن الميثمي، قال: كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق ؟ وأومأ بيده إلى موضع الطواف – ما منهم أحد اوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس – يعنى جعفر بن محمد عليهما السلام – فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ؟ قال: لاني رأيت عنده ما لم أرعندهم، فقال ابن أبي – العوجاء: ما بد من اختبار ما قلت فيه منه، فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت على هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثن عنانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال، وسمه مالك أو عليك (1) قال: فقام ابن أبي العوجاء، و بقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا، فقال: يا ابن المقفع ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له: وكيف ذاك ؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الامر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم


(1) (لاتثن) فعل نهي من الثنى بمعنى العطف، والاسترسال بمعنى التنازل والانقياد للخصم، ويسلمك مجزوما من باب التفعيل جواب النهي، أي لا تعطف ولا ترخ عنانك إلى قبول ما يلقى اليك فانك ان فعلت ذلك يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه. وسمه عطف على لاتثن، وهو فعل أمر من وسم يسم سمة بمعنى جعل العلامة، والضمير راجع إلى الكلام وهو غير مذكور لفظا، وقوله: (مالك أو عليك) بدل عن الضمير، أي أعلم كلامك علامة وميز ما فيه نفعك أو ضررك في مقام المجادلة والمحاجة حق التمييز حتى تتكلم ما فيه نفعك وتسكت عما فيه ضررك. (*)

[ 127 ]

وإن يكن الامر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهو، فقلت له: يرحمك الله وأي شئ نقول وأي شئ يقولون ؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، قال: فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا و عقابا ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد. قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الامر كما تقول أن يظهر لخلقه و يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ؟ ! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به، فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن (1) وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضغفك وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إبائك، وإبائك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك، وما زال يعد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه. 5 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبليس قال: لعيسى بن مريم عليه السلام: أيقدر ربك على أن يدخل الارض بيضة لا يصغر الارض ولا يكبر البيضة ؟ فقال عيسى عليه السلام ويلك على أن الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممن يلطف الارض ويعظم البيضة. 6 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال:


(1) نشوءك والمعطوفات عليه إلى آخر الكلام بدل اشتمال من قدرته. (*)

[ 128 ]

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عزوجل لا يوصف. قال: وقال زرارة: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله عزوجل لا يوصف (1) وكيف يوصف وقد قال في كتابه: (وما قدروا الله حق قدره) (2) فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم من ذلك. 7 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن الحسين ابن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: إن محمد بن علي ابن الحنفية كان رجلا رابط الجاش – وأشار بيده – وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا، إن الله تبارك اسمه في خلقه كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة، فلعل إحديهن تكفك عنى (3). 8 – حدثنا محمد بن علي ما جيلويه رحمه الله، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد ابن علي الصيرفي، عن علي بن حماد، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي – عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته، ولا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته، وليس شئ غيره، هو نور ليس فيه ظلمة وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم


(1) في البحار باب القدرة والارادة: (لا يوصف بعجز) والظاهر انه الصحيح. (2) الانعام: 91، والحج: 74، والزمر: 67. (3) ابن الحنفية بالنصب وصف لمحمد لا لعلي عليه السلام، والجأش بمعنى القلب أي مطمئن القلب ساكنة عند الواردات لشجاعته فكأنه ربط قلبه بركن شديد، وقوله: (أشار بيده) جملة معترضة، وضمير أشار يرجع إلى أبي أي وقال أبو عبد الله عليه السلام وأشار أبي بيده إلى موضع الطواف حين نقل هذه الحكاية لانها وقعت هناك، هذا إذا حكى عليه السلام هذه الواقعة في المسجد الحرام، أو أشار بيده إلى قلبه فان الانسان إذا أراد يصف عضوا من غيره يشير إلى ذلك العضو من نفسه. (*)

[ 129 ]

يزل ولا يزال أبد الآبدين، وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك وتعالى أحب أن يخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله. فقال: كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى (1). قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله: هو نور، أي هو منير وهاد (2) ومعنى قوله: كونا ظلين، الروح المقدس والملك المقرب، والمراد به أن الله كان ولا شئ معه، فأراد أن يخلق أنبيائه وحججه وشهداءه، فخلق قبلهم الروح المقدس وهو الذي يؤيد الله عزوجل به أنبياءه وحججه وشهداءه صلوات الله عليهم، وهو الذي يحرسهم به من كيد الشيطان ووسواسة ويسددهم ويوفقهم ويمدهم بالخواطر الصادقة ثم خلق الروح الامين الذي نزل على أنبيائه بالوحي منه عزوجل، وقال لهما: كونا ظلين ظليلين لانبيائي ورسلي وحججي وشهدائي، فكانا كما قال الله عزوجل ظلين ظليلين لانبيائه ورسلي وحججه وشهدائه، يعينهم بهما وينصرهم على أيديهم و يحرسهم بهما، وعلى هذا المعنى قيل للسلطان العادل: إنه ظل الله في أرضه لعباده، يأوي إليه المظلوم، ويأمن به الخائف الوجل، ويأمن به السبل، وينتصف به الضعيف من القوي، وهذا هو سلطان الله وحجته التي لا تخلو الارض منه إلى أن تقوم الساعة.


(1) قد مر تفسير الظل في ذيل الحديث الخامس عشر من الباب الثاني والمراد بهما ههنا بشهادة اخبار اخر حقيقة محمد وعلى صلوات الله عليهما وعلى آلهما لان خلقها قبل خلق الكل، وتفسير المصنف – قدس سره – لا شاهد له، بل الشاهد على خلافه، على ان الامر في (كونا ظلين) تكويني لا تشريعي كما زعمه. (2) تفسير النور بالهادي قد ورد في اخبارنا في تفسير آية النور، لكنه لا يناسب ههنا لانه لا يقبل الذوق العلمي ان يقال: هو هاد ليس فيه ظلمة، بل المراد نور الحقيقة الوجودية الذي ليس فيه شائبة العدم والامكان الذي به تنور وتحقق كل موجود، والشاهد عليه اخبار مضت وأخبار تاتي في هذا الكتاب لاسيما في الباب الحادي عشر. (*)

[ 130 ]

9 – حدثنا محمد بن علي ما جيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي أيوب المدني (1) عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل لامير المؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون. 10 – حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي – عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أيقدر أن يدخل الارض في بيضة ولا يصغر الارض ولا يكبر البيضة ؟ فقال: ويلك، إن الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف الارض ويعظم البيضة. 11 – حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: جاء رجل إلى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربك أن يجعل السماوات والارض وما بينهما في بيضة ؟ قال: نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك وهي أقل من البيضة، لانك إذا فتحتها عاينت السماء والارض وما بينهما، ولو شاء لاعماك عنها. 12 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا أبو القاسم العلوي، عن محمد بن أسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة، قال: قلت للرضا عليه السلام خلق الله الاشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟ فقال: لا يجوز أن يكون خلق الاشياء بالقدرة لانك إذا قلت: خلق الاشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الاشياء، وهذا شرك، وإذا قلت: خلق الاشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج


(1) النسخ ههنا مختلفة والصحيح ما أثبتناه. (*)

[ 131 ]

إلى غيره (1). قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: إذا قلنا: إن الله لم يزل قادرا فإنما نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شئ معه لانه عزوجل لم يزل واحدا لا شئ معه، وسابين الفرق بين صفات الذات وصفات الافعال في بابه إن شاا الله. 13 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل (ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) (2) فقال: هو واحد، أحدي الذات، بأئن من خلقه، وبذاك وصف نفسه، وهو بكل شئ محيط بالاشراف والاحاطة والقدرة لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالاحاطة والعلم لا بالذات (3) لان الاماكن محدودة تحويها حدود أربعة (4) فإذا


(1) في البحار باب القدرة والارادة عن عيون الاخبار بعد قوله: (ولا محتاج إلى غيره) هذه الزيادة: (بل هو سبحانه قادر بذاته لا بالقدرة) وحاصل مراده عليه السلام أنه تعالى قادر بقدرة هي ذاته لا بقدرة زائدة عليها، وبين ذلك بالفرق بين قول القائل: خلق الاشياء بالقدرة وبين قوله: خلق الاشياء بقدرة فان الالف واللام تشير إلى حقيقة مدخولها في الخارج منحازة ممتازة عن سائر الحقائق مستقلة في قبالها، وألفاظ القدرة في النسخ من حيث كونها مع الالف واللام أو بدونهما مختلفة وصححناها على البحار لان ما فيه موافق للمراد. (2) المجادلة: 7. (3) أي لا يكون معيته للاشياء بذاته في أماكن الاشياء، وهذا لا ينافي الآيات والاخبار التي تدل على أنه تعالى بذاته مع كل شئ وفى كل شئ بلا كيفية وممازجة لان المنفى هنا كونه مع الاشياء محاطا بالمكان، فلا يتوهم أنه تعالى منعزل بذاته عن الاشياء محيط بها علما وقدرة، وكذا الكلام في الحديث الخامس عشر. (4) الفوق والتحت حدان، والامام والوراء واليمين واليسار لكونهما اعتبارية أيضا حدان. أو جعل الحدود أربعة على ما في أذهان العامة من حدود مساكنهم فانهم لا يعدون الفوق والتحت من الحدود. (*)

[ 132 ]

كان بالذات لزمه الحواية. 14 – حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه الله، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الانبياء معصومون ؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول إبراهيم: (رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي) ؟ (1) قال الرضا عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل، فقال: رب أرني كيف تحيى الموتى قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة (2) قال: (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سيعا واعلم أن الله عزيز حكيم)، فأخذ إبراهيم عليه السلام نسرا وبطا وطاؤوسا وديكا فقطعهن قطعا صغارا، ثم جعل على كل جبل من الجبال التى كانت حوله – وكانت عشرة – منهن جزءا، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء، فتطايرت تلك الاجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الابدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و رأسه، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فطرن، ثم وقفن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب، وقلن: يا نبي الله احييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم عليه السلام: بل الله يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن، و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. 15 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد ابن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الخزاز، عن مثنى الحناط


(1) البقرة: 260. (2) أي على أن ذلك الخليل الذي تريد أن تتخذه أنا. (*)

[ 133 ]

عن أبي جعفر – أظنه محمد بن نعمان – قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل (وهو الله في السموات وفي الارض) (1) قال: كذلك هو في كل مكان، قلت: بذاته ؟ قال: ويحك إن الاماكن أقدار، فإذا قلت: في مكان بذاته لزمك أن تقول في إقدار وغير ذلك (2) ولكن هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا وملكا، وليس علمه بما في الارض بأقل مما في السماء، لا يبعد منه شئ والاشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة. 16 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قوة لنا، قلت: وماهي ؟ فقال: (وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله) (3) فلم أدر بما اجيبه، فحججت فخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة، فإنه يقول فلان فقل: ما اسمك بالبصرة، فإنه يقول فلان، فقل: كذلك الله ربنا في السماء إله وفي الارض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله، قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال: هذه نقلت من الحجاز. 17 – حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: لما صعد موسى عليه السلام إلى الطور فنادى ربه عزوجل (4) قال: يا رب أرني خزائنك، فقال: يا موسى إنما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون.


(1) الانعام: 3. (2) من صفات المحدود بالحدود المقدر بالاقدار. (3) الزخرف: 84. (4) في البحار وفي نسخة (و) (فناجى ربه عزوجل). وفي نسخة (د) (يناجي ربه عزوجل). (*)

[ 134 ]

قال مصنف هذا الكتاب: من الدليل على أن الله عزوجل قادر: أن العالم لما ثبت أنه صنع الصانع ولم نجد أن يصنع الشئ من ليس بقادر عليه بدلالة أن المقعد لا يقع منه المشي والعاجز لا يتأتى له الفعل صح أن الذي صنعه قادر، ولو جاز غير ذلك لجاز منا الطيران مع فقد ما يكون به من الآلة، ولصح لنا الادراك وإن عدمنا الحاسة. فلما كان إجازة هذا خروجا عن المعقول كان الاول مثله. 10 – باب العلم 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله: قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن سليمان بن سفيان، قال: حدثني أبو علي القصاب، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام: فقلت: الحمد لله منتهى علمه، فقال: لا تقل ذلك، فإنه ليس لعلمه منتهى. 2 – أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن الكاهلي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء: (الحمد لله منتهى علمه) فكتب إلي: لا تقولن منتهى علمه، ولكن قل: منتهى رضاه. 3 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن جعفر الاسدي، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العلم هو من كماله (1). 4 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبى عمير، عن أبي الحسن الصيرفي، عن بكار الواسطي، عن أبي حمزة الثمالي


(1) زاد في نسخة (ط) و (ن) (كيدك منك) وهي زائدة قطعا، بل الكلام فيما في الخبر الرابع. (*)

[ 135 ]

عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في العلم، قال: هو كيدك منك (1). قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: يعني أن العلم ليس هو غيره وأنه من صفات ذاته لان الله عزوجل ذات علامة سميعة بصيرة، وإنما نريد بوصفنا أياه بالعلم نفي الجهل عنه، ولا نقول: إن العلم غيره لانا متى قلنا، ذلك ثم قلنا: إن الله لم يزل عالما أثبتنا معه شيئا قديما لم يزل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا: 5 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: أرأيت ماكان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله ؟ قال: فقال: بلى قبل أن يخلق السماوات والارض. 6 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الاشعري، عن علي بن إسماعيل، وإبراهيم بن هاشم جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: سألته – يعني أبا عبد الله عليه السلام – هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله عزوجل ؟ قال: لا، بل كان في علمه قبل أن


(1) قال العلامة المجلسي رحمه الله في البحار باب العلم: قال بعض المشايخ: هذا غلط من الراوي والصحيح الخبر الاول والامام أجل من أن يبعض الله سبحانه بعلمه منه ككون يد الانسان منه: انتهى، وهذا الكلام مذكور في حواشي بعض النسخ، وأقول: يحتمل ان يكون المراد بالعلم علم المخلوق، بل ظاهر فيه لقرينة تشبيهه بيد المخاطب والمصنف حسب ذلك فأدرجه في هذا الباب، وعلى هذا فكون العلم كاليد لاستعانة الانسان به في أفعال الجوانح كما يستعين باليد في أفعال الجوارح، وعلى أن يكون المراد به علم الله تعالى فالتوجيه ما ذكره المصنف، ويمكن أن يكون المراد به العلم الفعلي الذي هو المشيئة المخلوق بها الاشياء كما نطق به الخبر التاسع عشر من الباب الحادي عشر، فلا بأس بتشبيهها باليد فان بها فعله كما أن الانسان بيده فعله مع رعاية تنزيهه تعالى، كما اسند إليه تعالى اليد في الكتاب حيث قال: (يد الله فوق إيديهم) بهذا الاعتبار الا أنها فسرت بالقدرة. (*)

[ 136 ]

ينشئ السماوات والارض. 7 – حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال حدثني أبي، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس، عن أبي الحسن (1) عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله تباركت أسماؤه وتعالى في علو كنهه أحد، توحد بالتوحيد في توحيده، ثم أجراه على خلقه، فهو أحد، صمد، ملك قدوس، يعبده كل شئ ويصمد إليه، فوق الذي عسينا أن نبلغ ربنا، وسع ربنا كل شئ علما. 8 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أحمد بن الفضل ابن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الاصفهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن بشار، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: سألته أيعلم الله الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون (2) أو لا يعلم إلا ما يكون ؟ فقال: إن الله تعالى هو العالم بالاشياء قبل كون الاشياء، قال الله عزوجل: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (3) وقال لاهل النار: (ولو ردوا لعادو لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (4) فقد علم الله عزوجل أنه لوردهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها وسيفك


(1) هكذا في النسخ التي عندي، وأظن أن الصحيح: الحسن بن السري كما بينا في الحديث التاسع من الباب الرابع، وقوله عليه السلام: (توحد بالتوحيد في توحيده) الباء للسببية وفي للظرفية كما يقال: فلان واحد بالشجاعة في شجاعته، أو الباء للظرفية وفي للسببية على العكس، والثاني أقرب من حيث المعنى فاستبصر. (2) مر نظير هذا الكلام في الحديث الثامن عشر من الباب الثاني، وفي نسخة (ط) و (ن) (أيعلم الله الشئ الذي لم يكن قبل أن لو كان كيف – الخ) فكلمة (قبل) متعلق بيعلم و (كيف) مع مدخولها بدل اشتمال من الشئ. (3) الجاثية: 29. (4) الانعام: 28. (*)

[ 137 ]

الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون) (1) فلم يزل الله عزوجل علمه سابقا للاشياء قديما قبل أن يخلقها، فتبارك ربنا تعالى علوا كبيرا خلق الاشياء وعلمه بها سابق لهاكما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا. 9 – وبهذا الاسناد عن علي بن عبد الله، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن عبد الله ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان. أم علمه عند ما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال: تعالى الله، بل لم يزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه، وكذلك علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: من الدليل على أن الله تبارك وتعالى عالم أن الافعال المختلفة التقدير، المتضادة التدبير، المتفاوتة الصنعة لا تقع على ما ينبغي أن يكون عليه من الحكمة ممن لا يعلمها، ولا يستمر على منهاج منتظم ممن يجهلها، ألا ترى أنه لا يصوغ قرطا يحكم صنعته ويضع كلا من دقيقه وجليله موضعه من لايعرف الصياغة، ولا أن ينتظم كتابة يتبع كل حرف منها ما قبله من لا يعلم الكتابة، والعالم ألطف صنعة وأبدع تقريرا مما وصفناه، فوقوعه من غير عالم بكيفيته قبل وجوده أبعد وأشد استحالة. وتصديق ذلك: 10 – ما حدثنا به عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمه الله، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، قال: سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، يقول في دعائه: سبحان من خلق الخلق بقدرته، وأتقن ما خلق بحكمته، ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه، سبحان من يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، وليس كمثله شئ وهو السمع البصير. 11 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن منصور الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله علم لاجهل فيه، حياة لاموت فيه، نور لاظلمة فيه.


(1) البقرة: 30. (*)

[ 138 ]

12 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: روينا أن الله علم لاجهل فيه، حياة لاموت فيه، نور لاظلمة فيه، قال: كذلك هو. 13 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله. قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عيسى ابن أبي منصور، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله نور لاظلمة فيه، وعلم لاجهل فيه، وحياة لاموت فيه. 14 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن الله تعالى علما خاصا، وعلما عاما، فأما العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين، وأما علمه العام فإنه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربن وأنبياءه المرسلين، وقد وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله. 15 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر الاسدي، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن زيد بن المعدل النميري وعبد الله بن سنان، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله لعلما لا يعلمه غيره، وعلما يعلمه ملائكته المقربون وأنبياؤه المرسلون، ونحن نعلمه. 16 – وبهذا الاسناد عن الحسين بن يزيد، عن يحيى بن أبي يحيى، عن عبد الله ابن الصامت، عن عبد الاعلى، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: علم الله لا يوصف منه بأين، ولا يوصف العلم من الله بكيف، ولا يفرد العلم من الله، ولا يبان الله منه، وليس بين الله وبين علمه حد (1).


(1) هذا كله بيان لكون علمه تعالى عين ذاته. (*)

[ 139 ]

11 – باب صفات الذات وصفات الافعال 1 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد الطيالسي الخزاز الكوفي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لم يزل الله عزوجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، و القدرة ذاته ولا مقدور، فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم (1) والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور، قال: قلت: فلم يزل الله متكلما ؟ قال: إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية، كان الله عزوجل ولا متكلم (2). 2 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد بن عيسى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: لم يزل الله يعلم ؟ قال: أنى يكون يعلم ولا معلوم، قال: قلت: فلم يزل الله يسمع ؟ قال: أنى يكون ذلك ولا مسموع، قال: قلت: فلم يزل يبصر ؟ قال: أنى يكون ذلك ولا مبصر، قال: ثم قال: لم يزل الله عليما سميعا بصيرا، ذات علامة سميعة بصيرة. 3 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا


(1) أي فلما وجد الذي كان معلوما له تعالى في الازل انطبق علمه على معلومه في ظرف الوجود الخارجي لكون علمه حقا لا جهل فيه، وليس معنى الوقوع التعلق لانه قبل وجوده فكان قبل وجوده في الخارج معلوما، ويعبر عن هذا الانطباق بالعلم الفعلي في قبال الذاتي، ومن هذا يظهر أن العلم المنفي قبل وجود المعلوم في الحديث الثاني هو الفعلي أي أنى يقع علمه على المعلوم ولا معلوم في الخارج، وكذا غير العلم، وبعبارة اخرى لا يصح أن يقال: الله يعلم بالشئ في الازل، بل يصح أن يقال: انه عالم بالشئ في الازل لان صيغة المضارع تدل على النسبة التلبسية وهذه النسبة تقتضي وجود الطرفين في ظرف واحد. (2) كذا. (*)

[ 140 ]

محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الفضل بن سليمان الكوفي، عن الحسين بن الخالد، قال: سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، يقول: لم يزل الله تبارك وتعالى عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا، فقلت له: يا ابن رسول الله إن قوما يقولون: إنه عزوجل لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا بحياة، وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر (1) فقال عليه السلام: من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى، وليس من ولايتنا على شئ، ثم قال عليه السلام: لم يزل الله عزوجل عليما قادر حيا قديما سميعا بصيرا لذاته، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا. 4 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن أبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هارون بن عبد الملك، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو عزوجل مثبت موجود، لا مبطل ولا معدود، ولا في شئ من صفة المخلوقين، وله عزوجل نعوت وصفات، فالصفات له، وأسماؤها جارية على المخلوقين (2) مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم وأشباه ذلك، والنعوت نعوت الذات لا تليق إلا بالله تبارك وتعالى، والله نور لاظلام فيه، وحي لا موت له، وعالم لاجهل فيه، وصمد لامدخل فيه، ربنا نوري الذات حي الذات، عالم الذات، صمدي الذات. 5 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر،


(1) هذه مقالة الاشاعرة في صفاته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. (2) أي فحقيقة صفاته ثابتة له تعالى من دون اشتراك لاحد فيها، وأسماؤها أي مفاهيم تلك الصفات جارية على المخلوقين يشتركون فيها معه تعالى كما صرح به في الحديث الرابع عشر من هذا الباب، أو المراد اجراء حقيقتها على الخلق على سبيل الظلية كاجراء التوحيد عليه على ما ذكر في الحديث السابع من الباب العاشر والحديث التاسع من الباب الرابع (*)

[ 141 ]

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره، نورا لاظلام فيه (1) وصادقا لاكذب فيه (2) وعالما لاجهل فيه، وحيا لاموت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبدا. 6 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، قال: حدثنا يحيى بن يحيى (3) عن عبد الله بن الصامت، عن عبد الاعلى، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: إن الله – لا إله إلا هو – كان حيا بلا كيف ولا أين، ولا كان في شئ، ولا كان على شئ، ولا ابتدع لمكانه مكانا (4) ولاقوي بعدما كون الاشياء، ولا يشبهه شئ يكون، ولا كان خلوا من القدرة على الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا من القدرة بعد ذهابه، كان عزوجل إلها حيا بلا حياة حادثة، ملكا قبل أن ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه، وليس لله حد، ولا يعرف بشئ يشبهه، ولا يهرم


(1) قوله: (نورا) خبر كان، وقوله: (ولا شئ غيره) جملة معترضة بينهما، كذا قيل وليس بصحيح لان الواو لغو حينئذ، بل الصحيح أن كان تامة، والجملة معطوفة عليها و (نورا) مع ما بعده من المنصوبات أحوال لفاعل كان، وعلى هذا فمعنى قوله: (وكذلك هو اليوم) أنه اليوم كان ولا شئ غيره، أي بحقيقة الشيئية التي هي كونه نورا لاظلام فيه – الخ. (2) الصادق بحسب الذات لا الصادق الذي هو صفة الكلام فانه من صفات الافعال ليس بعين الذات. (3) أظن أن هذا الرجل هو المذكور في الحديث الثاني والعشرين من الباب الاول وأظن أيضا أنه يحيى بن أبي يحيى المذكور في سند الحديث السادس عشر من الباب العاشر وان كانت النسخ متفقة على زيادة لفظ (أبي) هناك. (4) أي ولا ابتدع لمكانته وعظمته مكانا إذ لا يحيط به الاماكن، وفي نسخة (د) و (و) (ولا ابتدع لكان مكانا) أي لا ابتدع لانه كان قادرا عالما حيا – الخ – مكانا إذ الصفات عين الذات، ونظير هذا الحديث الثاني من الباب الثامن والعشرين. (*)

[ 142 ]

للبقاء، ولا يصعق لدعوة شئ (1) ولخوفه تصعق الاشياء كلها، وكان الله حيا بلا حياة حادثة (2) ولا كون موصوف، ولا كيف محدود (3) ولا أين موقوف (4) ولامكان ساكن (5) بل حي لنفسه، ومالك لم يزل له القدرة، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته و قدرته، كان أولا بلا كيف، ويكون آخرا بلا أين وكل شئ هالك إلا وجهه، له الخلق والامر تبارك رب العالمين. 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن ارومة، عن علي بن الحسن بن محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اسم الله غير الله، وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ماخلا الله، فأما ما عبرت الالسن عنه أو عملت الايدي فيه فهو مخلوق (6) والله غاية من غاياه، والمغيى غير الغاية، والغاية موصوفة،


(1) الصعق بمعنى الصوت الشديد المفزع ويأتى بمعنى الفزع والغشية من أمر مخوف صوت أو غيره، أي ليس دعوته بصعق وصوت بل بما يناسب المدعو، وفي البحار باب جوامع التوحيد: (ولا يصعق لذعرة شئ) والذعرة بمعنى الخوف، أي لايفزع لخوف شئ وهذا أنسب بالجملة التالية. (2) في نسخة (ب) (وكان عزوجل الها حيا – الخ). (3) الوصف إيضاحي أتى به للتنبيه على أنه يوجب محدودية المكيف، ويمكن أن يكون للاحتراز أي ليس له الكيفيات الامكانية بل له كيفية هي نفس ذاته الواجبة كما ورد في بعض الاخبار: (لا تدرك كيفيته). (4) الاين هو النسبة إلى المكان، أي ليس له أين موقف على مكان خاص، بل نسبته إلى جميع الاماكن على السواء. (5) قال العلامة المجلسي رحمه الله: وتقييد المكان بالساكن مبني على المتعارف الغالب من كون المكان المستقر عليه ساكنا. (6) ما عبرت الالسن هو اللفظ والعبارة، وما عملت الايدي هو الكتابة، وقد مضى بعض البيان لهذا الحديث ذيل الحديث السادس عشر من الباب الثاني. (*)

[ 143 ]

وكل موصوف مصنوع، وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره، ولا يذل من فهم هذا الحكم أبدا (1) وهو التوحيد الخالص، فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه باذن الله عزوجل ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك (2) لان الحجاب والمثال والصورة غيره (3) وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره، إنما عرف الله من عرفه بالله (4) فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره، والله خالق الاشياء لامن شئ، يسمى بأسمائه فهو غير أسمائه والاسماء غيره، والموصوف غير الواصف (5) فمن زعم أنه يؤمن بما لايعرف فهو ضال عن المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله، والله خلوا من خلقه، وخلقه خلو منه، إذا أراد الله شيئا كان كما اراد بأمره من غير نطق، لا ملجأ لعباده مما قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى، لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما أحدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عزوجل فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله (6) تبارك الله رب العالمين. قال مصنف هذا الكتاب: معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله أن يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله، تبارك الله رب العالمين. 8 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثني عمي محمد بن


(1) لان العز كل العز في حقيقة التوحيد. (2) أي زعم أنه يعرف الله بما بينه وبين الله من الاشياء أو بما يتصوره في الذهن، أو بما حسبه مثلا وشبيها له. (3) والمغاير لا يكون معرفا للمغاير. (4) يأتي لهذا الكلام بيانات في الباب الواحد والاربعين. (5) هذا عبارة اخرى عن قوله في الحديث السادس عشر من الباب الثاني: فالذاكر الله غير الله. (6) لان لارادته تعالى في فعل العبد دخلا كما يأتي بيانه في محله ان شاء الله تعالى. (*)

[ 144 ]

أبي القاسم، قال: حدثني محمد بن علي الصيرفي الكوفي، قال: حدثني محمد بن سنان، عن أبان بن عثمان الاحمر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا عليما قادرا ؟ قال: نعم، فقلت له: إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة، فغضب عليه السلام، ثم قال: من قال ذلك و دان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شئ، إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيبرة قادرة. 9 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من صفة القديم أنه واحد، أحد، صمد، أحدي المعنى، وليس بمعان كثيرة مختلفة، قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، قال: فقال: كذبوا وألحدوا و شبهوا، تعالى الله عن ذلك، إنه سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع، قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه، قال: فقال: تعالى الله إنما يعقل ماكان بصفة المخلوقين، وليس الله كذلك (1). 10 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم، قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام أنه قال له: أتقول: إنه سميع بصير ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، وليس قولي: إنه يسمع بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا، وإفهاما لك إذ كنت سائلا، فأقول: يسمع بكله، لا أن كله له بعض، ولكني أردت إفامك والتعبير عن


(1) أي بصير بالالة التى يعقلونها في أنفسهم، فرد عليه السلام ذلك بقياس من الشكل الثاني ان المعقول لنا ما كان بصفة المخلوقين ولا شئ من الله بصفة المخلوق فلا شئ من الله بمعقول لنا. (*)

[ 145 ]

نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى. 11 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل ابن سكرة، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده ؟ (1) فقد اختلف مواليك، فقال بعضهم: قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه، و قال بعضهم، إنما معنى يعلم يفعل، فهو اليوم يعلم أنه لاغيره قبل فعل الاشياء، وقالوا: إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لاغيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته، فان رأيت يا سيدي أن تعلمني مالا أعدوه إلى غيره، فكتب عليه السلام (2): ما زال الله تعالى عالما تبارك وتعالى ذكره. 12 – أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي – جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: كان الله ولا شئ غيره، ولم يزل عالما بما كون. فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعدما كونه. 13 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد ابن عبد الله، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عزوجل أكان يعلم الاشياء قبل أن خلق الاشياء وكونها، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون ؟ فوقع عليه السلام بخطه: لم يزل الله عالما بالاشياء قبل أن يخلق الاشياء كعلمه بالاشياء


(1) توضيح كلام السائل أنه تعالى هل كان عالما في الازل بغيره فيعلم أن غيره معدوم فيعلم أنه وحده لا شئ غيره لان العلم بانه وحده لا شئ غيره يستلزم العلم بان غيره معدوم، والعلم بأن غيره معدوم يستلزم العلم بالغير، أم علم الغير حين خلقه فعلم بعدمه قبل خلقه فعلم أنه وحده لا شئ كان معه في الازل الذي لم يكن فيه خلق. (2) كذا. (*)

[ 146 ]

بعدما خلق الاشياء. 14 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، والحسين ابن سعيد، ومحمد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: أتنعت الله ؟ فقلت: نعم، قال: هات، فقلت: هو السميع البصير، قال: هذه صفة يشترك فيها المخلوقون (1) قلت: فكيف تنعته ؟ فقال: هو نور لاظلمة فيه، وحياة لاموت فيه، وعلم لاجهل فيه، وحق لا باطل فيه. فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد. 15 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم يزل الله مريدا ؟ فقال: إن المريد لا يكون إلا لمراد معه: بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد (2). 16 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن بكير بن أعين، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: علم الله ومشيته هما مختلفان أم متفقان ؟ فقال: العلم ليس هو المشية، ألا ترى أنك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله، فقولك إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء، وعلم الله سابق للمشية.


(1) اي من حيث المفهوم. وأما من حيث الحقيقة فذاته ذات الصفة بعينها بخلاف الممكنات. (2) ان مذهب أهل البيت عليهم السلام على ما يظهر من أخبار كثيرة في هذا الكتاب وغيره ان الارادة من صفات الافعال وأنها غير العلم وأنه سابق لها وانها نفس الفعل والايجاد وقد أوردنا البحث فيها مستوفي في التعليقة على التجريد. (*)

[ 147 ]

17 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: أخبرني عن الارادة من الله ومن المخلوق، قال: فقال: الارادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأما من الله عزوجل فإرادته إحداثه لاغير ذلك (1) لانه لا يروي، ولايهم، ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق، فإرادة الله هي الفعل لاغير ذلك يقول له: كن فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف (2). 18 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المشية محدثة. 19 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي –


(1) ان الفعل لا يصدر منا الا أن يتقدمه امور: تصوره جزئيا، واعتقاد النفع في ذلك الفعل، وشوق يعقب ذلك الاعتقاد، والاقبال نحو الفعل ليرتكبه سمى بالشوق الاكيد و الاجماع. والقول الاصح أن الارادة هي هذا الاخير، والمراد بالضمير المذكور في الرواية هو ما يحدث في خلد الانسان بين تصوره للفعل ووقوع الفعل في الخارج، وأما الله تعالى فليس بين علمه وفعله هذه الامور فارادته هي علمه أو فعله، فقوم على الاول، واخرى على الثاني، والاية: (انما أمره اراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ظاهرة في الثاني و طالب التفصيل يراجع مظانه، والظاهر أن الواو بعد قوله: (الضمير) عاطفة عطفت كلمة (ما) عليه، وعلى هذا فمجموع الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل هو ارادة المخلوق فكل منهما جزء الارادة، ويمكن أن يقال: ان الضمير شرط الارادة فارادة المخلوق فعله مشروطا بما يحدث في نفسه وارادة الخالق فعله من غير شرط، ويحتمل أن يكون الواو للاستيناف، و (ما) موصولة مبتدءا، و (يبدو له) صلته و (بعد ذلك)) متعلقا به، و (من الفعل) خبر المبتدأ، وعلى هذا فالضمير فقط هو الارادة وما يبدو له بعد ذلك من الحركة في العضلات هو من الفعل. (2) أي لا كيف لايجاده كما لا كيف لنفسه لان كيفية الفعل من قبل كيفية الفاعل. (*)

[ 148 ]

عمير، عن عمر بن اذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خلق الله المشية بنفسها، ثم خلق الاشياء بالمشية (1). قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب رضي الله عنه: إذا وصفنا الله تبارك و تعالى بصفات الذات فإنما ننفي عنه بكل صفة منها ضدها، فمتى قلنا: إنه حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت، ومتى قلنا: إنه عليم نفينا عنه ضد العلم وهو الجهل، ومتى قلنا: إنه سميع نفينا عنه ضد السمع وهو الصمم، ومتى قلنا: بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى، ومتى قلنا: عزيز نفينا عنه ضد العزة وهو الذلة، ومتى قلنا: حكيم نفينا عنه ضد الحكمة وهو الخطأ، ومتى قلنا: غني نفينا عنه ضد الغنى وهو الفقر، ومتى قلنا: عدل نفينا عنه الجور والظلم ومتى قلنا: حليم نفينا عنه العجلة، ومتى قلنا: قادر نفينا عنه العجز، ولو لم نفعل ذلك أثبتنا معه أشياء لم تزل معه، ومتى قلنا: لم يزل حيا عليما سميعا بصيرا عزيزا حكيما غينا ملكا حليما عدلا كريما، فلما جعلنا معنى كل صفة من هذه الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم يزل واحدا لا شئ معه (2) وليست الارادة والمشية والرضا والغضب وما يشبه ذلك من صفات الافعال بمثابة صفات الذات، لانه لا يجوز أن يقال: لم يزل الله مريدا شائيا كما يجوز أن يقال: لم يزل الله قادرا عالما.


(1) روى هذا الحديث في الباب الرابع والخمسين بسند آخر بعبارة اخرى، وأظهر التفاسير أن المشيئة هو أول ما تجلى منه تعالى الذي كان واسطه بينه وبين الاشياء، وقد سمى ذلك في لسان الاخبار باسماء منها النور المحمدي صلى الله عليه وآله ومنها العقل ومنها الظل ومنها الماء ومنها غير ذلك، واطلاق كل منها عليها باعتبار، وعلى هذا فالمشيئة من الله تعالى غير ارادته كما صرح به في أخبار وبأنها قبل الارادة، وان استعملنا كثيرا في الكتاب والسنة بالترادف كالعرف العام والخاص. (2) قوله: (فلما جعلنا) عطف على قوله: (ومتى قلنا)، وقوله: (نفى ضدها) على صيغة المصدر مفعول ثان لجعلنا، وقوله: (أثبتنا أن الله – الخ) جواب (لمتى قلنا). (*)

[ 149 ]

12 – باب تفسير قول الله عزوجل (كل شئ هالك الا وجهه) 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله: قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن جليس لابي حمزة، عن أبي حمزة، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: قول الله عزوجل (كل شئ هالك إلا وجهه) ؟ (1) قال: فيهلك كل شئ ويبقي الوجه، إن الله عزوجل أعظم من أن يوصف بالوجه، ولكن معناه كل شئ هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى منه (2). 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي بصير، عن الحارث بن المغيرة النصري (3) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) قال: كل شئ هالك إلا من أخذ طريق الحق. 3 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن يحيى العطار، عن سهل ابن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (كل شئ هالك إلا وجهه) قال: من أتى الله بما امر به من طاعة محمد والائمة من بعده صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأ: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (4).


(1) القصص: 88. (2) في نسخة (ب) (والوجه الذي يؤتى الله منه). (3) من بنى نصر بن معاويه. ثقة ثقة. (4) النساء: 80. (*)

[ 150 ]

4 – وبهذا الاسناد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن وجه الله الذي لا يهلك (1). 5 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ربيع الوراق، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: كل شئ هالك إلا وجهه قال: نحن. 6 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن سنان، عن أبي سلام، عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام، قال: نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا صلى الله عليه وآله (2) ونحن وجه الله نتقلب في الارض بين أظهركم، عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فأمامه اليقين (3).


(1) الوجه من كل شئ هو أول ما يظهر منه ويتوجه إليه منه، وجميع الاخبار الواردة في هذا الباب في هذا الكتاب وغيره عن أئمتنا صلوات الله عليهم فسر الوجه فيه بهم وبما يتعلق بهم من الامور الالهية. (2) اشارة إلى قوله تعالى: (ولد آتينا سبعا من المثاني والقرآن العظيم) و (من) في الآية بيانية، والمثاني جمع المثنى، وقد فسر في أخبار بهم كما هنا، ومن المحتمل في ذلك أنهم عليهم السلام سبع بحسب أسمائهم وان كرر بعضها: علي، فاطمة، حسن، حسين، محمد، جعفر، موسى، عليهم السلام، وما ذكره المصنف حق لكنه بعيد من ظاهر اللفظ، وقد قيل في تفسيرها وجوه اخر. (3) أي يتيقن بعد الموت الذي أمامه أنا وجه الله الذي لابد لعباده أن يتوجهوا إليه به، وفي السفينة عن سابع البحار: (عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، من عرفنا فامامه اليقين ومن جهلنا فأمامه السعير) أي يتيقن عين اليقين بما وعده الله على ولايتنا ومعرفتنا، وفي باب النوادر من توحيد الكافي: (عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وامامة المتقين) وهي بالنصب عطف على ضمير المتكلم في جهلنا الثاني أي جهلنا وجهل بجهله ايانا امامة المتقين فلم يكن منهم. (*)

[ 151 ]

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله: نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا، فأخبر امته بأن لانفترق حتى نرد عليه حوضه (1). 7 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف، عن أخيه الحسين بن سيف (2)، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي عن خيثمة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل (كل شئ هالك إلا وجهه) قال: دينه، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله، ووجهه وعينه في عباده، ولسانه الذي ينطق به، ويده على خلقه، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية، قلت: وما الروية ؟ قال: الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب (3). 8 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح، قال: أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا (4) وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، و وجهه الذي يؤتي منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزائنه في سمائه وأرضه (5) بنا


(1) (حوضه) منصوب على الظرفية، وفي نسخة (ب) و (ط) (حتى نرد على حوضه). (2) هكذا في النسخ، والظاهر على العكس برواية الحسين عن أخيه على كما في الحديث الثامن والتاسع والعاشر والثاني عشر والثالث عشر من الباب الاول وغيرها. (3) المراد بها ما يتعلق به ارادته تعالى كحاجة الانسان التي يتعلق بها ارادته من دون احتياج له تعالى. (4) في نسخة (ب) و (د) و (و) (فأحسن صورتنا). (5) في نسخة (ب) و (ج) و (و) (وخزانه في سمائه وأرضه). (*)

[ 152 ]

أثمرت الاشجار، وأينعت الثمار وجرت الانهار، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الارض، بعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله. 9 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز، عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله واحد، أحد، متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه، فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله (1) في عباده، وشهداؤه على خلقه، وامناؤه على وحيه، و خزانه على علمه، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته، ولسانه الناطق، و قلبه الواعي، وبابه الذي يدل عليه، ونحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله، بنا عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الادلاء على الله، ولولانا ما عبد الله، (2). 10 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري، قال: حدثنا الحكم بن أسلم، قال: حدثنا ابن علية (3) عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي عليه السلام، قال: سمع النبي صلى الله عليه واله وسلم رجلا يقول لرجل: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال صلى الله عليه واله وسلم: مه، لا تقل هذا، فإن الله خلق آدم على صورته. قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله تركت المشبهة من هذا الحديث أوله و قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، فضلوا في معناه وأضلوا. 11 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي –


(1) كذا. (2) جعلهم الله تعالى منه منزلة الاعضاء من الانسان لان أمره تعالى جار في خلقه بهم ومن طريقهم كما يدل عليه الايات والاخبار، فلا يلزم من ذلك أن يكون لله تعالى أعضاء ولا أن يكونوا هم الله الواحد الاحد المتوحد بالوحدانية المتفرد بالامر، تعالى عما يقول الجاهلون، وفي نسخة (و) نحن القائمون بامره، وفي نسخة (ب) و (ج) و (د) (نحن القائلون بأمره). (3) هو اسماعيل بن ابراهيم المعروف بابن علية. والجريري هو أبو مسعود سعيد بن اياس. (*)

[ 153 ]

ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: إن الله خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا أول الحديث، إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مر برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال صلى الله عليه واله وسلم: يا عبد الله لا تقل هذا لاخيك، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته (1). 13 – باب تفسير قول الله عزوجل: (يا ابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر، عن أبي عبد الله البرقي، عن عبد الله بن بحر، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: قوله عزوجل: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (2) ؟ فقال: اليد في كلام العرب القوة والنعمة، قال: (واذكر عبدنا داود ذا الايد) (3) وقال: (والسماء بنيناها بائيد) (4) أي بقوة وقال: (وأيدهم بروح منه) (5) أي قواهم ويقال: لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (6). 2 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن –


(1) قد مر ذكر وجوه لهذه الرواية في ذيل الحديث الثامن عشر من الباب السادس. (2) ص: 75. (3) ص: 17. (4) الذاريات: 47. (5) المجادلة: 22. (6) المشهور أن لفظ اليد ناقص يائي حذفت ياؤه، ومن هذا الحديث يظهر انه مهموز الفاء حذفت فاؤه. (*)

[ 154 ]

سيف، عن محمد بن عبيدة، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل لابليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت) ؟ قال: يعني بقدرتي وقوتي. قال مصنف هذا الكتاب: سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه الآية أن الائمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت) ثم يبتدؤون بقوله عزوجل: (بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) وقال: هذا مثل قول القائل: بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني، كأنه يقول عزوجل: بنعمتي قويت على الاستكبار والعصيان. 14 – باب تفسير قول الله عزوجل: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (1) 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، عن بكر، عن الحسين بن سعد، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله عز وجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (2). 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: (يوم يكشف عن ساق) قال: تبارك الجبار، ثم أشار إلى ساقه فكشف عنها الازار، قال: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون، قال: افحم القوم (3)


(1) القلم: 42. (2) تدمج على صيغة المجهول، والدمج دخول شئ في شئ مستحكما، كانه يدخل في أصلابهم شئ يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود. (3) الافحام الاسكات بالحجة، وفي نسخة (ط) و (ن) و (د) بالقاف وهو الادخال في مكان بالعنف. (*)

[ 155 ]

ودخلتهم إلهيبة، وشخصت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب: قوله عليه السلام: تبارك الجبار وأشار إلى ساقه فكشف عنها الازار، يعني به: تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذا صفته. 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن موسى، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز و جل: (يوم يكشف عن ساق) قال: كشف إزاره عن ساقه، ويده الاخرى على رأسه فقال: سبحان ربي الاعلى. قال مؤلف هذا الكتاب: معنى قوله: (سبحان ربي الاعلى) تنزيه لله عز وجل أن يكون له ساق. 15 – باب تفسير قول الله عزوجل: (الله نور السموات والارض – إلى آخر الآية) (1) 1 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن العباس بن هلال، قال: سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل: (الله نور السموات والارض) فقال: هاد لاهل السماء وهاد لاهل الارض. وفي رواية البرقي: هدى من في السماوات وهدى من في الارض. قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات والارض، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الارض مظلمة في وقت من الاوقات لا بالليل ولا بالنهار (2) لان الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم وهو موجود غير


(1) النور: 35. (2) في نسخة (ط) و (ن) (لما جاز أن توجد في الارض ظلمة – الخ). (*)

[ 156 ]

معدوم، فوجودنا الارض مظلمة بالليل (1) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله: (الله نور السموات والارض) هو ماقاله الرضا عليه السلام دون تأويله المشبهة، فإنه عزوجل هاد لاهل السماوات والارض، المبين لاهل السماوات والارض امور دينهم ومصالحهم، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والارض إلى صلاحهم وامور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات والارض إلى صلاح دنياهم قال: إنه نور السماوات والارض على هذا المعنى، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا، لان العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولامن جنس الانوار والضياء، لانه خالق الانوار وخالق جميع أجناس الاشياء، وقد دل على ذلك أيضا قوله: (مثل نوره) وإنما أراد به صفة نوره، وهذا النور هو غيره، لانه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية، ولايجوز أن يشبه نفسه بالمصباح، لان الله لاشبه له ولا نظير، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات و الارض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله، ثم بين وضوح دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم، فقال: مثله كمثل كوة وهي المشكوة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه، والكوكب الدري، هو الكوكب المشبه بالدر في لونه، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت زيتونة مباركة، وأراد به زيتون الشام لانه يقال: إنه بورك فيه لاهله وعنى عزوجل بقوله: (لاشرقية ولا غربية) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع، بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال: (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والارض على


(1) في البحار نقلا عن التوحيد (فوجود الارض مظلمة بالليل). (*)

[ 157 ]

مصالحهم وعلى امور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى قوله: (نور على نور) وعنى بقوله عزوجل: (يهدي الله لنوره من يشاء) يعني من عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر امور دينهم، وقد دل الله عزوجل بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحد منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عزوجل، إذ كان الله عزوجل قد بين لهم دلالاته وآياته على سبيل ما وصف، وإنهم إنما اتوا في ذلك من قبل أنفسهم بتركهم النظر في دلالات الله واستدلال بها على الله عزوجل وعلى صلاحهم في دينهم، وبين أنه بكل شئ من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم. 2 – وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل: (الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح) فقال: هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي صلى الله عليه وآله والائمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الاسلام والفرائض والسنن، ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. 3 – وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السلام، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدثنا الحسين بن أيوب، عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين، عن الحسن بن أيوب، عن الحسين بن سليمان، عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لابي عبد الله الصادق عليه السلام: (الله نور السموات والارض) ؟ قال: كذلك الله عزوجل، قال: قلت: (مثل نوره) ؟ قال: محمد صلى الله عليه وآله، قلت (كمشكوة) ؟ قال: صدر محمد صلى الله عليه وآله، قال: قلت: (فيها مصباح) ؟ قال: فيه نور العلم يعنى النبوة، قلت: (المصباح في زجاجة) ؟ قال: علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام، قلت: (كأنها) ؟ قال: لاي شئ


[ 158 ]

تقرأ كأنها، فقلت: فكيف جعلت فداك ؟ قال: كأنها كوكب دري (1) قلت: (يوقد من شجرة زيتونة مباركة لاشرقية ولا غربية) ؟ قال: ذلك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني، قلت: (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) ؟ قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به (2)، قلت: (نور على نور) ؟ قال: الامام في إثر الامام عليه السلام. 4 – حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي – الثلج، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري، قال: حدثنا أحمد بن صبيح قال: حدثنا ظريف بن ناصح، عن عيسى بن راشد، عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله عزوجل: (كمشكوة فيها مصباح)، قال: المشكوة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله (المصباح في زجاجة) الزجاجة صدر علي عليه السلام، صار علم النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر علي عليه السلام (الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة) قال: نور، (لاشرقية ولا غربية) قال: لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) قال: يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل، (نور على نور) يعني: إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم السلام، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة. فهؤلاء الاوصياء الذين جعلهم الله عزوجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو ا الارض في كل عصر من واحد منهم عليهم السلام، يدل على صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت الامين محمد قرم أغر مسود * لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد أنت السعيد من السعود تكنفتك الاسعد * من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد فلقد عرفتك صادقا بالقول لاتتفند * مازلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد يقول: مازلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال


(1) تذكير الضمير باعتبار تأويل الزجاجة بقلب أمير المؤمنين عليه السلام. (2) أي من قبل أن يسأل عنه، كما في الحديث التالي. (*)

[ 159 ]

إبراهيم عليه السلام وهو صغير لقومه: (إني برئ مما تشركون) (1) وكما تكلم عيسى عليه السلام في المهد فقال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت – الآية) (2). ولابي طالب في رسول الله صلى الله على وآله وسلم مثل ذلك في قصيدته اللامية حين يقول: وما مثله في الناس سيد معشر * إذا قايسوه عند وقت التحاصل فأيده رب العباد بنوره * وأظهر دينا حقه غير زائل ويقول فيها: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للارامل تطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وميزان صدق لا يخيس شعيرة * وميزان عدل وزنه غير عائل 5 – حدثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أسلم الجبلي، عن الخطاب بن عمر (3) ومصعب بن عبد الله الكوفيين، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل: (الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة) فالمشكوة صدر نبي الله صلى الله عليه وآله فيه المصباح، والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده. 16 – باب تفسير قول الله عزوجل: (نسوا الله فنسيهم) (4) 1 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان، قال: حدثنا أبو حامد عمران


(1) الانعام: 78. (2) مريم: 31. (3) في نسخة (و) و (ب) و (د) (عن الخطاب أبي عمر) ولم أجده. (4) التوبة: 67. (*)

[ 160 ]

ابن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن قول الله عزوجل: (نسوا الله فنسيهم) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث، ألا تسمعه عزوجل يقول: (وما كان ربك نسيا) (1) وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عزوجل: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون) (2) وقوله عزوجل (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (3) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجوا لقاء يومه، لان الترك لا يجوز على الله عزوجل، وأما قول الله عزوجل: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (4) أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا (5). 17 – باب تفسير قوله عزوجل: (والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه) (6) 1 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام، عن


(1) مريم: 64. (2) الحشر: 19. (3) الاعراف: 51. (4) البقرة: 17. (5) حاصل كلام الامام عليه السلام أن الله تعالى لا ينسى ولا يسهو بل ينسى غيره مجازاة، و أما نسيانة فهو بمعنى الترك، ومراد الصدوق رحمه الله أن تركه تعالى ليس ترك اهمال و سدى بل على وجوه اخرى كترك الاخذ بالعجلة. (6) الزمر: 67. (*)

[ 161 ]

قول الله عزوجل: (والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه) فقال: ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه، ألا ترى أنه، قال: (وما قدروا الله حق قدره) ومعناه إذ قالوا: إن الارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه، كما قال عزوجل: (وما قدروا الله حق قدره) إذ قالوا: (ما أنزل الله على بشر من شئ) (1) ثم نزه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال: (سبحانه وتعالى عما يشركون) (2). 2 – حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم ابن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (والارض جميعا قبضته يوم القيمة) فقال: يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع والبسط، منه الا عطاء والتوسيع، كما قال عزوجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) (3) يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عزوجل في وجه


(1) الانعام: 91. (2) مراده عليه السلام أن قوله تعالى: (والارض جميعا – الخ) حكاية قول من شبه الله بخلقه بتقدير إذ قالوا كما في الاية الاخرى، فيكون قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره) تعييرا من الله عليهم لقولهم ذلك، فلذا نزه نفسه في آخر الاية غن ذلك لانه تشبيه له بخلقه كما انه تعالى عيرهم في الاية الاخرى لقولهم: ما أنزل الله، ثم ان (إذ) في الموضعين للتعليل قال العلامة المجلسي في البحار في الصفحة الثانية من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة: هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون، ويؤيده أن العامة رووا (أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله وذكر نحوا من ذلك فيضحك صلى الله عليه وآله، وهذا التفسير لا ينافي ما في الحديث التالي وغيره لان المتشابهات تحمل على بعض الوجوه الحقة المحكمة أو على جميعها بدلالة من الراسخين في العلم. (3) البقرة: 245. (*)

[ 162 ]

آخر الاخذ (1) في وجه القبول منه كما قال: (ويأخذ الصدقات) (2) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها، قلت: فقوله عزوجل: (والسموات مطويات بيمينه) ؟ قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة، يقول عزوجل: السماوات مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالى عما يشركون. 18 – باب تفسير قول الله عزوجل: (كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (3) 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن قول الله عزوجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنه يعني، إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون. 19 – باب تفسير قوله عزوجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (4) 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن قول الله عزوجل (وجاء ربك والملك صفا صفا) فقال: إن الله عزوجل لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن الانتقال، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا.


(1) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ب) (في موضع آخر الاخذ). (2) التوبة: 104. (3) المطففين: 15. (4) الفجر: 22. (*)

[ 163 ]

20 – باب تفسير قوله عزوجل: (هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (1) 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام، قال: سألته عن قول الله عزوجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) قال: يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت. 21 – باب تفسير قوله عزوجل: (سخر الله منهم) (2) وقوله عزوجل: (الله يستهزئ بهم) (3) وقوله عزوجل: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (4) وقوله عزوجل: (يخادعون الله وهو خادعهم) (5) 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام، قال: سألته عن قول الله عزوجل (سخر الله منهم) وعن قول الله عزوجل: (الله يستهزئ بهم) وعن قوله: (ومكروا ومكر الله) وعن قوله (يخادعون الله وهو خادعهم) فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عزوجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (6).


(1) البقرة: 210. (2) التوبة: 79. (3) البقرة: 15. (4) آل عمران: 54. (5) النساء: 142. (6) ان الله تبارك وتعالى ذاته الاحدية منزهة عن كل حدوث وتركيب وتغير وزوال = (*)

[ 164 ]

22 – باب معنى جنب الله عزوجل: 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله: قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي (1)، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن الحسين، عمن حدثه، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله، وجنب الله، وأنا يد الله. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى قوله عليه السلام: وأنا قلب الله الواعي أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه، وقلبه إلى طاعته، وهو قلب مخلوق الله عزوجل كما هو عبد الله عزوجل، ويقال: قلب الله كما يقال: عبد الله وبيت الله وجنة الله ونار الله. وأما قوله: عين الله، فانه يعني به: الحافظ لدين الله، وقد قال الله عزوجل: (تجري بأعيننا) (2) أي بحفظنا، وكذلك قوله عزوجل: (و لتصنع على عيني) (3) معناه على حفظي. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته: أنا الهادي، وأنا المهتدي، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الارامل، وأنا ملجأ كل


= وامكان ونقصان بالبراهين العقلية والنقلية، وانما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فكل ما اسند إليه تعالى في الكتاب والسنة باعتبار مما تنزه تعالى عنه بالبراهين فهو راجع إلى خلقه الممكن فيه ذلك، أو يؤول إلى ما يليق بقدسه. وهذان الوجهان مذكوران في كثير من أحاديث هذا الكتاب فاستبصر. (1) هو ابو الحسين محمد بن جعفر بن عون الاسدي الكوفي المذكور في كثير من أسانيد الكتاب بعنوان محمد بن أبي عبد الله. (2) القمر: 14. (3) طه: 39. (*)

[ 165 ]

ضعيف ومأمن كل خائف، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة، وأنا حبل الله المتين، و أنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده، وأنا جنب الله الذي يقول: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) (1) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة، وأنا باب حطة، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لاني وصي نبيه في أرضه، وحجته على خلقه، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الجنب الطاعة في لغة العرب، يقال: هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عزوجل، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله، قال الله عزوجل: (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) أي في طاعة الله عزوجل (2). 23 – باب معنى الحجزة 1 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن محمد بن بشر الهمداني (3) قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، و شيعتنا آخذون بحجزتنا، قلت: يا أمير المؤمنين وما الحجزة ؟ قال: الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم آخذ بأمر الله، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا. 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى


(1) الزمر: 56. (2) قد مر الكلام جملة في أمثال هذه الاحاديث المروية عنهم عليهم السلام في ذيل الحديث التاسع من الباب الثاني عشر، والشاهد لما قلنا ما في الباب الرابع والعشرين. (3) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ب) محمد بن بشير الهمداني. (*)

[ 166 ]

عن الحسن بن علي الخزاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ثم قال: والحجزة النور. 3 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن يوسف (1)، عن عبد السلام، عن عمار ابن أبي اليقظان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجئ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم القيامة آخذا بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، والله ما نزعم أنها حجزة الازار ولكنها أعظم من ذلك، يجئ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم آخذا بدين الله، ونجئ نحن آخذين بدين نبينا وتجئ شيعتنا آخذين بديننا. 4 – وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (الصلاة حجزة الله) وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي مادام في صلاته (3) قال الله عزوجل: (إن الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر) (4).


(1) في نسخة (و) (الحسين بن يوسف). (2) في البحار باب معنى حجزة الله في الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة (و) عن عمار عن أبي اليقظان، وفي نسخة (ب) و (د) عن عمار أبي اليقظان، والصحيح هو الاخير. (3) الحجزة في اللغة موضع شد الازار والحزام والتكة وقيل لها الحجزة أيضا للمجاورة، ثم استعيرت في الكلام لسبب القائم بمن يلتجأ إليه به ويعتصم به عن الهلاك، فان دين الله ونوره وأمره وصلاته كما في هذه الاحاديث كذلك، والحجزة في الحديث كالعروة الوثقى في الآية. (4) العنكبوت: 45. (*)

[ 167 ]

24 – باب معنى العين والاذن واللسان 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لله عزوجل خلقا من رحمته خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته (1) فهم عين الله الناظرة، واذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه، وامناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة، فبهم يمحو السيئات، وبهم يدفع الضيم، وبهم ينزل الرحمة، وبهم يحيي ميتا، وبهم يميت حيا، وبهم يبتلي خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيته، قلت: جعلت فداك من هؤلاء ؟ قال: الاوصياء. 25 – باب معنى قوله عزوجل: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان). 1 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي – عبد الله البرقي، عن أبيه، عن علي بن نعمان، عن إسحاق بن عمار، عمن سمعه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قوله الله عزوجل: (وقالت اليهود يد الله مغلولة): لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الامر، فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم: (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) (2) ألم تسمع الله عزوجل يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت و


(1) في نسخة (ج) و (د) (ان الله عزوجل خلقا خلقهم من نوره – الخ) وفي نسخة (ب) و (و) (ان لله عزوجل خلقا خلقهم من نوره ورحمة من رحمته لرحمته) ورحمة بالتنوين عطف على خلقا. (2) المائدة: 64. (*)

[ 168 ]

عنده ام الكتاب). (1) 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن المشرقي، عن عبد الله بن قيس (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: (بل يداه مبسوطتان) فقلت: له يدان هكذا، وأشرت بيدي إلى يده، فقال: لا، لو كان هكذا لكان مخلوقا. 26 – باب معنى رضاه عزوجل وسخطه 1 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي – عبد الله، عن محمد عيسى اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع (3)، عمن ذكره، قال: كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) (4) ما ذلك الغضب ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عزوجل زال من شئ إلى شئ فقد وصفه صفة مخلوق، إن الله عزوجل لا يستفزه شئ ولا يغيره. 2 – وبهذا الاسناد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عزوجل: (فلما آسفونا انتقمنا) (5) قال: إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون


(1) الرعد: 39. (2) في نسخة (ب) و (د) و (و) (عن المشرقي عبد الله بن قيس) وفي معاني الاخبار ص 18 هذا الخبر باسناده (عن محمد بن عيسى عن المشرقي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام) وفي الكافي ج 1 ص 110 باب الارادة في حديث (عن محمد بن عيسى عن المشرقي حمزة بن المرتفع). وفي المعاني باب رضي الله (عن محمد بن عيسى اليقطيني عن المشرقي حمزة بن الربيع)). (3) كذا وتقدم الكلام فيه. (4) طه: 81. (5) الزخرف: 55. (*)

[ 169 ]

مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لانه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس ان ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: (من أهان لى وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها). وقال أيضا: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (1) وقال أيضا: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (2) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الاسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشاهما لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لانه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الابادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق للاشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم ذلك إن شاء الله (3). 3 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط ؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل، مركب، للاشياء فيه مدخل (4) وخالقنا لا مدخل للاشياء فيه، واحد، أحدي الذات، وأحدي المعنى، فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذى لا حاجة


(1) النساء: 80. (2) الفتح: 10. (3) إذا كان لا لحاجة كان واجب الوجود، وواجب الوجود يستحيل أن يحد أو يكيف. (4) قوله: معتمل على صيغة المفعول أي منفعل يتأثر من الاشياء، وتقدير الكلام: لان المخلوق معتمل – الخ، كما في الكافي. (*)

[ 170 ]

به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، أنما خلق الاشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا. 4 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عن الله عزوجل هل له رضا وسخط ؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه. 27 – باب معنى قوله عزوجل: (ونفخت فيه من روحي) (1) 1 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عزوجل: (ونفخت فيه من روحي) قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلى نفسه وفضله على جميع الارواح، فأمر فنفخ منه في آدم (2).


(1) الحجر: 29، وص 72. (2) نفخ الروح ذكر في القرآن في مواضع: بدن آدم، رحم مريم أي بدن عيسى الذي سواه الله في رحمها، الطين كهيئة الطير التي خلقها عيسى، والنافخ في الموضع الاول والثاني ملك باذن الله لما في الحديث السادس ولقوله تعالى: فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) وفي الموضع الثالث عيسى عليه السلام باذن الله لقوله تعالى: (اني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله) ثم يحتمل أن تكون لفظة (من) في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) نشوية ابتدائية أي نفخت فيه من طريق ملك وبواسطته وسمى ذلك الملك روحا فأضافه إلى نفسه كما في قوله تعالى في قصة عيسى: (فأرسلنا إليها روحنا – الآية) فمعنى كان روح اختاره الله واصطفاه – الخ، فأمر الله = (*)

[ 171 ]

2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي، وزرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى أحد، صمد، ليس له جوف، وإنما الروح خلق من خلقه، نصر وتأييد وقوة، يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (1). 3 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن، قال: حدثنا بكر بن صالح، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح، وإنما سمي روحا لانه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه على لفظ الروح لان الروح مجانس للريح، وإنما أضافه إلى نفسه لانه اصطفاه على سائر الارواح كما اصطفى بيتا من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسول من الرسل: خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبرا (2). 4 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن –


= فنفخ الله في آدم من طريقه وبواسطته ويقرب هذا الاحتمال قوله تعالى: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم – الآية) فان النفخ في بدن عيسى في رحم مريم بواسطة الملك قطعا. (1) الظاهر أن المراد به غير ما نحن فيه، بل هو ما في قوله تعالى في وصف المؤمنين (اولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه). (2) الريح هو الهواء المتحرك وأصله الواو كالروح قلبت ياء لكسرة ما قبلها، و الروح ما يقوم به الحياة في الشئ، والحياة منشأ الادراك والفعل، وأما تحركه كالريح ففى الروح ما يقوم البخاري المعروف عند الاطباء الذي هو البخار اللطيف المنبعث من القلب الساري في جميع البدن، وأما الروح التي هي النفس الناطقة التي هي محل العلوم و الكمالات الانسانية ومدبرة للبدن فمتحركة حركة تناسب حقيقتها نظير حرة الفكر المذكورة في المنطق. (*)

[ 172 ]

إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن أبي جعفر الاصم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسى عليه السلام ماهما ؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم عليه السلام وروح عيسى عليه السلام. 5 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن أسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزوجل: (ونفخت فيه من روحي) قال: من قدرتي (1). 6 – حدثنا محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعلي ابن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن أسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) قال: إن الله عزوجل خلق خلقا وخلق روحا) ثم أمر ملكا فنفخ فيه (2) فليست بالتي نقضت من قدرة الله شيئا من قدرته (3).


(1) هذا تأويل للمتشابه إلى محكم لازم له، ويحتمل أن يكون تفسيرا للروح بالقدرة. (2) خلق خلقا هو بدن آدم، وخلق روحا هو روح آدم، ثم أمر ملكا فنفخ ذلك الملك ذلك الروح في بدن آدم، ولا بأس باسناد النفخ إليه تعالى وإلى الملك أيضا كاسناد التوفى إليه تعالى والى ملك الموت وعماله، ويمكن ارجاع ضمير نفخ إليه تعالى كما في الحديث الاول. (3) دفع لتوهم أن الروح التى نفخها الملك ليست مقدورة لله حتى نفخها الملك، لا بل هي مقدورة له تعالى نفخها باذنه وأمره وقدرته واقداره اياه على ذلك، بل نفخه = (*)

[ 173 ]

28 – باب نفي المكان والزمان والسكون والحركة والنزول والصعود والانتقال عن الله عزوجل 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سأل نافع بن الازرق أبا جعفر عليه السلام فقال: أخبرني عن الله متى كان ؟ فقال له: ويلك، أخبرني أنت متى لم يكن حتى اخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. 2 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: يا أبا جعفر أخبرني عن ربك متى كان ؟ فقال: ويلك، إنما يقال لشئ لم يكن فكان: متى كان، إن ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف، ولم يكن له كان (1) ولا كان لكونه كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شئ، ولا كان على شئ، ولا ابتدع لكونه مكانا (2) ولا قوي بعدما كون شيئا: ولا ضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، ولا يشبه شيئا مكونا، ولا كان خلوا من (القدرة على) الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه، لم يزل حيا بلا حياة، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف،


= نفخه تعالى في الواقع كما هو الشأن في التوفى الذي يقابل هذا النفخ، وفي نسخة (ط) و (ن) وليست بالتي – الخ. (1) أي لا يقال له: كان كذا وكذا كونا زمانيا (2) في نسخة (ب) و (د) و (و) ولا ابتدع لكانه مكانا، وفي نسخة (ج) ولا ابتدع لمكانه مكانا. كما في الحديث الذي في الباب الحادي عشر. (*)

[ 174 ]

لا له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشئ يشبهه، ولا يهرم لطول البقاء، ولا يصعق لشئ، ولا يجوفه شئ، تصعق الاشياء كلها من خيفته، كان حيا بلا حياة عارية (1) ولا كون موصوف، ولا كيف محدود، ولا أثر مقفو (2) ولا مكان جاور شيئا، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء بمشيته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولا بلا كيف، ويكون آخرا بلا أين، وكل شئ هالك إلا وجهه، له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين، ويلك أيها السائل، إن ربي لا تغشاه الاوهام، ولا تنزل به الشبهات، ولا يجار من شئ (3) ولا يجاوره شئ ولا تنزل به الاحداث، ولا يسأل عن شئ يفعله، ولا يقع على شئ، ولا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى. 3 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء حبر من الاحبار إلى أمير – المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ فقال له: ثكلتك امك، و متى لم يكن حتى يقال: متى كان، كان ربي قبل القبل، بلا قبل ويكون بعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنه، فهو منتهى كل غاية (4) فقال: يا أمير المؤمنين فنبي أنت ؟ فقال: ويلك، إنما أنا عبد من عبيد –


(1) في نسخة (ب) و (ج) و (و) بلا حياة جارية، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي حاشية نسخة (ن) بلا حياة حادثة. (2) هذا كناية عن عدم ادراك أحد ذاته، وفي نسخة (د) ولا أثر مفقود. أي آثاره ظاهرة واعلامه لائحة. (3) في نسخة (ط) و (ن) ولا يحاذر من شئ. (4) قد مضى نظير هذا الحديث والحديث السادس في أواخر الباب الثاني، وكان الكل واحد. (*)

[ 175 ]

محمد صلى الله عليه واله وسلم. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: يعني بذلك: عبد طاعته لا غير ذلك (1). 4 – وروي أنه سئل عليه السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا ؟ فقال عليه السلام: (أين) سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان. 5 – حدثنا علي بن الحسين بن الصلت رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن علي بن الصلت، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام،: لاي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه واله وسلم إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وخاطبه و ناجاه هناك والله لا يوصف بمكان ؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان، ولكنه عزوجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقول المشبهون، سبحان الله وتعالى عما يشركون. 6 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن محمد بن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رأس الجالوت لليهود: إن المسلمين يزعمون أن عليا، من أجدل الناس وأعلمهم، اذهبوا بنا إليه لعلي أساله عن مسألة اخطئه فيها، فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين إني اريد أن أسالك عن مسألة، قال: سل عما شئت، قال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ قال: يا يهودي، إنما يقال: متى كان لمن لم يكن فكان، هو كائن بلا كينونة كائن كان بلا كيف، يا يهودي،


(1) ان العبودية: الاطاعة والخضوع والتعظيم لاحد، وهذا غير منكر، إذا كان هو أهلالها والمنكر أن يعتقد فيه الالوهية ولم يكن الها كالنصارى في عيسى والغالين في بعض الائمة عليهم السلام، أو يطاع ويعظم ويخضع له ولم يكن أهلالها كاكثر الامة لخلفاء الجور أوهما معا كالمشركين لاصنامهم، وفي نسخة (و) و (د) عبد طاعة – الخ. (*)

[ 176 ]

كيف يكون له قبل وهو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى، غايه ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كل غاية، فقال: أشهد أن دينك الحق وأن ما خالفه باطل. 7 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كذلك، إنما قال صلى الله عليه واله وسلم: إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر اقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. 8 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد التميمي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد (1) عن زيد ابن علي عليه السلام قال: سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبه أخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن امته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام: ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن امتك لا تطيق ذلك ؟ فقال عليه السلام: يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان لا يقترح على ربه عزوجل ولا يراجعه في شئ يأمره به، فلما سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعا لامته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه السلام، فرجع إلى ربه عزوجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات، قال:


(1) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (عمر بن خالد) وهو تصحيف. (*)

[ 177 ]

فقلت: يا أبه فلم لم يرجع إلى ربه عزوجل ولم يسأله التخفيف بعد خمس صلوات (1) فقال: يا بني أراد صلى الله عليه واله وسلم أن يحصل لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله عزوجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (2) ألا ترى أنه صلى الله عليه واله وسلم لما هبط إلى الارض نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول: إنها خمس بخمسين (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) (3) قال: فقلت له يا أبه أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان ؟ فقال: بلى، تعالى الله عن ذلك، فقلت فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ارجع إلى ربك ؟ فقال: معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (4) ومعنى قول موسى عليه السلام: (و عجلت إليك رب لترضى) (5) ومعنى قول عزوجل: (ففروا إلى الله) (6) يعني حجوا إلى بيت الله، يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي مادام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله، وأهل موقف عرفات وقوف بين يدي الله عزوجل وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج به إليها فقد عرج به إليه (7) ألا تسمع الله عزوجل يقول: (تعرج الملائكة والروح إليه) (8) ويقول عزوجل: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (9).


(1) في البحار باب نفي الزمان والمكان بعد قوله: (خمس صلوات) هذه بعبارة: (وقد سأله موسى عليه السلام أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف). (2) الانعام: 160. (3) ق: 29. (4) الصافات: 99. (5) طه: 84. (6) الذاريات: 51. (7) في البحار (فمن عرج إلى بقعة منها فقد عرج به إليه). (8) المعارج: 4، وفي البحار بعد هذا هكذا: ويقول في قصة عيسى عليه السلام بل رفعه الله إليه. (9) فاطر: 10. (*)

[ 178 ]

9 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن ابن محبوب، عن صالح بن حمزة، عن أبان، عن أسد (1)، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله في شئ أو من شئ أو على شئ فقد أشرك، لو كان الله عزوجل على شئ لكان محمولا، ولو كان في شئ لكان محصورا، ولو كان من شئ لكان محدثا. 10 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن حماد بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كذب من زعم أن الله عزوجل في شئ أو من شئ أو على شئ. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الدليل على أن الله عزوجل لا في مكان أن الاماكن كلها حادثة، وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم سابق للاماكن، وليس يجوز أن يحتاج الغني القديم إلى ما كان غنيا عنه، ولا أن يتغير عما لم يزل موجودا عليه، فصح اليوم أنه لا في مكان كما أنه لم يزل كذلك وتصديق ذلك: 11 – ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن سليمان بن حفص المروزي، عن سليمان بن مهران، قال: قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام هل يجوز أن نقول: إن الله عزوجل في مكان ؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك، إنه لو كان في مكان لكان محدثنا، لان الكائن في مكان محتاج إلى المكان والاحتياج من صفات المحدث لامن صفات القديم. 12 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم


(1) في نسخة (ج) (عن أبان بن أسد). (*)

[ 179 ]

موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: إن الله تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان، لا يخلو منه مكان (1) ولا يشغل به مكان، ولا يحل في مكان، ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا (2) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو الكبير المتعال. 13 – حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن إشكيب، قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي، قال أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام: يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عزوجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس (3) ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجره (4) فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين، وجل عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين لا يزول مع الزائلين. ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم. 14 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: رأى سفيان الثوري أبا – الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه، فقال


(1) لا بالحواية، بل باحاطته تعالى به. (2) المجادلة: 7. (3) المقدم والتالى كلاهما مزعومهم الباطل. (4) هو ابراهيم النبي على نبينا وآله وعليه السلام وضع قدمه على حجرة في مكة حين تفقد عن ابنه اسماعيل لتغسلها زوجته فبقى فيها نقش منها، وهي الان في المحل المعروف بمقام ابراهيم عليه السلام قرب الكعبة، وقصته طويلة تطلب من مظانها. (*)

[ 180 ]

له، إن الناس يمرون بك وهم في الطواف، فقال عليه السلام: الذي اصلي له أقرب إلي من هؤلاء. 15 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قالا: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثني محمد بن عبيدالله، قال: حدثنا علي بن الحكم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الاسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و سمعا منه، وقد كانا قرءا التوارة وصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وعلما علم الكتب الاولى، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله، أقبلا يسألان عن صاحب الامر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالامر في امته من بعده قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم الخطر، جليل الشأن، فقال احدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الامر من بعد هذا النبي ؟ قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة، وهو الاصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله. فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة ارشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا، ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة، قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة، قالا: فأخبرنا أين ربك ؟ قال: فوق سبع سماوات، قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته، قال: فتغيظ من قولهما وهم بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشئ بطش بهما، فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي ؟ قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة، قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة، و ليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له فأين ربك ؟ قال: فوق سبع


[ 181 ]

سماوات: قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فأرشدهما إلى علي صلوات الله عليه فلما جاءاه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته وزوج ابنته و أبو السبطين والقائم بالحق من بعده، ثم قلا لعلي عليه السلام: أيها الرجل ما قرابتك من رسول الله ؟ قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته فاطمة، قالا له: هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة. ثم قالا له: فأين ربك عزوجل ؟ قال لهما علي عليه الصلاة والسلام: إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله، قلا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى عليه السلام، قال علي عليه السلام: أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء، وملك من الارض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، وقال: صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين اقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، وقال النازل من السماء للخارج من الارض: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، وقال الخارج من الارض للنازل من السماء: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام، وأما ما كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فذلك قوله في محكم كتابه: (ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا – الآية (1)) قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله ؟ ! فو الذي أنزل التوراة على موسى إنك لانت الخليفة حقا، نجد صفتك في كتبنا ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لاحق بهذا الامر وأولى به ممن قد غلبك عليه، فقال علي عليه السلام: قدما وأخرا (2) وحسابهما


(1) المجادلة: 7. (2) الظاهر أنهما على صيغة المعلوم، أي قدما أنفسهما في هذا الامر ولم يكن من = (*)

[ 182 ]

على الله عزوجل، يوقفان ويسألان. 16 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي أبو الحسين، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو، قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم ارشد إلى أمير – المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى، فدعا علي، عليه السلام بنار وحطب فأضرمه، فلما اشتعلت قال علي عليه السلام: أين وجه هذه النار ؟ ! قال النصراني: هي وجه من جميع حدودها: قال علي عليه السلام: هذه النار مدبرة مصنوعة لايعرف وجهها، و خالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولو فثم وجه الله، لا يخفى على ربنا خافية. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. 17 – حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الاشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء (كذا)، عن علي ابن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن موسى بن عمران لما ناجى ربه قال: يا رب أبعيد أنت مني فاناديك أم قريب فاناجيك ؟ (1) فأوحى الله جل جلاله إليه: أنا جليس من ذكرني، فقال موسى: يا رب إني أكون في حال اجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى اذكرني على كل حال.


= شأنهما وأخراني عنه وهو من شأني، ويحتمل كونهما على صيغة المجهول، اي قدما في هذا الامر الذي ليس من شأنهما واخرا عن فوائد الاسلام والايمان في الاخرة وحرما عنها. (1) هذا بعيد عن النبي المرسل الا أن يأول. (*)

[ 183 ]

18 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بأبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك و تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولايحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد (1) ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة – وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به (2) فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين، ونعت الناعتين، و توهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين. 19 – وبهذا الاسناد عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، عن أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أقول: إنه قائم فازيله عن مكانه، ولا أحده بمكان يكون فيه، ولا أحده أن يتحرك في شئ من الاركان والجوارح، ولا أحده بلفظ شق فم، ولكن كما قال تبارك وتعالى: (كن فيكون) بمشيته من غير تردد في نفس، فرد، صمد لم يحتج إلى شريك يكون له في ملكه، ولا يفتح له أبواب علمه (3). 20 – حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله


(1) لم يبعد ولم يقرب على صيغة المجهول من باب التفعيل، أو التقدير لم يبعد منه قريب من غير ولم يقرب منه بعيد من غيره. (2) من يحركه بالقسر أو ما يتحرك به من النفس أو الطبع. (3) عطف على (يكون) أي ولم يحتج إلى شريك يفتح له أبواب علمه. (*)

[ 184 ]

الاسدي الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. 21 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق العزائمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا بشر بن الحسن المرادي، عن عبد القدوس وهو ابن حبيب، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه دخل السوق، فإذا هو برجل موليه ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع، فضرب علي عليه السلام ظهره، ثم قال: من الذي احتجب بالسبع ؟ قال: الله يا أمير المؤمنين، قال: أخطأت ثكلتك أمك، إن الله عزوجل ليس بينه وبين خلقه حجاب لانه معهم أينما كانوا، قال: ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين ؟ قال: أن تعلم أن الله معك حيث كنت، قال: أطعم المساكين ؟ قال: لا إنما حلفت بغير ربك. 22 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إساحق الفارسي، قال: حدثني أبو سعيد الرميحي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن عيسى بن هارون الواسطي، قال: حدثنا محمد بن زكريا المكي، قال: أخبرني منيف (1) مولى جعفر بن محمد، قال: حدثني سيدي جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: كان الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، يصلي، فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له: لم نهيت الرجل ؟ قال: يا ابن رسول الله حظر فيما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك إن الله عزوجل أقرب إلي من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد.


(1) كذا، ولم أجده وفي نسخة (ط) و (ن) (سيف). (*)

[ 185 ]

29 – باب أسماء الله تعالى والفرق بين معانيها وبين معاني أسماء المخلوقين 1 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال: سمعته يقول: هو اللطيف الخبير السميع البصير، الواحد الاحد الصمد الي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الاشياء ومجسم الاجسام ومصور الصور، لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه وبينه إذ كان لا يشبهه شئ ولا يشبه هو شيئا، قلت: أجل، جعلني الله فداك، لكنك قلت: الاحد الصمد، وقلت: لا يشبه هو شيئا، والله واحد والانسان واحد، ليس قد تشابهت الوحدانية ؟ ! قال: يا فتح أحلت ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما في الاسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنما يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، فالانسان نفسه ليس بواحد، لان أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليس بسواء، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه وكذلك سائر الخلق، فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى، والله جل جلاله هو واحد في المعنى، لا واحد غيره، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مخلتفة وجواهر شتى (1) غير أنه بالاجتماع شئ واحد، قلت: جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك،


(1) هنا خبر محذوف بقرينة ما قبله هو (ففيه اختلاف وتفاوت وزيادة ونقصان)، وفي الباب الثاني في الحديث الثامن عشر (فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن أجزاء مخلتفة – الخ) و… يح، وكون المؤلف خبرا والجار متعلقا به بعيد، إذ لاوجه لتعريف المسند مع عدم فاء الجواب. (*)

[ 186 ]

فقولك: (اللطيف الخبير) فسره لي كما فسرت الواحد، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل، غير أني احب ان تشرح ذلك لي، فقال: يا فتح إنما قلنا: اللطيف، للخلق اللطيف، ولعلمه بالشئ اللطيف، أولاترى وفقك الله وثبتك إلى اثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من البعوض والجرجس وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثى والحدث المولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، واهتدائه للسفاد، والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار، وفهم بعضها عن بعض منطقها، وما يفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة، وبياض مع حمرة، ومالا تكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها ولا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا. علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، لطف في خلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آله، وان صانع كل شئ فمن شئ صنع (1) والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لامن شئ (2). 2 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: إعلم – علمك الله الخير – أن الله تبارك وتعالى قديم، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله في بقائه (3) وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شئ وذلك أنه لو كان معه


(1) قوله: (وان صانع – الخ) يقرء بكسر الهمزة على الاستيناف، أو بفتحها عطفا على أن خالق – الخ. (2) هذا بعض الحديث المذكور في الباب الثاني بسند آخر عن الفتح وهناك تعليقات. (3) أي فقد بان لنا باقرار عامة العقلاء أنه لا شئ قبل الله ولا شئ مع الله في بقائه لانه قديم والقدم يستلزم ذلك، أما انه لا شئ قبله فظاهر، وإما انه لا شئ معه في بقائه فلان غيره = (*)

[ 187 ]

شئ فبقائه لم يجز أن يكون خالقا له لانه لم يزل معه: فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه، ولو كان قبله شئ كان الاول ذلك الشئ لا هذا، وكان الاول أولى بإن يكون خالقا للاول الثاني (1). ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعاالخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها، فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما عليما وما أشبه هذه الاسماء، فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شئ مثله ولا شئ من الخلق في حاله قالوا: أخبرونا إذ زعمتم أنه لامثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها ؟ ! فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض، إذ جمعتكم الاسماء الطيبة، قيل لهم: إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني (2) وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع، وهو الذي خاطب الله به الخلق وكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا، وقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد، وكل ذلك على خلافه


= حادث لادلة التوحيد كما يأتي الاشارة إليه في كلامه عليه السلام عن قريب، والحادث متأخر عن القديم لامعه، وقوله: (مع معجزة الصفة) أي مع أن صفة القدم أعجزت العقلاء عن درك حقيقتها وحقيقة موصوفها، بل هم انما يحكمون بعقولهم على ما ذكر، وقوله: (أنه لا شئ الخ) ينازع فيه (بان) بالفاعلية، والاقرار بالمفعولية، وفي نسخة (و) و (ب) و (د) ليس لفظة (مع) وعلى هذا فمعجزة الصفة مفعول للاقرار وانه لا شئ فاعل لبان بلا تنازع، والباء في (باقرار العامة) على كلا الحالين للالصاق. (1) أي هذا الذي ظهر أنه الاول لا القديم الذي كلامنا فيه أولى بأن يكون خالقا للاول الذي صار ثانيا متأخرا على فرض أن يكون قبله شئ. (2) أي ألزم عباده أسماء من أسمائه ليدعوه بها على اختلاف الحقائق التي اطلق تلك الاسماء عليها كما يظهر من الامثلة وان كانت من حيث اللفظ والمفهوم واحدة. (*)

[ 188 ]

وحالاته (1) لم تقع الاسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها، لان الانسان ليس بأسد ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله. وإنما نسمي الله بالعلم بغير علم حادث علم به الاشياء، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه، وبعينه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويعنه كان جاهلا ضعيفا (2) كما أنا رأينا علماء الخلق أنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة، وربما فارقهم العلم بالاشياء فصاروا إلى الجهل (3) وإنما سمي الله عالما لانه لا يجهل شيئا، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم (4) واختلف المعنى على ما رأيت، وسمى ربنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به، كما أن جزءنا الذي نسمع به لانقوى على النظر به، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه الاصوات، ليس على حدما سمينا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى، وهكذا البصر لا بجزء به أبصر، كما أنا نبصر بجزء منا لاننتفع به في غيره، ولكن الله بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في


(1) أي كل مسمى بواحد من هذه الاسماء على خلاف المسمى الاصلي بحسب الحقيقة و بحسب حالاته وأوصافه، وفي البحار باب معاني الاسماء: (وكل ذلك على خلافه لانه لم تقع – الخ). (2) قوله: (والروية) عطف على حفظ، وقوله: وبعينه أي كيف يكون تعالى عالما بالعلم الحادث الذي يحدث بحدوث المعلوم ويزول بزواله والحال انه يكون بعينه أي بحضرته العلمية ما مضى – الخ وقوله: (مما لو لم يحضره ذلك العلم – الخ) بيان للعلم الحادث بأنه يحضر ويغيب وعند غيبته يصير العالم جاهلا تعالى الله عن ذلك، وقوله، (ويعنه) بالجزم عطف على مدخول لم، والنسخ من قوله: (والرؤية) إلى هنا مختلفة كثيرا لم نتعرض لها لطول الكلام فيها. (3) في الكافي باب معاني الاسماء وفي نسخة (و) (فعادوا إلى الجهل). (4) في الكافي وفي نسخة (ب) (اسم العالم). (*)

[ 189 ]

كبد كما قامت الاشياء (1) ولكن أخبر أنه قائم، يخبر أنه حافظ، كقولك: الرجل القائم بأمرنا فلان، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية، كقولك للرجل قم بأمر فلان أي اكفه، والقائم منا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الاشياء (2) والامتناع من أن يدرك، كقولك لطف عني هذا الامر، ولطف فلان في مذهبه وقوله يخبرك أنه غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم، فهكذا لطف الله، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منا الصغر و القلة، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته شئ، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالاشياء فيفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم، لان من كان كذلك كان جاهلا، والله لم يزل خبيرا بما يخلق والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الاشياء بركوب فوقها، وقعود عليها، وتسنم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الاشياء ولقدرته عليها كقوله الرجل: ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة، فهكذا ظهور الله على الاعداء (3). ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده، لا يخفى عليه شئ (4) وأنه مدبر لكل ما برأ، فأي ظاهر أظهره وأوضح من الله تعالى، وإنك لاتعدم صنعه حيثما توجهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده،


(1) أي في مشقة فان القيام على الساق شاق على الحيوان بالنسبة إلى القعود الاضطجاع، ويأتي الكبد بمعنى الهواء. (2) وهذا المعنى اريد في الاية: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). (3) في الكافي وفي البحار وفي نسخة (ب) و (د) (فهكذا ظهور الله على الاشياء). (4) أي لا يخفى على الله تعالى شئ لظهوره على كل شئ فهو الظاهر على الاشياء لمن أراده، (*)

[ 190 ]

فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى، وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للاشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للاشياء علما وحفظا وتدبيرا، كقول القائل أبطنته، يعني خبرته وعلمت مكتوم سره، والباطن منا بمعنى الغائر في الشئ والمستتر به فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وأما القاهر فإنه ليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا، فالمقهور منهم يعود قاهرا، والقاهر يعود مقهورا، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به، لم يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول له: كن فيكون، والقاهر منا على ما ذكرته ووصفت، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع الاسماء وإن كنا لم نسمها كلها، فقد يكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك، والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا. 3 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف وهو عزوجل بالحروف غير منعوت (1) وباللفظ غير منطق، وبالشخص غير مجسد، وبالتشبية غير موصوف،


(1) في بعض النسخ (خلق أسماء) بصيغة الجمع وهو من خطأ الناسخ لمنافاته مع الذيل حيث قال: (فجعله كلمة تامة – الخ) وليس هذه الفقرة (وهو عزوجل بالحروف) في الكافي و البحار، وموجودة في نسخ التوحيد التي عندي، وقال المجلسي رحمه الله. انها موجودة في أكثر النسخ، والظاهر أنها من مختلقات بعض الناسخين لتوهمه أن هذه الاوصاف تمتنع على الاسم الملفوظ، وغفل أن الاوصاف المذكورة بعد قوله: فجعله كلمة تامة أيضا تمتنع عليه مع أنها للاسم قطعا، فالمراد بهذا الاسم ليس ما هو اللفظ ولا المفهوم، بل هو حقيقة بابداع الحق تعالى منشأ لظهور أسمائه وآثار صفاته في الاشياء، ومن أراد الشرح لهذا الحديث فعليه بالبحار وشروح الكافي وتفسير الميزان ذيل الاية المائة والثمانين في سورة الاعراف، وفي الكافي باب حدوث الاسماء وفي نسخة (ج) وحاشية نسخة (ب) و (د) (بالحروف غير متصوت). (*)

[ 191 ]

وباللون غير مصبوغ، منفي عنه الاقطار، مبعد عنه الحدود، محجوب عنه حس كل متوهم، مستتر غير مستور، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا، ليس منها واحد قبل الآخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها (1) وحجب واحدا منها، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى، وسخر سبحانه لكل اسم من هذه أربعة أركان (2) فذلك اثنا عشر ركنا، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما، فعلا منسوبا إليها (3) فهو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، الخالق البارئ، المصور، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولانوم، العليم، الخبير، السميع، البصير، الحكيم، العزيز، الجبار، المتكبر، العلي، العظيم، المقتدر، القادر، السلام، المؤمن المهيمن، البارئ (4) المنشئ، البديع، الرفيع، الجليل، الكريم، الرزاق، المحيي، المميت، الباعث الوارث، فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الاسماء الثلاثة، وهذه الاسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة، وذلك قوله عزوجل: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى) (5). 4 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله، عن محمد بن عبد الله، وموسى بن عمرو، والحسن بن علي بن أبي عثمان، عن ابن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ (6)


(1) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) (فأظهر منها ثلاثة أشياء – الخ)) (2) في البحار باب المغايرة بين الاسم والمعنى وفي نسخة (ب) و (و) (فالظاهر هو الله، وتبارك، وسبحان، لكل اسم من هذه – الخ). (3) أي فتصاعد ذلك الاسم في العدد إلى ثلاثمائة وستين اسما منسوبا إليها نسبة الاصل إلى الفروع كما هي منسوبة إليه نسبة الفروع إلى الاصل على ما ذكر في آخر الحديث. (4) كذا. (5) الاسراء: 110. (6) هذا نظير ما في الحديث الحادي عشر من الباب الحادى عشر، ثم كأن السائل توهم = (*)

[ 192 ]

قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها، قال: ماكان الله محتاجا إلى ذلك، لانه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة، وليس يحتاج أن يسمي نفسه، ولكن اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها، لانه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه أعلى الاشياء كلها، فمعناه الله، واسمه العلي العظيم، هو أول أسمائه لانه علي، علا كل شئ. 5 – وبهذا الاسناد، عن محمد بن سنان قال: سألته عن الاسم ما هو ؟ قال: صفة لموصوف. 6 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن علي بن الحسن بن محمد، عن خالد بن يزيد، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اسم الله غير الله، وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله فأما ما عبرته الالسن أو ما عملته الايدي فهو مخلوق، والله غاية من غاياه، و المغيى غير الغاية، والغاية موصوفة، وكل موصوف مصنوع، وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره، لا يذل (1) من فهم هذا الحكم أبدا، وهو التوحيد الخالص، فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله، من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك، لان الحجاب والمثال والصورة غيره، وإنما هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره، وإنما عرف الله من عرفه بالله، ومن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره، ليس بين الخالق والمخلوق شئ، فالله خالق الاشياء لامن شئ كان، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والاسماء غيره (2).


= ان الله تعالى نفسا كما للانسان، فازال عليه السلام وهمه بأنه تعالى ليس كذلك بل هو نفسه ونفسه هو لا تجزئة ولا اختلاف جهات فيه، فلا يراها ولا يسمعها رؤية وسمعا يوجبان صحة السؤال والطلب كما هو شأن الرؤية والسمع بين شيئين. (1) في الكافي (لا يزل). (2) مضى هذا الحديث مع زيادة في الباب الحادي عشر بتفاوت في السند. (*)

[ 193 ]

7 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن بشر، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و تعالى له أسماء وصفات في كتابه، فأسماؤه وصفاته هي هو ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام إن لهذا الكلام وجهين: إن كنت تقول: هي هو أي انه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك، وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والاسماء، فإن (لم تزل) يحتمل معنيين: فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم، وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شئ غيره، بل كان الله ولا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره (1) وكان الله ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، والاسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف (2) وإنما يختلف ويأتلف المتجزئ، فلا يقال: الله مؤتلف، ولا الله كثير ولا قليل، ولكنه القديم في ذاته، لان ما سوى الواحد متجزئ والله واحد، لا متجزئ، ولا متوهم بالقلة والكثرة، وكل متجزئ ومتوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له، فقولك: إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شئ فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك: عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه، فإذا أفنى الله الاشياء أفنى الصور والهجاء، ولا ينقطع (3) ولا يزال من لم يزل عالما.


(1) أي هي ما به يذكر تعالى. (2) أي مدلولات هذه الاسماء والصفات ومفاهيمها كأنفسها مخلوقات، والذي يقصد بها ويتوجه إليه بها هو الله تعالى الذي لا يليق به – الخ، وفي الكافي باب معاني الاسماء: (والاسماء والصفات مخلوقات والمعاني، والمعنى بها – الخ. (3) في الكافي والبحار: (والتقطيع) مكان (لا ينقطع) أي تقطيع الحروف كما في صدر الرواية. (*)

[ 194 ]

قال الرجل: كيف سمي ربنا سميعا ؟ قال: لانه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيرا لانه لا يخفى عليه ما يدرك بالابصار من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين، وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشئ اللطيف مثل البعوضة وأحقر من ذلك، وموضع الشق منها والعقل (1) والشهوة والسفاد والحدب على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والادوية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف، وكذلك سمي ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولا احتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزا، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له، ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا أقطار، محرم على القلوب أن تمثله، وعلى الاوهام أن تحده، وعلى الضمائر أن تكيفه، جل عن أداة خلقه وسماته بريته، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. 8 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن لله تبارك و تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهي: الله، الاله، الواحد، الاحد، الصمد، الاول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلي، الاعلى، الباقي، البديع، البارئ، الاكرم، الطاهر، الباطن، الحي، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد


(1) في الكافي: (موضع النشوء منها). وفي البحار: (موضع المشى منها). وليس المراد بالعقل ما في الانسان بل مطلق الشعور في أمورها للقطع بان الحيوان فاقد له. (*)

[ 195 ]

الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف الرائي، السلام، المؤمن، المهين، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبوح الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب، القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط المبين، المقيت، المصور، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور، الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث البر، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي (1). 9 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لله عزوجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة. قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: معنى قول النبي صلى الله عليه واله وسلم إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنه، إحصاؤها هو الاحاطة بها والوقوف على معانيها، وليس، وليس معنى الاحصاء عدها، وبالله التوفيق. (الله، إلاله) الله والاله هو المستحق للعبادة، ولا يحق العبادة إلا له، و تقول: لم يزل إلها بمعنى أنه يحق له العبادة، ولهذا لما ضل المشركون فقد روا أن العبادة تجب للاصنام سموها آلهة (2) وأصله الالاهة وهي العبادة، ويقال: أصله


(1) المذكور في البحار ونسخ التوحيد (مائة كاملة) والظاهر أن الرائي زائد كما أتى في نسخة بدلا عن الرؤوف، أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد أتى بعنوان المسمى الجاري عليه الاسماء. (2) في نسخة (د) و (و) (فقد رأوا أن العبادة – الخ). (*)

[ 196 ]

الاله، يقال: أله الرجل يأله إليه، أي فزع إليه من أمر نزل به، وألهه أي أجاره، ومثاله من الكلام (الامام) فاجتمعت همزتان في كلمه كثر استعمالهم لها (1) و استثقلوها فحذفوا الاصلية، لانهم وجدوا فيما بقي دلالة عليها، فأجتمعت لامان اولاهما ساكنة فأدغموها في الاخرى، فصارت لاما مثقلة في قولك: الله. (الواحد، الاحد) الاحد معناه أنه واحد في ذاته ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا أعضاء، ولا يجوز عليه الاعداد والاختلاف، لان اختلاف الاشياء من آيات وحدانيته مما دل به على نفسه، ويقال: لم يزل الله واحدا، ومعنى ثان أنه واحد لا نظير له فلا يشاركه في معنى الوحدانية غيره، لان كل من كان له نظراء وأشباه لم يكن واحدا في الحقيقة، ويقال: فلان واحد الناس أي لا نظير له فيما يوصف به، والله واحد لا من عدد، لانه عزوجل لا يعد في الاجناس، ولكنه واحد ليس له نظير. وقال بعض الحكماء في الواحد والاحد: إنما قيل: الواحد لانه متوحد والاول لا ثاني معه، ثم ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى بعض، والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شئ، بل هو قبل كل عدد، والواحد كيف ما أدرته أو جزأته لم يزد عليه شئ ولم ينقص منه شئ، تقول: واحد في واحد واحد، فلم يزد عليه شئ ولم يتغير اللفظ عن الواحد، فدل على أنه لا شئ قبله، وإذا دل على أنه لا شئ قبله دل على أنه محدث الشئ، وإذا كان هو محدث الشئ دل أنه مفني الشئ، وإذا كان هو مفني الشئ دل أنه لا شئ بعده، فإذا لم يكن قبله شئ ولا بعد شئ فهو المتوحد بالازل، فلذلك قيل: واحد، أحد، وفي الاحد خصوصية ليست في الواحد، تقول ليس في الدار واحد، يجوز أن واحدا من الدواب أو الطير أو الوحش أو الانس لا يكون في الدار، وكان الواحد بعض الناس وغير الناس، وإذا قلت ليس في الدار أحد فهو مخصوص بالآدميين دون سائرهم، والاحد ممتنع من الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شئ من الحساب، وهو متفرد بالاحدية، والواحد


(1) أي فاجتمعت همزتان بعد أن ادخلوا الالف واللام على لفظ اله. (*)

[ 197 ]

منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان وثلاثة فهذا العدد، والواحد علة العدد وهو خارج من العدد وليس بعدد، وتقول: واحد في اثنين أو ثلاثة فما فوقها فهذا الضرب، وتقول: واحد بين اثنين أو ثلاثة لكل واحد من الاثنين نصف ومن الثلاثة ثلث فهذه القسمة. والاحد ممتنع في هذه كلها لا يقال: أحد واثنان، ولا أحد في أحد، ولا واحد في أحد، ولا يقال: أحد بين اثنين، والاحد والواحد وغيرهما من هذه الالفاظ كلها مشتقة من الوحدة. (1) (الصمد) الصمد معناه السيد ومن ذهب إلى هذا المعنى جاز له أن يقول لم يزل صمدا، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا دونه: صمد، وقد قال الشاعر: علوته بحسام ثم قلت له * خذها حذيف فأنت السيد الصمد وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج، يقال: صمدت صمد هذا الامر أي قصدت قصده، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجزله أن يقول: لم يزل صمدا، لانه قد وصفه عزوجل بصفة من صفات فعله، وهو مصيب أيضا، والصمد الذي ليس بجسم ولا جوف له. وقد أخرجت في معنى (الصمد) في تفسير قل هو الله أحد في هذا الكتاب معاني اخرى لم احب إعادتها في هذا الباب. (الاول والآخر) الاول والآخر معناهما أنه الاول بغير ابتداء والآخر بغير انتهاء. (السميع) السميع معناه أنه إذا وجد المسموع كان له سامعا، ومعنى ثان أنه سميع الدعاء أي مجيب الدعاء، وأما السامع فإنه يتعدى إلى مسموع ويوجب وجوده، ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل، والبارئ عز اسمه سميع لذاته. (البصير) البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا، ولذلك جاز أن يقال: لم يزل بصيرا، ولم يجزأن يقال: لم يزل مبصرا لانه يتعدى إلى مبصر و يوجب وجوده، والبصارة في اللغة مصدر البصير وبصر بصارة، والله عزوجل بصير


(1) كانت النسخ ههنا مختلطة مغلوطة فصححناها على الصحة. (*)

[ 198 ]

لذاته، وليس وصفنا له تبارك وتعالى بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم، بل معناه ما قدمناه من كونه مدركا (1) وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به. (القدير، القاهر) القدير والقاهر معناهما أن الاشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد الانفاذ فيها، وقد قيل: إن القادر من يصح منه الفعل إذا لم يكن في حكم الممنوع (2)، والقهر الغلبة، والقدرة مصدر قولك: قدر قدرة أي ملك، فهو قدير قادر مقتدر، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له: وقد قال: عز ذكره: (مالك يوم الدين) (3) ويوم الدين لم يوجد بعد، و يقال: أنه عزوجل قاهر لم يزل، ومعناه أن الاشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد إنفاذه فيها، ولم يزل مقتدرا عليها ولم تكن موجودة كما يقال: مالك يوم الدين، ويوم الدين لم يوجد بعد. (العلي الاعلى) العلي معناه القاهر فالله العلي ذو العلى والعلاء والتعالي أي ذو القدرة والقهر والاقتدار، يقال: علا الملك علوا، ويقال لكل شئ قد علا: علا يعلو علوا وعلي يعلى علاء، والمعلاة مكتسب الشرف وهي من المعالي، و علو كل شئ أعلاه – برفع العين وخفضها – وفلان من علية الناس وهو اسم، ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن الله تبارك وتعالى منفي، ومعنى ثان أنه علا تعالى عن الاشباه والانداد وعما خاضت فيه وساوس الجهال وترامت إليه فكر الضلال، فهو علي متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأما الاعلى فمعناه العلي والقاهر، ويؤيد ذلك قوله عزوجل لموسى عليه السلام: (لا تخف إنك أنت الاعلى) (4) أي القاهر، وقوله عزوجل في تحريض المؤمنين على القتال: (ولا


(1) كأنه رحمه الله أراد الاشارة إلى كونه تعالى عالما بالجزئيات. (2) أي لم يكن الفعل ممتنعا أو لم يكن القادر ممنوعا، وهذا القيد على كلا التقديرين زائد مستدرك لان منع القادر عن فعله انما هو في مقام الوقوع لا الصحة والامكان والفعل الممتنع لا يتصف بالصحة والامكان. (3) الفاتحة: 4 (4) طه: 68. (*)

[ 199 ]

تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) (1) وقوله عزوجل (أن فرعون علا في الارض) (2) أي غلبهم واستولى عليهم، وقال الشاعر في هذا المعنى: فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر ومعنى ثان أنه متعال عن الاشباه والانداد أي متنزه كما قال: (تعالى عما يشركون) (3). (الباقي) الباقي معناه الكائن بغير حدث ولا فناء، والبقاء ضد الفناء، بقي الشئ بقاء، ويقال: ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله واقية، والدائم في صفاته هو الباقي أيضا الذي لا يبيد ولا يفنى. (البديع) البديع معناه مبدع البدائع ومحدث الاشياء على غير مثال و احتذاء، وهو فعيل بمعنى مفعل كقوله عزوجل: (عذاب أليم) (4) والمعنى مؤلم ويقول العرب: ضرب وجيع والمعنى موجع، وقال الشاعر في هذا المعنى: أمن ريحانه الداعي السميع * يؤرقني وأصحابي هجوع فالمعنى الداعي المسمع، والبدع الشئ الذي يكون أولا في كل أمر، و منه قوله عزوجل، (قل ما كنت بدعا من الرسل) (5) أي لست بأول مرسل، والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره، وقد قال الشاعر في هذا المعنى: وكفاك لم تخلقا للندى * ولم يك بخلهما بدعة فكف عن الخير مقبوضة * كما حط عن مائة سبعة واخرى ثلاثة آلافها * وتسع مائيها لها شرعة (6)


(1) آل عمران: 139. (2) القصص: 4. (3) يونس: 18، والنحل. 1 و 3، والمؤمنون. 92، والقصص. 68، والروم: 40 والزمر: 67. (4) في سبعين موضعا من الكتاب. (5) الاحقاف: 9. (6) هذه الابيات شرحها المجلسي رحمه الله في البحار باب عدد أسماء الله تعالى. (*)

[ 200 ]

ويقال: لقد جئت بأمر بديع أي مبتع عجيب. (البارئ) البارئ معناه أنه بارئ البرايا، أي خالق الخلائق، برأهم يبرأهم أي خلقهم يخلقهم، والبرية الخليقة، وأكثر العرب على ترك همزها، و هي فعيلة بمعنى مفعولة، وقال بعضهم: بل هي مأخوذة من بريت العود، ومنهم من يزعم أنه من البرى وهو التراب أي خلقهم من التراب، وقالوا: لذلك لا يهمز. (الاكرم) الاكرم معناه الكريم، وقد يجئ أفعل في معنى الفعيل، مثل قوله عزوجل: (وهو أهون عليه) (1) أي هين عليه، ومثل قوله عزوجل: (لا يصليها إلا الاشقى) وقوله: (وسيجنبها الاتقى) (2) يعني بالاشقى والاتقى الشقي والتقي، وقد قال الشاعر في هذا المعنى: إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول (الظاهر) الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته وآثار حكمته وبينات حجته التى عجز الخلق جميعا عن أبداع أصغرها وإنشاء أيسرها وأحقرها عندهم كما قال الله عزوجل: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) (3) فليس شئ من خلقه إلا وهو شاهد له على واحدانيته من جميع جهاته، وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته (4) فهو ظاهر بآياته وشواهد قدرته، محتجب بذاته، ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء، ومنه قوله عزوجل: (فأصبحوا ظاهرين) (5) أي غالبين لهم.


(1) الروم: 27. (2) الليل: 15 و 17. (3) الحج: 73. (4) أي ليس الظاهر وصفا لذاته تعالى، بل هو وصف لفعله، فتأمل في قوله تعالى: (هو الاول والاخر والظاهر والباطن). (5) الصف: 14. (*)

[ 201 ]

(الباطن) الباطن معناه أنه قد بطن عن الاوهام، فهو باطن بلا إحاطة، لا يحيط به محيط لانه قدم الفكر فخبت عنه (1) وسبق المعلوم فلم يحط به (2) وفات الاوهام فلم تكتنهه، وحارت عنه الابصار فلم تدركه، فهو باطن كل باطن، و محتجب كل محتجب، بطن بالذات، وظهر وعلا بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب، ومعنى ثان أنه باطن كل شئ أي خبير بصير بما يسرون و ما يعلنون وبكل ماذرأ وبرأ، وبطانة الرجل وليجته من القوم الذين يداخلهم و يداخلونه في دخيلة أمره، والمعنى أنه عالم بسرائرهم، لا أنه عزوجل يبطن في شئ يواريه. (الحي) الحي معناه أنه الفعال المدبر، وهو حي لنفسه لا يجوز عليه الموت والفناء، وليس يجتاج إلى حياة بها يحيى. (الحكيم) الحكيم معناه أنه عالم، والحكمة في اللغة العلم، ومنه قوله عزوجل: (يؤتي الحكمة من يشاء) (3) ومعنى ثان أنه محكم وأفعاله محكمة متقنة من الفساد، وقد حكمته وأحكمته لغتان، وحكمة اللجام سميت بذلك لانها تمنعه من الجري الشديد وهي ما أحاطت بحنكه. (العليم) العليم معناه أنه عليم بنفسه، عالم بالسرائر، مطلع على الضمائر، لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، علم الاشياء قبل حدوثها، وبعد ما أحدثها، سرها وعلانيتها، ظاهرها وباطنها، وفي علمه عزوجل بالاشياء على خلاف علم الخلق دليل على أنه تبارك وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم والله عالم لذاته، والعالم من يصح منه الفعل المحكم المتقن، فلا يقال: إنه يعلم الاشياء بعلم كما لا يثبت معه قديم غيره، بل يقال: إنه ذات عالمة، وهكذا يقال في


(1) في نسخة (ط) (فجنب عنه) وفي نسخة (ج) (فحنث عنه). (2) في البحار: (وسبق العلوم فلم تحط به)، وفي نسخة (ب) و (د) (وسبق العلوم فلم يحط به). (3) البقرة: 269. (*)

[ 202 ]

جميع صفات ذاته. (الحليم) الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته. (الحفيظ) الحفيظ الحافظ، وهو فعيل بمعنى الفاعل، ومعناه أنه يحفظ الاشياء ويصرف عنها البلاء، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم لانا نوصف بحفظ القرآن والعلوم على المجاز، والمراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا حفظنا الشئ لم يذهب عنا (1). (الحق) الحق معناه المحق، ويوصف به توسعا لانه مصدر (2) وهو كقولهم ((غياث المستغيثين) ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق وعبادة غيره هي الباطل، ويؤيد ذلك القول عزوجل: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) (3) أي يبطل ويذهب ولا يملك لاحد ثوابا ولا عقابا. (الحسيب) الحسيب معناه أنه المحصي لكل شئ، العالم به، لا يخفى عليه شئ، ومعنى ثان أنه المحاسب لعباده يحاسبهم بأعمالهم ويجازيهم عليها، وهو فعيل على معنى مفاعل مثل جليس ومجالس، ومعنى ثالث: أنه الكافي، والله حسبي وحسبك أي كافينا، وأحسبني هذا الشئ أي كفاني، وأحسبته أي أعطيته حتى قال: حسبي، ومنه قوله عزوجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) (4) أي كافيا. (الحميد) الحميد معناه المحمود، وهو فعيل في معنى المفعول، والحمد نقيض الذم، ويقال: حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس. (الحفي) الحفي معناه العالم، ومنه قوله عزوجل: (يسالونك كأنك


(1) تأمل في كلامه هذا. (2) لا يبعد أن يكون الحق صفة مشبهة أيضا كالصعب، وعلى كل يستعمل مطلقا بمعنى الثابت وان كانت خصوصيات موارده مختلفة، والتوسع على وجوه: الاستعمال المجازي حذف حرف التعدية، حذف الكلمة، الحمل المجازى، تقديم معمول خاص في مورد لا يقدم غيره فيه، ويأتي في كلام المصنف بعض هذه فلا تغفل. (3) الحج: 62. (4) النبأ: 36. (*)

[ 203 ]

حفي عنها) (1) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها (2)، ومعنى ثان أنه اللطيف، والحفاية مصدر الحفي: اللطيف المحتفي بك ببرك وبلطفك (3). (الرب) الرب معناه المالك، وكل من ملك شيئا فهو ربه ومنه قوله عزوجل: (ارجع إلى ربك) (4) أي إلى سيدك ومليكك، وقال قائل يوم حنين: لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن. يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا، ولا يقال لمخلوق: الرب بالالف واللام لان الالف واللام دالتان على العموم، وإنما يقال للمخلوق: رب كذا فيعرف بالاضافة لانه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه، والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له، والربيون الذين صبروا مع الانبياء عليهم السلام. (الرحمن) الرحمن معناه الواسع الرحمة على عباده يعمهم بالرزق و الانعام عليهم، ويقال: هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لاسمي له فيه ويقال للرجل: رحيم القلب ولا يقال: الرحمن لان الرحمن يقدر على كشف البلوى ولا يقدر الرحيم من خلقه على ذلك، وقد جوز قوم أن يقال للرجل: رحمن وأرادوا به الغاية في الرحمة، وهذا خطأ، والرحمن هو لجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصة. (الرحيم) الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في عاقبة أمرهم كما قال الله عزوجل: (وكان بالمؤمنين رحيما) والرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وزن ندمان ونديم، ومعنى الرحمة النعمة، والراحم المنعم كما


(1) الاعراف: 187. (2) في تفسير علي بن ابرهيم: (كأنك حفى عنها) أي كأنك جاهل بها، ويؤيده نزول الاية وتعدية الحفايه بعن فراجع. (3) في نسخة (و) (ب) (يبرك ويلطفك)، وفي نسخة (ج) (بتبرك وتلطف). (4) يوسف: 50. (*)

[ 204 ]

قال الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه واله وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (1) يعني: نعمة عليهم ويقال للقرآن: هدى ورحمة، وللغيث رحمة يعني نعمة، وليس معنى الرحمة الرقة لان الرقة عن الله عزوجل منفية، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما لكثرة ما توجد الرحمة منه، ويقال: ما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر، والمرحمة الرحمة، ويقال: رحمته مرحمة ورحمة. (الذارئ) الذارئ معناه الخالق يقال: ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم وقد قيل: إن الذرية منه اشتق اسمها كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله عزوجل خلقها من الرجل، وأكثر العرب على ترك همزها وإنما تركوا الهمزة في هذا المذهب لكثرة ترددها في أفواهم كما تركوا همزة البرية وهمزة بري وأشباه ذلك، ومنهم من يزعم أنها من ذروت أو ذريت معا يريد أنه قد كثرهم وبثهم في الارض بثا، كما قال الله تعالى: (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) (2). (الرازق) الرازق معناه أنه عزوجل يرزق عباده برهم وفاجرهم رزقا بفتح الراء رواية من العرب، ولو أرادوا المصدر لقالوا: رزقا، بكسر الراء ويقال: ارتزق الجند رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة. (الرقيب) الرقيب معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل، ورقيب القوم حارسهم. (الرؤوف) الرؤوف معناه الرحيم، والرأفة الرحمة. (الرائي) الرائي معناه العالم، والرؤية العلم، معنى ثان: أنه المبصر ومعنى الرؤية الابصار، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا، ولا يجوز ذلك في آمعنى الابصار. (السلام) السلام معناه المسلم، وهو توسع لان السلام مصدر، والمراد به أن السلامة تنال من قبله، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ و اللذاذة، ومعنى ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب


(1) الانبياء: 107. (2) النساء: 1. (*)

[ 205 ]

والنقص والزوال والانتقال والفناء والموت، وقوله عزوجل: (لهم دار السلام عند ربهم) (1) فالسلام هو الله عزوجل وداره الجنة، ويجوز أن يكون سماها سلاما لان الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب و موت وهرم وأشباه ذلك، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات، وقوله عزوجل (فسلام لك من أصحاب اليمين) (2) يقول: فسلامة لك منهم أي يخبرك عنهم سلامة والسلامة في اللغة الصواب والسداد أيضا، ومنه قوله عزوجل: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (3) أي سدادا وصوابا، ويقال: سمي الصواب من القول سلاما لانه يسلم من العيب والاثم. (المؤمن) المؤمن معناه المصدق، والايمان التصديق في اللغة، يدلك على ذلك قوله عزوجل حكاية عن اخوة يوسف عليه السلام: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) (4) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وبآياته، والله مؤمن مصدق لما وعده ومحققه، ومعنى قان: أنه محقق حقق وحدانيته بآياته عند خلقه وعرفهم حقيقته (5) لما أبدى من علاماته وأبان من بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره، ومعنى ثالث أنه آمنهم من الظلم والجور، قال الصادق عليه السلام: سمي البارئ عزوجل مؤمنا لانه يؤمن من عذابه من أطاعه، وسمي العبد مؤمنا لانه يؤمن على الله عزوجل فيجيز الله أمانه (6) وقال عليه السلام: (المؤمن من أمن جاره بوائقه)، وقال عليه السلام: (المؤمن الذي يأتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم). (المهيمن) المهيمن معناه الشاهد، وهو كقوله عزوجل: (ومهيمنا عليه) (7) أي شاهدا عليه، ومعنى ثان أنه اسم مبني من الامين، والامين اسم من


(1) الانعام: 127. (2) الواقعة: 91. (3) الفرقان: 63. (4) يوسف: 17. (5) أي حقيقة خلقه، ولا يبعد أن يكون في الاصل حقيته تعالى. (6) في نسخة (ط) و (ن) (فيجير الله أمانة)، وفي نسخة (د) و (و) (فيخبر الله أمانة). (7) المائدة: 48. (*)

[ 206 ]

أسماء الله عزوجل، ثم بني كما بني المبيطر من البيطر والبيطار، وكأن الاصل فيه مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت همزة أرقت وأيهات فقيل: هرقت وهيهات، وأمين اسم من أسماء الله عزوجل، ومن طول الالف أراد (يا أمين) فأخرجه مخرج قولهم: أزيد. على معنى يا زيد، ويقال: المهيمن اسم من أسماء الله عزوجل في الكتب السابقة. (العزيز) العزيز معناه أنه لا يعجزه شئ ولا يمتنع عليه شئ أراده فهو قاهر للاشياء، غالب غير مغلوب، وقد يقال في المثل: (من عز بز) أي من غلب سلب، وقوله عزوجل حكاية عن الخصمين: (وعزني في الخطاب) (1) أي غلبني في مجاوبة الكلام (2)، ومعنى ثان: أنه الملك ويقال للملك: عزيز كما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام: (يا أيها العزيز) (3) والمراد به يا أيها الملك (4). (الجبار) الجبار معناه القاهر الذي لا ينال، وله التجبر والجبروت أي التعظم والعظمة، ويقال للنخلة التي لا تنال: جبارة، والجبر أن تجبر إنسانا على ما يكرهه قهرا تقول: جبرته على أمر كذا وكذا، وقال الصادق عليه السلام: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) عني بذلك: أن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائسهم (5) فإنه عزوجل قد حدو وظف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين، فلا تفويض مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين. (المتكبر) المتكبر مأخوذ من الكبرياء، وهو اسم للتكبر والتعظم. (السيد) السيد معناه الملك، ويقال لملك القوم وعظميمهم: سيدهم، و قد سادهم يسودهم. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك ؟ قال: ببذل الندى، و


(1) ص: 23. (2) في نسخة (ط) و (ن) (في محاورة الكلام). (3) يوسف: 88. (4) قال المصحح في كلامه هذا نظر. (5) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) (بآرائهم ومقائيسهم). (*)

[ 207 ]

كف الاذى، ونصر المولى، وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (علي سيد العرب، فقالت عائشة: يا رسول الله ألست سيد العرب ؟ فقال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقالت: يا رسول الله وما السيد ؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي). وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب معاني الاخبار، فعلى معنى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة. (السبوح) (1) هو اسم مبني على فعول، وليس في كلام العرب فعول إلا سبوح وقدوس، ومعناهما واحد، وسبحان الله تنزيها له عن كل مالا ينبغي أن يوصف به، ونصبه لانه في موضع فقل على معنى تسبيحا لله يريد سبحت تسبيحا لله، ويجوز أن يكون نصبا على الظرف، ومعناه نسبح لله وسبحوا لله (2). (الشهيد) الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان مكان لصنعه وتدبيره، لا على أن المكان مكان له، لانه عزوجل كان ولا مكان. (الصادق) الصادق معناه أنه صادق في وعده، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده. (الصانع) الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق، ومبدع جميع البدائع، وكل ذلك دال على أنه لا يشبهه شئ من خلقه، لانا لم نجد فيما شاهدنا فعلا يشبه فاعله، لانهم أجسام وأفعالهم غير أجسام والله تعالى عن أن يشبه أفعاله، وأفعاله لحم وعظم وشعر ودم وعصب وعروق وأعضاء وجوارح وأجزاء ونور وظلمة وأرض وسماء وحجر وشجر وغير ذلك من صنوف الخلق وكل ذلك فعله وصنعه عزوجل، وجميع ذلك دليل على وحدانيته شاهد على انفراده وعلى أنه بخلاف خلقه وأنه لا شريك له. وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس:


(1) في أكثر النسخ: (سبوح) بدون الالف واللام، ولم أفهم وجها لحذفهما عنه بالخصوص. (2) الواو للمعية، أي نسبح لله مع تسبيح الذين سبحوالله، فحذف ما عدا المصدر واسم الجلالة فصار تسبيح الله، ثم أبدل عنه سبحان الله. (*)

[ 208 ]

عيون في جفون في فنون * بدت فأجاد صنعتها المليك بأبصار التغنج طامحات * كأن حداقها ذهب سبيك على غصن الزمرد مخبرات * بأن الله ليس له شريك (الطاهر) الطاهر معناه أنه متنزه عن الاشباه والانداد والاضداد و الامثال والحدود والزوال والانتقال ومعاني الخلق من الطول والعرض والاقطار والثقل والخفة، والرقة والغلظة، والدخول والخروج، والملازقة والمباينة، و الرائحة والطعم، واللون والمجسة والخشونة واللين، والحرارة والبرودة، و الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والتمكن في مكان دون مكان، لان جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من جميع الجهات، دليل على محدث أحدثه وصانع صنعه، قادر قوي طاهر من معانيها لا يشبه شيئا منها (1) لانها دلت من جميع جهاتها على صانع صنعها ومحدث أحدثها وأوجبت على جميع ما غاب عنها من أشباهها وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (العدل) العدل معناه الحكم بالعدل والحق، وسمي به توسعا لانه مصدر والمراد به العادل، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه. (العفو) العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول، والعفو: المحو، يقال: عفا الشئ إذا امتحي وذهب ودرس، وعفوته أنا إذا محوته، ومنه قوله عزوجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (2) أي محا الله عنك إذنك لهم. (الغفور) الغفور اسم مشتق من المغفرة، وهو الغافر الغفار، وأصله في اللغة التغطية والستر، تقول: غفرت الشئ إذا غطيته، ويقال: هذا أغفر من هذا أي استر، وغفر الصوف والخز ما علا فوق الثوب منهما كالزئبر، سمي غفرا لانه ستر الثوب، ويقال لجنة الرأس: مغفر لانها تستر الرأس، والغفور: الساتر لعبده برحمته. (الغني) الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة بالآلات


(1) كذا. (2) التوبة: 43. (*)

[ 209 ]

والادوات وغيرها، والاشياء كلها سوى الله عزوجل متشابهة في الضعف والحاجة، لا يقوم بعضها إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض. (الغياث) الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لانه مصدر. (الفاطر) الفاطر معناه الخالق، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة الاشياء وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها. (الفرد) الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والامر دون خلقه، ومعنى ثان: أنه موجود وحده لا موجود معه. (الفتاح) الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عزوجل: (وأنت خبير الفاتحين) (1) وقوله عزوجل ؟ (وهو الفتاح العليم) (2). (الفالق) الفالق اسم مشتق من الفلق، ومعناه في أصل اللغة الشق، يقال: سمعت هذا من فلق فيه، وفلقت الفستقة فانفلقت، وخلق الله تبارك وتعالى كل شئ فانفلق عن جميع ما خلق، فلق الارحام فانفلقت عن الحيوان، وفلق الحب والنوى فانفلقا عن النبات، وفلق الارض فانفلقت عن كل ما أخرج منها، وهو كقوله عزوجل: (والارض ذات الصدع) (3) صدعها فانصدعت، وفلق الظلام فانفلق عن الاصباح، وفلق السماء فانفلقت عن القطر، وفلق البحر لموسى عليه السلام فانفلق فكان كل فرق منه كالطود العظيم. (القديم) القديم معناه أنه المتقدم للاشياء كلها، وكل متقدم لشئ يسمى قديما إذا بولغ في الوصف، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا نهاية، و سائر الاشياء لها أول ونهاية، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها، فهي قديمة من وجه و محدثه من وجه، وقد قيل: إن القديم معناه أنه الموجود لم يزل، وإذا قيل لغيره عزوجل: إنه قديم كان على المجاز لان غيره محدث ليس بقديم. (الملك) الملك هو مالك الملك قد ملك كل شئ، والملكوت ملك الله عزوجل


(1) الاعراف: 89. (2) سبأ: 26. (3) الطارق: 12. (*)

[ 210 ]

زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت، تقول العرب: رهبوت خير من رحموت أي لان ترهب خير من أن ترحم. (القدوس) القدوس معناه الطاهر، والتقديس التطهير والتنزيه، وقوله عزوجل حكاية عن الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) (1) أي ننسبك إلى الطهارة، ونسبحك ونقدس لك بمعنى واحد (2)، وحظيرة القدس موضع الطهارة من الادناس التي تكون في الدنيا والاوصاب والاوجاع وأشباه ذلك، وقد قيل: إن القدوس من أسماء الله عزوجل في الكتب. (القوي) القوي معناه معروف وهو القوي بلا معاناة ولا استعانة. (القريب) القريب معناه المجيب، ويؤيد ذلك قول عزوجل (فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان) (3) ومعنى ثان: أنه عالم بوساوس القلوب لاحجاب بينه وبينها ولا مسافة، ويؤيد هذا المعنى قوله عزوجل: (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (4). فهو قريب بغير مماسة، بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة، بل هو على المفارقة لهم في المخالطة، والمخالفة لهم في المشابهة، وكذلك التقرب إليه ليس من جهه الطرق والمسائف، إنما هو من جهة الطاعة وحسن العبادة، فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من غير سفل، لانه ليس باقتطاع المسائف يدنو، ولا باجتياز الهواء يعلو، كيف وقد كان قبل السفل والعلو وقبل أن يوصف بالعلو والدنو. (القيوم) القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشئ إذا وليته بنفسك وتوليت حفظه وإصلاحه وتقديره، ونظيره قولهم: ما فيها من ديور ولاديار. (القابض) القابض اسم مشتق من القبض، وللقبض معان، منها: الملك يقال: فلان في قبضي، هذه الضيعة في قبضي، ومنه قوله عزوجل: (والارض


(1) البقرة: 30. (2) في نسخة (ب) و (د)، (ونسبحك ونسبح لك بمعنى واحد). (3) البقرة: 186. (4) ق: 16. (*)

[ 211 ]

جميعا قبضته يوم القيمة) (1) وهذا كقول الله عزوجل: (وله الملك يوم ينفخ في الصور) (2) وقوله عزوجل: (والامر يومئذ لله) (3) وقوله عزوجل: (مالك يوم الدين) (4) ومنها: إفناء الشئ، ومن ذلك قولهم للميت: قبضه الله إليه، ومنه قوله عزوجل: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) (5) فالشمس لا تقبض بالبراجم، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها، ومن هذا قوله عزوجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) (6) فهو باسط على عباده فضله، وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه، والقبض قبض البراجم أيضا وهو عن الله تعالى ذكره منفي، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عزوجل من قبل البراجم لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك، والله تعالى ذكره في كل ساعة يقبض الانفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد. (الباسط) الباسط معناه المنعم المفضل، قد بسط على عباده فضله وإحسانه، و أسبغ عليهم نعمه. (قاضي الحاجات) القاضي اسم مشتق من القضاء، ومعنى القضاء من الله عزوجل على ثلاثة أوجه: فوجه منها هو الحكم والالزام، يقال: قضي القاضي على فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه، ومنه قوله عزوجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (7) ووجه منها هو الخبر، ومنه قوله عزوجل: (وقضينا إلى بني أسرائيل في الكتاب) (8) أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي صلى الله عليه واله وسلم، ووجه منها هو الاتمام، ومنه قوله عزوجل: (فقضيهن سبع سموات في يومين) (9) ومنه


(1) الزمر: 67. (2) الانعام: 73. (3) الانفطار: 19. (4) الفاتحة: 4. (5) الفرقان: 46. (6) البقرة: 245. (7) الاسراء: 23. (8) الاسراء: 4. (9) فصلت: 12. (*)

[ 212 ]

قول الناس: قضى فلان حاجتي، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته. (المجيد) المجيد معناه الكريم العزيز، ومنه قوله عزوجل: (بل هو قرآن مجيد) (1) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف، ومجد الرجل وأمجد لغتان وأمجده كرم فعاله، ومعنى ثان: أنه مجيد ممجد، مجده خلقه أي عظموه. (المولى) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدوهم و يتولى ثوابهم وكرامتهم، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح شأنه، والله ولي المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم، والمولى في وجه آخر هو الاولى، ومنه قول النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم (2)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال من كنت مولاه أي من كنت أولى به منه بنفسه فعلي مولاه) أي أولى به منه بنفسه. (المنان) المنان معناه المعطي المنعم، ومنه قوله عزوجل: (فامنن أو أمسك بغير حساب (3)) وقوله عزوجل: (ولا تمنن تستكثر) (4). (المحيط) المحيط معناه أنه محيط بالاشياء عالم بها كلها، وكل من أخذ شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به، وهذا على التوسع لان الاحاطة في الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه و إحاطة السور بالمدن، ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا، ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف، معناه مستوليا مقتدرا، كقوله عزوجل: (وظنوا أنهم احيط بهم (5)) فسماه إحاطة لهم لان القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على التخلص منهم.


(1) البروج: 21. (2) في نسخة (ج) (ألست أولى منكم بأنفسكم)، وفي البحار وفي البحار وفي نسخة (ط) و (ن) (ألست أولى بكم من أبفسكم). (3) ص: 39. (4) المدثر: 6. (5) يونس: 22. (*)

[ 213 ]

(المبين) المبين معناه الظاهر البين حكمته، المظهر لها بما أبان من بيناته وآثار قدرته، ويقال: بان الشئ وأبان واستبان بمعنى واحد. (المقيت) المقيت معناه الحافظ الرقيب، ويقال: بل هو القدير. (المصور) المصور هو اسم مشتق من التصوير، يصور الصور في الارحام كيف يشاء، فهو مصور كل صورة، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر وممثل في نفس، وليس الله تبارك وتعالى بالصور والجوارح يوصف، ولا بالحدود والابعاض يعرف، ولا في سعة الهواء بالاوهام يطلب، ولكن بالآيات يعرف، وبالعلامات و الدلالات يحقق، وبها يوقن، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف، لانه ليس له في خلقه شبيه ولا في بريته عديل. (الكريم) الكريم معناه العزيز، يقال: فلان أكرم علي من فلان أي أعز منه، ومنه قوله عزوجل: (إنه لقرآن كريم) (1) وكذلك قوله عزوجل: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (2)، ومعنى ثان: أنه الجواد المفضل، يقال: رجل كريم أي جواد، وقوم كرام أي أجواد، وكريم وكرم مثل أديم وأدم. (الكبير) الكبير السيد، يقال لسيد القوم: كبيرهم، والكبرياء اسم التكبر والتعظم. (الكافي) الكافي اسم مشتق من الكفاية، وكل من توكل عليه كفاه ولا يلجئه إلى غيره. (كاشف الضر) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه. (الوتر) الوتر الفرد، وكل شئ كان فردا قيل: وتر. (النور) النور معناه المنير، ومنه قوله عزوجل: (الله نور السموات و الارض) (3) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون


(1) الواقعة: 77. (2) الدخان: 49. (3) النور: 35. (*)

[ 214 ]

في النور والضياء (1) وهذا توسع إذا لنور الضياء والله عزوجل متعال عن ذلك علوا كبيرا، لان الانوار محدثه، ومحدثها قديم لا يشبهه شئ، وعلى سبيل التوسع قيل: إن القرآن نور لان الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه واله وسلم منيرا. (الوهاب) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم بما يشاء، ومنه قوله عزوجل: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) (2). (الناصر) الناصر والنصير بمعنى واحد، والنصرة حسن المعونة. (الواسع) الواسع الغني، والسعة الغنى، يقال: فلان يعطي من سعة أي من غنى، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده، ويقال: أنفق على قدر وسعك. (الودود) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال: هيوب بمعنى مهيب، يراد به، أنه مودود ومحبوب، ويقال: بل فعول بمعنى فاعل كقولك: غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبهم، والود والوداد مصدر المودة، فلان ودك ووديدك أي حبك وحبيبك. (الهادي) الهادي معناه أنه عزوجل يهديهم للحق، والهدى من الله عزوجل على ثلاثة أوجه: فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين، والثاني هو الايمان والايمان هدى من الله عزوجل كما أنه نعمة من الله عزوجل، والثالث هو النجاة وقد بين الله عزوجل، أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال: (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم) (3) ولايكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب والنجاة، وكذلك قوله عزوجل: (إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ((4) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر، وقال الله عزوجل: (ويضل الله الظالمين) (5) أي يهلكهم ويعاقبهم، وهو كقوله عزوجل:


(1) في نسخة (ج) (كما يهتدون بالنور – الخ). (2) الشورى: 49. (3) محمد صلى الله عليه وآله: 5. (4) يونس: 9. (5) ابراهيم عليه السلام: 27. (*)

[ 215 ]

(أضل أعمالهم) (1) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم. (الوفي) الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده، يقال: رجل وفي و موف، وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان. (الوكيل) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا، وهذا هو معنى الوكيل على المال منا، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ، والتوكل الاعتماد عليه و الالتجاء إليه. (الوارث) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ماكان في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى. (البر) البر معناه الصادق، يقال: صدق فلان وبر، ويقال: برت يمين فلان إذا صدقت، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق. (الباعث) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء والبقاء. (التواب) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد، يقال: تاب العبد إلى الله عزوجل فهو تائب إليه (2) وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو تواب عليه، والتوب التوبة، ويقال: اتأب فلان من كذا – مهموزا – إذا استحيى منه، ويقال: ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى (3). (الجليل) الجليل معناه السيد، يقال لسيد القوم: جليلهم وعظيمهم، و جل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام، ويقال جل فلان في عيني أي عظم، وأجللته أي عظمته (4). (الجواد) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الانعام والاحسان، يقال:


(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 1. (2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) فهو ((تائب تواب إليه). (3) التاء في المواضع الثلاثة مبدلة من الواو، فيطلب في اللغة في مادة (وأب). (4) في نسخة (ب) و (و) (اي اعظمته). (*)

[ 216 ]

جاد السخي من الناس يجود جودا، ورجل جواد، وقوم أجواد وجود أي أسخياء، ولا يقال لله عزوجل: سخي لان أصل السخاوة راجع إلى اللين، يقال: أرض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا. وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه. (الخبير) الخبير معناه العالم، والخبر والخبير في اللغة واحد، والخبر علمك بالشئ، يقال: لي به خبر أي علم. (الخالق) الخالق معناه الخلاق، خلق الخلائق خلقا وخليقة، والخليقة: الخلق، والجمع الخلائق، والخلق في اللغة تقديرك الشئ، يقال في المثل: إني إذا خلقت فريت لاكمن يخلق ولا يفري، وفي قول أئمتنا عليهم السلام: إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لاخلق تكوين، وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير أيضا، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عزوجل. (خير الناصرين) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل الخير إذا كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا. (الديان) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم، والدين الجزاء، ولايجمع لانه مصدر، يقال: دان يدين دينا، ويقال في المثل: (كما تدين تدان) أي كما تجزي تجزى، قال الشاعر: كما يدين الفتى يوما يدان به * من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا (الشكور) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله، وهذا توسع لان الشكر في اللغة عرفان الاحسان، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم، لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز كما سميت مكافأة المنعم شكرا. (العظيم) العظيم معناه السيد، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم، ومعنى ثان: أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الاشياء وقدرته عليها ولذلك كان الواصف بذلك معظما، ومعنى ثالث: أنه عظيم لان ما سواه كله له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان، عظيم


[ 217 ]

الشأن، ومعنى رابع: أنه المجيد يقال: عظم فلان في المجد عظامة، والعظامة مصدر: الامر العظيم، والعظمة من التجبر، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لان هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك وتعالى منفية، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لانه خالق الخلق العظيم ورب العرش العظيم وخالقه. (اللطيف) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم، بار بهم، منعم عليهم واللطف البر والتكرمة، يقال: فلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافا، ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال: فلان لطيف العمل، وقد روي في الخبر أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لانه الخالق للخلق العظيم. (الشافي) الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عزوجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين) (1) فجملة هذه الاسماء الحسنى تسعة و تسعون إسما. وأما (تبارك) (2) فهو من البركة وهو عزوجل ذو بركة وهو فاعل البركة وخالقها وجاعلها في خلقه، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد قيل: إن معنى قول الله عزوجل: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (3) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم (هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) والفرقان هو القرآن وإنما سماه فرقانا لان الله عزوجل فرق به بين الحق والباطل، وعبده الذي أنزل عليه ذلك هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا، وهذا رد على من يغلو فيه، وبين عزوجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم.


(1) الشعراء: 80. (2) المذكور في صدر الحديث. (3) الفرقان: 1. (*)

[ 218 ]

عقابه، والعالمون: الناس (الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا) كما قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده (ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا) يعني: أنه خلق الاشياء كلها على مقدار يعرفه وأنه لم يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب (1) ولا على مجازفة، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لانه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم والخروج عن الحكمة وصواب التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون من ذلك مالا يعرفون مقداره، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا يعرف به مقدار ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك، لان ذلك إنما يوجد من فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير، والله سبحانه لم يزل عالما بكل شئ، وإنما عنى بقوله: فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار يعرفه – على ما بيناه – وعلى أن يقدر أفعاله لعباده بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها و مكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك، وهذا التقدير من الله عزوجل كتاب وخبر كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه، فلما كان كلامه لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ، وعن حد البيان إلى التلبيس، كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه وأحدثه فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولافساد. 10 حدثنا غير واحد، قالوا: حدثنا محمد بن همام، عن علي بن الحسين (2).


(1) نحب فلان في عمله جد، ونحب العمل فلانا أجهده، ونحب فلان أمرا نذره و أوجبه على نفسه، وفي نسخة (ب) و (د) و (و) (ولا على تنحيت) بالتاء المثناة في آخره. وهو انضاء العمل العامل بسبب كثرته أو مشقته، وعلى هذه النسخة يقرء الفعل الاتى مجهولا كما يقرء مجهولا على المعنى الثاني. (2) في نسخة (ط) و (ن) (علي بن الحسن). (*)

[ 219 ]

قال: حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام على بعض مواليه يعوده، فرأيت الرجل يكثر من قول آه، فقلت له: يا أخي اذكر ربك واستغث به، فقال إبو عبد الله عليه السلام: إن آه اسم من أسماء الله عزوجل (1) فمن قال: آه استغاث بالله تبارك وتعالى. 11 – حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الاصبهاني الاسواري قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي بدمشق وأنا أسمع، قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر المري (2) قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن الاعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، إنه وتريحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة، فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال: إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شي قدير، لا إله إلا الله له الاسماء الحسنى، الله، الواحد، الصمد، الاول، الاخر، الظاهر، الباطن، الخالق، البارئ، المصور، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز،


(1) آه يقال وجعا أو أسفا أو حسرة أو ندامه على عمل أو ترحما على أحد أو حزنا على حادثة، وقد اشتق منه الفعل والوصف، منه قوله تعالى: (ان ابراهيم لاواه حليم) و أما كونه اسما له تعالى فإما هو من غير المشهور من أسمائه كرمضان الذي ورد في الحديث أنه من أسمائه وكآمين كذلك، وإما هو اسم له تعالى بالعبرانية أو السريانية نظير (ياه) المذكور في الزبور الموجود اليوم، و (يهواه) المذكور فيه أيضا، و (آهيا شراحيا) المذكور في دعاء الحرز للباقر عليه السلام في كتاب الدعاء من البحار، وإما لاذاك ولا ذاك، بل المؤمن إذ يقوله متوجها إليه تعالى سائلا منه فهو بمنزلة اسم من أسمائه، وقيل: فيه أربع عشرة لغة. (2) قال الذهبي في الميزان: موسى بن عامر المري أبو عامر الدمشقي صاحب الوليد بن مسلم صدوق صحيح الكتب. تكلم فيه بغير حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فانه اكثر عنه – الخ. (*)

[ 220 ]

الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، العلي، العظيم، البارئ، (كذا) المتعالي، الجليل، الجميل، الحي، القيوم، القادر، القاهر، الحكيم، القريب، المجيب، الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد، الاحد، الولي، الرشيد، الغفور، الكريم، الحليم، التواب، الرب، المجيد، الحميد، الوفي، الشهيد، المبين، البرهان، الرؤوف، المبدئ، المعيد، الباعث الوارث، القوي، الشديد، الضار، النافع، الوافي، الحافظ، الرافع، القابض، الباسط، المعز، المذل، الرازق، ذو القوة المتين، القائم، الوكيل، العادل، الجامع، المعطي، المجتبي، المحيى، المميت، الكافي، الهادي، الابد، الصادق، النور، القديم، الحق، الفرد، الوتر، الواسع، المحصي، المقتدر، المقدم، المؤخر، المنتقم، البديع (1). 12 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عبد الله بالتوهم فقد كفر، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع الاسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه (2) فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. وفي حديث آخر: (اولئك هم المؤمنون حقا). 13 – حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهما الله، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله


(1) بعض ما في هذا الحديث من الاسماء يغير بعض ما في الحديث التاسع، وقد شرح هذه الاسماء المحدث الفيض في كتاب علم اليقين والسبزواري في شرح الاسماء والكفعمي في المصباح وابن فهد الحلي في العدة. (2) في نسخة (ط) (باتباع الاسماء بصفاته التي – الخ). (*)

[ 221 ]

عزوجل واشتقاقها، فقال: الله مشتق من إله، وإله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام، قال: قلت: زدني، قال: لله عزوجل تسعة وتسعون اسما، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها هو إلها، ولكن الله عزوجل معنى، يدل عليه بهذه الاسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول (1) والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عزوجل غيره ؟ (2) قلت: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا. 14 – حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الاسواري، قال: حدثنا مكي ابن أحمد بن سعدويه البرذغي، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي قال: حدثني جدي، قال: حدثنا ابن أبي اويس، قال: حدثني أحمد بن محمد بن داود بن قيس الصنعاني، قال: حدثني أفلح بن كثير، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا، فقال: السلام عليك يا محمد، قال: وعليك السلام يا جبرئيل فقال: إن الله بعث إليك بهدية، فقال: وما تلك الهدية يا جبرئيل ؟ فقال: كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها، قال: وماهن يا جبرئيل ؟ قال: قل: (يامن أظهر الجميل وستر القبيح، يامن لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة،


(1) الخبز اسم للمأكول ولا شئ من أحكام المأكول لاسمه، فهما متغايران ذاتا، و كذلك الله تعالى وأسماؤه. (2) في الكافي باب معاني الاسماء واشتقاقها تحت رقم 2 هكذا (أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عزوجل غيره – الخ). (*)

[ 222 ]

يا صاحب كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى (يا مقيل العثرات (1)) يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا وياسدينا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لاتشوة خلقي بالنار) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل فما ثواب هذه الكلمات ؟ قال: هيهات هيهات، إنقطع العلم، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا، فإذا قال العبد: (يامن أظهر الجميل وستر القبيح) ستره الله برحمته في الدنيا وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة، وإذا قال: (يامن لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور، وإذا قال: (يا عظيم العفو) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر، وإذا قال: (يا حسن التجاوز) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا، وغير ذلك من الكبائر، وإذا قال: (يا واسع المغفرة) فتح الله عزوجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عزوجل حتى يخرج من الدنيا، وإذا قال: (يا باسط اليدين بالرحمة) بسط الله يده عليه بالرحمة، وإذا قال: (يا صاحب كل نجوى و (يا) منتهى كل شكوى) أعطاه الله عزوجل من الاجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة، وإذا قال: (يا كريم الصفح) أكرمه الله كرامة الانبياء، وإذا قال: (يا عظيم المن) أعطاه الله يوم القيامة امنيته وامنية الخلائق، وإذا قال: (يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها) أعطاه الله من الاجر بعدد من شكر نعماءه، وإذا قال: (يا ربنا وياسيدنا ويا مولانا) (2) قال الله تبارك وتعالى: اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من الاجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والارضين السبع الشمس والقمر والنجوم وقطر الامطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي، وإذا قال: (يا مولانا) ملا الله قلبه من الايمان، وإذا قال:


(1) ليس في اكثر النسخ (يا مقيل العثرات) وليس في نسخة بيان ثوابه. (2) الظاهر زيادة (ويا مولانا) هنا لذكره من بعد. (*)

[ 223 ]

(يا غاية رغبتنا) أعطاه الله يوم القيامة زغبته ومثل رغبة الخلائق، وإذا قال: (أسألك يا الله أن لاتشوه خلقي بالنار) قال الجبار جل جلاله: استعتقني عبدي من النار، اشهدوا ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وإخواته وأخوانه وأهله و ولده وجيرانه، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار، وآجرته من النار، فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائليهن إن شاء الله، وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به. قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الله تعالى عزوجل عالم حي قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين أما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم، وهذا من صفات النقص، وكل منقوص محدث بما قدمنا، وإن كان قديما وجب أن يكون غير الله عزوجل قديما وهذا كفر بالاجماع، فكذلك القول في القادر وقدرته والحي وحياته، والدليل على أنه تعالى لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت أنه عالم قادر حي لنفسه وصح بالدليل أنه عزوجل قديم وإذا كان كذلك كان عالما لم يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل، وهذا يدل على أنه قادر حي لم يزل (1). 30 – باب القرآن ما هو ؟ 1 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن أبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرضا علي بن موسى عليهما السلام: يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق ؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزوجل. 2 – حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن أبيه، عن إبرهيم بن هاشم، عن الريان بن الصلت، قال:


(1) ذكر هذا الكلام في الباب الحادي عشر كان أنسب. (*)

[ 224 ]

قلت للرضا عليه السلام: ما تقول في القرآن ؟ فقال: كلام الله لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا. 3 – حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا علي بن سالم، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟ فقال: هو كلام الله وقول الله وكتاب الله ووحي الله و تنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد. 4 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام إلى بعض شيعته ببغداد: بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فان يفعل فقد أعظم بها نعمة (1) وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عزوجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. 5 – حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا ؟ فقال قوم: إنه مخلوق، وقال قوم: إنه غير مخلوق، فقال عليه السلام: أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول: إنه كلام الله. 6 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا


(1) الضمير راجع إلى العصمة، وفي نسخة (ط) (فقد تعظم بها نعمة). (*)

[ 225 ]

محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان (كذا) الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سعد الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم: ما تنقمون مني ؟ ألا إني أول من آمن بالله ورسوله (1) فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الاشعري، فقال عليه السلام: والله ما حكمت مخلوقا، وإنما حكمت القرآن، ولولا أني غلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى اعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الكافرون والجاهلون. قال مصنف هذا الكتاب: قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ووحي الله وقول الله وكتاب الله، ولم يجئ فيه أنه مخلوق، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه (2) لان المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا، ويقال: كلام مخلوق أي مكذوب، قال الله تبارك وتعالى: (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) (3) أي كذبا، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) (4) أي أفتعال وكذب، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كفر، ومن قال: إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب، وقد أجمع أهل الاسلام على ان القرآن كلام الله عزوجل على الحقيقة دون المجاز، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا من القول وزورا، ووجدنا القرآن مفصلا وموصلا وبعضه غير بعض وبعضه قبل بعض كالناسخ الذي يتأخر عن المنسوخ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثا بطلت الدلالة


(1) (الا) حرف تنبيه وما قبله استفهام توبيخ، أو حرف استثناء. (2) في نسخة (و) (وانما منعنا – الخ). (3) العنكبوت: 17. (4) ص: 7. (*)

[ 226 ]

على حدوث المحدثات وتعذر إثبات محدثها بتناهيها وتفرقها وجتماعها. وشئ آخر وهو أن العقول قد شهدت والامة قد اجتمعت على أن الله عزوجل صادق في إخباره، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن، وقد أخبر الله عزوجل عن فرعون وقوله: (أنا ربكم الاعلى) (1) وعن نوح: أنه نادى ابنه وهو في معزل: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (2). فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديما فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه، وهذا هو الكذب، وإن لم يوجد إلا بعد أن قال فرعون ذلك فهو حادث لانه كان بعد أن لم يكن. وأمر آخر وهو أن الله عزوجل قال: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (3) وقوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (4) وماله مثل أو جاز أن يعدم بعد وجوده فحادث لا محالة. 7 – وتصديق ذلك ما أخرجه شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه في جامعه، وحدثنا به، عن محمد بن الحسن الصفار (5) عن العباس بن معروف، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدى عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك، فأن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت به إليك، اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان ؟ واختلفوا في القرآن، فزعم قوم: أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال آخرون: كلم الله مخلوق، وعن الاستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل ؟ فإن إصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه، وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة أو بالتخطيط ؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، و عن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة ؟ وعن الايمان ما هو ؟ فكتب عليه السلام على يدي عبد الملك


(1) النازعات: 24. (2) هود: 42. (3) الاسراء: 86. (4) البقرة: 106. (5) (حدثنا) عطف على أخرجه، والضمير المستتر فيه يرجع إلى (شيخنا). (*)

[ 227 ]

ابن أعين: سألت عن المعرفة ماهي: فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عزوجل في القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب مخلوق (1)، وليس للعباد فيهما من صنع ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب فبشهوتهم الايمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم، وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم، فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كان الله عزوجل ولا شئ غير الله معروف ولا مجهول، كان عز وجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل (2) عزوجل ربنا، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه، عزوجل ربنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم (3) انزل من عند الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله (4). وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل (5) فإن الله عزوجل خلق العبد وجعل


(1) الكلام في المعرفة والجحود يأتي في الباب الثالث والستين. (2) قوله (ولا متحرك) أي فاعل الحركة، أو المعنى لا ظاهر بفعله، وقوله ((ولا فاعل) لا ينافي قول الرضا عليه السلام في الحديث الثاني من الباب الثاني: (وله معنى الخالق ولا مخلوق، إذ المراد هناك كمال الفاعلية باعتبار ذاته وهنا وجود المفعول باعتبار فعله. (3) في نسخة (ب) (وخبر من يكون بعدكم) وفي نسخة (و) و (د) (وخبر من كان بعدكم). (4) في نسخة (د) (ونزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد – الخ -) وفي نسخة (و) (أنزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد – الخ -)، وفي نسخة (ب) (نزل من عند واحد على محمد – الخ)) وفي حاشيتها (نزل من عند الله على محمد – الخ). (5) الكلام في الاستطاعة يأتي في الباب الخامس والخمسين. (*)

[ 228 ]

له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل، ولا متحرك إلا وهو يريد الفعل، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عزوجل مركبة في الانسان (1) فإذا تحركت الشهوة في الانسان اشتهى الشئ فأراده، فمن ثم قيل للانسان مريد، فإذا اراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة، فمن ثم قيل للعبد: مستطيع متحرك، فإذا كان الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل: ساكن فوصف بالسكون، فإذا اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحركت بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل: فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع، أو لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الانسان. وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله عزوجل، فأعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه وهو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان (2). وسألت رحمك الله عن الايمان، فالايمان هو إقرار باللسان (3) وعقد بالقلب وعمل بالاركان، فالايمان بعضه من بعض (4) وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان وهو


(1) مركبة خبر بعد خبر لهى. (2) في نسخة (ط) و (ن) (فيضلك بعد البيان). (3) في نسخة (د) و (ب) و (و) و (ج) (هو الاقرار باللسان). (4) أي فالاقرار والعمل ناشئان من عقد القلب، والاقوال في الايمان وحده مختلفة، وفي التجريد عرفه بالعقد والاقرار، وكذا اختلفوا في أن الاسلام والايمان مختلفان أم متفقان. (*)

[ 229 ]

يشارك الايمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الايمان وساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام (1) فإن تاب واستغفر عاد إلى الايمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال، وإذا قال للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم، ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار (2). قال مصنف هذا الكتاب: كان المراد من هذا الحديث ماكان فيه من ذكر القرآن، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب، ولا يعني به أنه غير محدث لانه قال: محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره. 31 – باب معنى (بسم الله الرحمن الرحيم) 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام، عن بسم الله، قال: معنى قول القائل بسم الله أي أسم على نفسي سمة من سمات الله عزوجل وهي العبادة (3) قال: فقلت


(1) لا الخروج من الايمان إلى الكفر فيحكم عليه باحكامه، بل الخروج في الحال أو عن كماله مع بقاء أصله كما نبه عليه بقوله: (ولم يخرجه إلى الكفر – الخ) وسمى هذا في الحديث بكفر الترك فان له أقساما خمسة في كتاب الله، والظاهر ان قوله: (التي نهى الله عزوجل عنها) قيد لصغائر المعاصي فقط فتأمل. (2) في نسخة (د) (وضربت عنقه – الخ)، وفي نسخة (ج) (فأحدث في الكعبة حدثا فإذا خرج عن الكعبة وعن الحرم ضربت عنقه وصار إلى النار). (3) أي سمه الله التي يسم بها العبد نفسه في كل أمر هي العبادة حقيقة لا مجرد القول والعمل. وتلك السمة علامة بينه وبين ربه يعرف بها الحق عن الباطل. (*)

[ 230 ]

له: ما السمة ؟ فقال: العلامة. 2 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله والميم مجد الله. وروي بعضهم: ملك الله، والله إله كل شئ، الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة. 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال: الباء بهاء الله، و السين سناء الله، والميم ملك الله، قال: قلت: الله ؟ قال: الالف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، واللام إلزام الله خلقه ولايتنا، قلت: فالهاء ؟ قال: هو ان لمن خالف محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم، قال: قلت: الرحمن ؟ قال: بجميع العالم، قلت: الرحيم ؟ قال: بالمؤمنين خاصة. 4 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن معنى الله، قال: استولى على مادق وجل (1). 5 – حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر رحمه الله قال: حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الامامية عن أبويهما (2) عن الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام في قول الله عزوجل: (بسم الله


(1) على هذا التفير مشتق من الاله بمعنى من له ملك التأثير والتصرف وغيره مألوه كما مربيانه في الحديث الثاني من الباب الثاني. (2) أن أبويهما لم يرويا عن الامام عليه السلام بل هما، وعليه فالظرف متعلق بكانا، أي كانا شيئيين عن تربية أبويهما لا أنهما تشيعا استبصارا فان الابوين أيضا كانا من الشيعة، وهذا دفع لخدشة أوردت على تفسير الامام عليه السلام، وللتفصيل راجع الذريعة. (*)

[ 231 ]

الرحمن الرحيم) ؟ فقال: الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، وتقطع الاسباب من جميع ما سواه، يقول: بسم الله أي أستعين على اموري كلها بالله الذي لاتحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذ دعي، وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم قال: فهل كسر بك حيث لاسفينة تنجيك ولاسباحة تغنيك ؟ قال: نعم قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ فقال نعم، قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حيث لامنجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث، ثم قال الصادق عليه السلام: ولربما ترك بعض شيعنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبهه على شكر الله تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله الرحمن الرحيم. قال: وقام رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: أخبرني عن معنى بسم الله الرحمن الرحيم، فقال علي بن الحسين عليهما السلام،: حدثني أبي، عن أخيه الحسن، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام أن رجلا قام إليه: فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناه ؟ فقال: إن قولك: (الله) أعظم اسم من أسماء الله عز وجل وهو الاسم الذي (1) لا ينبغي أن يسمى به غير الله ولم يتسم به مخلوق، فقال الرجل فما تفسير قوله: (الله) ؟ قال الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الاسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطيغانه و كثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه، أما تسمع الله عزوجل يقول: (قل أرأيتكم إن أتيكم عذاب الله


(1) في نسخة (ط) و (ن) (فهو الاسم الذي – الخ). (*)

[ 232 ]

أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) (1) فقال الله عزوجل لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته فإني إن ادرت إن اعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم، فأنا أحق من سئل، وأولى من تضرع إليه، فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم: بسم الله الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا يحق العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، المجيب إذا دعي، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه (2) ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من حزنه أمر تعاطاه فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) وهو مخلص لله (3) يقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته في الدنيا وإما يعد له عند ربه ويدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين. 32 – باب تفسير حروف المعجم 1 – حدثنا محمد بن بكران النقاش رحمه الله، بالكوفة، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: إن أول ما خلق الله عزوجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم (4) وإن الرجل إذا ضرب على رأسه بعصا فزعم أنه


(1) الانعام: 41. (2) في نسخة (ب) و (د) (بتمييزنا من أعاديه)). (3) في نسخة (ب) و (د) (وهو يخلص لله ويقبل – الخ). (4) الاعجام ازالة الابهام عن الحرف بنقطة مخصوصة، والمراد بالمعجم الكتاب باعتبار أنه مؤلف من الحروف المعجمة، وقد اختص المعجمة بالحروف المنقوطة، وهذا أمر حادث إذ في الامر وضع لكل حرف نقطة في الكتابة، فالسين مثلا كانت منقوطة بثلاث نقط = (*)

[ 233 ]

لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه أن يعرض عليه حروف المعجم، ثم يعطي الدية بقدر ما لم يفصح منها. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في (ا ب ت ث) أنه قال: الالف آلاء الله، والباء بهجة الله (والباقي وبديع السماوات والارض). والتاء تمام الامر بقائم آل محمد صلى الله عليه واله وسلم والثاء ثواب المؤمنين على أعمالهم الصالحة. (ج ح خ) فالجيم جمال الله وجلال الله، والحاء حلم الله، (حي حق حليم) عن المذنبين، والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عز وجل. (د ذ) فالدال دين الله (الذي ارتضاه لعباده)، والذال من ذي الجلال والاكرام. (ر ز) فالراء من الرؤوف الرحيم، والزاي زلازل يوم القيامة. (س ش) فالسين سناء الله (وسرمديته)، والشين شاء الله ما شاء، وأراد ما أراد (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله). (ص ض) فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط، وحبس الظالمين عند المرصاد، والضاد ضل من خالف محمد وآل محمد. (ط ظ) فالطاء طوبى للمؤمنين، وحسن مآب، والظاء ظن المؤمنين بالله خير وظن الكافرين به سواء (1). (ع غ) فالعين من العالم، والغين من الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة على الاطلاق. (ف ق) فالفاء (فالق الحب والنوى، و) وفوج من أفواج النار، والقاف قرآن على الله جمعه وقرآنه.


= في التحت والشين بها في الفوق، فرأوا أن عدم النقطة في بعض الحروف المتشابهة الكتابة يكفي في الامتياز فحذفوها، فخص المنقوطة باسم المعجمة وغيرها باسم المهملة، ويقال لهذه الحروف حروف التهجي والهجاء أيضا، كما في الحديث الثاني. (1) في نسخة (ب) و (د) و (ج) (وظن الكافرين به شرا). (*)

[ 234 ]

(ك ل) فالكاف من الكافي، واللام لغو الكافرين في افترائهم على الله الكذب. (م ن) فالميم ملك الله يوم الدين يوم لامالك غيره ويقول الله عزوجل (لمن الملك اليوم) ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون: (لله الواحد القهار) فيقول جل جلاله: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لاظلم اليوم إن الله سريع الحساب) (1). والنون نوال الله للمؤمنين، ونكاله للكافرين (وه‍) فالواو ويل لمن عصى الله من عذاب يوم عظيم، والهاء هان على الله من عصاه. (لا) فلام ألف لا إله إلا الله وهي كلمة الاخلاص. مامن عبد قالها مخلصا إلا وجبت له الجنة. (ى) يد الله فوق خلقه باسطه بالرزق، سبحانه وتعالى عما يشركون (2). ثم قال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب ثم قال: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (3). 2 – حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ الحاكم، قال: حدثنا أبو – عمرو محمد بن جعفر المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش بن يزيد ابن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن


(1) المؤمن: 17. (2) ليس في اكثر النسخ الباقي وبديع السماوات والارض في تفسير الباء، وحي حق حليم في تفسير الحاء، والذي ارتضاه لعباده في تفسير الدال، وسرمديته في تفسير السين، وفالق الحب والنوى في تفسير الفاء. (3) الاسراء: 88. (*)

[ 235 ]

أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: ما الفائدة في حروف الهجاء (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أجبه، وقال: اللهم وفقه وسدده، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عزوجل، ثم قال: أما الالف فالله لا إله إلا هو الحي القيوم (2)، وأما الباء فالباقي بعد فناء خلقه، وأما التاء فالتواب يقبل التوبة عن عباده، وأما الثاء فالثابت الكائن (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا – الآية) (3) وأما الجيم فجل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وأما الحاء فحق حي، حليم، وأما الخاء فخبير بما يعمل العباد، وأما الدال فديان يوم الدين، وأما الذال فذو الجلال و الاكرام، وأما الراء فرؤوف بعباده، وأما الزاي فزين المعبودين، وأما السين فالسميع البصير، وأما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين، وأما الصاد فصادق في وعده و وعيده، وأما الضاد فالضار، النافع، وأما الطاء فالطاهر المطهر، وأما الظاء فالظاهر المظهر لآياته، وأما العين فعالم بعباده، وأما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه، و أما الفاء ففالق الحب والنوى، وأما القاف فقادر على جميع خلقه، وأما الكاف فالكافي الذي لم يكن له كفوا أحد ولم يلد ولم يولد، وأما اللام فلطيف بعباده، وأما الميم فمالك الملك، وإما النون فنور السماوات من نور عرشه، وأما الواو فواحد أحد صمد لم يلد ولم يولد، وأما الهاء فهاد لخلقه، وأما اللام ألف فلا إله إلا الله وحده


(1) الهجاء تقطيع الكلمة بحروفها، وحروف الهجاء أي حروف تقطع الكلمة بها و تفصل إليها، ولعل اليهودي أراد بها الحروف المقطعة في مفتتح السور، أو أراد فائدة غير تركب الكلام منها. (2) المراد بها الهمزة إذ تسمى بالالف أيضا، وبينهما فرق من جهات ذكر في محله، وقد تعدا اثنتين فالحروف تسعة وعشرون، وقد تعدا واحدة فهي ثمانية وعشرون كما في الباب الخامس والستين. (3) ابراهيم عليه السلام: 27. (*)

[ 236 ]

لا شريك له. وأما الياء فيد الله باسطة على خلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا هو القول الذي رضي الله عزوجل لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي. 33 – باب تفسير حروف الجمل 1 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدثنا كثير بن عياش القطان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام، قال: لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته ببده وجاءت به إلى الكتاب (1) وأقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب: قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عيسى عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له المؤدب: قل: أبجد، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال: هل تدري ما أبجد ؟ فعلاه بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب لا تضربني، إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى افسر لك، قال: فسره لي، فقال عيسى عليه السلام: الالف آلاء الله، والباء بهجة الله، والجيم جمال الله، والدال دين الله. (هوز) الهاء هول جهنم، والواو ويل لاهل النار، والزاي زفير جنهم. (حطي) حطت الخطايا عن المستغفرين. (كلمن) كلام الله لا مبدل لكلماته. (سعفص) صاع بصاع والجزاء بالجزاء. (قرشت) قرشهم فحشرهم، فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وأحمد بن الحسن بن


(1) ليس المراد أنه نشأ في كل يوم كنشئ غيره في شهرين في كل شئ حتى يكون في سبعة أشهر على صورة رجل ذي خمس وثلاثين سنة، بل المعنى أنه كان ابن يوم كانه ابن شهرين في نموه ورشد بدنه إلى مدة حتى كان في الشهر السابع كالطفل المميز القابل لان يجاء به إلى الكتاب، والكتاب بضم الكاف وتشديد التاء مفرد المكتب جمعه الكتاتيب. (*)

[ 237 ]

علي بن فضال، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن زيد (1) قال: حدثني محمد بن سالم، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: سأل عثمان بن عفاف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن تفسير أبجد، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: تعلموا تفسيرأبجد فإن فيه الاعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره، فقيل: يارسول الله: ما تفسير أبجد ؟ فقال صلى الله عليه واله وسلم: أما الالف فآلاء الله حرف من حروف أسمائه (2). وأما الباء فبهجة الله، وأما الجيم فجنة الله وجلال الله وجماله، وأما الدال فدين الله، وأما (هوز) فالهاء هاء الهاوية فويل لمن هوى في النار، وأما الواو فويل لاهل النار، وأما الزاي فزاوية في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم، وأما (حطي) فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عزوجل ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت بالحلي والحلل متدلية على أفواهم، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون، وأما (كلمن) فالكاف كلام الله لا مبدل لكلمات الله ولن تجد من دونه ملتحدا، وأما اللام فالمام أهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام، وتلاوم أهل النار فيما بينهم، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، وأما النون فنون والقلم وما يسطرون، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا، وأما (سعفص) فالصاد صاع بصاع وفص بفص يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، إن الله لا يريد ظلما للعباد، وأما (قرشت) يعني قرشهم الله فحشرهم ونشرهم إلى يوم القيامة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون. (3)


(1) في نسخة (ط) و (ج) (عن الحسين بن يزيد). (2) في البحار في اواخر الجزء الثاني من الطبعة الحديثة وفي نسخة (و) و (ج) و (د) حرف من أسمائه. (3) عدم ذكر ثخذوضظغ لما ذكره ابن النديم في أول الفهرست فراجع، وللمجلسي رحمه الله حل اشكال عن الابجد في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء العاشر من الطبعة الحديثة. (*)

[ 238 ]

34 باب تفسير حروف الاذان والاقامة 1 – حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقرئ، قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: كنا جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر الله أكبر، فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه، فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول المؤذن ؟ ! قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فلقوله: (الله أكبر) معان كثيرة: منها أن قول المؤذن: (الله أكبر) يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه، فإذا قال المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول: الله الذي له الخلق والامر، و بمشيته كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الاول قبل كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لا يزال، والظاهر فوق كل شئ لا يدرك، والباطن دون كل شئ لا يحد، فهو الباقي وكل شئ دونه فان، والمعنى الثاني (الله أكبر) أي العليم الخبير علم ماكان وما يكون قبل أن يكون، والثالث (الله أكبر) أي القادر على كل شئ، يقدر على ما يشاء، القوي لقدرته، المقتدر على خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة على الاشياء كلها، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، والرابع (الله أكبر) على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه لا يرى ويستر كأنه لا يعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما، والوجه الآخر في معنى (الله أكبر) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، والوجه الآخر (الله أكبر) فيه نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لاعلى قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن


[ 239 ]

أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا، والوجه الآخر (الله أكبر) كأنه يقول: الله أعلى وأجل وهو الغني عن عباده لا حاجة به إلى أعمال خلقه، وأما قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) فإعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب، كأنه يقول: اعلم أنه لا معبود إلا الله عزوجل وأن كل معبود باطل سوى الله عزوجل واقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لاملجأ من الله إلا إليه ولا منجى من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله، وفي المرة الثانية (أشهد أن لا إله إلا الله) معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل لي إلا الله، واشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد سكان السماوات وسكان الارضين وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال والاشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله، له الخلق والامر وبيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين، وأما قوله: (أشهد أن محمد رسول الله) يقول: اشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، واشهد من في السماوات والارض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم سيد الاولين والآخرين، وفي المرة الثانية (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: أشهد أن لا حاجة لاحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه (1) وأنه الغني عن عباده والخلائق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا، وأما قوله: (حي على الصلاة) أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي


(1) قوله: مفتقرة بالنصب حال من حاجة باعتبار ذيها، أو بالرفع خبر لمبتدء محذوف اي كل نفس، وليس في النسخ المخطوطة عندي (مفتقرة إليه سبحانه وانه). (*)

[ 240 ]

أوقدتموها على ظهوركم، وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويبدل سيئاتكم حسنات، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين يديه، وفي المرة الثانية (حي على الصلاة) أي قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا في ذلك، وأما قوله: (حي على الفلاح) فإنه يقول: أقبلوا إلى بقاء لافناء معه ونجاة لاهلاك معها، وتعالوا إلى حياة لاموت معها، وإلى نعيم لانفاذ له، وإلى ملك لا زوال عنه، وإلى سرور لاحزن معه، وإلى انس لا وحشة معه، وإلى نور لاظلمة معه (1) وإلى سعة لاضيق معها، وإلى بهجه لا انقطاع لها، وإلى غنى لافاقة معه، و إلى صحه لاسقم معها، وإلى عز لاذل معه، وإلى قوة لاضعف معها، وإلى كرامة يالها من كرامة، وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والاولى، وفي المرة الثانيه (حي على الفلاح) فإنه يقول: سابقوا إلى ما دعوتكم إليه، وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الابد في جوار محمد صلى الله عليه واله وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قول: (الله أكبر) فإنه يقول: الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه و أطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به وأطمان إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتقاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به، وفي المرة الثانية (الله أكبر) فإنه يقول: الله أكبر وأعلى وأجل من ان يعلم أحد مبلغ كرامته لاوليائه وعقوبته لاعدائه، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه و أجاب رسوله، ومبلغ عذابه ونكاله وهو أنه لمن أنكره وجحده، وأما قوله: (لا إله إلا الله) معناه: لله الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو أجل من أن يكون لاحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامة ومن


(1) في نسخة (ط) و (ن) (والى نور لاظلمة له). (*)

[ 241 ]

أنكره فإن الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين، ومعنى (قد قامت الصلاة) في الاقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى، والوصول إلى الله عزوجل، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه. قال مصنف هذا الكتاب: إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر (حي على خير العمل) للتقية. 2 – وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى (حي على خير العمل) فقال: خير العمل الولاية. وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليهم السلام (1). 35 – باب تفسير الهدى والضلالة والتوفيق والخذلان من الله تعالى 1 – حدثنا علي بن عبد الله الوراق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهم الله، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عزوجل: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (2) فقال: إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الايمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال عزوجل: (ويضل الله الضالمين ويفعل الله ما يشاء) (3) وقال عزوجل (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار


(1) أقول: ويحتمل أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يفسرها لانه عليه السلام فسرما قال المؤذن و المؤذن من العامة لم يكن يقولها، واما الشهادة بالولاية فشاعت بين الشيعة باذن وترغيب من الصادق عليه السلام على ما في حديث مذكور في محله. (2) الكهف: 17. (3) ابراهيم عليه السلام: 27. (*)

[ 242 ]

في جنات النعيم) (1) قال: فقلت: قوله عزوجل: (وما توفيقي إلا بالله) (2) وقوله عزوجل: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده) (3) فقال: إذا فعل العبد ما أمره الله عزوجل به من الطاعة كان فعله وفقا لامر الله عزوجل وسمي العبد به موفقا، وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، ومتى خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه (4). 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي عبد الله الفراء، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن جبرئيل من قبل الله عزوجل إلا بالتوفيق. 3 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال سألته عن معنى (لاحول ولا قوة إلا بالله) فقال: معناه لاحول لنا عن معصية الله إلا بعون الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عزوجل. 4 – حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه بنيسابور سنة


(1) يونس: 9 (2) هود: 88. (3) آل عمران: 160. (4) التوفيق هو تهيئة الاسباب نحو الفعل، والاسباب بعضها بيد العبد وبعضها ليس كذلك. وما بيد العبد ينتهى أيضا إليه تعالى منعا واعطاء، فلذلك: (ما توفيقي الا بالله) والتوفيق للطاعة هو اجتماع أسباب الفعل كلها، والتوفيق لترك المعصية هو فقدان بعض الاسباب، فان كان بيد العبد فهو الانقياد فيهما والا فهو اللطف من الله تعالى، وعدم التوفيق والخذلان في الطاعة وترك المعصية على عكس ذلك. (*)

[ 243 ]

اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، (بنيسابور) (1) عن قول الله عزوجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) (2) قال: من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقه به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (3). 36 – باب الرد على الثنوية والزنادقة 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا أبو القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم القمي، قال: حدثنا العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام فكان من قول أبي عبد الله عليه السلام له: لا يخلو قولك: إنهما اثنان، من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبة ويتفرد بالتدبير، وإن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت: إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة


(1) ليس في البحار ولافي النسخ الخطية عندي لفظة بنيسابور. (2) الانعام: 125. (3) الهداية على ست مراحل: هداية التكوين، هداية العقل، هدايه الدعوة، هداية التشريع، هداية اللطف، هداية الجزاء، ولكل من هذه آيات في الكتاب، وتحقق كل منها مشروط بما قبلها، وللتفصيل محل آخر. (*)

[ 244 ]

فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار، والشمس والقمر دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على أن المدبر واحد (1) ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلابد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما، قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثره (2). قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه ؟ قال أبو – عبد الله عليه السلام: وجود الافاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال: فما هو ؟ قال: هو شئ بخلاف الاشياء، ارجع بقولي: شئ إلى إثبات


(1) في نسخة (ب) و (د) (دل على صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر وان المدبر واحد). (2) إلى هنا اشار عليه السلام إلى ادلة لتوحيد الصانع: الاول ان الشقوق في الصانعين من حيث القوة التامة ثلاثة: اثنان منها ظاهرا البطلان لم يتعرض الا لاحدهما لشدة وضوح بطلان الاخر، والشق الثالث أن يكون لكل منهما قوة تامة فيلزم أن يقوى كل منهما على دفع الاخر والا لم تكن قوته تامة فحينئذ يكون لكل منهما دافعا ومدفوعا وهو محال. الثاني أن الشقوق من حيث الافتراق والاتفاق أيضا ثلاثة: الاول الاتفاق من كل جهة وهذا يرفع الاثنينية لانها لا تتصور من دون الامتياز والامتياز. لا يتصور الا بالافتراق من جهة أو جهات. الثاني الافتراق من كل جهة فلو كان الامر كذلك لزم الفساد في التدبير وانتفاء النظام في الخلق ولكن الخلق منتظم والتدبير صحيح، والى بطلان هذا التالي أشار عليه السلام بقوله: فلما رأينا الخلق منتظما الخ، الثالث الافتراق من بعض الجهات، ولم يذكره عليه السلام لان حكمه حكم الشق الثاني. الثالث كون الصانع اثنين يستلزم أن يكون لاحدهما لا أقل من شئ يحصل لهما الامتياز به إذ عدم الامتياز يرفع الاثنينية، والامتياز بتمام الذات معقول الا أنه لا يتصور الا بالاشتراك في اصل الوجود فيعود في المفروض، وحكم الثلاثة في الامتياز حكم الاثنين فيكون الثلاثة خمسة، وهكذا إلى مالا نهاية له، فكان صانع العالم أشياء غير متناهية. (*)

[ 245 ]

معنى، وأنه شئ بحقيقة الشيئية (1) غير أنه لاجسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا يغيره الزمان. قال السائل: فتقول: إنه سميع بصير ؟ ! قال: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة وبصير بغير آله، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، ليس قولي، إنه يسمع بنفسه وبيصر بنفسه أنه شء والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول: يسمع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهاما لك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى (2). قال السائل: فما هو ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي: (الله) إثبات هذه الحروف ألف، لام، هاء، ولكني أرجع إلى معنى (3) هو شئ خالق الاشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف، وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه (4) وهو المعبود عزوجل. قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا، قال أبو عبد الله عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لانا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم


(1) مضت هذه الفقرة مع ذيل في الحديث الثاني من الباب السابع. (2) مضت هذه الفقرة في الحديث العاشر من الباب الحادي عشر. (3) في الكافي وفي نسخة (ج) (ولكن ارجع إلى معنى – الخ). (4) قوله: (وهو المعنى الذي – الخ) من باب القلب، والاصل وهو المعنى الذي يسمى بالله – الخ)، وفي نسخة (ج) (وهو المعنى الذي سمى به الله – الخ) وفي نسخة (ب) (وهو المعنى الذي يسمى الله والرحمن – الخ) أي يجعل هذه الاسماء اسماء له، وفي نسخة (و) (وهو المعنى الذي يسمى به، هو الله والرحمن والرحيم – الخ) وفي الكافي باب اطلاق القول بأنه شئ: (وهو المعنى سمى به الله والرحمن والرحيم – الخ) وهذا أيضا من باب القلب. (*)

[ 246 ]

ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده الحواس وتمثله فهو مخلوق (1) ولابد من إثبات صانع الاشياء خارج من الجهتين المذمومتين (2) إحديهما النفي إذ كان النفي هو الابطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، والاضطرار منهم إليه أثبت أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف، وأحوال موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها. قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده، قال أبو عبد الله عليه السلام: لم أحده ولكن أثبته إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة. قال السائل: فله إنية ومائية ؟ قال: نعم، لا يثبت الشئ إلا بإنية و مائية (3).


(1) أي لو لم نتوهمه تعالى بعنوان من العناوين الصادقة على ذاته لما كلفنا بتوحيده ومعرفته لان الذات غير معقوله لنا لان ما يعقل بذاته محدود ومخلوق فبقى تعلقنا له بالعناوين كالشئ والموجود والصانع والرب والرحمن والرحيم وأشباه ذلك كما صرح به الامام عليه السلام في الحديث السادس من الباب السابع فنتوجه إليه بها وهي غيره، وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة (ج) و (و) ولكنا نقول: (كل موهوم بالحواس مدرك، فما تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق) وفي البحار باب اثبات الصانع: (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا، فهو مخلوق) وفي نسخة (ن) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس وتمثله، فهو مخلوق) وفي نسخة (ط) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده بالحواس وتمثله فهو مخلوق). (2) في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة (ن) (ولابد من اثبات صانع للاشياء خارج – الخ) وفي البحار باب اثبات الصانع: (ولابد من اثبات صانع الاشياء خارجا – الخ). (3) الماهية بالمعنى الاعم، وهي فيه تعالى عين انيته على ما ذكر في محله. (*)

[ 247 ]

قال السائل: فله كيفية ؟ قال: لا لان الكيفية جهة الصفة والاحاطة (1) ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لان من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره (2). قال السائل: فيعاني الاشياء بنفسه ؟ (3) قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل من أن يعاني الاشياء بمباشرة ومعالجعة لان ذلك صفة المخلوق الذي لا يجئ الاشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الارادة المشية فعال لما يشاء. قال السائل: فله رضى وسخط ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نعم، وليس ذلك على


(1) أي جهة توجب امكان توصيف المكيف والاحاطة به ادراكا. (2) الضمائر المؤنثة راجعة إلى الذات، وفي الكافي باب أنه شئ (ولكن لابد من اثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره – الخ) فالضمائر راجعة إلى كيفية، وقد أثبت له تعالى كيفية في روايات ونفيت عنه في اخرى، فالمثبتة هي الوجوب الذاتي الذي هو عين وجوده وذاته وصفاته، والمنفية ما به امكان ادراكه وتوصيفه كما في غيره. (3) هو من المعاناة، والثلاثي منه العنى بمعنى التعب والنصب واللغوب وتحمل المشقة وهي مباشرة العمل بالآلات بحيث يتحمل الفاعل المشقة والتعب من جهة الفعل فكرا أو فعلا وهذا منفى عنه تعالى، بل ارادته نافذة (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) من دون مس لغوب ونصب ومن دون مباشرة ومعالجة بالآلات وحاجة إلى شئ من الاسباب هكذا في الكافي والبحار باب الاحتجاج، وكثير من النسخ، وفي بعض النسخ الخطية (يعاين) في الموضعين، وهو من المعاينة وهي شهود شئ لشئ، وهذا من خطأ الناسخ لانه غير منفي عنه تعالى لانه شاهد كل شي بنفسه لا ببصر غيرها بدلائل العقل والنقل كما مر في كلامه عليه السلام هنا، مع تنافر الجواب والتعليل له جدا، وعجبا من فاضل شرح هذا الحديث في آخر الجزء الاول من الكافي المطبوع حديثا فأخذ هذه اللفطة من المعاينة وأتى بما لا ارتباط له بكلام الامام عليه السلام مع أن ما في الكافي يعاني الاشياء. (*)

[ 248 ]

ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنما خلق الاشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا (1). قال السائل: فقوله: (الرحمن على العرش استوى) (2) قال أبو عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ولا أن يكون العرش حاويا له ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: (وسع كرسيه السموات والارض) (3) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له أو يكون عزوجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه. قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الارض ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لانه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والاخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل، وهذا يجمع عليه فرق الامة كلها (4).


(1) مضت هذه الفقرة في الحديث الثالث من الباب السادس والعشرون مع زيادة. (2) طه: 5 (3) البقرة: 255. (4) في نسخة (ج) و (ط)) وهذا مجمع عليه – الخ) وبعد هذه الفقرة زيادة مذكورة. في نسخة (ن) وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام عن بعض النسخ بعد تمام الحديث، و هي (قال السائل: فتقول: انه ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نقول: ذلك لان الروايات قد صحت به والاخبار، قال السائل: فإذا نزل أليس قد حال عن العرش ؟ وحؤوله عن العرش صفة حدثت، قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس ذلك منه على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقل ينقله ويحوله من حال إلى حال، = (*)

[ 249 ]

قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم ولا يباشروه ولا يحاجهم ولا يحاجوه (1) فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده (2) يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الانبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين و


= بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزلوه كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان إلى مكان خلا منه المكان الاول، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا، انما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ما شاء من قدرته، و منظره في القرب والبعد سواء)). أقول: حديث نزوله تعالى مروي مأول ككثير من آيات الكتاب، وقد مر في الحديث السابع من الباب الثامن والعشرين أن النازل ملك. (1) قوله: (لم يجز أن يشاهده – الخ) جواب (لما) الا أنه جواب باعتبار الجملة الاولى، وقوله: (وكان ذلك الصانع حكيما) جملة حالية، فما يثبت به وجوب ارسال الرسل كونه تعالى متعاليا عن الخلق لا يجوز لهم مشاهدته ومكالمته ومباشرته، وكونه حكيما لا يجوز أن يتركهم سدى، فثبت أن له سفراء – الخ) وفي الكافي باب الاضطرار إلى الحجة (انا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده) وكذا في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام في خبر آخر عن كتاب الاحتجاج. (2) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ب) (ان له سفراء في خلقه وعبادا يدلونهم – الخ). (*)

[ 250 ]

الشواهد من إحياء الموتى وإبراء الاكمه والابرص، فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. (1) 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما الدليل على أن الله واحد ؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع كما قال عزوجل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (2). 3 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام، قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة، فقال


(1) المراد بالحجة وصي الرسول القائم مقامه بعده ليكون بعلمه دالا على صدق مقال الرسول وأنه عادل بالدعوة الحقة لا ظالم بالدعوة الباطلة، وهذا الحجة بعلمه معجزة باقية من الرسول كالكتاب، فلذلك قال صلى الله عليه وآله: (اني تارك فيكم – الخ)، ويمكن أن يقرأ بفتحتين أي يكون معه علامة هي خصوصيات الامام عليه السلام من العلم وسائر أوصافه وأفعاله و المواريث، وللمصنف رحمه الله بعد تمام الخبر كلام مذكور في نسخة (ن) وفي البحار باب الاحتجاج نقلا عن بعض النسخ، وهو: (قال مصنف هذا الكتاب: قوله عليه السلام: انه على العرش ليس بمعنى التمكن فيه لكنه بمعنى التعالى عليه بالقدرة، يقال: فلان على خير واستقامة وعلى عمل كذا وكذا، وليس ذلك بمعنى التمكن فيه والاستواء عليه، ولكن ذلك بمعنى التمكن منه والقدرة عليه، وقوله عليه السلام في النزول ليس بمعنى الانتقال وقطع المسافات، ولكنه على معنى انزال الامر منه إلى السماء الدنيا لان العرش هو المكان الذي ينتهي بأعمال العباد من سدرة المنتهى إليه، وقد جعل الله عزوجل السماء الدنيا في الثلث الاخير من الليل وفي ليالي الجمعة مسافة الاعمال في ارتفاعها أقرب منها في سائر الاوقات إلى العرش، وقوله عليه السلام: يرى أولياءه نفسه، فانه يعني باظهار بدائع فطرته، فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة وقدرة و خيلا ورجلا: قد أظهر نفسه، وذلك على مستعار الكلام ومجاز اللفظ). (2) الانبياء: 22، وبيانه عليه السلام في الحديث اشارة إلى بطلان التالي في الاية. (*)

[ 251 ]

له أبو الحسن عليه السلام: أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم – وليس هو كما تقولون – ألسنا وإياكم شرعا سواء (1) ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا ؟ فسكت، فقال أبو الحسن عليه السلام: وإن يكن القول قولنا – وهو كما نقول – ألستم قد هلكتم ونجونا ؟. فقال، رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو (2) قال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أين الاين وكان ولا أين، وهو كيف الكيف وكان ولا كيف، ولا يعرف بكيفوفية ولا بأينونيه ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشئ،. قال الرجل فإذا إنه لا شئ إذ لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عزجت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الاشياء (3). قال الرجل: فأخبرني متى كان ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فاخبرك متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه ؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.


(1) في الكافي باب حدوث العالم وفي البحار باب اثبات الصانع وفي نسخة (و) كما هنا بنصب شرعا، وفي سائر النسخ: (ألسنا واياكم شرع سواء) بالرفع وفي كليهما شئ بحسب القواعد الا أن كثيرا منها على الاغلب، ويمكن التوجيه هنا بان تكون الواو للمعية لا للعطف، وشرع بفتحتين يؤتي للواحد وغيره وللمذكر وغيره بمعنى سواء فذكره بعده تأكيد. (2) قوله: (أوجدني) من الايجاد بمعنى الافادة، كما في خبر أبي الاسود الدئلي أن الحرف ما أوجد معنى في غيره أي أفاد. (3) في نسخة (ب) (أيقنا أنه ربنا خلاق الاشياء). (*)

[ 252 ]

قال الرجل: فلم احتجب ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الاحتجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم (1)، فأما هو فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار. قال: فلم لا تدركه حاسة البصر ؟ قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل. قال: فحده لي، قال: لا حد له. قال: ولم ؟ قال: لان كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود، ولا متزايد ولا متناقص، ولا متجزء، ولا متوهم. قال الرجل: فأخبرني عن قولكم: إنه لطيف سميع بصير عليم حكيم أيكون السميع إلا بالاذن، والبصير إلا بالعين واللطيف إلا بعمل اليدين والحكيم إلا بالصنعة ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت الرجل منا يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال: ما ألطف فلانا، فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان أرواحا وخلق كل جنس متبائنا عن جنسه في الصورة لا يشبه بعضه بعضا، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته، ثم نظرنا إلى الاشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا عند ذلك: إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم، وقلنا: إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر مناه في برها وبحرها ولا تشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك: إنه سميع لا باذن وقلنا: إنه بصير لا ببصر لانه يرى أثر الذرة السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك إنه بصير لا كبصر خلقه، قال:، فما برح حتى أسلم وفيه كلام غير هذا.


في البحار باب اثبات الصانع وفي نسخة (ب) و (د) (ان الحجاب على الخلق – الخ) وفي نسخة (و) و (ج) (ان الحجاب عن الخلق – الخ). (*)

[ 253 ]

4 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو سليمان داود بن عبد الله، قال: حدثني عمرو بن محمد، قال: حدثني عيسى بن يونس، قال: كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة (1)، فقال: إن صاحبي كان مخلطا، كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقدم مكة تمردا وإنكارا على من يحج، وكان يكره العلماء مساءلته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد ضميره، فأتى أبا عبد الله عليه السلام ليسأله، فجلس إليه في جماعة من نظرائه. فقال: يا أبا عبد الله إن المجالس بالامانات ولا بد لمن كان به سعال أن يسعل (2) أفتأذن لي في الكلام ؟ فقال عليه السلام: تكلم بما شئت، فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ؟ ! إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نصر (3) فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك اسه ونظامه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة، ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله له خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الارض بألفي عام، وأحق من اطيع فيما أمر


(1) في نسخة (ب) و (د) (لم تركت مذهب صاحبك – الخ). (2) السعال حركة للهواء تحدث في قصبة الرية تدفع الاخلاط المؤذية عنها، و الخبيث تجوز به عن الضيق الحادث في الصدر من الشبه الاعتقادية، وفي نسخة (ط) (ولا بد لمن كان به سؤال أن يسأل). (3) في نسخة (ب) و (د) (استنه غير حكيم – الخ). (*)

[ 254 ]

وانتهي عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للارواح والصور. فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم. فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان ؟ أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الارض، وإذا كان في الارض كيف يكون في السماء ؟ ! فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان واشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان، والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه، فقام عنه ابن أبي العوجاء وقال لاصحابه: من ألقاني في بحر هذا ؟ !. وفي رواية محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله: من ألقاني في بحر هذا، سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة (1) قالوا: ما كنت في مجلسه إلا حقيرا، قال: إنه ابن من حلق رؤوس من ترون (2) 5 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن


(1) الخمرة بالفتح بمعنى الخمر، وبالضم ألمها وصداعها ويأتي بمعان اخرى، و مراد اللعين أني سألتكم أن تأتوني إلى من أجادله وألعب به وأستهزئ به وأضحك عليه لا إلى من يحرقني ببلاغة بيانه وبرهانه. (2) أي امرهم بحلق الرؤوس في الحج فأطاعوه خضوعا لله فانه كان من عادة السلطان إذا أراد تخضيع أحد أن يأمر بحلق رأسه، واليوم معمول في بعض البلاد، وهذا الحديث مذكور في الاحتجاج وأمالي الصدوق وعلل الشرائع، وليس فيها قوله: (والذي بعثه بالايات إلى آخر الحديث) وكأنه جواب عن سؤال لم يذكر. (*)

[ 255 ]

عبد الله بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر (1) قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن عبد العزيز الاحدب الجند بنيسابور، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد (2) عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له عليه السلام: ثكلتك امك وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟ ! قال: لاني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه. فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه بعضا، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عزوجل، قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (3) وقال أيضا: (نسوا الله فنسيهم) (4) وقال: (وما كان ربك نسيا) (5) فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأني ذلك يا أمير المؤمنين. قال: هات ما شككت فيه أيضا، قال: وأجد الله يقول: (يوم يقوم الروح والملئكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) (6) وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين. (7) وقال: (يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) (8) وقال: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) (9) وقال: (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) (10) وقال: (نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم


(1) في نسخة (ط) و (ج) (أحمد بن يعقوب عن مطر). (2) في نسخة (و) و (ج) (عن عبد الله بن عبيد). (3) الاعراف: 51. (4) التوبة: 67. (5) مريم: 64. (6) النبأ: 38. (7) الانعام: 23، قوله: واستنطقوا اي بقوله تعالى في الاية: ((ثم نقول للذين اشركوا – الخ). (8) العنكبوت: 25. (9) ص: 65. (10) ق: 28. (*)

[ 256 ]

بما كانوا يكسبون) (1) فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم (والله ربنا ما كنا مشركين) ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عزوجل يقول: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (2) ويقول: لا تدركة الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) (3) ويقول: (ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى) (4) ويقول: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) (5) ومن أدركه الابصار فقد أحاط به العلم، فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) (6) وقال: (وكلم الله موسى تكليما) (7) وقال: (وناديهما ربهما) (8) وقال: (يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك) (9) وقال: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (10) فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول: (هل تعلم له سميا) (11) وقد يسمي الانسان سميعا بصيرا وملكا وربا، فمرة يخبر بأن له أسامي كثيرة مشتركة، ومرة يقول: (هل تعلم له سميا) فأني ذلك يا أمير المؤمنين


(1) يس: 65. (2) القيامة: 23. (3) الانعام: 103. (4) النجم: 14. (5) طه: 110. (6) الشورى: 51. (7) النساء: 164. (8) الاعراف: 22. (9) الاحزاب: 59. (10) المائدة: 67. (11) مريم: 65. (*)

[ 257 ]

وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وجدت الله تبارك وتعالى يقول: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء) (1). ويقول: (ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم) (2). ويقول: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (3). كيف ينظر إليهم من يحجب عنهم (4) وأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله عزوجل يقول: (ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور) (5) وقال: (الرحمن على العرش استوى) (6) وقال: (وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم) (7) وقال: (والظاهر والباطن)) (8) وقال: (وهو معكم أين ما كنتم) (9) وقال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (10) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال هات أيضا ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل ثناؤه يقول: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (11) وقال: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقنا كم أول مرة) (12) وقال: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (13) وقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك بعض آيات ربك يوم


(1) يونس: 61. (2) آل عمران: 77. (3) المطففين: 15. (4) نظره تعالى إليهم يستفاد التزاما من قوله: (وما يعزب عن ربك). (5) الملك: 16. (6) طه: 5. (7) الانعام: 3. (8) الحديد: 3. (9) الحديد: 4. (10) ق: 16. (11) الفجر: 22. (12) الانعام: 94. (13) البقرة: 210. (*)

[ 258 ]

يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (1) فمرة يقول: يوم (يأتي ربك) ومرة يقول (يوم يأتي بعض آيات ربك) فأنى ذلك أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله جل جلاله يقول: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) (2) وذكر المؤمنين فقال: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم و أنهم إليه راجعون) (3) وقال: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) (4) وقال: (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) (5) وقال: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) (6) فمرة يخبر أنهم يلقونه، ومرة أنه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار، ومرة يقول: (ولا يحيطون بع علما) فأنى ذلك أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تبارك وتعالى يقول: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) (7). وقال: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) (8) وقال: (وتظنون بالله الظنونا) (9) فمرة يخبر أنهم يظنون ومرة يخبر أنهم يعلمون، والظن شك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ما شككت فيه قال: وأجد الله تعالى يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا) (10) وقال: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) (11) وقال: (فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (12) وقال: (والوزن يومئذ الحق


(1) الانعام: 158. (2) السجدة: 10. (3) البقرة: 46. (4) الاحزاب: 44. (5) العنكبوت: 5. (6) الكهف: 110. (7) الكهف: 53. (8) النور: 25. (9) الاحزاب: 10. (10) الانبياء: 47. (11) الكهف: 105. (12) المؤمن: 40. (*)

[ 259 ]

فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) (1) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع. قال: هات ويحك ما شككت فيه، قال: وأجد الله تعالى يقول: (قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) (2) وقال: (الله يتوفى الانفس حين موتها) (3) وقال: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (4) وقال: (الذين تتوفيهم الملائكة طيبين) (5) وقال: (الذين تتوفيهم الملئكة ظالمي أنفسهم) (6) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع، وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك، فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا والكتاب حقا والرسل حقا فقد هلكت وخسرت، وإن تكن الرسل باطلا فما علي بأس وقد نجوت. فقال علي عليه السلام: قدوس ربنا قدوس تبارك وتعالى علوا كبيرا، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وأن الكتاب حق والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله، إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن ساعلمك ما شككت فيه، ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله بك خيرا أعلمك بعلمه و ثبتك، وإن يكن شرا ضللت وهلكت. أما قوله: (نسوا الله فنسيهم) إنما يعنى نسوا الله في دار الدنيا، لم يعلموا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا منسسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عزوجل: (فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين


(1) الاعراف: 9. (2) السجدة: 11. (3) الزمر: 42. (4) الانعام: 61. (5) النحل: 32. (6) النحل: 28. (*)

[ 260 ]

آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب، وأما قوله: (وما كان ربك نسيا) فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به، فهل فهمت ما ذكر الله عزوجل، قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك. فقال عليه السلام: وأما قوله: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) وقوله: (والله ربنا ماكنا مشركين) وقوله: (يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) وقوله: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) وقوله: (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) وقوله: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون، ويكلم بعضهم بعضا ويستغفر بعضهم لبعض اولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء والاتباع (1) ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا، المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا (2) والكفر في هذه الآية البراءة، يقول: يبرء بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) (3) وقول إبراهيم خليل الرحمن: (كفرنا بكم) (4) يعنى تبرأنا منكم، ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك


(1) الرؤساء من أهل الحق. والاتباع مصدر عطف على الطاعة. (2) قوله: (ويلعن أهل المعاصي) عطف على يجمع، وفاعله ضمير راجع إلى الله عزوجل، وأهل المعاصي مفعوله، والموصول صفة لاهل المعاصي، المستكبرين والمستضعفين صفتان بعد صفة، ويكفر ويلعن حالان للمفعول. (3) ابراهيم عليه السلام: 23. (4) الممتحنة: 4. (*)

[ 261 ]

الاصوات بدت لاهل الدنيا لاذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله، فلا يزالون يبكون الدم، ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: (والله ربنا ما كنا مشركين) فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم و يستنطق الايدي والارجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن إلسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: (لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ) (1) ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عزوجل: (يوم يفر المرء من أخيه * وامه وأبيه * وصاحبته وبنيه) (2) فيستنطقون فلا يتكلمون إلا ن أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله (فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (3) ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه واله وسلم وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه واله وسلم، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدء بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والارض، فذلك قوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (4) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب، ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض (5) وهذا كله قبل الحساب، فإذا اخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه،


(1) فصلت: 21. (2) عبس: 36. (3) النساء: 41. (4) الاسراء: 79. (5) من الادالة بمعنى نزع الدولة من أحد وتحويله إلى آخر، يقال: أدال الله زيدا من عمرو أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد، أو معنى رد الكره للمغلوب على الغالب، يقال: أدال الله بني فلان من عدوهم أي رد الكرة لهم على عدوهم، وفي نسخة (ط) (ويدال بعضهم لبعض). (*)

[ 262 ]

نسأل الله بركة ذلك اليوم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك. فقال عليه السلام: وأما قوله عزوجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وقوله: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقوله: (ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى) وقوله (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) فأما قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا (1) فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنه، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) (2) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنه والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: (إلى ربها ناظرة) وإنما بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأما قوله: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) فهو كما قال: (لا تدركه الابصار) يعني لا تحيط به الاوهام (وهو يدرك الابصار) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل (رب أرني أنظر إليك) (3) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة (4) ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا


(1) في نسخة (ب) و (د) (ويشربون من آخر فتبيض وجوههم – الخ). (2) الزمر: 73. (3) الاعراف: 143. (4) برؤية ثوابه أو رؤيه عظمته وسلطانه أو رؤية القلب لان الاجماع والآيات والاخبار وأدله العقل على أنه تعالى لا يرى رؤية العين لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في النوم ولا في اليقظة ولا في غير ذلك. (*)

[ 263 ]

فانظر (إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا، يعني ميتا فكان عقوبته الموت (1) ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: (سبحانك تبت إليك وأنا أول المومنين) يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك، وأما قوله: (ولقد رآه نزلة اخرى عند سدره المنتهى) يعني محمدا صلى الله عليه واله وسلم كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله (2) وقوله في آخر الآية: (ما زاغ البصر وما طغى لقد راى من آيات ربه الكبرى) رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومره اخرى (3) وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين (4). وأما قوله: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) لا يحيط الخلائق بالله عزوجل علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحدود، فلا يصفه إلا كما وصف نفسه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، الاول والآخر والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، خلق الاشياء


(1) هذا بظاهره يعارض دلائلنا على أن الانبياء لا يعاقبون لانهم عليهم السلام معصومون فنرفع اليد عنه، الا أن يراد بالعقوبة معناها اللغوى أي ما يقع عقيب شئ، فقد وقع صعقة موسى بعد تجلى الرب، كما كان يغشى على نبينا صلى الله عليه وآله حين تجلى الرب تعالى له على ما أشير إليه في الحديث الخامش عشر من الباب الثامن، وليس في نسخة (و) و (ج) و (د) (يعني ميتا فكان عقوبته الموت). (2) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (يعني محمدا صلى الله عليه وآله حيث لا يتجاوزها – الخ) وفي حاشية نسخة (ب) و (د) (يعني محمدا صلى الله عليه وآله حين يرى ربه كان عنده سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها – الخ). (3) في نسخة (ط) (رأى حين يرى ربه عند سدرة المنتهى جبرئيل عليه السلام في صورته – الخ). (4) في نسخة (ب) و (د) (وذلك أن خلق جبرئيل عظيم من الروحانيين – الخ). (*)

[ 264 ]

فليس من الاشياء شئ مثله تبارك وتعالى، فقال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فأعظ الله أجرك يا أمير المؤمنين. فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذانه ما يشاء) وقوله: (وكلم الله موسى تلكيما) و قوله: ((وناديهما ربهما) وقوله: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) فأما قوله (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) فإنه ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا وليس بكائن إلا من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسل السماء رسل الارض، وقد كان الكلام بين رسل أهل الارض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا جبرئيل هل رأيت ربك (1) فقال جبرئيل: إن ربي لا يرى، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: فمن أين تأخذ الوحي ؟ فقال: آخذه من إسرافيل فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال: يقذف في قلبه قذفا، فهذا وحي، وهو كلام الله عزوجل، وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ، فهو كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإن منه ما يبلغ به رسل السماء رسل الارض، قال: فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين. فقال عليه السلام: وأما قوله: (هل تعلم له سميا) فإن تأويله هل تعلم أحدا اسمه الله غير الله تبارك وتعالى، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام –


(1) ليس سؤالا عن جهل، بل هو مقدمة لسؤاله عن كيفية أخذ الوحي نظير قول الحواريين لعيسى: (هل يستطيع ربك – الخ) بل السؤال الثاني أيضا ليس عن جهل. (*)

[ 265 ]

البشر، كما ليس شئ من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شئ من كلامه كلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته (1) وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين. فقال عليه السلام: وأما قوله: (وما يعزب عن ربك من مثقال ذره في الارض ولا في السماء، كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ، وكيف يكون من خلق الاشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلاق العليم. وأما قوله: (لا ينظر إليهم يوم القيمة) يخبر أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ههنا من الله تعالى إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة منه لهم، وأما قوله: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فإنما يعني بذلك يوم القيامة أنهم عن ثواب ربهم محجوبون قال: فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك. فقال عليه السلام: وأما قوله: (ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور) وقوله: (وهو الله في السموات وفي الارض) وقوله: (الرحمن على العرش استوى) وقوله: (وهو معكم أينما كنتم) وقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا قدوسا، تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين وهو اللطيف الخبير، وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه وهو على العرش استوى علمه، شاهد لكل نجوى، وهو الوكيل على كل شئ، والميسر لكل شئ، والمدبر للاشياء كلها، تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا. فقال عليه السلام: وأما قوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) وقوله: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)، قوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم


(1) لم يرد به أنه من صفات ذاته لان أخبارنا تنفي ذلك كالحديث الاول من الباب الحادي عشر، بل المراد أن كلامه ليس ككلامنا بالحركة والتردد في النفس والتقطيع بالمخارج. (*)

[ 266 ]

الله في ظلل من الغمام والملئكة) وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) فإن ذلك حق كما قال الله عزوجل، و ليس له جيئة كجيئة الخلق، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله، من ذلك قول ابراهيم عليه السلام: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (1) فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله عزوجل، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) (2) يعني السلاح وغير ذلك، وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) يخبر محمدا (3) صلى الله عليه واله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول، فقال: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله (أو ياتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الاولى، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه واله وسلم عنهم، ثم قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيرا) يعني من قبل أن يجيئ هذه الآية، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها، وإنما يكتفي اولو الالباب والحجى واولو النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون، وقال: في آية اخرى: (فأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا) (4) يعني أرسل عليهم عذابا، وكذلك إتيانه بنيانهم قال الله عز وجل: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) (5) فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب عليهم، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا أنه يجري اموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة كما يجري اموره في الدنيا لا يغيب (6) ولا يأفل مع الآفلين، فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال


(1) الصافات: 99. (2) الحديد: 25. (3) أي يخبر الله بقوله هذا محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين – الخ. (4) الحشر: 2. (5) النحل: 26. (6) في نسخة (و) و (ج) و (د) و (ب) (لا يلعب). (*)

[ 267 ]

في صدرك مما وصف الله عزوجل في كتابه، ولا تجعل كلامه ككلام البشر، هو أعظم وأجل وأكرم وأعز تبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف به نفسه في قوله عزوجل: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (1) قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وحللت عني عقدة. فقال عليه السلام: وأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) وذكر الله المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)) وقوله لغيرهم: (إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه) (2) وقوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) فأما قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) يعني البعث فسماه الله عزوجل لقاءه، وكذلك ذكر المؤمنين (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يعني يوقنون أنهم يبعثون و يحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب، فالظن ههنا اليقين خاصة، و كذلك قوله: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) وقوله: (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) يعني: من كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، فافهم جميع ما في الكتاب من لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، فقد حللت عني عقدة. فقال عليه السلام: وأما قوله: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) يعني أيقنوا أنهم داخلوها، وكذلك قوله: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) يقول إني أيقنت أني ابعث فاحاسب، وكذلك قوله: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) وأما قوله للمنافقين: (وتظنون بالله الظنونا) فهذا الظن ظن شك وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شك وظن يقين، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم ما فسرت لك، قال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك.


(1) الشورى: 11. (2) التوبة: 77. (*)

[ 268 ]

فقال عليه السلام: وأما قوله تبارك وتعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا) فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين. وفي غير هذا الحديث الموازين هم الانبياء والاوصياء عليهم السلام (1). وأما قوله عزوجل: (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) فإن ذلك خاصه. وأما قوله: (فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) فإن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: قال الله عزوجل: لقد حقت كرامتي – أو قال: مودتي – لمن يراقبني ويتحاب بجلالي (2) ان وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور عليهم ثياب خضر، قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال: قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكنهم تحابوا بجلال الله ويدخلون الجنة بغير حساب، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم برحمته. وأما قوله: فمن ثقلت موازينه وخفت موازينه فإنما يعني الحساب، توزن الحسنات والسيئات، والحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان. فقال عليه السلام: وأما قوله: (قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) وقوله: (الله يتوفى الانفس حين موتها) وقوله: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) وقوله: (الذين تتوفيهم الملئكة ظالمي أنفسهم) وقوله: تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم) فإن الله تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء. أما ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء من خلقه، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه، إنه تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لان منهم القوي والضعيف، ولان منه ما يطاق حمله ومنه مالا يطاق حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم


(1) قوله: (وفي غير هذا الحديث) إلى هنا من كلام المصنف (2) الترديد من الراوي، أو كلمة أو للتخيير لوقوع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين: مرة حقت كرامتي ومرة حقت مودتي. (*)

[ 269 ]

أن الله هو المحيي المميت وأنه يتوفى الانفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ونفع الله المسلمين بك (1). فقال علي عليه السلام للرجل: إن كنت قد شرح الله صدرك بما قد تبينت لك فأنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة من المؤمنين حقا، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين كيف لي أن أعلم بأني من المؤمنين حقا ؟ قال عليه السلام: لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسله وأنبيائه، قا: يا أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك ؟ قال: من شرح الله صدره ووفقه له، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك فلا شئ يعدل العمل. قال مصنف هذا الكتاب: الدليل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك أنهما لو كانا اثنين لم يخل الامر فيهما من أن يكون كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه مما يريد أو غير قادر، فإن كان كذلك فقد جاز عليهما المنع ومن جاز عليه ذلك فمحدث كما أن المصنوع محدث، وإن لم يكونا قادرين لزمهما العجز و النقص وهما من دلالات الحدث، فصح أن القديم واحد. ودليل آخر وهو أن كل واحد منهما لا يخلوا من أن يكون قادرا على أن يكتم الآخر شيئا، فإن كان كذلك فالذي جاز الكتمان عليه حادث، وإن لم يكن قادرا فهو عاجز والعاجز حادث لما بيناه، وهذا الكلام يحتج به في إبطال قديمين صفة كل واحد منهما صفة القديم الذي أثبتناه، فأما ما ذهب إليه ماني وابن ديصان من خرافاتهما في الامتزاج ودانت به المجوس من حماقاتها في أهرمن ففاسد بما يفسد به قدم الاجسام، ولدخولهما في تلك الجملة اقتصرت على هذا الكلام فيهما ولم افرد كلا منهما بما يسأل عنه منه. 6 – حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه، 8 (هامش) * (1) في نسخة (ب) و (د) (وأمتع الله المسلمين بك). (*)


[ 270 ]

بنيسابور سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: سأل رجل من الثنوية أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وأنا حاضر فقال له: إني أقول: إن صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنه واحد ؟ فقال: قولك: إنه اثنان دليل على أنه واحد لانك لم تدع الثاني إلا بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه (1). 37 – باب الرد على الذين قالوا ان الله ثالث ثلثة: وما من اله الا اله واحد 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له: بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبيعن سنة (2) وكان يطلب الاسلام و يطلب من يحتج عليه ممن يقرء كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لاجزأنا، وكان طالبا


(1) مراده عليه السلام ان على مدعى التعدد أن يأتي بالبرهان عليه ولا برهان له، فالواحد مقطوع، والزائد لا يصار إليه حتى يبرهن عليه، قال الله تعالى،: (ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان لهه به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) (2) الجاثليق صاحب مرتبة من المراتب الدينية النصرانية، وبعدها مراتب أسماؤها: مطران: اسقف، قسيس، شماس، وقبل الجاثليق مرتبة اسم صاحبها بطريق، والكلمات سريانية، وقوله: جاثليق النصرانية بالنصب حال من فاعل مكث أي مكث بريهة سبعين سنة حال كونه صاحب هذه المرتبة في النصرانية. (*)

[ 271 ]

للحق والاسلام مع ذلك (1) وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الامر ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الاسلام من أعلمكم ؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم، وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم. فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصاري معه مابين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني (2) وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الاساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شئ وقد جئت اناظرك في الاسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا ادانيه، ذاك روح طيبة خميصة (3) مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف. قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، قال بريهة: نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الابدان ؟ قال هشام: ابن عم جده (لامه) لانه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل، قال بريهة، وكيف تنسبه إلى أبيه ؟ (4) قال هشام: إن


(1) في نسخة (ج) و (ط) (وكان طالبا للحقوق الاسلام مع ذلك). (2) في نسخة (و) و (د) (حتى بركوا حول دكاني). (3) أي خالية منزهة من الرذائل النفسية والكدورات المادية. (4) أي كيف تنسبه إلى اسحاق فسؤال استعباد، أو كيف تنسبه إلى الله الذي هو أبوه عندنا فسؤال جدال، والثاني أظهر. (*)

[ 272 ]

أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك، قال بريهة: اريد نسبه عندنا، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها، قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم (1) فأيهما الاب وأيهما الابن قال بريهة: الذي نزل إلى الارض الابن، قال هشام: الذي نزل إلى الارض الاب قال بريهة: الابن رسول الاب، قال هشام: إن الاب أحكم من الابن لان الخلق خلق الاب، قال بريهة: إن الخلق خلق الاب وخلق الابن، قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا ؟ ! قال بريهة: كيف يشتركان وهما شئ واحد إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالاب، قال هشام: إن الابن منفصل من الاب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس، قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك لان الاب كان ولم يكن الابن فتقول: هكذا يا بريهة ؟ قال: ما أقول: هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك، قال بريهة: إن الاب اسم والابن اسم يقدر به القديم (2) قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الاب والابن ؟ قال بريهة: لا ولكن الاسماء محدثة قال: فقد جعلت الاب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الاسماء دون الاب فهو الاب، وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء دون الابن فهو الاب والابن أب وليس ههنا ابن (3) قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الارض،


(1) هذا مذهب جمهور المسيحيين الا آريوس كبير فرقة منهم فانه يقول: ان المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاتخاذ وهو حادث مخلوق قبل خلق العالم. (2) أي يقدر القديم الذي هو الاب بسببه على الخلق، أو من التقدير أي يقدر الخلق بسببه، وفي نسخة (ج) (والابن اسم يقدره القديم)، وفي نسخة (و) (والاسم ابن بقدرة القديم). (3) في البحار باب احتجاج الكاظم عليه السلام وفي النسخ الخطية عندي: (وان كان الاب أحدث هذه الاسماء فهو الابن والابن أب وليس ههنا ابن). (*)

[ 273 ]

قال هشام: فحين لم تنزل إلى الارض فاسمها ما هو ؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل: قال هشام: فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان، قال بريهة: هي كلها واحدة روح واحدة، قال: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا، قال بريهة: لا لان اسم الاب واسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب، والاب أبو الابن، والابن واحد، قالت الاساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط تقوم، فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الاسلام ؟ أفي قلبك حزازة ؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك هذا فتصبح وليس لك همة غيري، قالت الاساقفة: لاترد هذه المسألة لعلها تشككك قال بريهة: قلها يا أبا الحكم. قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الاب ؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك الاب يعلم كل ما عند الابن ؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الاب ؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الاب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن ؟ قال: نعم، قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه ؟ قال بريهة: ليس منهما ظلم، قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الاب والاب ابن الابن، بت عليها يا بريهة، وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه. قال: فرجع بريهه مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه: مالي أراك مهتما مغتما. فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام، فقالت لبريهة: ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل ؟ ! فقال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة فان اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار، قال: فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام. قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته ؟ قال هشام: نعم يا بريهة، قال: وما


[ 274 ]

صفته ؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه ؟ قال: فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه، قال هشام: أما النسب خير الانساب (1): رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه لان قريشا أفضل العرب وبني هاشم أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره وهذا من ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته ؟ قال: صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي، و سخى فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين قائم بما فرض عليه، من عترة الانبياء، وجامع علم الانبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا يسأل شططا في عدوه (2) ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث بالاعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول الائمة الاصفياء، لم تنقض له حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، ويجلو كل مدلهمة. قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته، إلا أن الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام: إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب. ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن. قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمراة معهما وهما يريدان أبا عبد الله عليه السلام فلقيا موسى بن جعفر عليهما السلام، فحكى له هشام


(1) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي الفاء على مدخول (أما). (2) قوله: (ولا يسأل، على صيغة المعلوم أو المجهول، وفي النسخ الخطية: (ولا يسأله شططا في عدوه) أي لا يسأله أحد أو الولى، وفي البحار: (ولا يسألك – الخ) وفي ذيل البحار: (ولا نسأله – الخ) وفيه أيضا: (ولا يسلك شططا في عدوه) والاخير أصح. (*)

[ 275 ]

الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليهما السلام،: يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله ؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه (1) قال: فابتدأ موسى بن جعفر عليهما السلام، بقراءة الانجيل، قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرء هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه وآمنت المراة وحسن إيمانها. قال: فدخل هشام وبريهة والمراة على أبي عبد الله عليه السلام، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلام وبريهة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (2) فقال بريهة: جعلت فداك أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الانبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول: لا أدري فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى مات أبو عبد الله عليه السلام، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما السلام، حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده، وقال: هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه، قال: فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله. 38 – باب ذكر عظمة الله جل جلاله (3) 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم وغيره، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي (4) عن أبي عبد الله


(1) أي في تأويله، وفي البحار وفي نسخة (ج) (بعلمي به). (2) آل عمران: 34. (3) في الاخبار المذكورة في هذا الباب استعارات وكنايات واشارات إلى حقائق بعيدة عن ادراكنا بألفاظ موضوعة للمعاني المحسوسة لنا،، ولكل منها شرح لا مجال ههنا. (4) في نسخة (و) و (د) (عن الحسن بن زيد الهاشمي) ورواه الكليني في روضة الكافي عن الحسين بن زيد الهاشمي وهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام، (*)

[ 276 ]

عليه السلام، قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي عندهن، فقال لها: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يارسول الله، قال: إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى للمال، فقالت: ماجئت بشئ من بيعي، وإنما جئتك أسالك عن عظمة الله، فقال: جل جلال الله، سأحدثك عن بعض ذلك. قال: ثم قال: إن هذه الارض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها كحلقة في فلاة قي (1) وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة في فلاة قي والثالثة حتى انتهى إلى السابعة، ثم تلا هذه الآية (خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن) (2) والسبع ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة في فلاة قي، والديك له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم، والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاه قي، والسبع و الديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى) (3) ثم انقطع الخبر (4). والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في فلاة قي، وهذا والسماء الدنيا ومن فيها و من عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، وهذا وهاتان السماءان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي، وهذه الثالثة ومن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة


(1) القي – بكسر الاول وعينه واو -: القفر من الارض. (2) الطلاق: 12. (3) طه: 6. (4) أي انقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله لزينب العطارة إلى هنا، والتتميم من الصادق عليه السلام. أو انقطع خبر ما دون السماء ثم أخذ في خبر السماء. (*)

[ 277 ]

في فلاة قي، حتى انتهى إلى السابعة، وهذه السبع ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الارض كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) (1) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، وهي سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالابصار، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء في الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية: (وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) (2) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والحجب والهواء والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية (الرحمن على العرش استوى) (3) ما تحمله الاملاك إلا يقول لا إله إلا الله ولاحول ولا قوة إلا بالله. 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزوجل: (أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد) (4) قال: يا جابر تأويل ذلك أن الله عزوجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الارض تحملهم، وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم واولئك الآدميين. 3 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا


(1) النور: 43. (2) البقرة: 255. (3) طه: 5. (4) ق: 15. (*)

[ 278 ]

قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمرو بن سعد (1)، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن أبي منصور، عن زيد بن وهب، قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قدرة الله تعالى جلت عظمته، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الارض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والانس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة اذينه، ومنهم من يسد الافق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من السماوات إلى حجزته، ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الاسفل و الارضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو القي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، و منهم من لو القيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين، فتبارك الله أحسن الخالقين. وسئل عليه السلام عن الحجب، فقال: أول الحجب سبعة، غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، والحجاب الثالث (2) سبعون حجابا، بين كل حجا بين منها مسيرة خمسمائة عام، وطول خمسمائة عام، حجبة كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوة كل ملك منهم قوة الثقلين، منها ظلمة، ومنها نور، ومنها نار، ومنها دخان، ومنها سحاب، ومنها برق، ومنها مطر، ومنها رعد، ومنها ضوء، ومنها رمل، ومنها جبل، ومنها عجاج، و منها ماء، ومنها أنهار، وهي حجب مختلفة، غلظ كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام ثم سرادقات الجلال، وهي سبعون سرادقا، في كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق وسرادق مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق العز، ثم سرادق الكبرياء ثم سرادق العظمة، ثم سرادق القدس، ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفجر


(1) كذا في النسخ ويحتمل كونه تصحيف (عمرو بن سعيد) وهو المدائني. (2) هكذا في النسخ الا في نسخه (و) ففيه: (والحجاب الثاني – الخ)). (*)

[ 279 ]

ثم النور الابيض، ثم سرادق الواحدنية وهو مسيرة سبعين ألف عام في سبعين ألف عام، ثم الحجاب الاعلى، وانقضى كلامه عليه السلام وسكت، فقال له عمر: لابقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن. 4 – حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الاسواري، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدوية البرذعي، قال: أخبرنا عدي بن أحمد بن عبد الباقي أبو – عمير بأذنة (1) قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن البراء، قال: حدثنا عبد المنعم ابن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن وهب، عن ابن العباس، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، إن الله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم الارض السابعة السفلى، ورأسه عند العرش، ثاني عنقه تحت العرش، وملك من ملائكة الله عزوجل خلقه الله تبارك و تعالى ورجلاء في تخوم الارض السابعة السفلى مضى مصعدا فيها مد الارضين حتى خرج منها إلى افق السماء، ثم مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش، وهو يقول: سبحانك ربي، وإن لذلك الديك جناحين إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب، فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس سبحان الكبير المتعال القدوس، لا إله إلا هو الحي القيوم فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الارض كلها وخففت بأجنحتها وأخذت في الصراخ، فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الارض، فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه فجاوز المشرق والمغرب وخفق بهما وصرخ بالتسبيح سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش


(1) أذنة بالالف والذال والنون المفتوحات آخرها الهاء، أو بكسر الذال، قال السكوني: بحذاء توز جبل شرقي يقال له الغمر ثم يمضي الماضي فيقع في جبل شرقي أيضا يقال له أذنة، وقال نصر: أذنة خيال من أخيلة حمى فيد بينه وبين فيد نحو عشرين ميلا، و أذنة أيضا بلاد من الثغور قرب المصيصة مشهور، كذا في مراصد الاطلاع، وتوز وفيد منزلان متدانيان في طريق مكة من الكوفة. (*)

[ 280 ]

الرفيع (1) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الارض، فإذا هاج هاجت الديكة في الارض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله عزوجل، ولذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط، وله زغب أخضر تحت ريشه الابيض كأشد خضرة ما رأيتها قط فما زلت مشتاقا إلى أن أنظر إلى ريش ذلك الديك. 5 – وبهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا من الملائكة نصف جسده الاعلى نار ونصفه الاسفل ثلج، فلا النار تذيب الثلج، ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له رفيع: سبحان الله الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج، وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار، اللهم يا مؤلفا بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك. 6 – وبهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة ليس شئ من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله عزوجل ويحمده من ناحية (2) بأصوات مختلفة، لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية لله عزوجل. 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، قال: حدثنا أبو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن أبي ذر، عن أبي ذر الغفاري رحمه الله عليه، قال: كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه واله وسلم ونحن نتماشي جميعا، فمازلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله أين تغيب، قال: في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم من مطلعي ؟ فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز


(1) النسخ في هذه الاذكار مختلفة يسيرا غير ضائر. (2) في نسخة (ج) (من ناحيته). (*)

[ 281 ]

العليم) (1) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه، العليم بخلقه. قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسي ضوءا وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عزوجل: (إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت) (2). والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في افق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة، ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي فذلك قوله عزوجل: (جعل الشمس ضياء * والقمر نورا) (3) قال أبو ذر رحمه الله: ثم اعتزلت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصلينا المغرب. 8 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن زياد القندي، عن درست، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن لله تبارك وتعالى ملكا بعد ما بين شحمة اذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير. 9 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن السياري، عن عبد الله بن حماد، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في السماء بحار ؟ قال: نعم، أخبرني أبي، عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إن في السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام، فيها ملائكة قيام منذ خلقهم الله عزوجل، والماء إلى ركبهم، ليس فيهم ملك إلا وله ألف وأربعمائة جناح، في كل جناح أربعة وجوه، في كل وجه أربعة ألسن، ليس فيها جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو يسبح الله عزوجل بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه. 10 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن


(1) يس: 38. (2) التكوير: 2. (3) يونس: 5. (*)

[ 282 ]

يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثمي (1) عن أبي الحسن الشعيري (2) عن سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة، قال: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين والله إن في كتاب الله عزوجل لآية قد أفسدت علي قلبي وشككتني في ديني، فقال له علي عليه السلام: ثكلتك امك وعدمتك وما تلك الآية ؟ قال: قول الله تعالى: (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (3) فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا ابن الكواء إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى إلا أن لله تبارك وتعالى ملكا في صورة ديك أبح أشهب، براثنه في الارض السابعة السلفي وعرفه مثنى تحت العرش له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار وآخر من ثلج، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش، ثم بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم، فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار، فينادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد النبيين وأن وصيه سيد الوصيين وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح، قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو قوله تعالى (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) من الديكة في الارض. 11 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن عمرو بن مروان، عن أبي – عبد الله عليه السلام قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك. وساخرج الاخبار التي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في كتاب العظمة إن شاء الله.


(1) كذا في نسخة (ج) وفي غيرها (احمد بن المحسن الميثمي) وفي نسخه (ط) و حاشية نسخة (ب) (الميثى) مكان الميثمي. (2) في نسخة (ط) (الاشعري). (3) النور: 41. (*)

[ 283 ]

39 – باب لطف الله تبارك وتعالى 1 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض، والجرجس أصغر من البعوض، والذي تسمونه الولغ أصغر من الجرجس (1) وما في الفيل شئ إلا وفيه مثله، وفضل على الفيل بالجناحين (2). 40 – باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد 1 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن مختار بن محمد بن مختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن أدنى المعرفة، فقال: الاقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه ليس كمثله شئ. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد رفعه، قال: سئل علي بن الحسين عليهما السلام عن التوحيد فقال: إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عزوجل (قل


(1) الولغ في النسخ بالغين المعجمة، وفي الكافي ومجع البحرين بالعين المهملة. (2) ان الله لطيف في الخلق أي في الصنع كما هنا وفي بعض الروايات في الباب الثاني و التاسع والعشرين، ولطيف بالخلق أي باربهم كما قال تعالى: (الله لطيف بعباده)، ولطيف للخلق وهذا ما بحث عنه المتكلمون، ولطيف بذاته بمعنيين: بمعنى النفاذ في الاشياء والدخول فيها بلا كيفية كما في الحديث الثاني من الباب التاسع والعشرين وفي كثير من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، وقد يفسر الاية: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) بهذا المعنى، والمعنى الثاني أنه لا يدرك ذاته كما في الحديث المذكور. (*)

[ 284 ]

هو الله أحد * الله الصمد) والآيات من سورة الحديد – إلى قوله: (وهو عليم بذات الصدور) (1) فمن رام ما وراء هنالك هلك. 3 – حدثنا على بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي. قال: حدثني الحسين بن الحسن، قال: حدثني بكر بن زياد، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها ؟ قال: كما يقرء الناس، وزاد فيه (كذلك الله ربي، كذلك الله ربي، كذلك الله ربي). 4 – أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن علي الطاحي (2) عن طاهر بن حاتم بن ما هوية قال: كتبت إلى الطيب – يعني أبا الحسن موسى – عليه السلام: ما الذي لاتجزئ معرفة الخالق بدونه (3) فكتب: ليس كمثله شئ ولم يزل سميعا وعليما وبصيرا، وهو الفعال لما يريد. 5 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي القريشي، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن محمد بن يعلى الكوفي، عن جويبر (4) عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله علمني من غرائب العلم، قال: ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل


(1) وغيرهما من الايات ليتعمقوا ويتفكروا فيها ويعرفوا ربهم ويستغنوا عن وصف الواصفين وأقاويل المتكلمين المتكلفين وكلمات المتفلسفين. (2) المظنون أنه ابو سمينة محمد بن علي الكوفي الصيرفي المذكور كثيرا في اسناد الكتاب، وفي البحار في الباب العاشر من الجزء الثالث المطبوع حديثا وفي نسخة (ن) (الطاحن) والظاهر أنه خطأ. (3) في نسخة (و) و (ب) (ما الذي لايجتزء – الخ). (4) هذا غير جويبر الصحابي المعروف، وفي نسخة (ط) (جوير). (*)

[ 285 ]

عن غرائبه ؟ ! قال الرجل: ما رأس العلم يارسول الله ؟ قال: معرفة الله حق معرفته، قال الاعرابي: وما معرفة الله حق معرفته ؟ قال: تعرفه بلا مثل ولا شبه ولاند وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر لاكفوله ولا نظير فذلك حق معرفته. 41 – باب أنه عزوجل لايعرف الا به 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إني ناظرت قومك فقلت لهم، إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل العباد يعرفون بالله (1) فقال: رحمك الله. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن عقبة بن قيس ابن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله رفعه، قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام بم عرفت ربك ؟ فقال: بما عرفني نفسه، قيل: وكيف عرفك نفسه ؟ فقال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في قربه، فوق كل شئ ولا يقال: شئ فوقه، أمام كل شئ ولايقال: له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج من الاشياء لا كشئ من شئ خارج، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكل شئ ومبتدء. 3 – حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران (2) عن الفضل بن السكن، عن أبي –


(1) على صيغة المجهول كما هو الظاهر نظير ما في الحديث الرابع، ويحتمل معلوما كما في الحديث الثالث. (2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) (محمد بن عمران). (*)

[ 286 ]

عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولى الامر بالمعروف والعدل والاحسان (1). 4 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو (2) قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى وما سأل عنه أبا بكر فلم يجبه ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عن


(1) المعنى الظاهر لهذا الحديث: اعرفوا كل شئ بما هو به هو كالعالم فانه يعرف بالعلم والخياط يعرف بالخياطة والا فينكر أنه عالم أو خياط، فمن اردتم أن تعتقدوا أنه عالم أو خياط فانظروا إلى علمه أو خياطته، فان كان له فهو هو والا فلا، وكذلك الله والرسول واولى الامر، فاعرفوا من سميتموه بالله وعبدتموه واعتقدتم أن الخلق والامر له بالالوهية أي بأن يكون مبدء العالم وخالقه ومدبره وبيده اموره ويكون واحدا لا شريك ولا شبيه له فالله هو ذلك لامن هو بمعزل عن ذلك، كما عرف هو نفسه بذلك في مواضع من كتابه، واعرفوا من يدعى أنه رسول من الله وأردتم أن تعتقدوا أنه رسول من الله بالرسالة من الله وهي أن يخبر عن الله صدقا وصدقه يثبت بالمعجزات، واعرفوا اولى الامر بعد الرسول بهذه الخصال فمن تمت وكملت فيه فهو ولى الامر بعده. ثم انه عليه السلام قال: اعرفوا الله بالله ولم يقل بالالوهية كما قال: الرسول بالرسالة لان هذا التعبير يوهم زيادة الصفة على الموصوف، وفي الكافي باب أنه لايعرف الا به: (واولى الامر بالامر بالمعروف والعدل والاحسان). (2) صغد بضم الصاد المهملة والغين المعجمة الساكنة آخره الدال المهملة موضع بيخارا وموضع بسمرقند، وهذا السند بعينه مذكور في الحديث السادس عشر من الباب الثامن و العشرين والحديث الثالث من الباب الثامن والاربعين. (*)

[ 287 ]

مسائل فأجابه عنها، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عرفت الله بمحمد أم عرفت محمدا بالله عزوجل ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عرفت الله بمحمد صلى الله عليه وآله، و لكن عرفت محمدا بالله عزوجل حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول، وعرض، فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته و عرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف (1).


(1) قيل هذا نظير دعا مأمور بقراءته في أيام غيبة صاحب الامر عليه السلام: (اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك – الخ)، وهذا ظاهر لان المضاف بما هو مضاف لايعرف الا بعد معرفة المضاف إليه، أقول: هذا حق، ولكنه عليه السلام نهج هنا منهجا آخر مذكورا في كثير من أحاديث الكتاب، ومراده عليه السلام: اني ما عرفت ذاته تعالى بحدود ذات محمد صلى الله عليه وآله لان ذاته لا تدرك بذاته ولا بشئ من الذوات، ولكن عرفت محمدا صلى الله عليه وآله بذاته وخصوصياته انه مصنوع مدبر له بالهامه تعالى ودلالته اياي. وجملة الكلام في معرفته تعالى أنه لا يدرك ذاته ولا صفاته الذاتية لانها عينها. وهذا ما نطق بهه كثير من أحاديث الكتاب من أنه تعالى لا يوصف ولا يدرك بعقل ولابوهم، فالمدرك منه بحسب العقل والتصور هو العناوين الصادقة عليه ذاتا أو صفة كالشئ والموجود والاله و العالم والحي والقادر إلى غير ذلك من أسمائه تعالى كما تبين في مواضع من الكتاب وأمر العباد بأن يدعوه بها، وبحسب الفطرة هو نوره وظهوره لكل موجود على قدر نورانيته و صفاء فطرته، وهذا ما نطق به الآيات والاخبار من لقائه ورؤيته بالقلب وشهوده وغير ذلك من التعبيرات، ثم ان معرفته كائنة ما كانت من حيث السبب بذاته لا بشئ آخر لانه مبدء الكل فاينما كانت فيه كانت سواء كان لها مبدء وسطي أم لا وسواء كان لها شرط أم لا كسائر الامور فما صدر عهم عليهم السلام من أنه يعرف بذاته لا بخلقه وأنه دال على ذاته بذاته وأمثالهما ناظر إلى هذه الحيثية، وهنا كلام آخر لا يسعني ذكره، وأما من حيث الوجود فمتوقفة على الخلق إذ حيث لاخلق لا معرفة للخلق به، وهذا ما شاع في الايات والاخبار وألسنة العلماء والمتكلمين من الاستدلال بالآثار على مبدء الآثار، فاحتفظ على هذه الوجوه كي لا يشتبه عليك المراد في الاحاديث المخلتفة التي كل منها ناظر إلى كل منها. (*)

[ 288 ]

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر أجزاء كتاب النبوة. 5 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: سمعت محمد بن يعقوب يقول: معنى قوله (اعرفوا الله بالله) يعني: أن الله عزوجل خلق الاشخاص والالوان والجواهر، فالاعيان الابدان، والجواهر الارواح، وهو عزوجل لا يشبه جسما ولا روحا، وليس لاحد في خلق الروح الحساس الدراك أثر ولا سبب، هو المتفرد بخلق الارواح والاجسام، فمن نفي عنه الشبهين: شبه الابدان وشبه الارواح فقد عرف الله بالله، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله. 6 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أنه قال: إن رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال: بفسخ العزم و نقض الهم، لما هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي علمت أن المدبر غيري، قال: فبماذا شكرت نعماءه ؟ قال: نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وأبلى به غيري فعلمت أنه قد أنعم علي فشكرته، قال: فلما ذا أحببت لقاءه، قال: لما رأيته قد أختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاءه. 7 – حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي المقري، قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري، قال: حدثنا محمد بن الحسن الموصلي ببغداد قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي (1) قال: حدثني أبي، قال: حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: قال


(1) هذا السند بعينه مذكور في الحديث الثاني في الباب الثاني والثلاثين والحديث الاول من الباب الرابع والثلاثين، وفي بعض النسخ في بعض هذه المواضع الثلاثة: (الضحاك) بدل (الكحال) ولا يبعد أن يكون للرجل لقبان. (*)

[ 289 ]

قوم للصادق عليه السلام: ندعو فلا يستجاب لنا، قال: لانكم تدعون من لا تعرفونه. 8 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام فقيل له: بما عرفت ربك ؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهم عزمت ففسخ عزمي، وهممت فنقض همي. 9 – حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الخزاز الكوفي، قال: حدثنا سليمان بن جعفر قال: حدثنا علي بن الحكم، قال: حدثنا هشام بن سالم، قال: حضرت محمد بن النعمان الاحول فقام إليه رجل فقال له: بم عرفت ربك ؟ قال بتوفيقه وإرشاده وتعريفه وهدايته، قال: فخرجت من عنده، فلقيت هشام بن الحكم فقلت له: ما أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت ربك ؟ فقال: إن سأل سائل فقال: بم عرفت ربك ؟ قلت: عرفت الله جل جلاله بنفسي (1) لانها أقرب الاشياء إلي، وذلك أني أجدها أبعاضا مجتمعة وأجزاء مؤتلفة، ظاهرة التركيب، متبينة الصنعة، مبينة على ضروب من التخطيط والتصوير، زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد زيادة، قد أنشأ لها حواس مختلفة، وجوارح متباينة – من بصر وسمع وشام وذائق ولا مس – مجبولة على الضعف والنقص والمهانة، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها ولا تقوى على ذلك، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها، ودفع المضار عنها، و استحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها، فعلمت أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها، مخالفا لها على جميع جهاتها (2) قال الله عزوجل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (3).


(1) في نسخة (ج) (فقل عرفت الله – الخ). (2) في نسخة (و) (من جميع جهاتها). وفي نسخة (ب) و (ج) و (د) (في جميع جهاتها). (3) الذاريات: 21. (*)

[ 290 ]

10 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر أبو الحسين الاسدي، قال: حدثنا الحسين بن المأمون القرشي (1) عن عمر بن عبد العزيز، عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو شاكر الديصاني: إن لي مسألة تستأذن لي على صاحبك، فإني قد سألت عنها جماعة من العلماء فما أجابوني بجواب مشبع، فقلت: هل لك أن تخبرني بها فلعل عندي جوابا ترتضيه فقال: إني احب أن ألقى بها أبا عبد الله عليه السلام، فاستأذنت له فدخل فقال له: أتأذن لي في السؤال ؟ فقال له: سل عما بدالك، فقال له: ما الدليل على أن لك صانعا ؟ فقال: وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري، فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين: إما أن أكون صنعتها و كانت موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين فقام وما أحار جوابا. قال مصنف هذا الكتاب: القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال: عرفنا الله بالله لانا إن عرفناه بعقولنا فهو عزوجل واهبها، وإن عرفناه عزوجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام فهو عزوجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججا، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عزوجل محدثها، فبه عرفناه، وقد قال الصادق عليه السلام: (لولا الله ما عرفنا (2) ولولا نحن ما عرف الله) ومعناه لولا الحجج ما عرف الله حق معرفته، ولولا الله ما عرف الحجج، وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول: لو أن رجلا ولد في فلاة من الارض ولم ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء والارض لدله ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا، فقلت: إن هذا شئ لم يكن، و هو إخبار بما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون، ولو كان ذلك لكان لا يكون


(1) في حاشية نسخه (ب) (الحسن بن المأمون القرشي). (2) أي لولا تعريف الله ايانا لخلقه ما عرفنا أحد منهم، وما في بعض النسخ من زيادة ضمير المفعول الراجع إلى الله هنا خطأ. (*)

[ 291 ]

ذلك الرجل إلا حجة الله تعالى ذكره على نفسه، كما في الانبياء عليهم السلام منهم من بعث إلى نفسه، ومنهم من بعث إلى أهله وولده، ومنهم من بعث إلى أهل محلته، ومنهم من بعث إلى أهل بلده، ومنهم من بعث إلى الناس كافة، وأما استدلال إبراهيم الخليل عليه السلام بنظره إلى الزهرة ثم إلى القمر ثم إلى الشمس، وقوله لما أفلت: (يا قوم إني برئ مما تشركون) فإنه عليه السلام كان نبيا ملهما مبعوثا مرسلا وكان جميعا قوله بإلهام الله عزوجل إياه، وذلك قوله عزوجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (1) وليس كل احد كإبراهيم عليه السلام، ولو استغنى في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزوجل وتعريفه لما أنزل الله عزوجل ما أنزل من قوله: (فاعلم أنه لا أله ألا الله) (2) ومن قوله: (قل هو الله أحد – إلى آخرها) ومن قوله: (بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة – إلى قوله – وهو اللطيف الخبير) (3) وآخر الحشر، وغيرها من آيات التوحيد (4).


(1) الانعام: 83. (2) محمد: 19. (3) الانعام: 103. (4) حاصل كلامه – رحمه الله – أن معنى قوله عليه السلام في الخبر الثالث: اعرفوا الله بالله أي اعرفوا الله بتعليمه تعالى وتعريفه، ولا تكتفوا لمعرفته بالنظر والاستدلال ببعض خلقه من وجود الانبياء أو جود أنفسنا وعقولنا أو غير ذلك من دون تعليمه تعالى، وتعليمه تعالى اما بالوحي كما للانبياء عليهم السلام، أو بسمع الكلام من الانبياء والاوصياء كمالنا، فليس في كلامه تشويش ولا تناقض كما نسب إليه العلامة المجلسي – رحمه الله – فلذا قال: ان المولود في فلاة ان كان نبيا يوحى إليه فهو والا فلا يكفى نظره بل لابد من تعلم من نبي، أو ممن تعلم من نبي، واستدلال ابراهيم عليه السلام ليس مجرد استدلال لنفسه بل تعلم من الله بالوحى، ثم استدل لغيره بما تعلم منه تعالى فتعلم غيره منه، وهذا ما في بعض الاخبار من قولهم عليهم السلام: (ان الله تعالى أرسل رسله إلى عباده ليعقلوا عنه ما جهلوه) (*)

[ 292 ]

42 – باب إثبات حدوث العالم 1 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، قال: حدثني علي بن منصور، قال: سمعت هشام بن الحكم يقول: دخل أبو شاكر الديصاني (1) على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر، وامهاتك عقيلات عباهر، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر (2) فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر ما الدليل على حدوث العالم ؟ (3) فقال أبو عبد الله عليه السلام: نستدل عليه بأقرب الاشياء (4) قال: وما هو ؟ قال: فدعا أبو عبد الله عليه السلام ببيضة فوضعها على راحته، فقال: هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق لطيف (5) به فضة سائلة وذهبة مائعة ثم تنفلق، عن مثل الطاووس، أدخلها شئ ؟ (6) فقال: لا، قال: فهذا الدليل على حدوث العالم، قال: أخبرت فاوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه


(1) منسوب إلى رجل مسمى بديصان، ويقال له ابن ديصان أيضا كما في قول المصنف في أواخر الباب السادس والثلاثين، اختلق مذهبا ودعا الناس إليه، ذكر صفته وتفصيل مذهبه في الفهرست لابن النديم والملل والنحل والبحار في باب التوحيد ونفي الشريك، قال ابن النديم في الفهرست: الديصانية انما سمي صاحبهم بديصان باسم نهر ولد عليه، وهو قبل مانى، والمذهبان قريبان بعضهما من بعض – الخ. (2) أي أنت تعد أولا ومقدما عليهم ثم يعد سائر العلماء في المرتبة المتأخرة عنك. (3) أي كونه مصنوعا للصانع. (4) في (ج) و (و) و (د) (يستدل عليه – الخ). (5) الغرقئ كالزبرج وهمزته للالحاق هو القشر اللطيف في البيض تحت القشر الظاهر. (6) أي لا شبهة أن صيرورتها طاووسا أو غيره انما هي بصنة صانع، ولم يدخل فيها شئ مما ندركه ويصلح للصانعية لها، فالصانع لها طاووسا موجود متعال عن ادراكنا. (*)

[ 293 ]

بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو لمسناه بأكفنا أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الرويات (1) إيقانا، قال أبو عبد الله: ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل كما لا يقطع الظلمة بغير مصباح (2). 2 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم أن ابن أبي العوجاء دخل على الصادق عليه السلام فقال له: يا ابن أبي العوجاء أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟ ! فقال: لا، لست بمصنوع، فقال له الصادق عليه السلام: فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون (3) فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا، وقام وخرج. 3 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (ره) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، أنه دخل عليه رجل فقال له: يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم ؟ قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلم. 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن أبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن، عن يونس بن يعقوب، قال: قال لي علي بن منصور: قال لي هشام بن الحكم: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام علم (4) فخرج


(1) في بعض النسخ (استنبطه الروايات ايقانا). (2) أي لا تفيد الحواس يقينا وتصديقا بشئ من دون دلالة العقل وحكمه لان شأنها ايجاب التصور للجزئيات كما أن الطريق المظلم لا يقطع بدون المصباح، فإذا كان الامر كذلك فالمتبع حكم العقل سواء كان هناك احساس أم لا. (3) منطوق بيانه عليه السلام أنك لو كنت مصنوعا لكنت على الاوصاف التي أنت عليها الآن لكنك على الاوصاف فأنت مصنوع. (4) في البحار وفي نسخة (و) و (ج) و (د) و (ب) (يبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام فخرج – الخ) وفي الكافي باب حدوث العالم: (تبلغه عن أبي عبد الله عليه السلام أشياء فخرج – الخ). (*)

[ 294 ]

إلى المدينة ليناظرة فلم يصادفه بها، فقيل له: هو بمكة فخرج الزنديق إلى مكة، ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام، فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليه السلام، فقال له أبو عبد الله جعفر عليه السلام: ما اسمك ؟ قال: اسمي عبد الملك، قال: فما كنيتك ؟ قال: أبو عبد الله، قال: فمن الملك الذي أنت له عبد، أمن ملوك السماء أم من ملوك الارض ؟ ! وأخبرني عن ابنك أعبد إله السماء ؟ أم عبد إله الارض ؟ ! فسكت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل ما شئت تخصم، قال هشام بن الحكم: قلت للزنديق: أما ترد عليه ؟ ! فقبح قولي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ أبو عبد الله عليه السلام أتاه الزنديق، فقعد بين يديه، ونحن مجتمعون عنده، فقال للزنديق: أتعلم أن للارض تحتا وفوقا ؟ ! قال: نعم، قال: فدخلت تحتها ؟ ! قال: لا، قال: فما يدريك بما تحتها ؟ ! قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شئ، قال أبو عبد الله عليه السلام: فالظن عجز ما لم تستيقن، قال أبو عبد الله عليه السلام: فصعدت السماء ؟ ! قال: لا، قال: فتدري ما فيها ؟ ! قال: لا، قال: فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما ؟ ! قال: لا، قال: فعجبا لك، لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الارض ولم تصعد السماء ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهن (1) وأنت جاحد ما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف ؟ ! (2) فقال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك، قال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت في شك من ذلك، فلعل هو أو لعل ليس هو، قال الزنديق: ولعل ذاك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، فلا حجة للجاهل على العالم، يا أخا أهل مصر تفهم عني، فإنا لا نشك في


(1) في البحار وفي نسخة (ب) (ولم تجز هنالك فتعرف ما خلقهن)). (2) هذا نظير قوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) فان العقل لا يجوز أن ينكر الانسان مالا يعلم حتى يعلم نفيه كمالا يجوز أن يقبله حتى يعلم اثباته، قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، فلذا قال عليه السلام: فلعل هو أو لعل ليس هو، فالامر في بقعة الامكان ما لم يعلم نفيه أو ثبوته. (*)

[ 295 ]

الله أبدا، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يشتبهان، يذهبان و يرجعان، قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا مكانها، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلا يرجعان (1) فلم يرجعان ؟ ! وإن لم يكونا مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا و النهار ليلا، اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر منهما، قال الزنديق: صدقت. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أخا أهل مصر ! الذي تذهبون إليه وتظنونه بالوهم (2) فإن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم، وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم، القوم مضطرون، يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والارض موضوعة، لم لا تسقط السماء على الارض، ولم لا تنحدر الارض فوق طاقتها ؟ (3) فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما، فقال الزنديق: أمسكهما والله ربهما وسيدهما (4) فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله عليه السلام فقال له حمران بن أعين: جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يديك فقد آمنت الكفار على يدي أبيك، فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله عليه السلام: اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله عليه السلام لهشام بن الحكم: خذه إليك فعلمه، فعلمه هشام، فكان معلم أهل مصر وأهل الشام، وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله عليه السلام. 5 – حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم، قال: دخل ابن أبي العوجاء على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أليس تزعم أن الله خالق كل شئ ؟


(1) في البحار وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا يرجعان). (2) خبر (الذي) مقدر وهو (ليس بالمبدء الفاعل للامور)، وقوله: (فان كان الدهر – الخ) تعليل جعله مكان الخبر لكونه معلولا له، وفي الكافي: (وتظنون أنه الدهر). (3) أي فوق محيطها، أي لا تخرج عن مكانها، وفي الكافي والبحار: (فوق طباقها) (4) في الكافي: (أمسكهما الله ربهما وسيدهما). (*)

[ 296 ]

فقال أبو عبد الله عليه السلام: بلى، فقال: أنا أخلق، فقال عليه السلام له: كيف تخلق ؟ ! فقال: أحدث في الموضع ثم ألبث عنه فيصير دواب، فأكون أنا الذي خلقتها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أليس خالق الشئ يعرف كم خلقه ؟ قال: بلى، قال: فتعرف الذكر منها من الانثى، وتعرف كم عمرها ؟ ! فسكت. 6 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني بإسناده رفع الحديث أن ابن أبي العوجاء حين كلمه أبو عبد الله عليه السلام عاد إليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كأنك جئت تعيد بعض ماكنا فيه، فقال: أردت ذاك يا ابن رسول الله فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أعجب هذا، تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله، فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: فما يمنعك من الكلام ؟ قال: إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال (1) وأقبل عليه، فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟ ! فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء أنا غير مصنوع، فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين يديه (2) وهو يقول: طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن، كل ذلك صفة خلقه (3) فقال له العالم عليه السلام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك


(1) في نسخة (ط) و (ن) (ولكن افتح عليك سؤالا). (2) اي اخذ يتأملها. (3) الضمير يرجع إلى خشبة، والتذكير باعتبار كونها شيئا، اي كل هذه الامور صفة مخلوقية هذا الشئ، أو يرجع إلى الله، وهذا اعتراف بالفطرة، ولكن المعاندة منعته عن الاعتراف باللسان، فقال له العالم عليه السلام: ان اعترفت بهذا المقدار من صفة المخلوقية في هذه الخشبة فأنت أيضا مثلها في الاتصاف بهذه الاوصاف، فاجعل نفسك أيضا مصنوعا، والمصنوع لابد له من صانع غير مصنوع. (*)

[ 297 ]

مما يحدث من هذه الامور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك ولا يسألني إحد بعدك عن مثلها، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسال فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لانك تزعم أن الاشياء من الاول سواء فكيف قدمت وأخرت (1). ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحا (2) أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار ؟ فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك قائل: صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لاتعلم ؟ قال: لا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فالعالم أكبر و أطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة لاتعلم صفة الصنعة من غير الصنعة فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الاسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض. فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال ؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سل عما شئت، فقال: ما الدليل على حدث الاجسام ؟ فقال: إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاولى (3) ولو كان قديما ما زال ولا حال لان الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الاولى (*) دخوله في العدم، ولن يجتمع صفة الازل والعدم في شئ واحد (4) فقال عبد الكريم: هبك


(1) هذا مرتبط بقوله عليه السلام: (هبك علمت – الخ) والمعنى انك يا عبد الكريم قائل بأن كل نوع من الاشياء على السواء لا تفاضل بين افراده فيكف قدمتنى واخرت غيري بفضل العلم. (2) في نسخة (ط) و (ن) (انزيدك وضوحا). (3) هذا اشارة إلى الدليل المشهور بين المتكلمين: (العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث) لان القديم لا يحول ولا يزوال عن حاله. (4) هكذا في النسخ التي عندي، وفي البحار باب اثبات الصانع: (وفي كونه في الازل دخوله في القدم، ولن تجتمع صفة الازل والحدوث والقدم والعدم في شئ واحد). وفي باب حدوث العالم من الكافي هكذا: (وفي كونه في الازل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الازل والعدم والحدوث والقدم في شئ واحد). (*) لعل الصواب (في الازل). (*)

[ 298 ]

علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها، فلو بقيت الاشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها ؟ فقال العالم عليه السلام: إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالما أخر كان لا شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أنك تلزمنا، ونقول: إن الاشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ما ضم شئ منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم كما بان في تغيره دخوله في الحدث، ليس لك وراءه شئ يا عبد الكريم، فانقطع وخزي. فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم عليه السلام قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة، فقال العالم عليه السلام: أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم، فذهب يتكلم، فقال له: لاجدال في الحج ونفض رداءه من يده، وقال: إن يكن الامر كما تقول – وليس كما تقول – نجونا ونجوت، وإن يكن الامر كما نقول – و هو كما نقول – نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة (1) فردوني، فردوه ومات لارحمه الله. قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: من الدليل على حدث الاجسام (2) أنا وجدنا أنفسنا وسائر الاجسام (3) لا تنفك مما يحدث من الزيادة والنقصان وتجري عليها من الصنعة والتدبير ويعتورها من الصور والهيئات، وقد علمنا ضرورة أنا لم نصنعها ولا من هو من جنسنا وفي مثل حالنا صنعها، وليس يجوز في عقل، ولا يتصور في


(1) في نسخة (ج) و (د) و (ه‍) و (ط) (حرارة). (2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) (من الدليل على حدث العالم). (3) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (و) ((سائر أجسام العالم). (*)

[ 299 ]

وهم أن يكون ما لم ينفك من الحوادث ولم يسبقها قديما، ولا أن توجد هذه الاشياء على ما نشاهدها عليه من التدبير ونعاينه فيها من اختلاف التقدير، لا من صانع، أو تحدث لا بمدبر، ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من إتقان الصنعة وتعلق بعضه ببعض وحاجة بعضه إلى بعض، لا بصانع صنعه، ويحدث لا بموجد أوجده لكان ما هو دونه من الاحكام والاتقان أحق بالجواز وأولى بالتصور والامكان، وكان يجوز على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها، ودار مبنية لاباني لها، وصورة محكمة لا مصور لها، ولا يكمن (1) في القياس أن تأتلف سفينة على أحكم نظم وتجتمع على أتقن صنع لا بصانع صنعها، أو جامع جمعها، فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا عن النهاية والعقول كان الاول مثله، بل غير ما ذكرناه في العالم وما فيه من ذكر أفلاكه واختلاف أوقاته وشمسه وقمره وطلوعهما وغروبهما ومجئ برده وقيظه في أوقاتهما واختلاف ثماره وتنوع أشجاره ومجئ ما يحتاج إليه منها في إبانه ووقته أشد مكابرة وأوضح معاندة. وهذا واضح والحمد لله. وسألت بعض أهل التوحيد والمعرفة عن الدليل على حدث الاجسام، فقال: الدليل على حدث الاجسام أنها لا تخلو في وجودها من كون وجودها مضمن بوجوده، والكون هو المحاذاة في مكان دون مكان، ومتى وجد الجسم في محاذاة دون محاذاة مع جواز وجوده في محاذاة اخرى علم أنه لم يكن في تلك المحاذاة المخصوصة إلا لمعنى، وذلك المعنى محدث، فالجسم إذا محدث إذلا ينفك من المحدث ولا يتقدمه. ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بجسم أنه لا جسم إلا وله شبه إما موجود أو موهوم، وماله شبه من جهة من الجهات فمحدث بما دل على حدوث الاجسام، فلما كان الله عزوجل قديما ثبت أنه ليس بجسم. وشئ آخر: وهو أن قول القائل جسم سمة في حقيقة اللغة لما كان طويلا عريضا ذا أجزاء وأبعاض محتملا للزيادة (2) فإن كان القائل يقول: إن الله عزوجل جسم، يحقق هذا القول و


(1) في نسخة (ب) و (و) (ولامكن). (2) في بعض النسخ (محتملا). (*)

[ 300 ]

يوفيه معناه لزمه أن يثبته سبحانه بجميع هذه الحقائق والصفات، ولزمه أن يكون حادثا بما به يثبت حدوث الاجسام أو تكون الاجسام قديمة، وإن لم يرجع منه إلا إلى التسمية فقط كان واضعا للاسم في غير موضعه، وكان كمن سمى الله عزوجل إنسانا ولحما ودما، ثم لم يثبت معناها وجعل خلافه إيانا على الاسم دون المعنى، وأسماء الله تبارك وتعالى لا تؤخذ إلا عنه أو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن الائمة الهداة عليهم السلام. 7 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن للجسم ستة أحوال: الصحة والمرض والموت و الحياة والنوم واليقظة، وكذلك الروح فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكها، وصحتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها، ومن الدليل على أن الاجسام محدثة (1) أن الاجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو مفترقة، ومتحركة أو ساكنة، والاجتماع والافتراق والحركة والسكون محدثة، فعلمنا أن الجسم محدث لحدوث مالا ينفك منه ولا يتقدمه. فان قال قائل: ولم قلتم: إن الاجتماع والافتراق مبنيان وكذلك الحركة والسكون حتى زعمتم أن الجسم لا يخلو منهما ؟ قيل له: الدليل على ذلك أنا نجد الجسم يجتمع بعد أن كان مفترقا، وقد كان يجوز أن يبقى مفترقا، فلو لم يكن قد حدث معنى كان لا يكون بأن يصير مجتمعا أولى من أن يبقى مفترقا على ما كان عليه، لانه لم يحدث نفسه في هذا الوقت فيكون بحدوث نفسه ما صار مجتمعا (2) ولا بطلت في هذا الوقت فيكون لبطلانها، ولا يجوز أن يكون لبطلان معنى ما صار مجتمعا، ألا ترى أنه لو كان أنما يصير مجتمعا لبطلان معنى ومفترقا


(1) هذا الكلام إلى آخر الباب من المصنف، قد أتى بالحديث في ضمن كلامه شاهدا. (2) (ما) هذه مصدرية وكذا ما بعدها. (*)

[ 301 ]

لبطلان معنى لوجب أن يصير مجتمعا ومفترقا في حالة واحدة لبطلان المعنيين جميعا وأن يكون كل شئ خلامن أن يكون فيه معنى مجتمعا مفترقا، حتى كان يجب أن يكون الاعراض مجتمعة متفرقة لانها قد خلت من المعاني (1) وقد تبين بطلان ذلك، وفي بطلان ذلك دليل على أنه إنما كان مجتمعا لحدوث معنى و متفرقا لحدوث معنى، وكذلك القول في الحركة والسكون وسائر الاعراض. فان قال قائل: فإذا قلتم: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لوجود الاجتماع ومفترقا لوجود الافتراق فما أنكرتم من أن يصير مجتمعا مفترقا لوجودهما فيه كما ألزمتم ذلك من يقول: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لانتفاء الافتراق و مفترقا لانتفاء الاجتماع، قيل له: إن الاجتماع والافتراق هما ضدان والاضداد تنضاد في الوجود فليس يجوز وجودهما في حال لتضادهما، وليس هذا حكمهما في النفي لانه لا ينكر انتفاء الاضداد في حالة واحدة كما ينكر وجودها، فلهذا ما قلنا (2) إن الجسم لو كان مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع لوجب أن يصير مجتمعا مفترقا لانتفائهما، ألا ترى أنه قد ينتفي عن الاحمر السواد والبياض مع تضادهما وأنه لا يجوز وجودهما واجتماعهما في حال واحدة، فثبت أن انتفاء الاضداد لا ينكر في حالة واحدة كما ينكر وجودها، وأيضا فإن القائل بهذا القول قد أثبت الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وأوجب أن لا يجوز خلو الجسم منها لانه إذا خلا منها يجب أن يكون مجتمعا مفترقا ومتحركا ساكنا إذ كان لخلوه منها ما يوصف بهذا الحكم، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الجسم لم يخل من هذه الحوادث يجب أن يكون محدثا، ويدل على ذلك أيضا أن الانسان قد يؤمر بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون ويفعل ذلك ويحمد به ويشكر عليه ويذم عليه إذا كان قبيحا، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يؤمر بالجسم ولا أن ينهى عنه ولا


(1) أي المعاني الاربعة: الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. (2) ما هذه موصولة، وقوله: (لهذا) خبر له مقدم عليه، وأن بالفتح بدل عن الموصول، وفي نسخة (ج) (فلهذا ما قلته – الخ). (*)

[ 302 ]

أن يمدح من أجله ولا يذم له، فواجب أن يكون الذي امر به ونهي عنه واستحق من أجله المدح والذم غير الذي لا يجوز أن يؤمر به، ولا أن ينهى عنه، ولا أن يستحق به المدح والذم، فوجب بذلك إثبات الاعراض. فان قال: فلم قلتم: إن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ولم أنكرتم أن يكون قد خلا فيما لم يزل من ذلك ؟ فلا يدل ذلك على حدوثه. قيل له: لو جاز أن يكون قد خلا فيما مضى من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون لجاز أن يخلو منها الآن ونحن نشاهده، فلما لم يجز أن يوجد أجسام غير مجتمعة ولا مفترقة علمنا أنها لم تخل فيما مضى. فان قال: ولم أنكرتم أن يكون قد خلا من ذلك فيما مضى وإن كان لا يجوز أن يخلو الآن منه ؟ قيل له: إن الازمنة والامكنة لا تؤثران في هذه الباب، ألا ترى لو كان قائل قال: كنت أخلو من ذلك عام أول أو منذ عشرين سنة وإن ذلك سيمكنني بعد هذا الوقت أو يمكنني بالشأم دون العراق أو بالعراق دون الحجاز لكان عند أهل العقل مخبلا جاهلا، والمصدق له جاهل، فعلمنا أن الازمنة و الامكنة لا تؤثران في ذلك، وإذا لم يكن لها حكم ولا تأثير في هذا الباب فواجب أن يكون حكم الجسم فيما مضى وفيما يستقبل حكمه الآن، وإذا كان لا يجوز أن يخلو الجسم في هذا الوقت من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون علمنا أنه لم يخل من ذلك قط، وأنه لو خلا من ذلك فيما مضى كان لا ينكر أن يبقى على ما كان عليه إلى هذا الوقت، فكان لو أخبرنا مخبر عن بعض البلدان الغائبة أن فيها أجساما غير مجتمعة ولا مفترقة ولا متحركة ولا ساكنة أن نشك في ذلك ولا نأمن أن يكون صادقا، وفي بطلان ذلك دليل على بطلان هذا القول، وأيضا فإن من أثبت الاجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها غير متقاربة بعضها عن بعض، ولا متباعدة بعضها عن بعض، وهذه صفة لاتعقل لان الجسمين لابد من أن يكون بينهما مسافة وبعد، أولا يكون بينهما مسافة ولا بعد ولا سبيل إلى ثالث، فلو كان بينهما مسافة وبعد لكانا مفترقين ولو كان لا مسافة بينهما ولا بعد لوجب أن يكونا مجتمعين


[ 303 ]

لان هذا هو حد الاجتماع والافتراق، وإذا كان ذلك كذلك فمن أثبت الاجسام غير مجتمعة ولا مفترقة فقد أثبتها على صفة لا تعقل، ومن خرج بقوله عن المعقول كان مبطلا. فان قال قائل: ولم قلتم: إن الاعراض محدثة ولم أنكرتم أن تكون قديمة مع الجسم لم تزل ؟ قيل له: لانا وجدنا المجتمع إذا فرق بطل منه الاجتماع وحدث له الافتراق، وكذلك المفترق إذا جمع بطل منه الافتراق وحدث له الاجتماع والقديم هو قديم لنفسه ولا يجوز عليه الحدوث والبطلان، فثبت أن الاجتماع والافتراق محدثان، وكذلك القول في سائر الاعراض، ألا ترى أنها تبطل بأضدادها ثم تحدث بعد ذلك، وما جاز عليه الحدوث والبطلان لا يكون إلا محدثا، وأيضا فإن الموجود القديم الذي لم يزل لا يحتاج في وجوده إلى موجد، فيعلم أن الوجود أولى به من العدم لانه لو لم يكن الوجود أولى به من العدم لم يوجد إلا بموجد، وأذا كان ذلك كذلك علمنا أن القديم لا يجوز عليه البطلان إذا كان الوجود أولى به من العدم، وأن ما جاز عليه أن يبطل لا يكون قديما. فان قال: ولم قلتم: إن ما لم يتقدم المحدث يجب أن يكون محدثا ؟ قيل له: لان المحدث هو ما كان بعد أن لم يكن، والقديم هو الموجود لم يزل، و الموجود لم يزل يجب أن يكون متقدما لما قد كان بعد أن لم يكن، وما لم يتقدم المحدث فحظه في الوجود حظ المحدث لانه ليس له من التقدم إلا ما للمحدث، وإذا كان ذلك كذلك وكان المحدث بما له من الحظ في الوجود والتقدم لا يكون قديما بل يكون محدثا، فذلك ما شاركه في علته وساواه في الوجود ولم يتقدمه فواجب أن يكون محدثا. فان قال: أو ليس الجسم لا يخلو من الاعراض ولا يجب أن يكون عرضا فما أنكرتم أن لا يخلو من الحوادث ولا يجب أن يكون محدثا ؟ قيل له: إن وصفنا العرض بأنه عرض ليس هو من صفات التقدم والتأخر، إنما هو إخبار عن


[ 304 ]

أجناسها (1) والجسم إذا لم يتقدمها فليس يجب أن يصير من جنسها، فلهذا لا يجب أن يكون الجسم وإن لم يتقدم الاعراض عرضا إذا لم يشاركها فيما له كانت الاعراض أعراضا، ووصفنا القديم بأنه قديم هو إخبار عن تقدمه ووجوده لا إلى أول، ووصفنا المحدث بأنه محدث هو إخبار عن كونه إلى غاية ونهاية وابتداء و أول، وإذا كان ذلك كذلك فما لم يتقدمه من الاجسام فواجب أن يكون موجودا إلى غاية ونهاية، لانه لا يجوز أن يكون الموجود لا إلى أول لم يتقدم الموجود إلى أول وابتداء، وإذا كان ذلك كذلك فقد شارك المحدث فيما كان له محدثا و هو وجوده إلى غاية، فلذلك وجب أن يكون محدثا لوجوده إلى غاية ونهاية، و كذلك الجواب في سائر ما تسأل في هذا الباب من هذه المسألة. فان قال قائل: فإذا ثبت أن الجسم محدث فما الدليل على أن له محدثا ؟ قيل له: لانا وجدنا الحوادث كلها متعلقة بالمحدث. فإن قال: ولم قلتم: إن المحدثات إنما كانت متعلقة بالمحدث من حيث كانت محدثة ؟ قيل: لانها لو لم تكن محدثة لم تحتج إلى محدث، ألا ترى أنها لو كانت موجودة غير محدثة أو كانت معدومة لم يجز أن تكون متعلقة بالمحدث، وإذا كان ذلك كذلك فقد ثبت أن تعلقها بالمحدث إنما هو من حيث كانت محدثه، فوجب أن يكون حكم كل محدث حمكها في أنه يجب أن يكون له محدث، وهذه أدلة أهل التوحيد الموافقة للكتاب والآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم والائمة عليهم السلام. 43 – باب * (حديث ذعلب) * 1 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قالا: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثني محمد بن أبي السري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن


(1) أي عن أجناس الاعراض. (*)

[ 305 ]

سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه السلام في الخلافه وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لابسا بردة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متنعلا نعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، متقلدا سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه السلام عليه متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أصفل بطنه، ثم قال: يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتى ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) (1). ثم قال: سلوني قبل أن تفقذوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آيه آية في ليل انزلت أو في نهار انزلت، مكيها ومدنيها، سفريها و حضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لاخبرتكم، فقام إليه رجل يقال له: ذعلب وكان ذرب اللسان، بليغا في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن ابي طالب مرقاة صعبة لا خجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ قال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباه لم أره، قال: فكيف رأيته ؟ صفه لنا ؟ قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف


(1) الرعد: 39، ظاهر كلامه عليه السلام أن علمه عليه السلام دون البداء، ولكن الايات و الاخبار تدل على أنه شامل له، فلابد من صرفه عن ظاهره، بل الظهور ممنوع. (*)

[ 306 ]

بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئه ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا باللفظ، هو في الاشياء على غير ممازجة. خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ فلا يقال: له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها. ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الاشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم الكتاب ولم يبعث إليهم نبي ؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا، حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فأرتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت، وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وامنا حواء ؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه ؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدروهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الاشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا. ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل


[ 307 ]

دين الله، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها أي الكفر بعد الايمان، أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها السائل إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام، قال له: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حميما قريبا، قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي عليه السلام على المنبر ثم قال: مالكم هذا أخي الخضر عليه السلام. ثم قال: سلوني قبل ان تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه و صلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال للحسن عليه السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسن بن علي لا يحسن شيئا، قال الحسن عليه السلام: يا أبت كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى، قال له: بأبي وامي اواري نفسي عنك وأسمع وأرى وأنت لا تراني، فصعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله صلاة موجزة، ثم قال: أيها الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلا من بابها، ثم نزل فوثب إليه علي عليه السلام فحمله وضمه إلى صدره، ثم قال للحسين عليه السلام: يا بني قم فاصعد المنبر وتكلم بكلام لاتجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك، فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: إن عليا هو مدينة هدى فمن دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك، فوثب


[ 308 ]

إليه علي فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى الله عليه وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا أستودعكموها، معاشر الناس ورسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم سائلكم عنهما. 2 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني الحسين بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثني الحسين بن يحيى الكوفي، قال: حدثني قثم بن قتادة، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له: ذعلب ذرب اللسان، بليغ في الخطاب شجاع القلب، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال: ويلك ياذعلب ما كنت أعبد ربا لم أراه، قال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته ؟ قال: ويلك ياذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك ياذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، قبل كل شئ فلا يقال: شئ قبله، وبعد كل شئ فلا يقال: شئ بعده شائي الاشياء لابهمة دراك لا بخديعة، هو في الاشياء كلها غير متمازح بها ولا بائن عنها، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، بائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لابعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحركة، مريد لابهمامة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة، لا تحويه الاماكن، ولا تصحبه الاوقات، ولا تحده الصفات، ولا تأخذه السنات، سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لاجوهر له، وبمضادته بين الاشياء عرف أن لاضد له، وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لاقرين له، ضاد النور بالظلمة، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله عزوجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين


[ 309 ]

لعلكم تذكرون) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها على أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لاوقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لاحجاب بينه وبين خلقه غير خلقه، كان ربا إذ لامربوب، وإلها إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسمعيا إذ لا مسموع. ثم انشأ يقول: (ولم يزل سيدي بالحمد معروفا * ولم يزل سيدي بالجود موصوفا) (وكنت (2) إذ ليس نور يستضاء به * ولا ظلام على الآفاق معكوفا) (وربنا بخلاف الخلق كلهم * وكل ما كان في الاوهام موصوفا) (فمن يرده على التشبيه ممتثلا * يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا) (وفي المعارج يلقى موج قدرته * موجا يعارض طرف الروح مكفوفا) (فاترك أخا جدل في الدين منعمقا * قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا) (واصحب أخا ثقة حبا لسيده * وبالكرامات من مولاه محفوفا) (أمسى دليل الهدى في الارض منتشرا * وفي السماء جميل الحال معروفا) قال: فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم أفاق، وقال: ما سمعت بهذا الكلام، ولا أعود إلى شئ من ذلك. قال مصنف هذا الكتاب: في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه السلام في خطبته (3) وهذا تصديق قولنا في الائمة عليهم السلام إن علم كل واحد منهم مأخوذ عن أبيه حتى يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله. 44 – باب حديث سبخت اليهودي 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن


(1) الذاريات: 49. (2) في البحار وفي نسخة (ج) و (و) (وكان – الخ). (3) هي الحديث الثاني في الباب الثاني، ورواه الكليني في باب جوامع التوحيد من الكافي، ومذكور في نهج البلاغة مع زيادات. (*)

[ 310 ]

عيسى وإبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن علي، عن داود بن علي اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله يهودي يقال له: سبخت (1) فقال له: يا محمد جئت أسألك عن ربك فان أجبتني عما أسألك عنه اتبعتك وإلا رجعت، فقال له: سل عما شئت، فقال: أين ربك ؟ فقال: هو في كل مكان وليس هو في شئ من المكان بمحدود، قال: فكيف هو ؟ فقال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق الله، والله لا يوصف بخلقه، قال: فمن يعلم أنك نبي ؟ (2) قال: فما بقي حوله حجر ولا مدر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا شيخ (3) إنه رسول الله، فقال سبخت: تالله ما رأيت كاليوم أبين (4) ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. 2 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثني أحمد بن جعفر العقيلي بقهستان، قال: حدثني أحمد بن علي البلخي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الخزاعي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الازهري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في بعض خطبه: من الذي حضر سبخت الفارسي


(1) اختلف في ضبط هذه اللفظة كثيرا على ما ذيل البحار المطبوع جديدا في الجزء الثالث في الباب الرابع عشر، وفي حاشية نسخة (و) بضم السين المهملة والباء الموحدة المشددة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة والتاء المفتوحة لقب أبي عبيدة. وقال بعض الافاضل: (الاصح بالخاء المعجمة وبخت كلمة كانت تدخل في أعلام أهل الكتاب وفيهم صهار بخت أي چهار بخت وبختيشوع وسبخت مركب من بخت وسه بمعنى الثلاثة). (2) في حاشية نسخة (ط) و (ن) (فمن أين يعلم أنك نبي ؟). (3) في حاشية نسخة (ب) (ياسبخت)، والصواب (ياسبخ)) مرخما. (4) في حاشية نسخة (ب) (ما رأيت كاليوم اثنين) والمراد بهما جوابه صلى الله عليه وآله وتكلم الاشياء حوله. (*)

[ 311 ]

وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال القوم: ما حضره منا أحد، فقال علي عليه السلام: لكني كنت معه عليه السلام وقد جاءه سبخت وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا، فقال: يا محمد إلى ما تدعوه ؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فقال سبخت: وإين الله يا محمد ؟ قال: هو في كل مكان موجود بآياته، قال: فكيف هو ؟ فقال: لا كيف له ولا أين لانه عزوجل كيف الكيف وأين الاين، قال: فمن أين جاء ؟ قال: لا يقال له: جاء، وإنما يقال: جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربنا لا يوصف بمكان ولا بزوال، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال، فقال: يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف، فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلا قال مكانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وقلت أنا أيضا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، فقال: يا محمد من هذا ؟ فقال: هو خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو الوزير مني في حياتي (1) والخليفة بعد وفاتي، كما كان هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، فاسمع له وأطع فإنه على الحق، ثم سماه عبد الله. 45 – باب معنى (سبحان الله) 1 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري من ولد عمار بن ياسر رحمه الله قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الاذني بأذنة (2) قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني (3) قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن يحيى –


(1) في نسخة (ج) و (ط) (وهذا الوزير مني – الخ). (2) قد مر ضبطه في الحديث الرابع في الباب الثامن والثلاثين. (3) قال في المراصد: معان بالفتح وآخره نون مدينة في طرف بادية الشأم تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء، وهي الان خراب منها ينزل حاج الشأم إلى البر. (*)

[ 312 ]

ابن عقبة بن أبي العيزار (1) قال: حدثنا محمد بن حجار، عن يزيد بن الاصم، قال: سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين ما تفسير سبحان الله ؟ قال: إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ، وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أبا الحسن ما تفسير سبحان الله ؟ قال: هو تعظيم جلال الله عزوجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك. 2 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سبحان الله، فقال عليه السلام: أنفة لله عزوجل (2). 3 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال (3) عن هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل (سبحان الله) ما يعني به ؟ قال: تنزيهه. 46 – باب معنى (الله اكبر) 1 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن


(1) يحيى بن عقبة بن أبي العيزار ابو القاسم كوفي، والعيزار بالفتح فالسكون الرجل الصلب الشديد والغلام الخفيف الروح واسم شجر وطائر. (2) الانفة بالفتحات مصدر بمعنى التنزه والاستنكاف، والمراد أن من قال: سبحان الله قال باستنكافه وتنزهه وتعاليه تعالى عن شبه المخلوق. (3) في معاني الاخبار وفي نسخة (و) (سليم مولى طربال). وقال الاردبيلي في جامع الرواة: الظاهر اتحاد سليم وسليمان مولى طربال واشتباه أحدهما بالاخر بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه والخبر. بل الظاهر اتحادهما مع سليم وسليمان الفراء أيضا على ما بيناه في ترجمة حريز بن عبد الله والله أعلم. انتهى. (*)

[ 313 ]

سهل بن زياد الآدمي، عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رجل عنده. (الله أكبر) فقال: الله أكبر من أي شئ ؟ ! فقال: من كل شئ فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته، فقال الرجل: كيف أقول ؟ فقال: قل: الله أكبر من أن يوصف. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن مروك بن عبيد (1) عن جميع بن عمرو (2) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ (الله أكبر) ؟ ! فقلت: الله أكبر من كل شئ، فقال: وكان ثم شئ فيكون أكبر منه ؟ ! فقلت: فما هو ؟ قال: الله أكبر من أن يوصف (3) 47 – باب معنى (الاول والآخر) 1 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذنية، عن محمد بن حكيم، عن الميمون البان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن قوله عزوجل: هو الاول والآخر، فقال عليه السلام: الاول لا عن أول كان قبله ولا عن بدئ سبقه، والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين، ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا


(1) في نسخة (د) و (ب) (هارون بن عبيد). (2) في معاني الاخبار والكافي باب معاني الاسماء في حاشية نسخة (و) جميع بن عمير. (3) حاصل بيانه عليه السلام في هذا الباب أن وصفه تعالى بأنه أكبر من الاشياء يستلزم أن يكون مبائنا عنها بحيث يكون بينه وبينها حد فاصل ليتصور هو بحده وهي بحدودها فيحكم بأنه أكبر منها ولو لا الحد بين الشيئين لا يتصور الاكبرية والاصغرية بينهما مع أنه تعالى مع كل شئ قيوما قائما كل شئ به بحيث يضمحل الكل في جنبه تعالى، والى هذا أشار عليه السلام بقوله استنكارا: (وكان ثم شئ الخ) فتدبر، فهو أكبر من أن يوصف لامتناع محدوديته واضمحلال كل محدود في جنب عظمته وكبريائه. (*)

[ 314 ]

نهاية، لا يقع عليه الحدوث، ولا يحول من حال إلى حال، خالق كل شئ. 2 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (هو الاول والآخر) وقلت: أما الاول فقد عرفناه، وأما الآخر فبين لنا تفسيره، فقال: إنه ليس شئ إلا يبيد أو يتغير أو يدخله الغير (1) والزوال أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين، فإنه لم يزل ولا يزال واحدا (2) هو الاول قبل كل شئ وهو الآخر على ما لم يزل، لا تختلف عليه الصفات والاسماء ما يختلف على غيره مثل الانسان الذي يكون ترابا مرة، ومرة لحما، ومرة دما، ومرة رفاتا ورميما، وكالتمر الذي يكون مرة بلحا، ومرة بسرا، ومرة رطبا، ومرة تمرا، فيتبدل عليه الاسماء والصفات، والله عزوجل بخلاف ذلك (3).


(1) الغير بالفتح فالسكون مصدر واسم مصدر بمعنى تغير الحال وانتقالها، وبالكسر فالفتح اسم جمع بمعنى الاحداث المغيرة لحال الشئ، وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (أو يدخله التغير). (2) في نسخة (ط) و (ن) (فانه لم يزل ولا يزال بحاله واحدا). (3) للاول والاخر معان ذكرت في العلوم العقلية، والاولية في حقه تعالى هي الحقيقة وهي بحسب الوجود وهي مساوقة لمعنى القدم، والاخرية بمعنى البقاء بعد كل شئ بال تغير وتحول كما فسره الامام عليه السلام في هذا الخبر من لوازم الاولية الحقيقية، لان ما ثبت قدمه امتنع عدمه وتغيره، فمعني الاولية والاخرية له تعالى أزليته وأبديته من دون تغير وزوال، واذ انه واحد ولا في مرتبته شئ فليس لشئ سواه هذا الشأن فصح كلية قوله عليه السلام: (انه ليس شئ الا يبيد أو يتغير – الخ). (*)

[ 315 ]

48 – باب معنى قول الله عزوجل (الرحمن على العرش استوى) 1 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ هو أقرب إليه من شئ. 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين (1) عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى (2)) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى من كل شئ (3).


(1) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ن) و (ه‍) (عن محمد بن الحسن). (2) طه: 5. (3) استعمل الاستواء في معان: استقرار شئ على شئ وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الامام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لانه من خواص الجسم. والعناية إلى الشئ ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الاقوال قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء). والاستيلاء على الشئ كقول الشاعر: فلما علونا واستوينا عليهم * تركناههم صرعى لنسر وكاسر والاية التي نحن فيها فسرت به في بعض الاقوال وفي الحديث الاول من الباب الخمسين. والاستقامة، وفسر بها قوله تعالى: (فاستوى على سوقه) وهذا قريب من المعنى الاول. والاعتدال في شئ وبه فسر قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى). والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: (وما يستوى الاحياء ولا الاموات) وفسر الامام عليه السلام الاية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لانه تعالى في كل مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وانما الاختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى. (*)

[ 316 ]

3 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي، قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو (1) قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب، قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي، قال: حدثنا عبد الله بن عاصم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم ارشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان ؟ فقال علي عليه السلام: لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاطة به مكان، بل كان لم يزل بلاحد ولا كيف، قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أوفي الآخرة ؟ قال علي عليه السلام: لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبدا، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن يحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيار، والآخرة، قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل ؟ فقال علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل، قال النصراني: فكيف ذاك ؟ ! ونحن نجد في الانجيل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عزوجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ على الشئ، وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت رحمك الله – والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة -. 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض


(1) الصغد بالضم فالسكون قرى بين بخارا وسمرقند. (*)

[ 317 ]

رجاله رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ. 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عزوجل من شئ أوفي شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له، أو بإمساك له، أو من شئ سبقه. 6 – وفي رواية اخرى قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا. 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عزوجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ. 8 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كذب من زعم أن الله عزوجل من شئ أو في شئ أو على شئ. 9 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عزوجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور (1)، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا. قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عزوجل (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) (2) ولا حجة لها في ذلك لانه عزوجل عنى بقوله: (ثم استوى على


(1) في نسخة (ج) (ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا). (2) الاعراف: 54. (*)

[ 318 ]

العرش) أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عزوجل: (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا يجوز أن يكون معنى قوله: (استوى) استولى لان استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الاشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكا لكل شئ ومستوليا على كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الاستواء بعد قوله: (ثم) وهو يعنى الرفع مجازا، وهو كقوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (1) فذكر (نعلم) مع قوله: (حتى) وهو عزوجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك لان حتى لا يقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عزوجل بالاشياء لا يكون حادثا، وكذلك ذكر قوله عزوجل: (استوى على العرش) بعد قوله: (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لان الله لا يجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (2)


(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 31. (2) حاصل مراده رحمه الله أن (ثم) لا يتعلق بقوله (استوى) لانه بمعنى استولى و استيلاؤه تعالى على العرش لا يكون متأخرا عن خلق السماوات والارض لانه مالك ملك مستول على كل شئ أزلا، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات لانه استوى عليه، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والاربعين، وقيل: ثم اظهر استواؤه على العرش للملائكة، وقيل: ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق السماوات والارض، وقيل: ثم بين أنه استوى على العرش، وقيل: ثم صح الوصف بأنه مستو على العرش لانه لم يكن عرش قبل وجوده، والحق ان ثم لمجرد الترتيب، والاستواء هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد، وحصال المعنى أنه تعالى استوى على العرش الذى هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الامر ونفاذه فيه بعد الايجاد ألا له خلق الاشياء وأمرها بعد ايجادها، ولا يخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الاية، ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله: (الرحمن على العرش استوى) ثم ان قوله: (على العرش) متعلق باستوى ان فسر بالاستيلاء، وان فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف و استوى حال أو خبر بعد خبر، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا. (*)

[ 319 ]

49 – باب معنى قوله عزوجل: (وكان عرشه على الماء) (1) 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جذعان بن نصر أبو نصر الكندي، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير (2) عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله، عزوجل: (وكان عرشه على الماء) فقال لي: ما يقولون في ذلك ؟ قلت: يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه، فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه، قلت: بين لي جعلت فدالك، فقال: إن الله عزوجل حمل علمه ودينه الماء (3) قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه (4) فقال لهم: من ربكم ؟ ! فكان أو من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام و الائمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وامنائي في خلقي وهم المسؤولون (5) ثم قيل لبني –


(1) هود: 7. (2) في نسخة (ج) و (ط) وحاشية نسخة (ن) (عن عبد الله بن كثير) وهو تصحيف والخبر رواه الكليني في الكافي باب العرش والكرسي باسناده عن عبد الرحمن عن داود. (3) لا يبعد أن يكون المراد بالماء هنا أول ما خلقه الله الذي ذكر في الحديث العشرين من الباب الثاني، الا أن الاحتمال الاول هناك غير آت هنا. (4) فيه اشارة إلى عالم الذر، أي فلما أراد أن يخلق الخلق هذه الخلقة وكانوا ذرا نثرهم بين يديه – الخ. (5) اشارة إلى قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) روي الكليني – رحمه الله – في كتاب الحجة من الكافي باب ان أهل الذكر هم الائمة عليهم السلام بالاسناد = (*)

[ 320 ]

آدم: أقر والله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: اشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (1) يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق. 2 – حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الانصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن قول الله عزوجل: (وهو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السموات والارض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزوجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع (2) وخلق السموات والارض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عزوجل خلقها في ستة إيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لانه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لانه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا. وأما قوله عزوجل: (ليبلوكم


= عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (ان من عندنا يزعمون أن قول الله عزوجل: (فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) انهم اليهود والنصارى، قال: إذا يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: (نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون). (1) الاعراف: 173، ويقولوا في الموضعين في النسخ بالياء الا نسخة (ب) و (و) ففيهما بالتاء، والقراءات بالتاء الا أبا عمرو فانه قرأ بالياء. (2) الذي أفهم من هذا الكلام بشهادة الكلام بشهادة أحاديث أن للعرش رفعة وتفوقا على السماوات والارض من حيث شؤونه، وليس الكلام نصا بل ولا ظاهرا في الرفع الجسماني والنقل المكاني. (*)

[ 321 ]

أيكم أحسن عملا) فإنه عزوجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لانه لم يزل عليما بكل شئ، فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك. 50 – باب العرش وصفاته 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي، فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة (1) فقوله: (رب العرش العظيم) يقول: الملك العظيم، وقوله: (الرحمن على العرش استوى) يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك الكيفوفية الاشياء (2) ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي (3) لانهما بابان من اكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما


(1) (سبب) مضاف إلى (وضع) بصيغة المصدر، أي للعرش في كل مورد في القرآن اقتضى سبب وضعه وذكره في ذلك المورد صفة على حدة، وفي نسخة (ه‍) (له في كل سبب وضع في القرآن وصفة على حدة) وفي نسخة (ط) والبحار (له في كل سبب وصنع في القرآن صفة على حدة). وبعض الافاضل قرأ الجملة (في كل سبب وضع) على صيغة المجهول. (2) الكيفوفية بمعنى الكيفية مأخوذة من الكيف، وهو سؤال عن حال الشئ يقال: كيف أصبحت أي على أي حال أصبحت، فملك الكيفوفية ملك الاحوال الواقعة في الاشياء و الامور الحاصلة فيها بعد ايجادها، فانه تعالى مالك الايجاد ومالك ما يقع في الموجودات بعد الايجاد (ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين). (3) أي ثم العرش في حال كونه متصلا بالكرسي مرتبطا به متفرد منه متميز عنه، أو المعنى: ثم العرش متفرد من الكرسي ومتميز عنه في وصله بالامور الواقعة في الكون فانه متصل بها مؤثر فيها بلا واسطة، وأما العرش فمقدم على الكرسي ومؤثر فيها بواسطته، = (*)

[ 322 ]

في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر (1) من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الاشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الارادة، وعلم الالفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء (2) فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: (رب العرش العظيم) أي صفته أعظم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان، قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي ؟ قال: إنه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها (3) وحد رتقها وفتقها،


= وحاصل كلامه عليه السلام أن العرش والكرسي موجودان من الموجودات الملكوتية غائبان عن ادراكنا، في كل منهما علم الاشياء ومن كل منهما تدبيرها من حيث سلسلة عللها وخصوصياتها، الا أن العرش مقدم في ذلك على الكرسي، ومن العرش يجري إلى الكرسي ما يجرى في الاشياء، كما أن عرش السلطان يجرى منه تدبير الامور إلى الامير صاحب الكرسي ثم منه إلى المقامات العاملة المباشرة لامور المملكة. (1) في نسخة (ب) (لان الكرسي هو التأويل الظاهر – الخ) وفي نسخة (ج) (الا ان الكرسي – الخ). (2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) ((وعلم العود والبداء). (3) من الاين أي أمكنه أبواب البداء ومواضعها، وفي نسخة (ب) و (د) (انيتها) أي ثبوتها، وفي نسخة (و) و (ن) (أبنيتها) جمع البناء وهذا يرجع إلى المعنى الاول، و بيانه أن الكرسي صار جار العرش وقرينا له لان علم الكيفوفية فيه كما هو في العرش أيضا، ولكنه يمتاز عن العرش بأن فيه البداء دونه، وانما هو مكان البداء وفيه يرتق ويفتق لان في العرش علم كل شئ مع ارساله وتعليقه، وأما الكرسي فيصل إليه علم كل شئ من العرش بالارسال سواء كان مرسلا في الواقع أو معلقا، والبداء يأتي بيانه في بابه ان شاء الله تعالى، وفي نسخة (ه‍) (وفيه الظاهر من أبواب البدء) وفي نسخة (ب) (وفيه الظاهر من علم أبواب البداء). (*)

[ 323 ]

فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف (1) وبمثل صرف العلماء (2) و يستدلوا على صدق دعواهما (3) لانه يختص برحمته من يشاء وهو القوى العزيز. فمن اختلاف صفات العرش (4) أنه قال تبارك وتعالى: (رب العرش عما يصفون) (5) وهو وصف عرش الوحدانية لان قوما أشركوا كما قلت لك (6) قال تبارك وتعالى: (رب العرش) رب الواحدانية عما يصفون، وقوما وصفوه بيدين فقالوا: (يد الله مغلولة) وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على ضخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء (7) وقوما وصفوه بالانامل فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه واله وسلم قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي، فلمثل هذه الصفات قال: (رب


(1) أي تعبير الحمل باعتبار صرف الكلام من غير المحسوس إلى المحسوس وبيان غير المحسوس بالمحسوس، فانهما جاران الا أن الكرسي قائم بالعرش كما أن المحمول من الاجسام قائم بالحامل، وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) وحاشية نسخة (ط) والبحار (في الظرف) أي في الوعاء أي حمل صاحبه في وعاء علمه وسعة تأثيره. (2) (مثل) بفتحتين مفرد أو بضمتين جمع المثال، و (صرف) فعل ماض من التصريف وفاعله العلماء، أي بالامثال يصرف العلماء في الكلام حتى يقرب من الذهن ما غاب عن الحس، و يستدلون بها على صدق دعواهم. (3) هكذا في النسخ بصيغة المثنى، ويمكن أن يكون من خطأ النساخ، ويحتمل اضافة (دعوى) إلى العرش والكرسي بالحذف والايصال أي دعواهم فيهما، وكذا لاوجه لحذف النون من قوله: ويستدلوا، ولكن في حاشية نسخة (ط) والبحار (ليستدلوا) وعلى هذا فتقدير الكلام: وذكرت هذا البيان في العرش والكرسي ليستدل العلماء على صدق دعواهم فيهما به. (4) أي فمن صفاته المختلفة المشار إليها في صدر الحديث. (5) الانبياء: 22، الزخرف: 82. (6) في نسخة (و) (وهو عرش وصف الوحدانية لا قوام اشركوا – الخ)، ولفظ (قوم) في المواضع الثلاثة بعد غير مكتوب بالالف فهو مجرور أو مرفوع. (7) مضى ذكر هذه الفرية في الحديث الثالث عشر من الباب الثامن والعشرين. (*)

[ 324 ]

العرش عما يصفون) يقول رب المثل الاعلى عما به مثلوه (1) ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الاعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأذنى الامثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به (2) فلذلك قال: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الاسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التى وصفها في الكتاب فقال: (فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) (3) جهلا بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (4) فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها، يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمدا صلى الله عليه واله وسلم فكان الدليل على الله بأذن الله عزوجل حتى مضى دليلا هاديا فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الائمة الراشدون عليهم السلام. 51 – باب أن العرش خلق ارباعا (5) 1 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن


(1) كلمة (عن) في كلامه عليه السلام متعلقة بسبحان في الاية، أو بالاعلى في كلامه. (2) (ما) هذه مصدرية، أي وشبهوه بالمتشابه منهم في حال جهلهم به. (3) الاعراف: 180. (4) يوسف: 106. (5) اعلم أن العرش في اللغة يأتي بمعنى سرير السلطنة، ومنه قوله تعالى: (أيكم يأتيني بعرشها) وبمعنى السقف وأعالي البناء، ومنه قوله تعالى: (وهي خاوية على عروشها) ويأتي مصدرا بمعان، وسيتعمل مجازا واستعارة لمعان، كل ذلك مذكور في مظانه، وأما تفسيراته في العلوم فعند أهل الحكمة والهيئة يطلق على الفلك التاسع فكونه أرباعا على هذا انما هو لفرض دائرتين متقاطعتين على ما فصل في كتب الهيئة، أو لكونه مركبا من = (*)

[ 325 ]

الحسن الصفار، عن علي بن أسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: إن الله عزوجل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم و


= العقل والنفس والمادة والصورة على ما ذكر في بعض الكتب، وفسر في بعض الاخبار كالحديث الاول من الباب التاسع والاربعين بعلمه تعالى، لا علمه الذاتي الذي هو عين ذاته، بل العلم الذي أعطى أول من خلق وحمل عليه، وعلى هذا فكونه أرباعا باعتبار أصول العلم كله وأركانه التي هي أربع كلمات من كلمات التوحيد، كما اشير إلى هذا في حديث رواه العلامة المجلسي – رحمه الله – في الرابع عشر من البحار عن الفقيه والعلل والمجالس عن الصادق عليه السلام (أنه سئل لم سمي الكعبه كعبه ؟ قال لانها مربعة، فقيل له: لم صارت مربعة ؟ قال لانها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربعا ؟ قال: لانه بحذاء العرش وهو مربع، فقيل له: ولم صار العرش مربعا ؟ قال: لان الكلمات التي بني عليها الاسلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر. وحقيقه هذا العلم نور ينور به ما دون العرش من الموجودات كما اشير في حديث الباب وفيما رواه الكليني – رحمه الله – في باب العرش والكرسي من الكافي في حديث الجاثليق عن أمير المؤمنين عليه السلام: (ان العرش خلقه الله من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفره ونور أبيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة، وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، و بعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والارض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة والاديان المشتبهة، فكل محمول، يحمله بنوره وعظمته وقدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شئ، وهو حياة كل شئ ونور كل شئ، (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبير). وأما العرش بمعنى الملك وجميع الخلق والقدرة والدين وبعض الصفات كعرش الوحدانية على ما ورد كل ذلك في الاخبار فتصور تربعه بعيد، والعلم عند الله وعند صفوته. (*)

[ 326 ]

النور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار (1) ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين (2) ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو اذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولاهلك ما دونه، له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة مالا يحصي عددهم إلا الله عزوجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو حس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين (3) بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم (4) وليس وراء هذا مقال (5).


(1) قيل في تلون هذه الانوار بهذه الالوان: وجوه مر أحدها في ذيل الحديث الثالث عشر في الباب الثامن. (2) بالجعل المركب فهو اصل لهذه الاطباق فتدبر. (3) أي لو حس شئ من تلك الاطباق شيئا مما فوقه – الخ، كما لو اذن للسان من السنة تلك الاطباق فاسمع شيئا مما تحته لهدم – الخ، ونقل المجلسي – رحمه الله – هذا الحديث في الرابع عشر من البحار عن تفسير القمي والكشي وكتاب الاختصاص والتوحيد، وقال: لو أحس شئ مما فوقه لعل قوله مما فوقه مفعول أحس أي شيئا مما فوقه، وفي الاختصاص (ولو أحس شيئا مما فوقه) أي حاس أو كل من الملائكة الحاملين، وفي بعض النسخ (ولو أحس حس شئ منها)، وفي بعضها (ولو أحس حس شيئا)، وهو أظهر، انتهى (4) (بين) مع معادله خبر مقدم والجبروت مبتدء مؤخر، والضمير المجرور يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير حس، وفي نسخة (ج) و (و) و (ه‍) (والعلم). (5) أي لا يوصف ما فوق هذه الامور بالقول، وفي نسخة (ب) و (د) (وليس بعد هذا مقال). (*)

[ 327 ]

52 – باب معنى قول الله عزوجل: (وسع كرسيه السموات والارض) (1) 1 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (وسع كرسيه السموات والارض) قال: علمه. 2 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ((وسع كرسيه السموات والارض) فقال: السماوات والارض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره. 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي عن فضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (وسع كرسيه السموات والارض) فقال: يا فضيل السماوات والارض وكل شئ في الكرسي. 4 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (وسع كرسيه السموات والارض) السماوات و الارض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السموات والارض ؟ فقال: بل الكرسي وسع السموات والارض والعرش (2) وكل شئ في الكرسي.


(1) البقرة: 255. (2) العرش اما بالنصب عطف على السماوات أو بالرفع معطوف عليه كل شئ، وعلى كلا التقديرين يدل الكلام على أن الكرسي أعظم من العرش، وفي كثير من الاخبار التي ذكر بعضها في هذا الكتاب (أن العرش أعظم من الكرسي) ويمكن الجمع بارادة معنى للعرش = (*)

[ 328 ]

5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (وسع كرسيه السموات والارض) السماوات والارض وسعن الكرسي، أم الكرسي وسع السماوات والارض ؟ فقال: إن كل شئ في الكرسي (1). 53 – باب فطرة الله عزوجل الخلق على التوحيد 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن فضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عزوجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (2) قال: التوحيد. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم،


= في هذا الحديث وارادة معنى آخر في تلك الاخبار، وقيل: العرش معطوف على الكرسي أي والعرش أيضا كالكرسي وسع السماوات والارض. (1) قال العلامة المجلسي – رحمه الله – في الرابع عشر من البحار: لعل سؤال زرارة لاستعلام أن في قرآن أهل البيت كرسيه مرفوع أو منصوب والا فعلى تقدير العلم بالرفع لا يحسن هذا السؤال لاسيما من مثل زرارة، ويروي عن الشيخ البهائي – رحمه الله – انه قال: سألت عن ذلك والدي فأجاب – رحمه الله – بأن بناء السؤال على قراءة (وسع) بضم الواو وسكون السين مصدرا مضافا وعلى هذا يتجه السؤال، واني تصفحت كتب التجويد فما ظفرت على هذه القراءة الا هذه الايام رأيت كتابا في هذا العلم مكتوبا بالخط الكوفي وكانت هذه القراءة فيه وكانت النسخة بخط مصنفه، انتهى، أقول: على هذه القراءة (فوسع كرسيه) مبتدء والسماوات والارض خبره، أي سعة كرسيه وظرفية تأثيره السماوات والارض، لا أن يكون أحدهما فاعل وسع والاخر مفعوله حتى يحتاج إلى تقدير الخبر، فعدم اتجاه السؤال باق على هذا التقدير، فتأمل. (2) الروم: 30. (*)

[ 329 ]

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ؟ قال: التوحيد. 3 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ما تلك الفطرة ؟ قال: هي الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد فقال: (ألست بربكم) وفيه المؤمن والكافر (1). 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عن بكير عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم على التوحيد. 5 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم على التوحيد. 6 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: فطرهم جميعا على التوحيد. 7 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن حسان الواسطي، عن الحسن بن يونس، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: التوحيد ومحمد رسول الله وعلي


(1) الضمير يرجع إلى الميثاق، وفي البحار: (وفيهم المؤمن والكافر) أي بحسب علمه تعالى ان بعضهم يؤمن في دار التكليف وبعضهم يكفر، لا أنهم في الميثاق كانوا كذلك بالفعل لان الاية والاخبار تدل على أن كلهم أقروا هناك بالتوحيد وشرائطه بفطرتهم. (*)

[ 330 ]

أمير المؤمنين (1). 8 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: أصلحك الله، قول الله عز وجل في كتابه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ؟ قال: فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته أنه ربهم، قلت: وخاطبوه ؟ قال: فطأطأ رأسه، ثم قال: لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم (2). 9 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: (حنفاء لله غير مشركين به) (3) وعن الحنيفية، فقال: هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وقال: فطرهم الله على المعرفة، قال زرارة: وسألته عن قول الله عزوجل: (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم – الآية) قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم صنعه، ولو لا ذلك لم يعرف أحد


(1) الاقرار بالرسالة والولاية من شروط التوحيد للحديث الثالث والعشرين من الباب الاول ولان الفطرة تطلب أن تدور الاعتقادات والحركات على مدار التوحيد وذلك لايتم الا بهما، وفي نسخة (ط) (وعلى ولي الله أمير المؤمنين). (2) اشارة إلى أن الفطرة أصل العلم فالاستدلال لا ينفع ما لم تكن الفطرة باقية بحالها فالكافر انما يكفر لكدورة فطرته بتقليد الآباء والتعصب لما عند جمعه من الرسوم والعقائد والعادات والاشتغال بالماديات والتغافل ثم الغفلة عن فحص الحق وطريقه، ولهذا ورد في الحديث (كل مولود يولد على الفطرة وانما أبواه يهودانة وينصرانه) ومع ذلك أصل الفطرة باقية لاتزول لانها عجين الذات، وتظهر نوريته بعض الاحيان على القلب وتدعو إلى الحق ببعض التنبيهات الفطرية، (ان لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) ولذلك لا يقبل عذرهم بان آباءهم كانوا كافرين أو أنهم كانوا غافلين، قال تعالى: (واذ أخذ ربك – إلى قوله – المبطلون). (3) الحج: 31. (*)

[ 331 ]

ربه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة. يعني على المعرفة بأن الله عزوجل خالقه، فذلك قوله: (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) (1). 10 – حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب، قال: حدثنا محمد بن آدم بن أبي إياس (2) قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه. (3) 54 – باب البداء (4) 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى،


(1) لقمان: 25، والزمر: 38. (2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ه‍) محمد بن آدم بن أبي اناس، وفي نسخة (د) و (ب) (محمد بن أكرم بن أبي اياس). (3) الحديث الرابع من الباب الرابع المتحد مع الحديث السابع من الباب العاشر يناسب هذا الباب ويبينه بعض البيان. (4) البداء في أصل اللغة بمعنى الظهور، وقد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في ظهور رأى جديد في أمر، ولذلك لم يذكر في اللفظ فاعل الفعل، يقال: بدالي في كذا أي بدالي فيه رأي جديد خلاف ماكان من قبل، ولازم ذلك عدم الاستمرار على ماكان عليه سابقا من فعل أو تكليف للغير أو قصد لشئ، ولا يستلزم هذا الظهور وعدم الاستمرار الجهل بشئ أو الندامة عما كان عليه اولا، بل هو أعم لان ظهور الرأي الجديد قد يكون عن العلم الحادث بعد الجهل بخصوصيات ماكان عليه أو ما انتقل إليه وقد يكون لتغير المصالح والمفاسد والشروط والقيود والموانع فيهما، نعم ان الغالب فينا هو الاول فيتبادر عند الاستعمال الجهل والندامة، = (*)

[ 332 ]

عن الحجال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة، عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال: ما عبد الله عزوجل بشئ مثل البداء.


= وإما بحسب مفهوم اللفظ فلا، فاسناد البداء إلى الله تعالى صحيح من دون احتياج إلى التوجيه، ومعناه في حقه تعالى عدم الاستمرار والابقاء لشئ في التكوين أو التشريع باثبات ما لم يكن ومحو ماكان، ولا ريب أن محو شئ أو اثباته يدور مدار علته التامة ومباديه في الملكوت بان يثبت بعض اسبابه وشرائطه أو يمحي أو يثبت بعض موانعه أو يمحى، وذلك إلى مشيته وارادته التابعة لعلمه فانه تعالى كل يوم في شأن من احداث بديع لم يكن ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب، ولكل أجل كتاب، وهذا مما لا ارتياب فيه ولا اشكال، ومن استشكل فيه من الاسلاميين أو غيرهم فانما هو لسوء الفهم وفقد الدرك. وانما الكلام فيما أخبر الله تعالى أو أحد الانبياء والاوصياء عن وقوعه محدودا بحدود و موقوتا بأوقات ولم يقع بعد كذلك ثم أخبر عنه مخالفا لما حد ووقت أو يظهر مخالفا له من دون اخبار كمواعدة موسى على نبينا وآله وعليه السلام وذبح اسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام وقوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم). واخبار عيسى على نبينا وآله وعليه السلام بموت عروس ليلة عرسها ولم تمت واخبار نبي من أنبياء بني اسرائيل بموت ملك ولم يمت وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه. وأحق ما قيل في الجواب ما ذكر في كلمات أئمتنا صلوات الله عليهم أن من الامور أمورا موقوفة عند الله تعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء وعلم ذلك كله عنده تعالى ويقع علم تلك الامور عند مدبرات الامور من الملائكة وغيرهم فيخبرون عنها مع جهلهم بالتوقف أو سكوتهم عنه مع العلم كما سكت عنه الله تعالى كما هو الشأن في ائمتنا صلوات الله عليهم بعقيدتي لان علمهم فوق البداء لانهم معادن علمه وان كان ظاهر بعض الاخبار على خلاف ذلك، فيقال عند ذلك: بد الله تعالى في ذلك الامر لان الله تعالى غير الامر عما أخبر به أولا بالارسال، وان شئت فقل انه تعالى أو غيره أخبر عن الامر بحسب علته الناقصة مع العلم بعلته التامة و وقوعها أو عدم وقوعها. ثم ان اختصاص العلم الكامل بالامور بنفسه وبصفوة خلقه ووقوع العلم الناقص عند العاملين في ملكوته وبعض خلقة من لوازم كبريائه وسلطانه كما هو الشأن عند السلطان = (*)

[ 333 ]

2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما عظم الله عزوجل بمثل البداء. 3 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما بعث الله عزوجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودية، وخلع الانداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. 4 – وبهذا الاسناد، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) (1) قال: فقال: وهل يمحو الله إلا ماكان وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ !. 5 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله عزوجل بخمس: بالبداء والمشية و السجود والعبودية والطاعة. 6 – حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، عن علي بن إبراهيم بن هاشم،


= مع عمال حكومته، ولذلك ما عبد الله وما عظم بمثل البداء لان المعتقد بالبداء معتقد كمال كبريائه وعظمته، والى هذا أشار الامام عليه السلام على ماروي في تفسير القمي في قوله تعالى: (وقالت اليهود يد الله – الخ) قال: قالوا: قد فرغ الله من الامر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير الاول فرد الله عليهم فقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) أي يقدم و يؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة، انتهى. نفي عليه السلام بيانه هذا اتحاد ما في التقدير مع ما يقع، واليه اشير أيضا في قولهم عليهم السلام: (ان لله عزوجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله). (1) الرعد: 39: أي يمحو الله ما يشاء مما ثبت في كتاب التقدير عند عمال الملكوت ويثبت مكانه أمرا آخر (وعنده ام الكتاب) التي إليها يرجع امر الكتاب في المحو والاثبات. (*)

[ 334 ]

عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر له بالبداء. 7 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن مالك الجهني قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الاجر ما فتروا عن الكلام فيه. 8 – وبهذا الاسناد، عن يونس، عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله تعالى بالامس ؟ قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ماكان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله ؟ ! قال: بلى قبل أن يخلق الخلق. 9 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم الله ؟ قال: علم، وشاء، وأراد، وقدر، وقضى، وأبدى (1) فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية، وبمشيته كانت الارادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبفضائه كان الامضاء، فالعلم متقدم المشية (2) والمشية ثانية، والارادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الاشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والارادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما (3)، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام (4) المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل ومادب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك


(1) في الكافي والبحار: (أمضى) مكان (أبدى) وهو الاصح، وان كان المآل واحدا، (2) في الكافي (على المشيئة). (3) في الكافي (عيانا ووقتا). (4) في نسخة (د) و (ن) (من المعقولات ذوات الاجسام). (*)

[ 335 ]

مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لاعين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الاشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها (1) وبالارادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها (2) وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالامضاء شرح عللها (3) وأبان أمرها، وذلك التقدير العزيز العليم. قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته: ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله عزوجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ (4) بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ (5) ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عزوجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عزوجل بشئ أفضل من الاقرار بأن له الخلق والامر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لانهم قالوا: إن الله قد فرغ من الامر فقلنا:


(1) قوله: (أنشأها) على بناء الماضي عطف على عرف، وفي أكثر النسخ على بناء المصدر فمع ما بعده مبتدء وخبر. (2) في نسخة (ب) و (ج) و (و) و (ه‍) (قدر أقواتها). (3) في نسخة (و) (شرع عللها). (4) لا يتوهم من هذا أنه أخذ البداء مهموزا فليتأمل في ذيل كلامه. (5) في نسخة (ب) و (د) (أن يبدأ بشئ فيجعله قبل شئ). (*)

[ 336 ]

إن الله كل يوم في شأن، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، و هو ظهور أمر، يقول العرب: بدالي شخص في طريقي أي ظهر، قال الله عزوجل: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) (1) أي ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة لزحمه نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره. 10 – ومن ذلك قول الصادق عليه السلام: مابدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني، يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي. 11 – وقد روي لي من طريق أبي الحسين الاسدي رضي الله عنه في ذلك شئ غريب، وهو أنه روى أن الصادق عليه السلام قال: مابدا لله بداء كما بداله في إسماعيل أبي إذا أمرأباه إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم، وفي الحديث على الوجهين جميعا عندي نظر، إلا أني أوردته لمعنى لفظ البداء والله الموفق للصواب (2) 55 – باب المشيئة والارادة 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المشية محدثة (3).


(1) الزمر: 47. (2) لا اشكال في الروايتين، وهو من القسم الثالث من البداء على ما ذكرنا فراجع. (3) تقدم هذا الحديث بعينه في الباب الحادي عشر من الكتاب، ومشيئة الله تعالى تارة تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعاله تعالى فهي عند الحكماء وأكثر المتكلمين قديمة من صفات الذات وعند ائمتنا صلوات الله عليهم وبعض المتكلمين كالمفيد (ره) حادثة من صفات الفعل على ما يظهر من أحايث جمة في هذا الكتاب في هذا الباب والباب الحادي عشر والباب السادس = (*)

[ 337 ]

2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: قيل لعلي عليه السلام: إن رجلا يتكلم في المشية فقال: ادعه لي، قال: فدعي له، فقال: يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت ؟ ! قال: لما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ ! قال: إذا شاء: قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ ! قال: إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت ؟ ! قال: حيث شاء، قال: فقال علي عليه السلام له: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك (1). 3 – وبهذا الاسناد قال: دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام رجل من أتباع بني امية فخفنا عليه، فقلنا له: لو تواريت وقلنا ليس هو ههنا، قال: بل ائذنوا له فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عزوجل عند لسان كل قائل و يد كل باسط، فهذا القائل لايستطيع أن يقول إلا ما شاء الله، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله، فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب. 4 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان ابن مسلم، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الاصبغ بن نباته، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: يا داود تريد واريد ولا يكون إلا ما اريد، فإن أسلمت لما اريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما اريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما اريد. 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد


= والستين وغير هذا الكتاب، وقد أوردت البحث فيها مستوفيا في تعليقتي على شرح التجريد. واخرى تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعال العباد فهي من مباحث الجبر والتفويض والقدر والقضاء، ويأتي الكلام فيها في خلال الاحاديث. (1) كأن الرجل كان على اعتقاد المعتزلة فنبهه عليه السلام بان الامور ليست مفوضة اليك، أو على اعتقاد اليهود القائلين بأن الله قد فرغ من الامر. (*)

[ 338 ]

ابن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا عليه السلام: المشية والارادة من صفات الافعال، فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد. 6 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: إن أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة، فقال لي: اكتب قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت إلى فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني، وذلك أني لا اسأل عما أفعل وهم يسألون، قد نظمت لك كل شئ تريد (1). 7 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا عليه السلام حبا شديدا. فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك ؟ قال: حئت لامشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ ! قال: لا، بل من


(1) مفاد الحديث: اني قد نظمت وأعددت لك كل شئ يقتضيه بقاؤك وتحتاج إليه في التكوين والتشريع وشئت أن تكون تعمل بمشيتك التي أعطيتها ما في اختيارك من الامور حتى تستحق مني الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد فاني لم أصنع بك الا جميلا منا مني عليك ورحمة، فما أصابك من حسنة فمني لانها بالجميل الذي صنعته بك فأنا أولى بها وغير مسؤول عنها إذ لا سؤال عن الجميل، فان ارتكبت معصيتي فانما ارتكبت بالجميل الذي صنعته بك من المشيئة والنعمة والقوة وغيرها فالسيئة منك فأنت أولى بها فأنت مسؤول عنها. (*)

[ 339 ]

أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من السماء، فارجع، فرجع. 8 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن موسى بن عمر (1) عن ابن سنان، عن أبي سعيد القماط، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خلق الله المشية قبل الاشياء، ثم خلق الاشياء بالمشية (2). 9 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن درست بن أبي منصور، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا – عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: (ثالث ثلثة) ولم يرض لعباده الكفر (3).


(1) في نسخة (د) و (ه‍) (عن موسى بن عمران). (2) ذكر هذا الحديث في آخر الباب الحادي عشر بسند آخر مع تغاير في المتن. (3) الباء في قوله: (بعلمه) ليست للسببية بل لمطلق التعلق والالصاق، ومفاد الكلام أنه تعالى شاء كل كائن تعلق به علمه فكما لا يعزب عن علمه شئ لا يعزب عن مشيته شئ، ومع ذلك لم يحب بعض ما شاء ولم يرض به فنهى عنه كالشرك والظلم وغيرهما من قبائح العقائد و الاعمال كما رضى امورا فأمر بها، والحديث نظير ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب القضاء والقدر والمشيئة عن محاسن البرقي عن النضر عن هشام وعبيد بن زرارة عن حمران قال: (كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار فقال: في أي شئ أنتم ؟ فقلنا: كنا في الارادة والمشيئة والمحبة، فقال أبو بصير: قلت لابي عبد – الله عليه السلام: شاء لهم الكفر وأراده ؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك ورضيه ؟ فقال: لا، قلت: شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض ؟ ! قال: هكذا خرج الينا). أقول: هذا الحديث مروي في باب المشيئة والارادة من الكافي بتغاير في السند والمتن وهو نظير ما في الحديث الثامن عشر من باب الثاني من قول ابي الحسن عليه السلام: (ان لله مشيتين وارادتين – الخ) ثم ان كلامه عليه السلام لا يستلزم الجبر كما توهم لان تعلق مشيئة وارادته (*) =

[ 340 ]

10 – حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الاصبهاني الاسواري، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد أشرس، قال: حدثنا بشر بن الحكيم، و إبرهيم بن نصر السورياني (1) قالا: حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، قال: حدثنا غياث بن المجيب (2) عن الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: سبق العلم، وجف القلم (3) وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة والسعادة من الله والشقاوة من الله عزوجل (4) قال عبد الله بن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يروي حديثه عن الله عزوجل قال: قال عزوجل: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي وبعصمتي وعفوي وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى بإحسانك منك (5) وأنت أولى بذنبك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بداء (6) والشر مني إليك بما جنيت جزاء، وبسوء ظنك


= تعالى بأفعال غيره لا ينافي اختيارهم كما يتبين من هذا الباب وبعض الابواب الاتية، وأمثال هذا الحديث عنهم عليهم السلام لنفى التفويض لا لاثبات الجبر. (1) في نسخة (ج) وفي البحار باب نفي الظلم والجور: (وابراهيم بن أبي نصر) وفي نسخة (ه‍) و (و) (السورياني) وفي (ب) و (د) و (ج) ((السرياني) والاخير تصحيف. (2) في نسخة (و) وحاشية نسخة (ن) (عتاب بن المجيب). (3) جفاف القلم كناية عن اتمام الكتابة فان الله تعالى كتب في كتاب التقدير الاول ما يجري على الخلق كلا، لا يزيد عليه ولا ينقص منه شئ، ونفس البداء مما كتب فيه بخلاف التقدير المتأخر الذي يجري بأيدي عمال الملكوت فان البداء يقع عليه. (4) أي وبالسعادة من الله عطفا على تحقيق الكتاب، وبيان القضاء بالسعادة و الشقاوة يأتي في الحديث الثالث عشر وفي الباب الثامن والخمسين. (5) كذا. (6) بالرفع خبر للخير، وكذا الجملة التالية، أي الخير الواصل مني اليك مبتدء من دون استحقاقك لان مبادى الخير الذي تستحقه بعملك أيضا مني، والشر الواصل جزاء = (*)

[ 341 ]

بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان، ولك الجزاء والحسنى عندي بالاحسان (1) لم أدع تحذيرك، ولم آخذك عند عزتك (2) ولم اكلفك فوق طاقتك، ولم احملك من الامانة إلا ما قدرت عليه (3) رضيت منك لنفسي ما رضيت به لنفسك مني. (4) قال عبد الملك: لن اعذبك إلا بما عملت. 11 – حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (ره) قال: حدثنا أبي، عن أحمد ابن علي الانصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليهم السلام فقال له: يا ابن رسول الله ما معنى قول الله عزوجل: (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس


= متفرع على جنايتك، وفي البحار باب نفي الظلم والجور، وفي نسخة (ب) بالنصب، وهو على التميز والخبر مقدر، (واصل) أو ما بمعناه، وأوليته معروفا أي صنعته إليه. (1) في البحار وفي نسخة (ط) و (ن) (ولك الجزاء الحسنى) بالتوصيف مع أن الجزاء مذكر والحسنى مؤنث، فان صح فكأنه كان كما في الآية من قوله تعالى: (فله جزاء الحسنى) فغير عند النسخ (2) المراد بالعزة هنا ما في قوله تعالى: (بل الذين كفروا في عزة وشقاق. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم) وهي التكبر والطيغان والغلبة على العباد بالظلم والعدوان أي لم آخذك عندها بل نبهتك ووعظتك وحذرتك حتى حين، وفي نسخة (ب) و (ج) (عند غرتك). وفي البحار (ولم أخذل عند عزتك). (3) الظاهر منه جنس الامانة وهو ما استودعها الله تعالى عباده من المعارف وغيرها و مباديها، والمراد بالتحميل التكليف بها. (4) هذا الكلام يقال إذا عوهد بين اثنين بجزاء على عمل فان كلا منهما رضي لنفسه بما من الاخر في قبال ما منه على حسب المعاهدة، وقول عبد الملك الذي هو أحد من في السند تفسير لهذه الفقرة، ولو قال: لن أجزيك الا بما عملت، لكان أتم. (*)

[ 342 ]

حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (1) فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الاسلام كثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ما كنت لالقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا، وما أنا من المتكلفين، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا، لكني اريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وأما قوله عزوجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بأذن الله)) فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها إلى الايمان عند زوال التكليف والتعبد عنها. فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك (2).


(1) يونس: 100. (2) حاصل كلامه عليه السلام في الايتين: لو شاء ربك أن يؤمن الناس كلهم بالالجاء و التكوين لآمنوا، ولكنه لم يشأ كذلك فلم يؤمن كلهم، فلا يطمع أصحابك أن تكره الناس على الايمان حتى يكونوا مؤمنين، بل الله تعالى شاء أن يؤمن الناس بالاختيار حتى يستحقوا الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد، وعلى هذا فما كان لنفس ان تؤمن الا بأمره المناسب لا ختيارهم. وأمره هو ما يجمع أسباب ايمان النفوس من جهته تعالى من تشريع الشرائع ونصب الاعلام والادلة واعطاء العقل وارسال الرسل وانزال الكتب والدعوه إليه والوعد والوعيد والانذار والتبشير وغير ذلك من الالطاف والهدايات، فما لم يعد الله هذه الامور ما كان لنفس أن تؤمن لان الايمان مسبب عنها ووجوده بدون السبب ممتنع، وما (*)

[ 343 ]

12 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن أبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست، عن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله (1) قال: وسمعته يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون في ملكه شئ إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: (ثالث ثلثة) ولم يرض لعباده الكفر. 13 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن علي بن حسان، عن أسماعيل ابن أبي زياد الشعيري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن سعدان (2) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: سبق العلم، وجف القلم، ومضى القدر بتحقيق الكتاب


أبلغ كلمة الاذن هنا لان الاذن هو تخلية الشئ في طريق التحقيق والوجود باتمام سببه الا ان الامام عليه السلام فسره بالامر لرعاية فهم المخاطب، ولا يخفى أن المراد به التكويني لا التشريعي المقابل للنهي لان الايمان لا يتوقف عليه وان أمر به تأكيدا في بعض الآيات بل على الامر التكويني النازل من عنده تعالى المساوق للاذن التكويني كما بينا، ثم ان الرجس المذكور في الاية هو الشك وعدم الايمان وهو مستند إلى عدم السبب التام من ناحية الانسان من جهة عدم تعقله في الادلة والآيات فلا يتحقق الايمان، لكن نقصان السبب ليس من عند الله بل من عند النفس فلذا قال تعالى: (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) وعقبه بقوله: (قل انظروا ماذا في السموات والارض – الاية). (1) مفاده أن الاستطاعة ثابتة مع عدم الفعل خلافا للاشاعرة. (2) في نسخة (و) و (ب) و (د) (عن خالد بن معدان)، وأظن أنه الصواب قال ابن حجر في التقريب، خالد بن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يرسل كثيرا مات سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك. (*)

[ 344 ]

وتصديق الرسل وبالسعادة من الله عزوجل لمن آمن واتقى وبالشقاء لمن كذب و كفر وبولاية الله المؤمنين وبراءته من المشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: عن الله أروي حديثي إن الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذى تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبعصمتي وعوني وعافيتي أديت إلي فرائضي، فأنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بداء، و الشر مني إليك بما جنيت جزاء، وبإحساني إليك قويت على طاعتي، وبسوء ظنك بى قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان، ولك جزاء الخير عندي بالاحسان، لم أدع تحذيرك، ولم أخذك عند عزتك، ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم احملك من الامانة إلا ما أقررت به على نفسك (1) رضيت لنفسي منك ما رضيت لنفسك مني. 56 – باب الاستطاعة (2) 1 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو شعيب صالح بن خالد المحاملي، عن أبي سليمان الجمال، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن شئ من الاستطاعة، فقال: ليست الاستطاعة من كلامي ولا كلام آبائي. (3)


(1) في البحار باب القضاء والقدر: الا ما أقررت بها على نفسك، وفي نسخة (ط) و (ن) (الا ما قدرت به على نفسك). (2) الاستطاعة استفعال من الطوع، وقد يراد بها مطلق القدرة على الفعل قبله وحينه، و هذا مورد النزاع مع الاشاعرة النافين لها قبل الفعل، وقد يراد بها أخص من هذا المعنى وهو الوسع والاطاقة للفعل وهو القدرة عليه من دون المشقة، والاول شرط لكل تكليف بالضرورة والثاني شرط شرعا وقد يتخلف. (3) أي ليست الاستطاعة التي يقول بها القدرية من استقلال العبد في كل فعل وترك = (*)

[ 345 ]

قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه ليس من كلامي ولا كلام آبائي أن نقول لله عزوجل: إنه مستطيع، كما قال الذين كانوا على عهد عيسى عليه السلام: (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء). (1) 2 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بنيسابور، قال: حدثنا أحمد بن الفضل بن المغيرة، قال: حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الاصفهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي الحسين القريظي (2) عن سهل بن أبي محمد المصيصي (3) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عزوجل وإنما وقع التكليف من الله تبارك وتعالى بعد الاستطاعة، ولايكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا. (4)


من كلامي ولا كلام آبائي كما يظهر من الحديث الثاني والعشرين، وتفسير الصدوق – رحمه الله – بعيد عن سياق السؤال. (1) المائدة: 112. (2) في نسخة (و) (العريضي مكان القريظي). (3) في نسخة (ب) و (د) (عن سهل أبي محمد المصيصي). (4) في نسخة (و) و (ن) بعد الحديث الثاني أربعة أحاديث ليست في سائر النسخ، هي هذه: (الف – حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: وهم مستطيعون يستطيعون الاخذ بما امروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، قال: وسألته عن رجل مات وترك مائة ألف درهم ولم يحج حتى مات هل كان يستطيع الحج ؟ قال: نعم، انما استطاعته بما له وصحته. = (*)

[ 346 ]

3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عبيد بن زرارة، قال: حدثني حمزة ابن حمران، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة اخرى فقلت: أصلحك الله أنه قد وقع في قلبي منها شئ لا يخرجه إلا شئ أسمعه منك، قال: فإنه لا يضرك ماكان في قلبك: قلت: أصلحك الله فإني إقول: إن الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون وإلا ما يطيقون، فإنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله ومشيته وقضائه وقدرة، قال: هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي أو كما قال. (1) قال مصنف هذا الكتاب: مشية الله وإرادته في الطاعات الامر بها والرضا،


= ب – حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد الازدي، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) قال: صارت أصلابهم كصياصي البقر، يعني قرونها، (وقد كانو يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: (وهم مستطيعون). ج – حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن حمران، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: رجل عرض عليه الحج فاستحيا أهو ممن يستطيع الحج ؟ قال: نعم. د – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: هذا لمن كان عنده مال وله صحة). (1) أي قال عليه السلام: هذا دين الله – الخ أو قال ما أشبه هذا مما يفيد معناه. (*)

[ 347 ]

وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير. (1) 4 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن صباح الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سأله زرارة وأنا حاضر فقال: أفرأيت (2) ما افترض الله علينا في كتابه وما نهانا عنه جعلنا مستطيعين لما افترض علينا مستطيعين لترك مانهانا عنه، فقال: نعم. 5 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن إحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن حمزة بن حمران، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن لنا كلاما نتكلم به، قال: هاته، قلت: نقول: إن الله عزوجل أمر ونهى وكتب الآجال والآثار لكل نفس بما قدر لها وأراد، وجعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به ما أمرهم به وما نهاهم عنه (3) فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما صير فيهم من الاستطاعة و القوة لطاعته، فقال: هذا هو الحق إذا لم تعده إلى غيره. 6 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن محمد ابن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما امر العباد إلا بدون سعتهم، فكل شئ امر الناس بأخذه فهم متسعون له، ومالا يتسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن الناس لاخير فيهم.


(1) لا بأس بان يكون مراده الارادة والمشيئة والقضاء والقدر التكوينية لان أفعال العباد ليست خارجة عنها ولا ينافي ذلك اختيارهم. (2) في نسخة (و) و (ن) و (ب) (أرأيت): (3) (ما أمرهم به) مفعول لقوله: يعملون، وكذا مانهاهم عنه من باب (علفتها تبنا وماء باردا) أي ويتركون مانهاهم عنه. (*)

[ 348 ]

7 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله عزوجل، قال: قلت: جعلت فداك فسرها لي، قال: أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها، فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف، أو يخلى بينه وبين إرادته فيزني فيسمى زانيا (1) ولم يطع الله بإكراه ولم يعص بغلبة (2).


(1) تخلية السرب هي عدم المانع، وصحة الجسم أن لا يكون مريضا ضعيفا يعاف العمل أو لا يقوى عليه، وسلامه الجوارح أن يكون له آلة العمل بان لا يكون عنينا أو أعمى أو أصم أو مشلولا أو غير ذلك، والسبب الوارد من الله تعالى هو الاسباب التي ليست عند العبد بنفسه، والحاصل أن لا يكون له مانع من الخارج أو الداخل ويكون له الاسباب من الداخلية والخارجية، فعند ذلك يحصل له التمكن ولا يبقى له شئ لاختيار أحد الطرفين من الفعل و الترك فان فعل القبيح فبتخليه الله اياه بينه وبن ارادته، وان تركه فبالعصمة المانعة، فهي اما بالقوة القدسية كما في الانبياء والاوصياء عليهم السلام، أو بالعقل القاهر كما في المؤمنين، أو بأن يحول بينه وبين قلبه فينفسخ العزم وينتقض الهم، أو بان يعدم ما لوجوده دخل في الفعل، أو يوجد ما لعدمه دخل فيه، فمراده عليه السلام بالعصمة ما هو أعم من المصطلحة. وأما الحسن فانه تركه فبتخلية الله اياه وان فعل فبتوفيقه تعالى بعد الاستطاعة إذ الاستطاعة على الحسن لا تستلزمه وان كانت حاصلة في الحال وانتفاء الموانع لان الانسان كثيرا ما يتمكن من ايتان الحسن ولا يأتيه، اذكر قول العبد الصالح شعيب النبي على نبينا وآله وعليه السلام (ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب)، وللتوفيق علل كالعصمة فافحصها، ثم ان العبد بعد ماكان له صفة الاختيار لايتسحق من الله تعالى العصمة و التوفيق فان صنعهما الله تعالى به فبفضله وان كان أصل الاختيار وعلله أيضا بفضله، هذه جملة ان تهتد إلى تفاصليها لم يبق لك شبهة في مبحث الافعال. (2) الفعلان على بناء المجهول، والمعنى: لا يكره الله عباده على اطاعته، بل يعصم = (*)

[ 349 ]

8 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن إسماعيل بن الجابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عزوجل خلق الخلق فعلم ماهم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا (1) آخذين ولا تاركين إلا باذن اللهه عزوجل، يعني: بعلمه (2). 9 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن حمزة بن محمد الطيار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) (3) قال: مستطيعون، يستطيعون الاخذ بما امروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، ثم قال: ليس شئ مما امروا به ونهوا عنه إلا ومن الله تعالى عزوجل فيه ابتلاء وقضاء (4). 10 – حدثنا أبي، ومحمد بن موسى بن المتوكل رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن


= ويوفق وهما لا يصلان إلى حد الاكراه، ولا يعصيه عباده بالغلبة عليه سبحانه وتعالى لانه قادر على منعهم عن المعصية، بل يخلى بيهم وبين ارادتهم. (1) بحذف النون مجزوما عطف على الجزاء في الجملتين، ومثله في الحديث الاول من الباب التاسع والخمسين، ونسخة (ج) و (ط) (ولا يكونوا فيه – الخ) فالضمير المجرور يرجع إلى المأمور به والمنهي عنه، وفي البحار المطبوع حديثا في باب القضاء والقدر: (ولا يكونون فيه – الخ). (2) الظاهر أن هذا تفسير من بعض الرواة أو من الصدوق – رحمه الله – كما استظهره المجلسي – رحمه الله – وقد مضى بيان الاذن في الحديث الحادي عشر من الباب السابق. (3) القلم: 43. (4) اي امتحان وحكم بالثواب أو العقاب. (*)

[ 350 ]

قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: يكون له ما يحج به، قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيا ؟ قال: هو ممن يستطيع. 11 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو ممن يستطيع الحج. 12 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن عوف بن عبد الله الازدي، عن عمه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: وقد فعلوا (1) فقلت: نعم، زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل وإرادة في حال الفعل لاقبله (2) فقال أشرك القوم (3). 13 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن رواه من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا إلا وهو مستطيع وقد يكون مستطيعا غير فاعل ولا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة. 14 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ما يعني بذلك ؟ قال: من كان


(1) هذا اخبار، أي وقد فعلوا ما يوجب أمثال هذه الضلالات في الدين. (2) قوله: (وارادة) بالجر عطف على الفعل، وفي نسخة (ط) و (ن) بصيغة اسم الفاعل المؤنث من الورود فهو خبر للاتكون. (3) اشراكهم ليس لاجل هذه العقيدة خاصة، بل لما فعلوا في أصل الدين، ويحتمل ذلك لان هذه العقيدة من لوازم الجبر المستلزم اسناد الظلم والفواحش إليه تعالى. (*)

[ 351 ]

صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة. 15 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن محمد الحجال الاسدي، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) (1) أنهم كانوا يستطيعون وقد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا. 16 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن أحمد ابن محمد البرقي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) قال: أكذبهم الله عزوجل في قولهم: (لو استطعنا لخرجنا معكم) وقد كانوا مستطيعين للخروج. 17 – حدثتا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي الحسن الحذاء، عن المعلى بن خنيس، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما يعني بقوله عزوجل: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) ؟ (3) قال: و هم مستطيعون. 18 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا سعد ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عزوجل وإنما وقع التكليف من الله بعد الاستطاعة، فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا.


(1) التوبة: 42. (2) كذا، ولا يعرف الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام وفي نسخة (و) و (ه‍) (عن أبي محمد البرقي). (3) القلم: 43. (*)

[ 352 ]

19 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلف الله العباد كلفة فعل ولانهاهم عن شئ حتى جعل لهم الاستطاعة ثم أمرهم ونهاهم، فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة متقدمة قبل الامر والنهي وقبل الاخذ والترك وقبل القبض والبسط. 20 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون من العبد قبض ولابسط إلا باستطاعته متقدمة للقبض والبسط. 21 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، وصفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول وعنده قوم يتناظرون في الافاعيل والحركات فقال: الاستطاعة قبل الفعل، لم يأمر الله عزوجل بقبض ولا بسط إلا والعبد لذلك مستطيع. 22 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن مروك بن عبيد، عن عمرو رجل من أصحابنا (1) عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: إن لي أهل بيت قدرية يقولون: نستطيع أن نعمل كذا وكذا ونستطيع أن لا نعمل، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل له: هل تستطيع أن لاتذكر ما تكره وأن لا تنسى ما تحب ؟ فإن قال: لا فقد ترك قوله، وإن قال: نعم فلا تكلمه أبدا فقد ادعى الربوبية. 23 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو الخير صالح بن أبي حماد، قال: حدثني أبو خالد السجستاني، عن علي بن يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم


(1) قوله: (رجل) بالجر بدل عن (عمرو) ولكون الواو بعد عمر للعطف احتمال. (*)

[ 353 ]

يختصمون في القدر، فقال لمتكلمهم: أبالله تستطيع أم مع الله أم دون الله تستطيع ؟ ! فلم يدر ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس لك من الامر شئ (1) وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله، عزوجل، فقال: يا أمير المؤمنين لا، بل بالله أستطيع، فقال عليه السلام: أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك. 24 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن امتي تسعة: الخطأ، و النسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يطيقون، ومالا يعلمون، وما اضطروا إليه، و الحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة. (2) 25 – حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (ره) بفرغانة، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الانصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) (3) فقال عليه السلام: إن غطاء العين لايمنع من الذكر، و الذكر لا يرى بالعيون، ولكن الله عزوجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان لانهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ولا يستطيعون سمعا، فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك.


(1) أي شئ مما ادعيت من استقلالك في الافاعيل والحركات، وفي نسخة (و) و (ج) (فليس اليك – الخ). (2) ليس المرفوع ذوات هذه الامور قطعا، بل المؤاخذة أو الاحكام التكليفية أو الوضعية أو كلتاهما كلا أو بعضا، والتفصيل في محله، وذكر الحديث هنا لذكر مالا يطيقون فيه أي ما لا يستطيعون بالمعنى الثاني المذكور في صدر الباب. (3) الكهف: 101. (*)

[ 354 ]

57 – باب الابتلاء والاختبار 1 – أبي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى ابن عمران الاشعري، عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مامن قبض ولا بسط إلا ولله فيه المن والابتلاء. 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن أبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى ابن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مامن قبض ولا بسط إلا ولله فيه مشية وقضاء وابتلاء. 3 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس شئ فيه قبض أو بسط مما أمر الله به أو نهى عنه إلا وفيه من الله عزوجل ابتلاء وقضاء (1) 58 – باب السعادة والشقاوة 1 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن محمد رفعه عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، قال: كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها السائل علم الله عزوجل ألا يقوم أحد من خلقه بحقه، فلما علم بذلك وهب لاهل محبته القوة على معرفته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ماهم أهله (2) ووهب لاهل المعصية القوة على معصيتهم (3) لسبق علمه فيهم


(1) في نسخة (ط) و (ن) (ليس شئ فيه قبض ولا بسط – الخ). (2) أي بحقيقة المحبة التي هم أهلها فان المحبة تدفع ثقل العمل كما يشهد به الوجدان. (3) مع أن كلا الفريقين قادرون على الطاعة والمعصية الا أن محبة الله تدفع ثقل الطاعة = (*)

[ 355 ]

ولم يمنعهم إطاقة القبول منه لان علمه أولى بحقيقة التصديق، فوافقوا ما سبق لهم في علمه، وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته (1) وهو معنى شاء ما شاء، وهو سر (2).


= وتمنع عن المعصية، ومحبة النفس والدنيا تجر إلى المعصة وتثقل الطاعة، فيصح حينئذ أن يقال: لهم القوة على المعرفة والطاعة ولهم القوة على المعصية. (1) في الكافي باب السعاة والشقاوة: (ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه) وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يقدروا أن يأتو حالا تنجيهم عن معصيته) وقوله في النسختين: (ولم يقدروا) لا يناسب قوله: (ولم يمنعهم اطاقة القبول منه) لانه تعالى ان لم يمنعهم ذلك فهم قادرون على أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته فالمناسب (وان قدروا) كما في سائر النسخ، الا أن في الكافي: (ومنعهم اطاقة القبول) فيناسب. ثم ان معنى الحديث على ما في الكتاب ظاهر لا اشكال فيه كما قلنا من قبل: ان كلا الفريقين قادرون – الخ، وأما على ما في الكافي فمنع الاطاقة وعدم القدرة على ما ينجيهم من عذابه لاجل عدم المحبة له تعالى بحيث لا ينبعث ارادتهم على القبول لما من عنده من المعارف والاوامر والنواهي وغيرها وعلى الاتيان بما فيه رضى الرب تعال ومع عدم انبعاث الارادة امتنع القبول والاتيان، وعدم المحبة لاجل عدم المعرفة وهو معلول لعدم التوجه والاقبال إلى الحق وهو معلول للتغافل ثم الغفلة عن مبدئه ومعاده وهو معلول للاشتغال بما عنده من اللذات المادية وما في الدنيا من الامور الفانية وتوهم أنها مطلوبة نافعة بما هي هي، والحاصل أن امتناع الاطاقة وعدم القوة على الاتيان معلول لمنعه تعالى اياهم محبته فلذا أسنده إلى نفسه، لكن ذلك ليس جزافا وظلما بل لعدم قابلية المحل لمحبته بسبب الاشتغال بمحبة نفسه ومحبة ما يراه ملائما لنفسه، وببيان آخر أن القدرة قد يراد بها كون الفاعل بحيث يصح منه الفعل والترك ويمكنانه، وقد يراد بها القوة المنبعثة في العضلات على الاتيان بعد تحقق الارادة، ويعبر عنها بالاستطاعة والايطاقة أيضا، والمنفية عنهم في الحديث هي القدرة بالمعنى الثاني، فتدبر. (2) في الكافي: (وهو سره) والسر يأتي بمعنى الامر المكتوم والامر المعزوم عليه، = (*)

[ 356 ]

2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) (1) قال: بأعمالهم شقوا. 3 – حدثنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثنا علي بن محمد ابن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (الشقي من شقي في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امه) فقال: الشقي من علم الله وهو في بطن امه أنه سيعمل أعمال الاشقياء (2) والسعيد من علم الله وهو في بطن امه أنه سيعمل أعمال السعداء، قلت له: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق الله) ؟ فقال: إن الله عزوجل خلق الجن والانس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله عزوجل: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) (3) فيسر كلا لما خلق له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى. (4)


= والاصل، وجوف كل شئ ولبه، وعلى نسخة الكتاب فالانسب المعنى الاول، فمعنى الكلام: وهو أي هبة القوة للفريقين معنى شاء ما شاء، وهذا المعنى أمر مكتوم عن أفهام العامة. و على ما في الكافي فالانسب أن يكون بمعنى الاصل، فمعناه: وهو أي معنى شاء ما شاء أصل الامر فيما قلت لك من شأن أهل المحبة وأهل المعصية. (1) المؤمنون: 106. (2) في نسخة (ط) و (ن) في الموضعين: (من علمه الله). (3) الذاريات: 56. (4) في نسخة (و) بعد الحديث الرابع هكذا: (قال مصنف هذا الكتاب: ولهذا الحديث معنى آخر وهو أن ام الشقي جهنم، قال الل ه عزوجل: (وأما من خفت موازينه فامه هاوية) والشقي من جعل في الهاوية، والسعيد من اسكن الجنة). = (*)

[ 357 ]

4 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلى أبي عثمان (1) عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يسلك بالسعيد طريق الاشقياء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء. إن من علمه الله تعالى سعيدا وإن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له بالسعادة. (2) 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عزوجل خلق السعاة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه (3) فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم


= أقول: وله معنى آخر مذكور في بعض الاخبار، وهو أن ملك الارحام يكتب له باذن الله بين عينيه أنه سعيد أم شقي وهو في بطن امه، ومعنى آخر أن المراد بالام دار الدنيا فانه كما يولد من بطن امه إلى الدنيا يولد من الدنيا إلى الاخرة فاحديهما حاصلة له في الدنيا بأعماله. (1) هو أبو عثمان معلى بن عثمان الاحول الكوفي الثقة الذي روي عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة أيضا، وفي نسخة (و) و (ه‍) عن معلى بن عثمان، وأما معلى بن أبي عثمان كما في بعض النسخ فالظاهر أنه خطأ. (2) الختم بالسعادة أو الشقاوة منوط بخير القلب وعدمه، وهو ما أنبأ عنه في قوله تعالى: (لو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم) وقوله: (ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا) وهذا الخير هو ميل القلب إلى الحق وحبه له كائنا ماكان وان لم يعرف مصداقه واشتبه عليه الباطل به، فان على الله الهدى ان علم ذلك من عبده. (3) في الكافي: (فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا – الخ) (وان كان شقيا لم يحبه أبدا – الخ) أقول: لاشبهة أن السعادة التي هي الفوز بالمطلوب والشقاوة التي هي الحرمان = (*)

[ 358 ]

يبغضه، وإن كان علمه شقيا لم يحبه أبدا، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه، فأذا أحب الله شيئا لم يبغضه أبدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا. 6 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، قالا: حدثنا أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) (1) قال: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق (2) وقد قيل: إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت (3) وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء. (4)


= عنه لاحقتان بالعبد اثر عقيدته وعمله كما صرح به في الحديث الاول، فمعنى خلقهما قبل خلق الخلق خلق عللهما وان لا تتم الا باختيار العبد، أو المعنى أنه تعالى خلقهما بخلق الانسان الذي هو موضوعهما في العوالم السالفة كالميثاق والارواح قبل أن يخلقه خلقة هذه النشأة، أو معنى خلقهما تقديرهما في الواح التقدير لا ايجادهما في موضوعهما. (1) الانفال: 24. (2) وكذا أن يعلم أن الحق باطل، وهذا عام لكل أحد من الناس، وذلك لان اليقين من صنع الرب تعالى، ولا يصنع في عبده اليقين بما خالف الحق، بل اما يصنع اليقين أو لا يصنع، ولما رواه العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام انه قال (لا يستيقن القلب ان الحق باطل أبدا ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا) فاما المخالفون للحق الاخذون الباطل مكان الحق أو الحق مكان الباطل فهم اما مستيقنون بأنفسهم جاحدون بألسنتهم أو شاكون وان استدلوا على ما بأيديهم، والا لم يتم الحجة عليهم لان اليقين حجة بنفسه مع أن لله تعالى الحجة البالغة على جميع خلقه، والحاصل أن متعلق يقين القلب حق أبدا، وأما الاباطيل فهي وراء اليقين، فمن ادعى اليقين بباطل فهو كذاب مفتر. (3) الظاهر أن نقل هذا القيل من الصدوق رحمه الله. (4) ان قلت: ان كان المراد بالشقاوة والسعادة بحسب ما يراه الناس فالنقل ثابت من كل منهما إلى الاخر كما نطق به الحديث وشهد به الواقع، وان كان المراد بهما بحسب (*)

[ 359 ]

= 59 – باب نفي الجبر والتفويض 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله (1). 2 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، و من زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار. يعني بالخير والشر: الصحة والمرض، وذلك قوله عز وجل: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) (2).


= ما في علم الله فلا نقل أصلا لان ما علمه تعالى لا يتغير، قلت: ان الكلام منصرف عن هذا البحث بل المراد أن الله تعالى يلطف بامور لبعض من يسلك سبيل الشقاوة فيقربه من سبيل السعادة لمصالح لشخصه أو لغيره سواء ختم أمره بالسعادة أو بالشقاوة، ولا يمكر بمن يسلك سبيل السعادة بأمر فيقربه من سبيل الشقاوة سواء أيضا ختم أمره بها أو بها. والشاهد له الحديث السابع من الباب التالي، ولا يبعد أن يكون الكلام ناظرا إلى مسألة البداء. (1) هذا هو الحديث الثامن من الباب السادس والخمسين بسند آخر، وفي نسخة (و) هنا: يعني بعلمه كما هناك. (2) الانبياء: 35، والظاهر أن قوله: (يعني بالخير – الخ) من الصدوق فان الحديث مروي بعبن السند في باب الجبر والقدر من الكافي إلى قوله: (أدخله النار) ثم ان مفاد الكلام أعم من هذا التفسير، بل هو رد على المفوضة القائلين بأن مشيئة الله غير متعلقة بافعال العباد. (*)

[ 360 ]

3 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام، قالا: إن الله عزوجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون، قال: فسئلا عليهما السلام، هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا: نعم، أوسع مما بين السماء والارض (1). 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسن ابن متيل (2) عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقونه والله أعز من أن يكون في سلطانه مالا يريد 5 – حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر ابن بطة، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسين بن عبد العزيز، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد ابن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله عزوجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الامر مفوض إليهم فهذا قد أوهن


(1) سعته باعتبار مشيئة الله العامة لكل شئ في الوجود، فان الجبرية ضيقوا مشيئته تعالى لانهم يقولون لا تتعلق بمشيئة العبد لفعله إذ لا مشيئة له، والقدرية ضيقوها لانهم يقولون لا تتعلق بها إذا لعبد مستقل في مشيئته، ويرد قول الفريقين الحديث القدسي المشهور المروي عن النبي والائمة عليهم السلام: (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء) وقد مضى في الباب الخامس والخمسين. (2) بفتح الميم، وقيل بضمها، وفي نسخه (و) وصفة بالدقاق، قال في قاموس الرجال: ان المصنف (يعني الممقاني) زاد في عنوانه الدقاق القمي، والدقاق يستفاد من خبر مزار التهذيب وأما القمي فلم يعلم مستنده. (*)

[ 361 ]

الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم مالا يطيقون وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ. 6 – حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، قال: قلت لابي – عبد الله عليه السلام: فوض الله الامر إلى العباد ؟ فقال: الله أكرم من أن يفوض إليهم، قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم ؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه. 7 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا: سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: ألا اعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه، قلنا: إن رأيت ذلك، فقال: إن الله عزوجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة (1) ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه (2).


(1) قوله: (لم يطع باكراه) رد على الجبرية، وقوله: (لم يعص بغلبه) رد على القدرية وفي نسخة و (و) و (ط) و (ن) (لم يطع بالاكراه). (2) حاصل كلامه عليه السلام: أنه تعالى قادر على كل شئ ومالك كل شئ حتى ارادات ذويها فانها بيده يمنع ويعطي فلا معنى لقول القدرية المفوضة، لكنه تعالى يخلى بين العبد و بين ارادته في مقام الطاعة فيفعل فيستحق، ويخلى بينه وبينها في مقام المعصية تارة ويحول اخرى بسلب مقدمة من المقدمات الخارجية أو الداخلية، فان حال فهو لطف من الله لعبده، وان لم يحل وفعل العبد فانما فعل بارادته التي جعلها الله تعالى من حيث الفعل والترك بيده، لا أنه تعالى أكرهه على ذلك، فليس على الله شئ، إذ ليس من حق العبد على الله عزوجل أن يحول بينه وبين معصيته، فلا معنى لقول الجبرية. (*)

[ 362 ]

8 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن خنيس بن محمد، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، قال: قلت: وما أمر بين أمرين ؟ قال: مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي أمرته بالمعصية. (1) 9 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رحمه الله، قال: حدثنا أحمد ابن علي الانصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة ولا تقبلوا له شهادة، إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها (2) ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر اخرى. (3) 10 – حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته فقلت له: الله فوض الامر إلى العباد ؟ قال: الله أعز


(1) بيانه أنك حيث نهيته فلم ينته فتركته على عمله لست أنت الذي أمرته بالمعصية، كذلك الله تعالى حيث نهى العبد عن المعصية فلم ينته فتركه وخلى بينه وبين عمله ليس هو الذي أدخله فيها وأجبره عليها، فالله خلاه فلا جبر، وقادر على منعه ان شاء فلا تفويض. (2) اشارة إلى قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)، والفقرات الثلاث الاخر مذكورة في الكتاب. (3) في نسخه (و) و (ن) و (ه‍) بعد الحديث التاسع هذا الحديث: (حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل ؟ فقال: لا، بل اعقلها وتوكل). (*)

[ 363 ]

من ذلك، قلت: فاجبرهم على المعاصي ؟ قال: الله أعدل وأحكم من ذلك، ثم قال: قال الله عزوجل: يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك. 11 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن مهزم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا، قال: قلت: في الجبر والتفويض، قال: فسلني، قلت: أجبر الله العباد على المعاصي ؟ قال: الله أقهر لهم من ذلك (1) قال: قلت: ففوض إليهم ؟ قال: الله أقدر عليهم من ذلك، قال: قلت: فأي شئ هذا أصلحك الله ؟ قال: فقلب يده مرتين أو ثلاثا، ثم قال: لو أجبتك فيه لكفرت. 12 – حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الاخبار في ذلك عن آبائك الائمة عليهم السلام، فقال: يا ابن خالد أخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي الائمة عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الاخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في ذلك ؟ ! فقلت: بل ما روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في ذلك أكثر، قال: فليقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يقول بالتشبيه والجبر إذا، فقلت له: إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يقل من ذلك شيئا وإنما روي عليه، قال:


(1) كأن القائل بالجبر يقول: ان الله تعالى لو جعل عباده مختارين لفات عنه انفاذ مشيئته فيهم كما ذهب إليه المفوضة، فقال عليه السلام: أنه تعالى أقهر لهم من ذلك، وليست الملازمة ثابتة، بل هو قاهر عليهم مع اختيارهم، وفي نسخة (و) (الله أرحم لهم من ذلك) والعجب أن كلا من الفريقين على حسب سلوكهم لو جازوا عن مقامهم وقعوا في مهوى الاخرين، و ذلك لانهم لم يطلبوا العلم عن باب مدينته حتى يستقيموا على الطريقة الوسطى. (*)

[ 364 ]

فليقولوا في آبائي عليهم السلام: إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم، ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا ابن خالد إنما وضع الاخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن جفاهم فقد برنا، ومن برهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا، ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد كذبنا، ومن كذبهم فقد صدقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد أعطانا، يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا. 60 – باب القضاء والقدر والفتنة والارزاق والاسعار والآجال 1 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء. (1)


(1) قال المجلسي رحمه الله ذيل هذا الحديث في البحار القضاء والقدر: (خلقان من خلق الله) بضم الخاء أي صفتان من صفات الله، أو بفتحهما أي هما نوعان من خلق الاشياء وتقديرها في الالواح السماوية، وله البداء فيها قبل الايجاد، فذلك قوله: (يزيد في الخلق ما يشاء) أو المعنى مرتبتان من مراتب خلق الاشياء فانها تتدرج في الخلق إلى أن تظهر في الوجود العيني. أقول: ولا يبعد أن يكون المراد بهما موجودين من الملائكة أو غيرهم يجري على أيديهم قضاؤه تعالى وقدره كالنازلين ليلة القدر، مع أن اطلاق الخلق على نفس القضاء والقدر صحيح باعتبار جريانهما في الممكنات كالمشيئة على ما في الحديث الثامن في الباب الخامس والخمسين. (*)

[ 365 ]

2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست، عن ابن اذينة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر ؟ قال: أقول: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم (3). 3 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: بحر عميق فلا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: طريق مظلم فلا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: سر الله فلا تكلفه (3) قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فإني سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله ؟ ! قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله للعباده قبل أعمال العباد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم وقد كان كافرا، قال: وانطلق الرجل غير بعيد، ثم انصرف إليه فقال له: يا أمير المؤمنين أبا لمشية الاولى نقوم ونقعد ونقبض ونبسط ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وإنك لبعد في المشية (4) أما إني سائلك عن


(1) في نسخة (و) و (ج) و (ه‍) (عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام). (2) بيانه أنه تعالى لا يسأل العباد يوم القيامة عما قضى عليهم قضاء تكوينيا حتى نفس أفعالهم الصادرة عنهم لانها من حيث هي هي أشياء تقع في الوجود تبعا لعللها فليست خارجة عن حيطة قدره تعالى وقضائه. بل مورد السؤال يوم القيامة هو أفعالهم من حيث الموافقة و المخالفة لقضائه التشريعي الذي هو التحليل والتحريم، وهذا هو العهد. (3) في البحار باب القضاء والقدر: (فلا تتكلفه). (4) في نسخة (ط) و (ن) (وانك لبعيد في المشيئة). (*)

[ 366 ]

ثلاث لا يجعل الله لك في شئ منها مخرجا: أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما شاؤوا ؟ ! فقال: كما شاء، قال عليه السلام: فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا ؟ ! فقال: لما شاء، قال عليه السلام: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا ؟ قال: يأتونه كما شاء، قال عليه السلام: قم فليس إليك من المشية شئ. (1) 4 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة (2) عن الزهري، قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام،: جعلني الله فداك أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟ فقال عليه السلام: إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير جسد لا تحس والجسد بغير روح صورة لاحراك بها (3) فإذا اجتمعا قويا وصلحا، وكذلك العمل والقدر، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان


(1) ان السائل توهم أن أعمال العباد لو كانت واقعة بقدر الله تعالى لزم الظلم إذا عذبوا عليها اذلا محيص لهم عن القدر، كما أن هذا التوهم ألجا المفوضة إلى التفويض ونفي القدر فأجاب عليه السلام أن أعمال العباد مسبوقة برحمته، مرتبطة بها، مقدرة بها كسائر الاشياء، فان رحمته وسعت كل شئ، فان كانت مقدرة بها فلا معنى لان يكون في التقدير ظلم، فالجواب يرجع إلى نفي الملازمة باثبات ضد الظلم في القدر، وحيث انه عليه السلام نفي التفويض وأثبت القدر توهم الجبر فرجع وقال: (أبا لمشيئة الاولى – الخ) إذ اثبات القدر في الاعمال يستلزم كونها بمشيئته، وهذا من عجيب أمر هذا المبحث إذ نفى أحد الطرفين يجر إلى الطرف الاخر والقرار في الوسط يحتاج إلى قريحة لطيفة وفكرة دقيقة، فأثبت عليه السلام للعبد مشيئة ولله تعالى المشيئة الا أنها متقدمة حاكمة عليها مؤثرة فيها. وقوله: (فليس اليك من المشيئة شئ) أي ليس شئ من مشيئتك مفوض اليك من دون تأثير مشيئته، وهذا هو الامر بين أمرين، وفي نسخة (ب) و (د) (فليس اليك في المشيئة شئ) وفي نسخة (ن) (فليس لك من المشيئة شئ) و في نسخة (ج) (ليس لك في المشيئة شئ). (2) في نخسة (ب) و (د) وحاشية نسخة (ن) و (ط) (عن سيف بن عيينة). (3) في نسخة (ب) و (ط) و (ن) (لاحراك لها). (*)

[ 367 ]

القدر شيئا لا يحس، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم، ولكنهما باجتماعهما قويا، ولله فيه العون لعباده الصالحين (1) ثم قال عليه السلام: ألا إن من أجور الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدي جورا، إلا إن للعبد أربعة أعين: عينان يبصر بهما أمر آخرته، وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما العيب (2) وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه، ثم التفت إلى السائل عن القدر فقال: هذا منه، هذا منه (3). 5 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا علي بن زياد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الاعمش، عن أبي حيان التيمي (4)، عن أبيه – و


(1) بيان كلامه عليه السلام: ان القدر يضاف إلى الله تعالى وهو هندسة الشئ ووضع حدوده وجودا وعدما، ويضاف إلى الامر المقدر وهو تعينه وتقدره بتلك الهندسة والحدود، فما لم يكن القدر من الله تعالى لشئ لعدم تحقق بعض ماله دخل فيه لم يتعين ذلك الشئ ولم يوجد (وهذا معنى قوله عليه السلام: (لم يمض ولم يتم) ولم يعرف الخالق منه ولم يكن قدر الله فيه محسوسا، ثم ان العمل حيث ان له دخلا فيما يصيب الانسان في دنياه وآخرته وانه جزء لقدر ما يصيبه قال عليه السلام: (ولكنهما باجتماعهما قويا) وصارا منشأ لتحقق ما يصيب الانسان (وصلحا) لحصوله. والحاصل انا كل شئ خلقناه بقدر، فلولا القدر لم يكن مخلوقا ولا القدر فيه محسوسا ولا المقدر منه معروفا، وعمل الانسان له دخل فيما له وما عليه، فلذلك لم يتم قدر الله لما يصيب الانسان الا بالعمل، الا ان القدر هو الاصل في ذلك لمكان التمثيل ولان العمل أيضا موقع للقدر، ثم ان قوله: (لانحس – ولا يحس) في الموضعين على بناء المجهول، والضمير المجرور في قوله: (ولله فيه العون) يرجع إلى العمل. (2) في نسخة (ج) (فأبصر بهما الغيب). (3) أي فتح عيني القلب وتركه من القدر، وفي هذا الكلام اشارة إلى أن المعرفة بسر القدر والرضا به لمن فتحت عين قلبه. (4) هو ابو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، ثقة مات سنة خمس و أربعين. كما قال ابن حجر والذهبي. وفي نسخة (ب) (عن أبي حنان التيمي). (*)

[ 368 ]

كان مع علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك – قال: بينا علي بن أبي طالب عليه السلام يعبى الكتائب يوم صفين ومعاويه مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا وعلي عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المرتجز، وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وهو متقلد سيفه ذو الفقار (1) فقال رجل من أصحابه: احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون، فقال عليه السلام: لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه وإنه لاشقى القاسطين وألعن الخارجين على الائمة المهتدين، ولكن كفى بالاجل حارسا، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائطا أو يصيبه سوء، فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه، وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها (2) فخضب هذه من هذا – وأشار إلى لحيته ورأسه – عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب، والحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الدلائل والمعجزات. 6 – حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن عمر بن اذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كما أن بادي النعم من الله عزوجل وقد نحلكموه، فلذلك الشر من أنفسكم وإن جرى به قدرة (3). 7 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عبد الرحمن بإسناده رفعه إلى من قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين ألف سنة.


(1) بالرفع على أن يكون علما للسيف، وفي نسخة (و) و (ب) (ذاالفقار) بالنصب فهو وصف له. (2) أي أشقى الامة أو أشقى الفرقة المارقه أو أشقى الثلاثة المتعاهدين. (3) في نسخه (ج) (وان جرى به القدر) وفي نسخة (ه‍) (وان جرى بيده قدره). (*)

[ 369 ]

8 – حدثنا علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني (1) قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت (2) عن سعد بن طريف عن الاصبع بن نباته، قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له، يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله ؟ فقال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل (3). 9 – حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري (4) قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن المثنى (5) قال: حدثنا أبو الحسن (6) علي بن مهرويه القزويني، قال: حدثنا أبو أحمد الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا


(1) في نسخة (ب) (ابن مقيرة القزويني) بالقاف والياء المثناة من تحت، وفي نسخة (د) و (ه‍) وحاشية نسخة (ن) كما في المتن والبقية (ابن مغيرة القزويني) بالغين والياء. (2) في نخسة (ب) (عن عمر بن ثابت) (3) أي سقوط الحائط المائل على من عنده من قضاء الله تعالى، الا أنه لم يقدر لي فلا يقضي فلا يقع على بل المقدر لي الفرار من عنده، وهذا لا ينافي ماروي في باب فضل اليقين من الكافي عن الصادق عليه السلام: (ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فانه معود، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: حرس امرء أجله، فلما قام سقط الحائط، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين – انتهى الحديث) لانه عليه السلام كان عالما بأن المقدر سقوط الحائط بعد قيامه عنه والامام عليه السلام يعمل بعض الاحيان بعلمه وان كان الوظيفة بحسب الظاهر المعلوم الفرار عن الحائط. (4) في نسخة (ن) و (ط) (أبو الحسين محمد بن عمر بن علي البصري). (5) في نسخة (ه‍) (أبو الحسين علي بن الحسن الميثمي) وفي نسخة (و) (أبو الحسن علي بن الحسن بن المثنى، وفي نسخة (ب) أبو الحسين علي بن الحسن بن المثنى) وفي نسخة (د) (ابو الحسين علي بن الحسين بن المثنى). (6) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (أبو الحسين). (*)

[ 370 ]

قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر، قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي محمد بن علي، قال: حدثنا أبي علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي الحسين ابن علي عليهم السلام، قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الاعمال على ثلاثة أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي (1) وأما الفرائض فبأمر الله عزوجل، وبرضى الله وقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله و بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه، وأما المعاصي فليست بأمر الله (2) ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه، ثم يعاقب عليها. قال مصنف هذا الكتاب: قضاء الله عزوجل في المعاصي حكمه فيها، ومشيته في المعاصي نهيه عنها، وقدره فيها علمه بمقاديرها ومبالغها (3).


(1) كأنه عليه السلام أراد بالمعاصي أعم من المكروهات، ولم يدخل المباحات في القسمة. (2) ولا برضى الله تعالى أيضا. (3) أقول: قد ورد في الاحايث أنه لا يكون شئ في السماوات والارض الا بسبع: مشيئة، ارادة، قدر، قضاء، كتاب، أجل، اذن، وكذا ورد فيها كالحديث التاسع من الباب الرابع والخمسين ان الله تعالى علم وشاء واراد وقدر وقضى وأمضى، وكذا أحاديث اخر دالة على أن كل شئ واقع بقضائه وقدره حتى أفعال العباد ومعاصيهم، وبالنظر في أخبار هذا الباب والابواب السبعة قبله وغيرها ينحل ما يخطر بالبال من الشبهات في هذا المبحث، ومجمل القول: أن كل شئ حتى كل فعل صدر من العبد من حيث هو شئ انما يقع في الخارج بعلله المنتهية إليه تعالى، وانكار ذلك اخراج لبعض ما في ملكه عن سلطانه تعالى عن ذلك، لكنه تعالى جعل فعل العبد بيده أي بقدرته واردادته، وانكار قدرة العبد وارادته سفه وانكار لامر وجداني، يوجب ذلك الشبهات التي تراكمت في أذهان أصحابها لانحرافهم عن الحق وأهله، مع أن قدرته وارداته وكل شئ له محكومة بتلك الامور، فإذا فعل فانما فعل بقدرته وارادته بعد مشيئة الله له وارادته وقدره وقضائه واذنه بأجل في كتاب، وأما أمره تعالى ونهيه فانهما لا يتعلقان بفعل العبد من حيث ذاته وانه شئ إذ لو لم يكن أمر ولا نهي لكان الفعل واقعا أو غير واقع من غير دخل لهما فيه، بل يتعلقان به من حيث الموافقة بمعنى أن الامر وكذا النهي يبعث العبد مع شرائط البعث فيه على أن يجعل فعله وتركه وفقا لما أمر به = (*)

[ 371 ]

10 – وبهذا الاسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ماكان مخلصا، و الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له. 11 – حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: قال الله جل جلاله: من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري، وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: في كل قضاء الله خيرة للمؤمن. (1) 12 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم في بعض أسفاره إذا لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فالتفت إليهم فقال: ما أنتم ؟ فقالوا: مؤمنون، فقال: ما حقيقة إيمانكم. قالوا: الرضا بقضاء الله والتسليم لامر الله والتفويض إلى الله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا مالا تسكنون، ولا تجمعوا مالا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون. 13 – حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن هارون


= ونهى عنه، والحاصل أن الفعل المأمور به أو المنهى عنه من حيث هو كذلك الذي يتحقق الطاعة بموافقته والمعصية بمخالفته ليس موردا لارادته وقضائه وغيرهما من أسباب الخلق، نعم مورد للتشريعية منها. (1) في نسخة (د) (في كل قضاء الله عزوجل خيرة للمؤمنين). (*)

[ 372 ]

ابن مسلم (1) عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل: إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل رزقه (2) وإن كنت واليت عدوه فاخرج عن ملكه، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربا سواه. 14 – وبهذا الاسناد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء: أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك (3) والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك، والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري، والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره. 15 – وبهذا الاسناد عن الاصبع بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف وفيه تضييع الزاد، والاقبال على الآخرة غير ناقص من المقدور (4) وفيه إحراز المعاد، وأنشد: (لو كان في صخرة في البحر راسية * صماء ملمومة ملس نواحيها) (رزق لنفس يراها الله لا نفلقت * عنه فأدت إليه كل ما فيها) (أو كان بين طباق السبع مجمعه * لسهل الله في المرقى مراقيها) (حتى يوافي الذي في اللوح خط له * إن هي أتته وإلا فهو يأتيها) (5)


(1) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (عن مروان بن مسلم). (2) في نسخة (ط) و (ن) (فلا تأكل من رزقه). (3) في النسخ المخطوطة عندنا: (فلا تشتغل – الخ)، وما هنا أبلغ. (4) في نسخه (و) و (ه‍) و (ج) (غير ناقص في المقدور). (5) قوله: (فأدت إليه) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي إليها، أي فأدت تلك الصخرة إلى تلك النفس، وكذا الكلام في الضمير المستتر في يوافي والضمير المجرور باللام بعده لان مرجعهما النفس، والتذكير يمكن أن يكون باعتبار صاحب النفس، وقوله: (مجمعه) اسم مكان والضمير يرجع إلى رزق، وفي نسخه (و) و (ب) وحاشية نسخة (ن) (مجمعة) بالتاء = (*) 9

[ 373 ]

قال مصنف هذا الكتاب: كل ما مكننا الله عزوجل من الانتفاع به ولم يجعل لاحد منعنا منه فقد رزقناه وجعله رزقا لنا، وكل ما لم يمكننا الله عزوجل من الانتفاع به وجعل لغيرنا منعنا منه فلم يرزقناه ولا جعله رزقا لنا. (1) 16 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن سليمان، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في الطواف فقاله له: أخبرني عن الجواد، فقال له: إن لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عزوجل عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع لانه إن اعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع ما ليس له. 17 – حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني جدي


= مكان الضمير، وهو اسم مكان أيضا، أي مجمعة له، وقوله: (وفى المرقى مراقيها) أي لسهل الله في السماء صعود مدارج السماوات السبع لمن رزقه فيها، والمصراع الاخير نظير قوله عليه السلام في النهج: (الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فان لم تأته أتاك) والضمائر المؤنثة في المصراع الاخير راجعة إلى النفس والمذكرة إلى الرزق. (1) أقوله: الله تعالى خالق الخلق ورازقهم، والخلق هو الايجاد، والرزق هو ايصال ما ينتفع به الموجود إليه، وكما يطلق الخلق على المخلوق يطلق الرزق على المرزوق أي ما ينتفع به الموجود، وهذا أمر تكويني داخل تحت القدر والقضاء، يستوى فيه الانسان و غيره والمكلف وغيره وكاسب الحلال وغيره، فان على الله رزق كل موجود ان أراد بقاءه، ثم ان من الرزق ما يكتسب بأسباب في أيدي المكلفين من المعاملات وغيرها، وبعض تلك الاسباب ممضى من الشارع وبعضها غير ممضى، وما يكتسب بالاول فهو الحلال وما يكتسب بالثاني فهو الحرام، فاختلف المسلمون فالمعتزلة وفاقا للاماميه إلى أن الحلال رزق والحرام لا يسمى رزقا، والا شاعرة إلى أن كليهما رزق، ولكل من الفريقين متمسكات من الكتاب والسنة، وقول المصنف هنا: (ولم يجعل لاحد منعنا منه) لاخراج الحرام. وتفصيل الكلام في محله. (*)

[ 374 ]

يحيى بن الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني ابن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة، عن أبي حفص الاعشى، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم قال لي: يا علي بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدنيا حزنك ؟ فرزق الله حاضر للبر والفاجر، فقلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول، قال: أفعلى الآخره حزنك ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول: قال: فعلى ما حزنك ؟ فقلت: أنا أتخوف من فتنة ابن الزبير (1) فضحك، ثم قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله تعالى فلم ينجه. قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله عزوجل فلم يعطه ؟ قلت: لا، قال عليه السلام: ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد. 18 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما قضيت، تميت الكبير وتبقي الصغير، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا ؟ قال: بلى يا رب، فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل. 19 – حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أحمد المعاذي، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا يحيى بن إسماعيل الجريري (2) قراءة، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن


(1) في نسخة (ط) (فقلت: لما اتخوف من فتنة ابن الزبير) فمن بيانية، وفي نسخه (ج) (انا نتخوف – الخ). (2) في نسخة (د) و (ب) (الحريزي) بالزاي المعجمة قبل الياء الاخيرة. (*)

[ 375 ]

جده عليهم السلام قال: دخل الحسين بن علي عليهما السلام، على معاوية (1) فقال له: ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين ؟ ! فقال عليه السلام: حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه (2) وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال: صدقت، قال: وقيل لامير المؤمنين عليه السلام لما أراد قتال الخوارج: لو احترزت يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: أي يومي من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر يوم ما قدر لا أخشى الردى * وإذا قدر لم يغن الحذر (3) 20 – حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الاصبهاني، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: اخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد بن أشرس، قال: حدثنا إبراهيم بن نصر قال: حدثنا وهب بن وهب بن هشام أبو البختري، قال: حدثنا جعفر بن محمد (4) عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: يا علي إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره، فإن الله عزوجل بحكمته وفضله (5) جعل الروح والفرج (6) في


(1) النسخ متفقة في هذه العبارة مع انه لا يستقيم ارجاع ضمير جده إلى جعفر بن محمد وهذا ظاهر، ولا إلى (أبي) لان الجد حينئذ هو الحسين بن علي، ولا إلى أبيه وهذا أيضا ظاهر، فعن جده اما زيادة أو صاحب القصة الحسن دون الحسين عليهما السلام مع ارجاع الضمير إلى أبي، والله العالم. (2) قوله: (أن – الخ) بالفتح معمول لعلمه، ويحتمل الكسر، وفي نسخة (د) (على أن ما أصابه – الخ) فيكون جوابا آخر. (3) في نسخة (و) (لا أخشى الورى). (4) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (ه‍) (حدثني جعفر بن محمد). (5) في نسخة (و) و (ه‍) (بحكمه وفضله). (6) في نسخة (ج) و (د) و (ط) و (ن) (جعل الروح والفرج) بالجيم. (*)

[ 376 ]

اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، إنه لافقر أشد من الجهل (1) ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حسب كسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب والفجر. 21 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن أبي الصهبان، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الازدي، قال: حدثني أبان الاحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، أنه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وامي عظني موعظة، فقال عليه السلام، إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا، وإن كان الخلف من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا (2) وإن كانت العقوبة من الله عزوجل النار فالمصعية لماذا، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا وإن كان العرض على الله عزوجل حقا فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وإن كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟ !. 22 – حدثنا أبو منصور أحمد بن إبارهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري الشيباني، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل قدر المقادير ودبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي


(1) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (فانه لافقر – الخ). (2) المعنى أنه تعالى ان كان يخلف على العبد ما أنفقه ويعوضه أضعاف ما صرفه في سبيله فالبخل لماذا ؟. (*)

[ 377 ]

عام (1). 23 – حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الاشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني (2) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله، فقال عليه السلام: أما ما لا يعلمه الله عزوجل فذلك قولكم يا معشر اليهود: إن عزيرا ابن الله والله لا يعلم له ولدا، وأما قولك ما ليس لله فليس لله شريك، و قولك: ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، فقال اليهودي: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 24 – حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: أخبرني الحارث بن أبي اسامة قراءة، عن المدائني، عن عوانة بن الحكم، وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي،


(1) قد مضى في الحديث السابع تقدير المقادير قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين ألف سنة، والاختلاف يدل على تعدد التقدير للكل، أو أن التقدير لبعض الاشياء قبل بعضها، وفي حاشية نسخة (ط) و (ن) (قبل أن يخلق العالم – الخ). (2) في نسخة (و) و (ه‍) (حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الغزاء (بالغين المعجمة والزاي المعجمة مبالغة الغازي) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا – الخ) وهذا هو الصحيح، وهذا الرجل هو أبو أحمد الغازي المذكور في الحديث التاسع، ولا يبعد أن يكون ملقبا بالغزاء والغازي معا، ولا يخفى أن الرجل مذكور في الحديث الرابع والعشرين من الباب الثاني، والحديث السابع عشر من الباب الثامن والعشرين بلقب الفراء بالفاء والراء المهملة، ولا شبهة أنه تصحيف الغزاء، ونحن أبقيناه عليه لاتفاق النسخ عليه، وقال في قاموس الرجال: داود بن سليمان بن وهب الغازي روى عن الرضا عليه السلام حديث الايمان كما يظهر من لئالي السيوطي وروى الخصال عنه حديث رواية أربعين حديثا الا أن النساخ صحفوا الغازي فيه بالفراء، أقول: الاقرب أن صحفوا الغزاء به كما قلنا. (*)

[ 378 ]

وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه وغيره أن الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي عليهما السلام، ليبايعوه فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر، وخص من فضل، وعم من أمر، وجلل من عافية (1) حمدا يتمم به علينا نعمه ونستوجب به رضوانه، إن الدنيا دار بلاء وفتنة وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنها كيما نعتبر، فقدم إلينا بالوعيد كي لا يكون لنا حجة بعد الانذار، فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السر والعلانية، إن عليا عليه السلام في المحيا والممات والمبعث عاش بقدر و مات بأجل، وإني ابايعكم على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فبايعوه على ذلك. قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب: أجل موت الانسان هو وقت موته، وأجل حياته هو وقت حياته وذلك معنى قول الله عزوجل: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (2) وإن مات الانسان حتف أنفه على فراشه أو قتل فإن أجل موته هو وقت موته، وقد يجوز أن يكون المقتول لو لم يقتل لمات من ساعته، وقد يجوز أن يكون لو لم يقتل لبقي (3) وعلم ذلك مغيب عنا


(1) في نسخة (و) (الحمد لله على ما قضى من أمره – الخ) وفي نسخة (د) (الحمد لله على ما قضى من أمر ورخص من فضل وعم من أمر وحلل من غاية). (2) الاعراف: 34، والنحل: 61. (3) يقال الاجل لنفس المدة كقوله تعالى (أيما الاجلين قضيت) ولمنتهى المدة كقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى) فاجل الانسان منتهى مدة حياته الذي يقع فيه موته بالقتل أو بحتف الانف، وأجل امة وقت فنائهم، وقال قوم من المعتزلة: ان أجل المقتول ليس الوقت الذي يقتل فيه بل الوقت الذي لو لم يقتل لبقى إليه هو أجله، وقد ورد في آيات وأخبار أن الاجل أجلان: المقضى والمسمى، وتفصيل الكلام في محله، وقال العلامة رحمه الله في شرح التجريد: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة: انه كان يموت قطعا وهو قول أبي الهذيل العلاف، وقال بعض البغداديين: انه كان يعيش قطعا، وقال أكثر المحققين: انه كان يجوز أن يعيش ويجوز له أن يموت. (*)

[ 379 ]

وقد قال الله عزوجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) (1) وقال عزوجل: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) (2) ولو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال: إن جميعهم ماتوا بآجالهم وإنهم لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم، كما كان يجوز أن يقع الوبا في جميعهم فيميتهم، في ساعة واحدة، وكان لا يجوز أن يقال: إنهم ماتوا بغير آجالهم، وفي الجملة ان أجل الانسان هو الوقت الذي علم الله عزوجل أنه يموت فيه أو يقتل، وقول الحسن عليه السلام في أبيه عليه السلام (إنه عاش بقدر ومات بأجل) تصديق لما قلناه في هذا الباب والله الموفق للصواب بمنه. 25 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال: أخبرنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الاصبهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الحراني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قيل لامير المؤمنين عليه السلام: ألا نحرسك، قال: حرس كل امرء أجله. 26 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا منصور بن عبد الله، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلا والصفان ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه حتى جاء أمير المؤمنين عليه السلام فنزلنا على فنائه فقال له سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين ؟ ! أما خفت شيئا، قال: وأي شئ أخاف ؟ ! إنه ليس من أحد إلا و معه ملكان موكلان به أن يقع في بئر أو تضربه دابة أو يتردى من جبل حتى يأتيه القدر، فإذا أتى القدر خلوا بينه وبينه. 27 – حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي بسرخس قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد


(1) آل عمران: 154. (2) الاحزاب: 16.

[ 380 ]

الجوهري، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن عمر وبن شعيب (1) عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره. 28 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الطائي، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، الرازي عن علي بن جعفر الكوفي، قال: سمعت سيدي علي بن محمد يقول: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي عليهم السلام، وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدثني أبو القاسم إسحاق بن جعفر العلوي، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي، عن سليمان ابن محمد القرشي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام – واللفظ لعلي بن أحمد بن محمد ابن عمران الدقاق – قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي (2) يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما (3) لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مسيئ لائمة ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من


(1) في نسخة (ج) (عن أبي دجانة عن عمر بن شعيب)، وفي نسخة (ط) (عن أبي دجانة عن عمرو بن سعيد). (2) أي ان كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالى وقدره لم نستحق أجرا فرجائي أن يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضل عليهم بفضله يوم القيامة. (3) بالمعنى الذي زعمته الجبرية. (*)

[ 381 ]

المحسن (1) تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (2). قال: فنهض الشيخ وهو يقول: (أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا) (3) (أوضحت من ديننا ماكان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا) (فليس معذرة في فعل فاحشة (4) * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا) (لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا) (ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا) * (أني يحب وقد صحت عزيمته * ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا) قال مصنف هذا الكتاب: لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث إلا بيتين من هذا الشعر من أوله. وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي بجرجان، قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ببغداد، قال: حدثني عبد الوهاب بن عيسى المروزي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن محمد البلوي، قال: حدثنا محمد


(1) لانهما في أصل الفعل سيان، إذ ليس بقدرتهما وارادتهما مع أن المحسن يمدحه الناس وهو يرى ذلك حقا له وليس كذلك فليستحق اللائمة دون المذنب، والمذنب يذمه الناس وهو يرى ذلك حقا عليه وليس كذلك فليستحق الاحسان كي ينجبر تحمله لاذى ذم الناس دون المحسن. (2) كما في سورة ص: 27. (3) في حاشية نسخة (ه‍) (يوم المعاد من الرحمن غفرانا). (4) في نسخة (ط) و (و) (فليس معذرة في كل فاحشة). (*)

[ 382 ]

ابن عبد الله بن نجيح، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام. وحدثنا بهذا الحديث أيضا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن ابن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا العباس ابن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد معه الواقعة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر ؟ وذكر الحديث مثله سواء، إلا أنه زاد فيه: فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بهما ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الامر من الله والحكم (1) ثم تلا هذه الآية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (2) أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. 29 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرقي (3) أتدفع من القدر شيئا ؟ فقال: هي من القدر، وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه الامة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر). (4) 30 – حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي، قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى التميمي بالبصرة، وأحمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد العمي، قالا: حدثنا


(1) أي قضاء وقدرا تشريعيين. (2) الاسراء: 23. (3) جمع رقية كغرفة، هي ما يعوذ به الصبيان وأصحاب الافات كالحمى والصرع وغيرهما. (4) القمر: 49. (*)

[ 383 ]

محمد بن زكريا الغلابي (1) قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد (2) قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام، أنه سئل عن قول الله عزوجل: (إنا كل شئ خلقناه بقدر)، فقال: يقول عزوجل: إنا كل شئ خلقناه لاهل النار بقدر أعمالهم (3) 31 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي، عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر الله عزوجل، قال: فليعد كل صلاة صلاها خلفه. 32 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباته، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد عن علمه (4) ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية، لانه بحر زاخر خالص لله تعالى، عمقه مابين السماء و


(1) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسير والاحداث و المغازي وغير ذلك وكان ثقة صادقة، كذا قال ابن النديم، والغلاب بالغين المعجمة و اللام المخففة والباء الموحدة أبو قبيلة بالبصرة. (2) في نسخة (ب) و (د) (أحمد بن عيسى بن يزيد). (3) وأما أهل الجنة فان لهم من الله فضلا كبيرا غير ما أعدلهم أجرا كريما. (4) هكذا في النسخ الا نسخة (ج) ففيها: (ومنع الله العباد عن علمه) وفي البحار باب القضاء والقدر عن اعتقادات الصدوق: (وضع الله عن العباد علمه) مع أن ما في الاعتقادات موافق لما هنا. (*)

[ 384 ]

الارض، عرضه مابين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و الحيتان، يعلو مرة ويسفل اخرى، في قعره شمس تضيئ، لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. قال المصنف هذا الكتاب نقول: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الاعلام كما قال الله عزوجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) (1) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عزوجل: (وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هولاء مقطوع مصبحين) (2) يريد اخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عزوجل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لان الله عزوجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والاخبار كما قال الله عزوجل: (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين)) (3) يعني كتبنا وأخبرنا، وقال العجاج: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الاولى التي كان سطر و (قدر) معناه كتب. وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عزوجل (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (4) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عزوجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و نافلة وغير ذلك، ويفعل من الادلة على ذلك ما يعرف به هذه الاحوال لهذه الافعال فيكون عزوجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها،


(1) الاسراء: 4. (2) الحجر: 66. (3) الحجر: 60. (4) الاسراء: 23. (*)

[ 385 ]

ولكن ليبين لغيره ممن لايعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى، وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها، وإنما أنكرنا أن يكون الله عزوجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها، أو أن يكون فعلها وكونها، فأما أن يكون الله عزوجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره. وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه منها العلم وهو قول الله عزوجل: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضيها) (1) يعني علمها. والثاني الاعلام وهو قوله عزوجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) وقوله عزوجل: (وقضينا إليه ذلك الامر) أي أعلمناه. والثالث الحكم وهو قوله عزوجل. (والله يقضي بالحق) (2) أي يحكم بالحق. والرابع القول وهو قوله عزوجل: (والله يقضي بالحق) (3) أي يقول الحق. والخامس الحتم وهو قوله عزوجل: (فلما قضينا عليه الموت) (4) يعني حتمنا، فهو القضاء الحتم. والسادس الامر وهو قوله عزوجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) يعني أمر ربك. والسابع الخلق وهو قوله عزوجل: (فقضيهن سبع سموات في يومين) (5)


(1) يوسف: 68. (2) في البحار: (ويقضي ربك بالحق) وفي نسخة (ن) (وهو يقضي بالحق) وفي نسخة (و) و (ج) (يقضي بالحق) فما في النسخ كلها اما غير موجود في القرآن بعينه واما عين ما ذكر في الوجه الرابع، فالمناسب للوجه الثالث قوله تعالى في سورة النمل: (ان ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم). (3) المؤمن: 20. (4) سبأ: 14. (5) فصلت: 12. (*)

[ 386 ]

يعني خلقهن. والثامن الفعل وهو قوله عزوجل: (فاقض ما أنت قاض) (1) أي افعل ما أنت فاعل. والتاسع الاتمام وهو قوله عزوجل: (فلما قضى موسى الاجل) وقوله عزوجل حكاية عن موسى: (أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل) (2) أي أتممت. والعاشر الفراغ من الشئ وهو قوله عزوجل: (قضي الامر الذي فيه تستفتيان) (3) يعني فرغ لكما منه، وقوله القائل: قد قضيت لك حاجتك، يعني فرغت لك منها، فيجوز أن يقال: إن الاشياء كلها بقضاء الله وقدره تبارك وتعال بمعنى أن الله عزوجل قد علمها وعلم مقاديرها، وله عزوجل في جميعها حكم من خير أو شر، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم مبلغة ومقداره، وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه ولكنه عزوجل قد قضاه وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره ومبلغة وحكم فيه بحمكه. والفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال. والثاني الاختبار وهو قول الله عزوجل: (وفتناك فتونا) (4) يعني اختبرناك اختبارا، وقوله عزوجل: (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (5) أي لا يختبرون. والثالث الحجة وهو قوله عزوجل: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) (6). والرابع الشرك وهو قوله عزوجل: (والفتنة أشد من القتل) (7).


(1) طه: 72. (2) القصص: 28. (3) يوسف: 41. (4) طه: 40. (5) العنكبوت: 2. (6) الانعام: 23. (7) البقره 191. (*)

[ 387 ]

والخامس الكفر وهو قوله عزوجل: (ألا في الفتنة سقطوا) (1) يعني في الكفر. والسادس الاحراق بالنار وهو قوله عزوجل: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات – الآية) (2) يعني أحرقوا. والسابع وهو قوله عزوجل: (يوم هم على النار يفتنون) (3) يعني يعذبون، وقوله عزوجل: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تكذبون) (4) يعني عذابكم، وقوله عزوجل: (ومن يرد الله فتنته (يعني عذابه) فلن تملك له من الله شيئا) (5). والثامن القتل وهو قوله عزوجل: (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) (6) يعني إن خفتم أن يقتلوكم، وقوله عزوجل: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم) (7) يعني أن يقتلهم. والتاسع الصد وهو قوله عزوجل: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) (8) يعني ليصدونك. والعاشر شدة المحنة وهو قوله عزوجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) (9) وقوله عزوجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) (10) أي محنة فيفتنوا بذلك ويقولوا في أنفسهم: لم يقتلهم إلا دينهم الباطل وديننا الحق (11) فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ماهم عليه من الكفر والظلم (12). قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر فقال:


(1) التوبة: 49. (2) البروج: 10. (3) الذاريات: 13. (4) الذاريات: 14. وفي المصحف (به تستعجلون) (5) المائدة: 41. (6) النساء: 101. (7) يونس: 83. (8) الاسراء: 73. (9) الممتحنة: 5. (10) يونس: 85. (11) في نسخه (و) (لم نقتلهم الا ودينهم الباطل وديننا الحق). (12) في نسخة (ه‍) (داعيا لهم إلى الثبات على – الخ). (*)

[ 388 ]

من وجوه الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عزوجل: (أنما أموالكم وأولادكم فتنة) (1) أي محبة، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة وأن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة – بالنون – لا المحبة – بالباء -. وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه واله وسلم (الولد مجهلة محنة مبخلة) (2) وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي صلى الله عليهما. 33 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد بن، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: مر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الاسواق وحيث تنظر الابصار إليها، فقيل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو قومت عليهم، فغضب عليه السلام حتى عرف الغضب في وجهه وقال: أنا اقوم عليهم ؟ ! إنما السعر إلى الله عزوجل (3) يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء. وقيل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لو أسعرت لنا سعرا فإن الاسعار تزيد وتنقص، فقال عليه السلام: ماكنت لالقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا (4) فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض. 34 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن


(1) الانفال: 28، والتغابن: 15. (2) أي يوجب الولد لابيه الجهل والامتحان والبخل، وفي البحار باب القضاء و القدر وفي نسخة (و) (مجبنة)) من الجبن مكان محنة، وقال المجلسي رحمه الله هناك ذيل كلام المصنف: أقول: هذه الوجوه من القضاء والفتنة المذكورة في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام وقد أثبتناه باسناده في كتاب القرآن انتهى. ثم اعلم أن هذا الخبر رواه أبو يعلى في مسنده باسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله هكذا (الولد ثمرة القلب وانه مجبنة مبخلة محزنة). (3) في نسخة (و) (انما السعر على الله عزوجل). (4) في نسخة (و) و (ج) و (ه‍) (لم يحدث إلى فيها شيئا)، والبدعة هنا بمعناها اللغوي. (*)

[ 389 ]

الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى وكل بالسعر ملكا يدبره بأمره، وقال أبو حمزة الثمالي: ذكر عند علي بن الحسين عليهما السلام، غلاء السعر فقال: وما علي من غلائه، إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الغلاء هو الزيادة في أسعار الاشياء حتى يباع الشئ بأكثر مما كان يباع في ذلك الموضع، والرخص هو النقصان في ذلك، فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الاشياء وقلتها فإن ذلك من الله عزوجل ويجب الرضا بذلك والتسليم له، وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الاشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام لذلك فذلك من المسعر والمتعدي بشرى طعام المصر كله (1) كما فعله حيكم بن حزام، كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر. 35 – حدثنا بذلك أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى، عن سلمة الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام متى كان في المصر طعام غير ما يشتريه الواحد من الناس فجائز له أن يلتمس بسلعته الفضل لانه إذا كان في المصر طعام غيره يسع الناس لم يغل الطعام لاجله، وإنما يغلو إذا اشترى الواحد من الناس جميع ما يدخل المدينة. 36 – حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما


(1) هذا قول غير الاشاعرة، واما هم فعلى ان الرخص والغلاء ليسا الا من الله بناء على أصلهم، وقوله: (لغير قلة الاشياء – الخ) عطف بيان لقوله: (بما يؤخذ الناس به) أي وما كان من الغلاء والرخص بسبب عمل الناس الذي صح مؤاخذتهم عليه وهو غير قلة الاشياء وكثرتها من الله تعالى من دون وجوب الرضى على الناس به أو كان من جهة – الخ. (*)

[ 390 ]

وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره (1) فلا بأس أن تلتمس لسلعتك الفضل. (2) ولو كان الغلاء في هذا الموضع من الله عزوجل لما استحق المشتري لجميع طعام المدينة الذم لانه الله عز وجل لايذم العبد على ما يفعله (3) ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)) ولو كان منه عزوجل لوجب الرضى به والتسليم له، كما يجب إذا كان عن قلة الاشياء أو قلة الريع لانه من الله عز وجل، وما كان من الله عزوجل أو من الناس فهو سابق في علم الله تعالى ذكره مثل خلق الخلق (4) وهو بقضائه وقدره على ما بينته من معنى القضاء والقدر. 61 – باب الاطفال وعدل الله عزوجل فيهم 1 – حدثنا الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي (5) قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني، قال: حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين، قال: حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله قال: حدثني أبي عبد الله بن يزيد، قال حدثني أبي يزيد بن سلام، عن أبيه سلام بن عبيد الله، عن عبد الله بن سلام مولى


(1) في حاشية نسخة (ه‍) (طعام أو بياع غيره). (2) الظاهر أن قوله: (ولو كان الغلاء في هذا الموضع – الخ) من الصدوق رحمه الله كما يظهر من الفقيه. (3) أي ما يفعله الله، وفي نسخة (و) (على مالا يفعله) أي مالا يفعله العبد. (4) في نسخة (و) و (ن) (قبل خلق الخلق). (5) في نسخة (و) و (ه‍) و (ب) و (د) (الحسن بن يحيى – الخ) وفي نسخة (و) بزيادة (رحمه الله). (*)

[ 391 ]

رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (1) أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقلت: أخبرني أيعذب الله عزوجل خلقا بلا حجة ؟ فقال: معاذ الله، قلت: فأولاد المشركين في الجنة أم في النار ؟ فقال: الله تبارك وتعالى أولى بهم، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم: عبيدي وإمائي من ربكم وما دينكم وما أعمالكم ؟ ! قال: فيقولون: اللهم ربنا أنت خلقتنا ولم نخلق شيئا وأنت أمتنا ولم نمت شيئا ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها، ولا أسماعا نسمع بها ولا كتابا نقرؤه، ولا رسولا فنتبعه، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، قال: فيقول لهم عزوجل: عبيدي وإمائي إن أمرتكم بأمر أتفعلوه ؟ ! فيقولون: السمع والطاعة لك يا ربنا، قال: فيأمر الله عزوجل نارا يقال لها: الفلق، أشد شئ في جهنم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل والاغلال، فيأمرها الله عزوجل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ، فمن شدة نفختها تنقطع السماء وتنطمس النجوم وتجمد البحار وتزول الجبال وتظلم الابصار وتضع الحوامل حملها ويشيب الولدان من هولها يوم القيامة، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في تلك النار، فمن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، ومن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار، فيأمر الله تبارك و تعالى النار فتلقطه لتركه أمر الله وامتناعه من الدخول فيها فيكون تبعا لآبائه في جهنم، وذلك قوله عزوجل (فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك أن


(1) في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء الخامس وفي تفسير البرهان ذيل الاية المذكورة وفي نسخة (و) و (ج) بعد قوله: (حدثني أبي يزيد بن سلام) هكذا: (عن أبيه سلام بن عبيد الله أخي عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه و آله) وفي نسخة (ن) و (و) و (ج) (سلام بن عبد الله) مكبرا، وكون سلام بن عبيد الله أخا لعبد الله بن سلام مع اختلاف الاب يصححه كونهما أخوين للام فقط. (*)

[ 392 ]

ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (1). 2 – حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا عليه السلام قال: قلت له: لاي علة أغرق الله عزوجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الاطفال ومن لاذنب له ؟ فقال: ماكان فيهم الاطفال لان الله عزوجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله عزوجل ليهلك بعذابه من لاذنب له، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فاغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه. 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن أولاد المسلمين هم موسومون عند الله عزوجل شافع ومشفع (2) فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، وإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات. 4 – حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة احتج الله عزوجل على سبعة: على الطفل، والذي مات بين النبيين، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي وهو لا يعقل،


(1) هود: 108. (2) اي معلومون عنده تعالى، وفي حاشية نسخة (ن) (مسوفون) اي مرجعون مؤخرون في أمرهم إلى يوم القيامة، وقوله: (شافع مشفع) أي كل منهم، ولا استبعاد فيه كما ورد في حديث المحبنطئ على باب الجنة. (*)

[ 393 ]

والابله، والمجنون الذي لا يعقل، والاصم، والابكم، فكل واحد منهم يحتج على الله عزوجل (1) قال: فيبعث الله عزوجل إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا (2) و يقول: إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها (3) فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ومن عصى سيق إلى النار. 5 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن فضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة بن أعين، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر عليه السلام صغير فكبر عليه، ثم قال: يا زرارة إن هذا وشبهه لا يصلى عليه، ولو لا أن يقول الناس: إن بني هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه، قال زرارة: فقلت: فهل سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: نعم قد سئل عنهم فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم قال: يا زرارة أتدري ما قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين ؟ قال: فقلت: لا والله، فقال: لله عزوجل فيهم المشية، أنه إذا كان يوم القيامة احتج الله تبارك وتعالى على سبعة: على الطفل، وعلى الذي مات بين النبي والنبي، وعلى الشيخ الكبير الذي يدرك النبي وهو لا يعقل، والابله، والمجنون الذي لا يعقل، والاصم، والابكم، فكل هؤلاء يحتج الله عزوجل عليهم يوم القيامة، فيبعث الله إليهم رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم: إن ربكم يأمركم أن تثبوا في هذه النار، فمن وثب فيها كانت عليه براد وسلاما، ومن عصاه سيق إلى النار. 6 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم عليه السلام وسارة أطفال المؤمنين


(1) كاحتجاج أولاد المشركين عليه تعالى المذكور في الحديث الاول. (2) في نسخة (ط) و (ن) (فيؤجج إليهم نارا). (3) في نسخة (ب) و (د) (أن تقيموا فيها). (*)

[ 394 ]

يغذونهم (1) من شجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر، في قصور من در (2) فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيبوا واهدوا إلى آبائهم، فهم مع آبائهم ملوك في الجنة. 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن إحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنابهم ذريتهم) (3) قال: قصرت الابناء عن عمل الآباء فألحق الله عزوجل الابناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم. 8 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي زكريا، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والارض: ألا إن فلان بن فلان قد مات، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلا دفع إلى فاطمة صلوات الله عليها تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه إليه. (4) 9 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن حسان، عن الحسين بن محمد النوفلي من ولد نوفل بن


(1) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي يغذوانهم كما في البحار عن الفقيه. (2) في حاشية نسخة (ط) كلمة (زريعة) بدلا عن (در)، وهي كل شئ ناعم. (3) الطور: 21. (4) لا تنافي بين هذا والحديث السادس، إذ يمكن الجمع باختصاصها عليها السلام باطفال المؤمنين من ذريتها، أو التبعيض على نحو آخر أو يغذوانهم بأمرها، أو التبعيض في التغذية، مع أنه لا تزاحم في العمل في تلك الدار. (*)

[ 395 ]

عبد المطلب، قال: أخبرني محمد بن جعفر، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام في المرض يصيب الصبي ؟ قال: كفارة لوالديه. 10 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تزوجوا الابكار فإنهم أطيب شئ أفواها وأدر شئ أخلافا وأفتح شئ أرحاما، أما علمتم أني اباهي بكم الامم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة فيقول الله عزوجل له: ادخل الجنة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله عزوجل لملك من الملائكة: ايتني بأبويه، فيأمر بهما إلي الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتي لك. 11 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد ابن يحيى، قال: حدثنا محمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أطفال الانبياء عليهم السلام فقال: ليسوا كأطفال سائر الناس، قال: وسألته عن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لو بقى كان صديقا ؟ قال: لو بقي كان على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله. 12 – وبهذا الاسناد، عن حماد بن عثمان، عن عامر بن عبد الله، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عذق يظله عن الشمس، فلما يبس العذق ذهب أثر القبر فلم يعلم مكانه، وقال عليه السلام: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له ثمانية عشر شهرا فأتم الله عزوجل رضاعه في الجنة. قال مصنف هذا الكتاب في الاطفال وأحوالهم: إن الوجه في معرفة العدل والجور والطريق إلى تميزهما ليس هو ميل الطباع إلى الشئ ونفورها عنه وانه استحسان العقل له واستقباحه إياه، فليس يجوز لذلك أن نقطع بقبح فعل من الافعال لجهلنا بعلله. ولا أن نعمل في إخراجه عن حد العدل على ظاهر صورته، بل الوجه (*)


[ 396 ]

إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن نرجع إلى الدليل الذي يدل على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا حال محدثه، فإذا أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه الصنع والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها، جهلنا عللها أم عرفناها، إذ ليس في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في جنس دون جنس ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته وصح بالبرهان لدينا عدله (1) يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا من أعضائه ولم نعرف السبب في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض ما قد أثبته البرهان الصادق في الجملة من حسن نظره له ولارادته الخير به، فكذلك أفعال الله العالم بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها لا تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على التفصيل أن نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها، لاسيما وقد عرفنا عجز أنفسنا عن معرفة علل الاشياء وقصورها عن الاحاطة بمعاني الجزئيات، هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عزوجل، فأما إذا أردنا أن نستقصي معانيها ونبحث عن عللها فلن نعدم في العقول بحمد الله ما يعرفنا من وجه الحكمة في تفصيلاتها ما يصدق الدلالة على جملتها، والدليل على أن أفعال الله تبارك وتعالى حكمة بعدها من التناقض وسلامتها من التفاوت وتعلق بعضها ببعض وحاجة الشئ إلى مثله وائتلافه بشكله واتصال كل نوع بشبهه حتى لو توهمت على خلاف ماهي عليه من دوران أفلاكها وحركة شمسها وقمرها ومسير كواكبها لانتقضت وفسدت، فلما استوفت أفعال الله عزوجل ما ذكرناه من شرائط العدل وسلمت مما قدمناه من علل الجور صح أنها حكمة، والدليل على أنه لا يقع منه عزوجل الظلم ولا يفعله أنه قد ثبت أنه تبارك وتعالى قديم غني عالم لا يجهل والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به، فلما كان أنه تبارك وتعالى قديما غنيا لا تجوز عليه المنافع و


(1) في نسخة (ج) وحاشية نسخة (ط) (ووضح بالبرهان – الخ). (*)

[ 397 ]

المضار عالما بما كان ويكون من قبيح وحسن صح أنه لا يفعل إلا الحكمة ولا يحدث إلا الصواب، ألا ترى أن من صحت حكمته منا لا يتوقع منه مع غنائه عن فعل القبيح وقدرته على تركه وعلمه بقبحه وما يستحق من الذم على فعله ارتكاب العظائم فلا يخاف عليه مواقعة القبائح، وهذا بين، والحمد لله. 13 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام،: يا ابن رسول الله إنا نرى من الاطفال من يولد ميتا، ومنهم من يسقط غير تام، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الارض، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام، ومنهم من يعمر حتى يصير شيخا، فكيف ذلك وما وجهه ؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك لهم، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له، ومن عمره فإنما أعطاه ما ليس له، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل ؟. قال: لانه لا يفعل إلا ماكان حكمه وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى الله فقد كفر، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد. (1)


(1) في نسخة (و) و (ه‍) بعد الحديث الثالث عشر في آخر الباب هذا الحديث: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن أبي بشير، قال: حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال: حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال: حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال: حدثني باقر علوم الاولين والاخرين محمد بن علي، قال: حدثني سيد العابدين علي ابن الحسين، قال: حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال: حدثني سيد الاوصياء علي ابن ابي طالب عليهم السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا في = (*)

[ 398 ]

62 – باب ان الله تعالى لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم 1 – أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حيوة (1) الفقيه ببلخ، قال:


= مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلى ما تدعو ؟ قال: إلى شهادة أن لا اله الا الله وأني رسول الله، قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله كيف هو، قال: يا يهودي ان ربي لا يوصف بالكيف لان الكيف مخلوق وهو مكيفه، قال: فأين هو ؟ قال: ان ربي لا يوصف بالاين لان الاين مخلوق وهو أينه، قال: فهل رأيته يا محمد ؟ قال: انه لا يرى بالابصار ولا يدرك بالاوهام، قال: فبأي شئ نعلم انه موجود ؟ قال: بآياته وأعلامه، قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله ؟ فقال: يا يهودي ان ربي ليس بحال ولا محل، قال: فكيف خروج الامر منه ؟ قال: باحداث الخطاب في المحال، قال: يا محمد أليس الخلق كله له ؟ ! قال: بلى، قال: فبأي شئ اصطفى منهم قوما لرسالته ؟ قال: بسبقهم إلى الاقرار بربوبيته، قال: فلم زعمت انك أفضلهم ؟ قال: لاني اسبقهم إلى الاقرار بربي عزوجل، قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم ؟ قال: لا، قال: ولم ؟ قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه، قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآنا يتلى ؟ قال: نعم، انه يقول عزوجل: (وما ربك بظلام للعبيد)، ويقول: (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ويقول: (وما الله يريد ظلما للعالمين) ويقول: (وما الله يريد ظلما للعباد) قال اليهودي: يا محمد فان زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الاطفال ؟ فقال: يا يهودي ان الله عزوجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاما فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالى عن الظلم والجور علوا كبيرا، قال اليهودي: فان كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الابدين من لم يعصه الا اياما معدودة ؟ قال: يخلده على نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقى في الدنيا إلى انقضائها كان يعصى الله عزوجل خلده في ناره على نيته، ونيته =

(1) في نسخة (و) خيرة: وفي نسخة (ه‍) خيوة. (*)

[ 399 ]

حدثنا محمد بن عثمان الهروي، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن مهاجر (1) قال: حدثنا هشام بن خالد، قال: حدثنا الحسن بن يحيى الحنيني (2) قال حدثنا صدقة بن عبد الله، عن هشام، عن أنس (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبرئيل، عن الله عزوجل، قال: قال الله تبارك وتعالى: من أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت في شئ أنا فاعله مثل ما ترددت في قبض نفس المؤمن (4) يكره الموت


= في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بانه ينوي أنه لو بقى في الدنيا أيامها لاطاع الله أبدا، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عزوجل يقول: (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) قال اليهودي: يا محمد اني أجد في التوراة انه لم يكن لله عزوجل نبي الا كان له وصي من امته فمن وصيك ؟ قال: يا يهودي وصيي على بن أبي طالب عليه السلام، واسمه في التوراة أليا وفي الانجيل حيدار، وهو أفضل امتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لانبي بعدي، وأنه لسيد الاوصياء كما أني سيد الانبياء، فقال اليهودي: أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقا، والله أني لاجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، واني لاجد فيها صفتك وصفة وصيك، وانه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وانه أبو سبطيك وولديك شبرا وشبيرا سيدي شباب أهل الجنة). (1) في نسخة (و) و (ب) و (د) (الحسن بن الحسن بن مهاجر). (2) في نسخة (ج) (الحسين بن يحيى الحنفي) والظاهر أنه الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي الذي مات بعد التسعين كما في التقريب وهو والراوي والمروي عند كلهم من رجال العامة. (3) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (حدثنا صدقة بن عبد الله بن هشام عن أنس – الخ). (4) في نسخة (ج) و (ه‍) (كما ترددت في قبض نفس المؤمن) وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (وما ترددت عن شئ أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن) وليس التردد في حقه تعالى كما فينا، بل اطلاقه عليه تعالى باعتبار مبدئه فقط وهو تعارض المحبوبين أو تبادل = (*)

[ 400 ]

وأكره مساءته ولابد له منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتنفل لي حتى احبه، ومتى احببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لافسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغناء ولو أفقرته لافسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو صححت جسمه لافسده ذلك (1) وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لافسده ذلك، إني ادبر عبادي لعلمي بقلوبهم، فإني عليم خبير. 2 – حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قرأت على أبي عمر الصنعاني (2) عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وسلم: رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفع بالابواب (3) لو أقسم على الله عزوجل لابره. 3 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن محمد بن المنكدر، قال: مرض عون ابن عبد الله بن مسعود فأتيته أعوده فقال: ألا احدثك بحديث عن عبد الله بن مسعود قلت: بلى، قال: قال عبد الله: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم، فقلت له =


المكروهين اللازمين لفعل شئ وتركه كما هنا، والمكروهان مساءة المؤمن وبقاؤه في الدنيا وان كان هو يكره الانتقال إلى الدار الاخرة ولكنه تعالى لا يكره ذلك. (1) في نسخة (ب) و (ط) و (ن) (ولو صححت جسده – الخ). (2) في نسخة (ب) (حدثنا عمر بن أبي سلمة قال: قرأت على عمر الصنعاني – الخ). (3) في نسخة (و) (مرقع بالاثواب) وفي نسخة (ط) (يدفع بالابواب) وفي نسخة (ج) (مدفع بالابواب مرقع للاثواب). (*)

[ 401 ]

مالك يا رسول الله ؟ قال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ماله في السقم من الثواب لاحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزوجل. 4 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن قوما أتوا نبيا فقالوا: ادع لنا ربك يرفع عنا الموت، فدعا لهم، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وامه وجده وجد جده ويرضيهم (1) ويتعاهدهم، فشغلوا عن طلب المعاش، فأفتوه فقالوا: سل ربك أن يردنا إلى آجالنا التي كنا عليها، فسأل ربه عزوجل فردهم إلى آجالهم. 5 – حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (ره) قال حدثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مم ضحكت، قالوا: بلى يارسول الله، قال: عجبت للمرء المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله عزوجل إلا كان خيرا له في عاقبة أمره. 6 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي قتادة القمي قال: حدثنا عبد الله بن يحيى، عن أبان الاحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: والذي بعث جدي صلى الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله تبارك وتعالى ليرزق العبد على قدر المورة، وإن المعونة لتنزل من السماء على قدر المؤونة، وإن الصبر لينزل على قدر شدة البلاء. 7 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن


(1) في نسخة (ج) (ويربيهم)، وفي نسخة (و) و (د) و (ه‍) (ويوضيهم). (*)

[ 402 ]

صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما قضيت تميت الكبير وتبقي الصغير، فقال الله عزوجل: يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا ؟ قال: بلى يا رب فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل (1). 8 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن أبي الهزهاز، عن علي بن الحسين (2) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لايحتسبون، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه. 9 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز (3) قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: لاي علة جعل الله تبارك وتعالى الارواح في الابدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في أرفع محل ؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى علم أن الارواح في شرفها وعلوها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل، فجعلها بقدرته في الابدان التي قدرها لها في ابتداء التقدير نظرا لها ورحمة بها، وأحوج بعضها إلى بعض، وعلق


(1) مر هذا الحديث في الباب الستين بعين السند والمتن. (2) في نسخة (ب) و (د) (عن علي بن الحسين) وفي حاشية نسخة (و) و (ن) (عن علي بن السري). (3) في نسخة (ط) (جعفر بن سليمان بن أبي أيوب الخزاز) وفي نسخة (ب) (جعفر ابن سليمان عن أيوب الخزاز) واحتمل أن يكون جعفر بن سليمان عن أبي أيوب الخزاز، وهو اما ابراهيم بن زياد أو ابراهيم بن عثمان. وأما رواية البرمكي عن جعفر بن سليمان فبعيدة. ورواية جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل من غير واسطة كثيرة. (*)

[ 403 ]

بعضها على بعض، ورفع بعضها فوق بعض درجات، وكفى بعضها ببعض، وبعث إليهم رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين منذرين يأمرونهم بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالانواع التي تعبدهم بها ونصب لهم عقوبات في العالج وعقوبات في الآجل ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير ويزهدم في الشر وليذلهم (1) بطلب المعاش والمكاسب فيعلموا بذلك أنهم مربوبون وعباد مخلوقون و يقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الابد وجنة الخلد ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق، ثم قال عليه السلام: يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لانفسهم، ألا ترى أنك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو (2) على غيره حتى أن منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الامامة بغير حقها، مع ما يرون في أنفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام المتناوبة عليهم و الموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم، يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى لا يفعل لعباده إلا الاصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون. 10 – حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي – عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عزوجل: (ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم (3) قال: خلقهم ليفعلوا ما ستوجبوا به رحمته فيرحمهم. 11 – حدثنا محمد بن القاسم الاستر ابادي، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه، علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر


(1) في نسخة (ب) و (د) و (ه‍) (ليدلهم) بالدال المهملة. (2) في نسخة (ه‍) (لا ترى منهم الا محبا – الخ). (3) هود: 118. (*)

[ 404 ]

عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام في قول الله عزوجل: (الذي جعل لكم الارض فراشا) (1) قال: جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لاجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرد فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شيديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم وكثير من منافعكم (2) فلذلك جعل الارض فراشا لكم، ثم قال عزوجل (والسماء بناء) أي سقفا من فوقكم محفوظا، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم، ثم قال عزوجل: (وأنزل من السماء ماء) يعني المطر نزله من العلي ليلبغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم، ثم فرقة رذاذا ووابلا وهطلا وطلا لتنشفه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم، ثم قال عزوجل: (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا) أي أشباها وأمثالا من الاصنام التي لاتعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شئ (وأنتم تعلمون) أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى. 12 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله: إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجد في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا منى له و


(1) البقرة: 22. (2) قوله: (وكثير) بالجر عطف على دوركم، وفي نسخة (ط) و (ن) (بالنصب فعطف على ما تنقاد). (*)

[ 405 ]

أبقاء عليه فينام حتى يصبح ويقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو اخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله (1) ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير (2) فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي. 13 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام: أن يا موسى ماخلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإنما أبتليه لما هو خير له واعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري (3). 63 – باب الامر والنهي والوعد والوعيد 1 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الناس مأمورون منهيون، و


(1) في نسخة (ط) و (ن) (ليدخله من ذلك العجب إلى الفتنة بأعماله). (2) في الكافي ج 2 ص 72 عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه قال لبعض ولده: (يا بني عليك بالجد، لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عزوجل وطاعته فان الله لا يعبد حق عبادته) أي يجب على العبد دائما في أي منزلة كان أن يعترف أنه مقصر في ذلك، وفي الدعاء: (اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني عن التقصير) وفي نسخة (ج) (حاز في عبادته حق المتقين). (3) في نسخة (و) (أطاع أمري). (*)

[ 406 ]

من كان له عذر عذره الله عزوجل. (1) 2 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن في التوراة مكتوبا يا موسى إني خلقتك واصطفيتك وقويتك وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي، فإن اطعتني أعنتك على طاعتي وإن عصيتني لم اعنك على معصيتي، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي. 3 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار. 4 – حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة اثنتين وخمسين و ثلاثمائة، قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا ابن ذكوان (2) قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول: كنا في مجلس الرضا عليه السلام فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر، فقال الرضا عليه السلام: قال أبو عبد الله عليه السلام: قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله عزوجل: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) (3) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. 5 – حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعبد الله بن محمد الصائغ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد


(1) في نسخة (ب) و (د) (من كان له عذر – الخ) وفي نسخة (ه‍) و (ج) (فمن كان له عذر – الخ). (2) هو عبد الله بن أحمد بن ذكوان كما هو الظاهر. (3) الرعد: 6. (*)

[ 407 ]

ابن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال فيما وصف له من شرائع الدين: إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلفها فوق طاقتها، وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين (1)، والله خالق كل شئ، ولا نقول بالجبر، ولا بالتفويض، ولا يأخذ الله عزوجل البرئ بالسقيم ولا يعذب الله عزوجل الاطفال بذنوب الآباء، فإنه قال في محكم كتابه: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (2) وقال عزوجل: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (3) ولله عزوجل أن يعفو ويتفضل، وليس له عزوجل أن يظلم، ولا يفرض الله عزوجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الخصال. 6 – حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال و الشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك و تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) (4) قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟ قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنما شفاعتي لاهل الكبائر من امتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل) قال ابن أبي –


(1) أي مقدرة بأن تقع بارادتهم، لامكونة كسائر المكونات من دون دخل ارادة العبد فيها. (2) الانعام: 164، والاسراء: 15 وفاطر: 18، والزمر: 7. (3) النجم: 39. (4) النساء: 31. (*)

[ 408 ]

عمير: فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لاهل الكبائر والله تعالى ذكره يقول: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) (1) ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى، فقال: يا أبا أحمد مامن مؤمن يرتك ذنبا إلا ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كفى بالندم توبة) وقال عليه السلام: ((من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن) (2) فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما، والله تعالى ذكره يقول: (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) (3) فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال: يا أبا أحمد مامن أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار) وأما قول الله عزوجل: (ولا يشفعون الا لمن ارتضى) فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه، والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة. (4) 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها، فإن لم يعملها كتبت له حسنة


(1) الانبياء: 28. (2) في نسخة (ب) و (ط) (من سرته حسنة وساءته سيئة – الخ). (3) المؤمن: 18. (4) الشفاعة مما اختلفت الامة في أنواعها بعد اتفاقهم في أصلها، والتفصيل في محله. (*)

[ 409 ]

بتركه لفعلها، وإن عملها اجل تسع ساعات فإن تاب وندم عليها لم تكتب عليه و إن لم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه سيئة. 8 – حدثنا محمد بن محمد بن الغالب الشافعي، قال: أخبرنا أبو محمد مجاهد بن أعين بن داود، قال: أخبرنا عيسى بن أحمد العسقلاني، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا إسرافيل (1) قال: أخبرنا ثوير، عن أبيه أن عليا عليه السلام قال: ما في القرآن آية أحب إلي من قوله عزوجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). (2) 9 – حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي بسرخس، قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثني إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا حريز، عن عبد العزيز (3) عن زيد بن وهب، عن أبي ذر رحمه الله، قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي وحده وليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: من هذا ؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين هم الاقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال لي: اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتى أرجع إليك، قال: فانطلق في الحرة حتى لم أره وتواري عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته عليه السلام وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى وإن سرق، قال:


(1) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (أخبرنا اسرائيل). (2) النساء: 48 و 116. (3) قد مر هذا الحديث في الباب الاول بعين السند والمتن، وفي بعض النسخ هنا أو هناك: (جرير أو حريز عن عبد العزيز – الخ)، وفي بعضها: (جرير أو حريز بن عبد العزيز) وفي صحيح البخاري (عن حريز عن زيد – الخ) والظاهر تصحيف (بن) بعن لكن لم أجد حريز بن عبد العزيز أو جرير بن عبد العزيز في كتب الرجال. (*)

[ 410 ]

فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة ؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر امتك أنه مات لا يشرك بالله عزوجل شيئا دخل الجنة، قال: قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر. قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة. 10 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن معاذ الجوهري، عن الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه صلوات الله عليهم، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، عن جبرئيل عليه السلام، قال: قال الله جل جلاله: من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن اعذبه به أو أعفو عنه لاغفرت له ذلك الذنب أبدا، ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن اعذبه وأن أعفو عنه عفوت عنه. 64 – باب التعريف والبيان والحجة والهداية 1 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حكيم، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: المعرفة صنع من هي ؟ قال: من صنع الله عزوجل: ليس للعباد فيها صنع. 2 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم. 3 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن


[ 411 ]

أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم (1). 4 – حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عزوجل: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون) (2) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه، وقال: (فألهمها فجورها وتقويها) (3) قال: بين لها ما تأتي وما تترك، وقال: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (4) قال: عرفناه إما آخذا وإما تاركا وفي قوله عزوجل: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (5) قال: عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون. 5 – حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن بكير، عن حمزة بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: (وهديناه النجدين) (6) قال: نجد الخير والشر. 6 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن أحمد ابن يحيى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عبيد الله الدهقان، عن درست، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع: المعرفة


(1) هذا الحديث المتحد مع ما قبله في المتن ومع ما بعده في السند ليس الا في نسخة (ط). (2) التوبة: 115. (3) الشمس: 8. (4) الانسان: 3. (5) فصلت: 17. (6) البلد: 10. (*)

[ 412 ]

والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة (1). 7 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن أبي شعيب المحاملي، عن درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس لله على خلقه أن يعرفوا قبل أن يعرفهم، وللخلق على الله أن يعرفهم، ولله على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوه (2). 8 – حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الاعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شئ ؟ قال: لا (3).


(1) ان للانسان أحوالا قلبية كالمعرفة والجهل والشك والظن والايمان وغيرها، و صفات نفسية كالسخاء والشجاعة والحسد والاهتداء والضلال وغيرها، وامورا ترد عليه كالغضب والدهشة والرضا والنوم واليقظة والمرض والصحة وغيرها، وحركات فكرية أو جارحية، و ليس له صنع الا في الاخيرة، أي ليست باختياره الاهى، نعم قد يتعلق بها حبه، ويكون بعض هذه الاخيرة جزء سبب لها كالعكس، والعمدة في السببية للاحوال القلبية التفكر و التعقل وعدمهما. (2) ان على الانسان في هذا الباب أمرين: التفكر في البينات التي تأتيه من عند الله تعالى حتى يحصل له الاستيقان والقبول القلبي لما هو الحق المتيقن بحيث يحصل له حالة الخضوع والتسليم، والثاني هو الايمان حقيقة، وآفة الاول والمانع منه الاتراف والانهماك في اللذات المادية والتوغل في الامور الدنيوية، وآفة الثاني والمانع منه العلو والاستكبار وحب الرئاسة والجاه والحمية والعصبية، فعلى الله نصب الايات والبينات، وعلى العبد رفع المانعين، فعندئذ يقذف الله النور في قلبه فيزهر كما يزهر المصباح فيكون عارفا مؤمنا حقا، وبهذا يجمع بين الصنفين من الاخبار الناطق بأن المعرفة من صنع الله والامر بتحصيل المعرفة. (3) هذا لا يدل على معذورية الجاهل مطلقا، بل من لم يعرف شيئا لعدم قدرته على الرجوع إلى ما يوجب المعرفة. (*)

[ 413 ]

9 – حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم. 10 – حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (ره) عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن أبان الاحمر، عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: اكتب فأملى علي: أن من قولنا ان الله عزوجل يحتج على العباد بما آتاهم وما عرفهم، ثم أرسل إليهم رسولا، وأنزل عليه الكتاب، فأمر فيه ونهى، أمر فيه الصلاة والصوم، فأنام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الصلاة (1) فقال: أنا انيمك وأنا اوقظك، فاذهب فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون: إذا نام عنها هلك، وكذلك الصيام، أنا امرضك وأنا اصححك فإذا شفيتك فاقضه، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك إذا نظرت إلى جميع الاشياء لم تجد أحدا في ضيق، ولم تجد أحدا إلا ولله عليه الحجة وله فيه المشية ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا، ثم قال: إن الله يهدي ويضل، وقال: وما امروا إلا بدون سعتهم، وكل شئ امر الناس به فهم يسعون له، وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن أكثر الناس لاخير فيهم، ثم قال: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله (فوضع عنهم) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم – الآية) (2) فوضع عنهم لانهم لا يجدون. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قوله عليه السلام: إن الله يهدي ويضل معناه أنه عزوجل يهدي المؤمنين في القيامة إلى الجنة ويضل الظالمين في القيامة عن الجنة (3)


(1) كذا في نسخة (ط) و (ن) وفي غيرهما (فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – الخ). (2) التوبة: 62. (3) ان للهداية ست مراحل، ولكل مرحة ضلالة بحسبها، وكل مرحلة من الهداية متوقفة على ما قبلها، وكلها من الله، وضلالة العبد في كل مرحلة من عدم هداية الله اياه في = (*)

[ 414 ]

إنما قال عزوجل: (1) (إن الذين آمنوا وعملوا الصاحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم) (2) وقال عزوجل: (ويضل الله الظالمين) (3). 11 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس ابن عبد الرحمن، عن حماد، عن عبد الاعلى (4) قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة ؟ قال: فقال: لا، قلت: فهل كلفوا المعرفة ؟ قال: لا، على الله البيان (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها) قال: وسألته عن قول الله عزوجل: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون) (5) قال: حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه. 12 – وبهذا الاسناد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان يرفعه إلى أبي – عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل لم ينعم على عبد بنعمة إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله عزوجل، فمن من الله عليه فجعله قويا فحجته عليه القيام بما كلفه واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، ومن من الله عليه فجعله موسعا عليه فحجته ماله، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله، ومن من الله عليه فجعله شريفا في نسبه (6) جميلا في صورته، فحجته عليه أن يحمد الله على ذلك وألا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله. 13 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:


= تلك المرحلة، وعدم الهداية لفسوق العبد عما عليه في تلك المرحلة، وما ذكره المصنف هو المرحلة الاخيرة، وتفصيل الكلام يقتضي رسالة مفردة. (1) في نسخة (و) و (ه‍) (كما قال عزوجل – الخ). (2) يونس: 9. (3) ابراهيم: 27. (4) في أكثر النسخ: (عن حماد بن عبد الاعلى). وهو تصحيف. (5) التوبه: 115. (6) في نسخة (و) و (ه‍) (شريفا في بيته). (*)

[ 415 ]

اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فانه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا النا س لدينكم فإن المخاصمة ممرضه للقلب، إن الله عزوجل قال لنبيه صلى الله عليه واله وسلم: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (1) وقال: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) (2) ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إني سمعت أبي عليه السلام يقول: إن الله عزوجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الامر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (3). 14 – حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله، ثم تلا هذه الآية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) (4). قال مصنف هذا الكتاب: إن الله عزوجل إنما يريد بعبد سوءا لذنب يرتكبه فيستوجب به أن يطبع على قلبه ويوكل به شيطانا يضله، ولا يفعل ذلك به إلا باستحقاق وقد يوكل عزوجل بعبده ملكا يسدده باستحقاق أو تفضل ويختص برحمته من


(1) القصص: 56. (2) يونس: 99. (3) المراد منع الاصحاب عن المراء والجدال الباطل وضيق الذرع وظهور الغضب عند انكار الخصم للحق، لا المنع عن اتيان الحكمة والبرهان والموعظة والبيان والجدال بالتي هي أحسن، وفي ذيل الرواية اشارة إلى أن من كان قلبه مقبلا إلى الحق خاضعا له وهو الذي كتب الله في قلبه الايمان وأيده بروح منه يأتي لا محالة إلى الحق، فاجعلوا اهتمامكم في الارشاد لهؤلاء، لا للذين قلوبهم منكرة للحق ونفوسهم مستكبرة له. فان سعيكم في الارشاد ضايع فيهم. (4) الانعام 125. (*)

[ 416 ]

يشاء، وقال الله عزوجل: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) (1). 15 – حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أحمد بن الفضل بن المغيرة (2) قال: حدثنا منصور بن عبد الله بن إبراهيم الاصبهاني، قال: حدثنا علي ابن عبد الله (3)، قال: حدثنا أبو شعيب المحاملي (4) عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المعرفة أهي مكتسبة ؟ فقال: لا، فقيل له: فمن صنع الله عزوجل ومن عطائه هي ؟ قال: نعم، وليس للعباد فيها صنع، ولهم اكتساب الاعمال، وقال عليه السلام: إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لاخلق تكوين (5). ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يزل عالما بمقاديرها قبل كونها. 16 – حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة هي أم غير مخلوقة ؟ فكتب عليه السلام: أفعال العباد مقدرة في علم الله عزوجل قبل خلق العباد بألفي عام. 17 – حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الاصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من عمل بما علم كفي ما لم يعلم.


(1) الزخرف: 36. (2) في نسخة (د) و (ب) و (ط) (أحمد بن المفضل بن المغيره). (3) في نسخة (ج) و (ط) (علي بن ابراهيم). (4) في نسخه (ط) (حدثنا شعيب المحاملي) وهو ابن أبي شعيب المحاملي المعروف، واسمه صالح بن خالد. (5) قد مر بيان لهذا الكلام ذيل الحديث الخامس من الباب السابق. (*)

[ 417 ]

65 – باب ذكر مجلس الرضا علي بن موسى عليهما السلام مع أهل الاديان وأصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الاكبر وما كلم به عمران الصابئ في التوحيد عند المأمون 1 – حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الايلاقي رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبوعمروا محمد بن عمر بن عبد العزيز الانصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي، يقول: لما قدم علي بن موسى الرضا عليهما السلام، إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الاكبر وأصحاب زردهشت وقسطاس الرومي (1) والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم


(1) قد مضى تفسير الجاثليق في أول الباب السابع والثلاثين ص 270. ورأس الجالوت كأنه اسم لصاحب الرئاسة الدينية اليهودية، وكونه علما للشخص محتمل. والاقوال في تفسير الصابئين كثيرة، قال في مجمع البحرين: وفي حديث الصادق عليه السلام: سمى الصابئون لانهم صبوا إلى تعطيل الانبياء والرسل والشرائع وقالوا: كل ما جاؤوا به باطل، فجحدوا توحيد الله ونبوة الانبياء ورسالة المرسلين ووصية الاوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول. ويظهر من مقالات عمران الصابي الاتي احتجاجه مع الرضا عليه السلام هذا التفسير. والهربذ كالزبرج صاحب الرئاسة الدينيه المجوسية، قال في أقرب الموارد: الهربذة قومة بيت النار للهند وهم البراهمة، وقيل: عظماء الهند، وقيل: علماؤهم، وقيل: خدم نار المجوس، الواحد (هربذ) فارسية. وأصحاب زردهشت فرقه من المجوس، وهو زردهشت بن يورشب ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب، وأبوه كان من آذربيجان، وامه من الرى، واسمها دغدويه، كذا في الملل والنحل للشهرستاني، وأكثر المجوس اليوم بل كلهم ينتسبون إليه، وفي بعض النسخ: (زرهشت) بحذف الدال، وفي الملل والنحل وبعض المؤلفات: زردشت بحذف الهاء كما يتلفظ اليوم. وقسطاس بالقاف كما في الكتاب، وفي البحار وحاشية نسخة = (*)

[ 418 ]

المأمون باجتماعهم، فقال: ادخلهم علي، ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي، فإذا كان بكره فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن عليه السلام فقال: يا سيدى إن أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الاديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم (1) وإن كرهت كلامهم فلا تتجشم (2) وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا، فقال أبو الحسن عليه السلام: أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقه العراقي غير غليظة (3) فما عندك في جمع ابن عمك علينا


= (ب) (نسطاس) بالنون، ونقل المجلسي – رحمه الله – عن الفيروز آبادي: نسطاس بكسر النون علم، وبالرومية: العالم بالطب. (1) ((فرأيك) مبتدء و (في البكور علينا) خبره، أي أفرأيك يكون في البكور علينا، أو خبره محذوف أي فما رأيك – الخ. (2) في نسخة (ج) (وان كرهت فلا تحتشم)، وفي نسخة (و) و (ن) (وان كرهت ذلك فلا تتجشم). (3) الرقة في كل موضع يراد بها معنى، فيقال مثلا: رقة القلب ويراد بها الرحمة، ورقة الوجه ويراد بها الحياء، ورقة الكلام ويراد عدم الفدفدة فيه، والظاهر أن مراده عليه السلام حيث أضاف الرقه إلى الانسان هو رقة الجهة الانسانية، وهي سرعة الفهم وجودته و اصابة الحدس وصفاء الذهن وعمق الفكر وحسن التفكر وكمال العقل، وغير غليظة خبر في اللفظ، وفي المعنى صفة مفيده للكمال، أي للعراقي رقه رقيقه، كما يقال: ليل لائل = (*)

[ 419 ]

أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بني، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب ؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: إن محمدا صلى الله عليه واله وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته، ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك، قال: فتبسم عليه السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي ؟ (1) قلت: لا والله ما خفت عليك قط وإني لارجو ا أن يظفرك الله بهم إن شاء الله، فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون، قلت: نعم، قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الانجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمك يتنظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه، فقال له الرضا عليه السلام: تقدمني فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم توضأ عليه السلام وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله


= أي كامل الاظلام، ونور نير أي كامل في النورية، وجمال جميل أي كامل في الجمالية، ولا يبعد أن يراد بها الروح، فان للانسان لطافة هي روحه وكثافة هي بدنه، أي روح العراقي غير غليظة لا تقف دون ما يرد عليه من المسائل بل تلج فيه وتخرج منه بسهولة وتكشف حق الامر وحقيقة الحال. (1) في العيون (أفتخاف أن يقطعوا على حجتي). (*)

[ 420 ]

ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين، والقواد حضور، فلما دخل الرضا عليه السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا والرضا عليه السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة. ثم التفت إلى جاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى – ابن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن علي بن أبي طالب عليهم السلام فاحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه، فقال الجاثليق، يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أو من به. فقال له الرضا عليه السلام: يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقربه ؟ ! قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الانجيل ؟ نعم والله اقر به على رغم أنفي، فقال له الرضا عليه السلام: سل عما بدا لك وافهم الجواب، قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى عليه السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئا ؟ قال الرضا عليه السلام: أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته وأقر به الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم و بكتابه ولم يبشر به امته، قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الاحكام بشاهدي عدل ؟ قال: بلى، قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا، قال الرضا عليه السلام: الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم، قال الجاثليق: ومن هذا العدل ؟ سمه لي، قال: ما تقول في يوحنا الديلمي ؟ قال: بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح، قال: فأقسمت عليك هل نطق الانجيل أن يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به ؟ ! قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه، ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم، قال الرضا عليه السلام: فأن جئناك بمن يقرء الانجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وامته أتومن به ؟ ! قال: سديدا، قال الرضا عليه السلام لقسطاس الرومي:


[ 421 ]

كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل ؟ قال: ما أحفظني له، ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرء الانجيل ؟ ! قال: بلى لعمري قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وامته سلام الله عليهم فاشهدوا لي وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي، ثم قرأ عليه السلام السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني إنى أسألك بحق المسيح وامه أتعلم أني عالم بالانجيل ؟ ! قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وامته، ثم قال: ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى بن مريم ؟ ! فإن كذبت ما ينطق به الانجيل فقد كذبت عيسى و موسى عليهما السلام، ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لانك تكون قد كفرت بربك ونبيك وبكتابك، قال الجاثليق: لا انكر ما قد بان لي في الانجيل وإني لمقر به، قال الرضا عليه السلام: اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق سل عما بدالك، قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدتهم ؟ وعن علماء الانجيل كم كانوا ؟ قال الرضا عليه السلام: على الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهم الوقا (1) وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الاكبر بأج، ويوحنا بقرقيسيا، ويوحنا الديلمي بزجان (2) وعنده كان ذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم وذكر أهل بيته وامته وهو الذي بشر امة عيسى وبني إسرائيل به. ثم قال عليه السلام: يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد صلى الله عليه واله وسلم وما ننقم على عيسا كم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته، قال الجاثليق: أفسدت


(1) في الانجيل الموجود اليوم: لو قابدون الالف في أوله. (2) (اج) بالف ثم جيم مجهول، وفي نسخة (ط) و (ج) بالف وخاء، وأخا بزياده الف في آخر ناحية من نواحي البصرة، وقرقيسياء بقافين بينهما راء ساكنة ثم يائين بينهما سين مكسورة آخرها الف مقصورة أو ممدودة بلد عند مصب الخابور في الفرات، والخابور نهر يمر على أرض الجزيرة، وزجان بالزاي المعجمة والجيم والالف آخره نون، وفي البحار باب احتجاجات الرضا عليه السلام وفي نسخه (ب) و (د) بالراء المهملة مكان النون، كلاهما مجهول. (*)

[ 422 ]

والله علمك وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الاسلام، قال الرضا عليه السلام: وكيف ذلك ؟ ! قال الجاثليق: من قولك: إن عيسا كم كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوما قط ولا نام بليل قط. وما زال صائم الدهر، قائم الليل، قال الرضا عليه السلام: فلمن كان يصوم ويصلي ؟ ! قال: فخرس الجاثليق وانقطع. قال الرضا عليه السلام: يا نصراني إني أسالك عن مسأله، قال: سل فإن كل عندي علمها أجبتك، قال الرضا عليه السلام: ما أنكرت أن عيسى كان يحيى الموتى بإذن الله عزوجل، قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتى وأبرأ الاكمة والابرص فهو رب مستحق لان يعبد (1) قال الرضا عليه السلام: فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى (2) مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الاكمة والابرص فلم يتخذه امته ربا ولم يعبده أحد من دون الله عزوجل، ولقد صنع حزقيل النبي عليه السلام (3) مثل ما صنع عيسى بن مريم عليه السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة، ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة ؟ ! اختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عزوجل إليهم فأحياهم (4)


(1) انكاره يرجع إلى اذن الله، وكان عيسى بزعمه ربا مستقلا في ذلك. (2) في بعض التفاسير ان اليسع كان ابن عم الياس النبي ونبيا بعده على نبينا وآله وعليهما السلام. (3) هو الملقب بذي الكفل المدفون بقرية في طريق الكوفة إلى الحلة، وهي أرض بابل التي انصرف بخت نصر بسبايا بني اسرائيل إليها، وفيما اليوم بأيدي الناس، حزقيال. (4) حاصل القصة أن بخت نصر غزا بيت المقدس، فقتل بني اسرائيل بعضهم وأسر بعضهم، ثم اختار من الاسرى خمسة وثلاثين ألف رجل كلهم من الشباب، وأمر هؤلاء مذكور في قصص شباب بني اسرائيل، ثم نقلهم إلى بابل عاصمة مملكته، ثم ماتوا أو قتلوا في زمنه أو بعده، ثم أرسل الله عزوجل حزقيل إلى بابل فأحياهم باذنه تعالى. (*)

[ 423 ]

هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم (1) قال رأس الجالوت: قد سمعنا به و عرفناه، قال: صدقت، ثم قال عليه السلام: يا يهودي خذ على هذا السفر من التوراة فتلا عليه السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح لقراءته ويتعجب (2) ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم ؟ ! قال: بل كانوا قبله، قال الرضا عليه السلام: لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان و يا فلان ويافلان يقول لكم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا بإذن الله عزوجل، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن امورهم، ثم أخبروهم أن محمد قد بعث نبيا، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد أبرأ الاكمه و الابرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربا من دون الله عزوجل، ولم ننكر لاحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربا لانهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى، وغيره أن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله إليه أتحب أن احييهم لك فتنذرهم ؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله عزوجل إليه أن نادهم، فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عزوجل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب


(1) في كتاب حزقيال الموجود اليوم اشارة إلى ذلك، واطلاق التوراة عليه مجاز، أو كان ذلك فيما أنزل على موسى اخبارا عما سيقع. (2) يترجح بالحاء المهملة في آخرها من الارجوحة أي يميل يمينا وشمالا، وفي نسخة (ه‍) – بالجيمين – أي يضطرب. (*)

[ 424 ]

عن رؤوسهم (1). ثم إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهن قطعا ثم وضع على كل جبل منهن جزءا ثم ناديهن فأقبلن سعيا إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إني لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا، فقال: يا رب اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي، فكيف يصدقني قومي بما اخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا، فأحياهم الله عزوجل من بعد موتهم، وكل شئ ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لان التوراة والانجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الاكمة والابرص والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا، ما تقول يا نصراني ؟ ! قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلا الله. ثم التفت عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي انزلت على موسى بن عمران عليه السلام هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد وامته: إذا جاءت الامة الاخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد، فليفرغ بنوا إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الامم الكافرة في أقطار الارض، هكذا هو في التوراة مكتوب ؟ ! قال رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك، ثم قال: للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، قال الرضا عليه السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: (يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوة القمر) ؟ فقالا: قد قال ذلك شعيا، قال الرضا عليه السلام: يا نصراني هل تعرف في الانجيل قول عيسى: إني


(1) المشهور بين المفسرين والمذكور في بعض الاخبار أن هذا النبي هو حزقيل، ولا استبعاد في كون القصتين له. (*)

[ 425 ]

ذاهب إلى ربي وربكم والفار قليطا جاء (1) هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له، وهو الذي يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدي فضائح الامم، وهو الذي يكسر عمود الكفر ؟ فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا مما في الانجيل إلا ونحن مقرون به، فقال: أتجد هذا في الانجيل ثابتا يا جاثليق ؟ ! قال: نعم. قال الرضا عليه السلام: يا جاثليق ألا تخبرني عن الانجيل الاول حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الانجيل ؟ قال له: ما افتقدنا الانجيل إلا يوما واحدا حتى وجدنا غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى، فقال الرضا عليه السلام: ما أقل معرفتك بسر الانجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل (2) إنما وقع الاختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم (3) فلو كان على العهد الاول لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنه لما افتقد الانجيل الاول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم عليه السلام وافتقدنا الانجيل وأنتم العلماء فما عندكم ؟ فقال لهم الوقا ومر قابوس: إن الانجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس، فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه لكم كله، فقعد الوقا ومر قابوس (4) ويوحنا ومتى ووضعوا لهم هذا الانجيل بعدما افتقدتم الانجيل الاول، وإنما كان هؤلاء الاربعة تلاميذ التلاميذ الاولين، أعلمت ذلك ؟ قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالانجيل (5) وسمعت أشياء مما علمته


(1) في البحار وفي نسخة (ب) و (ه‍) (البار قليطا) بالباء مكان الفاء. (2) في نسخة (ط) و (ن) (فان كان كما زعمتم – الخ). (3) في نسخة (ب) و (د) (انما وقع فيه الاختلاف وفي هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم). (4) في الانجيل الذي اليوم بأيدي الناس: لوقا، مرقس. (5) في نسخة (ب) (وقد بان لي من فضلك وفضل علمك بالانجيل). وفي نسخة = (*)

[ 426 ]

شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم. فقال له الرضا عليه السلام: فكيف شهادة هؤلاء عندك ؟ قال: جائزة، هؤلاء علماء الانجيل وكل ما شهدوا به فهو حق، فقال الرضا عليه السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا، ثم قال للجاثليق: بحق الابن وامه هل تعلم أن متى قال: (إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودابن حضرون (1))، وقال مرقابوس في نسبة عيسى بن – مريم: (إنه كلمة الله أحلها في جسد الآدمي فصارت إنسانا)، وقال الوقا: (إن عيسى ابن مريم وامه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس) ؟ (2) ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه: حقا أقول لكم يا معشر الحواريين: إنه لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها (3) إلا راكب البعير خاتم الانبياء فإنه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول ؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسى لاننكره قال الرضا عليهما السلام،: فما تقول في شهادة الوقا ومر قابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه ؟ (4) قال الجاثليق: كذبوا على عيسى، قال الرضا عليه السلام: يا قوم أليس


= (ه‍) (وقد بان لي من قصتك ورفع علمك بالانجيل). وفي نسخة (ج) (وقد بان لي فضل علمك بالانجيل). وفي نسخة (و) والعيون (وقد بان لي من فضلك علمك بالانجيل). وفي نسخة (د) (وقد بان لي من فضلك ومن افضل علمك بالانجيل). (1) بالحاء المهملة والضاد المعجمة، وفي نسخة (ب) و (ه‍) بالمعجمتين، وفي أول انجيل متى الموجود اليوم: حصرون – بالمهملتين -. (2) في نسخة (و) (فدخل فيها روح القدس)، وفي نسخة (د) (فدخل عليهما روح القدس). (3) في البحار وفي نسخة (ن) (الا من نزل منها). (4) ألزم عليه السلام الجاثليق بالتنافي بين قوله عليه عيسى من أنه نزل من السماء وصعد إليها وقولهم عليه من أنه انسان فان الانسان لم ينزل من السماء بل تكون في الارض. (*)

[ 427 ]

قدزكاهم وشهد أنهم علماء الانجيل وقولهم حق ؟ ! فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين (1) احب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا عليه السلام: فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني عما بدالك، قال الجاثليق: ليسألك غيري، فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك. فالتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك ؟ قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الانجيل أو من زبور داود أو مما في صحف إبراهيم وموسى (2) فقال الرضا عليه السلام:: تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران والانجيل على لسان عيسى بن مريم و الزبور على لسان داود، فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوة محمد ؟ قال الرضا عليه السلام: شهد بنبوته صلى الله عليه واله وسلم موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عزوجل في الارض، فقال له: أثبت قول موسى بن عمران، قال الرضا عليه السلام: هل تعلم يا يهودي أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي هو من إخوتكم فبه فصدقوا، ومنه فاسموا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابه إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم عليه السلام ؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لاندفعه، فقال له الرضا عليه السلام: هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد صلى الله عليه واله وسلم ؟ ! قال: لا، قال الرضا عليه السلام: أو ليس قد صح هذا عندكم ؟ ! قال: نعم، ولكني احب أن تصححه لي من التوراة، فقال له الرضا عليه السلام: هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير (3) واستعلن علينا من جبل فاران ؟ قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها، قال الرضا عليه السلام:


(1) في (ط) و (ن) (يا أعلم المسلمين). (2) قبوله من الانجيل غريب لان الرجل يهودي كما يأتي ما يصرح به، لعله من اشتباه النساخ. (3) في نسخة (ج) و (ه‍) (وأضاء للناس من جبل ساعير) وكذا ما يأتي في التفسير.

[ 428 ]

أنا اخبرك به، أما قوله: جاء النور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى عليه السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عزوجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام وهو عليه، و أما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم، وقال شعيا النبي عليه السلام فيما تقول أنت وصحابك في التوراة (1): رأيت راكبين أضاء لهما الارض، أحدهما راكب على حمار والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل ؟ ! قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهما، قال عليه السلام: أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه واله وسلم، أتنكر هذا من التوراة ؟ ! قال: لا ما انكره، ثم قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقوق النبي (2) قال: نعم إني به لعارف، قال عليه السلام: فإنه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلئت السماوات من تسبيح أحمد وامته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس – يعني بالكتاب القرآن – أتعرف هذا وتؤمن به ؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق عليه السلام ولا ننكر قوله، قال الرضا عليه السلام: وقد قال داود في زبوره وأنت تقرء: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد صلى الله عليه واله وسلم ؟ ! قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عني بذلك عيسى، و أيامه هي الفترة، قال الرضا عليه السلام: جهلت، إن عيسى لم يخالف السنة وقد كان موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الانجيل مكتوب: إن ابن البرة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده (3) وهو الذي يخفف الآصار، ويفسر لكم كل شئ، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالامثال، وهو يأتيكم بالتأويل، (هامش صفحة 428) (1) فيما اليوم بأيدي الناس أشعيا بألف في أوله، وقد مر احتمالان في التوراة في قصة حزقيل. (2) فيما اليوم بأيدي الناس (حبقوق) بالباء الموحدة بعد الحاء. (3) في البحار والعيون وفي نسخة (ه‍) (البار قلطا) بالباء الموحدة مكان الفاء.


[ 429 ]

أتؤمن بهذا في الانجيل ؟ ! قال نعم لا أنكره. فقال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران، فقال: سل، قال: ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته ؟ قال اليهودي أنه جاء بما لم يجئ به أحد من الانبياء قبله، قال له: مثل ماذا ؟ قال مثل فلق البحر، وقلبه العصا حية تسعى، وضربة الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها، قال له الرضا عليه السلام: صدقت، إذا كانت حجته على نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كل من ادعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه ؟ قال لا لان موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه وقربه منه، ولا يجب علينا الاقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الاعلام بمثل ما جاء به، قال الرضا عليه السلام: فكيف أقررتم بالانبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشر عينا ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلبوا العصا حية تسعى ؟ ! قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاؤوا على دعوى نبوتهم من الآيات بمالا يقدر الخلق على مثله ولو جاؤوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم (1) قال الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت فما يمنعك من الاقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الاكمة والابرص و يخلق من الطين كهئية الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ؟ قال رأس الجالوت: يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده، قال له الرضا عليه السلام: أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته ؟ ! أليس أنما جاء في الاخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك ؟ ! قال: بلى، قال: فكذلك أتتكم الاخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى ؟ ! فلم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: و كذلك أمر محمد صلى الله عليه واله وسلم وما جاء به وأمر كل نبي بعثة الله، ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه (هامش صفحة 429) (1) قوله: (وجب تصديقهم) جواب لمتى جاؤوا، و (لوا) وصلية بين الشرط والجزاء.


[ 430 ]

قصص الانبياء وأخبارهم حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيره لا تحصى، قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد، ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح، قال الرضا عليه السلام: فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد صلى الله عليه واله وسلم شاهد زور ؟ ! (1) فلم يحر جوابا. ثم دعا عليه السلام بالهربذ الاكبر فقال له الرضا عليه السلام: أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته: قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ولكن الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه، قال عليه السلام: أفليس إنما أتتكم الاخبار فاتبعتموه ؟ ! قال: بلى، قال: فكذلك سائر الامم السالفة أتتهم الاخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الاقرار لهم إذا كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل الاخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره ؟ ! فانقطع الهربذ مكانه. فقال الرضا عليه السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الاسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم، فقام إليه عمران الصابئ وكان واحدا في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم اقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشأم والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته، أفتاذن لي أن أسألك ؟ قال الرضا عليه السلام: إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو، فقال: أنا هو، فقال عليه السلام: سل يا عمران وعليك بالنصفة، وإياك والخطل والجور، قال: والله يا سيدي ما اريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه، قال عليه السلام: سل عما بدالك، فازدحم عليه الناس و انضم بعضهم إلى بعض، فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الاول وعما خلق، قال عليه السلام: سألت فافهم، أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود (هامش صفحة 430) (1) المراد بالشاهد شعيا وحيقوق وداود الذين مرت شهادتهم.


[ 431 ]

مختلفة لا في شئ أقامه ولا في شئ حده ولا على شئ حذاه ولا مثله له (1) فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران ؟ قال: نعم والله يا سيدي، قال عليه السلام: واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لان الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لانه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة اخرى (2) ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل ولا نقمة منه على من أذل،، فلهذا خلق (3). قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه ؟ قال الرضا عليه السلام: إنما تكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه وليكون الشئ نفسه بما نفى عنه موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد علم منها (4) أفهمت يا عمران ؟ قال: نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي (هامش صفحة 431) (1) في نسخة (د) (ولا مثله). (2) أي لو كان خلق ما خلق لحاجة لا يسع الله الحاجة ولا يصل إلى نهاية في الحاجة لانه كلما أحدث شيئا من الخلق لرفع حاجته حدثت في الله حاجة اخرى، وذلك لان المحتاج في اموره يحتاج في كل شئ بيده إلى أشياء غيره كما هو الشأن في الناس. (3) أي لحاجة بعض إلى بعض وتفضيل بعض على بعض حتى يقع المحنة التي أخبر عن كونها غاية بقوله: (خلق الموت والحيوة ليبلوكم)، وفي نسخة (ط) (ولا نقمة منه على من أرذل). (4) تفصيل سؤاله أنه تعالى لو كان لم يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا اعراض لم يكن عالما بذاته لان معلومية شئ عند العالم به يستلزم صورة حاصلة منه في نفس العالم وهذا ينافي وحدته المطلقة، والجواب أن ذلك غير لازم في علم الشئ بنفسه لان المعلمة أي =


[ 432 ]

شئ علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك ؟ (1) قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل تجدبدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا ينتهي إليه المعرفة ؟ ! قال عمران: لابد من ذلك (2)، قال الرضا عليه السلام: فما ذلك الضمير ؟ فانقطع ولم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: لا بأس، وإن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر ؟ ! فقال الرضا عليه السلام: أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم (3) فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا. (هامش صفحة 432) = الصورة الذهنيه انما يحتاج إليها ليتعين المعلوم عن غيره عند العالم وهو يحصل بنفي الغير عنه وتحديده بحدود نفسه، ولم يكن في علم الشئ بنفسه معلوم يخالف نفس الشئ حتى يحتاج في تعينه إلى نفي ذلك الغير بتحديد المعلوم الذي هو نفسه، و (من) في قوله: (ما علم منها) بيانية، والضمير يرجع إلى نفسه. (1) هذا سؤال عن علمه تعالى بغيره، والمراد بالضمير هو الصورة الحاصلة من ذات المعلوم في نفس العالم، فأفحمه عليه السلام أولا بأن لابد في الحكم بكون علمه تعالى بالضمير من أن تعرف الضمير وتحدده، فهل تقدر على ذلك، فأظهر العجز، ثم أغمض عليه السلام عن ذلك وتسلم أنك تقدر على التعريف، فهل تعرفه بضمير آخر ام لا، فقال: نعم أعرفه بضمير آخر، فاثبت عليه السلام بذلك فساد دعواه وفرض كون علمه بضمير، وبيان ذلك: أن كل علم بكل شئ لو كان بالضمير والصورة الذهنية لكان العلم بنفس الصورة أيضا بصورة ذهنية اخرى فيلزم التسلسل في الصور ولا يحصل العلم بشئ أبدا، فالعلم بنفس الصورة الذهنية انما هو بحضور الصورة نفسها، فإذا أمكن أن يكون علمنا ببعض الاشياء بحضوره عند نفوسنا أمكن أن يكون علمه تعالى بالاشياء كلها بحضورها عنده، فليكن ذلك لئلا يتوهم انثلام وحدته تعالى، والى هذا اشار عليه السلام بقوله: (يا عمران أليس ينبغي أن تعلم – الخ)، وفي نسخة (و) و (ه‍) (أن تعرف – الخ). (2) في نسخة (فقال: نعم، قال الرضا). (3) في البحار وفي نسخه (ه‍) و (ج) و (ب) (تجربة) بالراء المهملة والباء الموحدة =


[ 433 ]

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما معانيها و على كم نوع يتكون، قال عليه السلام: قد سألت فافهم، إن حدود خلقه على ستة أنواع (1) ملموس وموزون ومنظور إليه. ومالا وزن له (2) وهو الروح، ومنها منظور إليه و ليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق. والتقدير، والاعراض، والصور، والعرض، والطول. ومنها العمل والحركات التي تصنع الاشياء وتعلمها (3) وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها، وأما الاعمال والحركات فإنها تنطلق لانها لاوقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقي الاثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره. قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شئ غيره ولا شئ معه أليس قد تغير بخلقه الخلق ؟ قال الرضا عليه السلام: لم يتغير عزوجل بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره. قال عمران: فبأي شئ عرفناه ؟ قال عليه السلام: بغيره، قال: فأي شئ غيره ؟ قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصنفه وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث مخلوق مدبر. قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو ؟ قال عليه السلام: هو نور، بمعنى أنه (هامش صفحة 433) = في الموضعين وما هنا أنسب بل المناسب، وهذا لدفع دخل مقدر هو انه لو كان واحدا ليس فيه جهة وجهة فكيف يصدر منه الكثير، فأجاب عليه السلام بان الصادر منه ليس الا واحدا وهو فيضه السارى في الماهيات، وليس يتصور منه جهات وأجزاء كما في الممكنات. (1) يخطر بالبال عند اللفت إلى سته أنواع سرد المدركات بالحواس الخمس وما لا يدرك بها كائنا ما كان، ويمكن تطبيق المذكورات عليها، وللعلامة المجلسي – رحمه الله – توزيع لتطبيق المذكورات على الستة. (2) في نسخة (و) و (د) (وما لا ذوق له). (3) بصيغة التفعيل أو الافعال أو الثلاثي من العلامة، وفي نسخة (ن) و (ج) (تعملها) فتكرير لتصنع.


[ 434 ]

هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الارض، وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق ؟ قال الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله (1) والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراح ليضيئ فيما يريد أن يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وإنما هو ليس شئ غيره، فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك (2). قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار يغيرها تغير نفسها، أو هل تجد الحراره تحرق نفسها، أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره ؟ (3) قال عمران: لم أر هذا. ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه ؟ قال الرضا عليه السلام: جل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وساعلمك ما تعرفه به ولا حول ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المراة أنت فيها أم هي فيك ؟ ! (هامش صفحة 434) (1) لانه عدم الملكة ولا يصح الا فيما تصح ملكته، فليس الله ساكتا ولا ناطقا بالمعنى الذى فينا حتى يلزم فيه التغير والتركيب، كما لا يقال للسراج: انه ساكت حين طفئه ولا انه ناطق حين أضاءته، وقوله: (ولايقال ان السراج ليضيئ فيما يريد – الخ) كأنه تمثيل وبيان لقوله: (هو نور) حتى لا يتوهم السامع من تفسيره بالهادي أن النور كون واحداث وراء ذاته تعالى، بل هو هو وليس شئ غيره على ما صرح به في أحاديث الباب العاشر و ما بعده، كما أن الضوء عين السراج لا أنه كون واحداث وراء ذاته، وللمجلسي – رحمه الله – في تفسير هذا الكلام غير ذلك. (2) في نسخة (د) (يستقر أمرك). (3) المراد بهذه الامثلة بيان أن الشئ لا يتغير من قبل نفسه ولا من قبل فعله، بل انما يتغير بتأثير غيره، فإذا امتنع تأثير الغير فيه امتنع تغيره.


[ 435 ]

فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شئ استدللت بها على نفسك ؟ ! قال عمران: بضوء بيني وبينها، فقال الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك ؟ قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: فأرناه، فلم يحر جوابا، قال الرضا عليه السلام: فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا، ولله المثل الاعلى. ثم التفت عليه السلام إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت، فقال عمران: يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي، قال الرضا عليه السلام: نصلي ونعود، فنهض ونهض المأمون: فصلى الرضا عليه السلام داخلا، وصلى الناس خارجا خلف محمد ابن جعفر، ثم خرجا، فعاد الرضا عليه السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزوجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف ؟ (1) قال الرضا عليه السلام: إن الله المبدئ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الاشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشئ قام، ولا إلى شئ يقوم، ولا إلى شئ استند، ولا في شئ استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره (2) وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم (3). واعلم أن الابداع والمشية والارادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة، وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل


(1) في نسخة (ط) (هل يوجد بحقيقة أو يوجد بوصف) من الوجدان أي هل يدرك ويعرف بها أو به، وفي نسخه (ج) (هل يوجد بحقيقة أو يوصف بوصف). (2) في نسخة (ج) و (ه‍) (قبل خلقه الخلق – الخ). (3) في هامش نسخة (ط) (وما أوقع عليه من المثل – الخ) وفي هامش نسخة (ن) (وما أوقعت عليه من المثل) وفي نسخة (ج) (وما أوقعت عليه من الشكل). (*)

[ 436 ]

مدرك وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تفريق كل شئ (1) من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الامور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا جود (2) لانها مبدعة بالابداع، و النور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والارض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عزوجل، علمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا (3) تدل على اللغات السريانية والعبرانية. ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات (4) فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة فبحجج (5) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها (6) وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عزوجل: (كن فيكون) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الاول من الله عزوجل الابداع لاوزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني الحروف لاوزن لها ولا لون، وهي مسموعة


(1) في البحار وفي نسخة (و) (وبتلك الحروف تفريق كل شئ) وفي نسخة (ج) (وتلك الحروف تفرق كل معنى) وفي نسخة (ط) (وتلك الحروف تفريق كل معين) و في نسخة (ه‍) (وتلك الحروف تعريف كل شئ) وفي هامشه: (تعرف كل شئ). (2) قوله: (يتناهى) صفه لمعنى، وقوله: (ولاجود) عطف على معنى، وفي البحار: (ولا وجود لها لانها – الخ)، (3) حروف الهجاء قد تعد ثمانية وعشرين بعد الالف والهمزة واحدة كما هنا، و قد تعد تسعه وعشرين بعدهما اثنتين كما في الباب الثاني والثلاثين. (4) في نسخة (ج) (من الثمانية والعشرين حرفا) (5) في البحار وفي نسخة (و) (فحجج). (6) في نسخة (د) وحاشية نسخه (ب) (بعد اختصاصها). (*)

[ 437 ]

موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الانواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق للابداع لانه ليس قبله عزوجل شئ ولا كان معه شئ، والابداع سابق للحروف، والحروف لاتدل على غير أنفسها قال المأمون: وكيف لاتدل على غير أنفسها ؟ قال الرضا عليه السلام: لان الله تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسه أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا. قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟ قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف (1) إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته ؟ قال: نعم. قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود، والصفات والاسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل على الاحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لان الله عزوجل وتقدس تدرك معرفته بالصفات والاسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول و العرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل و تقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا (2) ولكن يدل على الله عزوجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لاتدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه (3) كانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه، فلولا


(1) في البحار وفي نسخة (ج) و (ه‍) (وبيانه أنك تذكر الحروف). (2) في نسخة (ج) (بالصورة التي ذكرنا). (3) في نسخه (و) (لاتذكر بمعناه). (*)

[ 438 ]

أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لان صفاته وأسماءه غيره، أفهمت ؟ قال: نعم يا سيدي زدني. قال الرضا عليه السلام: إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله عزوجل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عزوجل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزوجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (1) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذووا الالباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لان الله عزوجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون. قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع خلق هو أم غير خلق ؟ قال الرضا عليه السلام: بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لانه شئ محدث، والله الذى أحدثه فصار خلقا له، وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عزوجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزوجل. واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس (2) وكل حاسة تدل على ما جعل الله عزوجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله (3). واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر، فليس في كل


(1) الاسراء: 72. (2) قوله: (أوجدتك) أي افادتك. (3) في نسخة (ط) (يجمع ذلك كله). (*)

[ 439 ]

واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن (1) فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما مدركين بأنفسهما، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده (2) والله تبارك وتعالى (3) فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه (4) والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عزوجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا (5) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة، قال: سل عما أردت، قال: أسألك عن الحكيم في أي شئ هو، وهل يحيط به شئ، وهل يتحول من شئ إلى شئ، أوبه حاجة إلى شئ ؟ قال الرضا عليه السلام: اخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتفاوت عقله، العازب علمه (6) ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون، أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ولكنه عزوجل لم يخلق شيئا لحاجته (7) ولم يزل


(1) في نسخة (ه‍) (فليس في احد منهما – الخ) وفي نسخة (ن) ((وليس في كل واحد منهما – الخ) وفي البحار: (وليس في واحد منهما – الخ). (2) في نسخة (ب) و (د) (الذي أراد – الخ). (3) في نسخة (ن) (فالله تبارك وتعالى). (4) في البحار وفي نسخة (ه‍) و (د) و (ب) و (و) (ولا يعضده ولا يكنه). (5) ارتبك في الكلام: تتعتع، والصيد في الحبالة: اضطرب فيها، وفي الامر: وقع فيه ولم يكد يتخلص منه، وفي نسخة (ن) و (د) و (ط) و (و) (ارتكبوا) أي ارتكبوا ما ليس بحق. (6) في البحار وفي نسخة (د) و (ب) و (و) (العازب حلمه) وفي حاشية نسخة (ط) (العازب حكمه). (7) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (لحاجة). (*)

[ 440 ]

ثابتا لا في شئ ولا على شئ إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه، والله عزوجل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله يدخل في شئ ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عزوجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لامره وخزانه القائمين بشريعته، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب (1) إذا شاء شيئا فإنما يقول له: كن، فيكون بمشيته وإرادته، وليس شئ من خلقه أقرب إليه من شئ، ولا شئ منه هو أبعد منه من شئ (2) أفهمت يا عمران ؟ قال: نعم يا سيدي قد فهمت وأشهد أن الله على ما وصفته ووحدته، وأن محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خر ساجدا نحوا القبلة وأسلم. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا عليه السلام أحد منهم ولم يسألوه عن شئ، وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا وانصرف الناس، و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته، فقال لي: يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك، لا والله ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شئ من هذا قط، ولا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إلى أصحاب الكلام، قلت، قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، و كلمه من يأتيه لحاجة (3) فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية، فشر عليه بالامساك عن هذه الاشياء، قلت:


(1) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (ن) (كلمح بالبصر – الخ). (2) في البحار وفي نسخة (ج) و (ب) و (د) (ولا شئ أبعد منه من شئ)، وفي نسخة (و) و (ه‍) (ولا شئ هو أبعد منه من شئ). (3) في نسخة (ه‍) و (ج) (بحاجة) وفي نسخة (و) (لحاجته) وفي البحار: (و ربما كلم من يأتيه يحاجه) وفي نسخة (ب) و (د) (وربما كلم من يأتيه لحاجه). (*)

[ 441 ]

إذا لا يقبل مني (1) وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من علوم آبائه عليهم السلام فقال لي: قل له: إن عمك قد كره هذا الباب وأحب أن تمسك عن هذه الاشياء لخصال شتى، فلما انقلبت إلى منزل الرضا عليه السلام أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم، ثم قال: حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك، يا غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به. فقلت: جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض إخواننا من الشيعة، قال عليه السلام: فلا بأس قربوا إليه دابة، فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله (2) ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها، فقلت: جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: هكذا نحب (3) ثم دعا عليه السلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة، فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالا وحمله، و ولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب. 66 – باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد 1 – حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبوعمروا محمد بن عمر بن عبد العزيز الانصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله


(1) في نسخة (د) و (ه‍) (اذلا يقبل مني) أي إذ لا يقبل مني فما أصنع ؟ أو المعنى: لا اشير عليه بذلك اذلا يقبل مني، وعدم التصريح بالمعلول للتأدب. (2) في نسخة (ب) و (د) و (ج) و (ن) (فجعلها عليه – الخ). (3) في البحار وفي نسخة (و) و (ج) (هكذا يجب). (*)

[ 442 ]

ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز (1) وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني (2) ولا يجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحده فقط: فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين. اجمع بيني وبينه وخلني وإياه وألزم (3) فوجه المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال: إنه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت، فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا: تقدموني وعمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله، قلت: خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إن عمران مؤلاك. معي وهو بالباب، فقال: من عمران ؟ قلت: الصابئ الذي أسلم على يديك (4) قال: فليدخل فدخل فرحب به المأمون، ثم قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم، قال: الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان، قال عمران: يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء، قال: فلم لا تناظره ؟ قال عمران: ذلك إليه، فدخل الرضا عليه السلام فقال: في أي شئ كنتم ؟ قال عمران: يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي، فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟ قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها


(1) في نسخة (ه‍) و (ج) (قدم من الحجاز). (2) في نسخة (ج) (فينقص) – الخ) وفي نسخة (د) (فينتقض) بالمعجمة. (3) في البحار وفي نسخة (ج) (وخلني والذم)، وفي نسخه (د) و (ب) (وخلني واياه). (4) في نسخة (ط) و (ن) (الذي كان أسلم – الخ). (*)

[ 443 ]

على نظرائي من أهل النظر. قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟ قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان، والله عزوجل يقول: (أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) (1) ويقول عزوجل: (وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده) (2) و يقول: (بديع السموات والارض) (3) ويقول عزوجل: (يزيد في الخلق ما يشاء) (4) ويقول: (وبدأ خلق الانسان من طين) (5) ويقول عزوجل: (و آخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) (6) ويقول عزوجل: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) (7) قال سليمان: هل رويت فيه شيئا عن آبائك ؟ قال: نعم، رويت عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إن الله عزوجل علمين: علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، و علما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيه يعلمونه) (8) قال سليمان: احب أن تنزعه لي من كناب الله عزوجل، قال عليه السلام: قول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه واله وسلم: (فتول عنهم فما أنت بملوم) (9) أراد هلاكهم ثم بدا لله فقال: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (10) قال سليمان: زدني جعلت فداك، قال الرضا عليه السلام: لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا


(1) مريم: 67. (2) الروم: 27. (3) البقرة: 117، والانعام: 101. (4) فاطر: 1. (5) السجدة: 7. (6) التوبة: 106. (7) فاطر: 11. (8) في البحار وفي نسخه (ب) و (د) و (و) (فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه). وفي حاشية نسخه (ب) (والعلماء من أهل – الخ). (9) الذاريات: 54. (10) الذاريات: 55. (*)

[ 444 ]

رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك (1) فأعلمه أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عزوجل إليه: إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل (2). ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب، قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود ؟ قال: قالت: (يد الله مغلولة) يعنون أن الله قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا، فقال الله عزوجل: (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) (3) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عليهما السلام، عن البداء فقال: و ما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوما يرجيهم لامره (4) ؟ قال سليمان: ألا تخبرني عن (إنا أنزلناه في ليلة القدر) في أي شئ انزلت ؟ قال الرضا: يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق، فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم، قال سليمان: ألآن قد فهمت جعلت فداك فزدني، قال عليه السلام: يا سليمان إن من الامور امورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، يا سليمان إن عليا عليه السلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علمه الله وملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه (5) يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا


(1) هكذا في النسخ في الموضعين، ولا يبعد أن يكون باضافة فلان إلى الملك. (2) في نسخة (ب) و (د) (وأنه لا يسأل عما يفعل). (3) المائدة: 64. (4) في نسخة (ط) و (ن) و (ج) (وان الله ليقف قوما – الخ) وفي نسخة (و) (و ان الله يصف – الخ). (5) في نسخة (ط) و (ن) و (ج) و (و) (لم يطلع عليه أحد من خلقه). (*)

[ 445 ]

البداء ولا كذب به إن شاء الله (1). فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك وعليك بحسن الاستماع والانصاف، قال سليمان: يا سيدي أسألك ؟ قال الرضا عليه السلام: سل عما بدالك قال: ما تقول فيمن جعل الارادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير ؟ قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم حدثت الاشياء واختلفت لانه شاء وأراد، ولم تقولوا حدثت واختلفت لانه سميع بصير، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع بصير ولا قدير، قال سليمان: فإنه لم يزل مريدا، قال: يا سليمان فإرادته غيره ؟ قال: نعم، قال: فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل، قال سليمان: ما أثبت، قال الرضا عليه السلام: أهي محدثة ؟ قال سليمان: لا ماهي محدثه، فصاح به المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا أو يكابر، عليك بالانصاف أما ترى من حولك من أهل النظر، ثم قال: كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان، فأعاد عليه المسألة فقال: هي محدثة يا سليمان فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليا، قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه، قال الرضا عليه السلام: فإرادته نفسه ؟ ! قال: لا، قال عليه السلام: فليس المريد مثل السميع و البصير، قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه، قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا ؟ ! قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك ؟ ! قال سليمان: لا، قال الرضا عليه السلام: فليس لقولك: أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته، قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته، فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا عليه السلام، ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها (2) وهذا مما لا يوصف الله عزوجل


(1) قد مر بعض الكلام في البداء في الباب الرابع والخمسين. (2) أي لو كان ذلك أي كونه سميعا بصيرا قديرا بارادته لتحول وتغير في هذه الصفات لان ارادته يمكن أن تتعلق بها كسائر الامور، وفي البحار وفي نسخة (و) و (ن) و (د) (عن حاله وتغير عنها). (*)

[ 446 ]

به، فانقطع. ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك مسألة، قال: سل جعلت فداك قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون أو بمالا يفقهون ولا يعرفون ؟ ! قال: بل بما يفقهون ويعرفون (1) قال الرضا عليه السلام: فالذي يعلم الناس أن المريد غير الارادة وأن المريد قبل الارادة وأن الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: إن الارادة والمريد شئ واحد، قال: جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون، قال عليه السلام: فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الارادة كالسمع والبصر (2) إذا كان ذلك عندكم على ما لايعرف ولا يعقل، فلم يحر جوابا. ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم الله عزوجل جميع ما في الجنة والنار ؟ ! قال سليمان: نعم، قال: أفيكون ما علم الله عزوجل أنه يكون من ذلك ؟ ! (3) قال: نعم، قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ ! قال سليمان: بل يزيدهم، قال: فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون (4) قال: جعلت فداك والمزيد لا غاية


(1) في البحار وفي نسخة (ج) (تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون ولا تعرفون، قال: بل بما نفقه ونعلم). وفي نسخة (ه) (تكلمون الناس بما يفقهون و يعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون، قال: بل يفقهون ونفقه وما يعلمون ونعلم). وفي نسخة (ب) و (د) و (ط) و (ن) وحاشية نسخة (ه‍) بصيغة الغائب في السوال وبصيغة المتكلم مع الغير فقط في الجواب. (2) في نسخة (و) و (ه‍) (وقلتم: الارادة كالسميع والبصير، أكان ذلك عندكم – الخ) وفي نسخه (ج) (وقلتم: الارادة كالسمع والبصر، كان ذلك عندكم – الخ). (3) في البحار وفي نسخه (ج) (قال: فيكون ما علم الله عزوجل – الخ). (4) قوله عليه السلام: (انه يكون) مبتدء مؤخر، والضمير يرجع إلى ما لم يكن، و (في علمه) خبر له مقدم، والجملة مفعول ثان لقوله: (فأراه) أي فأراه أن ما لم يكن يكون = (*)

[ 447 ]

له (1) قال عليه السلام: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك، و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال سليمان: إنما قلت: لا يعلمه لانه لا غاية لهذا لان الله عزوجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا، قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لانه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، و كذلك قال الله عزوجل في كتابه: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذقوا العذاب) (2) وقال عزوجل لاهل الجنة: (عطاء غير مجذوذ) (3) وقال عزوجل: (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة) (4) فهو عزوجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟ ! قال بلى، قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟ ! قال سليمان: لا، قال: فكذلك كل ما يكون فيها (5) إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم، قال سليمان بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم (6) قال الرضا عليه السلام: إذا يبيد ما فيهما، و هذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب لان الله عزوجل يقول: (لهم ما


= في علمه على قولك: أنه يزيدهم ما لم يكن، فعلمه المتعلق الان بما لم يكن غير الارادة لانها لم تتعلق به بعد. (1) في البحار وفي نسخة (د) و (ب) (فالمزيد لاغاية له) وهذا أنسب لافادة التفريغ والتعليل، كانه على زعمه قال: كما أن ارادته لا تتعلق الان بالمزيد في الدار الاخرة لا يتعلق علمه به لان المزيد لا غاية له وغير المتناهي لا يكون معلوما، فرد عليه بتنزيهه تعالى عن عدم العلم به وان كان غير متناه. (2) النساء: 56. (3) هود: 108. (4) الواقعة. 33. (5) أي فكالجنة كل ما في النار. (6) في البحار وفي نسخة (ب) و (ج) (ولا يزيدهم) وفي نسخة (و) (بلى يقطعه عنهم فلا يزيدهم). (*)

[ 448 ]

يشاؤون فيها ولدينا مزيد) (1) ويقول عزوجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول عزوجل: (وماهم منها بمخرجين) (2) ويقول عزوجل: (خالدين فيها ح أبدا) (3) ويقول عزوجل: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) فلم يحر جوابا. ثم قال الرضا عليه السلام: يا سليمان ألا تخبرني عن الارادة فعل هي أم غير فعل ؟ قال: بل هي فعل، قال: فهي محدثة لان الفعل كله محدث، قال: ليست بفعل، قال: فمعه غيره لم يزل، قال سليمان: الارادة هي الانشاء، قال: يا سليمان هذا الذي ادعيتموه (4) على ضرار وأصحابه (5) من قولهم: إن كل ما خلق الله عزوجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله عزوجل وإن إرادة الله عزوجل تحيى وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد (6) وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر، وتشرك، فتبراء منها وتعاديها و هذا حدها (7). قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا عليه السلام: قد رجعت إلى هذا ثانية، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟ قال سليمان: لا، قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه (8) فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد، ولسيت


(1) ق: 35. (2) الحجر: 48. (3) في أحد عشر موضعا من القرآن. (4) في نسخة (ه‍) (عيبتموه) وفي البحار: (عبتموه). (5) هو ضرار بن عمرو، وهم من الجبرية، لكن وافقوا المعتزلة في أشياء، واختصموا بأشياء منكرة. (6) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (تلذ) بالذال المعجمة المشددة. (7) أي فتبرء من الارادة بالمعنى الذى ذهب إليه ضرار وتعاديها مع أن هذا الذي ذهبت إليه من أن الارادة هي الانشاء حد الارادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار، وفي البحار بصيغة المتكلم مع الغير في الفعلين، وفي نسخة (و) و (ط) و (ج) (تفارقها) مكان (تعاديها). (8) في هامش نسخة (و) (فكيف نعتموه) والضمير المنصوب يرجع حينئذ إليه تعالى، وهذا أصح، وعلى سائر النسخ فالضمير يرجع إلى الارادة وتذكيره باعتبار المعنى. (*)

[ 449 ]

بمفعول له ؟ ! قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم (1) قال الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء لان نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المراد نفي الارادة أن تكون، لان الشئ إذا لم يكن إرادة (2) وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الانسان بصيرا وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم (3). قال سليمان: إنها مصنوعة، قال عليه السلام: فهي محدثة لسيت كالسمع والبصر لان السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة، قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل، قال: فينبغي أن يكون الانسان لم يزل لان صفته لم تزل، قال سليمان: لا لانه لم يفعلها، قال الرضا عليه السلام: يا خراساني ما أكثر غلطك، أفليس بإرادته وقوله تكون الاشياء ؟ ! (4) قال سليمان: لا، قال: فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيته ولا أمره ولا المباشرة فكيف يكون ذلك ؟ ! تعالى الله عن ذلك، فلم يحر جوابا (5). ثم قال الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن قول الله عزوجل: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) (6) يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟ ! قال له:


(1) أي مرة وقع علمه على المعلوم الموجود، ومرة لم يقع علمه على المعلوم لكونه غير موجود، ومر نظير هذا في الحديث الاول من الباب الحادي عشر. (2) في نسخة (و) و (ب) و (د) (لم تكن الارادة). (3) (لم يكن) في المواضع الاربعة تامة، وقوله: (بمنزلة البصر) خبر لمبتدء محذوف، أي العلم بمنزلة البصر. (4) في نسخة (ه‍) (أليس بارادته وقوله تكوين الاشياء). (5) ايضاح الكلام أنه عليه السلام ألزمه على كونه الارادة أزلية كون الانسان مثلا أزليا لان صفته أي ارادته التي بها خلق الانسان أزلية، فأجاب سليمان بأنه لا يلزم ذلك لانه فعل الانسان فهو حادث ولم يفعل الارادة فهي أزلية، فرده عليه السلام بأن هذا غلط كسائر أغلاطك لان تكون الاشياء انما هو باردته ولا تتخلف عن المراد بشهادة العقل والايه، فكابر سليمان فقال: لا يكون بارادته، فأفحمه بما قال عليه السلام. فلم يحر جوابا. (6) الاسراء: 16. (*)

[ 450 ]

نعم، قال: فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الارادة هي هو أم شئ منه باطلا لانه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله، تعالى الله عن ذلك، قال سليمان: إنه لم يكن عني بذلك أنه يحدث إرادة، قال: فما عني به ؟ قال: عني فعل الشئ قال الرضا عليه السلام: ويلك كم تردد هذه المسألة، وقد أخبرتك أن الارادة محدثة لان فعل الشئ محدث، قال: فليس لها معنى، قال: الرضا عليه السلام: قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالارادة بمالا معنى له، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم: إن الله لم يزل مريدا. قال سليمان: إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل، قال: ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة ؟ فلم يحر جوابا. قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أتمم مسألتك، قال سليمان: قلت: إن الارادة صفة من صفاته، قال الرضا عليه السلام: كم تردد علي أنها صفه من صفاته، وصفته محدثة أو لم تزل ؟ ! قال سليمان: محدثة، قال الرضا عليه السلام: الله أكبر فالارادة محدثة وأن كانت صفة من صفاته لم تزل، فلم يرد شيئا. (2) قال الرضا عليه السلام: إن ما لم يزل لا يكون مفعولا، قال سليمان: ليس الاشياء إرادة ولم يرد شيئا. (3) قال الرضا عليه السلام: وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله، وهذه صفة من لا يدري ما فعل، تعالى الله عن ذلك. قال سليمان: يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم، قال المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد اقطع هذا وخذ في غيره إذ ليست تقوى على هذا الرد، قال الرضا عليه السلام: دعه يا أمير المؤمنين، لا تقطع عليه مسألته


(1) في البحار وفي نسخة (ه‍) (فصفته – الخ). (2) لان العالم حادث والارادة أزلية والتخلف ممتنع، وقوله: (ان ما لم يزل – الخ) تعليل له بالازم. (3) أي لا أقول بقول ضرار ولا بقولكم، بل ارادة غير متعلقة بشئ أو ليست له ارادة رأسا. (*)

[ 451 ]

فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان، قال: قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا عليه السلام: لا بأس، أخبرني عن معنى هذه أمعنى واحد أم معان مختلفة ؟ ! قال سليمان: بل معنى واحد، الرضا عليه السلام: فمعنى الارادات كلها معنى واحد ؟ قال سليمان: نعم، قال الرضا عليه السلام: فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام وإرادة العقود وإرادة الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة (1) لم يتقدم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا، وكان شيئا واحدا (2) قال سليمان: إن معناها مختلف، قال عليه السلام: فأخبرني عن المريد أهو الارادة أو غيرها ؟ ! قال سليمان: بل هو الارادة، قال الرضا عليه السلام فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الارادة (3) ؟ قال: يا سيدي ليس الارادة المريد، قال عليه السلام: فالارادة محدثة، وإلا فمعه غيره. افهم وزد في مسألتك. قال سليمان: فإنها اسم من أسمائه، قال الرضا عليه السلام: هل سمى نفسه بذلك ؟ قال سليمان: لا، لم يسم نفسه بذلك، قال الرضا عليه السلام: فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه، قال: قد وصف نفسه بأنه مريد، قال الرضا عليه السلام: ليس صفته نفسه أنه مريد إخبار عن أنه إرادة ولا إخبارا عن أن الارادة اسم من أسمائه، قال: سليمان: لان إرادته علمه، قال الرضا عليه السلام: يا جاهل فإذا علم الشئ فقد أراده ؟ قال سليمان: أجل، قال عليه السلام: فإذا لم يرده لم يعلمه، قال سليمان: أجل، قال عليه السلام: من أين قلت ذاك، وما الدليل على أن إرادته علمه. وقد يعلم مالا يريده


(1) هذه الجملة تأكيد للشرط بلفظ آخر وقعت بين اسم كانت وخبرها: وفي نسخة (ط) و (ن) (إذا كانت ارادة واحدة) وفي نسخة (و) (إذ كانت ارادته واحدة) وفي البحار: (فان كان معناها معنى واحدا كانت ارادة القيام ارادة العقود، وارادة الحياة ارادة الموت، إذ كانت ارادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا – الخ) وهذا أحسن. (2) أي كان المراد شيئا واحدا، وفي نسخة (و) و (ط) و (ن) (وكانت شيئا واحدا). (3) في البحار: (مختلف إذ كان – الخ) وفي نسخة (د) و (ج) (يختلف إذا كان – الخ) وفي نسخة (ب) (يختلف إذ كان – الخ). (*)

[ 452 ]

أبدا، وذلك قوله عزوجل: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (1) فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبدا، قال سليمان: لانه قد فرغ من الامر فليس يزيد فيه شيئا (2) قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال عزوجل: (ادعوني أستجب لكم) (3) قال سليمان: إنما عنى بذلك أنه قادر عليه، قال عليه السلام: أفيعد مالا يفي به ؟ ! فكيف قال عزوجل: (يزيد في الخلق ما يشاء) (4) و قال عزوجل: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) (5) وقد فرغ من الامر، فلم يحر جوابا. قال الرضا عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا، وأن إنسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم ؟ قال سليمان: نعم قال الرضا عليه السلام: فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون مالا يريد أن يكون ؟ ! قال: يعلم أنهما يكونان جميعا، قال الرضا عليه السلام: إذن يعلم أن إنسانا حي ميت، قائم قاعد، أعمى بصير في حال واحدة، وهذا هو المحال، قال: جعلت فداك فإنه يعلم أنه يكون أحدهما دون الآخر، قال عليه السلام: لا بأس، فأيهما يكون، الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون، قال سليمان: الذي أراد أن يكون، فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات. قال الرضا عليه السلام: غلطت وتركت قولك: إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وأنه يخلق خلقا وهو لا يريد أن يخلقهم، فإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون (6).


(1) الاسراء: 86. (2) في نسخة (د) و (ب) (فليس يريد فيه شيئا) وفي نسخة (ط) (فليس يريد منه شيئا). (3) المؤمن: 60. (4) فاطر: 1. (5) الرعد: 39. (6) حاصل الكلام من قوله عليه السلام: يا سليمان هل يعلم أن انسانا يكون إلى هنا أنه هل يتعلق علمه تعالى بنسبة قضية ولا يتعلق ارادته بها، فأقر سليمان بذلك، فثبت مطلوبه = (*)

[ 453 ]

قال سليمان: فإنما قولي: إن الارادة ليست هو ولا غيره، قال الرضا عليه السلام: يا جاهل إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره، وإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو، قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشئ ؟ قال عليه السلام: نعم، قال سليمان: فإن ذلك إثبات للشئ (1) قال الرضا عليه السلام: أحلت لان الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشئ وإن لم يصنعه أبدا ثم قال له: يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شئ معه ؟ ! قال: نعم، قال: أفيكون ذلك إثباتا للشئ ؟ ! قال سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه. قال الرضا عليه السلام: أفتعلم أنت ذلك ؟ ! (2) قال: نعم، قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذا، قال سليمان: المسألة محال، قال: محال عندك أنه واحد لا شئ معه وأنه سميع بصير حكيم عليم


= عليه السلام الذي هو عدم اتحادهما، لكنه أقر بالحق في غير موضعه من حيث لايشعر (كانه اختبط واختلط من كثرة الحجاج في المجلس) لان المثالين مجمعهما، إذ علمه تعالى بموت انسان يستلزم ارادته، وبكون انسان يستلزم ارادة خلقه، ومورد التخلف الامثلة التي ذكرها عليه السلام من قبل، ثم أراد عليه السلام أن ينبهه على غلطه فقال: فيعلم أنه يكون ما يريد – الخ، والقسمة لعلمه بكون ما يريد وما لا يريد تقتضي صورا أربعا: يعلم أنه يكون ما يريد أن يكون فقط، يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون فقط، يعلمهما جميعا، لا يعلمهما، والصورة الثانية هي ما ينطبق عليه المثالان، والاخيرة محال، والثالثة محال أيضا لما قال عليه السلام: اذن يعلم أن انسانا حى ميت – الخ، ومنطبقة المثالين ايضا محال لما قلنا، وسليمان بصرافة فطرته تركها واختار الصورة الاولى حيث قال: (الذي أراد أن يكون) بعد أن قال عليه السلام: (لا باس فيهما يكون – الخ). (1) المعنى: فان ذلك اثبات للشئ معه في الازل، وذلك ظنا منه أن العلم بالمصنوع يستلزم وجوده، فأجاب عليه السلام بالفرق بين العلم والارادة بالامثلة، فان العلم لا يستلزم المعلوم بخلاف الارادة فانها تسلتزم المراد، وقوله: (يحسن) في المواضع الثلاثة من الاحسان بمعنى العلم. (2) في نسخة (ه‍) و (و) (أفانت تعلم بذلك). (*)

[ 454 ]

قادر ؟ ! قال: نعم، قال عليه السلام: فكيف أخبر الله عزوجل أنه واحد حي سميع بصير عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟ ! وهذا رد ما قال وتكذيبه، تعالى الله عن ذلك، ثم قال الرضا عليه السلام: فكيف يريد صنع مالا يدري صنعه ولا ما هو ؟ ! وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه فإنما هو متحير، تعالى الله عن ذلك. قال سليمان: فإن الارادة القدرة، قال الرضا عليه السلام: وهو عزوجل يقدر على مالا يريده أبدا، ولا بد من ذلك لانه قال تبارك وتعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) (1) فلو كانت الارادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته، فانقطع سليمان، قال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا أعلم هاشمي. ثم تفرق القوم. قال مصنف هذا الكتاب: كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من متكلمي الفرق والاهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا عليه السلام عن الحجة مع واحد منهم، وذلك حسدا منه له ولمنزلة من العلم، فكان عليه السلام لا يكلم أحدا إلا أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه لان الله تعالى ذكره أبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينصر حجته، وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحيوة الدنيا) (2) يعني بالذين آمنوا: (الائمة الهداة عليهم السلام وأتباعهم والعارفين بهم والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ماداموا في الدنيا، وكذلك يفعل بهم في الآخرة، وإن الله لا يخلف وعده. 67 – باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عز وجل 1 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، قال: قال أبو – جعفر عليه السلام: تلكموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزيد إلا تحيرا.


(1) الاسراء: 86. (2) المؤمن: 51. (*)

[ 455 ]

2 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: تكلموا في كل شئ ولا تكلموا في الله. (1) 3 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذكروا من عظمة الله ما شئتم ولا تذكروا ذاته فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا وهو أعظم منه. 4 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن بريد العجلي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أصحابه فقال: ما جمعكم ؟ قالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: لن تدركوا التفكر في عظمته. 5 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن فضيل ابن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السموات والارض، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تملا عينيك منها فهو كما تقول. 6 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (2) قال: من لم يدله خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، قال: فهو عما لم يعاين أعمى وأضل. 7 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن الصيقل، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: تكلموا في ما دون العرش ولا تكلموا في ما فوق العرش فإن قوما تكلموا في الله


(1) أي في ذاته تعالى أنه ما هو ؟ وكيف هو ؟. (2) الاسراء: 72. (*)

[ 456 ]

عزوجل فتاهو حتى كان الرجل ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه وينادي من خلفه فيجيب من بين يديه. 8 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن عبد الرحيم القصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فرفع يديه إلى السماء وقال: تعالى الله الجبار (1) إن من تعاطى ما ثم هلك. 9 – وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: (وأن إلى ربك المنتهى) (2) قال: إذا انتهى الكلام إلى الله عزوجل فأمسكوا. 10 – وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا محمد إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شئ. 11 – وبهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا زياد إياك والخصومات فإنها تورث الشك وتحبط العمل وتردي صاحبها، وعسى أن تكلم بالشئ فلا يغفر له، إنه كان فيما مضى قوم وتركوا علم ما وكلوا به وطلبوا علم ما كفوه حتى انتهى كلامهم إلى الله عزوجل فتحيروا، فان كان الرجل ليدعى من بين يديه فيجيب من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه. 12 – أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أنه قد كان فيمن كان قبلكم قوم تركوا علم ما وكلوا بعلمه و طلبوا علم ما لم يوكلوا بعلمه، فلم يبرحوا حتى سألوا عما فوق السماء فتاهت


(1) في النسخ الخطيه: (تعالى الجبار). (2) النجم: 42. (*)

[ 457 ]

قلوبهم، فكان أحدهم يدعى من بين يديه فيجيب من خلفه ويدعى من خلفه فيجيب من بين يديه. 13 – وبهذا الاسناد، عن أبي اليسع، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دعوا التفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لان الله تبارك وتعالى لا تدركه الابصار ولا تبلغه الاخبار. 14 – وبهذا الاسناد، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والتفكر في الله فإن التفكر في الله لا يزيد إلاتيها لان الله عزوجل لا تدركه الابصار ولا يوصف بمقدار. 15 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن خالد، عن علي بن النعمان وصفوان بن يحيى عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل عليه قوم من هؤلاء الذين يتكلمون في الربوبية، فقال: اتقوا الله وعظموا الله ولا تقولوا مالا نقول فانكم إن قلتم وقلنا متم ومتنا ثم بعثكم الله وبعثنا فكنتم حيث شاء الله وكنا. 16 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن سألم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية، قال: إن هذه الامة لن تهلك حتى تتكلم في ربها. 17 – وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس، الكناسي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إياكم والكلام في الله، تكلموا في عظمته ولا تكلموا فيه فإن الكلام في الله لا يزداد إلاتيها (1). 18 – حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن الحسن الكوفي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد، عن علي بن حسان الواسطي، عن


(1) في نسخة (ج) (فان الكلام فيه لا يزداد صاحبه الاتيها). (*)

[ 458 ]

بعض أصحابنا، عن زرارة، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن الناس قبلنا قد أكثروا في الصفة فما تقول ؟ فقال: مكروه، أما تسمع الله عزوجل يقول: (وأن إلى ربك المنتهى) (1) تكلموا فيما دون ذلك. 19 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا في بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ملكا عظيم الشأن كان في مجلس له فتكلم في الرب تبارك وتعالى ففقد فما يدري أين هو. 20 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عبد الحميد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمة الله فانظروا إلى عظم خلقه. 21 – أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن علي بن السندي، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك. 22 – وبهذا الاسناد، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يهلك أصحاب الكلام، وينجو المسلمون إن المسلمين هم النجباء. 23 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه اليلام، قال: سمعته يقول: لا يخاصم إلا رجل ليس له ورع أو رجل شاك. 24 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن فضيل، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام


(1) النجم: 42. (*)

[ 459 ]

قال: قال لي: يا أبا عبيدة إياك وأصحاب الخصومات والكذابين علينا فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا علم السماء، يا أبا عبيدة خالقوا الناس بأخلاقهم وزايلوهم بأعمالهم، إنا لانعد الرجل فينا عاقلا (1) حتى يعرف لحن القول ثم قرأ هذه الآية (ولتعرفنهم في لحن القول) (2). 25 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن الغفاري، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إياكم وجدال كل مفتون فإن كل مفتون ملقن حجته إلى انقضاء مدته (3) فإذا انقضت مدته أحرقته فتنته بالنار. وروي شغلته خطيئته فأحرقته. 26 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عيسى قال: قرأت في كتاب علي بن بلال أنه سأل الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام: أنه روي عن آبائك عليهم السلام أنهم نهوا عن الكلام في الدين. فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه، فهل ذلك كما تأولوا أولا ؟ فكتب عليه السلام: المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه أكثر من نفعه. 27 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد علي بن إسماعيل، عن المعلى بن محمد البصري، عن علي بن أسباط، عن جعفر بن سماعة، عن غير واحد، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: ما حجة الله على العباد ؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند مالا يعلمون. 28 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، ابن أبي الخطاب، عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن إبراهيم بن أبي رجاء


(1) في نسخة (ن) و (ط) (لانعد الرجل فقيها حتى – الخ). (2) محمد صلى الله عليه وآله: 30. (3) في نسخة (و) (ملقف حجته – الخ)، وفي نسخة (ه‍) (اياكم وجدال كل مفتون ملقن حجته – الخ). (*)

[ 460 ]

عن أخي طربال (1) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كف الاذى وقلة الصخب يزيدان في الرزق. 29 – حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن نجية القواس، عن علي بن يقطين، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة الله عزوجل. 30 – حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن أحمد، عن موسى بن عمر، عن العباس بن عامر، عن مثنى، عن أبي بصير، عن أبي – عبد الله، قال: قال: لا يخاصم إلا شاك أو من لاورع له. 31 – وبهذا الاسناد، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن أبي حفص عمر بن عبد العزيز (2) عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: متكلموا هذه العصابة من شر من هم منه من كل صنف (3). 32 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل، عن الحضرمي، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا مفضل من فكر في الله كيف كان هلك، ومن طلب الرئاسة هلك. 33 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم


(1) في نسخة (ب) (عن ابراهيم بن أبي رجاء أخي طربال) واسم أخي طربال ابراهيم. (2) في نسخة (ط) و (ن) (عن أبي حفص بن عمر بن عبد العزيز). (3) الظاهر أن المراد بالعصابة علماء العامة، أي المتكلمون من علماء العامة من شر الذين هذه العصابة منهم، ومفاد الموصول جماعة العامة، وافراد الضمير باعتبار لفظ الموصول، وقوله: (من كل صنف) تصريح بالتعميم وبيان لقوله: (منه)، وفي نسخة (د) (منهم) مكان (منه). (*)

[ 461 ]

قال: لعن الله الذين اتخذوا دينهم شحا (1) يعني الجدال ليدحضوا الحق بالباطل. 34 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن محمد بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أنا زعيم بيت في أعلى الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة (2) لمن ترك المراء وإن كان محقا. 35 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن كليب بن معاويه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يخاصم إلا من قد ضاق بما في صدره.


(1) في نسخة (ن) (متح) وفي نسخة (ه‍) و (ج) و (و) (شيحا). (2) كذا في النسخ بالياء جمع الروضة، وأظن أنه رياض بالباء الموحدة كما في أخبار

[ 461 ]

قال: لعن الله الذين اتخذوا دينهم شحا (1) يعني الجدال ليدحضوا الحق بالباطل. 34 – حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن محمد بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أنا زعيم بيت في أعلى الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة (2) لمن ترك المراء وإن كان محقا. 35 – أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن كليب بن معاويه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يخاصم إلا من قد ضاق بما في صدره.


(1) في نسخة (ن) (متح) وفي نسخة (ه‍) و (ج) و (و) (شيحا). (2) كذا في النسخ بالياء جمع الروضة، وأظن أنه رياض بالباء الموحدة كما في أخبار اخر، والربض ما حول المدينة من بيوت ومساكن، يقال: نزلوا في ربض المدينة

اترك تعليقاً