مناقب آل أبي طالب

ابن شهر آشوب ج 3


[ 1 ]

مناقب آل أبي طالب تأليف الامام الحافظ ابن شهر اشوب شير الدين أبي عبد الله محمد بن على بن شهر اشوب ابن أبي نصر بن أبي يش السروى المازندراني المتوفى سنة 588 ه‍ قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذه النجف الاشرف الجزء الثالث من ثلاثة أجزاء قام بطبعه محمد كاظم الكتبى صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية وله حقوق الطبع محفوظة 1375 ه‍ 1956 م طبع في المطبعة الحيدرية في النجف


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم باب ما يتعلق بالآخرة من مناقبه عليه السلام ” فصل: في محبته عليه السلام ” قوله تعالى: (ولا يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) في أمير المؤمنين (ع). تفسير الثعلبي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) قال: المودة لآل محمد عليهم السلام. الحسن بن علي (ع) قال: الحسنة حب أهل البيت عليهم السلام. أبو تراب في الحدائق والخوارزمي في الاربعين باسنادهما عن أنس والديلمي في الفردوس عن معاذ وجماعة عن ابن عمر قال: النبي صلى الله عليه وآله: حب علي بن أبي طالب حسنة لا نضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا ننفع معها حسنة. قال الشاعر: وقد أتت الرواية في حديث * صحيح عن ثقات محدثينا بأن محبة الهادي علي * أجل تجارة للتاجرينا وليس تضر سيئة بخلق * يكون بها من المتخلقينا كتاب ابن مردويه، بالاسناد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي لو ان عبدا عبد الله مثل مادام نوح في قومه، وكان له مثل جبل احد ذهبا فأنفقه في سبيل الله، ومد عمره حتى حج الف عام على قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما،، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها. وفي تاريخ النسائي وشرف المصطفى واللفظ له قال النبي صلى الله عليه وآله: لو ان عبد الله تعالى بين الركن والمقام الف عام ثم الف عام ولم يكن يحبنا أهل البيت لاكبه الله على منخره في النار. مقصودة


[ 3 ]

العبدي: لو ان عبدا لقي الله بأعمال جميع الخلق برا وتقي ولم يكن والى عليا حبطت أعماله وكب في نار لظى. قال الشاعر: بغضه يدخل الجحيم ويمحي * بولاه كبائر الاوزار هكذا منذر التهامي عنه * قال فوق الاعواد غير مرار لو وفود الحجيج بالسعي فازوا * الف عام بالحج والاعمار وحنتهم صلاتهم كالحنايا * وبقوا بالصيام كالاوتار ولقوا الله مبغضين عليا * لاكبت وجوههم في النار وتنحل البحتري هذا المعنى لغيرهم فقال: مخالف أمركم الله عاص * ومنكم حقكم لاق أثاما وليس بمسلم من لم يقدم * ولا يتكم ولو صلى وصاما حسان بن سدير عن الباقر (ع) قال: ما ثبت الله حب علي في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبتها الله، وثبت له قدم اخرى. الفردوس والرسالة القوامية أبو صالح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حب علي بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأمل النار الحطب. كتاب الخطيب الخوارزمي وشيرويه الديلمي (عن) جابر بن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وآله: جاءني جبرئيل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض: اني افترضت محبة علي بن أبي طالب على خلقي فبلغ ذلك عني. معجم الطبراني باسناده إلى فاطمة (ع) قالت: قال رسول الله: ان الله تعالى باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، واني رسول الله اليكم غير هائب لقومي ولا محاب لقرابتي هذا جبرئيل يخبرني ان السعيد كل السعيد من أحب علينا في حياته وبعد موته، وان الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد موته. قال الشاعر: إن كنت تطمع في الجنان وطيبها * فاثبت على دين النبي محمد وامنح ودادك للامام المرتضى * أسد الاله الهاشمي السيد حذيفة بن اليمان عن النبي (ص) في خبر ان الله فرض على الخلق خمسة فأخذوا أربعة وتركوا واحدا فسئل عن ذلك قال: الصلاة والصوم والزكاة والحج، قالوا: فما الواحد الذي تركوا ؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب، قالوا: هي واجبة من الله ؟ قال: نعم، قال الله تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) الآيات. لائمي في محبتي لعلي * كف عني الملام لا تعذلني حبة كالصلاة فرض فهل لي * إن تركت الصلاة من يجز عني


[ 4 ]

روضة الواعظين في خبر ان النبي صلى الله عليه وآله قال يوما لاصحابه أيكم يصوم الدهر ويحيي الليل ويختم القرآن ؟ فقال سلمان: أنا يا رسول الله، فغضب بعضهم فقال: ان سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش وهو يكذ ب في جميع ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله: مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم سله فانه ينبئك، فقال: رأيتك في أكثر أيامك تأكل وأكثر لياليك نائما وأكثر أيامك صامتا، فقال: ليس حيث تذهب اني أصوم الثلاثة في الشهر وقال الله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأوصل رجب وشعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر، وسمعت رسول الله يقول: من بات على طهر فكأنما أحيى الليل، وأنا أبيت على طهر، وسمعت رسول الله يقول لعلي: يا أبا الحسن مثلك في امتي مثل قل هو الله أحد فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فقد ختم القرآن كله فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان، والذي بعثني بالحق نبيا، يا علي لو أحبك أهل الارض كمحبة أهل السماء لما عذب أحد بالنار، وأنا أقرء قل هو الله أحد كل يوم ثلاث مرات، فقام كأنه القم حجرا. وقال ابن عباس كان يهودي يجب عليا (ع) حبا شديدا فمات ولم يسلم قال ابن عباس فيقول الجبار تبارك وتعالى: أما جنتي فليس له فيها نصيب، ولكن يا نار لا تهديه – أي لا تزعجيه. فضايل أحمد وفردوس الديلمي قال عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وآله: حب علي براءة من النار وأنشد: حب علي جنة للورى * احطط به يا رب أوزاري لو ان ذميا نوى حبه * حصن في النار من النار وفي فردوس الديلمي قال أبو صالح: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: اللهم اني أتقرب اليك بولاية علي بن أبي طالب. حلية الاولياء قال يحيى بن كثير الضرير: رأيت زبيد بن الحارث النامى في النوم فقلت له: إلى م صرت يا أبا عبد الرحمن قال: إلى رحمة الله، قلت: فأي العمل وجدت أفضل ؟ قال: الصلاة وحب علي بن أبي طالب. ونزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا محمد الله العلي الاعلى يقرأ عليك السلام وقال: محمد نبي رحمتي، وعلي مقيم حجتي، لا اعذب من والاه وان عصاني، ولا ارحم من عاداه وان اطاعني. حبه فرض على كل امرء * عرف الحق على غير جدال


[ 5 ]

وبه ينجو مواليه غدا * إذ ولاه عدة للمتوال حلية الاولياء وفضائل احمد وخصائص النطنزي روى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله قال من أحب أن يحيى حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربى عزوجل غرس قضبانها بيده، فليتول علي بن ابى طالب فانه لم يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة. وفي رواية ابن عباس وأبي هريرة: من سره ان يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن منزلي، منها غرسه ربى، ثم قال له كن فيه فكان، فليتول علي بن ابي طالب وليا، ثم الاوصياء من ولده فانهم عترتي خلقوا من طينتي الخبر. وقال عبد الله بن موسى: تشاجر رجلان في الامامة فتراضيا بشريك بن عبد الله فجاءا إليه، فقال شريك: حدثني الاعمش عن شقيق عن سلمة عن حذيفة اليمان قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله عز وجل خلق عليا قضيبا من الجنة فمن تمسك به كان من أهل الجنة، فاستعظم ذلك الرجل وقال: هذا حديث ما سمعناه نأتي ابن دراج فأتياه فأخبراه بقصتهما فقال أتعجبان من هذا. حدثني الاعمش عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله خلق قضيبا من نور فعلقه ببطنان عرشه لا يناله إلا علي ومن تولاه من شيعته، فقال الرجل: هذه اخت تلك، نمضي إلى وكيع فمضيا إليه فأخبراه بالقصة فقال وكيع: أتعجبان من هذا. حدثني الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان أركان العرش لا ينالها إلا علي ومن تولاه من شيعته، قال: فاعترف الرجل بولاية علي (ع). ابن بطة في الابانة والخطيب في الاربعين باسنادهما عن السدي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعن زيد ابن أرقم وباسنادهما عن شريك عن الاعمش عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم والثعلبي في ربيع المذكرين باسناده عن أبي هريرة واللفظ لزيد قال النبي صلى الله عليه وآله: من أحب أن يتمسك بالقضيب الاحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه فليتمسك بحب علي بن أبي طالب. قال خطيب منبج: لقد غرس الاله بدار عدن * قضيبا وهو خير الغارسينا من الياقوت يستعلي وينمو * على قضبانها حسنا ولينا فان شئتم تمسكتم فكونوا * بحبل أخي من المتمسكينا وقال البصري: يروى بأن أبا هريرة قال لي * اني ملات من النبي مسامعا من رام أن يتمسك الغصن الذي * من أحمر الياقوت أصبح لا معا


[ 6 ]

من غرس رب العالمين وزرعه * من جنتي عدن تبارك زارعا فليلقين لولاية الهادي أبي * حسن علي ذي المناقب تابعا الخطيب في الاربعين عن عمران بن الحصين والزمخشري في ربيع الابرار عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة والسمعاني في الرسالة القوامية عن عمر بن الخطاب عن الخدري ويوسف بن موسى القطان عن وكيع عن مالك بن أنس عن الزهري عن أنس عن عمر بن الخطاب واللفظ لعائشة قالت: كان أبو بكر يديم النظر إلى علي (ع) فقيل له في ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: النظر إلى علي عبادة. الابانة عن ابن بطة روى أبو صالح عن أبي هريرة قال: رأيت معاذا يديم النظر إلى وجه علي فقلت له: انك تديم النظر إليه كأنك لم تره، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة، وهو أكثر في الروايات. وفي رواية عمار ومعاذ وعائشة عن النبي صلى الله عليه وآله: النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة وذكره عبادة ولا يقبل ايمان إلا بولايته والبراءة من أعدائه. شيرويه في الفردوس قالت عائشة: قال النبي: ذكر علي عبادة. الخركوشي في شرف النبي انه كان الناس يصلون وأبو ذر ينظر إلى أمير المؤمنين (ع) فقيل له في ذلك فقال: سمعت رسول الله يقول: النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة والنظر في المصحف عبادة والنظر إلى الكعبة عبادة. أبو ذر قال النبي صلى الله عليه وآله مثل علي فيكم، أو قال في هذه الامة، كمثل الكعبة المستورة النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة، قال البشنوي: خير الوصيين من خير البيوت ومن * خير القبائل معصوم من الزلل إذا نظرت إلى وجه الوصي فقد * عبدت ربك في قول وفي عمل (فصل: في طاعته وعصيانه عليه السلام) زياد بن المنذر عن الباقر (ع) في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) قال: ولاية علي عليه السلام. أبان بن عثمان عن أبي جعفر (ع) في قوله: (ذرني والمكذبين) الآية، قال: هو وعيد توعد الله عزوجل به من كذب بولاية علي أمير المؤمنين. مجاهد قال أبو ذر: قال النبي: يا علي من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله. السمعاني في فضائل الصحابة قال أبو ذر: قال النبي: لا تضادوا عليا فتكفروا ولا تفضلوا عليه فترتدوا. أبو ذر وابن عمر قال النبي صلى الله عليه وآله: من


[ 7 ]

فارق عليا فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله. وفي رواية ابن عمر: يا علي من خالفك فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف الله. امام الزيدية أبو طالب الهروي باسناده عن علقمة وأبو أيوب انه لما نزلت (الم أحسب الناس) الآيات، قال النبي لعمار: انه سيكون بعدي هنا حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا، وحتى يتبرء بعضهم من بعض، فاراد رأيت ذلك فعليك بهذا الاصلع عن يميني علي بن أبى طالب فان سلك الناس كلهم واديا فاسلك وادي علي، وخل عن الناس يا عمار، ان عليا لا يردك عن هدى، ولا يردك إلى ردى، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله. وفي رواية الناصر باسناده عن جابر الانصاري وطريف العبدي وأبى عبد الرحمن قال علي عليه السلام: والله نزلت هذه الآيات في وفى شيعتي وفى عدوي وفي أشياعهم. الحسين بن علي عن أبيه (ع) قال: لما نزلت (الم أحسب الناس) الآيات، قلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة ؟ قال: يا علي انك مبتلي ومبتلى بك، وانك مخاصم فأعد للخصومة. جابر عن أبى جعفر عن أبيه (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: كيف بك يا علي إذا ولوها من بعدي فلانا قال: هذا سيفي أحول بينهم وبينها، قال النبي: وتكون صابرا محتسبا فهو خير لك منها، قال علي: فإذا كان خيرا لي فأصبر وأحتسب، ثم ذكر فلايا وفلانا كذلك ثم قال: كيف بك إذا بويعت ثم خلفت، فأمسك علي فقال اختر يا علي السيف أو النار، قال علي: فما زلت اضرب امري ظهر البطن فما يسعنى إلا جهاد القوم وقتالهم. ويروى قوله تعالى: (وعلى الاعرا ف رجال) علي وعبيدة وحمزة لقوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا) فانهم قاتلوا شيبة وعتبة والوليد. البخاري ومسلم بالاسناد قال قيس بن سعد: قال علي: انا اول من يجثوا للحكرمة بين يدي الله كتاب احمد بن عبد الله المؤذن عن ابى معاوية الضرير عن الاعمش عن سمي عن ابى صالح عن ابى هريرة وابن عباس وفى تفسير ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: (اليس الله بأحكم الحاكمين) وقد دخلت الروايات بعضها في بعض ان النبي صلى الله عليه وآله انتبه من نومة في بيت ام هاني فزعا فسألته عن ذلك فقال: يا ام هاني ان الله عزوجل عرض علي في منامي القيامة واهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وما فيها وعذابها، فاطلعت في النار فإذا انا بمعاوية وعمرو بن العاص قائمين في حر جهنم ترضخ رؤسها الزبانية بحجارة من جمر جهنم يقولون لهما: هل آمنتما بولاية علي بن ابي طالب. قال ابن عباس فيخرج علي من حجاب العظمة ضاحكا مستبشرا وينادي حكم لي ورب الكعبة فذلك قوله: (اليس الله بأحكم الحاكمين) فيبعث الخبيث إلى النار ويقوم علي في الموقف


[ 8 ]

يشفع في اصحابه واهل بيته وشيعته. فهذه الاخبار توجب طاعة علي والنهي عن مخالفته وقال الله تعالى: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) قال الحميري ان امرءا خصمه أبو حسن * لعازب الرأي داحض الحجج لا يقبل الله منه معذرة * ولا تلاقيه حجة الفلج وقال العوني: أيا امة السوء التي ما تيقظت * لما قد خلت فيها من المثلات وقد وترت آل النبي ورهطه * على قدم الايام اي ترات بني المصطفى والمرتضى علم الهدى * إمام الهدى والكاشف الكربات ببدر واحد والنظير وخيبر * ويوم حنين ساعة الهبوات وصاحب خم والفراش وفضله * ومن خص بالتبليغ عند براة (فصل: في بغضه عليه السلام) ابن عقدة وابن جرير بالاسناد عن الخدري وجابر الانصاري وجماعة من المفسرين في قوله تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول) ببغضهم علي بن ابي طالب. قال الربيع بن سليمان كنت بالكوفة فمررت بمجنون فقرأت عليه: (الله أذن لكم ام على الله تفترون) فقال: ما على الله يفتري ولكن يبغض علي بن ابي طالب. جابر سألت ابا جعفر (ع) عن قوله تعالى: (والذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) فقال عليه السلام: فانهم عن ولاية علي مستكبرون فقال الله لمن فعل ذلك وعيدا منه (لا جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون). الباقر (ع) (إنا كفيناك المستهزئين) اعداؤه واولياؤه ومن كان يهزأ بأمير المؤمنين وهم الذين قالوا هذا صفي محمد من بين اهله وكانوا يتغامزون بأمير المؤمنين فأنزل الله تعالى: (ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون). الباقر عليه السلام في قوله: (قل إن كنتم حبون الله فاتبعوني يحببكم الله) الآية نزلت فيهم وذلك حين اجتمعوا فقالوا: لئن مات محمد لم نسمع لعلي ولا لاحد من اهل بيته ذكر. ابن بطة في الابانة باسناده عن جابر قال النبي: لو ان امتي ابغضوك لاكبهم الله على مناخرهم في النار. عطية بن ابي سعيد قال النبي: من ابغضنا اهل البيت فهو منافق. ابن مسعود قال النبي: من زعم انه آمن بما جئت وهو مبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن. النبي صلى الله عليه وآله من لقى الله عزوجل وفي قلبه بغض علي بن ابي طالب لقى الله وهو يهودي. ابن عباس وام سلمة وسلمان قال النبي: من احب عليا فقد احبني ومن ابغض عليا فقد ابغضني. ام سلمة وانس قال النبي


[ 9 ]

ونظر إلى علي: كذب من زعم انه يحبني ويبغض هذا. تاريخ الخطيب وكتاب ابن المؤذن واللفظ له انه رآه يزيد بن هارون في المنام فقيل: ما فعل بك ؟ فقال: عاتبني فقال: أتحدث عن حريز بن عثمان ؟ قال قلت: يا رب ما علمت إلا خيرا، قال: يا يزيد انه كان يبغض علي بن ابى طالب، قال ابن رزيك: بحب علي ارتقي منكب العلى * واسحب ذيلي فوق هام السحايب إمامى الذي لما تلفظت باسمه * غلبت به من كان بالكثر غالبي قال الحماني: الفاضل الخطب الذي باسمه * يمتحن الايمان والكفر الباقر (ع) في قوله تعالى: (أو كلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم) بموالاة علي ففريقا من آل محمد كذبتم وفريقا تقتلون. الصادق (ع) سئل عن قوله تعالى (قل اني لا املك لكم ضرا ولا رشدا) فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى ولاية علي عليه السلام فكره ذلك قوم، وقالوا فيه فأنزل الله (قل لا املك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله احدا) ان عصيته فيما امرني به الآيات. هلقام عن ابي جعفر في قوله: (فاصبر على ما يقولون) قال: دفعهم ولاية امير المؤمنين (ع). ابن بطة من ستة طرق وابن ماجة والترمذي ومسلم والبخاري واحمد وابن البيع وابو القاسم الاصفهاني وابو بكر بن ابي شيبة عن وكيع وابن معاوية عن الاعمش باسانيدهم عن زر بن حبيش قال علي (ع) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الامي انه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. الحلية وفضائل السمعاني والعكبري وشرح الالكاني وتاريخ بغداد عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا (ع) يقول: عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، وقد رواه كثير النوا وسالم بن ابي حفصة. جامع الترمذي ومسند الموصلي وفضائل احمد عن ام سلمة قال النبي لعلي: لا يحبك منافق ولا يبغضك مؤمن. احمد في مسنده النساء الصحابيات عن ام سلمة وكتاب ابراهيم الثقفي عن انس قال رسول الله: ابشر فانه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ولو لا انت لم يعرف حزب الله. وفي الخبر: يا علي حبك تقوى وايمان وبغضك كفر ونفاق. الصادق عليه السلام (وليعلمن الله الذين آمنوا) يعني بولاية علي (وليعلمن المنافقين) يعني الذين انكروا ولايته. ربيع المذكرين قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي لولاك لما عرف المؤمنون بعدي. البلاذري والترمذي والسمعاني عن ابي هارون العبدي قال أبو سعيد الخذري: كنا


[ 10 ]

لنعرف المنافقين نحن معاشر الانصار ببغضهم علي بن أبي طالب. ابانة العكبري وكتاب ابن عقدة وفضائل أحمد بأسانيدهم ان جابرا والخدري قالا: كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ببغضهم عليا. ابانة العكبري وشرح الالكاني قال جابر وزيد بن أرقم: ما كنا نعرف المنافقين ونحن مع النبي إلا ببغضهم عليا خفى منافق علي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ببغضهم عليا (كذا). قال الحميرى: وجاء عن ابن عبد الله إنا * به كنا نميز مؤمنينا فنعرفهم بحبهم عليا * وان ذوي النفاق ليعرفونا ببغضهم الوصي ألا فبعدا * لهم ماذا عليه ينقمونا ومما قالت الانصار كانت * مقالة عارفين مجربينا ببغضهم على الهادي عرفنا * وحققنا نفاق منافقينا ولغيره أيضا: فرض الله والنبي على الخلق * موالاته نجم ونصا وبه يعرف النفاق من الايمان * فاعرف ما قلت سرا ومحصا الباقر (ع) في قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال: لا تعدلوا عن ولايتنا فتهلكوا في الدنيا والآخرة. أبو بكر مردويه عن أحمد بن محمد بن الصباح النيسابوري عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض علي بن أبي طالب. أنس في خبر طويل كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي (ع) فإذا نظر إليه أومى باصبعه يا بني تحب هذا الرجل ؟ فان قال نعم قبله، وان قال لا خرق به الارض، وقال له: الحق بامك. الهروي في الغريبين قال عبادة بن الصامت: كنا نسير أولادنا بحب علي بن أبى طالب، فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا انه لغير رشده. الطبري في الولاية باسناده له عن الاصبغ بن نباتة قال علي (ع): لا يحبني ثلاثة، ولد زنا، ومنافق، ورجل حملت به امه في بعض حيضها، قال الصاحب: حب علي بن أبي طالب * فرض على الشاهد والغائب وام من نابذه عاهر * تبذل للنازل والراكب وله أيضا: حب علي بن أبي طالب * يميز الحر من النغل


[ 11 ]

يصفر وجه السفلة النذل (1) لا تعذلوه واعذلوا امه * إذا آثرت جارا على البعل وله أيضا: حب الوصي علامة * في من على الاسلام ينشو فإذا رأيت مناصبا * فاعلم بأن أباه كبش وله أيضا: بحب علي تزول الشكوك * وتصفو النفوس ويزكو النجار فمهما رأيت محبا له * فتم العلاء وثم الفخار ومهما رأيت بغيضا له * ففي أصله نسب مستعار فمهد على نصبه عذره * فحيطان دار أبيه قصار ولغيره: بغض الوصي علامة معروفة * كتبت على جبهات أولاد الزنا من لم يوال من الانام وليه * سيان عند الله صلى أم زنا وقال آخر: من كان ذا علم وذا فطنة * وبغض أهل البيت من شانه فانما الذنب على امه * إذ حملت من بعض جيرانه وقال آخر: أحب النبي وآل النبي * لاني ولدت على الفطرة إذا شك في ولد والد * فآيته البغض للعترة وقال آخر: حب النبي محمد ووصيه * ينبئك عن أصلي وطيب المولد من طاب مولده وصح ولاده * صحت ولايته لآل محمد وقال آخر: يا ذا الذي هجر الوصي وآله * أظهرت حقا ان امك فاعله وقفت بضاعتها على جيرانها * والسائلين من الورى والسائله (هامش صفحه 11) (1) الظاهر ان قوله: يصفر وجه السفلة النذل، بدل لقوله: يميز الحر من النعل، حيث خلت بعض النسخ عنه، وفي بعض وضع في السطر مثل الكتاب والكل خال عن مصرعه الاول.


[ 12 ]

وقال آخر: بعلي المرتضى خير الورى * يعرف الفاجر من ولد الحلال أبو الحسين فادشاه * من لم يعاد كل من عاداه لا شك خانت امه أباه روى عبادة بن يعقوب باسناده عن يعلى بن مرة انه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله إذ دخل امير المؤمنين (ع) قال: كذب من زعم انه يتوالاني ويحبني وهو يعادي هذا ويبغضه، والله لا يبغضه ويعاديه إلا كافر أو منافق أو ولد زانية. قال الصاحب: أشهد بالله وآلائه * شهادة خالصة صادقة ان علي بن أبي طالب * زوجة من يبغضه طالقه ثلاثة ليس لها رجعة * طالقة طالقة طالقة وقال ابن المدلل: ولقد روينا في حديث مسند * عما رواه حذيفة بن يمان اني سألت المرتضى لم لم يكن * عقد الولاء يصيب كل جنان فأجابني باجابة طابت لها * نفسي وأطربني لها استحساني الله فضلني وميز شيعتي * من نسل أرجاس البعول زواني ورواية اخرى إذا حشر الورى * يوم المعاد روين عن سلمان للناصبين يقال يابن فلانة * ويقال للشيعي يابن فلان كتموا أبا هذا الخبيث ولادة * ولطيب ذا يدعى بلا كتمان (فصل: في اذاه عليه السلام) الواحدي في اسباب النزول ومقاتل بن سليمان وابو القاسم القشيري في تفسيرهما انه نزول قوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) الآية في علي بن أبى طالب وذلك ان نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه ويكذبونه عليه، وفي رواية مقاتل (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) يعني عليا وفاطمة (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) قال ابن عباس: وذلك ان الله تعالى ارسل عليهم الجرب في جهنم فلا يزالون يحكون حتى تقطع اظفارهم، ثم يحكون حتى تنسلخ جلودهم، ثم يحكون حتى تظهر عظامهم ويقولون: ما هذا العذاب الذي نزل بنا ؟ فيقولون لهم: معاشر الاشقياء هذه عقوبة لكم ببغضكم اهل بيت محمد. تفسير الضحاك ومقاتل قال ابن عباس في قوله تعالى: (ان الذين يؤذون الله ورسوله) وذلك حين قال المنافقون: ان محمدأ ما يريد


[ 13 ]

منا إلا أن نعبد اهل بيت رسول الله بألسنتهم فقال: (لعنهم الله في الدنيا والآخرة) بالنار (وأعد لهم عذابا مهينا) في جهنم. وفي تفاسير كثيرة انه نزل في حقه: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا) يعني يهلكهم، ثم قال: (ملعونين أينما ثقفوا) يعني بعدك يا محمد اخذوا وقتلوا تقتيلا فو الله لقد قتلهم امير المؤمنين، ثم قال: (سنة الله في الذين خلوا من قبل) الآية. محمد بن هارون رفعه إليهم عليهم السلام: لا تؤذوا رسول الله في علي والائمة كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا. كتاب ابن مردويه بالاسناد عن محمد بن عبد الله الانصاري وجابر الانصاري، وفي الفضائل عن ابي النضر بالاسناد عن محمد بن عبد الله عن جابر الانصاري، وفي الخصائص عن النطنزي باسناده عن جابر كلهم عن عمر بن الخطاب قال: اعوذ بالله ممن آذى رسوله، قال: كنت اجفو عليا فلقيني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: انك آذيتني يا عمر، فقلت: اعوذ بالله ممن آذى رسوله، قال: انك قد آذيت عليا ومن آذى عليا فقد آذاني. العكبري في الابانة، مصعب بن سعد عن ابيه سعد بن ابي وقاص قال: كنت انا ورجلان في المسجد فنلنا من علي، فأقبل النبي مغضبا فقال: مالكم ولي من آذى عليا فقد آذاني. الحاكم الحافظ في اماليه وابو سعيد الواعظ في شرف المصطفى وابو عبد الله النطنزي في الخصائص بأسانيدهم انه حدث زيد بن علي وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن ابي طالب وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله وهو آخذ بشعره، فقال: من آذى أبا حسن فقد آذاني حقا، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله. وفي رواية: من آذى الله لعنه الله ملء السماوات وملء الارض. قال الصوري: سيسئل من آذى النبي وآله * بما ذا خلفتم لا خلفتم محمدا بماذا ينال الفاسقون شفاعة * لاحمد لما حاربوا آل احمدا اترجون عند الله لا بل تبوؤا * من النار إذ خالفتم الله مقعدا ستجمعكم والطيبين مواقف * وتلقون ما قدمتموه مؤكدا وقال آخر: ولمن يقول سوى علي كل من * آذى ابا حسن فقد آذاني حقا ومن آذى النبي فانه * مؤذ بخالقي الذي انشاني حقا ومن آذى المليك فانه * في النار يرسف أيما رسفان


[ 14 ]

الترمذي في الجامع وابو نعيم في الحلية والبخاري في الصحيح والموصلي في المسند واحمد في الفضائل والخطيب في الاربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريدة انه رغب علي (ع) من الغنائم في جارية فزايده حاطب بن ابي بلتعه وبريدة الاسلمي فلما بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها اخذها بذلك فلما رجعوا وقف بريدة قدام الرسول صلى الله عليه وآله وشكا من علي فأعرض عنه النبي، ثم جاء عن يمينه وعن شماله ومن خلفه يشكو فأعرض عنه، ثم قام بين يديه فقالها، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وتغير لونه وتربد وجهه وانتفخت اوداجه، فقال: مالك يا بريدة ما آذيت رسول الله منذ اليوم، اما سمعت ان الله يقول: (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) اما علمت ان عليا مني وانا منه وان من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم، يا بريدة أنت أعلم أم الله أعلم ؟ أم قراء اللوح المحفوظ أعلم ؟ أنت أعلم أم ملك الارحام أعلم ؟ أنت أعلم يا بريدة أم حفظة علي بن أبي طالب ؟ قال: بل حفظته، قال: وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة علي انهم ما كتبوا قط عليه خطيئة منذ ولد، ثم حكى عن ملك الارحام وقراء اللوح المحفوظ، وفيها ما تريدون من علي ثلاث مرات، ثم قال: علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي، وفي رواية أحمد دعوا عليا. قال الحميري: فقال له مه يا بريدة لا تقل * فان ابن عمي في علي تتبع فمنى علي يا بريدة لم يزل * واني كذا منه على الحق نتبع وليكم بعدي علي فأيقنوا * وقايعه بعد الوقيعة تسرع بتوبته مستعجلا خاب انه * بسب علي في لظى يتذرع (فصل: في حساده عليه السلام) الباقر (ع) في قوله: (ويوم القيامة ترى الذين كفروا على الله وجوههم مسودة) يعني انكارهم ولاية امير المؤمنين (ع). وعنه في قوله: (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) إذا عاينوا عند الموت ما أعد لهم من العذاب الاليم وهم اصحاب الصحيفة الذين كتبوا على مخالفة علي (وما هم بخارجين من النار) وعنه (ع) في قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة) وأعلمهم بما في قلوبهم وهم اصحاب الصحيفة. الباقر والصادق (ع) في قوله: (فلما رأوه زلفة) نزلت في علي وذلك لما رأوا عليا يوم القيامة اسودت وجوه الذين كفروا لما رأوا منزلته ومكانه من الله أكلوا أكفهم على ما فرطوا في ولاية على، وحدثني أبو الفتوح الرازي في روض الجنان بما ذكره


[ 15 ]

أبو عبد الله المرزباني باسناده عن الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) نزلت في رسول الله وفي علي، وحدثني أبو علي الطبرسي في مجمع البيان المراد بالناس النبي وآله، وقال أبو جعفر (ع) المراد بالفضل فيه النبوة وفى علي الامامة. ابن سيرين عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله: من حسد عليا فقد حسدني، ومن حسدني فقد كفر، وفي خبر: ومن حسدني دخل النار. قال الزاهي: وقالوا علي ان فيه دعابة * ومن عجب ان يملك الصعو للصقر ولم لا يقولوا ذاك في يوم خيبر * ويوم حنين والنضير وفي بدر وسأل أبو زيد النحوي الخليل بن احمد ما بال اصحاب محمد رسول الله كأنهم بنو ام واحدة، وعلي كأنه ابن غلة، قال تقدمهم اسلاما، وبذهم شرفا، وفاقهم علما، ورجحهم حلما، وكثرهم هدى، فحسدوه النا س إلى امثالهم واشكالهم اميل. وفي رواية: هجروا الناس عليا وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه، وعناه في الاسلام عناه، فقال: بهر والله نوره على انوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى اشكالهم اميل، أما سمعت الاول حيث قال: وكل شكل لشكله ألف * أما ترى الفيل بألف الفيلا وقال العباس بن الاحنف: وقائل كيف تهاجرتما * فقلت قولا فيه انصاف لم يك من شكلي فهاجرته * والناس اشكال وآلاف وقيل لمسلمة بن نميل: ما لعلي (ع) رضه العامة وله في كل خير ضرس قاطع ؟ فقال: لان ضوء عيونهم قصر عن نوره، والناس إلى اشكالهم ايمل. لا يعشق الهدهد قمرية * ولا غراب البين خطافا وقال آخر: فلن ترى الشمس ابصار الخفافيش وقال رجل لامير المؤمنين يوم صفين: لم دفعكم قومكم عن هذا الامر وكنتم اعلم الناس بالكتاب والسنة ؟ فقال (ع): كانت إمرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ولنعم الحكم الله، والزعيم محمد (فدع عنك نهبا صيح في حجراته) ثم تكلم في معاوية واصحابه. عن الباقر (ع) في قوله تعالى: (أفمن يعلم إنما انزل اليك من ربك الحق ” علي ” كمن هو اعمى ” اعداؤه ” إنما يتذكر اولوا الالباب ” الائمة


[ 16 ]

الذين غرس في قلوبهم العلم “) من ولد آدم. وعنهما (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: من قبل منكم وصيتي ويؤازرني على امري ويقضي ديني وينجز عداتي من بعدي ويقوم مقامي. وفي كلام له فقال رجلان لسلمان: ماذا يقول آنفا محمد ؟ فقام إليه امير المؤمنين فضمه إلى صدره وقال: انت لها يا علي. فأنزل الله: (ومنهم من يستمع اليك) إلى قوله: (طبع الله على قلوبهم). موسى بن جعفر (ع) في قوله: (إلا انهم يثنون صدورهم) قال: إذا كان نزلت الآية في علي ثنى احدهم صدره لئلا يسمعها ويستخفى من النبي. الباقر (ع) في قوله: (يستغشون ثيابهم) ان رسول صلى الله عليه وآله كان إذا حدث بشئ من فضائل علي (ع) أو تلا عليهم ما انزل فيه نفضوا ثيابهم وقاموا، يقول الله: (يعلم ما يسرون وما يعلنون). جابر عن ابي جعفر (ع) في قوله: (إلا اصحاب اليمين في جناب يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر) قال لعلي – أي النبي -: المجرمون يا علي المكذبون بولايتك. قال الشعبي: ما ندري ما نصنع بعلي بن ابى طالب ان احببناه افتقرنا وإن ابغضناه كفرنا. وقال النظام: علي بن ابي طالب محنة على المتكلم، إن وفى حقه غلا، وإن نجسه حقه اساء، والمنزلة دقيقة الوزن، حادة الشان، صعب الترقي إلا على الحاذق الدين. وقال أبو العيناء لعلي بن الجهم: إنما تبغض عليا لانه كان يقتل الفاعل والمفعول، وانت احدهما فقال له: يا مخنث، فقال أبو العيناء: (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه). قال ابن حماد: ولبغض الوصي علة سوء * عندما وقت يولد المولود وبذا جاءنا ابن عباس في التف‍ * سير في الحق ماله مردود وقال غيره: الحمد لله اني لا ارى احدا * يثني عليه ولم يسترخ مفصله فان تشككت يوما في عقيدته * فلا تناكره وانظر كيف اسفله شيرويه في الفردوس قال ابن عباس قال النبي (ص): إنما رفع الله القطر عن بني اسرائيل بسوء رأيهم في انبيائهم، وان الله يرفع القطر عن هذه ببغضهم علي بن ابي طالب، وفي رواية: فقام رجل فقال: يا رسول الله وهل يبغض عليا احد ؟ قال: نعم القعود على نصرته بغض. استسقى القاضي سوار لاهل البصرة فقال السيد الحميري ابتلعي يا ارض اقدامهم * ثم ارمهم يا مزن بالجلمد لا تسقهم من وابل قطرة * فانهم حرب بني أحمد


[ 17 ]

(فصل: في ظالميه ومقاتليه) الشوهاني باسناده سأل عبد الله بن عطاء المكي الباقر (ع) عن قوله: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) لولاية امير المؤمنين وقال (ع): نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله هكذا (وقال الظالمون) آل محمد حقهم (ما رأوا العذاب) وعلي هو العذاب (هل إلى مرد من سبيل) فيقولون نرد فنتولى عليا قال الله (وتراهم يعرضون عليها) يعني ارواحهم تعض على النار (خاشعين من الذين ينظرون) إلى علي (من طرف خفي فقال الذين آمنوا) بآل محمد (ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم إلى يوم القيمة) إلا ان الظالمين لآل محمد حقهم في عذاب اليم. الحسكاني في شواهد التنزيل باسناده عن ابن المسيب عن ابن عباس انه لما نزلت (واتقوا فتنة لانصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) قال النبي: من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الانبياء قبلي. كتاب أبي عبد الله محمد بن السراج عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر: من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي. عمران بن حصين في خبر انه عاد النبي عليا، فقال عمر: يا رسول الله ما علي إلا لما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا والذي نفسي بيده، يا عمر لا يموت علي حتى يملا غيظا، ويوسع غدرا، ويوجد من بعدي صابرا. تاريخ بغداد وكتاب ابراهيم الثقفي روى عمرو بن الوليد الكرابيسي باسناده عن أبي ادريس عن علي (ع) قال: عهد إلى النبي (ص) ان الامة ستغدر بك. وفي حديث سلمان قال صلى الله عليه وآله لعلي: ان الامه ستغدر بك فاصبر لغدرها. الحارث بن حصين قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي انك لاق بعدي كذا وكذا، فقال: يا رسول الله ان السيف لذو شفرتين وما أنا بالقتل ولا الذليل، قال: فاصبر يا علي، قال علي: أصبر يا رسول الله. قال أشجع بن عمر في ممدوحه (1) وعلى عدوك يابن عم محمد * رصدان ضوء الصبح والاظلام وإذا تنبه رعته وإذا غفا * سلت عليه سيوفك الاحلام واختلفوا في محاربة علي (ع)، فقال الزيدية ومن المعتزلة النظام وبشر بن المعتمر، ومن المرجئة أبو حنيفة وأبو يوسف وبشر المريشي، ومن قال بقولهم: انه (هامش صفحه 17) (1) في اكثر كتب الادب ان قائل هذين البيتين وأبيات اخرى نظيرهما مروان بن ابي حفصة الشاعر المعروف بمناصرته للعباسيين دون أهل البيت، وذكر ان أبياته هذه قالها في المتوكل على الله العباسي.


[ 18 ]

كان مصيبا في حروبه بعد النبي (ص) وان من قاتله (ع) كان على خطأ. وقال أبو بكر الباقلاني وابن ادريس: من نازع عليا في خلافته فهو باغ. وفي تلخيص الشافي انه قالت الامامية: من حارب امير المؤمنين (ع) كان كافرا يدل عليه اجماع الفرقة، وان من حاربه كان منكرا لامامته دافعا لها، ودفع الامامة كفر كما ان دفع النبوة كفر لان الجهل بهما على حد واحد، وقوله (ع): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر، وقوله صلى الله عليه وآله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ولا تحب عداوة اخذ بالاطلاق دون الفساق، ومن حاربه كان يستحل دمه ويتقرب إلى الله بذلك، واستحلال دم المؤمن كفر بالاجماع وهو اعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتفاق، فكيف استحلال دم الامام. وروى عنه صلى الله عليه وآله المخالف والمؤالف: يا علي حربك حربي وسلمك سلمي. ومعلوم انه (ص) إنما اراد ان احكام حربك تماثل احكام حربي ولم يرد ان أحد الحربين هو الآخر لان المعلوم خلا ف ذلك، وإذا كان حرب النبي كفرا وجب مثل ذلك حربه. يا أخي يا علي سلم‍ ك سلمي * في جميع الورى رحربك حربي أبو موسى في جامعه والسمعاني في كتابه وابن ماجة في سننه وأحمد في المسند والفضائل وابن بطة في الابانة وشيرويه في الفردوس والسدي في التفسير والقاضي المحاملي كلهم عن زيد بن أرقم. وروى الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة وأبو الجحاف عن مسلم بن صبيح كلهم عن النبي صلى الله عليه وآله انه نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. تاريخ الطبري وأربعين ابن المؤذن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. ابن مسعود قال صلى الله عليه وآله: عاديت من عاداك وسالمت من سالمك. الخركوشي في اللوامع وقال النبي: من قاتلني في الاولى، وقاتل أهل بيتي في الثانية، فاولئك شيعة الدجال. أبو يعلى الموصلي والخطيب التأريخي وأبو بكر مردويه بطرق كثيرة عن علي (ع): امرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وكثر أصحاب الحديث على شريك وطالبوه بأنه يحدثهم بقول النبي: تقتلك الفئة الباغية، فغضب وقال: أتدرون أن لا فخر لعلي أن يقتل معه عمار، إنما الفخر لعمار أن يقتل مع علي (ع). وروى ابن مردويه بخمسة عشر طريقا ان أمير المؤمنين قال في حرب صفين: والله ما وجدت من القتال بدا أو الكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وآله. وروينا عن أبي جعفر (ع) انه ذكر الذين


[ 19 ]

حاربهم علي (ع) فقال: أما انهم أعظم جرما ممن حارب رسول الله صلى الله عليه وآله، قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: اولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرأوا القرآن، وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة. عبدوس بن عبد الله الهمداني وأبو بكر بن فورك الاصفهانى وشيرويه الديلمي والموفق الخوارزمي وأبو بكر مردويه في كتبهم عن الخدري في خبر قال فقال (ع): يا رسول الله على ما اقاتل القوم ؟ قال على الاحداث في الدين، وفي رواية انه قال: فأين الحق يومئذ ؟ قال: يا علي الحق معك وأنت معه، قال: لا ابالي ما أصابني. شيرويه في الفردوس عن وهب بن صيفي، وروى غيره عن زيد بن أرقم قالا: قال النبي صلى الله عليه وآله: أنا اقاتل على التنزيل، وعلي يقاتل على التأويل. علي على التأويل لا شك قاتل * كقتلي على تنزيله كل مجرم ومما يمكن أن يستدل به من القرآن قوله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله) والباغي من خرج على الامام فافترض قتال أهل البغي كما افترض قتال المشركين. واما اسم الايمان عليهم كقوله (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله) أي الذين أظهروا الايمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم، وقيل لزين العابدين (ع): ان جدك كان يقول اخواننا بغوا علينا فقال أما تقرأ كتاب الله (والى عاد أخاهم هودا) فهم مثلهم أنجاه الله والذين معه وأهلك عادا بالريح العظيم وقد ثبت انه نزل فيه: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) الآية. وفي حديث الاصبغ بن نباتة قال رجل لامير المؤمنين (ع): هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة والرسول واحد والصلاة واحدة والحج واحد فبم نسميهم ؟ قال: سمهم بما سماهم الله في كتابه: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر) فلما وقع الاختلاف كنا أولى بالله وبالنبي وبالكتاب وبالحق. الباقرين عليهما السلام في قوله (فما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) يا محمد من مكة إلى المدينة فانا رادوك منها ومنتقمون منهم بعلي، أورده النطنزي في الخصائص والصفواني في الاحن والمحن عن السدى والكلبي وعطاء وابن عباس والاعمش وجابر بن عبد الله الانصاري انها نزلت في علي (ع). ابن جريح عن مجاهد عن ابن عباس وعن سلمة بن كهيل


[ 20 ]

عن عبد خير وعن جابر بن عبد الله الانصاري بل رووا ذلك على انفاق واجتماع ان النبي صلى الله عليه وآله خطب في حجة الوداع فقال: لاقتلن العمالقة في كتيبة، فقال له جبرئيل أو علي بن أبي طالب (ع)، وفي رواية جابر وابن عباس: ألا لالفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، أما والله لئن فعلتم ذلك لتعرفنني في كتيبة فأضرب وجوهكم فيها بالسيف، فكأنه غمز من خلفه، فالتفت ثم أقبل علينا فقال: أو علي فنزل (فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) لعلي بن أبي طالب، ثم نزل (قل رب ما تربني ما يوعدون) إلى قوله (هي أحسن) ثم نزل (فاستمسك بالذي أوحى اليك) من أمر علي بن أبي طالب (انك لعلى صراط مستقيم) وان عليا لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون عن محبة علي. أبو حرب بن أبي الاسود الدؤلي عن عمر ابن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لما نزلت هذه الآية (فاما نذهبن بك فانما منهم منتقمون) قال: أو بعلي بن ابى طالب، ثم قال: بذلك حدثني جبرئيل. قال الحميري: كان من قوله ألا لا تعودوا * بعد موتي في ردة وعنود تلحقوا الحرب بينكم فتصيروا * في فريقين قائد ومقود ولئن أنتم فتنتم وحلتم * في عمى حايل وفي ترديد لتروني وفي يدي السيف صلتا * أو عليا في فليق كالاسود تحته بغلتي ودرعي عليه * وحسامي في كفه وعمودي فوقه رايتي تطير بها الريح * عليكم في يوم نحس مبيد وليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة الا التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، وكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم باعادتها وكان (ع) لا يتبع موليهم ولا يجهز على جريحهم ولم يسب ذراريهم، وكان لا يمنع من مناكحتهم وموارثتهم. أبو علي الجبائي في كتاب الحكمين الذي روى انه (ع) سبا قوما من الخوارج انهم كانوا قد ارتدوا وتنصروا، وكان عليان المجنون مقيما بالكوفة وكان قد الف دكان طحان فإذا اجتمع الصبيان عليه وآذوه يقول: قد حمي الوطيس، وطاب اللقاء وأنا على بصيرة من أمري، ثم يثب ويحمحم وينشد: أريني سلاحي لا أبا لك انني * أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا ثم يتناول قصبته ليركبها فإذا تناولها يقول: أشد على الكتيبة لا ابالي * أحتفي كان فيها أو سواها قال فينهزم الصبيان بين يديه فإذا لحق بعضهم يرمى الصبي بنفسه إلى الارض فيقف


[ 21 ]

عليه ويقول: عورة مسلم وحمى مؤمن ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين، ثم يقول: لاسيرن فيكم سيرة أمير المؤمنين لا اتبع موليا، ولا أجهر على جريج ثم يعود إلى مكانه ويقول: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه * خشاش كراش الحية المتوقد (في سبب بغضهم له سلام الله عليه) قال ابن عمر لعلي (ع): كيف تحبك قريش وقد قتلت في يوم بدر واحد من ساداتهم سبعين سيدا تشرب انوفهم الماء قبل شفاهم. وقال أمير المؤمنين (ع): ما تركت بدر لنا مذيقا * ولا لنا من خلقنا طريقا وسئل زين العابدين (ع) وابن عباس أيضا: لم أبغضت قريش عليا ؟ قال: لانه أورد أو لهم النار، وقلد آخرهم العار. معرفة الرجال عن الكشي انه كانت عداوة أحمد بن حنبل لامير المؤمنين (ع) ان جده ذا الثدية قتله أمير المؤمنين يوم النهروان. كامل المبرد انه كان أصمغ بن مظهر جد الاصمعي قطع علي (ع) يده في السرقة، فكان الاصمعي يبغضه، قيل له من أشعر الناس ؟ قال من قال: كأن أكفهم والهام تهوى * عن الاعناق تلعب بالكرينا فقالوا: السيد الحميري، فقال: هو والله أبغضهم إلي. (في سبهم إياه صلوات الله عليه) تفسير القشيري نزل قوله تعالى: (قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون) أي تهذون من الهذيان في ملا من قريش سبوا علي بن أبي طالب وسبوا النبي وقالوا في المسلمين هجرا. الحلية كعب بن عجزة عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تسبوا عليا فانه ممسوس في ذات الله. مسند الموصلي قالت ام سلمة: أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله وأنتم أحياء ! قلت: وأنى ذلك ؟ قالت: أليس يسب عليا ومن يحب عليا وقد كان رسول الله يحبه. الطبري في الولاية والعكبري في الابانة، انه مر ابن عباس بنفر يسبون عليا فقال: أيكم الساب لله ؟ فأنكروا، قال: فأيكم الساب لرسول الله ؟ فأنكروا، قال: فايكم الساب عليا ؟ قالوا: فهذا نعم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد كفر، ثم التفت إلى ابنه فقال قل فيهم فقال: نظروا إليه بأعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر حزر الحواجب خاضعى أعناقهم * نظر الذليل إلى العزيز القاهر


[ 22 ]

فقال ابن عباس: سبوا الاله وكذبوا بمحمد * والمرتضى ذاك الوصي الطاهر أحياؤهم خزي على أمواتهم * والميتون فضيحة للغابر قال العبدي: وقد روى عكرمة في خبر * ما شك فيه أحد ولا امترى مر ابن عباس على قوم وقد * سبوا عليا فاستراع وبكى وقال مغتاظا لهم أيكم * سب إله الخلق جل وعلا قالوا معاذ الله قال أيكم * سب رسول الله ظلما واجترى قالوا معاذ الله قال أيكم * سب عليا خير من وطى الحصى قالوا نعم قد كان ذا فقال قد * سمعت والله النبي المجتبى يقول من سب عليا سبني * وسبني سب الاله واكتفى وقال الحميري: قد قال أحمد ان شتم وصيه * أو شتمه أبدا هما سيان وكذاك قد شتم الاله لشتمه * والذل يغشاهم بكل مكان وقال أبو الفضل: لعنوا أمير المؤمنين * بمثل اعلان القيامة يا لعنة صارت على * اعناقهم طوق الحمامه وقال الحكاك: يدينون بالسب الصراح لحيدر * ألا لعن الرحمن من دينه السب والاصل في سبه ما صح عند اهل العلم ان معاوية أمر بلعنه على المناير، فتكلم فيه ابن عباس فقال هيهات هذا أمر دين ليس إلى تركه سبيل، اليس الغاش لرسول الله الشتام لابي بكر، المعير عمر، الخاذل عثمان، قال أتسبه على المنابر وهو بناها بسيفه، قال لا ادع ذلك حتى يموت فيه الكبير ويشب عليه الصغير. وقال الموصلي: أعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه قامت لكم أعوادها فبقى ذلك إلى ان ولي عمر بن عبد العزيز فجعل بدل اللعنة في الخطبة قوله: (ان الله تعالى يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى) الآية. فقال عمرو بن شعيب: ويل للامة، رفعت الجمعة، وتركت اللعنة، وذهبت السنة، وقال كثيرة عزه: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف * بريا ولم تتبع سجية مجرم


[ 23 ]

وقلت فصدقت الذي قلت بالذي * فعلت فأضحى راضيا كل مسلم تكلمت بالحق المبين وإنما * تبين آيات الهدى بالتكلم وعاقبت فيها قد تقدمت قبله * وأعرضت عما كان قبل التقدم وكان قد قال قبله: لعن الله من يسب عليا * وبنيه من سوقه وإمام أو ليس المطيبون جدودا * والكرام الاخوال والاعمام الاغاني: لما قام السفاح قال له أحمد ن يوسف: لو أمرت بلعنة معاوية على المنبر كما سن اللعن على علي (ع)، فأبى وتمثيل بقول لبيد: فلما دعاني عامر لاسبهم * أبيت وان كان ابن علياء ظالما وقال السيد الرضي: يابن عبد العزيز لو بكت العين * فتى من امية لبكيتك غير انى أقول انك قد طبت * وإن لم تطب ولم يزك بيتك أنت نزهتنا عن السب والقذف * فلو أمكن الجزا لجزيتك (فصل: في درجاته عليه السلام عند قيام الساعة) زريق عن الصادق (ع) في قوله: (لهم البشرى في الحيوة الدنيا) قال: هو أن يبشراه بالجنة عند الموت، يعني محمدا وعليا (ع). الفضل بن يسار عن الباقرين (ع) قالا: حرام على روح ان تفارق جسدها حتى ترى محمدا وعليا وحسنا وحسينا بحيث تقر عينها. الحافظ أبو نعيم بالاسناد عن هد الجملي عن أمير المؤمنين (ع)، وروى الشعبي وجماعة من أصحابنا عن الحارث الاعور عنه (ع) لا يموت عند يحبني إلا رآني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني إلا رآني حيث يكره. سئل الصادق (ع) عن الميت أتدمع عينه عند الموت ؟ فقال (ع): ذاك معاينة رسول الله صلى الله عليه وآله فيرى ما يسره ولما احتضر السيد الحميري وبدت في وجهه نكتة سوداء فجعلت تنمى حتى طبقت وجهه فاغتم لذلك من حضره من الشيعة وظهرت من الناصبة شماتة، ثم بدت في ذلك المكان لمعة بيضاء حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر ضاحكا وأنشأ يقول: كذب الزاعمون ان عليا * لم ينج محبه من هنات كذبوا قد دخلت جنة عدن * وعفاني الاله عن سيئاتي فابشروا اليوم أولياء علي * وتوالوا الوصي حتى الممات ثم من بعده توالوا بنيه * واحدا بعد واحد بالصفات


[ 24 ]

ثم قال: أحب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشرى لدى الوت يضحك ومن كان يهوى غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا، وأشهد ان محمدا رسول الله صدقا صدقا وأشهد أن عليا ولي الله رفقا رفقا، ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفيت، أو حصاة سقطت. وللخالديين: يا حب آل محمد لك رحمة * من ربهم نزلت وعدن منزل وقال غيرهما: أعددت للحد وأطباق الثرى * حبي للستة أصحاب العبا قال المرتضى: ان الانبياء والاوصياء أجسام فكيف يشاهدون كل محتضر والجسم لا يكون في الحالة الواحدة في جهات مختلفة، فمعناها انه يعلم في تلك الحال ثمرة ولا يتهم وانحرافه عنهم لان المحب لهم يرى في تلك الحال ما يدله على انه من أهل الجنة. كتاب الشيرازي وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة في قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) يعني بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله في الحياة الدنيا، ثم قال: (وفي الآخرة) قال: هذا في القبر يدخلان عليه ملكان فظان غليظان يحفران القبر بأنيابهما وأصواتهما كالرعد العاصف وأعينهما كالبرق الخاطف ومع كل واحد منهما مرزبة فيها ثلثمائة وستون عقدة في كل عقدة ثلثمائة وستون حلقة وزن كل حلقة كوزن حديد الدنيا لو اجتمع عليها أهل السماء والارض أن يقلوها ما أقلوها، هي في أيديهم أخف من جناحة بعوض فيدخلان القبر على الميت ويجلسانه في قبره ويسألانه من ربك ؟ فيقول المؤمن: الله ربي، ثم يقولان: فمن نبيك ؟ فيقول المؤمن: محمد نبيي فيقولان: ما قبلتك ؟ فيقول المؤمن: الكعبة قبلتي، فيقولان له: من إمامك ؟ فيقول المؤمن: علي بن أبي طالب، فيقولان له: صدقت، ثم قال: (ويضل الله الظالمين) يعني عن ولاية علي في القبر، والله ليسئلن عن ولايته على الصراط، والله ليسئلن عن ولايته يوم الحساب، ثم قال سفيان بن عيينة ومن روى عن ابن عباس: ان المؤمن يقول: القرآن إمامي، فقد أصاب أيضا، وذلك ان الله تعالى بين إمامة علي (ع) في القرآن. قال الخليل بن أحمد: الله ربي والنبي محمد * حييا الرسالة بين الاسباب ثم الوصي وصي أحمد بعده * كهف العلوم بحكمة وصواب


[ 25 ]

فاق النظير ولا نظير لقدره * وعلا عن الخلان والاصحاب بمناقب ومآثر ما مثلها * في العالمين لعابد تواب وبنوه أولاد النبي المرتضى * أكرم بهم من شيخة وشباب ولفاطم صلى عليهم ربنا * لقديم أحمد ذى النهى الاواب عبد الرزاق عن معمر بن قتادة عن أنس قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون) قال لي: يا أنس أنا أول من تنشق الارض عنه عند يوم القيامة وأخرج ويكسوني جبرئيل سبع حلل من حلل الجنة طول كل حلة ما بين المشرق إلى المغرب ويضع على رأسي تاج الكرامة ورداء الجمال ويجلسني على البراق ويعطيني لواء الحمد طوله مسيرة مائة عام فيه ثلثمائة وستون حلة من الحرير الابيض مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب ولي الله، فاخذه بيدي وأنظر يمنة ويسرة فلا أرى أحدا فأبكي وأقول: يا جبرئيل ما فعل أهل بيتي وأصحابي ؟ فيقول: يا محمد ان الله تعالى أول من أحيى اليوم من أهل الارض أنت فانظر كيف يحيي الله بعدك أهل بيتك وأصحابك، فأول من يقوم من قبره أمير المؤمنين ويكسوه جبرئيل حللا من الجنة ويضع على رأسه تاج الوقار ورداء الكرامة ويجلسه على ناقتي العضباء وأعطيه لواء الحمد فيحمله بين يدى ونأتي جميعا ونقوم تحت العرش، ومنه الحديث: أنت أول من تنشق الارض بعدي. أبو بكر ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن الاعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) قال: لعلي بن أبي طالب. أمالي ابن خشيش التميمي وتاريخ الخطيب وابانة العكبري بأسانيدهم عن عليم الكندي عن سليمان، وفي فردوس شيرويه عن ابن عباس، وفي رواية جماعة عن اسماعيل بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق وعن سلمان واللفظ له قال: أول هذه الامة ورودا على نبيها يوم القيامة أو لهم اسلاما علي بن أبي طالب سمعت ذلك من نبيكم. تاريخ بغداد بالاسناد عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيد علي يقول: هذا أول من يصافحني يوم القيامة. قال السيد الحميري: وانك خير أهل الارض طرا * وأفضلهم معا حسبا ودينا وأول من يصافحني بكف * إذا برز الخلائق ناشرينا وروي ان النبي صلى الله عليه وآله يأتي يوم القيامة متكئا على علي (ع). حلية الاولياء سلمان بن عبد الله التتري باسناده عن الخدري قال النبي (ص): اعطيت في على خمسا


[ 26 ]

اما احداها فيواري عورتى، والثانية يقضي ديني، واما الثالثة فانه متكاي في طول القيامة، والرابعة فانه عوني على حوضي، والخامسة فانى لا أخاف عليه ان يرجع كافرا بعد ايمان، ولا زانيا بعد احصان. قال العونى: ألا يا أمير المؤمنين ومن رقى * إلى كل باب في السماوات سلما صرفت الهوى صرفا اليك وانني * أحبك حبا ما حييت مسلما وانى لارجو منك نظرة راحم * إذا كان يوم الحشر يوما عرمرما الست توالي من تولاك مخلصا * ومن قبل عادى علج تيم واد لما (فصل: في ملابسه ولوائه عليه السلام في الآخرة) قوله تعالى: (عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق). الطبري التاريخي باسناده عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: أول من يكسى يوم القيامة ابراهيم بخلته وانا بصفوتى وعلي بن أبى طالب يزف بيني وبين ابراهيم زفا إلى الجنة. سعيد بن جبير عن ابن عباس أول من يكسى يوم القيامة ابراهيم بخلته من الله ثم محمد لانه صفوة الله ثم علي يزف بينهما إلى الجنة. ثم قرأ ابن عباس: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) قال: علي وأصحابه. شرف المصطفى عن الخركوشي زاذان عن علي بن أبي طالب (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى ان ابراهيم خليل الله يدعى يوم القيامة فيقام عن يمين العرش فيكسى ثم ادعى فاكسي ثم تدعى فتكسى، ومنه الحديث: انه أول من يكسى معي. قال الحميري: يدعو النبي فيكسوه ويكرمه * رب العباد إذا ما أحضر الامما ثم الوصي فيكسى مثل حلته * خضر أيرغم منها أنف من رغما وله أيضا: علي غدا يدعى ويكسوه ربه * ويدنوه منه في رفيع مكرم فان كنت منه حيث يكسوه راغما * وتبدي الرضى كرها من الآن فارغم وقال الوراق القمي: علي غدا يكسوه ذو العرش حلة * إذا كسي المختار من غير جرثم وقال أعرابي: ان رسول الله يعطي لوا * ء الحمد عليا حين يلقاه يدعى فيعطى كسوة المصطفى * وعن يمين العرش مثواه مقاتل والضحاك وعطاء وابن عباس في قوله تعالى: (ومنهم ” أي من المنافقين “


[ 27 ]

من يستمع اليك) وأنت تخطب على منبرك تقول ان حامل لواء الحمد يوم القيامة علي ابن أبى طالب حتى إذا خرجوا من عندك تفرقوا عنك وقالوا ماذا قال آنفا على المنبر استهزاءا بذلك كأنهم لم يسمعوا، ثم قال: (اولئك الذين طبع الله على قلوبهم). أبو الفتح الحفار بالاسناد عن جابر وابن عباس انه سئل النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) قال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض ونادى مناد ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى الله عليه وآله، فيقوم علي فيعطى لواء من النور الابيض بيده تحته جميع السابقين الاولين من المهاجرين والانصار لا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور رب العزة، الخبر. المنتهى في الكمال عن ابن طباطبا قال النبي (ص): آدم ومن دونه تحت لواي يوم القيامة، فإذا حكم الله بين العباد أخذ أمير المؤمنين اللواء وهو على ناقة من نوق الجنة ينادي لا إله إلا الله محمد رسول الله والخلق تحت اللواء إلى أن يدخلوا الجنة. اعتقاد أهل السنه جابر بن سمرة قال: يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة ؟ قال: ومن عسى يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب. الاربعين عن الخطيب والفضائل عن أحمد في خبر قال النبي صلى الله عليه وآله: آدم وجميع خلق الله يستظلون بظل لواي يوم القيامة طوله الف سنة سنانه ياقوتة حمراء قضيبة فضة بيضاء زجه درة خضراء له ثلاث ذوائب من در، ذؤابة في المشرق وذؤابة في المغرب والثالثة وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر: الاول (بسم الله الرحمن الرحيم) والثانى (الحمد لله رب العالمين) والثالث (لا إله إلا الله محمد رسول الله) طول كل سطر مسيرة الف سنة وعرضه مسيرة الف سنة وتسير بلواي – يعني عليا – والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك ثم تقف بيني وبين ابراهيم في ظل العرش ثم تكسى حلة خضراء من الجنة ثم ينادي مناد من تحت العرش: نعم الاب أبوك ابراهيم ونعم الاخ أخوك علي. وأخبرني أبو الرضى الحسيني الراوندي باسناده عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقة، الشقة منه اوسع من الشمس والقمر وأنا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فاخذه وأدفعه إلى علي بن ابى طالب، فوثب عمر فقال: يا رسول الله وكيف يطيق على حمل اللواء ؟ فقال صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يعطى الله تعالى عليا من القوة مثل قوة جبرئيل ومن النور مثل نور آدم، ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الجمال مثل جمال يوسف الخير. ونبأني أبو العلاء الهمداني بالاسناد عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله


[ 28 ]

يقول: اول من يدخل الجنة بين يدي النبيين والصديقين علي بن ابي طالب فقام إليه أبو دجانة فقال له: ألم تخبرنا ان الجنة محرمة على الانبياء حتى ندخلها انت، وعلى الامم حتى تدخلها امتك، قال: بلى ولكن أما علمت ان حامل لواء الحمد امامهم وعلي بن ابي طالب حامل لواء الحمد يوم القيامة بين يدي يدخل به الجنة وانا على اثره، الخبر. أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يقبل علي بن ابي طالب يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد فيقول اهل الموقف هذا ملك م قرب أو نبي مرسل فينادي مناد هذا الصديق الاكبر علي بن ابي طالب، وجاء فيما نزل من القرآن في اعداء آل محمد عن ابي عبد الله: إذا رأى أبو فلان وفلان منزل علي (ع) يوم القيامة إذا دفع الله لواء الحمد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تحته كل ملك مقرب وكل نبي مرسل حتى يدفعه إلى علي (سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون) أي باسمه تسمون امير المؤمنين. قال الوراق القمي: علي لواء الحمد يعطي بكفه * يقول له الهادي النبي ألا اقدم وقال الناشئ: فما لابن ابي طالب المفضال من ند * هو الحامل في الحشر بكفيه لوا الحمد قسيم النار والجنة بين الند والضد وقال ابن الحجاج: أتا مولى لمن لواء الحمد * على عاتقه يوم النشور وقال العوني: وقد رويتم لواء الحمد في يده * والحق تحت لواء الحمد موقفه وله أيضا: يأتي غدا ولواء الحمد في يده * والناس قد سفروا من أرجه قطب حتى إذا اصطكت الاقدم زائلة * عن الصراط فويق النار مضطرب (فصل: في مراكبه ومراقيه عليه السلام في الآخرة) قوله تعالى: (وحلوا أساور من فضة) قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على نجيب من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره وكاد يخطف ابصار أهل الموقف فيأتى النداء من عند الله: أين خليفة محمد رسول الله، فتقول: ها انا ذا فينادي المنادي ادخل من احبك الجنة ومن عاداك النار وانت قسيم الجنة وانت قسيم النار. وفي خبر عن جعفر الصادق (ع) فيأتى النداء من قبل الله: يا معشر الخلائق هذا علي بن ابى طالب خليفة الله في ارضه وحجته على عباده فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق


[ 29 ]

بحبله هذا اليوم يستضيئ بنوره وليتبعه في الدرجات العلى من الجنان، الخبر. قال العونى وعلي عليه تاج من النور * زها في كليله المستدبر قد زهت من انواره عرصة الحشر * فيا حسن ذاك من منظور ولتاج الوصي سبعون ركنا * كل ركن كالكوكب المستنير الفلكي المفسر قال علي (ع) في قوله تعالى: (اخوانا على سرر متقابلين) فينا والله نزلت أهل بدر، ونزلت فيه قوله: (متكئين على الارائك). الطبري والخركوشي في كتابيهما بالاسناد عن سلمان قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوتة حمراء على يمين العرش وضرب لابراهيم قبة خضراء على يسار العرض وضربت فيما بينهما لعلي بن ابي طالب قبة من لؤلؤة بيضاء فما ظنكم بحبيب من خليلين. أبو الحسن الدار قطني وابو نعيم الاصفهاني في الصحيح والحلية بالاسناد عن سفيان بن عيينة عن انس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر طوله ثلاثون ميلا ثم ينادي مناد من بطنان العر ش: اين محمد فأجيب، فيقال لي ارق فأكون في اعلاه ثم ينادي الثانية اين علي بن ابى طالب فيكون دوني بمرقاة فيعلم جميع الخلائق بأن محمدا سيد المرسلين وان عليا سيد الوصيين، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله فمن يبغض عليا بعد هذا ؟ فقال: يا اخا الانصار لا يبغضه من قريش إلا سفحي ولا من الانصار إلا يهودي ولا من العرب إلا دعي ولا من سأر الناس إلا شقي، وفي رواية ابن مسعود ومن النساء إلا سلقلقية، قوله تعالى: (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا). عبد الله بن حكيم بن جبير عن علي (ع) انه قال للنبي صلى الله عليه وآله: هل نقدر على رؤيتك في الجنة كما اردنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان لكل نبي رفيقا وهو اول من يؤمن به من امته فنزلت هذه الآية. عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر قيل: يا رسول الله فكم بينك وبين علي في الفردوس الاعلى ؟ قال: فتر أو اقل من فتر انا على سرير من نور عرش ربنا، وعلي على كرسي من نور كرسي ربنا لا يدرى أينا اقرب من ربه عزوجل. السدي عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: (فاما ان كان من المقربين) نزلت في علي واصحابه. قال في المحبره: أمن له قال النبي فانني * واخي بدار الخلد مجتمعان نرعى ونرتع في مكان واحدا * فوق العباد كأننا شمسان وروى الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وروى الخطيب في تاريخه بالاسناد


[ 30 ]

عن ابن ابي لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن ابن عباس، وروى الرضا عن آبائه (ع) واللفظ له كلهم عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن اربعة انا على دابة الله البراق، واخي صالح على ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة على ناقتي العضباء، واخي علي بن ابى طالب على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد واقف بين يدي العرش ينادي لا إله إلا الله محمد رسول، قال فيقول الآدميون: ما هذا إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش رب العالمين، قال: فيجيبهم ملك من تحت بطنان العرش ما هذا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش هذا الصديق الاكبر هذا علي بن ابى طالب وقد رواه الخطيب في تاريخه باسناده عن ابى هريرة، وابو جعفر الطوسي في اماليه باسناده إلى هارون الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي عن عبد الله بن عباس إلا انهما لم يذاكرا حمزة وقالا في موضعه فاطمة (ع). قال العونى: انا منهم على البراق معد * وابنتي فاطم تباري مسيري تحتها يوم ذاك ناقتي العض‍ * باء تطوي الفجاج طي المغير وأخي صالح على ناقة الله * امامى في العالم المحشور وعلي على ذلول من الجن‍ * ة ما خطب نعتها باليسير قوله تعالى: (ان الابرار يشربون من كاس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) وقوله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة) إلى قوله: (سلسبيلا). النبي في خبر ان عليا اول من يشرب السلسبيل والزنجبيل وان لعلي وشيعته من الله مكانا يغبطه الاولون والآخرون. جابر الجعفي عن الباقر (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ان على يمين العرش لمنابر من نور وموائد من نور فإذا كان يوم القيامة جئت وشيعتك يجلسون على تلك المنابر يأكلون ويشربون والناس في الموقف يحاسبون. قال العوني: وأستغفر الله الكريم فطالما * تماديت في بحر الضلالة والريب ولو لا اعتصامي بالولاية موقنا * بأن موالي الطهر في الحشر لم يخب وان الولا للعبد لا شك منقذ * ومنج له في الحشر من قبح ما احتقب ويبدل احسانا ويمحو اساءة * ويغفر حقا ما اجتناه وما اكتسب تفسير ابى صالح قال ابن عباس في قوله تعالى: (ان الابرار لفي نعيم على الارائك ينظرون) إلى قوله: (مقربون) نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفضلهم فيها باهر. الزجاج ومقاتل والكلبي والضحاك والسدي والقشيري


[ 31 ]

والثعلبي ان عليا (ع) جاء في نفر من المسلمين نحو سلمان وابى ذر والمقداد وبلال وخباب وصهيب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسخر بهم أبو جهل والمنافقون وضحكوا وتغمزوا ثم قالوا لاصحابهم: رأينا اليوم الاصلع فضحكنا منه، فأنزل الله تعالى: (ان الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) السورة، فاليوم (الذين آمنوا) يعني عليا وأصحابه (من الكفار يضحكون) يعني أبا جهل وأصحابه إذا رأوهم في النار وهم على الارائك ينظرون. كتاب ابى عبد الله المرزبانى قال ابن عباس فالذين آمنوا علي بن ابى طالب والذين كفروا منافقوا قريش. الاصبغ بن نباتة وزيد بن علي انه سئل امير المؤمنين (ع) عن قوله: (وعلى الاعراف رجال) وسئل الصادق (ع) واللفظ له فقال: نحن اولئك الرجال على الصراط ما بين الجنة والنار فمن عرفنا وعرفناه دخل الجنة ومن لم يعرفنا ولم نعرفه ادخل النار. ابانة العكبري وكشف الثعلبي وتفسير الفلكي بالاسناد عن ابى اسحاق عاصم بن سليمان المفسر عن جوير ابن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال: الاعراف موضع عال من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي بن ابى طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال لعلي (ع). انت يا علي والاوصياء من ولدك أعراف الله بين الجنة والنار لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه ولا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه، وسأل سفيان بن مصعب العبدي الصادق (ع) عنها فقال: هم الاوصياء من آل محمد الاثنا عشر لا يعرف الله إلا من عرفهم، قال: فما الاعراف جعلت فداك ؟ قال: كتايب من مسك عليها رسول الله والاوصياء يعرفون كلا بسيماهم. فأنشأ سفيان يقول وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا * وأنتم ليوم المفزع الهول مفزع وأنتم على الاعراف وهي كتائب * من المسك رياهاب كم يتضوع ثمانية بالعرش إذا يحملونه * ومن بعدهم في الارض هادون أربع واما قول العامة: ان اصحاب الاعراف من لا يستحق الجنة ولا النار محال وما جعل الله في الآخرة غير منزلتين اما للثواب واما للعقاب فكيف يكون اصحاب الاعراف بهذه الحالة وقد أخبر الله انهم يعرفون الناس يومئذ بسيماهم وانهم يوقفون اهل النار على ذنوبهم ويقولون (ما أغنى عنكم جمعكم) الآية، (وينادون اهل الجنة ان سلام عليكم) الآية. قال ابن حماد: وانك صادق الاعراف تدعو * رجالا فائزين وهالكينا


[ 32 ]

فتقسم منهم قسمين بعضا * شمالا ثم بعضهم يمينا وقال غيره: وهو على الاعراف قد عرفه الر * حمن من أحسن منا وأساء وقال آخر: فالرجال المعرفون على الاعرا * ف حقا إذ هم عليها قعود ابان بن عياش عن أنس والكلبي عن ابى صالح وشعبة عن قتادة والحسن عن جابر والثعلبي عن ابن عباس وابو بصير و عبد الصمد عن الصادق (ع) قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى: (طوبى لهم وحسن مآب) قال: نزلت في علي بن ابى طالب وطوبى شجرة أصلها في دار علي في الجنة وليس من الجنة شئ إلا وهو فيها، وعن ان عباس. وفي دار كل مؤمن منها غصن، وفي الكشف عن الثعلبي بأسناده عن ابى جعفر (ع)، وعن الحاكم الحسكاني بالاسناد عن موسى بن جعفر (ع) قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله عن طوبى، فقال: شجرة في الجنة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ثم سألوه عنها ثانية فقال: شجرة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة، فقيل له في ذلك، فقال:: ان داري ودار علي غدا واحدة. سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما لعمر بن الخطاب: يا عمر ان في الجنة لشجرة ما في الجنة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلا وفيه غصن من أغصان تلك الشجرة وأصل تلك الشجرة في داري، ثم مضى على ذلك ثلاثة أيام ثم قال يا عمران في الجنة لشجرة ما في الجنة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلا وفيه غصن من أغصان تلك الشجرة وأصل تلك الشجرة في دار علي بن أبي طالب، فقال عمر في ذلك، فقال (ص): يا عمر أما علمت ان منزلي ومنزل علي بن أبي طالب في الجنة واحد. الفلكي المفسر قال ابن سيرين: طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار علي وسائر أغصانها في سائر الجنة. السمعاني في فضائل الصحابة عن الفضل ابن المرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال النبي صلى الله عليه وآله: أول من يأكل من شجرة طوبى على. ام أيمن قال النبي صلى الله عليه وآله: ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة (ع) فجعلها في منزل علي. قال الحميري: وكفاه بأن طوبى له في * داره اصلها بدار الخلود ايكة كل منزل لسعيد * فيه غصن منها برغم الحسود تتدلى عليه منها ثمار * من جنى لينة وطلح نضيد


[ 33 ]

وله أيضا: ومن ذا داره في أصل طوبى * وتلقاه الكرام مصافحينا وأنهار تفجر جاريات * تفيض الخمر والماء المعينا وأنهار من العسل المصفى * ومحض غير محض الخافتينا وله أيضا: وقال طوبى ايكة ظلها * صاح ظليل ذات أغصان أغصانها ناعمة جمة * من ذهب أحمر عقيان وحملها من عبقر مونق * صاف وياقوت ومرجان لها جنى من كل ما يشتهى * من فاقع أصفر أو قان تنشق أكمام لها عن كسى * من حلل تبرق ألوان من سندس منها واستبرق * ومن ضروب الثمر الآني وأصلها من امة المصطفى * أحمد في منزل انسان فقلت من قال علي وما * من منزل ناء ولا دان لمؤمن إلا ومنها بها * غصن ومنها ما به اثنان وقال خطيب خوارزم: فطوبى لمن ظل طوبى لهم * وطوباهم ثم طوباهم (فصل: في حمايته لاوليائه) تفسير علي بن ابراهيم حدثني أبي عن محمد بن فضيل عن الرضا (ع) في قوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) الآية، قال: المؤذن أمير المؤمنين. أبو القاسم باسناده عن محمد بن الحنيفة عن علي (ع) قال: أنا ذلك المؤذن. وباسناده عن أبي صالح عن ابن عباس ان لعلي آية في كتاب الله لا يعرفها الناس قوله: (فأذن مؤذن بينهم يقول ألا لعنة الله على الذين كذبوا) بولايتي واستخفوا بحقى. أبو جعفر (ع) (ونادى أصحاب الجنة) الآية، قال: المؤذن أمير المؤمنين (ع). في خطبة الافتخار: وأنا أذان الله في الدنيا ومؤذنه في الآخرة، يعني قوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله) في حديث براءة، وقوله: (فأذن مؤذن) وانه لما صار في الدنيا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله على اعدائه صار منادي الله في الآخرة على اعدائه، قال الحماني وإذ بيتي على رغم الملاحي * هو البيت المقابل للصرح ووالدي المشار به إذا ما * دعا الداعي بحي على الفلاح


[ 34 ]

زرارة عن أبي جعفر (ع) في قوله: (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) الآية، هذه نزلت في أمير المؤمنين (ع) واصحابه الذين عملوا ما عملوا يرون امير المؤمنين في أغبط الاماكن لهم فيسوء وجوههم ويقال لهم: (هذا الذي كنتم به تدعون) الذي انتحلتم اسمه، وفي رواية عنهم عليهم السلام: (هذا الذي كنتم به تكذبون) يعني أمير المؤمنين. أبو حمزة الثمالي عنه (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله: (لا يحزنهم الفزع الاكبر) الآيات، قال: فيعطى ناقة فيقال اذهب في القيامة حيث ما شئت فان شاء وقع في الحساب وان شاء وقف على شفير جهنم وان شاء دخل الجنة، وان خازن النار يقول: يا هذا من أنت أنبي أو وصي ؟ فيقول: أنا من شيعة محمد وأهل بيته فيقول ذلك لك. الصادق (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: من أحبني وأحب ذريتي أتاه جبرئيل إذا خرج من قبره فلا يمر بهول إلا أجازء إياه، الخبر. تاريخ بغداد، سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن جدته عن عائشة قال النبي (ص) لعلي: حسبك ما لمحبك حسرة عند موته، ولا وحشة في قبره، ولا فزع يوم القيامة. امالي الطوسي، الحارث الاعور عن امير المؤمنين (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة اخذت بحجزة من ذي العرش، واخذت انت يا علي بحجزتي، واخذت ذريتك بحجزتك، واخذت شيعتكم بحجزتكم، فماذا يصنع الله بنبيه، وما يصنع نبيه بوصيه، خذها اليك يا حار قصيرة من طويلة انت ومن احببت ولك ما اكتسبت. قال الحميري: قول علي لحارث عجب * كم ثم اجوبة له حملا يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه واعرفه * بعينه واسمه وما فعلا وانت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا اسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا اقول للنار حين توقف لل‍ * عرض على جسر هاذري الرجلا ذريه لا تقريبه ان له * حبلا بحبل الوصي متصلا هذا لنا شيعة وشيعتنا * اعطاني الله فيهم الاملا قوله تعالى: (فوقيهم الله شر ذلك اليوم ولقيهم نضرة وسرورا). زيد بن علي وجعفر الصادق (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة وحشر الناس في المحشر وجدتم علي بن ابى طالب يتلالا نورا كالكوب الدرى. شيرويه في الفردوس ويحيى بن الحسين باسناده عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان علي بن ابي طالب


[ 35 ]

ايزهى في الجنة ككوكب الصبح لاهل الدنيا. الفردوس، طاوس عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الناس لو اجتمعوا على حب علي بن ابي طالب لما خلق الله النار. أبو حمزة عن ابي جعفر (ع) في قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا) بولاية علي بن ابى طالب (قطعت لهم ثياب من نار). النبي صلى الله عليه وآله في خبر: يابن عباس والذي بعثني بالحق نبيا ان النار لاشد غضبا على مبغضي علي منها على من زعم ان لله ولدا. قال الصنوبري: فمضمر الحب في نور يخص به * ومضمر البغض مخصوص بنيران هذا غدا مالك في النار يملكه * وذاك رضوان يلقان برضوان وقال الناشي: إذا ما قصدت الجنة * رب الغل والحقد يناديه التمس نورا * به ذو الدين يستهدي باب النكت واللطائف (فصل: في اضافة الله تعالى عليا إلى نفسه) قال الله تعالى لنفسه: (وهو العلي العظيم) وفيه (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) وقال لنفسه: (وهو يطعم ولا يطعم) وفيه (ويطعمون الطعام) وقال لنفسه: (لا تأخذه سنة ولا نوم) وفيه (أمن هو قانت) وقال لنفسه: (وهو الله الواحد القهار) وفيه (قل إنما أعظكم بواحدة) قال الرضا (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: بك وعظت قريش وقال لنفسه: (قل اللهم مالك الملك) وفيه (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) وقال لنفسه: (يحبهم ويحبونه) وفيه (على حبه مسكينا ويتيما) وقوله صلى الله عليه وآله: (يجب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) وقال لنفسه: (يخافون ربهم من فوقهم) وفيه (انا نخاف من ربنا) وقال لنفسه: (الله ولي الذين آمنوا) وفيه (من كنت مولاه) وقد سماه بكذا وكذا، اسم من اسمائه (منها) الوارث، والنور، والهادي، والهدى، والشاهد، والشهيد، والعزيز، والودود، والعلي، والولي، والفاضل، والعالم، والحق، والعدل، والصادق، والمبين، والمؤمن، والعظيم، وغير ذلك، وقد تقدم بيانها في مواضعه، ثم انه جعل عليا (ع) ثانى نبيه وثالث نفسه في خمسة وعشرين موضعا، العزة: (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين).


[ 36 ]

والولاية: (إنما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا) الآية. والرؤية: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). والصلاة: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). والاذى: (ان الذين يؤذون الله ورسوله والذين يؤذون المؤمنين). والطاعة: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر). والعصيان: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده). والايمان: (آمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا). والموالاة: (فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين). والشهادة: (شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة واولي العلم). وقال لنفسه: (وان الله لهادي الذين آمنوا) ولنبيه: (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) وله: (ولكل قوم هاد). وقال لنفسه: (وكفى بالله شهيدا) ولنبيه: (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وله: (ويتلوه شاهد منه). وقال لنفسه: (والله خير الحاكمين) ولنبيه: (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) وله: (قد جائكم رسول بما لا تهوى انفسكم) بولاية علي إلى قوله (تسليما). وقال لنفسه: (صدق الله) ولنبيه (والذي جاء بالصدق) وله: (رجال صدقوا). وقال لنفسه: (وان الله هو الحق) ولنبيه: (قل جاء الحق) وله: (ولو اتبع الحق أهوائهم). وقال لنفسه: (وان الله هو الحق المبين) ولنبيه: (اني أنا النذير المبين) وله: (وكل شئ أحصيناه في امام مبين). وقال لنفسه: (فالله أولى بهما) ولنبيه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وله: (ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه) الآية. وقال لنفسه: (السلام المؤمن المهيمن) ولنبيه: (آمن الرسول) وله: (وصالح المؤمنين). وقال لنفسه: (ان بطش ربك لشديد) ولنبيه: (أشد حبا لله) وله: (أشداء على الكفار). وقال لنفسه (بسم الله الرحمن الرحيم) ولنبيه: (وما أرسلناك إلا رحمة) وله: (قل بفضل الله) وقال لنفسه: (من الله العزيز الحكيم) ولنيه: (لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز) وله: (يعز من يشاء). وقال لنفسه: (وهو العلي العظيم) ولنبيه: (انك لعلى خلق عظيم) وله: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم). وقال لنفسه: (الله نور السموات والارض) ولنبيه: (ولقد جائكم من الله نور) وله: (واتبعوا النور الذي انزل معه) ثم ان الله تعالى سمى عليا مثل ما سمى به كتبه، قال: (انا أنزلنا التوراة فيها هدى) ولعلي: (ولكل قوم هاد) وقال: (فيها هدى ونور) وللقرآن: (واتبعوا النور الذي انزل معه) ولعلي: (فجعلناه نورا نهدي به) وقال: (يحكم بها النبيون) ولعلى: (لدينا لعلي حكيم) وقال: (صحف ابراهيم وموسى) ولعلى: (ذلك الكتاب


[ 37 ]

لا ريب فيه) والكتاب أكبر. وقال في القرآن: (وكل شئ أحصيناه في امام مبين) وله: (يوم ندعو كل اناس بامامهم). وفي القرآن: (هذا بصائر الناس) وله: (قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة). وفي القرآن: (يتلوه حق تلاوته) وله: (ويتلوه شاهد) وفي القرآن: (هذا بيان للناس) وله: (أفمن كان على بينة من ربه). وفي القرآن (هدى وبشرى) وله: (لهم البشرى). وفي القرآن: (سنلقي عليك قولا ثقيلا) وله: (اني تارك فيكم الثقلين) الخبر. وفي القرآن: (وانه لذكر لك) وله: (أفمن يهدى إلى الحق). وفي القرآن: (فله الحجة البالغة) وله، قال امير المؤمنين: (أنا حجة الله أنا خليفة الله). وفي القرآن: (نحن نزلنا الذكر) وله: (وأنزلنا اليك الذكر). في القرآن: (ولا تكتموا الشهادة) وله: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). وفي القرآن: (جاء بالصدق) وله: (كان من الصادقين). وفي القرآن: (تفصيل كل شئ) وله: (انه لقول فصل). وفي القرآن: (ولم يجعل له عوجا قيما) وله: (ذلك الدين القيم). وفي القرآن: (ان الله نزل احسن الحديث) وله: (من جاء بالحسنة). وفي القرآن: (قالوا خيرا) وله: (اولئك خير البرية) وفي القرآن: (ما نفدت كلمات الله) وله (وجعلها كلمة باقية) وفي القرآن: (هدى للمتقين) وله: (قال ان نتبع الهدى) وفي القرآن: (يس والقرآن الحكيم) وله: (وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم) أي عال في البلاغة وعلا على كل لكتاب لكونه معجزا وناسخا ومنسوخا، وكذلك علي بن ابي طالب (ع) ثم قال حكيم: أي مظهر للحكمة البالغة بمنزلة حكيم ينطق بالصواب، وهكذا في علي بن أبي طالب، وهاتان الصفتان له خليفة لانهما من صفات الحي وفي القرآن على سبيل التوسع. ثم قال للقرآن: (أفنضرب عنكم الذكر) وله: (فاسئلوا اهل الذكر). وفي القرآن: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وعلم هذا الكتاب عنده لقوله: (ومن عنده ام الكتاب) وقال النبي صلى الله عليه وآله للاسلام: يعلو ولا يعلى، وقال تعالى: (وكلمة الله هي العليا) بيانه: وجعلها كلمة باقية في عقبه. قال العوني: عدل القران وصنو المصطفى وابو * السبطين اكرم به من والد وأب بعل المطهرة الزهراء والنسب * الطهر الذي ضمه حقا إلى نسب (فصل: في مساواته مع آدم وادريس ونوح عليهم السلام) ساواه مع آدم في أشياء، في العلم: (وعلم آدم الاسماء كلها) وله: (وأنا مدينة


[ 38 ]

العلم وعلي بابها، والتزويج لانه جرى تزويجها في الجنة، وانزل الحديد على آدم وانزل على علي ذا الفقار، وآدم أبو الآدميين، وعلي أبو العلويين، واعتذر عن آدم: (فنسى ولم نجد له عزما) وشكر عن علي: (يوفون بالنذر) وآمن آدم في قوله: (ثم اجتبيه ربه) وكذلك لعلي (ع): (فوقيهم الله شر ذلك اليوم) وكان آدم خليفة الله: (اني جاعل في الارض خليفة) وعلي خليفة الله قوله (ع): (من لم يقل اني رابع الخلفاء) الخبر، خلق آدم من التراب فكان ترابيا (انا خلقناكم من تراب) وسمى النبي صلى الله عليه وآله عليا (أبا تراب) وقال آدم وقت خلقته وقد عطس: (الحمد لله) فقال: (رحمك الله ولهذا خلقتك سبقت رحمتي غضبي) فهو اول كلمة قالها، وعلي لما ولد سجد لله على الارض وحمده، وآدم خلق بين مكة والطائف، وعلي ولد في الكعبة، (واصطفى الله آدم) ولعلي (وآل عمران على العالمين)، والانبياء كلهم من صلب آدم، وأوصياء النبي من صلب علي، رفع آدم على مناكب الملائكة، ورفعت جنازة علي على مناكبهم أيضا، نسب أولاد آدم إليه فقالوا: آدمي، ونسب أولاد النبي إليه فقالوا: علوي، أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، وعلي أمر بأن يؤتي إليه. روى العباس بن بكار عن شريك عن سلمة بن كهيل عن علي (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتى. آدم باع الجنة بحبات حنطة فأمر بالخروج منها (قلنا اهبطوا منها جميعا)، وعلي اشترى الجنة بقرص فأذن له بالدخول فيها (وجزاهم بما صبروا جنة). (فعلم آدم الاسماء كلها)، وكان اسم علي وأسماء أولاده فعلم الله آدم أسماءهم. أخبرني محمود بن عبد الله بن عبيد الله الحافظ باسناده عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يفتخر يوم القيامة آدم بابنه شيث وافتخار انا بعلي بن أبي طالب. قال المفجع: كان في علمه كآدم إذ ع‍ * لم الاسماء والمكنيات وساواه مع ادريس (ع) بأشياء: اطعم ادريس بعد وفاته مع طعام الجنة، واطعم علي في حياته من طعامها مرارا. وسمي ادريس لانه دريس الكتب كلها، وقوله تعالى في علي (ومن عنده علم الكتاب). وادريس أول من وضع الخط، وعلي أول من وضع النحو والكلام. وساواه مع نوح (ع) في خمسة عشر موضعا، في الميثاق: (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم)، ولعلي ما روي ان الله تعالى أخذ ميثاقي على النبوة وميثاق اثنى عشر بعدي. وخص بطول العمر (فلبث فيهم الف سنة)، وطول عمر ولده القائم (ع) (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا) الآية. ونوح شيخ المرسلين


[ 39 ]

وعلى شيخ الائمة. وقيل لنوح: (يا نوح قد جادلتنا)، ولعلي (فمن حاجك فيه). ونبع الماء لنوح من بين النار (وفار التنور)، وهوى النجم لعلي من بئر الدار (والنجم إذا هوى) اجيبت دعوة نوح فهطلت له السماء بالعقوبة، واجيبت لعلي بالترجمة فنبعت له الارض في أرض بلقع ويمنى السواد وغيرهما. ذكر الله نوحا في كتابه اثنين وأربعين موضعا أوله: (ان الله اصطفى آدم ونوحا) وآخره: (وقال نوح رب لا تذر)، وذكر عليا في تسع وثمانين موضعا انه أمير المؤمنين. وسمي نوحا لكثرة نوحه وزهادته وقال لعلي: (أم من هو قانت) وسماه شكورا (انه كان عبدا شكورا). وسمي عليا باسمه (وجعلنا لهم لسان صدق عليا)، وأهلك جميع الخلائق بالطوفان سوى قومه (فأنجيناه والذين معه في الفلك)، وأهلك أعداء علي في طوفان النصب فيلقى في جهنم ويفوز أحباؤه (ان للمتقين مفازا). نوح أب ثان، وعلي أبو الأئمة والسادات. واشتق لنوح اسمه من صفته لما ناح، واشتق اسم علي من صفته لانه علا. وقيل: (يا نوح اهبط منا بسلام)، وقيل لعلي: (سلام على آل يس). وحمل على السفينة عند طوفان الماء (وحملناه على ذات الواح ودسر)، وقيل لعلي: مثل أهل بيتي كسفينة نوح، الخبر. فسفينة علي نجاة من النار. قال المفجع: وكنوح نجا من الفلك من سير * في الفلك إذ علا الجوديا (فصل: في مساواته مع ابراهيم واسماعيل واسحاق عليهم السلام) ساوى عليا مع ابراهيم عليهما السلام في ثلاثين خصلة. الاجتباء: (واجتبيناه وهديناه)، ولعلي: (ان الله اصطفى آدم). وفي الهدى: (وهديناه إلى صراط) ولعلي: (ولكل قوم هاد). وفي الحسنة: (وآتيناه في الدنيا حسنة)، ولعلي: (من جاء بالحسنة). وفي البركة: (وباركنا عليه)، ولعلي: (وبركاته عليكم أهل البيت) وفي البشارة (وبشرناه باسحق، ولعلي: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا). وفي السلام: (سلام على ابراهيم)، ولعلي: (سلام على آل يس) وفي الخلة: (واتخذ الله ابراهيم خليلا)، ولعلي: (إنما وليكم الله). وفي الثناء الحسن: (وجعلنا لهم لسان صدق عليا)، ولعلي: (والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون). وفي المقام: (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى)، ولعلي: هو أول من صلى مع رسول الله. وفي الامامة (اني جاعلك للناس إماما)، ولعلي: (وكل شئ أحصيناه في امام مبين) وجعل مثابته قبلة للخلق (وإذ جعلنا البيت مثابة) ولعلي: حب علي ايمان. وبناه طواف المؤمنين (وطهر بيتي للطائفين) ولعلي: (إنما يريد الله ليذهب


[ 40 ]

عنكم الرجس). وأمر ابراهيم بتطهير البيت (وطهر بيتي)، والله تعالى طهر بيت علي (ويطهركم تطهيرا). وملوك الروم من نسل ابراهيم، والائمة الاثنا عشر من صلب علي (ع) وأثنى الله عليه (ان ابراهيم كان امة) لانه كان وحيدا في زمانه بالتوحيد وعلي أول من أسلم، وقال: (ان ابراهيم كان امة قانتا لله)، ولعلي: (أم من هو قانت). وقال له: (كان حنيفا مسلما)، ولعلي: (على ملة ابراهيم) ودين محمد ومنهاج علي حنيفا مسلما. وقال له: (شاكرا لانعمه)، ولعلي: (الذين يذكرون الله). وقال في ابراهيم: (الذي وفى)، ولعلي: (الذين يذكرون الله). وقال في ابراهيم: (الذي وفى)، ولعلي (يوفون بالنذر). وقال: (انه في الآخرة لمن الصالحين)، ولعلي (وصالح المؤمنين). وقال: (ان ابراهيم لحليم أواه منيب) ولعلي: (يحذر الآخرة ويرجو رحمة به). وكان ابراهيم مؤذنا للحج (وأذن في الناس) وعلى مؤذن الله (وأذان من الله ورسوله). وابراهيم فارق قومه (واعتز لكم وما تدعون من دون الله فأخرج من نسله سبعين الف نبي ووهبنا له اسحاق ويعقوب) وعلي فارق قريشا فجعله الله في افضلها وهم بنو هاشم وأعطاه النسل الطيب. وعادى ابراهيم قومه (فانهم عدو لي إلا رب العالمين)، وعادت قريش عليا فأبادهم بالسيف. وقال ابراهيم: (ان هذا لهو البلاء المبين)، وقال النبي: أنا ابن الذبيحين، يعني اسماعيل و عبد الله، وابتلي علي أكثر. ورمي ابراهيم مشدودا عن المنجنيق وهو مكره، ورمي علي عن المنجنيق في ذات السلاسل وهو مختار. وقال في حق ابراهيم (فألقوه في الجحيم) وألقى علي نفسه في وادي الجن وحاربهم. وصارت نار الدنيا على ابراهيم بردا وسلاما (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما)، وتصير نار الآخرة على محبي علي بردا وسلاما حتى تنادي الجحيم: جز يا مؤمن فقد أطفى نورك لهبي. ادعى في محبة ابراهيم خلق فقال فمن تبعني فانه مني، وادعى في محبة علي خلق فقال الله: (ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه) الآية. وابراهيم أوجس في نفسه خيفة من الملائكة، وتكلم علي معهم قال العوني: علي كليم الجن في يوم دجنة * ومن قلتما من مثلها خرسان وسائر الانبياء بعد ابراهيم من نسله (ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين) وسائر الاوصياء من ولد علي (واتبعناهم ذرياتهم بايمان). ابراهيم أسس الكعبة (ان أول بيت وضع للناس). وعلي أظهر الاسلام وطهر الكعبة من الازلام. وابراهيم كسر ثلاثمائة وستين صنما أكبرها هبل. ابتلى الله ابراهيم بقربان الولد (اني أرى في المنام


[ 41 ]

اني أذبحك)، وأبات أبو طالب عليا على فراش رسول الله كل ليلة في الشعب وأباته النبي ليلة الهجرة وبين الفدائين فروق وربما يشفق الوالد على ولده فلا يذبحه، وعلي كان على يقين من الكفار، ويقوى في ظن والده ان أباه يمتحنه في طاعته فيزول كثير من الخوف ويرجو السلامة، وعلي خائف بلا رجاء، وأمره مسند إلى الوحي فيجب الانقياد. وعلي على غير ذلك. وأثنى الله على ابراهيم في خمسة وستين موضعا أوله ابتلى ابراهيم ربه وآخره صحف ابراهيم وموسى، وأنزل الله ربع القرآن في علي. اسماعيل واسحاق عليهما السلام. قال المفجع البصري: وله من صفات اسحاق حال * صار في فضلها لاسحاق سيا صبره إذ يتل للذبح حتى * ظل بالكبش عندها مفديا وكذا استسلم الوصي لاسي‍ * اف قريش إذ بيتوه عشيا فوق ليلة الفراش أخاه * بأبي ذاك واقيا ووليا وله أيضا: من أبيه ذى الايدي اسما * عيل شبه ما كان عني خفيا انه عاون الخليل على الكعبة * إذ شاد ركنها المبنيا ولقد عاون الوصي حبيب * الله ان يغسلان منه الصفيا كان مثل الذبيح في الصبر والتس‍ * ليم سمحا بالنفس ثم سخيا فصل: في مساواته يعقوب ويوسف عليهم السلام كان ليعقوب اثنا عشر ابنا أحبهم إليه يوسف وبنيامين، وكان لعلي سبعة عشر ابنا أحبهم إليه الحسن والحسين. وكان أصغر أولاده لاوي فصارت النبوة له ولاولاده القي له يوسف في غيابة الجب، وذبح لعلي ابنه الحسين. وابتلي يعقوب بفراق يوسف وابتلى علي بذبح الحسين. لم يقع يوسف من يعقوب وإن بعد عنه، ولم تقع الخلافة عن علي وإن بعدت عنه أياما. كان ليعقوب بيت الاحزان، ولآل النبي كربلاء. ويعقوب ارتد بصيرا بقميص ابنه، وكان لعلي قميص من غزل فاطمة (ع) يتقي به نفسه في الحروب. وكلم ذئب يعقوب وقال لحوم الانبياء حرام علينا، وكلم ثعبان عليا على المنبر. وكلمه ذئب وأسد أيضا. قال المرزكي: وكيعقوب كلم الذئب لما * حل في الجب يوسف الصديق سمي يعقوب لانه أخذ بعقب أخيه عيص، وسمي عليا لانه علا في حسبه ونسبه


[ 42 ]

وعلمه وزهده وغير ذلك. وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا ومنهم مطيع ومنهم عاص، ولعلي اثنا عشر ولدا كلهم معصومون مطهرون. قال المفجع: وله من نعوت يعقوب نعت * لم أكن فيه ذا شكوك عتيا كان أسباطه كأسباط يعقوب * وإن كان نجرهم نبويا أشبهوهم في الباس والعدة والعلم * فافهم إن كنت ندبا ذكيا كلهم فاضل وحاز حسين * وأخوه بالسبق فضلا سنيا وساواه مع يوسف في أشياء، قال يوسف: (ر ب قد آتيتني من الملك) وقال في علي: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) ولما رأى اخوته زيادة النعمة وكمال الشفقة حسدوه، وكذلك حال علي (أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله فزادهما علوا وشرفا ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). وقال اخوة يوسف في الظاهر: (وإنا له لناصحون وإنا له لحافظون) وعادوه في الباطن، فقال الله تعالى: (انكم لسارقون) (انا إذا لظالمون)، وكذلك حال علي نصحوه ظاهرا ومقتوه باطنا. وقال ليوسف: (أيها الصديق)، وقال علي: (أنا الصديق الاكبر). اخوة يوسف وافقوا باللسان وخالفون بالحنان (ارسله معنا غدا)، وكذلك حال المنافقين مع النبي (فهل عسيتم ان توليتم). وقالوا عند ابيه: (إنا له لحافظون) وهم مضيعوه، وقال المنافقون: علي مولانا، وظلموه بعد وفاته (أم حسب الذين اجترحوا السيئات). سلم يعقوب إليهم يوسف بالامانة (اني ليحزنني أن تذهبوا به)، والمصطفى صلى الله عليه وآله قال إني تارك فيكم الثقلين، وقال يعقوب: (وأسفا على يوسف)، وقال المصطفى ما اوذي نبي مثل ما اوذيت. وقال الله تعالى، (فلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما)، واوتي علي حكمه في صغره بأشياء كما تقدم. أطعم يوسف لاهل مصر، وأطعم علي الملائكة (ويطعمون الطعام). الجايع كان يشبع بلقاء يوسف، والمؤمن ينجو بلقاء علي (القيا في جهنم). مدح يوسف نفسه فقال: (اني حفيظ عليم) وقوله تعالى: (ألا ترون اني اوف الكيل)، وقد مدح عليا: (ويطعمون الطعام) (يوفون بالنذر) وجد يعقوب رايحة قميص يوسف من مسيرة شهر، وستجد شيعة علي رايحة الجنة من فوق سبع سماوات (فاما ان كان من المقربين). ادعوا في يوسف أربعة دعاوى: قال يعقوب: (يا بني لا تقصص رؤياك) وقال العزيز: (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) واسترقه اخوته (وشروه بثمن نجس) وأخذته زليخا معشوقا (قد شغفها حبا)، وقال الله تعالى في علي: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) وقال المصطفى: علي


[ 43 ]

أخي، وأنكره جماعة (يريدون ليطفؤا نور الله) واعتقدت الشيعة إمامته (رجال صدقوا). وسموا يوسف ولدا وأخا وعبدا ومعشوقا، كذلك علي قالت الغلاة: هو الله، وقالت الخوارج: هو كافر، وقالت المرجئة: هو المؤخر، وقال الشيعة: هو معصوم مطهر. نظر في يوسف ثمانية: نظر يعقوب بالمحبة فحرم لقاه (يا أسفا على يوسف) ومالك بن الزعر بالحرمة فصار ملكا (اكرمي مثواه) والعزيز بالفتوة فوجد منه الصيانة (قالت هيت لك قال معاذ الله) وزليخا بالشهوة (فسخر منها وقال نسوة في المدينة) والمؤمنون بالنبوة (يوسف أيها الصديق)، وكذلك نظر في علي ثمانية: نظر الكفار بالعداوة (قالنا مأويهم ذلك لهم خزي) والمنافقون بالحسد فخسروا (قل هل انبئكم بالاخسرين أعمالا) والمصطفى بالوصية والامامة فصار ختنه وصاحب جيشه (وهو الذي خلق من الماء بشرا) وسلمان والمقداد بالشفقة فصاروا خواص الصحابة وسرور الشيعة (والسابقون السابقون) والنواصب بالحقارة فضلوا (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) والغلاة بالمحل فصاروا من الضلال (ومن يبتغ غير الاسلام دينا) والملاحدة بالكذب فصاروا مبتدعين (ان الذين يلحدون في آياتنا) والشيعة بالديانة فصاروا مقربين (انظرونا نقتبس من نوركم). قال المفجع: كان راحيل يوسف وأخيه * فضلا القوم ناشيا وفتيا ومقال النبي في ابنيه يحكي * في ابن راحيل قوله المرويا كان ذاك الكريم وابنيه سادا * كل من حل في الجنان نجيا فصل: في مساواته موسى عليهما السلام ربي موسى في حجر عدو الله فرعون، وربي علي في حجر حبيب الله محمد. هو موسى بن عمران، وعلي آل عمران وقالوا ان اسم أبي طالب عمران. وحفظ الله موسى في صغره من فرعون وفي كبره من البحر، وحفظ عليا في صغره من الحية حين قتلها وفي كبره من الفرات حين أغارها. وكان لموسى انفلاق البحر وهو نيل مصر (اضرب بعصاك البحر)، انشق نهروان باشارة علي حين يبس. ضرب موسى بعصاه على البحر وقال: اخرجي أيتها الضفادع، فخرجت، وأطاعت الحية والثعبان عليا، وذلك أهول. وسخر لموسى الجراد والقمل، وسخر لعلي حيتان نهروان إذ نطقت معه وسلمت عليه. وسخر لموسى الدم مفصلات، وعلي أراق دماء الكفار حتى سموه الموت الاحمر. وكان موسى صاحب تسع آيات بينات، وعلي صاحب كذا وكذا


[ 44 ]

معجزات. وأحيى الله بدعاء موسى قوما (ثم بعثناكم من بعد موتكم)، وأحيى بدعاء علي سام بن نوح وأصحاب الكهف وبوادي صرصر وغيرها. وذاكر الله موسى في كتابه في مائة وثلاثين موضعا، وسمى عليا في كتابه في ثلاثمائة موضع. وقيل لموسى: (وقربناه نجيا)، وقيل لعلي: (وجعلنا لهم لسان صدق عليا). وكلم الله موسى تكليما، وعلي علمه الله تعليما (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان). قال المرزكي: وعلي ناجاه بالطائف الله * ففيما ينافس الزنديق وسخرت الارض لموسى حتى خسف بقارون، ودمر علي على أعداء النبي صلى الله عليه وآله (انا منهم منتقمون). وقال موسى: (اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي) وفي آية اخرى: (اخلفني في قومي فقال الله قد اوتيت سؤلك يا موسى)، وقال الله ليلة المعراج: اخلف عليا، وقال صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وسقى الله موسى من الحجر (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)، وعلي هو الذي (خلق من الماء بشرا) اثنا عشر إماما. قال المفجع وأخو المصطفى الذي قلب الصخ‍ * رة عن مشرب هناك رويا بعد أن رام قلبها الجيش جمعا * فرأوا قلبها عليهم أبيا وأنزل الله على موسى المن والسلوى، وعلي أعطاه النبي من تفاح الجنة ورمانها وعنبها وغير ذلك. خاصم موسى وهارون مع فرعون في كثرة خيله، قال الطبري: كان الذهلي والبرقي أربعة آلاف رجل وظفرا بهم، وان محمدا وعليا خاصما اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والزنادقة وقد ظفرا عليهم (وهو الذي أيدك بنصره) وكان خصم موسى وهارون: فرعون وهامان وقارون وجنودهم، وخصماء محمد وعلي عدد النحل والرمل من الاولين والآخرين. وغرق الله أعداءهما في البحر (ثم أغرقنا الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين)، وسيلقي الله أعداء محمد وعلي في جهنم: (القيا في جهنم كل كفار عنيد) وينجيهما وأحباءهما (ثم ينجي الذين اتقوا). وعدو موسى برص، ومن عادى عليا برص، وعدو علي برص، قال أنس: هذه دعوة علي خاف موسى من الحية في كبره فقيل: (خذها ولا تخف)، ومزق علي الحية في صغره وتقول العامة من هذا الوجه: حيدر. خاف موسى وهارون من الاستهزاء فقال: (لا تخافا انني معكما)، ولم يخف محمد وعلي منه (الله يستهزؤ بهم). خاف موسى من عصاه (خذها ولا تخف)، ولم يخف على من الثعبان وكلمه. كان لموسى عصا،


[ 45 ]

ولعلي سيف. وكان في عصى موسى عجائب عجزت السحرة عنها، وفي سيف علي عجائب عجزة الكفرة عنها. وفي عصى موسى أربعة أحوال: (هي عصاي) ثم تحرك (حية تسعى) ثم كبرت (فإذا هي ثعبان) ثم التقفت (فإذا هي تلقف)، وفي سيف على أربعة أحوال مذكور في بابه. نزل جبرئيل بعصا موسى فأعطاها شعيبا وأعطاها شعيب موسى، ثم انزل ذاالفقار فاعطي محمد وأعطاه محمد عليا. وكان عصا موسى من اللوز المر، وشجرة طوبى في دار فاطمة وعلي. وكان رأسها ذا شعبتين، وكان ذو الفقار ذا شعبتين، وعين اسم علي ذو شعبتين. موسى قذفته امه في تنور مسجور، وقذف علي من منجنيق. ان ابتلي موسى بفرعون، فقد ابتلي على بفراعنة. وكان لموسى اثنا عشر سبطا، ولعلي اثنا عشر إماما. وقيل لموسى: (اخلع نعليك)، وامر علي أن يضع رجله على كتف محمد. وكان موطئ موسى حجر، وموطئ علي منكب محمد. ارتفع موسى على الطور، وارتفع علي على كتف محمد الرسول. وقال لموسى: (والقيت عليك محبة مني) فكان كل من رآه أحبه، وفرض حب علي على الخلق وحبه يميز بين الحق والباطل، ولا يحبك إلا مؤمن تقي، الخبر. وقال لموسى: (وأنا اخترتك)، ولعلي: (وربك يخلق ما يشاء ويختار). وقال لموسى: (واصطنعتك لنفسي)، ولعلي: (إنما وليكم الله) الآية. وقال لموسى انه كان مخلصا، ولعلي: (إنما نطعمكم لوجه الله). (وإذ قال موسى لفتاه) وكان فتى موسى يوشع، وفتى محمد علي، ولا فتى إلا علي. وكان لموسى شبر وشبير، ولعلي حسن وحسين. وكان ولاية موسى في أولاد هارون، وولاية محمد في أولاد علي. تركوا هارون وعبدوا العجل عجلا جسدا له خوار، وتركوا عليا وعبدوا بني امية (إذا قومك منه يصدون) موسى ساقي بنات شعيب ووجد من دونهم امرأتين تذودان، وعلي ساقي المؤمنين في القيامة، والولدان سقاة أهل الجنة والمولى ساقي علي، وسقاهم، ووقاهم، ولقاهم، وجزاهم، وسقاه، فسقاه، ورواه، فرياه، وأطعمه، فأطعمه. وجر موسى الحجر من رأس البئر وكان يجروه أربعون رجلا (ولما ورد ماء مدين)، وعلي جر الحجر من عين زحوما وكان مائة رجل عجزوا عن قلعه. قال المفجع: كان فيه من الكليم جلال * لم يكن عنك علمها مطويا كلم الله ليلة الطور موسى * واصطفاه على الانام نجيا وأبان النبي في ليلة الطا * يف ان الاله ناجى عليا وله منه عفة عن اناس * عكفوا يعبدون عجلا خليا


[ 46 ]

حرق العجل ثم من عليهم * إذ أنابوا وأمهل السامريا وعلي فقد عفا عن اناس * شرعوا نحوه القنا الزاعبيا فصل: في مساواته هارون ويوشع ولوط عليهم السلام قول النبي صلى الله عليه وآله يوم بيعة العشيرة، ويوم احد، ويوم تبوك وغيرها: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، فالمؤمنون أحبوا عليا كما أحب أصحاب هارون هارون ولم يكن لاحد منزلة عند موسى كمنزلة هارون، ولا أحد عند النبي كمنزلة علي. وكان هارون خليفة موسى وعلي خليفة محمد، ولما دخل موسى على فرعون ودعاه إلى الله قال ومن يشهد لك بذلك ؟ قال: هذا القائم على رأسك، يعني هارون، فسأله عن ذلك قال اشهد الله انه صادق وانه رسول الله اليك، قال: أما اني لا اعاقبه إلا باخراجه من تكرمتي والحاقه بدرجتك، فدعا له بجبة صوف وألبسه إياها، وجاء بعصا فوضعها في يده، فعوضه الله من ذلك أن ألبسه قميص الحياة، فكان هارون آمنا في سربه مادام عليه ذلك، وكذلك ألبس الله عليا قميص الامن بقول النبي: ان المحتوم أن لا تموت إلا بعد ثلاثين سنة بعد أن تؤمر وتقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ثم تخضب لحيتك من دم رأسك وقت كذا. فكان هارون إذا نزع القميص مخوفا، وكان علي آمنا على كل حال. وكان أول من صدق بموسى هارون، وهكذا أول من صدق بالنبي علي، ولما ولد الحسن سماه علي حربا، فقال النبي: سمه حسنا، فلما ولد الحسين سماه أيضا حربا، فقال صلى الله عليه وآله: لا، هو الحسين كأولاد هارون شبر وشبير ومشبر. قال المفجع: ان هارون كان يخلف موسى * وكذا استخلف النبي الوصيا وكذا استضعف القبايل هارو * ن وراموا له الحمام الوحيا نصبوا للوصي كي يقتلوه * ولقد كان ذا محال قويا وأخو المصطفى كما كان هارو * ن أخا لابن امه لا دعيا وساواه مع يوشع بن نون، علي بن مجاهد في تاريخه مسندا قال النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته: أنت مني بمنزلة يوشع بن نون من موسى. قال المفجع: وله من صفات يوشع عندي * رتب لم أكن لهن نسيا كان هذا لما دعى الناس موسى * سابقا قادحا زنادا وريا وعلي قبل البرية صلى * خائفا حيث لا يعاين ريا


[ 47 ]

كان سبقا مع النبي يصلي * ثاني اثنين ليس يخشى ثوبا وساواه مع أيوب، فأيوب أصبر الانبياء، وعلي أصبر الاوصياء. صبر أيوب ثلاث سنين في البلايا، وعلي صبر في الشعب مع النبي ثلاث سنين ثم صبر بعده ثلاثين سنة. وقد وصف الله صبر أيوب (إنا وجدناه صابراه)، وقال لعلي: (الذين إذا أصابتهم مصيبة) وقال: (والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس). وساواه مع لوط، وقد ذكره الله في كتابه في ستة وعشرين موضعا، وذكر عليا في كذا موضعا. قال المفجع: ودعا قومه فآمن لوط * أقرب الناس منه رحما وريا وعلي لما دعاه أخوه * سبق الحاضرين والبدويا فصل: في مساواته أبواب وجرجيس وزكريا ويحيى عليهم السلام قال في أيوب: (مسني الشيطان بنصب وعذاب)، ولعلي: (نصب من نواصب وعداوة شياطين الانس). وقال لايوب: (اركض برجلك)، ولعلي بوادي بلقع وغيره. ولايوب: (إنا وجدناه صابرا)، ولعلي: (وجزاهم بما صبروا). وقال أيوب: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)، وقال علي: إلى كم أغضي الجفون على القذي. قال المفجع: وله من عزاء أيوب والصبر * نصيب ما كان بردا نديا جرجيس صبر في المحن، وعلي صبر في المحن والفتن. ولم يقبل قوله الحق وقتل في الحق، وعلي كان على الحق وقتل في الحق للحق. وعذب جرجيس بأنواع العذاب، وعذب علي بأنواع الحروب. كسر جرجيس صنما، وكسر على ثلاثمائة وسبعين في الكعبة سوى ما كسره في غيرها. أهلك الله أعداء جرجيس بالنار، وسيهلك أعداء علي بنار جهنم (القيا في جهنم). يونس، (إذ ذهب مغاضبا)، فذهب علي مجاهدا محاربا. (التقمه الحوت وهو مليم)، وسلمت الحيتان على علي، وشتان بين الغالب والمغلوب. وسماه الله ذا النون، وسمى النبي عليا: ذا الريحانتين. وقال في يونس: (إذا أبق إلى الفلك المشحون، وعلي فلك مشحون من العلم (أنا مدينة العلم). وقيل ليونس: (لنبد بالعراء وهو مذموم) وفي موضع: (وهو مليم)، وعلي تركوه وخذلوه ولعنوه الف شهر. وفي يونس: (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)، واطعم علي من فواكه الجنة. وقال:


[ 48 ]

(وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون)، وعلي إمام الانس والجن، وانه عبد الله في مكان ما عبد فيه بشر، وعلي ولد في موضع ما ولد فيه قبله ولا بعده أحد. زكريا، بشر زكريا بيحيى في المحراب، وعلي بشر بالحسن والحسين. وسأل زكريا (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة)، وقيل للنبي بلا سؤال: (ذرية بعضها من بعض). وقالت امرأة عمران: (اني نذرت لك ما في بطني محررا)، وقال للمرتضى (يوفون بالنذر). وقالت: (رب اني وضعتها انثى)، وقال الله تعالى في زوجة علي (نساؤنا ونساؤكم). أجاب الله دعاء زكريا: (رب لا تذرني فردا) الآية، وأجاب عليا من غير سؤال: (فاستجاب لهم ربهم). نشر زكريا في الشجر وجز رأس يحيى في الطشت، قتل علي في المحراب، وذبح حسين بكربلاء. وذكره في كتابه في سبعة عشر موضعا أولها البقرة وآخرها في صاد، وذكر عليا في كذا موضعا اوله: (صراط الذين انعمت عليهم) وآخره (وتواصوا بالحق). وقالت: (انى اعيذها بك وذريتها)، وقال المصطفى للحسن والحسين: اعيذ كما من شر السامة والهامة ومن شر كل عين لامة. وزكريا كان واعظ بني اسرائيل وكافل مريم، وعلي كان مفتي الامة وكافل فاطمة (ع). قال المفجع: وله خلتان من زكريا * وهو غاضتا الحسود الغويا كفل الله ذاك مريك إذ كان * تقيا وكان برا حفيا فرأى عندها وقد دخل المحر * اب من ذى الجلال رزقا هنيا وكذا كفل الاله عليا * خيرة الله وارتضاه كفيا خيرة بنت خير رضي ا * لله لها الخير والامام الرضيا ورأى جفنة تفور لديها * من طعام الجنان لحما طريا يحيى، قال في مهده يوم ولد: (اني عبد الله آتاني الكتاب)، وعلي آمن في صغره. وقال يحيى: (وجعلني مباركا اين ما كنت)، وسمت ظئر علي له ميمونا ومباركا. وقال: (اوصاني بالصلاة والزكاة)، وعلي صلى وزكى في حالة واحدة (إنما وليكم الله ورسوله) الآية. وقال يحيى: (السلام علي يوم ولدت)، وقال لعلي: (سلام على آل يس). وقال ليحيى: (وبرا بوالديه)، ولعلي: (ان الابرار يشربون). (وكانت امه بتولا)، وزوجة علي بتول. يحيى قدم اقراره بالعبودية ليبطل قول من يدعي فيه الربوبية وكان الله تعالى قد انطقه بذلك لعلمه بما يتقوله الغالون فيه، وكذا حكم علي لما ولد في الكعبة شهد الشهادتين ليتبرأ من


[ 49 ]

قول الغلاة فيه. قال السيد الحميري: ألم يؤت الهدى والحكم طفلا * كيحيى يوم اوتيه صبيا وقال المفجع: وله من صفات يحيى محل * لم اغادره مهملا منسيا ان رجسا من النساء بغيا * كفلت قتله كفورا شقيا وكذاك ابن ملجم فرض الل‍ * ه له اللعن بكرة وعشيا ذو القرنين، قال النبي صلى الله عليه وآله: انك لذو قرنيها، وقد شرحنا. وانه قد سد على ياجوج وماجوج، وسد الله على الشيعة كيد الشياطين. وانه كان يعرف لغات الخلق، وعلي علم منطق الطير والدواب والوحش والجن والانس والملائكة. طلب ذو القرنين عين الحياة، من أحبه لم يمت قلبه قط. ولقمان ظهرت الحكمة منه، علي استفاضت العلوم كلها منه. وقال الله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة)، وقال لعلي: (الرحمن علم القرآن). نظير الخضر في العلماء فينا * وذاك له بلا كذب نظير وهو فينا كذي القرنين فيهم * برجعته له لون تصير شعيب (ع)، قال المفجع: وكما آجر الكليم شعيبا * نفسه فاصطفى فتى عبقريا وكذاك النبي كان مدى الا * يام مستأجرا أخاه التقيا فوفى في سنين عشر بما عا * هد عفوا ولم يجده عصيا فحباه بخيرة الله في النسو * ان عرسا وحبة وصفيا وشعيبا كان الخطيب إذا ما * حضر القوم محفلا ونديا وعلي خطيب فيهم إذا المنط * ق أعيى المفوه اللوذعيا فصل: في مساواته داود وطالوت وسليمان عليهم السلام قال الله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض)، وعلي قال: من لم يقل اني رابع الخلفاء، الخبر. وقال: (وقتل داود جالوت)، وقتل علي عمروا ومرحبا وكان له حجر سبب قتل جالوت، ولعلي سيد يدمر الكفار. وقال لداود: (بقية من آل موسى وآل هرون)، ولعلي وولده: (بقية الله خير لكم) وبقية الله خير من بقية موسى. ولداود سلسلة الحكومة، وعلي فلاق الاغلاق: أقضاكم علي. وقال داود: (الحمد الله الذي فضلنا على العالمين) وهذا دعوى، وقال الله لعلي: (وفضل الله المجاهدين) وهذا دليل. وقال الله لداود: (والطير محشورة كل له أواب) وقوله: (يا جبال أو بي معه) وكان علي يسبح بالحصى ويسجن معه. وقال الله لداود: (وعلمنا منطق الطير)، وكان لعلي صوت يميت الشجعات وتكلمه مع الطير في الهواء. وقال


[ 50 ]

لداود: (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب)، وقال لعلي: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). وقال: (واذكر عبدنا داود ذا الايدي)، وقال في علي: (أيدك بنصره وبالمؤمنين). وداود خطيب الانبياء، وعلي اوتي فصل الخطاب فقال: (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت)، وعلي هزم جنود الكفر والبغي. كان داود سيف طالوت حتى * هزم الخيل واستباح العديا وعلي سيف النبي بسلع * يوم أهوى بعمرو المشرفيا فتولى الاحزاب عنه وخلوا * كبشهم ساقطا بحال كديا أنبأ والوحي ان داود قد كا * ن بكفيه صانعا هالكيا وعلي من كسب كفيه قد أع‍ * تق الفا بذاك كان جزيا وقال داود: (ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال)، ولما أقام النبي عليا مقامه قالوا نحوه فقال النبي علي مع الحق والحق مع علي. وقال في الطالوت: (وزاده بسطة في العلم والجسم)، وكان علي أعلم الامة وأشجعهم. وقال في طالوت: (ان الله اصطفاه عليكم)، وقال في علي: (وفضلنا آل عمران على العالمين)، وقال: (والله يؤتي ملكه من يشاء ويختار) عطش بنو اسرائيل في غزاة جالوت فقال طالوت: ان الله مبتليكم بنهر، وهو نهر فلسطين، فمن شرب منه فليس مني، فشربوا منه إلا قليلا منهم وكانوا أربعمائة رجل وقيل: ثلاثمائة وثلاثة عشر من جملة ثلاثين الفا، فقال لهم: لم تطيعوني في شربة ماء فكيف تطيعوني في الحرب، فخلفهم، وعلي أتوه فقالوا: امدد يدك نبايعك، فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي غدا محلقين، الخبر. قصد جالوت إلى قلع بيت داود فقتل داود جالوت واستقر الملك عليه، وطلب أعداء علي قهره فقتلهم وماتوا قبله وبقيت الامامة له ولاولاده (يريدون ليطفؤا نور الله). قال ابن علوية: في قصة الملا الذين نبيهم * سألوا له ملكا أخا أركان قال النبي فان ربي باعث * طالوت يقدمكم أخا أقران قالواو كيف يكون ذاك وليس ذا * سعة ونحن أحق بالسلطان


[ 51 ]

قال اصطفاه عليكم بمزيدة * من بسطة في العلم والجسمان والله يؤتي من يشاء ولم يكن * من نال منه كرامة بمهان وكذاك كان وصي احمد بعده * متبسطا في الجسم والعرفان لما تولى الامر شد عصابة * عنه شدود توافر الثيران بكم وهم لا يعقلون ولاهم * يتصفحون عمون كالصمان قال النبي فان آية ملكه * اتيان تابوت له تيان اتيان تابوت سيأتيكم به * أملاك ربي أيما اتيان فيه سكينة ربكم وبقية * يا قوم مما ورث الآلان سليمان، سأل خاتم الملك (رب هب لي ملكا) وعلى اعطى خاتم الملك (يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) واليد العليا خير من اليد السفلى فكان سليمان سائلا وعلي معطيا. سليمان قال: (رب هب لي ملكا)، وعلي قال: يا صفراء يا بيضاء غري غيري. سليمان سأل ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فاعطي وكان فانيا، واعطي عليا ملكا باقيا بلا سؤال (نعيما وملكا كبيرا) سليمان لما سأل خاتم الملك اعطي (غدوها شهر ورواحها شهر)، وحبا المرتضى خاتمة الملك فاعطي السيادة في الدنيا (إنما وليكم الله) الآية، والملك في العقبى (وإذا رأيت ثم رأيت) وقال عن سليمان: (علمنا منطق الطير) كما أخبر عن الهدهد وعن النملة، وروى جابر لعلي انه قال للطير: أحسنت أيها الطير. وقال لسليمان: (إذ عرضت عليه بالعشي الصافنات الجياد) وكانت من غنيمة دمشق الف فرس، فلما رأى الله تعالى صلابته رد الشمس عليه فصلى أداء، وقد ردت الشمس لعلي غير مرة. وقال لسليمان: (وسخرنا له الريح)، وعلي غلب الريح في بئر ذا ت العلم وأطاعته وقت خروجه إلى أصحاب الكهف. وقال في سليمان: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير)، وسخر علي الجن والانس بسيفه وقال له رسول من الجن: لو ان الانس أحبوك كحبنا، الخبر. وقال في سليمان: (علمنا منطق الطير)، وقال في علي: (وكل شئ أحصيناه في امام مبين). وأضاف الناس سليمان فعجز عن ضيافتهم، وعلي قد وقعت ضيافته موقع القبول (ويطعمون الطعام على حبه). وتزوج سليمان من بلقيس بالعنف، وزوج الله عليا من فاطمة باللطف. وقال في سليمان: (ومن يزغ عن أمرنا) الآية، وقال في علي: (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) الآية. وقال في سليمان: (ففهمناها سليمان) وكان يحكم بالغرائب، وعلي: (فاسئلوا أهل الذكر).


[ 52 ]

صالح، سماه الخلق صالحا، وسمى الخالق عليا (صالح المؤمنين). وأخرج صالح (ناقة الله وسقياها) من الجبل، وأخرج علي من الجبل مائة ناقة وقضى دين النبي. فصل: في مساواته عيسى عليهما السلام خلقه الله روحانيا (فنفخنا فيه من روحنا)، وخلق عليا من نور. وعيسى خرجت امه وقت الولادة (فانتبذت به مكانا قصيا)، ودخلت ام في في الكعبة في وقت ولادته. وعيسى قرأ التوراة والانجيل في بطن امه حتى سمعته امه، وكان علي يتكلم في بطن امه وتخر له الاصنام. وقال في عيسى: (ويكلم الناس في المهد)، وعلي تكلم في صغره مع النبي. وقال عيسى (اني عبد الله) وهو أول من تكلم بهذا، وقال علي: وأنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنزل الله عليه الوحي في ثلاثين سنة. وقال عيسى: (ربنا انزل علينا مائدة)، ولعلي أنزل موائد. ولعيسى: (ويعلمه الكتاب)، ولعلي: (ومن عنده ام الكتاب). وخص عيسى بالخط حتى قالوا الخط عشرة أجزاء فتسعة لعيسى وجزء لجميع الخلق، ولعلي كانت علوم الكتب والصحف. وقال لعيسى: (وتبرء الاكمه والابرص)، وعي طبيب القلوب في الدنيا والعقبى (إلا من أتى الله بقلب سليم). وقال عيسى: (واحيي الموتى باذن الله)، وعلي أحيى باذن الله ساما وأصحاب الكهف. وقال لعيسى: (كلمة منه اسمه المسيح)، ولعلي (ويحق الله الحق بكلماته). ولعيسى: (وأوصاني بالصلوة)، ولعلي: (سيماهم في وجوههم). وقال عيسى: (والزكوة مادمت حيا) ولم تكن الزكاة عليه واجبة، ولعلي: (إنما وليكم الله ورسوله) الآية، ولم تكن الزكاة عليه واجبة. وقال عيسى: (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)، وعلي ناصره ووصيه وختنه وابن عمه وأخوه. وتكلم الاموات مع عيسى، وكلم علي جماعة من الموتى. وان الله تعالى حفظه من اليهود وقال: (ما قتلوه وما صلبوه ولكم شبه لهم)، وحفظ عليا على فراش رسول الله من المشركين (ومن الناس من يشتري نفسه). وقال لعيسى: (وأيدناه بروح القدس)، وقال لمحمد وعلي: (وأيدناه بجنود لم تروها). وعيسى ولد لستة أشهر، وعلي ولد له الحسن والحسين مثله. وسلمته امه إلى المعلم يقرأ التوراة عليه، وقال علي: لو ثنيت لي الوسادة، الخبر. وأحيى الله الموتى بدعاء عيسى والقلب الميت يحيى بذكر علي (أو من كان ميتا فأحييناه). وقال له المعلم: أبجد، فقال: ما معناه ؟ فزجره، فقال عيسى: أنا أفسر لك تفسيره، وعلي استكتب من بعض أهل


[ 53 ]

الانبار فوجده أكتب منه. وكان عيسى ينبئ الصبيان بالمدخر في بيوتهم والصبيان يطالبون امهاتهم به، وعلي أخبر بالغيب كما تقدم. وسلمته امه إلى صباغ فقال الصباغ هذا للاحمر وهذا للاصفر وهذا للاسود فجعلها عيسى في حب فصرخ الصباغ، فقال لا بأس اخرج منه كما تريد فأخرج كما أراد، فقال الصباغ: أنا لا أصلح أن تكون تلميذي، وعلي قد عجزت قريش عن أفعاله وأقواله. وكان عيسى زاهدا فقيرا، وسئل النبي صلى الله عليه وآله: من أزهد الناس وأفقرهم ؟ فقال: علي وصيي وابن عمي وأخي وحيدري وكراري وصمصامي وأسدي وأسد الله. واختلفوا في عيسى، قالت اليعقوبية: هو الله، وقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت الاسرائلية: هو ثالث ثلاثة، وقالت اليهود: هو كذاب ساحر، وقال المسلمون: هو من عند الله، كما قال عيسى: اني عبد الله، واختلفت الامة في علي، فقالت الغلاة: انه المعبود، وقالت الخوارج: انه كافر، وقالت المرجئة: انه المؤخر وقالت الشيعة: انه المقدم، وقال النبي: يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى، فدخل علي (ع)، فضحكوا من هذا القول فنزل: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) الآيات. مسند الموصلي، قال النبي لعلي: فيك مثل من عيسى بن مريم، أبغضه اليهود حتى بهتوا امه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له. قال ابن حماد: وشبهه هارون إذ غاصب صنوه * ونابذة قوم أضلهم العجل وقال المفجع: وله من مراتب الروح عيسى * رتب زادت الوصي مزيا مثل ما ضل في ابن مريم ضربا * ن من المسرفين جهلا وغيا وفي الالفية: أم من لهم ضرب النبي بحبه * مثل ابن مريم ان ذاك لشان إذ قال يهلك في هواك وفي القلى * لك يا علي جلالة جيلان كعصابة قالوا المسيح إلهنا * فرد وليس لامه من ثان وعصابة قالوا كذوب ساحر * حشي الوقوف به على بهتان فكذاك فرد ليس عيسى كالذي * جهلا عليه تخرص القولان وكذا علي قد دعاه إلههم * قوم فاحرقهم ولم يستان وأتاه قوم آخرون قلى له * من بين منتكث وذي خذلان


[ 54 ]

فصل: في مساواته النبي صلى الله عليه وآله النبي صلى الله عليه وآله له الكتاب، ولعلي السيف والقلم. وللنبي معجزان عظيمان: كلام الله وسيف علي. وللنبي انشقاق القمر، ولعلي انشقاق نهروان. أوجب الله على جميع الانبياء الاقرار به (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين)، وقال في علي: (واسأل من أرسلنا) جعله الله إمام الانبياء ليلة المعراج، وجعل عليا إمام الاوصياء ليلة الفراش ويوم الغدير وغيرهما ركب النبي على البراق، وركب علي عاتق النبي. وقال فيه: (بالمؤمنين رؤف رحيم)، وقال في علي: (وجعلنا لهم لسان صدق عليا). قال للنبي (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، وقال لعلي: (فوقيهم الله شر ذلك اليوم). وأقسم بنفسه: (والضحى والليل إذا سجى)، وأقسم بعلي: (والفجر وليال عشر). سماه: (والنجم إذا هوى)، ولعلي: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وقال فيه: (أم يحسدون الناس)، وفي علي: (ومن الناس من يشري نفسه). وقال فيه: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)، وفي علي: (وأتممت عليكم نعمتي) وقال فيه: (الله نور السماوات والارض)، وفي علي: (يريدون ليطفؤا نور الله) وقال فيه: (وما أرسلناك إلا رحمة) وقال: (فيه ذكرا رسولا)، وفي علي: (وأنزلنا اليك الذكر). وقال فيه: (على رجل منكم)، وفي علي: (رجال لاتلهيهم تجارة). وقال فيه: (ثم دنى فتدلى)، وكان صلى الله عليه وآله يجد شبه علي في معراجه. وكانت علامة النبوة بين كتفيه، وعلامة الشجاعة في ساعدي علي. نزلت الملائكة يوم بدر بنصرته (يمددكم ربكم)، وكان جبرئيل يقاتل عن يمين علي وميكائيل عن يساره وملك الموت قدامه. أرسله الله إلى الناس كافة، وعلي إمام الخلق كلهم. كان النبي أكرم العناصر (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين)، وعلي منه وهو الذي (خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا). وقال فيه: (ان الذين يؤذون النبي ويقولون هو إذن)، وقال لعلي: (وتعيها اذن واعية). وقال النبي: نصرت بالرعب، وقال: يا علي الرعب معك يقدمك أينما كنت. سهل بن عبد الله عن محمد بن سوار عن مالك بن دينار عن الحسن البصري عن أنس في حديث طويل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا خاتم الانبياء وأنت يا علي خاتم الاولياء. وقال أمير المؤمنين (ع): ختم محمد الف نبي واني ختمت الف وصي واني كلفت ما لم يكلفوا. قال ابن حماد:


[ 55 ]

ختم الانبياء هذا وهذا * ختم الاوصياء في كل باب ابن عباس، سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: أعطاني الله خمسا، وأعطى عليا خمسا، أعطاني جوامع الكلم، وأعطى عليا جوامع الكلام، وجعلني نبيا، وجعله وصيا، وأعطاني الكوثر، وأعطاه السلسبيل، وأعطاني الوحي، وأعطاه الالهام، وأسرى بي إليه، وفتح له أبواب السماوات والحجب. عبد الرحمن الانصاري، قال رسول الله اعطيت في علي تسعا: ثلاثة في الدنيا، وثلاثة في الآخرة، واثنتان أرجوهما له، وواحدة أخافها عليه، فأما الثلاثة في الدنيا فساتر عورتي والقائم بأمر أهلي ووصيي فيهم، وأما الثلاثة التي في الآخرة فاني اعطى يوم القيامة لواء الحمد فأدفعه إلى علي بن أبي طالب فيحمله عني وأعتمد عليه في مقام الشفاعة ويعينني على مفاتيح الجنة، وأما اللتان أرجوهما له فانه لا يرجع من بعدي ضالا ولا كافرا، وأما التي أخافها عليه فغدر قريش به من بعدي. الخركوشي في شرف النبي وأبو الحسن بن مهرويه القزويني واللفظ له: عن الرضا (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي اعطيت ثلاثا لم أعطها، اعطيت صهرا مثلي، واعطيت مثل زوجتك فاطمة، واعطيت مثل ولديك الحسن والحسين. قال المفجع البصري: كان مثل النبي زهدا وعلما * وسريعا إلى الوغى أحوذيا فصل: في مساواته سائر الانبياء عليهم السلام سمى الله تعالى سبعة نفر ملكا، ملك التدبير ليوسف (رب قد آتيتني من الملك)، وملك الحكم والنبوة لابراهيم (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)، وملك العزة والقدرة والقوة لداود (وشددنا ملكه)، وقوله: (وألنا له الحديد)، وملك الرياسة لطالوت (ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا)، وملك الكنوز لذي القرنين: (إنا مكنا له في الارض)، وملك الدنيا لسليمان: (رب هب لي ملكا) وملك الآخرة لعلي: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا). وقد سمى الله تعالى خمسة نفر صديقين: (يوسف أيها الصديق)، (واذكر في الكتاب ادريس انه كان صديقا)، (واذكر في الكتاب اسمعيل انه كان صادق الوعد)، (وامه صديقة) يعني مريم، (والذي جاء بالصدق وصدق به) يعني عليا، وكذلك قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون)، فاخوة يوسف عادوه فصاروا له منقادين)، وأحبه أبوه (فبشر به فلما أن جاء البشير)، وعادى ادريس قومه (فرفعه


[ 56 ]

الله إليه)، وابراهيم عاداه نمرود فهلك، وأحبه سارة فبشرت (فبشرناه باسحق)، وعادت اليهود مريم فلعنت وأحبها زكريا (إنا نبشرك)، وعادت النواصب عليا فلعنهم الله في الدنيا والآخرة وأحبته الشيعة فبشرهم بالجنة (يبشرهم ربهم برحمة منه) وخمسة نفر فارقوا قومهم في الله، قال نوح: (يا قوم ان كان كبر عليكم مقامي، وقال هود حين قالوا: ان نقول إلا اعترتك بعض آلهتنا بسوء: (اني اشهد الله)، وقال ابراهيم (واعتزلكم وما تدعون من دون الله) الآيات. وقال محمد: (نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله)، وقال علي: فأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من العلقم. وخمسة من الانبياء وجدوا خمسه أشياء في المحراب: وجد سليمان ملك سنة بعد موته (ما دلهم على موته إلا دابة الارض) ووجد داود العفو (فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب)، ووجدت مريم طعام الجنة (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا)، ووجد زكريا بشارة يحيى (فنادته الملئكة وهو قائم يصلي في المحراب)، ووجد علي الامامة (إنما وليكم الله ورسوله) الآية. وقد ساواه الله تعالى مع نوح في الشكر: (انه كان عبدا شكورا) وقال لعلي: (لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا). وبالصبر مع أيوب: (إنا وجدناه صابرا)، وفي علي: (وجزاهم بما صبروا). وبالملك مع سليمان: (رب هب لي ملكا) وقال في علي: (وملكا كبيرا). وبالبر مع يحيى: (وبرا بوالديه)، وقال في علي (ان الابرار يشربون). وبالوفاء مع ابراهيم: (وابراهيم الذي وفى)، وقال في علي (يوفون بالنذر). وبالاخلاص مع موسى: (انه كان مخلصا)، وقال في علي: (إنما نطعمكم لوجه الله) الآية. وبالزكاة مع عيسى: (وأوصاني بالصلوة والزكوة) وقال في علي: (إنما وليكم الله ورسوله) الآية. وبالامن مع محمد: (ليغفر لك الله) وقال في علي: (فوقيهم الله شر ذلك اليوم). وبالخوف مع الملائكة: (يخافون ربهم من فوقهم)، وقال في علي: (إنما نخاف من ربنا). وبالجود مع نفسه: (وهو يطعم ولا يطعم)، وقال فيه: (إنما نطعمكم لوجه الله). وخمس فضائل في خمسة من الانبياء، وقد استجمع في علي كلها، (وهل أتيك حديث ضيف ابراهيم)، (وكلم الله موسى تكليما)، (ماهذا بشر) يعني يوسف، (وكأين من نبي قاتل معه) يعني زكريا ويحيى، (فيستحي منكم) يعني محمدا، وقال في علي: (ويطعمون الطعام) وقد كلمه الجان والشمس والاسد والذئب والطير، وهو الذي خلق من الماء بشرا، وقتل في المحراب، وسم الحسن، وذبح الحسين. وكان يونس في بطن الحوت محبوسا


[ 57 ]

(فنادى في الظلمات)، ويوسف في الجب مطروحا: (فألقوه في غيابة الجب)، وموسى في التابوت مقذوفا: (فاقذفيه في اليم)، ونوح في السفينة راكبا: (أن اصنع الفلك)، وعلي في السقيفة مظلوما: (الم أحسب الناس أن يتركوا) فظفر الله جمعهم وأهلك عدوهم. أربعة أشياء يخافها كل أحد حتى الانبياء: الشيطان، والحية والقتل، والجوع بيانه: (وقل أعوذ بك من همزات الشياطين)، (فأوجس في نفسه خيفة)، (اني قتلت منهم نفسا)، (وقال لفتاه آتنا غدائنا)، وعلي حارب الشيطان، وكلم الثعبان وقاتل الكفار، وأطعم المسكين واليتيم والاسير. وقد وضع الله خمسة أنوار في خمسة مواضع فأثمرت خمسة أشياء: في عارض ابراهيم فأثمر الرحمة، وفي وجه يوسف فأثمر المحبة، وفي يد موسى فأثمر المعجز، وفي جبين محمد فأثمر الهيبة، قوله صلى الله عليه وآله: نصرت بالرعب، وفي ساعد علي فأثمر الاسلام (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين). أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق عن المعمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وابن بطة في الابانة، عن ابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في حلمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى إدريس في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل، قال: فتطاول الناس فإذا هم بعلي كأنما ينقلب في صبب وينحط من جبل. تابعهما أنس إلا انه قال: وإلى ابراهيم في خلته، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. وروي انه نظر ذات يوم إلى علي قال: من أحب أن ينظر إلى يوسف في جماله، وإلى ابراهيم في سخائه، وإلى سليمان في بهجته، وإلى داود في قوته، فلينظر إلى هذا. وفي خبر عنه صلى الله عليه وآله: شبهت لينه بلين لوط، وخلقه بخلق يحيى، وزهده بزهد أيوب، وسخاءه بسخاء ابراهيم، وبهجته ببجهة سليمان، وقوته بقوة داود. قال القمي: علي حكى في العلم آدم واحتوى * مناجاة موسى والمسيح بن مريم قال النطنزي في الخصايص، قال أخبرني أبو علي الحداد، قال حدثني أبو نعيم الاصفهاني باسناده عن الاشج قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله يقول: ان اسمك في ديوان الانبياء الذين لم يوح إليهم، وقال الله تعالى: علي كسائر الانبياء (ان الله اصطفى آدم ونوحا) الآية.


[ 58 ]

لعلي خاصة: (الله يصطفي من الملئكة رسلا ومن الناس)، وقال في قصة موسى (وكتبنا له في الالواح من كل شئ) ومن للتبعيض، وقال في قصة عيسى: (ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه) بلفظة البعض، وقال في قصة علي: (وكل شئ أحصيناه في امام مبين). قال ابن مكي: فان يكن آدم من قبل الورى * نبي وفي جنة عدن داره فان مولاي على ذو العلى * من قبله ساطعة أنواره تاب على آدم من ذنوبه * بخمسة وهو بهم اجاره وإن يكن نوح بنى سفينة * تنجيه من سيل طمى تياره فان مولاي علي ذو العلى * سفينة ينجي بها أنصاره وإن يكن ذو النون ناجى حوته * في اليم كما كضه حضاره ففي جلندى للانام عبرة * يعرفها من دله اختياره ردت له الشمس بأرض بابل * والليل قد تجللت أستاره وإن يكن موسى رعى مجتهدا * عشرا إلى أن شفه انتظاره وسار بعد ضره بأهله * حتى علت بالواديين ناره فان مولاي علي ذو العلى * زوجه واختار من يختاره وإن يكس عيسى له فضيلة * تدهش من أدهشه انبهاره من حملته امه ما سجدت * للات بل شغلها استغفاره وقال ابن الرومي: رأيتك عند الله أعظم زلفة * من الانبياء المصطفين ذوي الرشد وقال الله تعالى في حق الملائكة: (يخافون ربهم من فوقهم)، وفي حق علي: (إنا نخاف ربنا). سأل جبرئيل الخاتم فحباه (إنما وليكم الله)، وسأل ميكائيل الطعام فأعطاه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا)، وسأل المصطفى الروح ففداه (ومن الناس من يشري نفسه)، وسأل الله السر والعلانية فأتاه (الذين ينفقون أموالهم). فردوس الديلمي، جابر قال النبي: ان الله تعالى يباهي بعلي بن أبي طالب كل يوم الملائكة المقربين حتى يقولوا: بخ بخ هنيئا لك يا علي، قال جبرئيل: أنا منكما يا محمد، والنبي صلى الله عليه وآله قال: (أنفسنا وأنفسكم). وقال جبرئيل: وما منا إلا له مقام معلوم، ومقام علي أشرف وهو منكب النبي صلى الله عليه وآله. وجبرئيل جاوز بلحظة واحدة سبع سماوات وسبع حجب حتى وصل إلى النبي من عند العرش ما كان لم يقطع في خمسين


[ 59 ]

الف سنة، وعلي رآه النبي صلى الله عليه وآله في معراجه في أعلى مكان، وعلي (ع) في المكانة والامانة عند النبي كجبرئيل وميكائيل في المكانة والامانة عند الله تعالى. وقد يتقارب الوصفان حدا * وموصوفا هما متباعدان فصل: في المفردات علي أول هاشمي ولد من هاشميين، وأول من ولد في الكعبة، وأول من آمن، وأول من صلى، وأول من بايع، وأول من جاهد، وأول من تعلم من النبي، وأول من صنف، وأول من ركب البغلة في الاسلام بعد النبي. وكذلك اخرات كثيرة، وعلي آخر الاوصياء، وآخر من آخى النبي، وآخر من فارقه عند موته، وآخر من وسده في قبره وخرج. ومن نوادر الدنيا: هاروت وماروت في الملائكة، وعزيز في بني آدم، وولادة سارة في الكبر، وكون عيسى بلا أب، ونطق يحيى وعيسى في صغرهما، والقرآن في الكلام، وشجاعة علي بين الناس. ومن العجائب: كلب أصحاب الكهف، وحمار عزير، وعجل السامري، وناقة صالح، وكبش اسماعيل، وسمك يونس، وهدهد سليمان ونملته، وغراب نوح، وذئب اوس بن اهنان، وسيف علي. وقد من الله على المؤمنين بثلاثة: بنفسه (يمنون عليك ان أسلموا)، وبالنبى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا) الآية، وبعلي: (قل بفضل الله وبرحمته). وقد سمى الله ستة أشياء رحمة: (فانظر إلى آثار رحمة الله) المطر، (ولولا فضل الله عليكم ورحمته): التوفيق، (يدخل من يشاء في رحمته) الاسلام: (وآتاني من رحمة): الايمان، (وما أرسلناك إلا رحمة): النبي، (قل بفضل الله ورحمته): علي. وقد مدح الله حركاته وسكناته، فقال لصلاته: (إلا المصلين)، ولقنوته: (أمن هو قانت)، ولصومه: (وجزاهم بما صبروا)، ولزكاته: (ويؤتون الزكوة)، ولصدقاته: (الذين ينفقون أموالهم)، ولحجه: (وأذان من الله ورسوله) ولجهاده: (أجعلتم سقاية الحاج)، ولصبره: (الذين أصابتهم مصيبة)، ولدعائه: (الذين يذكرون الله)، ولوفائه: (يوفون بالنذر)، ولضيافته: (إنما نطعمكم لوجه الله)، ولتواضعه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، ولصدقه: (وكونوا من


[ 60 ]

الصادقين)، ولآبائه: (وتقلبك في الساجدين)، ولاولاده: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، ولايمانه: (السابقون السابقون)، ولعلمه: (ومن عنده علم الكتاب). قال النبي (ص): يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري. قال ابن حماد: جل العلي علا * عن مشبه ونظير إمام كل إمام * أمير كل أمير حجاب كل حجاب * سفير كل سفير باب إلى كل رشد * نور على كل نور وحجة الله ربي * على الجحود الكفور وقال النبي صلى الله عليه وآله: علي في السماء كالشمس في النهار في الارض، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الارض. وقال النبي: مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة، ومثل كمثل الشمس إذا طلعت أنارت قال دعبل (1): علي كعين الشمس عم ضياؤها * بذاك أشار المؤمنون إلى علي وكان للنبي صلى الله عليه وآله خليفتان، في الخبر ان النبي بكى عند موته فجاء جبرئيل وقال لم تبكي ؟ قال: لامتي من لهم بعدي، فرجع ثم قال: ان الله تعالى يقول: أنا خليفتك في امتك، وقال صلى الله عليه وآله لعلي (ع): أنت تبلغ عني رسالاتي، قال: يا رسول الله أما بلغت ؟ قال: بلى ولكن تبلغ عني تأويل الكتاب. خلفه ليلة الفراش ويوم تبوك لحفظ الاولياء وتخويف الاعداء فكانت دلالة على إمامته: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، أقامه مقامه بالنهار، وأنامه منامه بالليل. قال أبو الحسن فادشاه: كأنكم لم تعرفوا من نومه * على الفراش إذ تواعدتم دمه وقال السوسي: كهارون من موسى تخلف بعده * غداة تبوك إذ غدا عنه غائبا وقدمه للاخاء والمباهلة والغدير وغيرها: من كنت مولاه فعلي مولاه، قوله تعالى ” وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ” ومنك ومن نوح. كان النبي صلى الله عليه وآله مقدما في (هامش صفحه 60) (1) لدعبل بيت آخر يجري على هذا الوزن والقافية تقدم ذكره في ج 2


[ 61 ]

الخلق موخرا في البعث، ومنه قوله: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، وقوله: خلقت أنا وعلي من نور واحد، الخبر. فكنا مقدمين في الابتداء مؤخرين في الانتهاء فلم يزد محمد إلا حمدا ولا علي إلا علوا. الفايق، ان أسماء بنت عميس جاء ابنها من جعفر وابنها من أبي بكر يختصمان إليها كل واحد يقول أبي خير من أبيك، فقال علي عزمت عليك لتقضين بينهما، فقالت لابن جعفر: كان أبوك خير شباب الناس، وقالت لابن أبي بكر: كان أبوك خير كهول الناس، ثم التفتت إلى علي فقالت: ان ثلاثة أنت آخرهم لخيار، فقال علي لاولادها منه: قد فسكلتني امكم – أي أخرتني – وجعلتني كالفسكل، وهو آخر خيل السباق. قال صقر: يا من به امتحن الاله عبيده * من كان منهم عاصيا أو طائعا اني لاعجب من معاشر عصبة * جعلوك في عدد الخلافة رابعا ولاح لحاني في علي زجرته * وسددت بالسبابتين المسامعا وباع عليا واشترى غيره به * شراءا وبيعا أعقبا وصنائعا فقلت له لم قد ضللت عن الهدى * وظلت عم في مربع الكفر راتعا أصيرت مفضولا كمن هو فاضلا * وصيرت متبوعا كمن هو تابعا فكان علي أولا فجعلته * بجهلك ظلما – لا أبا لك – رابعا ولو لم تخف يوما وملكت طاعة * لصيرته من فرط بغضك تاسعا العرب تبدأ بالادنى فتقول: ربيعة ومضر، وعلى هذا قوله: (فمنكم كافر ومنكم مؤمن)، (يولج الليل في النهار)، (التائبون العابدون)، فتقديمه تأخيره (لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد). قال أبو منصور: لا نلحني في هوى الاخير وقد * جاءت به البينات والرسل هذا نبي الهدى أخيرهم * مفضل عندنا على الاول وقال غيره: واني وان كنت الاخير فانني * اعد إذا ما أحجم القوم أولا وقال آخر: لاستعملن السيف في كل مارق * يقول علي آخر وهو أول منعوا حقه فعوضه الله الجنة (وجزاهم بما صبروا جنة). عزلوه عن الملك فملكه الله الآخرة (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) أطعم قرصه فأتى الله عليهم بثمان عشر آية، قوله: (ان الابرار يشربون) إلى قوله (مشكورا)، وأنزل في شأن


[ 62 ]

المتكلفين: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم)، أطعم الطعام على حبه فأوجب حبه على الناس، وبذل النفس على رضاه: (فجعل الله رضاه في رضائه)، قال الشيخ: وليتكم ولست بخيركم، وقال الله في علي: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية). الماء على ضربين طاهر ونجس، فعلي طاهر لقوله: (وهو الذي خلق من الماه بشرا)، وعدوه نجس: (إنما المشركون نجس)، الطهور: طاهر ومطهر، والنجس: نجس عينه كيف يطهر غيره (فلم تجدوا ماء فتيمموا)، فمحمد الطهور وعلي الصعيد لان محمد أبو الطاهر وعلي أبو التراب، قوله تعالى: أو من، أفمن، أم، من، في القرآن في عشرة مواضع، وكلها في أمير المؤمنين وفي أعدائه: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا)، (أم من هو قانت)، (أفمن كان على بينة)، (أفمن شرح) الله صدره للاسلام)، (أفمن يعلم إنما انزل اليك من ربك الحق)، (أفمن يمشي مكبا على وجهه)، (أفمن زين له سوء عمله)، وقد تقدم شرح جميعها. قال الصادق (ع): أو من كان ميتا عنا فأحييناه بنا. أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت قوله: (أفمن وعدناه وعدا حسنا) في حمزة وجعفر وعلي. ومجاهد وابن عباس في قوله: (أفمن يلقى في النار خير) يعني الوليد بن المغيرة، (أم من يأتي آمنا من غضب الله): وهو أمير المؤمنين. ثم أوعد أعداءه فقال: (اعملوا ما شئتم) الآية. الاغاني، كان ابراهيم بن المهدي شديد الانحراف عن أمير المؤمنين (ع)، فحدث المأمون يوما قال: رأيت عليا في النوم فمشيت معه حتى جئنا قنطرة فذهب يتقدمني لعبورها فأمسكته وقلت له: إنما أنت رجل تدعي هذا الامر بامرأة ونحن أحق به منك، فما رأيته بليغا في الجواب قال: وأي شئ ؟ قال: لك، قال: ما زادني على أن قال سلاما سلاما، فقال المأمون: قد والله أجابك أبلغ جواب، قال: كيف ؟ قال: عرفك انك جاهل لاتجاب قال الله عزوجل (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامة). أبو منصور الثعالبي في كتاب الاقتباس من كلام رب الناس، انه رأى المتوكل في منامه عليا (ع) بين نار موقدة، ففرح بذلك لنصبه فاستفتى معبرا فقال المعبر: ينبغي أن يكون هذا الذي رآه أمير المؤمنين نبيا أو وصيا، قال: من أين ؟ قلت: هذا من قوله تعالى (أن بورك من في النار ومن حولها). الحريري في درة الغواص انه ذكر شريك بن عبد الله النخعي فضائل علي عليه السلام، فقال اموي: نعم الرجل علي، فغضب وقال: العلي يقال نعم الرجل ! فقال: يا عبد الله ألم يقل الله في الاخبار عن نفسه (فقدرنا فنعم القادرون) وقال في


[ 63 ]

أيوب: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) وقال في سليمان: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد) أفلا ترضى لعلي ما يرضى الله لنفسه ولانبيائه، فاستحسن منه. وقال بعض النحاة: هذا الجواب ليس بصواب، وذلك ان نعم الله تعالى ثناء على حقيقة الوصف له تقريبا على فهم السامعين لمكان انعامه عليهم، وفي حق أنبيائه تشريفا لهم، فاما من الآدمي في حق الاعلى فهو يقرب من الذم، وإن كان مدحا في اللفظ، كما يقال في حق النبي صلى الله عليه وآله: محمد فيه خير فهو صادق إلا انه مقصر. وكان أبو بكر الهروي يلعب بالشطرنج فسأله جبلي عن الامام بعد النبي فوضع الهروي شاه وأربع بنادق فقال: هذا نبي وهذة الاربعة خلفاوه، فقال الجبلي: الذي في جنبه ابنه، فقال: لا ولم يبق له سوى بنت، قال: فهذا ختنه، قال: لا وإنما هو ذاك الاخير، قال: هذا أقربهم إليه أو أشجعهم أو أزهدهم، قال: لا إنما ذلك هو الاخير، قال: فما يصنع هذا بجنبه. العين واللام مائة، والياء عشرة، وفي عقد الاصابع المائة بالشمال، والعشرة باليمين يتساويان، فإذا نظرت فيهما وجدت لفظة الله مرتين. موازين السماء والارض محمد وعلي وذلك بعد ما القيت من كل كلمة تسعة تسعة، فيدل الباقي على انهما خلقتا لهما. الحاء والعين من حروف الحلق، فإذا قلت: محمد وعلي، ملات فاك وقلبك. قولهم: محمد وعلي كلاهما أملي. وقال الميمية والعينية: ان محمدا وعليا قبالة جميع الناس، فالرأس منهم بمنزلة الميم من محمد، والحاء بمنزلة اليدين، والميم بمنزلة البطن، والدال بمنزلة الرجلين. وقد كتب الله على جميع وجوه الناس: عليا، في موضعين كل عين من الوجه بمنزلة عين من علي وبعده، فالباصرة تسمى عينا، والانف بمنزلة اللام، وكل حاجب بمنزلة ياء مقلوب. قال ابن حماد: وإذا اختار كل قوم إماما * فاختياري عين ولاء ولام وياء كلام منظور اتفقت تفاصيل حروفه ومقاطع الفاظه في المعنى وهو وجوب الامامة 35 العلة 35 اان اه‍ مفردا 13 النبي 3 وأوجبت الامامية 4 العلي ه‍ 4 ه‍ 51 مفردا. فصل: في الشواذ من مناقبه ان الله تعالى ذكر الجوارح في كتابه وعنى به عليا (ع)، نحو قوله: (ويحذركم الله نفسه). قال الرضا (ع): علي خوفهم به قوله (ويبقى وجه ربك). قال الصادق نحن وجه الله ونحن الآيات ونحن البينات ونحن حدود الله. أبو المضارب عن الرضا


[ 64 ]

قال في قوله: (أينما تولوا فثم وجه الله) قال علي. قال العبدي: وانك وجهه الباقي وعين * له ترعى الخلايق أجمعينا وله أيضا: وهو عين الله والوجه الذي * نوره نور الذي لا ينطفي وله أيضا: فسماه في القرآن ذو العرش جنبه * وعروته والوجه والعين والاذنا فشد به ركن النبي محمد * فكان له من كل نايبة حصنا وأفرده بالعلم والباس والندى * فمن قدره يسمى ومن فعله يكنى قوله تعالى: (تجري بأعيننا) الاعمش جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عمرا على علي (ع)، فقال علي: مررت بهذا وهو مقاوم امرأة فسمعت ما كرهت، فقال عمر: ان الله عيونا وان عليا من عيون الله في الارض. وفي رواية الاصمعي انه قال (ع): رأيته في حرم الله إلى حريم الله، فقال عمر: إذهب وقعت عليك عين من عيون الله وحجاب من حجب الله تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء. قال العوني امامي عين الله في الارض تطرف * العيون لها من كل ناظرة كل وقال العبدي: أنت عين الاله والجنب من فر * ط فيه يصلى لظى مذموما أنت فلك النجاة فينا وما زل‍ * ت صراطا إلى الهدى مستقيما وعليك الورود تسقى من الحو * ض ومن شئت ينثني محروما واليك الجواز تدخل من شئ‍ * ت جنانا ومن تشاء جحيما وقال ابن الصباح: قال فما العين وفيما صورت * قلت هو العين علي فابتسم قال وما اذن وعت عن ربها * قلت وعى بالاذن من غير صمم قال وما الجنب وما فضلهم * قلت هو الجنب وحبل المعتصم قال فما الفلك المنجي أهلها * قلت هو الفلك وأسباب النعم قال فما الشهر الحرام يافتى * قلت هو الشهر الحلال والحرم قال فما الحج وما الحجر أبن * قلت فلولاه فما كان حرم أبو ذر في خبر عن النبي صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر يؤتى بجاحد علي يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات القيامة ينادي يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وفي عنقه طوق


[ 65 ]

من النار. الصادق والباقر والسجاد وزيد بن علي (ع) في هذه الآية قالوا: (جنب الله) علي وهو حجة الله على الخلق يوم القيامة. الرضا (ع) في: (جنب الله) قال في ولاية علي. وقال أمير المؤمنين (ع): أنا صراط الله أنا جنب الله. قال السوسي: علي على رغم العدى أكرم البشر * وخيرهم من يأب ذاك فقد كفر يا سيدي يا علي يا من * أعلامه ليس بالخفية وقال ابن حماد: وجنب الله فرط فيه قوم * فأضحوا في القيامة نادمينا وقال العوني: إمامي يد الله البسيطة في الورى * بها يقبض الارواح وإن شاء البدل وقال العبدي: يا علي بن أبي طالب يابن الاول * يا حجاب الله والباب القديم الازلي أنت أنت العروة الوثقى التي لم تفصل * أنت باب الله من يأتيك منه يصل وقال العوني: وهو الحجاب القديم قدما * وحجة الله والسفير وله أيضا: أبان من الفرقان ما كان مشكلا * وأثبت في الاحكام ما كان قد ذهب وزلزل بالارجاس كل مزلزل * وأوهى عماد الكفر بالسمر والقضب هو العين عين الله والجنب جنبه * وميثاقه المأخوذ في الذر إذ نصب هو النور نور الله في الذكر مثبت * فلم يخف من عين الولي ولم يغب هو المثل الاعلى كفاك باسمه * علي علافى الاسم والباس والحسب فيا زينة الدنيا ونور سمائها * ويا صاحب الآيات دائرة القطب ويا نهر طالوت المحرم شربه * سوى غرفة يروى بها المرء إن شرب وقال الزاهي: مفقه الامة والقاضي الذي * أحاط من علم الهدى ما لم يحط والنبأ الاعظم والحجة والم‍ * صباح والمحنة في الخطب الورط


[ 66 ]

حبل الله وباب الحطة ال‍ * فاتح بالرشد مغاليق الخطط والقدم والصدوق الذي سيط به * قلب امرئ بالخطوات لم يسط ونهر طالوت وجنب الله وال‍ * عين التي بنورها العقل خلط والاذن الواعية الصماء عن * كل خنا يغلط فيه من غلط حسن مآب عند ذى العرش ومن * لولا أياديه لكنا نختبط وقال العبدي: هو البحر يعلو العنبر المحض متنه * كما الدر والمرجان من قعره يجنى إذا عد أقران الكريهة لم نجد * لحيدرة في القوم كفوا ولا قرنا وقال الناشي: هو البحر يغني من غدا في جواره * ولا سيما إن أظهر الدر ساحله هو الفخر لا أولائكم ان ندبته * فلا عجب إن يندب الفخر ناكله حجاب إله الخلق أحكم رتقه * وستر على الاسلام ذو الطول سائله وباب غدا فينا لكل مدينة * وحبل ينال الرشد في البعث واصله فصل: في أسمائه وألقابه وكناه قال صاحب كتاب الانوار: ان له في كتاب الله ثلاثمائة اسم، فأما في الاخبار فالله أعلم بذلك. قال ابن حماد: الله سماه أسماء تردد في ال‍ * قرآن نقرؤها في محكم السور في الحجر والنمل والانفال قبلهما * والصافات وفي صاد وفي الزمر وقيل سماه في التوراة ثمة في * الانجيل يعرفه التالون في الزبر واختاره وارتضاه للنبي أخا * وللبتولة بعلا خيرة الخير وله أيضا: وكم قد حوى القرآن من ذكر فضله * فما سورة منه ومن فضله تخلو ألم تكفك الانعام في غير موضع * ويونس ان فتشت والحجر والنحل وسورة ابراهيم والكهف فيهما * وطاها ففي تلك العجائب والنمل ويسمونه أهل السماء شمساطيل، وفي الارض جمحائيل، وفي اللوح قنسوم، وعلى القلم منصوم، وعلى العرش المعين، وعند رضوان أمين، وعند الحور العين أصب، وفي صحف ابراهيم حزبيل، وفي العبرانية بلقياطيس، وفي السريانية شروحيل،


[ 67 ]

وفي التوراة ايليا، وفي الزبور اريا، وفي الانجيل بريا، وفي الصحف حجر العين، وفي القرآن عليا، وعند النبي ناصرا، وعند العرب مليا، وعند الهند كبكرا ويقال لنكرا، وعند الروم بطريس، وعند الارمن فريق، وقيل اطفاروس، وعند الصقلاب فيروق، وعند الفرس خير وقل فيروز، وعند الترك تيتر أو عنيل وقيل راج، وعند الخزر برين، وعند النبط كريا، وعند الديلم بنى، وعند الزنج حنبن، وعند الحبشة تبريك وقالوا كرقنا، وعند الفلاسقة يوشع، وعند الكهنة بوي، وعند الجن حبين، وعند الشياطين مدمر، وعند المشركين الموت الاحمر، وعند المؤمنين السحابة البيضاء، وعند والده حرب وقيل ظهير، وعند امه حيدرة وقيل أسد، وعنده ظئره ميمون وعند الله علي. قال العوني: من اسمه يعرف في الانجيل * برتبة الاعظم والتبجيل يدعو عليا أهله اليا وهو الذي سمي في التوراة * عند الاولى هاد من الهداة من كل عيب في الورى بريا وهو الذي يعرف عند الكهنه * وهم لاسماء الجليل الخزنه مبوئ الحق الورى بويا وهو الذي يعرف في الزبور * باسم الهزبر العنبس الهصور ليث الورى ضرغامها اريا وهو الذي يدعونه بكبكرا * في كتب الهند القدرا حقا وعند الروم بسطريسيا وبطرسي قابض الارواح * وفي كتاب الفرس رغم اللاحي خير وخير عند ذى الافصاح * حين يسمي فرسنا الباريا وهو تبير بلسان الترك * معنى تبير نمر ذو محك إذا عرفت منطق التركيا والزنج تدعوه لعمري حنبنا * قطاع أو صال إذا ما ان دنى فاسأل بمعنى حنبنا الزنجيا وقد دعاه الحبشي المجبر * تبريك وهو الملك المدمر إن شئته فاسأل به الحبشيا وامه قالت هو ابني حيدره * ضرغام آجام وليث قسوره وحيدر ما كان باطنيا


[ 68 ]

وقد دعته طئره ميمونا * وفي أخي رضاعه الميمونا وهو رضيع حبذا غذيا واسم أخيه في بني هلال * معلق الميمون ذو المعالي موهبة خص بها صبيا وهو فريق بلسان الارمن * فاروقه الحق لكل مؤمن فاسأل به من كان أرمنيا وسأل المتوكل زيد بن حارثة البصري المجنون عن علي (ع) فقال على حرف الهجاء: علي هو: الآمر عن الله بالعدل والاحسان، الباقر علوم الاديان، التالي سور القرآن الثاقب لحجاب الشيطان، الجامع أحكام القرآن، الحاكم بين الانس والجان، الخلي من كل زور وبهتان، الدليل لمن طلب البيان، الذاكر ربه في السر والاعلان، الراهب ربه في الليالي إذا اشتد الظلام، الزايد الراجح بلا نقصان، الساتر لعورات النسوان، الشاكر لما أولى الواحد المنان، الصابر يوم الضرب والطعان، الضارب بحسامه رؤوس الاقران، الطالب بحق الله غير متوان ولاخوان، الظاهر على أهل الكفر والطغيان، العالي علمه على أهل الزمان، الغالب بنصر الله للشجعان، الفالق للرؤوس والابدان، القوي الشديد الاركان، الكامل الراجح بلا نقصان، اللازم لاوامر الرحمن، المزوج بخير النسوان، النامي ذكره في القرآن، الولي لمن والاه بالايمان، الهادي إلى الحق لمن طلب البيان، اليسير السهل لمن طلبه بالاحسان. فصل: في ألقابه على حروف المعجم (الهمزة) سيد النجباء، ونور الاصفياء، وهادي الاولياء، وقبله الرحمات، وقدوة الاوصياء، وإمام الاتقياء، وأمير الامراء، وأمين الامناء، وثمال الضعفاء، وغصة الاعداء، ومرشد العلماء، ومفقه الفقهاء، وأعلم القراء، وأقضى ذوي القضاء، وأبلغ البلغاء وأخطب الخطباء، وأنطق الفصحاء، ومجيز الشعراء، وأشهر أهل البطحاء، والشهيد أبو الشهداء، وزوج فاطمة الزهراء، وصاحب الراية واللواء، ودافع الكرب واللاواء، ومعز الاولياء، ومذل الاعداء، السابق بالوفاء، ثاني أهل الكساء، مضمخ مردة الحروب بالدماء، الخارج عن بيت المال صفر اليد عن الصفراء والحمراء والبيضاء، أعلم من فوق رقعة الغبراء، وتحت أديم السماء، المستأنس المناجاة في ظلمة الليلة الليلاء، حجة سيد الانبياء، مقدم الوصيين والنقباء، خليفة رب الارض والسماء،


[ 69 ]

ما غرته سمراء ولا بيضاء، وما استبته صفراء ولا حمراء، وما أعجبته عين ولا حوراء، ولا مزرعة خضراء، ولا مدرعة دكناء، ولا بريدة رفضاء. (الالف) المطهر المجتبى، المنذر المرتضى، المأمون المقتدى، الخطة الكبرى، العروة الوثقى، الآية الكبرى، الحجة العظمى، المحنة للورى، المسبب الاعلى، المستقيم على الهدى، إمام أهل الدنيا، شقيق النبي المصطفى، ليث الشرى، غيث الندى، حتف العدى، مفتاح الهدى، قطب رحى الهدى، مصباح الدجى، جوهر النهى، بحر اللهى، سعار الوغى، قطاع الطلى، شمس الضحى، أبو القرى في ام القرى، المبشر بأعظم البشرى، المطلق للدنيا، موثر الآخرة على الاولى، رب الحجى، بعيد المدى، مشيد الفتوى، نظير هارون بن موسى، مولى لمن له رسول الله مولى، كثير الجدوى، شديد القوى، سالك الطريقة المثلى، المعتصم بالعروة الوثقى، الفتى الذي انزل فيه هل أتى، أكرم من ارتدى، وأشرف من احتذى، أعلم من ابتدى، أحبى من احتبى، افضل من راح واغتدى، واشجع من ركب ومشى، اهدى من صام وصلى، مكافح من عصى، وشق في دين الله العصا، ومراقب حق الله اين امر ونهى، الذي ما صبا في الصبى، وسيفه عن قرنه مانبا، اقام الحجة الزهرا. وجلا ظلم الشرك وجلى، شمس الضحى، بدر الدجى، نجم اهل العبا، علم الهدى، ابن عم المصطفى، الملقب بالمرتضى. (الباء) كشاف الكرب، مضاف السبب إلى النسب، معطوف السبب على النسب، المخصوص بأشرف الاصل والحسب، الهاشمي الام والاب، المفترع ابكار الخطب، الآمر بالادب، مسعر وحرب، ومزهر خطب، سيد العرب، رجل الكثيبة والكثيب، والحراب والمحراب، والطعان والضراب، والخير والحساب بلا حساب، مطعم السغاب، بجفان كالجواب، راد المعضلات بالجواب الصواب، مضيف النسور والذئاب، بالبتار الماضي الذباب، هازم الاحزاب، وقاصم الاصلاب، وقاسم الاسباب، حزاز الرقاب بابن القراب، مفتوح الباب إلى المحراب عند سد ابواب ساير الاصحاب، جديد الرغبات في الطاعات والثواب، بالي الجلباب، رث الثياب، رواض الصعاب، معسول الخطاب، عديم الحجاب والحجاب، ثابت اللب في مدحض الالباب، عديم اشباه واضراب، ومرشد عجم واعراب، ذو إعراب وذو اغراب، من جمع بين عتل ونضاب وأسل ونصاب، واجمل الصبر على كل مصاب. وعلى كل اوجاع واوصاب، الذي


[ 70 ]

يزهر به كل منحراب، يوما محرر رقاب ويوما مضرب رقاب، ومقدم جفان غراب، مجدل الاتراب معفر ين بالتراب، المكنى بأبي تراب، الامام المحارب، ليس بحبان ولا هارب، ختن الرسول والاخ والصاحب، ولي الملك الغالب، خواض المواكب، بذال الرغايب، المكرم للقرايب والاقارب، والحلال المشكلات الغرايب، الذي لم يخرج بعد الانبياء مثله فيما بين الصلب والترائب، مخاصم الخلائق ولرضى الله طالب، كثير المناقب، رفيع المراتب، غالب كل غالب، علي بن ابي طالب، المعصوم من العيوب، المحجوب إلى القلوب. المنبأ مما نبأه الله ورسوله من الغيوب من العلم المكنون المحجوب، المشعو ب لقبائل الكفر والشعوب، حبيب رسول الله، وربيب نبي الله، صاحب القرابة والقربة، وكاسر اصنام الكعبة، ليث الغابة، وافضل الصحابة، الذي من صفاته: البنيان، والبيت، والباب، والبحر، والبنية، والبشرى والبشير والبر، والباس، والبلاغ، والبقية، والبلوى. (التاء) منجز العدات، قاصم العداة، المفتاح والنجاة، المفرج للمشكلات، السابق بالخيرات، التالي للآيات، القبلة للسادات، ولي الخيرات كاشف الكربات، مبين المشكلات، دافع المعضلات، صاحب المعجزات، عين الحياة، سفينة النجاة، خواض الغمرات، حامل الالوية والرايات، ومولى الاعمال والولايات، منكس العزى واللات، كان للنبي حسنة من حسناته، مشتقة من كرم عنصره وذاته، يتأذى بأذاته، ويتألم لشكاته وشداته، وتتقذى عينه بقذاته، دعا الله بموالاة ذي موالاته، ومعاداة ذي معاداته، كان لرسول الله عضدا غير مفتوتة، ويدا غير مكفوته، اثلته غير منحوته، واوراقها غير محتومة، الذي من اسمائه: التائب، والتسنيم، والتذكرة، والتابع، والتالي. (الثاء) ومن اسمائه: الثقل، والثواب، والثلة. (الجيم) الجاثي، والجامع، والجار، والجوار. (الحاء) الحطة، والحجاب، والحيدر، والحاكم، والحامد، والحميد، والحبر، والحق، والحبل، والحسنة، والحافظ، والحليم، والحكيم، وحامل لواء الحمد.


[ 71 ]

(الخاء) خير البشر، خير البرية، وخير الامة، وخير الناس، والخليفة، والخاصف، والخازن، والخاشع، والخصم. (الدال) السيد المرشد، والمنعم المؤيد، والعالم الزاهد، والمتقي العابد، والداعي الشاهد، والمثل القائد، والمفلح المشاهد، المحمود في المواقف والمشاهد، عصرة المنجود، ومن الذين أحيوا اموات الآمال بحياة الجود، ومن الذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود، خليفة الرسول في مهاده، وموضع سره في اصداره وايراده، وملين عرايك اضداده، وابو اولاده، منجز وعده، والموفي بعهده، جعل الله ولد هذا اولاده، وكبد هذا اكباده، هو الذي كان لجنود الحق سيدا، ولكؤس العطاء يدا وعضدا ومددا، الذى كان من اسمائه: يدا وودا، وهاديا، ومؤيدا، واسدا، وساجدا، وسيدا، وأبا، ووالدا، وولدا، وبيضة البلد. (الذال) ومن اسمائه: الذكر، والذاكر، والذايد، والذرية، ذو القربى، وذو المحن، وذو النورين. (الراء) الامام الطاهر، القمر الباهر، الماء الطاهر، الفرات الزاخر، الاسد الخادر، الربيع الباكر، الخير والذكر، الصديق الاكبر، الشفيع في المحشر، الموت الاحمر، والعذاب الاكبر، أبو شبير وابو شبر المسمى بحيدر، وما ادراك ما حيدر، هو الكوكب الازهر، والقمر الانور، والطود الاكبر، والضرغام المصدر، الطاهر المخير، والصمصام المذكر، وصاحب براءة وغدير خم وراية خيبر، كمي احد وحنين والخندق وبدر الاكبر، ساقي وراد الكوثر يوم المحشر، ومن اعطي رسول الله بنسله الكوثر، الايمان المنير، والليل الستير، والحجر المستنير، الامام والوصي والختن وابن العم والاخ والوزير، الذي كان لضعفاء المسلمين، ولاقوياء الكافرين مبيرا، ولجيش الله مبارزا واميرا، ولكؤس العطاء على الفقراء مديرا، حتى نزل فيه وفي اهل بيته الذي طهرهم الله تطهيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا، الامام المختار، المعروف بلا إنكار، الواعظ بالنصح والانذار، قاتل المنافقين والكفار، مقعص الجيش الجرار، صاحب ذى الفقار، وقاتل عمرو ومرحب وذى الحمار،


[ 72 ]

كهف الاخيار، وملجأ الابرار، ومنجي الاخيار، قمر الاقمار، ورغم الفجار، وقسيم الجنة والنار، سيد المهاجرين والانصار، صنو جعفر الطيار، وابن عم النبي المختار، الكرار غير فرار، امير البررة، وقاتل الكفرة، ودامغ الفجرة، وفاقئ عيون السحرة، وثمرة بيعة الشجرة، الذي لم يخالف الله طرفة عين فيما امره، المسمي نفسه يوم الغبرة بحيدرة، اخو رسول الله ووزيره ووصيه ومشيره، عين بالكرم خرارة، ومعدن العلم وفواره، لم يطلب في الدنيا إمارة، ولا لها عمارة، شقيق الخير، رفيق الطير، الذي قلع باب خيبر، وقرع عود منبر. ومن القابه: الآمر بالمعروف، والآمر بالعدل، والاول والآخر، والطاهر، والظاهر، والظهير، والصابر، والبشير، والشاكر. ومن صفاته: رباني الرعية، الداعي إلى الرضا، الرضوان، الرجل، الرجال، والراسخ، الراكع، الرحمة، الرشيد. (الزاي) حلاحل الحجاز، اسد البراز، المنفق على الاعواز، الذي لا يتعاظمه جبل الاهواز، ولا ينخدع بعادي الركاز. ومن اسمائه: الزعيم، والزاهد، والزلفى، والزيتون، وزيد (السين) شمس الشموس، وانس النفوس، وقامع الكفرة والمجوس، ومختار الملك القدوس، ومن قال فيه الرسول: لاتسبوا عليا فانه في ذات الله ممسوس، كليم الشمس، ومحيي النفس، الثاني من الخمس، البرئ من كل دنس، الحبيب عند الوحشة إلى كل انس، يبغض إلى الناس، بقتل البغاة الناكثة الارجاس، ونفى المبتدعة القاسطة الادناس، وطرد المحكمة المارقة الانكاس، اولو القوة والشوكة والباس، خير البشر وخير الامة وخير النا س، سماه نفسه، وجعل البتول عرسه، وابقى في امته حتى القيامة غرسه. الذي من اسمائه: السفينة، والسابح، والسابق، والساعة، والساجد والسبيل، والسلم، والسنة، والسيد. (الشين) أصلع قريش، وليث الجيش، لم يعتنق أمر الله بخفة وطيش، راش ضعف الاسلام أحسن ريش، ولم يثبطه عن صلاح الامة رقة خد ولا نداوة خيش. (الصاد) الذي من أسمائه: الصادق، الصديق، والصابر، والصفي. ومن صفاته: الصهر والصاحب، والصالح، والصفوة، والصوم، والصف.


[ 73 ]

(الضاد) الذايد عن الحوض، الواصل إلى الروض الذي من أسمائه: الدين، والدليل، والدال، والداعي، ودابة الارض. لم يكتنز ذهبا ولا فضة، ولم يعشق غضة ولا بضة، بل كانت دموع عينيه من خوف ربه منفضة. (الطاء) الميزان بالقسط، والجواز على الصراط. (الظاء) الذاكر إذا نسيت الحفاظ، المصقع إذا تقاصرت الوعاظ، والكاظم إذا طاش بالغيظ المغتاظ. ذو الاذن الواعية، واليد الباسطة والقلب الحفاظ. (العين) السيد الاورع، والملجأ والمفزع، والمنهل والمكرع، والسجاد الانزع، والبطين الاصلع، عبل الذراع، طويل الباع، حفوظ النزاع، المبلغ المسارع. المصدق المشفع، السبيل الشارع. أطول بني هاشم باعا، وأمضاهم زماعا، وأرحبهم ذراعا، وأغزرهم سماعا، وأكثرهم اشياعا، وأشهرهم قراعا، وأشدهم ضراعا، وأعزهم امتناعا. ومن أسمائة: علي، العالم، العلم، العدل، العباد، العابد، العذاب، العادل، العصر، العزيز العروة عين الله، عنوان صحيفة المؤمنين. (الغين) السهم النافذ والسيف القاطع والحجر الدامغ، والمتبع المبلغ. (الفاء) السيد الشريف، الكريم الغطريف، السامي المنيف، المعصوم الحنيف، الديان العفيف، طروق الكهف، ذو الرجف، منافش الخوف، قتال الالوف، مخرق الصفوف، الناهي عن المنكر والآمر بالمعروف. ومن صفاته: الفايز، والفتى، والفارق والفطرة، والفصل، والفاضل، والفخر، والفاخر. (القاف) الامام الصدق، الحنيف الحق، المائل إلى الحق، القائل بالصدق، وفتى فتيان الآفاق، سيد المهاجرين على الاطلاق، وسابق المسلمين بالاتفاق، لم تعقه خشية الاطلاق عن مواصلة الاتفاق، ساد أنفاق النفاق، شاق جماجم ذي الشقاق، كبش أهل الشام والحجاز والعراق، وشجأ حلوق الابطال عند التلاق، الذي صدق رسول الله فصدق،


[ 74 ]

وبخاتمه في ركوعه تصدق، الذي اعتصب بالسماحة وبالحماسة تطوق، ودقق في علومه وحقق، ودبر بقتل الوليد في بدر واهلاك عمرو في الخندق، ومزق من أبناء الحروب ما مزق، وغرق في لجة سيفه من اسود المعارك من غرق، وحرق بشهاب صارمه من شياطين الهياج من مرق، حتى استوسق الاسلام واتسق، الامام حقا، الهمام صدقا. ومن أسمائه: القسيم، والقسم، والقانت، وقاضي الدين، والقاضي، والقصم والقائم، والقبلة، والقوي، والقيم، والقليل، والقول، والقصر المشيد، والقدم. (الكاف) من جعل الله بباسه ومراسه قموص حصن خيبر دكا، وقمصة شجاعة ونسكا، المشيد بطيب ذكره حيث أجرى عنبرا ومسكا، وخلق على صورته في حملة عرشه ملكا. الذي من أسمائة: الكافي، والكلمة، والكتاب، والكواكب، والكرار، والكوثر، والكهف، والكاشف. (اللام) الامام العادل، المرابط المقاتل، أمير النحل، وغيث المحل، وخاصف النعل، الزكي الاصل، ذخر الذخر ليوم الفصل، الامام الاول، والوصي الافضل، والآخر والاول، فحل الشول يوم الفزع والهول، وصاحب الانعام والطول، والقوة والحول، والمحقق بالفعل ضمان القول، ضرغام يوم الجمل، المردود له الشمس عند الطفل، تراك السلب ضراب القلل، حليف البيض والاسل، شجاع السهل والجبل، نفس رسول الله يوم المباهلة، وساعده المساعد يوم المساولة، وخطيبه المصقع يوم المقاولة، زوج البتول، أخو الرسول، سيف الله المسلول، وجواد الخلق المأمول، الحجاج البهلول. العالم المسؤل، محق الباطل، والملبس الحلى للدين العاطل، عليه في التأويل تعويل، وله في التنزيل تفصيل، وله في كل محل فضيلة التفضيل، رأيه أصيل، ووراه تحصيل، نور الله الجليل، ووجهه الجميل، الذي هو محارب الكفرة والفجرة بالتنزيل والتأويل، الذي مثله مذكور في التوراة والزبور والانجيل، جعل الله من ذريته آله، فوصل بحبله حباله، جسمه ولي، رسمه جلي، اسمه علي. (الميم) الامام المعصوم، الشهيد المظلوم، النفيس المرحوم. المحسود المرحوم، باب العلوم، وجميع العلوم له معلوم، وسر النبي له مفهوم، وقلبه من خوف الله مغموم، ولاجل دين الله مهموم، باب المقام، حجة الخصام، إمام الانام، مزين الايام، أبو الأعلام،


[ 75 ]

بسيفه ظهر الاسلام وهو يومئذ غلام، ساد الانام، وكسر الاصنام، وأطال القيام، وأكثر الصيام، وأقل المنام، وكسا الايتام، ونفى الاعلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، وعلم الكرم اللئام، واستعمل الاقدام، واهتجر الاحجام، وأعمل إلى قضاء الحقوق الاقدام، الهادي إلى دار السلام، الداعي إلى دين الاسلام، الصديق الاكبر في الانام، والفاروق الاعظم بين الحلال والحرام، لم يشرب المدام، ولم يقرب الآثام، الدين القويم، والقرآن العظيم، المولى الرحيم، النبأ العظيم، الصراط المستقيم، الفاروق الاعظم، والامام المحترم، ما عبد صنما، ولا استحل محرما، بحر علم، ووعاء حكمة وحكم، بطين من العلم، منبع العلم، ومستقر الحلم، وقد جنيت ثمار النصر من علمه، والتقطت جواهر الكلم من قلمه، ومدحه جبرئيل من قرنه إلى قدمه، وتحرم أهل الحرمين بحرمه، أفصح العالمين بعد نبي الله كلاما، والدهم في كل مقام خصاما، وأكرمهم للضيف اكراما، وأقدم القرابة والصحابة إسلاما ومن أسمائه: المفلح، والمثل، والمقدم، والمؤمن، والمتوسم، والميمون، والمبارك، والمخاصم. (النون) أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، وسيد الوصيين، وفارس المسلمين، وإمام العالمين، ونور المطيعين، وراية المهتدين، وقائد الغر المحجلين، وحجة الله على العالمين، وقاتل الناكثين والقاسطين، وزوج سيدة نساء العالمين، ومبيد الشرك والمشركين، وغيظ المنافقين، وصالح المؤمنين، وأول السابقين، وأفضل المجاهدين، وخير الوصيين، وأحسن المجتهدين، وزين العابدين، ويعسوب المؤمنين، والدين، ونفس اليقين، والحصن الحصين، والخليفة الامين، والعين المعين، والروح المكين، ووارث علم النيين، وحبل الله المتين، ولسانه الناطق بالحق المبين، وأفضل الناس بعد رسول الله أجمعين، المخبت المتين، المتنافس المبين، المؤتمن الامين، المنصور المكين، غرة المهاجرين، وصفوة الهاشميين، الانزع البطين، أنزع من الشرك بطين من العلم واليقين، عنوان صحيفة المؤمنين، كان والله أبا لليتيم وعون الضعيف ومعمار الدين، وكنز المساكين، انهزم من ظله جند الشياطين، واعتضد بنصرته خاتم النبيين،، وأنزل الله في شأنه، يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. ومن أسمائة: هارون، والزيتون، واليمين، واليقين ما سجد للوثن، وما حكم بالظن، وزاده الله بسطة في العلم والجسم فللة در أبو الحسن، أجل الثقلين، السابق بالشهادتين، المتجمل بالبسطين، ومن ردت له الشمس مرتين، من جرد السيف كرتين في حياة النبي وبعده في الحالين،


[ 76 ]

في علمه وعمله ذو الشرفين، وفي سيفه وجهاده ذو الفضلين، وفي صهره وصهرته ذو الحسبين، وفي أبيه وامه ذو النسبين، لانه أول من ولد من هاشميين، وفي نفسه وزوجته ذو الريحانتين، وفي ولديه ذو النورين، والد السبطين، وأبو الحسن والحسين، مهاجر الهجرتين، مبايع البيعتين، المصلي في القبلتين، الحامل على فرسين، الضارب بالسيفين، الطاعن بالرمحين، أسمح كان ذي كفين، وأفصح كل ذي شفتين، وأبصر ذي عينين، وأسمع ذي اذنين، وأبطش ذي يدين، وأقوى ذي عضدين، وأرمى ذي ساعدين، وأطعن ذي زندين، وأفرس ذي فخذين، وأقوى ذي رجلين، وأهدى كل من تأمل النجدين، وأعلم من في الحرمين، قاضي الدين، صاحب بدر واحد وحنين، راسخ القدمين بين العسكرين، قائد أفراس العراقين. فارس منبري الحرمين، الذي لم يعص الله طرفة عين، السابق بالايمان، المشهود بالايقان، المعروف بالاحسان، المشهور في القرآن، ففي القرآن له التبيان، وفي التوراة له البرهان، وفي الانجيل له البيان، وفي الصحف له الذكران، الكليم مع الجن والثعبان، والمقاتل مع الانس والجان، زهى به الحرمان، وأذعن بالفضل له العمران، وسلم لنور وجهه القرآن، ومن صلبه استهل الثمران، وبابوته يتشارك في الفضل الحسان، الذي اوصى إليه النبي فأقر حيا عينه، وقضى منه ميتا دينه، ولم يفرق النبي بين نفسه وبينه، صاحب المدينة، وموضع السكينة، المشبه بالسفينة. مميت البدعة، ومحيي السنة، القائد إلى الجنة، والقائم بالفرض والسنة، والمهيب في الانس والجنة، والمصرف في الجهاد الاعنة، ذو الباس والمنة، والاحسان بلا منة، كاتب جواز أهل الجنة، الحق عن بيانه، والسكينة على لسانه، فقأ عيون الفتن، وتحمل في ذات الله أنواع المحن، أقدمهم اجابة وايمانا، وأقومهم قضية وايقانا، وأعظمهم حلما وعلما وبيانا. ومن أسمائه: النفس، والناس، والنسب، والنور، والنجم، والناصر، والنصرة، والنعمة والنعم. (الواو) واسطة قلادة الفتوة، ونقطة دائرة المروة، وملتقى شرفي الابوة والنبوة. وحايز ميراث النبوة، سيف النبوة، وألف الفتوة، سيف الله الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو، وذو الحلم الذي لا يصبو. ومن ألقابه: اولو العلم، اولو اللب، اولو الامر، اولو الارحام، ومن أسمائه: الوزير. والوسيلة والولد. والوارث.


[ 77 ]

(الهاء) أخو رسول الله وابن عمه، والخصيص به كابن امه، والذاب عنه كسيفه وسهمه، وكشاف كربه وغمه، ومساهمه في طمه وزمه، مسيط لحمه بلحمه ودمه بدمه، والمحيط بعلمه، أبو الأئمة، مقتدى الامة، مزيل النعمة، خليفته في امته، وختنه على ابنته. (اللام الف) ومن أسمائه: الامير، والامين، والايمان، والامة، والامانة، والاولى، والافضل، والاحسان، والآية، والاذن، والاذان. ومن نعوته: الاسلام، والاخ، والانسان، والايقان. (الياء) هو علي العلي، الوصي، الولي، الهاشمي، المكي، المدني، الابطحي، الطالبي، الرضي، المرضي، المنافي، العصامي، الاجودي، القوي، الحري، اللوذعي، الاربحي، المولوي، الصفي، الوفي، المهدي، السخي، الزكي، التقي، النقي، الذي كان للمؤمنين وليا حفيا، وللنبي وصيا، ومن آمن به صبيا، هارونه في البرية، وأمينه في الوصية، وأعلم الناس في القضية، وأفضلهم عند الله مزية، ولي الله، ووصي رسول الله، سديد الرأي، كثير اللاي، المتقي، والمصدق المهتدي، والمحسن المنادي، والمصباح المهدي، والخير الرضي، والارض الزكي، المسمى بعلي، عروة الله الوثقى، وأمينه الاعلى، ووصي رسوله المصطفى، الملقب بالمرتضى. ومن أسمائه: المهاجر والمؤتي، والمجاهد والمشتري، والولي المولي، والمتوسم والمصلي، والمؤثر والمزكي، والمستغفر والمتقي، والرعية والراعي، والمؤذن والدعي، والمتفق والمناجي والمؤيد والملتقي. فصل: في مدح أمير المؤمنين (ع) قال السيد الحميري: علي امير المؤمنين عزهم * إذا الناس خافوا مهلكات العواقب علي هو الحامي المرجى فعاله * لدى كل يوم باسل الشر غاصب علي هو المرهوب والذايذ الذي * يذود عن الاسلام كل مناصب


[ 78 ]

علي هو الغيث الربيع مع الحيا * إذا نزلت بالناس احدى المصائب علي هو العدل الموفق والرضا * وفارج لبس المبهمات الغرائب علي هو المأوى لكل مطرد * شريد ومنحوب من الشر هارب على هو المهدي والمقتدى به * إذ الناس حاروا في فنون المذاهب علي هو القاضي الخطيب بقوله * يجئ بما يعيى به كل خاطب علي هو الخصم القوول بحجة * يرد بها قول العدو المشاغب علي هو البدر المنير ضياؤه * يضئ سناه في ظلام الغياهب علي أعز الناس جارا وحاميا * وأقتلهم للقرن يوم الكتائب علي أعلم الناس حلما ونائلا * وأجودهم بالمال حقا لطالب علي أكف الناس عن كل محرم * وأبقاهم لله في كل جانب وقال العوني: من شارك الطاهر في يوم العبا * في نفسه من شك في ذاك كفر من جاد بالنفس وما ظن بها * في ليلة عند الفراش المشتهر من صاحب الدار الذي انقض بها * نجم من الجو نهارا فانكدر من صاحب الراية لما ردها * بالامس بالذل قبيع وزفر من خص بالتبليغ في براءة * فتلك للعاقل من احدى العبر من كان في المسجد طلقا بابه * حلا وأبواب اناس لم تذر من حاز في خم بأمر الله ذاك الف‍ * ضل واستولى عليهم واقتدر من فاز بالدعوة يوم الطائر * المشوي من خص بذاك المفتخر من ذا الذي اسري به حتى رأى ا * القدرة في حندس ليل معتكر من خير خلق الله أعني أحمدا * لما دعا الله سرارا وجهر من خاصف النعل ومن خبركم * عنه رسول الله أنواع الخبر سايل به يوم حنين عارفا * من صدق الحرب ومن ولى الدبر كليم شمس الله والراجعها * من بعد ما انجاب ضياها واستتر كليهم أهل الكهف إذ كلمهم * في ليلة المسح فشا عنها خبر وقصة الثعبان إذ كلمه * وهو على المنبر والقوم زمر والاسد العابس إذ كلمه * معترما بالفضل منه وأقر بأنه مستخلف الله على * الامة والرحمن ما شاء قدر


[ 79 ]

عيبة علم الله والباب الذي * يوفى رسول الله منه المشتهر لم يلج في شئ إلى القوم وكل * القوم محتاج إليه إن حضر طب حكيم ما احتبى في جمعهم * إلا أبان الفضل فيهم والخطر صديقنا الاكبر والفاروق بي‍ * ن الحق والباطل بالسيد الذكر وقال ابن الصباح: قال فبعد المصطفى الامر لمن * كان فقلت الامر للطهر العلم قال فمن خير الورى من بعده * قلت علي خيرهم أب وام قال فمن أقربهم لاحمد * قلت شقيق الروح أولى والرحم قال فصحب المصطفى قلت فهل * يبلغ للمختار صهرا وابن عم قال فمن أدينهم قلت الذي * لم يتخذ من دون ذي العرش صنم قال فمن أكرمهم قلت الذي * صدق بالخاتم في يوم العدم قال فمن أفتكهم قلت الذي * تعرفه الحرب إذا فيها هجم قال فمن أقدمهم قلت الذي * كان له المختار آخى يوم خم قال فمن أعلمهم قلت الذي * كان له العلم ومذ كان علم قال واحد قلت ما زال بها * مثابتا حتى له الجمع انهزم قال فسل عمرو بن ود ماله * قلت سقى عمروا بكاس لم يرم قال وفي خيبر من نازل * قلت له من لم يكن منه سلم قال فباب الحصن من دكدكه * قلت الذي أومى إليه فانهدم قال فبالبصرة ماذا نالها * قلت ملا الغدران بالبصرة دم قال بصفين أبن لي أمرها * قلت علا بالسيف أولاد التهم قال ومن خاطب ثعبانا ومن * كلمه الذئب إذ الذئب ظلم قال فمن ردت له الشمس الضحى * وخاطبته بلسان منعجم قال فعند الحوض من يسقى الورى * قلت علي فهو يسقى من قدم قال فمن هذا فدتك مهجتي * قلت له ذاك الامام المحترم قال فما في عبد شمس مثله * قلت ولا في الخلق شبه يابن عم وقال الصاحب: قالت فمن بعده تصفى الولاء له * قلت الوصي الذي أربى على رجل قالت فهل أحد في الفضل يقدمه * فقلت هل هضبة توفى على جبل


[ 80 ]

قالت فمن أول الاقوام صدقة * فقلت من لم يصر يوما إلى هبل قالت فمن بات من فوق الفراش فدى * فقلت أثبت خلق الله في الوهل قالت فمن ذا الذي آخاه عن مقة * فقلت من حاز رد الشمس في الطفل قالت فمن زوج الزهراء فاطمة * فقلت أفضل من حاف ومنتعل قالت فمن والد السبطين إذ فزعا * فقلت سابق أهل السبق في مهل قالت فمن فاز في بدر بمعجزها * فقلت أضرب خلق الله في القلل قالت فمن ساد يوم الروع في احد * فقلت من نالهم بأسا ولم يهل قالت فمن أسد الاحزاب يفرسها * فقلت قاتل عمرو الضيغم البطل قالت فخيبر من ذاهد معقلها * فقلت سايق أهل الكفر في غفل قالت فيوم حنين من قرا وبرا * فقلت حاصد أهل الشرك في عجل قالت براءة * من أدى قوارعها * فقلت من صين عن ختل وعن ذعل قالت فمن صاحب الرايات يحملها * فقلت من حيط عن عمش وعن نعل قالت فمن ذا دعي للطير يأكله * فقلت أقرب مرضي ومنتحل قالت فمن تلوه يوم الكساء أجب * فقلت أفضل مكسو ومشتمل قالت فمن سادني يوم الغدير أبن فقلت من كان للاسلام خير ولي قالت ففي من أتى في هل أتى شرف * فقلت أبذل أهل الارض للنفل قالت فمن راكع زكى بخاتمة * فقلت أطعنهم مذ كان بالاسل قالت فمن ذا قسيم النار يسهمها * فقلت من رأيه أزكى من الشعل قالت فمن باهل الطهر النبي به * فقلت تاليه في حل ومرتحل قالت فمن شبه هارون لنعرفه * فقلت من لم يحل يوما ولم يزل قالت فمن ذا غدا باب المدينة قل * فقلت من سألوه وهو لم يسل قالت فمن قانل الاقوام إذ نكثوا * فقلت تفسيره في وقعة الجمل قال فمن حارب الارجاس إذ قسطوا * فقلت صفين تبدي صفحة العمل قالت فمن قارع الانجاس إذ مرقوا * فقلت معناه يوم النهروان جلي قالت فمن صاحب الحوض الشريف غدا * فقلت من بيته في أشرف الحلل قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله * فقلت من لم يكن في الروع بالوجل قالت أكل الذي قد قلت في رجل * فقلت كل الذي قد قلت في رجل قالت فمن هو هذا الفرد سم لنا * فقلت ذاك أمير المؤمنين علي


[ 81 ]

وقال آخر: علي الوصي علي التقي * علي الزكي الرضى الاورع علي السفين علي الامين * علي البطين الفنى الانزع علي القسيم علي الكليم * علي العليم الهدى الابرع علي الوزير علي السفير علي الامير لمن يخشع علي الفلاح علي النجاح * علي الصباح إذ يلمع علي الجمال علي الكمال * علي الهلال إذا يطلع باب في أحواله عليه السلام فصل: في ذكر سيفه ودرعه ومركوبه تفسير السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) قال أنزل الله آدم من الجنة معه ذو الفقار خلق من ورق آس الجنة، ثم قال: (فيه بأس شديد)، وكان به يحارب آدم أعداءه من الجن والشياطين وكان عليه مكتوبا لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أمير المؤمنين فيحارب به عن النبي الامي (ومنافع للناس) لمحمد وعلي (ان الله قوي عزيز) منيع من النقمة بالكفار بعلي بن أبي طالب. وقد روى كافة أصحابنا ان المراد بهذه الآية ذو الفقار أنزل به من السماء على النبي فأعطاه عليا. وسئل الرضا (ع) من أين هو ؟ فقال: هبط به جبرئيل من السماء، وكان حلية من فضة وهو عندي. وقيل: أمر جبرئيل أن يتخذ من صنم حديد في اليمن فذهب علي وكسره واتخذ منه سيفين: مخدم وذا الفقار وطبعهما عمير الصيقل، وقيل: صار إليه يوم بدر أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله، وقيل: كان من هدايا بلقيس إلى سليمان، وقيل: أخذه من منبه ابن الحجاج السهمي في غزاه بني المصطلق بعد أن قتله، وقيل: كان سعف نخل نفث فيه النبي فصار سيفا، وقيل: صار إلى النبي يوم بدر فأعطاه عليا، ثم كان مع الحسن ثم مع الحسين إلى أن بلغ المهدى (ع). سئل الصادق (ع): لم سمي ذا الفقار ؟ فقال: إنما سمي ذو الفقار لانه ما ضرب به أمير المؤمنين أحدا إلا افتقر في الدنيا من الحياة وفي الآخرة من الجنة.


[ 82 ]

علان الكليني، رفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال: إنما سمي سيف أمير المؤمنين ذو الفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله مشبهة بفقار الظهر. وزعم الاصمعي انه كان فيه ثماني عشرة فقرة. تاريخ أبي يعقوب: كان طوله سبعة أشيار وعرضه شبر وفي وسطه كالفقار. قال ابن حماد: فأنزل الله ذا الفقار له * مع جبرئيل الامين منتجبا وقيل ان النبي ناوله * جريدة رطبة لها اجتلبا فانقلبت ذا الفقار في يده * كرامة من إلهه وحبا سيف يكون الاله طابعه * فكيف ينبوا وان لن يقال نبا وقال نضر بن المنتصر: من هز في يوم الوغى جريدة * فكان منها ذو الفقار المنتصى وقال الزاهي: من هزم الجيش يوم خيبره * وهز باب القموص واقتلعه من هز سيف الاله بينكم * سيف من النور ذو العلى طبعه وقال ابن الحجاج: أبيض لكنه فرندا * أخضر والموت فيه أحمر كأنه ذو الفقار يمشي * به امام الانام قنبر أبو عبد الله (ع): نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل بين السماء والارض على كرسي من ذهب وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. القاضي أبو بكر الجعاني باسناده عن الصادق (ع): نادى ملك من السماء يوم احد يقال له (رضوان) لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، ومثله في ارشاد المفيد، وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع، وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة، وابن بطة في الابانة إلا انهما قالا يوم بدر. قال أحمد بن علوية: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا أبو حسن فتى الفتيان قال النبي أما علمت بأنه * مني ومنه أنا وقد أبلاني جبريل قال له واني منكما * فمضى بفضل خلاصة الخلان وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوى: ومن مشى جبريل مع ميكاله * عن جانبيه في الحروب إذ مشى ومن ينادي جبرئيل معلنا * والحرب قد قامت على سادق الردى


[ 83 ]

لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا * ولا فتى إلا علي في الورى وقال الزاهي: لا فتى في الحروب غير علي * لا ولا صارم سوى ذى الفقار وقال العوني: من صاح جبريل بالصوت العلي به * دون الخلائق عند الجحفل اللجب فخرا ولا سيف إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي فتى في هفوة الكرب وقال منصور الفقيه: من قال جبرئيل والارماح شارعة * والبيض لامعة والحرب تشتعل لا سيف يذكر إلا ذو الفقار ولا * غير الوصي إمام أيها الملل وقال آخر: جبريل نادى في الوغى * والنقع ليس بمنجل والمسلمون بأسرهم * حول النبي المرسل والخيل تعثر بالجما * جم والوشيح الذيل هذا النداء لمن له * الزهراء ربة منزل لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي وقال غيره: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي للطغاة طعون ذاك الوصي فما له من مشبه * فضلا ولا في العالمين قرين ذاك الوصي وصي أحمد في الورى * عف الضماير للاله أمين وقال آخر: من كان يمدح ذا ندى لنواله * فالمدح مني للنبي وآله لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي في اوان قتاله نادى النبي له بأعلى صوته * يا رب من والى عليا واله شهرة السيف من صاحبه، لان السيف يضاربه. روي ان الفرزدق ضرب عنق رومي فنبا السيف عنه فقال: كأنني وابن اليقين وقد هجاني وقال: بسيف أبي رعوان سيف مجاشع * ضربت ولم تضرب بسيف ابن طالب (درعه عليه السلام) رآه قيس بن سعيد الهمداني في الحرب وعليه ثوبان، فقال


[ 84 ]

يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع، فقال: نعم يا قيس انه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ واقيه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. وكان مكتوبا على درعه (ع): أي يومي من الموت أفر * يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أخشى الوغى * يوم قد قدر لا يغني الحذر وروي ان درعه (ع) كانت لاقب لها، أي لا ظهر، فقيل له في ذلك، فقال: ان وليت فلا واليت، أي نجوت. قال السوسي: وكان له مثل الدراهم سائل * على ظهره في الدرع كالسطر إذ سطر فابصره من لا اسميه قلة * وعما قليل يظهر الله ما استتر وقال ألا اجعل خلف ظهرك مثل ما * يوقيك في الهيجاء من مكر من مكر فقال يوقى ظهره من بنفسه * إذ ما رأى القرن المبارز أن يفر فاما أنا والله يعلم انني * لو الموت لاقاني على غفلة ذعر وقولا لقرني أنت في حرج متى * عفوت إذا ولاك حيدرة الدبر قال المرتضى: يشهد الحرب حاسرا ثم يأتي * وعليه من النجيع دروع وقال مسلم: عليه درع تلين المرهفات له * من الشجاعة لا من نسج داود (مركوبه عليه السلام) بغلة بيضاء يقال لها دلدل، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما سميت دلدل لان النبي لما انهزم المسلمون يوم حنين قال دلدل، فوضعت بطنها على الارض فأخذ النبي (ص) حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، ثم أعطاها عليا (ع) وذلك دون الفرس، وقيل له (ع): ألا تركب الخيل وطلابك كثير، فقال: الخيل للطلب والهرب، ولست أطلب مدبرا ولا أنصرف عن مقبل، وفي رواية: لا أكر على من فر، ولا أفر ممن كر، والبغلة تزجيني، أي تكفيني. فصل: في لوائه وخاتمه محمد الكسائي في المبتدا: ان أول حرب كانت بين بني آدم ما كان بين شيث وقابيل وذلك ان الله تعالى أهدى إليه حلة بيضاء، ورفعت الملائكة له راية بيضاء، فسلسلت الملائكة لقابيل وحملوه إلى عين الشمس ومات فيها، وصارت ذريته عبيدا لشيث.


[ 85 ]

وفي الخبر: ان أول من اتخذ الرايات ابراهيم الخليل (ع). ابن أبي البختري، وسائر أهل السير: انه كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يدي عبد المطلب فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله أقرها في بني هاشم ودفعها إلى علي (ع) في أول غزاة حملت فيها وهي ودان فلم تزل معه، وكان اللواء يومئذ في عبد الدار فأعطاه النبي مصعب بن عمير فاستشهد يوم احد وأخذها النبي ودفعها إلى علي، فجمع يومئذ له الراية واللواء وهما أبيضان. وذكره الطبري في تاريخه، والقشيري في تفسيره، تنبيه المذاكرين، زيد بن علي عن آبائه (ع) كسرت زند علي يوم احد وفي يده لواء رسول الله (ص) فسقط اللواء من يده فتحاماه المسلمون أن يأخذوه. فقال رسول الله: فضعوه في يده الشمال فانه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة. وفي رواية غيره. فرفعه المقداد وأعطاه عليا، وقال صلى الله عليه وآله أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة. المواعظ والزواجر عن العسكري ان مالك ابن دينار سأل سعيد بن جبير: من كان صاحب لواء النبي ؟ قال: علي بن أبي طالب. عبد الله بن حنبل انه لما سأل مالك بن دينار سعيد بن جبير عن ذلك قال: فنظر إلي فقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوت إلى القراء فقالوا: انك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت فاسأله الآن، فسألته فقال: كان حاملها علي كان حاملها علي، كذا سمعته من عبد الله بن عباس. قال الحميرى: وحامل راية الايمان يلقى * بها الاعداء ضرغاما كميا تاريخ الطبري، والبلاذري، وصحيحي مسلم والبخاري: انه لما أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يخرج إلى بدر اختار كل قوم راية. فاختار حمزة حمراء، وبنو امية خضراء، وعلي بن أبي طالب صفراء، وكانت راية النبي بيضاء، فأعطاها عليا يوم خيبر لما قال: لاعطين الراية غدا رجلا. الخبر. وكان النبي (ص) عقد لحمزة ولعبيدة بن الحارث ولسعيد بن أبي وقاص ألوية بيضاء. وحدثني ابن كادش في تكذيب العصابة العلوية في ادعائهم الامامة النبوية: ان النبي صلى الله عليه وآله رأى العباس في ثوبين أبيضين قال: انه لابيض الثوبين وهذا جبرئيل يخبرني ان ولده يلبسون السواد. عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب صفين: انه نشر عمرو بن العاص في يوم صفين راية سوداء، الخبر. وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثوبان: قال النبي صلى الله عليه وآله: يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة ان أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلها.


[ 86 ]

ابي بن كعب: أول الرايات السود نصر، وأوسطها غدر، وآخرها كفر، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى. تاريخ بغداد، قال أبو هريرة: قال النبي: إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق، فان أولها فتنة، وأوسطها هرج، وآخرها ضلالة. أخبار دمشق عن النبي، أبو أمامة في خبر: أولها منشور، وآخرها مثبور. تاريخ الطبري: ان ابراهيم الامام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة وظل السحاب وكان أبيض طوله أربعة عشر ذراعا مكتوب عليها بالحبر: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحول بكل لون من الثياب فلما لبس السواد قال: معه هيبة، فاختاره خلافا لبني امية وهيبة للناظر. وكانوا يقولون: هذا السواد حداد آل محمد، وشهداء كربلا، وزيد، ويحيى. قال أبو العلاء السروي: ضدان جالا على خديك فاتفقا * من بعد ما افترقا في الدهر واختلفا هذا بأعلام بيض اغتدا فبدا * وذا بأعلام سود انطوى فعفا اعجب بما حكيا في كتب أمرهما * عن الشعارين في الدنيا وما وصفا هذا ملوك بني العباس قد شرعوا * لبس السواد وأبقوه لهم شرفا وذا كهول بني السبطين رايتهم * بيضاء تخفق اما حادث أزفا كم ظل بين شباب لا بقاء له * وبين شيب عليه بالنهي عطفا هل المشيب إلى جنب الشباب سوى * صبح هنالك عن وجه الدجى كشفا وهل يؤدي شباب قد تعقبه * شيب سوى كدرأ عقبت منه صفا لو لم يكن لبني الزهراء فاطمة * من شاهد غير هذا في الورى لكفى فراية لبني العباس عابسة * سوداء تشهد فيه التيه والسرفا وراية لبني الزهراء زاهرة * بيضاء يعرف فيه الحق من عرفا شهادة كشفت عن وجه أمرهما * فبح بها وانتصف ان كنت منتصفا وقال آخر: رايته راية النبي وقد * سار بها صهره إلى خيبر فلو رآها الوصي سلمها * إلى شبير في الحرب أو شبر ولم يكن سيدي يسلمها * من عزة عنده إلى قنبر ولا إلى مالك ليحملها * وانه كان يكرم الاشتر وكان مكتوبا على علم أمير المؤمنين:


[ 87 ]

الحرب ان باشرتها * فلا يكن منك الفشل واصبر على أهوالها * لا موت إلا بالاجل وعلى رايته: هذا علي والهدى يقوده * من خير فتيان قريش عوده (خاتمة عليه السلام) سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي تختم بالعقيق تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرئيل وميكائيل، قال: فبم أتختم ؟ قال: بالعقيق الاحمر. ابن عباس وصعصعة وعائشة انه هبط جبرئيل على رسول الله فقال: يا محمد ربي يقرؤك السلام ويقول لك البس خاتمك بيمينك واجعل فصه عقيقا، وقل لابن عمك يلبس خاتمه بيمينه ويجعل فصه عقيقا، فقال علي: يا رسول الله وما العقيق ؟ قال: العقيق جبل في اليمن، والخبر مذكور في فضل الميثاق. زياد القندي عن موسى بن جعفر عن آبائه (ع) قال النبي: لما كلم الله موسى بن عمران على جبل طور سيناء اطلع على الارض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق وقال: أقسمت على نفسي أن لا اعذب كف لابسك إذا توالى عليا بالنار. ابن عباس والسدي كان لامير المؤمنين (ع) أربعة خواتيم: ياقوت لنبله، فيروزج لنصره، حديد صيني لقوته، وعقيق لحرزه. صحيح البخاري، وشمائل الترمذي عن عبد الله بن جعفر، وجامع البيهقي عن جابر وعن أنس، وتختم عبد الرحمن السلمي عن ابن المسيب عن زين العابدين عن أبيه (ع) وتختم محمد بن يحيى المحتسب عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي امامة، وعن نافع عن ابن عمر، وعن أنس، وعن جابر، كلهم عن النبي انه كان صلى الله عليه وآله يتختم في يمينه. وزاد بعضهم في الرواية وقبض والخاتم في يمينه، وقال أبو أمامة: كان النبي يجعل خاتمة في يمينه. عكرمة، والضحاك عن ابن عباس: انه كان النبي يتختم في اليد اليمنى. شمائل الترمذي وسنن السجستاني وتختم المحتسب: انه كان علي (ع) يتختم في يمينه. جامع البيهقي كان ابن عباس و عبد الله بن جعفر يتختمان في يمينهما. الراغب في محاضراته: كان النبي وأصحابه يتختمون في أيمانهم، وأول من تختم في يساره معاوية. نتف أبي عبد الله السلامي: ان النبي صلى الله عليه وآله كان يتختم في يمينه، والخلفاء الاربعة بعده، فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ الناس بذلك، فبقى كذلك أيام المروانية، فنقلها السفاح إلى اليمين فبقى إلى أيام الرشيد فنقلها إلى اليسار وأخذ الناس بذلك. واشتهر ان عمرو بن العاص عند التحكيم سلها من يده اليمنى وقال: خلعت الخلافة


[ 88 ]

من علي كخلعي خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يسارى. (نقوش الخواتيم) عن الجاحظ: انه كان آدم وادريس وابراهيم واسماعيل واسحاق والياس ويعقوب وداود وسليمان ويوسف ودانيال ويوشع وذو القرنين ويونس ولوط وهود وشعيب وزكريا ويحيى وصالح وعزيز وأيوب ولقمان وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله يتختمون في أيمانهم. الصقعب بن زهير: انه سئل أمير المؤمنين (ع) عن التختم في اليمين ؟ فقال. لما أنزل الله على نبيه: (قل تعالوا ندع أبناءنا) الآية، قال جبرئيل: يا رسول الله ما من نبي إلا وأنا بشيره ونذيره فما افتخرت بأحد من الانبياء إلا بكم أهل البيت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل أنت منا ؟ فقال جبرئيل: أنا منكم. فقال رسول الله: أنت منا يا جبرئيل، فقال: يا رسول الله بين لي ليكون لي فرج لامتك. فأخذ النبي صلى الله عليه وآله خاتمه بشماله فقال: أنا رسول الله أولكم وثانيكم علي وثالثكم فاطمة ورابعكم الحسن وخامسكم الحسين وسادسكم جبرئيل، وجعل خاتمة في اصبعه اليمنى، فقال: أنت سادسنا يا جبرئيل، فقال جبرئيل: يا رسول الله ما من أحد تختم بيمينه وأراد بذلك سنتك ورأيته يوم القيامة متحيرا إلا أخذت بيده وأوصلته اليك وإلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. قال جابر الانصاري: ان التختم باليمين جلالة * لذوي العقول وفعل كل أديب لا للنواصب بل لشيعة أحمد * النصب كفر عند كل لبيب يا ذا الذى قاس الوصي بغيره * ثكلتك امك كنت غير مصيب وقال مطرف العبدى: قالوا تختم باليمين وإنما * ما رست ذاك تشبها بالصادق وتقربا مني لآل محمد * وتباعدا مني لكل منافق الماسحين فروجهم بخواتم * اسم النبي بها واسم الخالق وقال آخر: قد تختمت في يدي جميعا * في يميني وآخر في شمالي في يميني عقد الولا لعلي * وشمالي ردا على الانذال


[ 89 ]

فصل: في أزواجه وأولاده وأقربائه وخدامه أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم. وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم. واخوته: طالب وعقيل وجعفر، وعلي أصغرهم، وكل واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب، وأسلموا كلهم، وأعقبوا إلا طالب فانه أسلم ولم يعقب. اخته ام هاني واسمها فاخته وجمانه. وخاله حنين بن أسد بن هاشم. وخالته خالدة بنت أسد. وربيبه محمد بن أبي بكر. وابن اخته جعدة بن هبيرة. قال الشيخ المفيد في الارشاد: أولاده خمسة وعشرون، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين. ذكره النسابة العمرى في الشافي، وصاحب الانوار: البنون خمسة عشر، والبنات ثمانية عشر. فولد من فاطمة (ع): الحسن والحسين والمحسن سقط، وزينب الكبرى، وام كلثوم الكبرى تزوجها عمر، وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب الامامة ان ام كلثوم كانت صغيرة ومات عمر قبل أن يدخل بها، وانه خلف على ام كلثوم بعد عمر عون بن جعفر ثم محمد بن جعفر ثم عبد الله بن جعفر. ومن خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية محمدا. ومن ام البنين ابنة حزام بن الخالد الكلابية: عبد الله، وجعفر الاكبر، والعباس، وعثمان. ومن ام حبيب بنت ربيعة التغلبية: عمر، ورقية، تؤمان في بطن. ومن أسماء بنت عميس الخثعمية: يحيى، ومحمد الاصغر. وقيل: بل ولدت له عونا ومحمد الاصغر من ام ولد. ومن ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية: نفيسة، وزينب الصغرى، ورقية الصغرى. ومن ام شعيب المخزومية: ام الحسن، ورملة. ومن الهملاء بنت مسروق النهشلية: أبو بكر، و عبد الله ومن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وامها زينب بنت رسول الله: محمد الاوسط ومن محياة بنت امرئ القيس الكلبية جارية هلكت وهي صغيرة. وكان له: خديجة، وام هاني، وتميمة، وميمونة، وفاطمة، لامهات أولاد. وتوفي قبله: يحيى، وام كلثوم الصغرى، وزينب الصغرى ام الكرام، وجمانه وكنيتها ام جعفر، وامامة، وام سلمة، ورملة الصغرى.


[ 90 ]

وزوج ثماني بنات: زينب الكبرى من عبد الله بن جعفر، وميمونة من عقيل بن عبد الله بن عقيل، وام كلثوم الصغرى من كثير بن عباس بن عبد المطلب، ورملة من أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورملة من الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، وفاطمة من محمد بن عقيل. وفي الاحكام الشرعية عن الخزاز القمي: انه نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى أولا علي وجعفر فقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا. وأعقب له من خمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس الاكبر وعمر. وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يتمتع بحرة وأمة في حياة خديجة وكذلك علي مع فاطمة. وفي قوت القلوب: انه تزوج بعد وفاتها بتسع ليال، وانه تزوج بعشر نسوة. وتوفي عن أربعة: أمامه وامها زينب بنت النبي، وأسماء بنت عميس، وليلى التميمية وام البنين الكلابية، ولم يتزوجن بعده. وخطب المغيرة بن نوفل أمامة، ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فروت عن علي (ع): انه لا يجوز لازواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده، فلم يتزوج امرأة ولا ام ولد بهذه الرواية. وتوفي عن ثماني عشرة ام ولد، فقال (ع): جميع امهات أولادي الآن محسوبات على أولادهن بما ابتعتهن به من أثمانهن، فقال: ومن كان من امائه غير ذوات أولاد فهن حرائر من ثلثه. (وكتابه): عبيد الله بن أبي رافع، وسعيد بن نمران الهمداني، و عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود. وكان (بوابه) سلمان. (ومؤذنه) جويرية بن مسهر العبدي، وابن النباح، وهمدان الذي قتله الحجاج (وخدامه) أبو نيرز من أبناء ملوك العجم، رغب في الاسلام وهو صغير فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم وكان معه فلما توفي صلى الله عليه وآله صار مع فاطمة وولديها، وكان عبد الله بن مسعود في سبي فزارة فوهبه النبي لفاطمة (ع) فكان بعد ذلك مع معاوية وكان له الف نسمة، منهم: قنبر وميثم قتلهما الحجاج، وسعد ونصر قتلا مع الحسين عليه السلام، وأحمر قتل في صفين، ومنهم: غزوان، وثبيت، وميمون. (وخادمته) فضة، وزبراء، وسلافة. وكان له بغلة يقال لها الشهباء، ودلدل أهداها إليه النبي. قال كشاجم:


[ 91 ]

ووالدهم سيد الاوصياء * معطي الفقير ومردي البطل ومن علم السمر طعن الكلى * لدى الروع والبيض ضرب القلل ولو زالت الارض يوم الهياج * لمن تحت أخمصه لم يزل ومن صد عن وجه دنياهم * وقد لبست حليها والحلل وكانوا إذا ما أضافوا إليه * بأرفعهم رتبة في المثل سماء أضفت إليه الحضيض وبحر قرنت إليه الوشل فصل: في حليته وتواريخه ابن اسحاق، وابن شهاب: انه كتب حلية أمير المؤمنين (ع) عن ثبيت الخادم على عمره فأخذها عمرو بن العاص فزم بأنفه فقطعها وكتب: ان أبا تراب كان شديد الادمه، عظيم البطن، حمش الساقين، ونحو ذلك، فلذلك وقع الخلاف في حليته. وذكر في كتاب صفين ونحوه عن جابر وابن الحنفية: انه كأن علي رجلا دحداحا ربع القامة، أزج الحاجبين، أدعج العينى، أنجل تميل إلى الشهلة. كان وجهه القمر ليلة البدر حسنا، وهو إلي السمرة، أصلع له حفاف من خلفه كأنه اكليل. وكان عنقه ابريق فضة، وهو أرقب، ضخم البطن، أقرى الظهر، عريض الصدر، محض المتن، شئن الكفين، ضخم الكسوة، لا يبين عضده من ساعده تدامجت ادماجا، عبل الذراعين، عريض المنكبين، عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري، له لحية قد زانت صدره، غليظ العضلات، حمش الساقين. قال المغيرة: كان علي (ع) على هيئة الاسد غليظا منه ما استغلظ دقيقا منه ما استدق ولد عليه السلام في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة وروى ابن همام بعد تسعة وعشرين سنة. وقبض قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسعة عشر مضين من شهر رمضان، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب، وشبيب بن بجرة، والاشعث بن قيس، وقطام بنت الاخضر، فضربه سيفا على رأسه مسموما، فبقى يوما إلى نحو ثلث من الليل، وله يومئذ خمس وستون سنة في قول الصادق (ع). وقالت العامة: ثلاث وستون سنة. عاش مع النبي صلى الله عليه وآله بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين. وقد كان هاجر وهو ابن أربع عشرة سنة، وضرب بالسيف بين يدي النبي وهو


[ 92 ]

ابن بنت عشرة سنة، وقتل الابطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وقلع باب خيبر وله اثنان وعشرون سنة. وكانت مدة إمامته ثلاثون سنة، منها أيام أبي بكر سنتان واربعة اشهر، وأيام عمر تسع سنين واشهر وايام، وعن الفرياني عشر سنين وثمانية اشهر، وأيام عثمان اثنتا عشرة سنة. ثم اتاه الله الحق خمس سنين واشهر. وكان (ع) أمر بأن يخفى قبره لما عرف من بني امية وعداوتهم فيه إلى ان اظهره الصادق (ع)، ثم ان محمد بن زيد الحسني امر ؟ عمارة الحاير بكربلاء والبناء عليهما وبعد ذلك زيد فيه وبلغ عضد الدولة العناية في تعظيمهما والاوقاف عليهما. قال دعبل: ألا انه طهر زكي مطهر * سريع إلى الخيرات والبركات غلاما وكهلا خير كهل ويافع * وأبسطهم كفا إلى الكربات وأشجعهم قلبا وأصدقهم أخا * وأعظمهم في المجد والقربات أخو المصطفى بل صهره ووصيه * من القوم والستار للعورات كهرون من موسى على رغم معشر * سفال لئام شفق البشرات فصل: في مقتل تفسير وكيع وسدي وسفيان وابي صالح: ان عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى: (أو لم يروا انا نأتى الارض ننقصها من اطرافها) يوم قتل أمير المؤمنين وقال: لقد كنت يا امير المؤمنين الطرف الاكبر في العلم. اليوم نقص علم الاسلام، ومضى ركن الايمان. الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن سمي عن ابى صالح قال: لما قتل على بن ابى طالب قال ابن عباس: هذا نقص الفقه والعلم من ارض المدينة، ثم قال: نقصان الارض نقصان علمائها وخيار اهلها ان الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤسا جهالا فيسألوا فيفتوا بغير علم فيضلوا واضلوا. سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) وقد كان قبر علي بن ابي طالب مع نوح في السفينة فلما خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة، فسأل نوح ربه المغفرة ولعلي وفاطمة قوله: (وللمؤمنين والمؤمنات) ثم قال: (ولا تزد الظالمين) يعني الظلمة لاهل بيت محمد (إلا تبارا). وروي انه نزل فيه: (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون). أبو بكر مردويه في فضائل امير المؤمنين، وابو بكر الشيرازي في نزول القرآن


[ 93 ]

انه قال سعيد بن المسيب: كان علي يقرأ: (إذا انبعث اشقاها) قال: فو الذى نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا، واشار إلى لحيته وراسه. وروى الثعلبي والواحدي باسنادهما عن عمار، وعن عثمان بن صهيب عن الضحاك، وروى ابن مردويه باسناده عن جابر بن سمرة، وعن صهيب، وعن عمار، وعن ابن عدي، وعن الضحاك، والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة، وروى الطبري والموصلي عن عمار، وروى احمد بن حنبل عن الضحاك انه قال النبي: يا علي اشقى الاولين عاقر الناقة، واشقى الآخرين قاتلك. وفي رواية: من يخضب هذه من هذا. قال الصنوبرى: قال النبي له اشقى البرية يا * علي إذ ذكر الاشقى شقيان هذا عصى صالحا في عقر ناقته * وذاك فيك سيلقانى بعصيان ليخضبن هذه من ذا ابا حسن * في حين يخضبها من احمر قاني وكان عبد الرحمن بن ملجم التجوبى عداده من مراد، قال ابن عباس: كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح، وقصتهما واحدة، لان قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاما. سمع ابن ملجم وهو يقول: لاضربن عليا بسيفي هذا، فذهبوا به إليه (ع) فقال: ما اسمك ؟ قال، عبد الرحمن بن ملجم، قال: نشدتك بالله عن شئ تخبرني ؟ قال: نعم، قال: هل مر عليك شيخ يتوكأ على عصاه وانت في الباب فشقك بعصاه ثم قال بؤسا لك لشقي من عاقر ناقة ثمود ؟ قال: نعم، قال: هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب وانت تلعب معهم ؟ قال: نعم، قال: هل اخبرتك امك انها حملت بك وهي طامث ؟ قال نعم، قال: فبايع، فبايع، ثم قال: خلوا سبيله، وروي انه جاءه ليبايعه فرده مرتين أو ثلاثا فبايعه وتوثق منه ألا يغدر ولا ينكث، فقال: والله ما رأيتك تفعل هذا بغيرى، فقال: يا غزوان احمله على الاشقر فأركبه فتمثل امير المؤمنين (ع): اريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد امض يا ابن ملجم فو الله ما ارى تفي بما قلت. وفي رواية: والذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا. الحسن البصري: انه (ع) سهر في تلك الليلة ولم يخرج لصلاة الليل على عادته فقالت ام كلثوم: ما هذا الشهر ؟ قال: اني مقتول لو قد اصبحت، فقال: مرجعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة ليصل، ثم مرو قال: لا مفر من الاجل، وخرج قائلا:


[ 94 ]

خلوا سبيل الجاهد المجاهد * في الله ذى الكتب وذى المشاهد في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلى المساجد روي انه (ع) سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت وانها الليلة التي وعدت، ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر أتاه ابن التياح ونادى: الصلاة، فقام فاستقبله الاوز فصحن في وجهه فقال: دعوهن فانهن صوايح نتبعها نوايح، وتعلقت حديدة في ميزره فشد إلى أزاره على الباب وهو يقول اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لافيكا ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديكا فقد اعرف أقواما * وإن كانوا صعاليكا مساريع إلى الخير * وللشر متاريكا أبو صالح الحنفي سمعت عليا (ع) يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وآله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من امته من الاولاد واللدد، وبكيت فقال: لا تبك يا علي، والتفت فالتفت فإذا رجلان مصفدان وإذا جلاميد يرصخ بها رؤسهما. وروي انه (ع) قال لام كلثوم: يا بنية اني أراني قل ما أصحبكم قالت: وكيف ذاك يا أبتاه ؟ قال: اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول: يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك، قالت: فما مكثنا حتى ضرب تلك الليلة الضربة. وفي رواية انه قال: لا بنية لا نفعلي فاني ارى رسول الله يشير إلي بكفه يا علي الينا فان ما عندنا هو خير لك. أبو مخنف الاردى، وابن راشد، والرفاعي، والثقفي جميعا: انه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا: انا شرينا انفسنا لله فلو أتينا أئمة الضلال وطلبنا غرتهم فأرحنا منهم البلاد والعباد، فقال عبد الرحمن بن ملجم: انا اكفيكم عليا، وقال الحجاج بن عبد الله السعدى الملقب بالبرك: انا اكفيكم معاوية فقال عمرو بن بكر التميمي: انا اكفيكم عمرو بن العاص، واتعدوا التاسع عشر من شهر رمضان. ثم تفرقوا فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلا من أهل التيم تيم الرباب عند قطام التميمية وكان امير المؤمنين (ع) قتل اباها الا خضر واخاها الاصبغ بالنهروان فشغف بها ابن ملجم وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدى في كلمة له فقال: فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح واعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المسمم فلا مهر اغلى من علي وإن غلا * ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم


[ 95 ]

فقبل ابن ملجم ذلك، فقالت: ويحك من يقدر على قتل علي وهو فارس الفرسان ومغالب الاقران، والسباق إلى الطعان، واما المالية فلا بأس علي منها. قال: اقبل فبعثت إلى وردان بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة فأعانه، واعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مائة الف درهم فجعله مهرها، فأطعمت لها اللوزينج والجوزينق وسقتهما الخمر العكبري، فنام شبيب وتمتع ابن ملجم معها، ثم قامت فأيقظتهما وعصبت صدورهم بحرير وتقلدوا اسيافهم وكمنوا له مقابل السدة وحضر الاشعث بن قيس لمعونتهم فقال لابن ملجم: النجا النجا لحاجتك فقد ضحك الصبح فأحس حجر بن عدى بما اراد الاشعث فقال له: قتلته يا اشعث ! وخرج مبادرا ليمضي إلى امير المؤمنين فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف. وقال محمد بن عبد الله الازدي: اقبل امير المؤمنين ينادى: الصلاة الصلاة فإذا هو مضروب، وسمعت قائلا يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لاصحابك، وسمعت عليا يقول: فزت ورب الكعبة، ثم يقول: لا يفوتنكم الرجل. وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ومضى هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال: ما هذا لعلك قتلت امير المؤمنين ؟ فأراد ان يقول لا فقال نعم، فقتله الازدي. واما ابن ملجم فان رجلا من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه. وانسل الثالث بين الناس فلما رآه امير المؤمنين قال: النفس بالنفس إن انامت فاقتلوه كما قتلني وإن سلمت رايت فيه رايى. وفي رواية: إن عشت رايت فيه رايى وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي. فسئل عن معناه فقال: اقتلوه ثم احرقوه بالنار فقال ابن ملجم: لقد ابتعته بألف وسممته بألف فان خانني فأبعده الله ولقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الارض لاهلكتهم. وفي محاسن الجوابات عن الدينوى انه قال: سألت الله ان يقتل به شر خلقه فقال علي (ع): قد اجاب الله دعوتك يا حسن إذا مات فاقتله بسيفه. وروي انه قال: اطعموه واسقوه واحسنوا اساره فان اصح فأنا ولي دمي إن شئت عفوت وإن شئت استنفذت وإن هلكت فاقتلوه، ثم اوصى فقال: يا بني عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل امير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، ونهى عن المثلة. وروى أبو عثمان المازني انه قال (ع):


[ 96 ]

تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا وما ظفروا فان بقيت فرهن ذمتي لهم * بذات ودقين لا يعفو لها أثر * وإن هلكت فاني سوف اوترهم * ذل الممات فقد خانوا وقد غدروا وامر الحسن (ع) ان يصلي الغداة بالناس وروى انه دفع في ظهره جعدة فصلى بالناس الغداة. الاصبغ في خبر: ان عليا (ع) قال: لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون ولاقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم. الحسن بن علي (ع) في خبر: ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا، فلما توفي أمير المؤمنين ودفن جلس الحسن وأمر به فضرب عنقه. واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جيفته لتتولى احراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار، واما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية وعمرو، فان أحدهما ضرب معاوية عى اليتيه وهو راكع، واما الآخر فانه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظن انه عمرو، وكان قد استخلفه لعلة وجدها. قال الحسن بن علي (ع): أين من كان لعلم * المصطفى في الناس بابا أين من كان إذا * ما قحط الناس سحابا أين من دكان إذا نو * دي في الحرب أجابا أين من كان دعا * ه مستجابا ومجابا وله عليه السلام: خل العيون وما أردن * من البكاء على علي لاتقلبن من الخلي * فليس قلبك بالخلي لله أنت إذا الرجال * تضعضعت وسط الندي فرجت غمته ولم تر * كن إلى فشل وعي وله عليه السلام: خذل الله خاذليه ولا * أغمد عن قاتليه سيف فناء


[ 97 ]

زيد بن علي، قال الحسين: لما قتل أمير المؤمنين سمعت جنية ترثيه بهذه الابيات: لقد هد ركني أبو شبر * فما ذافت العين طيب الوسن ولا ذات العين طيب الكرى * والقيت دهري رهين الحزن وأقلقني طول تذكاره * حرارة ثكل الرقوب الشثن وقال أنس بن مالك سمعت صوت هاتف من الجن: يا من يؤم إلى المدينة قاصدا * أد الرسالة غير ما متوان قتلت شرار بني امية سيدا * خير البرية ماجدا ذا شان رب المفضل في السماء وأرضها * سيف النبي وهادم الاوثان بكت المشاعر والمساجد بعد ما * بكت الانام له بكل مكان وفي شرف النبوة، انه سمع منهم: لقد مات خير الناس بعد محمد * وأكرمهم فضلا وأوفاهم عهدا وأضربهم بالسيف في مهج العدى * وأصدقهم قيلا وأنجزهم وعدا وقال صعصعة بن صوحان: إلى من لي بانسك يا اخيا * ومن لي أن أبثك مالديا طوتك خطوب دهر قد توالى * لذاك خطوبه نشرا وطيا فلو نشرت قواك إلى المنايا * شكوت اليك ما صنعت اليا بكيتك يا علي لدر عيني * فلم يغن البكاء عليك شيا كفى حزنا بدفنك ثم اني نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا فيا أسفا عليك وطول شوقي * إلي لو ان ذلك رد شيا وله أيضا: هل خبر القبر سائليه * أم قر عينا بزائريه أم هل تراه أحاط علما * بالجسد المستكن فيه لو علم القبر من يواري * تاه على كل من يليه يا موت ماذا اردت أردت مني * حققت ما كنت أتقيه يا موت لو تقبل افتداء * لكنت بالروح أفتديه دهر رماني بفقد إلفي * اذم دهري وأشتكيه وقال أبو الأسود الدؤلي: ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا ابكي أمير المؤمنينا رزينا خير من ركب المطايا * وحثحثها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا


[ 98 ]

يقيم الحد لا يرتاب فيه * ويقضي بالفرايض مستبينا ألا ابلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفى الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا ومن بعد النبي فخير نفس * أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا وكنا قبل مهلكه بخير * نرى فينا وصي المسلمينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرهم حسبا ودينا فلا تشمت معاوية بن حرب * فان بقية الخلفاء فينا وقال الطائي: حمت ليدخل جنات أبو حسن * وأوجبت بعده للقاتل النار وقال الحميري: لادر در المرادي الذي سفكت * كفاه مهجة خير الخلق انسانا وقال بعض الصحابة: دعوتك يا علي فلم تجبني * وردت دعوتي باسا عليا بموتك ماتت اللذات عني * وكانت حية إذ كنت حيا فيا أسفي عليك وطول شوقي * اليك لو ان ذلك رد ليا وقال بعضهم: أضحى بما قد تعاطاه بضربته * مما عليه من الاسلام عريانا أبكى السماء لباب كان يعمره * منها وحنت عليه الارض تحنانا عبدا تحمل إثما لو تحمله * ثهلان طرفة عين هد ثهلانا طورا أقول ابن ملعونين ملتقط * من نسل ابليس لابل كان شيطانا ويل امه أيما ذا لعنة ولدت * ويل له أيما ذا لعنة كانا أضحى ببرهوت من بلهوت محتسبا * يلقى بها من عذاب الله ألوانا مادب في الارض مذ ذلت مناكبها * خلق من الخير أخلى منه ميزانا لا عاقر الناقة المردى ثمود لها * رب أتوا سخطه فسقا وكفرانا ولا ابن آدم قابيل اللعين أخو * هابيل إذ قربا لله قربانا بل المرادي عند الله أعظمهم * خزيا وأشقاهم نفسا وجثمانا


[ 99 ]

وقال الصنوبري: نعم الشهيد ان رب الخلق يشهد لي * والخلق انهما نعم الشهيدان من ذا يعزي النبي المصطفى بهما * من ذا يعزيه من قاص ومن دان من ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها * عن بعلها وابنها وابنها إنهاء لهفان من قابض النفس في المحراب منتصبا * وقابض النفس في الهيجاء عطشان (كذا) نجمان في الارض بل بدران قد أفلا * نعم وشمسان اما قلت شمسان سيفان يغمد سيف الحرب ان برزا * وفي يمينهما للحرب سفيان وقال المصري: غصبتم ولي الحق مهجة نفسه * وكان لكم غصب الامانة مقنعا والجمتم آل النبي سيوفكم * تفري من السادات سوقا وأذرعا ضغائن بدر أظهرتها وجاهرت * بما كان منها في الجوانح مودعا لوى عذره يوم الغدير بحقه * وأعقبه يوم البعير واتبعا وحاربه القرآن عنه فما ارعوى * وعاتبه الاسلام فيه فما رعا فصل: في زيارته النبي صلى الله عليه وآله: من زار عليا بعد وفاته فله الجنة. الصادق (ع): من ترك زيارة أمير المؤمنين لم ينظر الله إليه، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون وعنه (ع) ان أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لامير المؤمنين فلا تكن عند الخير نواما. قال ابن مدلل: زر بالغري العالم الرباني * علم الهدى ودعائم الايمان وقل السلام عليك يا خير الورى * يا أيها النبأ العظيم الشان يا من على الاعراف يعرف فضله * يا قاسم الجنات والنيران نار تكون قسيمها يا عدتي * أنا آمن من منها على جثماني وأنا مضيفك والجنان لي القرى * إذا انت أنت مورد الضيفان وقال دعبل: سلام بالغداة وبالعشي * على جدث بأكناف الغري ولا زالت غزال النور ترجى * إليه صبابة المزن الروي الا ذا حبذا ترب بنجد * وقبر ضم أوصال الوصي


[ 100 ]

وصي محمد بأبي وامي * وأكرم من مشى بعد النبي لان حجوا إلى البلد القصي * فحجي ما حييت إلى علي وإن زارواهم الشيخين زرنا * عليا بالغداة وبالعشي وكتب على مشهده عليه السلام: هذا ولي الله في أرضه * في جنة الخلد وآلائه لا يقبل الله له زائرا * لم يبر من سائر أعدائه وقال ابن رزيك: كأني إذ جعلت اليك قصدي * قصدت الركن بالبيت الحرام وخيل لي بأبي في مقامي * لديه بين زمزم والمقام أيا مولاي ذكرك في قعودي * ويا مولاي ذكرك في قيامي وأنت إذا انتبهت سمير فكري * كذلك أنت انسي في منامي وحبك إن يكن قد حل قلبي * وفي لحمي استكن وفي عظامي فلو لا أنت لم تقبل صلاتي * ولو لا أنت لم يقبل صيامي عسى اسقى بكاسك يوم حشر * ويبرد حين أشربها أو امي


[ 101 ]

باب مناقب فاطمة الزهراء عليها السلام فصل: في تفضيلها على النساء الخركوشي في كتابيه اللوامع، وشرف المصطفى، باسناده عن سلمان، وأبو بكر الشيرازي في كتابه عن أبي صالح، وأبو إسحاق الثعلبي، وعلي بن أحمد الطائي، وأبو محمد بن الحسن بن علوية القطان في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير، وسفيان الثوري، وأبو نعيم الاصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (ع) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وعن أبي مالك عن ابن عباس، والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق (ع) واللفظ له، في قوله: (مرج البحرين يلتقيان) قال: علي وفاطمة وبحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، وفي رواية: بينهما برزخ رسول الله يخرج منهما (اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين (ع). أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن أبي صالح عن ابن عباس: ان فاطمة (ع) بكت للجوع والعرى، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اقنعي يا فاطمة بزوجك فو الله انه سيد في الدنيا سيد في الآخرة، وأصلح بينهما فأنزل الله: (مرج البحرين يلتقيان) يقول: أنا الله أرسلت البحرين: علي بن أبي طالب بحر العلوم، وفاطمة بحر النبوة، يلتقيان يتصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما. ثم قال: (بينهما برزخ) مانع رسول الله يمنع علي بن أبى طالب أن يحزن لاجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لاجل الدنيا (فبأي آلاء ربكما) يا معشر الجن والانس (تكذبان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء (فاللؤلؤ) الحسن (والمرجان) الحسين، لان اللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما، فان البحر سمي بحرا لسعته، وأجرى النبي (ص) فرسا فقال: وجدته بحرا. قال البشنوي: ما عبد شمس ولا تيم وناصبها * من جندها الغيث والطير الابابيل في البرزخ الشان لما انزلت مرج * البحرين إذ يخرج المرجان واللولو وقال محمد بن منصور السرخسي: وأراد رب العرش أن يلقى بها * شجر كريم العرق والاغصان


[ 102 ]

فقضى فزوجها عليا انه * كان الكفي لها بلا نقصان وقضى الاله بأن تولد منهما * ولدان كالقمرين يلتقيان سبطا محمد الرسول وفلذتا * كبد البتول كذاك يفتلقان فبنى الامامة والخلافة والهدى * بعد الرسالة ذانك الولدان تفسير ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وابن جبير، والكلبي، والحسن، وأبي صالح والقزويني، والمغربي، والوالبي، وفي صحيح مسلم، وشرف الخركوشي، واعتقاد الاشنهي في قوله تعالى: (ونساؤنا ونساؤكم) كانت فاطمة فقط، وهو المروي عن الصادق وعن سائر أهل البيت عليهم السلام. عمار بن ياسر في قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم انى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكرا أو انثى) قال: فاذكر علي والانثى فاطمة، وفت الهجرة إلى رسول الله في الليلة الباقر (ع) في قوله: (وما خلق الذكر والانثى) فالذكر أمير المؤمنين والانثى فاطمة. (ان سعيكم لشتى) لمختلف، (فاما من اعطيي واتقى وصدق بالحسنى) بقوته، (وصام حتى وفى) بنذره وتصدق بخاتمه وهو راكع، وآثر المقداد بالدينار على نفسه قال: (وصدق بالحسنى) وهي الجنة، والثواب من الله، (فسنيسره لذلك، وجعله إماما في الخير، وقدوة وأبا للائمة، يسره الله لليسرى. الباقر (ع) في قوله: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات) في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ذريتهم، كذا نزلت على محمد صلى الله عليه وآله. القاضي أبو بكر محمد الكرخي في كتابه عن الصادق (ع) قالت فاطمة: لما نزلت: (لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا) هبت رسول الله أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عن مرة واثنتين أو ثلاثا، ثم أقبل علي فقال: يا فاطمة انها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي يا أبه فانها أحيى للقلب وأرضى للرب. واعلم ان الله ذكر اثنى عشرة امرأة في القرآن على وجه الكناية (اسكن أنت وزوجك الجنة) حوا، (ضرب الله مثلا للذين كفروا) امرأة نوح وامرأة لوط، (إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) امرأة فرعون، (وامرأته قائمة) لابراهيم، (وأصلحنا له زوجه) لزكريا، (الآن حصحص الحق) زليخا، (وآتيناه أهله) لايوب، (انى وجدت امرأة تملكهم) بلقيس، (انى أريد أن أنكحك) لموسى، (وإذا أسر النبي


[ 103 ]

إلى بعض أزواجه حديثا) حفصة وعائشة، (ووجدك عائلا) خديجة، (مرج البحرين) فاطمة عليها السلام. ثم ذكرهن بخصال: التوبة من حوا (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا)، والشوق من آسية: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة)، والضيافة من سارة: (وامرأته قائمة) والعقل من بلقيس: (ان الملوك إذا دخلوا قرية)، والحياء من امرأة موسى: (فجاءته احديهما تمشي)، والاحسان من خديجة: (ووجدك عائلا)، والنصيحة لعائشة وحفصة: (يا نساء النبي لستن كأحد) إلى قوله: (وأطعن الله ورسوله)، والعصمة من فاطمة: (ونساؤنا ونساؤكم). وان الله تعالى أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء: التوبة لحوا زوجة آدم، والجمال لسارة زوجة ابراهيم، والحفاظ لرحيمة زوجة أيوب، والحرمة لآسية زوجة فرعون، والحكمة لزليخا زوجة يوسف، والعقل لبلقيس زوجة سليمان، والصبر لبرحانة ام موسى، والصفوة لمريم ام عيسى، والرضى لخديجة زوجة المصطفى، والعلم لفاطمة زوجة المرتضى. والاجابة لعشرة: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)، (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) يوسف، (قال قد اجيبت دعوتكما) موسى وهارون، (فاستجبنا له) يونس، (فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر)، أيوب (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) زكريا، (ادعوني أستجب لكم) للمخلصين، (أم من يجيب المضطر) للمضطرين، (وإذا سألك عبادي) للداعين، (فاستجاب لهم ربهم) فاطمة وزوجها. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يهتم لعشرة اشياء، فآمنه الله منها وبشره بها: (لفراقه وطنه فأنزل الله: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)، ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب فنزل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ولامته من العذاب فنزل: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم)، ولظهور الدين: (ليظهره على الدين كله)، وللمؤمنين بعده فنزل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة)، ولخصمائهم فنزل: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا)، وللشفاعة فنزل: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، وللفتنة بعده على وصيه فنزل: (فأما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) يعنى بعلي، ولثبات الخلافة في اولاده فنزل: (لنستخلفنهم في الارض)، ولابنته حال الهجرة فنزل: (الذين يذاكرون الله قياما وقعودا) الآيات.


[ 104 ]

ورأس التوابين اربعة، آدم: (قالا ربنا ظلمنا انفسنا)، ويونس: (قال سبحانك اني كنت من الظالمين)، وداود: (وخر راكعا واناب)، وفاطمة: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا). وخوفت اربعة من الصالحات، آسية: عذبت بأنواع العذاب، فكانت تقول: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة)، ومريم: خافت من الناس وهربت (فناداها من تحتها ألا تحزني)، وخديجة: عذلها النساء في النبي فهجرنها، فقالت فاطمة: أما كان ابي رسول الله ؟ ألا يحفظ في ولده ؟ ما أسرع ما اخذتم واعجل ما نكصتم. ورأس البكائين ثمانية: آدم، ونوح، ويعقوب، ويوسف، وشعيب، وداود وفاطمة، وزين العابدين عليهم السلام. قال الصادق (ع): اما فاطمة فبكت على رسول الله حتى تأذى اهل المدينة. فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، اما ان تبكي بالليل واما ان تبكي بالنهار، وكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي. وخير نساء العالمين اربعة. كتاب ابي بكر الشيرازي، وروى أبو الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن ابيه: ان رسول الله قرأ: (ان الله اصطفاك وطهرك) الآية، فقال: يا علي خير نساء العالمين اربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم. أبو نعيم في الحلية، وابن البيع في المسند، والخطيب في التاريخ، وابن بطة في الابانة، واحمد السمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن معمر عن قتادة عن انس، وروى الثعلبي في تفسيره، والسلامي في تاريخ خراسان، وابو صالح المؤذن في الاربعين بأسانيدهم عن ابي هريرة، وروى الشعبي عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب، وروى كريب عن ابن عباس، وروى مقاتل عن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس، وقد رواه أبو مسعود، و عبد الرزاق واحمد، واسحاق، كلهم عن النبي صلى الله عليه وآله واللفظ للحلية انه قال عليه السلام: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون. وفي رواية مقاتل والضحاك وعكرمة عن ابن عباس: وافضلهن فاطمة. الفضايل عن عبد الملك العكبري، ومسند احمد باسنادهما عن كريب عن ابن عباس انه قال: سيدة نساء اهل الجنة، الخبر سواء. تاريخ بغداد باسناد الخطيب عن حميد الطويل عن انس قال النبي: خير نساء العالمين، الخبر سواء، ثم ان النبي فضلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة. روت عائشة وغيرها عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: يا فاطمة ابشري فان الله تعالى


[ 105 ]

اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الاسلام وهو خير دين. حذيفة، ان النبي صلى الله عليه وآله قال: اتاني ملك فبشرني ان فاطمة سيدة نساء الجنة، أو نساء امتي. البخاري ومسلم في صحيحهما، وابن السعادات في فضايل العشرة، وابو بكر بن شيبة في اماليه، والديلمي في فردوسه: انه صلى الله عليه وآله قال فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. حلية ابي نعيم، روى جابر عن سمرة عن النبي في خبر: اما انها سيدة النساء يوم القيامة. تاريخ البلاذري ان النبي قال لفاطمة: انت اسرع اهلي لحاقابي، فوجمت، فقال لها: أما ترضين ان تكوني سيدة نساء اهل الجنة ؟ فتبسمت. الشعبى عن مسروق عن عائشة قالت: أسر النبي إلى فاطمة شيئا. فضحكت، فسألتها فقال قال لي: ألا ترضين ان تكوني سيدة نساء اهل الجنة، أو نساء امتي. حلية الاولياء، وكتاب الشيرازي روى عمران بن حصين وجابر بن سمرة: ان النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة فقال: كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت: اني لوجعة وانه ليزيدني انه مالي طعام آكله، قال: يا بنية أما ترضين انك سيدة نساء العالمين ؟ قالت: يا ابي فأين مريم بنت عمران ؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها وانت سيدة نساء عالمك أمار الله زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة. وقيل للصادق (ع) قول الرسول صلى الله عليه وآله فاطمة سيدة نساء اهل الجنة، أي سيدة عالمها، قال: ذاك مريم وفاطمة سيدة نساء اهل الجنة من الاولين والآخرين. وفي الحديث ان آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة يمشين امام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنة، وفي الحساب من سيدة الحور من ولد آدم كلهم، وزنه ام الحجج فاطمة البتول، عدد كل منهما الف وستمائة وثمانية وتسعون، وسأل بزل (بديل) الهروي الحسين بن روح رضي الله عنه فقال: كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال: اربع، فقال: أيتهن افضل ؟ فقال: يا فاطمة، قال: ولم صارت افضل وكانت اصغرهن سنا واقلهن صحبة لرسول الله ؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما، انها ورثت رسول الله ونسل رسول الله منها، ولم يخصها بذلك إلا بفضل اخلاص عرفه من نيتها. وقال المرتضى رضي الله عنه: التفضيل هو كثرة الثواب بأن يقع خلاص ويقين ونية صافية ولا يمتنع من ان تكون عليها السلام قد فضلت على اخواتها بذلك، ويعتمد على انها افضل نساء العالمين باجماع الامامية، وعلى انه قد ظهر من تعظيم الرسول صلى الله عليه وآله لشأن فاطمة وتخصيصها من بين سائرهن ما ربما لا يحتاج إلى الاستدلال عليه. قال مهيار: يا ابنة المختار من كل * الاذى روحي فداك


[ 106 ]

يا ابنة المختار ان الله * بالفضل اجتباك وارتضى بعلك للخل‍ * ق جميعا وارتضاك وعلى الامة جمعا * فضل الله اباك وقال الزاهي: وبمدح فاطمة البتول تنير لي * ظلم القيامة يوم ينفخ صورها فصل: في منزلتها عند الله تعالى صحيح الدار قطني، رسول الله صلى الله عليه وآله امر بقطع لص، فقال اللص: يا رسول الله قدمته في الاسلام وتأمره بالقطع، فقال: لو كانت ابنتي فاطمة، فسمعت فاطمة فحزنت، فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله: (لئن اشركت ليحبطن عملك) فحزن رسول الله، فنزل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فتعجب النبي من ذلك فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك فهذه الآيات لموافقتها لترضى. سفيان الثوري عن الاعمش عن ابي صالح في قوله: (وإذا النفوس زوجت) قال: ما من مؤمن يوم القيامة إلا إذا قطع الصراط زوجه الله على باب الجنة بأربع نسوة من نساء الدنيا وسبعين الف حورية من حور الجنة إلا علي بن ابى طالب فانه زوج البتول فاطمة في الدنيا وهو زوجها في الآخرة في الجنة، ليست له زوجة في الجنة غيرها من نساء الدنيا لكن له في الجنان سبعون الف حوراء لكل حوراء سبعون الف خادم. وروي ان فاطمة (ع) تمنت وكيلا عند غزاة علي (ع) فنزل (رب المشرق والمغرب لا إله الا هو فاتخذه وكيلا). وسئل عالم فقيل: ان الله تعالى قد انزل (هل أتى) في اهل البيت وليس شئ من نعيم الجنة إلا وذكر فيه إلا الحور العين، قال: ذلك إجلالا لفاطمة (ع). النبي صلى الله عليه وآله: لما خلق الله الجنة خلقها من نور وجهه، ثم اخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، واصاب فاطمة ثلث النور، واصاب عليا واهل بيته ثلث النور، فمن اصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد. الحسين بن زيد بن علي عن الصادق (ع)، وجابر الجعفي عن الباقر (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله: انه الله ليغضب فاطمة ويرضى لرضاها. ابن شريح باسناده عن الصادق (ع)، وابن سعيد الواعظ في شرف النبي عن امير المؤمنين، وابو صالح المؤذن في الفضائل عن ابن عباس، وابو عبد الله العكبري


[ 107 ]

في الابانة، ومحمود الاسفرائينى في الديانة، رووا جميعا ان النبي صلى الله عليه وآله قال: يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك. وجاء سندل إلى الصادق (ع) وسأله عن ذلك فقال: يا سندل ألستم رويتم فيما تروون ان الله تعالى يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه، قال: بلى، قال: فما تنكر ان تكون فاطمة مؤمنة يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. فقال سندل: الله اعلم حيث يجعل رسالته. قال خطيب منبج: وكان الله يرضى حين ترضى * ويغضب ان غدت في المغضبينا تاريخ بغداد، وكتاب السمعاني، واربعين ابن المؤذن، ومناقب فاطمة عن ابن شاهين بأسانيدهم عن حذيفة وابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وآله: ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، وقال ابن منده: خاص الحسن والحسين ويقال أي من ولدته بنفسها، وهو المروي عن علي بن موسى بن جعفر (ع)، والاولى كل مؤمن منهم. سئل الصادق (ع) عن معنى ” حي على خير العمل ” فقال: خير العمل بر فاطمة سئل الصادق (ع) عن معنى ” حي على خير العمل ” فقال: خير العمل بر فاطمة وولدها، وفي خبر آخر: الولاية. قال الصاحب: حب علي لي امل * وملجئي من الوجل إن لم يكن لي من عمل * فحبه خير العمل وفي المحاضرات روى أبو هريرة انه سجد رسول الله بخمس سجدات بلا ركوع فقلنا له في ذلك، فقال: اتاني جبرئيل فقال: ان الله يجب عليا، فسجدت، فرفعت راسي فقال: ان الله يحب الحسن، فسجدت، فرفعت راسي فقال: ان الله يحب الحسين، فسجدت، ورفعت راسي ثم قال: ان الله يحب فاطمة، فسجدت، ثم قال: ان الله يحب من احبهم، فسجدت. السمعاني في الرسالة القوامية، والزعفراني في فضائل الصحابة، والاشنهي في اعتقاد اهل السنة، والعكبري في الابانة، واحمد في الفضائل، وابن المؤذن في الاربعين بأسانيدهم عن الشعبى عن ابي جحيفة وعن ابن عباس والاصبغ عن ابى ايوب، وقد روى حفص بن غياث عن القزويني عن عطاء عن ابي هريرة كلهم عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة ووقف الخلائق بين يدى الله تعالى نادى مناد من وراء الحجاب أيها الناس غضوا من ابصاركم ونكسوا من رؤسكم فان فاطمة بنت محمد تجوز على الصراط. وفي حديث ابي ايوب: فيمر معها سبعون جارية من الحور العين كالبرق اللامع. وروى اهل البيت (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدلجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد


[ 108 ]

الاخضر ذنبها من المسك الاذفر عيناه ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها داخلها عفو الله وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا كل ركن موضع بالدر والياقوت يضئ كما يضئ الكوكب الدري في افق السماء وعن يمينها سبعون الف ملك وعن شمالها سبعون الف ملك وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا ابصاركم حتى تجوز فاطمة. قال فتسير حتى تحاذي عرش ربها، الخبر. قال البشنوي: وقف الندا في موضع عبرت * فيه البتول: عيونكم غضوا فتغض والابصار خاشعة * وعلى بنان الظالم العض تسود حينئذ وجوه * ووجوه أهل الحق تبيض وقال خطيب منبج: توافي في النشور على نجيب * به أملاك ربك محدقونا ويسمع من خلال العرش صوت * ينادي والخلائق شاخصونا ألا ان البتول تجوز فيكم * فغضوا من مهابتها العيونا وقال أبو الحسين البوشنجي: قال النبي المصطفى فيما روى * عنه علي وهو نور يقبس نادى مناد من وراء الحجب في * يوم القيامة والخلائق اركسوا هاتيك فاطمة سليلة احمد * تهوى تجوز على الصراط ونكسوا النبي صلى الله عليه وآله في خبر تقدم أوله قال: فتسير، يعني فاطمة، حتى تحاذي عرش ربها وترجع نفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني احكم بيني وبين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل الله: يا حبيبتي وابنه حبيبي سلينى تعطي واستشفعي تشفعي فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبتي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها، فيقولون وقد احاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة كلهم حتى تدخلهم الجنة. وفي خبر آخر: تحشر فاطمة وتخلع عليها الحلل وهي آخذة بقميص الحسين ملطخ بالدم وقد تعلقت بقائم العرش تقول: ربي الحكم بينى وبين قاتل ولدي الحسين، فيؤخذ لها بحقها. قال مسعود بن عبد الله القاينى: لابد ان ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفاؤه خصماؤه * والصور في يوم القيامة ينفخ


[ 109 ]

وقال آخر: حسب الذي قتل الحسين * من الخسارة والندامة ان الشفيع لدى الاله * خصيمه يوم القيامة وقال الصاحب: سوف تأتى الزهراء تلتمس الحكم * إذا حان معشر التعديل وابوها وبعلها وبنوها * حولها والخصام غير قليل وتنادي يا رب ذبح اولادي * لما ذا وانت انت مديلي فينادي بمالك الهب النار وأجج وخذ بأهل الغلول ويجازى كل بما كان منه * من عقاب التخليد والتنكيل وقال شاعر آخر: كأنى ببنت المصطفى قد تعلقت * يداها بساق العرش والدمع أذرت وفي حجرها ثوب الحسين مضرجا * وعنها جميع العالمين بحسرة تقول أيا عدل اقض بينى وبين من * تعدى على ابني بين قهر وقسوة أجالوا عليه بالصوارم والقنا * وكم جال فيهم من سنان وشفرة فيقضى على قوم إليها تألبوا * بشر عذاب النار من غير فترة أبو بكر مردويه في كتاب بالاسناد عن سنان الاوسي قال النبي صلى الله عليه وآله: حدثنى جبرئيل ان الله تعالى لما زوج فاطمة عليا عليهما السلام أمر رضوان فأمر شجرة طوبى فحملت رقاعا لمحبي اهل بيت محمد ثم أمطرها وملائكة من نور بعددتيك الرقاع فأخذ تلك الملائكة الرقاع فإذا كان يوم القيامة واستوت بأهلها أهبط الله الملائكة بتلك الرقاع فإذا لقى ملك من تلك الملائكة رجلا من محبي آل بيت محمد دفع إليه رقعة براءة من النار. وجاء في كثير من الكتب منها: كشف الثعلبي، وفضائل ابى السعادات في معنى قوله: (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) انه قال ابن عباس: بينا اهل الجنة في الجنة بعد ما سكنوا رأوا نورا أضاء الجنارن، فيقول أهل الجنة: يا رب انك قد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل: (لا يرون فيها شمسا) فينادي مناد: ليس هذا نور الشمس ولا نور القمر وان عليا وفاطمة تعجبا من شئ فضحكا فأشرقت الجنان من نورهما. شعبة بن الحجاج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في خبر قال: سمعت رسول الله يقول: كنت جالسا وإذا نور ضرب وجهي، فقلت لجبرئيل: ما هذا النور الذي رأيته ؟ قال: يا محمد هذا لا نور الشمس ولا نور القمر ولكن جارية من جواري علي بن


[ 110 ]

أبى طالب اطلعت من قصرها فنظرت اليك فضحكت فهذا النور خرج من فيها وهي تدور في الجنة إلى ان يدخلها امير المؤمنين. قال الحميري: واخبرنا الاله بماوقاهم * ولقاهم هناك من السرور وأكرمهم لما صبروا جميعا * بجنات والوان الحرير فلا شمسا يرون ولا حميما * ولا غساق بين الزمهرير وقال العبدي: أو ليس الاله قال لنا لا شمس فيها يرى ولا زمهريرا وإذا بالنداء يا ساكن الجنة * مهلا أمنتم التغييرا ذا علي الوصي داعب مولا * تكم فاطما فأبدت سرورا فبدا إذ تبسمت ذلك النور * فزادت كرامة وحبورا أبو صالح في الاربعين عن أبي حامد الاسفرائيني باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول شخص يدخل الجنة فاطمة. ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة، والخركوشي في شرف النبي، وابن بطة في الابانة عن الكلبي عن جعفر بن محمد (ع) قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: هل تدري لم سميت فاطمة ؟ قال علي: لم سميت فاطمة يا رسول الله ؟ قال: لانها فطمت هي وشيعتها من النار. أبو علي السلامي في تاريخه باسناده عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة قال علي (ع): إنما سميت فاطمة لان الله فطم من أحبها من النار. ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الانصاري قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما سميت ابنتي فاطمة لان الله فطمها وفطم محبيها عن النار. الصادق عليه السلام: أتدري أي شئ تفسير فاطمة ؟ قلت: اخبرني يا سيدي، قال: فطمت من الشر. ويقال انها سميت فاطمة لانها فطمت عن الطمث. أبو صالح المؤذن في الاربعين: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله ما البتول ؟ قال النبي: لم تر حمرة قط ولم تحض فان الحيض مكروه على بنات الانبياء. وقال صلى الله عليه وآله لعائشة: يا حميراء ان فاطمة ليست كنساء الآدميين لا نعتل كما يعتلن. أبو عبد الله (ع) قال: حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية لانها طاهرة لا تحيض. وقال عبيد الهروي في الغريبين: سميت مريم بتولا لانها بتلت عن الرجال وسميت فاطمة بتولا لانها بتلت عن النظير. أبو هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر (ع) لم سميت فاطمة الزهراء ؟ فقال: كان وجهها يزهر لامير المؤمنين من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب غروب


[ 111 ]

الشمس كالكوكب الدري. الحسن بن يزيد قال: قلت لابي عبد الله (ع) لم سميت فاطمة الزهراء ؟ قال: لان لها في الجنة قبة من ياقوتة حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها لها مائة الف باب وعلى كل باب الف من الملائكة يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري الزهر في افق السماء فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة عليها السلام. قال منصور الفقيه: إذا فخرت بنو الاسلام يوما * على من ليس من آل الرسول قضيت لها كما أقضى عليها * بأن خيارها ولد البتول وقال الصاحب: قد قلت قولا صادقا بينا * وليست النفس به آثمه لكل شئ فاضل جوهر * وجوهر الناس بنو فاطمه فصل: في حب النبي اياها جامع الترمذي، وابانه العكبري، وأخبار فاطمة عن أبى علي الصولي، وتاريخ خراسان عن السلامي مسندا، ان جميعا التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فقالت لها عمتي: ما حملك على الخروج على علي ؟ فقالت عائشة: دعينا فو الله ما كان أحد من الرجال أحب إلى رسول الله من علي ولا من النساء أحب إليه من فاطمة. فضايل العشرة عن أبى السعادات، وفضايل الصحابة عن السمعاني، وفي روايات عن شريك، والاعمش، وكثير النوا، وابن الحجام، كلهم عن جميع بن عمير عن عائشة، وعن اسامة عن النبي، وروى عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سألت رسول الله أي النساء أحب اليك ؟ قال: فاطمة، قلت: من الرجال، قال: زوجها. جامع الترمذي قال بريدة: كان أحب النساء إلى رسول الله فاطمة ومن الرجال علي. قوت القلوب عن أبى طالب المكي، والاربعين عن أبي صالح المؤذن، وفضايل الصحابة عن أحمد بالاسناد عن سفيان، وعن الاعمش عن أبى الجحاف عن جميع عن عائشة انه قال علي للنبي لما جلس بينه وبين فاطمة وهما مضطجعان: أينا أحب اليك أن أو هي ؟ فقال صلى الله عليه وآله: هي أحب إلي وأنت أعز علي منها. وفي خبر عن جابر بن عبد الله: انه افتخر علي وفاطمة بفضائلهما، فأخبر جبرئيل للنبي انهما قد أطالا الخصومة


[ 112 ]

في محبتك فاحكم بينهما، فدخل وقص عليهما مقالتهما ثم أقبل على فاطمة وقال: لك حلاوة الولد، وله عز الرجال، وهو أحب إلي منك، فقالت فاطمة: والذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك الامة لازلت مقرة له ما عشت. حلية الاولياء في خبر عن كعب بن عجزة: ان المهاجرين والانصار وبني هاشم اختصموا في رسول الله صلى الله عليه وآله أينا أولى به وأحب إليه، فقال: أما انتم يا معشر الانصار فانما أنا اخوكم، فقالوا: الله اكبر ذهبنا به ورب الكعبة، وأما انتم يا معشر المهاجرين فانما أنا منكم، فقالوا: الله اكبر ذهبنا به ورب الكعبة، وأما انتم يا بني هاشم فأنتم مني وإلي، فقمنا وكلنا راض مغتبط برسول الله صلى الله عليه وآله. عامر الشعبى، والحسن البصري، وسفيان الثوري، ومجاهد، وابن جبير، وجابر الانصاري، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: إنما فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني، أخرجه البخاري عن المسور بن مخزمة، وفي رواية جابر: فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. وفي مسلم والحلية: إنما فاطمة ابنتي بضعة من يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها، سعد بن أبى وقاص سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني فاطمة أعز البرية علي. مستدرك الحاكم عن أبي سهل بن زياد عن اسماعيل، وحلية أبي نعيم عن الزهري وابن أبي مليكة، والمسور بن مخزمة ان النبي قال: إنما فاطمة شجنة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها. وجاء سهل بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز فقال: ان قومك يقولون: انك تؤثر عليهم ولد فاطمة، فقال عمر: سمعت الثقة من الصحابة ان النبي قال: فاطمة بضعة مني يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها، فو الله اني لحقيق أن أطلب رضى رسول الله ورضاه ورضاها في رضى ولدها. وقد علموا ان النبي يسره * مسرتها جدا ويشني اغتمامها قوله صلى الله عليه وآله هذا يدل على عصمتها لانها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذيا له صلى الله عليه وآله على كل حال بل كان من فعل المستحق من ذمها واقامة الجدان ان كان الفعل يقتضيه سارا له ومطيعا. أبو ثعلبة الخشني قال: كان رسول الله إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة فدخل عليها فقامت إليه واعتنقته وقبلت بين عينيه الاربعين، عن ابن المؤذن باسناده عن النضر بن شميل عن ميسرة عن المنهال عن عائشة بنت طلحة عن عائشة بنت أبي بكر، وفي فضائل السمعاني باسناده عن عكرمة


[ 113 ]

قالا: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قدم من مغازيه قبل فاطمة. ورووا عن عائشة ان فاطمة كانت إذا دخلت على رسول الله قام لها من مجلسه وقبل رأسها وأجلسها مجلسه، وإذا جاء إليها لقيته وقبل كل واحد منهما صاحبه وجلسا معا. أبو السعادات في فضائل العشرة، وابن المؤذن في الاربعين بالاسناد عن عكرمة عن ابن عباس، وعن أبي ثعلبة الخشني، وعن نافع عن ابن عمر قالوا: كان النبي إذا أراد سفرا كان آخر الناس عهدا بفاطمة، وإذا قدم كان أول الناس عهدا بفاطمة. ولو لم يكن لها عند الله تعالى فضل عظيم لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل معها ذلك إذ كانت ولده، وقد أمر الله بتعظيم الولد للوالد ولا يجوز أن يفعل معها ذلك وهو بضد ما أمر به امته عن الله تعالى. أبو سعيد الخدرى قال: كانت فاطمة من أعز الناس على رسول الله، فدخل عليها يوما وهي تصلي فسمعت كلام رسول الله في رحلها فقطعت صلاتها وخرجت من المصلى فسلمت عليه فمسح يده على رأسها وقال: يا بنية كيف أمسيت رحم الله عشينا غفر الله لك وقد فعل. أخبار فاطمة عن أبي الصولي قال عبد الله بن الحسن: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة فقدمت له كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها ثم قال: يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام، فجعلت فاطمة تبكي ورسول الله يمسح وجهها بيده. أبو صالح المؤذن في الاربعين بالاسناد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابراهيم عن مسروق عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ان الله تعالى لما أمرني أن أزواج فاطمة من علي ففعلت، فقال لي جبرئيل: ان الله بنى جنة من لؤلؤة بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب وجعل سقوفها زبر جدا أخضر وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل غرفا لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيونا تنبع من نواحيها وحف بالانهار وجعل على الانهار قبابا من در قد شعبت بسلاسل الذهب وحفت بأنواع الشجر وبنى في كل غصن وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس والاستبرق وفرض أرضها بالزعفران وفتق بالمسك والعنبر وجعل في كل قبة حوراء والقبة لها مائة باب على كل باب جاريتان وشجرتان في كل قبة مفرش وكتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي، فقلت: يا جبرئيل لمن بنى الله هذه الجنة ؟ قال: بناها لعلي ابن أبي طالب وفاطمة ابنتك سوى جنانهما تحفة أتحفهما الله ولتقر بذلك عينك يا رسول الله ابن عبد ربه الاندلسي في العقد عن عبد الله بن الزبير في خبر عن معاوية بن


[ 114 ]

أبي سفيان قال: دخل الحسن بن علي على جده صلى الله عليه وآله وهو يتعثر بذيله فأسر إلى النبي سرا فرأيته فتغير لونه ثم قال النبي حتى أتى فاطمة فأخذ بيدها فهزها إليه هزا قويا ثم قال: يا فاطمة إياك وغضب علي فان الله يغضب لغضبه ويرضى لرضاه، ثم جاء علي فأخذ النبي بيده ثم هزها إليها هزا خفيفا قال: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة فان الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها، فقلت: يا رسول الله مضيت مذعورا وقد رجعت مسرورا، فقال: يا معاوية كيف لا أسر وقد أصلحت بين اثنين هما أكرم الخلق وفي رواية عبد الله بن الحارث، وخبيب بن ثابت، وعلي بن ابراهيم: اثنين أحب من في الارض إلي. قال ابن بابويه: هذا غير معتمد لانهما منزهان عن أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله. الباقر والصادق (ع): انه كان صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة ويضع وجهه بين ثديي فاطمة ويدعو لها، وفي رواية: حتى يقبل عرض وجنة فاطمة أو بين ثدييها. أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وابن شهاب الزهري، وابن المسيب كلهم عن سعد بن أبي وقاص، وأبو معاذ النحوي المروزي، وأبو قتادة الحراني عن سفيان الثوري عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة، والخركوشي في شرف النبي، والاشتهي في الاعتقاد، والسمعاني في الرسالة، وأبو صالح المؤذن في الاربعين، وابن السعادات في الفضائل،، ومن أصحابنا: أبو عبيدة الحذاء وغيره عن الصادق (ع): انه كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة فأنكرت عليه بعض نسائه فقال (ص): انه لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدى جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتها. وفي رواية: فناولني منها تفاحة فأكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء انسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي. ودخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة فرآها منزعجة، فقال لها: مالك ؟ قالت: الحميراء افتخرت على امي انها لم تعرف رجلا قبلك وان امي عرفتها مسنة، فقال صلى الله عليه وآله ان بطن امك كان للامامة وعاء. ابن عبد ربه في العقد: ان المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه، فلما انتبه قص رؤياه على الربيع، فقال: ان شريكا مخالف لك وانه فاطمي محضا، قال المهدي: علي بشريك، فأتى به، فلما دخل عليه قال: بلغني انك فاطمي ؟ قال: اعيذك بالله أن تكون غير فاطمي، إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى، قال: لا ولكن أعنى فاطمة بنت محمد، قال: فتلعنها ؟ قال، لا معاذ الله، قال فما تقول فيمن


[ 115 ]

يلعنها ؟ قال: عليه لعنة الله، قال: فالعن هذا – يعني الربيع – قال: لا والله ما ألعنها يا أمير المؤمنين، قال له شريك: يا ما جن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ؟ قال المهدي: فما وجه المنام ؟ قال: ان رؤياك ليست برؤيا يوسف وان الدماء لا تستحل بالاحلام. واتي برجل شتم فاطمة إلى الفضل بن الربيع، فقال لابن غانم: انظر في أمره ما تقول، قال: يجب عليه الحد، قال له الفضل: هي ذا امك ان حددته، فأمر بأن يضرب الف سوط ويصلب في الطريق. قال ابن الحجاج في رده على مروان بن أبي حفصة: أكان قولك في الزهراء فاطمة * قول امرئ لهج بالنصب مفتون عيرتها بالرحى والحب تطحنه * لا زال زادك حبا غير مطحون وقلت ان رسول الله زوجها * مسكينة بنت مسكين لمسكين ست النساء غدا في الحشر يخدمها * أهل الجنان بحور الحر والعين وقال آخر: بني الضلالة دسوا * رؤسهم في التراب بني الضلالة أنتم * أهل الخنا والمعاب هجرتم آل طه * والحشر والاحزاب هجرتم من أبيها * شفيع يوم الحساب وزوجها أول الناس * من قام في المحراب فصل: في معجزاتها عليها السلام في الاحياء انه قرأ ابن عباس: (وما أرسلنا من قبلك من رسول) ولا نبي ولا محدث سليم، قال: سمعت محمد بن أبي بكر قرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول) ولا نبي ولا محدت، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الانبياء ؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدثة، وام موسى ولم تكن نبية وكانت محدثة، وسارة وقد عاينت الملائكة فبشروها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب ولم تكن نبية، وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبية. وقد ذكر سعد القمي في بصائر الدرجات، ومحمد بن يعقوب الكليني في الكافي بابا في ذلك منها، قال أبو عبد الله (ع) الرسول الذي يظهر له الملك فيكلمه، والنبي الذي يؤتى في منامه، وربما اجتمعت النبوة والرسالة الواحد، والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة.


[ 116 ]

سهل بن أبي صالح عن ابن عباس: انه اغمي على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه فدق بابه فقالت فاطمة: من ذا ؟ قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله أتأذنون لي في الدخول عليه، فأجابت: امض رحمك الله لحاجتك فرسول الله عنك مشغول، فمضى ثم رجع فدق الباب وقال: غريب يستأذن على رسول الله أتأذون للغرباء ؟ فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله من غشيته فقال: يا فاطمة أتدرين من هذا ؟ قالت: لا يا رسول الله قال: هذا مفرق الجماعات ؟ ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن لاحد من بعدي، استأذن علي لكرامتي على الله. ائذني له، فقالت: ادخل رحمك الله، فدخل كريح هفافة وقال: السلام على أهل بيت رسول الله فأوصى النبي إلى علي بالصبر عن الدنيا، وبحفظ فاطمة، وبجمع القرآن، وبقضاء دينه، وبغسله، وأن يعمل حول قبره حائطا، ويحفظ الحسن والحسين. أبو عبيدة عن الصادق (ع) قال: بكت فاطمة على أبيها خمسة وسبعين يوما وكان جبرئيل يأتيها ويخبرها بحال أبيها ويعزيها ويخبرها بالحوادث بعدها، وكان علي (ع) يكتب ذلك، وهذا كقوله تعالى: (فناداها من تحتها ألا تحزني). أبو علي الصولي في أخبار فاطمة، وأبو السعادات في فضائل العشرة عن أبي ذر الغفاري قال: بعثني النبي أدعو عليا فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي، فقال عد إليه فانه في البيت، فأتيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها، فقلت لعلي: ان النبي يدعوك، فخرج متوشحا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله، فأخبرت النبي بما رأيت فقال: يا أبا ذر لا تعجب لل‍ ؟ للملائكة سياحون في الارض موكلون بمعونة آل محمد. الحسن البصري، وابن اسحاق عن عمار وميمونة ان كليهما قالا: وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور، فأخبرت رسول الله بذلك فقال: ان الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت. وقد رواه أبو القاسم البستي في مناقب امير المؤمنين، وابو صالح المؤذن في الاربعين عن الشعبي باسناده عن ميمونة، وابن فياض في شرح الاخبار، وروي انها (ع) ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرك، وكان مهلك يحركه. محمد بن علي بن الحسين بن علي (ع) قال: بعث رسول الله سلمانا إلى فاطمة قال فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا وتدور الرحى من برا ما عندها انيس. وقال في آخر الخبر: فتبسم رسول الله وقال: يا سلمان ابنتي فاطمة ملا الله قلبها وجوارحها ايمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكا


[ 117 ]

اسمه زوقابيل. وفي خبر آخر: جبرئيل فأدار لها الرحى وكفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة. قال ابن حماد: وقالت ام أيمن جئت يوما * إلى الزهراء في وقت الهجير فلما أن دنوت سمعت صوتا * وطحنا في الرحاء مع الهدير فجئت الباب أقرعه مليا * فما من سامع أو من مجير إذ الزهراء نائمة سكوت * وطحن للرحاء بلا مدير فجئت المصطفى فقصصت شاني * وما عاينت من أمر ذعور فقال المصطفى شكرا لربي * باتمام الحياء لها جدير (كذا) رآها الله متعبة فألقى * عليها النوم ذو المن الكبير ووكل بالرحى ملكا مديرا * فعدت وقد ملئت من السرور علي بن معمر قال: خرجت ام أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة وقالت: لا أرى المدينة بعدها، فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها قال: فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت: يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك، قال: فنزل إليها دلو من ماء الجنة، فشربت ولم تجمع ولم تطعم سنين. مالك بن دينار: رأيت في مودع الحج امرأة ضعيفة على دابة نحيفة والناس ينصحونها لتنكص فلما توسطنا البادية كلت دابتها فعذلتها في اتيانها فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: لا في بيتي تركتني ولا إلى بيتك حملتني فوعزتك وجلالك لو فعل بي هذا غيرك لما شكوته إلا اليك فإذا شخص أتاها من الفيفاء وفي يده زمام ناقة فقال لها: اركبي فركبت وسارت الناقة كالبرق الخاطف، فلما بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلفتها من أنت ؟ فقالت: انا شهرة بنت مسكة بنت فضة خادمة الزهراء. الثعلبي في تفسيره، وابن المؤذن في الاربعين باسنادهما عن محمد بن المنكدر عن جابر ابن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وآله أقام اياما لم يطعم طعاما وجاء إلى منازل أزواجه فلم يصب شيئا فجاء إلى فاطمة، القصة بطولها، فإذا جفنة تفور فيها طعام، فقال: (أنى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب) فقال النبي: الحمد الله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رآه زكريا لمريم كان إذا دخل عليها (وجد عندها رزقا فيقول لها يا مريم أنى لك هذا فتقول هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب). ورهنت (ع) كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير، فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الانوار في دارنا ! قالت: لكسوة فاطمة


[ 118 ]

فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفسا. وسألت رسول الله صلى الله عليه وآله خاتما فقال: ألا اعلمك ما هو خير من الخاتم، إذا صليت صلاة الليل فاطلبي من الله عزوجل خاتما فانك تنالين حاجتك، قالت: فدعت ربها تعالى فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة الذي طلبت مني تحت المصلى، فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له، فجعلته في اصبعها وفرحت، فلما نامت في ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها قالت: لمن هذه القصور قالوا: لفاطمة ببنت محمد، قالت: فكأنها دخلت قصرا من ذلك ودارت فيه فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم فقالت: ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة ؟ قالوا: لان صاحبته طلبت من الله تعالى خاتما فنزع احد القوائم وصيغ لها خاتم وبقي السرير على ثلاث قوائم، فلما اصبحت دخلت على رسول الله (ص) وقصت القصة، فقال النبي: معاشر آل عبد المطلب ليس لكم الدنيا إنما لكم الآخرة وميعادكم الجنة ما تصنعون بالدنيا فانها زائلة غرارة، فأمره النبي ان ترد الخاتم تحت المصلى فردت ثم نامت على المصلى فرأت في المنام انها دخلت الجنة فدخلت ذلك القصر ورأت السرير على اربع قوائم، فسألت عن حاله فقالوا: ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته. أبو جعفر الطوسي في اختيار الرجال عن ابى عبد الله (ع)، وعن سلمان الفارسي انه لما استخرج امير المؤمنين (ع) خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي فو الله الذي بعث محمدا بالحق لان لم تخلوا عنه لانشرن شعري ولاضعن قميص رسول الله على رأسي ولاصرخن إلى الله تعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان: فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت من اسفلها حتى لو اراد رجل ان ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي ان الله تبارك وتعالى بعث اياك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من اسفلها فدخلت في خياشيمنا. المفضل بن عمر (1) عن الصادق (ع) في خبر: ان خديجة لما تزوج بها رسول الله هجرها نساء مكة فاستوحشت لذلك فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة تحدثها من بطنها فسمع ذلك يوما رسول الله فقال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني انها ابنتي وانها النسمة (هامش صفحه 118) هو صاحب الامام الصادق (ع) وقد املى عليه كتاب التوحيد المعروف، كان وكيلا عنه وعن ولده موسى، وهو من الاصحاب الاجلاء، توفي في السنى الاواخر من القرن الثاني.


[ 119 ]

الطاهرة الميمونة وان الله سيجعل نسلي منها، قال: فلما حضرت ولادتها اغتمت فدخل عليها اربع نسوة سمر طوال فقالت احداهن: لا تحزني يا خديجة فانا رسل ربك ونحن اخواتك وانا سارة وهذه آسية وهذه مريم وهذه كلثم اخت موسى، فجلسن عندها فوضعت فاطمة طاهرة فأشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ودخل عشر من الحور العين معهن الاباريق والطاس وفي الاباريق ماء من الكوثر فغسلتها به ولفقتها في خرقتين بيضاوين اشد بياضا من اللبن واطيب ريحا من المسك فنطقت فاطمة وقالت: اشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي رسول الله سيد الانبياء وان يعلي سيد الاوصياء وولدي سادة الاسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها وتباشرت الحور العين فقلن خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها وفي نسلها. فكانت تنمو في اليوم كما ينمى الصبى في الشهر. قال ابن حماد: زوجه بفاطم * بأمر رب العالم على اغترام الراغم * ابرئ إلى الله انا والله لم يرض لها * في الخلق إلا شكلها ومن يضاهي فعلها * وهو علي ذو الحجى طيبة لطيب * تفرغا لمنصب مطهر مهذب * قد شرفا على الورى فصل: في سيرتها حلية ابى نعيم، ومسند ابى يعلى قالت عائشة: ما رأيت احدا اصدق من فاطمة غير ابيها، ورويا انه كان بينهما شئ، فقالت عائشة: يا رسول الله سلها فانها لا نكذب وقد روى الحديثين عطاء وعمرو بن دينار. الحسن البصري: ما كان في هذه الامة اعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورم قدماها. وقال النبي لها: اي شئ خير للمرأة ؟ قالت: ان لا ترى رجلا ولا يراها رجل، فضمها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض. برة طيبة طاهرة * مريم الكبرى عفافا وورع عمرو بن دينار عن الباقر (ع) قال: ما رؤيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبضت. وفي الحلية، الاوزاعي عن الزهري قال: لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله حتى


[ 120 ]

مجلت يداها وطبت الرحى في يدها. وفي الصحيحين ان عليا (ع) قال: اشتكى مما اندى بالقرب، فقالت فاطمة (ع): والله اني اشتكي يدي مما طحى بالرحى. وكان عند النبي صلى الله عليه وآله اسارى فأمرها ان تطلب من النبي خادما، فدخلت على النبي وسلمت عليه ورجعت، فقال امير المؤمنين: مالك ؟ قالت: والله ما استطعت ان اكلم رسول الله من هيبته، فانطلق على معها إلى النبي فقال لهما: جاءت بكما حاجة ؟ فقال علي: مجاراتهما فقال: لا ولكني ابيعهم وانفق اثمانهم على اهل الصفة، وعلمها تسبيح الزهراء. كتاب الشيرازي: انها لما ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا فاطمة والذي بعثني بالحق ان في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ولو لا خشيتي خصلة لاعطيك ما سألت، يا فاطمة اني لا اريد ان ينفك عنك أجرك إلى الجارية واني أخاف أن يخصمك علي بن أبى طالب يوم القيامة بين يدي الله عزوجل إذا طلب حقه منك، ثم علمها صلاة التسبيح، فقال امير المؤمنين: عليه مضيت تريدين من رسول الله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة. قال أبو هريرة فلما خرج رسول الله من عنده فاطمة أنزل الله على رسوله (واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) يعني عن قرابتك وابنتك فاطمة ابتغاء، يعني طلب رحمة من ربك، يعني رزقا من ربك ترجوها (فقل لهم قولا ميسورا) يعني قولا حسنا، فلما نزلت هذه الآية انفذ رسول الله صلى الله عليه وآله جارية إليها للخدمة وسماها فضة. تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد (ع)، وتفسير القشيري عن جابر الانصاري انه رأى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعليها كساء من اجلة الابل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله الحمد الله على نعمائه والشكر لله على آلائه، فأنزل الله: (ولسوف يعطيك ربك فترضى. أبو منصور الكاتب في كتاب الروح والريحان عن أبي ذر في خبر: ان فاطمة رأت رأس علي في حجر جارية أهداها جعفر مع أربعة آلاف درهم إليه، فقالت: أتأذن لي أن أصير إلى منزل رسول الله، قال: قد أذنت لك، فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله: يا بنية جئت تشكين عليا ؟ فقالت: اي ورب الكعبة، فقال: ارجعي إلى علي وقولي: رغم أنفي لرضاك ثلاثا، فلما رجعت وذكرت ذلك قال: يا فاطمة شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله، اشهد الله يا فاطمة ان الجارية حرة لوجه الله وان الاربعة آلاف درهم صدقة على فقراء المسلمين، ثم لبس وانتعل وأراد النبي صلى الله عليه وآله فهبط


[ 121 ]

جبرئيل مرة اخرى وقال: يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك قل لعلي: اني أعطيتك الجنة بعتقك الجارية لرضى فاطمة والتصدق بأربعة آلاف درهم فأدخل الجنة برحمتي من شئت وأخرج من النار بعفوي من شئت، فعندها قال أمير المؤمنين: أنا قسيم الجنة والنار. ابن شاهين في مناقب فاطمة، وأحمد في مسند الانصار باسنادهما عن أبي هريرة وثوبان انهما قالا: كان النبي يبدأ في سفره بفاطمة ويختم بها، فجعلت وقتا سترا من كساء خيبرية لقدوم أبيها وزوجها، فلما رآه النبي تجاوز عنها، وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكيتها ونزعت الستر فبعثت به إلى أبيها وقالت: اجعل هذا في سبيل الله، فلما أتاه قال صلى الله عليه وآله: قد فعلت فداها أبوها ثلاث مرات، ما لآل محمد وللدنيا فانهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لغيرهم. وفي رواية أحمد فان هؤلاء أهل بيتي ولا احب أن يأكلوا طيابتهم في حياتهم الدنيا. أبو صالح المؤذن في كتابه بالاسناد عن علي (ع)، ان النبي صلى الله عليه وآله دخل على ابنته فاطمة فإذا في عنقها قلادة فأعرض عنها فقطعتها فرمت بها، فقال رسول الله: أنت مني يا فاطمة، ثم جاءها سئل فناولته القلادة. وفي مسند الرضا (ع) انه قال: لا يغرنك الناس أن يقولوا بنت محمد وعليك لبس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها، فسر رسول الله بذلك. أبو القاسم القشيري في كتابه قال بعضهم: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة فقلت لها: من أنت ؟ فقالت: (وقل سلام فسوف تعلمون) فسلمت عليها فقلت ما تصنعين ههنا ؟ قالت: (من يهد الله فلا مضل له)، فقلت: أمن الجن أنت أم من الانس ؟ قالت: (يا بني آدم خذوا رتبتكم)، فقلت: من أين أقبلت ؟ قالت: (تنادون من مكان بعيد)، فقلت: أين تقصدين ؟ قالت: (ولله على الناس حج البيت) فقلت متى انقطعت ؟ قالت: (ولقد خلقنا السموات والارض في ستة أيام) فقلت: أتشتهين طعاما ؟ فقالت: (وما جعلناهم جسد لا يأكلون الطعام) فأطعمتها، ثم قلت: هرولي وتعجلي، قالت: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، فقلت: أردفك، فقالت: (لو كان فيهما آلهة إلا ا لله لفسدتا، فنزلت فأركبتها، فقالت: (سبحان الذي سخر لنا هذا)، فلما أدركنا القافلة قلت لها: ألك أحد فيها ؟ قالت: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض) (وما محمد إلا رسول) (يا يحيى خذ الكتاب) (يا موسى اني أنا الله) فصحت بهذه الاسماء فإذا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت: من هؤلاء منك ؟ قالت: (المال والبنون زينة الحيوة الدنيا)، فلما أتوها فقالت: (يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين)، فكافوني بأشياء فقالت: (والله يضاعف لمن


[ 122 ]

يشاء)، فزادوا علي، فسألتهم عنها فقالوا: هذه امنا فضة جارية الزهراء عليها السلام ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن. معقل بن يسار، وأبو قبيل، وابن اسحاق، وحبيب بن أبي ثابت، وعمران بن حصين، وابن غسان، والباقر (ع)، مع اختلاف الروايات واتفاق المعنى: ان النسوة قلن: يا بنت رسول الله خطبك فلان وفلان فردهم أبوك وزوجك عائلا فدخل رسول الله فقالت: يا رسول الله زوجني عائلا، فهز رسول الله بيده معصمها وقال لا يا فاطمة ولكن زوجتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما، أما علمت يا فاطمة انه أخي في الدنيا والآخرة، فضحكت وقالت: رضيت يا رسول الله. وفي رواية أبي قبيل: لم ازوجك حتى أمرني جبرئيل. وفي رواية عمران بن الحصين، وحبيب بن ثابت: اما اني قد زوجتك خير من أعلم. وفي رواية ابن غسان: زوجتك خيرهم. وفي كتاب ابن شاهين، عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال النبي: أنكحتك أحب أهلي إلي. قال العبدي: إذا أتته البتول فاطم تبكي * وتوالي شهيقها والزفيرا اجتمعن النساء عندي وأقبلن * يطلن التقريع والتعييرا قلن ان النبي زوجك اليوم * عليا بعد معيلا فقيرا قال يا فاطم اصبري واشكري الله * فقد نلت منه فضلا كبيرا أمر الله جبرئيل فنادى * معلنا في السماء صوتا جهيرا اجتمعن الافلاك حتى اذاما * وردوا بيت ربنا المعمورا قام جبرئيل خاطبا يكثر التح‍ * ميد لله جبل والتكبيرا خمس أرضي لها حلال فصيره * على الخلق دونها مبرورا نثرت عند ذاك طوبى وللحو * ر من المسك والعبير نثيرا فصل: في تزويجها عليها السلام قد اشتهر في الصحاح بالاسانيد عن أمير المؤمنين (ع)، وابن عباس، وابن مسعود، وجابر الانصاري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وام سلمة، بألفاظ مختلفة ومعانى متفقة، ان أبا بكرو عمر خطبا إلى النبي (ص) مرة بعد اخرى فردهما.


[ 123 ]

وروى أحمد في الفضائل عن بريدة: ان أبا بكرو عمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة فقال: انها صغيرة. وروى ابن بطة في الابانة: انه خطبها عبد الرحمن فلم يجبه. وفي رواية غيره انه قال: بكذا من المهر، فغضب صلى الله عليه وآله ومديده إلى حصى فرفعها فسبحت في يده وجعلها في ذيله فصارت درا ومرجانا يعرض به جواب المهر، ولما خطب علي (ع) قال: سمعتك يا رسول الله تقول: كل سبب ونسب منقطع إلا سبي ونسبي، فقال النبي: اما السبب فقد سبب الله واما النسب فقد قرب الله وهش وبش في وجهه وقال: ألك شئ ازوجك منها ؟ فقال: لا يخفى عليك حالي ان لي فرسا وبغلا وسيفا ودرعا، فقال: بع الدرع. وروي له أتى سلمان إليه وقال: أجب رسول الله، فلما دخل عليه قال: ابشر يا علي فان الله قد زوجك بها في السماء قبل أن أزوجكها في الارض ولقد أتانى ملك وقال: ابشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل، قلت: وما اسمك ؟ قال: نسطائيل من موكلي قوائم العرش سألت الله هذه البشارة وجبرئيل على اثري. أبو بريدة عن أبيه، ان عليا خطب فاطمة فقال له النبي: مرحبا وأهلا، فقيل لعلي: يكفيك من رسول الله احداهما، أعطاك الاهل وأعطاك الرحب قال الاصفهانى أمن بسيدة النساء قضى له * ربي فأصبح أسعد الاختان من بعد خطاب أتوه فردهم * ردا بين مضمر الاشجان فأبان منعهما وقال صغيرة * تزويجها في سنها لم يان حتى إذا خطب الوصي أجابه * من غير تورية ولا استيذان فالله زوجه وأشهد في العلا * أملاكه وجماعة السكان والله قدر نسله من صلبه * فلذا لاحمد لم يكن بنتان تاريخ بغداد بالاسناد عن بلال بن حمامة: اطلع النبي (ص) ووجهه مشرق كالبدر فسأل ابن عوف عن ذلك فقال: بشارة أتتني من ربى لاخي وابن عمي وابنتي والله زوج عليا بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاعا بعدد محبى أهل بيتي: وانشأ من تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكا براءة من النار باخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتى. وفي رواية: انه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبار لشيعة علي وفاطمة من النار. ابن بطنة وابن المؤذن والسمعاني في كتبهم بالاسناد عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول الله جالس إذ جاء علي، فقال: يا علي ما جاء بك ؟ قال: جئت اسلم


[ 124 ]

عليك، قال: هذا جبرئيل يخبرني ان الله زوجك فاطمة وأشهد على تزويجها اربعين الف ملك وأوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدر والياقوت، فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدر والياقوت وهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون هذه تحفة خير النساء. وفي رواية ابن بطة عن عبد الله: فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر من صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة. ابن مردويه في كتابه باسناده عن علقمة قال: لما تزوج علي فاطمة تناثر ثمار الجنة على الملائكة. عبد الرزاق باسناده إلى ام أيمن في خبر طويل عن النبي: وعقد جبرئيل وميكائيل في السماء نكاح علي وفاطمة، فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد عني. وفي حديث خباب بن الارت: ان الله تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي اسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والارضين، ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك فنثرت الدر الابيض والياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض. الصادق (ع) في خبر: انه دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ابشر يا علي فان الله قد كفاني ما كان من همتي تزويجك، أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما فشممتهما فقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنقل ؟ قال: ان الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب، وأمر حور عينها بالقراءة فيها طه ويس وطواسين وحم وعسق، ثم نادى مناد من تحت العرش: ألا ان اليوم يوم وليمة علي ألا اني اشهدكم اني زوجت فاطمة من علي رضى مني ببعضهما لبعض، ثم بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فقطرت من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرن من سنبلها وقرنفلها، وهذا مما نثرت الملائكة. إلى آخر الخبر. قال ديك الجن أول خلق جاء فيها خاطبا * إلى النبي جائيا وذاهبا جبريل حتى تم تزويج النبي * بقدرة الله العظيم من علي فلاحت الانوار منه الساطعة * وصف أملاك السماء السابعه وقام جبريل عليهم يخطب * فتمم الله لهم ما طلبوا ثم قضى الله إلى الجنان * ان عجن من دانية الاغصان


[ 125 ]

فأمطرتهم حللا وحليا حتى وعى ذلك منها وعيا فمن حوى الاكثر منها افتخر * ما عاش في عالمه على الاخر وفي خبر: انه كان الخطيب راحيل، وقد جاء في بعض الكتب انه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال: الحمد لله الاول قبل أولية الاولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنها النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جل على إلحاد أهل الارض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين. ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لامته، سيدة النساء بنت خير النبيين، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهل صاحبه، المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته، علي الوصول، بفاطمة البتول، ابنة الرسول. وروي ان جبرئيل روى عن الله تعالى عقيبهما قوله عزوجل: الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلهم عبيدي وإمائي، زوجت فاطمة أمتى، من علي صفوتي، اشهدوا ملائكتي. قال ابن حماد: وجاء جبريل في الاملاك قال له * جئنا نهنيك إطنابا وإسهابا وكنت خاطبها والله واليها * وشاهدوها الكرام الغر احسابا وصير الطيب من طوبى نثارهما * أكرم بذاك نثارا ثم انهابا وأقبل الحور يلقطن النثار معا * فهن يهدينه فخرا وتحبابا وقال الحميري: نصب الجليل لجبرئيل منبرا * في ظل طوبى من متون زبر جد شهد الملائكة الكرام وربهم * وكفى بهم وبربهم من شهد وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا * وزمردا متتابعا لم يعقد وملاك فاطمة الذي ما مثله * في متهم شرف ولا في منجد وله أيضا: والله زوجه الزكية فاطما * في ظل طوبى مشهدا محضورا كان الملائك ثم في عدد الحصى * جبريل يخطبهم بها مسرورا يدعو له ولها وكان دعاؤه * لهما بخير دائما مذكورا


[ 126 ]

حتى إذا فرغ الخطيب تتابعت * طوبى تساقط لؤلؤا منثورا وتهيل ياقوتا عليهم مرة * وتهيل درا تارة وشذورا فترى نساء الحور ينتهبونه * حورا بذلك يهتدين الحورا فالى القيامة بينهن هدية * ذاك النثار عشية وبكورا وقال خطيب منبج: ملاك كانت الاملاك فيه * لتزويج الزكية شاهدينا وكان وليها جبريل منهم * وميكائيل خير الخاطبينا وزخرفت الجنان فظل فيها * لها ولدانها متنزينينا وكان نثارها حللا وحليا * وياقوتا ومرجانا ثمينا وعقيانا وحور العين فيها * وولدان كرام لاقطونا وكان من النثار كما روينا * صكاك ينتشرن وينطوينا بها للشيعة الابرار عتق * جرى من عند رب العالمينا وكان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة (ع) في السماء إلى تزويجها في الارض أربعين يوما، زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله من علي أول يوم من ذى الحجة، وروي انه كان يوم السادس منه. علي بن جعفر، قال موسى بن جعفر (ع): بينما رسول الله جالس إذا دخل عليه ملك له اربعة وعشرون وجها فقال له: حبيبي جبرئيل لم أرك في هذه الصورة ؟ قال الملك لست بجبرئيل أنا محمود بعثني الله أن أزوج النور من النور، قال من بمن ؟ قال فاطمة من علي، فلما ولى الملك إذا بين كتفيه (محمد رسول الله علي وصيه) فقال رسول الله منذكم كتب هذا بين كتفيك ؟ قال من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين الف عام، وفي رواية بأربعة وعشرين الف عام. عبد الله بن ميمون، حدنثا أبو هريرة عن أبي الزبير عن جابر الانصاري حديث محمود، وانبأني أبو العلى العطار، وأبو المؤيد الخطيب بنحو هذا الخبر، إلا انهما رويا ملك له عشرون رأسا في كل رأس الف لسان، وكان اسم الملك صرصائيل. أبو بكر مردويه في فضائل أمير المؤمنين بالاسناد عن أنس بن مالك، وكتاب أبي القاسم سليمان الطبري باسناده عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابراهيم عن مسروق عن ابن مسعود كلاهما ان النبي صلى الله عليه وآله قال: ان الله تعالى أمرني أن ازوج فاطمة من علي كتاب ابن مردويه قال ابن سيرين قال عبيدة: ان عمر بن الخطاب ذكر عليا


[ 127 ]

فقال: ذاك صهر رسول الله، نزل جبرئيل على رسول الله فقال: ان الله يأمرك ان تزوج فاطمة من علي. ابن شاهين بالاسناد عن أبي أيوب الانصاري قال النبي: امرت بتزويجك من البيضاء، وفي رواية: من السماء. الضحاك: ان النبي قال لفاطمة: ان علي بن أبى طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله من الاسلام وانى سألت ربى أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟ فسكتت، فخرج رسول الله وهو يقول: الله اكبر سكوتها اقرارها. وخطب النبي على المنبر في تزويج فاطمة خطبة، رواها يحيى بن معين في أماليه، وابن بطة في الابانة باسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا، ورويناها عن الرضا فقال: (الحمد الله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع في سلطانه، المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب من عذابه، النافذ أمره في سمائه وأرضه، خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ان الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لا حقا، وأمرا مفترضا، وشج بها الارحام، وألزمها الانام، قال الله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) ثم ان الله تعالى أمرنى أن ازوج فاطمة من علي، وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة ان رضيت يا علي ؟ قال: رضيت يا رسول الله). وروى ابن مردويه قال لعلي: تكلم خطيبا لنفسك، فقال: (الحمد لله الذي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتقيه، وأنذر بالناس من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم انه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وان محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله، صلاة تزلفه وتخطيه، وترفعه وتصطفيه، والنكاح ما أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا مما قدره الله وأذن فيه، وهذا رسول الله زوجي ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا). وفي خبر: زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن، وقد رضيت بما رضى الله لها فدونك اهلك فانك احق بها منى. وفي خبر: فنعم الاخ انت ونعم الختن انت ونعم الصاحب انت وكفاك برضى الله رضى، فخر علي ساجدا شكر الله تعالى وهو يقول (رب اوزعنى ان اشكر نعمتك التي انعمت علي) الآية، فقال النبي آمين، فلما رفع راسه قال النبي: بارك الله عليكما واسعد جدكما وجمع بينكما واخرج منكما الكثير


[ 128 ]

الطيب ثم أمر النبي بطبق بسر وامر بنهبه ودخل حجرة النساء وامر بضرب الدف. الحسين بن علي (ع) في خبر: زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة عليا على اربعمائة وثمانين درهما، وروي ان مهرها اربعمائة مثقال فضة، وروي انه كان خمسمائة درهم وهو اصح. وسبب الخلاف في ذلك هو ما روى عمرو بن المقدام، وجابر الجعفي عن ابى جعفر (ع) قال: كان صداق فاطمة برد حبرة واهاب شاة على عرار. وروي عن الصادق (ع) قال: كان صداق فاطمة درع حطميه واهاب كبش أو جدي، رواه أبو يعلى في المسند عن مجاهد. كافى الكليني: زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من جرد برد، وقيل للنبى: وقد علمنا مهر فاطمة في الارض فما مهرها في السماء ؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله، قال: كان مهرها في السماء خمس الارض فمن مشى عليها مبغضا لها ولولدها مشى عليها حراما إلى ان تقوم الساعة. وفي الجلاء والشفاء في خبر طويل عن الباقر (ع): وجعلت نحلتها من علي خمس الدنيا وثلثي الجنة وجعلت لها في الارض اربعة انهار: الفرات، ونيل مصر، ونهروان، ونهر بلخ، فزوجها يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لامتك، الخبر. وفي حديث خباب بن الارت: ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: زوجت ابنتي فاطمة منك بأمر الله تعالى على صداق خمس الارض واربعمائة وثمانين درهما للآجل خمس الارض والعاجل اربعمائة وثمانين درهما، وقد روي حديث خمس الارض عن الصادق (ع) من يعقوب بن شعيب. اسحاق بن عمار، وابو بصير قال الصادق (ع): ان الله تعالى مهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، ومهرها الجنة والنار فتدخل اولياءها الجنة واعداءها النار. قال العبدى: وزوج في السماء بأمر ربي * بفاطمة المهذبة الطهور وصير مهرها خمسا بأرض * لما تحويه من كرم وحور فذا خير الرجال وتلك خير * النساء ومهرها خير المهور وله ايضا: وزوجه بفاطم ذو المعالي * على الارغام من اهل النفاق وخمس الارض كان لها صداقا * ألا لله ذلك من صداق وله أيضا: صديقة خلقت لصديق * شريف في المناسب اختاره واختارها * طهرين من دنس المعايب


[ 129 ]

اسماها قرنا على سطر * بظل العرش راتب كان الاله وليها * وأمينه جبريل خاطب والمهر خمس الارض موهبة تعالت في المواهب ونهابها من حمل طوبى * طيبت تلك المناهب أمالي الطوسي، قال الصادق (ع): في جبر وسكب الدراهم في حجره فأعطى منها قبضة كانت ثلثة وستين أو ستة وستين إلى ام أيمن لمتاع البيت، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب، وقبضة إلى ام سلمة للطعام، وأنفذ عمارا وأبا بكر وبلالا لابتياع ما يصلحها، وكان مما اشتروه، قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية أو سرير مزمل بشريط، وفراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف وحشوا الآخر من جز الغنم، وأربع مرافق من ادم الطايف حشوها إذخر، وستر من صوب، وحصير هجري، ورحاء اليد، وسقاء من ادم، ومخضب من نحاس، وقعب للبن، وشن للماء، ومطهرة مزفتة، وجرة خضراء، وكيزان خزف. وفي رواية: ونطع من ادم، وعباء قطراني، وقربة ماء. وهب بن وهب القرشي: وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حايط إلى حايط للثياب، وبسط اهاب كبش، ومخدة ليف. أبو بكر مردويه في حديثه: فمكث علي تسعين وعشرين ليلة، فقال له جعفر وعقيل: سله أن يدخل عليك أهلك، فعرفت ام أيمن ذلك وقالت: هذا من أمر النساء فخلت به ام سلمة فطالبته بذلك، فدعاه النبي وقال: حبا وكرامة، فأتى الصحابة بالهدايا فأمر بطحن البر وخبز، وأمر عليا بذبح البقر والغنم، فكان النبي صلى الله عليه وآله يفصل ولم ير علي يده أثر دم. فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي أن ينادى على رأس داره: أجيبوا رسول الله، وذلك لقوله: (وأذن في الناس بالحج) فأجابوا من النخلات والزروع فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثرهم من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شئ ثم عادوا في اليوم الثاني وأكلوا وفي اليوم الثالث أكلوا مبعوثة أبي أيوب، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وقال: هذا لفاطمة وبعلها، ثم دعا فاطمة وأخذ يدها فوضعها في يد علي وقال: بارك الله لك في ابنة رسول الله، يا علي نعم الزوج فاطمة ويا فاطمة نعم البعل علي. وكان النبي صلى الله عليه وآله أمر نساءه أن يزينها ويصلحن من شأنها في حجرة ام سلمة


[ 130 ]

فاستدعين من فاطمة (ع) طيبا فأتت بقارورة، فسألت عنها فقالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول فيقول لي: يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك، فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شئ فيأمرني بجمعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل. وأتت بماء ورد فسئلت ام سلمة عنه فقالت: هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي عندي. وروي ان جبرئيل أتى بحلة قيمتها الدنيا، فلما لبستها تحيرت نسوة قريش ومنها وقلن: من أين لك هذا ؟ قالت: هذا من عند الله. تاريخ الخطيب، وكتاب ابن مردويه، وابن المؤذن، وابن شيروريه الديلمي، بأسانيدهم عن علي بن الجعد عن ابن بسطام عن شعبة بن الحجاج، وعن علوان عن شعبة عن أبي حمزة الضبعي عن ابن عباس وجابر: انه لما كانت الليلة التي زفت فاطمة إلى علي كان النبي أمامها وجبرئيل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر. كتاب مولد فاطمة، عن ابن بابويه في خبر: أمر النبي بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والانصار أن يمضين في صحبة فاطمة وأن يفرحن يرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقولن ما لا يرضي الله، قال جابر: فأركبها على ناقته وفي رواية: على بغلته الشهباء وأخذ سلمان زمامها وحولها سبعون حوراء والنبي وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ونساء النبي صلى الله عليه وآله قدامها يرجزن. فأنشأت ام سلمة: سرن بعون الله جاراتي * واشكرنه في كل حالات واذ كرن ما أنعم رب العلى * من كشف مكروه وآفات هدانا بعد كفر وقد * أنعشنا رب السماوات وسرن مع خير نساء الورى * تفدى بعمات وخالات يا بنت من فضله ذو العلى * بالوحي منه والرسالات ثم قالت عائشة: يا نسوة استرن بالمعاجر * واذكرن ما يحسن في المحاضر واذكرن رب الناس إذ خصنا * بدينه مع كل عبد شاكر فالحمد لله على أفضاله * والشكر لله العزيز القادر سرن بها فالله أعطى ذكرها * وخصها منه بطهر طاهر


[ 131 ]

ثم قالت حفصة: فاطمة خير نساء البشر * ومن لها وجه كوجه القمر فضلك الله على كل الورى * بفضل من خص بآي الزمر زوجك الله فتى فاضلا * أعني عليا خير من في الحضر فسرن جاراتي بها انها * كريمة بنت عظيم الخطر ثم قالت معاذة ام سعد بن معاذ: أقول قولا فيه ما فيه * وأذكر الخير وأبديه محمد خير بني آدم * ما فيه من كبر ولاتيه بفضله عرفنا رشدنا * فالله بالخير مجازيه ونحن مع بنت نبي الهدى * ذي شرف قد مكنت فيه في ذروة شامخة أصلها * فما أرى شيئا يدانيه وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ثم يكبرن ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي ودعاه إلى المسجد، ثم دعا فاطمة فأخذ يديها ووضعها في يده وقال: بارك الله في ابنة رسول الله. كتاب ابن مردويه: ان النبي صلى الله عليه وآله سأل ماء فأخذ منه جرعة فتمضمض بها ثم مجها في القعب ثم صبها على رأسها ثم قال: اقبلي، فلما أقبلت نضح من بين ثدييها ثم قال: ادبري، فلما أدبرت نضح من بين كتفيها، ثم دعا لهما. أبو عبيد في غريب الحديث انه قال: اللهم اونسهما، أي ثبت الود. كتاب ابن مردويه: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما. وروي انه قال: اللهم انهما أحب خلقك إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا واني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم. وروي انه دعا لها فقال: أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا. وروي انه قال: مرحبا ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان، ثم خرج إلى الباب يقول: طهركما وطهر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما. وباتت عندهما أسماء بنت عميس اسبوعا بوصية خديجة إليها فدعا لها النبي صلى الله عليه وآله في دنياها وآخرتها، ثم أتاها في صبيحتهما وقال: السلام عليكم، أدخل رحمكم الله ؟ ففتحت أسماء الباب وكانا نائمين تحت كساء، فقال: على حالكما، فأدخل رجليه بين أرجلهما، فأخبر الله عن اورادهما (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية، فسأل عليا: كيف وجدت أهلك ؟ قال: نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: خير بعل،


[ 132 ]

فقال: أللهم اجمع شملهما وألف بين قولبهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما يرضيك، ثم أمر بخروج أسماء وقال: جزاك الله خيرا، ثم خلابها باشارة الرسول صلى الله عليه وآله. وروى شر حبيل باسناده قال: لما كان صبيحة عرس فاطمة جاء النبي صلى الله عليه وآله بعس فيه لبن فقال لفاطمة: اشربي فداك أبوك، وقال لعلي: اشرب فداك ابن عمك، نقول سماء صلب المرتضى لفاطم * عن ابتسال الحسنين انفطرت وبانفطار نورها في أرضهم * كواكب فيها علينا انتثرت إذ البحار منهما آبينا * بالعلم والتأويل فينا انفجرت وعلمت من اهتدى بهديها * ما حالها إذ القبور بعثرت فعلمت ما قدمت في يومها * من كتبها بعقدها وأخرت فصل: في حليتها وتواريخها عليها السلام أنس بن مالك قال: سألت امي عن صفة فاطمة (ع) فقالت: كانت كأنها القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت غماما أو خرجت من السحاب وكانت بيضاء بضة. عطاء عن أبى رياح قال: كانت فاطمة بنت رسول الله تعجن وان قصبتها تضرب إلى الجفنة. وروي انها كانت مشرقة الرباعية. جابر بن عبد الله: ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله. تميل على جانبها الايمن مرة وعلى جانبها الايسر مرة. ولدت فاطمة بمكة بعد النبوة بخمس سنين، وبعد الاسراء بثلاث سنين، في العشرين من جمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين، ثم هاجرت معه إلى المدينة فزوجها من علي بعد مقدمها المدينة بسنتين، أول يوم من ذي الحجة، وروي انه كان يوم السادس، ودخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة بعد بدر. وقبض النبي صلى الله عليه وآله ولها يومئذ ثماني عشر سنة وسبعة أشهر، وعاشت بعده اثنان وسبعون يوما، ويقال: خمسة وسبعون يوما، وقيل: أربعة أشهر، وقال القرباني: قد قيل: أربعين يوما، وهو أصح. وولدت الحسن ولها اثنتا عشر سنة. وتوفيت ليلة الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة احدى عشرة من الهجرة ومشهد بالبقيع، وقالوا انها دفنت في بيتها، وقالوا قبرها بين قبر رسول الله وبين منبره وكناها: ام الحسن، وام الحسين، وام المحسن، وام الائمة، وام أبيها.


[ 133 ]

وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي: فاطمة، البتول، الحصان، الحرة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية المحدثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى. ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية. وقلنا: الصديقة بالاقوال، والمباركة بالاحوال، والطاهرة بالافعال، الزكية بالعدالة، والرضية بالمقالة، والمرضية بالدلالة، المحدثة بالشفقة، والحرة بالنفقة، والسيدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالاحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسر، وفاطمة بالبر، النورية بالشهادة، والسماوية بالعبادة والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفية، العابدة الرضية، الراضية المرضية، المتهجدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيد النسوان، وحبيبة حبيب الرحمن، والمحتجبة عن خزان الجنان، وصفيه الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرة عين سيد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيدات نساء العالمين، المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوة، وام الائمة، وزهرة فؤاد شفيع الامة، الزهراء المحترمة، والغراء المحتشمة، المكرمة تحت القبة الخضراء، والانسية الحوراء، والبتول العذراء ست النساء، وارثة سيد الانبياء. وقرينة سيد الاوصياء، فاطمة الزهراء، الصديقة الكبرى، راحة روح المصطفى، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى، ابنة النبي، وصاحبة الوصي، وام السبطين، وجدة الائمة، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، زوجة المرتضى، ووالدة المجتبى، وابنة المصطفى، السيدة المفقودة، الكريمة المظلومة الشهيدة، السيدة الرشيدة، شقيقة مريم، وابنة محمد الاكرم، المقطوعة من كل شر، المعلومة بكل خير، المنعوتة في الانجيل، الموصوفة بالبر والتبجيل، درة صاحب الوحي والتنزيل، جدها الخليل، ومادحها الجليل، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل. وأولادها: الحسن، والحسين، والمحسن سقط، وفي معارف القتيبي: ان محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي، وزينب، وام كلثوم. قال سلامة الموصلي: يا نفس أن تلتقي ظلما فقد ظلمت * بنت النبي رسول الله وابناها تلك التي أحمد المختار والدها * وجبرئيل أمين الله رباها الله طهرها من كل فاحشة * وكل ريب وصفاها وزكاها ولبعض الموصليين: حر صدري واشتياقي فالاسى * واحتراقي واكتئابي والحرب


[ 134 ]

لابنة الهادي الرضي فاطمة * حقها بعد أبيها يغتصب بل لما نال بني فاطمة * من بني الطمت الملاعين العيب يا لقومي ما أتى الدهر بهم * من خطوب مفظعات ونوب بريدة، قال النبي صلى الله عليه وآله: ان ملك الموت خيرني فاستنظرته إلى نزول جبرئيل فتجلى ابنته فاطمة الغشي فقال لها: يا ابنتي احفظي عليك فانك وبعلك وابنيك معي في الجنة. بشرت مريم بولدها: (ان الله يبشرك بكلمة)، وبشرت فاطمة بالحسن والحسين. في الحديث: ان النبي بشرها عند ولادة كل منهما، بأن يقول لها: ليهنئك ان ولدت إماما يسود أهل الجنة، وأكمل الله تعالى ذلك في عقبها قوله: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) يعني عليا. أبو عبد الله (ع): كانت مدة حملها في تسع ساعات. وولدت فاطمة الحسن والحسين وبينهما ستة اشهر. على رواية وردت. ومريم ابنة عمران وفاطمة بنت محمد وشرف النساء بآبائهم ونذرت ام مريم لله محررا، ومحمد صلى الله عليه وآله أكثر الخلق تقربا إلى الله تعالى في سائر الاحوال، وذلك يوجب أن يكون قد أتى عند أنساله الزهراء (ع) بأضعاف ما قالت ام مريم بموجب فضله على الخلائق وكان نذرها من قبل الام وهو يقتضي نصف منزلة ما ينذره الاب قوله: (وكفلها زكريا) والزهراء كفلها رسول الله، ولا خلاف في فضل كفالة رسول الله على كل كفالة، وكفالة اليتيم مندوب إليها وكفالة الولد واجبة. ولدت مريم بعيسى في أيام الجاهلية، وولدت فاطمة بالحسن والحسين على فطرة الاسلام. وكان الله أعلم مريم بسلامتها وسلامة ما حملته فلا يجوز أن يتطرق إليها خوف، والزهراء حملت بهما وهي لا نعلم ما يكون من حالها في الحمل والوضع من السلامة والعطب فينبغي أن يكون في ذلك مثوبة زائدة، ولذلك فضل المسلمون على الملائكة يوم بدر في القتال لانهم كانوا بين الخوف والرجاء في سلامتهم، والملائكة ليسوا كذلك. وقيل لها: (لا تحزني). وقال النبي: يا فاطمة ان الله يرضى لرضاك. وقيل لها: (فنفخنا فيه من روحنا)، وفاطمة خامسة أهل العباء. وافتخار جبرئيل بكل واحد منهم قوله: من مثلي وأنا سادس خمسة. ولها: (تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي) يحتمل ان النخلة والنهروان كانا موجودين قبل ذلك لانه لم يبق لهما أثر مثل ما بقى لزمزم والمقام وموضع التنور وانفلاق البحر ورد الشمس، وللزهراء حديث التمر الصيحاني وقدس الماء. وروي انه بكت ام أيمن وقالت: يا رسول الله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها شيئا، فقال: يا أم أيمن لم تكذبين ؟ فان الله تعالى لما زوج فاطمة عليا أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليها


[ 135 ]

وحللها وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها (فأخذوا منها ما لا يعلمون). وتكلمت الملائكة مع مريم: (ان الله اصطفاك وطهرك واسطفاك على نساء العالمين) أراد نساء عالم أهل زمانها كقوله لبني اسرائيل: (واني فضلتكم على العالمين) وليسوا بأفضل من المسلمين، قوله: (كنتم خير امة) ثم ان الصفات في هذه الآيات يشاركها غيرها، قوله: (ان الله اصطفى آدم) إلى قوله: (ذرية بعضها من بعض) وفاطمة وذريتها من جملتهم، وقال النبي: فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين وانها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون الف ملك من المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة (ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، وانه (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) وليس في نفس الآية ان ذلك كان الله تعالى يخلقه اختراعا أو يأتيها به الملك وإنما هو يدل على كثرة شكرها لله تعالى، كما تقول: رزقني الله اليوم درهما، كما قال: (قل كان من عند الله)، وللزهراء من هذا الباب ما لا ينكره مسلم من حديث المقداد وخبر الطائر والرمان والعنب والتفاح والسفرجل وغيرها، وذلك مما يقطع على انها كانت تأكل ما لم يكن لغيرها من جميع الخلق بعد هبوط آدم وحواء. وفي الحديث: ان النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة وهي في مصلاها وخلفها جفنة يفور دخانها فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما فسأل علي: (أنى لك هذا) قالت: هو من فضل الله ورزقه (ان الله يرزق من يشاء بغير حساب). ورزق مريم من الجنة، وخلق فاطمة من رزق الجنة، وفي الحديث: فناولني جبرئيل رطبة من رطبها فأكلتها فتحولت ذلك نطفة في صلبي. قد مدح الله تعالى مريم في القرآن بعشرين مدحة، وصح في الاخبار لفاطمة عشرون اسما كل اسم يدل على فضيلة، ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة (ع). وقال تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) يريد بذلك العفاف لا الملامسة والذرية لانه لو لم يكن كذلك لجعل حملها له ووضعها ومخاضها بغير ما جرت به العادة، فلما جعله على مجرى العادة دل على مقالنا. ويؤكد ذلك الاخبار الواردة في مدح التزويج وطلب الولد وذم العزبة، وقال تعالى للزهراء ولاولادها: (ليذهب عنكم الرجس اهل البيت). قال حسان بن ثابت: وان مريم أحصنت فرجها * وجاءت بعيسى كبدر الدجى فقد أحصنت فاطم بعدها * وجاءت بسبطي نبي الهدى


[ 136 ]

وأنشدت الزهراء بعد وفاة أبيها: وقد رزينا به محضا خليقته * صافى الضرائب والاعراق والنسب وكنت بدرا ونورا يتضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل روح القدس زائرنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الحجب انا رزينا بما لم يرز ذو شجن * من البرية لا عجم ولا عرب ضاقت علي بلاد بعد ما رحبت * وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب فأنت والله خير الخلق كلهم * واصدق الناس حيث الصدق والكذب فسوف نبيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بتهمال لها سكب فصل: في وفاتها وزيارتها عليها السلام السمعاني في الرسالة، وأبو نعيم في الحلية، وأحمد في فضائل الصحابة، والنطنزي في الخصائص، وابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين (ع) والزمخشري في الفايق عن جابر قال رسول الله لعلي قبل موته: السلام عليك أبا الريحانتين اوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدر كناك عليك. قال: فلما قبض رسول الله قال علي: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة قال علي: هذا الركن الثاني. البخاري ومسلم والحلية ومسند أحمد بن حنبل: روت عائشة ان النبي دعا فاطمة في شكواة الذي قبض فيه فسارها بشئ فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت. فسئلت عن ذلك فقالت: أخبرني النبي انه مقبوض فبكيت ثم أخبرني اني أول أهله لحوقا به فضحكت. كتاب ابن شاهين قالت ام سلمة وعائشة: انها لما سئلت عن بكائها وضحكها، قالت: أخبرني النبي انه مقبوض ثم أخبر ان ابني سيصيبهم بعدي شدة فبكيت ثم أخبرني اني أول أهله لحوقا به فضحكت. وفي رواية أبي بكر الجعابى وأبى نعيم الفضل بن دكين، والشعبى عن مسروق، وفي السنن عن القزويني، والابنه عن العكبري، والمسند عن الموصلي، والفضائل عن أحمد بأسانيدهم عن عروة عن مسروق، قالت عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله، فقال رسول الله: مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه وأسر إليها حديثا فضحكت فسألتها عن ذلك فقالت: ما أفشي سر رسول الله، حتى إذا قبض سألتها فقالت: انه أسر إلي فقال: ان جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وانه يعارضني به العام مرتين ولا


[ 137 ]

أرانى إلا وقد حصر أجلي وانك لاول أهل بيتي لحوقا بى ونعم السلف أنا لك، بكيت لذلك ثم قال: ألا ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين المؤمنين فضحكت لذلك قال الحميري: انها أسرع أهل بيته * ولحاقا به فلا تفشى الجزع فمضى واتبعته والها * بعد غيض جرعته ووجع وروي انها ما زالت بعد ابيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لو لديها: أين ابوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة أين ابوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الارض ولا أراه يفتح هذا الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما، ثم مرضت ومكثت اربعين ليلة ثم دعت ام أيمن وأسماء بنت عميس وعليا (ع) وأوصت إلى علي بثلاث: ان يتزوج بابنة اختها امامة لحبها اولادها، وان يتخذ نعشا كأنها كانت رأت الملائكة تصوروا صورته ووصفته له، وان لا يشهد احد جنازتها ممن ظلمها وان لا يترك ان يصلي عليها احد منهم. وذكر مسلم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، وفي حديث الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن عائشة، في خبر طويل يذكر فيه ان فاطمة أرسلت إلى ابى بكر تسأل ميراثها من رسول الله، القصة، قال: وهجرته ولم تكلمه حتى توفيت ولم تؤذن أبا بكر يصلي عليها. الواقدي: ان فاطمة لما حضرتها الوفاة اوصت عليا ان لا يصلي عليها أبو بكر وعمر فعمل بوصيتها. عيسى بن مهران عن مخول بن ابراهيم عن عمرو بن ثابت عن ابى اسحاق عن ابن جبير عن ابن عباس قال: اوصت فاطمة ان لا يعلم إذا ماتت أبو بكر ولا عمر ولا يصليا عليها قال: فدفنها علي ليلا ولم يعلمهما بذلك. تاريخ ابي بكر بن كامل قالت عائشة: عاشت فاطمة بعد رسول الله ستة اشهر فلما توفيت دفنها علي ليلا وصلى عليها. وروى فيه عن سفيان بن عيينة، وروى الحسن ابن محمد، و عبد الله بن ابي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن معمر عن الزهري: ان فاطمة دفنت ليلا. وعنه في هذا الكتاب ان امير المؤمنين والحسن والحسين دفنوها ليلا وغيبوا قبرها. وفي تاريخ الطبري ان فاطمة دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي والمقداد والزبير. وفي رواياتنا انه صلى عليها امير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وابوذر والمقداد وعمار وبريدة، وفي رواية: والعباس وابنه الفضل


[ 138 ]

وفي رواية: وحذيفة وابن مسعود. الاصبغ بن نباتة انه سئل امير المؤمنين عن دفنها ليلا فقال: انها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم ان يصلي على احد من ولدها. وروي انه سوى قبرها مع الارض مستويا وقالوا سوى حواليها قبورا مزورة مقداد سبعة حتى لا يعرف قبرها. وروي انه رش اربعين قبرا حتى لا يبين قبرها من غيره فيصلوا عليها. قال سلامة الموصلي: لما قضت فاطم الزهراء غسلها * عن امرها بعلها الهادي وسبطاها وقام حتى اتى بطن البقيع بها * ليلا فصلى عليها ثم واراها ولم يصل عليها منهم احد * حاشا لها من صلاة القوم حاشاها وقال الحميري: وفاطم قد اوصت بأن لا يصليا * عليها وان لا يدنوا من رجا القبر عليا ومقداد وان يخرجوا به * رويدا بليل في سكون وفي سر وقال ابن حماد: وقد اوصت ابا حسن عليا * بحقي ان على الارجاس تغشى فغسلها الوصي أبو حسين * وواراها وجنح الليل مغش أبو عبد الله حمويه بن علي البصري، واحمد بن حنبل، وابو عبد الله بن بطة بأسانيدهم قالت ام سلمى امرأة ابي رافع: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها وكنت امرضها فأصبحت يوما اسكن ما كانت فخرج علي إلى بعض حوائجه فقالت اسكبي لي غسلا فسكبت وقامت واغتسلت احسن ما يكون من الغسل ثم لبست اثوابها الجدد ثم قال افرشي فراشي وسط البيت ثم استقبلت القبلة ونامت وقالت انا مقبوضة وقد اغتسلت فلا يكشفني احد، ثم وضعت خدها على يدها وماتت. وقالت اسماء بنت عميس: اوصت إلي فاطمة ألا يغسلها إذا ماتت إلا انا وعلي فأعنت عليا على غسلها. كتاب البلاذري: ان امير المؤمنين (ع) غسلها من معقد الازار وان اسماء بنت عميس غسلتها من اسفل ذلك. أبو الحسن الخزاز القمي في الاحكام الشرعية: سئل أبو عبد الله عن فاطمة من غسلها ؟ فقال: غسلها امير المؤمنين لانها كانت صديقة لم يكن ليغسلها إلا صديق. تهذيب الاحكام، سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن اول من جعل له النعش، قال: فاطمة بنت رسول الله. وفي رواية عبد الرحمن انها قالت لاسماء: استريني سترك الله من النار، يعني بالنعش.


[ 139 ]

وروي ان امير المؤمنين (ع) قال عند دفنها (ع): السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك، النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل عن صفيتك صبري، ورق فيها تجلدي، إلا ان التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك، وموضع تعز، فلقد وسدتك في ملحود قبرك، وفاضت بين نحرى وصدري نفسك، إنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، اما حزني فسرمد، واما ليلى فمسهد، إلى ان يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم، وينقلني من الاكدار والتأثيم، وستنبئك ابنتك فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخلق الذكر، والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فان أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. وروي انه لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولها وانصرف. عبد الرحمن الهمداني، وحميد الطويل انه (ع) انشأ على شفير قبرها: ذكرت أباودي فبت كأنني * برد الهموم الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل وان افتقادي فاطم بعد احمد * دليل على ان لا يدوم خليل فأجاب هاتف: يريد الفتى ان لا يدوم خليله * وليس له إلا الممات سبيل فلا بد من موت ولا بد بلى * وان بقائي بعدكم لقليل إذا انقطعت يوما من العيش مدتي * فان بكاء الباكيات قليل ستعرض عن ذكري وتنسى مودتي * ويحدث بعدي للخليل بديل قال أبو جعفر الطوسي: الاصوب انها مدفونة في دارها أو في الروضة، يؤيد قوله قول النبي صلى الله عليه وآله: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، وفي البخاري: بين بيتى ومنبري. وفي الموطأ، والحلية، والترمذي، ومسند احمد بن حنبل: ما بين بيتي ومنبري. وقال صلى الله عليه وآله: منبري على ترعة من ترع الجنة. وقالوا: حد الروضة ما بين القبر إلى المنبر إلى الاساطين التي تلي صحن المسجد. احمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت ابا الحسن (ع) عن قبر فاطمة فقال: دفنت في بيتها، فلما زادت بنو امية في المسجد صارت في المسجد.


[ 140 ]

يزيد بن عبد الملك عن ابيه عن جده قال: دخلت على فاطمة فبدأتني بالسلام ثم قالت: ما غدا بك ؟ قلت: طلب البركة، قالت: اخبرني ابي وهو ذا من سلم عليه وعلي ثلاثة ايام اوجب الله له الجنة، قلت لها: في حياته وحياتك ؟ قالت: نعم، وبعد موتنا. نفسي تقر بأنها * يوم القيامة غانمه بنبيها ووصيها * والسيدين وفاطمة قال ديك الجن: يا قبر الذي فاطمة ما مثله * قبرا بطيبة طاب فيه مبيتا إذ فيك حلت زهرة الدنيا التي * بحلى محاسن وجهها حليتا فسقى ثراك الغيث ما بقيت به * نور القبور بطيبة وبقيتا فلقد برياها ظللت مطيبا * وغداك مسكا في الانوف قتيتا


[ 141 ]

باب في امامة السبطين عليهما السلام فصل: في الاستدلال على امامتهما قال الله تعالى: (والذين آمنوا وانبعتهم ذريتهم بايمان)، ولا اتباع أحسن من اتباع الحسن والحسين. وقال تعالى: (ألحقنابهم ذريتهم)، فقد ألحق الله بهما ذريتهما برسول الله صلى الله عليه وآله وشهد بذلك كتابه، فوجب لهم الطاعة بحق الامامة مثل ما وجب للنبي لحق النبوة. وقال تعالى حكاية عن حملة العرش: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات). وقال أيضا: (والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة أعين). ولا يسبق النبي صلى الله عليه وآله في فضيلة وليس احق بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه وذريته فقد وجب لهم الامامة. ويستدل على إمامتهما بما رواه الطريقان المختلفان والطائفتان المتباينان من نص النبي صلى الله عليه وآله على إمامة الاثنى عشر، وإذا ثبت ذلك فكل من قال بامامة الاثنى عشر قطع على إمامتهما. ويدل أيضا ما ثبت بلا خلاف انهما دعوا الناس إلى بيعتهما والقول بامامتهما فلا يخلو من أن يكونا محقين أو مبطين، فان كانا محقين فقد ثبتت إمامتهما، وان كانا مبطلين وجب القول بتفسيقهما وتضليلهما، وهذا لا يقوله مسلم. ويستدل أيضا بأن طريق الامامة لا يخلو اما أن يكون هو النص أو الوصف والاختيار، وكل ذلك قد حصل في حقهما فوجب القول بامامتهما. ويستدل أيضا بما قد ثبت بأنهما خرجا وادعيا ولم يكن في زمانهما غير معاوية ويزيد وهما قد ثبت فسقهما بل كفرهما، فيجب أن تكون الامامة للحسن والحسين. ويستدل أيضا باجماع أهل البيت (ع) لانهم أجمعوا على إمامتهما وإجماعهم حجة. ويستدل بالخبر المشهور انه قال صلى الله عليه وآله: ابناي هذان إمامان قاما، أو قعدا، أوجب لهما الامامة بموجب القول سواء نهضا بالجهاد أو قعدا عنه دعيا إلى أنفسهما أو تركا ذلك.


[ 142 ]

وطريقة العصمة والنصوص وكونهما أفضل الخلق يدل على إمامتهما، وكانت الخلافة في أولاد الانبياء وما بقى لنبينا ولد سواهما، ومن برهانهما بيعة رسول الله لهما ولم يبايع صغيرا غيرهما، ونزول القرآن بايجاب ثواب الجنة عن عملهما مع ظاهر الطفولية منهما قوله تعالى: (ويطعمون الطعام) الآيات، فعمهما بهذا القول مع أبويهما، وادخالهما في المباهلة قال ابن علان المعتزلي: هذا يدل على انهما كانا مكلفين في تلك الحال لان المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين. وقال أصحابنا: ان صغر السن عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدا لتعلق الاحكام الشرعية فكان ذلك لخرق العادة فثبت بذلك انهما كانا حجة الله لنبيه في المباهلة مع طفوليتهما ولو لم يكونا إمامين لم يحتج الله بهما مع صغر سنهما على أعدائه ولم يتبين في الآية ذكر قبول دعائهما، ولو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وجد من يقوم مقامهم غيرهم لباهل بهم أو جمعهم معهم، فاقتصاره عليهم يبين فضلهم ونقص غيرهم. وقد قدمهم في الذكر على الانفس ليبين عن لطف مكانهم وقرب منزلهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الانفس معدون بها، وفيه دليل لا شئ أقوى منه، انهم أفضل خلق الله، واعلم ان الله تعالى قال في التوحيد والعدل: (قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، وفي النبوة والامامة: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)، وفي الشرعيات والاحكام: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم)، وقد أجمع المفسرون بأن المراد بأبنائنا الحسن والحسين. قال أبو بكر الرازي: هذا يدل على انهما ابنا رسول الله وان ولد الابنة ابن على الحقيقة. وحديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه وقال: هذا حديث حسن. وذكر مسلم ان معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسب أبا تراب فذكر قول النبي صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، الخبر. وقوله: لاعطين الراية غدا رجلا، الخبر. وقوله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم) القصة. وقد رواه أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس باسناده عن سعد بن أبي وقاص قال لعلي: ثلاث فلئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، ثم روى الخبر بعينه. وفي اخرى لمسلم قال سعد بن أبي وقاص: لما نزلت قوله تعالى (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين وقال: اللهم هؤلاء أهلي. أبو نعيم الاصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين (ع) انه قال الشعبي قال جابر: (انفسنا وأنفسكم) رسول الله وعلي (وأبناءنا وأبناءكم) الحسن والحسين


[ 143 ]

(ونساءنا) فاطمة. وروى الواحدي في أسباب نزول القرآن اسناده عن عبد الله ابن أحمد بن حنبل عن أبيه، وروى ابن البيع في معرفة علوم الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى مسلم في الصحيح، والترمذي في الجامع، وأحمد ابن حنبل في المسند وفي الفضائل أيضا، وابن بطة في الابانة، وابن ماجة القزويني في السنن، والاشنهي في اعتقاد أهل السنة، والخركوشي في شرف النبي، وقد رواه محمد بن اسحاق، وقتيبة بن سعيد، والحسن البصري، ومحمود الزمخشري، وابن جرير الطبري، والقاضي أبو يوسف، والقاضي المعتمد أبو العباس، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وأبي صالح، والشعبي، والكلبي، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وأسد. أبو الفرج الاصفهاني في الاغاني عن شهر بن حوشب، وعن عمر بن علي، وعن الكلبي، وعن أبي صالح، وعن ابن عباس، وعن الشعبي، وعن الثمالي، وعن شريك وعن جابر، وعن أبي رافع، وعن الصادق (ع)، وعن الباقر، وعن أمير المؤمنين وقد اجتمعت الامامية والزيدية مع اختلاف رواياتهم على ذلك، ومجمع الحديث من الطرق جميعا ان وفد نجران كانوا اربعين رجلا وفيهم السيد والعاقب والقيس والحارث وعبد المسيح بن يونان أسقف نجران، فقال الاسقف: يا أبا القاسم موسى من أبوه ؟ قال: عمران، قال: فيوسف من أبوه ؟ قال يعقوب، قال: فأنت من أبوك ؟ قال: أبي عبد الله بن عبد المطلب، قال: فعيسى من أبوه ؟ فأعرض النبي عنهم فنزل: (ان مثل عيسى عند الله) الآية، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وآله فغشي عليه فلما أفاق قال: أتزعم ان الله تعالى أوحى اليك ان عيسى خلق من تراب ما نجد هذا فيما أوحى اليك ولا نجده فيما أوحى الينا ولا يجده هؤلاء اليهود فيما اوحي إليهم، فنزل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) الآية، قال: أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى نباهلك ؟ فقال: بالغداة ان شاء الله، وانصرف النصارى فقال السيد الحارث: ما تصنعون بمباهلته ؟ قال: ان كان كاذبا ما تصنع بمباهلته شيئا وان كان صادقا لنهلكن، فقال الاسقف: ان غدا فجاء بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته وان غدا بأصحابه فليس بشئ، فغدا رسول الله محتضنا الحسين آخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها. وفي رواية: أخذا بيد علي والحسن والحسين بين يديه وفاطمة تتبعه، ثم جثى بركبتيه وجعل عليا أمامه بين يديه وفاطمة بين كتفيه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وهو يقول لهم: إذا دعوت فأمنوا، فقال الاسقف: جثى والله محمد كما


[ 144 ]

بجثو الانبياء للمباهلة وخافوا فقالوا: يا أبا القاسم أقلنا أقال الله عثرتك، فقال: نعم قد أقلتكم، فصالحوه على ألفي حلة وثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين حملا ولم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وأسلما وأهدى العاقب له حلة وعصا وقدحا ونعلين. وروي انه قال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده ان العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا. وفي رواية: لو باهلتموني بمن تحت الكساء لاضرم الله عليكم نارا تأجج ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تاججا وفي رواية: لو لا عنوني لقلعت دار كل نصراني في الدنيا. وفي رواية: أما والذي نفسي بيده لو لا عنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم بشر. وكانت المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، وروي يوم الخامس والعشرين، والاول أظهر. قال الحميري: تعالوا ندع أنفسنا فندعو * جميعا والاهالي والبنينا وأنفسكم فنبتهل ابتهالا * إليه ليلعن المتكبرينا فقد قال النبي وكان طبا * بما يأتي وأزكى القائلينا إذا جحدوا الولاء فباهلوهم * إلى الرحمن تأتوا غالبينا وله أيضا: ولقد عجبت لقائل لي مرة * علامة فهم من الفهماء أهجرت قومك طاعنا في دينهم * وسلكت غير مسالك الفقهاء ألا مزجت بحب آل محمد * حب الجميع فكنت أهل وفاء فأجبته بجواب غير مباعد * للحق ملبوس عليه غطاء أهل الكساء أحبتي فهم اللذوا * فرض الاله لهم على ولائي ولمن أحبهم ووالى دينهم * فلهم علي مودة بصفاء والعاندون لهم عليهم لعنتي * وأخصهم مني بقصد هجاء وله أيضا: أو لم يقل للمشركين وكذبوا * بالوحي واتخذوا الهدى سخريا قوموا بأنفسنا وأنفسكم معا * ونساؤنا وبينكم وبنيا ندعو فتجعل لعنة الله التي * تغشى الظلام العاند المشنيا


[ 145 ]

نصب الكساء فكان فيه خمسة * خير البرية كلها انسيا وله أيضا: وفي أهل نجران عشية أقبلوا * إليه وحجوا بالمسيح فأبدعوا وردوا عليه القول كفرا كذبوا * وقد سمعوا ما قال فيه وارعووا فقالوا تعالوا ندع أبناءنا معا * وأبناءكم ثم النساء فأجمعوا وأنفسنا ندعوا وأنفسكم معا * ليجمعنا فيه من الاصل مجمع فقالوا نعم فاجمع نباهلك بكرة * وللقوم فيه شرة وتسرع فجاؤا وجاء المصطفى وابن عمه * وفاطم والسبطان كي يتضرعوا إلى الله في الوقت الذي كان بينهم * فلما رأوهم أحجموا وتضعضعوا وله أيضا: وبكرن علقمة النصارى أذعتت * في عزها والباذخ المتعقد إذ قال كررها وموا أبناءكم * ونساءكم حتى نباهل في غد فأتى النبي بفاطم ووليها * وحسين والحسن الكريم المصعد جبريل سادسهم فأكرم سادس * وأخير منتجب لافضل مشهد وقال العوني في مذهته: أما سمعتم خبر المباهلة * أما علمتم انها مفاضله بين الورى فهل رأى من عادله * في الفضل عند ربه ما حامله فيها ولا * قربه نجيا إذا كان غير ناطق عن الهوى * إلا بأمر مبرم من ذى العلى فكيف أقصاهم وأدنى المحتوى * إذا لقد ضل ضلالا وغوى ولم يكن حاشا له غويا وله أيضا: هذا وقد شبهه هارون من * موسى فهل لملكهم مثالها هذا وقد شاركه يوم العبا * في نفسه فابتهل ابتهالها وليلة الفراش من قال لها * قال علي مسرعا أنا لها وقال ابن الرومي: من مثل عترة أحمد ووصيه * والخلق والخلق المهذب والحجى


[ 146 ]

وقال الصاحب: أفي رفعه يوم التباهل قدره * وذلك مجد ما علمت مواظب أفي ضمه يوم الكساء وقوله * هم أهل بيتي حين جبريل حاسب وقال ابن الرومي: قوم بهم قال النبي مباهلا * وعليهم مد النجاد الا حرجا عرج الامين أخا من حبه * وأبى بغير اخوة أن يعرجا وقال خطيب منبج: تعالوا ندع أنفسنا جميعا * وأهلينا الاقارب والبنينا فنجعل لعنة الله ابتهالا * على أهل العناد الكاذبينا وقال ابن العودى: هم باهلوا نجران من داخل العبا * فعاد المنادي عنهم وهو مفحم وأقبل جبريل يقول مفاخرا * لميكال من مثلي وقد صرت منهم فمن مثلهم في العالمين وقد غدا * لهم سيد الاملاك جبريل يخدم وقال آخر: ويوم العبا قد كان باهل أحمد * به وبسبطيه شبير وشبر وفاطمة خير النساء وهذه * لمعجزة لو انهم يتفكروا وقال لهم جبريل هل أنا منكم * ومر على الاملاك إذ ذاك يفخر يقول أنا من أهل بيت محمد * وما أحد غيري على ذاك يقدر وقال ابن رزيك: لا تعذلني انني لا أقتفي * سبل الضلال لقول لكل عذول عند التباهل ما علمنا سادسا * تحت الكساء منهم سوى جبريل وله أيضا: بهم باهل الله أعداءه * وكان الرسول بهم باهلا وهذا الكتاب واعجازه * على من وفي بيت من انزلا وروى أبو صالح، ومجاهد، والضحاك، والحسن، وعطاء، وقتادة، ومقاتل، والليث، وابن عباس، وابن مسعود، وابن جبير، وعمرو بن


[ 147 ]

شعيب، والحسن بن مهران، والنقاش، والقشيري والثعلبي، والواحدي في تفاسيرهم وصاحب اسباب النزول، والخطيب المكي في الاربعين، وابو بكر الشيرازي في نزول القرآن في امير المؤمنين (ع)، والاشنهي في اعتقاد اهل السنة، وابو بكر محمد بن احمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد، وروى اهل البيت (ع) عن الاصبغ بن نباتة وغيره عن الباقر (ع) واللفظ له في قوله تعالى: (هل أتى على الانسان حين من الدهر) انه مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله في جميع أصحابه وقال لعلي: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهما الله، فقال: اصوم ثلاثة ايام وكذلك قالت فاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة فبرؤا، فأصبحوا صياما ليس عندهم طعام فانطلق علي إلى يهودي يقال له فنحاص بن الحارا، وفي رواية: شمعون بن حاريا يستقرضه وكان يعالج الصوف فأعطاه جزة من صوف وثلاثة أصوع من الشعير وقال: تغزلها ابنة محمد، فجاء بذلك فغزلت فاطمة ثلث الصوف ثم طحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص، فلما جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا اهل بيت محمد انا مسكين من مساكين المسلمين اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده وقال فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس اجمعين أما ترين البائس المسكين * قد قام بالباب له حنين يشكو الينا جائع حزين * كل امرئ بكسبه رهين فقالت فاطمة (ع): أمرك سمعا يابن عم طاعه * ما فلي من لؤم ولا وضاعه اطعمه ولا ابالي الساعه * ارجو إذا اشبعت ذا مجاعه ان الحق الاخيار والجماعه * وادخل الخلد ولي شفاعه ودفعت ما كان على الخوان إليه وباتوا جياعا واصبحوا صياما ولم يذوقوا إلا الماء القراح فلما اصبحوا غزلت الثلث الثاني وطحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص فلما جلسوا خمستهم وكسر على لقمة إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم اهل بيت محمد انا يتيم من ايتام المسكين اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع اللقمة من يده وقال: فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالذميم قد جاءنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم فهو رحيم


[ 148 ]

موعده في جنة النعيم * حرمها الله على اللئيم وقالت فاطمة (ع): انى اعطيه ولا ابالي * واوثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهم اشبالي ثم دفعت ما كان على الخوان إليه وباتوا جياعا لا يذوقون إلا الماء القراح، فلما اصبحوا غزلت الثلث الباقي وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة اقراص فلما جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي إذا أسير من اسراء المشركين على الباب يقول: السلام عليكم اهل بيت محمد تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا، فوضع علي من يده اللقمة وقال فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسود هذا أسير للنبي المهتدي * مكبل في غلة مقيد يشكو الينا الجوع قد يقدد * من يطعم اليوم يجده في غد عند العلي الواحد الممجد فقالت فاطمة: لم يبق مما كان غير صاع * قد دميت كفي مع الذراع وما على راسي من قناع * إلا عباء نسجه يضاع ابناي والله من الجياع * يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع * عبل الذراعين شديد الباع واعطته ما كان على الخوان وباتوا جياعا واصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ فرآهم النبي صلى الله عليه وآله جياعا، فنزل جبرئيل ومعه صحفة من الذهب مرصعة بالدر والياقوت مملوءة من الثريد وعراقا يفوح منه رائحة المسك والكافور، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا ولم تنقص منها لقمة واحدة، وخرج الحسين ومعه قطعة عراق فنادته امرأة يهودية: يا اهل بيت الجوع من اين لكم لكم هذا ؟ اطعمنيها، فمد يده الحسين ليطعمها فهبط جبرئيل فأخذها من يده ورفع الصحفة إلى السماء، فقال النبي: لو لا ما اراد الحسين من اطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصحفة في اهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة، ونزلت: (يوفون بالنذر) وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ونزلت (هل أتى) في يوم الخامس والعشرين منه. الخركوشي في شرف المصطفى عن زينب بنت حصين في خبر ان النبي دخل على فاطمة غداة من الغدوات فقالت: يا اتاه قد اصبحنا وليس عندنا شئ، فقال: هاتى


[ 149 ]

ذينك الطبرين، فالتفتت فإذا طيران خلفها فوضعتهما عنده فقال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: كلوا بسم الله، فبينما هم يأكلون إذا جاءهم سائل فقام على الباب فقال: السلام عليكم يا اهل البيت اطعمونا مما رزقكم الله، فرد النبي: يطعمك الله يا عبد الله فمكث غير بعيد ثم رجع فقال مثل ذلك، ثم ذهب ثم رجع، فقالت فاطمة: يا أبتاه سائل، فقال يا بنتاه هذا هو الشيطان جاء ليأكل من هذا الطعام ولم يكن الله ليطعمه هذا من طعام الجنة. وقال: وجاء سبب قوله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا) موافقا لقول امير المؤمنين علي بن ابى طالب سيد الاولياء وابى الائمة النجباء الهادين بجد إلى الحق، حساب كل منهما الف وثلاثمائة وثلاث وتسعون. قال ابن رزيك: ولايتي لامير المؤمنين علي * بها بلغت الذي ارجوه من املي ان كان قد انكر الحساد رتبته * في جوده فتمسك يا اخي بهل وله ايضا: آل رسول الاله قوم * مقدارهم في العلى خطير إذ جاءهم سائل يتيم * وجاء من بعده أسير اخافهم في المعاد يوم * معظم الهول قمطرير فقد وقوا شر ما اتقوه * وصار عقباهم السرور في جنة لا يرون فيها * شمسا ولا ثم زمهرير يطوف ولدانهم عليهم * كأنهعم لؤلؤ نثير لباسهم في جنان عدن * سندسها الاخضر الجرير جازاهم ربهم بهذا * وهو لما قد سعوا شكور وله ايضا: ان الابرار يشربون بكاس * كان حقا مزاجها كافورا ولهم انشأ المهيمن عينا * فجروها عباده تفجيرا وهداهم وقال يوفون بالنذر * فمن مثلهم يوفى النذورا ويخافون بعد ذلك يوما * هائلا كان شره مستطيرا يطعمون الطعام ذا اليتيم والمس‍ * كين في حب ربهم والاسيرا إنما نطعم الطعام لوجه الله * لا نبتغي لديكم شكورا غير انا نخاف من ربنا يو * ما عبوسا عصبصبا قمطريرا


[ 150 ]

فوقاهم إلههم ذلك اليوم * ويلقون نضرة وسرورا وجزاهم بأنهم صبروا في ا * لسر والجهر جنة وحريرا متكئين لا يرون لدى الجنة * شمسا كلا ولا زمهريرا وعليهم ظلالها دانيات * ذللت في قطوفها تيسيرا وبأكواب فضة وقوارير * قوارير قدرت تقديرا ويطوف الولدان فيها عليهم * فيخالفون لؤلؤا منثورا بكوس قد مزجت زنجبيلا * لذة الشاربين تشفي الصدورا ويحلون بالاساور فيها * وسقاهم ربي شرابا طهورا وعليهم فيها ثياب من السندس * خضر في الخلد تلمع نورا ان هذا لكم جزاء من الله * وقد كان سعيكم مشكورا وله أيضا: والله أثنى عليهم * لما وفوا بالنذور وخصهم وحباهم * بجنة وحرير لا يعرفون بشمس * فيها ولا زمهرير يسقون فيها كأسا ر * حيقا ممزوجا بكافور وله أيضا: وله أيضا: في هل أتى حين على الانسان ما * يقنع من جادل فيه وشبا يوفون بالنذر وما أعطاهم * ربهم من كل فضل وحبا وله أيضا: في هل أتى إن كنت تقرأ هل أتى * ستصيب سعيهم بها مشكورا إذا أطعموا المسكين ثمة أطعموا * الطفل اليتيم وأطعموا المأسورا قالوا لوجه الله نطعمكم فلا * منكم جزاء نبتغي وشكورا إنا نخاف ونتقي من ربنا * يوما عبوسا لم يزل محذورا فوقوا بذلك شر يوم باسل * ولقوا بذلك نضرة وسرورا وجزاهم رب العباد بصبرهم * يوم القيامة جنة وحريرا وسقاهم من سلسبيل كاسها * بمزاجها قد فجرت تفجيرا يسقون فيها من رحيق تختم * بالمسك كان مزاجها كافورا فيها قوارير لها من فضة * وأكواب قد قدرت تقديرا


[ 151 ]

يسعى بها ولدانهم فتخالهم * للحسن منهم لؤلؤا منثورا وله أيضا: هل أتى فيهم تنزل فيها * فضلهم محكما وفي السورات يطعمون الطعام خوفا فقيرا * ويتيما وعانيا في العنات إنما نطعم الطعام لوجه الله * لا للجزاء في العاجلات فجزاهم بصبرهم جنة الخلد * بها من كواعب خيرات وقال الصاحب: وإذا قرأنا هل أتى * قرأت وجوههم عبس وله أيضا: علي له في هل أتى ما تلوتم * على الرغم من آنافكم فتفردوا وقال الناشي: ولقد تبين فضلهم في هل أتى * فضل تذل به قلوب الحسد وجزاؤهم بالصبر ما هو جنة * فيه الحرير لباسهم لم ينفد يسقون فيها سلسبيل يديرها * ولدان حور بين حور خرد وله ايضا: هل اتى على الانسان حين من ا * لدهر مع الخلق لم يكن مذكورا وابتدا نطفة هنالك امشا * جا غدا بعده سميعا بصيرا وهدى نسله فأصبح اما * شاكرا مؤمنا واما كفورا ان الابرار يشربون بكاس * كان مزاجها لهم كافورا هي عين تجري بقدرة ربي * فجرتها عباده تفجيرا إذ وفوا نذرهم يخافون يوما * في غد كان شره مستطيرا يطعمون الطعام مسكينهم ثم * يتيما ويطعمون الاسيرا اطعموهم لله لا لجزاء * اطعموهم ولم يريدوا شكورا ثم قالوا نخاف من ربنا يو * ما عبوسا لهوله قمطريرا فيوقون شر ذلك اليو * م ويلقون نضرة وسرورا وجزاهم بصبرهم في العظيما * ت على الضيم جنة وحريرا واتكاهم على الارائك لا يرو * ن فيها شمسا ولا زمهريرا دانيات الظلال قد ذلل القطف * وان كان قد علا تسميرا


[ 152 ]

وعليهم تدور آنية الفض‍ * ة تحوي شرابها المذخورا في قوارير فضة قدروها * في ثنايا كمالها تقديرا ويسقون زنجبيلا لدى الكاس * مزاجا وسلسبيلا عبيرا ويطوف الولدان فيهم يخالو * ن من الحسن لؤلؤا منثورا وإذا ما رأيت ثم تأم‍ * لت نعيما لهم وملكا كبيرا وثايب عليهم سندس خض‍ * ر وحلوا اساورا وشذورا وسقاهم في القدس ربهم الله * شرابا من الجنان طهورا ان هذا هو الجزاء وما زا * ل بلا شك سعيهم مشكورا وقال الرئيس العباس الضبي: هل اتى انزلت بفضل علي * فمعاديه هل اتى لرشيد وقال آخر: احببت من لو سألت هل اتى * عنه لقالت فيه قد انزلت امي حكت ام زياد الدعي * ان كنت فيما قلته ابطلت وقال آخر: اوفوا لربهم النذو * ر يخشون شرا مستطيرا إذ اطعموا مسكينهم * ويتيمهم ثم الاسيرا من خوفهم من ربهم * يوما عبوسا قمطريرا فوقوا شرور جهنم * ولقوا به خيرا كثيرا أبو صالح عن ابن عباس في قوله: (الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) قال: هم اهل بيت رسول الله، علي بن ابي طالب وفاطمة والحسن والحسين واولادهم إلى يوم القيامة هم صفوة الله وخيرته من خلقه. أبو نعيم الفضل بن دكين عن سفيان عن الاعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا) الآية، قال نزلت هذه الآية والله خاصة في امير المؤمنين (ع)، قال كان اكثر دعائه يقول: ربنا هب لنا من ازواجنا، يعني فاطمة وذرياتنا، يعني الحسن والحسين قرة اعين، قال امير المؤمنين: والله ما سألت ربي ولدا نضير الوجه ولا سألت ولدا حسن القامة ولكن سألت ربي ولدا مطيعين لله خائفين وجلين منه حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرت به عيني، قال: (واجعلنا للمتقين اماما)، قال: نقتدي بمن قبلنا من المتقين فيقتدي


[ 153 ]

المتقون بنا من بعدنا، وقال الله: (اولئك يجزون الغرفة بما صبروا) يعني علي بن ابى طالب والحسن والحسين وفاطمة (ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما)، وقد روي ان (والتين والزيتون) نزلت فيهم. الصادق (ع) في قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) قال: الكفلين الحسن والحسين والنور علي، وفي رواية سماعة عنه (ع): (نورا تمشون به) قال: إماما تأتمون به. ويقال في قوله تعالى: (ومن كل شئ خلقنا زوجين) ان الله تعالى بنى الدنيا والعقبى على ثلاثين زوجا، عشرة للعالم الاصغر، وهي: العينان والاذنان والخدان والشفتان والمنكبان والساعدان واليدان والساقان والرجلان، وعشرة للعالم الأكبر وهي: الملوان والعصران والخافقان والازهران والسعدان والنحسان والحجران والاقطعان والابهمان والافجران، وعشرة للدنيا والآخرة وهي: الداران والغاران والاصغران والاكبران والاصمعان والزوجان والحافظان والامران والحرمان والحسنان. واعلم ان الخط جزءان، والمؤلف جوهران، والموجبان اثنان عقلي وشرعي، والكلام اثنان مهمل ومستعمل في كثير من ذلك، ومنه الابوان والجدان والزوجان وذلك كثير. قال المؤلف: نفسي تفدى لسيدي الحسنين * من أحمد والوصي خير الثقلين زوجان فذا مثل السمع وذا مثل العين * فاسلك فيها من كل زوجين اثنين فصل: في محبة النبي اياهما أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وابن ماجة في السنن، وابن بطة في الابانة، وأبو سعيد في شرف النبي، والسمعاني في فضائل الصحابة بأسانيدهم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وآله: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. جامع الترمذي باسناده عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله أي أهل بيتك أحب اليك ؟ قال: الحسن والحسين، وقال: من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضته ومن أبعضته أبغضه الله ومن أبغضه الله خلده النار. جامع الترمذي، وفضائل أحمد، وشرف المصطفى، وفضائل السمعاني، وأمالي ابن شريح، وابانة ابن بطة، ان النبي أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وامهما كان معي في


[ 154 ]

درجتي في الجنة يوم القيامة، وقد نظلمه أبو الحسين في نظم الاخبار فقال: أخذ النبي يد الحسين وصنوه * يوما وقال وصحبه في مجمع من ودني يا قوم أو هذين أو * أبويهما فالخلد مسكنه معي جامع الترمذي، وابانة العكبري، وكتاب السمعاني، بالاسناد عن اسامة بن زيد قال: طرقت على النبي ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج وهو مشتمل على شئ، ما أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي فقلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه فإذا هو الحسن والحسين على وركيه فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم اني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. فضائل أحمد، وتاريخ بغداد، بالاسناد عن عمر بن عبد العزيز قال: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته حسنا أو حسينا وهو يقول: انكم لتنجبون وتجهلون وتنجلون وانكم لمن ريحان الله علي بن صالح بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال النبي والحسن والحسين جالسا على فخذيه: من أحبني فليحب هذين. أبو صالح وأبو حازم عن ابن مسعود وأبو هريرة قالا: خرج رسول الله ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى الينا فقال له رجل يا رسول الله انك لتحبهما، فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. الترمذي في الجامع، والسمعاني في الفضائل، عن يعلى بن مرة الثقفي، والبراء بن عازب، واسامة ابن زيد، وأبي هريرة، وام سلمة، في أحاديثهم ان النبي قال للحسن والحسين: اللهم اني احبهما. وفي رواية: وأحب من أحبهما. أبو الحويرث: ان النبي قال: اللهم أحب حسنا وحسينا وأحب من يحبهما. معاوية بن عمار عن الصادق (ع) قال رسول الله (ص): ان حب علي قذف في قلوب المؤمنين فلا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وان حب الحسن والحسين قذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين فلا ترى لهم ذاما. ودعا النبي الحسن والحسين قرب موته فقبلهما وشمهما وجعل يرشفهما وعيناه تهملان. شرف النبي عن الخركوشي، والفرودس عن الديلمي عن ابن عمر، والجامع عن الترمذي عن أبي هريرة، والصحيح عن البخاري، ومسند الرضا عن آبائه عن النبي واللفظ له قال: الوليد ريحانة والحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا. قال الترمذي: هذا حديث صحيح وقد رواه شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن يعقوب. ويروى


[ 155 ]

عنه (ع) انه قال: انكما من ريحان الله. وفي رواية عتبة بن غزوان انه وضعهما في حجره وجعل يقبل هذا مرة وهذا مرة، فقال قوم: أتحبهما يا رسول الله ؟ فقال: مالي لا أحب ريحانتي من الدنيا. وروى نحوا من ذلك راشد بن علي، وأبو أيوب الانصاري، والاشعث بن قيس عن الحسين (ع). قال الشريف الرضي (رض): شبه بالريحان لان الولد يشم ويضم كما يشم الريحان، وأصل الريحان، وأصل الريحان مأخوذ من الشئ الذي يتروح إليه ويتنفس من الكرب به. ومن شفقته ما رواه صاحب الحلية بالاسناد عن منصور بن المعتمر عن أبي ابراهيم عن علقمة عن عبد الله، وعن ابن عمر قال: كل واحد منا كنا جلوسا عند رسول الله إذ مر به الحسن والحسين وهما صبيان قال: هات ابني اعوذهما بما عوذ به ابراهيم ابنيه اسماعيل واسحاق، فقال: (اعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة). ابن ماجة في السنن، وابو نعيم في الحلية، والسمعاني في الفضائل بالاسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعوذ حسنا وحسينا فيقول (اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) وكان ابراهيم يعوذ بها اسماعيل واسحاق. وجاء في أكثر التفاسير ان النبي كان يعوذهما بالمعوذتين، ولهذا سميت المعوذتين. وزاد أبو سعيد الخدري في الرواية ثم يقول: هكذا كان ابراهيم يعوذ ابنيه اسماعيل واسحاق وكان يتفل عليهما. ومن كثرة عوذ النبي قال ابن مسعود وغيره: انهما عوذتان وليستا من القرآن الكريم. ابن بطة في الابانة، وأبو نعيم بن دكين، باسنادهما عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله أذن في اذن الحسن لما ولد وأذن كذلك في اذن الحسين لما ولد. ابن غسان باسناده: ان النبي عق الحسن والحسين شاة شاة وقال: كلوا واطعموا وابعثوا إلى القابلة برجل، يعني الربع المؤخر من الشاة. رواه ابن بطة في الابانة. أحمد بن حنبل في المسند عن أبي هريرة: كان رسول الله يقبل الحسن والحسين فقل عيينة، وفي رواية غيره: الاقرع بن حابس، ان لي عشرة ما قبلت واحدا منهم قط، فقال صلى الله عليه وآله: من لا يرحم لا يرحم، وفي رواية حفص الفراء: فغضب رسول الله حتى التمع لونه وقال للرجل: ان كان قد نزع الرحمة من قبلك فما أصنع بك، من لم يرحم صغيرنا ويعزز كبيرنا فليس منا. أبو يعلى الموصلي في المسند عن ابي بكر بن ابي شيبة باسناده عن ابن مسعود، والسمعاني في فضائل الصحابة عن ابى صالح عن ابي هريرة انه كان النبي يصلي فإذا سجد وثب


[ 156 ]

الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال: من أحبني فليحب هذين. وفي رواية الحلية: ذروهما بأبى وامي من أحبني فليحب هذين. تفسير الثعلبي قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسين (ع): جئتم بها معلقيها، يعني الرؤس، ثم قال: والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله لقبل أفواههم وأجلسهم في حجره، ثم قرأ: اللهم فاطر السماوات والارض أنت تحكم بين عبادك فيما كا ؟ وا فيه يختلفون. ومن ايثارهما على نفسه صلى الله عليه وآله انه قال: عطش المسلمون عطشا شديدا، فجاءت فاطمة بالحسن والحسين إلى النبي فقالت: يا رسول الله انهما صغيران لا يحتملان العطش، فدعا الحسن فأعطاه لسانه فمصه حتى ارتوى، ثم دعا الحسين فأعطاه لسانه فمصه حتى ارتوى. أبو صالح المؤذن في الاربعين، وابن بطة في الابنة عن علي وعن الخدري، وروى أحمد بن حنبل في مسند العشيرة، وفضائل الصحابة عن عبد الرحمن بن الازرق عن علي (ع) وقد روى جماعة عن ام سلمة، وعن ميمونة واللفظ له عن علي (ع) قال: رأينا رسول الله قد أدخل رجله في اللحاف أو في الشعار فاستسقى الحسن فوثب النبي إلى منيحة لنا فمص من ضرعها فجعله في قدح ثم وضعه في يد الحسن فجعل الحسين يثب عليه ورسول الله يمنعه فقالت فاطمة: كأنه أحبهما اليك يا رسول الله. قال: ما هو بأحبهما إلي ولكنه استسقى أول مرة وانى وإياك وهذين وهذا المنجدل يوم القيامة في مكان واحد. ابن حازم عن أبي هريرة قال: رأيت النبي يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة. ومن فرط محبته لهما ما روى يحيى بن ابى كثير وسفيان بن عيينة باسنادهما انه سمع رسول الله بكاء الحسن والحسين وهو على المنبر فقام فزعا ثم قال: أيها الناس ما الولد إلا فتنة لقد قمت إليها وما معي عقلي. وفي رواية: وما أعقل. الخركوشي في اللوامع وفي شرف النبي ايضا، والسمعاني في الفضائل، والترمذي في الجامع والثعلبي في الكشف والواحدي في الوسيط واحمد بن حنبل في الفضائل وروى الخلف عن عبد الله بن بريدة قال سمعت ابي يقول: كان رسول الله يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما ووضعهما بن يديه ثم قال: (إنما أموالكم واولادكم فتنه) إلى آخر كلامه وقد ذكره أبو طالب الحارثى في قوت القلوب إلا انه تفرد بالحسن بن علي (ع)


[ 157 ]

وفي خبر: أولادنا اكبادنا يمشون على الارض. قال الحميري: سبطان امهما الزهراء منتجبه سادت نساء جميع العالميات ابنا الرسول الذي جلت فضائله * ان عدد الفضل عن وصف المقالات وابنا الوصي الذي كانت ولايته * حتما من الله في تنزيل آيات لولاه من ولد في بيت معلوة * تواضعت عنده كل البيوتات وقال الزاهي: قوم لو ان بحار الارض تنزف بالاقلام * مشقا وأقلام الدنا الشجر والانس والجن كتاب لفضلهم * والصحف ما احتوت الآصال والبكر لم يكتبوا العشر بل لم يعه جهدهم * في ذلك الفضل إلا وهو محتقر أهل الفخار وأقطار المدار ومن * أضحت لامرهم الايام تأتمر هم آل أحمد والصيد الجحاجحة * الزهر الغطارفة العلوية الغرر والبيض من هاشم والاكرمون اولوا ال‍ * فضل الجزيل ومن سادت بهم مضر فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم * قوم يكاد إليهم يرجع القدر اعطوا الصفا نهلا اعطو النبوة من * قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر وتوجوا شرفا ما مثله شرف * وقلدوا خطرا ما مثله خطر حسبي بهم حججا لله واضحة * تجري الصلاة عليهم عليهم أينما ذكروا هم دوحة المجد والاوراق شيعتهم * والمصطفى الاصل والذرية الثمر وقال ابن الحجاج: وأنت ابن الذي حملته يوم * البساط بأمره الريح العقيم ومن ردت عليه الشمس فيهم * وقد أخذت مطالعها النجوم بطاعتكم فروض الله تقضى * وحبكم الصراط المستقيم وقالوا شدت بنيانا عظيما * فقلت لانه ملك عظيم منازل لو غدا فرعون فيها * لقبل رجله موسى الكليم وقال ابن حماد: يا ابن يس وطاسين وحاميم ونونا * يا ابن من آثر مسكينا وباتوا طاويينا فصل: في المفردات من مناقبهما معجم الطبراني باسناده عن ابن عباس، وأربعين المؤذن، وتاريخ الخطيب بأسانيدهم اليجابر، قال النبي صلى الله عليه وآله: ان الله عزوجل جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل


[ 158 ]

ذريتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب، ان كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فاني أنا أبوهم. وقيل في قوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) إنما نزل في نفي التبني لزيد بن حارثة، وأراد بقوله: (من رجالكم) البالغين في وقتكم والاجماع على انهما لم يكونا بالغين فيه. الاحياء عن الغزالي، والفردوس عن الديلمي، قال المقداد بن معدي كرب: قال النبي: حسن منى وحسين من علي. وقال صلى الله عليه وآله: هما وديعتي في امتي. ومن ملاعبته صلى الله عليه وآله معهما ما رواه ابن بطة في الابانة من أربعة طرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: دخلت على النبي والحسن والحسين على ظهره وهو يجثو بهما ويقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما. ابن نجيح: كان الحسن والحسين يركبان ظهر النبي ويقولان: حل حل، ويقول: نعم الجمل جملكما. السمعاني في الفضائل عن أسلم مولي عمر عن عمر بن الخطاب قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي رسول الله، فقلت: نعم الفرس لكما، فقال رسول الله: ونعم الفارسان هما. ابن حماد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله برك للحسن والحسين فحملهما وخالف بين أيديهما وأرجلهما وقال: نعم الجمل جملكما. الخركوشي في شرف النبي عن عبد العزيز باسناده عن النبي انه كان جالسا فأقبل الحسن والحسين فلما رآها النبي قام لهما واستبطأ بلوغها إليه فاستقبلهما وحملهما على كتفيه وقال: نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما. تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفين عن عبد الله بن موسى عن سفين عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: حمل رسول الله الحسن والحسين على ظهره الحسن على أضلاعه اليمنى والحسين على أضلاعه اليسرى ثم مشى وقال: نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما. قال الحميري: من ذا الذي حمل النبي برأفة * ابنيه حتى جاوز الغمضاء من قال نعم الراكبان هما ولم * يكن الذي قد كان منه خفاء وله أيضا: أتى حسنا والحسين الرسول * وقد خرجا ضحوة يلعبان فضمهما ثم فداهما * وكانا لديه بذاك المكان ومرر تحتهما منكباه * فنعم المطية والراكبان وليدان امهما برة * حصان مطهرة للحصان وشيخهما ابن أبي طالب * فنعم الوليدان والولدان


[ 159 ]

وكلهم طيب طاهر * كريم الشمائل طلق البيان وقال المفجع: أفهل تعرفون غير علي * وابنه استرحل النبي المطيا وروي ان النبي صلى الله عليه وآله ترك لهما ذؤابتين في وسط الراس. مزرد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمع اذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله وهو آخذ بيده جميعا بكتفي الحسن والحسين وقدماهما على قدم رسول الله ويقول: ترق عين بقة، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ثم قال له: افتح فاك، ثم قبله ثم قال: اللهم أحبه فاني احبه. كتاب ابن البيع، وابن مهدي، والزمخشري، قال: خرقه خرقه ترق عين بقه اللهم اني احبه فأحبه وأحب من يحبه، الخرقة: القصير الصغير الخطا، وعين بقة: أصغر عين، وقال: أراد بالبقة فاطمة، فقال للحسين: يا قرة عين بقة ترق، وكانت فاطمة (ع) ترقص ابنها حسنا (ع) وتقول: اشبه أباك يا حسن * واخلع عن الحق الرسن واعبد إلها ذا منن * ولا توال ذا الاحن وقالت للحسين (ع): أنت شبيه بأبي * لست شبيها بعلي وفي مسند الموصلي انه كان يقول أبو بكر للحسن (ع): أنت شبيه بالنبي * لست شبيها بعلي وعلي يتبسم. وكانت ام سلمة تربي الحسن وتقول: بأبي يا بن علي * أنت بالخير ملي كن كأسنان خلي * كن ككبش الخولي وكانت ام فضل امرأة العباس تربي الحسين وتقول: يا ابن رسول الله * يا ابن كثير الجاه فرد بلا أشباه * أعاذه إلهي من امم الدواهي الصادق (ع) كان نقش خاتم أبي (ع): ظني بالله حسن * وبالنبى المؤتمن وبالوصي ذى المنن * وبالحسين والحسن


[ 160 ]

وقال شاعر: أربعة مذهبة * لكل هم وحزن حب النبي والوصي * والحسين والحسن وقال السيد الحميري: ولينا بعد نبي الهدى * علي القائم وابناه فصل: في معجزاتهما عليهما السلام أحمد بن حنبل في المسند، وابن بطة في الابانة، والنطنزي في الخصائص، والخركوشي في شرف النبي واللفط له، وروى جماعة عن أبي صالح عن أبي هريرة، وعن صفوان بن يحيى، وعن محمد بن علي بن الحسين، وعن علي بن موسى الرضا، وعن أمير المؤمنين (ع): ان الحسن والحسين كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه وآله حتى مضى عامة الليل ثم قال لهما: انصرفا إلى امكما، فبرقت برقة فما زالت تضئ لهما حتى دخلا على فاطمة والنبى ينظر إلى البرقة وقال: الحمد الله الذي أكرمنا أهل البيت. وقد رواه السمعاني، وأبو السعادات في قضاياهما عن أبي جحيفة، إلا انهما تفردا في حق الحسين قال الحميري: من ذا مشى مع لمع برق ساطع * إذ راح من عند النبي عشاء وسمع أبو حباب الكلبى من نوح الجن على الحسين (ع): مسح النبي جبينه * فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش * جده خير الجدود وفي حديث عفيف الكندي انه قال الفارس له: إذا رأيت في داره حمامة يطير معها فرخاها فاعلم انه ولد له، يعني عليا، ثم قال بعد كلام: بلغني بعد برهة ظهور النبي فأسلمت فكنت أرى الحمامة في دار علي تفرخ من غير وكر وإذا رأيت الحسن والحسين عند رسول الله ذكرت قول الفارس، وفي رواية بسطام عنه في حديث طويل: فلما قتل علي ذهبت فما رأيت. وفي رواية أبي عقيل: رأيت في منزل علي بعد موته طيران يطيران فلما مات الحسن غاب أحدهما، فلما قتل الحسين غاب الآخر. الكشف والبيان عن الثعلبي بالاسناد عن جعفر بن محمد عنأبيه (ع) قال: مرض النبي صلى الله عليه وآله فأتاه جبرئيل بطبق فيه رمان وعنب فأكل النبي منه فسبح، ثم دخل عليه الحسن والحسين فتنا ولا منه فسبح الرمان والعنب، ثم دخل علي فتناول منه فسبح


[ 161 ]

أيضا، ثم دخل رجل من أصحابه فأكل فلم يسبح، فقال جبرئيل: إنما يأكل هذا نبى أو وصي أو ولد نبى. أبو عبد الله المفيد النيسابوري في أماليه قال الرضا (ع): عري الحسن والحسين وأدركهما العيد فقالا لامهما: قد زينوا صبيان المدينة إلا نحن فما لك لا تزينينا ؟ فقالت ثيابكما عند الخياط فإذا أتانى زينتكما، فلما كانت ليلة العيد أعادا القول على امهما فبكت ورحمتهما فقالت لهما ما قالت في الاولى فردا عليها، فلما أخذ الظلام قرع الباب قارع فقالت فاطمة: من هذا ؟ قال: يا بنت رسول الله أنا الخياط جئت بالثياب، ففتحت الباب فإذا رجل ومعه من لباس العيد، قالت فاطمة والله لم أر رجلا أهيب شيمة منه فناولها منديلا مشدودا ثم انصرف، فدخلت فاطمة ففتحت المنديل فإذا فيه قميصان ودراعتان وسروالان ورداءان وعمامتان وخفان أسودان معقبان بحمرة، فأيقظتهما وألبستهما، ودخل رسول الله وهما مزينان فحملهما وقبلهما ثم قال: رأيت الخياط ؟ قالت: نعم يا رسول الله والذي أنفذته من الثياب، قال: يا بنية ما هو خياط إنما هو رضوان خازن الجنة، قالت فاطمة: فمن أخبرك يا رسول الله ؟ قال: ما عرج حتى جاءني وأخبرني بذلك. الحسن البصري وام سلمة: ان الحسن والحسين دخلا على رسول الله وبين يديه جبرئيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبى فجعل جبرئيل يومئ بيده كالمتناول شيئا فإذا يده تفاحة وسفر جلة ورمانة فناولهما وتهلل وجهاهما وسعيا إلى جدهما فأخذ منهما فشمهما ثم قال: صيرا إلى امكما بما معكما وابدءا بأبيكما، فصارا كما أمرهما فلم يأكلوا حتى صار النبي إليهم فأكلوا جميعا فلم يزل كلما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، قال الحسين (ع): فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفيت، فلما توفيت فقدنا الرمان وبقى التفاح والسفرجل أيام أبي، فلما استشهد أمير المؤمنين فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي فلما اشتد علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء. قال علي بن الحسين (ع) سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلما قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه فالتمست ولم ير لها أثر، فبقى ريحها بعد الحسين، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فانه يجده إذا كان مخلصا.


[ 162 ]

أمالي أبى الفتح الحفار، وابن عباس، وأبو رافع: كنا جلوسا مع النبي إذ هبط عليه جبرئيل ومعه جام من البلور الاحمر مملوءا مسكا وعنبرا، فقال له: السلام عليك الله يقرأ عليك السلام ويحييك بهذه التحية ويأمرك أن تحيي بها عليا وولديه، فلما صارت في كف النبي هللت وكبرت ثلاثا ثم قالت بلسان ذرب (بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فاشتمها النبي صلى الله عليه وآله ثم حيى بها عليا، فلما صارت في كف علي قالت: (بسم الله الرحمن الرحيم، إنما وليكم الله ورسوله) الآية، فاشتمها علي وحيى بها الحسن، فلما صارت في كف الحسن قالت (بسم الله الرحمن الرحيم عم يستاءلون عن النبأ العظيم) الآية، فاشتمها الحسن وحيى بها الحسين، فلما صارت في كف الحسين قالت: (بسم الله الرحمن الرحيم، قال لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) ثم ردت إلى النبي فقالت: (بسم الله الرحمن الرحيم، الله نور السموات والارض) فلم أدر على السماء صعدت أم في الارض نزلت بقدرة الله تعالى. قال الوراق القمي: علي به كابت قريش وإنما * بكف علي سبح الجام فاعلم كتاب المعالم: ان ملكا نزل من السماء على صفة الطير فقعد على يد النبي فسلم عليه بالنبوة، وعلى يد علي فسلم عليه بالوصية، وعلى يد الحسن والحسين فسلم عليهما بالخلافة فقال رسول الله: لم لم تقعد على يد فلان، فقال: أنا لا أقعد في أرض عصى عليها الله فكيف أقعد على يد عصت الله. أربعين المؤذن، وابانة العكبري، وخصائص النطنزي، قال ابن عمر: كان للحسن والحسين تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرئيل. وفي رواية: فيهما من جناح جبرئيل. وعن ام عثمان ام ولد لعلي (ع) قالت: كان لآل محمد وسادة لا يجلس عليها إلا جبرئيل فإذا قام عنها طويت فكان إذا قام انتفض من زغبه فتلقطه فاطمة فتجعله في تمايم الحسن والحسين. قال الحمانى: يا ابن من بيته من الذين والا * سلام بين المقام والمنبرين لك خير البيتين من مسجدي ج‍ * دك والمنشأين والمسكنين والمساعي من لدن جدك اسما * عيل حتى ادرجت في الريطتين حين نيطت بك التمايم ذات ا * لريش من جبرئيل في المنكبين أبو هريرة، وابن عباس، والحارث الهمداني، وأبو ذر، والصادق (ع) انه اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله فقال: إيه حسن خذ حسينا، فقالت


[ 163 ]

فاطمة: يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير، فقال: هذا جبرئيل يقول للحسين ايها حسين خذ حسنا، أورده السمعاني في فضائله. قال الحميري: قال بينا النبي وابناه والبر * ة والروح ثالث في قرار إذ دعا شبير شبيرا فقام ال‍ * طهر للطاهرات والاطهار لصراع فقال أحمد إيه * حسن شد شدة المغوار قالت البرة البتولة لما * سمعت قوله بانكار أتجري الكبير والناس طرا * يقصدون الصغار دون الكبار قال ان كنت فاعلا ان من يك‍ * نف هذا عن الورى متوار ان جبريل قائل مثل قولي * لفتى المجد والندى والوقار فصل: في معالى امورهما عليهما السلام مقاتل بن مقاتل عن مرازم عن موسى بن جعفر (ع) في قوله تعالى: (والتين والزيتون) قال: الحسن والحسين، (وطور سينين) قال: علي بن أبي طالب، (وهذا البلد الامين) قال: محمد، (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) قال: الاول (ثم رددناه أسفل سافلين) ببغضه امير المؤمنين، (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) علي بن ابي طالب (فما يكذبك بعد بالدين) يا محمد ولاية علي بن ابي طالب. واجتمع اهل القبلة على ان النبي قال: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا. واجتمعوا ايضا انه صلى الله عليه وآله قال: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، حدثني بذلك ابن كادش العكبري عن ابي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين المروزي فيما قرب سنده قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد، قال: حدثنا ابراهيم بن محمد العامري قال: حدثنا نعيم بن سالم بن قنبر قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله يقول، الخبر. ورواه احمد بن حنبل في الفضائل والمسند، والترمذي في الجامع، وابن ماجة في السنن، وابن بطة في الابانة، والخطيب في التاريخ، والموصلي في المسند والواعظ في شرف المصطفى، والسمعاني في الفضائل، وأبو نعيم في الحلية من ثلاثة طرق، وابن حبيش التميمي عن الاعمش. وروى الدار قطني بالاسناد عن ابن عمر قال: قال (ص): ابناي هذان سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما. ورواه الخدري، وابن مسعود، وجابر الانصاري، وابو جحيفة، وابو هريرة وعمر بن الخطاب، وحذيفة، و عبد الله بن عمر، وام سلمة، ومسلم بن يسار، والزبرقان


[ 164 ]

ابن أظلم الحميري. ورواه الاعمش عن ابراهيم عن علقمة بن عبد الله، وفي حلية الاولياء واعتقاد اهل السنة، ومسند الانصاري عن احمد بالاسناد عن حذيفة قال النبي في خبر أما رأيت العارض الذي عرض لي ؟ قلت: بلى، قال: ذاك ملك لم يهبط إلى الارض قبل الساعة فاستأذن الله تعالى أن يسلم علي ويبشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وان فاطمة سيدة نساء اهل الجنة. سئل أبو عبد الله (ع) عن قوله: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، فقال هما والله سيدا شباب اهل الجنة من الاولين والآخرين. والمشهور عن النبي انه قال اهل الجنة شباب كلهم، قوله صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما، يوافق قولنا موجب الامامة لهما في الدنيا والسيادة في العقبى لاجتماعهما في الف وثمانمائة واحدى وعشرين. قال الحماني الكوفي: أنتما سيدا شباب جنان ال‍ * خلد يوم الفوزين والروعتين يا عديل القرآن من بين ذي الخل‍ * ق ويا واحدا من الثقلين أنتما والقرآن في الارض مذ ا * نزل مثل السماء والفرقدين قمتما من خلافة الله في الار * ض بحق مقام مستخلفين قاله الصادق الحديث ولن يفترقا دون حوضه واردين وقال العوني: وقد شهدتم له بالسيدين لمن * في جنة الخلد أحظى الخلق ازلفه وانه منهما خير وليس على * هذا مزيد فنلقيه ونحرفه لان سكان دار الخلد سادة من * فوق التراب وأزكى الخلق أشرفه والسيدان لسادات الخلايق كا * لعيوق في قبة الخضراء مرجفه ومن علا سيدي ساداتنا شرفا * فهل يكنفه فضلا يكنفه وله أيضا: ومن له سبطان سيدان * شهمان قرمان مهذبان بحراهما بحران زاخران * وما هما بحران يبغيان بل منهما معرفة الديان * امهما سيدة النسوان ومن كثرة فضلهما ومحبة النبي إياهما انه جعل نوافل المغرب وهي اربع ركعات كل ركعتين منهما عند ولادة كل واحد منهما. سليمان بن احمد الطبراني والقاضي أبو الحسن الجراحي وابو الفتح الحفار والكياشيرويه


[ 165 ]

والقاضي النطنزي بأسانيدهم عن عقبة عن عامر الجهني، وأبي دجانة، وزيد بن علي عن النبي قال: الحسن والحسين شنفا العرش. وفي رواية: وليسا بمعلقين، وان الجنة قالت: يا رب اسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال الله تعالى: ألا ترضين اني زينب اركانك بالحسن والحسين، فماست كما تميس العروس فرحا. وفي خبر عنه صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة زين عرش الرحمن بكل زينة ثم يؤتي بمنبرين من نور طولهما مائة ميل فيوضع احدهما عن يمين العرش والآخر عن يسار العرش ثم يأتي الحسن والحسين يزين الرب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزين المرأة قرطاها. وفي رواية أبي لهيعة المصري قال: سألت الجنة ربها ان يزين ركنا من أركانها فأوحى الله تعالى إليها: اني قد زينتك بالحسن والحسين، فزادت الجنة سرورا بذلك قال الصاحب: ولداه شنفا العرش فقل * حبذا العرش وحبا شنفاه وقال ابن حماد: تفاحتا الهادي وقرطا ال‍ * عرش عرش الواحد المتمجد وقال أبو العلاء: جاز النبي وسبطاه وزوجته * مكان ما أفنت الاقلام والصحفا والفخر لو كان فيهم صورة جسدا * عادت فضائلهم في اذنه شنفا وقال ابن علوية: وابناه عقد قوى الجنان عليهما * فهما لدار مقامه ركنان وهما معا لو يعلمون لعرشه * دون الملائك كلهم شنفان والدر والمرجان قد نحلاهما * مثلا من البحرين يلتقيان كتاب السؤود بالاسناد عن سفيان بن سليم، والابانة عن العكبري بالاسناد عن زينب بنت أبي رافع ان فاطمة أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله وقالت: انحل إبني هذين يا رسول الله، وفي رواية: هذان ابناك فورثهما شيئا فقال: اما الحسن فله هيبتي وسؤددي، واما الحسين فله جرأتي وجودي. وفي كتاب آخر: ان فاطمة قالت: رضيت يا رسول الله، فلذلك كان الحسن حليما مهيبا، والحسين نجدا جوادا. الارشاد، والروضة، والاعلام، وشرف المصطفى، وجامع الترمذي، وابانة العكبري من ثمانية طرق رواه أنس وأبو جحيفة: ان الحسين كان يشبه النبي من صدره إلى رأسه، والحسن يشبه به من صدره إلى رجليه.


[ 166 ]

مسند احمد بالاسناد عن هاني بن هاني عن علي (ع) قال: لما ولد الحسن جاء النبي فقال: أرونى ابني، ما سميتموه ؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين جاء النبي فقال: أروني ابني، ما سميتموه ؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسين. مسندا أحمد وأبي يعلى قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه جعفرا قال علي: فدعاني رسول الله فقال: اني امرت أن اغير اسم هذين، فقلت الله ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا، وقد روينا نحو هذا عن ابن عقيل. محمد بن علي عن ابيه (ع) قال رسول الله: امرت أن اسمي ابني هذين حسنا وحسينا. شرح الاخبار قال الصادق (ع): لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرئيل إلى رسول الله اسمه في سرقة من حرير من ثياب الجنة فيها حسن واشتق منها اسم الحسين، فلما ولدت فاطمة الحسن أتت به رسول الله فسماه حسنا، فلما ولدت الحسين أتته به فقال: هذا أحسن من ذلك فسماه الحسين، قوله: سرقة، أي أحسن الحرير. ابن بطة في الابانة من أربع طرق منها: أبو الخليل عن سلمان، قال رسول الله: سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا وانى سميت ابني الحسن والحسين. مسند احمد، وتاريخ البلاذري، وكتب الشيعة، انه صلى الله عليه وآله قال: إنما سميتهم بأسماء اولاد هارون شبرا وشبيرا. فردوس الديلمي عن سلمان قال البي: سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا واني سميت ابني الحسين والحسين بما سمى هارون ابنيه. عطاء بن يسار عن ابي هريرة قال: قدم راهب على قعود له فقال: دلوني على منزل فاطمة، قال فدلوه عليها فقال لها: يا بنت رسول الله أخرجي إلي ابنيك، فأخرجت إليه الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويكبي ويقول: اسمها في التوراة شبر وشبير، وفي الانجيل طاب وطيب، ثم سأل عن صفة النبي فلما ذكروه قال: اشهد أن لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله. قال ابن الحجاج: طولي أو فقصري * واعذليني أو اعذري أنا مولى لحيدر * وشبير وشبر عمران بن سلمان، وعمرو بن ثابت قالا: الحسن والحسين اسمان من اسامي اهل الجنة ولم يكونا في الدنيا. جابر قال النبي: سمي الحسن حسنا لان باحسان الله قامت السماوات والارضون، واشتق الحسين من الاحسان، وعلي والحسن اسمان من اسماء الله تعالى، وللحسين تصغير الحسن. وحكى أبو الحسين النسابة: كان الله عزوجل حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني حسنا وحسينا، حتى يسمى بهما ابنا فاطمة فانه


[ 167 ]

لا يعرف ان احدا من العرب يسمى بهما في قديم الايام إلى عصرهما لا من ولد نزار ولا اليمن مع سعة افخاذهما وكثرة ما فيهما من الاسامي، وإنما يعرف فيهما حسن بسكون السين وحسين بفتح الحاء وكسر السين على مثال حبيب، فأما حسن بفتح الحاء والسين فلا نعرفه إلا اسم جبل معروف. قال الشاعر: لام الارض وبل ما أجنت * بحيث اضر بالحسن السبيل سئل أبو عمه غلام ثعلب عن معنى قول امير المؤمنين (ع): لقد وطي الحسنان وشق عطفاي، فقال: الحسنان الابهامان واحدهما حسن. قال الشنفرى: مهضومة الكشحين درماء الحسن * جماء ملساء بكفيها شثن شق عطفاي: أي ذيلي. الصادق (ع): لم يكن بين الحسن والحسين إلا طهر واحد. ويقال: الحسن والحسين هما الطيبان الطاهران خالان، والكريمتان الحصانان خالتان، والنبي صلى الله عليه وآله وأبو طالب جدان، وخديجة وفاطمة بنت اسد جدتان، والطيار وعقيل عمان، وفاطمة وعلي ابوان. قال ابن العودي: ابوهم امير المؤمنين وجدهم * أبو القاسم الهادي النبي المكرم وهذا إذا عد المناسب في الورى * هو الصهر والطهر النبي له حم وخالهم ابراهيم والام فاطم * وعمهم الطيار في الخلد ينعم وقال الاعمش: الحسن والحسين، من الثقلين شمى ضحى، وبدري دجى، وكهفي تقى، وعيني ورى، وليثي وغى، وسيفي اما، ورمحي لوا. وقال واعظ: وصل على السيدين، السندين الشهيدين، الرشيدين المفقودين، المرحومين المعصومين، المظلومين المقتولين، الغريبين الامامين، العالمين العلمين، الشمسين القمرين، الدرتين الفرقدين، النورين الريحانتين، الهاديين المهديين، الطاهرين المطهرين، الطيبين الاشرفين، الاكرمين الاجودين، الحسن والحسين. وقال الصنوبري: وآخى حبيبي حبيب الله لا كذب * وابناه للمصطفى المستخلص ابنان صلى إلى القبلتين المقتدى بهما * والناس عن ذاك في صم وعميان ما مثل زوجته اخرى يقاس بها * ولا يقاس على سبطين سبطان


[ 168 ]

فصل: في مكارم أخلاقهما ابراهيم الرافعي عن ابيه عن جده قال: رأيت الحسن والحسين يمشيان إلى الحج فلم يمرا براكب إلا نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم، فقال سعد بن ابي وقاص للحسن: يا أبا محمد ان المشي قد ثقل على جماعة ممن معك من الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا، فلم ما ركبتما ؟ فقال الحسن: لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام على أقدامنا ولكنا نتنكب عن الطريق، فأخذا جانبا من الناس. استفتى أعرابي عبد الله بن الزبير وعمرو بن عثمان فتواكلا فقال: اتقيا الله فاني أتيتكما مسترشدا أمواكلة في الدين، فأشارا عليه بالحسن والحسين فأفتياه فأنشأ أبياتا منها: جعل الله حر وجهيكما * نعلين سبتا يطأهما الحسنان اسماعيل بن يزيد باسناده عن محمد بن علي (ع) انه قال: أذنب رجلا ذنبا في حياة رسول الله فتغيب حتى وجد الحسن والحسين في طريق خال فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه وأتى بهما النبي فقال: يا رسول الله اني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله حتى رد يده إلى فمه ثم قال للرجل: اذهب وأنت طليق، وقال للحسن والحسين: قد شفعتكما فيه اي فتيان، فأنزل الله تعالى: (ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما). أخبار الليث بن سعد باسناده ان رجلا نذر أن يدهن بقارورة عند رجلي أفضل قريش، فسأل عن ذلك فقيل: ان مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش فاسأله عن ذلك، فأتاه وسأله وقد خرف وعنده ابنه المسور فمد الشيخ رجليه وقال: ادهنهما، فقال المسور ابنه للرجل: لا تفعل أيها الرجل فان الشيخ قد خرف وإنما ذهب إلى ما كان في الجاهلية، وأرسله إلى الحسن والحسين وقال: ادهن بها أرجلهما فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم. وفي حديث مدرك بن أبي زياد قلت لابن عباس وقد أمسك للحسن والحسين بالركاب وسوى عليهما: أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب ! فقال: يالكع وما تدري من هذان ؟ هذان ابنا رسول الله أو ليس مما أنعم الله به علي أن أمسك لهما واسوي عليهما عيون المجالس عن الرؤياني: ان الحسن والحسين مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن فأخذا بالتنازع، يقول كل واحد منهما: أنت لا تحسن الوضوء، فقالا: أيها الشيخ


[ 169 ]

كن حكا بيننا يتوضأ كل واحد منا سوية، ثم قالا: أينا يحسن ؟ قال: كلا كما تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على امة جدكما. الباقر (ع) قال: ما تكلم الحسين بين يدي الحسن إعظاما له، ولا تكلم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين إعظاما له. وقالوا قيل لايوب: نعم العبد، وللحسن والحسين: نعم المطية مطيتكما ونعم الراكبان أنتما. وقال: (وان لم تؤمنوا لي فاعتزلون)، وقال الحسين: إن لم تصدقوني فاعتزلوني ولا تقتلوني. اسم علي ثلاثة أحرف، واسم فاطمة خمسة أحرف، تكون الجملة ثمانية، وأبواب الجنة ثمانية. واسم الحسن ثلاثة أحرف، واسم الحسين أربعة أحرف تكون الجملة سبعة أحرف، وأبواب جهنم سبعة. من أحب عليا وفاطمة فتح عليه ثمانية أبواب الجنة، ومن أحب الحسن والحسين أغلقت عنه سبعة أبواب جهنم. ومحمد علي فاطمة حسن حسين تسعة عشر حرفا فمن أحبهم وقي شر الزبانية التسعة عشر. بسم الله الرحمن الرحيم: يوازي أسماء هؤلاء الخمسة. وقال محاسب كمال الدين. بعلي وابنيه استويا * في مائة وست ومائتين وقال أبي الحجاج: وبالنبي المصطفى اقتدي * والعترة الطيبة الطاهره بالانجم الزهر نجوم الهدى * وبالبحور الجملة الزاخرة وقال أبو مقاتل: محمد المختار ثم صنوه * والحسنان ولدا ست النساء وقال المنذر: أبا حسن أنت شمس النهار * وهذان في الداجيات القمر وأنت وهذان حتى الممات * بمنزلة السمع بعد البصر وقال ابن دريد: ان النبي محمد ووصيه * وابنيه وابنته البتول الطاهره أهل العباء فانني بولائهم * أرجو السلامة والنجا في الآخرة وأرى محبة من قول بفضلهم * سببا يجير من السبيل الحايره أرجو بذاك رضى المهيمن وحده * يوم الوقوف على ظهور الساهره


[ 170 ]

وقال العوني: ألست ترى جبريل وهو مقرب * له في العلى من راحة القصد موقف يقول لهم يوم العبا أنا منكم * فمن مثل اهل البيت إن كنت تنصف وقال الصاحب: لآل محمد اصبحت عبدا * وآل محمد خير البرية اناس حل فيهم كل خير * مواريث النبوة والوصيه وقال المؤلف: اتبع نبي الله في دينه * وآله الغر الميامينا لا تتبدل بهم غيرهم فانهم غير ملومينا باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام فصل: في المقدمات الشيرازي في كتابه بالاسناد عن الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن الحسن بن علي (ع) قال: كل ما في كتاب الله عزوجل (ان الابرار) فو الله ما أراد له إلا علي ابن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين لانا نحن أبرار بأبنائنا وامهاتنا وقلوبنا علت بالطاعات والبر وتبرأت من الدنيا وحبها وأطعنا الله في جميع فرائضه وآمنا بوحدانيته وصدقنا برسوله. وعنه بهذا الاسناد قال الحسن بن علي (ع) في قوله تعالى: (في أي صورة ما شاء ركبك) قال: صور الله عزوجل علي بن ابي طالب في ظهر ابي طالب على صورة محمد، فكان فكان علي بن أبي طالب أشبه الناس برسول الله، وكان الحسين بن علي أشبه الناس بفاطمة، وكنت أنا أشبه الناس بخديجة الكبرى. ابن عباس في قوله: (ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) انزلت في رسول الله وأهل بيته خاصة. وقرأ الباقر (ع) (أنتم خير امة اخرجت للناس) بالالف إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا وعليا والاوصياء من ولده صلى الله عليه وآله. موسى بن جعفر عن آبائه (ع)، وأبو الجارود عن الباقر وزيد بن علي في قوله تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى)، قال: مودتنا أهل البيت. الحسن بن علي (ع) في كلام له: وأعز به العرب عامة وشرف من شاء منه خاصة فقال (وانه لذكر ولقومك). الباقر في قوله: (كلا ان كتاب الابرار) إلى قوله (المقربون) وهو رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين. وصح عن الحسن بن علي (ع) انه خطب الناس فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تعالى شأنه: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وقوله: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت.


[ 171 ]

اسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق (ع) قال: انها نزلت فينا اهل البيت اصحاب الكساء. العكبري في فضائل الصحابة باسناده عن أبي مالك، وابو صالح عن ابن عباس، والثمالي باسناده عن السدي عن ابن عباس قال: أقتراف الحسنة المودة لآل محمد صلى الله عليه وآله. عمار بن يقظان الاسدي عن ابي عبد الله (ع) في قوله تعالى: (إليه يصعد الكلب الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال: ولايتنا اهل البيت – واهوى بيده إلى صدره – فمن لم يتولنا لم يرفع الله عملا. وقالوا: النداء ثلاثة، نداء من الله للخلق نحو: (فناداهما ربهما)، (وناديناه أن يا ابراهيم)، (وناديناه من جانب الطور). والثاني نداء من الخلق إلى الله نحو: (ولقد نادانا نوح)، (فنادى في الظلمات)، (وزكريا إذ نادى ربه). والثالث نداء الخلق للخلق نحو: (فنادته الملائكة)، (فناداها من تحتها)، (ينادونهم ألم نكن معكم)، (ونادى أصحاب الجنة)، (ونودوا أن تلكموا الجنة)، (ونادوا يا مالك) ونداء النبي وذريته: (ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان). وخطب الصاحب فقال: (الحمد لله ذي النعمة العظمى، والمنحة الكبرى، الداعي إلى الطريقة المثلى، الهادي إلى الخليفة الحسنى، الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وبعث محمد صلى الله عليه وآله من منصب مجتبى، واصل منتمي، أرسله والناس سدى، يترددون بين الضلالة والعمى، فنبه على خير الآخرة والاولى، لم يلتمس أجرا إلا المودة في القربى، شد أزره بأخيه المرتضى، وسيفه المنتضى، ومن أحله محل هارون من موسى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ المدى، واشهد ان محمدا عبده ورسوله خير من أرسل ودعا، وافضل من ارتدى واحتذى، صلى الله عليه وآله شموس الضحى، واقمار الدجى، وشجرة


[ 172 ]

طوبى، وسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق في طوفان العمى، ذرية اذهب الله عنهم الرجس والاذى، وطهرها من كل دنس وقذى، صلى الله عليهم عدد الرمل والحصى، والنجوم في السما). وقالوا: (الامام المؤتمن، منيم الثار والاحن، صاحب السم والمحن، قالع الصنم والوثن، واضع الفرائض والسنن، أبو محمد الحسن، ناعش ذوي المقربة، ومطعم يوم المسغبة، علم منشور، ودر منثور، ودين مذكور، وسيف مشهور، من منبع الانبياء، ومن منجر الاوصياء، ومن مزرع الزهراء، وفي اهل العباء والكساء، معدن السخاء، شجرة الصفاء، ثمرة الوفاء، ابن خير الرجال وخير النساء، كلمة التقوى، العروة الوثقى، سليل الهدى، رضيع التقي، غيث الندى، غياث الورى، ضياء العلى، قرة عين الزهراء، وولي عهد المرتضى، اشبه الخلق بالمصطفى، مرضي المولى، الحسن المجتبى، قبلة العارفين، وعلم المهتدين، وثاني الخمسة الميامين، الذي افتخر بهم الروح الامين، وباهل بهم الله المباهلين، منبع الحكمة، معدن العصمة، كاشف الغمة، مفزع الامة، ولي النعمة، عالي الهمة، جوهر الهداية، طيب البداية والنهاية، صاحب اللواء والراية، اصل العلم والدراية، محل الفهم والرواية، والفضل والكفاية، واهل الامامة والولاية، والخلافة والدراية، جوهر صدف النبوة، ودر بحر احمدية، تاج آل محمدية، ونور سعادة نسل ابراهيم، سراج دولة اصل اسماعيل، السبط المبجل، والامام المفضل، أجل الخلايق في زمانه وافضلهم، واعلاهم حسبا ونسبا وعلما، واجل واكمل، سيد شباب اهل الجنة، خدمته فرض على العالمين ومنة، وحبه للمسلمين من النيران جنة، ومتابعته على الموحدين واجب لا سنة، عنصر الشريعة والاسلام، وقطب العلوم والاحكام، وفلك شرايع الحلال والحرام، شمس اولاد الرسول، وقرة عين البتول، سماوة الهلال، وقامع اهل الضلال، ومن اصطفاه الله الكبير المتعال، ثمرة قلب النبي، قرة عين الوصي، ومن مدحه الله العلي، الحسن بن علي، السبط الاول، والامام الثاني، والمقتدى الثالث، والذكر الرابع،


[ 173 ]

والمباهل الخامس، الحسن بن علي بن ابي طالب، وزنه في الحساب ولي الله ووصيه لاستوائهما في ثلاثمائة وثلاث وخمسين. قال ابن هاني المغربي: هو علة الدنيا ومن خلقت له * ولعلة ما كانت الاشياء من صفوماء الوحي وهو مجاجة * من حوضة الينبوع وهو شفاء من ابكت الفردوس حيث تفتقت * ثمراتها وتفيأ الافياء من شعلة القبس التي عرضت على * موسى وقد حارت به الظلماء من معدن التقديس وهو سلالة * من جوهر الملكوت وهو ضياء هذا الذي عطفت عليه مكة * وشعابها والركن والبطحاء فعليه من سيما النبي دلالة * وعليه من نور الاله بهاء وله ايضا: وخير زاد من المرء من بعد التقى * حب التقاه الغر اصحاب الكساء وقال العبدي: محمد وصنوه وابنته * وابناه خير من تحفى واحتذى صلى عليهم ربنا باري الورى * ومنشئ الخلق على وجه الثرى صفاهم الله تعالى وارتضى * واختارهم من الانام واجتبى لولاهم ما رفع الله السما * ولا دحى الارض ولا أنشا الورى لا يقبل الله لعبد عملا * حتى يواليهم باخلاص الولا ولا يتم لامرء صلاته * إلا بذاكرهم ولا يزكو الدعا لو لم يكونوا خير من وطأ الحصى * ما قال جبريل لهم تحت العبا هل أنا منكم شرف ثم علا * يفاخر الاملاك إذ قالوا بلى فصل: في معجزاته عليه السلام محمد بن اسحاق بالاسناد جاء أبو سفيان إلى علي (ع) فقال: يا أبا الحسن جئتك في حاجة، قال: وفيم جئتني ؟ قال: تمشي معي إلى ابن عمك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقدا ويكتب لنا كتابا، فقال: يا أبا سفيان لقد عقد لك رسول الله عقد لا يرجع عنه أبدا، وكانت فاطمة من وراء الستر والحسن يدرج بين يديها وهو طفل من ابناء اربعة عشر شهرا، فقال لها: يا بنت محمد قولي لهذا الطفل يكلم لي جده فيسود بكلامه العرب والعجم، فأقبل الحسن (ع) إلى ابى سفيان وضرب احدى يديه على انفه والاخرى على لحيته ثم أنطقه الله عزوجل بأن قال: يا أبا سفيان قل لا إله إلا الله محمدا رسول الله حتى اكون شفيعا، فقال (ع): الحمد الله الذي جعل في آل محمد من ذرية محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا (فأتيناه الحكم صبيا). بصائر الدرجات: ان الحسن بن علي (ع) خرج في عمرة ومعه رجل من ولد الزبير فنزلوا في منهل تحت نخل يابس، فقال الزبيري: لو كان في هذا النخل


[ 174 ]

رطب أكلناه، فقال الحسن: أو أنت تشتهي الرطب ؟ فقال: نعم، فرفع الحسن يده إلى السماء فدعا بكلام لم يفهمه فاخضرت النخلة واورقت وحملت رطبا فصعدوا على النخلة فصرموا ما فيها فكفاهم. أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين (ع) قال: كان الحسن بن علي جالسا فأتاه آت فقال: يا ابن رسول الله قد احترقت دارك، قال: لا ما احترقت، إذا أتاه آت فقال: يا ابن رسول الله قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتى ما شككنا انها ستحرق دارك، ثم ان الله صرفها عنها. واستغاث الناس من زياد إلى الحسن بن علي (ع) فرفع يده وقال: اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالا عاجلا انك على كل شئ قدير، قال: فخرج خراج في ابهام يمينه، يقال لها السلعه، وورم إلى عنقه فمات. ادعى رجل على الحسن بن علي (ع) الف دينار كذبا ولم يكن له عليه، فذهبا إلى شريح فقال للحسن: أتحلف ؟ قال: إن حلف خصمي أعطيه، فقال شريح للرجل قل بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، فقال الحسن: لا أريد مثل هذا، قل بالله ان لك علي هذا وخذ الالف، فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير، فلما قام خر إلى الارض ومات، فسئل الحسن عن ذلك فقال: خشيت انه لو تكلم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد ويحجب عنه عقوبة يمينه. أبو أسامة: ان الحسن بن علي (ع) حج ماشيا فتورمت قدماه، فقيل له: لو ركبت مركبا يسهل عليك الطريق فقال: لا تبالوا فانا إذا بلغنا المنزل يستقبلنا أسود بدهن ينفع الورم، فقالوا: نفديك بآبائنا وامهاتنا ليس من قبلنا منزل يباع فيه هذا، قال: لن نبلغ المنزل إلا بعد قدومه، فلم نسر إلا قليلا حتى قال: دونكم الرجل، فأتوه وسئل عن الدهن فقال: لمن تسألون ؟ فقالوا: للحسن بن علي، قال: ائتوني إليه، فلما أتوه قال: ما كنت أزعم ان الدهن يستدعى لاجلك ولي اليك حاجة أن تدعو لي لارزق ولدا برا تقيا فاني ودعت أهلي تمخض وكانت حاملا، فقال: يهب لك ولدا ذكرا سويا شيعيا، فكان كما قال، وأطلى رجليه بالدهن فبرأ باذن الله تعالى. محمد بن اسحاق في كتابه قال: ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مر أحد من خلق الله إجلالا له، فإذا علم قام ودخل بيته فمر الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشيا فما من خلق الله أحد رآه إلا نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي وقاص يمشي


[ 175 ]

أبو السعادات في الفضائل انه أملا الشيخ أبو الفتوح في مدرسة الناجية ان الحسن ابن علي (ع) كان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي امه فيلقي إليها ما حفظه، فلما دخل علي (ع) وجد عندها علما فيسألها عن ذلك فقالت، من ولدك الحسن، فتخفى يوما في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارنج عليه، فعجبت امه من ذلك فقال: لا تعجبين يا اماه فان كبيرا يسمعني واستماعه قد أوقفني، فخرج علي فقبله. وفي رواية: يا اماه قل بياني، وكل لساني، لعل سيدا يرعاني. الحسن بن أبي العلى عن جعفر بن محمد قال الحسن بن علي لاهل بيته: اني أموت بالسم كما مات رسول الله، فقال له أهل بيته: ومن الذي يسمك ؟ قال: جاريتي أو إمرأتي فقالوا له: اخرجها من ملكك عليها لعنة الله، فقال: هيهات من اخراجها ومنيتي على يدها مالي منها محيص ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها كان قضاء مقضيا وأمرا واجبا من الله، فما ذهبت الايام حتى بعث معاوية إلى امرأته قال: فقال الحسن: هل عندك من شربة لبن ؟ فقالت: نعم، وفيه ذلك السم بعث به معاوية، فلما شربه وجد مس السم في جسده فقال: يا عدوة الله قتلتيني قاتلك الله أما والله لا تصيبن مني خلفا ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيرا أبدا. اسماعيل بن ابان باسناده عن الحسن بن علي (ع) انه مر في مسجد رسول الله بحلقة فيها قوم من بني امية، فتغامزوا به، وذلك عند ما تغلب معاوية على ظاهر أمره فرآهم وتغامزهم به، فصلى ركعتين فقال: قد رأيت تغامزكم أما والله لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ولا سنة إلا ملكنا سنتين وانا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح وأنتم لا تركبون في سلطاننا ولا تشربون ولا تأكلون ولا تنكحون، فقال له رجل: فكيف يكون ذلك يا أبا محمد وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم، فقال: لانهم عادونا بكيد الشيطان وهو ضعيف وعاديناهم بكيد الله وكيد الله شديد. محمد الفتال النيسابوري في مؤنس الحزين بالاسناد عن عيسى بن الحسن عن الصادق قال بعضهم للحسن بن علي في احتماله الشدائد عن معاوية، فقال (ع) كلاما معناه: لو دعوت الله تعالى لجعل العراق شاما والشام عراقا وجعل المرأة رجلا والرجل إمرأة فقال الشامي: ومن يقدر على ذلك ؟ فقال (ع): انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال، فوجد الرجل نفسه إمرأة، ثم قال: وصارت عيالك رجلا وتقاربك وتحمل


[ 176 ]

عنها وتلد ولدا خنثى، فكان كما قال (ع)، ثم انها تابا وجاءا إليه فدعا الله تعالى فعادا إلى الحالة الاولى. وروى الحاكم في أماليه للحسن (ع): من كان يباء بجد فجدي الرسول أو كان يباء بام فان امي البتول أو كان يباء بزور فيزورنا جبرئيل. قال الشاعر: اليكم كل مكرمة تؤول * إذا ما قيل جدكم الرسول كفاكم من مديح الناس طرا * إذا ما قيل امكم البتول وانكم لآل الله حقا * ومنكم ذو الامانة جبرئيل فلا يبقي لما دحكم كلام * إذا تم الكلام فما يقول وقال أبو علي: من كان خالق هذا الخلق مادحه * فان ذلك شئ منه مفروغ فان اطل أو اقصر في مدايحه فليس بعد بلاغ الله تبليغ فصل: في علمه وفصاحة عليه السلام قال أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) نحن الذين نعم واعداؤنا الذين لا يعلمون وشيعتنا اولوا الالباب. وقيل للحسن بن علي (ع): ان فيك عظمة، قال: بل في عزة قال الله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). وقال واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك. محمد بن عمير عن رجاله عن أبي عبد الله عن الحسن بن علي (ع) قال: ان لله مدينتين احداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلى كل مدينة الف الف باب لكل باب مصراعان من ذهب، وفيهما سبعون الف لغة يتكلم كل واحد بخلاف لغة صاحبه وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي. سئل الحسن بن علي (ع) عن بدو الزكاة، فقال: ان الله تعالى أوحى إلى آدم أن زك عن نفسك يا آدم، قال: يا رب وما الزكاة ؟ قال: صل لي عشرة ركعات فصلى ثم قال: رب هذا الزكاة علي وعلى الخلق ؟ قال الله: هذه الزكاة عليك في الصلاة وعلى ولدك في المال من جمع من ولدك مالا. القاضي النعمان في شرح الاخبار بالاسناد عن عبادة بن الصامت، ورواه جماعة سأل اعرابي أبا بكر فقال: اني أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب علي ؟


[ 177 ]

فقال له: يا أعرابي أشكلت علي في قضيتك، فدله على عمر، ودله عمر على عبد الرحمن، فلما عجزوا قالوا: عليك بالاصلع، فقال أمير المؤمنين: سل أي الغلامين شئت، فقال الحسن: يا أعرابي ألك إبل ؟ قال: نعم، قال: فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول فما فضل منها فاهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه، فقال أمير المؤمنين: ان من النوق السلوب ومنها ما يزلق، فقال: ان يكن من النوق السلوب وما يزلق فان من البيض ما يمرق، قال فسمع صوت: معاشر الناس ان الذي فهم هذا الغلام هو الذي فهمها سليمان بن داود. من لا يحضره الفقيه انه استفتي (ع) عن جارية زفت إلى بيت رجل فوثبت عليها ضرتها وضبطتها بنات عم لها فافتضتها باصبعها، فقال (ع): التي افتضتها زانية عليها صداقها وجلد مائة، واللواتي ضبطنها مفتريات عليهن جلد ثمانين. الكليني في الكافي: انه جاء في حديث عمر بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) انه سئل الحسن عن إمرأة جامعها زوجها فقامت بحرارة جماعه فساحقت جارية بكرا وألقت النطقة إليها فحملت، فقال (ع): اما في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر لان الولد لا يخرج منها حتى يذهب عذرتها ثم ينتظر بها حتى تلد فيقام عليها الحد ويؤخذ الولد فيرد إلى صاحب النطفة وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم، قال: فاطلع أمير المؤمنين (ع) وهم يضحكون فقصوا عليه القصة، فقال: ما أحكم إلا ما حكم به الحسن. وفي رواية: لو ان أبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلا ما قال الحسن. من لا يحضره الفقيه عن ابن بابويه باسناده عن الرضا (ع): انه أتى عمر برجل وجد على رأسه قتيل وفي يده سكين مملوءة دما، فقال الرجل: لا والله ما قتلته ولا أعرفه وإنما دخلت بهذه السكين أطلب شاة لي عدمت من بين يدي فوجدت هذا القتيل، فأمر عمر بقتله، فقال الرجل القاتل: إنا لله وإنا إليه راجعون قد قتلت رجلا وهذا رجل آخر يقتل بسببي، فشهد على نفسه بالقتل، فأدركهم أمير المؤمنين وقال: لا يجب عليه القود إن كان قتل نفسا فقد أحيى نفسا ومن أحيى نفسا فلا يجب عليه قود، فقال عمر: سمعت رسول الله يقول: أقضاكم علي، وأعطى ديته من بيت المال وفي الكافي والتهذيب، أبو جعفر: ان أمير المؤمنين (ع) سأل فتوى ذلك الحسن فقال: يطلق كلاهما والدية من بيت المال، قال: ولم ؟ قال لقوله: (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا). أبو سنان عن رجل من أهل الكوفة: ان الحسن بن علي (ع) كلم رجلا فقال:


[ 178 ]

من أي بلد أنت ؟ قال: من الكوفة، قال: لو كنت بالمدينة لاريتك منازل جبرئيل من ديارنا. محمد بن سيرين: ان عليا (ع) قال لابنه الحسن: إجمع الناس، فاجتمعوا، فأقبل وخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: أيها الناس ان الله اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصه الله من حقه، في عاجل دنياه وآخرته، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة (ولتعلمن نبأه بعد حين) ثم نزل فجمع بالناس وبلغ أباه فقبل بين عينيه ثم قال: بأبي وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. العقد عن ابن عبد ربه الاندلسي، وكتاب المدائني أيضا انه قال عمرو بن العاص لمعاوية: لو أمرت الحسن بن علي يخطب على المنبر فلعله حصر فيكون ذلك وضعا له عند الناس، فأمر الحسن بذلك، فلما صعد المنبر تكلم وأحسن ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب أنا ابن أول المسلمين إسلاما وامي فاطمة بنت رسول الله أنا ابن البشير النذير أنا ابن السراج المنير أنا ابن من بعث رحمة للعالمين. وفي رواية ابن عبد ربه: لو طلبتم ابنا لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي. فناداه معاوية يا أبا محمد حدثنا بنعت الرطب، أراد بذلك ان يخجله ويقطع بذلك كلامه، فقال: نعم تلفحه الشمال وتخرجه الجنوب وتنضجه الشمس ويطيبه القمر. وفي رواية المدائني: الريح تنفحه والحر ينضجه والليل يبرده ويطيبه وفي رواية المدايني فقال عمرو: أبا محمد هل تنعت الخرأة ؟ قال: نعم تبعد الممشى في الارض الصحصح حتى تتوارى من القوم ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تمسح باللقمة والرمة، يريد العظم والروث، ولا تبل في الماء الراكد. المنهال بن عمرو: ان معاوية سأل الحسن أن يصعد المنبر وينتسب فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فسأبين له نفسي بلدي مكة ومنى، وأنا ابن المروة والصفا، وأنا ابن النبي المصطفى، وأنا ابن من علا الجبال الرواسي، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياء، أنا ابن فاطمة سيدة النساء، أنا ابن قليلات العيوب نقيات الجيوب. وأذن الموذن فقال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله، فقال لمعاوية: محمد أبي أم أبوك ؟ فان قلت ليس بأبي فقد كفرت وإن قلت نعم فقد أقررت، ثم قال: أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها وأصبحت العجم تعرف حق العرب بأن محمدا منها يطلبون حقنا ولا يردون الينا حقنا. وكتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أول قطرة دم وقعت على الارض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة فلم يعلم ذلك. فاستغاث بالحسن بن علي (ع) فقال: ظهر الكعبة، ودم


[ 179 ]

حواء، وأرض البحر حين ضربه موسى. وعنه (ع) في جواب ملك الروم: ما لا قبلة له فهي الكعبة، وما لا قرابة له فهو الرب تعالى. وسأل شامي الحسن بن علي فقال، كم بين الحق والباطل ؟ فقال: أربع اصابع، فما رأيت بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنك باطلا كثيرا. وقال: كم بين الايمان واليقين ؟ فقال: أربع اصابع، الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه. وقال: كم بين السماء والارض ؟ قال: دعوة المظلوم، ومد البصر. قال: كم بين المشرق والمغرب ؟ قال: مسيرة يوم للشمس. أبو المفضل الشيباني في أماليه، وابن الوليد في كتابه بالاسناد عن جابر بن عبد الله قال: كان الحسن بن علي قد ثقل لسانه وأبطأ كلامه، فخرج رسول الله في عيد من الاعياد وخرج معه الحسن بن علي فقال النبي: الله اكبر يفتتح الصلاة، فقال الحسن الله اكبر، قال: فسر بذلك رسول الله فلم يزل رسول الله يكبر والحسن معه يكبر حتى كبر سبعا، فوقف الحسن عند السابعة، فوقف رسول الله عندها، ثم قام رسول الله إلى الركعة الثانية فكبر الحسن حتى بلغ رسول الله خمس تكبيرات فوقف الحسن عند الخامسة، فصار ذلك سنة في تكبير صلاة العيدين. وفي رواية انه كان الحسين. كتاب ابراهيم قال بعض اصحاب الحسن (ع) مرفوعا الطلق للنساء إنما بكون سرة المولود متصلة بسرة امه فتقطع فيؤلمها. قال ابن حماد: يا ابن النبي المصطفى * وابن الوصي المرتضى يا ابن البتول فاطم ال‍ * زهراء سيدة النسا يا ابن الحطيم وزمزم * وابن المشاعر والصفا يا ابن السماحة والندى * وابن المكارم والنهى وقال ابن المقلد الشيرازي أو شرف الدولة: سلام على اهل الكساء هداتي * ومن طاب محياي بهم ومماتي بني البيت والركن المخلق من منى * بني النسك والتقديس والصلوات بني الرشد والتوحيد والصدق والهدى * بني البر والمعروف والصدقات بهم محص الرحمن عظم جرائمي * وضاعف لي في حبهم حسناتي


[ 180 ]

ولولاهم لم يزك لي عمل ولا * تقبل صومي خالقي وصلاتي محبتهم لي حجة وولاهم * الاقي به الرحمن عند وفاتي فصل: في مكارم أخلافه عليه السلام اما زهده ما جاء في روضة الواعظين عن الفتال ان الحسن بن علي (ع) كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال: حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان (ع) إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد اتاك المسئ فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم. الفايق: ان الحسن (ع) كان إذا فرغ من الفجر لم يتكلم حين تطلع الشمس وان زحزح، أي وإن اريد تنحيه من ذلك باستنطاق ما يهم. قال الصادق (ع): ان الحسن بن علي (ع) حج خمسة وعشرين حجة ماشيا وقاسم الله تعالى ماله مرتين. وفي خبر: قاسم ربه ثلاث مرات وحج عشرين حجة على قدميه. أبو نعيم في حلية الاولياء بالاسناد عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي (ع) قال الحسن: اني لاستحيي من ربى ان القاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. وفي كتابه بالاسناد عن شهاب بن عامر: ان الحسن بن علي قاسم الله تعالى ماله مرتين حتى تصدق بفرد لعله. وفي كتابه بالاسناد عن ابى نجيح ان الحسن بن علي حج ماشيا وقسم ماله نصفين. وفي كتابه بالاسناد عن علي بن جذعان قال: خرج الحسن بن علي من ماله مرتين وقاسم الله ماله ثلاث مرات حتى ان كان ليعطى نعلا ويمسك نعلا ويعطى خفا ويمسك خفا. وروى عبد الله بن عمر عن ابن عباس قال: لما اصيب معاوية قال: ما آسي على شئ إلا على ان احج ماشيا، ولقذ حج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا وان النجايب لتقاد معه وقد قاسم الله ماله مرتين حتى ان كان ليعطى النعل ويمسك النعل ويعطى الخف ويمسك الخف. وروي انه دخلت عليه امرأة جميلة وهو في صلاته فأوجز في صلاته ثم قال لها: ألك حاجة ؟ قالت: نعم، قال: وما هي ؟ قالت قم فأصب مني فاني وفدت ولا بعل لي، قال: اليك عني لا تحرقيني بالنار ونفسك، فجعلت تراوده عن نفسه وهو يبكي ويقول: ويحك اليك عني، واشتد بكاؤه، فلما رأت ذلك بكت لبكائه فدخل الحسين


[ 181 ]

ورأهما ببكيان فجلس يبكي وجعل اصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الاصوات، فخرجت الاعرابية، وقام القوم وترحلوا ولبث الحسين بعد ذلك دهرا لا يسأل اخاه عن ذلك إجلالا، فبينما الحسن ذات ليلة نائما إذا استيقظ وهو يبكي فقال له الحسين: ما شأنك ؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة، قال: وما هي ؟ قال: لا تخبر احدا ما دمت حيا، قال: نعم، قال: رأيت يوسف فجئت انظر إليه فيمن نظر فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال: ما يبكيك يا أخي بأبى انت وامي ! فقلت ذكرت يوسف وامرأة العزيز وما ابتليت به من امرها وما لقيت من السجن وحرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك وكنت أتعجب منه، فقال يوسف: فهلا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالابواء. عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخل الحسن بن علي الفرات في بردة كانت عليه قال فقلت له: لو نزعت ثوبك، فقال لي: يا أبا عبد الرحمن ان للماء سكانا. وللحسين بن علي: ذري كدر الايام ان صفاءها * تولى بأيام السرور الذواهب وكيف يعز الدهر من كان بينه * وبين الليالي محكمات التجارب وله أيضا (ع): قل للمقيم بغير دار اقامة * حان الرحيل فودع الا حبابا ان الذين لقيتهم وصحبتهم * صاروا جميعا في القبور ترابا وله أيضا (ع): يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * ان المقام بظل زايل حمق وله أيضا (ع): لكسرة من خسيس الخبز تشبعني * وشربة من قراح الماء تكفيني وطمرة من رقيق الثوب تسترني * حيا وإن مت تكفيني لتكفيني وقال الكميت: وفي حسن كانت مصاديق لاسمه * أراب لصدعيها المهيمن مراب وحزم وعزم في عفاف وسؤود * إلى منصب لا مثله كان منصب وقال المهذب البصري: خيرة الله في العباد ومن يع‍ * ضد ياسين فيهم طاسين والالى لا تقر منهم جنوب * في الدياجي ولا تنام عيون


[ 182 ]

ولهم في القرآن في غسق الليل * إذا طرب السفيه حنين وبكاء ملء العيون غزير * وتكاد الصخور منه تلين (ومن سخائه عليه السلام) ما روي انه سأل الحسن بن علي رجل فأعطاه خمسين الف دينار وقال: إئت بحمال يحمل لك، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه فقال: هذا كري الحمال. وجاءه بعض الاعراب فقال: اعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون الف درهم، فدفعها إلى الاعرابي، فقال الاعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي، فأنشأ الحسن (ع): نحن اناس نوالنا خضل * يرتع فيه الرجاء والامل تجود قبل السؤال أنفسنا * خوفا على ماء وجه من يسل لو علم البحر فضل نائلنا * لغاض من بعد فيضه خجل أبو جعفر المدائني في حديث طويل: خرج الحسن والحسين و عبد الله بن جعفر حجاجا ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا فرأوا في بعض الشعوب خباءا رثا وعجوزا فاستسقوها فقالت: اطلبوا هذه الشويهة، ففعلوا واستطعموها فقالت: ليس إلا هي فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما، فذبحها أحدهم ثم شوت لهم من لحمها وأكلوا وقيلوا عندها، فلما نهضوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنا فانا صانعون لك خيرا، ثم رحلوا، فلما جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضربا، ثم مضت الايام فأضرب بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فبصر بها الحسن عليه السلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها الف دينار وبعث معها رسولا إلى الحسين فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد اله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد الله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك. البخاري: وهب الحسن بن علي لرجل ديته، وسأله رجل شيئا فأمر له بأربعمائة درهم فكتب له بأربعمائة دينار، فقيل له في ذلك فأخذه وقال: هذا سخاؤه، وكتب عليه بأربعة آلاف درهم. وسمع (ع) رجلا إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم. ودخل عليه جماعة وهو يأكل فسلموا وقعدوا فقال (ع): هلموا فانما وضع الطعام ليؤكل. ودخل الغاضري عليه فقال: اني عصيت رسول الله، فقال: بئس ما عملت، كيف ؟ قال قال صلى الله عليه وآله: لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة وقد ملكت علي امرأتي وأمرتني أن أشتري عبدا فاشتريته فأبق مني، فقال (ع): إختر أحد ثلاثة، ان


[ 183 ]

شئت فثمن عبد، فقال: ههنا ولا تتجاوز قد اخترت، فأعطاه ذلك. فضائل العكبري بالاسناد عن أبي اسحاق: ان الحسن بن علي تزوج جعدة بنت الاشعث بن قيس على سنة النبي وأرسل إليها الف دينار. تفسير الثعلبي، وحلية أبي نعيم قال محمد بن سيرين: ان الحسن بن علي تزوج امرأة فبعث إليها مائة جارية مع كل جارية الف درهم. الحسن بن سعيد عن أبيه قال: كان تحت الحسن بن علي امرأتان تميمية وجعفية فطلقهما جميعا وبعثني اليهما وقال: اخبرهما فليعتدوا واخبرني بما تقولان ومتعهما العشرة الآلاف وكل واحدة منهما بكذا وكذا من العسل والسمن فأتيت الجعفية فقلت: اعتدي، فتنفست الصعداء ثم قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، واما التميمية فلم تدر ما اعتدت حتى قال لها النساء فسكتت، فأخبرته بقول الجعفية فنكت في الارض ثم قال: لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها. وقال أنس: حيث جارية للحسن بن علي بطاقة ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله، فقلت له في ذلك فقال: أدبنا الله تعالى فقال (إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) الآية، وكان أحسن منها اعتاقها. وللحسن بن علي (ع): ان السخاء على العباد فريضة * لله يقرأ في كتاب محكم وعد العباد الاسخياء جنانه * وأعد للبخلاء نار جهنم من كان لا تندبى يداه بنائل * للراغبين فليس ذاك بمسلم وله ايضا (ع): خلقت الخلائق من قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل فاما السخي ففي راحة * وأما البخيل فحزن طويل (ومن همته (ع) ما روي انه قدم الشام أي عند معاوية فأحضر بارنامجا بحمل عظيم ووضع قبله، ثم ان الحسن لما أراد الخروج خصف خادم نعله فأعطاه البارنامج وقد معاوية المدينة فجلس في أول يوم يجيز من دخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة الف، فدخل عليه الحسن بن علي (ع) في آخر الناس فقال: أبطأت يا أبا محمد فلعلك أدت تبخلني عند قريش فانتظرت يفنى ما عندنا، يا غلام اعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا، يا أبا محمد وأنا ابن هند، فقال الحسن (ع): لا حاجة لي فيها يا أبا عبد الرحمن ورددتها وأنا ابن فاطمة بنت محمد رسول الله. قال المتنبي: ويعظم في عين الصغير صغيرها * ويصغر في عين العظيم العظايم المبرد في الكامل قال مروان بن الحكم: اني مشغوف ببغلة الحسن بن علي، فقال


[ 184 ]

له ابن أبي عتيق: إن دفعتها اليك تقضي لي ثلاثين حاجة ؟ قال: نعم، قال: إذا اجتمع الناس فانى آخذ في مآثر قريش وأمسك عن مآثر الحسن فلمني على ذلك، فلما حضر القوم أخذ في أولية قريش، فقال مروان: ألا تذكر أولية أبي محمد وله في هذا ما ليس لاحد، قال: إنما كنا في ذكر الاشراف ولو كنا في ذكر الاولياء لقدمنا ذكره، فلما خرج الحسن ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وتبسم: ألك حاجة ؟ قال: نعم ركوب البغلة، فنزل الحسن (ع) ودفعها إليه. (ان الكريم إذا خادعته انخدعا). (ومن حلمه عليه السلام) ما روى المبرد وابن عائشة ان شاميا رآه راكبا فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه وضحك وقال: أيها الشيخ أظنك غريبا ولعلك شبهت فلو استعتبتنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك ولو استرشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك وإن كنت جائعا أشبعناك وإن كنت عريانا كسوناك وإن كنت محتاجا أغنياك وإن كنت طريدا آوبناك وإن كان لك حاجة قضيناها لك فلو حركت رحلك الينا وكن ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كبيرا، فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد انك خليفة الله في أرضه الله أعلم حيث يجعل رسالانه وكنت انت وابوك ابغض خلق الله إلي والآن انت احب خلق الله إلي، وحول رحله إليه وكان ضيفه إلى ان ارتحل وصار معتقدا لمحبتهم. المناقب عن ابي اسحاق العدل في خبر: ان مروان بن الحكم خطب يوما فذكر علي بن ابى طالب فنال منه والحسن بن علي جالس، فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان وقال: يا ابن الزرقاء أنت الواقع في علي، في كلام له، ثم دخل على الحسن فقال: تسمع هذا يسب أباك فلا تقول له شيئا ! فقال: وما عسيت ان اقول لرجل مسلط يقول ما شاء ويفعل ما شاء. وروي ان الحسن (ع) لم يسمع قط منه كلمة فيها مكروه إلا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض فقال له الحسن: ليس لعمرو عندنا إلا ما يرغم انفه. قال الجمانى: تراث لهم من آدم ومحمد * إلى الثقلين من وصي ومصحف فجازوا أباهم عنهم كيف شئتم * تلافوا لديه النصف من خير منصف


[ 185 ]

وقال العونى: قوم هم حجج الله الجليل وهم * فلك النجاة لمن والاهم وصلوا قوم محبتهم فرض وبغضهم * كفر لام الذي يشناهم الهبل ولو بهم قيست الدنيا وزينتها * بمثلها عدد ما مثلهم عدلوا اخلص محبة أهل البيت ان بهم * يوم القيامة تخلص أيها الرجل فصل: في سيادته عليه السلام جابر الانصاري قال النبي: من سره ان ينظر إلى سيد شباب اهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي. وفي حديث عبد الله بن بريدة عن ابن عباس قال: انطلقنا مع النبي فنادى على باب فاطمة ثلاثا فلم يجبه احد فمال إلى حايط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن وقد غسل وجهه وعلقت عليه سبحة قال: فبسط النبي يده ومدها ثم ضم الحسن إلى صدره وقبله وقال: ان ابني هذا سيد لعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين. المحاضرات عن الراغب، روى أبو هريرة وبريدة: رأيت النبي يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرة والى الحسن مره وقال: ان ابني هذا سيصلح الله به فئتين من المسلمين، ورواه البخاري، والخطيب، والخركوشي، والسمعاني. وروى البخاري، والموصلي، وابو السعادات، والسمعاني، قال اسماعيل بن خالد لابي جحيفة: رأيت رسول الله قال نعم وكان الحسن يشبهه. أبو هريرة قال: دخل الحسن بن علي وهو مغتم فظننت ان رسول الله قد بعث. الغزالي والمكي، في الاحياء، وقوت القلوب قال النبي للحسن: أشبهت خلقي وخلقي. قال البختري: وشبيه النبي خلقا وخلقا * ونسيب النبي جدا فجدا وقال ابن حماد: إمام ابن الامام أخو إمام * تخطفه الردا واليه اما شبيه محمد خلقا وخلقا * وحيدرة الرضى فهما وعلما ودعا امير المؤمنين (ع) محمد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له: اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب فمنعوه بنوضبة، فلما رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده وقده قصد الجمل وطعنه برمحه ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم فتمغر وجه محمد من ذلك، فقال امير المؤمنين لا تأنف فانه ابن النبي وانت ابن علي. وطاف الحسن بن علي (ع) بالبيت فسمع رجلا يقول: هذا ابن فاطمة الزهراء فالتفت إليه فقال: قل علي بن ابى طالب فأبى خير من امي. وتفاخرت قريش


[ 186 ]

والحسن بن علي حاضر لا ينطق فقال معاوية: يا أبا محمد ما لك تنطق ؟ فو الله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان، قا الحسن: ما ذكروا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال: فيم الكلام وقد سبقت مبرزا * سبق الجواد من المدى المتنفس اخبار ابن ابي حاتم: ان معاوية فخر يوما فقال: انا ابن بطحاء مكة انا ابن اعززها جودا، واكرمها جدودا، انا ابن ساد قريشا فضلا ناشيا وكهلا. فقال الحسن بن علي: أعلي تفخر يا معاوية ! أنا ابن عروق الثرى، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفايق، أنا ابن من طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبى تباهيني به ؟ وقديم كقديمي تساميني به ؟ تقول نعم أو لا ؟ قال معاوية: بل أقول لا وهي لك تصديق. فقال الحسن (ع): الحق أبلج ما يحيل سبيله * والحق يعرفه ذوو الالباب وقال معاوية للحسن بن علي: أنا أخير منك يا حسن، قال: وكيف ذاك يا ابن هند قال: لان الناس قد أجمعوا علي ولم يجمعوا عليك، قال: هيهات هيهات لشر ما علوت يا ابن آكلة الاكباد المجتمعون عليك رجلان بين مطيع ومكره، فالطايع لك عاص لله، والمكروه معذور بكتاب الله وحاشى لله أن أقول أنا خير منك فلا خير فيك ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل. قال الحميري: مجبر قال لدينا عدد * وجميع من جماهير البشر قلت ذم الله ربي جمعكم * وبه تنطق آيات الزبر من زها سبعين الف برة * وسواها في عذاب وسعر كتاب الشيرازي، روى سفيان الثوري عن واصل عن الحسن عن ابن عباس في قوله: (وشاركهم في الاموال والاولاد) انه جلس الحسن بن علي (ع) ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان من الرطب فقال يزيد: يا حسن انى منذ كنت أبغضك قال الحسن: إعلم يا يزيد ان ابليس شارك اباك في جماعة فاختلط الماء ان فأورثك ذلك عداوتي لان الله تعالى يقول: (وشاركهم في الاموال والاولاد) وشارك الشيطان


[ 187 ]

حربا عند جماعه فولد له صخر فلذلك كان يبغض جدي رسول الله. قال ابن حماد: كم بين مولود أبوه وامه * قد شاركا في حمله الشيطانا ومطهر لم يجعل الرحمن لل‍ * شيطان في شرك به سلطانا وهرب سعيد بن سرح من زياد إلى الحسن بن علي فكتب الحسن إليه يشفع فيه فكتب زياد: من زياد بن سفيان إلى الحسن بن فاطمة، اما بعد فقد أتانى كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وانت طالب حاجة وانا سلطان وانت سوقة، وذكر نحوا من ذلك فلما قرأ الحسن الكتاب تبسم وانفذ بالكتاب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى زياد يؤنبه ويأمره ان يخلي عن اخي سعيد وولده وامرأته ورد ماله وبناء ما قد هدمه من داره ثم قال: واما كتابك إلى الحسن باسمه واسم امه لا تنسبه إلى ابيه وامه بنت رسول الله وذلك افخر له ان كنت تعقل. كتاب الفنون عن احمد بن المؤدب، ونزهة الابصار عن ابن مهدي: انه مر الحسن بن علي (ع) على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الارض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له: هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغدا، قال: فنزل وقال (ان الله لا يحب المستكبرين) وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا والزاد على حاله ببركته ثم دعاهم إلى ضيافته واطعمهم وكساهم. وذكروا ان الحسن بن علي دخل على معاوية يوما فجلس عند رجله وهو مضطجع فقال له: يا ابا محمد ألا اعجبك من عائشة تزعم انى لست للخلافة أهلا، فقال الحسن: واعجب من هذا جلوسي عند رجلك وانت نائم، فاستحيى معاوية واستوى قاعدا واستعذره. وفي العقد ان مروان بن الحكم قال للحسن بن علي (ع) بين يدي معاوية: اسرع الشيب إلى شاربك يا حسن، ويقال ان ذلك من الخرق. فقال (ع) ليس كما بلغك ولكنا معشر بني هاشم طيبة افواهنا، عذبة اشفاهنا، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن، وانتم معشر بني امية فيكم نجر شديد، فنساؤكم يصرفن افواههن وانفاسهن إلى اصداغكم فانما يشيب منكم موضع العذار من اجل ذلك. قال مروان: اما ان فيكم يا بني هاشم خصلة سوء، قال: وما هي ؟ قال: الغلمة، قال: أجل نزعت


[ 188 ]

من نسائنا ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم فما قام لاموية إلا هاشمي، ثم خرج يقول: ومارست هذا الدهر خمسين حجة * وخمسا ارجي قابلا بعد قابل فما انا في الدنيا بلغت جسيمها * ولا في الذي اهوى كدحت بطايل وقد اشرعتني في المنايا اكفها * وايقنت انى رهن موت معاجل وقال الحسن بن علي (ع) لحبيب بن مسلمة الفهري: رب مسير لك في غير طاعة، قال: اما مسيري إلى ابيك فلا، قال: بلى ولكنك اطعت معاوية على دنيا قليلة ولئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك فلو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كنت كما قال الله عزوجل: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) ولكنك كما قال: (بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). وقيل لمجنون: الحسن كان افضل أم الحسين ؟ فقال: الحسن لقوله (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) ولم يقل حسينة. قال المرتضى: وعهدت منك ولاية لمعاشر * لهم المعاد وحكمه والمحشر قوم لمن شاؤا هنالك قدموا * في الفائزين ومن أشاؤا اخروا وبحبهم من في الجنان مخلد * ولاجلهم سقي الظماء الكوثر فصل: في محبة النبي اياه روى أو علي الجبائي في مسند ابى بكر بن ابى شيبة عن ابن مسعود، وروى عبد الله بن شداد عن ابيه، وابو يعلى الموصلي في المسند عن ثابت البناني عن انس، و عبد الله بن شيبة عن ابيه: انه دعي النبي إلى صلاة والحسن متعلق به فوضعه النبي مقابل جنبه وصلى فلما سجد اطال السجود فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنما يوحى اليك فقال: لو يوح إلي ولكن ابني كان على كتفي فكرهت ان اعجله حتى نزل، وفي رواية عبد الله بن شداد انه صلى الله عليه وآله قال: ان ابني هذا ارتحلني فكرهت ان اعجله حتى يقضي حاجته. الحلية بالاسناد عن ابى بكرة قال: كان النبي يصلي بنا وهو ساجد فيجئ الحسن وهو صبي صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقا، فلما صلى صلاته قالوا: يا رسول الله انك لتصنع بهذا الصبي شيئا لم تصنعه بأحد فقال: ان هذا ريحانتي الخبر. وفيها عن ابي هريرة قال: ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعا وذلك انه أتى يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله فجعل يقول بيده هكذا في لحية رسول الله يفتح فمه ثم يدخل فيه ويقول: اللهم انى احبه فأحبه وأحب من يحبه، يقولها ثلاث مرات، وفيها عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله واضعا للحسن على عاتقه فقال: من احبني فليحبه.


[ 189 ]

سنن ابن ماجة، وفضائل احمد روى نافع عن ابن جبير عن ابي هريرة انه صلى الله عليه وآله قال: اللهم انى احبه فأحبه واحب من يحبه، قال: وضمه إلى صدره. مسند احمد عن ابي هريرة قال النبي وقد جاءه الحسن وفي عنقه السخاب فالتزمه رسول الله والتزم هو رسول الله وقال: اني احبه فأحبه واحب من يحبه، ثلاث مرات، اخرجه ابن بطة بروايات كثيرة. عبد الرحمن بن ابي ليلى: كنا عند النبي فجاء الحسن فأقبل يتمرغ عليه فرفع قميصه وقيل زبيبه. وعن أبي قتادة: ان النبي قبل الحسن وهو يصلي. الخدري: ان الحسن جاء والنبي يصلي فأخذ بعنقه وهو جالس فقام النبي وانه ليمسك بيديه حتى ركع. فضائل عبد الملك، قال أبو هريرة: كان النبي يقبل الحسن فقال الاقرع بن حابس: ان لي عشرة من الولد ما قبلت احدا منهم، فقال صلى الله عليه وآله: من لا يرحم لا يرحم. مسند العشرة، وابانة العكبري، وشرف النبي، وفضائل السمعاني، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض، عن عمير بن اسحاق قال: رأيت ابا هريرة في طريق قال للحسن بن علي: أرني الموضع الذي قبله النبي، قال: فكشف عن بطنه فقبل سرته. الواعظ في شرف النبي، والسمعاني في فضائل الصحابة، وجماعة من اصحابنا في كتبهم عن هاني بن هاني عن امير المؤمنين، وعن علي بن الحسين، وعن اسماء بنت عميس، واللفظ لها قالت: لما ولدت فاطمة الحسن جاءني النبي فقال: يا اسماء هاتى ابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال يا اسماء ألم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه فأذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، ثم قال لعلي: اي شئ سميت ابني هذا ؟ قال ما كنت لاسبقك باسمه يا رسول الله وقد كنت احب ان اسميه حربا فقال: انا لا اسبق باسمه ربي ثم هبط جبرئيل فقال: السلام عليك يا محمد العلي الاعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون، قال: وما اسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ قال: شبر، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسن فسماه الحسن، فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبشين املحين واعطى القابلة فخذا وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية، قالت فلما ولد الحسين فعل مثل ذلك. الباقر (ع) فوزنه فكان وزنه درهما ونصفا، يعني شعر الحسين وقت الولادة أبو هريرة، وابن عباس، والصادق (ع): ان فاطمة عادت رسول الله عند مرضه


[ 190 ]

الذي عوفي منه ومعها الحسن والحسين فأقبلا يغمزان مما يليهما من يد رسول الله حتى اضطجعا على عضديه وناما، فلما انتبها خرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق وقد أرخت السماء عزاليها فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ويتحدثان حتى أتيا حديقة بني النجار فاضطجعا وناما، فانتبه النبي من نومه وطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه فقام على رجليه وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة اللهم أنت وكيلي عليهما اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما، فنزل جبرئيل وقال: ان الله يقرؤك السلام ويقول لك: لا تحزن ولا تغتم لهما فانهما فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما أفضل منهما هما نائمان في حديقة بني النجار وقد وكل الله بهما ملكا فسطع للنبي نور فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بنى النجار فإذا هما نائمان والحسن معانق الحسين وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق وهي تمطر كأشد مطر وقد منع الله المطر منهما وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كآجام القصب وجناحان جناح قد غطت به الحسن وجناح قد غطت به الحسن فانسابت الحية وهي تقول: اللهم اني اشهدك واشهد ملائكتك ان هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين، فمكث النبي يقبلهما حتى انتبها، فلما استيقظا حمل النبي الحسن وحمل جبرئيل الحسين، فقال أبو بكر: ادفعهما الينا فقد أثقلاك، فقال: اما أحدهما على جناح جبرئيل والآخر على جناح ميكائيل، فقال عمر: ادفع إلي أحدهما اخفف عنك، فقال: امض فقد سمع الله كلامك وعرف مقامك، فقال أمير المؤمنين ادفع إلى أحد شبلي وشبليك، فالتفت إلى الحسن فقال: يا حسن هل تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال: والله يا جداه ان كتفك أحب إلي من كتف أبي، ثم التفت إلى الحسين فقال: يا حسين تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال: أنا أفول كما قال أخي، فقال رسول الله نعم المطية مطيتكما ونعم الراكبان أنتما، فلما أتى المسجد قال: والله يا حبيبي لاشرفنكما بما شرفكما الله، ثم أمر مناديا ينادي به المدينة، فاجتمع الناس في المسجد فقام وقال: يا معشر الناس ألا ادلكم على خير الناس جدا وجدة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، فان جدهما محمد وجدتهما خديجة. ثم قال: يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس اما وابا ؟ وهكذا عما وعمة، وخالا وخالة. وقد روى الخركوشي في شرف النبي عن هارون الرشيد عن آبائه عن ابن عباس هذا المعنى فنظمه الصقر البصري: هذا ابن خلاد روى عن شيخه * أعين به أبي سويد الدارعا


[ 191 ]

مما روى المأمون ان رشيدهم * يروى عن الهادي حديثا شايعا مما روى المهدي عن منصورهم * عن ابن عباس الاديب البارعا حتى اجتمعنا عند أكرم مرسل * يوما وكان الوقت وقتا جامعا فأتته فاطمة البتول وعينها * من حرقة تنهل دمعا هامعا فارتاع والدها لفرط بكائها * لما استبان الامر منها رائعا فبكى وقال فداك أحمد ما الذي * يبكيك ما ألقاك ربك فاجعا قالت فقدت ابني يا أبتا وقد * صادفت فقدهما لقلبي صادعا فشجاة ما ذكرت فأقبل ساعة * متململا يدعو المهيمن ضارعا فإذا المطوف جبرئيل مناديا * ببشارة من ذي الجلال مسارعا الله يقرؤك السلام بجوده * ويقول لاتك يا حبيبي جازعا أدركهما بحديقة النجار قد * لعبا وقد نعسا بها وتضاجعا أرسلت من خدم الكرام اليهما * ملكا شفيقا للمكاره دافعا غطاهما منه جناحا وانثنى * بالرفق فوقهما وآخر واضعا فأتاهما خير البرية فاغتدى * بهما على كتفيه جهرا رافعا فأتاه ذو ملق ليحمل واحدا * عنه فقال له وراءك راجعا نعم المطي مطية حملتهما * منى ونعم الراكبان هما معا وأبوهما خير وأفضل منهما * شرفا لعمرك في المزية شافعا فصل: في تواريخه وأحواله عليه السلام ولد الحسن عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام احد سنة ثلاث من الهجرة، وقيل سنة اثنين، وجاءت فاطمة (ع) إلى النبي صلى الله عليه وآله يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة، وكان جبرئيل نزل بها إلى النبي فسماه حسنا وعق عنه كبشا، فعاش مع جده سبع سنين وأشهرا، وقيل ثمان سنين، ومع أبيه ثلاثين سنة وبعده تسع سنين، وقالوا عشر سنين، وكان ربع القامة، وله محاسن كثة وأصحابه أصحاب أبيه، ونوابه قيس بن ورقاء المعروف بسفينة، ورشيد الهجري، ويقال وميثم الثمار، وبويع بعد أبيه يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين. وكان أمير جيشة عبيد الله بن العباس، ثم قيس بن عبادة.


[ 192 ]

وكان عمره لما بويع سبعا وثلاثين سنة، فبقى في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة احدى وأربعين، وخرج الحسن إلى المدينة فأقام بها عشر سنين، وسماه الله تعالى الحسن، وسماه في التوراة شبرا، وكنيته أبو محمد وأبو القاسم، وألقابه: السيد، والسبط، والامير، والحجة، والبر، والتقي، والاثير والزكي، والمجتبى، والسبط الاول، والزاهد. وامه فاطمة بنت رسول الله، وظل مظلوما، ومات مسموما. وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية، فكان في سنى إمامته أول ملك معاوية فمرض اربعين يوما، ومضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وقيل سنة تسع واربعين. وعمره سبعة واربعون سنة واشهر، وقيل ثمان واربعون، وقيل في سنة تمام خمسين من الهجرة. وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد الاشعث الكندي، وهي ابنة ام فروة اخت ابي بكر بن ابي قحافة عشرة آلاف دينار واقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء وسواد الكوفة على ان تسم الحسن. وتولى الحسن تغسيله وتكفينه ودفنه. وقبره بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد. وأولاده ثلاثة عشر ذكرا وابنة واحدة: عبد الله، وعمر، والقاسم، امهم ام ولد، والحسين الاثرم، والحسن امهما خولة بنت منظور الفزارية، وعقيل، والحسن امهما ام بشير بنت أبي مسعود الخزرجية، وزيد، وعمر من الثقفية، و عبد الرحمن من ام ولد، وطلحة، وأبو بكر امهما ام اسحاق بنت طلحة التميمي، وأحمد، واسماعيل، والحسن الاصغر، ابنته ام الحسن فقط عند عبد الله، ويقال وام الحسين وكانتا من ام بشير الخزاعية، وفاطمة من ام اسحاق بنت طلحة، وام عبد الله، وام سلمة، ورقية لامهات اولاد. وقتل مع الحسين من أولاده: عبد الله، والقاسم، وابو بكر. والمعقبون من اولاده اثنان: زيد بن الحسن، والحسن بن الحسن. أبو طالب المكي في قوت القلوب انه عليه السلام تزوج مائتين وخمسين امرأة، وقيل ثلاثمائة، وكان علي يضجر من ذلك فكان يقول في خطبته: ان الحسن مطلاق فلا تنكحوه. أبو عبد الله المحدث في رامش اقزاي: ان هذه النساء كلهن خرجن خلف جنازته


[ 193 ]

حافيات. البخاري: لما مات الحسن بن الحسن بن علي (ع) ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت فسمعوا صايحا يقول: هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا، بنت عمه فاطمة بنت الحسين، وفي رواية غيرها انها أنشدت بيت لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر قال السيد المرتضى: يا آل خير عباد الله كلهم * ومن له مثل أعناق الورى المنن كم تثلمون بأيدي الناس كلهم * وكم تعرس فيكم دهرها المحن وكم يذودونكم عن حقكم حنقا * مملئ الصدر بالاحقاد مضطغن ان الذين نضوا عنكن تراثكم * لم يغبنوكم ولكن دينهم غبنوا باعوا الجنان بدار لا بقاء لها * وليس لله فيما باعه ثمن أحبكم والذي صلى الحجيج له * عند البناء الذي تهدن له البدن وأرتجيكم لما بعد الممات إذا * وارى عن الناس جمعا أعظم الجنن وان يضل أناس عن سبيلهم * فليس لي غير ما أنتم به سنن وما ابالي إذا ما كنتم وضحا * لناظري أضاء الخلق أم دجنوا وأنتم يوم ارمي ساعدي ويدي * وانتم يوم يرميني العدى الجنن وقال أبو عباس الضبي: حب النبي احمد * والآل فيه مجتري احنو عليهم ماحنا * على حياتي عمري اعدهم لمفخري * اعدهم لمحشري وكل وزري محبط * ما دام فيه وزري وردى إليهم صاديا * وليس عنهم صدري لعائن الله على * من ضل فيهم أثري لعائنا تتركهم * معالما للخبر فصل: في صلحه عليه السلام مع معاوية لما مات امير المؤمنين (ع) خطب الحسن (ع) بالكوفة فقال: ايها الناس ان الدنيا دار بلاء وفتنة، وكل ما فيها فالى زوال واضمحلال، فلما بلغ إلى قوله: وانى ابايعكم على ان تحاربوا من حاربت، وتسالموا من سالمت، فقال الناس: سمعنا واطعنا


[ 194 ]

فمرنا بأمرك يا إمام المؤمنين، فأقام بها شهرين. قال أبو مخنف: قال ابن عباس كلاما فيه فشمر في الحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك واستر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين وول أهل البيوتات والشرف والحرب خدعة وعلمت ان أباك إنما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية لانه آسى بينهم في العطاء، فرتب (ع) العمال وأنفذ عبد الله إلى البصرة فقصد معاوية نحو العراق، فكتب إليه الحسن: أما بعد فان الله تعالى بعث محمدا رحمة للعالمين فأظهر به الحق وقمع به الشرك وأعز به العرب عامة وشرف من شاء منها خاصة فقال وانه لذكر لك ولقومك فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الامر من بعده فقالت الانصار منا أمير ومنكم أمير فقالت قريش نحن أولياؤه وعشيرته فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش ثم جاحدتنا قريش ما عرفته العرب لهم وهيهات ما أنصفتنا قريش الكتاب. فأجابه معاوية على يدي جندب الازدي موصل كتاب الحسن (ع) فهمت ما ذكرت به محمدا صلى الله عليه وآله وهو أحق الاولين والآخرين بالفضل كلمه وذكرت لنازع المسلمين الامر من بعده فصرحت بنميمة فلان وفلان وأبي عبيدة وغيرهم فكرهت ذلك لك لان الامة قد علمت ان قريشا أحق بها وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بححق أبيك وقد خرج أبوك منه. ثم كتب: اما بعد فان الله يفعل في عبادة من يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على يدي رعاع الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة وان أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت وأجزت لك ما شرطت وأكون في ذلك كما قال أعشى بن قيس: وإن أحد أسدى اليك كرامة * فاوف بما يدعى إذا مت وافيا فلا تحسدوا المولى إذا كان ذاغنى * ولا تجفه إن كان للمال نائيا ثم الخلافة لك بعدي وأنت أولى الناس بها. وفي رواية: ولو كنت أعلم انك أقوى للامر وأضبط للناس وأكبت للعدو وأقوى على جمع الاموال مني لبايعتك لانني أراك لكل خير أهلا، ثم قال: ان أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأبيك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. فأجابه الحسن (ع): اما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت وتركت جوابك خشية البغي وبالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق فانك تعلم من أهله وعلى اثم ان أقول فاكذب.


[ 195 ]

واستنفر معاوية الناس، فلما بلغ جسر منبج بعث الحسن (ع) حجر بن عدي واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ثم خف معه أخلاط من شيعته ومحكمة وشكاك وأصحاب عصبية وفتن حتى أتى حمام عمر ثم أخذ على دير كعب، فنزل ساباط فلما أصبح نودي بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطب وقال تجربة لهم: أما بعد فو الله اني لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له بسوء ولا غائلة، ألا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا واني ناظر لكم خير من نظركم لانفسكم ولا تخالفوا أمري، ولا ترددوا على رأيي غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا. فقالوا: والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الامر إليه كفر والله الرجل كما كفر أبوه، فانتهبوا فسطاطه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ونزع مطرفه عبد الرحمن بن جعال الازدي وطعنه جراح بن سنان الاسدي في فخذه وقتل الجراح عبد الله بن خطل الطائي وظبيان بن عمارة فأطاف بن ربيعة وهمدان وهو على سرير حتى انزل على سعد بن مسعود الثقفي. وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوه من عسكره. وورد عليه كتاب قيس بن سعد وكان أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية وجعله أميرا وبعده قيس بن سعد يخبر انهم نازلوا معاوية بالحنونية، وان معاوية أرسل إلى عبيد الله يرغبه في المصير إليه وضمن له الف الف درهم يعجل له منها النصف والنصف الآخر عند دخوله الكوفة، فانسل عبيد الله إلى معاويه في الليل في خاصته وصلى بهم قيس وقال فيه ما قال، وكان يغره معاوية فقال لجنده: اختاروا أحد اثنين اما القتال مع الامام أو تبايعون بيعة ضلال، فاختاروا الحرب فحاربوا معاوية فقال معاوية: ان الحسن يصالحني فما هذا القتال، فكان أهل العراق يستأمنون معاوية ويدخلون عليه قبيلة بعد قبيلة، فازدادت بصيرة الحسن (ع) بنياتهم إذ كتب إليه معاوية في الصلح وأنفذ بكتب أصحابه، واشترط له على نفسه شروطا وعقودا فعلم الحسن احتياله واغتياله غير انه لم يجد بدا من إجابته، فقال الحسين: يا أخي اعيذك بالله من هذا فأبى. وأنفذ إلى معاوية عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فتوثق منه لتأكيد الحجة أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه والامر من بعده شورى وأن


[ 196 ]

يترك سب علي، وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض لاحد منهم، ويوصل إلى كل ذي حق حقه، ويوفر عليه حقه كل سنة خمسون الف درهم، فعاهده على ذلك معاوية وحلف بالوفاء به، وشهد بذلك عبد الرحمن بن الحارث، وعمرو بن أبي سلمة، و عبد الله بن عامر بن كريز، و عبد الرحمن بن أبي سمرة وغيرهم، فلما سمع ذلك قيس بن سعد قال: أتاني بأرض العال من أرض مسكن * بأن إمام الحق أحضى مسالما فما زلت مذ بينته متلددا * اراعي نجوما خاشع القلب واجما وروي انه قال الحسين عليه السلام في صلح معاوية: أيها الناس انكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابر صا رجلا جده رسول الله ما وجدتم غيري وغير أخي، وان معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الامة وحقن دمائها، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وقد رأيت أن اسالمه وأن يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الامر وان ادرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وفي رواية: إنما هادنت حقنا للدماء وصيانتها واشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي. وطعنكم إياي، وانتها بكم متاعي. قال ابن طوطي الواسطي: لقد باع دنياهم بدين معاشر * متى ما تبع دنياك بالدين يشتروا فان قال قوم كان في البيع خاسر * فللمشتري دنياه بالدين أخسر وقال محمد بن منصور: السيد الحسن الذي فاق الورى * علما وحلما سيد الشبان رقت طبيعته فجاد بأمرة * لما التوى وتجاذب الفتيان حقن الدماء لامة مرحومة * علما بما يأتي من الفتنان ودخل الحسين على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا، فقال له مواليه: ما هذا ؟ قال: أتعجب من دخولي على إمام اريد أن اعلمه فقلت: ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ! فقال الذي دعا أباك فيما تقدم. قال: فطلب معاوية البيعة من الحسين فقال الحسن يا معاوية لا تكرهه فانه لن يبايع أبدا أو يقتل ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام. قال: فنزل معاوية يوم الجمعة بالنخيلة فصلى بالناس ضخى النهار وقال في خطبته: اني والله ما اقاتلكم لتصلوا ولا تصوموا ولا تحجوا ولا تزكوا انكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لا تأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون واني منيت الحسن


[ 197 ]

وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي ولا أفي بشئ منها. قال الاصفهاني: وتجنبوا ولد الرسول وصيروا * عهد الخلافة في يدي خوان فطوى محاسنها وأوسع أهلها * منع الحقوق وواجب السمعان وقال المسيب بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي (ع): ما ينقضي تعجبنا منك بايعت معاوية ومعك أربعون الف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز ! فقال الحسن: كان ذلك فما ترى الآن ؟ فقال: والله أرى أن ترجع لانه نقض العهد، فقال: يا مسيب ان الغدر لا خير فيه ولو أردت لما فعلت، فقال حجر بن عدي: أما والله لوددت انك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم فانا رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فلما خلا به الحسن قال: يا حجر قد سمعت كلامك في مجلس معاوية وليس كل انسان يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك واني لم أفعل ما فعلت إلا ابقاء عليكم والله تعالى كل يوم هو في شان. وأ ؟ ؟ (ع) لما اضطر إلى البيعة: اجامل أقواما حيا و ؟ ؟ ؟ * قلوبهم تغلي علي مراضها وله (ع): لئن ساءني دهر عزمت تصبرا * وكل بلاء لا يدوم بسير وان سرني لم أبتهج بسروره * وكل سرور لا يدوم حقير تفسير الثعلبي، ومسند الموصلي، وجامع الترمذي واللفظ له، عن يوسف بن مازن الراسبي انه لما صالح الحسن بن علي عذل وقيل له: يا مذل المؤمنين ومسود الوجوه، فقال: لا تعذلوني فان فيها مصلحة. ولقد رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه يخطب بنو امية واحدا بعد واحد فحزن، فنزل جبرئيل بقوله: (إنا أعطيناك الكوثر) و (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وفي خبر عن أبي عبد الله (ع) فنزل: (أفرأيت ان متعناهم سنين) إلى قوله (يمنعون) ثم أنزل (إنا انزلناه) يعني جعل الله ليلة القدر لنبيه خيرا من الف شهر ملك بني امية. وعن سعيد بن يسار، وسهل بن سهل: ان النبي رأى في منامه ان قرودا تصعد في منبره وتنزل، فساءه ذلك واغتم به ولم ير بعد ذلك ضاحكا حتى مات. وهو المروي عن جعفر بن محمد (ع). مسند الموصلي: انه رأى في منامه خنازير تصعد في منبره، الخبر. وقال أبو القاسم ابن الفضل الحراني: عددنا ملك بني امية فكان الف شهر. قال شاعر:


[ 198 ]

لو انهم أمنوا أبدوا عداوتهم * لكنهم قمعوا بالذل فانقمعوا أليس في الف شهر قد مضت لهم * سقوكم جزعا من بعدها جزع قال: فلما دخل معاوية الكوفة وذكر عليا (ع) فنال منه ومن الحسن والحسين فقال الحسن: أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول الله وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قبيلة فلعنة الله على أخملنا ذكرا وألئمنا حسبا وشرنا قوما وأقدمنا كفرا ونفاقا. قال محمد بن الحسن الكلاعي الحميري: من جده خيرة البرايا * ان عدد الفاخر العلاء ومن ابوه الوصي أعلى * من دخل الجنة اعنلاء إذ شتت الشرك واستنارت * دلائل تكشف العماء وامه فضلت ففاقت * بفضلها في الورى النساء وعمه في الجنان اضحى * يطير منهن حيث شاء هذا واعظم بجدتيه فضلا واوسعهما نداء وقال نصر بن المنتصر: من ذا يدانيه إذا قيل له * من قاب قوسين من الله دنا سادت نساء العالمين امه * وساد في الخلد ابوه المرتجى نجل نبي العالمين المصطفى * وابن امير المؤمنين المرتضى من ذا له جد تعالى ذكره * بالله مقرونا إذا قام الندا من كالنبي والوصي والده * وزوجه وابنيه اصحاب العبا وقال ابن طوطى: بنفسي نفسا بالبقيع تغيب * ونور هدى في قبره ظل يقبر إمام هدى عف الخلائق ماجد * تقي نقي ذو عفاف مطهر أشد عباد الله بأسا لدى الوغى * واجلي لكشف الامر وهو معسر وازهد في الدنيا واطيب محتدا * واطعن دون المحصنات واغير


[ 199 ]

فصل: في المفردات الصادق (ع): ان امير المؤمنين كتب لابنه الحسن بعد انصرافه من صفين: اما بعد فاني وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا اصابك اصابني وكأن الموت لو اتاك اتاني، فعناني من امرك ما يعنيني من امر نفسي، فكتبت لك كتابي هذا إن انا بقيت أو فنيت فابي اوصيك بتقوى الله عزوجل ولزوم امره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وذكر الوصية. ونادى عبد الله بن عمر للحسن بن علي (ع) في ايام صفين وقال: ان لي نصحة، فلما برز إليه قال: ان أباك بغضة لعنة وقد خاض في دم عثمان فهل لك ان تخلعه نبايعك، فأسمعه الحسن ما كرهه، فقال معاوية: انه ابن أبيه. وفي الاحياء: انه خطب الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن الحارث بنته، فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه فقال: والله ما على وجه الارض من يمشي عليها أعز علي منك ولكنك تعلم ان ابنتي بضعة مني وانت مطلاق فأخاف ان تطلقها وان فعلت خشيت ان يتغير قلبي عليك لانك بضعة من رسول الله فان شرطت ان لا تطلقها زوجتك، فسكت الحسن وقام وخرج، فسمع منه يقول: ما اراد عبد الرحمن إلا ان يجعل ابنته طوقا في عنقي. وروى محمد بن سيرين انه خطب الحسن إلى منظور بن ريان ابنته خولة فقال: والله اني لانكحك واني لاعلم انك غلق طلق ملق غير انك اكرم العرب بيننا واكرمهم نفسا فولد منها الحسن بن الحسن. ورأى يزيد امرأة عبد الله بن عامر ام خالد بنت ابى جندل فهام بها وشكا ذلك إلى ابيه، فلما حضر عبد الله عند معاوية قال له: لقد عقدت لك على ولاية البصرة ولو لا ان لك زوجة لزوجتك رملة، فمضى عبد الله وطلق زوجته طمعا في رملة، فأرسل معاوية أبا هريرة ليخطب ام خالد ليزيد ابنه وبذل لها ما ارادت من الصداق فاطلع الحسن والحسين و عبد الله بن جعفر فاختارت الحسن فتزوجها. عبد الملك بن عمير، والحاكم، والعباس قالوا: خطب الحسن عائشة بنت عثمان فقال مروان: ازوجها عبد الله بن الزبير، ثم ان معاوية كتب إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره ان يخطب ام كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد فأبى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله: ان امرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها، فأخبر الحسين بذلك فقال: استخير الله تعالى، اللهم وفق لهذه


[ 200 ]

الجارية رضاك من آل محمد، فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله اقبل مروان حتى جلس إلى الحسين (ع) وعنده من الجلة وقال: ان امير المؤمنين امرني بذلك وان اجعل مهرها حكم ابيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيين مع قضاء دينه واعلم ان من يغبطكم بيزيد اكثر ممن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفوله وبوجهه يستسقى الغمام فرد خيرا يا ابا عبد الله. فقال الحسين (ع): الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه، إلى آخر كلامه ثم قال: يا مروان قد قلت فسمعنا، اما قولك مهرها حكم ابيها بالغا ما بلغ فلعمري لو اردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله في بناته ونسائه واهل بيته وهو اثنتا عشرة اوقية يكون اربعمائة وثمانين درهما، واما قولك مع قضاء دين ابيها فمتى كن نساؤنا يقضين عنا ديوننا، واما صلح ما بين هذين الحيين فانا قوم عاديناكم في الله ولم نكن نصالحكم للدنيا فلعمري فلقد أعيى النسب فكيف السبب، واما قولك العجب ليزيد كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جد يزيد، واما قولك ان يزيد كفو من لا كفو له فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئا، واما قولك بوجهه يستسقى الغمام فانما كان ذلك بوجه رسول الله، واما قولك من يغبطنا به اكثر ممن يغبطه بنا فانما يغبطنا به اهل الجهل ويغبطه بنا اهل العقل. ثم قال بعد كلام: فاشهدوا جميعا اني قد زوجت ام كلثوم بنت عبد الله ابن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال ارضى بالعقيق، وان غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لها غنى انشاء الله. قال: فتغير وجه مروان وقال: أغدرا يا بني هاشم تأبون إلا العداوة، فذكره الحسين خطبة الحسن عائشة وفعله ثم قال: فأين موضع الغدر يا مروان ؟ فقال مروان اردنا صهرك لنجد ودا * قد اخلقه به حدث الزمان فلما جئتكم فجبهتموني * وبحتم بالضمير من الشنان فأجابه ذكوان مولى بني هاشم: أماط الله منهم كل رجس * وطهرهم بذلك في المثاني فلما لهم سواهم من نظير ولا كفؤ هناك ولا مداني أيجعل كل جبار عنيد إلى الاخيار من اهل الجنان ثم انه كان الحسين (ع) تزوج بعائشة بنت عثمان.


[ 201 ]

وقال الحسن (ع): ان لله مدينتين احداهما في المشرق والاخرى في المغرب فيها خلق لله لم يهموا بمعصية الله تعالى قط والله ما فيهما ولا بينهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسين. فضائل السمعاني، وأبي السعادات، وتاريخ الخطيب، واللفظ للسمعاني: قال اسامة بن زيد: جاء الحسن بن علي (ع) إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله فقال: انزل عن مجلس أبي، قال: صدقت انه مجلس أبيك، ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما كان هذا عن أمري، قال: صدقتك والله ما اتهمتك وفي رواية الخطيب انه قال الحسين (ع) لعمر: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر ابيك، فقال عمر: لم يكن لابي منبر، قال (ع): فأخذني وأجلسني معه ثم سألني من علمك هذا ؟ فقلت: والله ما علمني أحد. ومن أصحابه عليه السلام: عبد الله بن جعفر الطيار، ومسلم بن عقيل، وعبيد الله ابن العباس، وحبابة بنت جعفر الوالبية، وحذيفة بن اسيد، والجارود بن أبي بشر، والجارود بن المنذر، وقيس بن أشعث بن سوار، وسفيان بن أبي ليلى الهمداني، وعمرو بن قيس المشرقي، وأبو صالح كيسان بن كليب، وأبو مخنف لوط بن يحيى الازدي، ومسلم بن بطين، وأبو رزين مسعود بن أبي وائل، وهلال بن يساف، وأبو اسحاق بن كليب السبيعي. وأصحابه من خواص أبيه مثل: حجر، ورشيد ورفاعة، وكميل، والمسيب وقيس، وابن وائلة، وابن الحمق، وابن أرقم، وابن صرد، وابن عقلة، وجابر، والدولي، وحبة، وعباية وجعيد، وسليم، وحبيب ابن قيس، والاحنف، والاصبغ، والاعور. مما لا يحصى كثرة. الحسن بن علي ميراثه في الحساب. قال الكميت: ووصي الوصي ذو الحطة الفصل * ومردي الخصوم يوم الخصام وقال ابن بابك: فأنتم للوصي البر نسل * وأنتم للنبي الطهر آل أبوكم حامل العزم المؤدي * وقد اردى على الرشد الضلال وامكم البتول وفي علي * غلا الغالون واتسع المقال أذل الشرك فاعتلت قواه * ومن ضرب على الجن الحجال فمشى الاسد في ربق المواشي وساق الربد تقطرها الحبال وقال مهيار: وإذا قريش طاولت بفخارها * في عصر ايمان وعهد فسوق


[ 202 ]

بنتم بما بانت على اخواتها * بمنى ليالي النحر والتشريق يتوارثون الارض ارث فريضة * ويملكون الناس ملك حقوق وقال سديف: أنتم يا بني علي ذووا الحق * وأهلوه والفعال الزكي بكم يهتدي من الغي والن‍ * اس جميعا سواكم أهل غي منكم يعرف الامام وفيكم * لاأخو تيمها ولا من عدي وقال ابن حماد: يا أهل بيت رسول الله انكم * لاشرف الخلق جدا غاب أو آبا أعطاكم الله ما لم يعطه احدا * حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا أشباحكم كن في بدو الضلال له * دون البرية خزانا وحجابا وأنتم الكلمات اللاي لقنها * جبريل آدم عند الذنب إذ تابا وانتم قبلة الدين الذي جعلت * للقاصدين إلى الرحمن محرابا صلى الاله على ارواحكم وسقى * اجداثكم ودق الوسمي سكابا فصل: في وفاته وزيارته عليه السلام لما تم من إمارة معاوية عشر سنين وعزم على البيعة ليزيد دس إلى جعدة بنت الاشعث زوجة الحسن (ع) اني مزوجك من يزيد ابني على أن تسمي الحسن وبعث إليها مائة الف درهم فقتلته وسمته فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها. وكان إذا جرى كلام عير وهم وقالوا: يا بني مسمة الازواج. كتاب الانوار انه قال (ع): سقيت السم مرتين وهذه الثالثة. وقيل: انه سقي برادة الذهب. روضة الواعظين في حديث عمر بن اسحاق: ان الحسن قال: لقد سقيت السم مرارا، ما سقيت مثل هذه المرة لقد قطعت قطعة قطعة من كبدي فجعلت اقلبها بعود معي. وفي رواية عبد الله البخاري انه قال: يا أخي اني مفارقك ولا حق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت وانني لعارف بمن سقاني ومن أين دهيت وأنا اخاصمه إلى الله عزوجل، فقال له الحسين: ومن سقاكه ؟ قال: ما تريد به ؟ أتريد ان تقتله ان يكن هو هو فالله أشد نقمة منك، وان لم يكن هو فما احب ان يؤخذ بي برئ وفي خبر: فبحقي عليك ان تكلمت في ذلك بشئ وانتظر ما يحدث الله في. وفي خبر: وبالله اقسم عليك ان لا تهريق في امري محجمة من دم.


[ 203 ]

قال ابن حماد: سعى في قتله الرجس ابن هند * ليشفى منه أحقادا وغما وأطمع فيه جعدة ام عبس * ولم يوف بها فسقته سما وله أيضا: لمن ذا من بني الزهراء أبكي * بدمع هامر ودم غزير أللمسموم بالاحقاد أبكي * أم المقتول ذي النحر النحير وقال العلوي: شاعوا بقتل علي وسط قبلته * حقدا وثنوا بسم لابنه الحسن واظهروا ويلهم رأس الحسين على * رمح يطاف به في سائر المدن هذا لان رسول الله جدهم * أوصى بحفظهم في السر والعلن وقال الصقر البصري: لو ان عينك عاينت بعض الذي * ببنيك حل لقد رأيت فظايعا اما ابنك الحسن الزكي فانه * لما مضيت سقوه سما ناقعا هروا به كبدا لديك كريمة * منه وأحشاءا به وأضالعا وسقوا حسينا بالطفوف على الظما * كاس المنية فاحتساها جارعا قتلوه عطشانا بعرصة كربلا * وسبوا حلائلة وخلف ضائعا جسدا بلا رأس يمد على الثرى * رجلا له ويكف اخرى نازعا ربيع الابرار عن الزمخشري، والعقد عن ابن عبد ربه: انه لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي سجد وسجد من حوله وكبر وكبروا معه فدخل عليه ابن عباس فقال له: يا ابن عباس أمات أبو محمد ؟ قال: نعم رحمه الله وبلغني تكبيرك وسجودك أما والله ما يسد جثمانه حفرتك ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك، قال: حسبته ترك صبية صغارا ولم يترك عليهم كثير معاش. فقال: ان الذي وكلهم إليه غيرك، وفي رواية: كنا صغارا فكبرنا، قال: فأنت تكون سيد القوم، قال: أما أبو عبد الله الحسين بن علي باق فلا. قال الفضل بن عباس: أصبح اليوم ابن هند آمنا * ظاهر النخوة إذ مات الحسن رحمة الله عليه إنما * طالما أشجى ابن هند وارن استراح القوم منه بعده * إذ ثوى رهنا لاجداث الزمن


[ 204 ]

فارتع اليوم ابن هند آمنا * أينما يقمص بالعير السمن وحكي ان الحسن (ع) لما اشرف على الموت قال له الحسين (ع): اريد ان اعلم حالك يا اخي، فقال الحسن: سمعت النبي لا يفارق العقل منا اهل البيت ما دام الروح فينا فضع يدك في يدي حتى عاينت ملك الموت اغمز يدك فوضع يده في يده فلما كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا فقرب الحسن اذنه إلى فمه فقال: قال لي ملك الموت: ابشر فان الله عنك راض وجدك شافع. وكان الحسن أوصى يجدد عهده عند جده، فلما مضى لسبيله غسله الحسين وكفنه وحمله على سريره فلما توجه بالحسن إلى قبر جده اقبلوا إليهم في جمعهم وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة، أيدفن عثمان في اقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي، أما لا يكون ذلك ابدا وانا احمل السيف. فبادر ابن عباس وكثر مقالا حتى قال: ارجع من حيث جئت فانا لا نريد دفنه ههنا ولكنا نريد ان نجدد عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته فلو كان وصى بدفنه مع النبي لعلمت انك اقصر باعا من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم بحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما ورموا بالنبال جنازته حتى سل منها سبعون نبلا. قال ابن حماد: فنازعه اناس لم يذوقوا * وحق الله للاسلام طعما أيدفن جنب احمد اجنبي * ويمنع سبطه منه ويحمى ألم يكن ابنه الحسن الزكي * له لحما بلى ودما وعظما وقال الصقر البصري: وأتوا به ليضاجعوك بجسمه * فأتاه قوم مانعوه فمانعا منعوا أعز الخلق منك قرابة ورضوا بجسمك للغريب مضاجعا قال ابن عباس فأقبلت عائشة في اربعين راكبا على بغل مرحل وهي تقول: مالي ولم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا اهوى ولا احب ! فقال ابن عباس بعد كلام: جملت وبغلت ولو عشت لفيلت. قال الصقر البصري: ويوم الحسن الهادي * على بغلك أسرعت ومايست ومانعت * وخاصمت وقاتلت وفي بيت رسول الله * بالظلم تحكمت هل الزوجة أولى با * لمواريث من البنت لك التسع من الثمن * فبالكل تحكمت


[ 205 ]

تجملت تبغلت * ولو عشت تفيك وقال الحسين لما وضع الحسن في لحده: أأدهن راسي أم تطيب مجالسي * ورأسك معفور وأنت سليب أو أستمتع الدنيا لشئ احبه * ألا كل ما أدنى اليك حبيب فلا زلت أبكي ما تغنت حمامة * عليك وما هبت صبا وجنوب وما هملت عيني من الدمع قطرة * وما اخضر في دوح الحجاز قضيب بكائي طويل والدموع غزيرة * وأنت بعيد والمزار قريب غريب واطراف البيوت تحوطه * ألا كل من تحت التراب غريب ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى * وكل فتى للموت فيه نصيب فليس حريبا من اصيب بماله * ولكن من وارى أخاه حريب نسيبك من أمسى يناجيك طرفه * وليس لمن تحت التراب نسيب وله أيضا (ع): إن لم أمت اسفا عليك فقد * اصبحت مشتاقا إلى الموت وقال سليمان بن قمه: ما كذب الله من نعى حسنا * ليس لتكذيب نعيه حسن كنت خليلي وكنت خالصتي * لكل حي من أهله سكن أجول في الدار لا أراك وفي * الدار اناس جوارهم غبن بدلتهم منك ليت انهم * أضحوا وبيني وبينهم عدن وقال دعبل: تعز بمن قد مضى سلوة * وان العزاء يسلي الحزن بموت النبي وقتل الوصي * وذبح الحسين وسم الحسن وقال منبه الصوفي: محن الزمان سحائب متراكمة * عين الحوادث بالفواجع ساجمه فإذا الهموم تراكمتك فسلها * بمصاب اولاد البتولة فاطمه الصادق (ع) بينا الحسن يوما في حجر رسول الله إذ رفع رأسه فقال: يا أبت ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال: يا بني من اتاني زائرا بعد موتي فله الجنة ومن أتى اباك زائرا بعد موته فله الجنة ومن اتاك زائرا بعد موثك فله الجنة.


[ 206 ]

باب في إمامة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فصل: في المقدمات الحمد لله العالم بدقيق الامور وجليله، المنعم بكثير الخير وقليله، الرحمن العاطف بسر الذنب العظيم ورذيله، هدى المؤمن بظاهر برهانه ونير دليله، وجمع لباس سنة نبيه وملة خليله، ثم قال: (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، وقال أبو عبد الله (ع) وقد ذكر عنده الحسين: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم). وقال عزوجل: (وان هذا صراطي مستقيما)، وقال: (وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) أي الائمة. الاعرج عن ابي هريرة قال: سألت رسول الله عن قوله: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) قال: جعل الامامة في عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الائمة منهم مهدي هذه الامة. المفضل بن عمر قال: سألت الصادق (ع) عن هذه الآية قال: يعني بهذه الآية الامامة جعلها في عقب الحسين إلى يوم القيامة، فقلت: كيف صارت في ولد الحسين دون ولد الحسن ؟ فقال: ان موسى وهارون كانا نبيين ومرسلين اخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ثم ساق الحديث إلى قوله: (وهو الحكيم في افعاله لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون). السدي قوله: (في عقبه) أي في آل محمد، أي نولي بهم إلى يوم القيامة ونتبرأ من اعدائهم إليها. حماد بن عيسى الجهني عن الصادق (ع) قال: لا تجتمع الامامة في اخوين بعد الحسن والحسين إنما هي في الاعقاب واعقاب الاعقاب. زيد بن علي في هذه الآية: لا تصلح الخلافة إلا فينا. وفي الخبر: لما حضرت الحسين الوفاة لم يحز له ان يردها إلى ولد اخيه لقول الله تعالى: (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله فكان ولده اقرب إليه رحما من ولداخيه واولاده هكذا ولي بها فاخرجت هذه الآية ولد الحسن عن الامامة وصيرتها إلى ولد الحسين فهي فيهم ابدا إلى يوم القيامة، ولقول الله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) فكان علي ابن الحسين بدم ابيه اولى وبالقايم به احرى.


[ 207 ]

وقال عبد الله بن الحسين: ان الامامة في ولد الحسن والحسين لانهما سيدا شباب اهل الجنة وهما في الفضل سواء ألا ان للحسن فضلا بالكبر والتقديم فكان الواجب ان تكون الامامة إذا في ولد الافضل، فقال الربيع بن عبد الله: ان موسى وهارون كانا نبيين مرسلين وكان موسى اكبر من هارون وافضل فجعل الله النبوة في ولد هارون دون ولد موسى، وكذلك جعل الله عزوجل الامامة في ولد الحسين لتجري في هذه سنن من قبلها من الامم حذو النعل بالنعل فبلغ ذلك الصادق (ع) فقال: احسنت يا ربيع ومن ذلك حديث الرضاع. ويستدل من الحساب على ان الامامة في اولاد الحسين: ان لفظة الحسين مائة وثمانية وعشرين زيادة بعشر والحسين واولاده عشرة. قال القاضي بن قادوس البصري: هي بيعة الرضوان أبرمها التقى * وأنارها النص الجلي وألجما ما اضطر جدك في أبيك وصية * وهو ابن عم أن يكون له انتمى وكذا الحسين وعن أخيه حازها * وله البنون بغير خلف منهما موسى بن جعفر، والحسين بن علي في قوله تعالى: (الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة) قال: هذه فينا أهل البيت. أبو بصير عن الصادق (ع) في قوله تعالى: (قل إنما يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) الوصية لعلي بعدي نزلت مشددة. الباقر (ع) في قراءة علي (ع) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد: (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) لرسول الله والامام بعده. الباقر (ع) في قوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا) الآية، قال: هم يزعمون ان الامام يحتاج منهم إلى ما يحملون إليه، التباع خمسة ولكل قوم منهم يوم تباع السلطان ولهم النيران: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا)، وتباع الشياطين وهم الملاعين: (لا تتبعوا خطوات الشيطان)، وتباع أئمة الهوى ولهم الردى: (ولا تتبعوا أة واء قوم)، وتباع الائمة ولهم الجنة، فقال في رسول الله (فمن تبع هداي) وفي شأن علي: (واتبعوا النور الذي انزل معه)، وفي شأن الائمة الاثنى عشر: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان). لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيد العرب وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف والشيخ والكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم، فقال أمير المؤمنين: ان النبي قال: اكرموا كريم قوم وإن خالفوكم وهؤلاء الفرس حكماء كرماء فقد ألقوا الينا بالمسلم ورغبوا في الاسلام فقد أعتقت


[ 208 ]

منهم لوجه الله حقي وحق بني هاشم، فقالت المهاجرون والانصار: قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله، فقال: اللهم فاشهد انهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت، فقال عمر: سبق إليها علي بن أبي طالب ونقض عزمتي في الاعاجم. ورغب جماعة من بنات الملوك أن يستنكحوهن، فقال أمير المؤمنين: نخير ولا نكرههن، فأشار اكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد فحجبت وأبت، فقيل لها: أيا كريمة قومها من تختارين من خطابك وهل أنت راضية بالبعل ؟ فسكتت، فقال أمير المؤمنين: قد رضيت وبقي الاختيار بعد سكوتها اقرارها، فأعادوا القول في التخيير فقالت: لست ممن تعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيرة، فقال امير المؤمنين: لمن تختارين أن يكون وليك ؟ فقالت: أنت، فأمر امير المؤمنين حذيفة بن اليمان أن يخطب، فخطب وزوجت من الحسين (ع). قال ابن الكلبي: ولى علي بن أبي طالب حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى فأعطاها علي ابنه الحسين فولدت منه عليا. وقال غيره: ان حريثا بعث إلى امير المؤمنين بنتي يزدجرد فأعطى واحدة لابنه الحسين فأولدها علي بن الحسين وأعطى الاخرى محمد بن ابي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة. الحسين بن علي ميزانه من الحساب إمام المسلمين بالحق لتقابلهما في اربعمائة وسبع وتسعين. قال الزاهي: يا سادتي يا آل ياسين ومن * عليهم الوحي من الله هبط لولاكم لم يقبل الفرض ولا * رحنا لبحر العفو من اكرم شط أنتم ولاة العهد في الذر ومن هواهم الله علينا قد شرط ما أحد قايسكم بغيركم ومازج السلسل بالشرب اللمط إلا كمن ضاهى الجبال بالحصى * أو قايس الابحر جهلا بالنقط وقال كشاجم: آل الرسول فضلتم * فضل النجوم الزاهره وبهرتم أعداءكم * بالمأثرات السايرة ولكم من الشرف ال‍ * بلاغة والحلوم الوافره وإذا تفوخر بالعلى * فيكم علاكم فاخره وقال البشنوي: يا ناصبي بكل جهدك فاجهد * اني علقت بحب آل محمد


[ 209 ]

الطاهرين الطيبين ذوي الهدى * طابوا وطاب وليهم في المولد واليتهم وبرئت من أعدائهم * فاقلل ملامك لا أبالك أو زد فهم أمان كالنجوم وانهم * سفن النجاة من الحديث المسند فصل: في معجزاته عليه السلام كتاب الانوار: ان الله تعالى هنأ النبي صلى الله عليه وآله بحمل الحسين (ع) وولادته وعزاه بقتله، فعرفت فاطمة فكرهت ذلك، فنزلت: (حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فحمل النساء تسعة أشهر، ولم يولد مولود لستة أشهر عاش غير عيسى والحسين (ع). غرر أبي الفضل بن حيزانة باسناده انه اعتلت فاطمة لما ولدت الحسين وجف لبنها فطلب رسول الله مرضعا فلم يجد فكان يأتيه فيلقمه ابهامه فيمصها ويجعل الله له في ابهام رسول الله رزقا يغذوه. ويقال: بل كان رسول الله يدخل لسانه في فيه فيغره كما يغر الطير فرخه فيجعل الله له في ذلك رزقا، ففعل ذلك أربعين يوما وليلة، فنبت لحمه من لحم رسول الله. برة ابنة امية الخزاعي قالت: لما حملت فاطمة بالحسن خرج النبي في بعض وجوهه فقال: لها انك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أصير اليك، قالت: فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسن وله ثلاث ما أرضعته، فقلت لها: أعطنيه حتى أرضعه، فقالت: كلا، ثم أدركتها رقة الامهات فأرضعته، فلما جاء النبي قال لها: ماذا صنعت ؟ قالت: أدركني عليه رقة الامهات فأرضعته، فقال: أبى الله عزوجل إلا ما أراد، فلما حملت بالحسين قال لها: يا فاطمة انك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتى أجئ اليك ولو أقمت شهرا، قالت: أفعل ذلك، وخرج رسول الله في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسين (ع) فما أرضعته حتى جاء رسول الله فقال لها: ماذا صنعت ؟ قالت: ما أرضعته، فأخذه فجعل لسانه في فمه، فجعل الحسين يمص حتى قال النبي صلى الله عليه وآله: ايها حسين ايها حسين، ثم قال: أبى الله إلا ما يريد هي فيك وفي ولدك، يعني الامامة. ولما منع الماء عن الحسين (ع) أخذ سهما وعد فوق خيام النساء تسع خطوات فحفر الموضع فنبع ماء طيب فشربوا وملاوا قربهم. وروى الكلبي انه قال مروان للحسين: لولا فخركم بفاطمة بم كنتم تفخرون علينا


[ 210 ]

فوثب الحسين فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته في عنقه حتى غشي عليه ثم تركه ثم تكلم وقال في آخر كلامه: والله ما بين جابرسا وجابلقا رجل ممن ينتحل الاسلام أعدى لله ولرسوله ولاهل بيته منك ومن أبيك إذ كان وعلامة قولي فيك انك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك، قال: فو الله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه. زرارة بن أعين سمعت أبا عبد الله (ع) يحدث عن آبائه ان مريضا شديد الحمى عاده الحسين فلما دخل من باب الدار طارت الحمى عن الرجل فقال له: رضيت بما اوتيتم به حقا حقا والحمى تهرب عنكم، فقال له الحسين: والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا، قال: فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول: لبيك، قال: أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلا عدوا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه فما بال هذا ؟ وكان المريض عبد الله بن شداد بن الهادي الليثي. تهذيب الاحكام قال أبو عبد الله (ع): ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها فمال بيده حتى وضعها على ذراعها فأثبت الله يده في ذراعها حتى قطع الطواف وارسل إلى الامير واجتمع الناس وارسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون اقطع يده فهو الذي جنى الجناية فقال: ههنا احد من ولد محمد رسول الله، فقالوا: نعم الحسين ابن علي قدم الليلة، فأرسل إليه فدعاه فقال: انظر ما لقى ذان، فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ثم جاء إليها حتى تخلصت يده من يدها، فقال الامير: ألا نعاقبه بما صنع ؟ قال: لا. وروى عبد العزيز بن كثير: ان قوما أتوا إلى الحسين وقالوا: حدثنا بفضائلكم، قال: لا تطيقون وانحازوا عني لاشير إلى بعضكم فان أطاق سأحدثكم، فتباعدوا عنه فكان يتكلم مع احدهم حتى دهش ووله وجعل يهيم ولا يجيب احدا وانصرفوا عنه. صفوان بن مهران قال: سمعت الصادق (ع) يقول: رجلان اختصما في زمن الحسين (ع) في امرأة وولدها، فقال هذا: لي، وقال هذا: لي، فمر بهما الحسين فقال لهما: فيما ذا تمرجان ؟ قال احدهما: ان الامرأة لي، فقال للمدعي الاول: اقعد فقعد، وكان الغلام رضيعا فقال الحسين: يا هذه اصدقي من قبل ان يهتك الله سترك، فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فقال (ع): يا غلام ما تقول هذه ؟ انطق باذن الله تعالى، فقال له: ما أنا لهذا ولا لهذا وما أبي إلا راع لآل فلان، فأمر (ع) برجمها. قال جعفر (ع): فلم يسمع احد نطق ذلك الغلام بعدها.


[ 211 ]

الاصبغ بن نباتة قالت: سألت الحسين (ع) فقلت: سيدي أسألك عن شئ أنابه موقن وانه من سر الله وانت المسرور إليه ذلك السر، فقال: يا أصبغ أتريد ان ترى مخاطبة رسول الله لابي دون يوم مسجد قبا ؟ قال: هذا الذي أردت، قال: قم فإذا أنا وهو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل ان يرتد إلى بصري فتبسم في وجهي فقال: يا اصبغ ان سليمان بن داود اعطى الريح غدوها شهر ورواحها شهر وانا قد اعطيت اكثر مما اعطي سليمان، فقلت: صدقت والله يا ابن رسول الله، فقال: نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه وليس لاحد من خلقه ما عندنا لانا اهل سر الله فتبسم في وجهي ثم قال: نحن آل الله وورثه رسوله، فقلت: الحمد لله على ذلك، ثم قال لي: ادخل، فدخلت فإذا انا برسول الله محتب في المحراب بردائه فنظرت فإذا انا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الاعسر، فرأيت رسول الله يعض على الانامل وهو يقول: بئس الخلف خلفتني انت واصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي، الخبر. كتاب الابانة قال بشر بن عاصم: سمعت ان الزبير يقول: قلت للحسين بن علي انك تذهب إلى قوم قتلوا اباك وخذلوا اخاك، فقال: لئن اقتل بمكان كذا وكذا احب إلي من ان يستحل بي مكة، عرض به (ع). كتاب التخريج عن العامري بالاسناد عن هبيرة بن بريم عن ابن عباس قال: رأيت الحسين قبل ان يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه وجبرئيل ينادي: هلموا إلى بيعة الله. وعنف ابن عباس على تركه الحسين فقال: ان اصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم. وقال محمد بن الحنفية: وان اصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم. قال السوسي: أنتم سماء للسماوات العلى * والخلق ارض تحتكم ومهاد انتم معاد الخلق يوم معادهم * واليكم الاصدار والايراد انتم صراط الله انتم حبله ال‍ * ممدود انتم بيته المرتاد بهواكم صلح الفساد وهكذا * يهوى سواكم للصلاح فساد لو لم نسبح في الصلاة بذكركم * كانت ترد صلاتنا وتعاد بهواكم عرف الرشاد وليكم * لولاكم لم يعرف الارشاد انتم لشيعتكم بحور ماؤها * عذب بها يتنعم الوراد انتم مواسمهم إذا حجوا * واعياد بها صحت لنا الاعياد


[ 212 ]

وقال السروجي: خير البرية آباء واشرفها * قدرا واسمحها كفا لمبتذل صدورهم لبحور العلم داعية * ظهورهم قبلة من افضل القبل الله اختارهم من خلقه حججا * على البرية يوم الجمع للرسل من دوحة من جنان الخلد نابتة * وفرعها ثابت للواحد الازلي محمد أصلها والطهر حيدرة * وفاطم وبنوها اطيب الاكل وحسن اوراقها قوم بها علقوا * فيالها دوحة جلت عن المثل فصل: في آياته بعد وفاته عليه السلام الباقر (ع) في قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والارض) يعني علي بن ابي طالب (ع) وذلك ان عليا خرج قبل الفجر متوكئا على عنزة والحسين خلفه يتلوه حتى أتى حلقة رسول الله فرمى بالعنزة ثم قال: ان الله تعالى ذكرا اقواما فقال: فما بكت عليهم السماء والارض والله ليقتلنه ولتبكي السماء عليه. أبو نعيم في دلائل النبوة، والنسوي في المعرفة، قالت نضرة الازدية: لما قتل الحسين امطرت السماء دما وحبابنا وجرارنا صارت مملوة دما. وقال قرطة بن عبيد الله مطرف السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين. وقال الصادق: بكت السماء على الحسين اربعين يوما بالدم. زرارة بن اعين عن الصادق (ع) قال: بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي اربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما، قلت: فما بكاؤها ؟ قال: كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء. اسامة بن شبيب باسناده عن ام سليم قالت: لما قتل الحسين مطرت السماء مطرا كالدم احمرت منه البيوت والحيطان. وروى قريبا من ذلك في الابانة. تفسير القشيري، والفتال قال السدي: لما قتل الحسين بكت عليه السماء وعلامتها حمرة اطرافها. محمد بن سيرين قال: اخبرنا ان حمرة اطراف السماء لم تكن قبل قتل الحسين. تاريخ النسوي روى حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: تعلم هذه الحمرة في الافق مم هي ؟ ثم قال: من يوم قتل الحسين. الاسود بن قيس لما قتل الحسين ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب فكادتا تلتقيان في كبد السماء سنة اشهر. تاريخ النسوي قال أبو قبيل: لما قتل الحسين بن علي كسفت الشمس كسفة


[ 213 ]

بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا انها هي. وفي حديث ميثم التمار: وتمطر السماء دما ورمادا. قال الحميري: بكت الارض فقده وبكته * باحمرار له نواحي السماء بكتا فقده اربعين صباحا * كل يوم عند الضحى والمساء وقال المعري: وعلى الدهر من دماء الشهيدين * علي ونجله شاهدان وهما في اواخر الليل فجران * وفي اولياته شفقان وروي ان الحسين بن علي (ع) قال لعمر بن سعد: ان مما يقر لعيني انك لا تأكل من بر العراق بعدي إلا قليلا، فقال مستهزئا: يا ابا عبد الله في الشعير خلف، فكان كما قال لم يصل إلى الري وقتله المختار. جامع الترمذي، وكتاب السندي، وفضائل السمعاني: ان ام سلمة قالت: رأيت رسول الله في المنام وعلى رأسه التراب، فقلت: مالك يا رسول الله ؟ فقال: شهدت قتل الحسين آنفا. ابن فورك في فصوله، وابو يعلى في مسنده، والعامري في ابانته من طرق، منها عن عائشة وعن شهر بن حوشب: انه دخل الحسين بن علي على النبي وهو يوحى إليه فنزل الوحي على رسول الله وهو منكب على ظهره، فقال جبرئيل: تحبه ؟ قال: ألا احب ابني ! فقال: ان امتك ستقتله من بعدك، فمد جبرئيل يده فإذا بتربة بيضاء فقال في هذه التربة يقتل ابنك هذا يا محمد اسمها لطف، الخبر. وفي اخبار سالم بن الجعد انه كان ذلك ميكائيل. وفي مسند ابي يعلى ان ذلك ملك القطر. احمد في المسند عن انس، والغزالي في كيمياء السعادة، وابن بطة في كتابة الابانة من خمسة عشر طريقا، وابن حبيش التميمي واللفظ له، قال ابن عباس: بينا انا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت ام سلمة وهي تقول: يا بنات عبد المطلب اسعدنني وابكين معي فقد قتل سيدكن، فقيل: ومن أين علمت ذلك ؟ قالت: رأيت رسول الله الساعة في المنام شعثا مذعورا فسألته عن ذلك فقال: قتل ابني الحسين واهل بيته فدفنتهم، قالت: فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء وقال صلى الله عليه وآله: إذا صارت دما فقد قتل ابنك فأعطانيها النبي فقال: اجعليها في زجاجة فليكن عندك فإذا صارت دما فقد قتل الحسين، فرأيت القارورة الآن صارت دما عبيطا يفور. تاريخ النسوي، وتاريخ بغداد، وابانة العكبري، وقال سفيان بن عيينة حدثتني


[ 214 ]

جدتي ان رجلا ممن شهد قتل الحسين كان يحمل ورسا فصار ورسه دما، ورأيت النجم كأن فيه النيران يوم قتل الحسين، يعني بالنجم النبات. محمد بن الحكم عن امه قالت: انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين فما استعملته امرأة إلا برصت. أمالي ابي سهل القطان يرويه عن ابن عيينة قال: ادركت من قتلة الحسين رجلين اما احدهما فانه طال ذكره حتى كان يلفه، وفي رواية: كان يحمله على عاتقه، واما الآخر فانه كان يستقبل الرواية ولا يروى وذلك انه نظر إلى الحسين وقد اهوى إلى فيه بماء وهو يشرب فرماه بسهم، فقال الحسين: لا أرواك الله من الماء في دنياك ولا آخرتك. وفي رواية: ان رجلا من كلب رماه بسهم فشك شدقه، فقال الحسين لا ارواك الله، فعطش الرجل حتى القى نفسه في الفرات وشرب حتى مات. المقتل عن ابن بابويه، والتاريخ عن الطبري قال أبو القاسم الواعظ: نادى رجل يا حسين انك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل على حكم الامير، فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا، فغلب عليه العطش فكان يعب المياه ويقول: واعطشاه، حتى تقطع. تاريخ الطبري: انه كان هذا المنادي عبد الله بن الحصين الازدي رواه حميد بن مسلم. وفي رواية: كان رجلا من دارم. فضائل العشرة عن ابي السعادات بالاسناد في خبر: انه لما رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقي الدم ثم يقول: هكذا إلى السماء، فكان هذا الدارمي يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره بين يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون والنار وهو يقول اسقوني فيشرب العس ثم يقول: اسقوني اهلكني العطش، قال: فانقد بطنه. ابن بطة في الابانة، وابن جرير في التاريخ: انه نادى الحسين ابن جوزه (حوزة) فقال يا حسين ابشر فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة، قال: ويحك أنا ! قال: نعم قال: ولي رب رحيم وشفاعة نبي مطاع اللهم ان كان عندك كاذبا فجره إلى النار، قال فما هو إلا ان ثنى عنان فرسه فوثب فرمى به وبقيت رجله في الركاب ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر وشجر حتى مات. وفي رواية غيرهما: اللهم جره إلى النار وأذقه حرها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة، فسقط عن فرسه في الخندق وكان فيه نار فسجد الحسين (ع). تاريخ الطبري قال أبو مخنف: حدثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن ان يدي ابحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء وفي الصيف تيبسان كأنهما عودان وفي رواية غيره: كانت يداه تقطران في الشتاء دما، وكان هذا الملعون سلب


[ 215 ]

الحسين (ع). ويروى انه اخذ عمامته جابر بن زيد الازدي وتعمم بها فصار في الحال معتوها، واخذ ثوبه جعوبة بن حوبة الحضرمي ولبسه فتغير وجهه وحص شعره وبرص بدنه، واخذ سراويله الفوقاني بحير بن عمرو الجرمي وتسرول به فصار مقعدا تاريخ الطبري: ان رجلا من كندة يقال له مالك بن اليسر أتى الحسين بعد ما ضعف من كثرة الجراحات فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس من خز، فقال (ع): لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين، فألقى ذلك البرنس من رأسه فأخذه الكندي فأتى به اهله، فقالت امرأته: أسلب الحسين تدخله في بيتي ! اخرج فو الله لا تدخل بيتي ابدا، فلم يزل فقيرا حتى هلك. احاديث بن الحاشر قال: كان عندنا رجل خرج على الحسين ثم جاء بجمل وزعفران فكلما دقوا الزعفران صار نارا فلطخت امرأته على يديها فصارت برصا، وقال: ونحر البعير فكلما جزوا بالسكين صار نارا، قال: فقطعوه فخرج منه النار، فطبخوه ففارت القدر نارا. تاريخ النسوي قال حماد بن زيد: قال جميل بن مرة: لما طبخوا صارت مثل العلقم. وروي ان الحسين (ع) دعا: اللهم انا اهل بيت نبيك وذريته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا انك سميع قريب، فقال محمد بن الاشعث: وأي قرابة بينك وبين محمد ! فقرأ الحسين (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض) ثم قال: اللهم أرنى فيه في هذا اليوم ذلا عاجلا، فبرز ابن الاشعث للحاجة فلسعته عقرب على ذكره فسقط وهو يستغيث ويتقلب على حدثه. وروى أبو مخنف عن الجلودي ان الحسين حمل على الاعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وكانا في اربعة آلاف رجل على الشريعة وأقحم الفرس على الفرات فلما اولع الفرس برأسه ليشرب قال (ع): انت عطشان وانا عطشان والله لا اذوق الماء حتى تشرب، فلما سمع الفرس كلام الحسين شال رأسه ولم يشرب كأنه فهم الكلام فقال الحسين: اشرب فأنا اشرب، فأنا اشرب، فمد الحسين يده فغرف من الماء فقال فارس: يا ابا عبد الله تلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمتك، فنفض الماء من يده وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة. وروى أبو مخنف عن الجلودي انه كان صرع الحسين فجعل فرسه يحامي عنه ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس اربعين رجلا ثم تمرغ في دم الحسين وقصد نحو الخيمة وله صهيل عال ويضرب بيديه الارض.


[ 216 ]

القاسم بن الاصبغ قلت لرجل من بني دارم: ما غير صورتك ؟ قال: قتلت رجلا من اصحاب الحسين وما نمت ليلة منذ قتلته إلا اتانى في منامي آت فينطلق بى إلى جهنم فيقذف بى فيها حتى اصبح، قال: فسمعت بذلك جارة له فقالت: ما يدعنا ننام الليل من صاحبه. ابانة ابن بطة، وجامع الدار قطني، وفضائل احمد، روى قرة بن اعين عن خاله قال: كنت عند ابى رجاء العطاردي فقال: لا تذكروا اهل البيت إلا بخير، فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء وكان يسب الحسين واهوى الله عليه نجمين فعميت عيناه. وسئل عبد الله الرياح القاضي الاعمى عن عمائه فقال: كنت حضرت كربلاء وما قاتلت فنمت فرأيت شخصا هائلا قال: أجب رسول الله، فقلت: لا اطيق، فجرني إلى رسول الله فوجدته حزينا وفي يده حربة وبسط قدامه نطع وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب اعناق القوم وتقع النار فيهم فتحرقهم ثم يحيون ويقتلهم ايضا هكذا فقلت: السلام عليك يا رسول الله والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت سهما، فقال النبي صلى الله عليه وآله: الست كثرت السواد فسلمني واخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم فاحترقت عيناي فلما انتبهت كنت اعمى. امالي الطوسي قال السدي: لرجل انت تبيع القطران ؟ قال: والله ما رأيت القطران إلا انني كنت ابيع المسمار في عسكر عمر بن سعد في كربلا فرأيت في منامي رسول الله وعلي بن أبي طالب يسقيان الشهداء فاستسقيت عليا فأبى فأتيت النبي فاستسقيت فنظر إلي وقال: الست ممن اعان علينا ؟ فقالت: يا رسول الله انني محترق ووالله ما حاربتهم فقال: اسقه قطرانا، فسقاني شربه قطران، فلما انتبهت كنت ابول ثلاثة ايام القطران ثم انقطع وبقيت رائحته. أبو عبد الله الدامغاني في شوف العروس انه: انهم تذاكروا ليلة امر الحسين وانه من قتله رماه الله ببلية في جسده، فقال رجل: فأنا ممن قتله وما اصابني سوء، ثم انه قام ليصلح الفتيلة باصبعه فأخذت النار كفه فخرج صارخا حتى القى نفسه في الفرات فو الله رأيناه يدخل رأسه الماء والنار على وجه الماء فإذا خرج رأسه سرت النار إليه وكان ذلك دأبه حتى هلك. كنز المذكرين قال الشعبي: رايت رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم اغفر لي ولا اراك تغفر لي، فسألته عن ذنبه فقال: كنت من الوكلاء على راس الحسين وكان معي خمسون رجلا فرايت غمامة بيضاء من نور قد نزلت من السماء إلى


[ 217 ]

الخيمة وجمعا كثيرا احاطوا بها فإذا فيهم آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى، ثم نزلت اخرى وفيها النبي وجبرائيل وميكائيل وملك الموت فبكى النبي وبكوا معه جميعا فدنى ملك الموت وقبض تسعا واربعين فوثب على رجلي (رجل) فوثبت على رجلي وقلت يا رسول الله الامان الامان فو الله ما شايعت في قتله ولا رضيت، فقالت: ويحك وانت تنظر إلى ما يكون ؟ فقلت نعم، فقال: يا ملك الموت خل عن قبض روحه فانه لا بد ان يموت يوما، فتركني وخرجت إلى هذا الموضع تائبا على ما كان مني. النطنزي في الخصائص: لما جاؤا برأس الحسين ونزلوا منزلا يقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته إلى الرأس فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء فأتاهم بعشرة آلاف درهم واخذ الراس وادخله صومعته فسمع صوتا ولم ير شخصا قال طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته، فرفع الراهب راسه قال: يا رب بحق عيسى تأمر هذا الراس بالتكلم معي، فتكلم الراس وقال: يا راهب اي شئ تريد ! قال من انت ؟ قال: انا ابن محمد المصطفى وانا ابن علي المرتضى وانا ابن فاطمة الزهراء وانا المقتول بكربلاء انا المظلوم ان العطشان، فسكت، فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال لا ارفع وجهي عن وجهك حتى تقول انا شفيعك يوم القيامة، فتكلم الراس فقال: ارجع إلى دين جدي محمد، فقال الراهب اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله، فقبل له الشفاعة، فلما اصبحوا اخذوا منه الراس والدراهم، فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة. قال الجوهري الجرجاني حتى يصيح بقنسرين صاحبها * يا فرقة الغي يا حزب الشياطين أتهزؤن برأس بات منتصبا * على القناة بدين الله يؤميني آمنت ويحكم بالله مهتديا * وبالنبي وحب المرتضى ديني فجدلوه صريعا فوق وجنته * وقسموه بأطراف السكاكين وفي أثر عن ابن عباس ان ام كلثوم قالت لحاجب بن زياد: ويلك هذا الالف درهم خذها اليك واجعل رأس الحسين أمامنا واجعلنا على الجمال وراء الناس ليشتغل الناس بنظرهم إلى رأس الحسين عنا فأخذ الالف وقدم الرأس فلما كان الغد أخرج الدراهم وقد جعلها الله حجارة سودا مكتوب على أحد جانبيها (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) وعلى الجانب الآخر (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). تاريخ البلاذري، والطبري، ان الحضرمية امرأة خولى بن يزيد الاصبحي قالت: وضع خولي رأس الحسين تحت اجانة في الدار فو الله مازلت أنظر إلى نور يسطع مثل


[ 218 ]

العمود من السماء إلى الاجانة، ورأيت طيرا برفرف حولها. روى أبو مخنف عن الشعبي انه صلب رأس الحسين بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: (انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى فلم يزدهم إلا ضلالا). وفي أثر انهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). وسمع ايضا صوته بدمشق يقول: لا قوة إلا بالله. وسمع ايضا يقرأ: (ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)، فقال زيد بن أرقم: أمرك أعجب يا ابن رسول الله. كتاب ابن بطة، والترمذي وخصائص النطنزي، واللفظ للاول، عن عمارة بن عمير انه لما جيئ برأس ابن زياد ورؤس اصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم والناس بقولون: قد جاءت قد جاءت، قال: فجاءت حية تتخلل الروس حتى دخلت في منخره ثم خرجت من المنخر الآخر، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا أبو مخنف في رواية: لما دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كل طيب، ولما نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمر من الصبر، ولما قتل الحسين صار الورس دما وانكسفت الشمس إلى ثلاثة أسباب وما في الارض حجر إلا وتحته دم، وناحت عليه الجن كل يوم فوق قبر النبي إلى سنة كاملة. دلائل النبوة عن أبي بكر البيهقي بالاسناد إلى أبي قبيل، وأمالي أبي عبد الله النيسابوري ايضا انه لما قتل الحسين واجتز رأسه قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حايط فكتب سطرا بالدم. أترجو امة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب قال: فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا، وفي كتاب ابن بطة انهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة. وقال أنس بن مالك: احتفر رجل من أهل نجران حفرة فوجد فيها لوح من ذهب فيه مكتوب هذا البيت وبعده: فقد قدموا عليه بحكم جور * فخالف حكمهم حكم الكتاب ستلقى يا يزيد غدا عذابا * من الرحمن يا لك من عذاب فسألناهم: منذكم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا: قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام. وقال سعد بن أبي وقاص: ان قس بن ساعدة الايادي قال قبل مبعث النبي: تخلف المقدار منهم عصبة * ثاروا بصفين وفي يوم الجمل والتزم الثار الحسين بعده * واحتشدوا على ابنه حتى قتل


[ 219 ]

قال دعبل: حدثني أبي عن جدي عن امه سعدى بنت مالك الخزاعية انها سمعت نوح الجن على الحسين: يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه * خير العمومة جعفر الطيار عجبا لمصقول اصابك حده * في الوجه منك وقد علاك غبار أمالي النيسابوري ان ام سلمة سمعت نوحهم: ألا يا عين يا عين فاحتفلي بجهدي * ومن يكبي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبد ابانة ابن بطة سمع من نوحهم: أيا عين جودي ولا تجمدي * وجودي على الهالك السيد فبالطف أمسى صريعا فقد * رزينا الغداة بأمر بدي ومن نوحهم: نساء الجن يبكين * من الحزن شجيات ويسعدن بنوح * للنساء الهاشميات ويندبن حسينا عظ * مت تلك الرزيات ويلطمن خدودا * كالدنانير نقيات ويلبسن ثياب السود * بعد القصبيات ومن نوحهم: احمرت الارض من قتل الحسين كما * اخضر عند سقوطه الجونة العلق يا ويل قاتله يا ويل قاتله * فانه في شفير النار يحترق ومن نوحهم: أبكي ابن فاطمة الذي * من قتله شاب الشعر ولقتله زلزلتم * ولقتله خسف القمر وسمع نوح جن قصدوا لمؤازرته: والله ما جئتكم حتى بصرت به * بالطف منعفر الخدين منحورا قال الطبري: وسمع نوح الملائكة في أول منزل نزلوا قاصدين إلى الشام: أيها القاتلون جهلا حسينا * ابشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن دا * ود وموسى وصاحب الانجيل


[ 220 ]

وروي انه رأى سليمان بن عبد الملك رسول الله يبش معه، فسأل الحسن البصري عن ذلك فقال: لعلك فعلت إلى اهل بيته معروفا، فقال: رأيت رأس الحسين في خزانة يزيد فلما عرض علي لففته في خمسة دبابيج وعطرته وصليت عليه ودفنته وبكيت كثيرا، فقال له الحسن: قد رضى عنك رسول الله بهذا الفعل. أمالي المفيد النيشابوري: ان زر النايحة رأت فاطمة (ع) فيما يرى النائم انها وقعت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد: أيها العينان فيضا * واستهلا لا تغيضا وابكيا بالطف ميتا * ترك الصدر رضيضا لم امرضه قتيلا * لا ولا كان مريضا قال ابن عباس: قيل لجرير بن عبد الحميد: ان موسى بن عبد الملك كرب قبر الحسين وأمر بقطع السدرة، فقال: الله أكبر جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لعن الله قاطع السدرة، ثلاثا، وإنما اراد بذلك تغيير مصرع الحسين حتى لا يقف الناس على تربته والخبر مذكور في حلية الاولياء. أحاديث ابن حبيش التميمي قال سالم: كان بي وجع البطن فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية وخفت على نفسي فدخلت على امرأة كوفية يقال لها سلمة فقالت لي: يا سالم اعالجك فتبرأ باذن الله، قلت: نعم، فسقتني ماءا في قدح فسكنت عني العلة وبرأت فسألت العجوز بعد أشهر: بماذا داويتني ؟ قالت: بواحد مما في هذه السبحة، قلت: وما فيها ؟ قالت: انها من طين قبر الحسين، فقلت لها: يا رافضية داويتني بها، فخرجت مغضبة، ورجعت والله علتي كأشد ما كانت. أمالي الطوسي ذكر عند موسى بن عيسى الهاشمي ان الرافضة لتغلو في الحسين حتى انهم يتداوون بتربته، فقال هاشمي: قد كاتب بي علة غليظة عجزت الاطباء عنها فأخذت منها فزالت علتي، قال: فبقى عندك منها شيئا ؟ فأعطاه قطعة فتناول فأدخلها في أسفله استهزاءا واستحقارا، فصاح في وقته: النار النار الطشت الطشت، فجئ بالطشت فإذا كبده وطحاله وريته وفؤاده خرج منه، فسئل بوحنا النصراني عن صحته فقال: ما لاحد فيها صنع إلا الله، ثم انه مات وقت السحر فكان يوحنا يزور قبر الحسين وهو على دينه ثم أسلم. كتاب ابن بطة، والنطنزي، روى أبو عبد الرحمن بن احمد بن حنبل باسناده عن الاعمش قال: أحدث رجل على قبر الحسين فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص


[ 221 ]

وهم يتوارثون الجذام والبرص إلى الساعة. وروى جماعة من الثقات انه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين وأن يجري الماء عليه من العلقمي أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلا فنظرا إلى القبر وإذا هو معلق بالقدرة في الهواء. فقال زيد: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) وذلك ان الحراث حرث سبع عشر مرة والقبر يرجع على حاله، فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن بالله وحل البقر، فاخبر المتوكل فأمر بقتله. أمالي الطوسي بروايات كثيرة: ان المتوكل كل بعث ابراهيم الديزج وهارون المغربي في تخريب قبر الحسين وحرث أرضه، فلما أخذ الفعله في ذلك حيل بينهم وبين القبر ورموا بالنشاب، فقال الديزج: قارموهم أنتم ايضا، فرموا فعاد كل سهم إلى صاحبه فقتله، فأمرهم بالثيران للحرث فلم تجز فضربت حتى تكسرت العصا في ايديهم فسود الله وجه المغربي ورأى الديزج في منامه يتفل رسول الله في وجهه فمرض مرض سوء وبقى كالمدهوش فما أمسى حتى مات، ثم ان المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة فسأل عالما عن ذلك فقال: قد وجبت عليه القتل إلا ان من قتل اباه لم يطل عمره، فقال: لا ابالي إذا أطعت الله بقتله ألا يطول في قتله عمري وكان جميع ذلك في يومين. وأنشد عبد الله بن دانية في ذلك: تالله إن كانت امية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها * هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا * في قتله فتتبعوه رميما فصل: في مكارم أخلاقه عليه السلام عمرو بن دينار قال: دخل الحسين على اسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: واغماه، فقال له الحسين: وما غمك يا اخي ؟ قال: ديني وهو ستون الف درهم، فقال الحسين: هو علي، قال أخشى ان اموت، فقال الحسين: لن تموت حتى اقضيها عنك قال: فقضاها قبل موته. وكان (ع) يقول: شر خصال الملوك الجبن من الاعداء والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الاعطاء. وفي كتاب انس المجلس: ان الفرزدق أتى الحسين لما اخرجه مروان من المدينة فأعطاه (ع) اربعمائة دينار، فقيل له: شاعرة فاسق مشهر، فقال (ع): ان خير مالك ما وقيت به عرضك، وقد اصاب رسول الله كعب بن زهير، وقال في عباس بن مرداس


[ 222 ]

اقطعوا لسانه عني. وقدم اعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدل على الحسين فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بازائه وانشأ: لم يخب الآن من رجاك ومن * حرك من دون بابك الحلقه أنت جواد وأنت معتمد * ابوك قد كان قاتل الفسقه لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقه قال: فسلم الحسين وقال: يا قنبر هل بقي شئ من مال الحجاز ؟ قال: نعم اربعة آلاف دينار، فقال: هاتها قد جاء من هو احق بها منا، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيها واخراج يده من شق الباب حياء من الاعرابي وأنشأ: خذها فاني اليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقه لو كان في سيرنا الغداة عصا * أمست سمانا عليك مندفقه لكن ريب الزمان ذو غير * والكف مني قليلة النفقة قال: فأخذها الاعرابي وبكى، فقال له: لعلك استقللت ما اعطيناك، قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك، وهو المروي عن الحسن بن علي (ع). شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال: وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر، فسألوا زين العابدين عن ذلك فقال: هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الارامل واليتامى والمساكين. وقيل ان عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين الحمد فلما قرأها على ابيه اعطاه الف دينار والف حلة وحشا فاه درا، فقيل له في ذلك قال: وأين يقع هذا من عطائه، يعني تعليمه، وأنشد الحسين: إذا جادت الدنيا عليك فجدبها * على الناس طرا قبل ان تتفلت فلا الجود يفنيها إذا هي اقبلت * ولا البخل يبقيها إذا ما تولت ومن تواضعه انه مر بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لو لا انه صدقه لاكلت معهم، ثم قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم. وحدث الصولي عن الصادق (ع) في خبر انه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام فكتب ابن الحنفية إلى الحسين: اما بعد يا اخي فان ابي واباك علي لا تفضلني فيه ولا افضلك وامك فاطمة بنت رسول الله ولو كان من الارض ذهبا ملك امي ما وفت بامك فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فانك احق بالفضل مني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسين ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شئ.


[ 223 ]

ومن فصاحته وعلمه (ع) ما رواه موسى بن عقبة انه أمر معاوية الحسين ان يخطب فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي، فسمع رجل يقول: من هذا الذي يخطب ؟ فقال (ع): نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الاقربون واهل بيته الطيبون، وأحذ الثقلين، الذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله تعالى فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره لا يبطينا تأويله بل نتبع حقايقه، فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله مقرونة، قال الله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) وقال: (ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الامر منهم) واحذركم الاصغاء إلى هتوف الشيطان فانه لكم عدو مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم (لا غالب لكم اليوم من الناس) واني جار لكم فتلقون للسيوف ضربا، وللرماح وردا، وللعمد حطما، وللسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل. قال معاويه حسبك أبا عبد الله فقد أبلغت. محاسن البرقي قال عمرو بن العاص للحسين: يا ابن علي ما بال اولادنا اكثر من اولادكم ؟ فقال (ع): بغاث الطير اكثرها فراخا * وام الصقر مقلاة نزور فقال: ما بال الشيب إلى شواربنا اسرع منه في شواربكم ؟ فقال (ع): ان نساءكم نساء نجرة فإذا دنا احدكم من امرأته نكهت في وجهه فيشاب منه شاربه، فقال: ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا ؟ فقال (ع): (والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)، فقال معاوية: بحقي عليك إلا سكت فانه ابن علي بن ابي طالب، فقال (ع): إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضره قد علم العقرب واستيقنت * أن لها لا دنيا ولا آخره تفسير الثعلبي قال الصادق (ع): قال الحسين بن علي (ع): إذا صاح النسر قال يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت، وإذا صاح الغراب قال: ان البعد من الناس انس وإذا صاح القنبر قال: اللهم العن مبغضي آل محمد، وإذا صاح الخطاف قرأ: الحمد لله رب العالمين ويمد الضالين كما يمدها القاري. سئل الحسين: لم افترض الله عزوجل على عبيده الصوم ؟ قال: ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين. ومن شجاعته (ع) انه كان بين الحسين وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة


[ 224 ]

فتناول الحسين عمامة الوليد عن رأسه وشدها في عنقه وهو يومئذ وال على المدينة فقال مروان بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على اميره، فقال الوليد: والله ما قلت هذا غضبا لي ولكنك حسدتني على حلمي عنه وإنما كانت الضيعة له، فقال الحسين الضيعة لك يا وليد، وقام. وقيل له يوم الطف: انزل على حكم بني عمك، قال: لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، ثم نادى: يا عباد الله اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن من بيوم الحساب. وقال: موت في عز خير من حياة في ذل. وأنشأ (ع) في يوم قتله: الموت خير من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار والله ما هذا وهذا جاري قال ابن نباتة: الحسين الذي رأى القتل في ال‍ * عز حياة والعيش في الذل قتلا الحلية، روى محمد بن الحسن انه لما نزل القوم بالحسين وأيقن انهم قاتلوه قال لاصحابه قد نزل ما ترون من الامر وان الدنيا قد تنكرت وتغيرت وأدبر معروفها واستمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الاناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، واني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما، وأنشد لما قصد الطف متمثلا سأمضى فما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما اقدم نفسي لا اريد بقاءها * لنلقى خميسا في الهياج عرمرما فان عشت لم اذمم وإن مت لم الم * كفى بذك ذلا ان تعيش فترغما ومن زهده (ع) انه قتل: ما اعظم خوفك من ربك ؟ فقال: لا يأمن يوم القيامة إلا من خالف الله في الدنيا. ابانة ابن بطة قال عبد الله بن عبيد أبو عمير: لقد حج الحسين بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وان النجايب تقاد معه. عيون المجالس انه ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثم قال اذهب عني، قال أنس فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا يا رب يا رب أنت مولاه * فارحم عبيدا اليك ملجاه يا ذا المعالي عليك معتمدي * طوبى لمن كنت انت مولاه


[ 225 ]

طوبى لمن كان خائفا أرقا * يشكو إلى ذي الجلال بلواه وما به علة ولا سقم * أكثر من حبه لمولاه إذا اشتكى بثه وغصته * أجابه الله ثم لباه لبيك لبيك أنت في كنفي * وكلما قلت قد علمناه صوتك تشتاقه ملائكتي * فحسبك الصوت قد سمعناه دعاك عندي يجول في حجب * فحسبك الستر قد سفرناه لو هبت الريح في جوانبه * خر صريعا لما تغشاه سلني بلا رعبة ولا رهب * ولا حساب اني أنا الله وله عليه السلام: يا أهل لذة دنيا لا بقاء لها * ان اغترارا بظل زائل حمق وقال العبدي: آل النبي محمد * أهل الفضائل والمناقب المرشدون من العمى * المنقذون من اللوازب الصارفون الناطقون ال‍ * سابقون إلى الرغائب فولاهم فرض من الر * حمن في القرآن واجب وهم الصراط فمستقيم * فوقه ناج وناكب وقال القاضي الجليس بن حباب المصري: هم الصائمون القائمون لربهم * هم الخائفون خشية وتخشعا هم القاطعو الليل البهيم تهجدا * هم العامروه سجدا فيه ركعا هم الطيب الاخيار والخير في الورى * يروقون مرأى أو يشوقون مسمعا بهم تقبل الاعمال من كل عامل * بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا هم القائلون الفاعلون تبرعا * هم العالمون العاملون تورعا أبوهم وصي المصطفى حاز علمه * وأودعه من قبل ما كان أودعا


[ 226 ]

فصل: في محبة النبي اياه عليه السلام الصادق (ع) وابن عباس انه اخبر النبي صلى الله عليه وآله ان ام أيمن لا تزال تبكي من الليل إلى اليوم، فأتاها وقال: ما الذي أبكاك ؟ قالت: يا رسول الله رأيت رؤيا عظيمة شديدة فقال صلى الله عليه وآله: تقصيها على رسول الله فان الله ورسوله أعلم، قالت: تعظم علي أن أتكلم بها، فقال: ان الرؤيا ليست على ما ترى فقصيها على رسول الله، فقالت: رأيت في ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقي في بيتي، فقال: نامت عينك يا ام أيمن تلد فاطمة الحسين تربيه وتلبيه فيكون بعض أعضائي في بيتك. فلما كان اليوم السابع من ولادة الحسين أقبلت به إلى رسول الله فقال: مرحبا بالحامل والمحمول هذا تأويل رؤياك. أخرجه القيرواني في التعبير، وصاحب فضائل الصحابة. سليم بن قيس عن سلمان الفارسي قال: كان الحسين على فخذ رسول الله وهو يقبله ويقول: أنت السيد ابن السيد أبو السادة، أنت الامام ابن الامام أبو الأئمة، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج، تسعة من صلبك وتاسعهم قائمهم. ابن عمر: ان النبي بينما هو يخطب على المنبر إذ خرج الحسين فوطأ في ثوبه فسقط وبكى، فنزل النبي عن المنبر فضمه إليه وقال: قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت اني نزلت عن منبري. أبو السعادات في فضائل العشرة قال يزيد بن أبي زياد: خرج النبي من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع الحسين يبكي فقال: ألم تعلمي ان بكاءه يؤذيني. ابن ماجة في السنن، والزمخشري في الفايق، رأى النبي الحسين يلعب مع الصبيان في السكة فاستقبل النبي امام القوم فبسط احدى يديه فطفق الصبي يفر مرة من ههنا ومرة من ههنا ورسول الله يضاحكه، ثم أخذه فجعل احدى يديه تحت ذقنه والاخرى على أس رأسه وأقنعه فقبله وقال: أنا من حسين وحسين مني أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الاسباط استقبل أي تقدم، وأقنعه أي رفعه. قال المغيرة بن عبد الله: مر الحسين فقال له أبو ظبيان: ماله قبحه الله ان كان رسول الله ليفرج بين رجليه ويقبل زبيبه. عبد الرحمن أبي ليلى قال: كنا جلوسا عند رسول الله إذ أقبل الحسين فجعل ينزو على ظهر النبي وعلى بطنه فبال فقال دعوه. أبو عبيد في غريب الحديث انه قال صلى الله عليه وآله: لا ترزموا ابني، أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم دعا بماء فصبه على بوله.


[ 227 ]

سنن ابي داود: ان الحسين بال في حجر رسول الله، فقال لبانة: اعطني ازارك حتى اغسله قال: إنما يغسل من بول الانثى وينضح من بول الذكر. أحاديث الليث بن سعد: ان النبي كان يصلي يوما في فئة والحسين صغير بالقرب منه وكان النبي إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ثم حرك رجليه وقال: حل حل، وإذا أراد رسول الله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره وقال: حل حل، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي من صلاته فقال يهودي: يا محمد انكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن، فقال النبي: أما لو كنتم تؤمنون بالله وبرسوله لرحمتم الصبيان قال فاني اومن بالله وبرسوله، فأسلم لما رأى كرمه من عظم قدره. أمالي الحاكم قال أبو رافع: كنت الاعب الحسين وهو صبي بالمداحي فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت: احملني، فيقول: أتركب ظهرا حمله رسول الله فاتركه فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا احملك كما لم تحملني، فيقول: أما ترضى ان تحمل بدنا حمله رسول الله فاحمله. المدحاة لعب الاحجار في الحفيرات. ابن عباس: سألت هند عائشة أن تسأل النبي تعبير رؤيا، فقال صلى الله عليه وآله. قولي لها فلتقصص رؤياها، فقالت: رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي وكأن كوكبا قد خرج من القمر اسود فشد على شمس خرجت من الشمس اصغر من الشمس فابتلعها فاسود الافق لابتلاعها ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الارض إلا ان المسودة أحاطت بافق الارض من كل مكان فاكتحلت عين رسول الله بدموعه ثم قال: هي هند اخرجي يا عدوة الله، مرتين، فقد جددت علي احزاني ونعيت إلي احبابي، فلما خرجت قال: اللهم العنها والعن نسلها فسئل عن تعبيرها فقال اما الشمس التي طلعت عليها فعلي بن ابي طالب والكوكب الذي خرج من القمر اسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد لله وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر اسود فشد على شمس خرجت من الشمس اصغر من الشمس فابتلعتها فاسودت فذلك ابني الحسين يقتله ابن معاوية فتسود الشمس ويظلم الافق، واما الكواكب المسودة في الارض احاطت الارض من كل مكان فتلك بنو امية ويروى للحسين (ع): سبقت العالمين إلى المعالي * بحسن خليقة وعلو همه ولاح بحكمتي نور الهدى في * ليال في الضلالة مدلهمه يريد الجاحدون ليطفؤه * ويأبى الله إلا أن يتمه


[ 228 ]

قال البديع الهمداني: احب النبي وآل النبي * واختص آل أبي طالب وقال احمد بن علي النيسابوري: حسين بمرضاة ربي نعمة فيها * انال من جنة الفردوس آمالي وقال الحيص بيص: قوم إذا اخذ المديح قصائدا * أخذوه عن طه وعن ياسين وإذا عصى أمر الممالك خادم * نفذت أوامرهم على جبرين وقال آخر: علي أبو حسن والحسين * رشيدين للراشد المرشد ومن دنس الرجس قد طهروا * ففاز الذي بهم يقتدي فصل: في معالى اموره الرضا عن آبائه (ع) قال رسول الله: من أحب أن ينظر إلى أحب اهل الارض إلى اهل السماء فلينظر إلى الحسين. رواه الطبريان في الولاية والمناقب، والسمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن اسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب: انه مر الحسين على عبد الله ابن عمرو بن العاص فقال عبد الله: من أحب ان ينظر إلى أحب اهل الارض إلى اهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز وما كلمته منذ ليالي صفين، فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين (ع)، فقال الحسين: أتعلم اني أحب اهل الارض إلى اهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين والله ان أبي لخير مني، فاستعذر وقال: ان النبي قال لي: أطع أباك، فقال له الحسين: أما سمعت قول الله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) وقول رسول الله: إنما الطاعة في المعروف، وقوله: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. حفص بن غياث عن ابي عبد الله (ع) قال: ان رسول الله كان في الصلاة والى جانبه الحسين فكبر رسول الله فلم يحر الحسين التكبير، ثم كبر رسول الله فلم يحر الحسين التكبير، ولم يزل رسول الله بكير ويعالج الحسين التكبير ولم يحر حتى اكمل رسول الله سبع تكبيرات فأحار الحسين التكبير في السابعة، فقال أبو عبد الله (ع) فصارت سنة. ابن عباس والصادق (ع): ان الحسين لما ولد أمر الله جبرئيل ان يهبط في الف


[ 229 ]

من الملائكة فيهنئ رسول الله من الله تعالى ومن جبرئيل، قال: فهبط جبرئيل فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له فطرس فكان من الحملة فبعثه الله في شئ فأبطأ عليه فكسر جناحه والقاه في تلك الجزيرة فعبد الله سبعمائة عام حتى ولد الحسين فقال الملك لجبرئيل: أين تريد ؟ قال: ان الله عزوجل أنعم على محمد بنعمة فبعثت اهنئه من الله ومنى، فقال: يا جبرئيل احملني معك لعل محمدا يدعو لي، قال: فحمله فلما دخل جبرئيل على النبي هنأه من الله ومنه واخبره بحال فطرس، فقال النبي: قل له يتمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين وارتفع فقال: يا رسول الله أما ان امتك ستقتله، وله على مكافأة لا يزوره زائر إلا أبلغته عنه ولا يسلم مسلم إلا أبلغته سلامه ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته، ثم ارتفع. قال ابن عباس: فالملك ليس يعرف في الجنة إلا بأن يقال هذا مولى الحسين بن علي. وقد ذكر الطوسي في المصباح رواية عن القاسم بن العلاء الهمداني حديث فطرس الملك في الدعاء. وفي المسألة الباهرة في تفضيل الزهراء الطاهرة عن ابى محمد الحسن بن الطاهر القاينى الهاشمي ان الله تعالى كان خيره من عذابه في الدنيا أو في الآخرة فاختار عذاب الدنيا وكان معلقا بأشفار عينيه في جزيرة في البحر لا يمر به حيوان وتحته دخان منتن غير منقطع، فلما أحس الملائكة نازلين سأل من مر به منهم عما أوجب لهم ذلك، فقال ولد للحاشر الامي احمد من بنته ووصيه ولد يكون منه أئمة الهدى إلى يوم القيامة فسأل من اخبره انه يهنئ رسول الله بتلك عنه ويعلمه بحاله فلما علم النبي بذلك سأل الله تعالى ان يعتقه للحسين، ففعل سبحانه فحضر فطرس وهنأ النبي وعرج إلى موضعه وهو يقول: من مثلي وانا عتاقة الحسين بن علي وفاطمة وجده احمد الحاشر. قال: وجاء الحديث ان جبرئيل نزل يوما فوجد الزهراء نائمة والحسين قلقا على عادة الاطفال مع امهاتهم فقعد جبرئيل يلهيه عن البكاء حتى استيقظت فأعلمها رسول الله بذلك. الطبري طاوس اليماني عن ابن عباس قال رسول الله: رأيت في الجنة قصرا من درة بيضاء لا صدع فيها ولا وصل فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا القصر ؟ قال: للحسين ابنك، ثم تقدمت أمامه فإذا انا بتفاح فأخذت تفاحة ففلقتها فخرجت منها حوراء كان مقاديم النسور اشفار عينيها فقلت: لمن انت ؟ فبكت ثم قالت: لابنك الحسين. وروي عن الحسين بن علي (ع) انه قال: صح عندي قول النبي افضل الاعمال بعد الصلاة ادخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه فاني رأيت غلاما يواكل


[ 230 ]

كلبا فقلت له في ذلك فقال: يا ابن رسول الله اني مغموم اطلب سرورا بسروره لان صاحبي يهودي اريد افارقه، فأتى الحسين (ع) إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له، فقال اليهودي: الغلام فدى لخطاك وهذا البستان له ورددت عليك المال، فقال (ع) وانا قد وهبت لك المال، فقال: قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الحسين: أعتقت الغلام ووهبته له جميعا، فقالت امرأته: قد اسلمت ووهبت زوجي مهري، فقال اليهودي وانا ايضا اسلمت واعطيتها هذه الدار. الترمذي في الجامع: كان ابن زياد يدخل قضيبا في انف الحسين ويقول: ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا، فقال أنس: انه اشبههم برسول الله. وروي ان الحسين كان يقعد في المكان المظلم فيهتدى إليه ببياض جبينه ونحره. أبو عيسى في جامعه، وابو نعيم في حليته، والسمعاني في فضائله، وابن بطة في ابانته عن ابي نعيم انه سأل رجل ابن عمر عن دم البعوض، فقال: انظروا إلى هذا سألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله وسمعته يقول: الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا. أبو حمزة بن عمران قال: ذكرت خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه فقال الصادق (ع): يا ابا حمزة اقول لك ما يغنيك سؤاله، ان الحسين لما انصرف من مكة دعا بكاغد وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بنى هاشم، اما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح والسلام. قال ابن حماد شربت من ماء الولا شربة * فأورثتني النسك قبل الفطام ولاح نجم السعد في طالعي * إذ صرت مولى لاناس كرام لآل ياسين الذين حبهم * ينجو به المؤمن يوم الخصام فمثل مولاي الحسين الذي * بالطف مدفون عليه السلام ابن علي بن ابي طالب * سبط رسول الله خير الانام من شرف الله به مكة * وزمزما والبيت بيت الحرام من ظهر الاسلام طفلا به * وطهر الكفر بحد الحسام هذا ابن من قد كان من ربه * كقاب قوسين بغير احتشام هذا ابن من آثر في قوته * وبات بالاهل ثلاثا صيام هذا ابن من ساد بنى هاشم * إذا ظللته في الفلاة الغمام


[ 231 ]

هذا شهيد الطف هذا الذي * حبي له يمحو جميع الاثام هذا الامام ابن الامام الذي * منه لنا في كل عصر إمام هذا الذي زائره كالذي * حج إلى الكعبة في كل عام فصل: في تواريخه وألقابه ولد الحسين عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة اربع من الهجرة بعد اخيه بعشرة اشهر وعشرين يوما. وروي انه لم يكن بينه وبين اخيه إلا الحمل والحمل ستة اشهر. عاش مع جده ستة سنين واشهرا، وقد كمل عمره خمسين. ويقال: كان عمره سبعا وخمسين سنة وخمسة اشهر. ويقال: ثمان وخمسون. ومدة خلافته خمس سنين واشهر في آخر ملك معاوية واول ملك يزيد. قتله عمر بن سعد بن ابي وقاص، وخولي بن يزيد الاصبحي، واجتز رأسه سنان بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن. وسلب جميع ما كان عليه اسحاق بن حيوة الحضرمي وامير الجيش عبيد الله بن زياد، وجه به يزيد بن معاوية. ومضى قتيلا يوم عاشوراء، وهو يوم السبت العاشر من المحرم قبل الزوال. ويقال يوم الجمعة بعد صلاة الظهر وقيل يوم الاثنين بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين بالعراق سنة ستين من الهجرة ويقال سنة احدى وستين، ودفن بكربلاء من غربي الفرات. قال الشيخ المفيد: فأما اصحاب الحسين فانهم مدفونون حوله ولسنا نحصل لهم اجداثا والحاير محيط بهم. وذكر المرتضى في بعض مسائله ان رأس الحسين رد إلى بدنه بكربلاء من الشام وضم إليه. وقال الطوسي: ومنه زيارة الاربعين. وروى الكلبي في ذلك روايتين، احداهما عن ابان بن تغلب عن الصادق (ع) انه مدفون بجنب امير المؤمنين. والاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق انه مدفون بظهر الكوفة دون قبر امير المؤمنين (ع). أبناؤه: علي الاكبر الشهيد، امه برة بنت عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الامام وهو علي الاوسط، وعلي الاصغر من شهربانويه، ومحمد و عبد الله الشهيد من ام الرباب بنت امرئ القيس، وجعفر وامه قضاعية. وبناته: سكينة امها رباب بنت امرئ القيس الكندية، وفاطمة امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبد الله، وزينب


[ 232 ]

وأعقب الحسين (ع) من ابن واحد وهو زين العابدين وابنتين. وبابه: رشيد الهجرى. ومن اصحابه: عبد الله بن يقطر رضيعه وكان رسوله رمي به من فوق القصر بالكوفة، وأنس بن الحارث الكاهلي، وأسعد الشامي، عمرو بن ضبيعة، رميث بن عمرو، زيد بن معقل، عبد الله بن عبد ربه الخزرجي، سيف بن مالك، شبيب بن عبد الله النهشلي، ضرغامة بن مالك، عقبة بن سمعان، عبد الله بن سليمان، المنهال بن عمرو الاسدي، الحجاج بن مالك، بشر بن غالب، عمران بن عبد الله الخزاعي. اسمه: الحسين، وفي التوراة: شبير، وفي الانجيل: طاب. وكنيته: أبو عبد الله، والخاص: أبو علي. وألقابه: الشهيد السعيد، والسبط الثاني، والامام الثالث، والمبارك والتابع لمرضات الله، المتحقق بصفات الله، والدليل على ذات الله، افضل ثقات الله، المشغول ليلا ونهارا بطاعة الله، الشارى بنفسه لله، الناصر لاولياء الله، المنتقم من اعداء الله، الامام المظلوم، الاسير المحروم، الشهيد المرحوم، القتيل المرحوم، الاماما الشهيد، الولي الرشيد، الوصي السديد، الطريد الفريد، البطل الشديد، الطيب الوفى، الامام الرضي، ذو النسب العلي، المنفق الملي، أبو عبد الله الحسين بن علي، منبع الائمة، شافع الامة، سيد شاب اهل الجنة، وعبرة كل مؤمن ومؤمنة، صاحب المحنة الكبرى، والواقعة العظمى، وعبرة المؤمنين في دار البلوى، وكان بالامامة أحق واولى، المقتول بكربلا، ثاني السيد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا، الحسين ابن علي المرتضى، زين المجتهدين، وسراج المتوكلين، مفخر أئمة المهتدين، وبضعة كبد سيد المرسلين، نورة العترة الفاطمية، وسراج الانساب العلوية، وشرف غرس الاحساب الرضوية، المقتول بأيدى شر البرية، سبط الاسباط، وطالب الثار يوم الصراط، اكرم العتر، وأجل الاسر، وأثمر الشجر، وأزهر البدر، معظم مكرم موقر، منظف مطهر، اكبر الخلائق في زمانه في النفس، واعزهم في الجنس، اذكاهم في العرف، واوفاهم في العرف، اطيب العرق، واجمل الخلق، واحسن الخلق، قطعة النور، ولقلب النبي سرور، المنزه عن الافك والزور، على تحمل المحن والاذى صبور، مع القلب المشروح حسور، مجتبى الملك الغالب، الحسين بن علي بن ابى طالب وقال أبو الفضل الهمداني: من ابوه الرسول، وامه البتول: وشاهده التوراة


[ 233 ]

والانجيل، وناصره التأويل والتنزيل، والمبشر به جبرئيل وميكائيل، غذته كف الحق، وربي في حجر الاسلام، ورضع من ثدي الايمان. وانشأ (ع) يوم الطف كفر القوم وقدما رغبوا * عن ثواب الله رب الثقلين قتلوا قدما عليا وابنه * الحسن الخير الكريم الطرفين حنقا منهم وقالوا اجمعوا * نفتك الآن جميعا بالحسين يا لقوم من اناس رذل * جمعوا الجمع لاهل الحرمين ثم ساروا وتواصوا كلهم * باحتياجي لرضاء الملحدين لم يخافوا الله في سفك دمي * لعبيد الله نسل الكافرين وابن سعد قد رماني عنوة * بجنود كوكوف الهاطلين لا لشئ كان مني قبل ذا * غير فخري بضياء الفرقدين بعلي الخير من بعد النبي * والنبي القرشي الوالدين خيرة الله من الخلق ابي * ثم امي فأنا ابن الخيرتين فضة قد خلصت من ذهب * فأنا الفضة وابن الذهبين فاطم الزهراء امي وابي * وارث الرسل ومولى الثقلين طحن الابطال لما برزوا * يوم بدر وبأحد وحنين وله في يوم احد وقعة * شفت الغل بفض العسكرين ثم بالاحزاب والفتح معا * كان فيها حتف اهل القبلتين واخو خيبر إذا بارزهم * بحسام صارم ذي شفرتين منفي الصفين عن سيف له * وكذا افعاله في القبلتين والذي اردى جيوشا اقبلوا * يطلبون الوتر في يوم حنين في سبيل الله ماذا صنعت * امة السوء معا بالعترتين عترة البر التقي المصطفى * وعلي القرم يوم الجحفلين من له عم كعمي جعفر * وهب الله له اجنحتين من له جد كجدي في الورى * وكشيخي فأنا ابن العلمين والذي شمس وامي قمر * فأنا الكواكب وابن القمرين جدي المرسل مصباح الهدى * وابي الموفي له بالبيعتين بطل قرم هزبر ضيغم * ماجد سمح قوي الساعدين عروة الدين علي ذاكم * صاحب الحوض مصلي القبلتين


[ 234 ]

مع رسول الله سبعا كاملا * ما على الارض مصل غير ذين ترك الاوثان لم يسجد لها * مع قريش مذنشا طرفة عين عبد الله غلاما يافعا * وقريش يعبدون الوثنين يعبدون اللات والعزى معا * وعلي قائم بالحسنيين وابي كان هزبرا ضيغما * يأخذ الرمح فيطعن طعنتين كتمشي الاسد بغيا فسقوا * كاس حتف من نجيع الحنظلين ثم استوى على فرسه وقال: انا ابن علي الخير من آل هاشم * كفانى بهذا مفخرا حين افخر وجدي رسول الله اكرم خلقه * ونحن سراج الله في الارض يزهر وفاطم امي من سلالة احمد * وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر وفينا كتاب الله انزل صادقا * وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر ونحن امان الله للخلق كلهم * نسر بهذا في الانام ونجهر ونحن ولاة الحوض نسقي ولينا * بكاس رسول الله ما ليس ينكر وشيعتنا في الناس اكرم شيعة * ومبغضنا يوم القيامة يخسر فصل: في المفردات من مناقبه عليه السلام تاريخ بغداد، وخراسان، والابانة، والفردوس، قال ابن عباس: اوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله: انى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفا واقتل بابن بنتك سبعين الفا وسبعين الفا. الصادق (ع): قتل بالحسين مائة الف وما طلب بثاره وسيطلب بثاره. تفسير النقاس باسناده عن سفيان الثوري عن قابوس بن ابى ظبيان عن ابيه عن ابن عباس قال: كنت عند النبي وعلى فخذه الايسر ابنه ابراهيم وعلى فخذه الايمن الحسين بن علي وهو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين، فلما سرى عنه قال: اتانى جبرئيل من ربى فقال: يا محمد ان ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لست اجمعهما فافد احدهما بصاحبه، فنظر النبي إلى ابراهيم فبكى وقال: ان ابراهيم امه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وام الحسين فاطمة وابوه علي ابن عمي لحمي ودمي ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت انا عليه وانا اوثر حزنى على حزنهما يا جبرئيل يقبض ابراهيم فديته بالحسين. قال: فقبض بعد ثلاث. فكان النبي إذا رأى الحسين مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال:


[ 235 ]

فديت من فديته بابني ابراهيم. يقال: دخل الحسين (ع) على معاوية وعنده اعرابي يسأله حاجة فأمسك وتشاغل بالحسين، فقال الاعرابي لبعض من حضر: من هذا الذي دخل ؟ قالوا: الحسين بن علي، فقال الاعرابي للحسين: يا ابن بنت رسول الله لما كلمته حاجتي، فكلمه الحسين في ذلك فقضى حاجته فقال الاعرابي: اتيت العبشمي فلم يجد لي * إلى ان هزه ابن الرسول هو ابن المصطفى كرما وجودا * ومن بطن المطهرة البتول وان لهاشم فضلا عليكم * كما فضل الربيع على المحول فقال معاوية: يا اعرابي اعطيك وتمدحه ؟ فقال الاعرابي: يا معاوية اعطيتني من حقه وقضيت حاجتي بقوله. العقد عن الاندلسي: دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له اشر علي في الحسين، فقال: ارى ان تخرجه معك إلى الشام وتقطعه عن اهل العراق وتقطعهم عنه، فقال اردت والله ان تستريح منه وتبتليني به فان صبرت عليه صبرت على ما اكره وإن اسأت إليه قطعت رحمه، فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص فقال له: يا ابا عثمان اشر علي في الحسين، فقال: انك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك وانك لتخلف له قرنا إن صارعه ليصر عنه وإن سابقه ليسبقنه فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ويصعد في الهواء ولا يبلغ إلى السماء. ومن مناقبه (ع) ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الراس من كربلا إلى عسقلان وما بينهما في الموصلان ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك. والخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله: شفاء امتي في تربتك والائمة من ذريتك. ويروى الشفاء في تربته، والاجابة تحت قبته والائمة من ذريته. قال الشعبي في حديثه: قال ذكوان مولى الحسين عند معاوية: فيم الكلام لسابق في غاية * والناس بين مقصر ومبلد ان الذي يجري ليدرك شاؤه * في غاية تنمى لغير مسدد بل كيف يدرك نور بدر ساطع * خير الانام وفرع آل محمد ومن عجائبه ما بقي مأتمه في البلاد كلها لانه آخر اهل العباء واشنع قتيل في الدنيا قال المرتضى: مصيبة قدم الازمان يوقدها * والماضيات من الايام تذكيها


[ 236 ]

وقال الشريف ابن الرضا: يا حسين بن فاطم بن علي * أنت سبط الرسول ذو الانساب يا إمامي ومرشدي ووليي * ومغيثي على الامور الصعاب وقال الصاحب: اواليكم يا أهل بيت محمد * فكلكم للعلم والدين فرقد وأترك من ناواكم وهو هتكه * ينادى عليه مولد ليس يحمد وقال علم الهدى: يا حجة الله كم تلقى حقوقكم * تدنون منها وأيدي البغي تقصيها وكم سروحكم في أرض مضبعة * فلا السيوف ولا الا رماح تحميها وكم غروسكم تروى بناءكم * عنها وأيدي العوادي النكد تجنيها وكم دياركم منكم مفرغة * وغيركم من أعادي الدين ياويها وكم اكابد فيكم ثقل مولمة * بالامن والخوف ابديها واخفيها حتى مضى ثاركم لا طالبين له * وناركم نام عنها الدهر مذكيها حتى متى أنتم لحم على وضم * ومضغة بيد ترمى إلى فيها حتى متى تخفض الغاوون ذروتكم * والله يرفعها عمدا ويعليها حتى من تهدم الاقوام هضبتكم * والله في كل يوم جاء يبنيها وقال كشاجم: يا عترة حبهم يدين به * صالح هذا الورى وطالحه مغالق الشم أنتم يا بني * أحمد إذ غيركم مفاتحه طبتم فان مر ذكركم عرضا * فاح بدار الجنان فائحه أكاتم الحزن في محبتكم * والحب يعبأ به مكادحه فصل: في مقتل عليه السلام تفسير أبي يوسف بن يعقوب بن سفيان، وتفسير يوسف بن موسى القطان عن عمرو بن حمران عن سعيد بن أبي المليح عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) قال: هذا وعيد من الله لظلمة أهل بيت محمد (ع) وتعزية للمظلوم. وفي أثر ابن عباس: رأى النبي في منامه بعد قتل الحسين وهو مغبر الوجه حافى


[ 237 ]

القدمين باكي العينين وقد ضم حجز قميصه إلى نفسه وهو يقرأ هذه الآية، وقال: اني مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الارض وهو ذا في حجري وأنا ماض اخاصمهم بين يدي ربي. الباقر (ع) في قوله تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت)، يقول: يسألكم عن الموؤدة التي أنزل عليكم فضلها مودة ذي القربى، وحقنا الواجب على الناس، وحبنا الواجب على الخلق، قتلوا مودتنا بأي ذنب قتلونا. سأل اسحاق الاحمر الحجة (ع) عن قول الله تعالى (كهيعص)، فقال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليه عبده زكريا ثم قصها على محمد (ص) وذلك ان زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعيا وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين غلبته العبرة ووقعت عليه الزفرة فقالت ذات يوم: إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرث الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله في قصته فقال: كهيعص، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم للحسين، والعين عطشه، والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب ويقول: إلهي أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل الرزية بفنائه إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أتحل هذه الفجيعة بساحتهما، ثم كان يقول: اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر واجعله وارثا رضيا يوازي محله مني الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة اشهر، وحمل الحسين ستة اشهر، وذبح يحيى كما ذبح الحسين ولم تبك السماء والارض إلا عليهما، الخبر. علي بن الحسين (ع) قال: خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا، وقال يوما: من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى اهدي إلى بغي ما بغايا بني اسرائيل. وفي حديث مقاتل عن زين العابدين (ع): ان امرأة ملك بني اسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك، فعرفت المرأة ذلك وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك فذهبت ولعبت بين يديه، فقال لها الملك: ما حاجتك ؟ قالت: رأس يحيى بن زكريا، فقال الملك: يا بنية حاجة غير هذه، قالت: ما اريد غيره، وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه


[ 238 ]

فخير بين ملكه وبين قتل يحيى فقتله، ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب فأمرت الارض فأخذتها، وسلط الله عليهم بخت نصر فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئا، فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت: أيها الملك ان هذه مدينة الانبياء لا ننفتح إلا بما أدلك عليه، قال: لك ما سألت، قالت: ارمها بالخبث والعذرة، ففعل فتقطعت فدخلها فقال: علي بالعجوز، فقال لها: ما حاجتك ؟ قالت: في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن، فقتل عليه سبعين الفا حتى سكن، يا ولدي يا علي والله لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي الله فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين الفا. وقال بعض المفسرين في قوله: (واذكر في الكتاب اسماعيل) الآيات، انه اسماعيل ابن حزقيل، لان اسماعيل بن ابراهيم مات قبل أبيه بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه وفروة رأسه، فخيره الله في ما شاء من عذابهم، فاستعفاه ورضى بثوابه وفوض أمرهم إلى الله. وقد رواه أصحابنا عن الصادق (ع) قال في آخره: أتاه ملك من ربه يقرأه السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين اسوة. الصادق (ع): دخل الحسين على اخيه الحسن يوما فلما نظر إليه بكى، فقال له الحسن: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال: أبكي لما يصنع بك، فقال له الحسن: ان الذي يؤتي إلي بسم يومى إلي فاقتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف اليك ثلاثون الف رجل يدعون انهم امة جدك محمد وينتحلون دين الاسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني امية اللعنة وتمطر السماء دما ورمادا ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار. النبي صلى الله عليه وآله: بيني وبين قاتل الحسين خصومة يوم القيامة، آخذ ساق العرش بيدي، ويأخذ علي بحجزتي، وتأخذ فاطمة بحجزة علي ومعها قميص، فأقول: يا رب انصفني في قتله الحسين. الرضا (ع): ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيه فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا واضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم يترك لرسول الله حرمة في أمرنا، ان يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا، أرض كرب وبلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام


[ 239 ]

قال الحميري: كربلا يا دار كرب وبلا * وبها سبط النبي قد قتلا وله أيضا: في حرام من الشهور احلت * حرمة الله والحرام حرام الرضا (ع): من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله حوائجه في الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء مصيبته وحزنه وبكاؤه جعل الله يوم القيامة فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه، ومن سمى يوم عاشورا يوم بركة وأذخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له وحشره يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد إلى أسفل درك من النار. وشرب الصادق (ع) وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه وقال: لعن الله قاتل الحسين، ثم قال بعد كلام: وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة الف حسنة ورفع له مائة الد درجة وكان كأنما أعتق مائة الف نسمة ومحا عنه مائة الف سيئة وحشره يوم القيامة أبلج الوجه. الحسين (ع): أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر. قال المرتضى: أاسقى نمير الماء ثم يلذلي * ووردكم آل الرسول خلاة تذادون عن ماء القرات وكارع * به إبل للغادرين وشاة وقال العوني: وأحزنا للحسين منجدلا * عار بذيل التراب ملتحف عطشان يرنو إلى الفرات ظمأ * وماؤها بالاكف يغترف تشرع فيه كلاب عسكره * وابن علي عليه يلتهف التهذيب قال الصادق (ع): كان رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا ما يتفل في أفواه الاطفال المراضع من ولد فاطمة من ريقه ويقول: لا تطعمهم شيئا إلى الليل وكانوا يروون من ريق رسول الله. قال: وكانت الوحش تصوم يوم عاشورا على عهد داود وهذه نبذ اخترناها مما صنفه أبو جعفر ابن بابويه، والسيد الجرجاني، وابن مهدي المامطيري، و عبد الله بن أحمد بن حنبل، وشاكر بن غنمة، وأبو الفضل الهاشمي وغيرهم. روي انه لما مات الحسن بن علي استدعي الحسين في خلع معاوية فقال: ان بيني وبين معاوية عهدا لا يجوز نقضه، فلما قربت وفاة معاوية قال لابنه يزيد: لا ينازعك في هذا الامر إلا أربعة: الحسين بن علي و عبد الله بن عمر و عبد الله


[ 240 ]

ابن الزبير و عبد الرحمن بن أبي بكر، فأما ابن عمر فانه زاهد ويبايعك إذا لم يبق أحد غيره، وأما ابن ابي بكر فانه مولع بالنساء واللهو، وأما ابن الزبير فانه يراوغك روغان الثعلب ويجثم عليك جثوم الاسد فان قدرت عليه فقطعه اربا اربا، وأما الحسين فان أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فان قدرت عليه فاصفح عنه فان له رحما ماسة وحقا عظيما. قال: فلما مات معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من هؤلاء الاربعة أخذا ضيقا ليست فيه رخصة فمن تأبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه، فأحضر الوليد مروان وشاوره في ذلك فقال: الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل ان يعلموا، فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة فقال عبد الرحمن و عبد الله: ندخل دورنا ونغلق أبوابنا، وقال ابن الزبير: والله ما ابايع يزيدا ابدا، وقال الحسين بن علي (ع): أنا لا بد لي من الدخول على الوليد وأنظر ما يقول، ثم قال لمن حوله من أهل بيته: إذا انا دخلت على الوليد وخاطبته وخاطبني وناظرته وناظرني كونوا على الباب فإذا سمعتم الصيحة قد علت والاصوات قد ارتفعت فاهجموا إلى الدار ولا تقتلوا احدا ولا تثيروا الفتنة. فلما دخل عليه وقرأ الكتاب قال: ما كانت ابايع ليزيد، فقال مروان: بايع لامير المؤمين، فقال الحسين: كذبت ويلك على المؤمنين من أمره عليهم ؟ فقام مروان وجرد سيفه وقال: مر سيافك ان يضرب عنقه قبل ان يخرج من الدار ودمه في عنقي، وارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلا من اهل بيته وقد انتضوا خناجرهم فخرج الحسين معهم ووصل الخبر إلى يزيد فعزل الوليد وولاها مروان، وخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة ولم يتشدد على ابني العمرين. فكان الحسين (ع) يصلي يوما إذ وسن فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه يخبره بما يجري عليه، فقال الحسين: لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني اليك، فيقول: لا بد من الرجوع حتى تذوق الشهادة. وكان محمد بن الحنفية و عبد الله بن المطيع نهياه عن الكوفة وقالا: انها بلدة مشؤمة قتل فيها ابوك وخذل فيها اخوك فالزم الحرم فانك سعيد العرب لا يعدل بك اهل الحجاز وتتداعى اليك الناس من كل جانب ثم قال محمد بن الحنفية: وان نبت بك لحقت بالرمال وسعف الجبال وتنفلت من بلد إلى بلد حتى تفرق لك الرأي فتستقبل الامور استقبالا ولا تستدبرها استدبارا. وقال ابن عباس: لا تخرج إلى العراق وكن باليمن لحصانتها ورجالها.


[ 241 ]

فقال (ع): اني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت أطلب الصلاح في امة جدي محمد أريد آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر أسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهو أحكم الحاكمين. قالوا: فخرج ليلة الثالث من شعبان سنة ستين وهو يقرأ: (فخرج منها خائفا يترقب) الآية، ثم ان أهل الكوفة اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي فكاتبوا الحسين (ع): من سليمان بن صرد والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من اهل الكوفة: سلام عليك، اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزى على هذه الامة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها، فبعدا له كما بعدت ثمود، انه ليس علينا بامام، فاقبل لعل الله أن يجمعنا على الحق بك، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجمع معه في الجمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا انك قد أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام انشاء الله. ثم سرحوا الكتاب مع عبيد الله بن مسلم الهمداني و عبد الله بن مسمع البكري حتى قدما على الحسين لعشر مضين من شهر رمضان. ثم بعد يومين أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي، و عبد الرحمن بن عبد الله الارخي وعمارة بن عبد الله السلولي، و عبد الله بن وال السهمي إلى الحسين ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين. ثم سرحوا بعد يومين هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب فيه للحسين بن علي من شيعته المؤمنين، اما بعد: فحيهل فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل يا ابن رسول الله. وكتب شبث بن ربعي، وحجار بن أبحر ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمير، وعروة بن قيس: اما بعد، فقد أخصب الجناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فاقدم على جند مجندة. فاجتمعت الرسل كلهم عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس ثم كتب مع مسلم بن عقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملا من المسلمين والمؤمنين، اما بعد: فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد


[ 242 ]

فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: انه ليس لنا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، وأنا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فان كتب إلي انه قد أجمع رأي احداثكم وذوي الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وتواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا ان شاء الله، ولعمري ما الامام إلا الحاكم القائم بالقسط، الداين بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله. فقصد مسلم على غير الطريق، وكان رائده رجلان من قيس عيلان فأضلا الطريق وماتا من العطش وأدرك مسلم ماء، فتطير مسلم من ذلك وكتب إلى الحسين يستعفبه من ذلك. فأجابه: اما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلا الجبن والفشل فامض لما امرت به. فدخل مسلم الكوفة فسكن في دار سالم بن المسيب، فاختلف إليه الشيعة فقرأ عليهم كتابه، فبايعه اثنا عشر الف رجل، فرفع ذلك إلى النعمان بن بشير وهو والي الكوفة فجمع الناس وخطب فيهم ونصحهم. وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي، وعمارة بن عقبة بن الوليد، وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد: إن كان لك حاجة في الكوفة فابعث رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك فان النعمان بن بشير اما ضعيف أو متضعف فكتب يزيد على يدي مسلم بن عمر الباهلي إلى عبيد الله بن زياد وهو والي البصرة وولاه الكوفة مع البصرة وأن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله أو ينفيه فالعجل العجل. فلما وصل المنشور إلى ابن زياد قصد الكوفة ودخلها بغتة في الليل وهو ملثم فزعم من رآه انه الحسين، فكانوا يقولون: مرحبا يابن رسول الله قدمت خير مقدم، حتى نزل دار الامارة، فانتقل مسلم من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المذحجي في الليل ودخل في أمانه. وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون الف رجل، فعزم على الخروج فقال هاني: لا تعجل. ثم ان عبيد الله أعطى مولاه معقل ثلاثة آلاف درهم وقال له: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه اهل الكوفة فاعلمه انك رجل من اهل حمص جئت لهذا الامر وهذا مال تدفعه لتتقوى به. فلم يزل يتلطف ويسترشد حتى دل عل مسلم بن عوسجة الاسدي، وكان الذي يأخذ البيعة فأدخله على مسلم وقبض منه المال وبايعه، ورجع معقل إلى عبيد الله فأخبره. وكان شريك بن الاعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد، فمرض


[ 243 ]

فنزل في دار هاني بن عروة أياما، ثم قال لمسلم: ان عبيد الله يعودني واني مطاوله الحديث فاخرج إليه بسيفك فاقتله وعلامتك أن أقول: اسقوني ماء، ونهاه هاني عن ذلك. فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله، ورأى ان أحدا لا يخرج فخشى أن يفوته فأخذ يقول: ما الانتظار لسلمى ان يحييها * كأس المنية بالتعجيل اسقوها فتوهم ابن زياد وخرج، فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه: للحسين بن علي، اما بعد: فاني اخبرك انه قد بايعك من اهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فان الناس معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى. فامر ابن زياد بقتله، وقال لمحمد بن الاشعث الكندي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وأسماء بن خارجة الفزاري: احضروا هاني ابن عروة، فأحضروه باللطف، فالتفت ابن زياد إلى شريح القاضي وتمثل: اريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد فقال هاني: ما هذا أيها الامير ؟ قال: جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في دور حولك وظننت ان ذلك يخفى علي ! فأنكر هاني بن عروة ذلك، فقال: علي بمعقل، فلما جئ به قال: أتعرفه ؟ قال هاني: ما دعوت مسلما وإنما جاءني بالجوار فإذ قد عرفت أخرجه من جواري، قال: لا والله لا مناص لك مني إلا بعد أن تسلمه إلي، قال: لا يكون ذلك أبدا، فكلمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك قال: ليس عليك في دفعه عار إنما تدفعه إلى السلطان، فقال هاني: بلى والله علي أعظم العار أن اسلم جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله وأنا حي صحيح الساعدين كثير الاعوان والله لو لم أكن إلا واحدا لما سلمته أبدا حتى أموت من دونه، فقال ابن زياد: إنم لم تحضره لاضربن عنقك، وضرب قضيبا على أنفه وجبهته حتى هشمه وأمر بحبسه. وبلغ ذلك مذحجا فأقبلت إلى القصر فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج إليهم ويعلمهم انه حي سالم فخرج إليهم وصرفهم: ووصل الخبر إلى مسلم بن عقيل في أربعة آلاف كانوا حواليه فاجتمع إليه ثمانية آلاف ممن بايعوه فتحرز عبيد الله وغلق الابواب وسار مسلم حتى أحاط بالقصر، فبعث عبيد الله كثير بن شهاب الحارثي ومحمد بن الاشعث الكندي من باب الروميين براية الامان لمن جاءها من الناس، فرجع الرؤساء إليها فدخلوا القصر، فقال لهم عبيد الله أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة وخوفوا أهل المعصية، فما زال الناس يتفرقون حتى أمسى مسلم وما معه إلا ثلاثون نفسا، فلما صلى المغرب ما رأى أحدا فبقى في أزقة كندة متحيرا فمشى حتى أتى إلى


[ 244 ]

باب امرأة يقال لها طوعة كانت ام ولد محمد بن الاشعث فتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا، وكان بلال خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره فقال لها مسلم: يا أمة الله اسقيني، فسقته وجلس، فقالت له: يا عبد الله اذهب إلى اهلك، فسكت، ثم عادت فسكت، فقالت: سبحان الله قم إلى أهلك، فقال: ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة. قالت: فلعلك مسلم بن عقيل ؟ فآوته، فلما دخل بلال على امه وقف على الحال ونام، فلما أصبح أذن مناد من دل على مسلم فله ديته وبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره، فجاء بلال إلى عبد الرحمن بن محمد الاشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عنده فأقبل عبد الرحمن ودنا من أبيه وساره، فقال ابن زياد: ما يقول ابنك ؟ فقال: يقول: ابن عقيل في دار من دورنا، فأنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي ومحمد ابن الاشعث في سبعين رجلا حتى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم وهو يقول: هو الموت فاصنع ويك ما انت صانع فأنت بكاس الموت لا شك جارع فصبر لامر الله جل جلاله * فحكم قضاء الله في الخلق ذايع فقتل منهم واحدا واربعين رجلا، فأنفذ ابن زياد اللائمة إلى ابن الاشعث، فقال أيها الامير انك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الانام قال: ويحك ابن عقل لك الامان، وهو يقول: لا حاجة لي في أمان الفجرة، وهو يرتجز: أقسمت لا اقتل إلا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا أكره ان اخدع أو اغرا * كل امرئ يوما يلاقي شرا أضربكم ولا اخاف ضرا * ضرب غلام قط لم يفرا فضربوه بالسهام والاحجار حتى عيى واستند حايطا فقال: مالكم ترموني بالاحجار كما ترمى الكفار وأنا من اهل بيت الانبياء الابرار لا ترعون حق رسول الله في ذريته فقال ابن الاشعث: لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي، قال اؤسر وبي طاقة لا والله لا يكون ذلك أبدا، وحمل عليه فهرب منه فقال مسلم: اللهم ان العطش قد بلغ مني، فحملوا عليه من كل جانب، فضربه بكير بن حمران الاحمري على شفته العليا وضربه مسلم في جوفه فقتله، وطعن من خلفه فسقط من فرسه فأسر، فقال مسلم: اسقوني شربة من ماء، فأتاه غلام عمرو بن حريث بشربة زجاج وكانت تملى دما وسقطت فيه ثنيته، فأتي به إلى ابن زياد فتجاوبا، وكان ابن زياد يسب حسينا وعليا (ع) فقال مسلم: فاقض ما أنت قاض يا عدو الله، فقال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر


[ 245 ]

واضربوا عنقه وكان مسلم يدعو الله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا فقتله وهو على موضع الحذائين، ثم أمر بقتل هاني بن عروة في محله يباع فيها الغنم ثم أمر بصلبه منكوسا. وانشد اسدي: فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل وأنفذ رأسهما إلى يزيد في صحبة هاني بن حيوة الوادعي فنصب الرأسين في درب من دمشق وكتب قد بلغني ان الحسين قد عزم إلى المسير إلى العراق فضع المراصد واحبس على الظن واقتل على التهمة حتى تكفى أمره. فلما عزم الحسين على الخروج نهاه عمرو بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي فقال جزاك الله يا ابن عم مهما يقض يكن وانت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح. فأتاه ابن عباس وتكلم في ذلك كثيرا فانصرف ومر بعبد الله بن الزبير فقال: قد قلت لما ان وزيت معشري * يا لك من قنبره بمعمري خلا لك الجو فبيصي واصفري * ونقري ما شئت أن تنقري هذا حسين ساير فاستبشري مذ رفع الفخ فماذا تحذري لابد من اخذك يوما فاصبري وكتب إليه عبد الله بن جعفر من المدينة في ذلك فأجابه: اني قد رأيت جدي رسول الله في منامي فخبرني بأمر وأنا ماض له لي كان أم علي والله يا ابن عم ليعتدين علي كما يعتدى اليهود يوم السبت، وخرج. فلما بلغ ذات عرق رأى الفرزدق الشاعر فسأل الخبر فقال: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني امية، قال: صدقت يا أخا تيم وان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فلما بلغ الحاجز من بطن الرقة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى اهل الكوفة يخبرهم بمجيئه ك، فأخذه الحصين بن نمير في القادسية وبعث به إلى ابن زياد، فقال له ابن زياد اصعد القصر فسب الكذاب ابن الكذاب، فصعد فأثنى على الله وعلى رسوله وعلى اهل بيته ولعن زيادا وابنه، فرمي به من فوق القصر فمات. فلما نزل الحسين بالخزيمية قالت زينب: يا أخي سمعت في ليلتي هاتفا يهتف: ألا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي إلى قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلى إنجاز وعد فلما وصل إلى الثعلبية جعل يقول: باتوا نياما والمنايا تسري، فقال علي بن الحسين الاكبر: ألسنا على الحق ؟ قال: بلى، قال: إذا والله ما نبالي.


[ 246 ]

فلما نزل شقوق اتاه رجل فسأله عن العراق، فأخبره بحاله، فقال: ان الامر لله يفعل ما يشاء وربنا تبارك كل يوم في شأن فان نرل القضاء فالحمد لله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وان حال القضاء ودون الرجاء فلم يبعد من الحق نفيه ثم أنشد فان تكن الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل وان تكن الاموال للترك جمعها * فما بال متروك به الحر يبخل وان تكن الارزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في الكسب أجمل وان تكن الابدان للموت انشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل عليكم سلام الله يا آل أحمد * فاني أراني عنكم سوف أرحل فلما نزل على شراف قال: رأيت النخيل، فقال رجلان اسديان كانا معه: هذا مكان ما رأينا به نخلا قط، قال الحسين: فما تريانه ؟ فقالا: لا نراه والله إلا هوادي الخيل، فقال: أنا والله أرى ذلك، وامر اصحابه ان يستبقوا اذاهم بالحر الرياحي في الف رجل، فقام الحسين وصلى بأصحابه وصلى الحر معه، فلما سلم قال: أيها الناس معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم، في كلام له حتى قال: فان تعطوني ما اطمئن عليه من عهودكم أقدم مصركم وان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم. فقال الحر: انا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر. فدعا الحسين بخرجين مملوئين كتبا فنثرها، فقال الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك إنما امرنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله ابن زياد، فقال الحسين: الموت أدنى اليك من ذلك. فلما انتهى إلى نينوى كتب ابن زياد إلى الحر: اما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن على غير ماء وقد امرت رسولي ان لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك امري. فأمر الحسين (ع) ان يشدوا الرحال، فجعلوا يلازمونه فطال بينهما المقال، فقال الحر: خذ على غير الطريق فو الله لئن قاتلت لتقتلن، فقال الحسين: أبالموت تخوفني ! وتمثل بقول اخى الاوس: (سأمضي فما بالموت عار على الفتى) الابيات. فاستدل على غير الجادة، فقال الطرماح بين عدي الطائي: انا المدل وجعل يرتجز يا ناقتي لا تجزعي من زجري * وامض بنا قبل طلوع الفجر بخير فتيان وخير سفر * آل رسول الله اهل الخير السادة البيض الوجوه الزهر * الطاعنين بالرماح السمر الضاربين بالسيوف البتر


[ 247 ]

فلما اصبح بعذيب الهجانات رأى الحر في عسكره يتبعه فسأله عن الحالة فقال: هددني الامير في شأنك، فقال: دعنا في نينوى والغاضرية، فقال: لا والله وعلي عينه. فقال زهير بن القين البجلي: إئذن لنا بقتالهم فقتال هؤلاء اليوم اسهل من قتال من يجئ بعدهم، فقال: لا ابتدي، فساقوا إلى قرية عقر فسأل عنها فقيل: هي العقر، فقال: انى اعوذ بك من العقر. فساقوا إلى كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة احدى وستين، ثم نزل وقال: هذا موضع الكرب والبلاء، هذا مناخ ركابنا، ومحط رحالنا، ومقتل رجالنا، وسفك دمائنا. ثم اقبل عمر بن سعد في اربعة آلاف حتى نزل بالحسين وبعث من غده قرة بن قيس الحنظلي يسأله ما الذي جاء به ؟ فلما بلغ رسالته قال الحسين: كتب إلي اهل مصركم أن اقدم فأما إذا كرهتموني فأنا انصرف عنكم. فلما سمع عمر جوابه كتب إلى ابن زياد بذلك، فلما رأى ابن زياد كتابه قال: الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص وكتب إلى عمر: اعرض على الحسين ان يبايع يزيد وجميع اصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا وإن أبى فائتي به. قال الطبري: ثم كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد: اما بعد فحل بين الحسين واصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي النقي عثمان امير المؤمنين المظلوم قال: بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بينه وبين الماء ثلاثة ايام إلى ان قتل. قال الطبري في حديث عقبة بن سمعان انه قال (ع): دعوني اذهب في الارض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير امر الناس. فكتب عمر إلى ابن زياد وذكر في آخره: وفي هذا لله رضى وللامة صلاح. فأنفذ ابن زياد بشمر بن ذي الجوشن بكتاب فيه: انى لم ابعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر له عندي ولا لتكون له شافعا فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سالمين وان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون، فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فانه عاق شاق قاطع ظلوم فان انت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا


[ 248 ]

قد أمرناه بأمرنا. وكان أمر شمرا انه ان لم يفعل بما فيه فاضرب عنقه وانت الامير وكان قد كتب لعمر منشورا بالري فجعل يقول: فو الله ما ادري واني لواقف * افكر في امري على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي * أم ارجع ماثوما بقتل حسين ففي مثله النار التي ليس دونها * حجاب وملك الري قرة عيني وكتب ابن زياد إلى الحسين: اما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلا وقد امرني امير المؤمنين ان لا اتوسد الوثير ولا اشبع من الخمير حتى الحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية. فلما قرأ الحسين الكتاب قال: ليس له جواب لانه قد حقت عليه كلمة العذاب. وجهز ابن زياد عليه خمسا وثلاثين الفا، فبعث الحر في الف رجل من القادسية، وكعب بن طلحة في ثلاثة آلاف، وعمر بن سعد في اربعة آلاف، وشمر بن ذي الجوشن السلولي في اربعة آلاف من اهل الشام، ويزيد بن ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في اربعة آلاف، ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ونصر بن حرشة في الفين، وشبث بن ربعي الرياحي في الف، وحجار بن ابحر في الف. وكان جميع اصحاب الحسين اثنين وثمانين رجلا، منهم الفرسان اثنان وثلاثون فارسا، ولم يكن لهم من السلاح إلا السيف والرمح. فركب عمر في الناس ثم زحف نحوهم فقال الحسين للعباس: تقول لهم مالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم. فقالوا: جاء أمير الامير بكيت وكيت، قال: فلا نعجلوا حتى ارجع إلى ابى عبد الله واعرض عليه ما ذكرتم، فمضى وعرض عليه فقال: ان ابا عبد الله يسألكم ان تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر، فأبى عمر بن سعد فقال: عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله والله ان لو كان من الديلم ثم سألكم هذه المنزلة لكان ينبغي ان يجاب. فجمع الحسين اصحابه وحمد الله واثنى عليه ثم قال بعد دعاء وكلام كثير: واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم إنما يطلبونني ولو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري. فأبوا ذلك كلهم كما قال ابن حماد: لست انساه حين ايقن بالمو * ت دعاهم وقام فيهم خطيبا


[ 249 ]

ثم قال ارجعوا إلى اهلكم فل‍ * يس سواي أرى لهم مطلوبا فأجابوه والعيون سكوب * وحشاهم قد شب منها لهيبا أي عذر لنا غدا حين نلقى * جدك المصطفى ونحن حروبا فقال مسلم بن عوسجة الاسدي: والله لو علمت انى اقتل ثم احيى ثم احرق ثم اذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما تركتك فكيف وإنما هي قتله واحدة ثم الكرامة إلى الابد، وتكلم سعد بن عبد الله الحنفي، وزهير بن القين، وجماعة اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا. فأوصى الحسين أن لا يشقوا عليه جيبا ولا يخمشوا وجها ولا يدعى بالوبل والثبور، وباتوا قارئين راكعين ساجدين. قال علي بن الحسين: اني لجالس في تلك الليلة التي قتل أبى في صبيحتها وكان يقول: يادهر اف لك من خليل * كم لك بالاشراق والاصيل من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيل ما أقرب الوعد من الرحيل قالت زينب: كأنك تخبر انك تغصب نفسك اغتصابا، فقال: لو ترك القطاليلا لنام. فلما اصبحو عبى الحسين اصحابه وامر باطناب البيوت فقربت حتى دخل بعضها في بعض وجعلوها وراء ظهورهم ليكون الحرب من وجه واحد، وأمر بحطب وقصب كانوا اجمعوه وراء البيوت فطرح ذلك في خندق جعلوه والقوا فيه النار وقال لا نؤتى من ورائنا. فحرم الحر دابته حتى استأمن إلى الحسين وقال له: بأبى أنت وامي ما ظننت ان الامر ينتهي بهؤلاء القوم إلى ما أرى فأما الآن جئتك تائبا ومواسيا لك حتى اموت بين يديك أترى إلى ذلك توبة ؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. فقال الحسين (ع) لبرير: احتج عليهم، فتقدم إليهم ووعظهم، فضحكوا منه ورشقوه. فتقدم الحسين ورأى صفوفهم كالسيل والليل فخطب فقال: الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ومنها: فنعم الرب ربنا وبئس العباد انتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله ثم انتم رجعتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فانساكم ذكر الله العظيم فتبا لكم ولما تريدون إنا لله وانا إليه راجعون هؤلاء قوم


[ 250 ]

كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين. فتقدم عمر بن سعد وقال: يا اهل العراق اشهدوا اني اول رام، فرشقوا كالسيل، فقال الحسين: هي رسل القوم اليكم فقوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه. فجعل (ع) زهير بن القين على الميمنة، وحبيب ابن مظاهر في الميسرة، واعطى رايته العباس بن علي (ع). وكان كل من اراد الخروج ودع الحسين وقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فيجيبه: وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر). وبرز الحر وهو يرتجز اني أنا الحر ومأوى الضيف * أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بلاد الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف فقتل نيفا وأربعين رجلا. ثم برز برير بن خضير الهمداني وهو يقول: أنا برير وأبي خضير * ليث يروع الاسد عند الزئر يعرف فينا الخير أهل الخير * أضربكم ولا أرى من ضير كذاك فعل الخير في برير قتله بحير بن أوس الضبي. ثم برز وهب بن عبد الله الكلبي وهو يرتجز: إن تنكروني فأنا ابن الكلب * سوف تروني وترون ضربي وحملتي وصولتي في الحرب * أدرك ثاري بعد ثاري صحبي وادفع الكرب امام الكرب * ليس جهادي في الوغى باللعب فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة، ثم قال لامه: يا اماه أرضيت أم لا ؟ فقالت: ما أرضى أو تقتل بين يدي الحسين، فرجع قائلا: اني زعيم لك ام وهب * بالطعن فيهم تارة والضرب ضرب غلام موقن بالرب * حتى يذوق القوم مر الحرب اني امرء ذو مرة وغضب * حسبي إلهي من عليم حسبي فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا واثنى عشر راجلا ثم قطعت يمينه واخذ أسيرا. ثم برز عمرو بن خالد الازدي قائلا: اليوم يا نفس إلى الرحمن * تمضين بالروح وبالريحان اليوم تجزين على الاحسان * ما خط في اللوح لدى الديان لا تجزعي فكل حي فان ثم برز ابنه خالد وهو يقول: صبرا على الموت بني قحطان * كيما تكونوا في رضى الرحمن


[ 251 ]

ذي المجد والعزة والبرهان * وذو العلى والطول والاحسان يا أبتا قد صرت في الجنان * في قصر در حسن البنيان ثم برز سعد بن حنظلة التميمي مرتجزا: صبرا على الاسياف والاسنه * صبرا عليها لدخول الجنه وحور عين ناعمات هنه * يا نفس للراحة فاجهدنه وفي طلاب الخير فارغبنه ثم برز عبد الله المذحجي قائلا: قد علمت سعد وحي مذحج * اني لدى الهيجاء غير مخرج أعلو بسيفي هامة المدجج وأترك القرن لدى التعرج فريسة الذئب الاذل الاعرج ثم برز مسلم بن عوسجة مرتجزا: إن تسألوا عني فاني ذو لبد * من فرع قوم في ذرى بني أسد فمن بغانا حايد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد فقاتل حتى قتله مسلم الضبابي و عبد الرحمن البجلي. ثم برز عبد الرحمن بن عبد الله اليزني قائلا: أنا ابن عبد الله من آل يزن * ديني على دين حسين وحسن أضربكم ضرب فتى من اليمن * أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن ثم برز يحيى بن سليم المازني وهو يقول: لاضربن القوم ضربا فيصلا * ضربا شديدا في العدا معجلا لا عاجزا فيها ولا مولولا * ولا أخاف اليوم موتا مقبلا ثم برز قرة بن أبي قرة الغفاري وهو يرتجز: قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزار بأنني الليث لدى الغبار * لاضربن معشر الفجار ضربا وجيعا عن بني الاخيار فقتل ثمانية وستين رجلا. ثم برز مالك بن أنس الكاهلي وقال: آل علي شيعة الرحمن * وآل حرب شيعة الشيطان فقتل أربعة عشر رجلا. ثم برز عمرو بن مطاع الجعفي وقال: اليوم قد طاب لنا الفراع * دون حسين الضرب والسطاع


[ 252 ]

نرجو بذاك الفوز والدفاع * من حر نار حين لا امتناع ثم برز جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر مرتجزا: كيف يرى الفجار ضرب الاسود * بالمشرفي القاطع المهند بالسيف صلتا عن بني محمد * أذب عنهم باللسان واليد فقتل خمسا وعشرين رجلا. ثم برز أنيس بن معقل الاصبحي وهو يقول: أنا أنيس وأنا ابن معقل * وفي يميني نصل سيف مصقل أعلو بها الهامات وسط القسطل * عن الحسين الماجد المفضل ابن رسول الله خير مرسل فقتل نيفا وعشرين رجلا. ثم برز يزيد بن المهاصر الجعفي مرتجزا: أنا يزيد وأبي مهاصر * ليث هصور في العرين خادر يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر ثم برز الحجاج بن مسروق الجعفي وهو يقول: أقدم حسينا هاديا مهديا * فاليوم تلقى جدك النبيا ثم أباك ذا الندى عليا * ذاك الذي نعرفه وصيا فقتل خمسا وعشرين رجلا. ثم برز سعيد بن عبد الله الحنفي مرتجزا: اقدم حسين اليوم تلق أحمدا * وشيخك الخير عليا ذا الندى وحسنا كالبدر وافى الا سعدا ثم برز حبيب بن مظاهر الاسدي قائلا: اني حبيب وأبي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر وأنتم عند العديد أكثر * ونحن أعلى حجة وأقهر فقتل اثنين وستين رجلا، قتله الحصين بن نمير وعلق رأسه في عنق فرسه. ثم صلى الحسين بهم الظهر صلاة شدة الخوف. ثم برز زهير بن القين البجلي وهو يقول: أنا زهير وأنا ابن القين * أذودكم بالسيف عن حسين ان حسينا أحد السبطين * من عترة البر التقي الزين فقتل مائة وعشرين رجلا، قتله كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس ثم برز نافع بن هلال البجلي قائلا: أنا الغلام اليمنى البجلى * ديني على دين حسين بن علي


[ 253 ]

أضربكم ضرب غلام بطل * ويختم الله بخير عملي فقتل اثنى عشر رجلا، وروي سبعين رجلا. ثم برز جنادة بن الحارث الانصاري مرتجزا: أنا جناد وأنا ابن الحارث * لست بخوار ولا بناكث عن بيعتي حتى يرثني وارثي * اليوم ثاري في الصعيد ماكثي فقتل ستة عشر رجلا. ثم برز ابنه واستشهد. ثم برز فتى قائلا: أميري حسين ونعم الامير * سرور فؤاد البشير النذير علي وفاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير فقاتل حتى قتل ورمي برأسه إلى امه فأخذته ورمته إلى رجل فقتله ثم برزت قائلة أنا عجوز سيدي ضعيفه * خاوية بالية نحيفه أضربكم بضربة عنيفه * دون بني فاطمة الشريفه وروي انه برز غلام تركي للحر وجعل يقول: البحر من طعني وضربي يصطلي * والجو من نبلي وسهمي يمتلي إذا حسامي عن يميني ينجلي * ينشق قلب الحاسد المبجل فقتل سبعين رجلا. ثم برز مالك بن دودان وأنشأ يقول: اليكم من مالك الضرغام * ضرب فتى يحمي عن الكرام يرجو ثواب الله ذي الانعام ثم برز أبو ثمامة الصائدي وقال: عزاء لآل المصطفى وبناته * على حبس خير الناس سبط محمد عزاء لزهراء النبي وزوجها * خزانة علم الله من بعد أحمد عزاء لاهل الشرق والغرب كلهم * وحزنا على حبس الحسين المسدد فمن مبلغ عن النبي وبنته * بأن ابنكم في مجهد أي مجهد ثم برز ابراهيم بن الحصين الاسدي يرتجز: أضرب منكم مفصلا وساقا * ليهرق اليوم دمي اهراقا ويرزق الموت أبواسحاقا * أعنى بني الفاجرة الفساقا فقتل منهم اربعة وثمانين رجلا. قال أبو مخنف: وبرز عمرو بن قرظة الانصاري وهو يقول: قد علمت كتيبة الانصار * اني سأحمي حوزة الذمار ضرب غلام غير نكس شار * دون حسين مهجتي وداري


[ 254 ]

ثم برز أحمد بن محمد الهاشمي وهو ينشد: اليوم أبلو حسبي وديني * بصارم تحمله يميني أحمي به يوم الوغى عن ديني وأول من برز من بني هاشم عبد الله بن مسلم وهو يقول: اليوم القى مسلما وهو أبي * وفتية بادوا على دين النبي ليسوا بقوم عرفوا بالكذب * لكن خيار وكرام النسب من هاشم السادات أهل الحسب فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلا بثلاث حملات، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك. ثم برز جعفر بن عقيل قائلا: أنا الغلام الابطحي الطالبي * من معشر في هاشم من غالب ونحن حقا سادة الذوائب * هذا حسين أطيب الاطايب فقتل رجلين وفي قول خمسة عشر فارسا قتله بشر بن سوط الهمداني. ثم برز عبد الرحمن بن عقيل وهو يرتجز: أبي عقيل فاعرفوا مكاني * من هاشم وهاشم اخواني كهول صدق سادة الاقران * هذا حسين شامخ البنيان وسيد الشيب مع الشبان فقتل سعبة عشر فارسا، قتله عثمان بن خالد الجهني. ثم برز محمد بن عبد الله ابن جعفر وهو ينشد: أشكو إلى الله من العدوان فعال قوم في الردى عميان قد بدلوا معالم القرآن * ومحكم التنزيل والتبيان وأظهروا الكفر مع الطغيان فقتل عشرة أنفس، قتله عامر بن نهشل التميمي. ثم برز أخوه عون قائلا: إن تنكروني فأنا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان أزهر يطير فيها بجناح أخضر * كفى بهذا شرفا في المحشر فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا، قتله عبد الله بن قطنة الطائي. وروي ان عبيد الله بن عبد الله أخاه قتله بشر بن حويطر القانصي. وروي ان عبد الله بن عقيل الاكبر قاتل فقتله عثمان بن خالد الجهني. وروي انه قاتل محمد بن مسلم فطعنه أبو مريم الازدي. وروي انه قاتل محمد بن سعيد الاحول ابن عقيل فقتله لقيط بن ياسر الجهني رماه ينبل في جنبه. ثم برز عبد الله بن


[ 255 ]

الحسن بن علي (ع) وهو يقول: إن تنكروني فأنا فرع الحسن * سبط النبي المصطفى المؤتمن هذا الحسين كالاسير المرتهن * بين اناس لا سقوا صوب المزن فقتل أربعة عشر رجلا، قتله هاني بن شبيب الحضرمي فاسود وجهه. ثم برز أخوه القاسم وعليه ثوب وأزار ونعلان فقط وكأنه فلقة قمر وأنشأ يقول: اني أنا القاسم من نسل علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي فقتله عمر بن سعيد الازدي فخر وصاح يا عماه، فحمل الحسين فقطع يده وسلبه أهل الشام من يد الحسين، فوقف الحسين على رأسه وقال: عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا تنفعك إجابته. ثم برز أبو بكر بن علي (ع) قائلا: شيخي على ذو الفخار الاطول * من هاشم الخير الكريم المفضل هذا حسين ابن النبي المرسل * عنه نحامي بالحسام المصقل تفديه نفسي من أخى مبجل فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر الجعفي، ويقال عقبة الغنوي. ثم برز أخوه عمر وهو يرتجز: خلوا عداة الله خلو من عمر خلوا عن الليث الهصور المكفهر يضربكم بسيفه ولا يفر * يا زجر يا زجر تدان من عمر وقتل زجرا قاتل أخيه ثم دخل حومة الحرب. ثم برز أخوه عثمان وهو ينشد: اني أنا عثمان ذو المفاخر * شيخي علي ذو الفعال الطاهر هذا حسين سيد الاخاير وسيد الصغار والاكابر بعد النبي والوصي الناصر رماه خولى بن يزيد الاصبحي على جنبه فسقط عن فرسه وجز رأسه رجل من بني ابان بن حازم. ثم برز أخوه جعفر منشئا: اني أنا جعفر ذو المعالي * ابن علي الخير ذو النوال ذاك الوصي ذو السنا والوالي * حسبي بعمي جعفر والخال أحمي حسينا ذي الندى المفضال رماه خولى الاصبحي فأصاب شقيقته أو عينه. ثم برز أخوه عبد الله قائلا: أنا ابن ذي النجدة والافضال * ذاك علي الخير ذو الفعال


[ 256 ]

سيف رسول الله ذو النكال * في كل يوم ظاهر الاهوال قتله هاني بن شبيب الحضرمي، وروي انه خرج أخوه القاسم فقال: يا عصبة جارت على نبيها * وكدرت من عيشها ما قد نقى في كل يوم تقتلون سيدا * من أهله ظلما وذبحا من قفا فضرب على رأسه عمرو بن سعيد الازدي فحمل عليه الحسين وضربه، ثم أتى الغلام وهو يفحص برجله فقال: بعدا لقوم قتلوك وخصمهم يوم القيامة فيك جدك. وكان عباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين وهو أكبر الاخوان مضى بطلب الماء فحملوا عليه وحمل هو عليهم وجعل يقول: لا أرهب الموت إذ الموت رقى * حتى اواري في المصاليت لقا نفسي لنفس المصطفى الطهروقا * اني أنا العباس أغدوا بالسقا ولا أخاف الشر يوم الملتقي ففرقهم، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله، وحمل عليهم وهو يرتجز: والله إن قطعتم يميني * إني احامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الامين فقاتل حتى ضعف فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال: يا نفس لا تخشي من الكفار * وابشري برحمة الجبار مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري فاصلهم يا رب حر النار فقتله الملعون بعمود من حديد، فلما رآه الحسين مصروعا على شط الفرات بكى وأنشأ يقول: تعديتم ياشر قوم بفعلكم * وخالفتم قول النبي محمد أما كان خير الرسل وصاكم بنا * أما نحن من نسل النبي المسدد أما كانت الزهراء امي دونكم * أما كان من خير البرية أحمد لعنتم واخزيتم بما قد جنيتم * فسوف تلاقوا حر نار توقد ثم برز قاسم بن الحسين وهو يرتجز ويقول: إن تنكروني فأنا ابن حيدره * ضرغام آجام وليث قسوره على الاعادي مثل ريح صرصره * أكيلكم بالسيف كيل السندره


[ 257 ]

ثم تقدم علي بن الحسين الاكبر (ع) وهو ابن عثمان عشر سنة، ويقال ابن خمس وعشروين، وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا ونطقا وجعل يرتجز ويقول أنا علي بن الحسين بن علي * من عصبة جد أبيهم النبي نحن وبيت الله أولى بالوصي * والله لا يحكم فينا ابن الدعي أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * أطعنكم بالرمح حتى ينثنى طعن غلام هاشمي علوي فقتل سبعين مبارزا، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات فقال: يا أبة العطش، فقال الحسين: يسقيك جدك، فكر أضا عيهم وهو يقول: الحرب قد بانت لها حقائق * وظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش لا نفارق * جموعكم أو تغمد البوارق فطعنه مرة بن منقذ العبدي على ظهره غدرا فضربوه بالسيف، فقال الحسين: على الدنيا بعدك العفا، وضمه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت امه شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلم، فبقى الحسين وحيدا وفي حجره علي الاصغر فرمي إليه بسهم فأصاب حلقه، فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره فيرميه إلى السماء فما يرجع منه شئ، ويقول: لا يكون أهون عليك من فصيل (ناقة صالح)، ثم قال: ائتوني بثوب لا يرغب فيه ألبسه غير ثيابي لا اجرد فاني مقتول مسلوب، فأتوه بتبان فأبى أن يلبسه وقال: هذا لباس أهل الذمة، ثم أتوه بشئ أوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه، ثم ودع النساء وكانت سكينة تصيح فضمها إلى صدره وقال: سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي * منك البكاء إذا الحمام دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في جثماني وإذا قتلت فأنت أولى بالذي * تأتينه يا خيرة النسوان ثم برز (ع) فقال: يا أهل الكوفة قبحا لكم وترحا، وبؤسا لكم وتعسا، حين استصرختمونا ولهين، فأتيناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا، وحششتم لاعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا ذنب كان منا اليكم، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا، تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصد، لكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كسرع الدبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفها وضلة، وفتكالطواغيب الامة، وبقية الاحزاب، ونبذة الكتاب، ثم أنتم تتخاذلون عنا وتقتلونا، ألا لعنة الله على الظالمين.


[ 258 ]

قال: ثم أنشأ: (كفر القوم وقدما رغبوا)، الابيات. ثم استوى على راحلته وقال: (أنا ابن علي الخير من آل هاشم)، الابيات. ثم حمل على الميمنة وقال: الموت خير من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار ثم حمل على الميسرة وقال: أنا الحسين بن علي * أحمي عيالات أبي آليت أن لا أنثني * أمضي على دين النبي وجعل يقاتل حتى قتل الف وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب. فحملوا بالطعن مائة وثمانين وأربعة آلاف بالسهام. قال الطبري: قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي (ع) قال: وجدنا بالحسين ثلاثا وثلاثين طعنة وأربعا وثلاثين ضربة. وقال الباقر (ع): وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم. وروي ثلاثمائة وستون جراحة. وقيل ثلاثا وثلاثين ضربة سوى السهام. وقيل الف وتسعمائة جراحة، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ. وروي انها كانت لها في مقدمه. قال العونى: يا سهاما بدم ابن المصطفى منقسمات * ورماحا في ضلوع ابن النبي متصلات فقال شمر: ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام احملوا عليه ثكلتكم امهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب، فرماه أبوالحنوق الجعفي في جبينه، والحصين ابن نمير في فيه، وأبو أيوب الغنوي بسهم مسموم في حلقه. فقال (ع): بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا قتيل في رضى الله. وكان ضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه الايسر، وعمرو بن الخليفة الجعفي على حبل عاتقه، وكان طعنه صالح بن وهب المزني على جنبه، وكان رماه سنان ابن أنس النخعي في صدره، فوقع على الارض وأخذ دمه بكفيه وصبه على رأسه مرارا فدنا منه عمر وقال: جزوا رأسه، فقد إليه مرارا فدنا منه عمر وقال: جزوا رأسه، فقد إليه نصر بن خرشة فجعل يضربه بسيفه، فغضب عمر وقال لخولي بن يزيد الاصبحي: انزل فجر رأسه، فنزل وجز رأسه. وسلب الحسين ما كان عليه، فأخذ عمامته جابر بن يزيد الازدي، وقميصه اسحاق بن حوى، وثوبه جعونة بن حوية الحضرمي وقطيفته من خز قيس بن الاشعث الكندي، وسراويله بحير بن عمير الجرمي، ويقال أخذ سراويله بحير بن كعب التميمي


[ 259 ]

والقوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي وهانى بن شبيب الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي، ونعليه الاسود الاوسي، وسيفه رجل من بني نهشل من بني دارم، ويقال الاسود بن حنظلة فأحرقهم المختار بالنار، وانتدب عشرة وهم: اسحاق بن يحيى الحضرمي، وهانى بن ثبيب الحضرمي، وأدلم بن ناعم، وأسد بن مالك، والحكيم بن طفيل الطائى، والاخنس بن مرثد، وعمرو بن صبيح المذحجي، ورجاء بن منقذ العبدي وصالح بن وهب اليزنى، وسالم بن خيثمة الجعفي فوطؤه بخيلهم. قال الرضي: كأن بيض المواضي وهي تنهبه * نار تحكم في جسم من النور لله ملقى على الرمضاء غص به * فيم الردى بعد اقدام وتشمير تحنو عليه الظبا ظلا وتستره * عن النواظر أذيال الاعاصير وخر للموت لا كف يقلبه * إلا بوطئ من الجرد المحاضير ودفن جثثهم بالطف أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوه بيوم، وكانوا يجدون لاكثرهم قبورا، ويرون طيورا بيضا، وكان عمر بن سعد صلى على المقتولين من عسكره ودفنهم، قال الطبري: كانوا ثمانية وثمانين رجلا. وقصد شمر إلى الخيام فنهبوا ما وجدوا حتى قطعت اذن ام كلثوم لحلقة. قال أبو مخنف: جاءت كندة إلى ابن زياد بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الاشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت بنو تميم بتسعة عشر رأسا، وجاءت بنو أسد بتسعة رؤس، وجاء سائر الجيش بتسعة رؤس، فذلك سبعون رأسا. وجاء برأس الحسين خولى بن يزيد الاصبحي. وجاؤا بالحرم أسارى إلا شهربانويه فانها أتلفت نفسها في الفرات. واختلفوا في عدد المقتولين من اهل البيت، فالاكثرون على انهم كانوا سبعة وعشرين تسعة من بني عقيل: مسلم، وجعفر، وعون، و عبد الرحمن، ومحمد بن مسلم و عبد الله بن مسلم وجعفر بن محمد بن عقيل ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل. وثلاثة من ولد جعفر: محمد بن عبد الله بن جعفر، وعون الاكبر بن عبد الله، و عبد الله بن عبد الله وتسعة من ولد أمير المؤمنين: الحسين، والعباس، ويقال: وابنه محمد بن العباس، وعمر، وعثمان، وجعفر، وابراهيم، و عبد الله الاصغر، ومحمد الاصغر، وأبو بكر شك في قتله. وأربعة من بني الحسن: أبو بكر، و عبد الله، والقاسم، وقيل بشر، وقيل عمر وكان صغيرا. وستة من بني الحسين مع اختلاف فيهم: علي الاكبر، وابراهيم، و عبد الله، ومحمد، وحمزة، وعلي، وجعفر، وعمر، وزيد. وذبح عبد الله في


[ 260 ]

حجره. واسر الحسن بن الحسن مقطوعة يده. ولم يقتل زين العابدين لان أباه لم يأذن له في الحرب وكان مريضا. ويقال لم يقتل محمد الاصغر بن علي بن ابى طالب لمرضه، ويقال: رماه رجل من بني دارم فقتله. والمقتولون من اصحاب الحسين في الحملة الاولى: نعيم بن عجلان، وعمران بن كعب بن حارث الاشجعي، وحنظلة بن عمرو الشيباني، وقاسم بن زهير، وكنانة بن عتيق، وعمرو بن مشيعة، وضرغامة بن مالك، وعامر بن مسلم، وسيف بن مالك النميري، و عبد الرحمن الارحبي، ومجمع العائذي، وحباب بن الحارث، وعمرو الجندعي، والحلاس بن عمرو الراسبي، وسوار بن أبي عمير الفهمي، وعمار بن أبي سلامة الدالانى، والنعمان بن عمرو الراسبي، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق، وجبلة بن علي، ومسعود بن الحجاج: و عبد الله بن عروة الغفاري، وزهير بن بشر الخثعمي، وعمار بن حسان، و عبد الله بن عمير، ومسلم بن كثير، وزهير بن سليم، وعقد الله، وعبيد الله ابنا زيد البصري. وعشرة من موالي الحسين وموليان من موالي أمير المؤمنين (ع). وكانت زينب تقول: وا محمداه صلى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمل بالدماء صريع بكربلاء، مقطع الاعضاء. مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا، بأبي من معسكره نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع بالعرا، بأبي من لا هو غائب فيرجى، ولا مريض فيداوى، أنا الفداء للمهموم حتى مضى، أنا الفداء للعطشان حتى قضى، انا الفداء لمن شيبته تقطر بالدما. قال الطبري: لما دخل سنان على عبيد الله بن زياد انشأ يقول: اوقر ركابي فضة وذهبا * انا قتلت الملك المحجبا ومن يصلي القبلتين في الصبا * قتلت خير الناس اما وأبا وخيرهم إذ ينسبون نسبا فقال عبيد الله: ما تلقي مني خيرا إلا ألحقتك به وأمر بقتله. وقال الطبري والبلاذري والكوفي: لما وضعت الرؤس بين يدي يزيد جعل يضرب بقضيبه عل ثنيته ثم قال: يوم بيوم بدر، وجعل يقول: نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما وقال يحيى بن الحكم أخو مروان: لهام بجنب الطف أدنى قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل


[ 261 ]

سمية امسى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله أمست بلا نسل فضرب يزيد في صدر يحيى وقال: اسكت لا ام لك. فقال أبو برزة: ارفع قضيبك يا فاسق فو الله رأيت شفتي رسول الله مكان قضيبك يقبله، فرفع وهو يتذمر مغضبا على الرجل وزاد غيرهم في الرواية: انه جعل يتمثل بقول ابن الزبعرى يوم احد: ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل لاهلوا واستهلوا فرحا * ولقالوا يا يزيد لا تشل قد قتلنا السبط من اسباطهم * وعدلناه ببدر فاعتدل لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل لعبت هاشم بالدين فلا * خبر جاء ولا وحي نزل قال الحميري: لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا * في جناها الشفاء من كل داء قال زيد ارفعن قضيبك ارفع * عن ثنايا غر غذى باتقاء طالما قد رأيت احمد يلمثها * وكم لي بذاك من شهداء وقال الجوالقي: اختال بالكبر على ربه * يقرع بالعود ثناياه بحيث قد كان نبي الهدى * يلثم في قبلته فاه وقال الصاحب: يقرع بالعود ثنايا لها * كان النبي المصفى لاثما وفي كلام عن زين العابدين (ع): أنا علي بن الحسين المذبوح بشط الفرات، عن غير دخل على ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا. إلى آخر كلامه. ثم قال: ولا غرو في قتل الحسين وشيخه * لقد كان خير من حسين وأكرما فلا تنفرحوا يا أهل كوفة فالذي أصبنا به من قتله كان اعظما قتيل بشط النهر نفسي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما ومن كلام لزينب بنت علي (ع): يا اهل الكوفة ويا اهل الختر والغدر، والختل والخذل والمكر، فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الزفرة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم هل فيكم إلا الصلف والعجب، والشنف والكذب، وملق الاماء، وغمز الاعداء، كمرعى على دمنة، أو كقصة


[ 262 ]

على ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم، ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون، حتى انتهى كلامها إلى قولها: ألا ساء ما قدمتم لانفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعسا تعسا، ونكسا نكسا، لقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، أتدرون ويلكم أي كبد لمحمد فريتم وأي عهد نكثتم، وأي كريمة ابرزتم، واي دم له سفكتم لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن وتنشق الارض وتخر الجبال هدا، لقد جئتم بها شوهاء خرقاء، طلاع الارض والسماء، أفعجبتم ان تمطر السماء دما، ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه عزوجل لا يحقره البدار، ولا يخضى عليه فوت ثار، كلا ان ربك لنا ولهم بالمرصاد. ثم انشأت تقول: ما ذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وانتم آخر الامم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم اسارى وقتلى ضرجوا بدم ان كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي وهذا الشعر ينسب إلى زين العابدين، وإلى ابى الاسود الدؤلي ايضا. وخرجت اسماء بنت عقيل تنوح وتقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * يوم الحساب وصدق القول مسموع خذلتم عترتي أو كنتم غيبا * والحق عند ولي الامر مجموع أسلمتموه بأيدي الظالمين فما * منكم له اليوم عند الله مشفوع ما كان عند عداة الطف إذ حضروا * تلك المنايا ولا عنهن مدفوع قال الكميت: اضحكني الدهر وابكاني * والدهر ذو صرف والوان لتسعة بالطف قد غودروا * صاروا جميعا رهن اكفان وستة لا يتجازى بهم * بنو عقيل خير فرسان ثم على الخير مولاهم * ذكرهم هيج احزاني وقال الوفى السري: اقام روح وريحان على جدث * ثوى الحسين به ظمآن آمينا كأن احشاءنا من ذكره ابدا * تطوى على الجمر أو تخشى السكاكينا مهلا فما نقضوا اوتار والده * وإنما نقضوا في قتله الدينا


[ 263 ]

وقال دعبل: هلا بكيت على الحسين واهله * هلا بكيت لمن بكاه محمد فلقد بكته في السماء ملائك * زهر كرام راكعون وسجد لم يحفظوا حق النبي محمد * إذ جرعوه حرارة ما تبرد قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه * فالكثل من بعد الحسين مبدد هذا حسين بالسويف مبضغ * وملطخ بدمائه مستشهد عار بلا ثوب صريع في الثرى * بين الحوافر والسنابك يقصد كيف القرار وفي السبايا زينب * تدعو بفرط حرارة يا احمد يا جد ان الكلب يشرب آمنا * ربا ونحن عن الفرات نطرد يا جد من ثكلي وطول مصيبتي * ولما اعانيه اقوم واقعد وقال كشاجم: إذا تفكرت في مصابهم * اثقب زند الهموم قاطعه فبعضهم قربت مصارعه * وبعضهم بعدت مطارحه اظلم في كربلاء يومهم ثم تجلى وهم ذبايحه ذل حماه وقل ناصره ونال اقوى مناه كاشحه وقال خالد بن معدان: جاؤا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا قتلوك عطشانا ولم يترقبوا في قتلك التنزيل والتأويلا وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا وقال سليمان بن قبة الهاشمي: مررت على ابيات آل محمد * فلم أرها امثالها يوم حلت ألم تر ان الارض اضحت مريضة * لفقد الحسين والبلاد اقشعرت وان قتيل الطف من آل هاشم اذل رقاب المسلمين فذلت وكانوا رجاء ثم عادوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت وقال السوسي: لهفي على السبط وما ناله * قد مات عطشانا بكرب الظما


[ 264 ]

لهفي لمن نكس عن سرجه * ليس من الناس له من حمى لهفي على بدر الهدى إذ علا * في رمحه يحكيه بدر الدجى لهفي على النسوة إذ برزت * تساق سوقا بالعنا والجفا لهفي على تلك الوجوه التي * ابرزن بعد الصون بين الملا لهفي على ذاك العذار الذي * علاه بالطف تراب العزا لهفي على ذاك القوام الذي * حناه بالطف سيوف العدا وله ايضا: كم دموع ممزوجة بدماء * سكبتها العيون في كربلاء لست أنساه بالطفوف غريبا * مفردا بين صحبه بالعراء وكأني به وقد لحظ النس‍ * وان وان يهتكن مثل هتك الاماء وله ايضا: جودي على حسين * يا عين بانعزار جودي على الغريب * إذ الجاز لا يجار جودي على النساء * مع الصبية الصغار جودي على قتيل * مطروح في القفار وله ايضا: ألا يا بني الرسول * لقد قل الاصطبار ألا يا بني الرسول خلت منكم الديار ألا يا بني الرسول * فلا قر لي قرار وله ايضا: لا عذر للشيعي يرقى دمعه * ودم الحسين بكربلاء اريقا يا يوم عاشورا لقد خلفتني * ما عشت في بحر الهموم غريقا فيك استبيح حريم آل محمد * وتمزقت اسبابهم تمزيقا أأذوق ري الماء وابن محمد * لم يرو حتى للمنون اذيقا وله ايضا: وكل جفني بالسهاد * مذ عرس الحزن في فؤادي ناع نعى بالطفوف بدرا * اكرم به رائحا وغاد


[ 265 ]

نعى حسينا فدته روحي * لما أحاطت به الاعادي في فتية ساعدوا وواسوا * وجاهدوا أعظم الجهاد حتى تفانوا وظل فردا * ونكسوه عن الجواد وجاء شمر إليه حتى * جرعه الموت وهو صادي وركب الرأس في سنان * كالبدر يجلودجى السواد واحتملوا أهله سبايا * على مطايا بلا مهاد وله أيضا، أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا * ومن حوله الاطهار كالانجم الزهر أأنسى حسينا يوم سير برأسه على الرمح مثل البدر في ليلة البدر أأنسى السبايا من بنات محمد * يهتكن من بعد الصيانة والخدر وقال العوني: فيا بضعة من فؤاد النبي بالطف أجرت كثيبا مهيلا ويا كبدا في فؤاد البتولة بالطف * ثلث فأضحت اكيلا قتلت فأبكيت عين الرسول * وأبكيت من رحمة جبرئيلا وله أيضا: يا قمر أغاب حين لاحا * أورثني فقدك المناحا يا نوب الدهر لم يدع لي * صرفك من حادث صلاحا أبعد يوم الحسين ويحي * استعذب اللهو والمزاحا يا بأبي أنفسنا ظماة * ماتوا ولم يشربوا المباحا يا بأبي غرة هداة * باكرها حتفها صباحا يا سادتي يا بني علي * بكى الهدى بعدكم وناحا يا سادتي يا بني إمامي * أقولها عنوة صراحا أوحشتم الحجر والمساعي * آنستم القفر والبطاحا أوحتم الذكر والمثاني * والسور الطول الفصاحا وله أيضا: لم أنس للحسين وقد ثوى * بالطف مسلوب الرداء خليعا ظمآن من ماء الفرات معطشا * ريان من غصص الحتوف نقيعا يرنو إلى ماء الفرات بطرفه * فيراه عنه محرما ممنوعا


[ 266 ]

وقال الزاهي: اعاتب عيني إذا قصرت * وأفنى دموعي إذا ما جرت لذكراكم يا بني المصطفى * دموعي على الخد قد سطرت لكم وعليكم جفت غمضها * جفوني عن النوم واستشعرت امثل أجسادكم بالعراق * وفيها الاسنة قد كسرت أمثلكم في عراص الطفوف * بدور تكسف إذا قمرت غدت أرض يثرب من جمعكم * كخط الصحيفة إذ أقفرت وأضحى بكم كربلا مغربا * لزهر النجوم إذا غورت كأني بزينب حول الحسين * ومنها الذوائب قد نشرت تمرغ في نحره شعرها * وتبدي من الوجد ما أضمرت وفاطمة عقلها طائر * إذ السوط في جنبها أبصرت وللسبط فوق الثرى شيبة بفيض دم النحر قد عفرت ورأس الحسين أمام الرفاق * كغرة صبح إذا أسفرت وله أيضا: لست أنسى النساء في كربلاء * وحسين ظام فريد وحيد ماجد يلثم الثرى وعليه * قضب الهند ركع وسجود يطلب الماء والفرات قريب * ويرى الناس وهو عنه بعيد وقال الناشي: مصائب نسل فاطمة البتول * نكت حسراتها كبد الرسول ألا بأبي البدور لقين كسفا * وأسلمها الطلوع إلى الافوال ألا يا يوم عاشورا رماني * مصابي منك بالداء الدخيل كأني يابن فاطمة جديلا * يلاقي الترب بالوجه الجميل يحرن في الثرى قدا ونحرا * على الحصباء بالخد التليل صريعا ظل فوق الارض أرضا * فوا أسفا على الجسم النحيل أعاديه توطأه ولكن * تخطاه العتاق من الخيول وقد قطع العداة الرأس منه * وعلوه على رمح طويل وقد برز النساء مهتكات * يحززن الشعور من الاصول يسرن مع اليتامى من قتيل * يخضب بالدماء إلى قتيل


[ 267 ]

فطورا يلتثمن بني علي * وطورا يلتثمن بني عقيل وفاطمة الصغيرة بعد عز * كساها الحزن أثواب الذليل تنادي جدها يا جد انا * طلبنا بعد فقدك بالذحول وقال المرتضى: ان يوم الطف يوما * كان للدين عصبيا لم يدع للقلب مني * في المسرات نصيبا لعن الله رجالا * أترعوا الدنيا غصوبا سالموا عجزا فلما * قدروا شنوا الحروبا طلبوا أوتار بدر * عندنا ظلما وحوبا وله أيضا: لقد كسرت للدين في يوم كربلا * كساير لا توسى ولا هي تجبر فاما سبي بالرماح مسوق * واما قتيل بالتراب معفر وجرحى كما اختارت رماح وأنصل * وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر وقال الرضي: كربلا لازلت كربا وبلا * مالقى عندك آل المصطفى كم على تربك لما صرعوا * من دم سال ومن دمع جرى وضيوف لفلاة قفرة * نزلوا فيها على غير قرى لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا * بحدا السيف على ورد الردى تكسف الشمس شمس منهم * لا تدانيها علوا وضيا وتنوش الوحش من أجسادهم * أرجل السبق وايمان الندا ووجوها كالمصابيح فمن * قمر غاب ومن نجم هوى غيرتهن الليالي وغدا * جائر الحكم عليهم البلى يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبى من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا ومسوق عائر يسعى به * خلف محمول على غير وطا جزروا جزر الاضاحي نسله * ثم ساقوا أهله سوق الاما قتلوه بعد علم منهم * انه خامس أصحاب الكسا ميت تبكي له فاطمة * وأبوها وعلي ذو العلى


[ 268 ]

وله أيضا: شغل الدموع عن الديار بكاؤنا * لبكاء فاطمة على أولادها لم يخلفوها في الشهيد وقد رأت * دفع الفرات يذاد عن ورادها أترى درت ان الحسين طريدة * لقنا بني الطراد عند ولادها كانت مآتم بالعراق تعدها * اموية بالشام من أعيادها ما راقبت غضب النبي وقد غدا * زرع النبي مظنة لحصادها جعلت رسول الله من خصمائها * فلبئس ما ذخرت ليوم معادها نسل النبي على صعاب مطيها * ودم الحسين على رؤس صعادها والهفتاة لعصبة علوية * تبعت امية بعد ذل قيادها جعلت عران الذل في آنافها * وعلاط وسم الضيم في أجيادها واستأثرت بالامر عن غيابها * وقضت بما شاءت على اشهادها طلبت ترات الجاهلية عندها * وشفت قديم الغل من أحقادها يا يوم عاشوراء كم لك لوعة * تترقص الاحشاء من ايقادها وأول شعر رثي به الحسين قول عقبة به عميق السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب إذا العين قرت في الحياة وأنتم * تخافون في الدنيا فأظلم نورها مررت على قبر الحسين بكربلا * ففاض عليه من دموعي غزيرها فمازلت أرثيه وأبكي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها وبكيت من بعد الحسين عصايبا * أطافت به من جانبيها قبورها سلام على أهل القبور بكربلا وقل لها مني سلام يزورها سلام بآصال العشي وبالضحى * تؤديه نكباء الصبا ودبورها ولا تبرح الوفاد زوار قبره * يفوح عليهم مسكها وعبيرها وقال شاعر: تبيت النشاوى من امية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها وما قتل الاسلام إلا عصابة * تأمر نوكاها ونام زعيمها فأضحت قناة الدين في كف ظالم * إذا اعوج منها جانب لا يقيمها وقال آخر: واخجلة الاسلام من اضداده * ظفروا له بمعائب ومعاثر آل العزيز يعظمون حماره * ويرون فوزا لثمهم للحافر


[ 269 ]

وسيوفكم بدم ابن بنت نبيكم * مخضوبة لرضى يزيد الفاجر وقال الصنوبري: يا خير من لبس النب‍ * وة من جميع الانبياء وجدي على سبطيك * وجد ليس يؤذن بالقضاء هذا قتيل الاشقياء * وذا قتيل الادعياء يوم الحسين هرقت * دمع الارض بل دمع السماء يوم الحسين تركت باب ا * لعز مهجور الفناء يا كربلا خلفت من ك‍ * رب علي ومن بلاء كم فيك من وجه تشر * ب ماؤه ماء البهاء نفسي فداء المصطلى نار الوغى أي اصطلاء حيث الاسنة في الجواشن * كالكواكب في السماء فاختار درع الصبر حي‍ * ث الصبر من لبس السناء وأبى إباء الاسد * ان الاسد صادقة الاباء وقضى كريما إذ قضى * ظمآن في نفر ظماء منعوه طعم الماء لا * وجدوا لماء طعم ماء من ذا لمعفور الجوا * د ممال أعواد الخباء من للطريح الشلوعر * يانا مخلى بالعراء من للمحنط بالتراب * وللمغسل بالدماء من لابن فاطمة المغي‍ * ب عن عيون الاولياء وقال الشافعي: تأوه قلبي والفؤاد كئيب * وأرق نومي فالسهاد عجيب فمن مبلغ عنى الحسين رسالة * وإن كرهتها أنفس وقلوب ذبيح بلا جرم كأن قميصه * صبيغ بماء الارجوان خضيب فللسيف اعوال وللرمح رنة * وللخيل من بعد الصهيب نحيب تزلزلت الدنيا لآل محمد * وكادت لهم صم الجبال تذوب وغارت نجوم واقشعرت كواكب * وهتك أستار وشق جيوب يصلى على المبعوث من آل هاشم * ويغزى بنوه إن ذا لعجيب لئن كان ذنبي حب آل محمد * ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ عنه اتوب


[ 270 ]

هم شفعائي يوم حشري وموقفي * إذا ما بدت للناظرين خطوب وقال الجوهري: عاشورنا ذا ألا لهفي على الدين * خذوا حدادكم يا آل ياسين اليوم شقق جنب الدين وانتهبت * بنات احمد نهيب الروم والصين اليوم قام بأعلى الطف نادبهم * يقول من ليتيم أو لمسكين اليوم خضب جيب المصطفى بدم * امسى عبير بخور الحور والعين اليوم خرت نجوم الفخر من مضر * على مناخر تذليل وتوهين اليوم الطفئ نور الله متقدا * وجررت لهم التقوى على الطين اليوم هتك اسباب الهدى مزقا * وبرقعت غرة الاسلام بالهون اليوم زعزع قدس من جوانبه * وطاح بالخيل ساحات الميادين اليوم نال بنو حرب طوائلها * مما صلوه ببدر ثم صفين اليوم جدل سبط المصطفى شرقا * من نفسه بنجيع غير مسنون وقال شاعر: يا كربلا يا كربتي وزفرتي * كم فيك من ساق ومن جمجمة ومن يمين للحسام بينت للفاطميات العظام الحرمة قد خر أركان العلى وانهدت * وغلقت ابوابه وسدت تلك الرزايا عظمت وجلت وقال آخر: كم سيد لي بكربلاء * فديته السيد الغريب كم سيد لي بكربلاء * عسكره بالعرا نهيب كم سيد لي بكربلاء * ليس لما يشتهي طبيب كم سيد لي بكربلاء * خاتمة والردا سليب كم سيد لي بكربلاء * خضب من نحره المشيب كم سيد لي بكربلاء * يسمع صوتي لا يجيب كم سيد لي بكربلاء * ينقر في ثغره القضيب وقال دعبل: رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا منتفجع


[ 271 ]

كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم رزؤك كل اذن تسمع أيقظت أجفانا وكنت لها كرى * وأنمت عينا لم تكن بك تهجع ما روضة إلا تمنت أنها * لك منزل ولخط قبرك مضجع وقال آخر: إذا جاء عاشور تضاعف حسرتي * لآل رسول الله وانهل عبرتي هو اليوم فيه اغبرت الارض كلها * وجوما عليها والسماء اقشعرت اريقت دماء الفاطميين بالملا * فلو عقلت شمس النهار لخرت بنفسي خدودا في التراب تعفرت * بنفسي جسوما بالعراء تعرت بنفسي رؤسا معليات على القنا * إلى الشام تهدى بارقات الاسنة بنفسي شفاه ذا بلات من الظما * ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة بنفسي عيونا عابرات سواهر * إلى الماء منها قطرة بعد قطرة بنفسي من آل النبي خرايد * حواسر لم تعرف عليهم بسترة وقال أبو الفرج بن الجوزي: أحسين والمبعوث جدك بالهدى * قسما يكون الحق فيه مسائلي لو كنت شاهد كربلا لبذلت في * تنفيس كربك جهد بذل الباذل وسقيت حد السيف من اعدائكم * جللا وحد السمهري الذابل لكننني اخرت عنك لشقوتي فبلالمى بين الغري وبابل إن لم أفز بالنصر من أعدائكم * فأقل من حزن ودمع سائل وقال آخر: يا حر صدري يا لهيب الحشا * انهدركني يا أخي والقوى كنت أخي ركني ولم يبق لي * ذخر ولا ركن ولا ملتجى وكنت أرجوك فقد خانني * ما كنت أرجوه فخاب الرجا يا ابن امي لو تأملتني رأيت مني ما يسر العدا حل بأعدائك ما حل بي * من ألم السير وذل السبى ويا شفيعي أنا أفديك من * يومك هذا وأكون الفدا ولا هناني العيش يا سيدي * ما عشت من بعدك أو ادفنا وقال آخر: يا من رأى حسينا شلوالدى الفرات * والراس منه عال في ذورة القناة وزينب تنادي قد قتلوا حماتي * يا جد لو ترانا أسرى مهتكات


[ 272 ]

فصل: في زيارته عليه السلام اسحاق بن عمار: قال الصادق (ع): ليس ملك في السماوات والارض إلا وهم يسألون الله تعالى أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين (ع) ففوج ينزل وفوج يعرج. الفردوس عن الديلمي: قال النبي صلى الله عليه وآله: ان موسى بن عمران سأل ربه زيارة قبر الحسين بن علي فزاره في سبعين الف من الملائكة. ابان بن تغلب عن الصادق قال: وكل الله بقبر الحسين اربعة آلاف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه، وإن مرض عادوه غدوة وعشيا، وإذا مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة. الباقر (ع): مروا شيعتنا بزيارة الحسين فان زيارته تدفع الهدم والحرق والغرق وأكل السبع زيارته مفترضة على من أقر له بالامامة من الله. اسحاق بن عمار: قال الصادق: ما بين قبر الحسين إلى السماء السابعة مختلف الملائكة. الكاظم (ع): من زار قبر الحسين عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. الصادق (ع): كان الحسين ذات يوم في حجر النبي يلاعبه ويضاحكه فقالت عائشة: ما أشد إعجابك بهذا الصبي ! فقال لها: ويلك كيف لا احبه ولا اعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني أما ان امتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك ! قال: نعم حجتين من حججي، قالت: حجتين من حججك ! قال: نعم وثلاث، قال: فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتى بلغ سبعين حجة من حجج رسول الله بأعمارها. قال شاعر: فجعفر الصادق من ولده * خبرنا من فضله بالتمام عن جده ان لمن زاره * ثواب حج البيت سبعين عام في الرسالة المقنعة، والمزار للكليني باسناده عن الرضا قال: من زار قبر ابي عبد الله بشط الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه. نظمه العبدي فقال: وحديث عن الائمة فيما * قد روينا عن الشيوخ الثقات ان من زاره كمن زار ذا العر * ش على عرشه بغير صفات أي كمن عبد الله على العرش.


[ 273 ]

باب امامة أبي محمد علي بن الحسين عليهما السلام فصل: في المقدمات الحمد لله فاطر السماوات، خالق النور والظلمات، عالم السر والخفيات، منزل الآيات والدلالات، موضح الادلة والبينات، مسبغ النعم والبركات، مفيض الرحمة والخيرات، رافع الابرار في الدرجات، خافض الفجار في الدركات، مجيب المضطر في الكربات، سامع الاصوات في الخلوات، هادي الحيران في الفلوات، منير السماوات الزاهرات، مزين الارض بالجاريات، مرسل الرياح الذاريات، مجري الفلك في الزاخرات، مزجي السحاب الهاطلات، مسير الجبال الراسيات، باعث الرسل بالبشارات، قاضي الحاجات، كافي المهمات، قابل الطاعات، المان على عباده برفع الدرجات، بقوله تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات). زين العابدين في قوله تعالى: (وممن هدينا واجتبينا نحن عنينا بها)، وفي خبر: ان قوله تعالى: (هو سماكم المسلمين من قبل)، فدعوة ابراهيم واسماعيل لآل محمد صلى الله عليه وآله فانه لمن لزم الحرم من قريش حتى جاء النبي ثم اتبعه وآمن به، واما قوله تعالى: (ليكون الرسول عليكم شهيدا) النبي يكون على آل محمد شهيدا ويكونون شهداء على الناس بعده، وكذلك قوله: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم)، إلى قوله: (شهيد)، فلما توفي النبي صاروا شهداء على الناس لانهم منه. عبد الله بن الحسين عن زين العابدين في قوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) قال: نحن هم. محمد بن سالم عن زيد بن علي، وأبو الجارود، وابو الصباح الكناني عن الصادق، وأبو حمزة عن السجاد في قوله تعالى: (ثم اهتدى الينا) أهل البيت. أبو حمزة الثمالي: سئل علي بن الحسين عن قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) قال: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟ قال: يقولون انها مكة، قال: وهل رأيت السوق أكثر منه بمكة ؟ قال: فما هو ؟ قال: إنما عنى به الرجال، قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟ قال: أو ما تسمع إلى قوله عزوجل: (وكأي من قرية عتت عن أمر ربها)، وقال: (وتلك القرى أهلكناهم)، وقال: (واسأل القرية)


[ 274 ]

أفنسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ قال: من هم ؟ قال: نحن هم، وقال: (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) أي آمنين من الزيغ. الصادق (ع) في قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)، نزلت في حقنا وحق ذرياتنا خاصة. وفي رواية عنه وعن أبيه (ع): هي لنا خاصة وإيابا عنى. وفي رواية الجارود عن الباقر (ع): هم آل محمد. زيد بن علي قال: نحن اولئك. ابان بن الصلت: سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية فقالت: أراد بذلك الامة كلها، فقال للرضا (ع): ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال: أفول أراد الله بذلك العترة الطاهرة لا غيرهم. زياد بن المنذر عن الباقر (ع): هذه لآل محمد وشيعتهم. جابر عنه (ع) قال: خير أهل بيت، يعني أهل بيت النبي. وقال محمد بن منصور: أهل بيت النبي خير أهل بيت اخرج للناس. زياد بن المنذر عن الباقر: اما الظالم لنفسه منا فمن عمل عملا صالحا وآخر سيئا، وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد، وأما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين، ومن قتل من آل محمد شهيدا. وفي رواية سالم عنه (ع): السابق بالخيرات الامام، والمقتصد العارف بالامام: والظالم لنفسه من لا يعرف الامام. أبو حمزة عن الباقر: (وان هذه امتكم امة واحدة)، قال: آل محمد. أبو حازم في خبر قال رجل لزين العابدين: تعرف الصلاة ! فحملت عليه، فقال (ع): مهلا يا أبا حازم فان العلماء هم الحلماء الرحماء، ثم واجه السائل فقال: نعم أعرفها، فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها ونوافلها، حتى بلغ قوله: ما افتتاحها ؟ قال: التكبير، قال: ما برهانها ؟ قال: القراءة، قال: ما خشوعها ؟ قال: النظر إلى موضع السجود، قال: ما تحريمها ؟ قال: التكبير، قال: ما تحليلها ؟ قال: التسليم، قال: ما جوهرها ؟ قال: التسبيح، قال: ما شعارها ؟ قال: التعقيب، قال: ما تمامها ؟ قال: الصلاة على محمد وآل محمد، قال: ما سبب قبولها ؟ قال: ولايتنا والبراءة من أعدائنا، قال: ما تركت لاحد حجة، ثم نهض يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، وتوارى. الكافي: انه استقرض زين العابدين من مولى له عشرة آلاف درهم فطلب الرجل وثيقة، قال: فنتف له من ردائه هدبة فقال: هذه الوثيقة، فكأن الرجل كره ذلك، فقال (ع): أنا أولى بالوفاء أم حاجب ؟ فقال: أنت أولى بذلك منه، قال: فكيف


[ 275 ]

صار حاجب بن زرارة يرهن قوسا وإنما هي خشبة على مائة درهم حمالة وهو كافر فيفي وأنا لا أفي بهدبة رداء، قال: فأخذها الرجل منه وأعطاه الدراهم وجعل الهدبة في حق فسهل الله عزوجل له المال فحمله إلى الرجل ثم قال: خذ قد أحضرت لك مالك فهات وثيقتي، فقال له: جعلت فداك ضيعتها، قال: إذا لا تأخذ مالك مني مثلي يستخف بذمته، قال: فأخرج الرجل الحق فإذا فيه الهدبة فأعطاها علي بن الحسين وأعطاه علي بن الحسين الدراهم وأخذ الهدبة. الدليل على إمامته (ع) ما ثبت ان الامام يجب أن يكون منصوصا عليه فكل من قال بذلك فقطع على إمامته. وإذا ثبت ان الامام لا بد أن يكون معصوما يقطع على ان الامام بعد الحسين ابنه علي (ع) لان كل من ادعيت إمامته بعده من بني امية والخوارج اتفقوا على نفي القطع على عصمته. واما الكيسانية وإن قالوا بالنص فلم يقولوا بالنص صريحا. وميزان علي بن الحسين زين العابدين في الحساب إمام المؤمنين أجمعين لاستوائهما في أربعمائة وثمانية وسبعين، ووجدنا ولد علي بن الحسين اليوم على حداثة عصره وقرب ميلاده أكثر عددا من قبائل الجاهلية وعمائر القديمة، حتى طبقوا الارض وملاؤا البلاد، وبلغوا الاطراف، وعلمنا ان ذلك من دلائله. قال القاضي بن قادوس المصري: أنت الامام الآمر العادل الذي * جنب البراق لجده جبريل الفاضل الاطراف لم ير فيهم * إلا إمام طاهر وبتول أنتم خزائن غامضات علومه * واليكم التحريم والتحليل فعلى الملائك أن تؤدي وحيه * بأمانة وعليكم التأويل ولبعض النصارى: عدي وتيم لا احاول ذكرها * بسوء ولكني محب لهاشم وهل تعتريني في علي ورهطه * إذا لم أخف في الله لومة لائم يقولون ما بال النصارى وحبهم * وأهل التقى من معرب وأعاجم فقلت لهم اني لاحسب حبهم * طواه إلهي في صدور البهائم فصل: في معجزاته عليه السلام حلية الاولياء، ووسيلة الملا، وفضائل أبي السعادات، بالاسناد عن ابن شهاب الزهري قال: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع


[ 276 ]

له فأذنوا، فدخلت عليه والاقياد في رجليه والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت اني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أو تظن هذا بما ترى علي وفي عنقي يكربني ؟ أما لو شئت ما كان فانه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ثم قال: يا زهري لاجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة، فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه فقال لي بعضهم: انا نراه متبوعا انا لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده، فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسألني عن علي ابن الحسين فأخبرته فقال: انه قد جاءني في يوم فقده الاعوان فدخل علي فقال: ما أنا وأنت ؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا احب، ثم خرج فو الله لقد امتلا ثوبي منه خيفة، قال الزهري فقلت: ليس علي بن الحسين حيث تظن انه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به. أبو الفضل الشيباني في أماليه، وأبو إسحاق العدل الطبري في مناقبه عن حبابة الوالبيه قالت: دخلت على علي بن الحسين وكان بوجهي وضح فوضع يده عليه فذهب قالت ثم قال: يا حبابة ما على ملة ابراهيم غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس منهم براء. حلية الاولياء بالاسناد عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند علي بن الحسين فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن فقال: يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير ؟ فقلت: لا، قال: فانها تقدس ربها عزوجل وتسأله قوت يومها. وفي رواية أصحابنا: ثم قال: يا أبا حمزة علمنا منطق الطير واوتينا من كل شئ سببا. المنهال بن عمرو في خبر قال: حججت فلقيت علي بن الحسين فقال: ما فعل حرملة ابن كاهل ؟ قلت: تركته حيا بالكوفة، فرفع يديه ثم قال: اللهم أذقه حر الحديد اللهم اذقه حر النار، فتوجهت نحو المختار فإذا بقوم يركضون ويقولون: البشارة أيها الامير قد اخذ حرملة، وقد كان توارى عنه، فأمر بقطع يديه ورجليه وحرقه بالنار. قالوا: وكان المختار كاتب علي بن الحسين يريده أن يبايع له وبعث إليه بمال فأبى أن يقبله وأن يجيبه. جابر عن أبي عبد الله في قوله تعالى: (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) فقال جابر: هم بنو امية ويوشك أن لا تحس منهم أحد يرجى ولا يخشى، فقلت: رحمك الله وان ذلك لكائن، فقال: ما أسرعه سمعت علي بن الحسين يقولق: انه قد رأى أسبابه.


[ 277 ]

كافي الكليني، أبو حمزة الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسين فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقط أي شئ هو ؟ قال: فضلة من زغب الملائكة، فقلت: وجعلك فداك وانهم ليأتونكم ؟ فقال: يا أيا حمزة انهم ليزاحمونا على متكائنا. أبو عبد الله بن عباس في المقتضب عن سعيد بن المسيب في خبر طويل عن ام سليم صاحبة الحصى قال لي: يا ام سليم ائتيني بحصاة، فدفعت إليه الحصاة من الارض فأخذها فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثم قالت بعد كلام: ثم ناداني يا ام سليم، قلت: لبيك، قال: ارجعي، فرجعت فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا فمد يده اليمنى فانحرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني ثم قال خذي يا ام سليم، فناولني والله كيسا فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حق لي في منزلي، فإذا الحق حقي. كتاب الانوار: ان ابليس تصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في صورة أفعى له عشرة رؤس محددة الانياب متقلبة الاعين بحمرة فطالع عليه من جوف الارض من موضع سجوده ثم تطاول محرابه فلم يفزعه ذلك ولم يكسره طرفه إليه، فانقض على رؤس أصابعه يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وهو لا يكسر طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته ولا قراءته فلم يلبث ابليس حتى انقض إليه شهاب محرق من السماء فلما أحس به صرخ وقام إلى جانب علي ابن الحسين في صورته الاولى، ثم قال: يا علي أنت سيد العابدين كما سميت وأنا ابليس والله لقد رأيت عبادة النبيين من عهد ابيك آدم واليك فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها. اختيار الرجال عن الطوسي، والمسترشد عن ابن جرير بالاسناد عن علي بن زيد عن الزهري أيضا قيل لسعيد بن المسيب: لم تركت الصلاة على زين العابدين وقلت: اصلي ركعتين في المسجد أحب إلي من أن اصلي على الرجل الصالح في البيت الصالح ؟ فقال: لانه أخبرني عن أبيه عن جده عن النبي عن جبرئيل عن الله تعالى انه قال: ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك وصلى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس إلا غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم أر شيئا أفضل منه وانثال الناس على جنازته، فقلت: إن أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم، فوثبت لاصلي


[ 278 ]

فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الارض فأجابه تكبير فأجابه تكبير من السماء من الارض ففزعت وسقطت على وجهي وكبر من في السماء سبعا ومن في الارض سبعا وصلى على علي بن الحسين ودخل الناس المسجد فلم أدرك ركعتين ولا الصلاة على علي بن الحسين ان هذا لهو الخسران المبين ثم بكى وقال: ما أردت إلا الخير ليتني صليت عليه. كتاب الكليني موسى بن جعفر عن الباقر (ع) قال: ان حبابة الوالبية دعا لها علي ابن الحسين فرد الله عليها شبابها وأشار إليها باصبعه فخاضها لوقتها ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشر سنة. كتاب الانوار انه (ع) كان قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد (ع) وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها فنظرت إليه امه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول: يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد، وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما طال عليها ذلك قالت حزنا على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول الله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلا برشأ طويل فأخرج ابنه محمدا (ع) على يديه يناغي ويضحك لم يبتل له ثوب ولا سجد بالماء فقال: هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله: يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم لو علمت اني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني، أفمن يرى راحما بعده. الفتال النيسابوري في روضة الواعظين في خبر طويل عن سعيد بن جبير قال أبو خالد الكابلي: أتيت علي بن الحسين على أن أسأله هل عندك سلاح رسول الله فلما بصرني قال: يا أبا خالد أتريد أن أريك سلاح رسول الله ؟ قلت: والله يا ابن رسول الله ما أتيت إلا لاسألك عن ذلك ولقد أخبرتني بما في نفسي، قال: نعم، فدعا بحق كبير وسفط فأخرج لي خاتم رسول الله، ثم أخرج لي درعه وقال: هذا درع رسول الله وأخرج إلى سيفه فقال: هذا والله ذو الفقار، وأخرج عمامته وقال: هذه السحاب وأخرج رايته وقال: هذه العقاب، وأخرج قضيبه وقال: هذا السكب، وأخرج نعليه وقال: هذان نعلا رسول الله، وأخرج رداءه وقال: هذا كان يرتدي به رسول الله ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة، وأخرج لي شيئا كثيرا، قلت: حسبي جعلني الله فداك. العامري في الشيصبان، وأبو علي الطبرسي في إعلام الورى، عبد الله بن سليمان الحضرمي في خبر طويل: ان غانم ابن ام غانم دخل المدينة ومعه امه وسأل: هل تحسون


[ 279 ]

رجلا من بني هاشم اسمه علي ؟ قالوا: نعم هو ذاك، قال: فدلوني على علي بن عبد الله ابن عباس، فقلت له: معي حصاة ختم عليها علي والحسن والحسين وسمعت انه يختم عليه رجل اسمه علي، فقال علي بن عبد الله بن عباس: يا عدو الله كذبت على علي بن أبي طالب وعلى الحسن والحسين، وصار بنو هاشم يضربونني حتى أرجع عن مقالتي ثم سلبوا منى الحصاة، فرأيت في ليلتي في منامي الحسين وهو يقول لي: هاك الحصاة يا غانم وامضي علي ابني فهو صاحبك، فانتبهت والحصاة في يدي فأتيت علي بن الحسين فختمها وقال لي: ان في أمرك لعبرة فلا تخبر به أحدا. فقال في ذلك غانم بن ام غانم أتيت عليا أبتغي الحق عنده * وعند علي عبرة لا احاول فشد وثاقي ثم قال لي اصطبر * كأني مخبول عراني خابل فقلت لحاك الله والله لم أكن * لاكذب في قولي الذي أنا قائل وخلى سبيلي بعد ضنك فأصبحت * مخلاته نفسي وسربي سائل وقلت وخير القول ما كان صادقا * ولا يستوي في الدين حق وباطل ولا يستوي من كل بالحق عالما * كآخر يمسي وهو للحق جاهل وأنت الامام الحق يعرف فضله * وإن قصرت عنه النهى والفضائل وأنت وصي الاوصياء محمد * أبوك ومن نيطت إليه الوسائل كتاب الارشاد، الزهري: قال سعيد بن المسيب: كان الناس لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي بن الحسين، فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين سبح في سجوده فلم يبق شجر ولا مدر إلا سبحوا معه، ففزعت منه فرفع رأسه فقال: يا سعيد أفزعت ؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله، قال: هذا التسبيح الاعظم وفي رواية سعيد بن المسيب: كان القراء لا يحجون حتى يحج زين العابدين وكان يتخذ لهم السويق الحلو والحامض ويمنع نفسه فسبق يوما إلى الرحل فألفيته وهو ساجد فو الذي نفس سعيد بيده لقد رأيت الشجر والمدر والرحل والراحلة يردون عليه مثله كلامه وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة فقال: خذوا عني حتى أملي عليكم وأخذ القلم وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات. حلية أبي نعيم، وفضائل أبي السعادات روى أبو حمزة الثمالي ومنذر الثوري عن علي بن الحسين قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا على الدنيا حزنك فرزق الله حاضر للبر والفاجر، قلت: ما على هذا حزني وانه


[ 280 ]

لكما تقول، قال: فعلى الآخرة فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر فعلى م حزنك ؟ قال قلت: الخوف من فتنة ابن الزبير، قال: ثم ضحك وقال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا توكل على الله فلم يكفه ؟ قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله فلم ينجه ؟ قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه ؟ قلت: لا. ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد، وكان الخضر ابراهيم بن أدهم، وفتح الموصلي قال كل واحد منهما: كنت أسيح في البادية مع القافلة فعرضت لي حاجة فتنحيت عن القافلة فإذا أنا بصبي يمشي فقلت: سبحان الله بادية بيداء وصبي يمشي ! فدنوت منه وسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت له: إلى أين ؟ قال: اريد بيت ربي، فقلت: حبيبي انك صغير ليس عليك فرض ولا سنة، فقال: يا شيخ ما رأيت من هو أصغر سنا منى مات ؟ فقلت: أين الزاد والراحلة ؟ فقال: زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي، فقلت، ما أرى شيئا من الطعام معك ! فقال: يا شيخ هل يستحسن أن يدعوك انسان إلى دعوة فتحمل من بيتك الطعام ؟ قلت: لا، قال: الذي دعاني إلى بيته هو يطعمنى ويسقيني، فقلت: ارفع رجلك حتى تدرك، فقال علي الجهاد وعليه الابلاغ أما سمعت قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)، قال: فبينا نحن كذلك إذا أقبل شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض حسنة فعانق الصبي وسلم عليه فأقبلت على الشاب وقلت له: أسألك بالذي حسن خلقك من هذا الصبي ؟ فقال: أما تعرفه ! هذا علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، فتركت الشاب وأقبلت على الضبي فقلت: أسألك بآبائك من هذا الشاب ؟ فقال: أما تعرفه ؟ هذا أخي الخضر يأتينا كل يوم فيسلم علينا، فقلت: أسألك بحق آبائك لما أخبرتني بما تجوز المفاوز بلا زاد ؟ قال: بلى أجوز بزاد وزادي فيها أربعة أشياء، قلت: وما هي ؟ قال: أرى الدنيا كلها بحذافيرها مملكة الله، وأرى الخلق كلهم عبيد الله واماءه وعياله، وأرى الاسباب والارزاق بيد الله، وأرى قضاء الله نافذا في كل أرض الله، فقلت: نعم الزاد زادك يا زين العابدين وأنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدنيا. في كتاب الكشي قال القاسم بن عوف في حديثه: قال زين العابدين: وإياك أن تشد راحلة برحلها فان ماهنا مطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ثم يبعث لكم غلاما من ولد فاطمة تنبت الحكمة في صدره كما ينبت المطر الزرع. قال: فلما مضى علي بن الحسين حسبنا الايام والجمع والشهور والسنين فما زادت يوما ولا نقصت حتى


[ 281 ]

تكلم محمد الباقر (ع). وفي حديث ابي حمزة الثمالي: انه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين وقال: يا ابن الحسين أنت الذي تقول ان يونس بن متى إنما لقى من الحوت ما لقى لانه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها ؟ قال: بلى ثكلتك امك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح اعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب امواجه، فقال ابن عمر: يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي، فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا ايتها الحوت قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من انت ؟ قال: انا حوت يونس يا سيدي، قال: انبئنا بالخبر، قال: يا سيدي ان الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى ان صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم اهل البيت فمن قبلها من الانبياء سلم وتخلص ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية وما لقى نوح من الغرق وما لقى ابراهيم من النار وما لقى يوسف من الجب وما لقى ايوب من البلاء وما لقى داود من الخطيئة إلى ان بعث الله يونس فأوحى الله إليه ان يا يونس تول امير المؤمنين عليا والائمة الراشدين من صلبه، في كلام له قال: فكيف أتولى من لم أره ولم اعرفه، وذهب مغتاظا، فأوحى الله تعالى إلي أن التقمي يونس ولا توهني له عظما، فمكث في بطني اربعين صباحا يطوف مع البحار في ظلمات مئات ينادي انه لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن ابي طالب والائمة الراشدين من ولده فلما آمن بولايتكم امرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين: ارجع أيها الحوت إلى وكرك، واستوى الماء. بصائر الدرجات، سماعة عن ابي بصير عن عبد العزيز قال: خرجت مع علي بن الحسين إلى مكة فلما دخلنا الابواء كان على راحلته وكنت امشي فوافى غنما فإذا نعجة قد تخلفت عن الغنم وهي تثغو ثغاء شديدا وتلتفت وإذا سخلة خلفها تثغو وتشتد في طلبها، فلما قامت الراحلة ثغت النعجة فتبعتها السخلة، فقال علي بن الحسين: يا عبد العزيز أتدري ما قالت النعجة ؟ قلت: لا والله ما ادري، قال: فانها قالت: الحقني بالغنم فان اختها عام اول تخلفت في هذا الموضع فأكلها الذئب. الكافي، وعلل الشرائع، قال ابان بن تغلب: لما هدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها، فلما جاؤا إلى بنائها وارادوا ان يبنوها خرجت عليهم حية فمنعت الناس البناء حتى انهزموا، فأتوا الحجاج فأخبروه فخاف ان يكون قد منع بناؤها، فصعد المنبر


[ 282 ]

وقال: انشد الله عبدا عنده خبر ما ابتلينا به لما اخبرنا به، قال: فقام شيخ فقال: إن يكن عند احد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة واخذ مقدارها ثم مضى، فقال الحجاج: من هو ؟ قال: علي بن الحسين قال: معدن ذلك، فبعث إلى علي بن الحسين فأتاه فأخبره بما كان من منع الله إياه البناء، فقال له علي بن الحسين: يا حجاج عمدت إلى بناء ابراهيم واسماعيل والقيته في الطريق وانتهبه الناس كأنك ترى انه تراث لك اصعد المنبر فانشد الناس ان لا يبقى احد منهم اخذ منه شيئا إلا رده، قال: ففعل فردوه، فلما رأى جميع التراب أتى علي بن الحسين فوضع الاساس وامرهم ان يحفروا، قال: فتغيبت عنهم الحية، وحفروا حتى انتهى إلى موضع القواعد، فقال لهم علي بن الحسين: تنحوا، فتنحوا فدنا منها فغطاها بثوبه ثم بكى ثم غطاها بالتراب ثم دعا الفعلة فقال: ضعوا بناءكم، فوضعوا البناء، فلما ارتفعت حيطانه أمر بالتراب فألقى في جوفه، فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج. وروي انه استسقى عباد البصرة مثل: ايوب السجستاني، وصالح المزي، وعتبة العلام، وحبيب القادسي، ومالك بن دينار، وابو صالح الاعمى، وجعفر بن سليمان، وثابت البناني، ورابعة، وسعدانة، وانصرفوا خائبين فإذا هم بفتى قد اقبل وقد اكربته احزانه واقلقته اشجانه فطاف بالكعبة اشواطا ثم اقبل علينا وحيانا واحدا واحدا فقلنا: لبيك يا شاب، فقال: أما فيكم احد يجيبه الرحمن ؟ فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الاجابة، قال: ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم احد يجيبه الرحمن لاجابه، ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول في سجوده: سيدي بحبك لي إلا اسقيتهم الغيث، فما استتم الكلام حتى اتاهم الغيث كأفواه القرب ثم ولى عنا قائلا: من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فهذا شقى ما ضر في الطاعة ما ناله * في طاعة الله وماذا لقى ما يصنع العبد بعز الغنى * والعز كل العز للمتقى فسئل عنه فقالوا: هذا زين العابدين. امالي أبو جعفر الطوسي قال: خرج علي ابن الحسين (ع) إلى مكة حاجا حتى انتهى إلى بين مكة والمدينة فإذا هو برجل يقطع الطريق، قال فقال لعلي: أنزل، قال: تريد ماذا ؟ قال: اريد ان اقتلك وآخذ ما معك قال: فأنا اقاسمك ما معي واحللك، قال فقال اللص: لا، قال: فدع معي ما اتبلغ به، فأبى، قال: فأين ربك ؟ قال: نائم، قال فإذا اسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه وهذا برجليه، قال: زعمت ان ربك عنك نائم.


[ 283 ]

يونس الحر عن القتال، والقلادة عن ابي حاتم، والوسيلة عن الملا بالاسناد روى جابر بن يزيد عن ابي جعفر (ع) قال: بينا علي بن الحسين (ع) مع اصحابه إذ اقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاه وتبغم وحمحم، فقال بعض القوم: ما شان هذا يا ابن رسول الله ؟ فقال: ان هذه الظبية تزعم ان فلانا القرشي اخذ خشفا لها وانها لم ترضعه من امس، فبعث علي بن الحسين إلى الرجل أن ارسل إلى الخشف، فبعث به، فلما رأته حمحمت وارضعته، ثم كلمها علي بن الحسين بكلام مثل كلامها فحمحمت ثم انصرفت واتبعها الخشف، فقالوا له: يا ابن رسول الله ماذا قلت لها ؟ قال: قلت لها قد وهبتك خشفك، فدعت لكم وجزتكم خيرا. وفي كتاب الوسيلة هذا بالاسناد عن أبي عبد الله (ع) قال: كان علي بن الحسين مع اصحابه في طريق مكة فمر به ثعلب وهم يعدون خلفه، فقال علي بن الحسين: هل لكم ان تعطوني موثقا من الله تعالى لا تروعون هذا الثعلب حتى ادعوه فيجئ، قالوا نعم، فنادى: يا ثعلب تعال، فاقبل الثعلب إليه ووقف بين يديه فناوله عرافا فاخذه وولى ليأكله فعاد ناداه فقال: هلم صافحني، فجاء فتكلم رجل منهم في وجهه فانصرف فقال: من فيكم كلمه ؟ فقال رجل، أنا، واستغفر. أبو عبد الله (ع) قال: لما كانت الليلة التي وعدها علي بن الحسين قال لمحمد ابنه: يا بني أبغي وضوءا، قال أبي: فجئته بوضوء، فقال: لا أبغي هذا فان فيه شيئا ميتا، فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة ميتة، فجئته بوضوء غيره قال: يا بني هذه الليلة التى وعدتها، فأوصى بناقته ان تحضر يقال لها عصام ويقام لها علف، فجعل لها ذلك، فتوفي فيها رحمة الله عليه وصلواته. فلما دفن لم تلبث أن خرجت حتى اتت القبر فضربت بجرانها القبر ورغت وهملت عيناها. فأتى محمد بن علي فقيل: ان الناقة قد خرجت إلى القبر، فأتاها فقال: مه قومي الآن بارك الله فيك، فثارت حتى دخلت موضعها ثم لم تلبث ان خرجت حتى اتت القبر فضربت بجرانها القبر ورغت وهملت عيناها. فأتى محمد بن علي (ع) فقيل له: ان الناقة قد خرجت إلى القبر، فأتاها فقال مه الآن قومي بارك الله فيك، فلم تفعل، فقال: دعوها فانها مودعة، فلم تلبث إلا ثلاثة ايام حتى نفقت. وانه كان يخرج عليها إلى مكة فيعلق السوط بالرحل فما يقرعها قرعة حتى يدخل المدينة. وروي انه حج عليها اربعين حجة. حماد بن حبيب الكوفى العطار قال: انقطعت عن القافلة عند زبالة، فلما ان اجننى الليل إويت إلى شجرة عالية. فلما ان اختط الظلام إذا انا بشاب قد اقبل عليه اطمار


[ 284 ]

بيض تفوح منه رائحة المسك، فأخفيت نفسي ما استطعت، فتهيأ للصلاة ثم وثب قائما وهو يقول: يا من حاز كل شئ جبروتا ألج قلبي فرح الاقبال والحقني بميدان المطيعين لك، ثم دخل في الصلاة، فلما رأيته وقد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته قمت إلى الموضع الذي تهيأ فيه إلى الصلاة فإذا أنا بعين تنبع فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه فإذا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت فرأيته كل ما مر بالآية التي فيها الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين، فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول: يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه معقلا، ولجأ إليه العائذون فوجدوه موئلا، متى راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتى فرح من قصد سواك بنيته، إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من حياض مناجاتك صدرا، صلي على محمد وآله، وافعل بي أولى الامرين بك يا أرحم الراحمين. فخفت أن يفوتني شخصه وأن يخفى علي أمره، فتعلقت به فقلت: بالذي أسقط عنك ملاك التعب ومنحك شدة لذيذ الرهب إلا ما لحقتني منك جناح رحمة وكنف رقة فاني ضال، فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالا ولكن اتبعني واقف أثري، فلما ان صار تحت الشجرة اخذ بيدي وتخيل لي الارض تميد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح قال لي: ابشر فهذه مكة فسمعت الضجة ورأيت الحجة فقلت له: بالذي ترجوه يوم الآزفة يوم الفاقة من أنت ؟ قال: إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين بن علي أبي طالب. كتاب المقتل، قال أحمد بن حنبل: كان سبب مرض زين العابدين (ع) في كربلا انه كان البس درعا ففضل عنه فأخذ الفضلة بيده ومزقه. عبد الله بن عطاء التميمي قال: كنت مع علي بن الحسين في المسجد فمر عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضة، وكان من أهجن الناس وهو شاب، فنظر إليه علي بن الحسين فقال: يا عبد الله بن عطاء أترى هذا المترف انه لن يموت حتى يلي الناس، قلت: إنا لله هذا الفاسق، قال: نعم لا يلبث عليهم إلا يسيرا حتى يموت فإذا هو مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الارض. الروضة: سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن انهاب المدينة، قال: نعم شدوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول الله ورأيت الخيل حول القبر وانتهب المدينة ثلاثا فكنت أنا وعلي بن الحسين نأتي قبر الحنبي فيتكلم علي بن الحسين بكلام لم أقف عليه فيحال ما بيننا وبين القوم ونصلي ونرى القوم وهم لا يروننا وقام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف أشهب بيده حربة مع علي بن الحسين فكان إذا أومى الرجل


[ 285 ]

إلى حرم رسول الله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت قبل أن يصيبه، فلما ان كفوا عن النهب دخل علي بن الحسين على النساء فلم يترك قرطا في اذن صبي ولا حليا على امرأة ولا ثوبا إلا أخرجه إلى الفارس، قال: يا ابن رسول الله اني ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة ابيك لما أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربى في نصرتكم آل محمد فأذن لي لان أذخرها يدا عند الله تبارك وتعالى وعند رسوله وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة. وروى أبو مخنف عن الجلودي انه لما قتل الحسين كان علي بن الحسين نائما فجعل رجل يدافع عنه كل من اراد به سوءا. واصيب الحسين وعليه دين بضعة وسبعون الف دينار، فاهتم علي بن الحسين بدين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في اكثر ايامه ولياليه، فأتاه آت في المنام فقال: لا تهتم بدين ابيك فقد قضاه الله عنه بمال بجنس، فقال علي: والله ما أعرف في اموال أبى مال يقال له بجنس، فلما كان من الليلة الثانية رأى مثل ذلك، فسأل عنه اهله فقالت له امرأة من اهله: كان لابيك عبد رومي يقال له بجنس استنبط له عينا بذي خشب، فسأل عن ذلك فاخبر به فما مضت بعد ذلك إلا ايام قلائل حتى ارسل الوليد بن عتبة بن ابى سفيان إلى علي بن الحسين يقول له: انه قد ذكرت لي عين لابيك بذي خشب تعرف ببجنس فإذا أحببت بيعها ابتعتها منك، قال علي بن الحسين: خذها بدين الحسين وذكره له قال: قد اخذتها فاستثنى منها سقى ليلة السبت لسكينه. وكان زين العابدين يدعو في كل يوم ان يراه الله قاتل ابيه مقتولا، فلما قتل المختار قتلة الحسين بعث برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسول من قبله إلى زين العابدين وقال لرسوله: انه يصلي من الليل وإذا اصبح وصلى صلاة الغداة هجع ثم يقوم فاستأذن عليه وضع الرأسين على مائدته وقل له: المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا ابن رسول الله قد بلغك الله ثارك، ففعل الرسول ذلك، فلما رأى زين العابدين الرأسين على مائدته خبر ساجدا وقال: الحمد الله الذي اجاب دعوتي وبلغني ثاري من قتله ابي، ودعا للمختار وجزاه خيرا. رجل من بني حنيفة قال: كنت مع عمي فدخل على علي بن الحسين فرأى بين يديه صحائف ينظر فيها، فقال عمي: أي شئ هذه الصحائف ؟ قال: هذه ديوان شيعتنا، ثم قال: ان الله خلقنا من عليين وخلق شيعتنا من طين من اسفل ذلك،


[ 286 ]

وخلق عدونا من سجين، وخلق اولياؤهم من اسفل ذلك. بشير النبال، ويحيى بن ام الطويل، عن ابي جعفر (ع) قال: كنت خلف ابى وهو على بغلته فنفرت فإذا رجل في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال: يا علي بن الحسين اسقني، فقال الرجل: لا تسقه لاسقاه الله، وكان اول ملك في الشام. وروى نحو ذلك ادريس بن عبد الله، وعلي بن المغيرة، ومالك بن عطية، وابو حمزة الثمالي عن ابي عبد الله (ع) انه قال: بينا انا وابى متوجهين إلى مكة وابى قد تقدمني في موضع يقال له: ضجنان، وذكر الخبر بعينه. أبو جعفر (ع): خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين دهرا من عمره ثم انه اراد ان ينصرف إلى اهله، فأتى علي بن الحسين وشكى إليه شدة شوقه إلى والديه، فقال: يا ابا خالد يقدم غدا رجل من اهل الشام له قدر ومال كثير وقد اصاب بنتا له عارض من اهل الارض ويريدون ان يطلبوا معالجا يعالجها فإذا انت سمعت قدومه فاته وقل له انا اعالجها لك على ان اشترط لك انى اعالجها على ديتها عشرة آلاف فلا تطمأن إليهم وسيعطونك ما تطلب منهم، فلما اصبحوا قدم الرجل ومن معه، وكان من عظماء اهل الشام في المال والمقدرة، فقال: أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟ فقال له أبو خالد: انا اعالجها على عشرة آلاف درهم فان انتم وفيتم وفيت على ان لا يعود إليها ابدا، فشرطوا ان يعطوه عشرة آلاف، فأقبل إلى علي بن الحسين فأخبره الخبر فقال: انى اعلم انهم سيغدرون بك ولا يفون لك انطلق يا ابا خالد فخذ باذن الجارية اليسرى ثم قل: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعد، ففعل أبو خالد ما أمره فخرج منها فأفاقت الجارية. وطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه، فرجع مغتما كئيبا، فقال له علي بن الحسين: ما لي اراك كئيبا يا ابا خالد ؟ ألم اقل لك انهم يغدرون بك ؟ دعهم فانهم سيعودون اليك، فإذا لقوك فقل: لست اعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين فانه لي ولكم ثقة (فاصيب الجارية وعادوا إليه وقال ما امره به فرضوا) ووضعوا المال على يدي علي بن الحسين فرجع أبو خالد إلى الجارية فأخذ باذنها اليسرى ثم قال: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعرض لها إلا بسبيل خير فانك إن عدت احرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة، فخرج منها ودفع المال إلى ابى خالد، فخرج إلى بلاده. محمد بن علي الحلبي قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: لما اتي بعلي بن الحسين إلى يزيد بن معاوية ومن تبعهم جعلوهم في بيت، فقال بعضهم: إنما جعلنا في هذا


[ 287 ]

البيت ليقع علينا، فقال مواظب لحرس: انظروا إلى هؤلاء يخافون ان يقع عليهم البيت وإنما يخرجون غدا فيقتلون، فأخبره (ع) قومه بمقاله. وفي رواية: انه بشرهم باطلاقهم غدا. الزهري: جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال: ما خبرك ؟ فقال: خبري يا ابن رسول الله انى اصبحت وعلي اربعمائة دينار لا قضاء عندي لها ولي عيال ليس لي ما اعود به إليهم، فبكى علي بن الحسين بكاء شديدا، فقيل: ما يبكيك يا ابن رسول الله ؟ فقال: وهل يعد البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار ؟ فقالوا: كذلك، قال: فأية محنة ومصيبة اعظم على حر مؤمن ان يرى بأخيه المؤمن خلة ولا يمكنه سدها ويشاهده على فاقة فلا يطيق دفعها، فلما تفرقوا اتاه الشاكي وقال: يا ابن رسول الله بلغني عن فلان انه قال: عجبا لهؤلاء يدعون ان السماء والارض وكل شئ يطيعهم وان الله لا يردهم عن شئ من طلباتهم ثم يعترفون بالعجز عن صلاح خواص اخوانهم يا ابن رسول الله ذلك اغلظ علي من محنتي، فقال (ع): فقد أذن الله في فرج يا فلان احمل له فطوري وسحوي فحمل قرصين فقال: خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف عنك بهما وينيلك خيرا واسعا بهما فدخل الرجل السوق مع الوسوسة، فمر بسماك قد بارت عليه سمكته وقد أراحت فقال: خذ سمكة بائرة بقرصة يابسة ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه فناداه: اعطني قرصتك المزهودة وخذ ملحي المزهود، ففعل فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال: اصلح هذه بهذا، فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤين فاخرتين فحمد الله عليهما فبينا هو في سروره وذلك إذ قرع بابه فنظر من على الباب فإذا هو صاحب السمكة والملح يقولان: جهدنا ان نأكل القرص فلم تعمل فيه اسناننا، فأخذ القرصين منهما، فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع بابه فإذا هو رسول علي بن الحسين (ع) قد دخل فقال: انه يقول لك: ان الله قد اتاك بالفرج فاردد طعامنا فانه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم وحسنت حاله، فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت ! بينا هو لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغنى العظيم، فقال (ع): هكذا قالت قريش للنبي: كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الانبياء من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة وهو لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثنى عشر يوما، وذلك حين هاجر منها، ثم قال: جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه مع ان المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله وترك الاقتراح عليه والرضى بما يريده بهم، الخبر.


[ 288 ]

معرفة الرجال، عن الكشي عن أبي بصير: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا فقال له: جعلت فداك ان لي خدمة ومودة وانقطاعا فأسألك بحرمة رسول الله وامير المؤمنين إلا ما أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال: الامام علي بن الحسين علي وعل كل مسلم. فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين فلما دخل عليه قال: مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا ؟ فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله مما سمع منه فقال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي، فقال له علي، وكيف عرفت إمامك ؟ قال: لا والله ما عرفني بهذا الامر إلا أبي وامي، ثم قص عليه حديث ابن الحنفية. نوادر الحكمة، عن محمد بن أحمد بن يحيى بالاسناد عن جابر، وعن الباقر (ع) انه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة، فقال: يا محمد اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق اني أعظك أن تكون من الجاهلين يا عم ان أبي أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق فانطلق بنا إلى الحجر الاسود فمن شهد له بالامامة كان هو الامام، فانطلقا حتى أتيا الحجر الاسود فناداه محمد فلم يجبه، فقال علي: أما انك لو كنت وصيا وإماما لاجابك فقال له محمد: فادع أنت يا ابن أخي واسأله، فدعا الله تعالى علي بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الانبياء وميثاق الناس اجمعين لما اخبرتنا بلسان عربي مبين من الوصي والامام بعد الحسين ؟ فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال: اللهم ان الوصية والامامة بعد الحسين لعلى بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله، فانصرف محمد وهو يتولى علي بن الحسين (ع). المبرد في الكامل، قال أبو خالد الكابلي لمحمد بن الحنفية: أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله، فقال انه: حاكمني إلى الحجر الاسود وزعم انه ينطقه، فصرت معه إلى الحجر فسمعت الحجر يقول: سلم الامر إلى ابن اخيك فانه أحق به منك، فصار أبو خالد إماميا. قال الحميري: عجبت ولكر صروف الزمان * وأمر أبي خالد ذي البيان ومن رده الامر لا ينثني * إلى الطيب الطهر نور الجنان علي وما كان من عمه * برد الامانة عطف العيان وتحكيمه حجرا أسودا * وما كان من نطقه المستبان بتسليم عم بغير امتراء * إلى ابن أخ منطقا باللسان شهدت بذلك حقا كما * شهدت بتصديق آي القرآن


[ 289 ]

علي إمامي ولا أمتري * وخليت قولي بكان وكان وقال المؤلف: بعد النبي أئمة لمعاشر * وأئمتي من بعده أولاده إن كان قد شرفت به أصحابه * فبنوه ما شرفوا وهم أكباده فصل: في زهده عليه السلام زرارة بن أعين: سمع سائلا في جوف الليل يقول: أين الزاهدون في الدنيا ؟ الراغبون في الآخرة ؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه: ذلك علي بن الحسين. حلية الاولياء، وفضائل الصحابة: كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم ؟ ومن أريد اناجي ؟. وفي كتبنا انه كان إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: أتدرون من أتأهب للقيام بين يديه ؟. طاووس الفقيه: رأيت في الحجر زين العابدين يصلي ويدعو: عبيدك ببابك، اسيرك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، يشكو اليك ما لا يخفى عليك. وفي خبر: لا تردني عن بابك. وأتت فاطمة بنت علي بن ابى طالب إلى جابر بن عبد الله فقالت له: يا صاحب رسول الله ان لنا عليكم حقوقا ومن حقنا عليكم إذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهادا ان تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه وهذا علي بن الحسين بقية ابيه الحسين قد انخرم انفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتان أذاب نفسه في العبادة، فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضبته العبادة، فنهض علي فسأله عن حاله سؤالا خفيا اجلسه بجنبه. ثم اقبل جابر يقول: يا ابن رسول الله أما علمت ان الله خلق الجنة لكم ولمن احبكم، وخلق النار لمن ابغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك ! فقال له علي بن الحسين: يا صاحب رسول الله أما علمت ان جدي رسول الله قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يدع الاجتهاد وتعبد هو بأبى وامي حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: أفلا اكون عبدا شكورا. فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول قال: يا ابن رسول الله البقيا على نفسك فانك من اسوة بهم يستدفع


[ 290 ]

البلاء وتستكشف اللاواء وبهم تستمسك السماء، فقال: يا جابر لا ازال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى القاهما، فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: ما ارى من اولاد الانبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب، والله لذرية علي بن الحسين افضل من ذرية يوسف. الصادق (ع): ولقد دخل أبو جعفر على ابيه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه احد، وقد اصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته من السجود، وورمت قدماه من القيام في الصلاة. قال: فقال أبو جعفر: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء فكبيت رحمة له، وإذا هو يفكر، فالتفت إلى بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة على، فأعطيته، فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن ابى طالب مصباح المتهجد: كان له خريطة فيها تربة الحسين إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع راسه حتى يرفض عرقا. الباقر (ع): كان علي بن الحسين يصلى في اليوم والليلة الف ركعة، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكانت له خمسمائة نخلة، وكان يصلى عند كل نخلة ركعتين وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت اعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يصلى صلاة مودع يرى انه لا يصلى بعدها ابدا. وروي انه كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه واصابته رعدة وحال امره، فربما سأله عن حاله من لا يعرف امره في ذلك فيقول: انى اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم، وكان إذا وقف في الصلاة لم يشغل بغيرها ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة. وسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح اهل الدار واتاهم الجيران وجئ بالمجبر وجبر الصبي وهو يصيح من الالم، وكل ذلك لا يسمعه، فلما اصبح راى الصبي يده مربوطة إلى عنقه فقال: ما هذا ؟ فأخبروه. ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار النار، فما رفع رأسه حتى اطفيت، فقيل له بعد قعوده: ما الذي ألهاك عنها ؟ قال: ألهتني عنها النار الكبرى. الباقر (ع): ولقد كان سقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده وكان يجمعها، فلما مات دفنت معه. الاصمعي: كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان


[ 291 ]

وهو متعلق بأستار الكعبة ويقول: نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حراسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم أنشأ يقول، يا من يجيب دعا المضطر في الظلم * يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت قاطبة * وأنت وحدك يا قيوم لم تنم أدعوك رب دعاء قد امرت به * فارحم بكائي بحق البيت والحرم ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف * فمن يجود على العاصين بالنعم قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدين (ع). طاوس الفقيه: رأيته يطوف من العشاء إلى سجر ويتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه وقال: إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون انامك، وابوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد في عرصات القيامة ثم بكى وقال: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك. وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من اعتصم ان قطعت حبلك عني، فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن استحي من ربي ؟ ثم بكى، ثم أنشأ يقول: أتحرقني بالنار يا غاية المنى * فأين رجائي ثم أين محبتي أتيت بأعمال قباح ردية * وما في الورى خلق جنى كجنايتي ثم بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعصى، تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيدي الغني عنهم. ثم خر إلى الارض ساجدا فدنوت منه وشلت رأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده فاستوى جالسا وقال: من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي ! فقلت: انا طاوس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع ؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون ابوك الحسين بن علي وامك فاطمة الزهراء وجدك رسول الله ؟ قال: والتفت إلي وقال: هيهات هيهات يا طاوس دع عني حديث أبي وامي وجدي خلق الله الجنة لمن اطاعه واحسن ولو كان حبشيا وخلق النار لمن عصاه ولو كان


[ 292 ]

سيدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) والله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح. قال ابن حماد: وراهب اهل البيت كان ولم يزل * يلقب بالسجاد حتى تعبد يقضي بطول الصوم طول نهاره * منيبا ويفنى ليله بتهجد فأين به من علمه ووفائه * وأين به من نسكه وتعبده وكفاك في زهده الصحيفة الكاملة والندب المروية عنه (ع). فمنها ما روى الزهري: يا نفس حتى م إلى الحياة سكونك، وإلى الدنيا ركونك. ما اعتبرت بمن مضى في اسلافك، ومن وارته الارض من الافك، ومن فجعت به من اخوانك. فهم في بطون الارض بعد ظهورها * محاسنها فيها بوال دواثر خلت دورهم منهم واقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمتهم تحت التراب الحفائر ومنها ما روي عن الصادق (ع): حتى متى تعدني الدنيا فتخلف وائتمنها فتخون استنصحها فتغش لا تحدث جديدة إلا تخلق مثلها ولا تجمع شملا إلا بتفريق بين حتى كأنها غيرى أو محتجبة تغار على الآلاف وتحسد اهل النعم. فقد آذنتني بانقطاع وفرقة * واومض لي من كل افق بروقها ومنها ما روى سفين بن عيينة: أين السلف الماضون. والاهل والاقربون، والانبياء والمرسلون، طحنتهم والله المنون، وتوالت عليهم السنون، وفقدتهم العيون، وانا إليهم لصائرون، وانا لله وانا إليه راجعون. إذا كان هذا نهج من كان قبلنا * فانا على آثارهم نتلاحق فكن عالما ان سوف تدرك من مضى * ولو عصمتك الراسيات الشواهق فما هذه دار المقامة فاعلمن * ولو عمر الانسان ماذر شارق (ومما جاء في صدقته (ع)): ما روي في الحلية، وشرف النبي، والاغاني، عن محمد بن اسحاق بالاسناد عن الثمالي، وعن الباقر (ع): انه كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز عى ظهره بالليل فيتصدق به. قال أبو حمزة الثمالي، وسفيان الثوري: كان (ع) يقول: ان صدقة السر تطفي غضب الرب. الحلية، والاغاني، عن محمد بن اسحاق: انه كان ناس من اهل المدينة يعيشون لا يدرون أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. وفي رواية احمد بن حنبل عن معمر عن شيبة بن نعامة انه كان يقوت مائة.


[ 293 ]

اهل بيت. وقيل: كان في كل بيت جماعة من الناس الحلية، قال: ان عائشة سمعت اهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وفي رواية محمد بن اسحاق: انه كان في المدينة كذا وكذا بيتا يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه لا يدرون من أين يأتيهم، فلما مات زين العابدين فقدوا ذلك، فصرخوا صرخة واحدة. وفي خبر عن ابي جعفر (ع): انه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه، الخبر. وفي خبر: انه كان إذا جن الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى فيه من قوت اهله وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قياما على ابوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا به وقالوا: جاء صاحب الجراب. أبو جعفر في علل الشرايع، سفيان بن عيينة: رأى الزهري علي بن الحسين في ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له: يا ابن رسول الله ما هذا ؟ قال: اريد سفرا اعد له زادا احمله إلى موضع حريز، فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى، فقال: فأحمله عنك فاني ارفعك عن حمله، فقال علي بن الحسين: لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما ارد عليه سألتك بالله لما مضيت في حاجتك وتركتني، فانصرفت عنه، فلما كان بعد ايام قال له: يا ابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته اثرا ؟ قال: بلى يا زهري ليس ما ظننت ولكنه الموت وله كنت استعد. حمران بن أعين عن ابي جعفر (ع): انه كان يعول مائة بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمله إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدق به. الحلية، قال الطائي: ان علي بن الحسين كان إذا ناول الصدقة قبلها ثم ناولها. شوف العروس، عن ابي عبد الله الدامغاني: انه كان علي بن الحسين يتصدق بالكسر واللوز، فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وكان (ع) يحبه. الصادق (ع): انه كان علي بن الحسين يعجب بالعنب فدخل منه إلى المدينة شئ حسن فاشترت منه ام ولده شيئا وأتت به عند افطاره


[ 294 ]

فأعجبه فقبل ان يمد يده وقف بالباب سائل فقال لها: احمليه إليه، قالت: يا مولاي بعضه يكفيه قال: لا والله، وارسله إليه كله، فاشترت له من غد وأتت به فوقف السائل، ففعل مثل ذلك، فأرسلت فاشترت له واتت به في الليلة الثالثة ولم يأت سائل فأكل وقال ما فاتنا منه شئ والحمد لله. الحلية، قال أبو جعفر (ع): ان اباه علي بن الحسين قاسم الله ما له مرتين. الزهري: لما مات زين العابدين فغسلوه وجد على ظهره محل فبلغني انه كان يستقي لضعفة جيرانه بالليل. الحلية، قال عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره وقالوا: ما هذا ؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطى فقراء اهل المدينة. وفي روايات اصحابنا: انه لما وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء. وكان (ع) إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته، وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته، وكان يلبس من خز اللباس، فقيل له: تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها فلو بعتها فتصدقت بثمنها، فقال: اني اكره ان ابيع ثوبا صليت فيه. قال السوسي: علي الساجد للمنان * معفر الجبهة والاذنان على السجود تالي القرآن (ومما جاء في صومه وحجه (ع): روي عن ابي عبد الله (ع) انه كان علي ابن الحسين إذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح وتقطع اعضاؤها وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرقة وهو صائم ثم يقول: هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان، حتى يأتي إلى آخر القدور، ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون بذلك عشاؤه. معتب عن الصادق قال: كان علي بن الحسين شديد الاجتهاد في العبادة نهاره صائم وليله قائم فأضر ذلك بجسمه فقلت له: يا أبه كم هذا الدؤب ؟ فقال: اتحبب إلى ربى لعله يزلفنى. أبو جعفر (ع): ولقد سألت عنه مولاه له فقالت: أطنب أو أختصر ؟ فقيل: بل اختصري، فقالت: ما أتيته بطعام نهارا، ولا فرشت له فراشا ليلا قط. وحج (ع) ماشيا فسار في عشرين يوما من المدينة إلى مكة. زرارة بن أعين: لقد حج على ناقة عشرين حجة فما قرعها بسوط، رواه صاحب الحلية عن عمرو بن ثابت


[ 295 ]

ابراهيم الرافعي قال: ألتاثت عليه ناقته فرفع القضيب وأشار إليها فقال: لو لا خوف القصاص لفعلت. وفي رواية: من القصاص، ورد يده عنها. وقال عبد الله بن المبارك: حججت بعض السنين إلى مكة فبينما أنا سائر في عرض الحاج وإذا صبي سباعي أو ثماني وهو يسير ناحية من الحاج بلا زاد وراحلة فتقدمت إليه وسلمت عليه وقلت له: مع من قطعت البر ؟ قال: مع البار، فكبر في عيني فقلت: يا ولدي أين زادك وراحلتك ؟ فقال: زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي فعظم في نفسي فقلت: يا ولدي ممن تكن ؟ قال: مطلبي، فقلت: أين لي ؟ فقال: هاشمي، فقلت: أين لي ؟ فقال: علوي فاطمي، فقلت: يا سيدي هل قلت شيثا من الشعر ؟ فقال: نعم، فقلت: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشد: لنحن على الحوض ذواده نذوق ونسقي وراده وما فاز من فاز إلا بنا * وما خاب من حبنا زاده ومن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده ثم غاب عن عيني إلى أن أتيت مكة فقضيت حجتي ورجعت فاتيت الابطح فإذا بحلقة مستديرة فاطلعت لانظر من بها فإذا هو صاحبي فسألت عنه فقيل هذا زين العابدين وروي له عليه السلام: نحن بنو المصطفى ذو غصص * يجرعها في الانام كاظمنا عظيمة في الانام محنتنا * أولنا مبتلى وآخرنا يفرح هذه الورى بعيدهم * ونحن أعيادنا مآتمنا والناس في الامن والسرور وما * يا من طول الزمان خائفنا وما خصصنا به من الشرف * الطايل بين الانام آفتنا يحكم فينا والحكم فيه لنا * جاحدنا حقنا وغاصبنا قال بشار: أقول لسجاد عليه جلالة * غدا أريحيا عاشفا للمكارم من الفاطميين الدعاة إلى الهدى * جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم سراج لعين المستضئ وتارة * يكون ظلاما للعدو المزاحم وقال الحميري: فذكر النبي وذكر الوصي * وذكر المطهر ذى المسجد


[ 296 ]

عظام الحلوم حسان الوجوه * وشم العرانين والمنجد ومن دنس الرجس قد طهروا * فما ضل من بهم يهتدي هم حجج الله في خلقه * عليهم هدى كل مسترشد بهم احييت سنن المرسلين * على الرغم من أنف الحسد فمن لم يصل عليهم يخب * إذا لقى الله بالمرصد وقال السوسي: بكم يا بني الزهراء تمت صلاتنا * ولولاكم كانت خداجا بها بتر بكم يكشف البلوى ويستدفع الاذى * كما بأبيكم كان يستنزل القطر فصل: في علمه وحلمه وتواضعه عليه السلام شتم بعضهم زين العابدين (ع) فقصده غلمانه فقال: دعوه فان ما خفى منا أكثر مما قالوا، ثم قال له: ألك حاجة يا رجل ؟ فخجل الرجل، فأعطاه ثوبه وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخا: أشهد انك ابن رسول الله ونال منه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فلم يكلمه، ثم أتى منزله وصرخ به فخرج الحسن متوثبا للشر، فقال (ع): يا أخي إن كنت قلت ما في فاستغفر الله منه وإن كنت قلت ما ليس في يغفر الله لك، فقبل الحسن ما بين عينيه وقال: بلى قلت ما ليس فيك وأنا أحق به. وشتمه آخر فقال: يا فتى ان بين أيدينا عقبة كؤدا فان جزت منها فلا ابالي بما تقول وإن أتحير فيها فأنا شر مما تقول. ابن جعدية قال: سبه رجل فسكت عنه، فقال: إياك أعني، فقال: وعنك أغضي ودعا عليه السلام مملوكه مرتين فلم يجبه ثم أجابه في الثالثة فقال له: يا بني أما سمعت صوتي ؟ قال: بلى، قال: فما بالك لم تجبني ؟ قال: أمنتك، فقال: الحمد الله الذي جعل مملوكي آمنا مني. وكانت جارية له تسكب عليه الماء فنعست فسقط الابريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت: ان الله تعالى يقول: (والكاظمين الغيظ) قال: قد كظمت غيظي، قالت: (والعافين عن الناس)، قال: عفى الله عنك، قالت: (والله يحب المحسنين)، قال: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله. وكسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها فقال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله وكان إذا دخل عليه شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم، حتى إذا كان آخر


[ 297 ]

ثم أظهر الكتاب وقال: يا فلان فعلت كذا ولم اوذيك، فيقرون أجمع فيقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين ربك قد أحصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ولديه كتاب ينطق بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فاذكر ذل مقامك بين يدي ربك الذي لا يظلم مثقال ذرة وكفى بالله شهيدا فاعف واصفح يعف عنك المليك لقوله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) ويبكي وينوح. وكان بطال يضحك الناس فنزع رداه من رقبته ثم مضى فلم يلتفت إليه فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاؤا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا ؟ قالوا: رجل بطال يضحك أهل المدينة فقال: قولوا له ان لله يوما يخسر فيه المبطلون. وقيل: ان مولى لعلي بن الحسين (ع) يتولى عمارة ضيعة له فجاء ليطلعها فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا غاظه من ذلك ما رآه وغمه فقرع المولى بسوط كان في يده فأصاب وندم على ذلك فلما انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى فأتاه فوجده عاريا والسوط بين يديه فظن انه يريد عقوبته فاشتد خوفه فأخذ علي بن الحسين السوط ومد يده إليه وقال: يا هذا قد كان مني اليك ما لم يتقدم مني مثله وكانت هفوة وزلة فدونك السوط واقتص مني، فقال المولى: يا مولاي والله ان ظننت إلا انك تريد عقوبتي وأنا مستحق للعقوبة فكيف اقتص منك، قال: معاذ الله أنت في حل وسعة فكرر ذلك عليه مرارا والمولى كل ذلك يتعاظم قوله ويحلله فلما لم يره يقتص له قال أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك، وأعطاه إياها. وانتهى (ع) إلى قوم يغتابونه، فوقف عليهم فقال لهم: ان كنتم صادقين فغفر الله لي وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم. قال ابن الحجاج: ابن من ينتهي إذ افتخر الن‍ * اس له افتخار عبد مناف ابن طه وهل أتى والحواميم * ونون وسورة الاعراف (ومما جاء في علمه عليه السلام): حلية أبي نعيم، وتاريخ النسائي، روى عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري قال كل واحد منهم: ما رأيت هاشميا أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه. ورأى (ع) الحسن البصري عند الحجر الاسود يقص فقال (ع): ياهناه أترضى نفسك للموت ؟ قال: لا، قال: فعلمك الحساب ؟ قال: لا، قال: فثم دار العمل ؟ قال: لا، قال: فلله في الارض معاذ غير هذا البيت ؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثم مضى، قال الحسن: ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط


[ 298 ]

أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا: هذا زين العابدين، فقال الحسن: ذرية بعضها من بعض وقال (ع) في قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء) لولا هذه الآية لاخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة. موسى بن أبي القسم البجلي باسناد له: ان زين العابدين قال: انا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق وان شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم. ولقيه عليه السلام عباد البصري في طريق مكة فقال: تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحاج ولينه وان (الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية، فقال (ع): اقرأ ما بعدها التائبون العابدون، إلى آخرها ثم قال: إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئا. وكان الزهري عاملا لبني امية فعاقب رجلا فمات الرجل في العقوبة فخرج هائما وتوحش ودخل إلى غار فطال مقامه تسع سنين. قال: وحج علي بن الحسن فأتاه الزهري فقال له علي بن الحسين: اني اخاف عليك من ذنبك فابعث بدية مسلمة إلى اهله واخرج إلى اهلك ومعالم دينك، فقال له: فرجت عني يا سيدي الله اعلم حيث يجعل رسالاته، ورجع إلى بيته ولزم علي بن الحسين وكان يعد من اصحابه، ولذلك قال له بعض بني مروان يا زهري ما فعل نبيك يعني علي بن الحسين. امتحان الفقهاء: رجل كان له ثلاثة اعبد اسم كل واحد منهم ميمون فلما حضرته الوفاة قال: ميمون حر وميمون عبد ولميمون مائة دينار من الحر ومن العبد ولمن المائة الدينار المعتق من هو اقدم صحبة عند الرجل ويقترع الباقيان فأيهما وقعت القرعة في سهمه فهو عبد للذي صار خرا ويبقي الثالث مدبرا لا حر ولا مملوك ويدفع إليه المائة الدينار بالمأثور عن زين العابدين عليه السلام. وروي ان شاميا سأله عن بدء الوضوء فقال: قال الله تعالى لملائكته: (اني عاجل في الارض خليفة) الآية، فخافوا غضب ربهم فجعلوا يطوفون حول العرش كل يوم ثلاث ساعات من النهار يتضرعون قال: فأمرهم أن يأتوا نهرا جاريا يقال له الحيوان تحت العرش فتوضؤا، الخبر. علي بن الحسين: كان آدم لما أراد أن يغشى حوا خرج بها من الحرم ثم كانا يغتسلان ويرجعان إلى الحرم. تفسير علي بن هاشم القمي، قال سعيد بن المسيب: سألت علي بن الحسين عن رجل ضرب امرأة حاملة برجله فطرحت ما في بطنها ميتا ؟ فقال (ع): إذا كان نطفة فعليه عشرين دينارا وهي التي وقعت في الرحم واستقرت


[ 299 ]

فيه أربعين يوما، وان طرحته وهو علقة فان عليه أربعين دينارا وهي التي وقعت في الرحم واستقرت فيه ثمانين يوما، وإن طرحته مضغة فان عليه ستين دينارا وهي التي إذا وقعت في الرحم استقرت فيه مائة وعشرين يوما، وإن طرحته وهو نسمة مختلفة له لحم وعظم مرتل الجوارح وقد نفخ فيه روح الحياة والبقاء فان عليه دية كاملة. ابن بابويه في هداية المتعلمين أن الزهري سأل زين العابدين عن الصوم فقال أربعين وجها ثم فصله كما هو المعلوم. وسأل أبو حمزة الثمالي زين العابدين: لاي علة صار الطواف سبعة أشواط ؟ قال: لان الله تعالى قال للملائكة: (اني جاعل في الارض خليفة) فردوا على الله وقالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، قال الله تعالى: (اني أعلم مالا تعلمون)، وكان لا يحجبهم عن نفسه، فحجبهم الله عن نفسه سبعة آلاف عام، فرحمهم فتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة وجعله مثابة للملائكة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فجعله مثابة للناس وأمنا فصار الطواف سبعة أشواط لكل ألف سنة شوطا واحدا. العقد، كتب ملك الروم إلى عبد الملك: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة لاغزونك بجنود مائة الف ومائة الف ومائة الف. فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث إلى زين العابدين ويتوعده ويكتب إليه ما يقول ففعل، فقال علي بن الحسين: ان الله لوحا محفوظا يلحظه في كل يوم ثلاثمائة لحظة ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت ويعز ويذل ويفعل ما بشاء واني لارجو أن يكفيك منها لحظة واحدة. فكتب بها الحجاج إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم، فلما قرأه قال: ما خرج هذا إلا من كلام النبوة. وقل ما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه: قال علي بن الحسين، أو: قال زين العابدين. وقد روى عنه الطبري، وابن البيع، وأحمد، وأبو داود، وصاحب الحلية، والاغاني، وقوت القلوب، وشرف المصطفى، وأسباب نزول القرآن، والفايق، والترهيب، عن الزهري، وسفيان بن عيينة، ونافع، والاوزاعي، ومقاتل، واواقدي،، ومحمد بن اسحاق. أنشد أبو علي السروي: ثم الائمة من أولاده زهر * متوجون بتيجان الهدى حنفا من جالس بكمال العلم مشتهر * وقائم بغرار السيف قد زحفا


[ 300 ]

مطهرون كرام كلهم علم * كمثل ما قيل كشافون لا كشفا (ومما جاء في تواضعه عليه السلام): النسوي في التاريخ، قال نافع بن جبير لعلي ابن الحسين: انك تجالس أقواما دونا، فقال له: اني اجالس من أنتفع بمجالسته في ديني. وقيل له (ع): إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة، فقال: أكره أن آخذ برسول الله ما لا اعطى مثله. الاغاني، قال نافع قال (ع): ما أكلت بقرابتي من رسول الله شيئا قط محاسن البرقي، وكافي الكليني، اخبر عبد الملك ان علي بن الحسين أعتق خادمة له ثم تزوجها فكتب إليه: قد علمت انه كان في أكفائك من قريش من تمجد به الصهر وتستحبه في الولد فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت فأجابه (ع): ليس فوق رسول الله مرتقى في مجد ولا مستزادا في كرم وإنما كانت ملك يميني خرجت مني أراد الله عزوجل بأمر التمست ثوابه ثم نكحتها على سنته ومن كان زكيا في دين الله فليس يخل به شيئا من أمره وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة وتم به النقيصة وأذهب به اللؤم فلا لؤم على امرئ مسلم إنما اللؤم لؤم الجاهلية فقال سليمان: يا أمير المؤمنين لشد ما فخر عليك ابن الحسين، فقال: يا بني لا تقل ذلك فانها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من بحر. وفي العقد انه قال زين العابدين: وهذا رسول الله تزوج أمته وامرأة عبده، فقال عبد الملك: ان علي بن الحسين يشرف من حيث يضع الناس. وذكر انه كان عبد الملك يقول: انه تزوج بأمة. وذلك انه (ع) كانت ربته فكان يسميها امي. حلية الاولياء قال يحيى بن سعيد: سمعت علي بن الحسين يقول: واجتمع عليه اناس فقالوا له ذلك – يعني الامامة – فقال: أحبونا حب الاسلام افنه ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا. وفي رواية الزهري: ما زال حبكم لنا حتى صار شيئا علينا. وقال سفيان الثوري: ذكر لعلي بن الحسين فضله فقال: حسبنا ان نكون من صالحي قومنا. أمالي أبي عبد الله النيسابوري، قيل له: انك أبر الناس ولا تأكل مع امك في قصعة وهي تريد ذلك ؟ فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقا لها، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل. وكان (ع) يمر على المدرة في وسط الطريق فينتزل عن دابته حتى ينحيها بيده عن


[ 301 ]

الطريق. أبو عبد الله (ع): كان علي بن الحسين يمشي مشية كأن على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله. سفيان بن عيينة قال: ما روي علي بن الحسين قط جايزا بيديه فخذيه وهو يمشي. عبد الله بن مسكان عن علي بن الحسين انه كان يدعو خدمه كل شهر ويقول: اني قد كبرت ولا أقدر على النساء فمن أراد منكن التزويج زوجتها أو البيع بعتها أو العتق أعتقتها، فإذا قالت احداهن: لا، قال: اللهم اشهد، حتى يقول ثلاثا، وإن سكتت واحدة منهن قال لنسائه: سلوها ما تريد، وعمل على مرادها. قال ابن رزيك أئمة حق لو يسيرون في الدجى * بلا قمر لاستصبحوا بالمناسب بهم تبلغ الآمال من كل آمل * بهم تقبل التوبات من كل تائب فصل: في كرمه وصبره وبكائه عليه السلام تاريخ الطبري، قال الواقدي: كان هشام بن اسماعيل يؤذي علي بن الحسين في إمارته فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس، فقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان وكان علي قد تقدم إلى خاصته ألا يعرض له أحد منكم بكلمة فلما مر ناداه هشام الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه: ان زين العابدين أنفذ إليه وقال: انظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا، فنادى هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. كافي الكليني، ونزهة الابصار، عن أبي مهدي ان علي بن الحسين مر على المجذومين وهو راكب حمار وهم يتغدون فدعوه إلى الغداء، فقال: اني صائم ولولا اني صائم لفعلت، فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه، ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم. وفي رواية: انه تنزه عن ذلك لانه كان كسرا من الصدقة لكونه حراما عليه. الحلية: عاد علي بن الحسين محمد بن اسامة بن زيد في مرضه فجعل يبكي فقال علي: ما شأنك ؟ قال: علي دين، قال: كم هو ؟ قال: خمسة عشر الف دينار، قال: فهو علي. وقد روينا ذلك في باب الحسين مع أبيه. الكافي، عيسى بن عبد الله قال: احتضر عبد الله فاجتمع غرماؤه فطالبوه بدين لهم فقال: لا مال عندي أعطيكم ولكن ارضوا بمن شئتم من ابني عمي علي بن الحسين


[ 302 ]

و عبد الله بن جعفر فقال الغرماء: عبد الله بن جعفر ملى مطول وعلي بن الحسين رجل لامال له صدوق فهو أحب الينا فارسل إليه فأخبره الخبر، فقال (ع): أضمن لكم المال إلى غلة ولم تكن له غلة تحملا، قال فقال القوم: قد رضينا وضمنه، فلما أتت الغلة أتاح الله له المال فأوفاه. الحلية، قال سعيد بن مرجانة: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه. وخرج زين العابدين وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه. قال ابن الحجاج: أنت الامام الذي لولا ولايته * ما صح في العدل والتوحيد معتقدي وأنت أنت مكان النور من بصري * يا سيدي ومحل الروح من جسدي أعيذ قلبك من واش يغلظه * بقل هو الله لم يولد ولم يلد ومما جاء في صبره (ع): انهي إلى علي بن الحسين ان مشرفا استعمل على المدينة وانه يتوعده، وكان يقول (ع): لم أر مثل المقدم في الدعاء لان العبد ليست تحضره الاجابة في كل وقت، فجعل يكثر من الدعاء لما اتصل به عن المشرف. وكان من دعائه: رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري وكم من معصية أتيتها فسترتها ولم تفضحني فيامن قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ويامن قل عند بليته صبري فلم يخذلني ويامن رآني على المعاصي فلم يفضحني يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا وياذا النعماء التي لا تحصى امدا صل على محمد وآل محمد وبك ادفع في نحره وبك أستعيذ من شره. فلما قدم المشرف المدينة اعتنقه وقبل رأسه وجعل يسأل عن حاله وحال أهله وسأل عن حوائجه وأمر أن تقدم دابته وعزم عليه أن يركبها فركب وانصرف إلى أهله. الحلية، قال ابراهيم بن سعد: سمع علي بن الحسين واعية في بيته وعنده جماعة فنهض إلى منزله ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الواعية ؟ قال: نعم، فغروا وتعجبوا من صبره، فقال: انا أهل بيت نطيع الله عزوجل فيما يحب ونحمده فيما نكره. قال العتبي: قال علي بن الحسين وكان من أفضل بني هاشم لابنه: يا بني اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ولا تجب أخاك إلى الامر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له. محاسن البرقي، بلغ عبد الملك ان سيف رسول الله عند زين العابدين فبعث يستوهبه منه ويسأله


[ 303 ]

الحاجة فأبى عليه فكتب إليه عبد الملك يهدده وانه يقطع رزقه من بيت المال. فأجابه عليه السلام: اما بعد فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون وقال جل ذكره (ان الله لا يحب كل خوان كفور) فانظر أينا أولى بهذه الآية ؟. وكان (ع) سريره سروره، بساطه نشاطه، صديقه تصديقه، صيابته صيانته، وسادته سجادته، أزاره مزاره، لحافه الحافه، منامه قيامه، هجوعه خضوعه، رقوده سجوده، تجارته زيارته، سوقه شوقه، ريحه روحه، حرفته حرقته، صناعته طاعته، بزته عزته، سلاحه صلاحه، فرسه فراشه، أعياده استعداده، بضاعته مجاعته، امنيته منيته، رضاه لقاه. قال الناشي: وأئمة من أهل بيت محمد * حفظوا الشرايع والحديث المسندا علموا المنايا والبلايا والذي * جهل الورى والمنتهى والمبتدا خزان علم الله من برشادهم * دل الاله على هداه وأرشدا وهم الصراط المستقيم ومنهج * منه إلى رب المعالي يهتدى حجج إذا هم العدو بكتمها * أمر المهيمن قلبه أن يشهدا ومما جاء في حزنه وبكائه (ع): الصادق (ع): بكى علي بن الحسين عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال مولى له: جعلت فداك يابن رسول الله اني أخاف أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون اني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. وفي رواية: أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فقال له: ويحك ان يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحد ودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني. وقد ذكر في الحلية نحوه، وقيل: انه بكى حتى خيف على عينيه. وكان إذا أخذ اناءا يشرب ماء بكى حتى يملاها دمعا، فقيل له في ذلك فقال: وكيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش. وقيل له انك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا، فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي الاصمعي: كنت بالبادية وإذا أنا بشاب منعزل عنهم في أطمار ؟ رثة وعليه سيماء الهيبة فقلت: لو شكوت إلى هؤلاء حالك لاصلحوا بعض شأنك فأنشأ يقول:


[ 304 ]

لباسي للدنيا التجمل والصبر * ولبسي للاخرى البشاشة والبشر إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا * لاني من القوم الذين لهم فخر ألم تر ان العرف قد مات أهله * وان الندى والجود ضمهما قبر على العرف والجود السلام فما بقى * من العرف إلا الرسم في الناس والذكر وقائله لما رأتني مسهدا * كان الحشى مني يلذعها الجمر اباطن داء لوحوى منك ظاهرا * لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر تغير أحوال وفقد أحبة * وموت ذوي الافضال قالت كذا الدهر فتعرفته فإذا هو علي بن الحسين (ع)، فقلت: أبى أن يكون هذا الفرخ إلا من ذلك العش. فصل: في سيادته عليه السلام علل الشرايع عن القمي، ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زين العابدين ؟ وكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطو في الصفوف. وفي حلية الاولياء كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكى ويقول زين العابدين جابر الجعفي قال الباقر: ان علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلا سجد، ولا دفع الله عنه شرا يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، ولا فرغ من صلاته مفروضة إلا سجد، ولا وفق لاصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك. الباقر: كان أبي في موضع سجوده آثار ناتئة فكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذو الثقنات. المحاضرات عن الراغب، وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز انه قال عمر بن عبد العزيز يوما وقد قام من عنده علي بن الحسين: من أشرف الناس، فقالوا أنتم ؟ فقال: كلا فان أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس أن يكونوا منه ولم يحب أن يكون من أحد. ربيع الابرار عن الزمخشري، روي عن النبي انه قال: لله من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس، وكان يقول علي بن الحسين، أنا ابن الخيرتين، لان جده رسول الله وامه بنت يزدجرد الملك.


[ 305 ]

وأنشأ أبو الأسود: (وان غلاما بين كسرى وهاشم * لاكرم من نيطت عليه التمائم) روضة الواعظين، قال زين العابدين: نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الارض كما ان النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا باذنه، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة وتخرج بركات أهل الارض ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها. وفي كتاب الاحمر قال الاوزاعي: لما اتي بعلي بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ: خذ بيد هذا الغلام فائت به إلى المنبر واخبر الناس بسوء رأي ابيه وجده وفراقهم الحق وبغيهم علينا، قال: فلم يدع شيئا من المساوئ إلا ذكره فيهم، فلما نزل قام علي بن الحسين فحمد الله بمحامد شريفة وصلى على النبي صلاة بليغة موجزة ثم قال: يا معشر الناس فمن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه نفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن مروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن من لا يخفى، أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى، انا ابن علي المرتضى، انا ابن فاطمة الزهرا، انا ابن خديجة الكبرى، انا ابن المقتول ظلما أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الارض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى، أنا ابن من حرمه من العرق إلى تسبى، أيها الناس ان الله تعالى وله الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا، فضلنا أهل البيت بست خصال: فضلنا بالعلم والحلم والشجاعة والسماحة والمحبة والمحلة في قلوب المؤمنين، وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب. قال: فلم يفرغ حتى قال المؤذن: الله أكبر، فقال علي: الله أكبر كبيرا، فقال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال علي بن الحسين: أشهد بما تشهد به. فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، قال علي: يا يزيد هذا جدي أو جدك ؟ فان قلت جدك فقد كذبت وإن قلت جدي فلم قتلت أبي وسبيب حرمه وسبيتني ؟ ثم قال: معاشر الناس هل فيكم من أبوه وجده رسول الله ؟ فعلت الاصوات بالبكاء. فقام


[ 306 ]

إليه رجل من شيعته يقال له المنهال بن عمرو الطائي. وفي رواية: مكحول صاحب رسول الله فقال له: كيف أمسيت يابن رسول الله ؟ فقال: ويحك كيف أمسيت ؟ أمسينا فيكم كهيئة بني اسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها، وأمسى آل محمد مقهورين مخذولين فالى الله نشكو كثرة عدونا، وتفرق ذات بيننا، وتظاهر الاعداء علينا. الحلية، والاغاني وغيرهما: حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام فنصب له منبر وجلس عليه وأطاف به اهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي ابن الحسين وعليه أزار ورداء من أحسن الناس وجها واطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف فإذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له فقال شامي: من هذا يا امير المؤمنين ؟ فقال: لا اعرفه، لئلا يرغب فيه اهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني انا اعرفه، فقال الشامي: من هو يا ابا فراس ؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الاغانى والحلية والحماسة، والقصيدة بتمامها هذه: يا سائلي أين حل الجود والكرم * عندي بيان إذا طلابه قدموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا الذي أحمد المختار والده * صلى عليه إلهي ما جرى القلم لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه * لخر يلثم منه ما وطى القدم هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الامم هذا الذي عمه الطيار جعفر وا * لمقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيدة النسوان فاطمة * وابن الوصي الذي في سيفه نقم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ينجاب نور الدجى عن نور غرته * كالشمس بنجاب عن إشراقها الظلم بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أورع في عرنينه شمم ما قال لا قط إلا في تشهده * لو لا التشهد كانت لاءه نعم


[ 307 ]

مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم حمال أثقال أقوام إذا قدحوا * حلوا الشمائل تحلو عنده نعم إن قال قال بما يهوى جميعهم * وإن تكلم يوما زانه الكلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا الله فضله قدما وشرفه * جرى بذاك له في لوحه القلم من جده دان فضل الانبياء له * وفضل امته دانت له الامم عم البرية بالاحسان وانقشعت * عنها العماية والاملاق والظلم كلتا يديه غياث عم نفعهما * تستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه خصلتان الحلم والكرم لا يخلف الوعد ميمونا نقبته * رحب الفناء اريم حين يعترم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستزاد به الاحسان والنعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل فرض ومختوم به الكلم إن عد اهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير اهل الارض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا هم الغيوث إذا ما ازمة ازمت * والاسداسد الشرى والباس محتدم يأبى لهم ان يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم لا يقبض العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن اثروا وإن عدموا ان القبائل ليست في رقابهم * لاولية هذا أوله نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الامم بيوتهم في قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحلم إن حلموا فجده من قريش في ازمتها * محمد وعلي بعده علم بدر له شاهد والشعب من احد * والخندقان ويوم الفتح قد علموا وخيبر وحنين يشهدان له * وفي قريضة يوم صيلم قتم مواطن قد علت في كل نائبة * على الصحابة لم اكتم كما كتموا فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها، قال: هات جدا كجده وأبا كأبيه واما كامه حتى اقول فيكم مثلها، فحبسه بعسفان بين مكة والمدينة. فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فبعث إليه باثنى عشر الف درهم وقال: اعذرنا


[ 308 ]

يا ابا فراس فلو كان عندنا اكثر من هذا لو صلناك به. فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لارزأ عليه شيئا، فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله: أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس تهوى منيبها تقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعلينا له حولاء باد عيوبها فاخبر هشام بذلك فأطلقه وفي رواية ابي بكر العلاف انه اخرجه إلى البصرة. فصل: في المفردات والنصوص عليه روى أبو بكر الحضرمي عن الصادق (ع) ان الحسين (ع) لما سار إلى العراق استودع ام سلمة الكتب والوصية، فلما رجع زين العابدين دفعتها إليه. ابن الجارود عن الباقر: ان الحسين لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة، الخبر. وروي عن الصادق في فضل زيارته: من زار إماما مفترضا طاعته وصلى اربع ركعات كتب الله له حجة مقبولة وعمرة مبرورة. قال الزهري: كان بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة في صدقات علي بن أبي طالب فقيل له: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكف عنك من رغب شره فقال (ع) ويحك أفى حرم الله اسأل غير الله عزوجل انى لآنف ان اسأل الدنيا خالقها فكيف اسأل مخلوقا مثلى. قال الزهري: لا جرم ان الله تعالى القى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له. ويروى ان عمر بن علي خاصم علي بن الحسين إلى عبد الملك في صدقات النبي وامير المؤمنين، فقال: يا امير المؤمنين انا ابن المصدق وهذا ابن ابن فأنا أولى بها منه فتمثل عبد الملك بقول ابى الحقيق: لا تجعل الباطل حقا ولا * تلط دون الحق بالباطل قم يا علي بن الحسين فقد وليتكها، فقاما فلما خرجا تناوله عمر وآذاه فسكت عنه ولم يرد عليه شيئا، فلما كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين فسلم عليه وأكب عليه يقبله، فقال علي: يا ابن عم لا تمنعني قطيعة ابيك ان اصل رحمك فقد زوجتك ابنتي خديجة ابنة علي.


[ 309 ]

كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعلي بن الحسين: واعجبا لابيك سمى عليا وعليا ! فقال (ع): ان ابي احب اباه فسمى باسمه مرارا. تاريخ الطبري، والبلاذري: ان يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين: أتصارع هذا ؟ يعني خالدا ابنه، قال: وما تصنع بمصارعتي إياه ؟ اعطني سكينا ثم اقاتله، فقال يزيد: شنشنة اعرفها من أخزم هذا من العصا عصية * هل تلد الحية إلا الحية وفي كتاب الاحمر قال: اشهد انك ابن علي بن ابى طالب. وروي انه قال لزينب تكلمني فقال هو المتكلم فأنشد السجاد: لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم * وأن نكف الاذى عنكم وتؤذونا والله يعلم انا لا نحبكم * ولا نلومكم أن لا تحبونا فقال: صدقت يا غلام ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماهما، فقال (ع): لم تزل النبوة والامرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد. قال المدائني: لما انتسب السجاد إلى النبي قال يزيد لجلوازه: ادخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه، فدخل به إلى البستان وجعل يحفر والسجاد يصلي فلما هم بقتله ضربته يد من الهواء فخر لوجهه وشهق ودهش فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقية فانقلب إلى أبيه وقص عليه فأمر بدفن الجلواز في الحفرة واطلاقه. وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد. وذكر صاحب كتاب البدع، وصاحب كتاب شرح الاخبار،: ان عقب الحسين من ابنه علي الاكبر وانه هو الباقي بعد أبيه وان المقتول هو الاصغر منهما وعليه يعول فان علي بن الحسين كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة وان محمد الباقر ابنه كان يومئذ من أبناء خمس عشرة سنة وكان لعلي الاصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة. وتقول الزيدية: ان العقب من الاصغر وانه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين. ومنهم من يقول أربع سنين وعلى هذا النسابون. وجاء في النكت: ان الله تعالى وضع أشياء على أربعة: العناصر، والطبايع، والرياح، وفصول السنة، والكتب المنزلة، ومختار الملائكة، ومصطفى الانبياء، ومختارات النساء، ومختار الصحابة، ومصطفى البيوتات في قوله: (ان الله اصطفى آدم)، ولفظة لا إله إلا الله، والسجاد أربعة أحرف وهو رابع الائمة.


[ 310 ]

عن علي بن الحسين (ع): لكم ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتمونا * كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم * وقاضينا الاله فنعم قاضي قال علم الهدى: لانتم آل خير الناس كلهم * المنهل العذب والمستورد الغدق وليس لله دين غير حبكم * ولا إليه سواكم وحدكم طرق وإن يكن من رسول الله غيركم * سوى الوجوه فأنتم عنده الحدق رزقتم الشرف الاعلى وقومكم * فيهم قضاب عليكم كيف ما رزقوا وأنتم في شديدات الورى عصر * وفي سواد الدياجى أنتم الفلق ما للرسول سوى أولادكم ولد * ولا لنشر له إلا بكم عبق فأنتم في قلوب الناس كلهم * السمت تقصده والحبل تعتلق هل يستوي عند ذي عين زبى ربى * أو الصباح على الاوتاد والغسق ودى عليه مقيم لابراح له * من الزمان ورهني عندكم علق وثقت منكم بأن تستوهبوا زللي * عند الحساب وحسبي من به أثق وقال آخر: شفيعي إلى ربي النبي محمد * لدى الحشر إذ كل الصدور تجيش شعاري ولاء المصطفى ووصيه * وعترته ما دمت فيه أعيش فصل: في أمواله وتاريخه عليه السلام لقبه: زين العابدين، وسيد العابدين، وزين الصالحين، ووارث علم النبيين، ووصي الوصيين، وخازن وصايا المرسلين، وإمام المؤمنين، ومنار القانتين والخاشعين، والمتهجد، والزاهد، والعابد، والعدل، والبكاء، والسجاد، وذو الثفنات، إمام الامة، وأبو الامة، ومنه تناسل ولد الحسين. وكنيته: أبو الحسن، والخاص، وأبو محمد. ويقال: أبو القاسم. وروي انه كني بأبي بكر. مولده بالمدينة يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة. ويقال: يوم الخميس لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة أمير المؤمنين بسنتين،


[ 311 ]

وقيل سنة سبع. وقيل سنة ست. فبقى مع جده امير المؤمنين اربع سنين، ومع عمه الحسن عشر سنين، ومع ابيه عشر سنين. ويقال: مع جده سنتين، ومع عمه اثنتي عشرة سنة، ومع ابيه ثلاث عشرة سنة. وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة. وتوفي بالمدينة يوم السبت لاحدى عشر ليلة بقيت من المحرم، أو لاثنتي عشرة ليلة، سنة خمس وتسعين من الهجرة. وله يومئذ سبع وخمسون سنة. ويقال تسع وخمسون. ويقال اربع وخمسون. وكانت إمامته اربعا وثلاثين سنة. فكان في سني إمامته بقية ملك يزيد، وملك معاوية بن يزيد، وملك مروان، و عبد الملك، وتوفي في ملك الوليد. ودفن في البقيع مع عمه الحسن. وقال أبو جعفر بن بابويه: سمه الوليد بن عبد الملك بنوه اثنا عشر من امهات الاولاد، إلا اثنين: محمد الباقر و عبد الله الباهر، امهما ام عبد الله بنت الحسن بن علي. وابو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم، والحسين الاصغر و عبد الرحمن وسليمان توأم، والحسن والحسين وعبيد الله توأم، ومحمد الاصغر فرد، وعلي وهو اصغر ولده، وخديجة فرد. ويقال لم يكن له بنت. ويقال له ولد فاطمة وعليه وام كلثوم. أعقب منهم محمد الباقر، و عبد الله الباهر، وزيد بن علي، وعمر بن علي، وعلي بن علي، والحسين الاصغر. وامه شهربانويه بنت يزجرد بن شهريار الكسرى، ويسمونها ايضا: شاه زنان، وجهان بانويه، وسلافة، وخولة. وقالوا: شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز ويقال: هي برة بنت النوشجان، والصحيح هو الاول. وكان امير المؤمنين سماها مريم. ويقال: سماها فاطمة. وكانت تدعي سيدة النساء. وكان بابه يحيى بن ام الطويل المطعمي. ومن رجاله من الصحابة: جابر بن عبد الله الانصاري، وعامر بن وائلة الكناني، وسعيد بن المسيب بن حزن وكان رباه امير المؤمنين. قال زين العابدين: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدم من الآثار، أي في زمانه، وسعيد بن جهان الكناني مولى ام هاني. ومن التابعين: أبو محمد سعيد بن جبير مولى بني أسد نزيل مكة، وكان يسمى جهيد العلماء، ويقرأ القرآن في ركعتين، قيل: وما على الارض احد إلا وهو محتاج إلى علمه، ومحمد بن جبير بن مطعم، وابو خالد الكابلي، والقاسم بن


[ 312 ]

عوف، واسماعيل بن عبد الله بن جعفر، وابراهيم والحسين ابنا محمد بن الحنفية، وحبيب بن ابي ثابت، وابو يحيى الاسدي، وابو حازم الاعرج، وسلمة بن دينار المدني الاقرن القاص. ومن اصحابه أبو حمزة الثمالي بقى إلى ايام موسى، وفرات بن أحنف بقى إلى ايام ابي عبد الله، وجابر بن محمد بن ابي بكر، وايوب بن الحسن، وعلي ابن رافع، وابو محمد القرشي السدي الكوفي، والضحاك بن مزاحم الخراساني اصله من الكوفة، وطاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن، وحميد بن موسى الكوفى، وابان ابن رباح، وابو الفضل سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفى، وقيس بن رمانة، و عبد الله البرقي، والفرزدق الشاعر. ومن مواليه شعيب. قال السوسي: أحببتكم يا بني الزهراء محتسبا * وحب غيري حب غير محتسب لا حاجة لي إلى خلق ولا أرب * إلا اليكم وحسبي ذاك من أرب ما طالب لي مولدي إلا بحبكم * يا طيبون ولولا ذاك لم يطب أنتم بنو المصطفى والمرتضى نجب * من كل منتجب سمي بمنتجب أنتم بنو شاهد النجوى من الغيب * أنتم بنو صاحب الآيات والعجب أنتم بنو خير من يمشي على قدم * بعد النبي مقال الحق لا كذب وقال محمد بن حجر: فروع رسول الله اصل غصونها * وأيكتها طوبى وللغرس غارس عليهم لاجلال النبوة هيبة * يشار إليهم والرؤس نواكس وقد توجوا بالعلم واستودعوا الهدى * بهم تحسن الدنيا وتزهو المجالس فأحمد فيهم والوصي وسبطه * كرام لما هم اكرمون اشاوس نجوم وأعلام إذا غاب آفل * أنار لنا نجم فأشرق دامس ينابيع علم يستفيض بحكمة * هداة إذا ما جاء للعلم قابس وقال غيره: يا بني طه ونون والقلم * حبكم فرض على كل الامم من يدانيكم ولولاكم لما * خلق اللوح ولا اجرى القلم أنتم اكرم ان عد الورى * أنتم أعلم ماش بقدم أنتم للدين أعلام إذا * غاب منكم علم لاح علم فوض الله اليكم أمره * فحكمتم حسب ما كان حكم وبكم تفخر املاك العلى * إذ لكم اضحت عبيدا وخدم


[ 313 ]

باب في امامة أبي جعفر الباقر عليهما السلام فصل: في المقدمات الحمد لله الذي لم يزل سميعا بصيرا عالما قديرا، بذوات القلوب خبيرا، أعد للكافرين سعيرا، وللمؤمنين أرائك وسريرا، وألبسهم بفضله سندسا وحريرا، وسقاهم من عين يفجرونها تفجيرا، ووقاهم شر يوم كان شره مستطيرا، وابدع في السماء سراجا وهاجا وقمرا منيرا، تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا أبو الورد عن ابي جعفر (ع) في قوله تعالى: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) قال: نحن النجم. الهيتي أو داود الجصاص عن الصادق، والوشا عن الرضا النجم رسول الله والعلامات الائمة. ابوالمضا عن الرضا قال النبي لعلي: أنت نجم بني هاشم. وعنه قال (ع): انت احد العلامات. عباية عن علي (ع): مثل اهل بيتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم تفسير علي بن ابراهيم بن هاشم القمي في قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها) النجوم آل محمد صلى الله عليه وآله. محمد بن مسلم وجابر الجعفي في قوله تعالى: (فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال الباقر (ع): نحن اهل الذكر. قال أبو زرعة: صدق الله ولعمري ان أبا جعفر لاكبر العلماء. قال أبو جعفر الطوسي: سمى الله رسوله: ذكرا، قوله تعالى (قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا) فالذكر رسول الله والائمة اهله، وهو المروي عن الباقر والصادق والرضا وقال سلمان الصهري: وذكر القرآن قوله تعالى: (انا نزلنا الذكر) وهم حافظوه وعارفون بمعانيه. تفسير يوسف القطان، ووكيع بن الجراح، واسماعيل السدي، وسفيان الثوري انه قال الحارث: سألت امير المؤمنين عن هذه الآية ؟ قال: والله انا نحن اهل الذكر نحن اهل العلم نحن معدن التأويل والتنزيل. أبو الورد عن ابي جعفر (ع): (لتكونوا شهداء على الناس) قال: نحن هم.


[ 314 ]

بريد بن معاوية العجلي عن الباقر في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم امة وسطا) نحن الامة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في ارضه. وفي رواية حمران عن ابيه اعين عنه (ع): إنما انزل الله (وكذلك جعلناكم امة وسطا) يعني عدلا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. قال: ولا يكون شهداء على الناس إلا الائمة والرسل، فأما الامة فانه غير جائز ان يستشهدها الله تعالى على الناس وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل. عمار الساباطي: سألت أبا عبد الله عن قوله تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواهم جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله) فقال الذين اتبعوا رضوان الله هم الائمة وهم والله يا عمار درجات للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف لهم اعمالهم وترفع لهم الدرجات العلى. عطاء بن ثابت عن الباقر في قوله تعالى: (ويقول الاشهاد) قال: نحن الاشهاد. أبو حمزة الثمالي عن ابي جعفر في قوله تعالى: (ويوم نبعث من كل امة شهيدا) قال: نحن الشهود على هذه الامة. الباقر (ع) في قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيدا) قال: إيانا عنى. العياشي باسناده إلى ابي الجارود عن الباقر في قوله تعالى: (ما فرطت في جنب الله) قال: نحن جنب الله. محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) (الذين اخرجوا من ديارهم) قال: نزلت فينا. قال جابر الانصاري عن الباقر عن في قوله: (وكونوا مع الصادقين) اي مع آل محمد. أبو حمزة عن ابي جعفر في قوله تعالى: (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) قال: قرابة الرسول وسيدهم امير المؤمنين امروا بمودتهم فخالفوا ما امروا به. الباقر في قول ابراهيم: (اني أسكنت من ذريتي بواد) نحن بقية تلك العترة، وقال (ع): كانت دعوة ابراهيم لنا خاصة. الباقر والصادق في قوله تعالى: (قل إنما اعظكم بواحدة) قال: الولاية ان تقوموا مثنى قال الائمة من ذريتهما. الباقر (ع) في قوله تعالى: (واسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة) قال: النعمة الظاهرة النبي وما جاء به من معرفته وتوحيده، واما النعمة الباطنة ولايتنا اهل البيت وعقد مودتنا. محمد بن مسلم عن الكاظم: الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب. تفسير العياشي في قوله: (واوحي إلي هذا القرآن لانذركم به) ومن بلغ ان يكون إماما من ولد آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما انذر به النبي.


[ 315 ]

وقالوا الفضل ثلاثة: فضل الله، قوله تعالى: (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) وفضل النبي، قوله: (بفضل الله وبرحمته). قال ابن عباس: الفضل رسول الله والرحمة امير المؤمنين. وفضل الاوصياء قال أبو جعفر (ع): (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) قال: نحن الناس ونحن المحسودون وفينا نزلت. وقال: ان الله تعالى اعطى المؤمن البدن الصحيح، واللسان الفصيح، والقلب الصريح، وكلف كل عضو منها طاعة لذاته ولنبيه ولخلفائه، فمن البدن الخدمة له ولهم، ومن اللسان الشهادة به، ومن القلب الطمأنينة بذكره وبذكرهم، فمن شهد باللسان واطمأن بالجنان وعمل بالاركان انزله الله الجنان. مسند ابي حنفية، قال الراوي: ما سألت جابر الجعفي قط مسألة إلا اتى فيها بحديث، وكان جابر الجعفي إذا روى عنه قال: حدثني وصي الاوصياء ووارث علم الانبياء أبو نعيم في الحلية: الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر. وقال غيره: الامام الباقر، والنور الباهر، والقمر الزاهر، والعلم القاهر، باقر العلم، معدن الحلم، اظهر الدين اظهارا، وكان للاسلام منارا، الصادع بالحق، والناطق بالصدق، وباقر العلم بقرا، وناقثره نثرا، لم تأخذه في الله لومة لائم، وكان لامره غير مكاتم، ولعدوه مراغم. قالوا: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم. وكذلك السيد ابن السيد ابن السيد ابن السيد: محمد بن علي بن الحسين بن علي. ومما يدل على إمامته تواتر الامامية بالنصوص عليه من ابيه وجده، وكذلك الاخبار الواردة من النبي على الائمة الاثنى عشر إماما إماما، ومن قال بذلك قطع على إمامته. ومنها اعتبار طريق العصمة، وغير ذلك. قال ابن الحجاج: إذا غاب بدر الدجى فانظر * إلى ابن النبي ابي جعفر ترى خلقا منه يزرى به * وبالفرقدين وبالمشتري إمام ولكن بلا شيعة * ولا بمصلى ولا منبر وقال المغربي: يا ابن الذي بلسانه وبيانه * هدي الانام ونزل التنزيل عن فضله نطق الكتاب وبشرت * بقدومه التوراة والانجيل لولا انقطاع الوحي بعد محمد * قلنا محمد من ابيه بديل


[ 316 ]

هو مثله في الفضل إلا انه * لم يأته برسالة جبريل وقال آخر: يا ابن الذين متى استقر هواهم * في نفس انسان هوى شيطانه فإذا أراد الله سرا للعلى * فهم على رغم العدى خزانه فصل: في آياته عليه السلام قيل لابي جعفر (ع): محمد بن مسلم وجع، فأرسل إليه بشراب مع الغلام فقال الغلام: أمرني أن لا أرجع حتى تشربه فإذا شربته فائته، ففكر محمد فيما قال وهو لا يقدر على النهوض، فلما شرب واستقر الشراب في جوفه صار كأنما انشط من عقال فأتى بابه فاستؤذن عليه فصوت له: صح الجسم فادخل، فدخل وسلم عليه وهو باك وقبل يده ورأسه فقال: ما يبكيك يا محمد ؟ قال: على اغترابي وبعد المشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر اليك، فقال: اما قلة المقدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعا، وأما ما ذكرت من الاغتراب فلك بأبي عبد الله اسوة بأرض ناء عنا بالفرات صلى الله عليه، وأما ما ذكرت من بعد المشقة فان المؤمن في هذه الدار غريب وفي هذا الخلق منكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله، وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر الينا وانك لا تقدر على ذلك فلك ما في قلبك وجزاؤك عليه. دلالات الحسن بن علي بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن مبشر بياع الزطي قال أقمت على باب أبي جعفر فطرقته فخرجت إلى جارية خماسية فوضعت يدي على يدها وقلت لها: قولي لمولاك هذا مبشر بالباب. فناداني من أقصى الدار: ادخل لا أبا لك ثم قال لي: أما والله يا مبشر لو كانت هذه الجدار يحجب أبصارنا كما يحجب عنكم أبصاركم لكنا وأنتم سواء، فقلت: جعلت فداك والله ما أردت إلا الازدياد في ذلك ايمانا. الحسن بن مختار عن أبي بصير قال: كنت اقرئ امرأة القرآن واعلمها إياه فمازحتها بشئ، فلما قدمت على أبي جعفر (ع) قال لي: يا أبا بصير أي شئ قلت للمرأة ؟ فقلت بيدي هكذا يعني غطيت وجهي، فقال: لا تعودن إليها. وفي رواية حفص البختري انه قال لابي بصير: ابلغها السلام فقل أبو جعفر يقرؤك السلام ويقول: زوجي نفسك من أبي بصير، قال: فأتيتها فأخبرتها، فقالت: والله لقد قال لك أبو جعفر هذا ؟ فحلفت لها فزوجت نفسها مني.


[ 317 ]

أبو حمزة الثمالي في خبر: لما كانت السنة التي حج فيها أبو جعفر محمد بن علي ولقيه هشام بن عبد الملك أقبل الناس ينثالون عليه، فقال عكرمة: من هذا ؟ عليه سيماء زهرة العلم لاجزينه، فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه واسقط في يد أبي جعفر وقال: يا ابن رسول الله لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره فما أدركني ما أدركني آنفا ؟ فقال له أبو جعفر: ويلك يا عبيد أهل الشام انك بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع وذكر فيها اسمه. حبابة الوالبية قالت: رأيت رجلا بمكة أصيلا بالملتزم أو بين الباب والحجر على صعدة من الارض وقد حزم وسطه على المئزر بعمامة خز والغزالة تخال على ذلك الجبال كالعمايم على قمم الرجال وقد صاعد كفه وطرفه نحو السماء ويدعو فلما انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتى أفتاهم في الف مسألة، ثم نهض يريد رحله ومناد ينادي بصوت صهل: ألا ان هذا النور الابلج المسرج والنسيم الارج والحق المرج، وآخرون يقولون: من هذا ؟ فقيل: الباقر علم العلم الناطق عن الفهم محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. وفي رواية أبي بصير: ألا ان هذا باقر علم الرسل، وهذا مبين السبل، وهذا خير من وشج في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغراء العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمد وخديجة وعلي وفاطمة، هذا منار الدين القائمة. وفي حديث جابر بن يزيد الجعفي: انه لما شكت الشيعة إلى زين العابدين مما يلقونه من بني امية دعا الباقر وأمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل إلى النبي ويحركه تحريكا، وقال: فمضى إلى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه فأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة وأعطاني طرفا منه فمشيت رويدا فقال: قف يا جابر، فحرك الخيط تحريكا لينا خفيفا ثم قال: اخرج فانظر ما حال الناس، قال: فخرجت من المسجد فإذا صياح وصراخ وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة وهدة ورجفة قد أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين الف انسان ثم صعد الباقر المنارة فنادى بأعلى صوته: ألا يا أيها الضالون المكذبون قال: فظن الناس انه صوت من السماء فخروا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم: الامان الامان، وانهم يسمعون الصيحة بالحق ولا يرون الشخص ثم قرأ: (فخر عيهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)، قال: فلما نزل منها وخرجنا من المسجد سألته عن الخيط قال: هذا من البقية، قلت: وما البقية يا ابن رسول الله ؟ قال: يا جابر بقيه مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ويضعه جبرئيل لدينا. المفضل بن عمر: بينما أبو جعفر (ع) بين مكة والمدينة إذا انتهى إلى جماعة على الطريق وإذا رجل بين الحجاج نفق حماره وقد بدد متاعه وهو يكبي فلما رأى أبا جعفر


[ 318 ]

أقبل إليه فقال له: يا ابن رسول الله نفق حماري وبقيت منقطعا فادع الله تعالى أن يحيي لي حماري قال: فدعا أبو جعفر فأحيى الله له حماره. أبو بصير، قلت لابي جعفر لما ذهب بصري: أنتم ورثة رسول الله، قال: نعم، قلت: رسول الله وارث الانبياء علم كلما علموا، قال: نعم. قلت: فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرؤا الاكمه والابرص ؟ قال: نعم باذن الله، ثم قال: فادن مني يا أبا محمد فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الاشياء. قال لي: أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا ؟ قلت: أعود كما كنت، فمسح على عيني فعدت كما كنت، فحدثت ابن أبي عمير بهذا فقال: أشهد ان هذا حق كما ان النهار حق. وقد رواه محمد بن أبي عمير. قال أبو بصير للباقر: ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج، فقال: بل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج أتحب أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا ؟ فمسح على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيرا فقال: انظر يا أبا بصير إلى الحجيج، قال: فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير والمؤمن بينهم كالكواكب اللامع في الظلماء، فقال أبو بصير صدقت يا مولاي ما أقل الحجيج وأكثر الضجيج، ثم دعا بدعوات فعاد ضريرا فقال أبو بصير في ذلك، فقال (ع): ما بخلنا عليك يا أبا بصير وان كان الله تعالى ما ظلمك وإنما خار لك وخشينا فتنة الناس بنا وأن يجهلوا فضل الله علينا ويجعلونا أربابا من دون الله ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته ولا نسأم من طاعته ونحن له مسلمون. أبو عروة: دخلت مع أبي بصير إلى منزل أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) فقال لي: أترى في البيت كوة قريبة من السقف ؟ قلت: نعم وما علمك بها ؟ قال: أرانيها أبو جعفر. حلية الاولياء بالاسناد قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وسمع عصافير يصحن قال: أتدري يا أبا حمزة ما يقلن ؟ قلت: لا، قال: يسبحن ربي عزوجل ويسألن قوت يومهن. جابر بن يزيد الجعفي قال: مررت بمجلس عبد الله بن الحسن قال: بماذا


[ 319 ]

فضلني محمد بن علي ؟ ثم أتيت إلى أبي جعفر فلما بصرني ضحك إلي ثم قال: يا جابر اقعد فانه أول داخل يدخل عليك في هذا الباب عبد الله بن الحسن، فجعلت أرمق ببصري نحو الباب وأنا مصدق لما قال سيدي إذ أقبل يسحب أذياله، فقال له: يا عبد الله أنت الذي تقول: بما ذا فضلني محمد بن علي ان محمدا وعليا ولداه ؟ وقد ولداني ثم قال: يا جابرا حفر حفيرة واملاها حطبا جزلا واضرمها نارا، قال جابر: ففعلت فلما أن رأى النار قد صار جمرا أقبل عليه بوجهه فقال: إن كنت حيث ترى فادخلها لن تضرك، فقطع بالرجل، فتبسم في وجهي ثم قال: يا جابر فبهت الذي كفر. أبو حمزة: انه ركب أبو جعفر إلى حائط له فسأله سليمان بن خالد: هل يعلم الامام ما في يومه ؟ فقال: يا سليمان والذي بعث محمدا بالنبوة والصطفاه بالرسالة انه ليعلم ما في يومه وما في شهره وما في سنته، ثم قال بعد هنيئة: الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة قد أضمرا عليها، فاستقبلنا الرجلان، فقال أبو جعفر: سرقتما ؟ فخلفا له بالله انهما ما سرقا، فقال: والله لئن أنتما لم تخرجا ما سرقتما لابعثن إلى الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما ولابعثن إلى صاحبكما الذي سرقتما منه حتى يجئ يأخذ كما ويرفعكما إلى والي المدينة، ثم أمر غلمانه أن يستوثقوا منهما، قال: فانطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان فان في قلة الجبل كهفا فادخل أنت فيه بنفسك حتى تستخرج ما فيه وتدفعه إلى مولاي هذا فان فيه سرقة لرجل آخر وسوف يأتي، فانطلقت واستخرجت عيبتين وأتيت بهما أبا جعفر فرجعنا إلى المدينة وقد اخذ جماعة بالسرقة فقال أبو جعفر: ان هؤلاء برآء وليسوا هم بسراقة عندي، ثم قال للرجل: ما ذهب لك ؟ قال: عيبة فيها كذا وكذا، فادعى ما ليس له، فقال أبو جعفر: لم تكذب ! فقال: أنت أعلم بما ذهب مني، فأمر له بالعيبة ثم قال للوالي: وعندي عيبة اخرى لرجل وهو يأتيك إلى أيام وهو رجل من برير فإذا أتاك فارشده إلي فان عيبته عندي وأما هذان السارقان فلست ببارح من ههنا حتى تقطعهما، قال أحدهما: والله يا أبا جعفر لقد قطعتني بحق، ثم جاء البربري إلى الوالي بعد ثلاث ايام فأرسله إلى أبي جعفر فقال له أبو جعفر: ألا اخبرك بما في عيبتك ؟ فقال البربري: إن اخبرتني علمت انك إمام فرض الله طاعتك، فقال أبو جعفر: الف دينار لك والف دينار لغيرك ومن الثياب كذا وكذا، قال: فما اسم الرجل الذي له الف دينار ؟ قال: محمد بن عبد الرحمن وهو بالباب ينتظرك، فقال البربري: آمنت بالله وحده لا شريك له وبمحمد وأشهد انكم اهل بيت الرحمة الذين أذهب الله عنكم الرجس وطهركم تطهيرا.


[ 320 ]

قال الصادق (ع): ان أبي قال ذات يوم: إنما بقى من أجلي خمس سنين فحسبت فما زاد ولا نقص. أبو القاسم بن شبل الوكيل، بالاسناد عن محمد بن سليمان: ان ناصبيا شاميا كان يختلف إلى مجلس أبي جعفر (ع) ويقول له: طاعة الله في بغضكم ولكني أراك رجلا فصيحا، فكان أبو جعفر يقول: لن تخفى على الله خافية، فمرض الشامي فلما ثقل قال لوليه: إذا أنت مددت علي الثوب فائت محمد بن علي وسله ان يصلي علي، قال: فلما ان كان في بعض الليل ظنوا انه برد وسجوه، فلما ان اصبيح الناس خرج وليه إلى أبي جعفر وحكى له ذلك فقال أبو جعفر: كلا ان بلاد الشام صرد والحجاز بلادحر ولحمها شديد فانطلق فلا تعجلن على صاحبكم حتى آتيكم، قال ثم قام من مجلسه فجدد وضوءا ثم عاد فصلى ركعتين ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثم خر ساجدا حتى طلعت الشمس ثم نهض فانتهى إلى مجلس الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه ثم أجلسه فدعا له بسويق فسقاه وقال: املاوا جوفه وبرد اصدره بالطعام البارد، ثم انصرف وتبعه الشامي فقال: أشهد انك حجة الله على خلقه، قال: وما بدا لك ؟ قال: اشهد اني عمدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجاني إلا ومناد ينادي. ردوا إليه روحه فقد كنا سألنا ذلك محمد بن علي، فقال أبو جعفر: أما علمت ان الله يحب العبد ويبغض عمله ويبغض العبد ويحب عمله، قال: فذلك من اصحاب ابي جعفر. الثعلبي في نزهة القلوب، روي عن الباقر انه قال: أشخصني هشام بن عبد الملك فدخلت عليه وبنو امية حوله فقال لي: ادن يا ترابى، فقلت: من التراب خلقنا واليه نصير، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني معه ثم قال: أنت أبو جعفر الذي تقتل بني امية فقلت: لا، قال: فمن ذاك ؟ فقلت: ابن عمنا أبو العباس بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس، فنظر إلي وقال: والله ما جربت عليك كذبا، ثم قال: ومتى ذاك ؟ قلت: عن سنيات والله ما هي ببعيدة، الخبر. كتاب المعجزات: ان الباقر كان في عمرة اعتمرها في الحجر جالسا إذا أقبل جان حتى دنا من الحجر فطاف بالبيت اسبوعا ثم انه أتى المقام فقام على ذنبه فصلى ركعتين وذلك عند زوال الشمس، فبصر به عطاء واناس من اصحابه فأتوا أبا جعفر (ع) واستغاثوا إليه فقال: انطلقوا إليه فقولوا له: يقول لك محمد بن علي ان البيت يحضره أعبد وسودان وهذه ساعة خلوته منهم وقد قضيت نسكك ونحن نتخوف عليك منهم فلو خففت وانطلقت، قال: فكوم كومة من بطحاء المسجد ثم وضع ذنبه عليها ثم


[ 321 ]

مثل في الهواء. جابر الجعفي مرفوعا: لا يزال سلطان بني امية حتى يسقط حايط مسجدنا هذا، يعني مسجد الجعفي، فكان كما أخبر. قال الكميت الاسدي: دخلت إليه وعنده رجل من بني مخزوم وانشدته شعري فيهم، فكلما أنشدته قصيدة قال: يا غلام بدرة، فما خرجت من البيت حتى أخرج خمسين الف درهم، فقلت: والله اني ما قلت فيكم لعرض الدنيا وأبيت، فقال: يا غلام أعد هذا المال في مكانه، فلما حمل قال له المخزومي: سألتك بالله عشرة آلاف درهم، فقلت: ليست عندي واعطيت بالكميت خمسين الف درهم وانى لاعلم انك الصادق البار قال له: قم وادخل فخذ، فدخل المخزومي فلم يجد شيئا. فهذا دليل على ان الكنوز مغطية لهم. معتب قال: توجهت مع ابي عبد الله (ع) إلى ضيعة فلما دخلها صلى ركعتين ثم قال: انى صليت مع ابى الفجر ذات يوم فجلس ابى يسبح الله فبينما يسبح إذ اقبل شيخ طوال ابيض الرأس واللحية فسلم على ابي وإذا شاب مقبل في اثره فجاء إلى الشيخ وسلم على ابي واخذ بيد الشيخ وقال: قم فانك لم تؤمن بهذا، فلما ذهبا من عند ابي قلت: يا ابي من هذا الشيخ وهذا الشاب ؟ فقال: والله هذا ملك الموت وهذا جبرئيل عليهما السلام. جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر (ع) قال: انا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقه النفاق. قال: جرى عند ابي عبد الله ذكر عمر بن سحنة الكندي فزكوه فقال (ع): ما ارى لكم علما بالناس اني لاكفتي من الرجل بلحظة، ان ذا من اخبث الناس. قال وكان عمر بعد ما يدع محرما لله إلا يركبه. عبد الله بن عطاء المكي قال: اشتقت إلى ابى جعفر وانا بمكة فقدمت المدينة وما اقدمنيها إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت: اطرقه هذه الساعة أو انتظر حتى اصبح وانى لا تفكر في ذلك إذ سمعته يقول: يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد اصابه في هذه الليلة برد واذى ففتحت الباب فدخلت عبد الله بن كثير قال: نزل أبو جعفر بواد فضرب خباه فيه ثم خرج يمشي إلى نخلة يابسة فحمد الله عندها ثم تكلم بكلام لم اسمع بمثله ثم قال: ايتها النخلة اطعمينا مما جعل الله فيك فتساقطت رطب احمر واصفر فأكل ومعه أبو امية الانصاري فقال يا ابا امية هذه الآية فينا كالآية في مريم (إذ هزت إليها النخلة فتساقط عليها رطبا جنيا)


[ 322 ]

عمر بن حنظلة: سألت ابا جعفر ان يعلمني الاسم الاعظم، فقال: ادخل البيت، فوضع أبو جعفر يده على الارض فاظلم البيت وارتعدت فرائصي، فقال: ما تقول اعلمك ؟ فقلت: لا، فرفع يده فرجع البيت كما كان. ويروى ان زيد بن علي لما عزم على البيعة قال له أبو جعفر: يا ابا زيد ان مثل القائم من اهل هذا البيت قبل قيام مهديهم مثل فرخ نهض من عشه من غير ان يستوي جناحاه فإذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به فاتق الله في نفسك ان تكون المصلوب غدا بالكناسة، فكان كما قال. عبد الله بن طلحة عن ابي عبد الله في خبر: ان ابى كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال ابى للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ فقال الرجل: لاعلم لي بما يقول، قال: فانه يقول والله لئن ذكرت الثالث لاسبن عليا حتى تقوم من ههنا. محمد بن مسلم قال: كنت مع ابى جعفر بين مكة والمدينة وانا اسير على حمار لي وهو على بغلة له إذ اقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى ابى جعفر فحبس البغلة ودنا الذئب منه حتى وضع يده على قربوس السرج ومد عنقه إلى اذنه وادنى أبو جعفر اذنه ساعة ثم قال له: امض فقد فعلت، فخرج مهر ولا فقلت له: لقد رأيت عجبا ! فقال: وما تدري ما قال ؟ قلت: الله ورسوله وابن رسول اعلم، قال: انه قال: يا ابن رسول الله زوجتي في ذلك الجبل وقد تعسر عليها ولادتها فادع الله يخلصها وان لا يسلط شيئا من نسلي على احد من شيعتكم، فقلت: قد فعلت. وقد روى الحسن بن علي بن ابى حمزة في الدلالات هذا الخبر عن الصادق وزاد فيها انه (ع) مر وسكن في ضيعته شهرا، فلما رجع فإذا هو بالذئب وزوجته وجرو عووا في وجه الصادق فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه، ثم قال لنا: قد ولد له جر و ذكر وكانوا يدعون الله لي ولكم بحسن الصحابة ودعوت لهم بمثل ما دعوا لي وامرتهم ان لا يؤذوا لي وليا ولاهل بيتي ففعلوا وضمنوا لي ذلك. الحسن بن محمد باسناده عن ابي بكر الحضرمي قال: لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال هشام لاصحابه: إذا سكت من توبيخ محمد ابن علي فلتوبخوه، ثم امر ان يؤذن له، فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده: السلام عليكم فعمهم جميعا بالسلام ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة وجلوسه بغير إذن فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين


[ 323 ]

ودعا إلى نفسه وزعم انه الامام سفها وقلة علم، وجعل يوبخه، فلما سكت اقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه، فلما سكت القوم نهض، قائما ثم قال: ايها الناس أين تذهبون واين يراد بكم ؟ بنا هدى الله اولكم وبنا ختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا وليس من بعد ملكنا ملك لانا اهل العاقبة يقول الله عزوجل: (والعاقبة للمتقين). فأمر به إلى الحبس، فلما صار في الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحسن عليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام واخبره بخبره فأمر به فحمل على البريد هو واصحابه ليردوا إلى المدينة وامر ألا تخرج لهم الاسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب، فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدينة فأغلق باب المدينة دونهم، فشكا اصحابه العطش والجوع قال: فصعد جبلا اشرف عليهم فقال بأعلى صوته: يا اهل المدينة الظالم اهلها إنا بقية الله يقول الله تعالى: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما انا عليكم بحفيظ). قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال: يا قوم هذه والله دعوة شعيب والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالاسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت ارجلكم فصدقوني هذه المرة واطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فاني ناصح لكم. قال: فبادروا واخرجوا إلى ابي جعفر واصحابه الاسواق. كافي الكليني، قال سدير الصيرفي: اوصاني أبو جعفر بحوائج له بالمدينة فخرجت فبينما انا في فج الروحاء على راحلتي إذ انسان يلوي بثوبه، قال: فملت إليه وظننت انه عطشان فناولته الاداوة فقال: لا حاجة لي بها. وناولني كتابا طينه رطب، قال فلما نظرت إلى خاتمه إذا خاتم أبي جعفر فقلت له: متى عهدك بصاحب هذا الكتاب ؟ قال: الساعة، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثم التفت فإذا ليس عندي أحد، قال: ثم قدم أبو جعفر فلقيته فقلت: جعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب فقال: يا سدير ان لنا خدما من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم. محمد بن يحيى باسناده عن أبي جعفر قال: كانت امي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما اذن لك في السقوط، فبقى معلقا إلى الجو حتى جازته، فتصدق أبى عنها بمائة دينار. النعمان بن بشير قال: ناول رجل طوال جابر الجعفي كتابا فتناوله ووضعه على عينيه وإذا هو من محمد بن علي إليه، فقال له: متى عهدك بسيدي ؟ فقال: الساعة، ففك الخاتم وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره وأمسك الكتاب فما رأيته


[ 324 ]

ضاحكا مسرورا حتى وافى الكوفة، فلما وافينا بت ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاما له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه كعاب قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول: ادخل منصور بن جمهور أميرا غير مأمور واجتمع عليه الصبيان وهو يدور معهم والناس يقولون: جن جابر، فو الله ما مضت إلا ايام حتى ورد كتاب هاشم بن عبد الملك إلى واليه يأمره بقتل جابر وانفاذ رأسه إليه، فقال لجلسائه: من جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا: أصلحك الله كان رجل له فضل وعلم فجن وهو دائر في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم، قال: فأشرف عليه ورآه معهم بينهم فقال: الحمد لله الذي عافاني من قتله، قال: ثم لم تمض إلا أيام حتى دخل منصور بن جمهور فصنع ما كان يقول جابر محمد بن مسلم قال: كنت عنده يوما فرجع زوج ورشان وهدلا هديلهما فرد عليهما أبو جعفر كلامهما ساعة ثم نهضا، فلما صار على الحايط هدل الذكر على الانثى ساعة ثم طارا، فقلت له: جعلت فداك ما قال هذا الطائر ؟ فقال: يا ابن مسلم كل شئ خلقه الله من طير أو بهيمة أو شئ فيه روح فانه أطوع لنا وأسمع من ابن آدم. ان هذا الورشان ظن بانثاه سوءا فحلفت له ما فعلت فلم يقبل، فقالت: ترضى بمحمد بن علي ؟ فرضيا بى، فأخبرته انه لها ظالم فصدقها. أبو بصير قال: كنت مع أبي جعفر (ع) في المسجد إذ دخل عليه أبو الدوانيق وداود بن علي وسليمان بن مجالد حتى قعدوا في جانب المسجد فقال لهم: هذا أبو جعفر فأقبل إليه داود بن علي وسليمان بن مجالد فقال لهما: ما منع جباركم أن يأتيني ؟ فعذروه عنده فقال: يا داود أما انه لا تذهب الايام حتى يليها ويطأ الرجال عقبه ويملك شرقها وغربها وتدين له الرجال وتذل رقابها، قال: فلها مدة ؟ قال: نعم والله ليتلقفنها الصبيان منكم كما تتلقف الاكرة، فانطلقا فأخبرا أبا جعفر بالذي سمعا من محمد بن علي فبشراه بذلك، فلما وليا دعا سليمان بن مجالد فقال: يا سليمان بن مجالد انهم لا يزالون في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا دما – وأومى بيده إلى صدره – فإذا أصابوا ذلك الدم فبطنها خير لهم من ظهرها. فجاء أبو الدوانيق إليه وسأله عن مقالهما فصدقهما، الخبر. فكان كما قال. وفي حديث عاصم الحناط عن محمد بن مسلم انه سأل أبا جعفر (ع) دلالة، فقال: يا ابن مسلم وقع بينك وبين زميلك بالربذة حتى عيرك بنا وبحبنا وبمعرفتنا ؟ قال: اي والله جعلت فداك لقد كان ذلك فمن يخبركم بمثل ذلك ؟ قال: يا ابن مسلم ان لنا خدما من الجن هم شيعة لنا أطوع لنا منكم.


[ 325 ]

أبو بصير قال: أطرق أبو جعفر إلى الارض ينكت فيها مليا، ثم انه رفع رأسه فقال: كيف أنتم يا قوم إذا جاءكم رجل فدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف رجل حتى يستعرضكم بسيفه ثلاثة أيام فيقتل مقاتليكم وتلقون منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه بأيديكم وذلك يكون في قابل فخذوا حذركم واعلموا انه ما قلت لكم كائن لابد منه، فلم يأخذ أحد حذره من أهل المدينة إلا بنو هاشم خاصة، فلما كان من قابل تحمل أبو جعفر لعياله أجمعين وبنو هاشم جبا من المدينة، فكان كما قال. مشمعل الاسدي عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر يقول لرجل من أهل خراسان كيف أبوك ؟ قال: صالح، قال: هلك أبوك بعد ما خرجت وجئت إلى جرجان، ثم قال: ما فعل أخوك ؟ قال: خلفته صالحا، قال: قد قتله جاره صالح يوم كذا وكذا، فبكى الرجل ثم قال: انا لله وانا إليه راجعون مما اصبت به. فقال أبو جعفر اسكت فانك لا تدري ما صنع الله بهم قد صاروا إلى الجنة والجنة خير لهم مما كانوا فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك انى خلفت ابني وجعا شديد الوجع ولم تسألني عنه كما سألتني عن غيره ؟ قال: قد برأ وقد زوجه عمه بنته وأنت تقدم وقد ولد له غلام واسمه علي وهو لنا شيعة، وأما ابنك فليس هو لنا شيعة بل هو لنا عدو. عاصم الحناط عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته وهو يقول لرجل من أهل افريقية: ما حال راشد ؟ قال: خلفته حبا صالحا يقرؤك السلام، قال: رحمه الله، قلت: جعلت فداك ومات ؟ قال. نعم رحمه الله. قلت: ومتى مات ؟ قال بعد خروجك بيومين. وفي حديث الحلبي: انه دخل اناس على أبي جعفر وسألوا علامة فأخبرهم بأسمائهم وأخبرهم عما أرادوا يسألون عنه وقال: أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب الله: (شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى اكلها كل حين باذن ربها) قالوا: صدقت هذه الآية أردنا أن نسألك، قال: نحن الشجرة التي قال الله تعالى (أصلها ثابت وفرعها إلى السماء) ونحن نعطى شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا. علي بن أبي حمزة وأبو بصير قالا: كان لنا موعدا على أبي جعفر فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى فقال: يا سكينة هلمي بالمصباح، فأتت بالمصباح ثم قال: هلمي بالسفط الذي في موضع كذا وكذا، قال: فأتته بسفط هندي أو سندي ففض خاتمه ثم أخرج منه صحيفة صفراء. فقال علي: فأخذ يدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها حتى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إلى فارتعدت فرائصي حتى خفت على نفسي،


[ 326 ]

فلما نظر إلي في تلك الحال وضع يده على صدري فقال: أبرأت أنت ؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: ليس عليك بأس، ثم قال: ادنه، فدنوت فقال لي: ما ترى ؟ قلت: اسمي واسم أبي وأسماء أولادلي أعرفهم، فقال: يا علي لولا ان لك عندي ما ليس لغيرك ما اطلعتك على هذا أما انهم سيزدادون على عدد ما ههنا، قال علي بن أبي حمزة: فمكثت والله بعد ذلك عشرين سنة ثم ولد لي الاولاد بعدد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة، الخبر أبو عيينة وأبو عبد الله (ع): ان موحدا أتى الباقر وشكا عن أبيه ونصبه وفسقه وانه أخفى ماله عند موته فقال له أبو جعفر: أفتحب أن تراه وتسأله عن ماله فقال الرجل: نعم وانى لمحتاج فقير، فكتب إليه أبو جعفر كتابا بيده في رق أبيض وختمه بخاتمه ثم قال: اذهب بهذ الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسط ثم تنادي: يادرجان، ففعل ذلك فجاءه شخص فدفع إليه الكتاب فلما قرأه قال: أتحب أن ترى أباك ؟ فلا تبرح حتى آتيك به فانه بضجنان. فانطلق فلم يلبث إلا قليلا حتى أتانى رجل أسود في عنقه حبل اسود مدلع لسانه يلهث وعليه سربال اسود فقال لي: هذا ابوك ولكن غيره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم، فسألته عن حاله قال: اني كنت أتوالى بني امية وكنت أنت تتوالى اهل البيت وكنت ابغضك على ذلك واحرمتك مالي ودفنته عنك فأنا اليوم على ذلك من النادمين فانطلق إلى جنتي فاحتفر تحت الزيتونة فخذ المال وهو مائة وخمسون الفا وادفع إلى محمد بن علي خمسين الفا ولك الباقي، قال ففعل الرجل كذلك، فقضى بها أبو جعفر دينا وابتاع بها ارضا، ثم قال: أما انه سينفع الميت الندم على ما فرط من حبنا وضيع من حقنا بما ادخل علينا من الرفق والسرور جابر بن يزيد: سألت أبا جعفر عن قوله تعالى (وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات) فرفع أبو جعفر بيده وقال: ارفع رأسك، فرفعت فوجدت السقف متفرقا ورمق ناظري في ثلمة حتى رأيت نورا حار عنه بصري، فقال: هكذا رأى ابراهيم ملكوت السماوات وانظر إلى الارض ثم ارفع رأسك، فلما رفعته رأيت السقف كما كان ثم اخذ بيدي وأخرجني من الدار والبسني ثوبا وقال: غمض عينيك ساعة، ثم قال: انت في الظلمات التي رأى ذو القرنين ففتحت عيني فلم أر شيئا، ثم تخطا خطا وقال: انت على رأس عين الحياة للخضر، ثم خرجنا من ذلك العالم حتى تجاوزنا خمسة فقال: هذه ملكوت الارض، ثم قال: غمض عينيك. واخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنا فيها وخلع عني ما كان البسنيه، فقلت: جعلت فداك كم ذهب من اليوم ؟ فقال: ثلاث ساعات.


[ 327 ]

قال ابن حماد: ولاء النبي وآل النبي * عقدي وامني من مفزعي ووجهت وجهي لا ابتغى * سوى السادة الخشع الراكع ومالي هداة سوى الطاهرين * بدور الهدى الكمل اللمع بحار النوال بدور الكمال * غيوث الورى الهطل الهمع هم شفعائي إلى ربهم * وليس سواهم بمستشفع بهم يرفع الله اعمالنا * ولولا الولاية لم ترفع وله ايضا: يا اهل بيت النبي حبكم * تجارة الفوز للاولى اتجروا يا اهل بيت النبي حبكم * يبلى به ربنا ويختبر فصل: في علمه عليه السلام محمد بن مسلم عن ابي جعفر قال: سمعته يقول ان علمنا منطق الطير واوتينا من كل شئ. سماعة بن مهران عن شيخ من اصحابنا عن ابي جعفر قال: جئنا نريد الدخول عليه، فلما صرنا في الدهليز سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين يقرأ ويبكي حتى ابكى بعضنا. موسى بن اكيل النميري قال: جئنا إلى باب دار ابي جعفر (ع) نستأذن عليه فسمعنا صوتا حزينا يقرأ بالعبرانية فدخلنا عليه وسألنا عن قاريه ؟ فقال: ذكرت مناجاة ايليا فبكيت من ذلك. ويقال: لم يظهر عن احد من ولد الحسن والحسين (ع) من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والاحكام والحلال والحرام. قال محمد بن مسلم: سألته عن ثلاثين الف حديث. وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة نحو جابر بن عبد الله الانصاري، ومن التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي وكيسان السختاني صاحب الصوفية، ومن الفقهاء نحو ابن المبارك، والزهري، والاوزاعي، وابو حنيفة، ومالك، والشافعي، وزياد بن المنذر النهدي. ومن المصنفين نحو: الطبري، والبلاذي، والسلامي، والخطيب في تواريخهم. وفي: المؤطأ، وشرف المصطفى، والابانة، وحلية الاولياء، وسنن ابي داود، والالكانى، ومسندي ابى حنيفة والمروزي، وترغيب الاصفهاني، وبسيط الواحدي


[ 328 ]

وتفسير النقاش، والزمخشري، ومعرفة اصول الحديث، ورسالة السمعاني فيقولون قال محمد بن علي، وربما قالوا: قال محمد الباقر. ولذلك لقبه رسول الله بباقر العلم. وحديث جابر مشهور معروف رواه فقهاء المدينة والعراق كلهم. وقد اخبرني جدي شهر اشوب والمنتهى ابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيب، وسليمان الاعمش، وابان بن تغلب، ومحمد بن مسلم، وزرارة بن اعين، وابي خالد الكابلي، ان جابر بن عبد الله الانصاري كان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي: يا باقر العلم يا باقر العلم، فكان اهل المدينة يقولون: جابر يهجر وكان يقول: والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله يقول: انك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا فذاك الذي دعاني إلى ما أقول. قال: فلقى يوما كتابا فيه الباقر (ع) فقال: يا غلام اقبل، فأقبل ثم قال له: ادبر، فأدبر، فقال: شمائل رسول الله والذي نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك ؟ قال: اسمي محمد، قال: ابن من ؟ قال: ابن علي بن الحسين، فقال: يا بني فدتك نفسي فإذا أنت الباقر ؟ قال: نعم فأبلغني ما حملك رسول الله، فأقبل إليه يقبل رأسه وقال: بأبي أنت وامي أبوك رسول الله يقرؤك السلام، قال: يا جابر على رسول الله ما قامت السماوات والارض وعليك السلام يا جابر بما بلغت السلام. قال: فرجع الباقر إلى أبيه وهو ذعر فأخبره بالخبر فقال له: يا بني قد فعلها جابر ؟ قال: نعم، قال: يا بني الزم بيتك. فكان جابر يأتيه طرفي النهار وأهل المدينة يلومونه فكان الباقر يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فجلس يحدثهم عن أبيه عن رسول الله، فلم يقبلوه، فحدثهم عن جابر فصدقوه، وكان جابر والله يأتيه ويتعلم منه. الخطيب صاحب التاريخ، قال جابر الانصاري للباقر (ع): رسول الله أمرني أن أقرؤك السلام. أبو السعادات في فضائل الصحابة: ان جابر الانصاري بلغ سلام رسول الله إلى محمد الباقر، فقال له محمد بن علي: أثبت وصيتك فانك راحل إلى ربك، فبكى جابر فقال له: يا سيدي وما علمك فهذا عهد عهده إلي رسول الله ؟ فقال له: والله يا جابر لقد أعطاني الله علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. وأوصى جابر وصياته وأدركته الوفاة. وفي رواية غيره انه قال: قال رسول الله: يا جابر يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم النبيين بقرا فإذا لقيته فاقرأة مني السلام. القتيبي في عيون الاخبار: ان هشاما قال لزيد بن علي: ما فعل أخوك البقرة ؟ فقال زيد: سماه رسول الله باقر العلم وأنت تسميه بقرة ! لشد ما اختلفتما إذا.


[ 329 ]

قال زيد بن علي: ثوى باقر العلم في ملحد * إمام الورى طيب المولد فمن لي سوى جعفر بعده * إمام الورى الاوحد الامجد أبا جعفر الخير أنت الامام * وأنت المرجى لبلوى غد وقال القرطي: يا باقر العلم لاهل التقى * وخير من لبى على الا جبل حمران بن أعين، قال لي أبو جعفر وقد قرأت له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال: وأنتم قوم عرب تكون المعقبات من بين يديه ؟ قلت: كيف تقرؤها ؟ قال: له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله. وبلغنا ان الكميت أنشد الباقر (ع): (من لقلب متيم مستهام). فتوجه الباقر إلى الكعبة فقال: اللهم ارحم الكميت واغفر له – ثلاث مرات – ثم قال: يا كميت هذه مائة الف قد جمعتها من أهل بيتي، فقال الكميت: لا والله لا يعلم أحد اني آخذ منها حتى يكون الله عزوجل الذي يكافيني ولكن تكرمي بقميص من قمصك، فأعطاه. وسأل رجل ابن عمر عن مسألة فلم يدر بما يجيبه فقال: اذهب إلى ذلك الغلام فاسأله واعلمني بما يجيبك، وأشار به إلى محمد بن علي الباقر، فأتاه وسأله فأجابه فرجع إلى ابن عمر فأخبره فقال ابن عمر انهم أهل بيت مفهمون. ووفد عليه عمرو بن عبيد فسأله عن قوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما) ماهذا الرتق والفتق ؟ فقال (ع): رتقا لا ننزل القطر وكانت الارض رتقا لا تخرج النبات فلما تاب الله على آدم أمر الارض فتفجرت أنهارا وأنبتت أشجارا وأينعت ثمارا وأمر السماء فتقطرت بالغمام وأرخت عز إليها فكان ذلك فتقها، فانقطع عمرو. وقال الابرش الكلبي لهشام: من هذا الذي احتوشه أهل العراق ويسألونه ؟ قال هذا نبي الكوفة وهو يزعم انه ابن رسول الله وباقر العلم ومفسر القرآن فاسأله مسألة لا يعرفها، فأتاه وقال: يا ابن علي قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان ؟ قال: نعم، قال: فاني سائلك عن مسائل، قال: سل فان كنت مسترشدا فستنتفع بما تسأل عنه وإن كنت متعنتا فتضل بما تسأل عنه. قال: كم الفترة التي كانت بين محمد وعيسى ؟


[ 330 ]

قال: اما في قولنا فسبعمائة وأما في قولك فستمائة سنة، قال: فاخبرني عن قوله تعالى (يوم تبدل الارض غير الارض) ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟ قال: يحشر الناس على مثل فرضة الارض فيها أنهار متفجرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب، فقال هشام: قل له ما أشغلهم عن الاكل والشرب يومئذ ؟ قال: هم في النار اشغل ولم يشغلوا عن ان قالوا: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قال: فاخبرني عن قول الله تعالى (واسأل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) كان في أيامه من يسأل عنه فيسألهم فأخبروه ؟ فأجاب عن ذلك مثل ما تقدم من فصل الميثاق من هذا الكتاب، قال: فنهض الابرش وهو يقول: أنت ابن بنت رسول الله حقا، ثم صار إلى هشام فقال: دعونا منكم يا بني امية فان هذا أعلم أهل الارض بما في السماء والارض فهذا ولد رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد روى الكليني هذه الحكاية عن نافع غلام ابن عمر وزاد فيه: انه قال له الباقر: ما تقول في أصحاب النهروان ؟ فان قلت ان امير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت وإن قلت انه قتلهم باطلا فقد كفرت. قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقا، فأتى هشاما، الخبر. وقال أبو جعفر لعبد الله بن عباس: أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف ؟ قال لا، قال: فما ترى في رجل ضرب أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت فأتى رجل آخر فأطار كف يده فأتى به اليك وأنت قاض كيف أنت صانع ؟ قال: أقول لهذا القاطع: اعطه دية كف، وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، أو ابعث اليهما ذوي عدل. قال: فقال (ع): جاء الاختلاف في حكم الله ونقضت القول الاول ابى الله ان يحدث خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الارش أقطع يد قاطع الكف أولا ثم اعطه دية الاصابع، هذا حكم الله. الحكم بن عيينة: سألته امرأة فقالت: ان زوجي مات وترك الف درهم ولي عليه مهر خمسمائة درهم فأخذت مهري واخذت ميراثي ما بقى ثم جاء رجل فادعى عليه الف درهم فشهدت بذلك على زوجي. فجعل الحكم بحسب نصيبها. إذ خرج أبو جعفر فأخبره بمقالة المرأة فقال أبو جعفر: أقرت بثلث ما في يدها ولا ميراث لها أي بقدر ما يصيبها من حصته ولا يلزم الدين كله. أوصى رجل بألف درهم للكعبة فجاء الوصي إلى مكة وسأل فدلوه إلى بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا له: برئت ذمتك ادفعه الينا، فقال الناس: سل ابا جعفر،


[ 331 ]

فسأله فقال (ع): ان الكعبة غنية عن هذا انظر إلى من زار هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز ان يرجع إلى اهله فادفعها إلى هؤلاء. أبو القاسم الطبري الالكائي في شرح حجج اهل السنة انه قال أبو حنيفة لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أجلس وابو جعفر قاعد في المسجد، فقال أبو جعفر: انت رجل مشهور ولا احب ان تجلس إلي، قال: فلم يلتفت إلى ابي جعفر وجلس فقال لابي جعفر: انت الامام ؟ قال: لا، قال: فان قوما بالكوفة يزعمون انك إمام ؟ قال: فما اصنع بهم ؟ قال: تكتب إليهم تخبرهم، قال: لا يطيعون إنما نستدل على من غاب عنا بمن حضرنا قد امرتك ان لا تجلس فلم تطعني وكذلك لو كتبت إليهم ما اطاعوني فلم يقدر أبو حنيفة ان يدخل في الكلام. علي بن مهزيار عن ابي جعفر (ع) قال: قيل له: ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم ارضعتها امرأة اخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقال (ع): اخطأ ابن شبرمة حرمت عليه الجارية وامرأته التي ارضعتها اولا، فأما الاخيرة لم تحرم عليه لانها ارضعت لبنته. وجاء امرأة إلى محمد بن مسلم نصف الليل فقالت: لي بنت عروس ضربها الطلق فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجئ فما اصنع ؟ فقال: يا امة الله سئل الباقر عن مثل ذلك فقال: يشق بطن الميت ويستخرج الولد، افعلي مثل ذلك يا امة الله انا في ستر، من وجهك إلي ؟ قالت: سألت ابا حنيفة فقال: عليك بالثقفي فإذا افتاك فاعلمينيه، فلما اصبح محمد بن مسلم دخل المسجد رأى ابا حنيفة يسأل عن اصحابه فتنحنح محمد بن مسلم فقال: اللهم غفرا دعنا نعيش. سلام بن المستنير عن ابي جعفر (ع) في خبر طويل يذكر فيه خلق الولد في بطن امه قال: ويبعث الله ملكا يقال له الزاجر فيزجره زجرة فيفزع الولد منها وينقلب فتصير رجلاه اسفل البطن ليسهل الله عزوجل على المرأة وعلى الولد الخروج، قال: فان احتبس زجره زجرة اخرى شديدة فيفزع منها فيسقط إلى الارض فزعا باكيا من الزجر. قال كهمس قال لي جابر الجعفي: دخلت على ابي جعفر (ع) فقال لي: من اين انت ؟ فقلت: من اهل الكوفة، قال: ممن ؟ قلت: من جعف، قال: ما اقدمك إلى ههنا ؟ قلت: طلب العلم، قال: ممن ؟ قلت: منك، قال: إذا سألك احد من اين انت فقل من اهل المدينة، قلت: ايحل لي ان اكذب ؟ قال: ليس هذا كذبا من كان في


[ 332 ]

مدينة فهو من اهلها حتى يخرج. وسأله (ع) طاوس اليماني: متى هلك ثلث الناس ؟ فقال: يا ابا عبد الرحمن لم يمت ثلث الناس قط يا شيخ اردت ان تقول: متى هلك ربيع الناس ؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا اربعة آدم وحوا وهابيل وقابيل فهلك ربعهم. قال: فأيهما كان ابا للناس القاتل أو المقتول ؟ قال لا واحد منهما ابوهم شيث. وسأله عن شئ قليله حلال وكثيره حرام في القرآن ؟ قال: نهر طالوت الا من اغترف غرفة بيده. وعن صلاة مفروضة بغير وضوء، وصوم لا يحجز عن أكل وشرب ؟ فقال (ع): الصلاة على النبي والصوم قوله تعالى (اني نذرت للرحمن صوما). وعن شئ يزيد وينقص ؟ فقال: القمر. وعن شئ يزيد ولا ينقص ؟ فقال: البحر. وعن شئ ينقص ولا يزيد ؟ فقال: العمر. وعن طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولا بعدها ؟ قال: طور سيناء قوله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة). وعن قوم شهدوا بالحق وهم كاذبون ؟ قال: المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله. محمد بن المنكدر، رأيت الباقر (ع) وهو متكئ على غلامين اسودين فسلمت عليه فرد علي على بهر وقد تصبب عرقا فقلت اصلحك الله لو جاءك الموت وانت على هذه الحال في طلب الدنيا، فخلى الغلامين من يده وتساند وقال: لو جاءني وانا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك وعن الناس وإنما كنت اخاف الله لو جاءني وانا على معصية من معاصي الله، فقلت رحمك الله اردت ان اعظك فوعظتني. وكان عبد الله بن نافع بن الازرق يقول: لو عرفت ان بين قطريها احدا تبلغني إليه الابل يخصمني بأن عليا قتل اهل النهروان وهو غير ظالم لرحلتها إليه. قيل له: ائت ولده محمد الباقر، فأتاه فسأله فقال (ع) بعد كلام: الحمد لله الذي اكرمنا بنبوته واختصنا بولايته يا معشر اولاد المهاجرين والانصار من كان عنده منقبة في امير المؤمنين فليقم فليحدث، فقاموا ونشروا من مناقبه، فلما انتهوا إلى قوله: لاعطين الراية، الخبر، سأله أبو جعفر عن صحته فقال: هو حق لا شك فيه ولكن عليا احدث الكفر بعد، فقال أبو جعفر: اخبرني عن الله احب علي بن ابي طالب يوم احبه وهو يعلم انه يقتل اهل النهروان أم لم يعلم ؟ إن قلت لاكفرت. فقال: قد علم. قال: فأحبه على ان يعمل بطاعته أو على ان يعمل بمعصيته ؟ قال على ان يعمل بطاعته فقال أبو جعفر قم مخصوما. فقام وهو يقول (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) الله يعلم حيث يجعل رسالاته.


[ 333 ]

وفي حديث نافع بن الازرق انه سأل الباقر (ع) عن مسائل منها قوله تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) من الذي يسأل محمد ؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة. قال: فقرأ أبو جعفر (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) ثم ذكر اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم. وتكلم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر في حياة محمد بن الحنفية قال له: ويحك ما هذه الحماقة أنتم أعلم به أم نحن ؟ قد حدثي أبي علي بن الحسين انه شهد موته وغسله وكفنه والصلاة عليه وانزاله في القبر، فقال: شبه على أبيك كما شبه عيسى بن مريم على اليهود، فقال له الباقر: أفتجعل هذه الحجة قضاءا بيننا وبينك ؟ قال: نعم، قال: أرأيت اليهود الذين شبه عيسى عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه ؟ قال: بل كانوا أعداءه، قال: فكان أبي عدو محمد بن الحنفية فشبه له ؟ قال: لا، وانقطع ورجع عما كان عليه. وجاءه رجل من الشام وسأله عن بدو خلق البيت ؟ فقال (ع) ان الله تعالى لما قال للملائكة: (اني جاعل في الارض خليفة) فردوا عليه بقولهم: (أتجعل فيها) وساق الكلام إلى قوله: (وما كنتم تكتمون) فعلموا انهم وقعوا في الخطيئة فعاذوا بالعرض فطافوا حوله سبعة أشواط يسترضون ربهم عزوجل فرضى عنهم وقال لهم اهبطوا إلى الارض فابنوا لي بيتا يعوذ به من أذنب من عبادي ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي فأرضي عنهم كما رضيت عنكم، فبنوا هذا البيت. فقال له الرجل: صدقت يا أبا جعفر فما بدو هذا الحجر ؟ قال: ان الله تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر وكتب اقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة ثم القم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعة على اقرارهم وكان أبي إذا استلم الركن قال: اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء. فقال الرجل: صدقت يا أبا جعفر، ثم قام فلما ولى قال الباقر لابنه الصادق: اردده علي، فتبعه إلى الصفا فلم يره، فقال الباقر (ع): أراه الخضر. وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر: لاي شئ صارت الشمس أشد حرارة من القمر ؟ فقال: ان الله تعالى خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق البسها لباسا من نار فمن ثم كانت أشد حرارة وخلق القمر من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى صارت سبعة أطباق


[ 334 ]

والبسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس. أبو بكر بن دريد الازدي باسناد له، وعن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي ابن عمر بن علي، وعن الحسين بن علي بن جعفر بن موسى بن جعفر عن آبائه كلهم عن الصادق (ع) قال: لما اشخص أبي محمد بن علي إلى دمشق سمع الناس يقولون: هذا ابن أبي تراب ؟ قال: فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال: اجتنبوا أهل الشقاق، وذرية النفاق وحشو النار وحصب جهنم عن البدر الزاهر، والبحر الزاخر. والشهاب الثاقب، وشهاب المؤمنين، والصراط المستقيم، من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا، ثم قال بعد كلام: أبصنو رسول الله تستهزؤون أم بيعسوب الدين تلمزون، وأي سبل بعده تسلكون، وأي حزن بعده تدفعون هيهات هيهات برز والله بالسبق وفاز بالخصل واستوى على الغاية والحرز على الخطاب فانحسرت عنه الابصار، وخضعت دونه الرقاب، وقرع الذروة العليا، فكذب من رام من نفسه السعي وأعياه الطلب فأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقال: أقلوا عليهم لا أبا لابيكم * من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا اولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا اوفوا وان عقدواشدوا فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله إذ شفعوا وشقيقه إذ نسبوا ونديده إذ قتلوه وذي قربى كنزها إذ فتحوا ومصلي القبلتين إذ تحرفوا والمشهود له بالايمان إذ كفروا والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا والمستودع الاسرار ساعة الوداع، إلى آخر كلامه. الجاحظ في كتاب البيان والتبيين قال: قد جمع محمد بن علي بن الحسين (ع) صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين صلاح شأن جميع المعائش والتعاشر ملؤ مكيال ثلثاه فظنة وثلث تغافل. حلية الاولياء قال عبد الله بن عطاء المكي: ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر (ع) يعني الباقر، ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته وسنه عنده كأنه صبي بين يدي معلم يتعلم منه. علل الشرائع عن القمي القزويني: سئل الباقر عن علة حسن الخلق وسوئه فقال ان الله تعالى أنزل حوراء من الجنة إلى آدم فزوجها من أحد بنيه وتزوج الآخر إلى الجان فولدتا جميعا فما كان للناس جمال وحسن الخلق فهو من الحوراء وما كان


[ 335 ]

فيهم من سوء خلق فمن بنت الجان، وأنكر أن يكون بنوه من بناته. رواه ابن بابويه في المقنع. وسئل (ع) انه وجد في جزيرة بيضا كثيرا، فقال: كل ما اختلف طرفاه ولا تأكل ما استوى طرفاه. وسأله محمد بن مسلم: لم لا تورث المرأة عمن يتمتع بها ؟ قال: لانها مستأجرة، قال: ولم جعل البينة في النكاح ؟ قال: من أجل المواريث. وسأله علي بن محمد بن القاسم العلوي عن آدم حيث حج بم حلق رأسه ومن حلقه قال: نزل جبرئيل عليه بياقوتة من الجنة فأمرها على رأسه فتناثر شعره. وسأله أبو عبد الله القزويني عن غسل الميت والصلاة عليه وغسل غاسله قال يغسل الميت لانه يخبث ولتلاقيه الملائكة وهم طاهرون فكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنون وعلة الصلاة عليه ليشفع له وليطلب الله فيه. وسأله عن علة الوتيرة قال: لان الله تعالى فرض سبع عشرة ركعة وأضاف رسول الله إليها مثليها فصارت احدى وخمسين. وسأله (ع) أبو بكر الحضرمي عن تكبير صلاة الميت ؟ فقال: اخذت الخمس من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة. أبو جعفر القمي فيمن لا يحضره الفقيه عن الباقر (ع) في خبر طويل كان النساء في زمن نوح إنما تحيض المرأة في كل سنة حيضة حتى ان سبعمائة امرأة جلسن مع الرجال وشهدن الاعياد فرماهن الله بالحيض عند ذلك في كل شهر فاخرجن من بين الرجال فتزوج بنو اللاتي يحضن في كل شهر حيضة بنات اللاتي يحضن في كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كل شهر حيضة فكثر أولاد اللاتي يحضن في كل شهر لاستقامة الحيض وقل أولاد اللاتي لا يحضن إلا حيضة في السنة لفساد الدم، قال: فكثر نسل هؤلاء وقل نسل اولئك. وفي خبر عنه (ع) لما امر نوح بغرس الاشجار كان ابليس إلى جانبه فقال: هذه الشجرة لي – يعني الكرم – فقال له نوح: كذبت، فقال ابليس: فما لي منها ؟ قال نوح: لك الثلثان، فمن هناك طالب الطلى على الثلث. علل الشرائع عن ابن بابويه قال الباقر: كان رسول الله لا يأكل الكليتين من غير تحريمهما لقربهما من البول. قال أبو هاشم الجعفري: يا آل أحمد كيف أعدل عنكم * أعن السلامة والنجاه أحول في ذخر الشفاعة جدكم لكبائري * فيها على أهل الوعيد اصول شغلي بمدحكم وغيري عنكم * بعدوكم ومديحه مشغول


[ 336 ]

وقال الصاحب: العدل والتوحيد مذهبي الذي * يزهى به الايمان والاسلام وولايتي لمحمد ولآله * ديني وحصن الدين ليس يرام فهناك حبل الله مظفور القوى * وعليه من سر القضاء ختام حيث المبلغ جبرئيل وصحفه * التنزيل فيه وعلمه الاحكام والعلم غض عندهم بطراوة ال‍ * وحي الوحي كأنه إلهام وقال مالك: إذا طلب الناس علم القرا * ن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل أين ابن بنت النب‍ * ي نلت بذلك فرعا طوالا نجوم تهلل للمدلجين * جبال تورث علما جبالا فصل: في معالى اموره عليه السلام المدائني بالاسناد عن جابر الجعفي قال: قال الباقر (ع): نحن ولاة أمر الله وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبنا ايمان وبغضنا كفر، محبنا في الجنة، ومبغضنا في النار. وقال معروف بن خربوذ سمعته (ع) يقول: ان خبرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان. وكان (ع) يقول بلية الناس علينا عظيمة ان دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا. وقال (ع): نحن اهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ومهبط الوحي. خيثمة قال: سمعت الباقر (ع) يقول: نحن جنب الله ونحن حبل الله ونحن من رحمة الله على خلقه ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم الله نحن أئمة الهدى ومصابيح الدجى ونحن الهدى ونحن العلم المرفوع لاهل الدنيا ونحن السابقون ونحن الآخرون من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا غرق نحن قادة الغر المحجلين ونحن حرم الله ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى الله عزوجل ونحن من نعم الله على ونحن خلقه


[ 337 ]

المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن اصول الدين والينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عرى الاسلام، ونحن الجسور، ونحن القناطر من مضى علينا سبق ومن تخلف عنا محق، ونحن السنام الاعظم، ونحن من الذين بنا يصرف الله عنكم العذاب من أبصر بنا وعرفنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا. عمرو بن دينار، و عبد الله بن عبيد بن عمير قال سفيان: ما لقينا أبا جعفر إلا وحمل الينا النفقة والصلة والكسوة فقال: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني. سليمان بن قوم قال: كان أبو جعفر (ع) يجيزنا بالخمس مائة إلى الستمائة إلى الالف درهم. وقال له نصراني: أنت بقر ؟ قال: أنا باقر، قال: أنت ابن الطباخة ؟ قال: ذاك حرفتها، قال: أنت ابن السود الزنجية البذية، قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك. قال: فأسلم النصراني. وقال لكثير: امتدحت عبد الملك ؟ فقال: ما قلت له يا إمام الهدى وإنما قلت يا أسد والاسد كلب، ويا شمس والشمس جماد، ويا بحر والبحر موات، ويا حية والحية دويبة منتنة، ويا جبل وإنما هو حجر أصم. قال: فتبسم (ع). وأنشأ الكميت بين يديه: من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام فلما بلغ إلى قوله: أخلص الله لي هواي فما * أغرق نزعا ولا تطيش سهامي فقال (ع): (أغرق نزعا وما تطيش سهامي). فقال: يا مولاي أنت أشعر مني في هذا المعنى. وشكا الحسن بن كثير إليه الحاجة فقال: بئس الاخ أخا يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم فقال: استنفق هذه فإذا نفدت فاعلمني. هشام بن معاذ في حديثه قال: لما دخل المدينة عمر بن عبد العزيز قال مناديه: من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر، فأتاه أبو جعفر الباقر (ع) فلما رآه استقبله وأقعده مقعده، فقال (ع): إنما الدنيا سوق من الاسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم وكم قوم ابتاعوا ما ضرهم فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم وصاروا إلى من لا يعذرهم فنحن والله حقيقون أن ننظر إلى تلك الاعمال التي نتخوف عليهم منها فكف عنها واتق الله واجعل في نفسك اثنتين: إلى ما تحب أن يكون معك إذا


[ 338 ]

قدمت على ربك فقدمه بين يديك وانظر إلى ما تكره ان يكون معك إذا قدمت على ربك فارمه ورائك ولا ترغبن في سلعة بارت على من كان قبلك فترجو ان يجوز عنك وافتح الابواب وسهل الحجاب وانصف المظلوم ورد الظالم، ثلاثة من كن فيه استكمل الايمان بالله: من إذا رضى لم يدخله رضاه في باطل، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له. فدعا عمر بداوة وبياض وكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ورد عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم بفدك. بكر بن صالح: ان عبد الله بن المبارك أتى أبا جعفر (ع) فقال: اني رويت عن آبائك عليهم السلام ان كل فتح بضلال فهو للامام، فقال: نعم، قلت: جعلت فداك فانهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال وقد تخلصت ممن ملكوني بسبب وقد أتيتك مسترقا مستعبدا، قال (ع): قد قبلت، فلما كان وقت خروجه إلى مكة قال: مذ حججت فتزوجت ومكسبي مما يعطف على اخواني لا شئ لي غيره فمرني بأمرك، فقال (ع): انصرف إلى بلادك وأنت من حجك وتزويجك وكسبك في حل، ثم أتاه بعد ست سنين وذكر له العبودية التي ألزمها نفسه، فقال: أنت حر لوجه الله تعالى فقال: اكتب لي به عهدا، فخرج كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب محمد بن علي الهاشمي العلوي لعبد الله بن المبارك فتاه اني أعتقك لوجه الله والدار الآخرة لا رب لك إلا الله وليس عليك سيد وأنت مولاي ومولى عقبي من بعدي وكتب في المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة ووقع فيه محمد بن علي بخط يده وختمه بخاتمه. ويقال: انه هاشمي من هاشميين وعلوي من علويين وفاطمي من فاطميين لانه أول ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين. وكانت امه ام عبد الله بنت الحسن بن علي. وكان أصدق الناس لهجة وأحسنهم بهجة وأبذلهم مهجة. الوشا: سمعت الرضا (ع) يقول: ان لكل إمام عهدا في أعناق أوليائه وشيعته وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كانت أئمته شفعاؤه يوم القيامة. أبو خالد البرقي في كتاب الشعر والشعراء ان الباقر تمثل: وأطرق اطراق الشجاع ولو يرى * مساغا لنايبه الشجاع لصمها قال الحميري: أينهوني عن حب آل محمد * وحبهم مما به أتقرب


[ 339 ]

وحبهم مثل الصلاة وانه ع‍ * لى الناس من كل الصلاة لا وجب هم أهل بيت اذهب الرجس عنهم * وصفوا من الادناس طرا وطيبوا هم أهل بيت ما لمن كان مؤمنا * من الناس عنهم بالولاية مذهب وقال الجماني: يا آل حم الذين بحبهم * حكم الكتاب منزلا تنزيلا كان المديح حلي الملوك وكنتم * حلل المدايح غرة وحجولا بيت إذا عد المآثر أهله * عدوا النبي وثانيا جبريلا قوم إذا اعتدلوا الحمائل أصبحوا * متقسمين خليفة ورسولا نشاؤا بآيات الكتاب فما انثنوا * حتى صدرن كهولة وكهولا ثقلان لن يتفرقا أو يطفيا * بالحوض من ظمأ الصدور غليلا وخليفتان على الانام بقوله * الحق أصدق من تكلم قيلا فأتوا أكف الآيسين فأصبحوا * ما يعدلون سوى الكتاب عديلا وقال ابن المولى الانصاري: رهطه واضح برهط ابي القا * سم رهط اليقين والايمان هم ذوو النور والهدى واولو الا * مر وأهل الفرقان والبرهان معدن الحق والنبوة والعد * ل إذا ما تنازع الخصمان وقال عبد المحسن: فهم عدتي لوفائي هم * نجاتي هم الفوز للفائزينا هم مورد الحوض للواردين * هم عروة الدين للواثقينا هم عون من طلب الصالحات * فكم لمحبهم مستعينا هم حجة الله في أرضه * وإن جحدوا الحجة الجاحدونا هم عروة الدين للواثقينا * هم الناطقون هم الصادقونا هم وارثون علوم الرسل * فما بألهم لهم وارثونا فصل: في أمواله وتاريخه عليه السلام اسمه محمد، وكنيته أبو جعفر لا غير. ولقبه باقر العلم، والشاكر لله، والهادي، والامين: والشبيه لانه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان ربع القامة دقيق البشرة، جعد الشعر أسمر، له خال على خده وخال أحمر


[ 340 ]

في جسده، ضامر الكشح، حسن الصوت، مطرق الرأس. ام فاطمة ام عبد الله بنت الحسن. ويقال: امه ام عبده بنت الحسن بن علي. ولد بالمدينة يوم الثلاثاء. وقيل: يوم الجمعة غرة رجب. وقيل: الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة. وقبض بها في ذي الحجة. ويقال: في شهر ربيع الآخر سنة اربع عشرة ومائة وله يومئذ سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجده. وأقام مع جده الحسين ثلاث سنين أو أربع سنين، ومع أبيه علي أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر، أو تسعا وثلاثين سنة، وبعد أبيه تسع عشرة سنة. وقيل: ثماني عشرة، وذلك في أيام إمامته. وكان في سني إمامته ملك الوليد بن يزيد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد ابن عبد الملك، وهشام أخوه، والوليد بن يزيد، وابراهيم اخوه، وفي أول ملك ابراهيم قبض. وقال أبو جعفر بن بابويه: سمه ابراهيم بن الوليد بن يزيد، وقبره ببقيع الغرقد. اولاده سبعة: جعفر الامام وكان يكنى به، و عبد الله الافطح من ام فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، و عبد الله وابراهيم من ام حكيم بنت أسد الثقفية، وعلي وام سلمة وزينب من أو ولد. ويقال: زينب لام ولد اخرى. ويقال: له ابنة واحدة وهي ام سلمة، درجوا كلهم إلا أولاد الصادق. وبابه: جابر بن يزيد الجعفي. واجتمعت العصابة ان أفقه الاولين ستة وهم اصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله وهم: زرارة بن أعين، ومعروف الخربوذ المكي، وأبو بصير الاسدي، والفضيل ابن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، ويزيد بن معاوية العجلي. ومن اصحابه: حمران بن أعين الشيباني، واخوته بكر و عبد الملك و عبد الرحمن ومحمد بن اسماعيل بن بزيغ، و عبد الله بن ميمون القداح، ومحمد بن مروان الكوفى من ولد أبي الاسود، واسماعيل بن الفضل الهاشمي من ولد نوفل بن الحارث، وابو هارون المكفوف، وطريف بن ناصح بياع الاكفان، وسعيد بن طريف الاسكاف الدؤلي، واسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفى، وعقبة بن بشير الاسدي، وأسلم المكي مولى ابن الحنفية، وابو بصير ليث بن البختري المرادي، والكميت بن زيد الاسدي، وناجية بن عمار الصيداوي، ومعاذ بن مسلم الفرا النحوي، وكثير الرجال.


[ 341 ]

ومن رواة النص عليه من ابيه: اسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين وزيد بن علي، وعيسى عن جده، والحسين بن ابى العلاء. ولما حضرت زين العابدين الوفاة قال: يا محمد احمل هذا الصندوق. فلما توفي جاء اخوته يدعون فيه، فقال الباقر: والله ما لكم فيه شئ ولو كان لكم شئ لما دفعه إلي وكان في الصندوق سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله. والذي يدل على إمامته ما ثبت من وجوب الامامة وكون الامام معصوما ومنصوصا عليه وان الحق لا يخرج من بين الامة. وفي النكت: ان الاصول خمسة والاشباح خمسة، والصلوات خمس، والعبادات خمس، والحمد خمس، والاصابع خمس، والاسابيع (خمسة)، والحواس خمسة، وعلم التصريف مبني على خمس زيادة وحذف وتغيير بحركة وسكون وابدال وادغام، والباقر خامس الائمة، وميزان محمد الباقر الحساب هو: جواد زاهد معصوم لاستوائهما في اربعمائة وست وعشرين قال أبو نواس: فهو الذي قدم الله العلي له * ان لا يكون له في فضله اثان فهو الذي امتحن الله القلوب به * عما تجمجمن من كفر وايمان وان قوما رجوا ابطال حقكم * أمسوا من الله في سخط وعصيان لن يدفعوا حقكم إلا بدفعهم * ما انزل الله من آي وقرآن فقلدوها لاهل البيت انهم * صنو النبي وانتم غير صنوان وقال منصور: وما أخل وصي الاوصياء به * محمد بن علي نوره الصدع ذرية بعضها من بعض اصطنعت * فالحق ما صنعوا والحق ما شرعوا يا ابن الائمة من بعد النبي ويا * ابن الاوصياء أقر الناس أم دفعوا ان الخلافة كانت إرث والدكم * من دون تيم وعفو الله متسع وقال أبو هريرة: ابا جعفر انت الامام احبه * وارضى الذي ترضى واتابع اتانا رجال يحملون عليكم * احاديث قد ضافت بهن الاضالع وقال الحميري: وإذا وصلت بحبل آل محمد * حبل المودة منك فابلغ وازدد بمطهر لمطهرين ابوة * نالوا العلى ومكارم لم تنفد


[ 342 ]

اهل التقى وذوي النهى اولي العلى * والناطقين عن الحديث المسند الصائمين القائمين القانتين * العائفين بني الحجى والسؤدد الراكعين الساجدين الحامدين * السابقين إلى صلاة المسجد القانتين الراتقين السابحين * العابدين إلههم بتودد الواهبين المانعين القادرين * القاهرين لحاسد المتحسد وله أيضا: جعلت آل الرسول لي سببا * أرجو نجاتى به من العطب على م ألحى على مودة من * جعلتهم عدة لمنقلبي لو لم أكن قائلا بحبهم * أشفقت من بغضهم على نسبي وقال ابن حماد: يا آل طه حبكم لم يزل * فرضا علينا واجبا لازما من لقى الله بلا حبكم * خلده الله لظى راغما خاب ولو صلى على رأسه * وقطع الدهر معا صائما من مثلكم والله لولاكم * لما برا حوا ولا آدما شرفكم في الخلق حتى لقد * صير جبريل لكم خادما وله أيضا: آل النبي الذي ترجى شفاعته * يوم القيامة والنيران تشتعل يوم الجزاء وما قدمت من عمل * على محبة أهل البيت متكل هم الشموس بها الاقمار مشرقة * هم البدور منيرات وقد كملوا هم البحار بها الامواج طامية * والناس محتاج مأما لهم نهل الاسد إن ركبوا والدرإن خطبوا * والشرك قد غلبوا والوحي قد نقلوا لولاهم لم يكن شمس ولا قمر * ولا سماء ولا سهل ولا جبل وقال ابن رزيك: يا عروة الدين المتين وبحر علم العارفينا * يا قبلة للاولياء وكعبة للطائفينا من أهل بيت لم يزالوا في البرية محسنينا * التائبين العابدين الصائمين القائمينا العالمين الحافظين الراكعين الساجدينا * يا من إذا نام الورى باتوا قياما ساهرينا


[ 343 ]

باب امامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) فصل: في المقدمات الحمد لله الذي لم يزل عزيرا ولا يزال منيعا، الرحمن الذي كان لدعاء المضطر مجيبا سميعا، الرحيم الذي ستر على العاصي قولا قبيحا وفعلا شنيعا، أقنى العبد عاصيا كان أو مطيعا، وبذكره شرف عباده شريفا كان أو وضيعا، فنصب لاجلنا محمدا شفيعا، وأعطاه منزلا رفيعا، وأنزل عليه كتابا كريما وإماما بديعا، وأمر بالاعتصام به وبآله فقال (واعتصموا بحبل الله جميعا). ابان بن تغلب عن الصادق (ع): نحن والله الذي قال: (واعتصموا بحبل الله جميعا). أبو الصباح الكنانى قال: نظر الباقر إلى الصادق فقال: هذا والله من الذين قال الله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض) الآية. الصادق في قوله: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا اولوا الالباب. رواه سعد والنضر بن سويد عن جابر عن أبي جعفر (ع). عمار بن مروان عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (ان في ذلك لآيات لا ولي النهى) فقلت: ما معنى ذلك ؟ قال: ما أخبر الله عزوجل به رسوله مما يكون من بعده يعني أمر الخلافة وكان ذلك كما أخبر الله رسوله وكما أخبر رسوله عليا وكما انتهى الينا من علي مما يكون بعده من الملك، ثم قال بعد كلام: نحن الذين انتهى الينا علم ذلك كله ونحن قوام الله على خلقه وخزنة علم دينه، الخبر. يحيى بن عبد الله بن الحسن عن الصادق: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) الآية، قال: نحن هم. أبو حمزة عن الباقر، وضريس الكناسي عن الصادق في قوله تعالى: (وكل شئ هالك إلا وجهه)، قال: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه. وعن ابي عبد الله (ع): (وكرة اليكم الكفر والفسوق والعصيان) يغضنا لمن خالف رسول الله وخالفنا. تفسير العياشي باسناده عن أبي الصباح الكناني قال أبو عبد الله: نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الانفال ولنا صفو المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله في كتابه: (أم يحسدون الناس). كتاب ابن عقدة، قال الصادق (ع) للحصين بن عبد الرحمن: يا حصين لا تستصغر مودتنا فانها من الباقيات الصالحات، قال: يا ابن رسول الله ما استصغرها ولكن أحمد الله عليها. تفسير علي بن ابراهيم، قال الصادق: في قوله (ان في ذلك لآيات للمتوسمين)


[ 344 ]

نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم والسبيل طريق الجنة. وروى هذا المعنى بياع الزطي، واسباط بن سالم، و عبد الله بن سليمان عن الصادق. ورواه محمد بن مسلم، وجابر عن الباقر. وسأله داود: هل تعرفون محبيكم من مبغضيكم ؟ قال: نعم يا داود لا يأتينا من يبغضنا إلا نجد بين عينيه مكتوبا: كافر، ولا من محبينا إلا نجد بين عينيه مؤمن وذلك قول الله تعالى: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين) فنحن المتوسمون يا داود قرأ أبو عبد الله (ع) قوله: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) ثم أومى إلى صدره فقال: نحن والله ذرية رسول الله. أبو عبد الله محمد بن عبد الله الموسوي، قال الصادق: نحن والله الشجرة المنهي عنها (وبيان مقالة): انه لما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدت الملائكة والنجم والشجر والحجر والمدر فلما نظر ابليس ان لا يسجد الاشباح وان الله نزهها أن نسجد إلا له امتنع من السجود فنودي (استكبرت أم كنت من العالين) فالخطاب يدل على ماض لان المعقول يدل على أن الارض لم يكن فيها خلق عال فيقاس به ابليس في السجود فيكون مستأنفا منه العالون على جميع خلقه فحسده ابليس وسأل آدم: من هؤلاء الذين أكرمتهم (1) ولولاهم ما خلقت الجن والانس فقال: يا رب أفمن ذريتي أم من غيري اللغة هم الكلمة الطيبة التي مثلهم الله بها ونهى آدم عنها كمثل القرية فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم مع (جمع) كلمة فلما أن هبط آدم استوحش فألهمه الله الكلمات فتلقاها فتاب عليه. ومما يدل على إمامته اعتبار العصمة والقطع عليها وزيد بن علي لم يكن مقطوعا على عصمته ولا منصوصا عليه. ويستدل أيضا بأن الامام يجب أن يكون عالما (هامش صفحه 344) (1) البياض فيما ظفر من النسخ في المواضع الاربعة.


[ 345 ]

بجميع أحكام الشريعة ولا خلاف في أن كل من يدعي له الامامة لم يكن عالما بها. وثبت من الطريقين المختلفين انه منصوص عليه. واعلم انه يشتق من اسم الفاعل واسم المفعول ستة ستة، والجهات ستة، وعلاقة الميزان ستة، خلق السماوات والارض في سنة أيام، واولوا العزم من الرسل ستة: آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وجبريل سادس أهل العباء وقال الله تعالى: ولا خمسة إلا هو سادسهم، وجعفر الصادق سادس الائمة. جعفر الصادق ميزانه من الحساب: الامام المطلوب للمؤمن والمنافق، لاتفاقهما في تسع وثمانين وخمسمائة. قال الجماني: هم فتية كسيوف الهند طال بهم * على المطاول اباء مناجيد قوم لماء المعالي في وجوههم * عند التكرم تصويب وتصعيد يدعون أحمد أي جد الفخار أبا * والعود ينبت في افنانه العود والمنعمون إذا ما لم يكن نعم * والرائدون إذا قل المواريد اوفوا من المجد والعلياء في فلك * شم قواعدهن الباس والجود سبط الاكف إذا شيمت مخائلهم * اسد اللقاء إذا صد الصناديد هم المطاف إذا طافوا بكعبته * فشرفت بهم منه القواعيد محسدون ومن يعقد بحبهم * حبل المودة يضحى وهو محسود وقال القاضي: لمثل علاكم ينتهي المجد والفخر * وعند نداكم يخجل الغيث والبحر وعمر سواكم في الورى مثل يومكم * إذا ما علا قدر ويومكم غمر ملكتم لا عدوى حكمتم ولا هوى * علمتم ولا دعوى عملتم ولا كبر أياديكم بيض إذا اسود حادث وأسيافكم حمر وأكنافكم جمر وذكركم في كل شرق ومغرب على الخلق يتلى مثل ما دينكم شكر وقال ابن حماد: صلى الاله على سلا * لة أحمد أهل الكرم من كان سلمهم سلم * أو كان حربهم ندم يرضى الاله إذا رضوا * وبكل ما حكموا حكم أزكى الزكاة ولاؤهم * والمحض منه من النعم خلق المهيمن نورهم * من قبل أن برأ النسم


[ 346 ]

من لم يصلهم بالصلاة * فلم يصل ولم يصم الله أوجب حقهم * وعلى العباد به حتم شرع الهداية إن دجى * ليل الضلالة وادلهم لولا ما فاز آدم با * لمتاب ولا رحم لولا هدايتهم لما ع‍ * رف السبيل ولا علم صلى الاله عليهم * ما غار نجم أو نجم فصل: في معرفته باللغات واخبار انه بالغيب مغيث قال لابي عبد الله (ع) ورآة يضحك في بيته: جعلت فداك لست أدري بأيهما أنا أشد سرورا بجلوسك في بيتي أو بضحكك، قال: انه هدر الحمام الذكر على الانثى فقال: أنت سكني وعرسي والجالس على الفراش أحب إلي منك، فضحكت من قوله. وهذا المعنى رواه الفضيل بن يسار في حديث برد الاسكاف ان الطير قال: يا سكني وعرسي ما خلق الله خلقا أحب إلي منك وما حرصي عليك هذا الحرص إلا طمعا أن يرزقني الله ولدا منك يحبون أهل البيت. سالم مولى بياع الزطي قال: كنا في حائط لابي عبد الله (ع) نتغدى أنا ونفر معي فصاحت العصافير، فقال: أتدري ما تقول ؟ فقلت: جعلت فداك لا والله ما أدري ما تقول، فقال: تقول: اللهم اني خلق من خلقك لابد لنا من رزقك اللهم فاسقنا. داود بن فرقد، و عبد الله بن سنان، وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) انه سمع فاختة تصيح في داره فقال: تدرون ما تقول هذه الفاختة ؟ قلنا: لا، قال: تقول: فقدتكم فقدتكم، فافقدوها قبل أن تفقدكم. وروى عمر الاصفهاني عنه (ع) مثل ذلك في صوت الصلصل. وروي انه (ع) قال: يقول الورشان: قدستم قدستم. عبد الله بن فرقد قال: خرجنا مع أبي عبد الله متوجهين إلى مكة حتى إذا كنا بسرف استقبلنا غراب ينعق في وجهه، فقال: مت جوعا ما تعلم من شئ إلا ونحن نعلمه إلا أنا أعلم بالله منك. كتاب خرق العادات انه دخل عليه (ع) قوم من أهل خراسان فقال: ابتداء


[ 347 ]

من غير مسألة، من جمع مالا من مهاوش أذهبه الله في تهابر، فقالوا: جعلنا الله فداك ما نفهم هذا الكلام، فقال: از باد آيد بدم شود. عمار بن موسى الساباطي قال لي (ع) مظ الله وكسا ولسحه بساطورا، قال: فقلت له: ما رأيت نبطيا أفصح منك بالنبطية، فقال: يا عمار وبكل لسان. وفي حديث عامر بن علي الجامعي انه قال: أتدري ما يقولون على ذبايحهم – يعني اليهود -، قلت: لا، قال: يقولون: نوح أو دل ادموك يلهزبا يحول عالم اسر قدسوا ومضوا بنواصيهم ونيال استخفضوا. وعن رجل من أهل دوين: كنت أردت أن أسأله عن بيض ديوك الماء فقال: نيابت ” يعني البيض ” وعانا مينا ” يعني ديوك الماء ” لا تاحل ” يعني لا تأكل “. المفضل بن عمر قال: كنت أنا وخالد الجواز ونجم الحطيم وسليمان بن خالد على باب الصادق فتكلمنا فيما يتكلم به أهل الغلو فخرج علينا الصادق بلا حذاء ولا رداء وهو ينتفض ويقول: يا خالد يا مفضل يا سليمان يا نجم لابل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. وقال صالح بن سهل: كنت أقول في الصادق ما تقول الغلاة فنظر إلي وقال: ويحك يا صالح إنا والله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده وإن لم نعبده عذبنا. عمر بن يزيد قال: كنت عند الصادق (ع)، وهو وجع فتفكرت ما ندري ما يصيبه في مرضه ولو سألته عن الامامة بعده، قال: فحول وجهه إلي فقال: ان الامر ليس كما تظن ليس علي من وجعي هذا بأس. وعنه قال: قعدت أغمز رجله فأردت أن أسأله إلى من الامر بعده فحول وجهه إلي فقال: إذا والله لا اجيبك. زياد بن أبي الحلال قال: أردت أن أسأل أبا عبد الله عما اختلفوا في حديث جابر ابن يزيد فابتداني فقال: رحم الله جابر بن يزيد الجعفي فانه كان يصدق علينا ولعن الله المغيرة بن سعيد فانه كان يكذب علينا. شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله لاسأله مسائل، فقال: جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الجب بالكوز فيصيب يده الماء ؟ فقلت: نعم، فقال: ليس به بأس، ثم قال: جئت لتسألني عن الجنب يسهو فيغمس يده في الماء قبل أن يغسلها ؟ قلت: نعم، قال: إذا لم يكن أصاب يده شئ فليس به بأس، ثم قال: جئت تسألني عن الجنب يغتسل فيقطر الماء من جسده في الاناء أو ينضح الماء من الارض فيضمه في الاناء ؟ قلت: نعم، قال: ليس بهذا بأس كله، ثم قال: خرجت تسألني عن الغدير يكون في جانبه فيقع الجيفة أيتوضأ منه أم لا ؟ قلت: نعم، قال: توضأ من الجانب الآخر إلا أن يغلب الماء الريح فيفتن.


[ 348 ]

صفوان بن يحيى قال: جعفر بن محمد بن الاشعث: أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الامر ؟ ان أبا جعفر – يعني أبا الدوانيق – قال لابي محمد بن الاشعث: يا محمد ائتيني رجلا له عقل يؤدي عني، فقال له: اني أصبته لك هذا فلان بن فلان بن مهاجر خالي، قال: فائتني به، قال: فأتاه بخاله، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر خذ هذا المال فائت المدينة فالق عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد وأهل بيتهم فقل لهم: اني رجل غريب من أهل خراسان وبها شيعة من شيعتكم وقد وجهوا اليكم بهذا المال فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا، فإذا قبض المال فقل اني رسول وأحب أن يكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتم مني فأخذ المال ومضى، فلما رجع قال له أبو جعفر: ما وراك ؟ فقال: أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم ما خلا جعفر بن محمد فانه أتيته وهو يصلي في مسجد الرسول فجلست خلفه وقلت: ينصرف فأذكر له ما ذكرت لاصحابه، فعجل وانصرف، فالتفت إلي فقال: يا هذا اتق الله ولا تغر أهل بيت محمد وقل لصاحبك: اتق الله ولا تغر أهل بيت محمد فانهم قريب العهد بدولة بني مروان وكلهم محتاج، فقلت: وما ذاك أصلحك الله ! فقال ادن منى فدنوت فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتى كأنه كان ثالثنا فقال له: يا ابن مهاجر اعلم انه ليس من أهل بيت نبوة إلا محدث وان جعفر بن محمد محدثنا اليوم. فكانت هذه الدلالة حتى قلنا بهذه المقالة. عمار السجستاني قال: دخل عبد الله النجاشي على الصادق وكان زيديا متقطعا إلى عبد الله بن الحسن فقال له أبو عبد الله (ع): ما دعاك إلى ما صنعت أتذكر يوما مررت على باب قوم فسال عليك ميزاب من الدار فقلت: انه قذر فطرحت نفسك في النهر بثيابك وعليك منشفة فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك ويصيحون عليك ؟ قال: فلما خرجنا قال: يا عمار هذا صاحبي لا غيره. عبد الله النجاشي قال: أصاب جبة فرو من نضح بول شككت فيه فغمزتها في ماء في ليلة باردة، فلما دخلت على أبي عبد الله ابتدأني فقال: ان البول إذا غسلته بالماء فسد الفراء مهزم قال: وقع بيني وبين امي كلام فأغلظت لها، فلما كان من الغد صليت الغداة وأتيت أبا عبد الله فدخلت عليه فقال لي مبتدءا: يا مهزم مالك ولخالدة أغلظت لها البارحة ؟ أما علمت ان بطنها منزلا قد سكنته وان حجرها مهدا قد اغترته وان ثديها وعاء قد شربته ؟ قلت: بلى، قال: فلا تغلظ لها. الحارث بن حصيرة الازدي قال: قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا


[ 349 ]

الناس إلى ولاية الصادق ففرقة أطاعت وأجابت، وفرقة جحدت وأنكرت، وفرقة تورعت ووقفت. قال: فخرج من كل فرقة رجل فدخلوا على الصادق فقال أحدهم: أصلحك الله قدم علينا رجل من أهل الكوفة فدعا الناس إلى ولايتك وطاعتك فأجاب قوم وتورع قوم، فقال له: من أي الثلاثة أنت ؟ قال: أنا من الفرقة التي ورعوا قال: وأين ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ! – يعرض به انه كان مع بعض القوم جارية فخلا بها ووقع عليها -، قال: فسكت الرجل. عبد الرحمن بن كثير في خبر طويل: ان رجلا دخل المدينة يسأل عن الامام فدلوه على عبد الله بن الحسن فسأله هنيئة ثم خرج فدلوه على جعفر بن محمد (ع) فقصده، فلما نظر إليه جعفر قال: يا هذا انك كنت مغرى فدخلت مدينتنا هذه تسأل عن الامام فاستقبلك فئة من ولد الحسن فأرشدوك إلى عبد الله بن الحسن فسألته هنيئة ثم خرجت فان شئت أخبرتك عما سألته وما رد عليك ثم استقبلك من ولد الحسين فقالوا لك: يا هذا ان رأيت أن تلقى جعفر بن محمد فافعل، فقال: صدقت قد كان كما ذكرت، فقال له: ارجع إلى عبد الله بن الحسن فاسأله عن درع رسول الله وعمامته فذهب الرجل فسأله عن درع رسول الله والعمامة فأخذ درعا من كندوج له فلبسها فإذا هي سابغة فقال: كذا كان رسول الله يلبس الدرع، فرجع إلى الصادق فأخبره فقال: ما صدق، ثم أخرج خاتما فضرب به الارض فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم فلبس أبو عبد الله الدرع فإذا هي إلى نصف ساقه ثم تعمم بالعمامة فإذا هي سابغة فنزعها ثم ردهما في الفص، ثم قال: هكذا كان رسول الله يلبسها ان هذا ليس مما غزل في الارض ان خزانة الله في كن وان خزانة الامام في خاتمه وان الله عنده في الدنيا كسكرجة وانها عند الامام كصحيفة فلو لم يكن الامر هكذا لمن نكن أئمة وكنا كسائر الناس. أبو بصير قال: دخلت على أبي عبد الله فقال: يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي ؟ قلت: خلفته صالحا، قال: إذا رجعت إليه فاقرأه مني السلام واعلمه انه يموت يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا فكان كما قال. شهاب بن عبد ربه قال لي أبو عبد الله: كيف بك إذا نعاني اليك محمد بن سليمان قال: فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان من هو، فكنت يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان قال: فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان من هو، فكنت يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان وهو والي البصرة إذا ألقى إلي كتابا وقال لي: يا شهاب عظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد، قال: فذكرت الكلام فحنقتني العبرة.


[ 350 ]

محمد بن علاء، وسعد الاسكاف عن سعد قال: كنت عند أبي عبد الله ذات يوم إذ دخل عليه رجل من ولد الانصار من أهل الجبل بهدايا وألطاف وكان فيما اهدي إليه جراب فيه قديد وحش فنشره أبو عبد الله قدامه ثم قال: خذ هذا القديد فاطعمه الكلب، فقال الرجل: ولم ؟ فقال: ان القديد ليس بذكي، فقال الرجل: لقد اشتريته من رجل مسلم، قال: فرده أبو عبد الله في الجراب كما كان، ثم قال للرجل: قم فادخله البيت فضعه في زاوية البيت، ففعل، وقد تكلم أبو عبد الله بكلام لا أعرفه ولا أدري ما هو فسمع الرجل القديد وهو يقول: يا عبد الله ليس مثلي يأكله الامام ولا أولاد الانبياء انى لست بذكي، فحمل الرجل الجراب حتى مر على كلب فألقاه إليه فأكله الكلب. أخطل الكاهلي قال أبو عبد الله لقرابتي: يا عبد الله بن يحيى الكاهلي إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل له عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة ومحمد وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة أمير المؤمنين وعزيمة الائمة من بعده فانه ينصرف عنك، قال عبد الله الكاهلي: فقدمت الكوفة فخرجت مع ابن عم لي إلى بعض القرى فإذا سبع قد اعترض لنا في بعض الطريق فقرأت في وجهه ما أمرني به أبو عبد الله ثم قلت: إلا تنحيت عن طريقنا ولا تؤذينا فانا لا تؤذيك، قال: فنظرت إليه وقد طأطأ رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه وتنكب الطريق راجعا من حيث جاء، فقال ابن عمي: ما سمعت كلاما أحسن من كلامك هذا الذي سمعته منك، فقلت: أي شئ سمعت ؟ هذا كلام جعفر بن محمد، فقال: أنا أشهد ان جعفر بن محمد إمام فرض الله طاعته. سيف بن عميرة عن ابى اسامة الشحام قال: قال لي أبو عبد الله: يا زيد كم أتى عليك من سنة ؟ قلت: كذا وكذا، قال: يا أبا اسامة جدد عبادة وأحدث توبة، فبكيت، فقال لي: ما يبكيك ياريد ؟ قلت: جعلت فداك نعيت إلي نفسي، فقال: يا أبا اسامة ابشر فانك معنا وأنت من شيعتنا، ثم قال بعد كلام: والله لكأني أنظر اليك والى الحارث بن المغيرة البصري في الجنة في درجة واحدة رفيقك فابشر. شعيب بن ميثم قال أبو عبد الله: يا شعيب احسن إلى نفسك وصل قرابتك وتعاهد اخوانك ولا تستبد بالشئ فتقول: ذا لنفسي وعيالي، ان الذي خلقهم هو الذي يرزقهم، فقلت: نعى والله إلي نفسي، فرجع شعيب، فو الله ما لبث إلا شهرا حتى مات صندل عن سورة بن كليب قال: قال أبو عبد الله: يا سورة كيف حججت العام قال: استقرضت حجتى والله انى لاعلم ان الله سيقضيها عني وما كان حجتي بعد المغفرة


[ 351 ]

إلا شوقا اليك والى حديثك، قال: اما حجتك فقد قضاها الله فأعطيكها من عندي، ثم رفع مصلى تحته فأخرج دنانير فعد عشرين دينارا فقال: هذه حجتك، وعد عشرين دينارا وقال: هذه معونة لك في حياتك حتى تموت، قلت: أخبرتني ان أجلي قد دنا، فقال: يا سورة أما ترضى أن تكون معنا ؟ فقال صندل: فما لبث إلا سبعة أشهر حتى مات ابن مسكان عن سليمان بن خالد في خبر طويل: انه دخل على الصادق أذنة وأذن لقوم من أهل البصرة فقال (ع): كم عدتهم ؟ فقال: لا أدري، فقال: اثنا عشر رجلا فلما دخلوا عليه سألوا عن حرب علي وطلحة والزبير وعائشة ؟ قال: وما تريدون بذلك ؟ قالوا: نريد أن نعلم علم ذلك، قال: إذا تكفرون يا أهل البصرة، فقال علي: كان مؤمنا منذ بعث الله نبيه إلى ان قبضه إليه لم يؤمر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله احدا قط ولم يكن في سرية قط إلا كان اميرها وذكر فيه ان طلحة والزبير بايعاه وغدرا به وان النبي أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقالوا: هذا عهدا من رسول الله لقد ضل القوم جميعا، فقال (ع): ألم أقل لكم انكم ستكفرون إن اخبرتكم أما انكم سترجعون إلى اصحابكم من اهل البصرة فتخبرونهم بما اخبرتكم فيكفرون اعظم من كفركم، فكان كما قال. حسين بن ابى العلاء قال: كنت جالسا عند ابي عبد الله إذ جاء رجل يشكو امرأته فقال: آتيني بها، فأتاه بها فقال: ما لزوجك يشكوك ؟ فقالت: فعل الله به وفعل، قال لها أبو عبد الله: أما انك إذا ثبت على هذا لم تعيشي إلا ثلاثة أيام فقالت والله ما ابالي ان لا أراه ابدا، فقال أبو عبد الله: خذ بيدها فليست تبيت في بيتك اكثر من ثلاثة ايام، فلما كان اليوم الثالث دخل علينا الرجل فقال له أبو عبد الله: ما فعلت زوجتك ؟ قال: والله دفنتها الساعة، فقلت: جعلت فداك ما كان حال هذه المرأة ؟ قال: كانت متعدية عليه فبتر الله له عمرها اراحه منها. أبو بصير قال موسى بن جعفر (ع): فيما اوصاني به أبي ان قال: يا بني إذا انا مت فلا يغسلني احد غيرك فان الامام لا يغسله إلا إمام واعلم ان عبد الله اخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه فان عمره قصير، فلما مضى غسلته كما امرني وادعى عبد الله الامامة مكانه، فكان كما قال ابي وما لبث عبد الله يسيرا حتى مات. وروى مثل ذلك الصادق (ع). وفي حديث علي انه قال الصادق: نعلم انك خلفت في منزلك ثلثمائة درهم وقلت: إذا رجعت اصرفها وابعث بها إلى محمد بن عبد الله الدعبلي، قال: والله ما تركت في بيتي شيئا إلا وقد اخبرتني به.


[ 352 ]

وقال سماعة بن مهران: دخلت على الصادق، فقال لي مبتدءا: يا سماعة ما هذا الذي بينك وبين جمالك في الطريق ؟ إياك ان تكون فاحشا أو صياحا، قال: والله لقد كان ذلك لانه ظلمني فنهاني عن مثل ذلك. معتب قال: قرع باب مولاي الصادق فخرجت فإذا زيد بن علي (ع)، فقال الصادق لجلسانه: ادخلوا هذا البيت وردوا الباب ولا يتكلم منكم احد، فلما دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلا يتشاوران ثم علا الكلام بينهما، فقال زيد: دع ذا عنك يا جعفر فو الله لئن لم تمد يدك حتى ابايعك أو هذه يدي فبايعني لا تعينك ولا كلفتك ما لا تطيق فقد تركت الجهاد واخلدت إلى الخفض وارخيت الستر واحتويت على مال الشرق والغرب، فقال الصادق: يرحمك الله يا عم يغفر لك الله يا عم وزيد يسمعه ويقول: موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب، ومضى، فتكلم الناس في ذلك، فقال: مه لا تقولوا لعمي زيد إلا خيرا رحم الله عمي فلو ظفر لوفى، فلما كان في السحر قرع الباب ففتحت له الباب فدخل يشهق ويبكي ويقول: أرحمني يا جعفر يرحمك الله ارض عني يا جعفر رضى الله عنك اغفر لي يا جعفر غفر الله لك، فقال الصادق: غفر الله لك ورحمك ورضى عنك، فما الخبر يا عم ؟ قال: نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله داخلا علي وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين وفاطمة خلفه وعلي أمامه وبيده حربة تلتهب التهابا كأنها نار وهو يقول: إيها يا زيد آذيت رسول الله في جعفر والله لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لارمينك بهذه الحربه فلاضعها بين كتفيك ثم لاخرجها من صدرك، فانتبهت فزعا مرعوبا فصرت اليك فارحمني يرحمك الله فقال رضى الله عنك وغفر الله لك أوصني فانك مقتول مصلوب محروق بالنار، فوصى زيد بعياله واولاده وقضاء الدين عنه. أبو بصير: سمعت ابا عبد الله يقول: وقد جرى ذكر المعلى بن خنيس فقال: يا أبا محمد اكتم علي ما اقول لك في المعلى، قلت: أفعل، فقال: اما انه ما كان ينال درجتنا الا بما كان ينال منه داود بن علي، قلت: وما الذي يصيبه من داود ؟ قال يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه وذلك من قابل، فلما كان من قابل ولى داود المدينة فدعا المعلى وسأله عن شيعة ابي عبد الله فكتمه، فقال: اتكتمني اما انك إن كتمتني قتلتك، فقال المعلى: بالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم وإن انت قتلتني لتسعدني ولتشقين، فلما اراد قتله قال المعلى:


[ 353 ]

اخرجني إلى الناس فان لي أشياء كثيرة حتى اشهد بذلك، فأخرجه إلى السوق، فلما اجتمع الناس قال: أيها الناس اشهدوا ان ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد فقتل. قال محمد بن محمد الاشعري القمي في نوادر الحكمة باسناده عن نباتة الاخمسي قال: دخلت على أبي عبد الله وأنا اريد ان اسأله عن صلاة الليل ونسيت فقلت: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال: أجل والله أنا ولده وما نحن بذي قرابة من أتى الله بالصلوات الخمس المفروضة لم يسئل عما سوى ذلك فاكتفيت بذلك. عروة بن موسى الجعفي قال (ع) يوما ونحن نتحدث: الساعة أنفقأت عين هشام في قبره، قلنا: ومتى مات ؟ قال: اليوم الثالث قال: فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك. ابن بابويه القمي في دلائل الائمة ومعجزاتهم، قال أبو بصير: دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت إلى الحمام فلقيت اصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى الصادق فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار معهم، فلما مثلت بين يدي أبي عبد الله نظر إلي ثم قال: يا أبا بصير أما علمت ان بيوت الانبياء واولاد الانبياء لا يدخلها الجنب ! فاستحييت وقلت يا ابن رسول الله اني لقيت اصحابنا وخفت ان يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها أبدا. وفي كتاب الدلالات عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، قال أبو بصير: اشتهيت دلالة الامام فدخلت على أبي عبد الله وأنا جنب فقال: يا أبا محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل على إمامك وأنت جنب ! فقلت: جعلت فداك ما عملته إلا عمدا، قال: أو لم تؤمن ؟ قلت: بلى ولكن ليطمئن قلبي، قال: فقم يا أبا محمد واغتسل مهزم قال: كنا نزولا بالمدينة وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني واني أتيت الباب فاستفتحت ففتحت الجارية فغمزت يدها، فلما كان من الغد دخلت على أبي عبد الله فقال: يا مهزم أين أقصى أثرك اليوم ؟ قلت: ما برحت المسجد، فقال: أما تعلم ان أمرنا هذا لا ينال إلا بالورع. في معرفة الرجال قال عمار الساباطي: دخل رجل على الصادق فقال: ما أقبح بالرجل أن يأتمنه رجل من اخوانه على حرمة من حرمه فيخونه بها. عبد الرحمن بن سالم عن ابيه قال: لما قدم أبو عبد الله (ع) إلى ابي جعفر فقال أبو حنيفة لنفر من اصحابه: انطلقوا بنا إلى إمام الرافضة نسأله عن أشياء نحيره فيها


[ 354 ]

فانطلقوا، فلما دخلوا إليه نظر إليه أبو عبد الله (ع) فقال: أسألك بالله يا نعمان لما صدقتني عن شئ أسألك عنه، هل قلت لاصحابك: مروا بنا إلى إمام الرافضة فنحيره فقال: قد كان ذلك، قال: فاسأل ما شئت، القصة. أبو العباس البقباق: قال نزار ابن أبي يعقوب والمعلى بن خنيس فقال ابن أبي يعقوب: الاوصياء علماء اتقياء ابرار، وقال ابن خنيس: الاوصياء أنبياء. قال: فدخلا على أبي عبد الله، فلما استقر مجلسهما قال (ع) أبرأ ممن قال انا انبياء. الشيخ المفيد باسناده عن داود بن كثير الرقي قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه: يا داود لقد عرضت على اعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عرض علي من عملك صلتك لابن عمك فلان فسرني ذلك اني علمت صلتك له اسرع لفناء عمره وقطع أجله. قال داود: وكان لي ابن عم ناصبيا معاندا بلغني عنه وعن عياله سوء حال فصككت له بنفقة قبل خروجي إلى مكة فلما صرت إلى المدينة اخبرني أبو عبد الله (ع) بذلك. سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد الله وقد اجتمع على مالي بيان فأحببت دفعه إليه وكنت حبست منه دينارا لكي أعلم اقاويل الناس فوضعت المال بين يديه فقال لي: يا سدير خنتنا ولم ترد بخيانتك إيانا قطيعتنا، قلت: جعلت فداك وما ذلك ؟ قال: اخذت شيئا من حقنا لتعلم كيف مذهبنا، قلت: صدقت جعلت فداك إنما اردت ان اعلم قول اصحابي فقال لي: أما علمت ان كل ما يحتاج إليه نعلمه وعندنا ذلك أما سمعت قول الله تعالى (وكل شئ احصيناه في امام مبين) اعلم ان علم الانبياء محفوظ في علمنا مجتمع عندنا وعلمنا من علم الانبياء فأين يذهب بك ؟ قلت: صدقت جعلت فداك. محمد بن محمد بن ابي حمزة في نوادر الحكمة باسناد له عن ابى بصير قال: دخلت شعيب العقرقوفي على ابى عبد الله ومعه صرة فيها دنانير فوضعها بين يديه فقال له أبو عبد الله: أزكاة أم صلة ؟ فسكت، ثم قال: لا حاجة لنا في الزكاة، قال فقبض قبضة فدفعها إليه، فلما خرجت قلت له: كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال: بقدر ما اعطاني والله لم تزد حبة ولم تنقص حبة. شعيب العقرقوفي قال: بعث معي رجل بألف درهم وقال: انى احب ان اعرف فضل ابى عبد الله على اهل بيته فقال: خذ خمسة دراهم مستوقة فاجعلها في الدراهم وخذ من الدراهم خمسة فصيرها في لبنة قميصك فانك ستعرف ذلك، قال: فأتيت بها ابا عبد الله


[ 355 ]

فنثرتها بين يديه فأخذ الخمسة فقال: خذ خمستك وهات خمستنا. ابراهيم بن عبد الحميد قال: خرجت إلى قبا لاشتري نخلا فلقيته (ع) وقد دخل المدينة فقال: أين تريد ؟ فقلت: لعلنا نشترى نخلا، فقال: أو أمنتم الجراد ؟ فقلت لا والله لا أشتري نخلة، فو الله ما لبثنا إلا خمسا حتى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملا ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة ان محمد بن عبد الله بن الحسن قال لابي عبد الله والله اني لاعلم منك وأسخى وأشجع، فقال له: أما ما قلت انك أعلم مني فقد أعتق جدي وجدك الف نسمة من كديده فسمهم لي وإن أحببت أن أسميهم لك إلى آدم فعلت، واما ما قلت انك أسخى مني فو الله ما بت ليلة ولله علي حق يطالبني به، واما ما قلت انك أشجع مني فكأني أرى رأسك وقد جئ به ووضع على حجر الزنانير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا. قال: فحكى ذلك لابيه، فقال: يا بني آجرني الله فيك ان جعفرا أخبرني انك صاحب حجر الزنابير. أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين، لما بويع محمد بن عبد الله بن الحسن على انه مهدي هذه الامة جاء ابوه عبد الله إلى الصادق (ع) وقد كان ينهاه وزعم انه يحسده فضرب الصادق يده على كتف عبد الله وقال: إيها والله ماهي اليك ولا إلى ابنك وإنما هي لهذا – يعني السفاح – ثم لهذا – يعني المنصور – يقتله على أحجار الزيت ثم يقتل اخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء، فتبعه المنصور فقال: ما قلت يا أبا عبد الله فقال: ما سمعته وانه لكائن. قال: فحدثني من سمع المنصور انه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري فكان كما قال. وروي انه لما كبر المنصور أمر ابني عبد الله استطلع حالهما منه فقال الصادق (ع) ما يؤل إليه حالهما أتلو عليك آية فيها منتهى علمي وتلا (لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون). فخر المنصور ساجدا وقال: حسبك أبا عبد الله. ابن كادش العكبري في مقاتل العصابة العلوية كتابة، لما بلغ أبا مسلم موت ابراهيم الامام وجه بكتبه إلى الحجاز إلى جعفر بن محمد و عبد الله بن الحسن ومحمد بن علي ابن الحسين يدعو كل واحد منهم إلى الخلافة فبدأ بجعفر فلما قرأ الكتاب أحرقه وقال هذا الجواب، فأتى عبد الله الحسن فلما قرأ الكتاب قال: أنا شيخ ولكن ابني محمدا مهدي هذه الامة، فركب واتى جعفرا فخرج إليه ووضع يده على عنق حماره وقال يا أبا محمد ما جاء بك في هذه الساعة ؟ فأخبره، فقال: لا تفعلوا فان الامر لم يأت بعد،


[ 356 ]

فغضب عبد الله بن الحسن وقال: لقد علمت خلاف ما تقول ولكنه يحملك على ذلك الحسد لابنى، فقال: لا والله ما ذلك يحملنى ولكن هذا واخوته وابناؤه دونك. وضرب بيده على ظهر ابي العباس السفاح، ثم نهض فاتبعه عبد الصمد بن علي وابو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فقالا له: أتقول ذلك ؟ قال: نعم والله اقول ذلك واعلمه. زكار بن ابي زكار الواسطي قال: قبل رجل رأس ابي عبد الله فمس أبو عبد الله ثيابه وقال: ما رأيت كاليوم اشد بياضا ولا احسن منها، فقال: جعلت فداك هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه، قال فقال: يا معتب اقبضها منه، ثم خرج الرجل، فقال أبو عبد الله صدق الوصف وقرب الوقت هذا صاحب رايات السود الذي يأتي بها من خراسان ثم قال يا معتب الحقه فسله ما اسمه، ثم قال: ان كان عبد الرحمن فهو والله هو، قال: فرجع معتب فقال قال: اسمي عبد الرحمن. قال فلما ولى ولد العباس نظرت إليه فإذا هو عبد الرحمن أبو مسلم. وفي رامش افزاي ان أبا مسلم الخلال وزير آل محمد عرض الخلافة على الصادق قبل وصول الجند إليه فأبى واخبره ان ابراهيم الامام لا يصل من الشام إلى العراق وهذا الامر لاخويه الاصغر ثم الاكبر ويبقى في اولاد الاكبر وان ابا مسلم بقى بلا مقصود، فلما اقبلت الرايات كتب ايضا بقوله واخبره ان سبعين الف مقاتل وصل الينا فننتظر أمرك، فقال: ان الجواب كما شافهتك فكان الامر كما ذكر فبقى ابراهيم الامام في حبس مروان وخطب باسم السفاح. وقرأت في بعض التواريخ لما اتى كتاب ابى مسلم الخلال إلى الصادق بالليل قرأه ثم وضعه على المصباح فحرقه فقال له الرسول وظن ان حرقه له تغطية وستر وصيانة للامر هل من جواب ؟ قال: الجواب ما قد رأيت. وقال أبو هريرة الابار صاحب الصادق (ع): ولما دعا الداعون مولاي لم يكن * ليثنى عليه عزمه بصواب ولما دعوه بالكتاب اجابهم * بحرق الكتاب دون رد جواب وما كان مولاي كمشري ضلالة * ولا ملبسا منها الردى بثواب ولكنه لله في الارض حجة * دليل إلى خير وحسن مآب * * * يا ضيعة الدين ما رأيت جنى * من معدن الوحي والرسالات


[ 357 ]

كلا ورب الحجيج ان لنا * ظهرا ولكننا نأبى الضلالات كيف نعق الورى وانفسنا * خلقن من انفس نقيات فصل: في استجابة دعواته عليه السلام روى الاعمش، والربيع، وابن سنان، وعلي بن حمزة، وحسين بن ابي العلاء وابو المعزا، وابو بصير ان داود بن علي بن عبد الله بن العباس لما قتل المعلى بن خنيس واخذ ماله قال الصادق (ع): قتلت مولاي واخذت مالي أما علمت ان الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب أما والله لادعون الله عليك، فقال له داود تهددنا بدعائك ؟ كالمستهزئ بقوله، فرجع أبو عبد الله إلى داره فلم يزل ليله كله قائما وقاعدا، فبعث إليه داود خمسة من الحرس وقال: ائتوني به فان أبي فائتوني برأسه، فدخلوا عليه وهو يصلي فقالوا له: أجب داود، قال: فان لم أجب ؟ قالوا امرنا بأمر، قال: فانصرفوا فانه خير لكم لدنياكم وآخرتكم، فأبوا إلا خروجه، فرفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته فسمعناه يقول: الساعة الساعة حتى سمعنا صراخا عاليا فقال لهم: ان صاحبكم قد مات فانصرفوا. فسئل فقال: بعث إلي ليضرب عنقي فدعوت عليه بالاسم الاعظم فبعث الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله. وفي رواية لبانة بنت عبد الله بن العباس: بات داود تلك الليلة حائرا قد اغمى عليه فقمت افتقده في الليل فوجدته مستلقيا على قفاه وثعبان قد انطوى على صدره وجعل فاه على فيه فأدخلت يدي في كمي فتناولته فعطف فاه إلي فرميت به فانساب في ناحيه البيت وانبهت داود فوجدته حائرا قد احمرت عيناه فكرهت ان اخبره بما كان وجزعت عليه ثم انصرفت فوجدت ذلك الثعبان كذلك ففعلت به مثل الذي في المرة الاولى وحركت داود فأصبته ميتا فما رفع جعفر رأسه من السجود حتى سمع الواعية. قال الربيع الحاجب: اخبرت الصادق بقول المنصور: لاقتلنك ولاقتلن اهلك حتى لا ابقى على الارض منكم قامة سوط ولاخرين المدينة حتى لا اترك فيها جدارا قائما فقال: لا ترع من كلامه ودعه في طغيانه. فلما صار بين السترين سمعت المنصور يقول: ادخلوه إلي سريعا، فأدخلته عليه فقال: مرحبا يابن العم النسيب وبالسيد القريب، ثم اخذ بيده وأجلسه على سريره واقبل عليه ثم قال: أتدري لم بعثت اليك ؟


[ 358 ]

فقال: وأتى لى علم بالغيب ؟ قال: ارسلت اليك لتفرق هذه الدنانير في اهلك وهي عشرة آلاف دينار، فقال: ولها غيري، فقال: اقسمت عليك يا ابا عبد الله لتفرقها على فقراء اهلك، ثم عانقه بيده واجازه وخلع عليه وقال: يا ربيع اصحبه قوما يردونه إلى المدينة، قال: فلما خرج أبو عبد الله قلت له: يا امير المؤمنين لقد كنت من اشد الناس عليه غيظا فما الذي ارضاك عنه ! قال: يا ربيع لما حضرت الباب رأيت تنينا عظيما يقرض انيابه وهو يقول بالسنة الآدميين: إن انت اشكت ابن رسول الله لافصلن لحمك من عظمك، فأفزعني ذلك وفعلت به ما رأيت. وفي الترهيب والترغيب عن ابي القاسم الاصفهاني، والعقد عن ابن عبد ربه الاندلسي ان المنصور قال لما رآه: قتلني الله إن لم اقتلك، فقال له: ان سليمان اعطي فشكر وان ايوب ابتلي فصبر وان يوسف ظلم فغفر وانت على إرث منهم واحق بمن تأسى بهم، فقال: إلي يا ابا عبد الله فأنت القرابة وذو الرحم الواشجة السليم الناحية القليل الغائلة، ثم صافحه بيمينه وعانقه بشماله وامر له بكسوة وجائزة. وفي خبر آخر عن الربيع انه اجلسه إلى جانبه فقال له ارفع حوائجك، فأخرج رقاعا لاقوام، فقال المنصور ارفع حوائجك في نفسك، فقال لا تدعوني حتى اجيبك فقال ما إلى ذلك من سبيل. اسحاق، واسماعيل، ويونس بنو عمار، انه استحال وجه يونس إلى البياض فنظر الصادق إلى جبهته فصلى ركعتين ثم حمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحمن يا رحمن يا رحيم يا رحيم يا ارحم الراحمين يا سميع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمد وعلى اهل بيته الطاهرين الطيبين واصرف عنى شر الدنيا وشر الآخرة واذهب عنى مابى فقد غاضنى ذلك واحزنني. قال فو الله ما خرجنا من المدينة حتى تناثر عن وجهه مثل النخالة وذهب. قال الحكيم بن مسكين ورايت البياض بوجهه ثم انصرف وليس في وجهه شئ. امالي الطوسي باسناده عن سدير الصيرفى قال جاءت امرأة إلى ابى عبد الله فقالت جعلت فداك ان ابى وامي واهل بيتي يتولونكم. فقال لها صدقت فما الذي تريدين ؟ قالت يا ابن رسول الله اصابني وضح في عضدي فادع الله لي ان يذهب به عنى، قال أبو عبد الله (ع) اللهم انك تبرئ الاكمه والابرص وتحيي العظام وهي رميم البسها عفوك وعافيتك ما ترى اثر اجابة دعائي. فقالت المرأة: والله قمت وما بي منه لا قليل ولا كثير.


[ 359 ]

معاوية بن وهب، صدع ابن لرجل من اهل مرو فشكا ذلك ابي عبد الله فقال: ادنه مني، قال: فمسح على رأسه ثم قال: ان الله يمسك السماوات والارض أن تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده فبرأ باذن الله. الكلوذاني في الامالي، وعمر الملا في الوسيلة، جاء في حديث الليث بن سعد: انه رأى رجلا جالسا على أبي قبيس وهو يقول: يا رب يا رب، حتى انقطع نفسه ثم قال: يا أرحم الراحمين، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا رباه يا رباه، حتى انقطع نفسه، ثم قال يا الله يا الله، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا حي يا حي، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا رحيم يا رحيم، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا أرحم الراحمين، حتى انقطع نفسه سبع مرات، ثم قال: اللهم اني أشتهى من هذا العنب فاطعمنيه اللهم وان بردي قد خلقا فاكسني. قال الليث: فو الله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على وجه الارض يومئذ عنبة وبردين مصبوغين فقربت منه وأكلت معه ولبس البردين ثم نزلنا فلقى فقيرا فأعطاه برديه الخلقين، ثم انصرف، فسألت عنه فقيل: هذا جعفر الصادق (ع). هشام بن الحكم قال: كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق في حجة كل سنة فينزله أبو عبد الله (ع) في دار من دوره في المدينة وطال حجه ونزوله فأعطى أبا عبد الله عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا وخرج إلى الحج، فلما انصرف قال: جعلت فداك اشتريت لي الدار ؟ قال: نعم، وأتى بصك فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى جعفر بن محمد الفلان بن فلان الجبلي له دار في الفردوس حدها الاول رسول الله والحد الثاني أمير المؤمنين والحد الثالث الحسن بن علي والحد الرابع الحسين ابن علي، فلما قرأ الرجل ذلك قال: قد رضيت جعلني الله فداك. قال فقال أبو عبد الله اني أخذت ذلك المال ففرقته في ولد الحسن والحسين وأرجو أن يتقبل الله ذلك ويثيبك به الجنة. قال: فانصرف الرجل إلى منزله وكان الصك معه ثم اعتل علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهله وحلفهم أن يجعلوا الصك معه ففعلوا ذلك، فلما أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصك على ظهر القبر مكتوب عليه: وفي ولي الله جعفر بن محمد. وقرأت في شوف العروس عن أبي عبد الله الدامغاني انه سمع ليلة المعراج من بطنان العرش يقول: من يشتري قبة في الخلد ثابتة * في ظل طوبى رفيعات مبانيها


[ 360 ]

دلالها المصطفى والله بايعها * ممن أراد وجبريل مناديها يحيى بن ابراهيم بن مهاجر قال: قلت لابي عبد الله: فلان يقرأ عليك السلام وفلان وفلان، فقال: وعليهم السلام، قلت: يسألونك الدعاء، فقال: مالهم ؟ قلت: حبسهم أبو جعفر المنصور، فقال: وما لهم وماله ؟ قلت: استعملهم فحبسهم، فقال وما لهم وماله ؟ ألم أنههم ألم أنههم هم النار هم النار، ثم قال: اللهم اخدع عنهم سلطانه قال: فانصرفنا فإذا هم قد اخرجوا. وفي الدلالات حنان قال: حبس أبو جعفر عبد الحميد في المضيق زمانا، وكان صديقا لمحمد بن عبد الله، ثم انه وافى الموسم، فلما كان يوم عرفة لقيه الصادق في الموقف فقال لمحمد بن عبد الله: يا محمد ما فعل صديقك عبد الحميد ؟ قال: أخذه أبو جعفر فحبس في المضيق زمانا، قال: فرفع الصادق يده ساعة ثم التفت إلى محمد بن عبد الله وقال: يا محمد بن عبد الله قد والله خلى سبيلك خليلك، قال محمد: فسألت عبد الحميد أي ساعة خلاك أبو جعفر ؟ قال: يوم عرفة بعد صلاة العصر. وبلغ الصادق (ع) قول الحكيم بن العباس الكلبي: صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب وقستم بعثمان عليا سفاهة * وعثمان خير من علي واطيب فرفع الصادق يده إلى السماء وهما يرعشان فقال: اللهم ان كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك، فبعثه بنو امية إلى الكوفة فبينما هو يدور في سككها إذ افترسه الاسد واتصل خبره بجعفر فخر لله ساجدا ثم قال: الحمد لله الذي أنجزنا وعدنا. قال الحسن بن محمد بن المتجعفر: فأنت السلالة من هاشم * وأنت المهذب والاطهر ومن جده في العلى شامخ * ومن فخره الاعظم الافخر ومن أهله خير هذا الورى * ومن لهم البيت والمنبر ومن لهم الزمزم والصفا * ومن لهم الركن والمشعر ومن شرعوا الدين في العالمين * فأنوارهم أبدا تزهر ومن لهم الحوض يوم المقام * ومن لهم النشر والمحشر وأنتم كنوز لاشياعكم * وانكم الصفو والجوهر وانكم الغرر الطاهرون * وانكم الذهب الاحمر وسيد أيامنا جعفر * وحسبك من سيد جعفر


[ 361 ]

فصل: في خرق العادات له عليه السلام سدير الصيرفى قال: كنت مع الصادق (ع) في عرفات فرأيت الحجيج وسعت الضجيج فتوسمت وقلت في نفسي: أترى هؤلاء كلهم على الضلال ؟ فناداني الصادق فقال: تأمل، فتأملتهم فإذا هم قردة وخنازير. قال ابن حماد: لم لم يسمعوا مقال سدير * وهو في قوله سديد رشيد كنت مع جعفر لدى عرفات * ولجمع الحجيج عج شديد فتوسمت ثم قلت ترى ض‍ * ل عن الله جمع هذا الجنود فانثنى سيدي علي وناداني * تأمل ترى الذي قد تريد فتأملتهم إذا هم خناز * ير بلا شك كلهم وقرود الحسين بن محمد قال: سخط علي بن هبيرة على رفيد فعاذ بأبي عبد الله فقال له: انصرف إليه واقرأه مني السلام وقل له: اني أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء، فقال: جعلت فداك شامي خبيث الرأي، فقال: اذهب إليه كما أقول لك، قال: فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي، فقال: أين تذهب ؟ انى أرى وجه مقتول ثم قال لي: اخرج يدك، ففعلت، فقال: يد مقتول، ثم قال لي: اخرج لسانك، ففعلت، فقال: امض فلا بأس عليك فان في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك فقال: فجئت فلما دخلت عليه أمر بقتلي فقلت: أيها الامير لم تظفر بى عنوة وإنما جئتك من ذات نفسي وههنا أمرا ذكره لك ثم أنت وشأنك فأمر من حضر فخرجوا فقلت له: مولاك جعفر بن محمد يقرؤك السلام ويقول لك: قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء، فقال: الله لقد قال لك جعفر هذه المقالة واقرأني السلام، فحلفت فردها علي ثلاثا ثم حل كتافي ثم قال: لا يقنعنى منك حتى تفعل بي ما فعلت بك، قلت: ما تكتف يدي يديك ولا تطيب نفسي، فقال: والله لا يقنعني إلا ذاك، ففعلت كما فعل واطلقته فناولني خاتمه وقال: أمري في يدك فدبر فيها ما شئت التمس محمد بن سعيد من الصادق رقعة إلى محمد بن أبي الثمال في تأخير خراجه فقال (ع) قال له: سمعت جعفر بن محمد يقول: من أكرم لنا مواليا فبكرامة الله بدار ومن أهانه فلسخط الله تعرض ومن احسن إلى شيعتنا فقد احسن إلى امير المؤمنين ومن احسن إلى امير المؤمنين فقد احسن إلى رسول الله ومن احسن إلى رسول الله فقد احسن إلى الله ومن احسن إلى الله كان والله معنا في الرفيع الاعلى. قال: فأتيته وذكرته


[ 362 ]

فقال: بالله سمعت هذا الحديث من الصادق ؟ فقلت: نعم، فقال: اجلس، ثم قال يا غلام ما على محمد بن سعيد، من الخراج ؟ قال: ستون الف درهم، قال: امح اسمه من الديوان، واعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها، قال: فأتيت أبا عبد الله فلما نظر إلي تبسم فقال: يا ابا محمد تحدثني أو احدثك ؟ فقلت: يا ابن رسول الله منك احسن فحدثني والله الحديث كأنه حضر معي. وأنبأني الطبرسي في اعلام الورى قال الشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله: خرج العطاء ايام ابى جعفر وما لي شفيع فبقيت على الباب متحيرا وإذا أنا بجعفر الصادق فقمت إليه فقلت له: جعلني الله فداك انا مولاك الشقران فرحب بى وذكرت له حاجتي فنزل ودخل وخرج واعطاني من كمه فصبه في كمي ثم قال: يا شقران ان الحسن من كل احد حسن وانه منك احسن لمكانك منا وان القبيح من كل احد قبيح وانه منك اقبح، وعظه على جهة التعريض لانه كان يشرب. محمد بن الفيض عن ابي عبد الله (ع) قال أبو جعفر الدوانيق للصادق: تدري ما هذا ؟ قال: وما هو ؟ قال: جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد فهو جد للبياض يكون في العين يكحل به فيذهب باذن الله، قال: نعم اعرفه وان شئت اخبرتك باسمه وحاله هذا جبل كان عليه نبي من انبياء بني اسرائيل هاربا من قومه فعبد الله عليه فعلم قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي وهذه القطرات من بكائه له ومن الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ولا يوصل إلى تلك العين المفضل بن عمر قال: وجه المنصور إلى حسن بن زيد وهو واليه على الحرمين ان احرق على جعفر بن محمد داره فألقى النار في دار ابى عبد الله فأخذت النار في الباب والدهليز فخرج أبو عبد الله يتخطى النار ويمشي فيها ويقول: انا ابن أعراق الثرى انا ابن ابراهيم خليل الله. مهزم عن ابى بردة قالت: دخلت على ابي عبد الله قال: ما فعل زيد ؟ قلت: صلب في كناسة بني اسد فبكى حتى بكى النساء من خلف الستور ثم قال: أما والله لقد بقى لهم عنده طلبة ما أخذوها منه فكنت أتفكر في قوله حتى رأيت جماعة قد أنزلوه يريدون ان يحرقوه فقلت هذه الطلبة التي قال لي. حدث ابراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقي قال كنت عند سيدي الصادق (ع) إذ دخل سهل بن حسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الامامة ما الذي يمنعك ان يكون لك حق تقعد عنه


[ 363 ]

وأنت تجد من شيعتك مائة الف يضربون بين يديك بالسيف فقال له (ع): اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنفية اسجري التنور فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: يا خراساني قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق: الق النعل من يدك واجلس في التور. قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الامام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التور. قال: فقمت إليه فرأيته متربعا فخرج الينا وسلم علينا، فقال له الامام: كم تجد بخراسان مثل هذا ؟ فقلت: والله ولا واحدا فقال (ع): لا والله ولا واحدا اما انا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا نحن أعلم بالوقت. وحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد الديلمي البصري عن محمد بن كثير الكوفي قال: كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلا بلعنهما فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شئ أحمر شبه الخلوق فنزل إلى البيت المحيط برسول الله صلى الله عليه وآله ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثم ردهما إلى الضريح وعاد مرتفعا فسألت من حولي: من هذا الطائر وما هذا الخلوق ؟ فقال: هذا ملك يجئ في كل ليلة جمعة يخلقهما فأزعجني ما رأيت فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما فدخلت على الصادق فلما رآني ضحك وقال: رأيت الطائر ؟ فقلت: نعم يا سيدي، فقال: اقرأ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا باذن الله، فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها والله ما هو ملك موكل بهما لاكرامهما بل هو موكل بمشارق الارض ومغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لانهما سبب كل ظلم مذكانا وحدثني عمر بن حمزة العلوي الكوفي بالاسناد عن محمد بن ميمون الهلالي قال: مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد (ع) ثلاثة أيام فما كان لي فيه حيلة لكثرة الناس فحيث كان اليوم الرابع رآني فأدناني وتفرق الناس عنه ومضى يريد قبر أمير المؤمنين فتبعته فكنت أسمع كلامه وأنا معه أمشي فحيث صار في بعض الطريق غمزه البول فتنحى عن الطريق فحفر الرمل وبال ونبش الرمل فحفر فخرج ماء فتطهر للصلاة فقام فصلى ركعتين وكان مما سمعته يدعو ويقول: اللهم لا تجعلني ممن تقدم فمرق ولا ممن تخلف فمحق واجعلني من النمط الاوسط.


[ 364 ]

محمد بن سنان عن المفضل بن عمر: ان المنصور قد كان هم بقتل أبي عبد الله (ع) غير مرة فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله غير انه منع الناس عنه ومنعه من القعود للناس واستقصى عليه أشد الاستقصاء حتى انه كان يقع لاحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم ولا يصلون إليه فيعنزل الرجل وأهله فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم حق القي الله عزوجل في روع المنصور أن يسأل الصادق ليتحفه بشئ من عنده لا يكون لاحد مثله فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي (ص طولها ذراع ففرح بها فرحا شديدا وأمر أن تشق له أربعة أرباع وقسمها في أربعة مواضع، ثم قال له: ما جزاؤك عندي إلا أن أطلق لك وتفشي عملك لشيعتك ولا أتعرض لك ولا لهم فاقعد غير محتشم وأفت الناس ولا تكن في بلد أنا فيه. ففشى العلم عن الصادق وأجاز في المنتهى. الحسن الجرجاني في بصائر الدرجات بثلاثة طرق: انه دخل رجل على الصادق فلمزه رجل من أصحابنا فقال الصادق وأخذ على شيبته: إن كنت لا أعرف الرجال إلا بما ابلغ عنهم فبئست الشيبة شيبتي. وفيه قال سليم بن خالد: بينما نحن مع الصادق إذ هو بظبي يقتحب ويحرك ذنبه فقال له أبو عبد الله (ع): أفعل انشاء الله. ثم أقبل علينا فقال: هل علمتم ما قال الظبي ؟ قلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: انه أتاني وأخبرني ان بعض أهل المدينة نصب شبكة لانثاه فأخذها وله خشفان لم ينهضا ولم يقويا للرعي فسألني أن أسألهم أن يطلقوها وضمن لي انها إذا ارتضعت خشفيهما حتى يقويا على النهوض والرعي أن يردها عليهم فاستحلفته على ذلك فقال: برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف وأنا فاعل به انشاء الله تعالى، فقال له أبو عبد الله البلخي: هذه سنة فيكم كسنة سليمان، فسكت (ع). موسى بن سعيد عن أبيه عن أبي بصير قال: اشتقت إلى رؤية الصادق فقال لي يا أبا محمد تريد أن تراني ؟ فقلت: نعم. فمسح بيده على عيني فرأيته، ثم مسح على عيني فإذا أنا كما كنت. قال أبو الصباح الكنانى: قلت لابي عبد الله: ان لنا جارا من همدان يقال له الجعد بن عبد الله يسب أمير المؤمنين أفتأذن لي أن أقتله ؟ قال: ان الاسلام قيد الفتك ولكن دعه فستكفى بغيرك. قال: فانصرفت إلى الكوفة فصليت الفجر في المسجد وإذا أنا بقائل يقول: قتل الجعد بن عبد الله على فراشه مثل الزق المنفوخ


[ 365 ]

ميتا فذهبوا يحملونه إذا لحمه سقط عن عظمه فجمعوه على نطع وإذا تحته أسود فدفنوه بصائر الدرجات عن سعد القمي قال أبو الفضل بن دكين: حدثني محمد بن راشد عن أبيه عن جده قال: سألت جعفر بن محمد علامة، فقال: سلني ما شئت اخبرك انشاء الله، فقلت: أخا لي بات في هذه المقابر فتأمره أن يجيئني، قال: فما كان اسمه ؟ قلت: أحمد، قال: يا أحمد قم باذن الله وباذن جعفر بن محمد، فقام والله وهو يقول: أتيته. وفيه عن داود الرقي قال: حج رجل من اصحابنا فدخل على أبي عبد الله فقال له: فداك أبى وأمي ان أهلي توفيت وبقيت وحيدا، فقال أبو عبد الله: أفكنت تحبها ؟ قال: نعم، فقال: ارجع إلى منزلك فانها سترجع إلى المنزل وترجع أنت وهي جالسة باذن الله تعالى. قال: فلما رجعت من حجتي دخلت المنزل فوجدتها قاعدة تأكل وبين يديها طبق عليه تمر وزبيب. وفيه عن جميل بن دراج قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخلت على امرأة فذكرت انها تركت ابنها ميتا مسجى بالملحفة فقال لها: لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك واغتسلي وصلي ركعتين وادعي الله وقولي: يا من وبه لي ولم يك شيئا جدد لي هبته، ثم حركيه ولا تخبري بذلك أحدا فجاءت فحركته فإذا هو قد بكى. علي بن ابي حمزة قال: كان لي صديق من كبار بني امية فقال لي: استأذن لي على ابى عبد الله، فاستأذنت له فلما دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك انى كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد الله: لولا ان بنى امية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في ايديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في ايديهم، فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي من مخرج منه ؟ قال: إن قلت لك تفعل ؟ قال: أفعل، قال: اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله الجنة، قال: فأطرق الفتى طويلا فقال: قد فعلت جعلت فداك. قال ابن ابى حمزة فرجع الفتى إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الارض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه قال فقسمنا له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا له ينفقة، قال: فما أتى عليه أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده، قال: فدخلت عليه يوما وهو في السياق ففتح عينيه، ثم قال: يا علي وفي والله صاحبك. قال: ثم مات فولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله


[ 366 ]

فلما نظر إلي قال: يا علي وفينا لصاحبك، قال فقلت: صدقت جعلت فداك هكذا قال لي والله عند موته. سليمان بن خالد قال: خرجنا مع ابي عبد الله فانتهينا إلى نخلة خاوية فقال أبو عبد الله أيتها النخلة السامعة المطيعة لربها اطعمينا مما جعل الله فيك فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه فأكلنا حتنى تضلعنا فقال أبو عبد الله البلخي: سنة فيكم كسنة مريم، فقال: نعم يا أبا عبد الله. داود الرقي قال: خرج أخوان لي يريدان المزار فعطش احدهما عطشا شديدا حتى سقط من الحمار وسقط الآخر في يده فقام فصلى ودعا الله ومحمد وأمير المؤمنين والائمة كان يدعو واحدا بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمد فلم يزل يدعوه ويلوذ به فإذا هو برجل قد قام عليه وهو يقول: يا هذا ما قصتك ؟ فذكر له حاله فناوله قطعة عود وقال: ضع هذا بين شفتيه، ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه واستوى جالسا ولا عطش به فمضى حتى زار القبر، فلما انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدعاء المدينة فدخل على الصادق (ع) فقال له: اجلس ما حال أخيك ؟ أين العود ؟ فقال: يا سيدي انى لما اصبت بأخي اغتممت غما شديدا فلما رد الله عليه روحه نسيت العود من الفرح، فقال الصادق: أما انه ساعة صرت إلى غم أخيك أتاني أخي الخضر فبعثت اليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى ثم التفت إلى خادم له فقال له: علي بالسفط، فأتى به ففتحه واخرج منه القطعة العود بعينها ثم أراها إياه حتى عرفها ثم ردها إلى السفط. داود النيلي قال: خرجت مع ابي عبد الله إلى الحج فلما كان أوان الظهر قال لي يا داود اعدل بنا عن الطريق حتى نأخذ اهبة الصلاة فقلت: جعلت فداك أو لسنا نحن في ارض قفر لا ماء فيها ؟ فقال لي: ما أنت وذاك ! قال: فسكت وعدلنا عن الطريق فنزلنا في ارض قفر لا ماء فيها فركضها برجله فنبع لنا عين ماء يسيب كأنه قطع الثلج فتوضأ وتوضيت، ثم أدينا ما علينا من الفرض، فلما هممنا بالمسير التفت فإذا بجذع نخل فقال لي: يا داود أتحب ان اطعمك منه رطبا ؟ فقلت: نعم، قال: فضرب بيده إلى الجذع فهزه فاحضره من اسفله إلى اعلاه. قال: ثم اجتذبه الثانية فأطعمنا اثنين وثلاثين نوعا من انواع الرطب، ثم مسح بيده عليه فقال: عد نخلا باذن الله تعالى قال: فعاد كسيرته الاولى. أمالي ابي الفضل قال أبو حازم عبد الغفار بن الحسن قدم ابراهيم بن أدهم الكوفة


[ 367 ]

وانا معه وذلك على عهد المنصور وقدمها جعفر بن محمد العلوي فخرج جعفر يريد الرجوع إلى المدينة فشيعه العلماء واهل الفضل من اهل الكوفة وكان فيمن شيعة سفيان الثوري وابراهيم بن أدهم فتقدم المشيعون له فإذا هم بأسد على الطريق فقال لهم ابراهيم ابن أدهم: قفوا حتى يأتي جعفر فننظر ما يصنع، فجاء جعفر (ع) فذكروا له الاسد فأقبل حتى دنا من الاسد فأخذ باذنه فنحاه عن الطريق، ثم اقبل عليهم فقال: أما ان الناس لو اطاعوا الله حق طاعته لحملوا عليه اثقالهم. وفي خبر الربيع انه قال المنصور: يا ابا عبد الله انك تعلم الغيب، قال: ومن اخبرك بهذا ؟ قال: هذا الشيخ، قال أفحلفه يا امير المؤمنين، قال: نعم. فلما بدأ باليمين قال قل: برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتى. وفي رواية: قل ابرأ إلى الله من حوله وقوته وألجأ إلى حولي وقوتى إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول فما أتم الكلام حتى دلع لسانه ومات من وقته. فقال المنصور: ما هذا اليمين ؟ قال جعفر (ع) حدثني ابى عن ابيه عن جده عن امير المؤمنين (ع) ان العبد إذا حلف باليمين الذي ينزه الله فيها وهو كاذب امتنع الله من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله ثم نهض جعفر، فقال المنصور: ويلك يا ربيع اكتمها عن الناس لا يفتنون. وروي في المعجزات انه استؤذن عليه لوافد ملك الهند ميزان فأبى فبقى سنة محجوبا فشفع فيه محمد بن سليمان الشيباني واخوه يزيد، فأمر الصادق بطي الحصر فلما دخل ميزان الهندي برك على ركبتيه وقال: أصلح الله الامام حجبتني سنة أهكذا افعال اولاد الانبياء ؟ فأطرق (ع) رأسه ثم رفعه وقال: فلتعلمن نبأه بعد حين، ثم قرأ الكتاب فإذا فيه: اما بعد فقد هدانا الله على يديك وجعلنا من مواليك وقد وجهنا نحوك بجارية ذات حسن وجمال وخطر وبصر مع شئ من الطيب والحلل والحلي على يدي اميني. فقال له الامام: ارجع يا خائن إلى من بعثك بهداياه، قال: أبعد سنة هذا جوابي، قال: هذا جوابك عندي. قال: ولم قال لخيانتك ؟ ثم أمر بفروته ان تبسط على الارض ثم صلى ركعتين وسجد وقال في سجوده: اللهم اني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك ان تصلي على محمد عبدك ورسولك وامينك في خلقك وان تنطق فروة هذا الهندي بفعله بلسان عربي مبين ثم رفع رأسه وقال: ايها الفرو الطائع لرب العالمين تكلم بما تعلم من هذا الهندي وصف لنا ما جنى. قال: فانبسطت حتى ضاق عليها المكان ثم قلصت حتى صارت كشاة ثم قالت: يا ابن رسول الله ان الملك ليستأمنه عليها وكان امينا حتى مطر عليهم وابتل ثيابهم فأنفذ خدامه إلى


[ 368 ]

شراء شئ لينشف الثياب فخرجت الجارية مكشوفة ساقيها فهواها ومازال يكايدها حتى باضعها علي فأسألك ان تجيرني من النار من فساد هذا الزاني. فجعل ميزان يرتعد ويستعفي، فقال: لا يعفو عنك إلا ان تقر بما جنيت، فأقر بجميع ذلك فأمره ان يلبس الفروة فلما لبسها حنق عليه حتى اسود عنقه فأمرها (ع) ان تخلي عنه ثم أمره ان يردها إلى صاحبها، فلما ردها إليه خوفها الملك فذكرت له ما كان من الفروة فضرب عنق ميزان. وفي كتاب الدلالات بثلاثة طرق على الحسين بن ابي العلاء وعلي بن حمزة، وابي بصير قالوا: دخل رجل من اهل خراسان على ابي عبد الله (ع) فقال له: جعلت فداك فلان بن فلان بعث معي بجارية وامرني ان ادفعها ا ليك، قال: لا حاجة لي فيها وانا اهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا، فقال له الرجل: والله جعلك فداك لقد اخبرني انها مولدة بيته وانها ربيبته في حجرته، قال: انها قد فسدت عليه، قال: لا علم لي بهذا، فقال أبو عبد الله: ولكني اعلم ان هذا هكذا. علي بن اسماعيل عن اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد الله: ان لنا اموالا ونحن نعامل الناس واخاف ان حدث حدث ان تفرق اموالنا، قال فقال: اجمع اموالك في كل شهر ربيع فمات اسحاق في شهر ربيع. الكافي ان شاميا سأله مناظرة اصحابه، فقال أبو عبد الله: كلامك هذا من كلام رسول الله أو من عندك ؟ فقال: من كليهما، فقال: فأنت شريك رسول الله يا يونس هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم. وأمر بادخال بعض المتكلمين، فادخل حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان الاحول، وهشام بن سالم، وقيس الماصر، فاخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فاقا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة، فإذا هشام بن الحكم قد ورد فقال لحمران: كلم الرجل فكلمه فظهر عليه ثم أمر الطاقي فكلمه فظهر عليه ثم أمر ابن سالم فكلمه فتعارفا ثم أمر قيسا فكلمه وأبو عبد الله يتبسم من كلامهم وقد استخذل الشامي في يده ثم قال: كلم هذا الغلام – يعني هشام ابن الحكم – فقال: يا غلام سلني في إمامة هذا، قال: أربك أنظر لخلقه أم هم ؟ فقال بل ربي أنظر لخلقه، قال: ففعل ينظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال الشامي: كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم وأزاح في ذلك عللهم، فقال هشام: فما الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي: هذا رسول الله، قال: فبعده من ؟ قال: الكتاب والسنة، قال: فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع عنا الاختلاف ويمكننا


[ 369 ]

من الانفاق ؟ قال: نعم، قال: فلم اختلفنا نحن وأنت ؟ وجئنا من الشام تخالفنا وتزعم ان الرأي طريق الدين وأنت مقر بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين، فسكت الشامي متفكرا، فقال له الصادق (ع): مالك لا تتكلم ؟ قال: إن قلت اننا ما اختلفا كابرت وإن قلت ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لانهما يحتملان الوجوه ولكن لي عليه مثل ذلك، قال: سله تجده مليا، فقال الشامي لهشام: من أنظر للخلق ربهم أم انفسهم ؟ قال: بل ربهم، قال: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ؟ قال: في ابتداء الشريعة فرسول الله واما بعده فغيره قال: ومن غير النبي القائم مقامه في حجته ؟ قال هشام: في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال بل في وقتنا هذا، قال: هذا الجالس – يعني الصادق – الذي يخبرنا عن السماء وراثة عن أب عن جد قال: فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال: سله عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال، فقال أبو عبد الله: أنا أكفيك المسألة يا شامي اخبرك عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا ومر بك كذا. فأقبل الشامي يقول: صدقت والله، وحسن اعتقاده. عمر بن يزيد قال: دخل هشام بن الحكم – وكان جهميا – على ابي عبد الله ليناظره مرارا وكان لا يقدر على التفوه فسأله أبو عبد الله مسألة وهو يؤجله ثم رآه مرة اخرى بالحيرة فهاله منظر ابي عبد الله فبقى منسيا، ووقف أبو عبد الله مليا ينتظر ما يكلمه، فلما رأى حيرته ضرب بغلته وسار، فترك هشام مذهبه ودان بدين الحق. يونس بن ظبيان، والمفضل بن عمر، وابو سلمة السراج، والحسين بن ثوير قالوا كنا عند ابي عبد الله (ع) فقال: عندنا خزائن الارض ومفاتيحها ولو شئت أن أقول باحدى رجلي اخرجي ما فيك من الذهب لاخرجت، ثم قال باحدى رجليه فخطها في الارض خطا فانفجرت الارض ثم مال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر ثم قال: انظروا حسنا، فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها على بعض يتلالا. معرفة الرجال، عن ابي عمر الكشي قال عمار الساباطي لابي عبد الله: جعلت فداك أحب ان تخبرني باسم الله عزوجل الاعظم، فقال لي: انك لا تقوى على ذلك فلما الححت عليه قال: فمكانك إذا، ثم قام فدخل البيت هنيئة ثم صاح بى: ادخل، فدخلت، فقال لي: ما ذلك ؟ فقلت: اخبرني به جعلت فداك، قال: فوضع يده على الارض فنظرت إلى البيت يدور بي واخذني أمر عظيم كدت أهلك فصحت فقلت جعلت فداك حسبي لا اريد ذا.


[ 370 ]

عبد الله بن كثير عن الصادق في خبرهما: والله أول من ظلمنا حقنا وحملا الناس على رقابنا وجلسا مجلسا نحن أولى به منهما فلا غفر الله لهما ذلك الذنب كافران ومن يتولهما كافر – يعني عدوين له – وكان معنا في المجلس رجل من اهل خراسان يكنى بأبي عبد الله فتغير لون الخراساني لما ان ذكرهما فقال له الصادق: لعلك ورعت عن بعض ما قلنا ؟ قال: قد كان ذلك يا سيدي، قال: فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ حيث اعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها فلما عبرت النهر فجرت بها في اصل شجرة كذا وكذا ! قال: قد كان ذلك ولقد أتى على هذا الحديث اربعون سنة ولقد تبت إلى الله منه، قال: يتوب عليك إن شاء الله. داود الرقى: بلغ السيد الحميري انه ذكر عند الصادق فقال: السيد كافر، فأتاه وسأل: يا سيدي أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم ؟ قال: وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجة الدهر والزمان، ثم أخذ بيده وأدخله بيتا فإذا في البيت قبر فصلى ركعتين ثم ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته فقال له الصادق: من أنت ؟ قال: انا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية، فقال: فمن أنا ؟ فقال: جعفر بن محمد حجة الدهر والزمان، فخرج السيد يقول (تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا). عثمان بن عمر الكواء في خبر ان السيد قال له: اخرج إلى باب الدار تصادف غلاما نوبيا على بغلة شهباء معه حنوط وكفن يدفعها اليك، قال: فخرجت فإذا بالغلام الموصوف فلما رآني قال: يا عثمان ان سيدي جعفر بن محمد يقول لك ما آن ان ترجع عن كفرك وضلالك فان الله عزوجل اطلع عليك فرآك للسيد خادما فانتجبك فخذ في جهازك. الاغاني، قال عباد بن صهيب: كنت عند جعفر بن محمد فأتاه نعي السيد فدعا له وترحم عليه، فقال له رجل: يا ابن رسول الله وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة ؟ فقال (ع): حدثني ابي عن جدي ان محبي آل محمد لا يموتون إلا تائبين وقد تاب ورفع مصلى كان تحته فأخرج كتابا من السيد يعرفه انه قد تاب ويسأله الدعاء. وفي أخبار السيد انه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفية فغلبه عليه، فقال: تركت ابن خولة لا عن قلى * واني لكالكلف الوامق واني له حافظ في المغيب * أدين بما دان في الصادق هو الحبر حبر بني هاشم * ونور من الملك الرازق


[ 371 ]

به ينعش الله جمع العباد * ويجري البلاغة في الناطق أتاني برهانه معلنا * فدنت ولم أك كالمائق فمن صد بعد بيان الهدى * إلى حبتر وابي حامق فقال الطاقي احسنت الآن اتيت رشدك وبلغت أشدك وتبوأت من الخير موضعا ومن الجنة مقعدا، وأنشا السيد يقول تجعفرت باسم الله والله اكبر * وايقنت ان الله يعفو ويغفر ودنت بدين غير ما كنت دائنا * به ونهاني سيد الناس جعفر فقلت هب اني قد تهودت برهة * وإلا فديني دين من يتنصر فاني إلى الرحمن من ذاك تائب * واني قد أسلمت والله اكبر ولست بغال ما حييت وراجع * إلى ما عليه كنت اخفي واظهر وأنشد: أيا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يطوى بها كل سبسب إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقلت ولي الله وابن المهذب ألا يا امين الله وابن وليه * أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي اليك من الذنب الذي كنت مبطنا * اجاهد فيه دائبا كل مغرب واشهد ربي ان قولك حجة * على الناس طرا من مطيع ومذنب بذاك أدين الله سرا وجهرة * ولست وان عوتبت فيه بمعتب وانشد فيه: أمدح أبا عبد الاله * فتى البرية في احتماله سبط النبي محمد * حبل تفرع من حباله تغشى العيون الناظرات * إذا سمون إلى جلاله عذب الموارد بحره * يروى الخلائف من سجاله بحر أطل على البحور * يمدهن ندى بلاله سقت العباد يمينه * وسقى البلاد ندى شماله يحكي السحاب يمينه * والودق يخرج من خلاله الارض ميراث له * والناس طرا في عياله يا حجة الله الجليل * وعينه وزعيم آله وابن الوصي المصطفى * وشبيه احمد في كماله


[ 372 ]

انت ابن بنت محمد * حذوا خلقت على مثاله فضياء نورك نوره * وظلال روحك من ظلاله فيك الخلاص عن الردى * وبك الهداية من ضلاله اثني ولست ببالغ * عشر الفريدة من خصاله فصل: في علمه عليه السلام ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن احد، وقد جمع اصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا اربعة آلاف رجل. (بيان ذلك) ان ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لابي عبد الله (ع) عددهم فيه. وكان حفص بن غياث إذا حدث عنه قال: حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد. وكان علي بن غراب يقول: حدثني الصادق جعفر بن محمد. حلية ابي نعيم، ان جعفر الصادق حدث عنه من الائمة والاعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وابن جريج، و عبد الله بن عمرو، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، واسماعيل بن جعفر، وحاتم بن اسماعيل و عبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وابراهيم بن طحان في آخرين، قال: واخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه. وقال غيره: وروى عنه مالك، والشافعي، والحسن بن صالح، وابو ايوب السجستاني، وعمرو بن دينار، واحمد بن حنبل. وقال مالك بن انس: ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا. وسئل سيف الدولة عبد الحميد المالكي قاضي الكوفة عن مالك فوصفه وقال: وكان جربند جعفر الصادق – أي الربيب -. وكان مالك كثيرا ما يدعي سماعه وربما قال حدثني الثقة – يعنيه (ع) -. وجاء أبو حنيفة ليسمع منه وخرج أبو عبد الله يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة: يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج معه إلى العصا، قال: هو كذلك ولكنها عصا رسول الله اردت التبرك بها، فوثب أبو حنيفة وقال له اقبلها يا ابن رسول الله، فحسر أبو عبد الله عن ذراعه وقال له والله لقد علمت ان هذا بشر رسول الله وان هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصا. أبو عبد الله المحدث في رامش افزاي ان ابا حنيفة من تلامذته وان امه كانت في حبالة الصادق قال: وكان محمد بن الحسن ايضا من تلامذته ولاجل ذلك كانت


[ 373 ]

بنو العباس لم تحترمهما. قال: وكان أبو زيد البسطامي طيفور السقاء خدمه وسقاه ثلاث عشرة سنة. وقال أبو جعفر الطوسي: كان ابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار. ودخل إليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال: هذا والله يا ابن رسول الله الجوهر فقال له: بل هذا خير من الجوهر وهل الجوهر إلا حجر. الترغيب والترهيب، عن أبي القاسم الاصفهاني انه دخل عليه سفيان الثوري، فقال (ع): أنت رجل مطلوب وللسلطان علينا عيون فاخرج عنا غير مطرود، القصة ودخل عليه الحسن بن صالح بن حي فقال له: يا ابن رسول الله ما تقول في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) من اولي الامر الذين أمر الله بطاعتهم ؟ قال: العلماء. فلما خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئا ألا سألناه من هؤلاء العلماء ؟ قال فسألوه فقال: الائمة منا اهل البيت. وقال نوح بن دراج لابن ابي ليلى: أكنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول أحد ؟ قال: لا إلا رجل واحد، قلت: من هو ؟ قال: جعفر بن محمد. الحلية، قال عمرو بن المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت انه من سلالة النبيين. ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه يقولون: قال جعفر بن محمد الصادق، قال جعفر الصادق. ذكره النقاش والثعلبي والقشيري والقزويني في تفاسيرهم. وذكر في الحلية، والابانة، وأساب النزول، والترغيب والترهيب، وشرف المصطفى، وفضائل الصحابة، وفي تاريخ الطبري، والبلاذري، والخطيب، ومسند أبي حنيفة، واللالكائي، وقوت القلوب، ومعرفة علوم الحديث لابن البيع. وقد روت الامة بأسرها عنه دعاء ام داود. العلاء بن سيابة عن الصادق قال: انا لنعلم ما في الليل والنهار. وفي رواية: إني لاعلم ما في السماوات وما في الارض وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون إلى ان تقوم الساعة، ثم سكت ثم قال: وعلمه في كتاب الله انظر إليه هكذا، ثم بسط كفه وقال: ان الله يقول (فيه تبيان كل شئ). عبد الغفار الحارثي، وابو الصباح العبدي قال (ع): اني أتكلم على سبعين وجها لي من كلها المخرج. حماد بن عيسى عنه (ع) قال: للصلاة أربعة آلاف حد. وفي رواية اربعة آلاف باب


[ 374 ]

وسئل عن محمد بن عبد الله بن الحسن فقال (ع): ما من نبي ولا وصي ولا ملك إلا هو في كتاب عندي – يعني مصحف فاطمة – والله ما لمحمد بن عبد الله فيه اسم. أبو بصير عن ابى عبد الله قال: كان سليمان عنده اسم الله الاكبر الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ولو كان اليوم لاحتاج الينا. صفوان بن يحيى عن بعض رجاله عن الصادق قال: والله لقد اعطينا علم الاولين والآخرين، فقال له رجل من اصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب ؟ فقال له: انى لاعلم ما في اصلاب الرجال وأرحام النساء ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة باذن الله، والله لو أردت ان احصي لكم كل حصاة عليها لاخبرتكم، وما من يوم ولا ليلة إلا والحصى يلد إيلادا كما يلد هذا الخلق، ووالله لتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا. بكير بن أعين قال: قبض أبو عبد الله على ذراع نفسه وقال: يا بكير هذا والله جلد رسول الله وهذه والله عروق رسول الله وهذا والله لحمه وهذا عظمه، وانى لاعلم ما في السماوات وأعلم ما في الارض وأعلم ما في الدنيا وأعلم ما في الآخرة. فرأى تغير جماعة فقال: يا بكير انى لاعلم ذلك من كتاب الله تعالى إذ يقول: (وأنزلنا اليك الكتاب تبيانا لكل شئ). المرشد أبو يعلى الجعفري، وابو الحسين الكوفي، وابو جعفر الطوسي انه قال زيد بن علي لسورة بن كليب: يا سورة كيف علمتم ان صاحبكم على ما تذكرون ؟ قال: كنا نأتى أخاك محمد بن علي فنسأله فيقول: قال رسول الله، وقال الله، ثم مضى اخوك فأتيناكم آل محمد وأنت فيمن اتينا فأجبتم عن بعض فأتينا ابن اخيك أبا عبد الله فقال لنا كما قال ابوه ولم يترك شيئا مما سألنا عنه إلا أجابنا فيه بما يقع قال: فتبسم زيد ثم قال: أما والله لئن قلت هذا فان كتب علي عنده دوننا. تفسير علي بن ابراهيم: ان زنديقا سأل أبا جعفر الاحول عن قوله تعالى: (فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) ثم قال: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) بين النساء وبين القولين فرق، فاستمهل الاحول وسأل الصادق فقال: اما قوله (فان خفتم أن لا تعدلوا) فانه عنى في النفقة، واما قوله (ولن تستطيعوا) فانه عنى في المودة، فانه لا يقدر احد ان يعدل بين امرأتين في المودة. قال: فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال هذا ما حملته من الحجاز.


[ 375 ]

غرر المرتضى، قيل: ان الجعد بن درهم جعل في قارورة ماء وترابا فاستحال دودا وهواما فقال لاصحابه: انا خلقت ذلك لانى كنت سبب كونه، فبلغ ذلك جعفر بن محمد (ع) فقال: ليقل كم هي وكم الذاكران منه والاناث ان كان خلقه ؟ وكم وزن كل وحدة منهن ؟ وليأمر الذي سعى إلى هذا الوجه ان يرجع إلى غيره. فانقطع وهرب. حلية الاولياء، قال أحمد بن المقدام الرازي: وقع الذباب على المنصور فذبه عنه فعاذ فذبه حتى اضجره، فدخل جعفر بن محمد فقال له المنصور: يا أبا عبد الله لم خلق الذباب ؟ قال: ليذل به الجبابرة. ودخل عمرو بن عبيد عليه وقرأ (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون) وقال: أحب ان اعرف الكبائر من كتاب الله، فقال: نعم يا عمرو. ثم فصله بأن الكبائر الشرك بالله (ان الله لا يغفر ان يشرك به)، واليأس (ولا يبئس من روح الله)، وعقوق الوالدين لان العاق جبار شقي (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا)، وقتل النفس (ومن يقتل مؤمنا متعمدا)، وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم (ان الذين يأكلون أموال اليتامى)، والفرار من الزحف (ومن يولهم يومئذ دبره)، وأكل الربا (الذين يأكلون الربا)، والسحر (ولقد علموا لمن اشتراه)، والزنا (ولا تقربوا الزنا ومن يفعل ذلك يلق اثاما)، واليمين الغموس (ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا)، والغلول (ومن يغلل يأت بما غل)، ومنع الزكاة (يوم يحمى عليها في نار جهنم)، وشهادة الزور وكتمان الشهادة (ومن يكتمها فانه اثم قلبه)، وشرب الخمر لقوله صلى الله عليه وآله شارب الخمر كعابد وثن، وترك الصلاة لقوله: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله، ونقض العهد وقطيعة الرحم (الذين ينقضون عهد الله)، وقول الزور والجرأة على الله (أفأمنوا مكر الله)، وكفران النعمة (ولئن كفرتم ان عذابي لشديد)، وبخس الكيل والوزن (ويل للمطففين)، واللواط (الذين يجتنبون كبائر الاثم)، والبدعة قوله (ع) من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه. قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من سلب تراثكم ونازعكم في الفضل والعلم. أبو جعفر بن بابويه في الهداية، قال الصادق: الكبائر سبعة فينا نزلت ومنا استحلت، فأولها الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، وإنكار حقنا.


[ 376 ]

فاما الشرك بالله فقد أنزل الله فيه ما أنزل، وقال رسول الله فينا ما قال، وكذبوا رسوله، وأشركوا بالله. واما قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين واصحابه. واما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله لنا واعطوه غيرنا. واما عقوق الوالدين فقد أنزل الله في كتابه (النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم) فعقوا رسول الله في ذريته وعقوا امهم خديجة في ذريتها. واما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة على منابرهم. واما الفرار من الزحف فقد اعطوا امير المؤمنين ببيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه. واما إنكار حقنا فهذا مالنا يتنازعون فيه. أبو جعفر الطوسي في الامالي، وابو نعيم في الحلية، وصاحب الروضة بالاسناد والرواية يزيد بعضها على بعض، عن محمد الصيرفى، وعن عبد الرحمن بن سالم، انه دخل ابن شبرمة وابو حنيفة على الصادق فقال لابي حنيفة: اتق الله ولا تقس الدين برأيك فان أول من قاس ابليس إذ أمره الله بالسجود فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. ثم قال: هل تحسن ان تقيس رأسك من جسدم ؟ قال لا قال: فاخبرني عن الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين والبرودة في المنخرين والعذوبة في الشفتين لاي شئ جعل ذلك ؟ قال: لا أدري، فقال (ع): ان الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين وجعل الملوحة فيهما منا على بني آدم ولولا ذلك لذابتا وجعل المرارة في الاذنين منا منه على بني آدم ولولا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه وجعل الماء في المنخرين ليصعد النفس وينزل ويجد منه الريح الطيبة والردية وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمه ومشربه، ثم قال له: اخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان ؟ قال: لا أدري، قال: لا إله إلا الله، ثم قال أيما أعظم عند الله تعالى القتل أو الزنا ؟ فقال: بل القتل، قال: فان الله تعالى قد رضى في القتل شاهدين ولم يرض في الزنا إلا اربعة، ثم قال: ان الشاهد على الزنا شهد على اثنين وفي القتل على واحد لان القتل فعل واحد والزنا فعلين، ثم قال: أيما اعظم عند الله الصوم أو الصلاة ؟ قال: لا بل الصلاة، قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ ثم قال: لانها تخرج إلى صلاة فتداومها ولا تخرج إلى صوم، ثم قال: المرأة اضعف ام الرجل ؟ قال: المرأة، قال: فما بال المرأة وهي ضعيفة لها سهم واحد والرجل قوي له سهمان ؟ ثم قال: لان الرجل يجبر على الانفاق على المرأة ولا تجبر المرأة على الانفاق على الرجل، ثم قال: البول اقذر


[ 377 ]

أم المني ؟ قال: البول، قال: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب الله الغسل من المني دون البول. ثم قال (ع): لان المني اختيار ويخرج من جميع الجسد ويكون في الايام والبول ضرورة ويكون في اليوم مرات وهو مختار والآخر متولج، قال أبو حنيفة: كيف يخرج من جميع الجسد والله يقول: يخرج من بين الصلب والترائب ؟ قال أبو عبد الله: فهل قال لا يخرج من غير هذين الموضعين ؟ ثم قال (ع): لم لا تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال: لا أدري، قال: حبس الله الدم فجعله غذاء للولد، ثم قال: أين مقعد الكاتبين ؟ قال: لا أدري، قال: مقعدهما على الناجذين والفم الدواة واللسان القلم والريق المداد، ثم قال: لم يضع الرجل يده على مقدم رأسه عند المصيبة والمرأة تضعهما على خدها ؟ قال: لا أدري، فقال: اقتداء بآدم وحوا حيث اهبطا من الجنة أما ترى ان من شأن الرجل الا كتباب عند المصيبة ومن شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت، ثم قال: ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقى الغلامين أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث ؟ ثم قال: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح واقطع قطع يد رجل كيف بقام عليهما الحد ؟ ثم قال: فاخبرني عن قول الله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون (لعله يتذكر أو يخشى) لعل منك شك ؟ قال: نعم، قال: وكذلك من الله شك إذ قال لعله، ثم قال: اخبرني عن قول الله (وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) أي موضع هو ؟ قال: هو ما بين مكة والمدينة، قال: نشدتكم الله هل تسيرون بين مكة والمدينة تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة، ثم قال: واخبرني عن قوله (ومن دخله كان آمنا) أي موضع هو ؟ قال: ذاك بيت الله الحرام، فقال: نشدتكم بالله هل تعلمون ان عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ قال: فاعفني يا ابن رسول الله، قال: فأنت الذي تقول: سأنزل مثل ما أنزل الله ؟ قال: أعوذ بالله من هذا القول ؟ قال: إذا سئلت فما تصنع ؟ قال: اجيب عن الكتاب أو السنة أو الاجتهاد، قال: إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله ؟ قال: نعم، قال: وكذلك وجب قبول ما أنزل الله فكأنك قلت: سأنزل مثل ما أنزل الله !. وفي حديث محمد بن مسلم: ان الصادق قال لابي حنيفة: اخبرني عن هاتين الركبتين اللتين في يدي حمارك ليس ينبت عليها شعر ؟ قال أبو حنيفة: خلق كخلق اذنيك


[ 378 ]

في جسدك وعينيك، فقال له: ترى هذا قياسا ! ان الله تعالى خلق اذني لاسمع بهما وخلق عيني لابصر بهما فهذا لما خلقه في جميع الدواب وما ينتفع به. فانصرف أبو حنيفة معتبا. فقلت: اخبرني ما هي ؟ قال: ان الله تعالى يقول في كتابه (لقد خلقنا الانسان في كبد) يعني منتصبا في بطن امه غذاؤه من غذائها مما تأكل وتشرب اسمه سيما ميثاق بين عينيه فإذا أذن الله عزوجل في ولادته أتاه ملك يقال له حيوان فزجره زجرة انقلب ونسى الميثاق وخلق جميع البهائم في بطن امهاتهن منكوسه مؤخره إلى مقدام امه كما يأخذ الانسان في بطن امه فهاتان النكتتان السوداوتان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن امهاتها فليس ينبت عليها الشعر وهو لجميع البهائم ما خلا البعير فان عنق البعير طال فتقدم رأسه بين يديه ورجليه. النهاية، روى المحاملي عن الرفاعي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل قبل رجلا يحفر له بئرا عشرة قامات بعشرة دراهم فحفر له قامة ثم عجز ؟ قال: تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا فما أصاب واحد فهو للقامة الاولى والاثنين للاثنين والثلاثة للثلاثة وعلى هذا الحساب إلى عشرة. وروى فيها انه سئل الصادق عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب نازعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها فتحرم ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلما فرغ حمل الثياب وذهب ليخرج فحملت عليه بالفأس فقتلته فجاء اهله يطلبون بدمه من الغد ؟ فقال أبو عبد الله: اقض على هذا كما وصف لك، قال: تضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها انه زان وهو في ماله غرامة وليس عليها في قتلها إياه شئ لانه سارق وفيها انه سئل عن رجل تزوج بامرأة فلما كانت ليلة البناء بها عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة فلما كان الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت فقتل الزوج الصديق وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق ؟ فقال (ع): تضمن المرأة دية الصديق وتقتل بالزوج. وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل من أفقه من رأيت ؟ قال: جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيأ له من مسائلك الشداد فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لابي جعفر فسلمت عليه فأومأ إلي


[ 379 ]

فجلست، ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثم التفت إلي فقال: يا أبا حنيفة الق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعناكم وربما تابعناهم وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على الاربعين مسألة فما أخل منها بشئ، ثم قال أبو حنيفة: أليس ان أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ؟. ابان بن تغلب في خبر: انه دخل يماني على الصادق فقال له: مرحبا بك يا سعد، فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني امي وقل من يعرفني به، فقال: صدقت يا سعد المولى، فقال: جعلت فداك بهذا كنت القلب، فقال: لا خير في اللقب ان الله يقول: (ولا تنابزوا بالالقاب) ما صناعتك يا سعد ؟ قال: انا من أهل بيت ننظر في النجوم، فقال: كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة ؟ قال: لا ادري، قال: فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة ؟ قال: لا أدري، قال: فكم للمشتري من ضوء عطارد ؟ قال: لا أدري، قال: فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر ؟ قال: لا أدري، فقال: يا أخا أهل اليمن عندكم علماء ؟ قال: نعم ان عالمهم ليزجر الطير ويقفو الاثر في الساعة الواحدة مسيرة سير الراكب المجد، فقال (ع): ان عالم المدينة أعلم من عالم اليمن لان عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الاثر ويزجر الطير ويعلم ما في اللحظة مسيرة الشمس فقطع اثنى عشر برجا واثنى عشر بحرا واثنى عشر عالما، قال: ما ظننت ان أحدا يعلم هذا ويدري. سالم الضرير: ان نصرانيا سأل الصادق تفصيل الجسم، فقال (ع): ان الله تعالى خلق الانسان على اثنى عشر وصلا وعلى مائتين وستة وأربعين عظما وعلى ثلثمائة وستين عرقا فالعروق هي التي تسقي الجسد كله والعظام تمسكها واللحم يمسك العظام والعصب يمسك اللحم وجعل في يديه اثنين وثمانين عظما في كل يد أحد وأربعون عظما منها في كفه خمسة وثلاثون عظما وفي ساعده اثنان وفي عضده واحد وفي كتفه ثلاثة وكذلك في الاخرى وفي رجله ثلاثون وأربعون عظما منها في قدمه خمسة وثلاثون عظما وفي ساقه اثنان وفي ركبته ثلاثة وفي فخذه واحد وفي وركه اثنان وكذلك في الاخرى وفي صلبه ثماني عشرة فقارة وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع وفي عنقه ثمانية وفي رأسه ستة وثلاثون عظما وفي فيه ثمانية وعشرون واثنان وثلاثون عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) انه قال: تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف من آب


[ 380 ]

على قدمين ونصف وفي النصف من ايلول على ثلاثة ونصف وفي النصف من تشرين الاول على خمسة ونصف وفي النصف من تشرين الاخير على سبعة ونصف وفي النصف من كانون الاول على تسعة ونصف وفي النصف من كانون الاخير على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من آذر على ثلاثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من ايارعلى قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم. يونس في حديثه قال: سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله: لما اختلف منيات الناس فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسل ؟ فقال (ع): لو كانت العلة واحدة أمن الناس حتى تجئ تلك العلة بعينها فأحب الله أن لا يؤمن حال، قال: ولم يميل القلب إلى الخضرة أكثر مما يميل إلى غيرها ؟ قال: من قبل ان الله تعالى خلق القلب أخضر ومن شأن الشئ ان يميل إلى شكله. ويروى انه لما جاء إلى أبي عبد الله قال له: ما اسمك ؟ فلم يجبه، وأقبل (ع) على غيره فانكفى راجعا إلى اصحابه فقالوا: ماوراك ؟ قال: شر ابتدأني فسألني عن اسمي فان كنت قلت عبد الكريم فيقول من هذا الكريم الذي أنت عبده فأما اقر بمليك واما اظهر مني ما اكتم، فقالوا: انصرف عنا، فلما انصرف قال (ع): واقبل ابن أبي العوجاء إلى اصحابه محجوجا قد ظهر عليه ذلة الغلبة، فقال من قال منهم: ان هذه للحجة الدامغة صدق ان لم يكن خير يرجى ولا شر يتقى فالناس شرع سواء وان لم يكن منقلب إلى ثواب وعقاب فقد هلكنا، فقال ابن ابي العوجاء لاصحابه: أو ليس بابن الذي نكل بالخلق وأمر بالحلق وشوه عوراتهم وفرق أموالهم وحرم نسائهم علي بن محمد عن أبيه رفعه قال: قال رجل لابي عبد الله: ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان ؟ قال: نعم ان ابليس اتخذ عرشا بين السماء والارض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال ابليس: ان بني آدم يصلون لي. معاوية بن عمار: سئل الصادق (ع): لم لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة ؟ قال: ان رسول الله لم يدخلها في حج ولا عمرة ولكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين العمودين ومعه اسامة. وسئل أبو عبد الله عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنة ؟ فقال: فريضة قيل: قال الله فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؟ قال: ذاك عمرة القضاء ان رسول الله شرط عليهم أن يرفعوا الاصنام عن الصفا والمروة فتشاغل رجل حتى انقضت الايام


[ 381 ]

فاعيدت الاصنام فجاؤا إليه فقالوا: يا رسول الله ان فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد اعيدت الاصنام. فأنزل الله (فلا جناح عليه ان يطوف بهما) أي وعليهما الاصنام. امرأة أوصت بثلثها يتصدق به عنها ويحج عنها ويعتق بها فلم يسع المال ذلك ؟ فسئل أبو حنيفة وسفيان الثوري فقال كل واحد منهما انظر إلى رجل قد حج فقطع به فيقوى ورجل قد سعى في فكاك رقبة فبقى عليه شئ فيعتق ويتصدق بالبقية. فسأل معاوية بن عمار أبا عبد الله عن ذلك فقال: ابدأ بالحج فان الحج فريضة وما بقي فضعه في النوافل، فبلغ ذلك أبا حنيفة فرجع عن مقاله. وقال بعض الخوارج لهشام بن الحكم: العجم تتزوج في العرب، قال: نعم، قال: فالعرب تتزوج في قريش، قال: نعم، قال: فقريش تتزوج في بني هاشم، قال: نعم. فجاء الخارجي إلى الصادق فقص عليه ثم قال: اسمعه منك، فقال (ع) نعم قد قلت ذاك، قال الخارجي: فها أنا ذا قد جئتك خاطبا، فقال له أبو عبد الله انك لكفوفي دينك وحسبك في قومك ولكن الله عزوجل صاننا عن الصدقات وهي أوساخ أيدي الناس فنكره أن نشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا. فقام الخارجي وهو يقول: بالله ما رأيت رجلا مثله ردني والله أقبح رد وما خرج من قول صاحبه. وقال عمرو بن المقدام نادى رجل بأبى جعفر: يا أمير المؤمنين ان هذين الرجلين طرقا أخي ليلا، فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلي فو الله ما أدري ما صنعا به فقالا: يا أمير المؤمنين كلمناه ثم رجع إلى منزله فتقدم إلى الصادق فقال: يا غلام اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلى أن يقيم البينة انه قد رده إلى منزله قم يا غلام نح هذا فاضرب عنقه، فقال: يا ابن رسول الله ما قتلته ولكن أمسكته ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول الله يا غلام نح هذا فاضرب عنق الآخر، فقال: يا ابن رسول الله والله ما عذبته ولكن قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين جلدة. وسئل أبو عبد الله عن اربعة أنفس قتلوا رجلا مملوك وحر وحرة ومكاتب قد أدى نصف مكانبته فقال: عليهم الدية على الحر ربع الدية وعلى الحرة ربع الدية وعلى المملوك أن يخير مولاه فان شاء أدى عنه وإن شاء دفعه برمته لا يغرم اهله شيئا


[ 382 ]

والمكاتب في ماله نصف الربع وعلى الذي كاتبه نصف الربع فذلك الربع لانه قد أعنق نفسه. وفي مسائل الخلاف سئل أبو عبد الله عن سبب التياسر في الصلاة لاهل العراق فقال: ان الحجر الاسود لما أنزله الله من الجنة ووضع في موضعه جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر فهي عن يمين الكعبة اربعة اميال وعن يسارها ثمانية أميال كله اثنا عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة انصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة. علل الشرائع عن ابي جعفر القمي، الصادق (ع) في خبر طويل يذكر فيه حديث المعراج قال النبي صلى الله عليه وآله: فنزل الماء من ساق العرش فتلقيته باليمين فمن أجل ذلك أول الوضوء باليمين. السكوني: سئل الصادق عن الغائط فقال: تصغير لابن آدم لكي لا يتكبر وهو يحمل غائطه معه. عمرو بن عبيد: سئل أبا عبد الله: ما بال الرجل إذا أراد الحاجة إنما ينظر إلى الله سفليه وما يخرج من ثم ؟ فقال: انه ليس من أحد يريد ذلك إلا وكل الله عزوجل ملكا يأخذ بضبعه ليريه ما يخرج منه أحلال أم حرام. المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن علة التسليم في الصلاة ؟ قال: انه تحليل الصلاة، قلت: فالالتفات إلى اليمين ؟ قال: لان الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين. وعنه (ع) لما فتح الله للنبي صلى الله عليه وآله مكة صلى مع اصحابه الظهر عند الحجر الاسود فلما سلم رفع يديه وكبر ثلاثا وقال: لا إله إلا الله وحده وحده أبحز وعده، الدعاء الصادق: إنما جعل العاهات في اهل الحاجة لئلا تستر ولو جعلت في الاغنياء لسترت. وفي رواية: هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث. قال أبو عبد الله: ان لله عزوجل ماء عذبا فخلق منه اهل طاعته وخلق ماء مرا فخلق منه اهل معصيته ثم أمرهما فاختلطا فلو لا ذلك ما ولد المؤمن إلا مؤمنا ولا الكافر إلا كافرا. وحدث أبو هفان وابن ماسويه حاضر ان جعفر بن محمد (ع) قال: الطبائع اربع الدم وهو عبد وربما قتل العبد سيده، والريح وهو عدو إذا سددت له بابا اتاك من آخر، والبلغم وهو ملك يدارى، والمرة وهي الارض إذا رجفت رجفت بمن عليها فقال: أعد على فو الله ما يحسن جالينوس ان يصف هذا الوصف.


[ 383 ]

وفي خبر الربيع انه قرأ هندي عند المنصور كتب الطب وعنده الصادق فجعل ينصب لقراءته، فلما فرغ قال: يا أبا عبد الله أتريد مما معي شيئا ؟ قال: لا لان ما معي خير مما هو معك، قال: ما هو ! قال: اداوي الحار بالبارد والبارد بالحار والرطب باليابس واليابس بالرطب وأرد الامر إلى كله إلى الله وأستعمل ما قاله رسول الله، واعلم ان المعدة بيت الادواء وان الحمية هي الدواء واعود البدن ما اعتاد، قال وهل الطب إلا هذا ؟ قال الصادق: أفتراني عن كتب الطب اخذت ؟ قال: نعم، قال: لا والله ما أخذت إلا عن اللة سبحانه وتعالى فاخبرني أنا اعلم بالطب أم انت ؟ قال: بل انا، قال: فأسألك، قال: سل، فسأله عشرين مسألة وهو يقول لا أعلم، فقال الصادق: لكني اعلم. وهذه اجوبة الصادق: كان في الرأس شؤون لان المجوف إذا كان بلا فصل اسرع إليه الصدع فإذا جعل ذا فصول كان الصدع منه أبعد، وجعل الشعر من فوقه ليتصل باصوله الادهان إلى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه ويرد الحر والبرد الواردين عليه، وخلت الجبهة من الشعر لانها مصب النور إلى العينين، وجعل فيها التخطيط والاسارير ليحبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه كالانهار في الارض التي تحبس المياه، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى يا هندي ان من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه ؟ وجعل الانف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء، وجعلت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ولو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل ولا وصل إليها دواء ولا خرج منها داء، وجعل ثقب الانف في اسفله لينزل منه الادواء المنحدرة من الدماغ وتصعد فيه الارابيح إلى المشام ولو كان في اعلاه لما نزل داء ولا وجد رائحه، وجعل الشارب والشفة فوق اللفم ليحبسان ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه، وجعل اللحية الرجل ليستغني بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الانثى، وجعل السن حادا لان بها يقع العض، وجعل الضرس عريضا لان به يقع الطحن والمضغ، وجعل الناب طويلا لتشد الاضراس والاسنان كالاسطوانة في البناء، وخلا الكفان من الشعر لان بهما يقع اللمس فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياه لان طولهما سمج وقصهما حسن فلو كان فيهما حياة لالم الانسان لقصهما، وكان القلب كحب الصنوبر لانه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ


[ 384 ]

لحره، وجعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها الرئة فتروح عنه بحركتهما، وكانت الكبد حدباء لثقل المعدة وتقع جميعها عليها فيعصرها فيخرج ما فيها من البخار وجعلت الكلية كحبة اللوبيا لان عليها مصب المني نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدوره لحبست النقطة الاولى إلى الثانية فلا يتلذذ بخروجها الحي إذ المني ينزل من فقار الظهر فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أولا فأولا إلى المثابة كالبندقة من القوس، وجعل طي الركبة إلى خلف لان الانسان يمشي إلى بين يديه فتعتدل الحركات ولولا ذلك لسقط في المشي، وجعل القدم متحضرة لان الشئ إذا وقع على الارض جميعه ثقل ثقل حجر الرحا فإذا كان على حرف رفعه الصبي وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل. فقال الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقال: اخذته عن آبائى عن رسول الله عن جبرئيل عن رب العالمين الذي خلق الاجسام والارواح، فقال الهندي: صدقت وانا اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وعبده وانك اعلم اهل زمانك. ومن علل الشرائع تصنيفي القزويني والقمي قال رجل للصادق: انى لاحزن وافرح من غير ان اعرف لذلك سببا، فقال (ع) ان ذلك الحزن والفرح يصل اليكم منا لانا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلا عليكم لانا وإياكم من نور الله خلقنا وطينتنا وطينتكم واحدة ولو تركت طينتكم كما اخذت لكنا وانتم سواء ولكن مزجت طينتكم بطينة اعدائكم فلولا ذلك ما اذنبتم ذنبا واحدا. وسأله (ع) أبو عبد الرحمن عن ذلك فقال: انه ليس من احد إلا ومعه ملك وشيطان فإذا كان فرح كان دنو الملك منه وإذا كان حزن كان دنو الشيطان منه وذلك قول الله عزوجل: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا). وسأله أبو بصير عن علة سرعة الفهم وابطائه، فقال: اما الذي إذا قلت له اول الشئ فعرف آخره فذلك الذي عجن عقله بالنطفة التي منها خلق من بطن امه، واما الذي إذا قلت له الشئ من اوله إلى آخره ففهمه فذلك الذي ركب فيه العقل في بطن امه، واما الذي تردد عليه الشئ مرارا فلا يفهمه فذاك الذي ركب فيه العقل بعد ما كبر. وسأله هشام بن الحكم عن علة الحب تقع فيه القملة، فقال (ع): لولا ان الله عزوجل من على العباد بهذه الدابة لاكتنزها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة.


[ 385 ]

كافي الكليني، قال زرارة: قلت لابي عبد الله: هل على البغال شئ ؟ فقال: لا، فقلت: كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال ؟ فقال: لان البغال لا تلقح والخيل الاناث ينتجن وليس على الخيل الذكورة شئ. مالك بن أعين عن أبي عبد الله (ع) في أمة بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه فلما سمع ذلك منه شريكه وثب على الامة فافتضها من يومه، فقال: يضرب الرجل الذي افتضها خمسين جلدة ويطرح عنه خمسون جلدة لحقه فيها وتغرم الامة عشر قيمتها لموافقتها إياه وتسعى في الباقي. وشتم رجل النبي صلى الله عليه وآله فسأل الوالي عبد الله بن الحسن والحسن بن زيد وغيرهما فقالوا: يقطع لسانه. وقال ربيعة الرازي وأصحابه: يؤدب. فقال الصادق: أرأيتم لو ذكر رجلا من أصحاب النبي ما كان الحكم فيه ؟ قالوا: مثل هذا، قال: فليس بين النبي وبين رجل من أصحابه فرق ؟ فقال الوالي: كيف الحكم ؟ قال: أخبرني أبي ان رسول الله قال: الناس في اسوة سواء من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان فالواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال مني. فقال الوالي: اخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبد الله. ابن جرير بن رستم الطبري عن اسماعيل الطوسي عن أحمد البصري عن أبيه عن أبي حبيش الكوفي قال: حضرت مجلس الصادق وعنده جماعة من النصارى فقالوا: فضل موسى وعيسى ومحمد سواء لانهم أصحاب الشرائع والكتب، فقال الصادق: ان محمدا أفضل منهما وأعلم ولقد أعطاه الله تعالى من العلم ما لم يعط غيره، فقالوا: آية من كتاب الله نزلت في هذا، قال: نعم قوله تعالى (وكتبنا له في الالواح من كل شئ)، وقوله لعيسى: (وليبين لكم بعض الذي تختلفون فيه)، وقوله للسيد المصطفى (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك تبيانا لكل شئ)، وقوله: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا)، فهو والله أعلم منهما، ولو حضر موسى وعيسى بحضرتي وسألاني لاجبتهما وسألتهما ما أجابا. التهذيب، قال ابن أبي يعفور: سأل رجل فراء الصادق (ع) عن الخز ؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال الرجل: أنا أعرف الناس به، فقال الصادق: أنا أعرف به منك تقول انه دابة تخرج من الماء وتصاد من الماء فإذا فقد الماء مات وانه دابة تمشي على أربع وليس هو حد الحيتان فيكون خروجه من الماء ذكاته، فقال الرجل اي والله هكذا أقول، فقال (ع): ان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل


[ 386 ]

الحيتان وجعل ذكاتها موتها. أتى الربيع أبا جعفر المنصور وهو في الطواف فقال: يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة فقطع فلان رأسه بعد موته، قال: فاستشاط وغضب وقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى وعدة من القضاة والفقهاء: ما تقولون في هذا ؟ فكل قال: ما عندنا في هذا شئ، فكان يقول: أقتله أم لا ؟ فقالوا: قد دخل جعفر الصادق في السعي، فقال المنصور للربيع: اذهب إليه وسله عن ذلك، فقال (ع): فقل له عليه مائة دينار، قال: فأبلغه ذلك، فقالوا له: فأسأله كيف صار عليه مائة دينار، فقال أبو عبد الله: في النطفة عشرون وفي العلقة عشرون وفي المضغة عشرون وفي العظم عشرون وفي اللحم عشرون ثم أنشاه خلقا آخر وهذا وهو ميت بمنزلة قبل أن ينفخ الروح في بطن امه جنين. قال: فرجع إليه فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك، فقالوا: ارجع إليه وسله الدية لمن هي لورثته أم لا ؟ فقال أبو عبد الله ليس لورثته فيها شئ لانه أتى إليه في بدنه بعد موته يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو تصير في سبيل من سبل الخير كافي الكليني، محمد بن مسلم عن أبي عبد الله في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه حد واحد لقذفه إياها، واما قوله أنا زنيت بك فلا حد فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الامام. وسئل الصادق: لم حرم الله الزنا ؟ قال: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الانساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها ولا المولود يعلم من أبوه ولا أرحام موصولة ولا قرابة معروفة. وسئل (ع): لم حرم اللواط ؟ قال: من أجل انه لو كان اتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء فكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في اجازة ذلك فساد كثير. وسئل (ع): لم حرم الربا ؟ فقال: هو المصلحة التي علمها الله سبحانه والفصل بينه وبين البيع ولانه يدعو إلى العدل ويحض عليه ولانه يدعو إلى مكارم الاخلاق بالاقراض وانتظار المعسر. وفي امتحان الفقهاء: رجل صانع قطع عضو صبي بأمر أبيه فان مات فعليه نصف الدية وإن عاش فعليه الدية كاملة، وهذا حجام قطع حشفة صبي وهو يختنه فان مات فعليه نصف الدية ونصف الدية على أبيه لانه شاركه في موته وإن عاش فعليه الدية كاملة لانه قطع النسل وبه ورد الاثر عن الصادق.


[ 387 ]

وفيه ان رجلا حضرته الوفاة فأوصى: ان غلامي يسار هو ابني فورثوه وغلامي يسار فاعتقوه فهو حر ؟ الجواب: يسأل أي الغلامين كان يدخل عليهن فيقول أبوهم لا يستترن منه فانما هو ولده، فان قال أولاده: إنما أبونا قال لا يستترن منه فانه نشا في حجورنا وهو صغير، فيقال لهم: أفيكم أهل البيت علامة ؟ فان قالوا نعم نظر فان وجدت تلك العلامة بالصغير فهو أخوهم وإن لم توجد فيه يقرع بين الغلامين فأيهما خرج سهمه فهو حر، بالمروي عنه (ع). وسأل زنديق الصادق فقال: ما علة الغسل من الجنابة وإنما أتى حلالا وليس في الحلال تدنيس ؟ فقال (ع): لان الجنابة بمنزلة الحيض وذلك ان النطفة دم لم يستحكم ولا يكون الجماع إلا بحركة غالبة فإذا فرع تنفس البدن ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك، غسل الجنابة أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها. هاشم الخفاف قال لابي عبد الله: أنا أبصر بالنجوم في العراق. فقال (ع): كيف دوران الفلك عندكم ؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأردتها فقال: ان كان الامر على ما تقول فما بال بنت النعش والجدي والفرقدين لا تدور يوما من الدهر في القبلة ؟ قال: والله هذا شئ لا أعرفه، فقال (ع): كم السكبنه من الزهرة جرا من الشمس في ضوئها ؟ قال: هذا شئ لا يعلمه إلا الله عزوجل، قال: فكم القمر جزءا من الشمس ؟ قال: ما أعرف، قال (ع): فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر ؟ فأين كانت النحوس ؟ قال: لا أعلم، قال (ع): صدقت ان أصل الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم. أبو بصير رأيت رجلا يسأل أبا عبد الله عن النجوم فلما خرج من عنده قلت له. هذا علم له أصل ؟ قال: نعم، قلت: حدثني عنه، قال: احدثك عنه بالسعد ولا احدثك بالنحس، ان الله جل اسمه فرض صلاة الفجر لاول ساعة فهو فرض وهي سعد، وجعل الظهر لسبع ساعات وهو فرض وهي سعد، وجعل العصر لتسع ساعات وهو فرض وهي سعد، والمغرب لاول ساعة من الليل وهو فرض وهي سعد، والعتمة لثلاث ساعات وهو فرض وهي سعد. الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال: لما هبط آدم من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فأتاه


[ 388 ]

جبرئيل فقال: ما يبكيك يا آدم ؟ قال: لهذه الشامة التي ظهرت بي، قال: قم يا آدم فصل فهذا وقت الاولى، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى عنقه. فجاءه في الصلاة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثانية، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته. فجاءه في الصلاة الثالثة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثالثة، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه. فجاءه في الصلاة الرابعة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الرابعة. فقام فصلى فانحطت الشامة إلى رجليه. فجاءه في الصلاة الخامسة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة. فقام فصلى فخرج منها، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة، من صلى من ولدك في كل يوم خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة. من لا يحضره الفقيه، وتهذيب الاحكام، سئل الصادق: لم لا يقصر المغرب ؟ فقال: ان الله تعالى أنزل على نبيه كل صلاة ركعتين فأضاف إليها رسول الله لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة فأضاف إليها ركعة شكرا لله فلما أن ولد الحسن أضاف إليها ركعتين شكرا لله فلما أن ولد الحسين أضاف إليها ركعتين فقال: للذكر مثل حظ الانثيين فتركها على حالها في السفر والحضر. الصادق (ع): كان البراء بن معرور الانصاري بالمدينة وكان النبي صلى الله عليه وآله بمكة والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله فجرت به السنة ونزل به الكتاب. وسئل الصادق عن علة تقليب الرداء في الاستسقاء ؟ فقال: علامة بينه وبين أصحابه تحول الجدب خصبا. وسأل زيد الشحام أبا عبد الله عن كيفية قوله صلى الله عليه وآله: نية المؤمن خير من عمله ؟ قال: لان العمل ربما كان رياء للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين فيعطي الله عزوجل على النية ما لا يعطي على العمل. قال مسمع: قلت لجعفر بن محمد (ع): لم خلد أهل الجنة فيها وإنما كانت أعمارهم قصيرة وآثارهم يسيرة ؟ ولم خلد أهل النار وهم كذلك ؟ فقال (ع): لان أهل الجنة يرون أن يطيعوه أبدا وأهل النار يرون أن يعصوه أبدا فلذلك صاروا مخلدين. الحسن بن الوليد: سئل أبو عبد الله: لاي علة يربع القبر ؟ قال: لعله البيت لانه نزل مربعا.


[ 389 ]

سأل زنديق أبا جعفر الاحول: كيف صارت الزكاة من كل الف خمسة وعشرين فقال: إنما مثل ذلك مثل الصلوات ثلاث واثنتان وأربع. قال فقبل منه قال الاحول: فسألت ذلك أبا عبد الله، فقال: ان الله تعالى خلق الخلق كلهم صغيرهم وكبيرهم وعلم فقيرهم وغنيهم وجعل من كل الف انسان خمسة وعشرين فقيرا ولو علم ان ذلك لا يسعهم لزادهم لانه خالقهم وهو أعلم بهم. وكتب المنصور إلى محمد بن خالد القشيري: أن اجمع فقهاء المدينة فسلهم عن علة الزكاة لم صارت من المائتين خمسة على وزن سبعة ؟ وليكن فيمن يسأل عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد فان أجابوا وإلا فاضرب جعفر بن محمد على تضييع علم آبائه خمسين درة. قال: فجمعهم وسألهم عن ذلك فلم يعرفوا، قال جعفر بن محمد الصادق: ان الله فرض الزكاة على الناس وكان الناس يومئذ يتعاملون بالاواقي بالذهب والفضة فأوجب رسول الله في كل أربعين اوقية اوقية فإذا حسبت ذلك وجدت من المائتين خمسة لا أقل ولا أكثر على وزن سبعة وكانت قبل اليوم على وزن ستة حين كانت الدراهم خمسة دوانيق فقال عبد الله بن الحسن: من أين لك هذا ؟ قال: قرأته في كتاب امك فاطمة عليها السلام. ثم انصرف فبعث إليه القشيري ابعث إلي كتاب فاطمة فقال: إني إنما أخبرتك اني قرأته ولم اخبرك انه عندي، قال: فجعل القشيري يقول ما رأيت مثل هذا قط. وفي كتاب الرضا (ع): ان علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء. سأل هشام بن الحكم الصادق (ع) عن علة الصيام ؟ فقال: إنما فرض الصيام ليسوي بين الغني والفقير. وسأله ابان بن تغلب عن استلام الحجر ؟ فقال: ان آدم شكا إلى ربه الوحشة في الارض فنزل جبرئيل بياقوتة من الجنة كان آدم إذا مر بها في الجنة ضربها برجله فلما رآها عرفها فبادر فقبلها، ثم صار الناس يلثمون الحجر. وقال الصادق: كان موضع الكعبة ربوة من الارض بيضاء تضيئ كما تضيئ الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت. قال: ولما نزل آدم رفع الله له الارض كلها حتى رآها ثم قال: هذه لك كلها، قال: يا رب ما هذه الارض البيضاء المنيرة ؟ قال: حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم سبعة طواف.


[ 390 ]

زياد السكوني سأل الصادق: ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر ؟ فقال: اما النعل فيعرف انها بدنة ويعرف صاحبها بنعله، واما الاشعار فانه يحرم ظهرها على صاحبها حيث يشعرها ولا يستطيع الشيطان أن يتسنمها. وسئل الصادق: ما بال النبي حل له النساء ولم يطف بالبيت عام الحديبية ؟ وان الحسن بن علي (ع) مرض بالسقيا فخرج علي في طلبه فدعا ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة وما حل له النساء ؟ فقال: كان رسول الله مصدودا وكان الحسن محصورا. وسئل (ع): لاي علة أحرم النبي من الشجرة ؟ قال: لانه اسري به إلى السماء وصار بحذاء الشجرة وكانت الملائكة تأتي البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة وكان الموضع الذي بحذاء الشجرة نودي يا محمد، قال: لبيك، قال: ألم أجدك يتيما فآوى ووجدتك ضالا فهديت ؟ قال النبي: الحمد لله والمنة لك والملك لا شريك لك. فلذلك أحرم من الشجرة والمواضع كلها. قال أبو كهمس: قال لي الصادق: إذا صرت إلى الكوفة فائت ابن أبي ليلى فقل له: أسألك عن ثلاث مسائل لا نفتني فيها بالقياس ولا تقل: قال اصحابنا، ثم سله عن الرجل يسلم في الركعتين الاولتين من الفريضة. وعن رجل يصيب ثيابه البول كيف يغسله، وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات فيسقط منه واحده كيف يصنع فإذا لم يكن عنده فيها شئ فقل له يقول لك: جعفر بن محمد ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام الله منك وأعلم بسيرة رسول الله منك ! قال أبو كهمس ففعلت كما أمرني الصادق فلما عجز قلت: يقول لك جعفر بن محمد ما حملك أن رددت شهادة رجل أعرف منك بأحكام الله وأعرف بسنة رسول الله منك ؟ قال: ومن هو ؟ قلت: محمد بن مسلم، قال: فأرسل إلى محمد بن مسلم فأجاز شهادته. وسأله أبو حنيفة عن قوله (والله ربنا ما كنا مشركين)، فقال: ما تقول فيها يا أبا حنيفة ؟ فقال: أقول انهم لم يكونوا مشركين، فقال أبو عبد الله: قال الله تعالى (انظر كيف كذبوا على أنفسهم) فقال: ما تقول فيها يا ابن رسول الله ؟ فقال: هؤلاء قوم من اهل القبلة أشركوا من حيث لا يعلمون. وسأله عباد المكي عن رجل زنى وهو مريض فان اقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما تقول فيه ؟ فقال: هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها انسان ؟ فقال: ان سفيان الثوري أمرني بها، فقال (ع): ان رسول الله اتي برجل أحين قد استسقى


[ 391 ]

ببطنه وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأه مريضة، فأمر رسول الله فأتى بعرجون فية مائة شمراخ فضربه به ضربة وخلى سبيلهما، وذلك قوله (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به). وحكم (ع) في امرأة حبلى قتلت قال: لا يقتص منها حتى تضع. وسئل: السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ؟ قال: إذا قطعت يده اليسرى ورجله اليسرى سقط على جانبه الايسر ولم يقدر على القيام فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائما. قيل: كيف يستوي فيس (كذا) حد القطع. وقال اسحاق بن عمار للصادق: كيف صار في الخمر ثمانون وفي الزنا مائة ؟ قال لتضييع النطفة، ولوضعه إياها في غير موضعها. غياث بن ابراهيم قال الصادق: ان المرأة خلقت من الرجل فانما تهمتها في الرجال فاحبسوا نساءكم، وان الرجل خلق من الارض فانما تهمته الارض. الحسين بن المختار: سألت أبا عبد الله عن مهر السنة ؟ قال: خمسمائة، قلت: لم صار خمسمائة ؟ قال: ان الله أوجب على نفسه ان لا يحمده مؤمن مائة تحميدة ويسبحه مائة تسبيحة ويهلله مائة تهليلة ويكبره مائة تكبيرة ويصلي على النبي مائة مرة ويقول اللهم زوجني حورا، إلا زوجه الله وجعل ذلك مهرها. وسئل (ع) عن علة المهر على الرجل ؟ فقال: ان الله غيور جعل في النكاح حدودا لئلا تستباح الفروج إلا بشرط مشروط وصداق مسمى ورضى بالصداق. وعنه (ع) لما اهبط آدم وحوا إلى الدنيا أهبط الله معهما الذهب والفضة وجعله مهر حوا ثم سلكه ينابيع في الارض ثم قال: هذا الذهب والفضة من ذلك. وفي رواية انه قال لآدم: هذه مهور بناتك. وسأله عروة الخياط لم حرم على الرجل جارية ابنه وإن كان صغيرا ويحل له جارية ابنته ؟ قال لان البنت لا ننكح والابن ينكح ولا يدرى لعله ينكحها ثم يخفي ذلك على أبيه. وسأله جماعة عن علة تفضيل المرأة على الاخرى في القسمة والنفقة ؟ فأشار (ع) إلى ان الرجل يستحل اربعة فليأت ثلاث ليال حيث شاء. وسئل الصادق عن علة تحريم الخمر ؟ فقال في خبر طويل: فقال لها ابليس – يعني لحوا – أريد أن تذيقيني من هذا الغرس – يعني النخل والعنب والزيتون والرمان – فقالت له: ان آدم عهد أن لا اطعمك شيئا من هذا الغرس لانه من الجنة ولا ينبغي لك ان تأكل منه، فقال لها: فاعصري في كفي منه شيئا، فأبت عليه فقال: ذريني امصه ولا آكله، فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه، فأوحى الله


[ 392 ]

إلى آدم: ان العنب قد مصه عدوي وعدوك فقد حرمت عليك من عصيره الخمر. وعنه (ع) ان ابليس عمل البوح في الكرم فأتاه جبرئيل فقال: ان له حقا فاعطه فأعطاه الثلث فلم يرض ابليس ثم أعطاه النصف فلم يرض فطرح عليه جبرئيل نارا فاحرقت الثلثين وبقي الثلث فقال: ما احرقت فهو نصيبه وما بقي فهو لك حلال. وقال أبو عبد الله لرجل اصاب غلامين في بطن: أيهما أكبر ؟ قال: الذي خرج أولا، فقال (ع): الذي خرج آخرا فهو اكبر أما تعلم انها حملت ذلك أولا وان هذا دخل على ذاك لم يمكنه ان يخرج هذا فالذي يخرج آخرا فهو اكبرهما. وقال عبد الله بن سنان: لاي علة صار عدة المطلقة ثلاثة اشهر وعدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا ؟ قال: لان حرقة المطلقة تسكن في ثلاثة اشهر وحرقة المتوفى عنها لا تسكن إلا بعد اربعة اشهر وعشر. وسئل (ع): كيف صار الزوج إذا قذف امرأه كانت شهادته اربع شهادات بالله وإذا قذفها ابوها أو غيرهما جلد ؟ فقال (ع): لانه إذا قذف الرجل امرأته قيل له: كيف علمت انها فاعلة ؟ فان قال رأيت ذلك بعيني كانت شهادته اربع شهادات بالله وذلك انه يجوز للرجل ان يدخل المداخل في الخلوات التي لا يصلح لغيره ان يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل ولا في النهار فلذلك صارت شهادته اربع شهادات إذا قال رأيت بعيني وان قال لم اعاين صار قاذفا وضرب الحد إلا ان يقيم عليها البينة وغير الزوج إذا قذفها وادعى انه رأى ذلك قيل له: كيف رأيت ذلك وما ادخلك ذلك المدخل ؟ الخبر. وسأله الصباح بن سيابة عن الطافى ؟ فقال (ع): ليس يحل لانه مات في الذي فيه حياته. وقال (ع) في التفرقة بين الذكي والميت: يطرحه على النار فكلما انقبض فهو ذكي وكلما انبسط فهو ميت. علل الشرائع عن ابن بابويه قال أبو عبد الله في خبر: حرم الخصيتان لانهما موضع النكاح ومجرى للنطفة وحرم النخاع لانه موضع الماء الدافق من كل ذكر وانثى هشام بن الحكم قال: سألت ابا عبد الله فقلت: ما العلة في بطن الراحة لا ينبت فيها الشعر وينبت في ظهرها ؟ قال: لعلتين اما احدهما فان الناس يعلمون ان الارض التي تداس ويكثر عليها المشي لا ينبت فيها نبات وان ما لا يداس ينبت والكف لكثرة ما يلاقي من الاشياء لا ينبت والعلة الاخرى لانها جعلت من الابواب التي يلاقي بها


[ 393 ]

الاشياء فتركت لا ينبت عليها الشعر ليجد مس اللين والخشن. قال ابن الحجاج: يا سيدا اروي احاديثه رواية المستبصر الحاذق وقال البشنوي: سليل أئمة سلكوا كراما * على منهاج جدهم الرسول إذا ما مشكل أعيى علينا * اتونا بالبيان والدليل وقال الزاهي: قوم سماؤهم السيوف وارضهم * اعداؤهم ودم السيوف نحورها يستمطرون من العجاج سحائبا * صوف الحتوف على الرجوف مطيرها وحنادس الفتن التي إن اظلمت * فشموسها آراؤهم وبدورها ملكوا الجنان بفضلهم فرياضها * طرا لهم وخيامها وقصورها وإذا الذنوب تضاعف فبحبهم * يعطى الامان أخا الذنوب غفورها تلك النجوم الزهر في ابراجها * ومن السنين بهم تتم شهورها وقال أبو اسماعيل الطغرائي: نجوم العلى فيكم تطلع * وغايتها نحوكم ترجع فلا يستقل ولا يستقر * به لهما دونكم مضجع فصل: في معالى اموره عليه السلام في الانوار: ان النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (ع) ابني فسموه الصادق فانه ولدي يولد منه ولد يقال له الكذاب ويل له من جرأته على الله تعالى وكذبه على اخيه صاحب الحق مهدي اهل بيتي. فلاجل ذلك سمي الصادق وفي خبر: إذا ولد ابني جعفر بن محمد فسموه الصادق فان الخامس من ولده اسمه جعفر يدعي الامامة افتراء على الله وكذبا عليه فهو عند الله جعفر الكذاب. وجعفر الكذاب هو المعروف بزق الخمر. وانشأ الصادق يقول: وفينا يقينا بعد الوفاء * وفينا تفرخ افراخه رأيت الوفاء يزين الرجال * كما زين العذق شمراخه وقال المنصور للصادق (ع): قد استدعاك أبو مسلم لاظهار تربة علي (ع) فتوقفت تعلم أم لا ؟ فقال: ان في كتاب علي عليه السلام انه يظهر في ايام عبد الله


[ 394 ]

ابن جعفر الهاشمي ففرح المنصور بذلك. ثم انه (ع) اظهر التربة فاخبر المنصور بذلك وهو في الرصافة فقال: هذا هو الصادق فليزر المؤمن بعد هذا انشاء الله فلقبه بالصادق. ويقال إنما سمى صادقا لانه ما جرب عليه قط زلل ولا تحريفة. وذكر صاحب الحلية: الامام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق. وذكر فيها بالاسناد عن ابي الهياج بن بسطام قال: كان جعفر ابن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شئ. أبو جعفر الخثعمي قال: اعطاني الصادق (ع) صرة فقال لي: ادفعها إلى رجل من بني هاشم ولا تعلمه اني اعطيتك شيئا، قال: فأتيته، قال: جزاه الله خيرا ما يزال كل حين يبعث بها فنعيش به إلى قابل ولكني لا يصلني جعفر بدرهم في كثرة ماله التهذيب، لما حضر الصادق الوفاة قال: اعطوا الحسن بن علي – وهو الافطس – سبعين دينارا. قيل له: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة ! فقال: ويحك ما تقرأ القرآن (والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) ابن حنيفة السابق قال: مر بنا المفضل وانا واختي نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثم قال: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه واصلح بيننا بأربعمائة درهم ودفعها الينا من عنده حتى يستوثق كل واحد منا، ثم قال: أما انها ليست من مالي ولكن ابا عبد الله امرني إذا تشاجر رجلان من اصحابنا في شئ اصلح بينهما وافتديهما من ماله فهذا مال ابي عبد الله. وفي كتاب الفتون: نام رجل من الحاج في المدينة فتوهم ان هميانه سرق فخرج فرأى جعفر الصادق مصليا ولم يعرفه فتعلق به وقال له: انت اخذت همياني، قال: ما كان فيه ؟ قال: الف دينار، قال: فحمله إلى داره ووزن له الف دينار وعاد إلى منزله ووجد هميانه فعاد إلى جعفر معتذرا بالمال فأبى قبوله قوال: شئ خرج من يدي لا يعود إلي. قال: فسأل الرجل عنقه فقيل هذا جعفر الصادق، قال لاجرم هذا فعال مثله. ودخل الاشجع السلمي على الصادق فوجده عليلا فجلس وسأل عن علة مزاجه قال له الصادق (ع): تعد عن العلة واذكر ما جئت له، فقال ألبسك الله منه عافية * في نومك المعترى وفي ارقك


[ 395 ]

تخرج من جسمك السقام كما * اخرج ذل الفعال من عنقك فقال: يا غلام ايش معك ؟ قال: أربعمائة، قال: اعطها للاشجع. وفي عروس الترماشيري ان سائلا سأله حاجة فأسعفها فجعل السائل يشكره فقال عليه السلام: إذا ما طلبت خصال الندى * وقد عضك الدهر من جهده فلا تطلبن إلى كالح * وقد عضك اليسارة من كده ولكن عليك بأهل العلى * ومن ورث المجد عن جده فذاك إذا جئته طالبا * تحب السيارة من جده جعفر بن أبي عائشة قال: بعث الصادق غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج الصادق في أثره فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه، فلما انتبه قال: يا فلان والله ما ذاك لك تنام الليل والنهار ؟ لك الليل ولك منك النهار. كتاب الروضة، انه دخل سفيان الثوري على الصادق فرآه متغير اللون فسأله عن ذلك فقال: كنت نهيت ان يصعدوا فوق البيت فدخلت فإذا جارية من جواري ممن تربي بعض ولدي قد صعدت في سلم والصبي معها فلما بصرت بي ارتعدت وتحيرت وسقط الصبي إلى الارض فمات، فما تغير لوني لموت الصبي وإنما تغير لوني لما أدخلت عليها من الرعب. وكان عليه السلام قال لها: أنت حرة لوجه الله لا بأس عليك، مرتين. مالك بن أنس الفقيه قال: حججت مع الصادق سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلماهم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته فقلت في ذلك، فقال: وكيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول لا لبيك ولا سعديك. وروي عن الصادق: تعصي الاله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لاطعته * ان المحب لمن يحب مطيع وله عليه السلام: علم المحجة واضح لمريده * وأرى القلوب عن المحجة في عمى ولقد عجبت لهالك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجا تفسير الثعلبي روى الاصمعي له عليه السلام: اثامن بالنفس النفيسة ربها * فليس لها في الخلق كلهم ثمن بها يشترى الجنات إن أنا بعتها * بشئ سواها ان ذلك غبن


[ 396 ]

إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها * فقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن وقال مالك بن أنس: ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وورعا وكان لا يخلو من احدى ثلاث خصال: اما صائما، واما قائما، واما ذاكرا، وكان من عظماء البلاد وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم، وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله، اخضر مرة واصفر اخرى. حتى لينكره من لا يعرفه، ويقال: الامام الصادق، والعلم الناطق، بالمكرمات سابق، وباب السيئات راتق، وباب الحسنات فاتق. لم يكن غيابا، ولا سبابا، ولا صخابا، ولا طماعا، ولا خداعا، ولا نماما، ولا ذماما، ولا أكولا، ولا عجولا، ولا ملولا، ولا مكثارا، ولا ترثارا، ولا مهذارا، ولا طعانا، ولا لعانا، ولا همازا، ولا لمازا، ولا كنازا. وروى سفيان الثوري له عليه السلام: لا اليسر يطرقنا يوم فيبطرنا * ولا لازمة دهر نظهر الجزعا ان سرنا الدهر لم نبهج لصحته * أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهلعا مثل النجوم على مضمار أولنا * إذا تغيب نجم آخر طلعا ويروى له عليه السلام: اعمل على مهل فانك ميت * واختر لنفسك أيها الانسانا فكأنما قد كان لم يك إذ مضى * وكأنما هو كائن قد كانا الصادق (ع): ان عندي سيف رسول الله، وان عندي لراية رسول الله المغلبة، وان عندي الطشت الذي كان موسى يقرب بها القربان، وان عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وان عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني اسرائيل – يعني انه كان دلالة على الامامة -. وفي رواية الاعمش قال (ع): ألوح موسى عندنا، وعصى موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين. وقال (ع): علمنا غابر مزبور ونكت في القلوب ونقر في الاسماع، وان عندنا الجعفر الاحمر والجفر الابض ومصحف فاطمة عليها السلام، وان عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. وقد ذكرنا معانيه في فصل الامامة. ويروى له في الاصل:


[ 397 ]

كنا نجوما يستضاء بنا * وللبرية نحن اليوم برهان نحن البحور التي فيها لغائصكم * در ثمين ويافوت ومرجان مساكن القدس والفردوس نملكها * ونحن للقدس والفردوس خزان من شذ عنا فبرهوت مساكنه * ومن أتانا فجنات وولدان محاسن البرقي، قال الصادق (ع) لضريس الكناسي: لم سماك أبوك ضريسا ؟ قال: كما سماك أبوك جعفرا، قال: إنما سماك أبوك ضريسا بجهل لان لابليس ابنا يقال له ضريس، وان أبي سماني جعفرا بعلم على انه اسم لنهر في الجنة، أما سمعت قول ذي الرمة: أبكي الوليد أبا الوليد * أخا الوليد فتى العشيره قد كان غيثا في السنين * وجعفرا غدقا وميره وقال زيد بن علي: في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضل من تبعه ولا يهتدى من خالفه. شوف العروس عن الدامغاني انه استقبله عبد الله بن المبارك فقال: أنت يا جعفر فوق ال‍ * مدح والمدح عناء إنما الاشراف أرض * ولهم أنت سماء جاز حد المدح من قد ولدته الانبياء * * * الله أظهر دينه وأعزه بمحمد * والله أكرم بالخلافة جعفر بن محمد وقال أبو حنيفة لمؤمن الطاق بحضرة المهدي لما توفي الصادق: قد مات إمامك، فقال الطاقى: إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت، فضحك المهدي وأمر له بعشرة آلاف درهم. وقال مالك بن أعين الجهني: وغيبت عنك فياليتني * شهدت الذي كنت لم اشهد فاسببت في سبة جعفرا * وشاهدت في لطف العود فان قيل نفسك قلت الفداء * وكف المنية بالمرصد عشية يدفن فيك الهدى * وغرته من بني أحمد وقال آخر: يا عين بكى جعفر بن محمد * زين المشاعر كلها والمسجد


[ 398 ]

وقال أبو هريرة الابار: أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى * ثبير ثوى من رأس علياء شاهق غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * ترابا وأولى كان فوق المفارق أيا صادق ابن الصادقين الية * بآبائك الاطهار حلفة صادق وقال العوني: عج بالمطي على بقيع الغرقد * واقرا التحية جعفر بن محمد وقل ابن بنت محمد ووصيه * يا نور كل هداية لم تجحد يا صادقا شهد الاله بصدقه * فكفى مهابة ذي الجلال الامجد يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى * يا نور حاضر سر كل موحد يا ابن النبي محمد أنت الذي * أوضحت قصد ولاء آل محمد يا سادس الانوار يا علم الهدى * ضل امرؤ بولائكم لم يهتد ومن رواة النص من أبيه (ع): أبو الصباح الكناني، وهشام بن سالم، وجابر ابن يزيد، وطاهر، و عبد الاعلى مولى سالم. وقال الصادق: ان أبي استودعني ما هنا لك فلما حضرته الوفاة قال لي: ادع شهودا فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر قال اكتب: هذا ما أوصى به محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي يصلي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامته وأن يرفع قبره أربع أصابع من الارض ويربع وأن يحل عنه أطماره في دفنه، ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله، فقلت له: يا أبه ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ فقال: يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال لم يوص إليه فأردت أن يكون لك الحجة. قال العوني: يا آل أحمد أنتم * سفن النجاة لمن عقل أنت سماء للسما * وبهديكم ضرب المثل وقال الناشي: بآل محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب وهم حجج الاله على البرايا * بهم وبحكمهم لا يستراب بقية ذى العلى وفروع أصل * بحسن بيانهم وضح الخطاب وأنوار ترى في كل عصر * لارشاد الورى منها شهاب


[ 399 ]

ذراراي أحمد وبني علي * خليفته وهم لب لباب إذا ما اعوز الطلاب علم * ولم يوجد فعندهم يصاب تناهوا في نهاية كل مجد * فطهر خلقهم وزكوا وطابوا وحبهم صراط مستقيم * ولكن في مسالكه عقاب وقال العلوي الكوفي: هم صفوة الله التي ليس مثلها * وما مثلهم في العالمين بديل خيار خيار الناس من لا يحبهم * فليس له إلا الحجيم مقيل وقال غيره: بحمد الله أبدأ في المقال * وذكر رسوله في كل حال اصلي بالنهار وطول ليلي * على آل الرسول ولا ابالي وانشد: وإذا الرجال توسلوا بوسيلة * فوسيلتي حبي لآل محمد الله طهرهم بفضل نبيهم * وابان شيعتهم بطيب المولد فصل: في تواريخه وأحواله عليه السلام ولد بالمدينة يوم الجمعه عند طلوع الفجر. ويقال: يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الاول سنة ثلاث وثمانين. وقالوا: سنة ست وثمانين. فأقام مع جده اثنتى عشرة سنة، ومع أبيه تسع عشرة سنة، وبعد أبيه أيام إمامته أربعا وثلاثين سنة. وكان في سني إمامته ملك ابراهيم بن الوليد ومروان الحمار، ثم سارت المسودة من أرض خراسان مع أبي مسلم سنة اثنين وثلاثين ومائة، وانتزعوا الملك من بني امية وقتلوا مروان الحمار، ثم ملك أبو العباس السفاح أربع سنين وستة أشهر وأياما، ثم ملك أخوه أبو جعفر المنصور احدى وعشرين سنة واحد عشر شهرا وأياما، وبعد مضي سنتين من ملكه قبض في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة. وقبل: يوم الاثنين النصف من رجب. وقال أبو جعفر القمي: سمه المنصور ودفن بالبقيع، وقد كمل عمره خمسا وخمسين سنة. ويقال: كان عمره خمسين سنة. امه فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.


[ 400 ]

أولاده عشرة: اسماعيل الامين، و عبد الله، من فاطمة بنت الحسين الاصغر. وموسى الامام، ومحمد الديباج، واسحاق، لام ولد ثلاثتهم. وعلي العريضي، لام ولد. والعباس، لام ولد. ابنته اسما ام فروة التي زوجها من ابن عمه الخارج. ويقال: له ثلاث بنات: ام فروة من فاطمة بنت الحسين الاصغر. وأسما من ام ولد. وفاطمة من ام ولد. وبابه محمد بن سنان. واجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه (ع): وهم جميل بن دراج، و عبد الله بن مسكان، و عبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وابان بن عثمان. وأصحابه من التابعين نحو: اسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، و عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) مدني. ومن خواص أصحابه: معاوية بن عمار مولى بني دهن وهو حي من بجيلة، وزيد الشحام، و عبد الله بن أبي يعفور، وأبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الاحول، وأبو الفضل سدير بن حكيم، وعبد السلام بن عبد الرحمن، وجابر بن يزيد الجعفي، وأبو حمزة الثمالي، وثابت بن دينار، والمفضل بن قيس بن رمانة، والمفضل بن عمر الجعفي، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب، وميسرة بن عبد العزيز، و عبد الله بن عجلان، وجابر المكفوف، وأبو داود المسترق، وابراهيم بن مهزم الاسدي، وبسام الصيرفي، وسليمان بن مهران أبو محمد الاسدي مولاهم الاعمش، وابو خالد القماط واسمه يزيد بن ثعلبة بن ميمون، وابو بكر الحضرمي، والحسن بن زياد، و عبد الرحمن ابن عبد العزيز الانصاري من ولد أبي امامة، وسفيان بن عيينة بن ابى عمران الهلالي، وعبد العزيز بن ابى حازم، وسلمة بن دينار المدنى. ومن مواليه: معتب، ومسلم، ومصادف. وكان عليه السلام ربع القامة، أزهر الوجه، حالك الشعر، جعد، أشم الانف، أنزع، رقيق البشرة، على خده خال اسود، وعلى جسده خيلان حمرة. وقد روى في زيارته عنه (ع) قال: من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا. وكان اسمه جعفر، ويكنى ابا عبد الله، وابا اسماعيل. والخاص، أبو موسى، وألقابه: الصادق، والفاضل، والطاهر، والقائم، والكافل، والمنجى. واليه ينسب الشيعة الجعفرية. ومسجده في الحلة.


[ 401 ]

وجعفر الصادق ميزانه من الحساب: جاد إمام حق منصوص عليه. لاستوائهما في خمسمائة وتسع وثمانين. قال ابن حماد: ارض الاله واسخط الشيطانا * تعطى الرضى في الحشر والرضوانا وامحض ولاك للذين ولاؤهم * فرض على من يقرأ القرآنا آل النبي محمد خير الورى * واجلهم عند الاله مكانا آل النبي محمد خير الورى * واجلهم عند الاله مكانا قوم قوام الدين والدنيا هم * إذا اصبحوا لهما معا اركانا قوم إذا اصفى هواهم مؤمن * اعطي غدا مما يخاف امانا قوم يطيع الله طائع امرهم * وإذا عصاه فقد عصى الرحمانا وهم الصراط المستقيم وحبهم * يوم المعاد يثقل الميزانا والله صيرهم لمحنة خلقه * بين الضلالة والهدى فرقانا حفظوا الشريعة قائمين بحكمها * ينفون عنها الزور والبهتانا وأتى القرآن بفضل طاعتهم على * كل الانام فاسمع الآذانا وتوالت الاخبار ان محمدا * بولائهم وبحفظهم وصانا وقال العوني: ألا ان آل نبي الهدى * جرى ذكرهم في قديم الصحف بني البيت والحجر والمشعري‍ * ن والموقف الصدق والمعترف بني الزمزم والصفا والمقام * وال المعالي وبيت الشرف ومن للملائك في فضلها * إلى بيت والدهم مختلف ومن في الولا لموالاتهم * محو الذنوب لمن يقترف ومن يرتجي منهم شافع * وساق مرو إذا ما اغترف ومن لا يقدس إلا امرؤ * تعلق من حبلهم بالطرف وقال الحصكفي: أئمه اكرم بهم أئمة * اسماؤهم مشهودة تطرد هم حجج الله على عباده * وهم إليه منهج ومقصد هم بالنهار صوم لربهم * وفي الدياجي ركع وسجد


[ 402 ]

وقال الموسوي: من معشر وجدوا المكارم طعمه * ورووا من الشرف الاغر الاقدم من قائد أو ذائد أو عامر * أو ماطر أو منعم أو مرغم وقروا على المجد المشيد همومهم * وتهاونوا بالنائل المتهدم غيض الف تقابلت شعبانه * في المجد شجر مقوم لمقوم يتوارثون المكرمات ولادة * من بين جد في المكارم ايتم الطيبين الطاهرين ومن يكن * لاب إلى حرم النبوة يعظم


[ 403 ]

باب امامة أبي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع) فصل: في المقدمات الحمد لله الذي كبس بلطفه الصدور فألقى عسرها وغلها. الرحمن الذي كمل بفضله الامور دقها وجلها، الرحيم الذي أفاض من رحمته البحور فغسل الزلات صكها وسجلها، علم الاشياء فأحصى كثرها وقلها، وسمع الاقوال فأثبت حزها ونحلها، وأفحم الملائكة حين علم آدم الاسماء كلها. الكاظم (ع) في قوله تعالى: (بلى من كسب سيئة) قال: بغضنا، (وأحاطت به خطيئته) قال: من شرك في دمائنا. وعنه (ع) في قوله تعالى: (واكتبنا مع الشاهدين) قال: نحن هم نشهد للرسل على اممها. وعنه في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) قال: هم عدونا اهل البيت إذا سألوا عنا قالوا ذلك. الباقر (ع) في قوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم) قال: إيانا عنى الائمة من آل محمد. وروى هذا المعنى أبو بصير عن الباقر، وعبد العزيز العبدي، وهارون بن حمزة عن الصادق. وعنه (ع) في قوله تعالى: (ولا تتبعوا السبل) نحن السبل لمن اقتدى بنا ونحن الهداة إلى الجنة ونحن عرى الاسلام. وعنه في قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) فقال: غير التسليم لولايتنا. وعنه في قوله تعالى: (ما فرطت في جنب الله) نحن جنب الله. وعنه في قوله تعالى (والسابقون السابقون اولئك المقربون) قال: نحن السابقون ونحن الآخرون. وعنه في قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) قال: هذه نزلت في آل محمد وأشياعهم. وعنه في قوله تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي) قال: اتبع سبيل محمد وعلي. وعنه في قوله تعالى: (من جاء بالحسنة) قال: الحسنة حبنا ومعرفه حقنا، والسيئة بغضنا وانتقاص حقنا. وقال زيد بن علي، وابو عبد الله الجذلي: قال علي عليه السلام: (من جاء بالحسنة) قال: حبنا، (ومن جاء بالسيئة) قال: بغضنا.


[ 404 ]

أبو الحسن الماضي عليه السلام في قوله: (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ان الله أعز وأمنع من أن يظلم وأن ينسب نفسه إلى ظلم ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته. وعنه في قوله: (يوم يقوم الروح) قال: نحن والله الآذنون لهم يوم القيامة والقائلون صوابا. وعنه في قوله تعالى: (كلا ان كتاب الفجار لفي سجين) الذين فجروا في حق الائمة واعتدوا عليهم. امير المؤمنين (ع) في قوله تعالى: (ان في ذلك لآيات للمتوسمين) فكان رسول الله المتوسم والائمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة (وانها لبسبيل مقيم) فذلك السبيل المقيم هو الوصي بعد النبي. الصادق (ع) في قوله تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) أي عن ولايتنا، وعنه في قوله: (وأوحى إلي هذا القرآن لاندركم به ومن بلغ) قال: من بلغ ان يكون إماما من آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله صلى الله عليه وآله. أبو جعفر وابو عبد الله (ع) في قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش) نزلت في آل محمد. الصادق والباقر عليهما السلام في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) نعمة الله رسوله، إذ يخبر امته بمن يرشدهم من الائمة فأحلوهم دار البوار، ذلك معنى قول النبي: لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. بني الدين على اتباع النبي صلى الله عليه وآله، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني). واتباع الكتاب (واتبعوا النور الذي انزل معه). واتباع الائمة من اولاده (والذين اتبعوهم باحسان). فاتباع النبي يورث المحبة (يحببكم الله): واتباع الكتاب يورث السعادة (فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى). واتباع الائمة يورث الجنة (رضى الله عنهم ورضوا عنه). كادت الاشياء تكون سبعة: السماوات، والارضون، والبحار، والجزائر، والنجوم السيارة، والاقاليم، والاسابيع، وابواب جهنم، والاعضاء، والوضوء، والطواف، والسعي، ورمي الجمار، واسباع القرآن، واكثر الاسماء، والمولود إذا بلغ سبعة ايام عق عنه، وإذا بلغ سبع سنين سقط سنه، وإذا بلغ ثلاثة اسباع توفر لمحبته ويلف عن النهر، ثم جعل طوله بشبره سبعة اشبار، وإذا ولد في سبعة اشهر عاش، ولا إله إلا الله محمد رسول الله سبع كلمات، وموسى بن جعفر سابع الائمة.


[ 405 ]

ان الذي قسم الائمة حازها * في صلب آدم للامام السابع وميزان موسى بن جعفر من الحساب: إمام معصوم منصوص عليه، لاستوائهما في اربعمائة وخمس وثمانين. قال ابن حماد: اصرف هواك إلى النبي وآله * وتولهم ابدا بقلب غارب قوم براهم ربهم من نوره * والخلق من ماء وطين لازب جاءت مراتبهم لديه فأصبحوا * بالله معدن كل فضل راتب طابت اصولهم معا وفروعهم * فتطهروا من شبهة وشوائب قوم هم حجج الاله على الورى * ممن يرى بمشارق ومغارب يا عاتبي في حبهم قد زادني * حبا لهم وهوى مقال العاتب إن كان ذنبي حبهم ومديحهم * فاشهد بأني منه غير التائب أأتوب من عمل به أرجو النجا * يوم المعاد من العذاب الواصب وقال الكميت: بنو هاشم فهم الاكرمون * بنو الباذخ الافضل الاطيب وآباؤهم فاتخذ أولياء * من دون ذي النسب الاقرب وفي ودهم فائتهم عادلا * نهاك وفي حبلهم فاخطب أرى لهم الفضل والسابغات * ولم أتمن ولم أحسب لئن طال شربي للآجنات * لقد طاب عندهم مشربي اناس إذا اوردت بحرهم * صوادي الغرائب لم تضرب نجوم الامور إذا دلست * بظلماء ديجورها الغيهب واهل القديم واهل الحديث * إذا نقصت حبوة المجتبي وقال مهيار: اين الذين بصروا من العمى * وفتحوا باب الرشاد المغلقا وانتظم المجد نبيا صادعا * بالمعجزات وإماما صادقا مناسك الناس لكم وعندكم * جزاء من أسرف أو من اتقى والوحي والاملاك في ابياتكم * مختلفات مهبطا ومرتقي لا يملك الناس عليكم إمرة * كنتم ملوكا والانام سوقا في جده الدهر وفي شبابه * وحين شاب عمره واخلقا مجدا إلهيا توخاكم به * رب العلى وشرفا مخلقا


[ 406 ]

رتقتم بالدينم قوم ألحدوا * فيكم وعن قوم حللتم ربقا وآمن الله بكم عباده * حتى حمام بيته المطوقا ليس المسيح يوم أحيى ميتا * ولا الكليم يوم خر مصعقا ثنا لغير ما انشى في امركم * وان هما تقدما وسبقا وزالت الريح سليمان لو * ابتغاكم في ظهرها ما لحقا ولا ابوه ناسجا ادراعه * مضاعفا سرورها والحلقا فضلتموهم ولكن فضلكم * فضيلة الرأس المطي والعنقا فصل: في انبائه عليه السلام بالمغببات بيان بن نافع التفليسي قال: خلفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسى ابن جعفر (ع) فلما ان قرب منه هممت بالسلام عليه. فأقبل علي بوجهه وقال: برحجك يا ابن نافع آجرك الله في ابيك فانه قد قبضه إليه في هذه الساعة فارجع فخذ في جهازه، فبقيت متحيرا عند قوله وقد كنت خلفته وما به علة. فقال: يا ابن نافع أفلا تؤمن ؟ فرجعت فإذا انا بالجواري يلطمن خدودهن، فقلت ما وراكن ؟ قلن ابوك فارق الدنيا. قال ابن نافع: فجئت إليه اسأله عما اخفاه ورأى فقال لي ابدا ما اخفاه وراك، ثم قال: يا ابن نافع إن كان في امنيتك كذا وكذا ان تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته البالغة. أبو خالد الرماني، وابو يعقوب الزبالي، قال كل واحد منهما: استقبلت ابا الحسن بالاجفر في المقدمة الاولى على المهدي، فلما خرج ودعته وبكيت، فقال لي ما يبكيك ؟ قلت: حملك هؤلاء ولا ادري ما يحدث. قال فقال لي: لا بأس علي منه في وجهي هذا ولا هو بصاحبي واني لراجع إلى الحجاز ومار عليك في هذا الموضع راجعا فانتظرني في يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا فانك تلقاني راجعا، قلت له: خير البشرى لقد خفته عليك، قال: فلا تخف. فترصدته ذلك الوقت في ذلك الموضع فإذا بالسواد قد اقبل ومناد ينادي من خلفي، فأتيته فإذا هو أبو الحسن على بغلة له، فقال لي: إيها ابا خالد، قلت: لبيك يا ابن رسول الله الحمد لله الذي خلصك من ايديهم، فقال: أما ان لي عودة إليهم لا اتخلص من ايديهم. اسحاق بن عمار، قال أبو الحسن (ع) لرجل: يا فلان انت تموت إلى شهر، فأضمرت في نفسي: كأنه يعلم آجال الشيعة ! فقال لي يا اسحاق ما تنكرون من


[ 407 ]

ذلك ؟ كان رشيد الهجري مستضعفا وكان يعلم علم المنايا والامام أولى بذلك منه ثم قال، يا اسحاق تموت إلى سنتين ويتشتت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاسا شديدا قال الحسن بن علي بن أبي عثمان: فكان كما قال. يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو واقف على رأس أبي الحسين وهو في المهد فجعل يساره طويلا فقال لي: ادن إلى مولاك، فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم قال: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فانه اسم يبغضه الله. وكانت ولدت لي ابنة فسميتها بفلانة، فقال لي أبو عبد الله: انته إلى أمره ترشد، فغيرت اسمها. الرافعي: كان الحسن بن عبد الله مهيبا عند الملوك زاهدا في الدنيا يأمر بالمعروف على السلطان فلقيه موسى بن جعفر (ع) فقال: يا أبا علي ما أحب إلي ما أنت عليه وأسرني به، إلا انه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة، قال: وما المعرفة ؟ قال: اذهب وتفقه واطلب الحديث، قال: فذهب فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء المدينة وعرض عليه فاسقط عليه السلام كله فجاء وذهب معرضا وموسى يرد عليه ويقول: اذهب واعرف، وكان الرجل معينا بدينه فوجد منه الخلوة فقال: اني أحتج عليك بين يدي الله فدلني إلى خيرة، وسأله دلالة، فقال: اذهب إلى تلك الشجرة فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر اقبلي. قال: فأتيتها وقلت لها فرأيتها والله تخذ الارض خدا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها بالرجوع فرجعت. قال: فلزم الصمت وكان لا يراه أحد بعد ذلك. محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين اصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الاصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الاصابع ؟ وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن يسأله عن ذلك، فكتب إليه: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتخلل لحيتك وتمسح رأسك كله وبه تمسح ظاهر اذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره. فلما وصل الكتاب إلى علي تعجب مما رسم له فيه ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذه، وسعى بعلي إلى الرشد بالرفض فقال: قد كثر القول عندي في رفضه، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء وتوضأ على ما أمره الامام فلم يملك الرشيد


[ 408 ]

نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذاب يا علي من زعم انك من الرافضة وصلحت حاله عنده. وورد كتاب أبي الحسن (ع): ابتدئ من الان يا علي بن يقطين وتوضأ كما أمرك الله، وذكر وصفه، ثم قال: فقد زال ما كنت أخافه عليك والسلام. قال الشاعر: ثم حال الوضوء حال عجيب كيف أنباه بالضمير وخبر هو عين الحياة وهو نجاة * ورشاد لمن قرا وتدبر هو سر الاله في الباس والجود * فطوبى لمن به يتبصر ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الايام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وفيها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، فأنفذ ابن يقطين بها إلى موسى بن جعفر مع مال كثير، فلما وصل إلى أبي الحسن قبل المال ورد نالدراعة وكتب إليه احتفظ بها ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه. فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام له فصرفه عن خدمته، فسعى الغلام به إلى الرشيد فقال: انه يقول بامامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين، فغضب الرشيد غضبا شديدا وقال: إن كان الامر على ما تقول أزهقت نفسه. فأنفذ بإحضار ابن يقطين وقال: علي بالدراعة التي كسوتك إلي الساعة. فأنفذ خادما، وقال: آتيني بالسفط الفلاني، فلما جاء به وضعه بين يدي الرشيد وفتحه فنظر إلى الدراعة بحالها مطوية مدفونة في الطيب فسكن الرشيد من غضبه وقال: انصرف راشدا فلن اصدق بعدها ساعيا. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي حتى مات منه. وابن يقطين حين رد عليه * الطهر أثوابه وقال وحذر قال خذها وسوف تسأل عنها * ومعاديك في لاشك يخسر أحمد بن عمر الخلال قال: سمعت الاخوص بمكة يذكره فاشتريت سكينا وقلت: والله لاقتلنه إذا خرج من المسجد وأقمت على ذلك وجلست له فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن قد طلعت علي فيها: بسم الله الرحمن الرحيم بحقي عليك كما كففت على الاخوص فان الله ثقتي وهو حسبي. أحمد بن خالد البرقي عن محمد بن عباد المهلبي قال: لما حبس هارون الرشيد موسى ابن جعفر وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس دعا الرشيد يحيى بن خالد البرمكي


[ 409 ]

وسأله تدبيرا في شأن موسى (ع) فقال: الذي أراه لك أن تمن عليه وتصل رحمه، فقال الرشيد: انطلق إليه واطلق عنه الحديد وابلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين أن لا اخليك حتى تقر لي بالاساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة وهذا يحيى وهو ثقتي ووزيري فله بقدر ما اخرج من يميني وانصرف راشدا. فقال (ع): يا ابا علي أنا ميت وإنما بقي من أجلي اسبوع اكتم موتي واتيني يوم الجمعه وصل أنت وأولاليائي علي فرادى وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه واحتل لنفسك فاني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه انه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال له: يا أبا علي ابلغه عني: يقول موسى بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعه ويخبرك بما يرى وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمتعدي على صاحبه. فلما أخبره بجوابه قال له هارون: إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا فلما كان يوم الجمعة توفي أبو ابراهيم عليه السلام. اجتمع الناس على عبد الله بن جعفر بعد وفاة الصادق فدخل عليه هشام بن سالم ومحمد بن النعمان صاحب الطاق فسألاه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال: في مائتي درهم خمسة دراهم، فقالا: ففي مائة ؟ قال: درهمين ونصف. فخرجا يقولان: إلى المرجئة إلى القدرية إلى المعتزلة إلى الزيدية، فرأيا شيخا يومئ اليهما فاتبعاه خائفين أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور، فلما ورد هشام على باب موسى فإذا خادم بالباب فقال له: ادخل رحمك الله، فلما دخل قال: إلي إلي لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الزيدية. فقال هشام: مضى أبوك موتا ؟ قال: نعم، قال: فمن لنا بعده ؟ قال: انشاء الله أن يهديك هداك، قال: ان عبد الله يزعم انه إمام، قال: عبد الله يريد أن لا يعبد الله، قال: فمن لنا بعده ؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: فانت هو ؟ قال: وما أقول ذلك، قال: عليك يا إمام ؟ قال: لا قال: أسألك كما كنت أسأل أباك ؟ قال: سل تخبر ولا تذع فان أذعت فهو الذبح. أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل انه اجتمعت العصابة الشيعة بنيسابور واختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين الف دينار وخمسين الف درهم والفي شقة من الثياب واتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خادم من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: ان الله لا يستحي من الحق. قال: فثنيت درهمها وجاؤا بجزء، فيه مسائل ملء سبعين ورقة في كل ورقة مسأله وباقى الورق بياض ليكتب الجواب


[ 410 ]

تحتها وقد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم وختم عليها بثلاث خواتيم على كل حزام خاتم وقالوا: ادفع إلى الامام ليلة وخذ منه في غد فان وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة وانظره هل أجاب عن المسائل، وإن لم تنكسر الخواتين فهو الامام المستحق للمال فادفع إليه وإلا فرد الينا اموالنا. فدخل على الافطح عبد الله بن جعفر وجربه وخرج عنه قائلا: رب اهدني إلى سواء الصراط. قال: فبينما أنا واقف إذا أنام بغلام يقول: أجب من تريد، فأتى بي دار موسى بن جعفر، فلما رأني قال لي: لم تقنط يا أبا جعفر ؟ ولم تفزع إلى اليهود والنصارى ؟ فأنا حجة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي ؟ وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه اربعمائة درهم للوازواري (كذا) والشقة التي في رزمة الاخوين البلخين. قال: فطار عقلي من مقاله واتيت بما امرني ووضعت ذلك قبله فأخذ درهم شطيطة وازارها، ثم استقبلني وقال: ان الله لا يستحي من الحق يا أبا جعفر ابلغ شطيطة سلامي واعطها هذه الصرة – وكانت اربعين درهما – ثم قال: واهديت لك شقة من اكفاني من قطن قريتنا صيداء قرية فاطمة (ع) وغزل اختي حليمة ابنة ابى عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)، ثم قال: وقل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصل ابى جعفر ووصول الشقة والدراهم فانفقي على نفسك منها ستة عشر درهما واجعلي اربعة وعشرين صدقة منك وما يلزم عنك وانا اتولى الصلاة عليك، فإذا رأيتني يا ابا جعفر فاكتم علي فانه أبقى لنفسك، ثم قال: واردد الاموال إلى اصحابها وافكك هذه الخواتيم عن الجزء وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل ان تجيئنا بالجزء ! فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: نذرت لله لاعتقن كل مملوك كان في رقى قديما وكان له جماعة من العبيد ؟. الجواب بخطه: ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى (والقمر قدرناه) الآية والحديث: من ليس له من ستة اشهر. وفككت الختم الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال: والله لاتصدقن بمال كثير فيما يتصدق ؟. الجواب تحته بخطه: إن كان الذي حلف من ارباب شياة فليتصدق بأربع وثمانين شاة وإن كان من اصحاب النعم فليتصدق


[ 411 ]

بأربع وثمانين بعيرا، وإن كان من ارباب الدراهم فليتصدق بأربع وثمانين درهما، والدليل عليه قوله تعالى: (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددت مواطن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول تلك الآية فكانت اربعة وثمانين موطنا. فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا: ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت وقطع رأس الميت واخذ الكفن ؟. الجواب بخطه: يقطع السارق لاخذ الكفن من وراء الجزر ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت لانا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن امه قبل ان ينفخ فيه الروح فجعلنا في النطفة عشرين دينارا. المسألة إلى آخرها. فلما وافى خراسان وجد الذين رد الذين رد عليهم اموالهم ارتدوا إلى الفطحية، وشطيطة على الحق، فبلغها سلامه واعطاها صرته وشقته، فعاشت كما قال (ع)، فلما توفيت شطيطة جاء الامام على بعير له، فلما فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثنى نحو البرية وقال: عرف اصحابك واقرأه مني السلام وقل لهم: انى ومن يجري مجراي من الائمة لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بد كنتم فاتقوا الله في انفسكم. علي بن أبى حمزة قال: كنا بمكة سنة من السنين فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حتى مات من ذلك خلق كثير فدخلت على أبي الحسن (ع) فقال مبتدئا من غير أن أسأله: يا علي ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا إلى أن يجئ منه ريح يدل على موته، قلت له: جعلت فداك كأنك تخبرني انه دفن ناس كثير أحياء ؟ قال: نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم. عيسى بن شلقان قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال مبتدئا من قبل أن أجلس: يا عيسى ما يمنعك من تلقاء ابني فتسأله عن جميع ما تريد ؟ فقال عيسى: فذهبت إلى العبد الصالح وهو قاعد وعلى شفتيه أثر المداد، فقال مبتدئا: يا عيسى ان الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها أبدا وأعار قوما الايمان ثم سلبه الله إياه، وان أبا الخطاب ممن اعير الايمان ثم سلبه الله إياه، فقلت: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. علي بن أبي حمزة قال: أرسلني أبو الحسن (ع) إلى رجل قدامه طبق يبيع بفلس فلس وقال: اعطه هذه الثمانية عغر درهما وقل له: يقول لك أبو الحسن انتفع بهذه الدراهم فانها تكفيك حتى تموت، فلما أعطيته بكى فقلت: وما يبكيك ؟ قال: ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي، فقلت: وما عند الله خير مما أنت فيه، فسكت وقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقلت: علي بن أبي حمزة، قال: والله لهكذا قال لي سيدي


[ 412 ]

ومولاي: اني باعث اليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي. قال علي: فلبثت نحوا من عشرين ليلة ثم أتيت إليه وهو مريض فقلت: أوصني بما أحببت أنفذه من مالي، قال: إذا أنامت فزوج ابنتي من رجل دين ثم بع داري وادفع ثمنها إلى أبي الحسن واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة قال: فلما دفنته زوجت ابنته من رجل مؤمن وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبى الحسن (ع) فزكاه وترحم عليه وقال: رد هذه الدراهم فادفعها إلى ابنته. على بن أبي حمزة قال: أرسلني أبو الحسن إلى رجل من بني حنيفة وقال: انك تجده في ميمنة المسجد. فدفعت إليه كتابه فقرأ ثم قال: ائتني يوم كذا وكذا حتى اعطيك جوابه، فأتيته في اليوم الذي كان وعدني فأعطاني جواب الكتاب، ثم لبثت شهرا فأتيته لاسلم عليه فقيل: ان الرجل قد مات، فلما رجعت من قابل إلى مكة لقيت أبا الحسن وأعطيته جواب كتابه فقال: رحمه الله. فقال: يا على لم لم تشهد جنازته ؟ قلت: قد فاتت مني. شعيب العقرقوفي قال: بعثت مباركا مولاي إلى أبي الحسن ومعه مائتا دينار وكتبت معه كتابا، فذكر لي مبارك انه سأل عن أبي الحسن فقيل: قد خرج إلى مكة، فقلت: لاسير بين مكة المدينة بالليل، وإذا هاتف يهتف بي: يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي، فقلت: من أنت يا عبد الله ! فقال: أنا معتب يقول لك أبو الحسن هات الكتاب الذي معك وواف بالذي معك إلى منى، فنزلت من محملي ودفعت إليه الكتاب وصرت إلى منى فادخلت عليه وصببت الدنانير التي معي قدامه، فجر بعضها إليه ودفع بعضها بيده ثم قال: يا مبارك ادفع هذه الدنانير إلى شعيب وقل له: يقول لك أبو الحسن ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه فان صاحبها يحتاج إليها. فخرجت من عنده وقدمت على سيدي وقلت ما قصة هذه الدنانير ؟ قال: اني طلبت من فاطمة خمسين دينارا لاتم بها هذه الدنانير فامتنعت علي وقالت: اريد أن أشتري بها قرح فلان بن فلان، فأخذتها منها سرا ولم التفت إلى كلامها. ثم دعا شعيب بالميزان فوزنها فإذا هي خمسين دينارا. علي بن أبي حمزة قال: قال لي أبو الحسن مبتدئا: يا علي يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك عني فقل: والله هو الامام الذي قال لنا أبو عبد الله، وإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه، قلت: وما علامته ؟ قال: رجل طويل جسيم يقال له يعقوب، فبينا أنا في الطواف إذا أقبل رجل بهذه الصفة، فقال لي: اني اريد ان


[ 413 ]

أسألك عن صاحبك، قلت: عن أي اصحابي ؟ قال: عن فلان بن فلان، قلت: وما اسمك ؟ قال: يعقوب، قلت: ومن أين أنت ؟ قال: رجل من اهل المغرب، فقلت: ومن أين عرفتني ؟ قال: أتاني آت في منامي فقال: الق عليا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه، ثم سألني ان ادخله إلى ابى الحسن (ع)، فاستأذنت عليه فأذن، فلما رآه أبو الحسن قال: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين اخيك شر في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا وهذا ليس من ديني ولا من دين آبائى ونهاني عن مثل ذلك، الخبر. أبو خالد الزبالي قال: نزل أبو الحسن منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ونحن لا نقدر على عود نستوقد به فقال: يا ابا خالد ائتينا بحطب نستوقد به، قلت: والله ما اعرف في هذا الموضع عودا واحدا، فقال: كلا يا ابا خالد ترى هذا الفج خذ فيه فانك تلقى اعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه ولا تماكسه. فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي فإذا اعرابي معه حملان حطبا فاشتريتهما منه واتيته بهما، فاستوقدوا منه يومهم ذلك واتيته بطرف ما عندنا فطعم منه، ثم قال: يا ابا خالد انظر خفاف الغلمان ونعالهم فاصلحها حتى نقدم عليك في شهر كذا وكذا. قال أبو خالد: فكتبت تاريخ ذلك اليوم، فركبت حماري يوم الموعود حتى جئت إلى لزق ميل ونزلت فيه فإذا انا براكب مقبل نحو القطار فقصدت إليه فإذا هو يهتف بي ويقول: يا أبا خالد، قلت: لبيك جعلت فداك، قال: أتراك وفيناك بما وعدناك، ثم قال: يا أبا خالد ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما ؟ فقلت: جعلت فداك قد هيأتهما لك وانطلقت معه حتى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما، ثم قال: ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت قد اصلحناها، فأتيته بهما فقال: يا أبا خالد سلني حاجتك، فقلت: جعلت فداك اخبرني بما فيه كنت زيدي المذهب حتى قدمت علي وسألتني الحطب وذكرت مجيئك في يوم كذا فعلمت انك الامام الذي فرض الله طاعته، فقال: يا ابا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الاسلام. قال الناشي: اناس علوا أعلى المعالي من العلى * فليس لهم في الفاضلين ضريب إذا انتسبوا جازوا التناهي لمجدهم * فما لهم في العالمين نسيب هم البحر أضحى دره وعبابه * فليس له من مبتغيه رسوب تسير به فلك النجاة وماؤها * لشرابه عذب المذاق شروب


[ 414 ]

هو البحر يغني من غدا في جواره * وساحله سهل المجال رحيب هم سبب بين العباد وربهم * محبهم في الحشر ليس يخيب حووا علم ما قد كان أو هو كائن * وكل رشاد يحتويه طلوب وقد حفظوا كل العلوم بأسرها * وكل بديع يحتويه غيوب هم حسنات العالمين بفضلهم * وهم للاعادي في المعاد ذنوب وقال الحميري: وطبتم في قديم الدهر إذ سطرت * فيه البرية مرحوما وملعونا ولن تزالوا بعين الله ينسجكم * في مستكنات اصلاب الابرينا يختار من كل قرن خيرهم لكم * لا النذل يلزمكم منهم ولا الدونا حتى تناهت بكم في امة جعلت * من اجل فضلكم خير المصلينا فأنتم نعمة لله سابغة * منه علينا وكان الخير مخزونا لا يقبل الله من عبد له عملا * ولا عدوكم العمى المضلينا وقال شاعر: أتنسى ذكر أهل الفضل جهلا * وتذكر غيرهم في الذاكرينا من الشفعاء يوم الحشر أكرم * بهم من شافعين مشفعينا من الانوار في ظلم الليالي * من الانوار عند المجد بينا من الشجعان يوم الحرب لابل * من الفرسان فيها المبدعونا من الفقهاء في الشبه اللواتى * يحار لشرحها المتفقهونا من الحجج التي نصبت منارا * تزيد بصائر المستبصرينا على من انزل القرآن أم من * أبان الرشد للمسترشدينا بمن هدي الورى لما استجابوا * بحجة من أقروا مذعنينا بمن فخر المطوق جبرئيل * أتعرف مثله في الفاخرينا بمن ضم الكساء بمن يباهي * رسول الله من كالمنجحينا بمن ذا باهل الكفار لما * أتوه مجادلين مباهلينا فصل: في خرق العادات عليه السلام ابو الازهر ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل انه: جمعني مسجد بأزاء دار السندي بن شاهك وابن السكيت فتفاوضنا في العربية ومعنا رجل لا نعرفه فقال


[ 415 ]

يا هؤلاء أنتم إلى إقامة دينكم أحوج منكم إلى إقامة ألسنتكم، وساق الكلام إلى إمام الوقت وقال: ليس بينكم وبينه غير هذا الجدار، قلنا: تعنى هذا المحبوس موسى ؟ قال: نعم، قلنا: سترنا عليك فقم من عندنا خيفة ان يراك احد جليسنا فنؤخذ بك قال: والله لا يفعلون ذلك ابدا والله ما قلت لكم إلا بأمره وانه ليرانا ويسمع كلامنا ولو شاء ان يكون معنا لكان. قلنا: فقد شئنا فادعه الينا. فإذا قد اقبل رجل من باب المسجد داخلا كانت لرؤيته العقول ان تذهل فعلمنا انه موسى بن جعفر، ثم قال أنا هذا الرجل وتركنا وخرجنا من المسجد مبادرا فسمعنا وجيبا شديدا، وإذا السندي بن شاهك يعدو داخلا إلى المسجد معه جماعة، فقلنا: كان معنا رجل فدعانا إلى كذا وكذا دخل هذا الرجل المصلى وخرج ذاك الرجل ولم نره. فأمر بنا فأمسكنا، ثم تقدم إلى موسى وهو قائم في المحراب فأتاه من قبل وجهه ونحن نسمع فقال: يا ويحك كم تخرج بسحرك هذا وحيلتك من وراء الابواب والاغلاق والاقفال وأردك، فلو كنت هربت كان أحب إلي من وقوفك ههنا، أتريد يا موسى ان يقتلني الخليفة ؟ قال: فقال موسى ونحن نسمع كلامه: كيف اهرب ولله في ايديكم موقت لي يسوق إليها اقداره وكرامتي على ايديكم، في كلام له، قال: فأخذ السندي بيده ومشى ثم قال للقوم: دعوا هذين واخرجوا إلى الطريق فامنعوا احدا يمر من الناس حتى أتم انا وهذا إلى الدار. وفي كتاب الانوار قال العامري: ان هارون الرشيد انفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن فقال: قل له: بل أنتم بهديتكم تفرحون لا حاجة لي في هذه ولا في امثالها. قال: فاستطار هارون غضبا وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك خدمناك واترك الجارية عنده وانصرف. قال: فمضى ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه وانفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك، فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، علي بها، فاتي بها وهي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك ؟ قالت: شأني الشأن البديع اني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليه ونهاره، فلما انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه، قلت: يا سيدي هل لك حاجة اعطيكها ؟ قال: وما حاجتي اليك ! قلت: اني ادخلت عليك لحوائجك، قال: فما بال هؤلاء، قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لا ابلغ آخرها من اولها بنظري ولا أولها من آخرها فيها مجالس مفروشة


[ 416 ]

بالوشي والديباج وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوهم حسنا ولا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الاخضر والاكاليل والدر والياقوت وفي ايديهم الاباريق والمناديل ومن كل الطعام فخررت ساجدة حتى أقامنى هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت قال فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك، قالت: لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من اجل ذلك، فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة اليك فلا يسمع هذا منها احد فأقبلت في الصلاة فإذا قيل لها في ذلك، قالت هكذا رأيت العبد الصالح، فسئلت عن قولها قالت: اني لما عاينت من الامر نادتنى الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك. فما زالت كذلك حتى ماتت وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة. قال المرزكي: قصدتك يا موسى بن جعفر راجيا * بقصدي تمحيص الذنوب الكبائر ذخرتك لى يوم القيامة شافعا * وأنت لعمر الله خير الذخائر علي بن ابى حمزة البطائني قال: كنت مع ابي الحسن (ع) في طريق إذ استقبلنا أسد ووضع يده على كفل بغلته فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته، ثم تنحى الاسد إلى جانب الطريق وحول أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعو بما لم أفهمه ثم أوى إلى الاسد بيده أن إمض، فهمهم الاسد همهمة طويلة وابو الحسن يقول آمين آمين، وانصرف الاسد، فقلت له: جعلت فداك عجبت من شأن هذا الاسد معك ! فقال: انه خرج إلي يشكو عسر الولادة على لبوته وسألني ان أسأل الله ان يفرج عنها ففعلت ذلك والقي في روعي انها تلد ذكرا فخبرته بذلك فقال لي: امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على احد من شيعتك شيئا من السباع فقلت آمين. وقد نظم ذلك: واذكر الليث حين القى لديه * فسعى نحوه وزار وزمجر ثم لما رأى الامام أتاه * وتجافى عنه وهاب واكبر وهو طاو ثلاث هذا هو الحق * وما لم أقله أوفى واكثر أبو بصير قال: قلت للكاظم (ع): بم يعرف الامام ؟ قال: بخصال أولهن تأبه بشئ قد تقدم من ابيه باشارته إليه ليكون حجة، وليسأل فيجيب، وإذا سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان. ثم قال: يا ابا محمد اعطيك علامة قبل ان تقوم. فلم ألبث أن دخل عليه رجل من اهل خراسان فقال: تكلمه


[ 417 ]

بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية، فقال له الخراساني: والله ما منعنى ان اكلمك بالفارسية إلا انني ظننت انك لا تحسنها، فقال له: سبحان الله إذا كنت لا احسن ما اجيبك فما فضلي عليك فيما تستحق به للامامة، ثم قال: يا أبا محمد ان الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير ولا كلام شئ فيه روح. علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن ويخجله في المجلس فانتدب له رجل معزم، فلما احضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك فلم يلبث أبو الحسن أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال له: يا أسد الله خذ عدو الله، قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترس ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لابي الحسن أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل، فقال: ان كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل. قال السوسي: من صاحب الرشيد والايوان * والسبع والساحر والرغفان إذ طير الخبز على الخوان * وخلف هارون وسادتان وفيهما للسبع تمثالان * فقال قول الحنق الحردان يا سبع خذ ذا الكفر والطغيان * فزمجر السبع على المكان وافترس الساحر ذا البهتان * وافتقد السبع عن العيان معجزة للعالم الربانى * الصادق اللهجة واللسان وفي رواية ان الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به (ع) فقال له ان القوم قد افتتنوا بك بلا حجة فاريد أن يأكلني هذان الاسدان المصوران على هذا المسند فأشار (ع) اليهما وقال: حذا عدو الله. فأخذاه وأكلاه ثم قالا: وما الامر أتأخذ الرشيد ؟ قال: لا عودا إلى مكانكما. وله المعجز الذي بهر الخلق * باهلاكه الذي كان يسحر حين قال افترسه يا أسد الله * وأومى إلى هزبر مصور فسعى نحوه ومد إليه * باع ليث عند الفريسة قسور ثم غابا عن العيون جميعا * بعد أكل اللعين والخلق حضر


[ 418 ]

لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: ان إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس وحالك عندي موقوف، فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال: هذا لسائر الناس، قال: أفديك بالروح والمال والاهل والولد. فلم يجبه المهدي، فقال: أفديك بالمال والنفس والاهل والولد والدين، فقال: لله درك، فعاهده على ذلك وأمره بقتل الكاظم (ع) في السحر بغتة، فنام فرأى في منامه عليا عليه السلام يشير إليه ويقرأ (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم) فانتبه مذعورا ونهى حميدا عما أمره وأكرم الكاظم ووصله. علي بن أبي حمزة قال: كان يتقدم الرشيد إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع، فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجها مثل موسى بن جعفر وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوه بالسكاكين، فكانوا يفعلون ذلك أبدا، فلما كان في بعض الايام جمعهم في الموضع وهم سكارى وأخرج سيدي إليهم، فلما بصروا به هموا به على رسم الصورة، فلما علم منهم ما يريدون كلمهم بالخزرية والتركية فرموا من أيديهم السكاكين ووثبوا إلى قدميه فقبلوها وتضرعوا إليه وتبعوه إلى أن شيعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه، فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: ان هذا الرجل يصير الينا في كل عام فيقضي أحكامنا ويرضي بعضنا من بعض ونستسقي به إذا قحط بلدنا وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه، فعاهدهم أنه لا يأمرهم بذلك، فرجعوا. خالد السمان في خبر: انه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني وقال له أنت الذي تقول: ان السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟ فقال: نعم، قال: فحدثنا كيف كان ؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الامواج فألقتني الامواج إلى البر فإذا أنا بأنهار وأشجار فنمت تحت ظل شجرة فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلا فانتبهت فزعا مذعورا فإذا أنا بدابتين يقتتلان على هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما فلما بصرا بي دخلتا في البحر فبينما أنا كذلك إذا رأيت طائرا عظيم الخلق فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل فقمت مستترا بالشجر حتى دنوت منه لاتأمله فلما رآني طار وجعلت أقفو أثره فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة قرآن فدنوت من الكهف فناداني مناد من الكهف ادخل يا علي بن صالح الطالقاني رحمك الله، فدخلت وسلمت فإذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع أعين فرد علي السلام وقال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف لو لا ان


[ 419 ]

الله رحمك في هذا اليوم فأنحاك وسقاك شرابا طيبا ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها وكم أقمت في البحر وحين كسر بك المركب وكم لبثت تضربك الامواج وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك والساعة التي نجوت فيها ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين واتباعك للطائر الذي رأيته واقعا فلما رآك صعد طائرا إلى السماء فهلم فاقعد رحمك الله، فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي ؟ فقال: عالم الغيب والشهادة والذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع، فتكلم بكلام تململت به شفتاه فإذا بمائدة عليها منديل فكشفه وقال: هلم إلى ما رزقك الله فكل، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ثم سقاني ماءا ما رأيت ألذ منه ولا أعذب ثم صلى ركعتين ثم قال: يا علي أتحب الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت: ومن لي بذلك ؟ فقال: كرامة لاوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال: الساعة الساعة، فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا وكلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله وحجته فيقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين ؟ فتقول: أرض كذا، فيقول: لرحمة أو سخط ؟ فتقول لرحمة أو سخط وتمضي، حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله وحجته، قال: وعليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة أين تريدين ؟ فقالت: أرض طالقان، فقال: لرحمة أو سخط ؟ فقالت: لرحمة. فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله، فقالت: سمعا وطاعة، قال لها: فاستقري باذن الله على وجه الارض فاستقرت، فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها، فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم وبحق محمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين والائمة الطاهرين من أنت ؟ فقد اعطيت والله أمرا عظيما. فقال: ويحك يا علي بن صالح ان الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، اما بطن واما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة وحجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، وأنا المؤدي الناطق عن الرسول، أنا في وقتي هذا موسى بن جعفر. فذكرت إمامته وإمامة آبائه، وأمر السحاب بالطيران فطارت، والله ما وجدت ألما ولا فزعت فما كان بأسرع من طرفة العين حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي يه اهلي وعقاري سالما في عافية، فقتله الرشيد وقال: لا يسمع بهذا أحد. وفي كتاب أمثال الصالحين قال شقيق البلخي: وجدت رجلا عند (فيد) بملا الاناء من الرمل ويشربه فتعجبت من ذلك واستسقيته فسقاني فوجدته سويقا وسكرا


[ 420 ]

القصة. وقد نظموها: سل شقيق البلخي عنه بما شا * هد منه وما الذي كان أبصر قال لما حججت عاينت شخصا * ناحل الجسم شاحب اللون أسمر سائرا وحده وليس له زا * د فما زالت دائبا أتفكر وتوهمت انه يسأل النا * س ولم أدر انه الحج الاكبر ثم عاينته ونحن نزول * دون (فيد) على الكئيب الاحمر يضع الرمل في الاناء ويشربه * فناديته وعقلي محير اسقني شربة فلما سقاني * منه عاينته سويقا وسكر فسألت الحجيج من يك هذا * قيل هذا الامام موسى بن جعفر عيون أخبار الرضا عن ابن بابويه ان موسى (ع) دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام، وكان موكلا به، فقال له: يا مسيب اني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله لاعهد إلى علي ابني ما عهده إلي أبي وأجعله وصيي وخليفتي وآمره بأمري، فقال المسيب: كيف تأمرني أن أفتح لك الابواب وعليها اقفالها والحرس معي على الابواب ؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عزوجل وفينا ؟ قلت: لا يا سيدي، قال فيه: فسمعته يدعو ثم فقدته عن مصلاه فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه فخررت لله ساجدا شاكرا على ما أنعم علي به من معرفته، فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب واعلم اني راحل إلى الله عزوجل في ثالث هذا اليوم لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو إمامك ومولاك بعدي فائته فتمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته. عمرو بن رافد: ان الرشيد وضع في صينية عشرين رطبة واخذ سلكا ففركه في السم وأدخله في سم الخياط واخذ رطبة منها فأقبل يرود عليها ذلك السم حتى حصل فيها وقال لخادم: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له اني اذخرتها لك بيدي بحقي لاتبق منها شيئا ولا تطعم منها احدا فأتاه بها الخادم فكان يأكل بالخلال وكان للرشيد كلبة تعز عليه فجذيت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها ولم تلبث ان ضربت نفسها الارض وعوت وتهرت قطعة قطعة واستوفى (ع) باقي الرطب، فأخبر الخادم الرشيد بذلك فقال: ما ربحنا من موسى إلا ان اطعمناه الرطب وضيعنا سمنا وقتل كلبتنا، ما في موسى من حيلة.


[ 421 ]

محمد بن الحسن: ان بعض اصحابنا كتب إلى ابي الحسن الماضي يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال: فلما نفذت كتابي إليه تفكرت وقلت: هو مما تنبت الارض وما كان لي ان اسأله عنه. كان لي ان اسأله عنه. فقال: فكتب إلي: لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك انه مما أنبتته الارض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان. علي بن ابي حمزة قال: كنت معتكفا في مسجد الكوفة إذ جاءني أبو جعفر الاحول بكتاب مختوم من ابي الحسن (ع) فقرأت كتابه فإذا فيه: إذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فاحرزه حتى اطلبه منك. فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه في صندوق مقفل في جوف قمطر في جوف حق مقفل وباب البيت مقفل ومفاتيح هذه الاقفال في حجرته فإذا كان الليل فهي تحت رأسه وليس يدخل بيت البز غيره، فلما حضر الموسم خرج إلى مكة وأفاد بجميع ما كتب إليه من حوائجه، فلما دخل عليه قال له العبد الصالح: يا علي ما فعلت بالكتاب الصغير الذي كتبت اليك فيه أن احتفظ به ؟ فحكيته، قال: إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه ؟ قلت: بلى، قال: فرفع مصلى تحته فإذا هو قد اخرجه إلي، فقال: احتفظ به فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك، قال: فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي فأخرجته من دروز جيبي عند ابطي فكان الكتاب حياة علي في جيبه فلما مات علي قال محمد وحسن ابناه: فلم يكن لنا هم إلا الكتاب ففقدناه فعلمنا ان الكتاب قد صار إليه. ومن معجزاته ما نظم قصيدة قصيدة ابن الغاز البغدادي: وله معجز القليب فسل عن‍ * ه رواة الحديث بالنقل تخبر ولدى السجن حين ابدى إلى السجان قولا في السجن والامر مشهر ثم يوم الفصاد حتى أتى الآ * سى إليه فرده وهو يذعر ثم نادى آمنت بالله لا غي‍ * ر وان الامام موسى بن جعفر واذكر الطائر الذي جاء بالصك * إليه من الامام وبشر ولقد قدموا إليه طعاما * فيه مستلمح أباه وأنكر وتجافى عنه وقال حرام * أكل هذا فكيف يعرف منكر واذكر الفتيان ايضا ففيها * فضله أذهل العقول وأبهر عند ذاك استقال من مذهب كا * ن يوالي اصحابه وتغير


[ 422 ]

فصل: في استجابة دعواته عليه السلام الخطيب في تاريخه باسناده عن علي بن الخلال قال: ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر وتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما احب. ورؤي في بغداد امرأه تهرول فقيل: إلى أين ؟ قالت: إلى موسى بن جعفر فانه حبس ابني، فقال لها حنبلي: انه قد مات في الحبس، فقالت: بحق المقتول في الحبس ان تريني القدرة فإذا بابنها قد اطلق واخد ابن المستهزئ بجنايته. وحكي انه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه واخذ جليدا فأذابه بدواء ثم اخذ ماء وعقده بدواء وقال: هذا الطب إلا ان يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك، فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر، فاتي به فسمع في الطريق أنينه فدعا الله سبحانه وزال مغص الخليفة، فقال له: بحق جدك المصطفى ان تقول بم دعوت لي ؟ فقال (ع) قلت: اللهم كما أريته ذل معصيته فأره عز طاعته فشفاه الله من ساعته. محمد بن علي بن ما جيلويه قال: لما حبس هارون الكاظم (ع) جن عليه الليل فجدد موسى طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلى اربع ركعات ثم دعا فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ويا مخلص اللبن من بيت فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلص الروح من بيت الاحشاء والامعاء خلصني من يد هارون الرشيد. قال: فرأى هارون رجلا اسودا بيده سيف قد سله واقفا على رأس هارون وهو يقول: يا هارون اطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف من هيبته ثم دعا بحاجبه فجاء الحاجب فقال له: اذهب إلى السجن واطلق عن موسى بن جعفر. وفي رواية الفضل بن الربيع انه قال: صر إلى حبسنا واخرج موسى بن جعفر وادفع إليه ثلاثين الف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله على ثلاث مراكب، وخيره اما المقام معنا أو الرحيل إلى أي البلاد أحب. فلما عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها. معرفة الرجال، حماد بن عيسى قال: دخلت على ابى الحسن الاول فقلت له: جعلت فداك ادع لي ان يرزقني الله دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كل سنة.


[ 423 ]

فقال: اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة. قال: فرزقت كل ذلك. ثم انه خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي القصير، فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل في الوادي فحمله فغرقه الماء علي بن يقطين و عبد الله بن احمد الوضاح قال: لما حمل رأس صاحب فخ إلى موسى بن المهدي أنشأ يقول: بني عمنا لا تنطلقوا الشعر بعدما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه * فيقبل قيلا أو يحكم قاضيا ولكن حد السيف فيكم مسلط * فنرضى إذا ما اصبح السيف راضيا فان قلتم إنا ظلمنا فلم نكن * ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا فقد ساءنى ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان امرا مدانيا ثم اخذ في ذكر الطالبيين وجعل ينال منهم إلى ان ذكر موسى بن جعفر وحلف الله بقتله فتكلم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه. وانهي الخبر إلى الامام (ع) وعنده جماعة من اهل بيته فقال لهم: ما تشيرون ؟ قالوا: نشير عليك بالابتعاد عن هذا الرجل وأن تغيب شخصك عنه فانه لا يؤمن شره. فتبسم أبو الحسن وتمثل: زعمت سخينة ان ستقتل ربها * وليغلبن مغلب الغلاب ثم انشد: زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا * ابشر بطول سلامة يا مربع ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته وارهف لي شبا حده، دفع لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح، صرفت ذلك بحولك وقوتك. إلى آخر الدعاء. ثم اقبل على اصحابه فقال لهم: يفرج روعكم فانه لا يأتي اول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن المهدي قالوا: وما ذاك اصلحك الله ؟ قال: وحرمة صاحب القبر قد مات من يومه هذا والله (انه لحق مثل ما انكم تنطقون)، ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتب الواردة بموت موسى بن المهدي. وقال بعض اهل بيته شعرا منه: يمر وراء الليل والليل ضارب * بجثمانه فيه سمير وهاجع تفتح ابواب السماء ودونها * إذا قرع الابواب منهن قارع إذا وردت لم يردد الله وفدها * على اهلها والله راء وسامع واني لارجو الله حتى كأنني * راى بجميل الظن ما هو صانع ولما أمر هارون موسى بن جعفر (ع) ان يحمل إليه ادخل عليه وعلي بن يقطين على رأسه متوكئ على سيفه فجعل يلاحظ موسى (ع) ليأمره فيضرب به هارون ففطن له هارون فقال: قد رأيت ذلك، فقال: يا امير المؤمنين سللت من سيفي شبرا رجاء ان تأمرني فيه بأمرك، فنجا منه بهذه المقالة. ويقال ان بعض الاسباب في اخذه (ع) ان الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد الاشعث وكان يقول بالامامة فحسده يحيى البرمكي حتى داخله فآنس به، وكان يكثر غشيانه في منزله ويقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد، ثم قال يوما لبعض ثقاته تعرفون طالبيا معدما يعرفني ما يحتاج إليه ؟ فدل على علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد (ع) فحمل إليه يحيى مالا، وكان موسى (ع) يبر علي بن اسماعيل ويصله ثم


[ 424 ]

انفذ إليه يحيى يرغبه في قصد الرشيد، فدعاه موسى فقال له: إلى أين يا ابن الاخ ؟ فقال: إلى بغداد، فقال: وما تصنع ؟ قال: علي دين وانا مملق منه، قال: انا اقضي دينك واصنع. فلم يلتفت إلى ذلك. فاستدعاه أبو الحسن فقال له: انت خارج انظر يا ابن اخي واتق الله ولا تؤتم اولادي، وأمر له بثلاثمائة دينار واربعه آلاف درهم، فلما قام من بين يديه قال: والله ليسعين في دمي ويؤتمن اولادي، فقالوا: فتعطيه وتصله ! قال: نعم حدثنى أبى عن آبائه عن رسول الله ان الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله، قالوا: فلما أتى علي إلى يحيى رفعه إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به فقال: ان الاموال تحمل إليه من الآفاق وانه اشترى ضيعة سماها اليسيرة بثلاثين الف دينار فقال له صاحبها وقد احضر المال انى اريد نقد كذا فأعطاه ذلك. فسمع ذلك منه الرشيد فأمر له بمائتي الف درهم تسبيبا على النواحي فاختار بعض كور المشرق، فلما اتي بها زحر زحرة خرجت عنه حشاشته كلها فسقط فقال: ما اصنع بالمال وانا في الموت. ثم انه زال ملك البرامكة واجتث اصلهم. عبد الله بن المغيرة قال: مر العبد الصالح (ع) بامرأة يمنية تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها فدنا منها فقال: ما يبكيك يا امة الله ؟ فقالت: يا عبد الله ان لي صبية ايتاما وكانت لي بقرة وكانت معيشتي صبياني منها فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي لا حيلة لها، فتنحى (ع) فصلى ركعتين ثم رفع يده وقلب يمينه وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا أو صدمها برجله فاستوت على الارض قائمة، فلما نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت قالت: عيسى بن مريم ورب


[ 425 ]

الكعبة، فخالط الناس ومضى (ع). قال ابن حماد: وانفع اعمال الفتى صدق وده * لآل رسول الله اكرم شافع لاكرم خلق الله حيا وميتا * وافضلهم من بين كهل ويافع بهم اوضح الله الهدى وبنورهم * انارت لنا سبل التقى والشرائع وقال الشريف المرتضى: قوم ولاؤهم حصن وودهم * لمن اعد نجاة اوثق العدد وقال أبو الرضا الحسني الراوندي: ارادكم الحسود بكيد سوء * فلايك ما اراد عليه غمه يريد ليطفئ النور المصفى * ويأبى الله إلا ان يتمه وقال الحيري: فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى * والعروة الوثقى لدى استمساك وهم الصراط المستقيم ونورهم * يجلو عمى المتحير الشكاك وهم الائمة لا إمام سواهم * فدعي لتيم وغيرها دعواك وقال العبدي: علي والائمة من بنيه * هم سادوا الاولى عربا وعجما نجوم نورها يهدي إذا ما مضى نجم أتى والله نجما وقال الحميري: رضيت بالرحمن ربا وبالا * ء سلام دينا اتوخاه وبالنبي المصطفى هاديا * وكل ما قال قبلناه ثم الامام ابن ابي طالب * الطاهر الطهر وابناه والعالم الصامت والناطق ال‍ * باقر علما كان اخفاه وجعفر المخبر عن جده * بأول العلم واخراه ثم ابنه موسى ومن بعده * وارثه علم وصاياه فصل: في علمه عليه السلام الريان بن شبيب قال المأمون: استاذن الناس على الرشيد فكان آخر من اذن له موسى بن جعفر، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت


[ 426 ]

الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه ثم أقبل يسأل عن أحواله وأبو الحسن يقول: خير خير. فلما قام عانقه وودعه، فقلت يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما عملته مع أحد قط فمن هذا الرجل ! فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فعند ذلك انغرس في قلبي حبهم. هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لابرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا عالم به وبتأويله، قال: فابتدأ موسى يقرء الانجيل، فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلا المسيح وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة. فأسلم على يديه. كافي الكليني: ان رجلا افتض جارية معصرا لم تطمث فسال الدم نحوا من عشرة أيام فاختلف القوابل انه دم الحيض أم دم العذرة، وسألوا أبا حنيفة عن ذلك فقال: هذا شئ قد أشكل فلتتوضأ ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض. فسأل خلف بن حماد موسى بن جعفر فقال عليه السلام: تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض، فبكى خلف وقال: جعلت فداك من يحس هذا غيرك. قال: فرفع يده إلى السماء، وقال: اني والله ما اخبرك إلا عن رسول الله عن جبرئيل عن الله تعالى. ودخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (ع) فقال له: رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه، فقال أبو عبد الله: ادعوا لي موسى، فدعاه فقال له في ذلك فقال: نعم يا أبه ان الذي كنت اصلي له كان اقرب إلي منهم يقول الله تعالى: (ونحن أقرب من حبل الوريد) فضمه أبو عبد الله إلى نفسه ثم قال: بأبي أنت وامي يا مودع الاسرار. وقال الكليني: هذا تأديب منه إلا انه ترك الافضل. حج المهدي فلما صار في فتق العبادي ضج الناس من العطش فأمر أن يحفر بئرا فلما بلغوا قريبا من القرار هبت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ومنعت من العمل فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم، فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاءا كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطئا ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما، فسألهما عن الخبر فقالا: انا رأينا آثارا واثاثا ورأينا رجالا ونساء فكلما أو مأنا إلى شئ منهم صار هباء. فصار المهدي


[ 427 ]

يسأل عن ذلك ولا يعلمون. فقال موسى بن جعفر: هؤلاء أصحاب الاحقاف غضب الله عليهم فساخت بهم وديارهم وأموالهم. دخل موسى بن جعفر (ع) بعض قرى الشام متنكرا هاربا فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كل سنة يوما، فلما رآه الراهب دخله منه هيبة، فقال: يا هذا أنت غريب ؟ قال: نعم، قال: منا أو علينا ؟ قال: لست منكم، قال: أنت من الامة المرحومة ؟ قال: نعم، قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال: لست من جالهم فقال: كيف طوبى اصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد واغصانها في كل دار ؟ فقال (ع): الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع وهي في السماء، قال: وفي الجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شئ ؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ، قال: وفي الجنة ظل ممدود ؟ فقال (ع) الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود قوله: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل، قال: ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطا ؟ قال (ع): الجنين في بطن امه، قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما ارادوا بلا أمر ؟ فقال (ع): إذا احتاج الانسان إلى شئ عرفت اعضاؤه ذلك ويفعلون بمراده من غير أمر، قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة ؟ قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله، قال: صدقت واسلم والجماعة معه. الفضل بن الربيع، ورجل آخر، قالا: حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ومنعت العامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت وجعل يطوف معه، وقال الحجاب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة فانتهزم الاعرابي وقال. ان الله ساوى بين الناس في هذا الموضع، فقال: سواء العاكف فيه والباد، فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الاعرابي أمامه فنهض إلى الحجر الاسود ليقبله فسبقه الاعرابي إليه والتثمه، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الاعرابي أمامه، فلما فرغ الرشيد من صلاته استدعى الاعرابي فقال الحجاب: أجب امير المؤمنين، فقال: مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى. قال: صدق، فمشى إليه وسلم عليه فرد عليه السلام، فقال هارون: اجلس يا اعرابي ؟ فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس إنما هو بيت الله نصبه لعباده فان احببت ان تجلس فاجلس وإن أحببت أن تنصرف فانصرف. فجلس هارون وقال: ويحك يا اعرابي مثلك من يزاحم الملوك ! قال: نعم وفي مستمع، قال: فانى سائلك فان عجزت آذيتك


[ 428 ]

قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال: بل متعلم، قال: اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وانت مسؤول، فقال: اخبرني ما فرضك ؟ قال: ان الفرض رحمك الله واحد، وخمسة وسبعة عشر، واربع وثلاثون، واربع وتسعون ومائة وثلاثة وخمسون على سبعة عشر، ومن اثنى عشر واحد، ومن اربعين واحد، ومن مائتين خمس، ومن الدهر كله واحد وواحد بواحد. قال: فضحك الرشيد وقال: ويحك أسألك عن فرضك وانت تعد علي الحساب ؟ قال: أما علمت ان الدين كله حساب ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)، قال فبين لي ما قلت وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة، فقال الحاجب: تهبه لله ولهذا المقام. قال: فضحك الاعرابي من قوله، فقال الرشيد: مما ضحكت يا اعرابي ؟ قال تعجبا منكما إذ لا ادري من الاجهل منكما الذي يستوهب أجلا حضر أو الذي استعجل أجلا لم يحضر، فقال الرشيد: فسر ما قلت، قال: اما قولي الفرض واحد فدين الاسلام كله واحد، وعليه خمس صلوات وهي سبع عشرة ركعه واربع وثلاثون سجدة واربع وتسعون تكبيرة ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة واما قولي: من اثنى عشر واحد فصيام شهر رمضان من اثنى عشر شهرا، واما قولي: من الاربعين واحد فمن ملك اربعين دينارا اوجب الله عليه دينارا، واما قولي من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم اوجب الله عليه خمسة دراهم، واما قولي: فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام، واما قولي: واحد من واحد فمن اهرق دما من غير حق وجب إهراق دمة قال الله تعالى (النفس بالنفس). فقال الرشيد: لله درك، واعطاه بدرة فقال: فبم استوجب منك هذه البدرة يا هارون بالكلام أو بالمسألة ؟ قال: بل بالكلام قال فانى مسائلك عن مسألة فان انت اتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف فان لم تجبني عنها اضفت إلى البدرة بدرة اخرى لاتصدق بها على فقراء الحي من قومي، فأمر بايراد اخرى وقال: سل عما بدا لك، فقال: اخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها ؟ فخرد هارون وقال: ويحك يا اعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ! فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله يقول: من ولي اقواما وهب له من العقل كعقولهم وانت إمام هذه الامة يجب ان لا تسأل عرشئ من أمر دينك ومن الفرائض إلا واجبت عنها فهل عندك له الجواب ؟ قال هارون: رحمك الله لا فبين لي ما قلته وخذ البدرتين، فقال: ان الله تعالى لما خلق الارض خلق دبابات الارض من غير فرث ولا دم خلقها


[ 429 ]

من التراب وجعل رزقها وعيشها منه فإذا فارق الجنين امه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب، فقال هارون: والله ما ابتلي احد بمثل هذه المسألة. واخذ الاعرابي البدرتين وخرج، فتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر ابن محمد (ع)، فاخبر هارون بذلك فقال: والله لقدر كنت ان تكون هذه الورقة من تلك الشجرة. وروى ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه: ان أبا يوسف أمره الرشيد بسؤال موسى بن جعفر قال: ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الارض ويدخل البيت ؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين الموضعين ؟ قال ابو الحسن: ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة ؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم ؟ قال: نعم، قال: ولم ؟ قال: هكذا جاء، قال أبو الحسن: وهكذا جاء هذا، فقال المهدي لابي يوسف: ما اراك صنعت شيئا، قال: رماني من حجر دامغ. وروي من وجه آخر ان محمد بن الحسن سأله عنها فأجابه بما اجاب قال: فتضاحك محمد من ذلك، فقال أبو الحسن: أتعجب من سنة رسول الله وتستهزئ ان رسول الله كشف ظلاله في احرامه ومضى تحت الظلال وهو محرم ان احكام الله لا تقاس من قاس بعضها على بعض فقد ضل عن سواء السبيل. وقال أبو حنيفة: رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز ابيه فقلت: أين يحدث الغريب منكم إذا اراد ذلك ؟ فنظر إلي ثم قال: يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار ويتجنب شطوط الانهار ومساقط الثمار وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء. قال: فلما سمعت هذا القول منه نبل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ممن المعصية ؟ فنظر إلي ثم قال: اجلس حتى اخبرك، فجلست فقال: ان المعصية لا بد ان تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا، فان كانت من الله تعالى فهو اعدل وانصف من ان يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بانصاف الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الامر واليه توجه النهي وله حق الثواب والعقاب ووجبت الجنة والنار، فقلت: (ذرية بعضها من بعض) الآية. وسأل علي بن جعفر اخاه (ع) عن المحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد أو الميتة فقال: يأكل الصيد، فقلت: ان الله عزوجل حرم الصيد، فقال: ان الله عزوجل


[ 430 ]

حرم الصيد وأحل له الميتة، فقال (ع): يأكل الصيد ويفديه فانما يأكل من ماله. وقال علي بن جعفر: وسألته عن رمي الجمار لم جعل ؟ قال: لان ابليس اللعين كان يترائى لابراهيم عليه السلام في موضع الجمار فرجمه ابراهيم فجرت السنة بذلك. وسأل هشام بن الحكم موسى بن جعفر: لاي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات ؟ ولاي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده ؟ وفي السجود سبحان ربي الاعلى وبحمده ؟. قال (ع): ان الله تعالى خلق السماوات سبعا والارضين سبعا فلما اسرى النبي عليه السلام وصار من ملكوت الارض كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله وجعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح فلما رفع الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى رفع سبع حجب وكبر سبع تكبيرات فلذلك العلة يكبر في الافتتاح سبع نكبيرات فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتدعت فرائصه فابترك على ركبتيه واخذ يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إلى تلك العظمة في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وهو يقول: سبحان ربى الاعلى وبحمده، فلما قالها سبع مرات سكر ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة. جمع المأمون المتكلمين على رجل من ولد الصادق (ع) فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي وكلفوا العلوي سؤاله في الامامة، فقال العلوي: يا يحيى اخبرني عمن ادعى الصدق لنفسه وكذب الصادقين عليه ليكون محقا صادقا أو كاذبا. فأمسك يحيى. فقال له المأمون: أجبه، فقال يحيى: لاجواب يا أمير المؤمنين فقد قطعني، فقال له المأمون: ما هذه المسألة ؟ فقال له: يا أمير المؤمنين لا يخلو يحيى من ثلاثة أجوبة: إن زعم انه صدق وكذب الصادقين على أنفسهم فلا إمامة لكذاب لقول أبي بكر: وليتكم ولست بخيركم أقيلوني، وقوله: ان لي شيطان يعتريني فإذا ملت فسددوني لئلا اوثر في اشعاركم وابشاركم، وإن زعم يحيى انه كذب وصدق الصادقين على أنفسهم فلا إمامة لمن أقر على رؤس الاشهاد بمثل ما أقر به الصادق عند أصحابنا المقتدين به الموقنين بإمامته، ولا إمامة لمن أقر بالعجز على نفسه، ولا إمامة لمن قال صاحبه بعده: كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، ولا تصح الامامة من بعده لانه عقدها له من كانت بيعته فلتة، وإن قال يحيى: لا أدري، ففي أي الاحزاب ؟ أيعد في العلماء أم من الجهال ؟ فقبل المأمون في وجهه وقال: ما يحسن يتكلم بهذا غيرك.


[ 431 ]

وقال بعض خواص موسى بن جعفر له: ان فلانا ينافقك في الدين لانه قال له صاحب المجلس: أنت تزعم ان موسى بن جعفر إمام ؟ فقال: إن لم أكن أعتقد انه غير إمام فعلي وعلى من يعتقد ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقال موسى (ع) إنما قال موسى عنى غير إمام أي ان الذي هو غير إمام فموسى غيره فهو إذا إمام فانما أثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري. الشريف المرتضى في الغرر عن أبي عبد الله (ع) باسناده عن أيوب الهاشمي انه حضر باب الرشيد رجل يقال له نفيع الانصاري وحضر موسى بن جعفر على حمار له فتلقاه الحاجب بالاكرام وعجل له بالاذن فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر: من هذا الشيخ ؟ قال: شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد هذا موسى بن جعفر، قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أما إن خرج لاسوئه، فقال له عبد العزيز: لا تفعل فان هؤلاء أهل بيت قل ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر، قال: وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال: من أنت يا هذا ؟ قال: يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله بن اسماعيل ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين إن كنت منهم الحج إليه وإن كنت تريد المفاخرة فو الله ما رضوا مشركوا قومي مسلموا قومك أكفاءهم حتى قالوا يا محمد اخرج الينا أكفائا من قريش وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد فنحن آل محمد خل عن الحمار. فخلى عنه ويده ترتعد وانصرف مخزيا، فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك ؟. قال ابن المعاذ: سل بحال الامام يوم نفيع * كيف أخزاه للعين وكفر هو للاولياء اسم ومعنى * وهو في القلب للمحق مصور وأخذ عنه العلماء ما لا يحصى كثرته. وذكر عنه الخطيب في تاريخ بغداد، والسمعاني في الرسالة القوامية، وأبو صالح أحمد المؤذن في الاربعين، وأبو عبد الله بن بطة في الابانة، والثعلبي في الكشف والبيان. وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام لما روى عنه قال: حدثني موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد ابن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال:


[ 432 ]

حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قال أحمد: وهذا اسناد لو قرئ على المجنون لافاق. ولقيه أبو نؤاس فقال: إذا أبصرتك العين من غير ريبة * وعارض فيه الشك أثبتك القلب ولو ان ركبا أمموك لقادهم * نسيمك حتى يستدل بك الركب جعلتك حسبي في اموري كلها * وما خاب من أضحى وأنت له حسب وقال العوني: نعم آل طه خير من وطأ الحصى * وأكرم أبصارا على الارض تطرف هم الكلمات الطيبات التي بها * يتاب على الخاطي فيجبى ويزلف هم البركات النازلات على الورى * نعم جميع المؤمنين وتكنف هم الباقيات الصالحات بذكرها * لذاكرها خير الثواب المضعف هم الصلوات الزاكيات عليهم * يدل المنادي بالصلاة ويعكف هم الحر والمأمون آمن أهله * وأعداؤه من حوله تتخطف هم الوجه وجه الله والجنب جنبه * وهم فلك نوح خاب عنه المخلف هم الباب باب الله والحبل حبله * وعروته الوثقى توارى وتكتف وأسماؤه الحسنى التي من دعا بها * اجيب فما للناس عنها تحرف هم الآية الكبرى بهم صارت العصا * لموسى الكليم حية تتلقف وقال شاعر: وسيلتي يوم المحشر * مولاي موسى بن جعفر وجده وأبيه * والسيدان وحيدر فصل: في معالى اموره عليه السلام صفوان الجمال: سألت أبا عبد الله (ع) عن صاحب هذا الامر ؟ فقال: صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب. فأقبل موسى بن جعفر وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله فضمه إليه وقال: بأبي وامي لا يلهو ولا يلعب. اليوناني: كانت لموسى بن جعفر بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال. وكان عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن وبكى


[ 433 ]

السامعون لتلاوته. وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع. أحمد بن عبد الله عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: اشرف على هذا البيت وانظر ما ترى ؟ فقلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا، فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات إلى هذه الحالة انه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء وهو دأبه فإذا صلى العتمة أفطر ثم يجدد الوضوء ثم يسجد، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر. وقال بعض عيونه: كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم انني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد. وكان عليه السلام يقول في سجوده: قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوز من عندك. ومن دعائه: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب. وكان يتفقد فقراء اهل المدينة فيحمل إليهم في الليل العين والورق وغير ذلك فيوصله إليهم وهم لا يعلمون من أي جهة هو. وكان (ع) يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار. وكانت صرار موسى مثلا. وشكا محمد البكري إليه فمد يده إليه فجعل إلى صرة فيها ثلاثمائة دينار. وحكي ان المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال (ع): اني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلم أجد لهذا العيد خبرا وانه سنة للفرس ومحاها الاسلام ومعاذ اللهأن نحيي ما محاه الاسلام، فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلا جلست، فجلس ودخلت عليه الملوك والامراء والاجناد يهنونه ويحملونه إليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له: يا ابن بنت رسول الله اننى رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي: عجبت لمصقول علاك فرنده * يوم الهياج وقد علاك غبار ولا سهم نفذتك دون حرائر * يدعون جدك والدموع غزار


[ 434 ]

إلا تقضقضت السهام وعاقها * عن جسمك الاجلال والاكبار قال: قبلت هديتك اجلس بارك الله فيك ورفع رأسه إلى الخادم وقال: امض إلى امير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به ؟ فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد، فقال موسى للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك وكان عمري يؤذيه ويشتم عليا (ع) فقال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك، فركب يوما إليه فوجده في مزرعة فجالسه وباسطه وقال له: كم عزمت في زرعك هذا ؟ قال: مائة دينار، قال: وكم ترجو أن تصيب ؟ قال: مائتي دينار، قال فأخرج له صرة فيها ثلاثمائة دينار فقال: هذا زرعك على حاله يرزقك الله فيه ما ترجو فاعتذر العمري إليه وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته وكان يخدمه بعد ذلك. موسى بن جعفر (ع) قال: دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي قال: فأجلسني أبى بين يديه وقال: يا بني اكتب: (تنح عن القبيح ولا ترده) ثم قال آجزه فقلت: (ومن أوليته حسنا فزده) ثم قال: (ستلقى من عدوك كل كيد) فقلت: (إذا كاد العدو فلا تكده) قال فقال: ذرية بعضها من بعض. ابن عمار: انه استقبل الرشيد على بغلة فاستنكر ذلك، فقال: أتركب دابة ان طلبت عليها لم تلحق وان طلبت لم تسبق. وفي رواية انه قال: إن طلبت عليها لم تدرك وإن طلبت لم تفت، فقال (ع): لست بحيث أحتاج أن أطلب أو اطلب وانها تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير وخير الامور اوساطها. وحج هارون فلما دخل المدينة تقدم إلى التربة، فقال: السلام عليك يا ابن العم مفتخرا بذلك على غيره، فتقدم أبو الحسن وقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه، فتغير وجه هارون وأمر به فاخذ من المسجد. داود بن كثير الرقي قال: أتى اعرابي إلى ابى حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال: توفي جعفر الصادق فشهق شهقة واغمي عليه، فلما افاق قال: هل أوصى إلى احد ؟ قال: نعم اوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وابى جعفر المنصور، فضحك أبو حمزة وقال: الحمد لله الذي هدانا إلى المهدي وبين لنا عن الكبير ودلنا على الصغير واخفى عن أمر عظيم، فسئل عن قوله فقال: بين عيوب التكبير ودل على الصغير لاضافته إياه وكتم الوصية للمنصور لانه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل انت. ودعا أبو جعفر المنصور في جوف الليل أبا ايوب الحوبي، فلما اتاه رمى كتابا


[ 435 ]

إليه وهو يبكي وقال: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأن جعفر بن محمد قد مات فانا لله وانا إليه راجعون وأين مثل جعفر، ثم قال له: اكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه. فكتب وعاد الجواب: قد اوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، و عبد الله، وموسى، وحميد، قال المنصور: ما إلى قتل هؤلاء سبيل. وفي كتاب اخبار الخلفاء: ان هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكا حتى اردها اليك، فيأبى حتى ألح عليه فقال (ع): لا آخذها إلا بحدودها قال: وما حدودها ؟ قال: ان حددتها لم تردها ؟ قال: بحق جدك إلا فعلت، قال اما الحد الاول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: ايها، قال: والحد الثاني سمرقند، فاربد وجهه. والحد الثالث افريقية، فاسود وجهه وقال: هيه. قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وارمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شئ، فتحول إلى مجلسي قال موسى: قد اعلمتك انني إن حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله. وفي رواية ابن اسباط انه قال: اما الحد الاول فعريش مصر، والثاني دومة الجندل، والثالث احد، والرابع سيف البحر. فقال: هذا كله هذه الدنيا، فقال: هذا كان في ايدي اليهود بعد موت ابى هالة فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب فأمره الله ان يدفعه إلى فاطمة (ع). يزيد بن اسباط قال: دخلت على ابى عبد الله (ع) في مرضته التي مات فيها، فقال لي: يا يزيد أترى هذا الصبي إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني اخبرتك ان يوسف إنما كان ذنبه عند اخوته حتى طرحوه في الجب الحسد له حين اخبرهم انه رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر وهم له ساجدون، وكذلك لا بد لهذا الغلام من ان يحسد، ثم دعا موسى، و عبد الله، واسحاق، ومحمدا، والعباس، وقال لهم: هذا وصي الاوصياء وعالم علم العلماء وشهيد على الاموات والاحياء، ثم قال: يزيد ستكتب شهادتهم ويسألون. ولما نص الصادق على موسى وهو غلام قال فيض بن المختار: جعلت فداك اخبر به احدا ؟ قال: نعم اهلك وولدك ورفقاك، قال: فأخبرت يونس بن ظبيان فقال لا والله حتى اسمع ذلك منه، فلما انتهى إلى الباب سمعت الصادق يقول له: الامر كما قال لك فيض، ثم دخلت فقال لي: يا فيض وزقه وزقه، أي احتفظ به بالنبطية. وروى صريح النص عليه بالامامة من ابيه ثقات منهم: اخوه علي، واسحاق،


[ 436 ]

والمفضل بن عمر الجعفي، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمن بن الحجاج، والفيض بن المختار، ويعقوب السراج، وسليمان بن خالد، وصفوان بن مهران الجمال، وحمران ابن اعين، وابو بصير، وداود الرقي، ويزيد بن سليط، ويونس بن ظبيان. وقطع عليه العصابة إلا طائفة عمار الساباطي. اعتبار القطع على عصمة الامام ووجوب النص عليه يوجب إمامته ويبطل إمامة كل من يدعى له الامامة لانهم بين من لم يكن مقطوعا على عصمته وبين من يدعى له العصمة ولم يكن مقطوعا وعليه في ثبوت الامرين ثبوت إمامته خلفا عن سلف بالنص عليه من ابيه وعن آبائه وعن النبي صلى الله عليه وآله. قال بعض شعراء اهل مصر: يا ابن النبي المصطفى * وخليفة الرحمن ربك وصلاتنا وصيامنا * لا يقبلان بغير حبك وقال داود بن سالم: يا ابن بنت النبي زارك زور * لم يكن ملحفا ولا سوالا ذاك خير الانام أبا واما * والذي يمنح الندا والسؤالا وإذا مر عابر ابن سبيل * يجمع الفاضلين والعقالا بهت الناس ينظرون إليه * مثل ما ترقب العيون الهلالا وقال عبد المحسن: عرفت فضلكم ملائكة الله * فدانت وقومكم في شقاق يستحقون حقكم زعمواذا * مستحقا لهم من استحقاق واستشار والسيوف فيكم فقمنا * نستشير الاقلام في الاوراق وقال السوسي: يلومني في هوا أبناء فاطمة * قوم وما عدلوا بالله إذ عدلوا واليت قوم تميد الارض إن ركبوا * وتطمئن وتهدأ إن هم نزلوا قوم بهم تكشف الامراض والعلل * وفيهم يستقر الحر والنغل بحور جود فلا غاضوا ولا جهلوا * بدور فخر فلا غابوا ولا أفلوا إن يغضبوا اصفحوا أو يسألوا سمحوا * أو يوزنوا رجحوا أو يحكموا عدلوا يوفون إن نذروا يعفون إن قدروا * وإن يقولوا نعم من وقتهم فعلوا وإن سئلت بهم اعطي الذي اسل * وهم غناي إذا ضاقت بى الحيل إن خفت في هذه الدنيا بحبهم * فما على غدا خوف ولا وجل


[ 437 ]

فصل: في أحواله وتواريخه عليه السلام موسى بن جعفر الكاظم الامام العالم. كنيته: أبو الحسن الاول، وأبو الحسن الماضي، وأبو ابراهيم، وأبو علي. ويعرف بالعبد الصالح، والنفس الزكية، وزين المجتهدين، والوافي، والصابر، والامين، والزاهر. وسمي بذلك لانه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضي التام. وسمي الكاظم لما كظمه من الغيظ، وغض بصره عما فعله الظالمون به حتى مضى قتيلا في حبسهم. والكاظم الممتلي خوفا وحزنا، ومنه كظم قربته إذا شد رأسها، والكاظمة: البئر الضيقة والسقاية المملوة. وقال الربيع بن عبد الرحمن: كان والله من المتوسمين فيعلم من يقف عليه بعد موته ويكظم غيظه عليهم، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فلذلك سمي الكاظم. وكان (ع) أزهر إلا في الغيظ لحرارة مزاجه ربع تمام خضر حالك كث اللحية. وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتا بالقرآن، فكان إذا قرأ يحزن وبكى وبكى السامعون لتلاوته. وكان أجل الناس شأنا، وأعلاهم في الدين مكانا، وأسخاهم بنانا، وأفصحهم لسانا، وأشجعهم جنانا، وقد خص بشرف الولاية، وحاز إرث النبوة، وبوأ محل الخلافه، سليل النبوة، وعقيد الخلافة. امه حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري، ويقال: انها أندلسية ام ولد تكنى لؤلؤة ولد (ع) بالابواء موضع بين مكة والمدينة يوم الاحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة. وكان في سني إمامته بقية ملك المنصور، ثم ملك المهدي عشر سنين وشهرا وأياما ثم ملك الهادي سنة وخمسة عشر يوما، ثم ملك الرشيد ثلاث وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما. وبعد مضي خمس عشر سنة من ملك الرشيد استشهد مسموما في حبس الرشيد على يدي السندي بن شاهك يوم الجمعة لست بقين من رجب. وقيل: لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة. وقيل: سنة ست وثمانين. وكان مقامه مع أبيه عشرين سنة. ويقال: تسع عشرة سنة. وبعد أبيه أيام إمامته خمس وثلاثين سنة. وقام بالامر وله عشرون سنة. ودفن ببغداد بالجانب


[ 438 ]

الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين فصارت باب الحوائج، وعاش أربعا وخمسين سنة. أولاده ثلاثون فقط. ويقال: سبعة وثلاثون. فأبناؤه ثمانية عشر: علي الامام، وابراهيم، والعباس، والقاسم، و عبد الله، واسحاق، وعبيد الله، وزيد والحسن، والفضل، من امهات أولاد. واسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسن من ام ولد. وأحمد، ومحمد، وحمزة، من ام ولد. ويحيى، وعقيل، و عبد الرحمن المعقبون منهم ثلاثة عشر: علي الرضا (ع)، وابراهيم، والعباس، واسماعيل، ومحمد، و عبد الله، وعبيد الله، والحسن، وجعفر، واسحاق، وحمزة. وبناته تسع عشرة: خديجة، وام فروة، وام أبيها، وعلية، وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ونزيهة، وكلثوم، وام كلثوم، وزينب، وام القاسم، وحكيمة ورقية الصغرى، وام وحية، وام سلمة، وام جعفر، ولبابة، وأسماء، وأمامة، وميمونة، من امهات أولاد. وكان تولى حبسه عيسى بن جعفر، ثم الفضل بن الربيع، ثم الفضل بن يحيى البرمكي، ثم السندي بن شاهك سقاه سما في رطب أو طعام آخر، ولبث ثلاثا بعده موعوكا، ثم مات في اليوم الثالث. وكانت وفاته في مسجد هارون الرشيد وهو المعروف بمسجد المسيب وهو في الجانب الغربي من باب الكوفة لانه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه. وكان بين وفاة موسى (ع) إلى وقت حرق مقابر قريش مائتان وستون سنة. بابه: المفضل بن عمر الجعفي. وفي اختيار الرجال عن الطوسي: انه اجتمع أصحابنا على تصديق ستة نفر من فقهاء الكاظم والرضا (ع) وهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، و عبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب السراد، وأحمد ابن محمد بن أبي نصر. ومن ثقاته: الحسن بن علي بن فضال الكوفي مولى لتيم الرباب، وعثمان بن عيسى، وداود بن كثير الرقي مولى بني أسد، وعلي بن جعفر الصادق (ع). ومن خواص أصحابه: علي بن يقطين مولى بني أسد، وأبو الصلت عبد السلام ابن صالح الهروي، واسماعيل بن مهران، وعلي بن مهزيار من قرى فارس ثم سكن الاهواز، والريان بن الصلت الخراساني. وأحمد بن محمد الحلبي، وموسى بن بكير


[ 439 ]

الواسطي، وابراهيم بن أبي البلاد الكوفي. قال الكوفي: سادتي عدتي عمادي ملاذي * خمسة عندهم تحط رحال سادتي سادة بهم ينزل الغيث * علينا وتقبل الاعمال سادة حبهم تحط الخطايا * ولديهم تصدق الآمال سادة قادة إليهم إذا ما * ذكر الفضل تضرب الامثال وبهم تدفع المكاره والخيفة * عنا وتكشف الاهوال وبهم طابت المواليد وامتاز * لنا الحق والهدى والضلال وبهم حرم الحرام وزال * الشك في ديننا وحل الحلال وله أيضا: يا آل أحمد أنتم خير مشتمل * بالمكرمات وأنت خير معترف خلافة الله فيكم غير خافية * يفضى بها سلف منكم إلى خلف طبتم فطاب مواليكم لطيبتكم * وباء أعداؤكم بالخبث في النطف رأيت نفعي وضري عندكم فإذا * ما كان ذاك فعنكم أين منصرفي وقال العوني: فقالت إلى أين انصرافك نبني * فقلت إلى أولاد فاطمة الزهرا إلى آل وحي الله عند نزوله * على المصطفى أعلى به عنده قدرا إلى شفعاء الخلق في يوم بعثهم * إلى المرتضى للنار يزجرها زجرا وقال ابن طباطبا: في كل يوم للفخار بنية * ما بيننا تبنى ومجد يبدع أو جحفل يقتاد أو سيف على * أعداء دين الله فينا يطبع أو ليث غاب نرفع الجلى به * أو كوكب من أهلنا يستطلع أو منبر يرقى على أعواده * منا لخطبته خطيب مصقع فينا النبوة والامامة والهدى * والآي والسنن التي لا تدفع ان المعالي إن أطعن معاشرا * لتقى فهن لآل أحمد أطوع فصل: في وفاته عليه السلام كان محمد بن اسماعيل بن الصادق (ع) عمه موسى الكاظم (ع) يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد الرشيد إلى الحجاز سعى بعمه إلى الرشيد، فقال:


[ 440 ]

أما علمت ان في الارض خليفتين يجبى اليهما الخراج ؟ فقال الرشيد: ويلك أنا ومن ؟ قال: موسى بن جعفر. وأظهر أسراره، فقبض عليه وحظي محمد عند الرشيد، ودعا عليه موسى الكاظم بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده. وفي رواية انه جاء محمد بن اسماعيل إليه عليه السلام واستأذن منه فأذن له، فقال يا عم احب ان توصيني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي. وأعطاه صرة اخرى وصرة اخرى وأمر له بألف وخمسمائة درهم، فجاء محمد بن اسماعيل إلى الرشيد فدخل عليه وسعى بعمه فأمر له بمائة الف درهم، فلما قبضها دخل إلى منزله فأخذته الذبحة في جوف ليلته فمات. وروي انه لما دخل الرشيد إلى المدينة أمر بقبض موسى بن جعفر وكان قائما يصلي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكي ويقول: اليك أشكو يا رسول الله. وقيد واستدعى قبتين فجعله في أحدهما وخرج البغلان من داره ومع كل واحد منهما خيل فأخذوا واحدة على طريق البصرة والاخرى على طريق الكوفة وكان أبو الحسن في التي على طريق البصرة وأمرهم بتسليمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فحسبه عنده سنة، فكتب عيسى إلى الرشيد: قد طال أمر موسى ومقامه في حبسي وقد اختبرت حاله ووضعت من يسمع منه ما يقول فما دعا عليك ولا علي بسوء ما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة فان أنفذت إلي من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فانني متحرج من حبسه. فوجه الرشيد من يتسلمه من عيسى وصير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل بن الربيع يقتله فأبى، فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فوسع عليه الفضل وأكرمه، فوجه إليه مسرور الخادم ليتعرف حاله فحكى كما كان، فأمر السندي وعباس ابن محمد بضرب الفضل، فضربه السندي بين يديه مائة سوط. واخبر الرشيد بذلك فقال: ايها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي فالعنوه. فلعنه الناس من كل جانب، فاستدبر نيحيى بن خالد وقال: ان الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد، فقال الرشيد: ألا ان الفضل قد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه. ثم خرج يحيى إلى بغداد، فدعا السندي فأمره بأمره فامتثله وجعل سما في طعام فقدمه إليه. وقال أحمد بن عبد الله: لما نقل الكاظم (ع) من دار الفضل بن الربيع إلى الفضل ابن يحيى البرمكي كان ابن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ومنع ان يدخل من عند غيره حتى مضى ثلاثة ايام فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة البرمكي قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب انك تعلم اني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت على


[ 441 ]

نفسي. قال: فأكل فمرض، فلما كان من الغد بعث إليه بالطبيب، فقال (ع): هذه علتي. وكانت خضرة في وسط راحته تدل على انه سم. فانصرف إليهم وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم. ثم توفي. وفي رواية الحسن بن محمد بن بشار ان السندي بن شاهك جمع ثمانين رجلا من الوجوه وأدخلهم على موسى بن جعفر وقال: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث وهذا منزله وفرشه موسع عليه، فقال (ع): أما ما ذكرت من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير اني اخبرك أيها النفر اني سقيت السم في تسع تمرات وأنا أخضر غدا وبعد غد أموت. وفي رواية غيره انه قال (ع) يا فلان وفلان اني سقيت السم في يومي هذا وفي غد يصفر بدني وبعد غد يسود وأموت. وفي كتاب الانوار انه قال (ع) للمسيب: إذا دعا لي بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخ بطني واصفر لوني وتلوين أعضائي فهي وفاتي. وروي انه قال للمسيب: ذا الرجس ابن شاهك يقول انه يتولى أمري ويدفنني هيهات أن يكون ذلك أبدا. ووجدت شخصا جالسا على يمينه، فلما قضى غاب الشخص، ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي يظن انه يفعل ذلك وهو مغسل مكفن محنط، فحمل حتى دفن في مقابر قريش. ولما مات أخرجه السندي ووضعه على الجسر ببغداد ونودي: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت فانظروا إليه. وإنما قال ذلك لاعتقاد الواقفة انه القائم وجعلوا حبسه غيبة القائم، فنفر بالسندي فرسه نفرة والقاه في الماء فغرق فيه وفرق الله جموع يحيى بن خالد. وقيل: ان سليمان بن جعفر بن أبي جعفر المنصور كان ذات يوم جالسا في دهليزه في يوم مطر إذ مرت جنازته (ع) فقال: سلوا هذه جنازة من ؟ فقيل: هذا موسى بن جعفر مات في الحبس فأمر الرشيد أن يدفن بحاله. فقال سليمان موسى بن جعفر يدفن هكذا ! فان في الدنيا من كان يخاف على الملك في الآخرة لا يوفي حقه. فأمر سليمان غلمانه بتجهيزه وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار مكتوب علهيا القرآن كله ومشى حافيا ودفنه في مقابر قريش. قال القاضي: وهارونكم أردى بغير جريرة * نجوم تقى مثل النجوم الكواكب ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة * فآدت له شم الجبال الرواسب * * * أتقتل يا ابن الشفيع المطاع * ويا ابن المصابيح الغرر


[ 442 ]

ويا ابن الشريعة وابن الكتاب * ويا ابن الرواية وابن الاثر مناسب ليست بمجهولة * ببدو البلاد ولا بالحضر مهذبة من جميع الجهات * ومن كل شائبة أو كدر * * * ربيع اليتامى والارامل كلهم * مداريس للقرآن في كل سحرة مصابيح أعلام نجوم هداية * مراجيح أحلام لقواكل كربة وأعلام دين المصطفى وولاته * وأصحاب قرآن وحج وعمرة أآل رسول الله صبرا على الذي * اضيم به فالصبر أوثق عروة ابن سنان قلت للرضا (ع) ما لمن زار أباك ؟ قال: له الجنة فزره. زكريا بن آدم عن الرضا: ان الله نجا بغداد بمكان قبر أبي الحسن. وقال (ع): وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن بالغرفات وقبر بطوس يالها من مصيبة * ألحت على الاحشاء بالزفرات قال أبو الحسن المعاذ: زر ببغداد موسى بن جعفر * قبر موسى مديحه ليس ينكر هو باب إلى المهيمن تقضى * منه حاجاتنا وتحبى وتجبر هو حصني وعدتي وغياثي * وملاذي وموئلي يوم احشر صائم القيظ كاظم الغيظ في ا * لله مصفى به الكبائر تغفر كم مريض وافى إليه فعافا * ه وأعمى أتاه صح وأبصر وقال الناشي: ببغداد وإن ملئت قصورا * قبور أغشت الآفاق نورا ضريح السابع المعصوم موسى * إمام يحتوي مجدا وخيرا بأكناف المقابر من قريش * له جدث غدا بهجا نضيرا وقبر محمد في ظهر موسى * يغشى نور بهجته الحضورا هما بحران من علم وحلم * تجاوز في نفاستها البحورا إذا غارت جواهر كل بحر * فجوهرها ينزه أن يغورا يلوح على السواحل من بغاه * تحصل كفه الدر الخطيرا


[ 443 ]

باب امامة أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) فصل: في المقدمات الحمد لله الذي لكل أحد في كل لحظة من صنعه لطيفة، الرحمن الذي لكل حيوان من خزائن امتنانه وظيفة، الرحيم الذي ستر القبائح والفضائح بنظرته الشريفة، أقبل كل مدبر لقبول حضرته المنيفة، وأدبر كل مقبل لورود ضربته العنيفة، إن عاقب فلا طاقة لعقوبته للنفس الضعيفة، قرب المؤمن فصار بين أرجى الرجاء وأخوف الخيفة، فخلق آدم فهيأه تهيئة طريفة، وصوره في صورة نظيفة، وناظر عنه ملائكة الملكوت حتى ابرزوا آرائهم سخيفة، فذلك قوله: (وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة). يحيى بن محمد الفارسي عن الصادق في قوله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم) قال انزلت في الائمة الاوصياء من آل محمد عليهم السلام. عبد العظيم الحسني باسناده إلى جعفر (ع) في قوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا). يقول: لاشربنا قلوبهم الايمان والطريقة هي ولاية علي بن أبي طالب والاوصياء. محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا). قال: استقاموا على الائمة واحدا بعد واحد (تتنزل عليهم الملائكة). ادريس بن عبد الله عن أبي عبد الله في قوله تعالى: (ما سلككم في سقر قالوا ألم نك من المصلين). قال: عنى بها لم نك من أتباع الائمة الذين قال فيهم (والسابقون السابقون) انا نرى ان الناس يسمعون الذي يلي السابق في الحلية المصلى فذلك الذي عنى حيث قال: لم نك من المصلين، قالوا: لم نك من أتباع السابقين. عبد الله بن خليل عن علي عليه السلام في قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال: نزلت فينا. وروي عن الائمة في قوله تعالى: (ونجعلهم الوارثين) وعنهم (ع) في قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء) انهما نزلتا فينا. زيد بن علي في قوله تعالى: (وعلى الله قصد السبيل) قال: سبيلنا أهل البيت،


[ 444 ]

القصد: السبيح الواضح. ابن عباس في قوله تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) عنى بني المطلب. سليمان بن عبد الله بن الحسين عن ابيه عن آبائه (ع) في قوله تعالى: (ومن يقترف حسنة) قال: المودة لآل محمد عليهم السلام. ابن عباس في قوله: (إنا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) الآيات نزلت في اهل البيت عليهم السلام. سئل أبو الحسن (ع) عن الواقفة فقال: (ملعونون أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن نجد لسنة الله تبديلا) والله ان الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم. وقال (ع) لمحمد بن عاصم: لا تجالسهم فان الله عزوجل يقول (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) الآيات، يعني الاوصياء الذين كفر بهم الواقفة. ومتابعة ثمانية أورثت ثمانية: ففي متابعة النفس الندامة كما في قصة قابيل فطوعت له نفسه)، وفي متابعة الهوى الخساسة كما في قصة بلعام (واتبع هواه فمثله كمثل الكلب)، وفي متابعة الشهوات الكفر كما في قصة الكفرة (واتبعوا الشهوات)، وفي متابعة الشيطان النار (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)، وفي متابعة الفراعنة الغرق في الدنيا والحرق في العقبى (واتبعوا أمر فرعون)، وفي متابعة الضالين الكون معهم (يوم ندعو كل اناس)، وفي متابعة الرسول محبة الله (فاتبعوني يحببكم الله)، وفي متابعة اهل البيت الحشر معهم (الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم). وقد وضع الله أشياء على ثمانية: العرش قوله: (ويحمل عرش ربك)، وابواب الجنة لقوله: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت ابوابها) قالوا اثبت: الواو لزيادة الباب الثامن، وارباب الصدقات لقوله: (إنما الصدقات للفقراء)، وقوله: (ثمانية ازواج من الضان اثنين)، وقوله: (سبعة وثامنهم كلبهم)، وقوله: (على ان تأجرني ثماني حجج). والمولود تتكامل حركته وقواه وخلقته فيها. وقد كان خاتم سليمان مثمن الشكل. وجميع من حوت سفينة نوح وسلموا من الغرق كانوا ثمانين وسمى منزلهم سوق الثمانين. والافلاك سبعة وفلك البروج المحيط بها الثامن. والقفيز ثمانية مكاكيك. والدانق من الدرهم ثماني حبات. والاعراب والبناء ثمانية. والعروض ميناها على ثمانية اجزاء. ويشتق من المصدر ثمانية مجاري. والجسم من ثمانية


[ 445 ]

جواهر. ومدار سائر الاعداد على ثمانية درج وهي آحاد وعشرات. وأوتار البربط ثمانية. وقولهم بهدل في اعداد النرد ليس كما يزعمون لان تفسيره نفس اجود ألا ترى ان به اجود ودل نفس. وعلي الرضا ثمانية احرف وهو ثامن الائمة قال الصولي: ألا ان خير الناس نفسا ووالدا * ورهطا وأجدادا على المعظم اتينا به للحلم والعلم ثامنا * إماما يؤدي حجة الله يكتم وعلي بن موسى (ع) ميزانه في الحساب: أمين الله على عباده ووليه في بلاده. لاستوائهما في خمسمائة وثلاثة وخمسين. اعتبار العصمة ووجوب النص وكون الامام عالما بجميع احكام الشريعة تدل على إمامة الرضا (ع) لان كل من ادعيت إمامته فهذه الصفات عنه منفية. ويدل ايضا على إمامته تواتر الشيعة بالنص من ابيه. قال محمد بن النعمان: معادن العلم والآيات والحكم * وموضع الجود والافضال والكرم قوم بهم فتح الله الهدى وبهم * ختامه عند درس الحق في الامم إن كان دين إله الخلق اذلهم * سوالف في الورى من خالص النعم كانوا لدى العرش انوارا تضيئ بهم * طرف السماء لما فيها من الظلم وملجئا لابينا عند توبته * من ذنبه في قبول التوب والندم لما دعا الله إذعانا بحقهم * أجابه معظما للحق في القسم وقال ابن العوذي: هم التين والزيتون آل محمد * هم شجر الطوبى لمن يتفهم هم جنة المأوى هم الحوض في غد * هم اللوح والسقف الرفيع المعظم هم آل عمران هم الحج والنساء * هم سبأ والذاريات ومريم هم آل ياسين وطاها وهل أتى * هم النمل والانفال لو كنت تعلم هم الآية الكبرى هم الركن والصفا * هم الحجر والبيت العتيق زمزم هم في غد سفن النجاة لمن وعى * هم العروة الوثقى التي ليس تفصم هم الجنب جنب الله واليد في الورى * هم العين لو قد كنت تدري وتفهم هم السر فينا والمعالي هم الاولى * نيمم في مناجهم حيث يمموا هم الغاية القصوى هم منتهى المنى * سل النص في القرآن يخبرك عنهم هم في غد للقادمين سقاتهم * إذا وردوا والحوض بالماء مفعم


[ 446 ]

هم شفعاء الناس في يوم عرضهم * إلى الله فيما أسرفوا وتجرموا هم ينقذونا من لظى النار في غد * إذا ما غدت في وقدها تتضرم فصل: في انبائه بالمغببات ومعرفته باللغات عليه السلام الجلاء والشفاء، محمد بن عبد الله بن الحسن في خبر طويل: قال المأمون قلت للرضا الزاهرية حظيتي ومن لا اقدم عليها أحدا من جواري وقد حملت غير مرة كل ذلك تسقط وهل عندك في ذلك شئ ينتفع به ؟ فقال: لا تخش من سقطها ستسلم وتلد غلاما صحيحا مليحا أشبه الناس بامه وقد زاده الله مزيدتين في يده اليمنى خنصر وفي رجله اليمنى خنصر. فقلت في نفسي: هذه والله فرصة ان لم يكن الامر على ما ذكر خلعته فلم أزل اتوقع امرها حتى ادركها المخاض، فقلت للقيمة: إذا وضعت فجيئيني بولدها ذكرا كان أو انثى فما شعرت إلا والقيمة قد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد والرجل كأنه كوكب دري فأردت أن أخرج من الامر يومئذ واسلم ما في يدي إليه فلم تطاوعني نفسي لكني دفعت إليه الخاتم فقلت: دبر الامر فليس عليك مني خلاف وأنت المقدم. أبو الصلت الهروي قال: كان الرضا (ع) يكلم الناس بلغاتهم فقلت له في ذلك فقال: يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم أو ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام: اوتينا فصل الخطاب، وهل هو إلا معرفته للغات. وفي حديث طويل عن علي بن مهران ان أبا الحسن (ع) أمره ان يعمل له مقدار الساعات، قال: فحملناه إليه فلما وصلنا إليه نالنا من العطش أمر عظيم فما قعدنا حتى خرج الينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد ما يكون فشربنا فجلس (ع) على كرسي فسقطت حصاة، فقال مسرور: هشت، أي ثمانيه. ثم قال (ع) لمسرور: در ببند، أي اغلق الباب. محمد بن جندل عن ياسر الخادم قال: كان لابي الحسن في البيت صقالبة وروم وكان أبو الحسن قريبا منهم فسمعهم بالليل يتراطنون بالصقلبية والرومية ويقولون: انا كنا نفصد كل سنة في بلادنا ثم ليس نفصد هاهنا، فلما كان من الغد وجه أبو الحسن إلى بعض الاطباء فقال له: افصد فلانا عرق كذا وافصد فلانا عرق كذا ثم قال: يا ياسر لا تفصد أنت ذاك، فافتصدت فورمت يدي واخضرت، فقال: يا ياسر


[ 447 ]

مالك ؟ فأخبرته فقال لي: ألم أنهك عن ذلك هلم يدك، فمسح يده عليها وتفل عليها ثم أوصاني أن لا أتعشى، فكنت بعد ذلك كلما اغفل فأتعشى تضرب علي. محمد بن عبيد الله الاشعري قال: كنت عند الرضا (ع) فأصابني عطش شديد فكرهت ان استسقي في مجلسه، فدعا بماء فذاقة ثم قال: يا محمد اشرب فانه بارد. هارون بن موسى في خبر قال: كنت مع أبي الحسن (ع) في مفازة فحمحم فرسه فخلى عنه عنانه فمر الفرس يتخطى إلى ان بال وراث ورجع، فنظر إلي أبو الحسن وقال: انه لم يعط داود شيئا إلا واعطى محمدا وآل محمد اكثر منه. سليمان بن جعفر الجعفري قال: كنت مع الرضا (ع) في حائط له وانا معه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه واخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب، فقال لي: يا سليمان تدري ما يقول العصفور ؟ قلت: لا، قال: انه يقول ان حية تريد تأكل أفراخي في البيت، فقم فخذ النبعة في يدك – يعني العصا – وادخل البيت واقتل الحية، فأخذت النبعة ودخلت البيت فإذا حية تجول في البيت فقتلتها. سليمان الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (ع) والبيت مملو من الناس يسألونه وهو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا انبياء. فترك الناس ثم التفت إلي فقال: يا سليمان ان الائمة حلماء علماء يحسبهم الجاهل انبياء وليسوا انبياء. ابن بابويه عن الحسن بن موسى بن جعفر قال: مر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض، فقال (ع): سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع. فما مضى إلا شهر حتى ولى المدينة. الحسين بن بشار قال الرضا (ع): ان عبد الله يقتل محمدا، قلت: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون ؟ قال: نعم عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد فقتله وكان (ع) يتثمل: وان الضغن بعد الضغن يفشو * عليك ويخرج الداء الدفينا خالد بن نجيح قال لي أبو الحسن (ع): تنزع فيما بينك من كان له عمل معك في سنة اربع وسبعين ومائة حتى يجيئك كتابي واخرج وانظر ما عندك فابعث به إلي ولا تقبل من احد شيئا، وخرج إلى المدينة وبقي خالد بمكة. قال الراوي: فلبث خالد بعده خمسة عشر يوما ثم مات. وعنه قال: قلت لابي الحسن: ان اصحابنا قدموا من الكوفة فذكروا ان المفضل شديد الوجع فادع الله له، فقال (ع)، قد استراح. وكان هذا الكلام بعد


[ 448 ]

موته بثلاثة أيام. وعنه قال: دخلت على الرضا (ع) فقال لي: من ههنا من اصحابكم مريض ؟ فقلت: عثمان بن عيسى من اوجع الناس، فقال: قل له يخرج، ثم قال: من ههنا، فعددت عليه ثمانية فأمر باخراج اربعة وكف عن اربعة فما أمسينا من الغد حتى دفنا الاربعة الذي كف عن اخراجهم وخرج عثمان بن عيسى. ودخل ابولحسن على عمه محمد بن جعفر يعوده واسحاق بن جعفر يبكي عليه ثم قام فقال لاخيه الحسين بن موسى: أرأيت هذا الباكي ؟ سيموت ويبكي ذات عليه. قال: فبرأ محمد بن جعفر واشتكى اسحاق فمات وبكى محمد بن جعفر. موسى بن مهران قال: رأيت الرضا (ع) وقد نظر إلى هرثمة بالمدينة فقال: كأني به وقد حمل إلى مرو فضربت عنقه. فكان كما قال. أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: بعثني الرضا (ع) في حاجة فأركبني دابته وبيتني في منزله، فلما دخلت في فراشي رددت الباب وقلت: من أعظم منزلة مني بعثني في حاجة وأركبني دابته وبيتني في منزله، قال: فلم أشعر إلا بخفق نعليه حتى فتح الباب ودخل علي وقال: يا أحمد ان أمير المؤمنين (ع) عاد صعصعة بن صوحان وقال: لا تتخذن عيادتي فخرا على قومك. وذكر أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة: انه مات أبو ابراهيم (ع) وكان عند زياد القندي سبعون الف دينار، وعند حمزة بن بزيع سبعون الفا، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون الفا، وعند أحمد بن أبي بشر السراج عشرة آلاف، وكان ذلك سبب وقفهم، فكتب الرضا (ع) إليهم يطلب المال فأنكروا وتعللوا، فقال الرضا: هم اليوم شكاك لا يموتون غدا إلا على الزندقة. قال صفوان: بلغنا عن رجل منهم انه قال عند موته: هو كافر برب أماته. وقال ابن فضال: قال لي احمد بن حماد السراج: كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر فقلت: ان أباه لم يمت فالله الله خلصوني من النار وسلموها إلى الرضا، ثم قال: ورجع جماعة عن القول بالوقف مثل: عبد الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج، وحماد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن ابن علي الوشا، وغيرهم، والتزموا الحجة. وقال أحمد بن محمد: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) كتابا وأضمرت في نفسي اني متى دخلت عليه أسأله عن قوله تعالى: (أفأنت تهدي العمى أو تسمع الصم) وقوله: (ومن يرد الله أن يهديه) وقوله: (انك لا تهدي من أحببت)


[ 449 ]

فأجابني عن كتابي وكتب في آخره الآيات التي اضمرتها في نفسي فقلت: أي شئ هذا من جوابي، ثم ذكرت انه ما اضمرته. وقال الحسن بن علي الوشا: بعث إلي الرضا يطلب مني حبرة وكانت بين ثيابي قد خفى علي أمرها، فقلت: ما معي منها شئ، فرد الرسول وذكر علامتها وانها في سفط كذا، فطلبتها فكان كما قال، فبعثت بها إليه ثم كتبت مسائل أسأله عنها، فلما وردت بابه خرج إلي جواب المسائل التي اردت ان اسأله عنها من غير ان اظهرها. وقال احمد بن محمد بن ابي نصر: قال لي ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبك ؟ فدخلت على الرضا عليه السلام فأخبرته فقال: الامام بعدي ابني، ثم قال: هل يجترئ احد ان يقول ابني وليس له ولد. وقال محمد بن عبد الله بن الافطس: دخلت على المأمون فقربني وحبانى ثم قال: رحم الله الرضا ما كان أعلمه لقد اخبرني بعجب سألته ليلة وقد بايع له الناس فقلت له: جعلت فداك أرى لك ان تمضي إلى العراق واكون خليفتك بخراسان، فتبسم ثم قال: لا لعمري ولكنه من دون خراسان نذر جاءت ان لنا ههنا مسكنا ولست بنازح حتى يأتيني الموت ومنها المحشر لا محالة، فقلت له: جعلت فداك وما علمك بذلك ؟ قال: علمي بمكانى كعلمى بمكانك، قلت: وأين مكاني اصلحك الله ؟ فقال لقد بعدت الشقة بيني وبينك أموت بالمشرق وتموت بالمغرب، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة فأبى. الحسن بن علي الوشا قال: دعاني سيدي الرضا (ع) بمرو فقال: يا حسن مات علي بن أبي حمزة البطايني في هذا اليوم وادخل في قبره الساعة ودخلا عليه ملكا القبر فسألاه: من ربك ؟ فقال: الله، ثم قالا: من نبيك ؟ فقال: محمد، فقالا: من وليك ؟ فقال: علي بن أبي طالب، قالا: ثم من ؟ قال: الحسن، قالا: ثم من ؟ قال: الحسين قالا: ثم من ؟ قال: علي بن الحسين، قالا: ثم من ؟ قال: محمد بن علي، قالا: ثم من ؟ قال: جعفر بن محمد، قالا: ثم من ؟ قال: موسى بن جعفر، قالا: ثم من ؟ فلجلج فزجراه وقالا: ثم من ؟ فسكت، فقالا له: أفموسى بن جعفر أمرك بهذا ؟ ثم ضرباه بمقمعة من نار فألهبا عليه قبره إلى يوم القيامة، فخرجت من عند سيدي فأرخت ذلك اليوم فما مضت الايام حتى وردت كتب الكوفيين بموت البطايني في ذلك اليوم وانه دخل قبره في تلك الساعة. وفي الروضة قال عبد الله بن ابراهيم الغفاري في خبر طويل انه: ألح علي غريم


[ 450 ]

لي وآذاني، فلما مضى عني مررت من وجهي إلى صريا ليكلمه أبو الحسن (ع) في أمري، فدخلت عليه فإذا المائدة بين يديه فقال لي: كل، فأكلت فلما رفعت المائدة أقبل يحادثني ثم قال: ارفع ما تحت ذاك المصلى، فإذا هي ثلاثمائة دينار وتزيد، فإذا فيها دينار مكتوب عليه ثابت فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته، من جانب وفي الجانب الآخر: انا لم ننساك فخذ هذه الدنانير فاقض بها دينك وانفق ما بقي على عيالك. وفي كتاب الشعر انه كان (ع) يتمثل: تضئ كضوء السراج السل‍ * يط لم يجعل الله فيه نحاسا ولما دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (ع) وأنشده: مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات قيل: له لم تركت التشبيب ؟ قال: استحييت من الامام، فلما بلغ إلى قوله: أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات بكى عليه السلام وقال له: صدقت يا خزاعي. فلما بلغ إلى قوله: إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الاوتار منقبضات جعل الرضا يقلب كفيه ويقول: أجل الله منقبضات. فلما بلغ إلى قوله: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وانى لارجو الامن بعد وفاتي قال الرضا: آمنك الله يوم الفزع الاكبر. فلما انتهى إلى قوله: وقبر ببغداد لنفس زكية قال الرضا عليه السلام: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (ع): وقبر بطوس يالها من مصيبة * ألحت على الاحشاء بالزفرات إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا الذي بطوس قبر من هو ! قال: قبري ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري. فلما انتهى إلى قوله: خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات قال الرضا: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين. وفي رواية: رزقك الله رؤيته وحشرك في زمرته. قال: فحباه بمائة دينار فرد الصرة وسأل ثوبا


[ 451 ]

من ثياب الرضا (ع) ليتبرك به ويتشرف، فأنفذ إليه بجبة خز مع الصرة وقال للخادم قل له: خذ هذه الصرة فانك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها. فانصرف دعبل وسار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص وأخذوا القافلة وكتفوا أهلها وجعلوا يقسمون أموالهم، فتمثل رجل منهم بقوله: (أرى فيئهم في غيرهم متقسما)، فقال دعبل: لمن هذا البيت ؟ فقال: لرجل من خزاعة، قال: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة فخلوا كتافه وكتاب جميع القافلة وردوا إليهم جميع ما أخذوا منهم، وسار دعبل حتى وصل إلى قم وأنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير وسألوه أن يبيع الجبة منهم بألف دينار فأبى وسار عن قم، فلحقه قوم من أحداثهم وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل وسألهم ردها عليه فقالوا: لا سبيل لك إليها فخذ ثمنها الف دينار، فقال: على أن تدفعوا إلي شيئا منها، فأعطوه وانصرف إلى وطنه فوجد اللصوص أخذوا جميع ما في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضا (ع) وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، وتذكر قول الرضا (ع): انك ستحتاج إليها. هشام: لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمد بن جعفر قال لي الرضا: اذهب إليه وقل له: لا تخرج غدا فانك إن خرجت هزمت وقتل أصحابك، فان سألك من أين عرفت هذا فقل رأيت في النوم. قال فقال: نام العبد ولم يغسل استه. ثم خرج فهزم وقتل أصحابه. محمد بن سنان: قيل للرضا (ع): انك قد شهرت نفسك بهذا الامر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر دما، فقال: جوابي هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا انني لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا انني لست بإمام. مسافر قال: كنت عند الرضا (ع) بمنى فمر يحيى بن خالد فغطى أنفه من الغبار فقال: مساكين لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة، ثم قال: وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين، وضم بين اصبعيه. ابن بابويه باسناده عن يحيى بن محمد بن جعفر قال: مرض أبي مرضا شديدا فأتاه الرضا يعوده وعمي اسحاق جالس يبكي فالتفت إلي وقال: ما يبكي عمك ؟ قلت: يخاف عليه ما ترى، قال فقال: لا تغتم فان اسحاق سيموت قبله، قال: فبرأ أبي محمد ومات اسحاق. معمر بن خلاد قال: قال لي الريان بن الصلت: أحب أن تستأذن لي على أبي الحسن


[ 452 ]

فأسلم عليه وأحب أن يكسوني من ثيابه وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه فدخلت على الرضا فقال لي مبتدئا: ان الريان بن الصلت يريد الدخول علينا والكسوة من ثيابنا والعطية من دراهمنا، فأذنت له فدخل وسلم فأعطاه ثوبين وثلاثين درهما من الدراهم المضروبة باسمه. ابن قولويه: انه لما خرج من المدينة في السنة التي حج فيها هارون يريد الحج فانتهى إلى جبل على يسار الطريق يقال له ” فارع ” فنظر إليه أبو الحسن ثم قال: باني فارع وهادمه يقطع إربا إربا، فلم ندر ما معنى ذلك، فلما بلغ هارون ذلك الموضع نزله وصعد جعفر بن يحيى الجبل وأمر أن يبنى له فيه مجلس، فلما رجع من مكة صعد إليه وأمر بهدمه، فلما انصرف فأتى العراق فقطع جعفر بن يحيى إربا إربا. صفوان بن يحيى قال: لما مضى أبو الحسن موسى (ع) وتكلم الرضا (ع) خفنا عليه من ذلك وقلنا له: انك قد أظهرت أمرا عظيما وانا نخاف عليك من هذا الطاغي فقال (ع): يجهد جهده فلا سبيل له علي. الحسن بن علي الوشا قال الرضا عليه السلام: اني لما أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي وأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع ثم فرقت فيهم اثنى عشر الف دينارا. ثم قال: أما اني لا أرجع إلى عيالي أبدا. حمزة بن جعفر الارجاني قال: خرج هارون من المسجد الحرام مرتين وخرج الرضا (ع) مرتين فقال الرضا: لما أبعد الدار واقرب اللقاء يا طوس ستجمعني وإياه موسى بن سيار قال: كنت مع الرضا (ع) وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بامها، ثم أقبل علي وقال: يا موسى بن سيار من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه لا ذنب عليه حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فافرج الناس عن الجنازة حتى بداله الميت فوضع يده على صدره ثم قال: يا فلان بن فلان ابشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة، فقلت: جعلت فداك هل تعرف الرجل ؟ فو الله انا بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال لي: يا موسى بن سيار أما علمت انا معاشر الائمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا ومساء فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه الحسن بن موسى قال: خرجنا مع الرضا (ع) إلى بعض أمواله في يوم طلق


[ 453 ]

فقال: حملتم معكم الماطر ؟ فقلنا: وما حاجتنا إليها في هذا اليوم ! قال: لكني حملته وستمطرون. قال: فما مضينا إلا يسيرا حتى مطرنا. ومما روته العامة مما ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ باسناده عن سعد بن سعد انه قال: نظر الرضا (ع) إلى رجل فقال: يا عبد الله أوص مما تريد واستعد لما لا بد منه، فمات الرجل بعد ثلاثة أيام. وروى الحسن بن محمد بن أحمد السمرقندي المحدث بالاسناد عن الحسن بن علي الوشاء الكوفي قال: كتبت مسائل في طومار لاجرب بها علي بن موسى فغدوت إلى بابه فلم أصل إليه لزحام الناس فبينما خادم يسأل الناس عني وهو يقول: من الحسن بن علي الوشاء ابن بنت الياس البغدادي ؟ فقلت له: يا غلام فها أنا ذا، فأعطاني كتابا وقال لي: هذه جوابات مسائلك التي معك فقطعت بامامته وتركت مذهب الوقف. وروئى الحسن السمرقندي هذا عن ابن الوشاء قال: خرجت من الكوفة إلى خراسان فقالت لي ابنتي: يا أبه خذ هذه الحلة فبعها وخذ لي بثمنها فيروزجا، فلما نزلت مرو فإذا غلمان الرضا عليه السلام قد جاؤا وقالوا: نريد حلة نكفن بها بعض غلماننا، فقلت: ما عندي، فمضوا ثم عادوا وقالوا: مولانا يقرء عليك السلام ويقول لك معك حلة في السفط الفلاني دفعتها اليك ابنتك وقالت اشتر لي بثمنها فيروزجا وهذا ثمنها. وروى الحاكم أبو عبد الله الحافظ باسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب البناجي قال: رأيت رسول الله (ص) في المنام، وحدثني محمد بن منصور السرخسي بالاسناد عن محمد بن كعب القرطي قال: كنت في جحفة نائما فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فأتيته فقال لي: يا فلان سررت بما تصنع مع أولادي في الدنيا، فقلت: لو تركتهم فبمن أصنع، فقال (ع): فلا جرم تجزى مني في العقبى فكان بين يديه طبق فيه تمر صيحاني فسألته عن ذلك فأعطاني قبضة فيها ثماني عشرة تمرة فتأولت ذلك أن أعيش ثماني عشر سنة فنسيت ذلك فرأيت يوما ازدحام الناس فسألتهم عن ذلك فقالوا: أتى علي بن موسى الرضا (ع) فرأيته جالسا في ذلك الموضع وبين يديه طبق فيه تمر صيحانى فسألته عن ذلك فناولني قبضة فيها ثماني عشرة تمرة فقلت له: زدنى منه، فقال: لو زادك جدي رسول الله صلى الله عليه وآله لزدناك. ذكره عمر الملا الموصلي في الوسيلة إلا انه روى ان ابن علوان قال: رأيت في منامي كأن قائلا يقول: قد جاء رسول الله إلى البصرة، قلت: وأين نزل ؟ فقيل: في حائط بني فلان قال: فجئت الحائط فوجدت رسول الله جالسا ومعه أصحابه وبين يديه أطباق فيها


[ 454 ]

رطب برنى فقبض بيده كفا من رطب وأعطاني فعددتها فإذا هي ثمانى عشرة رطبة ثم انتبهت فتوضأت وصليت وجئت إلى الحائط فعرفت المكان الذي فيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فبعد ذلك سمعت الناس يقولون: قد جاء علي بن موسى الرضا (ع) فقلت: أين نزل ؟ فقيل: في حائط بني فلان فهديت فوجدته في الموضع الذي رأيت النبي فيه وبين يديه أطباق فيها رطب وناولني ثمانى عشرة رطبة فقلت: يا ابن رسول الله زدنى، فقال: لو زادك جدي لزدتك، ثم بعث إلي بعد أيام يطلب مني رداءا وذكر طوله وعرضه فقلت: ليس هذا عندي، فقال: بلى هو في السفط الفلاني بعثت به امرأتك معك، قال: فذكرت فأتيت السفط فوجدت الرداء فيه كما قال. ودخل أبو نؤاس على هارون الرشيد وعنده الرضا (ع) فقال: قيل لي أنت أوحد الناس طرا * في علوى الورى وشعر البديه لك من جوهر الكلام نظام * يثمر الدر في يدي مجتنيه فعلى ما تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه قلت لا أهتدي لمدح إمام * كان جبريل خادما لابيه قال ابن الحجاج: يا ابن من تؤثر المكارم عنه * ومعالي الآداب تمتار منه من سمي الرضا علي بن موسى * رضي الله عن أبيه وعنه وله أيضا: وسمي الرضا علي بن موسى * لك فعل يرضى صديقك عنكا وقال السروجي: عليك بتقوى الله ما عشت انه * لك الفوز من نار تقاد بأغلال وحب علي والبتول ونسلها * طريق إلى الجنات والمنزل العالي إلى الله أبرء من موالاة ظالم * لآل رسول الله في الاهل والمال وقال الحميري: لا فرض إلا فرض عقد الولا * في أول الدهر وفي الآخره لاهل بيت المصطفى انهم * صفوة حزب الله ذي المغفرة أعطاهم الفضل على غيرهم * بسؤدد البرهان والمقدرة فهم ولاة الامر في خلقه * حكامه الماضون في أدهره


[ 455 ]

فصل: في خرق العادات منه عليه السلام أبو الصلت الهروي: لما بلغ الرضا (ع) من نيسابور إلى القرية الحمراء قيل له: قد زالت الشمس أفلا تصلي ؟ فنزل ودعا بماء، فقيل له: ما معنا ماء، فبحث بيده الارض فنبع من الارض ماء توضأ به هو ومن معه وأثره باق إلى اليوم يقال له چشمه رضا فلما بلغ سناباذ استند إلى الجبل الذي تنحت منه القدور فقال: اللهم انفع به وبارك فيما يجعل منه وفيما ينحت منه، ثم أمر به فنحت منه قدور من الجبل وقال: لا يطبخ ما آكله إلا فيها، وكان خفيف الاكل قليل الطعم، فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم وظهرت بركة دعائه فيه. قال بعضهم: يقول أهل طوس قد ألان الله لنا الحجارة كما ألان لداود الحديد. قال ابن الصلت: ثم دخل دار حميد بن قحطبة البطائني ودخل القبة التي فيها قبر هارون ثم خط بيده إلى جانبه ثم قال: هذه تربتي وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي، الخبر. الحاكم أبو عبد الله الحافظ: لما دخل الرضا (ع) نيسابور ونزل محلة فور ناحية يعرفها الناس بالاسناد في دار تعرف بدار پسنديده وإنما سميت پسنديده لان الرضا عليه السلام ارتضاه من بين الناس، فلما نزلها زرع في جانب من جوانب الدار لوزة فنبتت وصارت شجرة فأثمرت في كل سنة وكان أصحاب العلل يستشفون بلوز هذه الشجرة وعوفي أعمى وصاحب قولنج وغير ذلك، فمضت الايام على ذلك ويبست فجاء حمدان وقطع اغصانها ثم جاء ابن لحمدان يقال له أبو عمرو فقطع تلك الشجرة من وجه الارض فذهب ماله كله، وكان له ابنان يقال لاحدهما أبو القاسم والآخر ابو صادق فأرادا عمارة تلك الدار وأنفقا عليها عشرين الف درهم فقلعا الباقي من اصل تلك الشجرة فماتا في مدة سنة. الصفوانى: قطع اللصوص على قافلة خراسان وأقاموا واحدا لتهموه بكثرة المال وملؤا فاه من الثلج ففسد فمه ولسانه وعجزت الاطباء عن دوائه فرأى في منامه الرضا (ع) فسأله عن علته فقال: خذ من الكمون والشعير والملح ودقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاث فانك تعافى، فلما انتبه قيل له ورد الرضا (ع) فارتحل من نيسابور وهو برباط سعد، فأتاه وقص عليه قصته وسأله الدواء فقال: ألم اعلمك فاستعمل ما وصفته لك في منامك، فاستعمل ما وصفه فعوفي من ساعته. حكيمة بنت موسى (ع) قالت: رأيت الرضا (ع) واقفا على باب بيت الحطب


[ 456 ]

وهو يناجي ولست أرى احدا، فقلت: سيدي من تناجي ؟ فقال: هذا عامر الدهرانى أتانى يسألني ويشكو إلي، فقلت: سيدي أحب ان اسمع كلامه، فقال: انك إن سمعت حممت سنة، فقلت: سيدي أحب ان اسمعه، فقال لي: اسمعي، فاستمعت فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمى سنة. الكليني باسناده إلى ابراهيم بن موسى قال: قلت للرضا (ع) في طريق: جعلت فداك هذا العيد قد أظلنا ولا والله ما أملك درهما فما سواه، وكنت اطالبه بآية من زمان، فحك بسوطه الارض حكا شديدا ثم ضرب بيده فتناول منه سبيكة ذهب ثم قال: انتفع بها واكتم ما رأيت. الغفاري قال: كان لرجل من آل أبى رافع رسول الله صلى الله عليه وآله علي حق فألح علي فأتيت الرضا عليه السلام وقلت: يا ابن رسول الله ان لمولاك فلان علي حق وقد شهرنى، فأمرني بالجلوس على الوسادة، فلما أكلنا وفرغنا قال: ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها فإذا دنانير فأخذتها، فلما اتيت المنزل نظرت إلى الدنانير فإذا هي ثمانية واربعون دينارا وفيها دينار يلوح منقوش عليه حق الرجل عليك ثمانية وعشرون دينارا وما بقى فهو لك، ولا والله ما كنت عرفت ماله علي على التحديد. ابو الصلت عبد السلام بن صالح قال: رفع إلى المأمون: ان الرضا (ع) يعقد مجالس الكلام والناس يفتنون بعلمه، فأنفذ محمد بن عمرو الطوسي فطرد الناس عن مجلسه وأحضره، فلما نظر إليه المأمون زبره واستخف به، فخرج الرضا (ع) يقول: وحق المصطفى والمرتضى وسيدة النساء لاستنزلن من حول الله عزوجل بدعائي عليه ما يكون سببا لطرد كلاب اهل هذه الكورة إياه واستخفافهم به وبخاصته وعامته ثم أتى منزله واغتسل وصلى ركعتين قال في قنوته: يا ذا القوة الجامعة والرحمة الواسعة، – إلى آخر دعائه – صل على من شرفت الصلاة بالصلاة عليه وانتقم لي ممن ظلمني واستخف بى وطرد الشيعة عن بابى وأذقه مرارة الذل والهوان كما إذا قنيها واجعله طريد الارجاس وشريد الانجاس، فلم يتم دعائه حتى وقعت الرجفة وارتفعت الزعفة وثارت الغبرة، فلما سلم من صلاته قال: اصعد السطح فانك سترى امرأة بغية رثة غثته متسخة الاطمار مهيجة الاشرار يسميها اهل هذه الكورة سمانة لغباوتها وتهتكها قد اسندت مكان الرمح إلى نحرها قصبا وقد شدت وقاية لها خمرا إلى طرف لها مكان اللواء فهي تقود جيوش الغاغة وتسوق عساكر الطغام إلى قصر المأمون وهو قصر ابي مسلم في شاهجان قال: ورأيت المأمون متدر عاقد برز من قصر الشاهجان متوجها


[ 457 ]

للهرب فما شعرت إلا بشاجرد الحجام قد رماه من بعض اعالي السطوح بلبنة ثقيله أسقطت عن رأسه بيضته بعد أن شقت جلدة هامته، فقال بعض من عرف المأمون: ويلك أمير المؤمنين، فسمعت سمانة فقالت: اسكت لا ام لك ليس هذا يوم التمييز والمحاباة ولا يوم انزال الناس على طبقاتهم ومقاديرهم فلو كان هذا أمير المؤمنين لما سلط ذكور الفجار على فروج الابكار، وطرد المأمون أسوء طرد بعد اذلال واستخفاف شديد ونهبوا أمواله، فصلب المأمون أربعين غلاما واسلا دهقان مرو وأمر أن يطول جدرانهم، وعلم ان ذلك من استخفاف الرضا (ع) فانصرف ودخل عليه وحلفه أن لا يقوم له وقبل رأسه وجلس بين يديه وقال: لم تطب نفسي بعد مع هؤلاء فما ترى ؟ فقال الرضا (ع): إتق الله في امة محمد وما ولاك من هذا الامر وخصك به فانك قد ضيعت امور المسلمين وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيها بغير حكم الله عزوجل وقعدت في هذه البلاد وتركت دار الهجرة ومهبط الوحي وان المهاجرين والانصار يظلمون دونك ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عن نفقته فلا يجد من يشكو إليه حاله ولا يصل إليه فاتق الله يا أمير المؤمنين في امور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ومعدن الرسالة وموضع المهاجرين والانصار أما علمت يا أمير المؤمنين ان والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط من أراده أخذه، فقال: نعم ما قلت يا سيدي هذا هو الرأي، وخرج يجهز للرحيل وأتاه ذو الرياستين وقالت: قتلت أمس أخاك وأظهرت اليوم عقد الرضا وأخرجت الخلافة من بني العباس أفترضي الناس عنك وههنا في حبسك أولياء أبيك نحو علي بن عمران وابن مونس والجلودي وكانوا لم يدخلوا في عهد الرضا، فامر بإحضار المحبوسين واحدا بعد واحد فادخل عليه ابن عمران فخاض في عقده للرضا فأمر بقتله، وثنى بابن مونس بعد هجره في الرضا، فلما ادخل الجلودي قال الرضا (ع) من كرمه: هبني هذا. وكان أغار ذلك في دور آل أبي طالب وقت خروج محمد بن أبي طالب وعرى نساهم، فقال: يا أمير المؤمنين بالله لا تصغ إلى مقاله في، قال: نعم وأمر بقتله، فاغتم بذلك ذو الرياستين، فقال المأمون لتسليته: اكتب حجة لك أن لا أعز لك ما دمت حيا، وكتب بما شاء فوقع عليه امير المؤمنين المأمون واستأذنه في توقيع الرضا (ع) فقال: انه لا يكتب، فأتاه واستدعاه للتوقع فأبى فكان ذو الرياستين يخلط على الرضا عليه السلام ويغيظ المأمون ويكتب إلى بغداد بأحواله فبويع ابراهيم بن المهدي، وفيه قال دعبل:


[ 458 ]

يا معشر الاجناد لا تقنطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا فسوف يعطيكم حنينية * لمتذها الامرد والاشمط والمعبديات لقوادكم * لا تدخل الكيس ولا تربط وهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط فلما سمع المأمون ذلك اغتم وأثر فيه كلام ذو الرياستين وغيره فعزم على إهلاك الرضا (ع). وفي رواية ياسر: ان الحسن بن سهل كتب إلى اخيه الفضل بن سهل في تحويل السنة فوجدت فيه انك تذوق في شهر كذا يوم الاربعاء حر الحديد وحر النار وأرى انك تدخل أنت وامير المؤمنين والرضا الحمام وتحتجم فيه ليزول عنك نحسه. فكتب الفضل إلى المأمون وكتب المأمون إلى الرضا (ع) بالحضور فأجابه الرضا: لست بداخل الحمام غدا، فأعاد عليه الرقعة مرتين فأجابه: رأيت النبي فنهاني عن ذلك، فكتب إليه المأمون: صدقت وصدق رسول الله لست بداخل الحمام والفضل أعلم بما يفعله فلما غابت الشمس قال لنا الرضا: قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فلم نزل نقول ذلك فلما صلى الصبح قال: اصعد السطح فاستمع هل تجد شيئا، فسمعت صيحة وكثرت فإذا نحن بالمأمون وقد دخل من بابه إلى الرضا وهو يقول: يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فانه دخل الحمام وقتلوه، فأخذ ثلاثة أحدهم ابن خالة الفضل ذي القلمين، قال: فشغب رجال الفضل على باب المأمون وجاؤا بالنيران ليحرقوا الباب وقالوا: هو اغتاله، فقال المأمون: يا سيدي ترى أن تخرج إليهم فركب أبو الحسن فلما ركب نظر إلى الناس فقال بيده: تفرقوا، فما أشار إلى أحد إلا ركض ومضى لوجهه يقع بعضهم على بعض. وأتى رجل من ولد الانصار بحقة فضة مقفل عليها وقال لم يتحفك أحد بمثلها ففتحها وأخرج منها سبع شعرات وقال: هذا شعر النبي، فميز الرضا اربع طاقات منها وقال: هذا شعره، فقبل في ظاهره دون باطنه، ثم ان الرضا (ع) أخرجه من الشبهة بأن وضع الثلاثة على النار فاحترقت ثم وضع الاربعة فصارت كالذهب. علي بن ابراهيم قال: دخل أبو سعيد المكاري وكان واقفيا على الرضا (ع) فقال له: أبلغ من قدرك انك تدعي ما ادعاه ابوك ! فقال (ع): مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت ان الله عزوجل أوحى إلى عمران (اني واهب لك ذكرا يبرئ الاكمه والابرص) فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى من مريم


[ 459 ]

ومريم من عيسى فعيسى ومريم شئ واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شئ واحد. فقال أسألك عن مسأله، فقال: سل لا أخالك تقبل مني ولست من غنمي ولكن هلمها، قال: ما تقول في رجل قال عند موته: كل عبد لي قديم فهو حر لوجه الله، المسألة. قال: فخرج من عنده وذهب بصره، وكان يسأل على الابواب حتى مات. ولما نزل الرضا (ع) في نيسابور بمحلة فوزا أمر ببناء حمام وحفر قناة وصنعة حوض فوقه مصلى فاغتسل من الحوض وصلى في المسجد فصار ذلك سنة، فيقال: كرمابه رضا وآب رضا وحوض كاهلان. ومعنى ذلك ان رجلا وضع هميانا على طاقه واغتسل منه وقصد إلى مكة ناسيا فلما انصرف من الحج أتى الحوض فرآه للغسل مشدودا فسأل الناس عن ذلك فقالوا: قد آوى فيه ثعبان ونام على طاقه ففتحه الرجل ودخل في الحوض وأخرج هميانه وهو يقول: هذا من معجز الامام، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: اي كاهلان، لئلا يأخذوها، فسمي الحوض بذلك كاهلان وسميت المحلة (فوز) لانه فتح أولا فصحفوها وقالوا فوزا. وروي انه أتته ظبية فلاذت فيه. قال ابن حماد: الذي لاذ به الظب‍ * ية والقوم جلوس من ابوه المرتضى * يزكو ويعلو ويروس الكليني عن الحسين بن منصور عن اخيه قال: دخلت على الرضا (ع) في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل فخلا يده ثم أذن له. وعنه انه حمل إليه مالا خطيرا، قال: فلم أره سر به فاغتممت لذلك وقلت في نفسي: قد حملت مثل هذا المال ولم يسر به، قال: فقال للغلام: صب علي الماء، فجعل يسيل من بين اصابعه في الطشت ذهب، ثم التفت إلي فقال لي: من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت إليه. وذكره أبو الحسن القزويني في بعض كتبه بالاسناد عن هرثمة بن أعين انه قال حدثني صبيح الديلمي ان المأمون دعاني البارحة في ثلاثين غلاما من ثقاته في الثلث الاول من الليل فأخذ علينا العهد وأمرنا ان نفتك بالرضا وقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل عشرة بدر دراهم وعشرة اضياع منتخبة والحظوظ عندي ما بقيت ففعلوا ذلك وزعموا انهم قطعوه ثم طووا عليه بساطه ومسحوا اسيافهم وخرجوا


[ 460 ]

حتى دخلوا على باب المأمون فقال: ما الذي صنعتم ؟ فقالوا: الذي أمرتنا به يا أمير المؤمنين فقال: أيكم كان المسرع إليه ؟ فقالوا بأجمعهم: صبيح الديلمي، فقال: لا والله ما مددت إليه يدا، فجزاني خيرا وقربني إليه ثم قال: لا تعيدوا علي الذي فعلتم فتبخسوا جعلكم وتتعجلوا الفناء وتخسروا الآخرة والاولى. فلما كان في بلج الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلل الازرار وأظهر وفاته وقعد للتعزية فقبل أن يصل الناس إليه قام قائما يمشي إلى الدار فينظر إليه وأنا بين يديه فلما دخل في حجرته (ع) سمع همهمة فأراعه ثم قال: من عنده ؟ فقلنا: لا علم لنا يا أمير المؤمنين فقال: اسرعوا وانظروا، قال صبيح: فأسرعت إلى البيت فإذا أنا بسيدي جالس في محرابه يصلي ويسبح، فانتفض المأمون وأرعد ثم قال: غررتموني لعنكم الله، ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال لي: يا صبيح أنت تعرفه فانظر من المصلي عنده ؟ قال صبيح: وتولى المأمون راجعا فلما صرت بعتبة الباب قال لي: يا صبيح، قلت: لبيك يأموي وسقطت لوجهي، فقال: قم يرحمك الله فارجع وقال (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)، فرجعت إلى المأمون وحكيت له فانتعل وتعمم ثم قال: اغلقوا علي الابواب وافتحوا عليه وقولوا كانت البارحة غشي على الرضا. قال هرثمة: فرآني الرضا (ع) فقال: لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله، ونهاني عن إفشاء قول صبيح. أبو العباس الصولي يخاطب علي بن موسى الرضا (ع) ويفضله على المأمون: كفى بفعال امرئ عالم * على اهله عادلا شاهدا يرى لهم طارقا مونقا * ولا يشبه الطارق التالدا يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مائة واحدا فلا يحمد الله مستنصرا * يكون لاعدائكم حامدا فضلت قسيمك في قعدد * كما فضل الوالد الوالدا وكان الرضا (ع) والمأمون يجتمعان في الاب الثامن من عبد المطلب كان يقول فضل أبوك علي أباه عبد الله بن عباس. قال أبو بكر الخوارزمي: يا هارون من أمره بدعة * جاورت قبرا قربه رفعة تريد أن تفلح من أجله * لن تدخل الجنة بالشفعة وقال ابن حماد: ساقها شوقي إلى طوس * ومن تحويه طوس


[ 461 ]

مشهد فيه الرضا العالم والحبر النفيس ذاك بحر العلم والحكمة ان قاس مقيس ذاك نور الله لا يطفى له قط طميس وقال الاديب: تجوز زيارة قبر ابن حرب * وتربة حفص ويحيى بن يحيى فلم لا تجوز زيارة قبر * الامام علي بن موسى الرضا سليل البتول وسبط الرسول * ونجل أبي الحسن المرتضى فصل: في علمه عليه السلام كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثيله بآيات من القرآن. وقال ابراهيم بن العباس: ما رأيته سئل عن شئ قط إلا علمه. الجلاء والشفاء، قال محمد بن عيسى اليقطيني: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر الف مسألة. وقد روى عنه جماعة من المصفين منهم: أبو بكر الخطيب في تاريخه، والثعلبي في تفسيره، والسمعاني في رسالته، وابن المعتز في كتابه، وغيرهم. وذكر أبو جعفر القمي في عيون أخبار الرضا: ان المأمون جمع علماء سائر الملل مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت. ورؤساء الصابئين منهم: عمران الصابي، والهربذ الاكبر. وأصحاب زرادشت ونسطاس الرومي والمتكلمين منهم سليمان المروزي، ثم أخضر الرضا (ع) فسألوه فقطع الرضا واحدا بعد واحد. وكان المأمون اعلم خلفاء بني العباس وهو مع ذلك كله انقاد له اضطرارا حتى جعله ولي عهده وزوجه ابنته. وروى ابن جرير بن رستم الطبري عن أحمد الطوسي عن أشياخه في حديث انه انتدب الرضا (ع) قوم يناظرونه في الامامة عند المأمون فأذن لهم فاختاروا يحيى ابن الضحاك السمرقندي، فقال: سل يا يحيى، قال يحيى: بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشرفني بذلك، فقال (ع): يا يحيى ما تقول في رجل ادعى الصدق لنفسه وكذب الصادقين أيكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا ؟ فلم يحر جوابا ساعة، فقال المأمون: أجبه يا يحيى، فقال: قطعني يا أمير المؤمنين، فالتفت إلى الرضا فقال: ما هذه المسألة التي


[ 462 ]

أقر يحيى بالانقطاع فيها ؟ فقال (ع): ان زعم يحيى انه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول: وليتكم ولست تبخيركم والامير خير من الرعية، وإن زعم يحيى انه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسه على منبر الرسول صلى الله عليه وآله: ان لي شيطان يعتريني، والامام لا يكون فيه شيطان وإن زعم يحيى انه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال: كانت إمامة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فصاح المأمون عليهم فتفرقوا ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم: ألم أقل لكم ان لا تفاتحوه ولا تجمعوا عليه فان هؤلاء علمهم من علم رسول الله. وفي كتاب الصفواني انه قال الرضا (ع) لابن قرة النصراني: ما تقول في المسيح قال: يا سيدي انه من الله، فقال: ما تريد بقولك من ؟ ومن على اربعة اوجه لا خامس لها أتريد بقولك من كالبعض من الكل فيكون مبعضا، أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل الاستحالة، أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة، أو كالصنعة من الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق أو عندك وجه آخر فتعرفناه ؟ فانقطع ياسر الخادم قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: رأيت في النوم كأن قفصا فيه سبعة عشر قارورة إذ وقع القفص فتكسرت القوارير، فقال: إن صدقت رؤياك يخرج رجل من اهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت. فخرج محمد بن ابراهيم بالكوفة مع ابي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات. وكان الجاثليق يناظر المتكلمين فيقول: نحن نتفق على نبوة عيسى وكتابه وانه حي في السماء ونختلف في بعثة محمد ونتفق في موته فما الذي يدل على نبوته ؟ فيحيرهم فاحضر عند الرضا والمأمون فقال: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه ؟ هل تنكر منهما شيئا ؟ فقال الرضا (ع): أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته وأقر به الحواريون وكافر ينبوه كل عيسى لم يقر بنبوة محمد وكتابه ولم يبشر به امته، فانقطع. ثم قال الرضا: يا نصراني والله انا لنؤمن بعيسى الذى آمن بمحمد وما ننقم على عيساكم إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته، فقال: والله ما زال عيسى صائم النهار قائم الليل، قال عليه السلام: لمن كان يصلي ويصوم ؟ فخرس. وقال الجاثليق: من أحيى الموتى وأبرأ الاكمه والابرص مستحق ان يعبد، فقال الرضا (ع): فان اليسع صنع ما صنع مشى على الماء وأبرأ الاكمه والابرص وحزقيل احيى خمسة وثلاثين الف رجل من بعد موتهم بستين سنة، وقوم بني اسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم


[ 463 ]

الوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة فأوحى الله إلى نبي مر على عظامهم بعد سنين ان نادهم فقال: أيتها العظام البالية قومي باذن الله، فقاموا. وذكر (ع) حديث ابراهيم والطير (فصرهن اليك)، وحديث موسى واختار موسى لما قالوا (لن نؤمك لك حتى نرى الله جهرة) فاحترقوا فأحياهم الله من بعد قول موسى (لو شئت اهلكتهم)، وسؤال قريش رسول الله صلى الله عليه وآله ان يحييهم ثم قال: والتوراة والانجيل والزبور والفرقان قد نطقت به فان كان من أحيى الموتى يتخذ ربا من دون الله فاتخذوا هؤلاء كلهم أربابا، فأسلم النصراني. الفضل بن سهل قال الرضا (ع) لراس الجالوت: هل تنكر ان التوراة تقول جاء النور من جبل طور سيناء واضاء للناس من جبل ساعير واستعلن لنا من بجل فاران، قال راس الجالوت: اعرف هذه الكلمات وما اعرف تفسيرها، قال الرضا: انا اخبرك اما قوله: جاء النور من طور سيناء، فذلك وحي الله الذي انزله على موسى على جبل طور سيناء، واما قوله: واضاء للناس من جبل ساعير، فهو الجبل الذي اوحى إلى عيسى وهو عليه، واما قوله: واستعلن لنا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكة وبينهما يوم. الاشعث بن حاتم سئل الرضا (ع) بمرو على مائدة عليها المأمون والفضل: النهار خلق قبل ام الليل ؟ قال (ع): أمن القرآن أم من الحساب ؟ فقال الفضل: من كليهما فقال (ع): قد علمت ان طالع الدنيا السرطان والكواكب في موضع شرفها فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشرة في وسط السماء ويوجب ذلك ان النهار خلق قبل الليل، واما دليل ذلك من القرآن فقوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. كافى الكليني انه سئل الرضا (ع) عن وقت التزويج بالليل ؟ فقال: لان الله تعالى جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن. وسئل (ع) عن طعم الخبز والماء، فقال: الماء طعم الحياة وطعم الخبز طعم العيش ومما اجاب (ع) بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهندي وعمران الصابي عن مسائلهما، قال عمران: العين نور مركبة أم الروح تبصر الاشياء من منظرها ؟ قال العين شحمة وهو البياض والسواد والنظر للروح دليله انك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه والانسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة وما اشبه ذلك، قال صباح:


[ 464 ]

فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة والنظر ذاهب ؟ قال (ع): كالشمس طالعة يغشاها الظلام، قال: اين تذهب الروح ؟ قال: اين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدت الكوة ؟ قال: اوضح لي، قال (ع): الروح مسكنها في الدماغ وشعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط في الارض فإذا غابت الدائرة فلا شمس وإذا قطع الراس فلا روح، قالا: فما بال الرجل يلتحى دون المرأة ؟ قال: زين الله الرجال باللحى وجعلها فضلا يستدل بها على الرجال من النساء. قال عمران: ما بال الرجل إذا كان مؤنثا والمرأة إذا كانت مذكرة ؟ قال (ع) علة ذلك ان المرأة إذا حملت وصار الغلام في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة وذلك ان موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها والجارية مما يلي مياسرها وربما ولدت المراة ولدين في بطن واحد فان عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين وان عظم احد ثدييها كان ذلك دليلا على انه تلد واحد إلا انه إذا كان الثدي الايمن اعظم كان المولود ذكرا وإذا كان الايسر اعظم كان المولود انثى وإذا كانت حاملا فضمر ثديها الايمن فانها تسقط غلاما وإذا ضمر ثديها الايسر فانها تسقط انثى وإذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا. قالا: من أي شئ الطول والقصر في الانسان ؟ فقال (ع) من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر وإن استطالت جاء الطول. قال صباح: ما اصل الماء ؟ قال (ع): اصل الماء خشية الله بعضه من السماء ويسلكه في الارض ينابيع وبعضه ماء عليه الارضون واصله واحد عذب فرات، قال: فكيف منها عيون نفط وكبريت ومنها قار وملح واشبه ذلك ؟ قال (ع): غيره الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمرا وكما انقلبت الخمر فصارت خلا وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا، قال: فمن أين اخرجت انواع الجوهر ؟ قال انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم خلقة مجتمعة مبنية على المتضادات الاربع قال عمران: إذا كانت الارض خلقت من الماء والماء البارد رطب فكيف صارت الارض باردة يابسة ؟ قال (ع): سلبت النداوة فصارت يابسه، قال: الحر أنفع أم البرد ؟ قال: بل الحر انفع من البرد لان الحر من حر الحياة والبرد من برد الموت وكذلك السموم القاتلة الحار منها أسلم واقل ضررا من السموم الباردة. وسألاه عن علة الصلاة ؟ فقال: طاعة امرهم بها وشريعة حملهم عليها وفي الصلاة توقير له وتبجيل وخضوع من العبد إذا سجد والاقرار بأن فوقه ربا يعبده ويسجد له


[ 465 ]

وسألاه عن الصوم فقال عليه السلام: امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده الدرجات ليعرفهم فضل ما أنعم عليهم من لذة الماء وطيب الخبز وإذا عطشوا يوم صومهم ذكروا يوم العطش الاكبر في الآخرة وزادهم ذلك رغبة في الطاعة. وسألاه لم حرم الزنا ؟ قال: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الانساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها ولا المولود يعلم من أبوه ولا أرحام موصولة ولا قرابة معروفة. أبو إسحاق الموصلي: ان قوما مما وراء النهر سألوا الرضا (ع) عن الحور العين مم خلقن ؟ وعن أة ل الجنة إذا دخلوها أول ما يأكلون ؟ وعن معتمد رب العالمين أين كان وكيف كان ؟ إذ لا أرض ولا سماء ولا شئ. فقال (ع): اما الحور العين فانهن خلقن من الزعفران والتراب لا يفنين، واما أول ما يأكل أهل الجنة فانهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الارض، واما معتمد الرب عزوجل فانه أين الاين وكيف الكيف وان ربي بلا أين ولا كيف وكان معتمده على قدرته سبحانه وتعالى. وفيما كتب عليه السلام إلى محمد بن سنان في علة الوضوء: انه لقيامه بين يدي الله عزوجل واستقباله إياه بجوارحه الطاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين، فغسل الوجه للسجود والخضوع، وغسل اليد ليقبلهما ويرغب بهما ويرهب ويبتهل بهما، ومسح الرأس والقدمين لانه ظاهر مكشوف مستقبل بهما في حالاته وليس فيها من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين. وقيل للنبي صلى الله عليه وآله: لاي علة تغسل هذه الموضع الاربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ فقال النبي: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل وطار الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على ام رأسه وبكى فلما تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذريته غسل هذه الجوارح الاربعة فأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بيده منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على ام رأسه وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة. وفيما كتب الرضا إلى محمد بن سنان: علة غسل الجنابة النظافة وتطهير الانسان نفسه مما أصابه من اذى وتطهير سائر جسده لان الجنابة خارج من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله، وعلة التخفيف في البول والغائط لانه أكثر وأدوم


[ 466 ]

من الجنابة فرضى فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة والجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منه والاكراه لانفسهم. وكان (ع) قال في جواب الصابى: الجنابة بمنزلة الحيض وذلك ان النطفة دم لم يستحكم ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن فوجد له الرجل من نفسه رائحة كريهة مع دم قد ينشق عن النطفة فوجب الغسل لذلك وغسل الجنابة مع ذلك امانة امتحنهم الله بها فأمر الله عبيده ليختبرهم بها. وقال في علة غسل الميت: لانه تطهر وتنظف من أدناس أمراضه ولانه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة. وفي رواية: انه يخرج منه الاذى الذي منه خلق. قال: وعلة غسل العيد ويوم الجمعة تعطيف العبد ربه واستقباله الجليل الكريم وطلبه المغفرة لذنوبهم، وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله، وليكون ذلك طهارة لهم من الجمعة إلى الجمعة. وفي رواية عن بعضهم (ع): انه كان الناس يتأذون من روايح من يسقى بالنواضح فأمر النبي بالغسل في يوم الجمعة. قال (ع): والعلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي واليمين على المدعي عليه ما خلا الدم لان المدعى عليه جاحد ولا يمكنه إقامة البينة على الجحود لانه مجهول وصارت البينة في الدم على المدعى عليه واليمين على المدعي لانه حوط يحتاط به المسلمون لئلا يبطل دم امرئ مسلم وليكون ذلك زاجرا وناهيا للقاتل لشدة إقامة البينة عليه لان من شهد عليه انه لم يفعل قليل. واما علة القسامة ان جعل خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ والتشديد والاحتياط لئلا يهدر دم امرئ مسلم. قال (ع): وعلة شهادة امرأتين شهادة رجل واحد لانها نصف رجل في سهم المواريث ولان المرأة لا تحفظ حفظ الرجل فتذكر إحداهما الاخرى. قال: وعلة شهادة أربعة في الزنا واثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لان فيه القتل فجعل الشهادة فيه مضاعفة ومغلظة، ولان الزنا يقام على اثنين فاحتيج لكل واحد منهما شاهدين لانهما حدان. وسئل الصادق عن ذلك فقال: ان الله تعالى احل لكم المتعة وعلم انها ستنكر عليكم فجعل الاربعة احتياطا لكم. وفيما كتب الرضا عليه السلام: وحرم سباع الطير والوحش كلها لاكلها الانذار من الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك. قال: وحرم الله الميتة لما فيها من الافساد للابدان والآفة، ولما أراد الله أن يجعل


[ 467 ]

التسمية سببا للتحليل وفرقا بينها وبين الحلال والحرام، وحرم الدم كتحريم الميتة لانه يورث القساوة ويعفن البدن وبغيره. قال: وعلة تحليل مال الولد للوالد بغير إذنه وليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قول الله تعالى: (يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور)، مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا والمنسوب إليه والمدعو به لقول الله تعالى: (ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله)، وقول النبي صلى الله عليه وآله: أنت ومالك لابيك. وليست الوالدة كذلك فلا يحل لها أن تأخذ من ماله إلا باذنه أو باذن الاب لان الاب مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها. وسئل عليه السلام عن علة وجوب المهر على الرجال ؟ قال: لان على الرجل مؤنة المرأة، ولان المرأة بائعة نفسها والرجل مشتر ولا يكون البيع بلا ثمن ولا الشراء بغير اعطاء الثمن، مع ان النساء محصورات عن التعامل والذهاب والمجئ مع علل كثيرة. قال (ع): وعلة تزويج الرجل اربع نسوة والتحريم ان تتزوج المرأة اكثر من واحد، لان الرجل إذا تزوج اربعة كان الولد منسوبا إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو اكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الاب والمواريث والتعارف. قال: وتحليل اربع نسوة لرجل واحد لانهن اكثر من الرجال. قال (ع): وعلة تزويج العبد اثنتين لا اكثر منه لانه نصف رجل في النكاح والطلاق لا يملك نفسه. قال (ع): وعلة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضب إن كان، وليكون ذلك تخفيفا وتأديبا للنساء وزاجرا لهن عن معصية ازواجهن فإذا مضت المرأة على معصية زوجها استحقت الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغى ومعصية زوجها. قال (ع): وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلاجل عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا يستضعف المرأة، وليكون ناظرا في اموره متعظا معتبرا واياسا لهم من الاجتماع بعد تسع تطليقات. قال (ع): وعلة طلاق المملوك اثنين لان طلاق الامة على النصف جعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض كذلك في الفرق عند عدة المتوفى عنها زوجها.


[ 468 ]

قال (ع): حرم الله الزنا لما فيه من الفساد ومن ذهاب الانساب وترك التربية للاطفال وفساد المواريث وما أشبه ذلك. قال (ع): وعلة ضرب الزاني مائة على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كله فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو اعظم الجنايات. قال (ع): وحرم قذف المحصنات لما فيه فساد الانساب ونفي الولد وإبطال المواريث وترك التربيه وذهاب المعارف ولما فيه من التعاير والعلل التي ترد إلى فساد الخلق قال (ع): وعلة قطع اليمين من السارق لانه يباشر الاشياء بيمينه وهي أفضل اعضائه وانفعها له فجعل قطعها نكالا له وعبرة للخلق لتمتنعوا من أخذ الاموال من غير حلها، ولانه اكثر ما يباشر السرقة بيمينه. قال (ع): وحرم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوقير لله والتوقير للوالدين وكفر النعمة وإبطال الشكر وما يدعو من ذلك إلى قلة النسل. قال (ع): وحرم لحم البغال والحمير الاهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها والخوف من فنائها لقلتها لا لقذر خلقها ولا لقذر غذائها. وعن ابي جعفر عليه السلام وليست الحمر بحرام، ثم قرأ (قل لا أجد فيما اوحي إلي محرم). وسئل عن علة الخنثى في الناس والبهائم ؟ قال: علة ذلك ان الله اراد أن يعرف قدرته فيهم انه قادر، يعني على الزيادة والنقصان. امتحان الفقهاء: رجل حضرته الوفاة فقال عند موته: لفلان عندي الف درهم إلا قليلا، كم القليل ؟ قال: القليل هو النصف لقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) نصفه، بالاثر عن الرضا (ع). قال دعبل: اربع بطوس على قبر الزكي بها * ان كنت تربع من دين على وطر قبران في طوس خير الناس كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر وقال محمد بن حبيب الضبي: قبران في طوس الهدى في واحد * والغي في لحد ثراه ضرام قرب الغوي من الزكي مضاعف * لعذابه ولانفه الارغام وقال علي بن أحمد الحواقي: يا أرض طوس سقاك الله رحمته * ما ذا حويت من الخيرات يا طوس


[ 469 ]

طابت بقاعتك في الدنيا وطيبها * شخص زكي بسناباذ مرموس شخص عزيز على الاسلام مصرعه * في رحمة الله مغمور ومغموس يا قبر انك قبر قد تضمنه * علم وحلم وتطهير وتقديس فافخر بأنك مغبوط بجثته وبالملائكة الابرار محروس في كل عصر لنا منكم إمام هدى * فربعه آهل منكم ومأنوس أمست نجوم سماء الدين آفلة * وظل اسد الثرى قد ضمها الخيس غابت ثمانية منكم وأربعة * يرجى مطالعها ما حنت العيس حتى متى يظهر الحق المنير بكم * فالحق في غيركم داج ومطموس وقال المشيع: يا بقعة مات بها سيد * ما مثله في الناس من سيد مات الهدى من بعده والندى * وشمر الموت به يقتدي لا زال غيث الله يا قبره * عليك منه رائحا يغتدي ان عليا ابن موسى الرضا * قد حل والسؤود في ملحد وقال الحميري: فطوبى لمن أمسى لآل محمد * وليا إماماه شبير وشبر وقبلهما الهادي وصي محمد * علي أمير المؤمنين المطهر ومن نسله طهر فروع أطايب * أئمة حق أمرهم يتنظر وقال بعض البصريين: خذا بيدي يا آل بيت محمد * إذا زلت الاقدام في غدوة الغد أبى القلب إلا حبكم وولاءكم * وما ذاك إلا من طهارة مولدي فصل: في مكارم أخلاقه ومعالى اموره عليه السلام كان عليه السلام يختم القرآن في كل ثلاث ويقول: لو أردت أن أختم في أقل من ثلاث لختمت ولكن ما مررت باية قط إلا فكرت فيها وفي أي شئ انزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت اختمه في ثلاث. وقال ابراهيم بن العباس: ما رأيت ولا سمعت بأحد افضل من ابي الحسن الرضا عليه السلام ماجفا احدا، ولا قطع على احد كلامه، ولا رد احدا عن حاجة، وما مد رجليه بين يدي جليس، ولا اتكى قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في


[ 470 ]

ضحكه، وكان يجلس على مائدة مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي اكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير الصوم، كثير المعروف والصدقة في السر واكثر ذلك في الليالي المظلمة. محمد بن عباد قال: كان جلوس الرضا (ع) على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيأ. ولقيه سفيان الثوري في ثوب خز فقال: يا ابن رسول الله لو لبست ثوبا أدنى من هذا، فقال: هات يدك، فأخذ بيده وأدخل كمه فإذا تحت ذلك مسح، فقال: يا سفيان الخز للخلق والمسح للحق. يعقوب بن اسحاق النوبختي قال: مر رجل بأبي الحسن الرضا (ع) فقال له: اعطني على قدر مروتك، قال (ع): لا يسعني ذلك، فقال: على قدر مروتي، قال إذا فنعم، ثم قال: يا غلام اعطه مائتي دينار. اليسع بن حمزة في حديثه: ان رجلا قال له: السلام عليك يا ابن رسول الله أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك مصدري من الحج وقد نفدت نفقتي وما معي ما أبلغ مرحلة فان رأيت أن تهيئني إلى بلدي ولله علي نعمة فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقة، فقام عليه السلام فدخل الحجرة وبقى ساعة، ثم خرج ورد الباب وأخرج يده من أعلى الباب فقال: خذ هذه المائتي دينار فاستعن بها في امورك ونفقتك وتبرك بها ولا تتصدق بها عني اخرج ولا أراك ولا تراني. فلما خرج سئل عن ذلك فقال: مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضاء حاجته أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور، أما سمعت قول الاول: متى آته يوما اطالب حاجة * رجعت إلى اهلي ووجهي بمائه وفرق (ع) بخراسان ماله كله في يوم عرفة فقال له الفضل بن سهل: ان هذا لمغرم، فقال: بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجرا وكرما. ابراهيم بن العباس: كان الرضا (ع) إذا جلس على مائدته أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبواب. وله عليه السلام: ليست بالعفة ثوب الغنى * وصرت أمشي شامخ الراس لست إلى النسناس مستأنسا * لكنني آنس بالناس إذا رأيت التيه من ذي الغنى * تهت على التائه بالياس


[ 471 ]

ما ان تفاخرت على معدم * ولا تضعضعت لافلاس ودخل زيد بن موسى بن جعفر (ع) على المأمون فأكرمه وعنده الرضا (ع) فسلم زيد عليه فلم يجبه فقال: أنا ابن ابيك ولا ترد علي سلامي، فقال (ع): أنت أخي ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا أخاء بيني وبينك. وذكر ابن الشهرزوري في مناقب الابرار: ان معروف الكرخي كان من موالي علي بن موسى الرضا وكان أبواه نصرانيين فسلما معروفا إلى المعلم وهو صبي فكان المعلم يقول له: قل ثالث ثلاثة، وهو يقول: بل هو الواحد، فضربه المعلم ضربا مبرحا فهرب ومضى إلى الرضا (ع) وأسلم على يده، ثم انه أتى داره فدق الباب فقال أبوه من بالباب ؟ فقال: معروف، فقال: على أي دين ؟ قال: على ديني الحنيفي، فأسلم أبوه ببركات الرضا. قال معروف: فعشت زمانا ثم تركت كلما كنت فيه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام. ودخل (ع) الحمام فقال له بعض الناس: دلكني يا رجل، فجعل يدلكه فعرفوه فجعل الرجل يستعذر منه وهو يطيب قلبه ويدلكه. وفي المحاضرات: انه ليس في الارض سبعة أشراف عند الخاص والعام كتب عنهم الحديث إلا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال عبد الله بن المبارك: هذا علي والهدى يقوده * من خير فتيان قريش عوده هشام بن أحمد قال أبو الحسن الاول: هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟ قلت: لا، قال: بلى قد قام رجل من أهل المغرب إلى المدينة فانطلق بنا، فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فاستعرضت منه جاريه فعرض علينا سبع جواري كل ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها، ثم قال: اعرض علينا، فقال: ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها، فأبى عليه فانصرف ثم أرسلني من الغد فقال لي: قل له كم غايتك فيها فإذا قال لك كذا وكذا فقل قد أخذتها، قال: هي لك ولكن اخبرني من الرجل الذي كان معك أمس ؟ قلت: رجل من بني هاشم قال: اخبرك اني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت: اشتريتها لنفسي، قالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الارض ولا غربها مثله، فولدت له الرضا عليه السلام.


[ 472 ]

وعزى أبو العيناء ابن الرضا عن أبيه قال له: أنت تجل عن وصفنا ونحن نقل عن عظتك وفي علم الله ما كفاك وفي ثواب الله ما عزاك، والاصل في مسجد رزد في كورة مرو انه صلى فيه الرضا (ع) فبنى مسجدا ثم دفن فيه ولد الرضا، ويروى فيه من الكرامات. أبو الصلت وياسر وغيرهما: ان المأمون قال للرضا (ع): يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة مني، فقال الرضا: بالعبودية لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله. فقال له المأمون: فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك. فقال له الرضا: إن كانت هذه الخلافة لك فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه الله وتجعله لغيرك وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك. فقال المأمون لابد لك من قبول هذا الامر. فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا. فما زال يجهد به أياما والفضل والحسن يأتيانه حتى يئس من قبوله فقال: فكن ولي عهدي، فقال الرضا: والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلوات الله عليهم اني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي ملائكة السماء والارض وادفن في أرض غربة إلى جنب هارون، فقال: ومن الذي يقتلك أو يقدر على الاسائة اليك وأنا حي ! قال: أما اني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت، فقال: إنما تريد التخفيف عن نفسك بهذا، قال: واني لاعلم ما تريد بذلك أن تقول للناس: ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل الدنيا زهدت فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة، فقال المأمون: ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة نفر وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك فان فعلت وإلا ضربت عنقك، فقال الرضا: ان الله نهاني أن ألقي بيدي إلى التهلكة فان كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ولاية العهد على انني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم. فأجابه المأمون إلى ذلك كله، وخرج ذو الرياستين قائلا: واعجبا وقد رأيت عجبا رأيت المأمون أمير المؤمنين يفوض أمر الخلافة إلى الرضا ورأيت الرضا يقول: لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه، فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منه. ثم انه خرج الفضل فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى الرضا (ع) وانه


[ 473 ]

قد ولاه عهده وسماه الرضا. قال العوني: ذاك الذي آثره المأمون بال‍ * عهد وسماه الرضا لما اختبر وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس على أن يأخذوا أرزاق سنة، فلما كان ذلك اليوم جلس المأمون والرضا في الخضرة ثم أمر ابنه العباس بن المأمون يبايع له أول الناس، فدفع الرضا يده فتلقائها وجه نفسه وببطنها وجوههم، فقال المأمون: ابسط يدك للبيعة، فقال (ع): ان رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا كان يبايع، فبايعه الناس ويده فوق ايديهم ووضعت البدر، وجعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضون جوائزهم. فخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال في الدعاء له ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب: ستة آباؤهم من هم * أفضل من يشرب صوب الغمام فأمر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسم الرضا وهي الدراهم المعروفة بالرضوية. ونظر الرضا إلى ولي له وهو مستبشر بما جرى فأومى إليه أن ادن فدنا منه فقال سرا: لا تشغل قلبك بهذا الامر ولا تستبشر فانه شئ لايتم فسمع منه وقد رفع يده إلى السماء وقال: اللهم انك تعلم اني مكره مضطر فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين دفع إلى ولاية مصر. محمد بن عرفة قلت للرضا (ع): يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟ فقال: ما حمل جدي أمير المؤمنين على الدخول في الشورى ؟. (نسخة خط الرضا عليه السلام على العهد) (الذي عهده المأمون إليه) (بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الفعال لما يشاء، لا معقب لحكمه ولاراد لقضائه، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، وصلواته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر: ان أمير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وآمن أنفسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذ افتقرت، مبتغيا رضى رب العالمين، لا يريد جزاء من غيره


[ 474 ]

وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين، فانه جعل إلي عهده، والامرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وقصم عروة أحب الله إيثاقها، فقد أباح حريمه، وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الامام، متهتكا حرمة الاسلام، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات، ولم يعترض بها على الغرمات، خوفا على شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز، وبايقة تبتدر، وقد جعلت لله على نفسي إذا استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده وإباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فانه عزوجل يقول (اوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا)، فان أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للعتب مستحقا وللنكال متعرضا، واعوذ بالله من سخطه، واليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك وما أدري ما يفعل بي ولا بكم، ان الحكم إلا لله يقضي الحق وهو خير الفاصلين، لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا، وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاه، والفضل بن سهل، ويحيى بن أكثم، و عبد الله بن طاهر، وثمامة بن اشرس، وبشر بن المعتمر، وحماد بن النعمان، في شهر رمضان سنة احدى ومائتين. وقد ذكر ابن المعتز ذلك مع نصبه في قصائد منها: وأعطاكم المأمون حق خلافة * لنا حقها لكنه جاد بالدنيا فمات الرضا من بعد ما قد علمتم * ولاذت بنا من بعده مرة اخرى وكان دخل عليه الشعراء فأنشد دعبل: مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات وأنشد ابراهيم بن العباس: أزالت عزاء القلب بعد التجلد * مصارع أولاد النبي محمد وأنشد أبو نؤاس: مطهرون نقيات ثيابهم * تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر


[ 475 ]

والله لما برا خلقا فأتقنه * صفاكم واصطفاكم أيها البشر فأنتم الملا الاعلى وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور فقال الرضا (ع): قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها، يا غلام هل معك من نفقتنا شئ ؟ فقال: ثلاثة دينار، فقال: اعطها إياه، ثم قال: يا غلام سق إليه البغلة وقال ابن حماد: إذا جذت شبهة في الدين مبهمة * فهم مصابيحها للخلق والسرج هم الشموس التي تهدى الانام وما * غير المنيف إذا يعزى ولا فرج مشكوة نور ومصباح يضيئ بها * كأنه كوكب بورى وينسرج وقال كشاجم: فكم فيهم من هلال هوى * قبيل التمام وبدر أفل هم حجة الله يوم المعاد * هم الناصرين على من خذل ومن أنزل الله تفضيلهم * فرد على الله ما قد نزل فجدهم خاتم الانبياء * يعرف ذاك جميع الملل ووالدهم سيد الاوصياء * معطي الفقير ومردي البطل وقال اسامة: امكم فاطمة وجدكم محمد * وحيدر أبوكم طبتم وطاب المولد فصل: في أحواله وتواريخه عليه السلام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) يكنى أبو الحسن، والخاص: أبو علي. وألقابه: سراج الله، ونور الهدى، وقرة عين المؤمنين، ومكيدة الملحدين، كفو الملك، وكافي الخلق، ورب السرير، ورأب التدبير، والفاضل، والصابر، والوفي، والصديق، والرضي. قال احمد البزنطي: وإنما سمي الرضا لانه كان رضى الله تعالى في سمائه، ورضى لرسوله والائمة عليهم السلام بعده في ارضه. وقيل لانه رضى به المخالف والمؤالف وقيل: لانه رضى به المأمون. وامه ام ولد يقال لها سكن النوبية. ويقال: خيزران المرسية. ويقال: نجمة رواه ميثم. ويقال: صقر، وتسمى أروى ام البنين. ولما ولدت الرضا


[ 476 ]

سماها الطاهرة. ولد يوم الجمعة بالمدينة، وقيل: يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول سنة ثلاث وخمسين ومائة، بعد وفاة الصادق بخمس سنين، رواه ابن بابويه، وقيل: سنة احدى وخمسين ومائة. فكان في سني إمامته بقية ملك الرشيد، ثم ملك الامين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما، وملك المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما. وأخذ البيعة في ملكه للرضا (ع) بعهد المسلمين من غير رضى في الخامس من شهر رمضان سنة احدى ومائتين، وزوجه ابنته ام حبيب في اول سنة اثنتين ومائتين. وقيل: سنة ثلاث وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة، وذكر ابن همام تسعة واربعين سنة وستة اشهر. وقيل: واربعة اشهر. وقال بالامر وله تسع وعشرون سنة وشهران. وعاش مع ابيه تسعا وعشرين سنة واشهرا وبعد ابيه ايام إمامته عشرين سنة. وولده محمد الامام فقط. ومشهده بطوس من خراسان في القبة التي فيها هارون إلى جانبه مما يلي القبلة، وهي دار حميد بن قحطبة الطائي في قرية يقال لها سناباذ من رستاق نوقان. ورواة نص أبيه: داود بن كثير الرقي، ومحمد بن اسحاق بن عمار، وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي، والحسين بن المختار، وزياد بن مروان، وداود بن سليمان، ونصر بن قابوس، وداود بن رزين، ويزيد بن سليط، ومحمد بن سنان المخزومي. وروى نعيم القابوسي عن ابي الحسن (ع) انه قال: ابني علي اكبر ولدي وآثرهم عندي واحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر إليه إلا نبي أو وصي نبي. داود بن رزين قال: جئت إلى ابي ابراهيم عليه السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت: اصلحك الله لاي شئ تركته عندي ؟ فقال: ان صاحب هذا الامر يطلبه منك، فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن فسألني ذلك المال فدفعته إليه. وكان بابه محمد بن راشد. ومن ثقاته: احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي، ومحمد بن الفضل الكوفي الازدي، و عبد الله بن جندب البجلي، واسماعيل بن سعد الاخوص الاشعري، واحمد بن محمد الاشعري. ومن اصحابه: الحسن بن علي الخزاز ويعرف بالوشاء، ومحمد بن سليمان الديلمي البصري، وعلي بن الحكم الانباري، و عبد الله بن المبارك النهاوندي، وحماد بن


[ 477 ]

عثمان الباب، وسعد بن سعد، والحسن بن سعيد الاهوازي، ومحمد بن الفرج الرجحي وخلف البصري، ومحمد بن سنان، وبكر بن محمد الازدي، وابراهيم بن محمد الهمداني ومحمد بن احمد بن قيس بن غيلان، واسحاق بن محمد الحضيني. قال ابن سنان: كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس ويقعد الرضا (ع) على يمينه، فرفع إليه ان صوفيا من اهل الكوفة سرق، فأمر باحضاره فرأى عليه سيماء الخبر فقال: سوءا لهذه الاثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل: فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا وقال الله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فلا إثم) وقد منعت من الخمس والغنائم، فقال: وما حقك منها ؟ فقال: قال الله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فمنعتني حقي وانا مسكين وابن السبيل وانا من حملة القرآن وقد منعت كل سنة مني مائتي دينار بقول النبي، فقال المأمون لا اعطل حدا من حدود الله وحكما من احكامه في السارق من اجل اساطيرك هذه قال: فابدأ اولا بنفسك فطهرها ثم طهر غيرك واقم حدود الله عليها ثم على غيرك، قال: فالتفت المأمون إلى الرضا (ع) فقال: ما تقول ؟ قال: انه يقول سرقت فسرق، قال: فغضب المأمون ثم قال: والله لاقطعنك، قال: أتقطعني وانت عبدي فقال: ويلك ايش تقول ! قال: اليس امك اشتريت من مالى الفيئ ولا تقسمها بالحق وانت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وان منهم وما اعتقتك والاخرى ان النجس لا يطهر نجسا إنما يطهره طاهر ومن في جنبه حد لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه اما سمعت الله تعالى يقول: (اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون)، فالتفت المأمون إلى الرضا فقال: ما تقول ؟ قال: ان الله عزوجل قال لنبيه: (قل فلله الحجة البالغة) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل، قال: فأمر باطلاق الرجل الصوفي وغضب على الرضا في السر. وفي حديث الريان بن شبيب: انه لما اراد المأمون ان يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين وللرضا بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة اذن للناس فدخلوا يبايعون يصفقون ايمانهم على ايمانهم من اعلى الابهام إلى الخنصر ويخرجون حتى بايع فتى في آخر الناس من اولاد الانصار فصفق يمينه من الخنضر إلى اعلى الابهام فتبسم الرضا (ع) ثم قال للمأمون: كل من بايعنا يفسخ البيعة من عقدها غير هذا الفتى فانه بايعنا بعقدها


[ 478 ]

فقال المأمون: وما فسخ البيعة من عقدها ؟ قال: عقد البيعة من الخصنر إلى اعلى الابهام وفسخها من اعلى الابهام إلى الخنصر، فأمر المأمون باعادة الناس إلى البيعة فقالوا: كيف يستحق البيعة والامامة وهو لا يعرف عقد البيعة ؟ ان من علم اولى بهذا ممن لا يعلم. صفوان قال يحيى بن خالد الطاغي: هذا علي ابنه قد قعد وادعى الامر لنفسه فقال: ما يكفينا ما صنعنا بأبيه تريد ان تقتلهم جميعا. وفي اعلام الورى انه قال الحسن الطيب: لما توفي أبو الحسن موسى (ع) دخل الرضا السوق واشترى كلبا وكبشا وديكا، فلما كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون قال: قد أمنا جانبه. وكتب الزبيري: ان علي بن موسى قد فتح بابه ودعى إلى نفسه، فقال هارون واعجبا ان علي بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ويكتب فيه بما يكتب. علي بن محمد بن سيار عن آبائه قال: لما بويع الرضا قل المطر، فقالوا: هذا من نكده، فسأله المأمون ان يستسقي فقبل وقال: رايت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي يقول: يا بني انتظر يوم الاثنين وابرز إلى الصحراء واستسق فان الله يسقيهم واخبرهم بما يريد الله وهم لا يعلمون حالك ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك، فبرز يوم الاثنين وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (اللهم يا رب أنت عظمت حقنا اهل البيت، فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا احسانك ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث ولا ضائر. وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم). فرعدت السماء وبرقت وهاجت الرياح فتحرك الناس فنبأهم ان هذا العارض لبلدة كذا، إلى تمام عشر مرات ثم بدا عارض فقال: هذا لكم، وأمرهم بالانصراف وقال: لم تمطر عليكم ما لم تبلغوا منازلكم، ونزل من المنبر، فكان كما قال فقالوا هنيئا لولد رسول الله كرامات الله عزوجل. فلما حضر عند المأمون قال له حميد بن مهران: تجاوزت حدك وصلت على قومك بناموسك فان صدقت فامر هذين الاسدين المصورين الذين على مسند المأمون أن يأخذاني، فغضب الرضا (ع) ونادى: دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا، فانقلبا وقطعاه وأكلاه ثم استقبلا الرضا وقالا: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا ؟ قال: فغشى عليه، فقال: امكثا، ثم قال: صبوا عليه ماء ورد وطيبوه، فلما صب عليه أفاقه، فقالا: أتأمرنا أن نلحقه بصاحبه ؟ فقال:


[ 479 ]

لا لان لله تعالى في تدبيرا هو متممه فقالا: فما تأمرنا ؟ قال: عودا إلى مقر كما كما كنتما فصارا صورتين على المسند، فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران معرفة الرجال عن الكشي قال محمد بن اسحاق لابي الحسن (ع) معرفة الرجال عن الكشي قال محمد بن اسحاق لابي الحسن (ع): ان أبي يقول بحياة أبيك وأنا كثيرا ما اناظره فقال لي وما: سل صاحبك ان كان بالمنزل الذي ذكرت أن يدعو الله لي حتى أصير إلى قومكم، فأنا أحب أن تدعو الله له، قال: فرفع أبو الحسن يده اليمنى فقال: اللهم خذه بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتى ترده إلى الحق. فأتى بريد فأخبرني بما كان فو الله ما لبثت إلا قليلا حتى قلت بالحق. وفيه انه قال عبد الله بن المغيرة: كنت واقفا فتعلقت بالملتزم وقلت: اللهم ارشدني إلى خير الاديان، فوقع في نفسي أن آتي الرضا (ع) فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام: قل لمولاك رجل من اهل العراق بالباب، فسمعت نداء: ادخل يا عبد الله ابن المغيرة، فدخلت فلما نظر إلي قال: قد استجاب الله دعوتك وهداك إلى دينك، فقلت: أشهد انك حجة الله. ابراهيم بن شعيب قال: كتبت إلى الرضا (ع): إن من كان قبلنا من آبائك كان يخبرنا بأشياء فيها براهين قد أحببت ان تخبرني باسمي واسم أبي وولدي، فجاء جوابه: يا ابراهيم ان من آبائك شعيبا وصالحا ومن ابنائك محمدا وعليا وفلانة وفلانة وزاد إسما لا نعرفه، قال: فقال له بعض اهل المجلس: اعلم انه كما صدقك في غيره صدقك فيه فابحث عنه. ياسر الخادم وريان بن الصلت: ان المأمون بعث إلى الرضا عليه السلام بالركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم وذلك بمرو فقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من في الشرائط دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس، فألح عليه فقال: إن أعفيتني فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين قال: اخرج كما شئت، وأمر ان يبكروا إلى بابه، فوقف الناس والجنود في المواضع ينتظرونه. فلما طلعت الشمس، اغتسل أبو الحسن ولبس ثيابا بيضا من قطن وتطيب طيبا واخذ بيده عكازة وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر، فلما رآه القواد هكذا تزيوا بزيه، فخيل الينا ان السماء والارض تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء لما رأوه وسمع تكبيره، فقال الفضل بن سهل: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فبعث إليه المأمون: قد كلفناك شططا ولسا نريد ان يلحقك أذى فارجع وليصل بالناس من


[ 480 ]

كان يصلى بهم على رسمه، وكان قد بلغ مسجد خركاه تراشان فدخل فيه وصلى تحت عباية فيه، ثم لبس الموزج وركب وانصرف فاختلف أمر الناس ولم ينظم في صلاتهم. وقال البحري: ذكروا بطلعتك النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا حتى انتهيت إلى المصلى لابسا * نور الهدى يبدو عليك فيظهر ومشيت مشية خاشع متواضع * لله لا يزهى ولا يتكبر ولو ان مشتاقا تكلف غير ما * في وسعه لمشى اليك المنبر وانشأ الرضا عليه السلام: إذا كان من دوني بليت بجهله * ابيت لنفسي ان اقابل بالجهل وان كان مثلي في محلي من النهى * اخذت بحلمي كي أجل عن المثل وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدم والفضل وله عليه السلام: وذي غيلة سالمته فقهرته * فأوقرته مني بعفو التحمل ولم أر للاشياء اسرع مهلكا * لغمر قديم من وداد معجل هرثمة بن أعين قال: كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل اربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف فانصرفت، فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب فأجابه بعض غلماني فقال: قل لهرثمة أجب سيدك، قال: فقمت مسرعا واخذت على اثوابي واسرعت إلى سيدي الرضا (ع) فدخل الغلام بين يدي ودخلت ورائه فإذا انا بسيدي في صحن داره جالس فقال: يا هرثمة، فقلت: لبيك يا مولاي، فقال لي: اجلس، فجلست، فقال لي: اسمع وع يا هرثمة هذا أو ان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي وقد بلغ الكتاب أجله وعزم هذا الطاغي على سمي في عنب في ورمان مفروك، فاما العنب فانه يغمس بالسلك في السم ويجذبه بالخيط في العنب ليخفى، واما الرمان فانه يطرح السم في كف غلمته ويفرك الرمان بيده ليلطخ حبه في ذلك وانه سيدعوني في يومي هذا المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني اكلهما فآكلهما ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاة فإذا انا مت فسيقول المأمون انا اغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له عني بينك وبينه انه قال لي قل لا نتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فانه ان فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخر عنه وحل به اليوم ما يحذر فانه سينتهي، قال: قلت نعم يا سيدي، ثم قال لي: فإذا خلى بينك وبين غسلي فسيجلس


[ 481 ]

في علو من أبنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار أبيض فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها وضعني من وراء الفسطاط وتراني فيها فانه سيشرف عليك ويقول لك: يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس ؟ فإذا قال ذلك فأجبه وقل له ما يغسله أحد غير من ذكرته، فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي واحملني فإذا أراد أن يحفر قبري فانه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولن يكون ذلك والله أبدا فإذا ضربوا المعاول نبت من الارض ولا ينحفر لهم منها ولا كقلامة الظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له عني اني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون فإذا ضربت نفذ في الارض إلى قبر محفور وضريح قائم فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني فيه حتى يفور من ضريحه ماء أبيض فيمتلي به ذلك القبر حتى يصير الماء مع وجه القبر ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطربت فلا تنزلني في القبر حتى إذا غابت الحوت وغار الماء فانزلني في ذلك القبر والحدني في ذلك الضريح ولا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فان القبر ينطبق من نفسه ويمتلي، فكان كما قال (ع). قال: فلما انصرف فأخلى مجلسه ثم قال لي: والله لتصدقني يا هرثمة ما أسر اليك ؟ قلت: خير العنب والرمان. قال: فأقبل يتلون ألوانا ويقول في غشيته: ويل للمأمون من فاطمة ويل للمأمون من الحسن والحسين ويل للمأمون من علي بن أبي طالب ويل للمأمون من رسول الله ويل للمأمون من علي بن موسى ويل للمأمون من موسى ابن جعفر هذا والله الخسران حقا، ثم أخذ علي العهد أن لا أفشيه إلى أحد، فلما وليت عنه صفق بيده وسمعته يقول: يستخفون من الله وهو معهم. وفي الارشاد في خبر: ان المأمون أمر عبد الله بن بشير أن يطول أظفاره وأخرج إليه شيئا كالتمر وقال: اعجن هذا بيدك جميعا، ثم أمر للرضا (ع) بالرمان وأمر لابن بشير أن يعصره بيده ففعل وسقاه المأمون للرضا بيده. وقال أبو الصلت الهروي: دخلت على الرضا وقد خرج من عند المأمون فقال: يا أبا الصلت قد فعلوها، وجعل يوحد الله ويمجده. وروى محمد بن الجهم انه كان الرضا يعجبه العنب فأخذ له شئ منه فجعل في موضع أقماعه الابر المسمومة أياما ثم نزع منه وجئ به فأكل منه ومات. قال السوسي:


[ 482 ]

بأرض طوس نائي الاوطان * إذ غره المأمون بالآماني حين سقاه السم في الرمان وفي روضة الواعظين عن النيسابوري روى عن أبى الصلت في خبر انه قال: بينا أنا واقف بين يدي الرضا (ع) إذ قال لي: يا أبا الصلت ادخل إلى هذه القبة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربع جوانبها قال: فأتيت به فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال: سيحفر لي ههنا قبر ثم أوصى بما أوصى وجلس في محرابه ينتظر إذ دعاه المأمون فلما أتاه وثب إليه وعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه وناوله عنقود عنب كان بيديه قد أكل بعضه وقال: يابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا، فقال الرضا: ربما كان عنبا حسنا فيكون في الجنة، فقال له: كل منه فقال: تعفيني منه قال: لا بد من ذلك ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ، فتناول العنقود فأكل منه ثلاث حباب ثم رمى به وقام، فقال: إلى أين ؟ قال: إلى حيث وجهتني، وخرج حتى دخل الدار وأمر أن يغلق الباب ونام على فراشه فمكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق ؟ قال: الذي جاء بى من المدينة في هذا الوقت أدخلني الدار، فقلت: ومن أنت ؟ قال: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إلى الرضا وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد يمينه ويساره وجعل يكلمه بشئ لم أفهمه ورأيت على شفتي الرضا زبدا أشد بياضا من الثلج وأبو جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره واستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه، ومضى الرضا. فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فائتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، فقال: ائت بما آمرك به فأتيت بهما وشمرت ثيابي لاغلسه معه فقال: تنح فان لي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال: ادخل الخزانة فاخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، ثم أمرنى بالتابوت من الحزانة فأتيته به ولم أر ذلك في الخزانة قط، فوضعه في التابوت وصلى عليه ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ومضى، فقلت: فان المأمون يطالبني به، فقال: اسكت فانه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما، فما تم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فاستخرج من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن، قال: يا أبا الصلت


[ 483 ]

قم فاتح الباب للمأمون، ففتحت للمأمون والغلمان بالباب فدخل باكيا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، وأمر بتجهيزه وحفر قبره فحفروا الموضع فبدا نداوة فنبع الماء حتى امتلا اللحد وبدا فيه حيتان صغار ففتت لها الخبز الذي كان أعطانيه الرضا عليه السلام لها فالتقطوا فإذا لم يبق منه شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لم يبق فيها شئ ثم غابت فوضعت يدي على الماء وتكلمت بكلام علمنيه الرضا فنضب الماء، فقال المأمون: لم يزل الرضا يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته، فقال له وزير كان معه: أتدري ما اخبرك به الرضا ؟ انه أخبرك ان ملككم بني العباس مع كثرتكم مثل هذه الحيتان إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم، قال: صدقت، ثم قال: يا أبا الصلت علمني الكلام، قلت: والله نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت فأمر بحبسي ودفن الرضا عليه السلام، فلما أضاق علي الحبس وسهرت الليالي دعوت الله بدعاء ذكرت فيه محمد وآل محمدا وسألت الله ان يفرج عني فما استتم الدعاء حتى دخل محمد بن علي فقال: يا أبا الصلت ضاق صدرك قم فاخرج، ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها واخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة يرونني فلم يستطيعوا ان يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال: امض في ودائع الله فانه لن يصل يده اليك ابدا. قال أبو فراس: باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته * وابصروا بعضهم من رشدهم وعموا عصابة شقيت من بعدما سعدوا * ومعشر هلكوا من بعدما سلموا لا بيعة ردعتهم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا رحم وأكثر دعل مراثيه عليه السلام منها: يا حسرة تتردد * وعبرة ليس تنفد على علي بن موسى * بن جعفر بن محمد ومنها: يا نكبة جاءت من الشرق * لم تترك مني ولم تبق موت علي بن موسى الرضا * من سخط الله على الخلق وامسح الاسلام مستعبرا * لثلمة باينة الرتق سقى الغريب المبتنى قبره * بأرض طوس بل الودق أصبح عيني مانعا للكرى * وأولع الاحشاء بالخفق


[ 484 ]

ومنها: ألا ما لعين بالدموع استهلت * ولو نفدت ماء الشؤون لقلت على من بكته الارض واسترجعت له * رؤس الجبال الشامخات وذلت وقد أعولت تبكي السماء لفقده وأنجمها ناحت عليه وكلت فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا * لمرزئة عزت لدينا وجلت رزينا رضي الله سبط نبينا * فأخلفت الدنيا له وتولت وما خير دينا بعد آل محمد * ألا لانباليها إذا ما اضمحلت تجلت مصيبات الزمان ولا أرى * مصيبتنا بالمصطفين تجلت ومنها: ألا أيها القبر الغريب محله * بطوس عليك الساريات هتون شككت فما أدري أمسقي شربة * فأبكيت أم ريب الردى فيهون أيا عجبا منهم يسمونك الرضا * ويلقاك منهم كلحة وغضون ومنها: وقد كنا نؤمل أن سيحيى * إمام هدى له رأي طريف ترى سكناته فيقول عنهم * وتحت سكونه رأي ثقيف له سمحاء تغدو كل يوم * بنايلة وسارية تطوف فأهدى ريحه قدر المنايا * وقد كانت له ريح عصوف أقام بطوس تلحقه المنايا * مزار دونه نأي قذوف


[ 485 ]

باب امامة أبي جعفر محمد بن على التقى عليه السلام فصل: في المقدمات الحمد لله الملك الشكور، القادر الغفور، الذي بيده مفاتيح الامور، عالم السر والنجوى، وكاشف الضر والبلوى، اهل المغفرة والتقوى، له الحمد في الآخرة والاولى، وله الحكم واليه ترجعون، له العزة والجلال، والقدرة والكمال، والانعام والافضال، وهو الكبير المتعال، سبحانه وتعالى عما يشركون، له الحجة القاهرة، والنعمة الزاهرة، والآلاء المتظاهرة، يرزق من في السماء والارضءإله مع الله قليلا ما تذكرون، يرجع الامر كله إليه وينطق الكتاب بالحق لديه، وهو يجير ولا يجار عليه، إن كنتم تعلمون، يظهر بصنعه شرايف صفاته، ويحق الحق بكلماته، ويحشر الخلق لميقاته، ويريكم آياته، فأي آيات الله تنكرون، وجعل السماء سقفا محفوظا، وبناء مصنوعا، وممسكا بلا عمد ممنوعا، وهم عن آياته معرضون، بسط الارض فأخرج نباتها، وأسكنها احياءها وامواتها، فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون بعث المصطفى داعيا إلى جنانه، خالصا في اسلامه وإيمانه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون، نصب عليا إماما إزاحة للعلة، وتأكيدا للادلة، وإظهار للملة، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، واختار اولاده اوصياء خلفاء كما قال تعالى: وعلامات وبالنجم هم يهتدون. الصادق (ع) في هذه الآية قال: النجم رسول الله والعلامات الائمة من بعده. أبو الورد عن ابى جعفر (ع) (الذين اتيناهم الكتاب) قال: هم آل محمد. أبو جعفر وابو عبد الله (ع) في قوله: (بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم) انهم الائمة من آل محمد. زيد بن علي في قوله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) قال: نحن هم. الباقر (ع) في قوله: (والذين هم من خشية ربهم مشفقون) إلى قوله (راجعون) نزل في على ثم جرت في المؤمنين وشيعته هم المؤمنون حقا. مالك الجهني: قلت


[ 486 ]

لابي عبد الله (ع): واوحى إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ان يكون إماما من آل محمد ينذر بالقرآن كما انذر به رسول الله صلى الله عليه وآله. محمد بن الفضيل عن ابى الحسن (ع) في قوله: (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) قال: هم الاوصياء (ع). حنان بن سالم الحناط: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، فقال أبو جعفر (ع): آل محمد لم يبق فيها غيرهم. سلام بن المستنير عن ابى جعفر في قوله: (قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) قال: ذلك رسول الله وامير المؤمنين والاوصياء من بعدهما. فصل: في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام أبو جعفر بن ابى الحسن بن ابى ابراهيم بن ابى عبد الله بن ابى جعفر بن ابى محمد ابن ابى عبد الله بن ابى الحسن بن ابى طالب عليهم السلام. اسمه محمد، وكنيته أبو جعفر، والخاص أبو علي. وألقابه: المختار، والمرضي، والمتوكل، والمتقي، والزكي، والتقي، والمنتجب والمرتضى، والقانع، والجواد، والعالم الربانى، ظاهر المعاني، قليل التوانى، المعروف بأبى جعفر الثاني، المنتجب المرتضى، المتوشح بالرضا، المستسلم للقضا، له من الله اكثر الرضا ابن الرضا، توارث الشرف كابرا عن كابر، وشهد له بذا الصوامع، استسقى عروقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته ثدي الرسالة، وتهدلت اغصانه ثمر الامامة. وحساب الجمل وحساب الهند وطبقات الاسطر لاب تسعة تسعة، ومحمد بن علي تاسع الائمة. للمؤلف: فديت إمامي ابا جعفر * جوادا يلقب بالتاسع ومحمد بن علي الجواد ميزانه في الحساب: إمام عادل زاهد وفى لاتفاقهما في ثلاثمائة. وله بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان ويقال: للنصف منه. وقال ابن عياش: يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة. وقبض ببغداد مسموما في آخر ذي القعدة. وقيل: يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، ودفن في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر.


[ 487 ]

وعمره خمس وعشرون سنة، قالوا: وثلاثة اشهر واثنان وعشرون يوما. وامه ام ولد تدعى درة وكانت مريسية ثم سماها الرضا (ع) خيزران، وكانت من اهل بيت مارية القبطية، ويقال: انها سبيكة وكانت نوبية. ويقال: ريحانة وتكنى ام الحسن. ومدة ولايته سبع عشر سنة. ويقال: اقام مع ابيه سبع سنين واربعة اشهر ويومين وبعده ثمانية عشر سنة إلا عشرين يوما. فكان في سني إمامته بقية ملك المأمون، ثم ملك المعتصم والواثق، وفي ملك الواثق استشهد. قال ابن بابويه: سم المعتصم لمحمد بن علي. واولاده: علي الامام، وموسى، وحكيمة، وخديجة، وام كلثوم. وقال أبو عبد الله الحارثي: خلف فاطمة وامامة فقط، وقد كان زوجه المأمون ابنته ولم يكن له منها ولد. وسبب وروده بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين من المجرم سنة عشرين ومائتين واقام بها حتى توفي في هذه السنة. رواه النص عليه وثقاته وأصحابه والدليل على إمامته اعتبار القطع على العصمة ووجوب كونه اعلم الخلق بالشريعة واعتبار القول بامامة الاثنى عشر وتواتر الشيعة. واما قول الكيسانية والفطحية وغيرهم فكلهم قد انقرضوا ولو كانوا محقين لما جاز انقراضهم لان الحق لا يجوز ان يخرج عن امة محمد. وقد ثبت بقول الثقات إشارة ابيه إليه، منهم: عمه علي بن جعفر الصادق، وصفوان بن يحيى، ومعمر بن خلاد، وابن ابى نصر البزنطي، والحسين بن يسار، والحسن بن جهم، وابو يحيى الصنعانى، ويحيى بن حبيب الزيات. وكان بابه عثمان بن سعيد السمان. ومن ثقاته: ايوب بن نوح بن دراج الكوفى، جعفر بن محمد بن يونس الاحول، والحسين بن مسلم بن الحسن، والمختار، بن زياد العبدي البصري، ومحمد بن الحسين بن ابى الخطاب الكوفى. ومن اصحابه: شاذان بن الخليل النيسابوري، ونوح بن شعيب البغدادي،


[ 488 ]

ومحمد بن احمد المحمودي، وابو يحيى الجرجاني، وابو القاسم ادريس القمي، وعلي ابن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب، واسحاق بن اسماعيل النيسابوري، وابو حامد احمد بن ابراهيم المراغي، وابو علي بن بلال، و عبد الله بن محمد الحضيني ومحمد بن الحسن بن شمون البصري، وريان بن شبيب، ويحيى الزيات وغيرهم: ان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأى من فضله مع صغر سنه فعزم ان يزوجه بابنته ام الفضل فغلظ ذلك على العباسيين فاجتمعوا عنده وقالوا: ننشدك الله يا امير المؤمنين ان تقيم على هذا الامر الذي قد عزمت فتخرج به عنان امر قد ملكناه الله وتنزع منا عزا قد البسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء من التصغير بهم وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا حتى انه مات. فأجابهم المأمون لكل كلمة جوابا ثم قال: واما أبو جعفر فقد برز على كافة أهل الفضل مع صغر سنة، فقالوا: ان هذا الفتى وان راقك منه هديه لا معرفة له فامهل ليتأدب ثم افعل ما تراه، فقال المأمون: ويحكم اني أعرف به منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله ومواده وإلهامه فان شئتم فامتحنوه، فقالوا: قد رضينا بذلك واجتمع رأيهم على أن يسأله قاضي القضاة يحيى بن أكثم مسأله لا يعرف الجواب فيها ووعده بأموال نفيسة على ذلك، فجلس المأمون في دست وأبو جعفر في دست، فسأله يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ؟ فقال عليه السلام: قتل في حل أو حرم، عالما كان المحرم أم جاهلا، عمدا كان أو خطأ، حرا كان أو عبدا، صغيرا كان أم كبيرا، مبتدءا أو معيدا، من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها من ذوات الظلف، من صغار الصيد كان أم من كبارها، مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم نهارا، محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحج كان محرما ؟ فانقطع يحيى. فسأله المأمون عن بيانه فأجابه بما هو مسطور في كتب الفقه، ثم التمس منه ان يسأل يحيى فقال (ع): رجل نظر أول النهار إلى امرأة فكان نظره إليها حراما فلما ارتفع النهار حلت له وعند الزواج حرمت وعند العصر حلت وعند الغروب حرمت وعند العشاء حلت وعند انتصاف الليل حرمت وعند الفجر حلت وعند ارتفاع النهار حرمت وعند الظهر حلت. تفسيره: هذا رجل نظر إلى أمة غيره ثم ابتاعها ثم أعتقها ثم تزوجها ثم ظاهرها ثم كفر عن الظهار ثم طلقها طلقة واحدة ثم راجعها ثم خلعها ثم استأنف العقد وذلك


[ 489 ]

بالاجماع. وفي رواية انه ارتد عن الاسلام ثم تاب. وقد أتاه ابن أكثم جدلا * فانصاع لما يعلمه قطعه فقال المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك. فقال: الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته، وصلى الله على محمد سيد بريته، والاصفياء من عترته. اما بعد فقد كان من فضل الله على الانام، وأن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه (وانكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله سميع عليم) ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد وهو خمسمائة درهم جياد فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟ قال: نعم زوجتك يا أبا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح ؟ قال: قد قبلت. الخطيب في تاريخ بغداد عن يحيى بن أكثم ان المأمون خطب فقالق: الحمد لله الذي تصاغرت الامور لمشيته، ولا إله إلا الله إقرارا بربوبيته، وصلى الله على محمد عبده وخيرته. اما بعد فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكما سبب المناسبة الأواني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم. ويقال: انه كان عليه السلام ابن تسع سنين وأشهر ولم يزل المأمون متوفرا على إكرامه وإجلال قدره. وقد روى الناس ان ام الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول انه يتسرى علي وبغيرني إليها، فكتب إليها المأمون: يا بنية انا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها. الجلاء والشفاء في خبر: انه لما مضى الرضا جاء محمد بن جمهور القمي، والحسن بن راشد، وعلي بن مدرك، وعلي بن مهزيار، وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة وسألوا عن الخلف بعد الرضا فقالوا: بصريا، وهي قرية أسسها موسى بن جعفر (ع) على ثلاثة أميال من المدينة فجئنا ودخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد الله بن موسى وهو شيخ، فقال الناس: هذا صاحبنا، فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) انه لا تجتمع الامامة في أخويه بعد الحسن والحسين وليس هذا صاحبنا، فجاء حتى جلس في صدر المجلس فقال رجل ما تقول أعزك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال: بانت منه بصدر


[ 490 ]

الجوزا والنسر الطائر والنسر الواقع، فتحيرنا في جرأته على الخطأ إذ خرج علينا أبو جعفر وهو ابن ثمان سنين فقمنا إليه فسلم على الناس وقام عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه وجلس أبو جعفر في صدر المجلس ثم قال: سلوا رحمكم الله، فقام إليه الرجل الاول وقال: ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة ؟ قال: يضرب دون الحد ويغرم ثمنها ويحرم ظهرها ونتاجها وتخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها، ثم قال بعد كلام: يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة فيسرق كفنها ويفجر بها يوجب عليه القطع بالسرق والحد بالزنا والنفي إذا كان عزبا فلو كان محصنا لوجب عليه القتل والرجم، فقال الرجل الثاني: يابن رسول الله ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال: تقرأ القرآن ؟ قال: نعم، قال: إقرأ سورة الطلاق إلى قوله: (وأقيموا الشهادة لله) يا هذا لاطلاق إلا بخمس: شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بارادة عزم، ثم قال بعد كلام: يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء ؟ قال: لا، الخبر. فقالت المرضعة له من سعد بن بكير اني اشبهك يا مولاي ذالبة * شثن البراش أو صماء حيات ولست تشبه ورد اللون ذا لبد * ولا ضئيلا من الرقش الضئيلات ولو خسأت سباع الارض أسكتها * إشجاء صوتك حتفا أي إسكات ولو عزمت على الحيات تأمرها * بالكف ما جاوزت تلك العزيمات وقد روى عنه المصنفون نحو: أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه، وأبي اسحاق الثعلبي في تفسيره، ومحمد بن منده بن مهربذ في كتابه. وروى ابراهيم بن هاشم قال استأذنت أبا جعفر لقوم من الشيعة فأذن لهم فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين الف مسألة فأجاب فيها وهو ابن عشر سنين. وكتب عبد العظيم الحسني إلى أبي جعفر يسأله عن الغائط ونتنه، فقال (ع): ان الله خلق آدم فكان جسده طينا وبقى أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة تقول: لامر ما خلقت ؟ وكان ابليس يدخل في فيه ويخرج من دبره فلذاك صار ما في جوف ابن آدم منتنا خبيثا غير طيب. ويقال: إذا بال الانسان أو تغوط يردد النظر اليهما لان آدم لما هبط من الجنة لم يكن له عهد بهما فلما تناول الشجرة المنهية أخذه ذلك فجعل ينظر إلى شئ يخرج منه فبقى ذلك في أولاده لانه تغذى في الجنة وبال وتغوط في الدنيا. ولما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه


[ 491 ]

التقي وام الفضل فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه فتجهز وخرج إلى بغداد فأكرمه وعظمه وأنفذ اشناس بالتحف إليه واى ام الفضل، ثم أنفذ إليه شراب حماض الاترج تحت ختمه على يدي اشناس وقال: ان أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي داود وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال، فقال: أشربها بالليل، قال: انها ينفع باردا وقد ذاب الثلج، وأصر على ذلك، فشربها عالما بفعلهم. وروي من وجه آخر سنذكره في فصل معجزاته انشاء الله تعالى. قال عمير بن المتوكل: كنا كشارب سم حان مهلكه * أغاثه الله بالترياق من كثب هاجت بمصرعه الدنيا فما سكنت * إلا باسمهم المحاء للديب وكتب ابراهيم بن عقبة إلى أبي الحسن الثالث (ع) يسأله عن زيارة الحسين بن علي وموسى بن جعفر ومحمد بن علي ببغداد، فكتب (ع): الافضل المقدم وهذان أجمع وأعظم أجرا. قال العبدي: يا سادتي يا بني علي * يا آل طه وآل صاد من ذا يوازيكم وأنتم * خلائف الله في البلاد أنتم نجوم الهدى اللواتي * يهدى بها الله كل هاد لولا هداكم إذا ضللنا * والتبس الغي بالرشاد لا زلت في حبكم اوالي * عمري وفي بغضكم اعادي وما تزودت غير حبي * إياكم وهو خير زاد وذاك ذخري الذي عليه * في عرصة الحشر اعتمادي ولاؤكم والبراء ممن * يشناكم اعتقادي وقال الناشي: يا آل ياسين من يحبكم * بغير شك لنفسه نصحا أنتم رشاد من الضلال كما * كل فساد بحبكم صلحا وكل مستحسن لغيركم * ان قيس يوما بفضلكم قبحا ما محيت آية النهار لنا * بذاته الليل ذو الجلال محا وكيف يمحى رشاد نوركم * وأنتم في دجى الظلام ضحى أبوكم أحمد وصاحبه * الممنوح من علم ربه منحا


[ 492 ]

وقال مهيار: غلامكم في الجحفل ابن عجاجة * مغممة من دضها الدم يهطل تعانق منه الموت عريان تحتها * شجاع بغير الصبر لا يتبتل فكم لكم في فتكه وانبساطه * فتى وفتاكم في الحجى يتكهل وأنتم ولاة الدين أرباب حقه * مبينوه في آياته وهو مشكل مساقط وحي الله في حجراتكم * وبيتكم كان الكتاب ينزل يذاذ عن الحوض الشقي ببغضكم * ويورد من أحببتموه فينهل * * * عجبت لقوم أضلوا السبل * ولم يبتغوا اتباع الهدى فما عرفوا الحق حين استنار * ولا أبصروا الفجر لما بدا ألا أيها المعشر النائمون احذركم ان تعصوا الكرى أفيقوا فما هي إلا اثنتان * اما الرشاد واما العمى وما خفى الرشد لكنما * أضل الحلوم اتباع الهوى وما خلقت عبثا امة * ولا ترك الله قوما سدى أكل بنى أحمد فضله * ولكنه الواحد المجتبى وقال ابن الحجاج: يا بانى الشرف الذي * أوفى وعم وطبقا سبا بأسباب النبي * وجبرئيل معلقا وقال ابن رزيك: قوم علومهم عن جدهم اخذت * عن جبرئيل وجبرئيل عن الله هم السفينة ماكنا لنطمع أن * ننجو من الهول يوم الحشر لولاهي الخاشعون إذا جن الظلام فما * تغشاهم سنة تنفى بانباه ولا بدت ليلة إلا وقابلها * من التهجد منهم كل أواه وليس يشغلهم عن ذكر ربهم * تغريد شاد ولا ساق ولا طاه سحايب لا تزال العلم هامية * أجل من سحب تهمي بأمواه


[ 493 ]

فصل: في معجزاته عليه السلام كان عليه السلام شديد الادمة فشك فيه المرتابون وهو بمكة فعرضوه على القافة فلما نظروا إليه خروا لوجوههم سجدا ثم قاموا فقالوا: يا ويحكم أمثل هذا الكوكب الدري والنور الزاهر تعرضون على مثلنا وهذا والله الحسب الزكي والنسب المهذب الطاهر ولدته النجوم الزواهر والارحام الطواهر والله ما هو إلا من ذرية النبي وأمير المؤمنين وهو في ذلك الوقت ابن خمس وعشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف وأفصح من الفصاحة يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره واصطفانا من بريته وجعلنا امناء على خلقه ووحيه، معاشر الناس أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي سيد العادين ابن الحسين الشهيد ابن امير المؤمنين علي بن أبى طالب وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى عليهم السلام اجمعين أفي مثلي يشك وعلى الله تبارك وتعالى وعلى جدي يفترى واعرض على القافة ! إني والله لاعلم ما في سرائرهم وخواطرهم، وانى والله لاعلم الناس أجميع بما هم إليه صائرون، أقول حقا وأظهر صدقا، علما قد نبأه الله تبارك وتعالى قبل الخلق اجمعين وقبل بناء السماوات والارضين، وأيم الله لو لا تظاهر الباطل علينا، وغواية ذرية الكفر وتوثب اهل الشرك والشك والشقاق علينا، لقلت قولا يعجب منه الاولون والآخرون. ثم وضع يده على فيه ثم قال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك، واصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. ثم أتى إلى رجل بجانبه فقبض على يده فما زال يمشي يتخطى رقاب الناس وهم يفرجون له، قال: فرأيت مشيخة أجلاءهم ينظرون إليه ويقولون: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فسألت عنهم فقيل: هؤلاء قوم من بني هاشم من اولاد عبد المطلب. فبلغ الرضا وهو في خراسان ما صنع ابنه فقال: الحمد لله، ثم ذكر ما قذفت به مارية القبطية ثم قال: الحمدلله الذي جعل في ابني محمد اسوة برسول الله وابنه ابراهيم. قال عسكر مولى أبى جعفر (ع): دخلت عليه فقلت في نفسي: يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوى جسده ! قال: فو الله ما استتممت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده وامتلا به الايوان إلى سقفه ومع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه وقد اظلم حتى صار كالليل المظلم ثم ابيض حتى صار كأبيض ما يكون من


[ 494 ]

الثلج ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر ثم اخضر حتى صار كأخضر ما يكون من الاغصان الورقة الخضرة ثم تناقض جسمه حتى صار في صورته الاولى عادلونه الاول وسقطت لوجهي مما رأيت، فصاح بى يا عسكر تشكون فننبئكم وتضعفون فنقويكم والله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه وارتضاه لنا وليا قال العونى: هذا الذي إذ ولدته امه * عاجلها منه حسيبا فابتدر حتى تفرغن النسا من حولها * وقلن هذا هو أمر مبتكر والولد الطيب قد جلله * عنهن مولاه بنوب فاستتر بنان بن نافع قال: سألت علي بن موسى الرضا (ع) فقلت: جعلت فداك من صاحب الامر بعدك ؟ فقال لي: يا ابن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته من قبلى وهو حجة الله تعالى من بعدي فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي عليه السلام فلما بصر بى قال لي: يا ابن نافع ألا احدثك بحديث انا معاشر الائمة إذا حملته امه يسمع الصوت من بطن امه اربعين يوما فإذا أتى له في بطن امه اربعة اشهر رفع الله تعالى له أعلام الارض فقرب له ما بعد عنه حتى لا يغرب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة وان قولك لابي الحسن من حجة الدهر والزمان من بعده فالذي حدثك أبو الحسن ما سألت عنه هو الحجة عليك فقلت انا اول العابدين، ثم دخل علينا أبو الحسن فقال لي: يا ابن نافع سلم واذعن له بالطاعة فروحه وروحي وروحي روح رسول الله. اجتاز المأمون بابن الرضا (ع) وهو بين صبيان فهربوا سواه فقال: علي به، فقال له مالك: ما هربت في جملة الصبيان ؟ قال: مالي ذنب فأفر ولا الطريق ضيق فأوسعه عليك تمر من حيث شئت، فقال: من تكون ؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب عليهم السلام، فقال ما تعرف من العلوم ؟ قال: سلني عن اخبار السماوات، فودعه ومضى وعلى يده بازاشهب يطلب به الصيد، فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم ير صيدا والباز يثب عن يده فأرسله وطار يطلب الافق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه وقد صادحية فوضع الحية في بيت الطعم وقال لاصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي، ثم عاد وابن الرضا في جمله الصبيان فقال: ما عندك من اخبار السماوات ؟ فقال: نعم يا امير المؤمنين حدثنى أبى عن آبائه عن النبي عن جبرئيل عن


[ 495 ]

رب العالمين انه قال بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الامواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور ويصيدها الملوك بالبزاه الشهب يمتحن بها العلماء، فقال: صدقت وصدق آباؤك وصدق جدك وصدق ربك، فأركبه ثم زوجه ام الفضل. محمد بن احمد بن يحيى في نوادر الحكمة عن امية بن علي قال: دعا أبو جعفر (ع) يوما بجارية فقال: قولي لهم يتهيأون للمأتم، قالوا: مأتم من ؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتى خبر ابى الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم. محمد بن الفرج كتب إلي أبو جعفر: احملوا إلي الخمس فانى لست آخذه منكم سوي عامي هذا، فقبض في تلك السنة. وفي كتاب معرفة تركيب الجسد عن الحسين بن احمد التميمي روى عن ابى جعفر الثاني انه استدعى فاصدا في أيام المأمون فقال له: افصدني في العرق الزاهر، فقال له: ما اعرف هذا العرق يا سيدي ولا سمعته، فأراه إياه فلما فصده خرج منه اصفر فجرى حتى امتلا الطست، ثم قال له: امسكه، فأمر بتفريغ الطست ثم قال: خل عنه، فخرج دون ذلك فقال: شده الآن، فلما شديده أمر له بمائة دينار فأخذها وجاء إلى بخناس فحكى له ذلك فقال: والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب ولكن ههنا فلان الاسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فان كان عنده علمه وإلا لم نقدر على من يعلمه فمضيا ودخلا عليه وقص القصص فأطرق مليا ثم قال: يوشك ان يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي. معلى بن محمد قال: خرج علي أبو جعفر (ع) حدثان موت ابيه فنظرت إلى قده لاصف قامته لاصحابنا بمصر فقعد ثم قال: يا معلى ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة فقال: وآتيناه الحكم صبيا. وقد رواه علي بن اسباط. ابو سلمة قال: دخلت على ابي جعفر (ع) وكان بي صمم شديد فخبر بذلك لما أن دخلت عليه فدعاني إليه فمسح يده على اذني ورأسي ثم قال: اسمع وعه فو الله اني لاسمع الشئ الخفي عن اسماع الناس من بعد دعوته. وروي ان ابا جعفر (ع) لما صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيب وكان في صحنه نبقة لم تحمل فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اسفل النبقة وقام فصلى بالناس المغرب والعشاء الآخرة وسجد سجدتي التكبير ثم خرج فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حسنا فتعجبوا من ذاك واكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لاعجم له وودعوه ومضى إلى المدينة.


[ 496 ]

قال الشيخ المفيد: وقد اكلت من ثمرها وكان لا عجم له. ابن عياش في كتاب اخبار ابي هاشم الجعفري قال: دخلت على ابي جعفر ومعي ثلاث رقاع غير معنونة فاشتبهت علي فاغتممت لذلك فتناول احداهن وقال: هذه رقعة ريان بن شبيب، وتناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن ابي حمزة، وتناول الثالثة وقال: هذه رقعة فلان، فبهت فنظر عليه السلام وتبسم. وفيه انه قال الحميري: قال لي أبو هاشم: اعطاني أبو جعفر ثلثمائة دينار في صرة فأمرني ان احملها إلى بعض بني عمه وقال: أما انه سيقول لك دلني على حريف يشتري لي بها متاعا فدله عليه، فكان كما قال. وقال أبو هاشم: كلمني جمال ان اكلمه له ليدخل في بعض اموره فدخلت عليه اكلمه فوجدته يأكل في جماعة فلم يمكني كلامه فقال: يا ابا هاشم كل، ووضع الطعام بين يدي ثم قال: يا غلام انظر الجمال الذي اتانا به أبو هاشم فضمه اليك. وقال أبو هاشم: قلت له: جعلت فداك اني مولع بأكل الطين فادع الله لي، فسكت ثم قال لي بعد ايام: يا ابا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين، قلت: فما شئ أبغض إلي منه. محمد بن حمزة الهاشمي قال: اصابني العطش عند ابي جعفر (ع) فنظر في وجهي وقال: اراك عطشانا ؟ قلت: أجل، قال: يا غلام اسقنا ماء، فقلت: الساعة يأتونه بماء مسموم من بيت المأمون واغتممت لذلك، فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولنى الماء، فتناول الماء فشرب ثم ناولنى فشربت فعطشت مرة اخرى فدعا بالماء ففعل كما فعل أولا. فقال محمد الهاشمي: والله اظن ابا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة الحسن بن علي ان رجلا جاء إلى التقي عليه السلام وقال: ادركني يا ابن رسول الله فان ابى قد مات فجأة وكان له ألفا دينار ولست أصل إليه ولي عيال كثير، فقال: إذا صليت العتمة فصل على محمد وآله مائة مرة ليخبرك به. فلما فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير إليه بالمال، فلما اخذه قال: يا بنى اذهب إلى الامام واخبره بقصتي فانه امرني بذلك فلما انتبه الرجل اخذ المال واتى ابا جعفر وقال: الحمد لله الذي اكرمك واصطفاك. وفي رواية ابن اسباط: وهو إذ ذاك خماسي، إلا انه لم يذكر موت والده. وقال المطر في: مضى أبو الحسن (ع) ولي عليه اربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري فأرسل إلى أبو جعفر (ع): إذا كان في غد فائتني، فأتيته من الغد


[ 497 ]

فقال لي: مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم، فدفع دنانير من تحت مصلاه وكانت قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم. وروي ان امرأته ام الفضل بنت المأمون سمته في فرجه بمنديل فلما أحس بذلك قال لها: أبلاك بداء لا دواء له، فوقعت الاكلة في فرجها، وكانت تنتصب للطبيب فينظرون إليها ويسرون بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علتها. قال العوني: يا آل أحمد لولاكم لما طلعت * شمس ولا ضحكت أرض على العشب يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم * صباية بادرت تبكي على الندب يا آل أحمد أنتم خير من وجدت * به المطايا وأنتم منتهى اربي يا زينة الارض يا فجر الظلام بها * يا درة المجد يا عرعورة العرب وقال العبدي: صلوات الاله ربي عليكم * أهل بيت الصيام والصلوات قدم الله كونكم في قديم * الكون قبل الارضين والسماوات واصطفاكم لنفسه وارتضاكم * وأرى الخلق فيكم المعجزات وعلمتم ما قد يكون وما كان * وعلم الدهور والحادثات أنتم جنبه وعروته الوثقى * وأسماؤه وباب النجاة وبكم يعرف الخبيث من الطيب * والنور في دجى الظلمات لكم الحوض والشفاعة والاعراف * عرفتم جميع السمات وقال المعري: يابن الذي بلسانه وبنانه * هدي الانام ونزل التنزيل عن فضله نطق الكتاب وبشرت * لقدومه التوراة والانجيل لولا انقطاع الوحي بعد محمد * قلنا محمد من أبيه بديل هو مثله في الفضل إلا أنه * لم يأته برسالة جبريل وقال مهيار: لئن قام دهري دون المنى * وأصبح عن نيلها مقعدي ولم آل أحمد أفعاله * فلي اسوة ببني أحمد بخير الورى وهم خيرهم * إذا ولد الخير لم يولد وأكرم حي على الارض قام * وميت توسد في ملحد


[ 498 ]

وبيت تقاصر عنه البيوت * وطاول على على الفرقد نجوم الملائك من حوله * ويصبح في الوحي دار الند ومنها: وارث علي لاولاده * إذا انه الارث لم يفسد فمن قاعد منهم خائف * ومن ناثر قام لم يسعد فسلط بغى أكف النفا * ق منهم على سيد سيد أبوهم وامهم من علمت * فانقض متاخرهم أو زد ستعلم من فاطم خصمه * بأي نكال غدا يرتدي وقال ابن الحجاج: ابن النبي المصطفى * والمرتضي الهادي الوصي فصل: في آياته عليه السلام اخبر علي بن خالد بالعسكر ان متنبيا أتي من الشام وحبس فيه فأتاه وقال: ما قصتك ؟ قال: كنت بالشام أ عبد الله في الموضع الذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله إذ رأيت شخصا يقول: قم، فقمت فمشى بي قليلا وإذا أنا في مسجد الكوفة فصلينا فيه ثم انصرفنا ومشينا قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول فصلينا فيه ثم خرجنا فمشينا قليلا وإذا نحن بمكة فطفنا بالبيت ثم خرجنا فمشينا قليلا فإذا نحن بموضعي ثم غاب الشخص عن عيني فبقيت متعجبا بذلك حولا بما رأيت، فلما كان في العام المقبل أتاني أيضا ففعل كما فعل في العام الماضي، فلما أراد مفارقتي قلت له: أسألك بالحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت، قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر فحدثت بذلك فرفع إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأخذني وكبلني كما ترى وادعى علي المحال. فكتب خالد عنه قصته ورفعها إلى ابن الزيات، فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة ومن مكة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا فانصرف خالد محزونا، فلما كان من الغد باكر الحبس ليأمره بالصبر فوجد أصحاب الحرس وغوغاء يهرجون فسأل عن حالهم فقيل المحمول من الشام افتقد البارحة من الحبس وكان علي بن خالد زيديا فقال بالامامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده.


[ 499 ]

محمد بن أبي العلاء سألت يحيى بن أكثم بعد التحف والطرف فقلت له: علمني من علوم آل محمد، فقال: اخبرك بشرط أن تكتمه علي حال حياتي، فقلت: نعم، قال دخلت المدينة فوجدت محمد بن علي الرضا يطوف عند قبر النبي فناظرته في مسائل فأجابني، فقلت في نفسي: خفية أريد أن أبديها، فقال: اني اخبرك بها تريد أن تسأل من الامام في هذا الزمان، فقلت: هو والله هذا، فقال: انني، فسألته علامة فتكلم عصا في يده فقال: ان مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة. حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران ام أبي جعفر (ع) دعاني الرضا فقال لي: يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتا، ووضع لنا مصباحا وأغلق الباب علينا فلما أخذها الطلق طفى المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (ع) في الطست وإذا عليه شئ رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده. قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن (ع) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجبا، فقال: وما ذاك ؟ فأخبرته الخبر فقال: يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر. صفوان بن يحيى قال: حدثني أبو نصر الهمداني واسماعيل بن مهران وحبران الاسباطي عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي عن حكيمة بنت موسى بن عبد الله عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى التقي (ع) قال: دخلت على ام الفضل بنت المأمون يوم السابع من وفاة التقي فوجدتها جزعة وكان الناس يعزونها ويذكرون مناقبه، فدعت ياسر الخادم وجواري كثيره وقالت: كنت أغار على محمد التقي وكان يشدد علي القول وكنت أشكو ذلك إلى والدي فيقول والدي: يا بنية احتمليه فانه بضعه من رسول الله، فبينا أنا جالسة يوما إذ دخلت امرأة من أحسن الناس وسلمت علي فسألتها من أنت ؟ قالت: أنا من أولاد عمار بن ياسر، فأجلستها لحرمته فقالت: أنا زوجة محمد التقي، فوسوس إلي الشيطان بقتلها ثم احتملت ورحبت إليها وأعطيتها فلما خرجت دخلت على والدي وقصصت عليه وهو سكران لا يعقل فقال: علي بالسيف والله لاقتلنه، ودخل عليه وضربه حتى قطعه وانصرف فنام فلما انتبه رآني


[ 500 ]

فقال: ما تصنعين ههنا ؟ قلت: قد قتلت البارحة ابن الرضا، فبرقت عيناه وغشي عليه فلما أفاق قال: ويلك ما تقولين ! قلت: نعم يا أبه دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا ثم قال: علي بياسر الخادم، فلما حضر قال: ويلك ما هذا الذي تقول هذه ؟ فقال: صدقت يا أمير المؤمنين، فضرب نفسه وحولق وقال: هلكنا والله وعطينا وافتضحنا إلى آخر الابد ويلك فانظر ما القصة، فخرج وانصرف قائلا: البشرى يا أمير المؤمنين، قال: فما عندك ؟ قال: رأيته يستاك فقلت يابن رسول الله أريد أن تخلع علي ثوبك وغرضي أن أرى أعضاءه قال: بل أكسوك خيرا منه، قلت: لست أريد غيره، فأتى بآخر فنزعه وخلع علي فلم أجد عليه أثرا. فبكى والدي وقال: ما بقى بعد هذا شئ آخر ان هذا لعبرة الاولين والآخرين، ثم قال: اعلمه من قصتها ودخولي عليه بالسيف لعن الله هذه البنت، وهددها في شكايتها عنه، وأنفذ ياسر إليه بألف دينار، وأمر الهاشميين أن يأتوه في الخدمة، فنظر التقي إليه مليا فقال: هكذا كان العهد بينه وبين أبي وبينه وبيني حتى هجم علي بالسيف أو ما علم ان لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه. فقال ياسر: ما شعر والله فدع عن عتابك فانه لن يسكر أبدا ثم ركب حتى أتى إلى والدي فرحب به والدي وضمه إلى نفسه وقال: ان كنت وجدت علي فاعف عني واصلح فقال: ما وجدت شيئا وما كان إلا خيرا، فقال المأمون: لا تقربن إليه بخراج الشرق والغرب ولاهلكن أعداءه كفارة لما صدر مني، ثم أذن للناس ودعا بالمائدة. الحسين بن محمد الاشعري قال: حدثني شيخ من أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال: كنت مجاورا بالمدينة مدينة الرسول وكان أبو جعفر (ع) يجئ في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل على الصخرة ويسير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويسلم عليه ويرجع إلى بيت فاطمة ويخلع نعله فيقوم فيصلي فوسوس إلي الشيطان فقال: إذا نزل فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم انتظره لا فعل هذا فلما أن كان في وقت الزوال أقبل عليه السلام على حمار له فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه وجازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ثم دخل فسلم على رسول الله ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلي فيه ففعل ذلك أياما فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه، فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل على الصخرة ثم دخل على رسول الله وجاء إلى الموضع الذي كان يصلي


[ 501 ]

فيه ولم يخلعهما ففعل ذلك أياما فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ههنا ولكن اذهب إلى الحمام فإذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه، فلما دخل الحمام دخل في المسلخ بالحمار ونزل على الحصير فقلت للحمامي في ذلك، فقال: والله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم، فانتظرته فلما خرج دعا بالحمار فادخل المسلخ وركب فوق الحصير وخرج فقلت: والله آذيته ولا أعود أروم ما رمت منه أبدا، فلما كان وقت الزوال نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه. الكليني باسناده إلى محمد بن الريان قال: احتال المأمون على أبي جعفر (ع) بكل حيلة فلم يمكنه فيه شئ فلما أراد أن يثني عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكون إلى كل واحدة منهن جاما فيه وجوهر يستقبلون أبا جعفر إذا قعد في موضع الاختان فلم يلتفت اليهن، وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شئ من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (ع) فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار وجعل يضرب بعوده ويغني، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه ولا يمينا ولا شمالا ثم رفع رأسه وقال: اتق الله يا ذا العثنون، قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيده إلى أن مات. أبو هاشم الجعفري قال: صليت مع أبي جعفر (ع) في مسجد المسيب وصلى بنا في موضع القبلة سواء، وذكر ان السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق فدعا بماء وتهيأ تحت السدرة فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها. وقال ابن سنان: دخلت على أبي الحسن (ع) فقال: يا محمد حدث بآل فرج حدث فقلت: مات عمر، فقال: الحمد لله على ذلك – أحصيت له أربعا وعشرين مرة – ثم قال: أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي ؟ قال قلت: لا، قال: خاطبه في شئ قال أظنك سكرانا فقال أبي: اللهم ان كنت تعلم اني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الخرب وذل الاسر. فو الله ما ان ذهبت الايام حتى خرب ماله وما كان له ثم اخذ أسيرا فهو ذا ليل حتى مات، الخبر. أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قال أبو زينبة وفي خلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخط كأنه أثر الذبح فسألته عن ذلك فقال: كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني فغاب عنا الحكم عند العصر ولم يرجع تلك الليلة فلما كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر (ع): ان صاحبكم الخراساني مذبوح


[ 502 ]

مطروح في لبد في مزبلة كذا وكذا فاذهبوا فداووه بكذا وكذا، فذهبنا فحملناه وداويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك. ابراهيم بن محمد الهمداني قال: كتب أبو جعفر إلي كتابا وأمرني أن لا أفكه حتى يموت يحيى بن عمران، قال: فمكث الكتاب عندي سنين فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران فككته فإذا فيه: قم بما كان يقوم به، أو نحو هذا من الامر، قال: فقرأ ابراهيم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران وكان ابراهيم يقول: كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى حيا. ابن الهمداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير ذيله على تجارب الامم انه لما حرقوا القبور بمقابر قريش جادلوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي واخراج رمته وتحويلها إلى مقابر أحمد فحال تراب الهدم وزناد الحريق بينهم وبين معرفة قبره قال شاعر: سيحبر من جمع المكارم كلها * والعلم أجمع للامام محمد يميز الخلائق فضله وجلاله * وهو ابن سيدنا النبي محمد وقال الشريف المرتضى أقلني ربي بالذين اصطفيتهم * وقلت لنا هم خير من أنا خالق وان كنت قد قصرت سعيا إلى التقى * فاني بهم ما شئت عندك لاحق هم انقذوا لما فزعت إليهم * وقد صممت نحوي السنون العوارق وهم جدبوا صنعي إليهم من الاذى * وقد طرقت باب الخطوب الطوارق ولولاهم مازلت في الدين خطوة * ولا اتسعت فيه علي المضايق ولا سيرت فضلي إليها مغارب * ولا طيرته بينهن مشارق ولا صيرت قلبي من الناس كلهم * لها وطنا تأوي إليه الحقائق وقال ابن حماد ما اتكالي إلا على عفو ربي * وولائي للطاهرين الطياب آل طاها وآل ياسين صفو * الصفو من ذا الورى ولب اللباب خير من كان أو يكون من الخلق * وأزكى من حل فوق التراب من إليهم يوم الاياب إيابي * وعليهم يوم الحساب حسابي من زكاتي بهم زكت * وصلوتي قبلت إذ جعلتهم محرابي أهل بيت الاله طهرهم من * كل رجس وريبة ومعاب


[ 503 ]

والبيوت التي تأذن ان تر * فع فاسأل بها ذوي الالباب ومعاني الاسماء قال له الر * حمن فليرتقوا إلى الاسباب خلفاء الاله يقضون بالحكمة * بين الورى وفصل الخطاب وقال الحصكفي الخطيب اني جعلت في الخطوب مؤملي * محمدا والانزع البطينا أحببت ياسين وطاسين ومن * يلزم في ياسين أو طاسينا سفن النجاة والمناجاة ومن * آوى إلى الفلك وطور سينا والعلم في الصين ولكن كشفه * في قصدهم لان أن ترون الصينا ذروا الغبا فان أصحاب العبا * هم النبأ إن شئتم التبيينا قوموا ادخلوا الباب وقولوا حطة * يغفر لنا الذنوب أجمعينا وقال محمد بن أبي النعمان سلام على آل النبي محمد * ورحمة ربي دائما أبدا يجري وصلى عليهم ذو الجلال معظما * وزادهم في الفضل فخرا على فخر فهم خير خلق الله أصلا ومحتدا * وأكرمهم فرعا على الفحص والسدر وأوسعهم علما وأحسنهم هدى * وأتقاهم لله في السر والجهر وأفضلهم في الفضل في كل مفضل * وأقولهم بالحكم في محكم الذكر وأشجعهم في النازلات وفي الوغى * وأجودهم لله في العسر واليسر اناس علوا كل المعاني بأسرها * فدقت معانيهم على كل ذي فكر وقال الحميري بيت الرسالة والنبوة والذين * نعدهم لذنوبنا شفعاء الطاهرين الصادقين العالمين * العارفين السادة النجباء اني علقت بحبلهم مستمسكا * أرجو بذاك من الاله رضاء أسواهم أبغي لنفسي قدوة * لا والذي فطر السماء سماء


[ 504 ]

باب امامة أبي الحسن على بن محمد النقى عليه السلام فصل: في المقدمات الحمد لله الذي لم يحتج في صنعه إلى الالة والعلة والحيلة، الرحمن الذي قدر لاهل البيت بفضله كل فضيلة، الرحيم الذي أزال من المؤمن بلطفه من الذلة كل ذليلة، عرف الخلائق بأن جعلها شعبا وقبيلة، وعد في كتابه للمؤمنين الموقنين عدة جميلة، وجعل الفردوس للمشتاقين مثوبة جزيلة، فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). سعيد بن طريف عن علي (ع) قال: في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش احداهما بيضاء والاخرى صفراء في كل واحدة منها سبعون الف غرفة أبوابها وأكوابها من عرق واحد فالبيضاء الوسيلة لمحمد وأهل بيته والصفراء لابراهيم وأهل بيته. الصادق (ع): نحن السبب بينكم وبين الله. يزيد بن معاوية عن الصادق (ع) في قوله (وعنده علم الكتاب) إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي. وسأل يحيى بن أكثم أبا الحسن (ع) عن قوله (سبعة أبحر ما نفدت كلماته) قال هي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبرية وحمة ماسيدان وحمة افريقية وعين باحوران، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى. عروة بن اذينة، سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) فقال: إيانا عنى. زيد بن علي في قوله (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) نزلت فينا. زيد الشحام قال أبو عبد الله في قوله (ان يوم الفضل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله) رحم الله الذي يرحم لله ونحن والله الذين استثنى الله عزوجل لكنا نغنى عنهم. علي بن عبد الله قال: سأله رجل عن قوله (ومن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى)


[ 505 ]

قال: من قال بالائمة وتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم. عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عن قوله (وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) قال: هم الائمة وان الله تعالى جعل على عهدة الامه شهداء، قال: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) وقال في النبي (ليكون الرسول عليكم شهيدا) وفي علي (ويتلوه شاهد) وفي الائمة (وتكونوا شهداء) آل محمد (يكونوا شهداء على الناس) بعد النبي. فصل: في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام هو النقى بن التقي بن الصابر بن الوفي بن الصادق بن الباقر بن السجاد بن حيدر بن عبد مناف. اسمه علي، وكنيته أبو الحسن لا غيرها. وألقابه: النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الامين، المؤتمن، الطيب، المتوكل، العسكري. ويقال له: أبو الحسن الثالث، والفقيه العسكري. وكان أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء، وهو من بيت الرسالة والامامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاه، مرتضاه وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه مجتباه. ولد بصرياء من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتى عشرة ومائتين. ابن عياش يوم الثلاثاء الخامس من رجب سنة أربع عشرة وقبض بسر من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين. وقيل: يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار. وليس عنده إلا ابنه أبو محمد، وله يومئذ أربعون سنة. وقيل واحد وأربعون وسبعة أشهر. ومدة مقامه بسر من رأى عشرون سنة وتوفي فيها، وقبره في داره. وكان في سني إمامته بقية ملك المعتصم، ثم الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز. وفي


[ 506 ]

آخر ملك المعتمد استشهد مسموما. وقال ابن بابويه وسمه المعتمد. وقيل لابي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار أحدا منكم ؟ قال: كمن زار رسول الله قال دعبل: قبور بكوفان واخرى بطيبة * واخرج بفخ نالها صلواتي واخر من بعد التقي مبارك * زكي أرى بغداد في الحفرات علي بن محمد النقي في الحساب يوافق لكونهما خمسا وأربعمائة. وأولاده: الحسن الامام، والحسين، ومحمد، وجعفر الكذاب، وابنته علية. بوابه: محمد بن عثمان العمري. ثقاته وأصحابه ورواة النص عليه ومن ثقاته: أحمد بن حمزة بن اليسع، وصالح بن محمد الهمداني، ومحمد بن جزك الجمال، ويعقوب بن يزيد الكاتب، وأبو الحسين بن هلال، وابراهيم بن اسحاق، وخيران الخادم، والنضر بن محمد الهمداني. ومن وكلائه: جعفر بن سهيل الصيقل. ومن أصحابه: داود بن زيد، وأبو سليم زنكان، والحسين بن محمد المدائني، واحمد بن اسماعيل بن يقطين، وبشر بن بشار النيسابوري الشاذاني، وسليمان بن جعفر المروزي، والفتح بن يزيد الجرجاني، ومحمد بن سعيد بن كلثوم وكان متكلما، ومعاوية بن حكيم الكوفى، وعلي بن معد بن محمد البغدادي، وأبو الحسن بن رجا العبر تائي. ورواة النص عليه جماعة منهم: اسماعيل بن مهران، وابو جعفر الاشعري، والخيراني. والدليل على إمامته إجماع الامامية على ذلك وطريق النصوص والعصمة والطريقان المختلفان من العامة والخاصة من نص النبي على إمامة الاثنى عشر وطريق الشيعة النصوص على إمامته عن آبائه عليهم السلام. وقال أبو عبد الله الزيادي: لما سم المتوكل نذر لله إن يرزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي اختلف العلماء في المال الكثير، فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك ؟ قال: عشرة آلاف درهم وإلا ضربتك مائة مقرعة، قال: قد رضيت، فأتى أبا الحسن (ع) فسأله عن ذلك فقال: قل له يتصدق بثمانين درهما، فأخبر المتوكل فسأله ما العلة ؟ فأتاه فسأله قال: ان الله تعالى


[ 507 ]

قال لنبيه (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددنا مواطن رسول الله فبلغت ثمانين موطنا، فرجع إليه فأخبره ففرح فأعطاه عشرة آلاف درهم. وقال المتوكل لابن السكيت: اسأل ابن الرضا مسأله عوصاء بحضرتي، فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا ؟ وبعث عيسى بابراء الاكمه والابرص وإياء الموتى ؟ وبعث محمدا بالقرآن والسيف ؟. فقال أبو الحسن (ع): بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة عليهم، وبعث عيسى بابراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى باذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى باذن الله فقهرهم وبهرهم، وبعث محمدا بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم وأثبت الحجة عليهم. فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن ؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب. فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة. ورفع قرطاسا فيه مسائل فأملى علي بن محمد (ع) على ابن السكيت جوابها وأمره أن يكتب: سئلت عن قول الله تعالى (قال الذي عنده علم الكتاب) فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف ولكنه أحب أن يعرف امته من الجن والانس انه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده ولتأكيد الحجة على الخلق، واما سجود يعقوب لولده فان السجود لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله تعالى وتحية ليوسف كما ان السجود من الملائكة لم يكن لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله تعالى باجماع الشمل ألم ترانه يقول في شكره في ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك) الآية، واما قوله (فان كنت في شك مما انزلناه اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب) فان المخاطب بذلك رسول الله ولم يكن في شك مما أنزل الله إليه ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث نبيا من الملائكة ؟ ولم لم يفرق بينه وبين الناس في الاستغناء عن الماكل والمشرب والمشي في الاسواق ؟ فأوحى الله إلى نبيه فاسأل الذين يقرؤن الكتاب بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبيا قبلك إلا وهو يأكل الطعام والشراب ولك بهم اسوة يا محمد، وإنما قال (فان كنت في شك) ولم يكن للنصفة كما قال (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة وقد علم


[ 508 ]

الله ان نبيه مؤد عنه رسالته وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبي (ص) بأنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه. واما قوله (ولو ان ما في الارض من شجرة أقلام) الآية، فهو كذلك لو ان أشجار الدنيا أقلام والبحر مداد يمده سبعة أبحر مدا حتى انفجرت الارض عيونا كما انفجرت في الطوفان ما نفدت كلمات الله وهي: عين الكبريت وعين اليمن وعين برهوت وعين الطبرية وحمة ما سيدان تدعى لسان وحمة افريقية تدعى سيلان وعين باحوران، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضاثلنا ولا تستقصى. واما الجنة ففيها من المأكل والمشرب والملاهي ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وأباح الله ذلك لآدم، والشجرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد الله اليهما أن لا ينظر إلى من فضله الله عليهما والى خلائقه بعين الحسد فنسى ولم يجد له عزما. واما قوله (أو يزوجهم ذكرانا واناثا) فان الله تعالى زوج الذكران المطيعين ومعاذ الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبست على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المحارم ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إن لم يتب. فأما قول شهادة امرأه وحسدها التي جازت فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا فان لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة لان الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها فان كانت وحدها قبل قولها مع يمينها. فأما قول علي عليه السلام في الخنثى فهو كما قال يرث من المبال وينظر إليه قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون إلى المرأة فيرون الشئ ويحكمون عليه. واما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها الامام نصفين وساهم بينهما فان وقع السهم على أحد القسمين فقد أقسم النصف الآخر ثم يفرق الذي وقع عليهم السهم نصفين ويقرع بينهما فلا يزال كذلك حتى تبقى اثنتان فيقرع بينهما فأيتهما وقع السهم عليها ذبحت واحرقت وقد نجا سايرهما وسهم الامام سهم الله لا يجب. وأما صلاة الفجر والجهر فيها بالقراءة، لان النبي كان يغلس بها فقراءتها من الليل وأما قول أمير المؤمنين (ع): بشر قاتلك ابن صفية بالنار، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين بالبصرة لانه علم انه يقتل في فتنة النهروان.


[ 509 ]

واما قولك: ان عليا قاتل أهل صفين مقبلين ومدبرين وأجهز على جريحهم وانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريحهم وكل من ألقى سيفه وسلاحه آمنه، فان أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير متحاربين ولا محتالين ولا متجسسين ولا متبارزين فقد رضوا بالكف عنهم وكان الحكم فيه رفع السيف والكف عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا، وأهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح والدروع والسيوف ويستعد لهم ويسنى لهم العطاء ويهئ لهم الاموال ويعقب مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها، والحكم في أهل صفين أن يتبع مدبرهم ويجهز على جريحم فلا يساوي بين الفريقين في الحكم، ولو لا أمير المؤمنين وحكمه في أهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد فمن أبى ذلك عرض على السيف. واما الرجل الذي أقر باللواط فانه أقر بذلك متبرعا من نفسه ولم تقم عليه بينة ولا أخذه سلطان وإذا كان الامام الذي من الله أن يعاقب في الله فله أن يعفو في الله أما سمعت الله يقول لسليمان (هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير) فبدأ بالمن قبل المنع فلما قرأ ابن أكثم قال للمتوكل: ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شئ بعد مسائلي هذه وانه لا يرد عليه شئ بعدها إلا دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة. جعفر بن رزق الله قال: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: الايمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وكتب المتوكل إلى على بن محمد النقي يسأله، فلما قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت، فأنكر الفقهاء ذلك فكتب إليه يسأله عن العلة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين السورة. قال: فأمر المتوكل فضرب حتى مات. علي بن محمد النوفلي قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا وإنما كان عند آصف حرف واحد فتكلم به فانخرق له الارض فيما بينه وبين سبا فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الارض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند الله مستأثريه في علم الغيب.


[ 510 ]

أبو محمد الفحام قال: سأل المتوكل ابن الجهم: من أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية والاسلام، ثم انه سأل أبا الحسن فقال: الجمانى حيث يقول لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمد خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع فان رسول الله أحمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع قال: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله جدي أم جدك ؟ فضحك المتوكل ثم قال: هو جدك لا ندفعك عنه. قال ابن حماد: لا يستوي من وفى يوما ومن نكثا * وليس من طاب أصلا كالذي خبثا قد شرف الله خلقا من بريته * لولاهم ما بدا نفسا ولا نفثا قوم أبوهم علي خير منتجب * وجدهم في البرايا خير من بعثا وامهم فاطم الطهر التي طهرت * فلا نفاسا رأت يوما ولا طمثا رمتهم نايبات الدهر عن لبث * فلا تدع منهم كهلا ولا حدثا فصل: في معجزاته عليه السلام أبو محمد الفحام بالاسناد عن سلمة الكاتب قال: قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد فلا في الدار إلا من يخدمه ولا يتعبونه يشيل الستر لنفسه فأمر المتوكل بذلك فرفع صاحب الخبر ان علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه الستر فهب هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج، فقال شيلوا له الستر بعد ذلك فلا نريد أن يشيل له الهواء. وفي تخريج أبي سعيد العامري رواية عن صالح بن الحكم بيايع السابري قال: كنت واقفيا فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به إذ خرج أبو الحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني وبينه قال: يا صالح ان الله تعالى قال في سليمان: (وسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) ونبيك وأوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان، قال: وكأنما انسل من قلبي الضلالة فتركت الوقف. الحسين بن محمد قال: لما حبس المتوكل أبا الحسن ودفعه علي بن كركر قال أبو الحسن (ع): أنا أكرم على الله من ناقة صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وعد


[ 511 ]

غير مكذوب، قال: فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه باغز وتامش ومعلون فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة. وفي رواية أبي سالم ان المتوكل أمر الفتح بسبه فذكر الفتح له ذلك فقال: قل له (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام) الآية، فأنهى ذلك إلى المتوكل فقال: اقتله بعد ثلاثة ايام، فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل والفتح. ابو الحسين سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح قال: دلني أبو الحسن وكنت واقفيا فقال لي: ان كم هذه النومة أما لك ان تنتبه منها ؟ فقدح في قلبي شيئا وغشى علي وتبعت الحق. محمد بن الحسن الاشتر العلوي: كنت مع أبي على باب المتوكل في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي وجعفري فتحالفوا لا نترجل لهذا الغلام فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا – يعنون أبا الحسن (ع) – فما هو إلا ان اقبل وبصروا حتى ترجل له الناس كلهم فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم انكم لا تترجلون له ؟ فقالوا: والله ما ملكنا انفسنا حتى ترجلنا. ابو يعقوب قال: رأيت أبا الحسن مع احمد بن الخصيب يتسايران وقد قصر ابو الحسن عنه فقال له ابن الخصيب: سرجعلت فداك ؟ فقال له أبو الحسن: انت المقدم، فما لبثنا إلا اربعة ايام حتى وضع الوهق على ساق ابن الخصيب وقتل، قال: وقد ألح عليه ابن الخصيب قبل هذا في الدار التي كان نزلها وطالبه بالانتقال عنها وتسليمها إليه، فبعث إليه أبو الحسن: لاقعدن بك من الله مقعدا لا تبقى لك معه باقية فأخذه الله في تلك الايام. اسماعيل بن مهران: لما خرج أبو جعفر من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى من خرجيته قلت له: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه فالى من الامر بعدك ؟ قال: فكر بوجهه إلي ضاحكا وقال لي: ليس حيث ما ظننت في هذه السنة، فلما استدعى به المعتصم صرت إليه وقلت له: جعلت فداك انت خارج فالى من هذا الامر بعدك ؟ فبكى حتى خضب لحيته ثم التفت إلي وقال: عنده هذه يخاف علي الامر من بعدي إلى علي ابني. زيد بن علي بن الحسين بن زيد: مرضت فدخل الطبيب علي ليلا ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما فلم يمكني تحصيله من الليل وخرج الطبيب من الباب وقد ورد صاحب ابي الحسن في الحال ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه


[ 512 ]

فأخذته فشربت فبرأت. ابو هاشم الجعفري قال: مر بأبى الحسن تركي فكلمه أبو الحسن بالتركية فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته قال: فحلفت التركي انه ما قال لك الرجل ؟ قال: هذا تكناني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلا الساعة. وعنه قال: دخلت عليه فكلمني بالهندية فلم احسن ان ارد عليه وكان بين يديه ركوة ملاى حصا فتناول حصا واحدة فوضعها في فيه فمصها ثلاثا ثم رمى بها إلي فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة وسبعين لسانا اولها الهندية علي بن مهزيار قال: ارسلت إلى ابي الحسن الثالث غلامي وكان صقلبيا فرجع الغلام إلي متعجبا فقلت له: مالك يا بني ؟ فقال: وكيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالصقلبية كأنه واحد منا وإنما اراد بهذا الكتمان عن القوم. ابو هاشم قال: شكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه كفا وقال: اتسع بهذا، فقلت لصائغ: اسبك هذا فسبكه وقال ما رأيت ذهبا اشد منه حمرة. داود بن القاسم الجعفري قال: دخلت عيه بسر من رأى وانا اريد الحج لا ودعه فخرج معي فلما انتهى إلى آخر الحاجز نزل ونزلت معه فخط بيده الارض خطة شبيهة بالدائرة ثم قال لي: يا عم خذ ما في هذه يكون في نفقتك وتستعين به على حجك فضربت بيدي فإذا سبيكة ذهب فكان منها مائتا مثقال. دخل أبو عمر عثمان بن سعيد واحمد بن اسحاق الاشعري وعلي بن جعفر الهمداني على ابى الحسن العسكري فشكا إليه احمد بن اسحاق دينا عليه فقال: يا ابا عمرو – وكان وكيله – ادفع إليه ثلاثين الف دينار والى علي بن جعفر ثلاثين الف دينار وخذ انت ثلاثين الف دينار. فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا المملوك وما سمعنا بمثل هذا العطاء. النوفلي انه كتب علي بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر فكتب إلى ابى الحسن (ع) يشاوره فكتب إليه: اخرج فان فيه فرجك انشاء الله، فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات. عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي انه شكا أبو هاشم إلى ابى الحسن مالقى من السوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد وقال له: يا سيدي ادع الله لي فمالي مركوب سوى برذونى هذا على ضعفه قال: قواك الله يا ابا هاشم وقوى يرذوك، قال: وكان


[ 513 ]

ابو هاشم يصلي الفجر ببغداد والظهر بسر من رأى والمغرب ببغداد إذا شاء. الحسين بن الحسن الحسني قال: حدثني أبو الطيب المديني قال: كان المتوكل يقول: اعيانى ابن الرضا فلا يشاربني، فقيل له: فهذا اخوه موسى قصاف عراف فاحضره واشهره فان الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرق في فعلهما، وامر باحضاره واستقباله وامر له بصلات واقطاع وبنى له فيها من الخمارين والقينات فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف فسلم عليه ثم قال: ان هذا الرجل قد احضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقر له انك شربت نبيذا قط واتق الله يا اخي ان تركب محظورا، فقال موسى: وإنما دعاني لهذا فما حيلتي، قال: فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تفعل ما يشينك فما غرضه إلا هتكك، فأبى عليه موسى، وكرر ابو الحسن عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه فلما رأى انه لا يجيب قال: اما ان الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه انت وهو ابدا. قال: فأقام ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل ويروح فيقال له قد سكر أو قد شرب دواء حتى قتل المتوكل. خيران الاسباطي قال: قدمت على النقي (ع) فقال: ما خبر الواثق ؟ قلت: في عافية، قال: ان اهل المدينة يقولون انه قد مات، قلت: انني اقرب الناس به عهدا منذ عشرة ايام، فقال: ان الناس يقولون انه مات، فعلمت انه نعى نفسه، ثم قال ما فعل جعفر ؟ قلت: تركته في الجسن، فقال: اما انه صاحب الامر، ثم قال: ما فعل ابن الزيات ؟ قلت: الناس معه والامر أمره، فقال: انه شوم عليه، ثم قال لابد ان يجري مقادير الله واحكامه يا خيران مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر وقد قتل ابن الزيات، قلت: متى جعلت فداك ؟ قال: بعد خروجك بستة ايام. ابن سهلويه: وقع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مرارا يسأله ان يقدمه على ابن اخيه ويقول انه قد حدث وانا عم ابيه فقال عمر: ذاك له، فقال: افعل: فلما كان من الغد اجلسه وجلس في الصدر ثم احضر ابا الحسن (ع) فدخل فلما رآه زيد قام من مجلسه واقعده في مجلسه وجلس وقعد بين يديه، فقيل له في ذلك فقال: لما رأيته لم اتمالك نفسي. ابو محمد الفحام بالاسناد عن ابى الحسن محمد بن احمد قال: حدثني عم ابى قال: قصدت الامام يوما فقلت: ان المتوكل قطع رزقي وما اتهم في ذلك بملازمتي لك فينبغي ان تتفضل علي بمسألته فقال: تكفى ان شاء الله، فلما كان في الليل طرقني


[ 514 ]

رسل المتوكل رسول يتلو رسولا فجئت إليه فوجدته في فراشه فقال: يا ابا موسى يشتغل شغلي عنك وتنسينا نفسك أي شئ لك عندي ؟ فقلت الصلة الفلانية وذكرت اشياء فأمر لي بها وبضعفها فقلت للفتح: وافى علي بن محمد إلى ههنا أو كتب رقعة ؟ قال: لا. قال: فدخلت على الامام فقال لي: يا ابا موسى هذا وجه الرضا، فقلت: ببركتك يا سيدي ولكن قالوا انك ما مضيت إليه ولا سألت، قال: ان الله تعالى علم منا انا لا نلجأ في المهمات إلا إليه ولا نتوكل في الملمات إلا عليه وعودنا إذا سألناه الاجابة ونخاف ان نعدل فيعدل بنا. صالح بن سعيد قال: دخلت على ابى الحسن (ع) يوم وروده بسر من رأى فقلت له: جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك حتى انزلوك هذا الخان الاشنع خان الصعاليك فقال: ههنا انت يابن سعيد، ثم اومى بيده فإذا انا بروضات آنقات وانهار جاريات وجنات بينها خيرات عطرات وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون فحار بصري وكثر عجبي فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يابن سعيد لسنا في خان الصعاليك وقال اسحاق الجلاب: اشتريت لابي الحسن (ع) غنما كثيرة يوم التروية فقسمتها في اقاربه ثم استأذنته في الانصراف فكتب إلي: تقيم غدا عندنا، ثم انصرف فبت ليلة الاضحى في رواق له فلما كان وقت السحر اتانى فقال: يا ابا اسحاق قم، فقمت ففتحت عينى وانا على بابى ببغداد فدخلت على والدي فقلت: عرفت بالعسكر وخرجت ببغداد إلى العيد. قال أبو الاسود الكندي: أمفندي في حب آل محمد * حجر بفيك فدع ملامك اوزد من لم يكن بحبالهم مستمسكا * فليعرفن بولاة لم تشهد وقال الصاحب: حبي محض لبني المصطفى * بذاك قد تشهد اضماري ولا مني جاري في حبهم * فقلت بعدا لك من جار والله مالي عمل صالح * ارجو به العتق من النار إلا موالاة بني المصطفى * آل رسول الخالق الباري وقال ابن حماد: بنى مريم الكبرى بني خيرة الورى * بني الحجة العظمى بني خاتم النذر بني العلم والاحكام والزهد والتقى * وآل الندا والجود والمجد والفخر بني التين والزيتون في محكم الذكر * أجل وبني طوبى بني ليلة القدر


[ 515 ]

وقال زيد المرزبي: قوم رسول الله جدهم * وعلي الاب فانتهى الشرف غفر الاله لآدم بهم * ونجا بنوح هلكة القذف امناء قد شهدت بفضلهم * التوراة والانجيل والصحف وقال أبو علي البصير: بنفسي ومالي من طريف وتالد * كذا الاهل انتم يا بني خاتم الرسل بحبكم ينجو من النار من نجا * ويزكو لدى الله اليسير من العمل اواصى من واصلتموه وإن جفا * فأقطع من قاطعتموه وإن وصل عليه حياتي ما حييت وإن أمت * فلست على شئ سوى ذاك اتكل وقال محمد بن علي بن هرمة: ومهما الام على حبهم * بأني احب بني فاطمه بني بنت من جاء بالمحكمات * وبالدين والسنة القائمة ولست ابالي بحبي لهم * سواهم من النعم السائمة وقال بعض المغاربة: إن كنت تمدح قوما * لله لا لتعله فاقصد بمدحك قوما * هم الهداة الادله اسنادهم عن ابيهم * عن جبرئيل عن الله فصل: في آياته عليه السلام الفتح بن خاقان قال: قد ذكر عند المتوكل خبر مال يجئ من قم وقد امرني ان ارصده لاخبره به فقلت لابي موسى: من أي طريق يجئ به حتى اجتنبه فجئت إلى الامام فصادفت عنده من احتشمه فتبسم وقال: لا يكون إلا خيرا يا ابا موسى لم لم تعد الرسالة الاولة ؟ فقلت: اجللتك يا سيدي، فقال: المال يجئ الليل وليس يصلون إليه فبت عندي، فلما كان من الليل قام إلى ورده فقطع الركوع بالسلام وقال لي: قد جاء الرجل ومعه المال وقد منعه الخادم الوصول إلي فاخرج فخذ ما معه فخرجت فإذا معه زنفيلجة فيها المال فدخلت بها إليه فقال: قل له هات الجنة التي قالت القيمة انها ذخيرة جدتها ؟ فخرجت إليه فأعطانيها فدخلت بها عليه فقال: قل له الجبة التي ابدلتها منها ردها الينا، فخرجت إليه فقلت له ذلك فقال: نعم كانت ابنتي استحسنتها


[ 516 ]

فأبدلتها بهذه الجبة وانا امضي واجئ بها، فقال: اخرج فقل له ان الله يحفظ لنا وعلينا هاتها من كتفك، فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشى عليه، فخرج إليه عليه السلام فقال له: قد كنت شاكا فتيقنت. ووجه المتوكل عتاب ابن أبي عتاب إلى المدينة يحمل علي بن محمد عليه السلام إلى سر من رأى، وكان الشيعة يتحدثون انه يعلم الغيب فكان في نفس عتاب من هذا شئ فلما فصل من المدينة رآة وقد لبس لبادة والسماء صاحية فما كان أسرع من أن تغيمت وأمطرت وقال عتاب: هذا واحد، ثم لما وافى شط القاطون رآه مقلق القلب فقال له: مالك يا أبا أحمد ؟ فقال: قلبي مقلق بحوايج التمستها من أمير المؤمنين قال له: فان حوائجك قد قضيت، فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه، قال: الناس يقولون انك تعلم الغيب وقد تبينت من ذلك خلتين. المعتمد في الاصول قال علي بن مهزيار وردت العسكر وأنا شاك في الامامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا انه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى أبي الحسن لباذ وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب الفرس والناس يتعجبون منه ويقولون ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه، فقلت في نفسي: لو كان هذا إماما ما فعل هذا، فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمه هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر وعاد عليه السلام وهو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الامام، ثم قلت: اريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الامام، فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة. كافور الخادم قال لي الامام علي بن محمد: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لا تطهر منه للصلاة، وأنفذني في حاجة فنسيت ذلك حتى انتبه ليصلي وكانت ليلة باردة ثم انه ناداني فقال: ما ذاك أما عرفت رسمي انني لا أتطهر إلا بماء بارد سخنت لي الماء وتركته في السطل، فقلت: والله يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء، قال: الحمد لله والله ما تركنا رخصة ولا رددنا منحة الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته ووفقنا للعون على عبادته ثم ان النبي يقول ان الله يغضب على من لا يقبل رخصته. محمد بن الفرج الرخجي قال: كتب أبو الحسن اجمع أمرك وخذ حذرك، فبينا


[ 517 ]

أنا في حذري إذ صفد بي وضرب على كل ما أملك فمكثت في السجن ثمان سنين ثم ورد علي كتاب منه في السجن: يا محمد لا تنول في ناحية الجانب الغربي، ففرج عني بعد يوم فكتب إليه ان يسأل الله ان يرد علي ضيعتي، فكتب إلي: سوف يرد اليك وما يضرك إلا يرد عليك. قال النوفلي: كتب له برد ضياعه فلم يصل الكتاب حتى مات أبو يعقوب: رأيت محمد بن الفرج ينظر إليه أبو الحسن نظرا شافيا فاعتل من الغد فدخلت عليه فقال: ان ابا الحسن قد أنفذ إليه بثوب فأرانيه مدرجا تحت رأسه قال: فكفن فيه والله. سعيد بن سهل البصري قال: كان لبعض أولاد الخلافة وليمة فدعا أبا الحسن فيها فلما رأوه أنصتوا إجلالا له وجعل شاب في المجلس لا يوقره وجعل يلفظ ويضحك فقال له: ما هذا الضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور، فكف عما هو عليه وكان كما قال. سعيد الملاح: اجتمعنا في وليمة فجعل رجل يمزح فأقبل أبو الحسن على جعفر بن القاسم بن هاشم البصري فقال: أما انه لا يأكل من هذا الطعام وسوف يرد عليه من خبر اهله ما ينغص عليه عيشه، فلما قدمت المائدة أتى غلامه باكيا ان امه وقعت من فوق البيت وهي بالموت، فقال جعفر: والله لا وقفت بعد هذا، وقطعت عليه. وفي كتاب البرهان عن الدهني انه لما ورد به سر من رأى كان المتوكل برا به ووجه إليه يوما بسلة فيها تين فأصاب الرسول المطر فدخل إلى المسجد ثم شرهت نفسه إلى التين ففتح السلة وأكل منها فدخل وهو قائم يصلي فقال له: ما قصتك ؟ فعرفه القصة قال له: أو ما علمت انه قد عرف خبرك وما أكلت من هذا التين فقامت على الرسول القيامة ومضى مبادرا حتى إذا سمع صوت البريد ارتاع هو ومن في منزله بذلك الخبر. ابراهيم بن محمد الطاهري انه مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على الموت فلم يجسر احد ان يمسه بحديده فنذرت امه ان عوفي ان تحمل إلى ابى الحسن باموال نفيسة وقال الفتح بن خاقان لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته ربما كان عنده شئ فسأل عن الامام (ع) فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج، وفعل ذلك فنعش المتوكل وخرج منه ما كان فيه فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت ختمها. ثم انه سعى إليه ان عنده اموالا وسلاحا فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب ان يهجم عليه ليلا ويأخذ ما يجد عنده فصعد سعيد سقف داره ولم يهتد أن


[ 518 ]

ينزل فنادى أبو الحسن يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلما دخل الدار قال دونك والبيوت فما وجد إلا كيسا مختوما وبدرة مختومة وسيفا تحت مصلاه فأتى به المتوكل فلما رأى ختم امه سألها عنها فحكت نذرها فجعل وضاعف بذلك ورد إليه فقال الحاجب: اعزز علي بدخولي دارك بغير اذنك ولكننى مأمور، فقال: يا سعيد وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. أبوالهلقام و عبد الله بن جعفر الحميري والصقر الجبلي وابو شعيب الحناط وعلي ابن مهزيار قالوا: كانت زينب الكذابة تزعم انها بنت علي بن ابى طالب فأحضرها المتوكل وقال: اذكري نسبك، فقالت: أنا زينب بنت علي وانها كانت حملت إلى الشام فوقعت إلى بادية من بنى كلب فأقامت بين ظهرانيهم فقال لها المتوكل: ان زينب بنت علي قديمة وانت شابة، فقالت: لحقتني دعوة رسول الله بأن يرد شبابى في كل خمسين سنة فدعا المتوكل وجوه آل ابى طالب فقال: كيف يعلم كذبها فقال الفتح: لا يخبرك بهذا إلا ابن الرضا فأمر باحضاره وسأله فقال (ع): ان في ولد علي علامة، قال: وما هي ؟ قال: لا تعرض لهم السابع فالقها إلى السباع فان لم تعرض لها فهي صادقة، فقالت: يا امير المؤمنين الله الله في فانما اراد قتلي وركبت الحمار وجعلت تنادي ألا اننى زينب الكذابة. وفي رواية انه عرض عليها ذلك فامتنعت فطرحت للسباع فأكلتها. قال علي بن مهزيار فقال علي بن الجهم: جرب هذا على قائله، فاجيعت السباع ثلاثة ايام ثم دعى بالامام (ع) واخرجت السباع فلما رأته لاذت به وبصبصت بأذنابها فلم يلتفت الامام إليها وصعد السقف وجلس عند المتوكل ثم نزل من عنده والسباع تلوذ به وتبصبص حتى خرج وقال: قال النبي حرم لحوم اولادي على السباع. الحسين بن علي: انه أتى النقي (ع) رجل خائف وهو يرتعد ويقول: ان ابني اخذ بمحبتكم والليلة يرمونه من موضع كذا ويدفنونه تحته، قال، فما تريد ؟ قال: ما يريد الابوان، فقال (ع): لا بأس عليه اذهب فان ابنك يأتيك غدا، فلما اصبح أتاه ابنه فقال: يا بنى ما شأنك ؟ فقال: لما حفر القبر وشدوا لي الايدي اتانى عشرة أنفس مطهرة عطرة وسألوا عن بكائى فذكرت لهم قالوا: لو جعل الطالب مطلوبا تجرد نفسك وتخرج وتلزم تربة النبي صلى الله عليه وآله قلت: نعم فأخذوا الحاجب فرموه من شاهق الجبل ولم يسمع أحد جزعه ولا رآني الرجال وأوردوني اليك وهم ينتظرون خروجي إليهم، وودع أباه وذهب فجاء ابوه إلى الامام واخبره بحاله فكان الغوغاء


[ 519 ]

تذهب وتقول وقع كذا وكذا والامام يتبسم ويقول انهم لا يعلمون ما نعلم. قال أبو جعفر الطوسي في المصباح والامالي قال اسحاق بن عبد الله العلوى العريضي: اختلف أبي وعمومتي في الاربعة الايام التي تصام في السنة فركبوا إلى مولانا ابى الحسن علي بن محمد عليهما السلام وهو مقيم بصيرا، قبل مصيره إلى سر من رأى فقالوا جئناك يا سيدنا لامر اختلفنا فيه، فقال جئتم تسألونني عن الايام التي تصام في السنة وذكرنا انها يوم مولد النبي ويوم بعثه ويوم دحيث الارض من تحت الكعبة ويوم الغدير وذكر فضائلها. وقال المنصوري: حدثنى عم أبى قال: دخلت يوما على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما شربت قط، قال: أنت تشرب مع علي بن محمد قال فقلت له: انه ليس يعرف من في يديك انه يضرك ولا يضره ولم اعد ذلك عليه وكان شخوصه (ع) من المدينة إلى سر من رأى سعاية عبد الله بن محمد إلى المتوكل فكتب الامام إلى المتوكل يحامل عبد الله ويكذبه لؤمه فيما سعى به فدعاه المتوكل بأحسن كتاب وأجل خطاب وأو فر موعود وخرج معه يحيى بن هرثمة ثم كان منه ما كان وأقام بسر من رأى حتى مضى. ابو محمد الفحام عن المنصوري عن عمه عن ابيه قال: قال يوما الامام علي بن محمد: يا ابا موسى اخرجت إلى سر من رأى كرها ولو اخرجت عنها اخرجت كرها قال قلت: ولم يا سيدي ؟ فقال: لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها ثم قال تخرب سر من رأى حتى يكون فيها خان وقفا للمارة وعلامة خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدى. دخلنا كارهين لها فلما * الفناها خرجنا مكرهينا وقال ابو جنيد: امرني أبو الحسن العسكري بقتل فارس بن حاتم القزويني فناولني دراهم وقال: اشتربها سلاحا واعرضه علي، فذهبت فاشتريت سيفا فعرضته عليه فقال: رد هذا وخذ غيره، قال: فرددته واخذت مكانه ساطورا فعرضته عليه فقال: هذا نعم، فجئت إلى فارس وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة فضربته على رأسه فسقط ميتا ورميت الساطور واجتمع الناس واخذت إذ لم ير هناك احد غيري فلم يروا معي سلاحا ولا سكينا ولا اثر الساطور ولم يروا بعد ذلك فخليت.


[ 520 ]

وانشد فيه (ع) ابو بديل التميمي: انت من هاشم بن مناف ب‍ * ن قصي في سرها المختار في الباب والارفع الار * فع منهم وفي النضار النضار وانشدني ابو الفتح محمد بن الخشان الكاتب لنفسه: حبي موقوف على سادة * قد اصطفاهم لنبي الهدى سلم لمن سالمهم قلبه * وحرب من كان عليهم عدى مهاجروه مثل انصاره * وآله نحن لكل فدى وفرق ما بينهم ربنا * علمه من دوننا احمدا وقال مهيار الديلمي: اشدد يدا بحب آل احمد * فانه عقدة فوز لا تحل الطيبون ازرا تحت الرجا * والكاتبون وزرا يوم الرجل والمنعون المطعمون والثرى * مقطب والعام عقبان ازل لا طلعا منعم عليهم ولا * مجارون إذا الناصر ضل يستشعرون الله اعلافي الوغى * وغيرهم شعار عامل هبل لم يثن حرف وثن لعابد * منهم يزيغ قلبه ولا نصل وقال علم الهدى: يا عصب الله ومن حبهم * مهيم ما عشت في صدري ومن ارى ودهم وحده * زادي إذا وسدت في قبري * * * وهو الذي اعددته جنتي * وعصمتي في ساعة الحشد حتى إذا لم يك لي مفرة * من احد كان بكم نضدي بموقف ليس به سلعة * لتاجر انفق من يد وقال السيد الحميري: يا آل ياسين يا ثقاتي * انتم موالي في حياتي وعدتي إذا دنت وفاتي * بكم لدى محشري نجاتى إذ يفصل الحاكم القضاء ابرء اليكم من الاعادي * من آل حرب ومن زياد


[ 521 ]

وآل مروان ذي العتاد * وأول الناس في العناد مجاهرا أظهر البراء وقال الهاشمي: لي سادة قدمتهم الرسل عليهم في المعاد أتكل محمد والوصي وابنته * والزهر أولادهم وما نسلوا لحبهم يدخل الجنان غدا * حشر البرايا ويغفر الزلل هم حجج الله والذين بهم * يقبل يوم التغابل العمل شيعتهم يوم بعثهم معهم * في جنة الخلد حيث ما نزلوا في حجرات غدت مقاصرها * بأهل بيت النبي تتصل وقال دعبل: شفيعي في القيامة عند ربي * محمد والوصي مع البتول وسبطا أحمد وبنو بنيه * اولئك سادتي آل الرسول وقال آخر: إذا ما همومى اسرجتهم وألجمت * جعلت سلاحي حب آل محمد


[ 522 ]

باب امامة أبى محمد الحسن بن على العسكري عليه السلام فصل: في المقدمات الحمد لله الذي اختار من فضله لقضاء حقه أحرارا أشرافا، وأتاح لهم حقائق الحق اطلاعا واشرافا، وأباح لهم لامتصاص درر الفضل اخلافا، وأودع في صدورهم لانتقاد درر الصدق اصدافا، بهروا إلى نيل بساط القرب بعطف الحق اعطافا، وأطافوا بكعبة المجد فنالوا في الطواف ألطافا، فألفوا من الاحسان آلافا، ووجدوا على الحسنات أضعافا، وأعد لهم الحق طرف الطرف وجنات ألفافا، فتجملوا بلباس التعفف واختاروا عفافا وكفافا، الذين نعتهم النبي صلى الله عليه وآله في قوله يذهب الصالحون اسلافا، ووصفهم الرب فقال يعرف بسماهم لا يسئلون الناس الحافا. بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير، وحمران، و عبد الله بن عجلان، و عبد الرحيم القصيري، كلهم عن أبي جعفر (ع). وروى اسباط بن سالم، والحسين بن زياد الصيقل، وحمران بن أعين، والمثنى الحناط، و عبد الرحمن بن كثير، وهارون بن حمزة الغنوي، و عبد العزيز العبدي، وسدير الصيرفي، كلهم عن أبي عبد الله (ع). وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قالوا في قوله تعالى (بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم) نحن هم وإيانا عني. أبو عبد الله (ع) في قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها) الآية، قال: الحسنة معرفة الامام وطاعته، (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم) الآيه، وإنما أراد بالسيئة إنكار الامام الذي هو من الله، وقال تعالى فيهم (وكذلك جعلناكم امة وسطا) وقال (لا يسئلون الناس الحافا). زيد بن علي في قوله (ثم جعلناكم خلائف) قال: نحن هم. أبو الودود عن أبى جعفر (ع) (ويزيدهم من فضله) الآية، لآل محمد. علي بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) هم آل محمد. عبد الرحمن بن كثير عن ابى عبد الله (ع) في قوله (هو الذي أنزل عليك


[ 523 ]

الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب) قال: امير المؤمنين والائمة (واخر متشابهات) قال: فلان وفلان (واما الذين في قلوبهم زيغ) اصحابهم واهل ولايتهم (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) أمير المؤمنين والائمة. عبد الرحمن بن عجلان عن أبي جعفر (ع) في قوله (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) يعني بالمؤمنين الائمة لم يتخذوا الولائج من دونهم. عبد الله بن جندب عن ابى الحسن في قوله (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) قال إمام إلى إمام، قوله تعالى (الذين مكناهم في الارض) حمران بن أعين عن ابى جعفر (ع)، وابو الصباح عن ابى عبد الله (ع) قالا: نحن هم. فصل: في كناه وألقابه وتواريخه عليه السلام هو الحسن الهادي ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الوفي ابن موسى الامين ابن جعفر الفاضل ابن محمد الشبيه ابن علي ذي الثفنات ابن الحسين السبط ابن علي ابى تراب فتاح الابواب، مذلل الصعاب، نقي الجيب، بعيد الريب، برئ من العيب، امين على الغيب، معدن الوقار بلا شيب، خافض الطرف، واسع الكف، كثير الحياء، كريم الوفاء، عظيم الرجاء، قليل الافتاء، لطيف الغداء، كثير التبسم، جميل التنعم، سريع التحكم، ابو الخلف مكنى أبو محمد. وألقابه: الصامت، الهادي، الرفيق، الزكي، السراج، المضئ، الشافي، المرضي، الحسن العسكري. وكان هو واوبه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا. امه ام ولد يقال لها حديث. وولده القائم (ع) لا غير. ميلاده يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الآخر بالمدينة. وقيل: ولد بسر من رأى سنة اثنين وثلاثين ومائتين. مقامه مع ابيه ثلاث وعشرون سنة وبعد ابيه ايام إمامته ست سنين. وكان في سني إمامته بقية ايام المعتز اشهرا ثم ملك المهتدي والمعتمد، وبعد مضي خمس سنين من ملك المعتمد قبض. ويقال استشهد. ودفع مع ابيه بسر من رأى وقد كمل عمره


[ 524 ]

تسعة وعشرين سنة. ويقال ثمان وعشرين سنة. مرض في اول شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وتوفي يوم الجمعة لثمان خلون منه. وقد أخفى مولد ابنه لشدة طلب سلطان الوقت له فلم يره إلا الخواص من شيعته. وتولى اخوه اخذ تركته وسعى إلى السلطان في حبس جواري ابى محمد (ع) وشنع على الشيعة في انتظارهم ولده وجرى على المخلف كل بلاء، واجتهد جعفر في المقام مقامه فلم يقبله أحد برأوا منه ولقبوه الكذاب فورد إلى عبد الله بن خاقان وقال: اجعل مرتبة أخي وأنا أوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينار، فزبره وقال: يا أحمق ان السلطان جرد سيفه في الدين زعموا ان أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى مرتب، ثم أمر أن يحجب عنه. ثقاته وأصحابه ورواة النص عليه ويستدل على إمامته (ع) بطريق العصمة والنصوص، وبما استدل على أمير المؤمنين بعد النبي بلا فصل وكل من قطع على ذلك قطع على أن الامام بعد علي بن محمد النقي الحسن العسكري لانه لم يحدث مزقة اخرى بعد الرضا (ع) وقد صحت إمامته. وطريق النص من آبائه عليهم السلام من المؤالف والمخالف. ورواة النص من أبيه يحيى بن بشار القنبري، وعلي بن عمرو النوفلي، و عبد الله ابن محمد الاصفهاني، وعلي بن جعفر، ومروان الانباري، وعلي بن مهزيار، وعلي ابن عمرو العطار، ومحمد بن يحيى، وأبو هاشم الجعفري، وأبو بكر الفهفكي، وشاهويه بن عبد الله، وداود بن القاسم الجعفري، و عبد الله بن محمد الاصفهاني. قال أبو الحسن (ع): صاحبكم بعدي الذي يصلي علي ولم يكن يعرف أبا محمد قبل ذلك، فلما مات أبو الحسن خرج أبو محمد فصلى عليه. وروى ابن قولويه عن علي بن جعفر ومروان الانباري والحسن الافطس انهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد (ع) دار أبي الحسن وهي مملوة من الناس إذ نظر إلى الحسن وقد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه ابو الحسن بعد ساعة من قيامه ثم قال: واحدث لله شكرا فقد احدث فيك أمرا. فبكى الحسن (ع) واسترجع قال: الحمد لله رب العالمين وأنا أسأل تمام النعمة


[ 525 ]

إنا لله وانا إليه راجعون. ومن ثقاته علي بن جعفر قيم لابي الحسن، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وقد رأى خمسة من الائمة، وداود بن ابى يزيد النيسابوري، ومحمد بن علي بن بلال و عبد الله بن جعفر الحميري القمي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، والزيات، والسمان، واسحاق بن الربيع الكوفي، وأبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي، وابراهيم ابن عبدة بن ابراهيم النيسابوري. ومن وكلائه محمد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل الصيقل وقد أدركا أباه وابنه. ومن أصحابه محمد بن الحسن الصفار، وعبدوس العطار، وسري بن سلامة، وأبو طالب الحسن بن جعفر الفافاي، وأبو البختري مؤدب ولد الحجاج. وبابه الحسين بن روح النوبختي. فصل: في معالى اموره قال الحسين بن محمد الاشعري ومحمد بن علي: جرى ذكر العلوية عند أحمد بن عبد الله بن خاقان بقم وكان ناصبيا فقال: ما رأيت منهم مثل الحسن بن علي بن محمد ابن الرضا جاء ودخل حجابه على أبى فقال أبو محمد بن الرضا بالباب فزجرهم الاذن واستقبله ثم أجلسه على مصلاه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه فلما قام شيعه فسألت أبى عنه فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة ولو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وصومه وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه، ولقد كنت أسأل عنه دائما فكانوا يعظمونه ويذكرون له كرامات. وقال ما رأيت أنقع ظرفا ولا أغض طرفا ولا أعف لسانا وكفا من الحسن العسكري. وميزان الحسن العسكري لاستوائهما في أربعمائة وخمسين. وخرج من عند أبى محمد (ع) في سنة خمس وخمسين ومائتين كتاب ترجمة في جهة رسالة المقنعة يشتمل على اكثر علم الحلال والحرام، وأوله أخبرني علي بن محمد ابن موسى. وذكر الحميري في كتاب سماه مكاتبات الرجال عن العسكريين من قطعه ومن أحكام الدين. أبو القاسم الكوفي في كتاب التبديل ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله وان


[ 526 ]

بعض تلامذته دخل يوما على الامام الحسن العسكري فقال له أبو محمد (ع): أما فيكم رجل رشيد يردع استأذكم الكندى عما اخذ فيه من تشاغله القرآن، فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أوفى غيره، فقال له أبو محمد: أتؤدي إليه ما القيه اليك ؟ قال: نعم، قال: فصر إليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الانسة في ذلك فقال قد حضرتني مسأله أسألك عنها فانه يستدعي ذلك منك فقل له ان اتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت إليها ؟ فانه سيقول لك انه من الجائز لانه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد اراد غير الذى ذهبت انت إليه فيكون واضعا لغير معانيه. فصار الرجل إلى الكندى وتلطف إلى ان القى عليه هذه المسألة فقال له: أعد علي، فأعاد عليه فتفكر في نفسه ورأى ذلك محتملا في اللغة وسائغا في النظر فقال: اقسمت عليك إلا اخبرتني من اين لك ؟ فقال: انه شئ عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال كلا ما مثلك من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من أين لك هذا ؟ فقال: امرني به ابو محمد فقال: الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم انه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه. الجلاء والشفاء قال أبو جعفر العمرى: ان ابا طاهر بن بلبل حج فنظر إلى علي ابن جعفر الهمداني وهو ينفق النفقات العظيمة فلما انصرف كتب بذلك إلى ابى محمد فوقع في رقعته: قد أمرنا له بمائة الف دينار ثم أمرنا لك بمثلها. وهذا يدل على ان كنوز الارض تحت ايديهم. علي بن الحسن بن سابور قال: كان في زمن الحسن الاخير (ع) قحط فخرجوا للاستسقاء ثلاثة ايام فلم يمطر عليهم، قال: فخرج يوم الرابع بالجاثليق مع النصارى فسقوا، فخرج المسلمون يوم الخامس فلم يمطروا فشك الناس في دينهم، فأخرج المتوكل الحسن (ع) من الحبس وقال: ادرك دين جدك يا ابا محمد، فلما خرجت النصارى ورفع الراهب يده إلى السماء قال أبو محمد لبعض غلمانه خذ من يده اليمنى ما فيها فلما اخذه كان عظما اسود ثم قالق: استسق الآن، فاستسقى فلم يمطروأ وصحت السماء فسأل المتوكل عن العظم قال: لعله اخذ من قبر نبي ولا يكشف عظم نبي إلا ليمطر. وكتب (ع) إلى اهل قم: وآبه ان الله تعالى بجوده ورأفته قد من على عباده بنبيه محمد صلى الله عليه وآله بشيرا ونذيرا ووفقكم لقبول دينه واكرمكم بهدايته وغرس في


[ 527 ]

قلوب اسفلاكم الماضين رحمة الله عليهم واصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته حب العترة الهادية فمضى من مضى على وتيرة الصواب ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد فوردوا موارد الفائزين واجتنوا تمرات ما قدموا ووجدوا غب ما سلفوا. ومنها: فلم تزل نيتنا مستحكمة ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة القرابة الراسخة بيننا وبينكم قوية وصية اوصى بها اسلافنا واسلافكم وعهد عهد إلى شباننا ومشايخكم فلم يزل على حملة كاملة من الاعتقاد لما جمعنا الله عليه من الحال القريبة والرحم الماسة يقول العالم سلام الله عليه إذ يقول المؤمن أخو المؤمن لامه وابيه. ومما كتب عليه السلام إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي: اعتصمت بحبل الله بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلا على الظالمين ولا إله إلا الله احسن الخالقين والصلاة على خير خلقه محمد وعتره الطاهرين. منها: عليك بالصبر وانتظار الفرج قال النبي افضل اعمال امتي انتظار الفرج ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدى الذى بشر به النبي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فاصبر يا شيخي يا ابا الحسن علي وامر جميع شيعتي بالصبر فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة ألله وبركاته وصلى الله على محمد وآله. وروى الحسين بن روح قال الحسن (ع) قبري بسر من رأى امان لاهل الخافقين قال ابو يحيى المغربي يا راكب الشهباء تعمل علبة * سلم على قبر بسامراء قبر الامام العسكري وابنه * وسمي احمد خاتم الخلفاء وقال الحميرى هم الائمة بعد المصطفى وهم * من اهتدى بالهدى والناس ضلال وانهم خيرمن يمشي على قدم * وهم لاحمد اهل البيت والآل وقال العبدى لانتم على الاعراف اعرف عارف * بسيما الذى يهواكم والذى يشنا أئمتنا انتم سندعى بكم غدا * إذا ما إلى رب العباد معا قمنا وان اليكم في المعاد إيابنا * إذا نحن من اجداثنا صرعا عدنا وان موازين الخلائق حبكم * فاسعدهم من كان اثقلهم وزنا وموردنا يوم القيامة حوضكم * فيظمى الذى يقصى ويروى الذى يدنى


[ 528 ]

وامر صراط الله ثم اليكم * فعلوا لنا إذ نحن عن اربكم جدنا وان ولاكم يقسم الخلق في غد * فيسكن ذا نارا ويسكن ذاعدنا وانتم لنا غيث وأمن ورحمة * فما عنكم بد ولا عنكم مغنى وقال العوني ابهى واكرم عند الله ما خلقوا * ونور أنوارهم كالدر منعقد يفديكم يا بنى الهادى ابا حسن * نفسي ومالي والاهلون والولد يا خيرة ألله خار الله حالمها * لم يحتلم (كذا) ما عاش يعتضد وقال الحميرى شهدت وما شهدت بغير حق * بأن الله ليس له شبيه نحب محمدا ونحب فيه * بنى ابنائه وبنى ابيه فابشر بالشفاعة غير شك * من الموصى إليه ومن بنيه فان الله يقبل كل قول * يدان به الوصي ويرتضيه فصل: في معجزاته عليه السلام كافور الخادم، كان يونس النقاش يغشى سيدنا الامام ويخدمه فجاءه يوما يرعد فقال: يا سيدى اوصيك بأهلى خيرا، قال: وما الخبر ؟ قال: عزمت على الرحيل، قال: ولم يا يونس ؟ – وهو يتبسم -، قال: وجه إلي ابن بغا بفص ليس له قيمة اقبلت نقشه فكسرته باثنين وموعده غد وهو ابن بغا اما الف سوط أو القتل، قال امض إلى منزلك إلى غد فرح فما يكون إلا خيرا، فلما كان من الغد وافاة بكرة يرعد فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص، قال: امض إليه فلن ترى إلا خيرا، قال: وما اقول له يا سيدي ؟ قال: فتبسم وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به فلا يكون إلا خيرا، قال: فمضى وعاد وقال: قال لي يا سيدي الجوارى اختصمن فيمكنك أن تجعله اثنين حتى نغنك، فقال الامام (ع): اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقا فاي شئ قلت له قال قلت له امهلني حتى أتأمل أمره، فقال أصبت. أبو هاشم الجعفري عن داود بن الاسود وقاد حمام أبي محمد (ع) قال: دعاني سيدي أبو محمد فدفع إلى خشبة كأنها رجل باب مدورة طويلة ملء الكف فقال: صر بهذه الخشبة إلى العمري، فمضيت فلما صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقاء معه بغل فزاحمني البغل على الطريق فناداني السقاء صح على البغل فرفعت الخشبة التي كانت


[ 529 ]

معي فضربت البغل فانشقت فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب فبادرت سريعا فرددت الخشبة إلى كمى فجعل السقاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي، فلما دنوت من الدار راجعا استقبلني عيسى الخادم عند الباب فقال: يقول لك مولاي أعزه الله لم ضربت البغل وكسرت رجل الباب ؟ فقلت له: يا سيدي لم أعلم ما في رجل الباب، فقال: ولم احتجت أن تعمل عملا تحتاج أن تعتذر منه إياك بعدها أن تعود إلى مثلها وإذا سمعت لنا شاتما فامض لسبيلك التي امرت بها وإياك أن تجاوب من يشمنا أو تعرفه من أنت فاننا ببلد سوء ومصر سوء وامض في طريقك فان أخبارك وأحوالك ترد الينا فاعلم ذلك ادريس بن زياد الكفر تومائي قال: كنت أقول فيهم قولا عظيما فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمد (ع) فقدمت وعلي أثر السفر وعثناؤه فألقيت نفسي على دكان حمام فذهب بى النوم فما انتبهت إلا بمقرعة أبى محمد قد قرعني بها حتى استيقظت فعرفته فقمت قائما أقبل قدميه وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله فكان أول ما تلقاني به أن قال: يا ادريس (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) فقلت حسبي يا مولاي وإنما جئت أسألك عن هذا. قال: فتركني ومضى. أبو حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمد (ع) عنه يكلم غلمانه بلغاتهم فيهم ترك وروم وصقالبة فقلت في نفسي: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر حتى مضى أبو الحسن فكيف هذا ! فأقبل علي فقال: ان الله بين حجته من سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شئ فهو يعرف اللغات والانساب والحوادث ولولا ذلك لما كان بين الحجة والمحجوج فرق. محمد بن صالح الخثعمي قال: عزمت أن أسأل في كتابي إلى أبى محمد (ع) عن أكل البطيخ على الريق وعلى صاحب الزنج فأنسيت فورد علي جوابه لا يؤكل البطيخ على الريق فانه يورث الفالج وصلب الزنج ليس منا أهل البيت. محمد بن موسى قال: شكوت إلى أبى محمد (ع) مطل غريم لي فكتب إلي: عن قريب يموت ولا يموت حتى يسلم اليك ما لك عنده، فما شعرت إلا وقد دق علي الباب ومعه مالي وجعل يقول: اجعلني في حل مما مطلتك، فسألته عن موجبه فقال: انى رأيت أبا محمد في منامي وهو يقول لي: ادفع إلى محمد بن موسى ماله عندك فان أجلك قد حضر واسأله أن يجعلك في حل من مطلك. حمزة بن محمد السروي قال: أملقت وعزمت على الخروج إلى يحيى بن محمد ابن عمي بحران وكتبت إلى أبى محمد (ع) أسأله أن يدعو لي فجاء الجواب: لا تبرح فان


[ 530 ]

الله يكشف ما بك وابن عمك قد مات وكان كما قال وصلت إلي تركته. محمد بن الربيع الشيباني قال: ناظرت رجلا من الثنوية فقويت في نفسي حجته هذا وأنا بالاهواز ثم قدمت سامراء فحين رأيت أبا محمد أومى بسبابته احدا فوحده فخررت مغشيا علي. محمد بن اسماعيل العلوي قال: دخل العباسيون على صالح بن رصيف عند ما حبس أبو محمد فقالوا له: ضيق عليه، قال: وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه علي ابن بارمش واقتامش فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم يضعان خديهما له ثم أمر باحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل ؟ فقالا: ما نقول في رجل يقوم الليل كله ويصوم النهار لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا. وروي انه سلم إلى يحيى بن قتيبة وكان يضيق عليه فقالت له امرأته: اتق الله فانى أخاف عليك منه، قال: والله لارمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك فاذن له فرمى به إليها ولم يشكوا في أكلها إياه فنظروا إلى الموضع فوجدوه قائما يصلي فأمر باخراجه إلى داره. وروي ان يحيى بن قتيبة الاشعري أتاه بعد ثلاث مع الاستاد فوجداه يصلي والاسود حوله فدخل الاستاد الغيل فمزقوه وأكلوه وانصرف يحيى في قومه إلى المعتمد فدخل المعتمد على العسكري وتضرع إليه وسأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة فقال (ع): مد الله في عمرك، فاجيب وتوفي بعد عشرين سنة. أبو جعفر الطوسي قال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوسا مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي في هذه الليلة يبتر الله عمره، فلما اصبحنا شغب الاتراك وقتل المهتدي وولى المعتمد مكانه. علي بن محمد بن زياد الصيمري قال: دخلت على أبي أحمد عبد الله بن طاهر وفي يديه رقعة أبي محمد (ع) فيها: انى نازلت الله في هذا الطاغي – يعني المستعين – وهو آخذه بعد ثلاث، فلما كان اليوم الثالث خلع وكان من أمره ما كان إلى ان قتل أبو الحسن الموسوي الحيري عن أبيه قال: قدمت إلى أبى محمد (ع) دابة ليركب إلى دار السلطان وكان إذا ركب يدعو له عامي وهو يكره ذلك فزاد يوما في الكلام وألح فسار حتى انتهى إلى مفرق الطريقين وضاق على الرجل العبور فعدل إلى طريق يخرج منه ويلقاه فيه فدعا (ع) ببعض خدمه وقال له: امض فكفن هذا، فتبعه


[ 531 ]

الخادم فلما انتهى (ع) إلى السوق خرج الرجل من الدرب ليعارضه وكان في الموضع بغل واقف فضربه البغل فقتله ووقف الغلام فكفنه. علي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال: كان لي فرس وكنت به معجبا اكثر ذكره، فقال أبو محمد: ما فعل فرسك ؟ فقلت: هو على بابك الآن، فقال: استبدل به قبل المساء، فمضيت ونفست على الناس ببيعه وأمسينا فلما صلينا العتمة جاءني السائس فقال: انه نفق فرسك الساعة، فدخلت على ابى محمد بعد ايام وانا اقول في نفسي: ليته أخلف علي دابة، فقال: نعم تخلف عليك يا غلام اعطه برذوني الكميت ثم قال: هذا خير من فرسك واوطى واطول عمرا. علي بن زيد العلوي الزيدي قال: اعطاني أبو محمد (ع) دنانير وقال: اشتر بهذه الدنانير جارية فان جاريتك قد ماتت، فأتيت داري وإذا بالجارية قد شرقت وماتت. الحسن بن ظريف قال: اختلج في صدري ان اكتب إلى ابى محمد ان القائم إذا قام بم يقضي واين مجلسه للقضاء وان اسأله عن شئ لحمى الربع فأغفلت عنها فجاء الجواب: سألت عن القائم إذا قام بالناس بم يقضي ؟ يقضي بعلمه كقضاء داود لا يسأل عن بينة واردت ان تسأل عن حمى الربع فاكتب في ورقة وعلقها على المحموم (يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم). ابو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى ابي محمد (ع) الحاجة فحك بسوطه الارض فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمسمائة دينار فقال: خذها يا ابا هاشم واعذرنا. أبو علي المطهرى كتب إليه من القادسية يعلمه انصراف الناس عن المضى إلى الحج وانه يخاف العطش إن مضى فكتب: امضوا فلا خوف عليكم انشاء الله، فمضوا ولم يجدوا عطشا. علي بن الحسين بن الفضل اليماني قال: نزل الجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم فكتب إلى ابي محمد يشكو ذلك فكتب إليه: تكفونهم انشاء الله تعالى، قال: فخرج إليهم في نفر يسير والقوم يزيدون على عشرين الفا وهو في أقل من الف فاستباحهم. ابو طاهر قال محمد بن بلبل: تقدم المعتز إلى سعيد الحاجب ان اخرج أبا محمد إلى الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق فجاء توقيعه (ع) الينا: الذي سمعتموه تكفونه فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل. اسماعيل بن محمد العباسي قال: شكوت إلى ابى محمد الحاجة وحلفت انه ليس


[ 532 ]

عندي درهم فما فوقه فقال: أتحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي لك هذا دفعا عن العطية اعطه يا غلام ما معك، فأعطاني مائة دينار ثم اقبل علي فقال: انك تحرم الدنانير التي دفنتها في احوج ما تكون إليها. وذلك انني اضطررت وقتا ففتشت عنها فلم اجدها فنظرت فإذا ابن عم لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب. ابو هاشم قال: سمعت ابا محمد يقول ان في الجنة بابا يقال له المعروف لا يدخله إلا اهل بيت المعروف، فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت مما اتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد (ع) فقال: نعم قد علمت ما انت عليه وان اهل المعروف في الدنيا اهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا ابا هاشم ورحمك سفيان بن محمد الصيفي قال: كتبت إلى ابي محمد (ع) أسأله عن الوليجة وهو قول الله عزوجل (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) قلت في نفسي لا في الكتاب من يرى المؤمن ههنا، فرجع الجواب: الوليجة التي تقام دون ولي الامر وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع ؟ فهم الائمه الذين يؤمنون على الله فنحن اياهم. ابو هاشم الجعفري قال شكوت إلى ابي محمد ضيق الحبس وكلب القيد، فكتب إلي: تصلي اليوم الظهر في منزلك، فاخرجت وقت الظهر وصليت في منزلي. اشجع بن الاقرع قال: كتبت إلى ابى محمد (ع) أسأله ان يدعو الله لي من من وجع عينى وكانت احدى عينى ذاهبة والاخرى على شرف هار، فكتب إلي: حبس الله عليك عينك واقامت الصحيحة، ووقع في آخر الكتاب: اعزك الله آجرك الله واحسن ثوابك، فاغتممت بذلك ولم اعرف في اهلي احدا مات فلما كان بعد ايام جاءني خبر وفاة ابني طيب فعلمت ان التعزية له. عمر بن مسلم قال: قدم علينا بسر من رأى رجل من اهل مصر يقال له سيف ابن الليث يتظلم إلى المهتدي في ضيعة له غصبها شفيع الخادم وأخرجه منها، فأشرنا إليه ان يكتب إلى ابي محمد يسأله تسهيل امرها فكتب إليه أبو محمد: لا بأس عليك ضيعتك ترد عليك فلا تتقدم إلى السلطان وان الوكيل الذى في يده الضيعة قد كتب إلي عند خروجك أن أطلبك وأن أرد الضيعة عليك، فردها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج أن يتقدم إلى المهتدي فصارت الضيعة له. وقال سيف بن الليث: خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها وابنا آخر أسن منه كان وصي فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لا بني العليل، فكتب إلي: قد


[ 533 ]

عوفي ابنك العليل ومات الكبير وصيك وقيمك فاحمد الله ولا تجزع فيحبط أجرك، فكان كما قال. اسحاق قال: حدثني يحيى القنبري قال: كان لابي محمد وكيل قد اتخذ منه في الدار حجرة يكون فيها وخادم أبيض فراود الوكيل الخادم على نفسه فأبى إلا أن يأتيه بنبيذ فاحتال له نبيذا ثم أدخله عليه وبينه وبين أبي محمد ثلاثة أبواب مغلقة قال: فحدثني الوكيل قال: اني لمنتبه إذ أنا بالابواب تفتح حتى جاء بنفسه فوقف على باب الحجرة ثم قال: يا هؤلاء خافوا الله، فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار أبو العيناء الهاشمي: كنت أدخل على أبي محمد (ع) فأعطش وأنا عنده وأجله أن أدعو بالماء ثم يقول: يا غلام اسقه، وربما حدثتني نفسي بالنهوض فافكر في ذلك فيقول: يا غلام دابته. وروى الكليني في الكافي حديث الفصاد له (ع) مثل الذي ذكرناه في باب أبي جعفر الثاني. علي بن محمد عن بعض أصحابنا قال: كتب محمد بن حجر إلى أبي محمد (ع) يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد الله فكتب إليه: اما عبد العزيز فقد كفيته واما يزيد فان لك وله مقاما بين يدي الله عزوجل فمات عبد العزيز وقتل يزيد محمد بن حجر أحمد بن اسحاق قال: دخلت على أبي محمد فسألته أن يكتب لانظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد فقال نعم ثم قال: يا أحمد ان الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الدقيق فلا تشكن، ثم دعا بالدواة فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ من الكتابة أقبل يحدثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال: هاك يا أحمد، فناولنيه، الخبر. غيبة الطوسي أبي علي بن همام عن شاكري أبي محمد (ع) قال: كان استادي صالحا من العلويين لم أر مثله قط وكان يركب إلى دار الخلافة في كل اثنين وخميس وكان يوم النوبة يحضر من الناس شئ عظيم ويغص الشارع بالدواب والبغال والحمير والضجة لا يكون لاحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم وإذا جاء استادي سكنت الضجة وهدأ صهيل الخيل ونهاق الحمير وتفرقت البهائم حتى يصير الطريق واسعا ثم يدخل وإذا أراد الخروج وصاح البوابون هاتوا دابة أبي محمد سكن صياح الناس وصهيل الخيل وتفرقت الدواب حتى يركب ويمضي. وفيها قال الشاكري: وجاء استادي يوما إلى سوق الدواب فجئ له بفرس كبوس


[ 534 ]

لا يقدر أحد أن يدنو منه قال فباعوه إياه بوكس فقال لي يا محمد قم فاطرح السرج عليه قال: فقمت وعلمت انه لا يقول لي ما يؤذيني فحللت الحزام وطرحت السرج عليه فهدأ ولم يتحرك فجئت به لامضي فجاء النخاس فقال لي: ليس يباع، فقال لي: سلمه إليهم، قال: فجاء النخاس ليأخذه فالتفت إليه التفاتة ذهب منهزما، قال: فركبت ومضينا وجئت به إلى الاصطبل فما تحرك ولا آذاني ببركة استادي. ومن كتاب الكشي، الفضل بن الحرث قال: كنت بسر من رأى وقت خروج سيدي أبي الحسن (ع) فرأينا أبا محمد ماشيا قد شق ثيابه فجعلت أتعجب من جلالته وما هو له أهل ومن شدة اللوم والادمة وأشفق عليه من التعب، فلما كان الليلة رأيته (ع) في منامي فقال: اللوم الذي تعجبت منه اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء وانها لعبرة في الابصار لا يقع فيه غير المختبر ولسنا كالناس فتعب كما يتعبون فاسأل الله الثبات وتفكر في خلق الله فان فيه متسعا واعلم ان كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة. وخرج أبو محمد (ع) في جنازة أبي الحسن (ع) وقميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون الابرش في ذلك فقال (ع): يا أحمق ما انت وذاك قد شق موسى على هارون ثم قال بعد كلام: وانك لا تموت حتى تكفر ويتغير عقلك. فما مات حتى حجبه ابنه عن الناس وحبسوه في منزله في ذهاب العقل عما كان عليه. وكان عروة الدهقان كذب على علي بن محمد بن الرضا وعلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام بعده ثم انه أخذ بعض أمواله فلعنه أبو محمد فما امهل يومه ذلك وليلته حتى قبض إلى النار. وقال محمد بن الحسن: لقيت من علة عيسى شدة فكتبت إلى أبي محمد أسأله أن يدعو لي، فلما نفذت الكتاب قلت في نفسي: ليتني كتبت إليه أن يصف لي كحلا اكحلها فوقع بخطه يدعو لي سلامتها إذ كانت احداهما ذاهبة وكتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا عليك أن تصير مع الاثمد كافورا وتوتيا فانه يجلو ما فيها من الغشاء وييبس من الرطوبة. قال: فاستعملت ما أمرني به فصحت. محمد بن الحسن قال: كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبد الله الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا، فرجع الجواب: ان الله عزوجل يخص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر وقد يعفو عن كثير منهم وهو كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ونحن


[ 535 ]

كهف من التجأ الينا ونور لمن استضاء بنا وعصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الاعلى ومن انحرف عنا مال فالى النار. قال العوني: بهم بينات الانبياء وصدقوا * لما كان في كتب النبيين مصحف ألاهم وعيد الله فينا ووعده * فلا تحسبن الله للوعد مخلف بهم قسم الله العظيم الذي به * يرى الله في القرآن ما تاح محلف هم ما هم هم كل ما قيل فيهم * وزاد واسوى ما منهم زاد مسرف هم الحق شاع الحق فيهم وعنهم * يطف بهم وصافهم والمكيف وقال أبو عمرو عبد الملك البعلبكي: يا أهل بيت محمد * يا خير من ملك النواصي أنتم وسيلتي التي أنجوبها يوم القصاص وأنا المعير بما اكتسبت * من القبايح والمعاصي لكن بكم يا سادتي * أرجو غدا عنها خلاصي من حاز علما بالولاء * فذاك للرحمن خاص وقال أبو الفتح البستي: من لم يكن للنبي عبدا * ولم يكن مخلصا لآله فكل ما يخرج البرايا * من السبيلين في سباله وقال عبد الرحمن بن حامد الخوافي: سلام على نفس هي الآية الكبرى * وشخص هو المجد المنيف على الشعرى هو الدين والدنيا يرى نوره متى * تحصل لك الاولى وتحصل لك الاخرى فصل: في آياته عليه السلام سأل محمد بن صالح الارميني لابي محمد (ع) عن قوله تعالى (لله الامر من قبل ومن بعد) فقال: الامر من قبل أن يأمر به ومن بعد أن يأمر، فقلت في نفسي: هذا قوله (ألا له الخلق والامر) فنظر إلي وتبسم ثم قال: له الخلق والامر. قال أبو هاشم: خطر ببالي إلى القرآن مخلوق أم غير مخلوق، فقال أبو محمد: يا أبا هاشم الله خالق كل شئ وما سواه مخلوق. وكتب محمد بن شمون البصري فسأل أبا محمد عن الحال وقد اشتدت على الموالي من محمد المهتدي فكتب إليه: عد من يومك خمسة أيام فانه يقتل في اليوم السادس من بعد


[ 536 ]

هو ان يلاقيه، فكان كما قال. وفي رواية أحمد بن محمد انه وقع (ع) بخطه ذاك: اقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به. علي بن محمد بن اسماعيل قال: كتب أبو محمد إلى أبي القاسم اسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوما: الزم بيتك حتى يحدث الحادث، فلما قتل بريحة كتب إليه: قد حدث الحادث فما تأمرني ؟ فكتب إليه: ليس هذا الحادث الحادث الآخر، فكان من المعتز ما كان. قال: وكتب (ع) إلى رجل آخر: يقتل محمد بن عبد الله بن داود، قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل. أبو هاشم: دخلت على أبي محمد وأنا أريد أن أسأله فصا أصوغ به خاتما أتبرك به فجسلت وانسيت ما جئت له فلما ودعته ونهضت أومى إلي بخاتم وقال: أردت فصا فأعطيناك خاتما وربحت الفص والكرى هناك الله يا أبا هاشم. ورأى أبو محمد والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن ابراهيم العمري في الحبس فقال عليه السلام: لو لا ان فيكم من ليس منكم لاعلمتكم متى يفرج عنكم – وأومى إلى الجمحي أن يخرج فخرج – فقال أبو محمد: هذا الرجل ليس منكم فاحذروه وان في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره ما تقولون، فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجدوا القصة يذكرهم فيها بكل عظيمة. أبو هاشم قال أبو محمد: إذا خرج القائم يأمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي: لاي معنى هذا ؟ فأقبل علي وقال: معنى هذا انها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة. وسأله الفهفكي ما بال المرأة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين ؟ فقال أبو محمد ان المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة إنما ذلك على الرجال، فقلت في نفسي: قيل لي ان ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسأله فأجابه بمثل هذا الجواب، وفي رواية: لما جعل لها من الصداق، فأقبل أبو محمد علي فقال: نعم هذه مسأله ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحد واجري لآخرنا ما أجرى لا ولنا وأولنا وآخرنا في العلم والامر سواء ولرسول الله ولامير المؤمنين فضلهما وكان سأل عمران الصابي الرضا: لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ فقال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حوا فأكلت منها حبة وأطعمت


[ 537 ]

آدم حبتين فمن ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين. وقال محمد بن ابراهيم لابن الكردي: ضاق بنا الامر، فقال أبي: امض بنا إلى هذا الرجل – يعني أبا محمد – فانه قد وصف عنه سماحة، فقلت: تعرفه ؟ قال ما رأيته قط، فقصداه فقال ابوه في طريقه: ما أحوجنا ان يأمر لنا الخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدقيق ومائنا درهم للنفقة، وقال محمد في نفسه: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة اشتري بها حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل، فلما وافيا الباب خرج اليهما غلامه فقال: يدخل علي بن ابراهيم وابنه محمد، فدخلا وجلسا فلما خرجا أتاهما غلامه فناول أباه صرة فيها خمسمائة درهم وقال: مائتان للكسوة ومائتان للدقيق ومائتان للنفقة، وأعطى محمدا صرة فيها ثلاثمائة درهم وقال: مائة في ثمن الحمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سورا. قال فصار إلى سورا وتزوج بامرأه منها فدخله الف دينار. احمد بن الحرث القزويني قال: كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع ظهره واللجام وعجز الرواض عن ركوبه فقال بعضهم: ألا تبعث به إلى ابن الرضا فيجئ فاما ان يركبه أو يقتله، فبعث إلى ابي محمد (ع) فلما أتاه وضع يده على كفله فعرق البغل حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم فرحب به وقربه وقال: يا ابا محمد الجم هذا البغل، فقام فألجمه، ثم قال: اسرجه، فأسرجه، فرجع وقال: نرى ان تركبه، فركبه من غير ان يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة فمشى احسن مشي يكوين ثم رجع فنزل فقال المستعين: كيف رأيته ؟ فقال: ما رأيت مثله حسنا وفراهة، فقال: ان امير المؤمنين حملك عليه، فقال: يا غلام خذه. شاهويه بن عبد ربه: كان اخي صالح محبوسا فكتبت إلى سيدي ابي محمد (ع) اسأله عن اشياء اجابني عنها وكتب: ان اخاك يخرج من الحبس يوم يصلك كتابي هذا، وقد كنت اردت ان تسألني عن أمره فأنسيت، فبينا أنا أقرأ كتابه إذا اناس جاؤني يبشرونني بتخلية اخي فتلقيته وقرأت عليه الكتاب. ابو هاشم قال: كنا نفطر مع ابي الحسن (ع) فضعفت يوما عن الصوم وافطرت في بيت آخر على كعكة فريدا ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه: اطعم ابا هاشم شيئا فانه مفطر فتبسمت فقال: ما يضحكك يا ابا هاشم إذا اردت القوة فكل اللحم فان العكك لا قوة فيه.


[ 538 ]

أبو العباس ومحمد بن القاسم قال: عطشت عند ابي محمد ولم تطب نفسي ان يفوتني حديثه وصبرت على العطش وهو يتحدث فقطع الكلام وقال: يا غلام اسق أبا العباس ماء. وقال أبو هاشم: كنت مضيقا فأردت ان اطلب منه معونة فاستحييت فلما صرت إلى منزل لي وجه إلي بمائة دينار وكتب إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فانك ترى ما تحب انشاء الله. عبد الله بن جعفر قال أبو هاشم: قلت في نفسي وقد كتب الامام يا اسمع السامعين إلى آخره: اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك، فأقبل علي أبو محمد فقال: انت في حزبه وفي زمرته إذ كنت بالله مؤمنا ولرسوله مصدقا ولاوليائه عارفا ولهم تابعا فابشر ثم ابشر. ابو هاشم قال: سمعت ابا محمد (ع) يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم اؤاخذ إلا بهذا، فقلت في نفسي: ان هذا لهو الدقيق وقد ينبغي للرجل ان يتفقد من امره ومن نفسه كل شئ، فأقبل علي أبو محمد فقال: صدقت يا ابا هاشم فالزم ما حدثتك به نفسك فان الاشراك في الناس اخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، أو من دبيب الذر على المسح الاسود. علي بن احمد بن حماد قال: خرج أبو محمد في يوم مصيف راكبا وعليه تجفاف وممطر فتكلموا في ذلك فلما انصرفوا من مقصدهم امطروا في طريقهم وابتلوا سواه محمد بن عياش قال: تذاكرنا آيات الامام فقال ناصبي: ان اجاب عن كتاب بلا مداد علمت انه حق، فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مداد على ورق وجعل في الكتب وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب على ورقه اسمه واسم ابويه، فدهش الرجل فلما افاق اعتقد الحق. وكان بشر بن سليمان النخاس من ولد ابي ايوب الانصاري احد موالي ابي الحسن وابي محمد عليهما السلام فدعاه أبو الحسن (ع) وكان يحدث ابنه ابا محمد فقال: يا بشر انك من ولد الانصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وانتم ثقاتنا اهل البيت وكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه واخرج شقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا وانفذه إلى بغداد وقال له احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا إلى ان تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ويأتي البيع فعند ذلك تعطيها الكتاب، قال: ففعلت كذا فلما نظرت إلى الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت للنخاس: يعني من صاحب هذا الكتاب، فما زلت اشاحه في ثمنها حتى استقر


[ 539 ]

الامر واستوفى من الدنانير وتسلمت منه الجارية مستبشرة فكانت تلثم الكتاب وتضعه على خدها فقلت: تعرفين صاحبه ؟ قالت: اعرني سمعك انا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وامي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون ان قيصرا اراد ان يزوجنى من ابن اخيه فجمع من نسل الحواريين ثلاثمائة رجل ومن الملوك والقواد اربعة آلاف ونصب عرشا مصوغا من اصناف الجواهر فوق اربعين مرقاة فلما استقام امرهم للخطبة تسافلت الصلبان من الاعالي على وجوهها وانهارت الاعمدة وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الاساقفة وقالوا: ايها الملك اعفنا من ملافاة هذه النحوس الدالة على زوال الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك وامر ان يزوج اخاء فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الاول فقام جدي وتفرق الناس فرأيت من تلك الليلة المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوا وارتفاعا فدخل عليهم محمد صلى الله عليه وآله مع فئة فتقدم إليه المسيح فاعتنقه وخطب محمد وزوجني من ابنه وشهد بنو محمد والحواريون فلما استيقظت كنت اشفق على نفسي مخافة القتل حتى مرضت وضعفت نفسي وعجزت الاطباء عن دوائي فقال قيصر: يا بنية هل تخطر ببالك شهوة ؟ فقلت: لو كشفت عمن في سجنك من أسارى المسلمين رجوت أن يهب المسيح وامه لي عافية، فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة من بدني وتناولت يسيرا من الطعام فأقبل على إكرام الاسارى فاريت ايضا كأن فاطمة زارتني ومعها مريم والف وصيفة من وصايف الجنان فيقال لي هذه سيدة النساء ام زوجك ابي محمد فأتعلق بها وأشكو إليها امتناع ابي محمد من زيارتي فتقول ان ابني لا يزروك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى وهذه اختي مريم تبرئي إلى الله من دينك فقولي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فلما تكلمت بها ضمتني إلى صدرها وطيبت نفسي وكانت بعد ذلك كل ليلة يزورني أبو محمد إذ اخبرني ان جدك سيسري جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا فعليك باللحاق به متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصايف من طريق كذا ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان مع أمري ما شاهدت. قال بشر: فلما دخلت على أبي الحسن (ع) قال لها: كيف أراك الله عز الاسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت نبيه محمد صلى الله عليه وآله، قالت: كيف أصف لك يابن


[ 540 ]

رسول الله ما أنت اعلم به منى، قال: فابشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يا كافور ادعلي اختي حكيمة، فلما دخلت عليه قال لها: ها هيه، فاعتنقتها طويلا قال: خذيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فانها زوجة أبي محمد. ولقد أورد كتابا في ذكر ولده القائم (ع). وقال أبو هاشم الجعفري: استؤذن لرجل جميل طويل من أهل اليمن على أبى محمد فجلس إلى جنبي فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا ؟ فقال أبو محمد: هذا من ولد الاعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائى فيها، ثم قال: هاتها، فأخرج حصاة فطبع في موضع منها أملس فقلت لليماني: رأيته قط ؟ قال: لا والله وانى منذ دهر لحريص على رؤيته حتى كأن الساعة أتانى شاب لست أراه فقال: قم فادخل، فدخلت ثم نهض وهو يقول: رحمة الله وبركاته عليكم منا أهل البيت ذرية بعضها من بعض فسألته عن اسمه فقال اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن ام غانم. فقال أبو هاشم في ذلك: بدرت الحصا مولى لنا يختم الحصا * له الله أصفى بالدليل وأخلصا وأعطاه آيات الامامة كلها * كموسى وفلق البحر واليد والعصا وما قمص الله النبيين آية ومعجزة إلا الوصيين قمصا فمن كان مرتابا بذاك فقصره * من الامر أن يتلو الدليل ويفحصا وقال السري الرفا الموصلي الكندي: ورب عوالم لم ينظم قلايدها * إلا ليحمد فيها الفاطميينا الوارثون كأن الله بينهم * إرث النبي على رغم العدوينا والسابقون إلى الخيرات تنجدهم * عتق المار إذا كل المجارونا قوم نصلي عليهم حين نذكرهم * حبا ونلعن أقواما ملاعينا إذا عددنا قريشا في أباطحها * كان الرواتب منها والقرابينا أغنتهم عن صفات المادحين لهم * مدايح الله في طاها وياسينا فلست أمدحهم إلا لارغم في * مديحهم أنف شانيهم وشانينا فما نخاطبكم إلا بسادتنا * ولا ننادمكم إلا موالينا وقال الناشي: يا آل ياسين ان مفخركم * صير كل الورى لكم حولا


[ 541 ]

لو كان بعد النبي اوخذ في * الخلق رسولا لكنتم رسلا لولا موالاتكم وحبكم * ما قبل الله للورى عملا


[ 541 ]

لو كان بعد النبي اوخذ في * الخلق رسولا لكنتم رسلا لولا موالاتكم وحبكم * ما قبل الله للورى عملا يا كلمات لولا تلقنها * آدم يوم المتاب ما قبلا أنتم طريق إلى الاله بكم * أوضح رب المعارج السبلا يابن البدور الذين نورهم * يلمع في الخافقين ما أفلا وابن الهمام الذي بسطوته * تدرع الخوف خوفه وجلا وقال زيد المرزبى: فاطمي النجاد من آل موسى * أبحر العلم والجبال الرواسي قرشي لا من بنى عبد شمس * هاشمي لا من بنى العباس وقال العبدي: بجدكم خير الورى وأبيكم * هدينا إلى سبل النجاة وانقذنا ولولاكم لم يخلق الله خلقه * ولا كانت الدنيا الغرور ولا كنا ومن أجلكم أنشا الاله لخلقه * سماء وأرضا وابتلى الانس والجنا تجلون عن شبه من الناس كلهم * بشانكم الاعلى وقدركم الاسنى إذا مسنا ضر دعونا إلهنا * بموضعكم منه فيكشفه عنا وإن دهمتنا غمة أو ملمة * جعلناكم منها ومن غيرها حصنا وان ضادمنا دهر فعدنا بعزكم * وخرج عنا الضيم لما بكم عذنا وان عارضتنا خيفة من ذنوبنا * براة لنا منها شفاعتكم أمنا وأنتم لنا نعم التجارة لم يكن * خسارا علينا في ولاكم ولا غبنا ونعلم ان لو لم ندن بولائكم * لما قبلت أعمالنا أبدا منا * * * * طبع في المطبعه الحيدرية في النجف * * *

اترك تعليقاً