تفسير الإمام العسكري (ع)

المنسوب الى الإمام العسكري (ع)


[ 1 ]

التفسير المنسوب إلى الامام ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام تحقيق ونشر مدرسة الامام المهدي قم المقدسة


[ 2 ]

بمناسبة حلول الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام أول يوم ولاية الامام الغائب المهدي عليه السلام بالامامة الالهية الكبرى (8 / ربيع الاول / 260) الكتاب: التفسير المنسوب إلى الامام أبى محمد الحسن بن على العسكري عليه السلام التحقيق والنشر في مدرسة الامام المهدى عجل الله فرجه الشريف – قم المقدسة برعاية: الحاج السيد محمد باقر نجل المرتضى الموحد الابطحي دامت بركاته الطبعة الاولى المحققة. تاريخ الطبع: شهر ربيع الاول – سنة 1409 ه‍. المطبعة: مهر – قم المقدسة. حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة الامام المهدى عجل الله فرجه الشريف – قم المقدسة.


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم التقديم: أيها القارئ الكريم بحمد الله وتوفيقه أنجزنا تحقيق هذا الكتاب، باعتباره من الكتب المنسوبة إلى تراث أهل البيت عليهم السلام وأحد مصادر الجوامع الكبيرة المعتمدة في عصرنا. وكان التحقيق إعداديا حسب وسعنا الحاضر تسهيلا على الباحثين للخوض في غماره، والكشف عن حاله، فنحن لا ندعي تقييما معينا ” لهذا الكتاب، وكل ما في الامر هو أمانة كان لابد لنا من حفظها وأدائها إلى أهلها. فالاراء بصدده متباينة ما بين قادح ومادح، وثالث يتأرجح بينهما، وعلمنا إن هو إلا عمل الغواص الباحث بين لجج البحر المظلم عن اللئالئ والدرر. وهل هناك ظلمة أعتم من تلك التي لفت تراث المسلمين عامة، والشيعة خاصة بعد أن طالته يد الجهل والخبث عبر العصور المختلفة، فعمدوا إلى اختلاق أحاديث ودس أقوال، وتشويه معالم، وتزييف حقائق، والنيل من كل من فاه بحقيقة، ورام نشرها وبعثها. نعم أيها السادة، لقد أخافتهم الحقائق، وكبر عليهم التاريخ، فأودعوه في ظلمات لايعرف لها قرار وما وصل إلينا عن أسلافنا الصالحين عصفت به رياح الوضع والافتراء، والتدليس والغلو إلا ما صححه لنا علماؤنا المتقدمون. وإزاء كل هذه العراقيل تسربت من هنا وهناك، عبر رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في موالاة أهل البيت عليهم السلام قطرات من يم علومهم، ونزر يسير من تراث أجلة أصحابهم، وغيض من فيض ما دون من شجي كلامهم، وعذب منطقهم، وبهي ألفاظهم وجميل معاشرتهم، وحسن سيرتهم عليهم السلام وهم مسجونين أو ملاحقين تترقبهم عيون المتجبرين المعاندين. وكأنهم عليهم السلام أدركوا ما سيؤول إليه أمر أخبارهم وسننهم فصنعوا لنا ميزانا دقيقا ” متوجا ” بقانون إلهي، من تمسك به نجا، ومن مال عنه هلك (1). فلازم علماؤنا هذا المنهج القويم في تحقيق اصول الدين ومعارفه وفروعه، متمسكين بالآية المحكمة والسنة المتبعة، والاصول المتعمدة المقترنة بالقرائن المعتبرة. ووقفوا عند الشبهات، ناظرين قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) (2) و (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (3)، وقد ذكرنا في بعض مواطن البحث والاشكال بيانات وإيضاحا “، مع صفح جميل عن ذكر من أشكل عليه.


راجع العوالم: 3 / 538 باب علل اختلاف الاخبار. 2) الاسراء: 36. 3) النجم: 28. (*)

[ 4 ]

التعريف بنسخ الكتاب: 1 – نسخة ” س “: وهي النسخة المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي – دام ظله الوارف – بقم المقدسة، المرقمة ” 1056 ” كتبت بخط النسخ، عليها تصحيحات في الحواشي، وتقع في ” 188 ” ورقة، والاوراق السبعة الاولى، والاحدي والعشرين الاخيرة منها حديثة الخط ويبدأ السند فيها هكذا: قال الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمي أدام الله تأييده: حدثنا السيد محمد بن شراهتك الحسني الجرجاني، عن السيد أبي جعفر مهتدي بن الحارث الحسيني المرعشي، عن الشيخ الصدوق أبي عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي، عن أبيه، عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه الله. قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الاسترابادي الخطيب رحمه الله.. وفي ص 156 ما لفظه: ” تم الجزء الاول من تفسير الامام.. في يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة ست وثمانين وثمانمائة هجرية على يد.. بابا حاجي بن سعد الدين حاجي.. ” 2 – نسخة ” ص “: وهي النسخة المحفوظة في نفس الخزانة السابقة، برقم ” 3764 ” كتبت بخط النسخ الجميل الواضح، وعليها تصحيحات في حواشيها، يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر، وتقع في ” 283 ” ورقة، في الصفحة الاولى منها نص رسالة وقف هذه النسخة – وغيرها – على كافة طلبة علوم الدين من شيعة علي وأولاده الائمة المعصومين عليهم السلام ” وكان ذلك في يوم النوروز ” وهو يوم السبت الثالث عشر من شهر جمادى الاولى من شهور سنة 1233 وأنا الفقير إلى الله الغني محمد بن عبد الصمد الحسيني (رضوان الله عليه) ساكن دار العلم – شيراز – مولدا وموطنا والحمد لله أولا وآخرا “. وعليها ختم بيضوي الشكل: ” عبده محمد بن عبد الصمد الحسيني “.


[ 5 ]

وتملك محمد نور الدين وختمه مربع الشكل: ” المتوكل على الله عبده نور الدين محمد علي ” وفي الصفحة ما قبل الاخيرة منها بلاغ بخط الشيخ أحمد بن صالح البحراني (1) كتبه في ضحى يوم الثلاثاء رابع شهر جمادى الاولى سنة ” 1110 ” في جهرم وجدير بالذكر أن سند هذه النسخة هو عينه سند النسخة السابقة ” س ” 3 – نسخة ” و “: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة حجة الاسلام والمسلمين السيد طيب المفتي، أحد أحفاد السيد نعمة الله الجزائري – رحمه الله – كتبت بخط النسخ وعليها في حواشيها تصحيحات وشروح لبعض كلماتها باللغتين: العربية والفارسية وتقع في ” 535 ” صفحة، وفي آخرها: “… وقد استنسخته من نسخة صحيحة معتبرة، كان الفراغ من كتابتها في العشر الثالث من جمادى الاولى سنة خمس وستين وألف، وكان قد قابلها بعض إخواننا من الصلحاء الاتقياء مع نسخة عتيقة، قديمة، مصححة، كانت مكتوبة في سنة ثمان وثمانمائة وقد قوبل ذلك الكتاب في ذلك الزمان مع كتاب الشيخ الفقيه النبيه الموحد المسدد الشيخ أحمد الكركي العاملي في عصره. وكان قد قابلها أيضا ” مع نسخة أخرى كانت دون منه (كذا) في الصحة، واخفض منه (كذا) في الاستقامة، على ما ذكره صاحب الكتاب رحمة الله عليه بخطه فيه. وأنا العبد الذليل الحقير المسكين المحتاج إلى مغفرة غافر العباد محمد طاهر بن محمد جواد.. وكان الفراغ من كتابته وتسويده بتوفيق الله وتسديده في يوم الاحد، الحادي والعشرين من شهر جمادى الاولى من شهور سنة اثنين وخمسين ومائتين بعد الالف من الهجرة… “


1 – وهو الشيخ العالم الفاضل أحمد بن الشيخ صالح بن حاجى (أو ابن أحمد) ابن على ابن عبد الحسين بن شيبة الدرازى البحراني الجهرمى، ولد سنة 1075، وتوفى في صفر سنة 1124 في قرية دراز من قرى البحرين، وكان مستوطنا في بلدة جهرم من توابع شيراز تجد ترجمته في أعيان الشيعة: 2 / 605 فهرست علماء البحرين: 93، أنوار البدريين: 131، لؤلؤة البحرين: 71.

[ 6 ]

وامتازت هذه النسخة بذكر سندي شاذان بن جبريل والدقاق 4 – نسخة ” د “: وهي النسخة المحفوظة في خزانة مخطوطات المكتبة المركزية في جامعة طهران، كتبت بخط النسخ الردئ، وعليها في حواشيها تصحيحات، وآثار مقابلة، وشروح لبعض مفردات الكتاب باللغتين: العربية والفارسية، مع ذكر ثلة من عناوين المطالب. وتقع في ” 152 ” ورقة، في الورقة الاولى فوائد باللغة الفارسية. وفي الثانية عنوان الكتاب هكذا: ” هذا كتاب تفسير الامام أبي محمد الحسن ابن علي صاحب العسكر صلوات الله عليه، صاحبه ومالكه علي بن شرف الدين بن علي كياء الحسني الركابي “. وكتبت تحت قوله ” الركابي ” بخط دقيق: ” هو جدي من قبل الام رحمه الله “. وفي ورقة نهاية التفسير في الحاشية السفلى سطور مائلة، مقصوصة أواخرها، مفادها بيان مقابلة الكتاب مرة ثانية مع كتاب باب حاجي، ويبدو من بقايا السطور أنه قابل أو أستنسخ نسخته من نسخة الشيخ أحمد الكركي، المذكور في نسختي ” ط، و “. وتم استنساخها في عصر يوم الجمعة أواسط جمادى الاولى سنة ثمان وثمانمائة هجرية، على يد علي بن شرف الدين بن علي كياء الحسيني الركابي. وامتازت أيضا ” بذكر سندي الدقاق وشاذان بن جبريل. 5 – نسخة ” ق “: وهي النسخة المحفوظة في خزانة مخطوطات المكتبة المركزية العامة في مدينة مشهد المقدسة، برقم ” 1249 ” كتبت بخط النسخ، وفي حواشيها تصحيحات وشروح لبعض كلماتها باللغتين: العربية والفارسية، وتقع في ” 288 ” ورقة، في الصفحات الاربعة الاولى مقاطع من خطبة البيان المنسوبة للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام، وبعضا ” من قصار كلماته، ثم نص رسالة وقف الكتاب للمكتبة الرضوية المقدسة، الواقف هو ” أمير جبرئيل ” وتاريخ الوقف هو سنة ” 1037 ه‍ “، وفي الصفحة 5 / ب فوائد ونصوص وتواريخ تملك وأختام كثيرة، وكذا في صفحة نهاية الكتاب وفيها بخط آخر عبارة بلغة فارسية ضعيفة، يفهم منها أن كاتب الكتاب هو الشيخ


[ 7 ]

أبوالدين جعر (جعفر. ظ) ابن محمد بن علي بن الحسن، في يوم السبت التاسع من شهر (جمادى. ظ) سنة 992. 6 – نسخة ” أ “: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد مصطفى الخوانساري، كتبت بخط النسخ. وعليها في حواشيها تصحيحات وشروح لبعض كلماتها باللغتين: العربية والفارسية. وتقع في ” 348 ” صفحة، تم استنساخها في الحادي والعشرين من شهر ذي الحجة سنة تسعين بعد الالف من الهجرة النبوية. وقمنا بمقابلة الكتاب أيضا على نسختين مطبوعتين على الحجر: الاولى: ” ب ” وهي المطبوعة في طهران، في زمان سلطنة ناصر الدين شاه قاجار في سنة 1268، عن نسخة الحاج يوسف بن إبراهيم الكخوري المازندراني التي قابلها مع نسخة الشيخ الفقيه ” أحمد الكركي ” (ره) المار ذكره في نسختي ” د، و ” وامتازت هذه النسخة أيضا بذكر سندي الدقاق، وشاذان بن جبريل، كما واثبتت في حواشيها عناوين لمطالب الكتاب، أثبتناها في نسختنا المحققة هذه بين معقوفتين. الثانية: ” ط ” وهي المطبوعة في تبريز، في زمان سلطنة مظفر الدين شاه قاجار في سنة 1315، في حواشي تفسير علي بن إبراهيم القمي واثبت فيها سند الدقاق فقط. وجدير بالذكر أن هناك نسخة ثالثة مطبوعة على الحجر في سنة 1313، كما أشار إلى ذلك في الذريعة: 4 – 285. وأخيرا كان علينا أن نوجه شكرنا الجزيل للفاضل ” محسن بيدارفر ” الذي تفضل علينا بصور نسختي ” د، ق ” حيث كان في نيته طبع الكتاب على هاتين النسختين، فآثر على نفسه وقدمهما إلى مؤسستنا ” مؤسسة الامام المهدي عليه السلام ” ليكون التحقيق أكمل وأوسع.


[ 8 ]

منهج التحقيق بعد استنساخ الكتاب ومقابلته مع نسخه وبعض المصادر والجوامع الحديثية الناقلة عنه، إتبعنا طريقة التلفيق بين النسخ وهذه المصادر والجوامع، لاثبات نص صحيح سليم للكتاب، مشيرين في الهامش إلى الاختلافات اللفظية الضرورية ومن ثم أشرنا في نهاية كل حديث إلى مصادره واتحاداته. كما وقمنا بشرح بعض الالفاظ اللغوية الصعبة نسبيا ” شرحا مبسطا موجزا، مع إثبات ترجمة موجزة لبعض الاعلام الواردة في الكتاب، خاصة تلك التي أثيرت حولها الشبهات، وكذا الحال بالنسبة لاسماء القبائل والاقوام والفرق والاماكن والبقاع والحروب والغزوات. علما ” أن كل ما بين المعقوفين () بدون إشارة فهو من أحد النسخ المتقدمة الذكر، إلا ما اشير إليه، ووضعنا الاختلافات اللفظية الطويلة نسبيا “، أو التي تبهم الاشارة إليها في الهامش، بين قوسين (). شكر وتقدير رب إني عاجز، كيف أحمدك وأشكرك ؟ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه، رب فلك الحمد والشكر كما أنت أهله، وكما حمدت به نفسك، وحمدك به أولياؤك، إذ وفقتني لخدمة تراث أهل بيتك عليهم السلام وشددت عضدي بثلة خيرة وطاقات خلاقة في مؤسسة الامام المهدي، عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلهم مني كل شكر وتقدير، سيما الاخوة الافاضل: أمجد عبد الملك، شاكر شبع، نجم عبد، فارس حسون، فلاح الشريفي، سائلا الباري عزوجل أن يعم خيره للجميع، وللقارئين الكرام، إنه مجيب وبعباده رؤوف رحيم. قم المقدسة – مدرسة الامام المهدى السيد محمد باقر نجل / المرتضى الموحد الابطحي الاصفهانى


[ 1 ]

(*) الصفحه الاولي من نسخة ” و “.


[ 2 ]

(*) الصفحة الاخيرة من نسخة ” و “.


[ 3 ]

(*) عنوان الكتاب في نسخة ” ق “.


[ 4 ]

(*) الصفحة الاولى والاخيرة من نسخة ” ق “.


[ 5 ]

(*) الصفحة الاولى والاخيرة من نسخة ” د “.


[ 6 ]

(*) الصفحة الاولى والاخيرة من نسخة ” أ “.


[ 7 ]

(* *) السند في النسخ: ” ب، د، س، ص، و “: قال الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبريل بن إسماعيل القمي (1) أدام الله تأييده: حدثنا السيد محمد بن شراهتك الحسيني الجرجاني (2). عن السيد أبي جعفر مهدي بن الحارث الحسيني المرعشي (3). عن الشيخ الصدوق أبي عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي (4). عن أبيه (5). عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي..


1) مؤلف كتابي ” الفضائل ” و ” ازاحة العلة في معرفة القبلة ” قرأ عليه السيد فخار بن معد في واسط سنة 593 ه‍. الثقات العيون: 128. 2) ذكر رواية شاذان عنه في فرحة الغرى: 134، وفيه ” سراهنك ” وفى ” س “: الحسنى. 3) كان عالما فاضلا فقيها ورعا، يروى عن الشيخ أبى على بن محمد بن الحسن الطوسى عن أبيه. وروى عن جعفر الدوريستى، عن أبيه، عن الشيخ الصدوق، كما في احتجاج الطبرسي وغيره. رياض العلماء: 5 / 221 وفيه ” بن أبى الحرب ” بدل ” الحارث ” فلعلها كنيته والله أعلم. كما أن في بعض النسخ ” مهتدى ” بدل ” مهدى “. 4) الشيخ الثقة العدل، قرأ على الشيخ المفيد والشريف المرتضى، له مؤلفات منها ” الكفاية ” و ” عمل اليوم والليلة ” كان حيا سنة 473. النابس: 43، رياض العلماء: 1 / 110، روضات الجنات: 2 / 174. 5) الفقيه العالم الفاضل محمد بن أحمد بن العباس بن الفاخر الدوريستى ممن روى عن الصدوق. رياض العلماء: 5 / 26

[ 8 ]

(* *) السند في النسخ: ” أ، ب، د، ط، ق، و “: قال محمد بن علي بن محمد بن جعفر بن الدقاق (1): حدثنى الشيخان الفقيهان: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي رحمه الله، قالا (2): حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله (3). قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاستر ابادي الخطيب رحمه الله (4). قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد. وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار * * * وأما البحث حول السند والكتاب فقد اكتفينا بما ذكرناه في التقديم، وبرسالة وضعناها في آخر الكتاب


1) في بعض النسخ ” رفاق “. 2) هذان الفقيهان، والشيخ محمد بن العباس الدوريستى المذكور في السند الاول يروون عن الشيخ الصدوق (ره). 3) ولد قدس سره بدعاء صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووصفه في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بأنه: فقيه، خير. مبارك، ينفع الله به، وكانت ولادته بعد وفاة محمد ابن عثمان العمرى الذى توفى سنة ” 305 ” وأوائل سفارة الحسين بن روح. وتوفى في الرى سنة ” 381 ” وقبره ظاهر معروف يزار ويتبرك به. 4) روى عنه الشيخ الصدوق في ما يقارب الخمسين موضعا من مصنفاته، نصفها من تفسير العسكري، ونصفها الاخر روى فيها عن أحمد بن الحسن الحسينى عن الامام العسكري عليه السلام. وفى أربعة موارد روى عن محمد بن يزيد المنقرى وفى مورد واحد روى عن عبد الملك بن أحمد بن هارون. وسيأتى تفصيل ترجمته.

[ 9 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله [ الطاهرين ] وسلم تسليما كثيرا. [ أما بعد ] قال محمد بن على بن محمد بن جعفر بن دقاق: حدثني الشيخان الفقيهان: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي (ره) قالا: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ره) قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاستر اباذي الخطيب (ره) قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار (1) – وكانا من الشيعة الامامية – قالا: كان أبوانا إماميين، وكانت الزيدية هم الغالبون بأستراباذ (2)، وكنا في إمارة الحسن بن زيد (3) العلوي الملقب بالداعي إلى الحق إمام الزيدية، وكان * هامش * 1) ” سنان ” أ، ” يسار ” ب خ ل. 2) استراباذ – بالذال المعجمة -: بلدة مشهورة من أعمال طبرستان، بين سارية وجرجان (مراصد الاطلاع: 1 / 70). 3) محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن شاذان: تناولنا ترجمته بشئ من التفصيل في مقدمة كتاب ” مائة منقبة “، فراجع. والشيخ الجليل الثقة أبو محمد جعفر بن أحمد بن على القمى الايلاقى نزيل الرى وفى بعض النسخ ” ابن على بن أحمد ” والاول هو الصحيح، مصنف كتاب جامع الاحاديث ونوادر الاثر والغايات، وغيرها. (*)


[ 10 ]

كثير الاصغاء إليهم، يقتل الناس بسعاياتهم، فخشينا على أنفسنا، فخرجنا بأهلينا إلى حضرة الامام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد أبي القائم عليهم السلام، فأنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات، ثم استأذنا على الامام الحسن بن علي عليهما السلام فلما رآنا قال: مرحبا بالآوين إلينا، الملتجئين إلى كنفنا، قد تقبل الله تعالى سعيكما، وآمن روعكما وكفا كما أعداء كما، فانصرفا آمنين على أنفسكما وأموالكما. فعجبنا من قوله ذلك لنا، مع أنا لم نشك في صدق مقاله. فقلنا: فماذا تأمرنا أيها الامام أن نصنع في طريقنا إلى أن ننتهي إلى بلد خرجنا من هناك، وكيف ندخل ذلك البلد ومنه هربنا، وطلب سلطان البلد لنا حثيث ووعيده إيانا شديد ؟ ! فقال عليه السلام: خلفا علي ولديكما هذين لافيدهما العلم الذي يشرفهما الله تعالى به، ثم لا تحفلا بالسعاة، ولابوعيد المسعى إليه، فان الله عزوجل (يقصم السعاة) (1) ويلجئهم إلى شفاعتكم فيهم عند من قد هربتم منه. قال أبو يعقوب وأبو الحسن: فاتمرا لما أمرا، و [ قد ] خرجا وخلفانا هناك، وكنا نختلف إليه، فيتلقانا ببر الآباء وذوي الارحام الماسة. * هامش * ذكره الشيخ الطوسى في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام، ويروى عن الشيخ الصدوق رحمه الله. تجد ترجمته في رجال ابن داود، وفى خاتمة المستدرك. ومحمد بن القاسم المفسر الاستر ابادى، المعروف بأبى الحسن الجرجاني المفسر. روى عنه الصدوق مترضيا عليه ومترحما في الفقيه والعيون ومعانى الاخبار. رجال السيد الخوئى: 17 / 172. والحسن بن زيد بن محمد بن اسماعيل (حالب الحجارة) بن الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام صاحب طبرستان ظهر بها في سنة ” 250 ” ومات بطبرستان مملكا عليها سنة ” 270 ” (الفهرست للنديم: 244) سير أعلام النبلاء: 13 / 136، الكامل لابن الاثير: 7 / 134 وص 407، وله ترجمة في عمدة الطالب، تاريخ الطبري، أعيان الشيعة.. 1) ” يقصمهم “: ب، ط. (*)


[ 11 ]

فقال لنا ذات يوم: إذا أتاكما خبر كفاية الله عزوجل أبويكما وإخزائه أعداءهما وصدق وعدي إياهما، جعلت من شكر الله عزوجل أن أفيد كما تفسير القرآن مشتملا على بعض أخبار آل محمد صلى الله عليه وآله فيعظم الله تعالى بذلك شأنكما. قالا: ففرحنا وقلنا: يابن رسول الله فإذا نأتي (على جميع) (1) علوم القرآن ومعانيه ؟ قال عليه السلام: كلا، إن الصادق عليه السلام علم – ما أريد أن أعلمكما – بعض أصحابه ففرح بذلك، وقال: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله قد جمعت علم القرآن كله ؟ فقال عليه السلام: قد جمعت خيرا كثيرا، وأوتيت فضلا واسعا، لكنه مع ذلك أقل قليل [ من ] أجزاء علم القرآن، إن الله عزوجل يقول: ” قل لو كان البحر مدادا لكمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا ” (2) ويقول: ” ولو أنما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ” (3) وهذا علم القرآن ومعانيه، وما أودع من عجائبه، فكم (4) ترى مقدار ما أخذته من جميع هذا [ القرآن ] ولكن القدر الذي أخذته، قد فضلك الله تعالى به على كل من لا يعلم كعلمك، ولا يفهم كفهمك. قالا: فلم نبرح من عنده حتى جاءنا فيج (5) قاصد من عند أبوينا بكتاب يذكر فيه أن الحسن بن زيد العلوي قتل رجلا بسعاية أولئك الزيدية، واستصفى ماله * هامش * 1) ” بجميع ” ب، ط. 2) الكهف: 109 3) لقمان: 27. 4) ” فكيف ” خ ل. 5) ” أ ” فتح. والفيج: فارسي معرب، والجمع: فيوج، وهو الذى يسعى على رجليه، وفى الحديث: هوالمسرع في مشيه الذى يحمل الاخبار من بلد إلى بلد (لسان العرب: 2 / 350). (*)


[ 12 ]

ثم أتته (1) الكتب من النواحي والاقطار المشتملة على خطوط الزيدية بالعذل (2) الشديد، والتوبيخ العظيم يذكر فيها أن ذلك المقتول كان من أفضل زيدي على ظهر الارض، وأن السعاة قصدوه لفضله وثروته. فتنكر (3) لهم، وأمر بقطع آنافهم وآذانهم، وأن بعضهم قد مثل به لذلك (4) وآخرين قد هربوا. وأن العلوي ندم واستغفر، وتصدق بالاموال الجليلة بعد أن رد أموال ذلك المقتول على ورثته، وبذل لهم أضعاف دية [ وليهم ] (5) المقتول واستحلهم. فقالوا: أما الدية فقد أحللناك منها، وأما الدم فليس إلينا إنما هو إلى المقتول، والله الحاكم. وأن العلوي نذر لله عزوجل أن لا يعرض للناس في مذاهبهم. وفى كتاب أبويهما: أن الداعي إلى الحق الحسن بن زيد ” قد أرسل إلينا ببعض ثقاته بكتابه وخاتمه وأمانه، وضمن لنا رد أموالنا وجبر النقص الذي لحقنا فيها وأنا صائران إلى البلد، ومتنجزان ما وعدنا. فقال الامام عليه السلام: إن وعد الله حق. فلما كان اليوم العاشر جاءنا كتاب أبوينا: أن (6) الداعي إلى الحق قد وفى لنا بجميع عداته، وأمرنا بملازمة الامام العظيم البركة، الصادق الوعد. فلما سمع الامام عليه السلام [ بهذا ] قال: هذا حين إنجازي ما وعدتكما من تفسير القرآن، ثم قال عليه السلام [ قد ] وظفت لكما كل يوم شيئا منه تكتبانه، فالزماني وواظبا علي يوفر الله تعالى من السعادة (7) حظوظكما. فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك، فكتبنا في مدة مقامنا عنده، وذلك سبع سنين، نكتب في كل يوم منه مقدار ما * هامش * 1) ” اتيت ” أ. 2) العذل: اللوم. 3) في الاصل: فشكر. وهو تصحيف. 4) ” كذلك ” أ. 5) من ” ب، ط “. 6) ” بأن ” ب، ط. 7) ” العبادة ” أ. (*)


[ 13 ]

ننشط (1) له. فكان أول ما أملى علينا وكتبناه [ قال الامام عليه السلام: ] [ فضل القرآن ] 1 – حدثني أبي علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه الباقر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد المستشهدين عن أبيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، وفاروق الامة، وباب مدينة الحكمة، ووصي رسول الرحمة ” علي بن أبي طالب ” صلوات الله عليهم عن رسول رب العالمين، وسيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين والمخصوص بأشرف الشفاعات في يوم الدين صلى الله عليه وآله أجمعين قال: حملة القرآن المخصوصون برحمة الله، الملبسون نور الله، المعلمون (2) كلام الله، المقربون عند (3) الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله ويدفع (4) الله عن مستمع القرآن بلوى الدنيا، وعن قارئه بلوى الآخرة. والذى نفس محمد بيده، لسامع آية من كتاب الله عزوجل – وهو معتقد أن المورد له عن الله تعالى: محمد، الصادق في كل أقواله، الحكيم في كل أفعاله المودع ما أودعه الله تعالى: من علومه أمير المؤمنين عليا عليه السلام، المعتقد للانقياد له فيما يأمر ويرسم – أعظم أجرا من ثبير (5) ذهب يتصدق به من لا يعتقد هذه الامور بل [ تكون ] صدقته وبالا عليه. * هامش * 1) ” ينشط ” ب، ط. 2) ” المعلنون ” خ ل. 3) من الوسائل، وفى الاصل: من. 4) ” برفع ” ب، ط. 5) هو جبل بين مكة ومنى. ” صرة ” ب، ط. (*)


[ 14 ]

ولقارى آية من كتاب الله – معتقدا لهذ ه الامور – أفضل مما دون العرش إلى أسفل التخوم (1) يكون لمن لا يعتقد هذا الاعتقاد، فيتصدق به، بل ذلك كله وبال على هذا المتصدق به. ثم قال: أتدرون متى يتوفر على هذا المستمع وهذا القارئ هذه المثوبات العظيمات ؟ إذا لم يغل في القرآن [ إنه كلام مجيد ] ولم يجف عنه، ولم يستأكل به ولم يراء به. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالقرآن فانه الشفاء النافع، والدواء المبارك [ و ] عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن [ 1 ] تبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيشعب (2) ولا تنقضي (3) عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد. [ و ] اتلوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: ” الم ” عشر، ولكن أقول ” الالف ” عشر، و ” اللام ” عشر، و ” الميم ” عشر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدرون من المتمسك الذي (بتمسكه ينال) (4) هذا الشرف العظيم ؟ هو الذي أخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت، أو عن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا، لاعن آراء المجادلين وقياس القائسين. فاما من قال في القرآن برأيه، فان اتفق له مصادفة صواب، فقد جهل في أخذه عن غير أهله، وكان كمن سلك طريقا مسبعا (5) من غير حفاظ يحفظونه فان اتفقت له السلامة، فهو لا يعدم من العقلاء والفضلاء الذم [ والعذل ] والتوبيخ وإن اتفق له افتراس السبع [ له ] فقد جمع إلى هلاكه سقوطه عند الخيرين الفاضلين وعند العوام الجاهلين. * هامش * 1) التخم: منتهى كل قرية أو أرض. (لسان العرب: 1 2 / 64). 2) ” فيستعتب ” ب، ط، البحار. ” شعب عنه “: فارقه. 3) ” تحصى ” خ ل. 4) ” له بتمسكه ” أ. 5) أي كثير السباع. (*)


[ 15 ]

وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، وكان مثله كمثل من ركب بحرا هائجا بلا ملاح، ولا سفينة صحيحة، لا يسمع بهلاكه أحد إلا قال: هو أهل لما لحقه، ومستحق لما أصابه. وقال صلى الله عليه وآله: ما أنعم الله عزوجل على عبد بعد الايمان بالله أفضل من العلم بكتاب الله والمعرفة بتأويله. ومن جعل الله له في ذلك حظا، ثم ظن أن أحدا – لم يفعل به ما فعل به – قد فضل عليه فقد حقر (نعم الله) (1) عليه. (2) [ فضل العالم بتأويل القرآن والعالم برحمته ] 2 – وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى: ” يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ” (3) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” فضل الله عزوجل ” القرآن والعلم بتأويله ” ورحمته ” توفيقه لموالاة محمد وآله الطيبين، ومعاداة أعدائهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وكيف لا يكون ذلك خيرا مما يجمعون، وهو ثمن الجنة ونعيمها، فانه يكتسب بها رضوان الله تعالى الذي هو أفضل من الجنة ويستحق بها الكون بحضرة محمد وآله الطيبين الذي هو أفضل من الجنة. [ و ] إن محمدا وآله الطيبين أشرف زينة في (4) الجنان. * هامش * 1) ” نعمة الله ” أ. 2) عنه البحار: 92 / 182 صدر ح 18، وفى الوسائل: 18 / 19 ح 8 وص 148 ح 63 قطعة والبحار: 1 / 217 ح 34 وح 35 (قطعة). 3) يونس: 57 – 58. 4) ” أشرف زينة ” أ، ” في أشرف رتبة ” البحار. (*)


[ 16 ]

ثم قال صلى الله عليه وآله: يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله، وبموالاتنا أهل البيت والتبري من أعدائنا أقواما، فيجعلهم (1) في الخير قادة، تقص (2) آثارهم، وترمق (3) أعمالهم ويقتدى بفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم (4)، وفي صلواتها [ تبارك عليهم، و ] تستغفر لهم [ حتى ] كل رطب ويابس [ يستغفر لهم ] حتى حيتان البحر وهو امه [ سباع الطير ] وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها. (5) [ آداب قراءة القرآن ] 3 – ثم قال الحسن أبو محمد الامام عليه السلام: أما قوله الذي ندبك [ الله ] إليه، وأمرك به عند قراءة القرآن: ” أعوذ بالله [ السميع العليم ] من الشيطان الرجيم ” فان أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن قوله: ” أعوذ بالله ” أي أمتنع بالله، ” السميع ” لمقال الاخيار والاشرار ولكل المسموعات من الاعلان والاسرار ” العليم ” بأفعال الابرار والفجار، وبكل شئ مما كان وما يكون [ ومالا يكون ] أن لو كان كيف كان يكون (6) ” من الشيطان الرجيم ” (والشيطان) هو البعيد من كل خير ” الرجيم ” المرجوم باللعن، المطرود من بقاع الخير والاستعاذة هي [ م‍ ] ما قد أمر الله به عباده عند قراءتهم القرآن، فقال: ” فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ” (7) * هامش * 1) ” ليجعلهم ” أ. 2) ” وأئمة في الخير تقتص ” ب، ط، يقال: قصصت الشئ إذا تتبعت أثره، شيئا بعد شئ ومنه قوله تعالى ” وقالت لاخته قصيه ” أي اتبعى أثره. لسان العرب: 7 / 74. 3) ” ارضى ” أ. 4) ” تمسهم “، أ. 5) عنه البحار: 92 / 182 ذيل ح 18. 6) ” أن يكون ” ط، ” يكون ” البحار. 7) النحل: 98 – 100. (*)


[ 17 ]

ومن تأدب بأدب الله عزوجل أداه إلى الفلاج الدائم، ومن استوصى بوصية الله كان (1) له خير الدراين. (2) [ سد الابواب عن المسجد دون باب على عليه السلام ] 4 – ألا انبئكم ببعض أخبارنا ؟ قالوا: بلى يابن أمير المؤمنين. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه، وأشرع المهاجرون والانصار (أبوابهم) أراد الله عزوجل إبانة محمد وآله الافضلين بالفضيلة، فنزل جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى بأن سدوا الابواب عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن ينزل بكم العذاب. فأول من بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله يأمره بسد الابواب العباس (3) بن عبد المطلب فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل. ثم مر العباس بفاطمة عليها السلام فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين عليهما السلام، فقال لها: ما بالك قاعدة ؟ انظروا إليها كأنها لبوة (4) بين يديها جرواها (5) تظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج عمه، ويدخل ابن عمه. فمر بهم رسول الله صلى الله عليه واله فقال لها: ما بالك قاعدة ؟ قالت: أنتظر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الابواب. فقال لها: إن الله تعالى أمرهم بسد الابواب، واستثنى منهم رسوله [ إنما ] أنتم نفس رسول الله ثم إن عمر بن الخطاب جاء فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله إذا مررت إلى مصلاك، فاذن لي في فرجة (6) أنظر إليك منها ؟ فقال صلى الله عليه وآله: قد أبي الله عزوجل ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع [ عليه ] إحدى عيني. قال: قد أبى الله ذلك، ولو * هامش * 1) ” فان ” أ. 2) عنه البحار: 92 / 214 ح 13، وج 85 / 10 ح 1 (إلى نهاية الاية). 3) سقطت التعليقه واستدركت في فهرس التعليقات (4، 5) اللبوة: ” انثى الاسد، والجرو: ولد الاسد. 6) ” كوة ” أ، ” خوخة ” البحار. وهما بمعنى. (*)


[ 18 ]

قلت: قدر طرف إبرة لم آذن لك، والذي نفسي (1) بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم، ولكن الله أدخلهم وأخرجكم. ثم قال صلى الله عليه وآله: لا ينبغي لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد جنبا إلا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم، الطيبون من أولادهم. قال عليه السلام: فأما المؤمنون فقد رضوا وسلموا، وأما المنافقون فاغتاظوا لذلك وأنفوا، ومشى بعضهم إلى بعض يقولون [ فيما بينهم ]: ألا ترون محمدا لا يزال يخص بالفضائل ابن عمه ليخرجنا منها صفرا ؟ والله لئن أنفذنا له في حياته لنأبين (2) عليه بعد وفاته ! وجعل عبد الله بن أبي يصغي إلى مقالتهم، ويغضب تارة، ويسكن أخرى ويقول لهم: إن محمدا صلى الله عليه وآله لمتأله، فاياكم ومكاشفته، فان من كاشف المتأله انقلب خاسئا حسيرا، وينغص عليه عيشه وإن الفطن اللبيب من تجرع على الغصة لينتهز الفرصة. فبيناهم كذلك إذ طلع [ علهيم ] رجل من المؤمنين يقال له زيد بن أرقم، فقال لهم: يا أعداء الله أبالله تكذبون، وعلى رسوله تطعنون ودينه (3) تكيدون ؟ والله لاخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله بكم. فقال عبد الله بن أبي والجماعة: والله لئن أخبرته بنا لنكذ بنك، ولنحلفن [ له ] فانه إذا يصد قنا، ثم والله لنقيمن عليك من يشهد عليك عنده بما يوجب قتلك أو قطعك أو حدك. [ قال عليه السلام: ] فأتى زيد رسول الله صلى الله عليه وآله فأسر إليه ما كان من عبد الله بن أبي وأصحابه فأنزل الله عزوجل: * هامش * 1) ” نفس محمد ” ب، ط. 2) ” لنتأبين ” البحار. من الاباء:: أي الامتناع. 3) ” والله ودينه ” البحار. (*)


[ 19 ]

(ولا تطع الكافرين) (1) المجاهرين (2) لك يا محمد فيما دعوتهم إليه من الايمان بالله، والموالاة لك ولاوليائك والمعاداة لاعدائك. (والمنافقين) الذين يطيعونك في الظاهر، ويخالفونك في الباطن (ودع أذاهم) بما يكون منهم من القول السئ فيك وفي ذويك (وتوكل على الله) في إتمام أمرك وإقامة حجتك. فان المؤمن هو الظاهر [ بالحجة ] وإن غلب في الدنيا، لان العاقبة له لان غرض المؤمنين في كدحهم في الدنيا إنما هو الوصول إلى نعيم الابد في الجنة، وذلك حاصل لك ولآلك ولاصحابك وشيعتهم. (3) ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يلتفت إلى ما بلغه عنهم، وأمر زيدا (4) فقال [ له ]: إن أردت أن لا يصيبك (5) شرهم ولا ينالك مكرهم فقل إذا أصبحت: ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” فان الله يعيذك من (6) شرهم، فانهم شياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. وإذا أردت أن يؤمنك بعد ذلك من الغرق والحرق والسرق (7) فقل إذا أصبحت: ” بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ” بسم الله ” ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ” بسم الله ” ما شاء الله، ما يكون من نعمة فمن الله، ” بسم الله ” ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ” بسم الله ” ما شاء الله [ و ] صلى الله على محمد وآله الطيبين “. فان من قالها ثلاثا إذا أصبح أمن من الحرق والغرق والسرق حتى يمسي. ومن قالها ثلاثا إذا أمسى أمن من الحرق والغرق والسرق حتى يصبح * هامش * 1) الاحزاب: 48. 2) ” المجاهدين ” خ ل. 3) ” شيعتك ” ط. 4) ” الرجل زيدا ” أ، والبحار. 5) ” ولا يبذءك ” أ. بذأت الرجل بذاءا: رأيت منه حالا كرهتها. 6) ” يقيك ” ب، ط، خ ل. 7) ” الشرق ” خ ل. وهو الغصة بالريق أو الماء. (*)


[ 20 ]

وإن الخضر وإلياس عليهما السلام يلتقيان في كل موسم، فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات. وإن ذلك شعار شيعتي (1)، وبه يمتاز أعدائي من أوليائي يوم خروج قائمهم صلى الله عليه وآله. قال الباقر عليه السلام: لما أمر العباس بسد الابواب، وأذن لعلي عليه السلام في ترك بابه جاء العباس وغيره من آل محمد صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله ما بال علي يدخل ويخرج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك إلى الله فسلموا له تعالى حكمه، هذا جبرئيل جاءني عن الله عزوجل بذلك. ثم أخذه ما كان يأخذه إذا نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال: يا عباس يا عم رسول الله إن جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أن عليا لم يفارقك في وحدتك، وأنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك لو رأيت عليا – وهو يتضور (2) على فراش محمد صلى الله عليه وآله واقيا روحه بروحه، متعرضا لاعدائه، مستسلما لهم أن يقتلوه شر قتلة – لعلمت أنه يستحق من محمد الكرامة والتفضيل، ومن الله تعالى التعظيم والتبجيل – إن عليا قد انفرد عن الخلق في البيتوتة على فراش محمد ووقاية روحه بروحه فأفرده الله تعالى دونهم بسلو كه في مسجده – لو رأيت عليا – يا عم رسول الله – وعظيم منزلته عند رب العالمين، وشريف محله عند ملائكته المقربين، وعظيم شأنه في أعلى عليين لاستقللت ما تراه له ههنا. إياك يا عم رسول الله وأن تجد (3) له في قلبك مكروها فتصير كأخيك أبي لهب فانكما شقيقان. يا عم رسول الله لو أبغض عليا أهل السماوات والارضين لاهلكهم الله ببغضه، ولو أحبه الكفار أجمعون لاثابهم الله عن محبته بالخاتمة (4) المحمودة بأن يوفقهم للايمان * هامش * 1) ” شعاث سيفى ” ب، ط. 2) ” يتصور ” أ. أي يمتثل ويظهر نفسه كالرسول اشتياقا ورغبة. 3) ” تتخذ ” أ. 4) ” بالخلقة ” البحار. (*)


[ 21 ]

ثم يدخلهم الجنة برحمته. يا عم رسول الله إن شأن علي عظيم، إن حال علي جليل، إن وزن علي ثقيل [ و ] ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته. فقال العباس: قد سلمت ورضيت يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عم انظر إلى السماء. فنظر العباس، فقال: ماذا ترى يا عباس ؟ فقال: أرى شمسا طالعة نقية من سماء صافية جلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عم رسول الله إن حسن تسليمك لما وهب الله عزوجل لعلي [ من ] الفضيلة أحسن من هذه الشمس في [ هذه ] السماء، وعظم بركة هذا التسليم عليك أعظم وأكثر (1) من عظم بركة هذه الشمس على النبات والحبوب والثمار حيث تنضجها وتنميها [ وتربيها ]، واعلم أنه قد صافاك بتسليمك لعلي قبيلة (2) من الملائكة المقربين أكثر عددا من قطر المطر وورق الشجر ورمل عالج، وعدد شعور الحيوانات وأصناف النباتات، وعدد خطى بني آدم وأنفاسهم وألفاظهم وألحاظهم كل يقولون: اللهم صل على العباس عم نبيك في تسليمه لنبيك فضل أخيه علي. فاحمد الله واشكره، فلقد عظم ربحك، وجلت رتبتك في ملكوت السماوات. (3) قوله عزوجل: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” 5 – [ قال الامام عليه السلام: ] ” الله ” هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق [ و ] عند انقطاع الرجاء من كل من دونه وتقطع (4) الاسباب من جميع من سواه فيقول: بسم الله [ الرحمن الرحيم ] أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة * هامش * 1) ” أكبر ” ب، ط. 2) ” فضيلة ” ب، ط. 3) عنه البحار: 39 / 22 ح 9 وج 86 / 260 ح 29 (قطعة)، وفى الوسائل: 1 / 489 ح 21 وج 4 / 848 ح 1 (قطعة). 4) ” قطع ” ب، ط. (*)


[ 22 ]

إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي. 6 – قال الامام عليه السلام وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام: يابن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني. فقال [ له ] (1): يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال: بلى. فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ (2) قال: بلى. قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال: بلى. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حين لامنجي، وعلى الاغاثة حين لا مغيث (3). [ الافتتاح بالتسمية عند كل فعل ] 7 – وقال الصادق عليه السلام: ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فيمتحنه الله بمكروه، لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه، ويمحو (4) عنه وصمة تقصيره عند تركه قول ” بسم الله [ الرحمن الرحيم ]. لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين عليه السلام وبين يديه كرسي فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم * هامش * 1) من المعاني والتوحيد، وفي ” ب، ط ” الامام عليه السلام. 2) ” ولا ساجة نعينك ” أ. والساج: خشب يجلب من الهند، واحدته ساجة. (لسان العرب: 2 / 303). 3) عنه البحار: 92 / 240 ح 48، وعنه الوسائل: 4 / 1193 صدر ح 2، والبحار: 3 / 41 ح 16 وعن التوحيد: 230 صدر ح 5 (باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، وعلى بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي عليهما السلام). ورواه أيضا في معاني الاخبار: 4 ح 2. وأخرجه في البحار: 4 / 182 ح 7 والبرهان: 1 / 44 صدر ح 8 عن التوحيد والمعاني. 4) ” يمحق ” التوحيد. (*)


[ 23 ]

فأمر أمير المؤمينن عليه السلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم. ثم قال: أدن مني فدنا منه، فوضع يده على موضحته – وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر [ له ] معه – ومسح يده عليها، وتفل فيها [ فما هو إلا أن فعل ذلك ] حتى اندمل وصار كأنه لم يصبه شئ قط. ثم قال أمير المؤمينن عليه السلام: يا عبد الله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم (1) لتسلم [ لهم ] (2) طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها. فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ! [ و ] إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا ؟ قال: نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر ؟ يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم [ به ] من المحن، وبما يغفره لهم، فان الله إن الله تعالى يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (3) حتى إذا وردوا القيامة، تو فرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم. (4) وان أعداء محمد وأعداءنا (5) يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا – وإن كان لا وزن لها لانه لا إخلاص معها – حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه وآله وخيار أصحابه، فقذفوا لذلك في النار. ولقد سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول: إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع [ لله مؤمن ] والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه، ولكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الارض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها، لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقد رعليه، فآيسته الاطباء من نفسه وقالوا [ له ]: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست (6) بأخلد من أصحاب (7) * د هامش * 1) ” بمحنتهم ” ب، ط. 2) ” بهم ” البحار: 67. 3) الشورى: 30. 4) ” طاعتهم وعبادتهم ” أ. 5) ” أعداء آل محمد ” البحار. 6) ” فما أنت ” أ. 7) ” أهل ” أ. (*)


[ 24 ]

القبور، فان شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها. فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج [ البحر ب‍ ] تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له [ تلك السمكة ] (1) فأكلها، فبرء من مرضه، وبقي في ملكه (2) سنين بعدها. ثم ان ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، واشتهى تلك السمكة، ووصفها له الاطباء. فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ. فبعث الله ذلك الملك وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة [ كله ] من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ (3) حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه. فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد [ في الارض ] حتى كادوا يفتنون لان الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا. فأوحى الله عزوجل إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الارض: إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينفعني ما أمنع، ولا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فانما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها، ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا علي أن لا أبطل لاحد (4) حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره. ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتين ولا ذنب عليه، فيدخل الجنة. فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فان رأيت (5) أن


(1) من البحار. 2) ” مملكته ” ب، ط. 3) ” ولم يقدر عليه ولم يؤخذ ” أ، ” فلم توجد ” البحار. 4) ” لعبد ” أ. 5) ” أردت ” البحار. (*)

[ 25 ]

تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا الملجس، حتى لا أعود إلى مثله. قال: تركك حين جلست أن تقول: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فجعل (1) الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك. أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله حدثني عن الله عزوجل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر ” بسم الله ” (2) فيه فهو أبتر. فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها. قال: إذا تحصن (3) بذلك وتسعد. ثم قال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ؟ قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا [ و ] يقول: [ بسم الله أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل. فكل أمر (4) يعمله يبدأ فيه ب‍ ] (5) ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فانه يبارك له فيه. (6) 8 – قال الامام محمد بن على الباقر عليه السلام: دخل محمد بن [ على بن ] (7) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام وهو كئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السلام: ما بالك مهموما مغموما ؟ قال: يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت [ به ] من جهة حساد (نعمتي، والطامعين) (8) في، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني.


(1) ” فعجل ” أ. 2) ” لم يسم الله ” خ ل. 3) (” تحظى ” ب، ط. 4) ” عمل ” خ ل. 5) ليس في البحار. 6) عنه البحار: 92 / 240 ضمن ح 48، والجواهر السنية: 170، والبرهان: 1 / 45 ح 11 وفى الوسائل: 4 / 1194 ح 4، والبحار: 67 / 232 ح 48، وج 76 / 305 ح 1 (قطعة) وعنه (قطعة) في الوسائل المذكور ضمن ح 2 وعن التوحيد: 231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، عن على بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن على عليهما السلام. وأخرجه في نور الثقلين: 1 / 6 ح 20 (قطعة) عن التوحيد. 7) من البحار. 8) ” نعمى، والطاغين ” أ. (*)

[ 26 ]

فقال له على بن الحسين [ زين العابدين ] عليهما السلام: إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك. قال الزهري: يا بن رسول الله إني احسن إليهم بما يبدر من كلامي. قال على بن الحسين عليهما السلام: هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه (1) نكرأ أمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه. ثم قال: يا زهري وما عليك أن (2) تجعل المسلمين [ منك ] بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم [ منك ] بمنزلة ولدك، وتجعل تربك (3) منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم ؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه ؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره. وإن عرض لك إبليس – لعنه الله – بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان والعمل الصالح، فهو خير مني وإن كان أصغر منك، فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فمالي أدع يقيني لشكي (4) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل أحدثوه (5) وإن رأيت منهم (جفاء وانقباضا عنك قل: هذا الذي) (6) أحدثته فانك إذا فعلت ذلك، سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.


(1) ” أسمعته ” ظ. 2) ” الا أن ” ب، ط. 3) ترب الرجل: الذى ولد معه. 4) ” بشكى ” ب، ط. 5) ” أخذوا به ” ب، ط، والبحار. 6) ” لذنب ” خ ل والبحار. (*)

[ 27 ]

واعلم: أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا، وإن كان إليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا (يعشقون الاموال) (1)، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها أو من بعضها كان أعز [ عليهم ] وأكرم. (2) 9 – قال عليه السلام: ثم قال إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أخيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم ” الله الرحمن الرحيم ” ما معناه ؟ فقال عليه السلام: إن قولك: ” الله ” أعظم الاسماء (3) – من أسماء الله تعالى – وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله، ولم يتسم به مخلوق. فقال الرجل: فما تفسير قوله تعالى: ” الله ” ؟ فقال عليه السلام: هو الذى يتأله إليه عند الحوائج (4) والشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه، وتقطع الاسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس (5) في هذه الدنيا أو متعظم فيها، وإن عظم غناؤه وطغيانه و (6) كثرت حوائج من دونه إليه، فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عزوجل يقول: ” قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم


(1) ” يعيشون أموال الدنيا ” أ. 2) عنه البحار: 71 / 229 ح 6، وج 92 / 242 ضمن ح 48، وفي ج 1 / 94 ح 26 قطعة. 3) ” اسم ” البرهان. 4) ” الاحتياج ” خ ل. 5) ” رئيس ” أ، ” مترائس ” خ ل. 6) ” إذا ” أ. (*)

[ 28 ]

صادقين بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون ” (1) فقال الله تعالى لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إنى قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به وترجون تمامه، وبلوغ غايته، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [ فأنا أحق من سئل، وأولى من تضرع إليه ] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، [ و ] المجيب إذا دعي ” الرحمن ” الذي يرحم ببسط (2) الرزق علينا ” الرحيم ” بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا: خفف الله علينا الدين، وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه. ثم قال رسول الله عليه السلام: من أحزنه أمر تعاطاه فقال: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” وهو مخلص لله عزوجل ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته الدنياوية (3) وإما ما يعد له عنده، ويدخر (4) لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين. (5)


(1) الانعام: 40 – 2 41) ” ويبسط ” أ. 3) ” في الدنيا ” التوحيد والبرهان. 4) ” ويدخره ” أ. 5) عنه البحار: 92 / 244 ضمن ح 48، ورواه الصدوق في التوحيد: 231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم..، عنه البرهان: 1 / 45 ضمن ح 8، والوسائل: 4 / 1193 ضمن ح 1 (قطعة) (*)

[ 29 ]

[ فضل فاتحة الكتاب ] 10 – وقال الحسن [ بن علي ] عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وإن ” بسم الله الرحمن الرحيم ” آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم. [ قال ]: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله عزوجل قال لي: يا محمد ” ولقد اتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ” (1) فأفرد الامتنان [ علي ] بفاتحة الكتاب، وجعلها بازاء القرآن العظيم وأن فاتحة الكتاب أشرف (2) ما في كنوز العرش. وأن الله تعالى خص بها محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه [ بها ] (3) ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام فانه أعطاه منها ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ألا ترى أنه يحكي عن بلقيس حين قالت: ” انى القى إلى كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم ” (4) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين، منقادا لامرهم، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم، أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع قارئا يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فانه غنيمة لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة. (5)


(1) الحجر: 87. 2) ” أعظم وأشرف مما ” ب، ط. 3) من البرهان. 4) النمل: 28 – 29. 5) أمالى الصدوق: 148 ح 2، وعيون أخبار الرضا: 1 / 235 ح 60 باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد بن زياد، وعلى بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن ابن على عليهما السلام، عنهما الوسائل: 4 / 746 ح 9، والبحار: 92 / 227 ح 5 والبرهان: 1 / 31 ح 3 وج 2 / 353 ح 2 (قطعة) وعن تفسير الامام، وعن الاخير تأويل الايات: 1 / 23 ح 1، والبحار: 92 / 245 ضمن ح 48، وج 14 / 128 ح 14 (قطعة). (*)

[ 30 ]

[ تفسير الحمد ] 11 – قوله تعالى: ” الحمد لله رب العالمين ” قال الامام عليه السلام: جاء رجل إلى الرضا عليه السلام فقال: يا بن رسول الله أخبرني عن قوله عزوجل ” الحمد لله رب العالمين ” ما تفسيره ؟ قال عليه السلام: لقد حدثني أبي، عن جدي عن الباقر، عن زين العابدين عليهم السلام أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن قوله عزوجل ” الحمد لله رب العالمين ” ما تفسيره ؟ فقال: ” الحمد لله ” هو أن عرف الله عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لانها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال لهم: قولوا: ” الحمد لله ” على ما أنعم به (1) علينا. (رب العالمين) (2) وهم الجماعات (3) من كل مخلوق، من الجمادات، والحيوانات: فأما الحيوانات، فهو يقلبها في قدرته، ويغذوها من رزقه، ويحوطها (4) بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته. وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته، يمسك ما اتصل منها أن يتهافت، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق (5) ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا باذنه، ويمسك الارض أن تنخسف إلا بأمره، إنه بعباده رؤوف رحيم. قال عليه السلام: و (رب العالمين) مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم، إليهم، من حيث يعلمون، ومن حيث لا يعلمون.


(1) ” الله ” البرهان. 2) أضاف في الاصل: يعنى مالك العالمين وليس في المصادر. 3) ” الجماعة ” ب، ط. 4) حاطه يحوطه حوطا وحياطة: إذا حفظه وصانه، وذب عنه. 5) ” يتلاحق ” أ. (*)

[ 31 ]

فالرزق مقسوم، وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا، ليس لتقوى متق بزائده، ولا لفجور فاجر بناقصه، وبينه وبينه ستر (1) وهو طالبه. ولو أن أحدكم يفر من (2) رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت. قال [ أمير المؤمنين عليه السلام ]: فقال الله تعالى لهم: قولوا ” الحمد لله ” على ما أنعم به علينا، وذكرنا به من خير في كتب الاولين من قبل أن نكون. ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد لما فضله وفضلهم، وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم [ به على غيرهم ]. [ تفضيل امة محمد على جميع الامم ] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما بعث الله عزوجل موسى بن عمران واصطفاه نجيا وفلق له البحر فنجى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والالواح، رأى مكانه من ربه عزوجل فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي. فقال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي ؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم (3) عندك من جميع خلقك، فهل في آل الانبياء أكرم من آلي ؟ قال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين (4) كفضل محمد على جميع المرسلين ؟ (5) فقال: يا رب فان كان آل محمد عندك كذلك، فهل في صحابة الانبياء أكرم [ عندك ] من صحابتي ؟


(1) كذا في خ ل، وفى الاصل: شبر. 2) ” يتربص ” في الاصل، والتربص: المكث والانتظار. وهو تصحيف. 3) ” أفضل ” ب، ط. 4، 5) ” المرسلين “، ” النبيين ” أ، (*)

[ 32 ]

قال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد صلى الله عليه وآله على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين و [ ك‍ ] فضل محمد على جميع المرسلين ؟ فقال موسى: يا رب فان كان محمد وآله وصحبه كما وصفت، فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي ؟ ظللت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر ؟ فقال الله تعالى: يا موسى أما علمت أن فضل امة محمد على جميع الامم كفضلي (1) علي جميع خلقي ؟ قال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم. (فأوحى الله تعالى إليه) (2): يا موسى إنك لن تراهم، فليس هذا أو ان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنة (3) جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون (4)، أفتحب أن أسمعك كلامهم ؟ قال: نعم يا إلهي: [ نداء الرب سبحانه وتعالى امة محمد صلى الله عليه وآله ] قال [ الله جل وجلاله ] (5): قم بين يدي، واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي السيد الملك الجليل، ففعل ذلك موسى. فنادى [ الملك ] ربنا عزوجل يا أمة محمد. فأجابوه كلهم، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام امهاتهم: ” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك “.


(1) كذا في الاصل، وفي المصادر: كفضله. (2) ” فقال الله عزوجل ” أ. 3) الجنات ” العيون. 4) ” يتبجون ” ب ط، البحار ج 26 والتأويل. وتبحبح به: فخر. 5) من المصادر. (*)

[ 33 ]

قال فجعل الله تعالى تلك الاجابة منهم شعار الحج. (1) ثم نادى ربنا عزوجل: يا امة محمد إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي، وعفوي قبل (2) عقابي، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني، من لقيني منكم بشهادة (3): أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله، صادق في أقواله، محق في أفعاله (4) وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه، يلتزم طاعته [ كما يلتزم طاعة ] محمد وأن أولياءه (5) المصطفين الاخيار المطهرين المباينين (6) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه، أدخلته جنتي، إن كانت ذنوبه مثل زبد البحر. قال: فلما بعث الله عزوجل نبينا محمد صلى الله عليه وآله قال: يا محمد ” وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ” (7) امتك بهذه الكرامة. ثم قال عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله: قل: الحمد لله رب العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة. وقال لامته: [ و ] قولوا أنتم: الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل. (8)


(1) ” الحاج ” العيون والبرهان. 2) ” سبق ” ب، ط. 3) ” يشهد ” أ، البحار ج 92 والبرهان ج 3. 4) ” أحواله ” ب، ط. 5) ” أولادهما ” خ ل. ” ذريته ” التأويل. 6) ” الميامين ” ب، وبعض المصادر. ” اللابسين / أودهما ” خ ل. ” المنبئين ” العيون. ” المبلغين ” بشارة المصطفى: والمباينة: المفارقة. أي المفارقين والممتازين عن الخلق بعجائب الله. 7) القصص: 46. 8) عنه البحار: 92 / 245 ضمن ح 48 وج 26 / 274 ح 17، وتأويل الايات: 1 / 418 ح 12. وعنه البحار: 92 / 224 ح 2 وعن عيون أخبار الرضا: 1 / 220 ح 30. (*) <

[ 34 ]

قوله عزوجل: ” الرحمن الرحيم ” 12 – قال الامام عليه السلام: ” الرحمن “: العاطف على خلقه بالرزق، لا يقطع عنهم مواد رزقه، وإن انقطعوا عن طاعته. ” الرحيم ” بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرفق بهم في دعائهم إلى موافقته. قال: وإن أمير المؤمينن عليه السلام قال: ” الرحمن ” هو العاطف على خلقه بالرزق. قال: ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتعذي جعل تلك القوة في امه، ورققها (1) عليه لتقوم بتربيته وحضانته، فان قسا قلب ام من الامهات أوجب تربية هذا الطفل [ وحضانته ] (2) على سائر المؤمنين، ولما سلب بعض الحيوانات قوة التربية لاولادها، والقيام بمصالحها، جعل تلك القوة في الاولاد لتنهض حين تولد وتسير إلى رزقها المسبب (3) لها. قال عليه السلام: وتفسير قوله عزوجل ” الرحمن “: أن قوله ” الرحمن ” مشتق من الرحمة (4) سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله عزوجل: أنا ” الرحمن “. وهي [ من ] (5) الرحم شققت لها إسما من إسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته. ثم قال علي عليه السلام: أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، ومن قطعها قطعه الرحمن ؟ فقيل يا أمير المؤمنين: حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم (6)


< وعنه الوسائل: 9 / 54 ح 5 وعن عيون أخبار الرضا. وعلل الشرائع: 2 / 416 ح 3 ومن لا يحضره الفقيه: 2 / 327 ح 2586 (باسناده عن محمد بن القاسم…) ورواه الطبري في بشارة المصطفى: 262. وأخرجه البحار: 13 / 330 ح 18 عن العيون والعلل، وفي ج 99 / 185 ح 16 عن العيون والعلل والمعاني وفى البرهان: 1 / 49 ح 18 وج 3 / 228 ح 4 (قطعة) عن ابن بابويه. 1) ” رفقها ” ب، ط. 2) من البحار. 3) ” المبيت ” ب، ط. وبيت الشئ: دبره ليلا. 4) ” الرحم ” البحار. 5) من التأويل. 6) ” آباءهم ” البحار: 92. (*)

[ 35 ]

ويصلوا أرحامهم. فقال لهم: أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين، وأن يعظموا من حقره الله، وأوجب احتقاره من الكافرين ؟ قالوا: لا، ولكنه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين. قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم، لاتصالهم بآبائهم وامهاتهم ؟ قلت: بلى يا أخا رسول الله. قال: فهم إذن إنما يقضون فيهم (1) حقوق الآباء والامهات. قلت: بلى يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: فأباؤهم وامهاتهم إنما غذوهم في الدنيا ووقوهم مكارهها، وهي نعمة زائلة، ومكروه ينقضي، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي، ووقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد، فأي النعمتين أعظم ؟ قلت: نعمة رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم وأجل وأكبر. قال: فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر [ الله ] (2) حقه، ولا يحث على قضاء حق من كبر [ الله ] (3) حقه ؟ قلت: لا يجوز ذلك. قال: فإذا حق رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم من حق الوالدين، وحق رحمه أيضا أعظم من حق رحمهما، فرحم رسول الله صلى الله عليه وآله (4) أولى بالصلة، وأعظم في القطيعة فالويل كل الويل لمن قطعها، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها. أوما علمت أن حرمة رحم رسول الله صلى الله عليه وآله حرمة رسول الله، وأن حرمة رسول الله حرمة الله تعالى، وأن الله أعظم حقا من كل منعم سواه، وأن كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه لذلك (5) ربه، ووفقه له. أما علمت ما قال الله تعالى لموسى بن عمران ؟ قلت: بأبي أنت وأمي ما الذي قال له ؟


(1) ” فيه ” ب، ط. 2، 3) من البحار.) زاد في البحار: 92: أيضا أعظم وأحق من رحمها، فرحم رسول الله صلى الله عليه وآله. 5) ” له ذلك ” البحار. (*)

[ 36 ]

قال عليه السلام: قال الله تعالى: يا موسى أتدري ما بلغت برحمتي (1) إياك ؟ فقال موسى: أنت أرحم بي من أبي وامي. قال الله تعالى: يا موسى وإنما رحمتك امك لفضل رحمتي، فأنا الذي رققتها (2) عليك، وطيبت قلبها لتترك طيب وسنها (3) لتربيتك، ولو لم أفعل ذلك بها لكانت هي وسائر النساء (4) سواء. [ ما يكون كفارة للذنوب ] يا موسى أتدري أن عبدا من عبادي (5) يكون له ذنوب وخطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له، ولا أبالي ؟ قال: يا رب وكيف لا تبالي ؟ قال تعالى: لخصلة شريفة تكون في عبدي احبها، وهي أن يحب إخوانه الفقراء المؤمنين، ويتعاهدهم، ويساوي نفسه بهم، ولا يتكبر عليهم. فإذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه، ولا ابالي. يا موسى إن الفخر (6) ردائي والكبرياء إزاري، من نازعني في شئ منهما عذبته بناري. يا موسى إن من إعظام جلالي إكرام العبد الذي أنلته حظا من [ حطام ] (7) الدنيا عبدا من عبادي مؤمنا. قصرت يديه في الدنيا، فان تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي.


(1) ” من رحمتى ” أ. ” رحمتى ” البحار. 2) ” رفقها ” ب، ط. 3) ” نومها ” خ ل. والوسن: أول النوم. 4) ” الناس ” ب، ط. 5) زاد في ” ب، ط ” مؤمنا. 6) ” العظمة ” ب، ط. 7) من البحار. (*)

[ 37 ]

[ الحث على صلة رحم رسول الله صلى الله عليه وآله ] ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الرحم التي اشتقها الله عزوجل من رحمته بقوله: أنا (1) ” الرحمن ” هي (2) رحم محمد (3) صلى الله عليه وآله، وإن من إعظام الله إعظام محمد صلى الله عليه وآله وإن من إعظام محمد صلى الله عليه وآله إعظام رحم محمد، وإن كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد (4) وإن إعظامهم من إعظام محمد صلى الله عليه وآله. فالويل لمن استخف بشئ من حرمة محمد صلى الله عليه وآله، وطوبى لمن عظم حرمته، وأكرم رحمه ووصلها. (5) قوله عزوجل: ” الرحيم ” 13 – قال الامام عليه السلام: وأما قوله تعالى ” الرحيم ” (فان أمير المؤمنين عليه السلام قال:) (6) رحيم بعباده المؤمنين، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها (7) يتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها، وتحنو الامهات من الحيوانات على أولادها. [ شفاعة المؤمنين ] فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة [ الواحدة ] إلى تسعة وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد صلى الله عليه وآله، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجئ إلى مؤمن من الشيعة، فيقول: اشفع لي. فيقول: وأي حق لك علي ؟ فيقول: سقيتك يوما ماءا. فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه، ويجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا، فاشفع لي. فيقول: وما حقك علي ؟ فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار. فيشفع له، فيشفع فيه، ولا يزال يشفع


(1) ” من قوله ” البحار: 92. 2) ” وهي الرحم ” أ. 3، 4) ” آل محمد ” ب، ط. 5) عنه البحار: 92 / 248 ضمن ح 48، وج 23 / 266 ح 12 وتأويل الايات: 1 / 24 ح 3 قطعة. 6) ” معناه أنه ” البحار: 92. 7) ” فيها ” ب، ط. (*)

[ 38 ]

حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه، فان المؤمن أكرم على الله مما تظنون. (1) قوله عزوجل: ” مالك يوم الدين “: 14 – قال الامام عليه السلام: (مالك يوم الدين) أي قادر على إقامة يوم الدين، وهو يوم الحساب، قادر على تقديمه على وقته، وتأخيره بعد وقته، وهو المالك أيضا في يوم الدين، فهو يقضي بالحق، لا يملك الحكم والقضاء في ذلك اليوم من يظلم ويجور، كما في الدنيا من يملك الاحكام. قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام (يوم الدين) (2) هو يوم الحساب. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ألا اخبركم بأكيس (3) الكيسين وأحمق الحمقى ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أكيس الكيسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت، وأن أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى الاماني. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه ؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه فقال: يا نفس (4) إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا، والله تعالى يسألك عنه فيما أفنيتيه، فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدتيه ؟ أقضيت حوائج (5) مؤمن ؟ أنفست عنه كربة ؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه (6) ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه.


(1) عنه تأويل الايات: 1 / 25 ح 4 والبحار 92 / 250 ضمن ح 48 وج 8 / 44 ح 44. 2) ” مالك يوم الدين قال) أ. 3) أي أعقل. 4) ” فيقول يا نفسي ” أ. 5) ” حق ” أخ، التأويل والبحار. 6) ” مخلفه ” أ. (*)

[ 39 ]

فان ذكر أنه جرى منه خير، حمد الله تعالى، وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرا، إستغفر الله تعالى، وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين، وعرض بيعة أمير المؤمينن علي عليه السلام على نفسه، وقبوله لها، وإعادة لعن أعدائه وشانئيه ودافعيه عن حقه. (1) فإذا فعل ذلك قال الله عزوجل: لست أناقشك في شئ من الذنوب مع موالاتك أوليائي، ومعاداتك أعدائي (2) قوله عزوجل: ” اياك نعبد واياك نستعين ” 15 – قال الامام عليه السلام (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله تعالى: قولوا: يا أيها الخلق المنعم عليهم. ” إياك نعبد ” أيها المنعم علينا، ونطيعك مخلصين مع التذلل والخضوع (3) بلا رياء، ولا سمعة. ” واياك نستعين ” منك: نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كماأمرت، ونتقي من دنيانا ما نهيت عنه، ونعتصم – من الشيطان الرجيم، ومن سائر مردة الجن والانس من المضلين، ومن المؤذين الظالمين – بعصمتك. (4) 16 – وقال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام من العظيم الشقاء ؟ قال: رجل ترك الدنيا للدنيا، ففاتته الدنيا وخسر الآخرة، ورجل تعبد واجتهد وصام رئاء (5) الناس فذاك الذي حرم لذات الدنيا، ولحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه، فورد الآخرة وهو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه، فيجده هباءا منثورا.


(1) ” حقوقه ” المصادر. 2) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 94 تأويل الايات: 1 / 26 ح 6، والبحار: 70 / 69 ح 16، وج 92 / 250 ضمن ح 48. 3) ” الخشوع ” التنبيه، البحار 4) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 95، وتأويل الايات: 1 / 27 ح 7، والبحار: 7 / 216، وج 92 / 251 ضمن ح 48. 5) التظاهر بخير دون حقيقة. (*)

[ 40 ]

قيل: فمن أعظم الناس حسرة ؟ قال: من رأى ماله في ميزان غيره، وأدخله الله به النار، وأدخل وارثه (1) به الجنة. قيل: فكيف يكون هذا ؟ قال: كما حدثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه وهو يسوق (2) فقال له: يا أبا فلان ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق ما (3) أديت منها زكاة قط، ولا وصلت منها رحما قط ؟ قال: فقلت: فعلام جمعتها ؟ قال: لجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة، وتخوف (4) الفقر على العيال، و لروعة الزمان. قال: ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت نفسه. ثم قال على عليه السلام: الحمد لله الذي أخرجه منها ملوما [ مليما ] (5) بباطل جمعها، ومن (6) حق منعها، جمعها فأوعاها، وشدها فأوكاها (7)، قطع فيها المفاوز القفار، ولجج البحار أيها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك (8) بالامس، إن [ من ] أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان غيره، أدخل الله عزوجل هذا به الجنة وأدخل هذا به النار. (9) 17 – قال الصادق عليه السلام: وأعظم من هذا حسرة (10) رجل جمع مالا عظيما بكد


(1) ” وراثه ” ط. 2) السوق: [ بالواو الساكنة ] النزع، كأن روحه تساق لتخرج من بدنه (النهاية: 2 / 424). 3) ” قال ما ” أ، والمستدرك ولكنه لا يناسب الجواب. 4) ” ولخوف ” ب، ط. 5) ” مليا ” أ، وليس في تنبيه الخواطر. 6) ” وفى ” ط. 7) الوكاء: الخيط الذى يشد به الصرة والكيس وغيرهما. (النهاية: 5 / 222). 8) ” صاحبك ” خ ل. 9) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 95، والبحار: 92 / 251 ضمن ح 48، ومستدرك الوسائل: 2 / 645 باب 23 ح 1. 10) زاد في ” ب، ط “: يوم القيامة. (*)

[ 41 ]

شديد، ومباشرة الاهوال، وتعرض الاخطار، ثم أفنى ماله في صدقات ومبرات، وأفنى شبابه وقوته في عبادات وصلوات، وهو مع ذلك لا يرى لعلي بن أبي طالب عليه السلام حقه (1)، ولا يعرف له من (2) الاسلام محله، ويرى أن من لا بعشره ولا بعشر (3) عشير معشاره أفضل منه عليه السلام يوقف (4) على الحجج فلا يتأملها، ويحتج عليه بالآيات والاخبار فيأبى إلا تماديا في غيه، فذاك أعظم من كل حسرة يأتي يوم القيامة، وصدقاته ممثلة له في مثال الافاعي تنهشه، وصلواته وعباداته ممثلة له في مثال الزبانية تدفعه حتى تدعه إلى جهنم دعا يقول: يا ويلى ألم أك من المصلين ؟ ألم أك من المزكين ؟ ألم أك عن أموال الناس ونسائهم من المتعففين، فلماذا دهيت بما دهيت ؟ فيقال له: يا شقي ما نفعك ما عملت، وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله تعالى والايمان بنبوة محمد [ رسول الله (5) ] صلى الله عليه وآله: ضيعت ما لزمك من معرفة (6) حق علي بن أبي طالب ولي الله، والتزمت ما حرم الله عليك من الائتمام (7) بعدو الله. فلو كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره، وبدل صدقاتك الصدقة بكل أموال الدنيا بل بمل ء الارض ذهبا، لما زادك ذلك من رحمة الله تعالى إلا بعدا، ومن سخط الله عزوجل إلا قربا. (8) 18 – قال الامام الحسن بن على عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزوجل: قولوا ” إياك نستعين ” على طاعتك وعبادتك، وعلى دفع (9) شرور أعدائك، ورد مكائدهم، والمقام على ما أمرت (10) به (11)


(1) ” حقا ” ب، ط. 2) ” في ” البحار: 3) ” يعشره ولا يعشر ” ب، ط والبحار. 4) كذا في البحار، وفى الاصل: يواقف، وواقفه على كذا: سأله الوقوف. 5) من البحار. 6) ” مفروض ” أ. 7) ” الاهتمام ” ط. 8) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 96، والبحار: 92 / 252 ضمن ح 48. 9) ” رفع ” ط، والبحار. 10) ” أمرتنا ” ب، ط. 11) عنه البحار: 92 / 2 د 2 ضمن ح 48. (*)

[ 42 ]

[ أعظم الطاعات ] 19 – وقال صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى [ قال: قال الله عزوجل ] (1): يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم. وكلكم فقير إلا من أغنيته، فاسألوني الغني أرزقكم. وكلكم مذنب إلا من غفرت (2) فأسألوني المغفرة أغفر لكم. ومن علم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي، غفرت له، ولا ابالي. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إنقاء (3) قلب عبد من عبادي، لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إشقاء قلب (4) عبد من عبادي لم ينقصوا من ملكي جناح بعوضة. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا فتمني كل واحد منهم، ما بلغت من امنيته، فأعطيته لم يتبين ذلك في ملكي، كما لو أن أحدكم مر على شفير البحر، فغمس فيه إبرة ثم انتزعها، وذلك بأني جواد ماجد، واجد، عطائي كلام، وعذابي (5) كلام، فإذا أردت شيئا فانما أقول له: كن فيكون. يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لاسامحكم وإن قصرتم فيما سواها واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلا اناقشكم في ركوب ما عداها. إن أعظم الطاعات توحيدي، وتصديق نبيي، والتسليم لمن نصبه بعده – وهو علي بن أبي طالب عليه السلام – والائمة الطاهرين من نسله صلوات الله عليهم.


(1) ليس في البحار. 2) ” غفرته ” ب، ط. ” عافيته ” المصادر. 3) ” اتقاء ” أ، في المستدرك. ” قلب اتقى ” بدل انقاء قلب. 4) ” أشقى قلب ” الجواهر. 5) ” عداتي ” البحار، والجواهر. (*)

[ 43 ]

وإن أعظم المعاصي [ وأقبحها ] عندي الكفر بي وبنبيي، ومنابذة (1) ولي محمد بعده علي بن أبي طالب، وأوليائه بعده. فان أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الاعلى، والشرف الاشرف، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عندكم من محمد صلى الله عليه وآله، وبعده من أخيه علي عليه السلام، وبعدهما من أبنائهما (2) القائمين بامور عبادي بعدهما فان من كانت تلك عقيدته جعلته من أشراف ملوك جناني. (3) واعلموا أن أبغض الخلق إلى من تمثل بي وادعى ربوبيتي، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بمحمد، ونازعه نبوته (4) وادعاها، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بوصي محمد، ونازعه محله وشرفه، وادعاهما، وأبغضهم (5) إلي بعد هؤلاء المدعين – لماهم به لسخطي متعرضون – من كان لهم على ذلك من المعاونين، وأبغض الخلق إلي بعد هؤلاء من كان بفعلهم من الراضين، وإن لم يكن لهم من المعاونين. وكذلك أحب الخلق إلي القوامون بحقي، وأفضلهم لدي، وأكرمهم علي محمد سيد الورى، وأكرمهم وأفضلهم بعده (6) أخو المصطفى علي المرتضى، ثم من بعده من القوامين بالقسط من أئمة الحق، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقهم، وأحب الخلق إلي بعدهم من أحبهم، وأبغض أعداءهم، وإن لم يمكنه معونتهم (7) قوله تعالى: ” اهدنا الصراط المستقيم “


(1) ” معاندة ” ط. 2) ” أبنائهم ” ب، ط. ” أبدالها ” الجواهر. 3) ” جناتي ” أ. 4) ” بنبوته ” أ. 5) ” وادعاها وأبغض الخلق ” أ. 6) ” بعده على ” أ. 7) عنه الجواهر السنية: 171 صدر الحديث وص 287 ذيله، وتأويل الايات: 1 / 27 ح 9 وح 10، ومستدرك الوسائل: 1 / 360 ح 10 قطعة. وروى صدره في مسند أحمد: 5 / 177 وسنن الترمذي: 4 / 656 ح 2495، وسنن ابن ماجة: 2 / 1422 ح 4257 بأسانيدهم عن أبى ذر، عنه صلى الله عليه وآله. (*)

[ 44 ]

20 – قال الامام عليه السلام [ قال الله عزوجل ] (اهدنا الصراط المستقيم) أي (1): أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا (2) و (الصراط المستقيم) هو صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. فأما الطريق (3) المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن العلو، وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل. والطريق الاخر: طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنة إلى النار، ولا إلى غير النار سوى الجنة. [ قال: و ] (4) قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: قوله عزوجل (اهدنا الصراط المستقيم) يقول: أرشدنا للصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك (5) والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك. ثم قال (6) عليه السلام: فان من اتبع هواه، واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء (7) العامة تعظمه وتصفه (8)، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لانظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة، فوقفت منتبذا (9) عنهم، متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم، فما زال يراوغهم (10) حتى خالف طريقهم ففارقهم، ولم يعد (11)


(1) ” يقول ” ب، ط. ” قال ” المعاني. ” نقول ” البحار. 2) ” أعمالنا ” أ. 3) ” الصراط ” ب، ط، والمعاني. 4) من المعاني. 5) ” دينك ” المعاني. 6) ” قال على ” أ. 7) ” أعناء ” تنبيه الخواطر، وكذا التى بعدها. والاعناء: القوم من قبائل شتى. قال ابن الاثير في النهاية: 3 / 343: ومنه حديث الحسن ” هذا الغثاء الذي كنا نحدث عنه ” يريد أرذال الناس وسقطهم. 8) وصف الشئ له وعليه وصفا وصفة: حلاه. (لسان العرب: 9 / 356). وفى المعاني: وتسفه. 9) ” فرفعت مستترا ” خ ل. 10) ” يراوعهم ” أ. ريع القوم: تجمعوا. راغ: خدع. 11) ” يقر ” بعض المصادر. (*)

[ 45 ]

فتفرقت العامة عنه لحوائجهم، وتبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة (1)، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معاملة. ثم مر بعده بصاحب رمان، فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه، ثم قلت [ في نفسي ]: لعله معاملة، ثم أقول: وما حاجته [ إذا ] (2) إلى المسارقة ؟ ! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له: يا عبد الله لقد سمعت بك [ خيرا ] وأحببت لقاءك، فلقيتك، لكني رأيت منك ما شغل قلبي، وإني سائلك عنه، ليزول به شغل قلبي. قال: ما هو ؟ قلت: رأيتك مررت بخباز فسرقت منه رغيفين، ثم مررت بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ! قال: فقال لي: قبل كل شئ حدثني من أنت ؟ قلت له: رجل من ولد آدم من امة محمد صلى الله عليه وآله. قال: حدثني (3) ممن أنت ؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أين بلدك ؟ قلت: المدينة. قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ قلت: بلى. قال لي: فما ينفعك شرف [ أهلك و ] (4) أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن تحمد وتمدح فاعله ! قلت: وما هو ؟ قال: القرآن كتاب الله. قلت: وما الذي جهلت منه ؟ قال: قول الله عزوجل: ” من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ” (5) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين


(1) سارقه: اختلس منه على غفلة. 2) من المعاني والبحار. 3) ” لى ” ب، ط. 4) ” جدك ” ط. 5) الانعام: 160. (*)

[ 46 ]

فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع (حسنات بأربع سيئات) (1) بقي لي ست وثلاثون حسنة. قلت: ثكلتك امك أنت الجاهل بكتاب الله تعالى، أما سمعت قول الله تعالى: ” انما يتقبل الله من المتقين ” (2) إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما، بغير أمر صاحبهما، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات. فجعل يلاحظني (3)، فتركته وانصرفت. قال الصادق عليه السلام: بمثل هذا التأويل القبيح المستنكر (4) يضلون ويضلون. وهذا [ نحو ] تأويل معاوية – عليه ما يستحق – لما قتل عمار بن ياسر (ره) فارتعدت فرائص خلق كثير، وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عمار تقتله الفئة الباغية. فدخل عمرو بن العاص على معاوية، وقال: يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا. قال: لماذا ؟ قال: لقتل عمار بن ياسر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عمار تقتله الفئة الباغية. فقال له معاوية: دحضت (5) في قولك، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا. فاتصل ذلك بعلي عليه السلام، فقال عليه السلام: إذا رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة (ره) لما ألقاه بين رماح المشركين.


(1) ” حسنات ” أ. ” سيئات ” البحار: 47. 2) المائدة: 27. 3) ” بلا خبر ” أ. ” يلاحينى ” البحار. ” يلاحنى ” خ، التنبيه. قال ابن الاثير في النهاية: 4 / 241: ” عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم ” أي فاطنهم وجادلهم. يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق 4) ” المنكرة ” أ. ” المستكره ” ب، المعاني. 5) أي زلقت. (*)

[ 47 ]

21 – [ ثم ] قال الصادق عليه السلام: طوبى للذين هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين (1) وتأويل الجاهلين. (2) فقال له رجل: يابن رسول الله إني عاجز ببدني عن نصرتكم، ولست أملك إلا البراءة من أعدائكم، واللعن عليهم، فكيف حالي ؟ فقال له الصادق عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، عن رسول الله صلى عليه وآله [ أنه ] (3) قال من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، فلعن في خلواته أعداءنا، بلغ الله صوته جميع الاملاك من الثرى إلى العرش، فكلما لعن هذا الرجل أعداءنا لعنا ساعدوه فلعنوا من يلعنه، ثم ثنوا فقالوا: اللهم صل على عبدك هذا، الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل. فإذا النداء من قبل الله تعالى: قد أجبت دعاءكم، وسمعت نداءكم، وصليت على روحه في الارواح، وجعلته عندي من المصطفين الاخيار. (4) قوله عزوجل: ” صراط الذين أنعمت عليهم ” 22 – قال الامام عليه السلام (صراط الذين أنعمت عليهم) أي قولوا: إهدانا صراط


(1) ” المضلين أ. 2) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 96 والبحار: 92 / 254 ضمن ح 48 (قطعة) وعنه في الوسائل: 6 / 326 ح 6 وعن معاني الاخبار: 33 ح 4 باسناده عن محمد بن القاسم… والاحتجاج: 2 / 129 (قطعة) وعنه في ج 18 / 31 ح 9 وعن المعاني والاحتجاج وعيون أخبار الرضا: 1 / 238 ح 65 (قطعة) وعنه في البحار: 94 / 9 ح 1 وعن معاني الاخبار (قطعة). وأخرجه في البحار: 47 / 238 ح 23 عن الاحتجاج، وفي البرهان: 1 / 50 ح 23 وص 51 ح 24 عن المعاني والعيون. 3) من البحار. 4) عنه مستدرك الوسائل: 1 / 320 باب 10 ح 3 (*)

[ 48 ]

الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك. وهم الذين قال الله تعالى ” ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا “. (1) وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ثم قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن، وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا، أو فساقا ؟ فما ندبتم [ إلى ] أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم، وإنما امرتم بالدعاء لان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم [ الله ] عليهم: بالايمان بالله، والتصديق برسوله (2) وبالولاية لمحمد وآله الطيبين وأصحابه الخيرين المنتجبين وبالتقية الحسنة التي يسلم بها: من شر عباد الله، (ومن الزيادة في أيام أعداء الله وكفرهم) (2) بأن تداريهم فلا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد (4) وعادى من عاداهم إلا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا، وجنة حصينة. وما من عبد ولا أمة دارى عباد الله بأحسن المداراة، ولم يدخل بها في باطل، ولم يخرج بها من حق إلا جعل الله تعالى نفسه تسبيحا، وزكى عمله، وأعطاه بصيرة على كتمان سرنا، واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا [ و ] ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله. وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه فوفاهم حقوقهم جهده، وأعطاهم ممكنه


(1) النساء: 69. 2) ” برسول الله ” أ. 3) ” ومن شر الزنادقة في أيام أعداء الله بكفرهم ” ب، ط. وفي المصادر: آثام بدل ” أيام “. 4) زاد في الاصل: وأصحاب محمد. (*)

[ 49 ]

ورضي منهم بعفوهم، وترك الاستقصاء عليهم، فيما يكون من زللهم، وغفرها لهم إلا قال الله عزوجل له يوم القيامة (1): يا عبدي قضيت حقوق إخوانك، ولم تستقص عليهم فيما لك عليهم، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكرم، فأنا أقضيك اليوم على حق [ ما ] وعدتك به، وأزيدك من فضلي الواسع، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي. قال: فيلحقه بمحمد وآله وأصحابه، ويجعله من خيار شيعتهم. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله أحب في الله وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فأنه لا تنال ولاية الله تعالى إلا بذلك ولا يجد الرجل طعم الايمان، و [ إن ] كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا. فقال الرجل: يا رسول الله وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ومن ولي الله حتى اواليه ؟ ومن عدوالله (2) حتى اعاديه ؟ فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: أترى هذا ؟ قال: بلى. قال: [ فإن ] ولي هذا ولي الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، ووال ولي هذا، ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك. (3)


(1) ” يلقاه ” المعاني والبحار: 24. 2) ” عدوه ” أ. 3) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 98، والبحار: 68 / 78 ح 140 وج 74 / 227 ح 22 وج 92 / 255 ضمن ح 48. وعنه في الوسائل: 11 / 440 ح 7 وعن معاني الاخبار: 36 ح 9 وعيون الاخبار: 1 / 226 ح 41 وأمالى الصدوق: 19 ح 7 وصفات الشيعة: 87 ح 65 وعلل الشرائع: 140 باب 119 ح 1 (باسناده عن محمد بن القاسم..) وعنه في البحار: 24 / 10 ح 2 وعن معاني الاخبار (قطعة)، وج 27 / 54 ح 8 عنه وعن المعاني والعيون والعلل (قطعة) وج 69 / 236 ح 1 عنه وعن العلل والعيون والامالي (قطعة) وأخرجه في البرهان: 1 / 51 ح 28 عن ابن بابويه. وروى الشهيد – قطعة منه – في أربعينه: ح 28 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري (ع) (*)

[ 50 ]

قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين “. 23 – قال الامام عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أمر الله عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، وهم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وأن يستعيذوا [ به ] من طريق المغضوب عليهم وهم اليهود الذين قال الله تعالى فيهم: ” قل هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه ” (1) وأن يستعيذوا به من طريق الضالين، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: ” قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ” (2) وهم النصارى. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه، وضال عن سبيل الله عزوجل. وقال الرضا عليه السلام كذلك، وزاد فيه، فقال: ومن تجاوز بأمير المؤمنين عليه السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين. (3) 24 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ” لاتتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا (4) وإياكم والغلو كغلو النصارى، فأني برئ من الغالين “. قال: فقام إليه رجل فقال له: يابن رسول الله صف لنا ربك، فان من قبلنا قد اختلفوا علينا. (5)


1، 2) المائدة: 60، 77. 3) عنه البحار: 92 / 256 ذ ح 48، وتأويل الايات: 1 / 30 ح 15 قطعة، وعنه البحار: 25 / 273 ضمن ح 20 وعن الاحتجاج: 2 / 233 قطعة. 4) قال المجلسي – رحمه الله -: أي بعد ما أثبتم لنا العبودية، كل ما قلتم في وصفنا كنتم مقصرين في حقنا، ولن تبلغوا ما نستحقه من التوصيف. أقول: ان المراد هو استحالة بلوغنا ما يستحقونه عليهم السلام أبدا. وبالحق أقول: وأنى لنا ذلك وقد اصطفاهم الله على الخلق. 5) زاد في الاحتجاج ” فوصفه الرضا عليه السلام أحسن وصف، ومجده، ونزهه عما لا يليق به تعالى ” وأسقط كل الخطبة. (*)

[ 51 ]

فقال الرضا عليه السلام: إنه من يصف ربه بالقياس، لا يزال في الدهر في الالتباس (1) مائلا عن المنهاج، طاغيا (2) في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل. ثم قال عليه السلام: أعرفه بما عرف به نفسه، أعرفه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به [ نفسه ] من غير صورة ” لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات بعيد بغير تشبيه، ومتدان في بعده بلا نظير، لا يتوهم ديموميته، ولا يمثل بخليقته، ولا يجور في قضيته الخلق إلى ما علم منهم منقادون، وعلى ما سطره في المكنون من كتابه ماضون لا يعملون (3) بخلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون فهو قريب غير ملتزق، وبعيد غير متقص (4)، يحقق ولا يمثل، [ و ] يوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره الكبير المتعال فقال الرجل: بأبي أنت وامي يابن رسول الله، فان معي من ينتحل موالاتكم [ و ] يزعم أن هذه كلها صفات علي عليه السلام، وأنه هو الله رب العالمين. قال: فلما سمعها الرضا عليه السلام ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا، وقال: سبحان الله [ سبحان الله ] عما يقول الظالمون، والكافرون. أو ليس عليا عليه السلام كان آكلا في الآكلين، [ و ] شاربا في الشاربين، وناكحا في الناكحين، ومحدثا في المحدثين ؟ وكان مع ذلك مصليا خاشعا [ خاضعا ] بين يدي


(1) ” لا زال الدهر في التباس ” ط. 2) ” ظاعنا ” ب، ط، خ ل. ” طاعنا ” البحار. وطغى الرجل: أسرف في المعاصي. والظعن: السير. قال العلامة المجلسي (ره): طاعنا – بالطاء المهملة – ذاهبا كثيرا. 3) ” يعلمون ” الاصل، وهو تصحيف ظاهر. 4) من البحار: ” منتقص ” أ. ” منقص ” ب. وكلاهما تصحيف بقرينة ” بعيد “. والتقصى: بلوغ الغاية في البعد. ذكره المجلسي (ره) وقال: أي ليس بعده بعدا مكانيا يوصف بذلك أو ليس بعد ينافى القرب. (*)

[ 52 ]

الله عزوجل ذليلا وإليه أواها (1) منيبا، أفمن [ كان ] هذه صفته يكون إلها ؟ ! [ فان كان هذا إلها ] فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث (2) كل موصوف بها. ثم قال عليه السلام: حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله عليه السلام أنه قال: ما عرف الله تعالى من شبهه بخلقه، ولا عدله من نسب إليه ذنوب عباده. فقال الرجل: يابن رسول الله إنهم يزعمون أن عليا عليه السلام لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى دل ذلك على أنه إله، ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس بذلك عليهم، وامتحنهم ليعرفوه، وليكون إيمانهم به اختيارا من أنفسم. فقال الرضا عليه السلام: أول ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم. فقال: لما ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله، فعلم بهذا أن الذي ظهر منه [ من ] المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين، لافعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف. (3) 25 – ثم قال الرضا عليه السلام: لقد ذكرتني بما حكيته [ عن ] قول رسول الله صلى الله عليه وآله وقول أمير المؤمنين عليه السلام وقول زين العابدين عليه السلام: أما قول رسول الله صلى الله عليه وآله فما حدثنيه أبي، عن جدي، عن أبيه ” [ عن جده ]، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن [ يقبضه ] بقبض العلماء.


(1) أي كثير الدعاء والتأوه. 2) ” حداث ” أ. ” حدث ” البحار: 25. 3) عنه البحار: 4 / 303 ح 31 (إلى قوله: ذنوب عباده)، وعنه البحار: 25 / 274 ضمن ح 20، واثبات الهداة: 7 / 471 ح 64، وعن الاحتجاج: 22 / 233. (*)

[ 53 ]

فإذا لم ينزل عالم إلى عالم (1) يصرف عنه طلاب حطام الدنيا وحرامها، ويمنعون الحق أهله، ويجعلونه لغير أهله، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. (2) 26 – وأما قول أمير المؤمنين عليه السلام فهو قوله: يا معشر شيعتنا والمنتحلين [ مودتنا ] (3) إياكم وأصحاب الرأي، فانهم أعداء السنن، تفلتت (4) منهم الاحاديث أن يحفظوها وأعيتهم السنة أن يعوها، فاتخذوا عباد الله خولا (5)، وماله دولا، فذلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله، وتمثلوا بالائمة الصادقين وهم من الجهال والكفار والملاعين، فسئلوا عما لا يعلمون، فأنفوا أن يعترفوا بأنهم لا يعلمون، فعارضوا الدين [ بآرائهم فضلوا وأضلوا. أما لو كان الدين ] بالقياس لكان باطن الرجلين أولى بالمسح من ظاهرهما. (6) 27 – وأما قول على بن الحسين عليهما السلام فانه قال: إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته (7) وهديه، وتماوت (8) في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر


1) قال المجلسي (ره): أي إذا لم يعلم العالم علمه: اما للتقية، أو لعدم قابلية المتعلمين فمات ذلك العالم، صرف طلاب حطام الدنيا الناس عن العلم لقلة أعوان العلم ويمنعون الحق أهله لذهاب أنصار الحق. 2) عنه البحار: 2 / 83 ح 8. 3) قال المجلسي (ره): ” المنتحلين مودتنا ” فيه تعريض بهم، إذ الانتحال: ادعاء أمر من غير الاتصاف به حقيقة، ويحتمل أن يكون المراد الذين اتخذوا مودتنا نحلتهم ودينهم. 4) قال المجلسي (ره): أي فات وذهب منهم حفظ الاحاديث، وأعجزهم ضبط السنة، فلم يقدروا عليه. 5) أي خدما وعبيدا. 6) عنه البحار: 2 / 84 ح 9. 7) السمت: الطريق، وهيئة أهل الخير. (قاموس المحيط: 1 / 150). 8) ” تمارث ” أ. ” تمارت ” الوسائل. مرث الشئ: لينه، ومرث الصبى اصبعه: لاكها. ومرت الشئ: ملسه. قال ابن الاثير في النهاية: 4 / 370: تماوت الرجل: إذا أظهر من نفسه التخافت والتضاعف من العبادة والزهد والصوم. وقال الفيروز آبادى في قاموس المحيط: 1 / 158: المتماوت: الناسك المرائى. (*)

[ 54 ]

من يعجزه تناول الدنيا، وركوب المحارم منها (1)، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه فنصب الدين فخا (2) لها، فهو لا يزل يختل (3) الناس بظاهره، فان تمكن من حرام اقتحمه. فإذا وجدتموه يعف من المال الحرام (فرويدا لا يغرنكم، فان شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام) (4) وإن أكثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرما. فإذا وجدتموه يعف عن ذلك، فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة (5) عقله فما أكثر من يترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله. فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله ؟ أو يكون مع عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك (6) الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الاموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتى إذا قيل له: ” إتق الله، أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد “. (7)


1) ” فيها ” أ. 2) ” فجا ” أ. والفج: الطريق الواسع. 3) ” يحيل ” أ. ختله يختله: إذا خدعه وراوغه. 4) ” قلبه ” ط. وفى ” أ ” من بدل ” عن “. قال ابن الاثير في النهاية: 5 / 11: نبا عنه بصره: أي تجافى ولم ينظر إليه. 5) ” عقيدة ” ط. ” عقده ” بعض المصادر. قال المجلسي (ره) ” يحتمل أن تكون ” ما ” استفهامية، والعقدة اسما بمعنى ما عقد عليه فيرجع إلى المعنى الاول، ويحتمل على الاخير أن يكون المراد ثبات عقله واستقراره وعدم تزلزله فيما يحكم به عقله “. 6) ” يترك ” ب، ط، والبحار. 7) اشارة لقوله تعالى في سورة البقرة: 206. (*)

[ 55 ]

فهو يخبط [ خبط ] (1) عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمد يده (2) بعد طلبه لما لا يقدر [ عليه ] (3) في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته (4) التي قد شقى من أجلها. فاولئك [ مع ] الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم عذابا مهينا. ولكن الرجل كل الرجل، نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لامر الله، وقواه مبذولة في رضاء الله تعالى، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الابد من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعم في دار لا تبيد ولا تنفد، وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال. فذالكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسكوا، وبسنته فاقتدوا، وإلى ربكم فبه فتوسلوا، فانه لا ترد له دعوة، ولا تخيب له طلبة. (5) 28 – ثم قال الرضا عليه السلام: إن هؤلاء الضلال الكفرة ما أتوا (6) إلا من جهلهم بمقادير أنفسهم، حتى اشتد إعجابهم بها، وكثر تعظيمهم لما يكون منها، فاستبدوا بآرائهم الفاسدة، واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير السبيل الواجب، حتى استصغروا


1) من البحار: ويقال ذلك لمن يتصرف في الامور على غير بصيرة. 2) ” يمد به ” تنبيه الخواطر. ” يمد ربه ” بعض المصادر. قال المجلسي (ره): ” ويمده ربه أي يقويه، من مد الجيش وأمده إذا زاده وقواه، أي بعد أن طلب مالا يقدر عليه من دعوى الامامة، ورئاسة الخلق، وافتاء الناس فعجز عنها لنقصه وجهله استحق منع لطفه تعالى عنه، فصار ذلك سببا لتماديه في طغيانه وضلاله “. 3) من البحار. 4) ” الرئاسة ” أ. 5) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 98، والبحار: 2 / 84 ح 10، وفى ص 85 ح 11 عن الاحتجاج: 2 / 52، وعنه الوسائل: 5 / 394 ح 14 وعن الاحتجاج، وأخرجه في البحار: 74 / 184 ح 1 عن الاحتجاج. 6) على بناء المجهول أي: ما اهلكوا. قاله المجلسي (ره). (*)

[ 56 ]

قدر الله، واحتقروا أمره، وتهاونوا بعظيم شأنه. إذ لم يعلموا أنه القادر بنفسه، الغني بذاته الذي ليست قدرته مستعارة، ولا غناه مستفادا، والذي من شاء أفقره، ومن شاء أغناه، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى. فنظروا إلى عبد قد اختصه [ الله ] (1) بقدرته ليبين بها فضله عنده، وآثره بكرامته ليوجب بها حجته على خلقه، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته، وباعثا على اتباع أمره، ومؤمنا عباده المكلفين من غلط من نصبه عليهم حجة، ولهم قدوة فكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا، ينتجعون فضله، ويؤملون نائله، ويرجون التفيؤ (2) بظله، والانتعاش بمعروفه، والانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يغنيهم عن (3) كلب الدنيا، وينقذهم من التعرض لدني المكاسب، وخسيس المطالب فبيناهم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه، وقد وجهوا الرغبة نحوه، وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل: أنه سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله. فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه، ومن الاقرار بالمملكة (4) واجبه، وإياكم أن تسموا باسمه غيره، أو تعظموا سواه كتعظيمه، فتكونوا قد بخستم الملك حقه وأزريتم (5) عليه، واستحققتم بذلك منه عظيم عقوبته. فقالوا: نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا. فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمها إليه سيده، ورجل (6) قد جعلهم في جملته، وأموال قد حباه بها، فنظر هؤلاء وهم للملك طالبون، فاستكثروا ما رأوا بهذا العبد من نعم


1) من المصادر. 2) ” الدنيا ” ط. 3) ” يعينهم على ” الاحتجاج والبحار. 4) ” بالملك له ” ب، ط. 5) ” أرذيتم ” أ. ” أذريتم ” ط. أزرى عليه عمله: عابه عليه، والازراء: التحقير، وأرذاه: نبذه. 6) الرجل – بكسر الراء -: الطائفة من الشئ. جمعها: أرجال. (لسان العرب: 11 / 272). (*)

[ 57 ]

سيده، ورفعوه عن أن يكون هو المنعم عليه بما وجدوا معه (1)، فأقبلوا إليه يحيونه تحية الملك، ويسمونه باسمه، ويجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك. فأقبل عليهم العبد المنعم عليه، وسائر جنوده، بالزجر والنهي عن ذلك، والبراءة مما يسمونه به، ويخبرونهم بأن الملك هو الذي أنعم بهذا عليه، واختصه به، وأن قولكم [ ب‍ ] ما تقولون يوجب عليكم سخط الملك وعذابه، ويفيتكم (2) كلما أملتموه من جهته، وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون عليهم قولهم. فما زال كذلك حتى غضب [ عليهم ] الملك لما وجد هؤلاء قد سموا (3) به عبده وأزروا عليه في مملكته، وبخسوه حق تعظيمه، فحشرهم أجمعين إلى حبسه، ووكل بهم من يسومهم سوء العذاب. فكذلك هؤلاء وجدوا أمير المؤمنين عليه السلام عبدا أكرمه الله ليبين فضله، ويقيم حجته فصغر عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا [ له ] عبدا، وأكبروا عليا أن يكون الله عزوجل له ربا، فسموه بغير اسمه، فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته وقالوا لهم: يا هؤلاء إن عليا وولده عباد مكرمون، مخلوقون مدبرون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه رب العالمين، ولا يملكون إلا ما ملكهم [ الله ] لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا قبضا ولا بسطا ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم الله عليه وطوقهم، وإن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين، ويتعالى عن نعوت المحدودين. وإن من اتخذهم – أو واحدا منهم – أربابا من دون الله فهو من الكافرين، وقد ضل سواء السبيل.


1) كذا في الاحتجاج، وفى غيره: معه عبدا. 2) قال المجلسي (ره): يفيتكم على بناء الافعال من الفوت وفى بعض النسخ ” يفوتكم ” بمعنى: يوجب.. وأن يفوتكم. 3) ” ساؤا ” ط. ” سووا ” الاحتجاج. ” ساووا ” البحار. (*)

[ 58 ]

فأبى القوم إلا جماحا (1) وامتدوا في طغيانهم يعمهون، فبطلت أمانيهم، وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب الاليم. (2) 30 – قال الامام أبو محمد الحسن عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: فاتحة (3) الكتاب هذه أعطاها الله محمدا صلى الله عليه وآله وأمته، بدأ فيها بالحمد لله والثناء عليه، ثم ثنى بالدعاء لله عزوجل ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله عزوجل: قسمت الحمد بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل: إذا قال العبد: (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: بدأ عبدي باسمي حق علي أن أتم‍ [ م ] له أموره، وأبارك له في أحواله. فإذا قال: (الحمدلله رب العالمين) قال الله عزوجل: حمدني عبدي، وعلم أن النعم التي له من عندي، وأن البلايا التي اندفعت عنه فبتطو لي أشهدكم يا ملائكتي أني أضيف له نعيم الدنيا إلى نعيم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا. فإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله عزوجل: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لاوفرن من رحمتي حظه، ولا جزلن من عطائي نصيبه. فإذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك [ ل‍ ] (4) يوم الدين، لا سهلن يوم الحساب عليه حسابه، ولا تقبلن حسناته ولا تجاوزن عن سيئاته.


1) جمح الرجل: إذا ركب هواه، وأسرع إلى الشئ، فلم يمكن رده. 2) عنه البحار: 25 / 273 ضمن ح 20. وعن الاحتجاج: 2 / 232، وأخرجه في اثبات الهداة: 7 / 470 ح 2 عن الاحتجاج. 3) ” لما فرغ من تفسير فاتحة ” الاصل. ولعله من اضافات النساخ. 4) من البحار: 85. (*)

[ 59 ]

فإذا قال العبد: ” إياك نعبد ” قال الله تعالى: صدق عبدي إياي يعبد اشهدكم لا ثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي. فإذا قال: ” واياك نستعين ” قال الله عزوجل: بي استعان عبدي ؟ وإلي التجأ أشهدكم لا عينه [ على أمره ولا غيثنه ] في شدائده، ولآخذن بيده يوم (1) نوائبه. فإذا قال: ” اهدنا الصراط المستقيم ” إلى آخرها قال الله عزوجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل [ و ] قد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمل، وأمنته مما منه وجل. قيل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن (بسم الله الرحمن الرحيم) أهي من فاتحة الكتاب ؟ فقال: نعم، كان (2) رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤها ويعدها آيه منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني، فضلت ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) وهي الآية السابعة منها. (3)


1) ” في ” أ. 2) ” فان ” أ. 3) عنه البحار: 85 / 59 ح 47 وعن عيون أخبار الرضا: 1 / 234 ح 59 (باسناده عن محمد بن القاسم. إلى قوله: هي السبع المثانى) وعنه البحار: 92 / 226 ح 3 وعن أمالى الصدوق: 147 ح 1 وعن العيون، وعنه في ص 227 ح 4 من البحار المذكور (ذيله) وعنه الوسائل: 4 / 747 ح 10 وعن العيون (قطعة) وعنه مستدرك الوسائل: 1 / 305 باب 44 ح 1 وعن العيون الامالى. وأخرجه في الجواهر السنية: 134 عن العيون والامالي (قطعة). (*)

[ 60 ]

” بسم الله الرحمن الرحيم ” السورة التي يذكر فيها البقرة (1) 31 – قال الامام عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا القرآن مأدبة (2) الله تعالى فتعلموا من مأدبة الله عزوجل ما استطعتم، فانه النور المبين، والشفاء النافع [ ف‍ ] تعلموه، فان الله تعالى يشرفكم بتعلمه. [ فضل سورة البقرة ] تعلموا سورة البقرة، وآل عمران، فان أخدهما بركة، وتركهما حسرة، ولا يستطيعهما (3) البطلة – يعني السحرة – وإنهما ليجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو عقابتان (4) أو فرقان (5) من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما، ويحاجهما رب العالمين رب العزة يقولان: يا رب الارباب إن عبدك هذا قرأنا، وأظمأنا نهاره، وأسهرنا ليله، وأنصبنا بدنه. (6) يقول الله تعالى: يا أيها القرآن فكيف كان تسليمه لما أنزلته فيك من تفضيل علي ابن أبي طالب أخي محمد رسول الله ؟ يقولان: يا رب الارباب وإله الالهة، والاه، ووالى أولياءه، وعادى أعداءه، إذا قدر جهر، وإذا عجز اتقى وأسر (7).


1) زاد في ” ط ” بسم الله الرحمن الرحيم. وذكر في ” أ ” قبل قوله ” بسم الله الرحمن الرحيم “: قوله عزوجل. 2) قال ابن منظور في لسان العرب: 1 / 206: وفى الحديث عن ابن مسعود ” ان هذا القرآن مأدبة الله في الارض… ” يعنى مدعاته. 3) ” لا يستبطيها ” أ. 4) ” غيابتان ” س، ص، ط. 5) قال ابن الاثير في النهاية: 3 / 440: وفيه ” تأتى البقرة وآل عمران كأنهما فرقان. ” أي قطعتان. 6) ” بين يديه ” ط. 7) ” أمر ” ط. ” استتر ” البحار. (*)

[ 61 ]

يقول الله عزوجل: فقد عمل إذا بكما كما أمرته، وعظم من حقكما ما عظمته. يا علي أما تسمع شهادة القرآن لوليك هذا ؟ [ ف‍ ] يقول علي: بلى يا رب. فيقول الله عزوجل: فاقترح له ما يريد. فيقترح له ما يزيد على أماني هذا القارئ من الاضعاف المضاعفات بما لا يعلمه إلا الله عزوجل. فيقول الله عزوجل: ” قد أعطيته ما اقترحت يا علي “. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وإن والدي القارئ ليتوجان بتاج الكرامة، يضئ نوره من ميسرة عشرة آلاف سنة، ويكسيان حلة لا يقوم لاقل سلك منها مائة ألف ضعف ما في الدنيا، بما يشتمل عليه من خيراتها. ثم يعطي هذا القارئ الملك بيمينه في كتاب، والخلد بشماله في كتاب، يقرأ من كتابه بيمينه: قد جعلت من أفاضل ملوك الجنان، ومن رفقاء [ محمد ] (1) سيد الانبياء و [ علي ] (3) خير الاوصياء، والائمة من بعدهما سادة الاتقياء. ويقرأ من كتابه بشماله: قد أمنت الزوال والانتقال عن هذا الملك، وأعذت من الموت والاسقام وكفيت الامراض والاعلال، وجنبت حسد الحاسدين، وكيد الكائدين. ثم يقال له: أقرأ [ و ] ارق، ومنزلك (3) عند آخر آية تقرؤها. فإذا نظر والداه إلى حليتيهما (4) وتاجيهما قالا: ربنا أنى لنا هذا الشرف ولم تبلغه أعمالنا ؟ (فقال لهما كرام ملائكة الله [ عن الله ] عزوجل: هذا لكما لتعليمكما) (5) ولد كما القرآن. (6)


1، 2) من البحار. 3) ” منزلتك ” ب، ط. 4) ” حلتهما ” س، ص. والحلية: ما يزين به من المصوغات المعدنية أو الاحجار الكريمة. 5) ” فيقال لهما: أكرم الله عزوجل هذا لكما بتعليمكما ” البحار 7 ح 5. ” فقال الله عزوجل لهما: هذا لكما بتعليمكما ” البحار: 7 ح 96. ” فقال لهما: اكرام الله عزوجل هذا لكما بتعليمكما ” البحار: 92. 6) عنه البحار: 7 / 292 ح 5، وص 208 ح 96 (قطعة) وج 92 / 267 ح 16، ومستدرك الوسائل: 1 / 290 باب 6 ح 2. (*)

[ 62 ]

قوله عزوجل: ” الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ” 1 و 2. 32 – قال الامام عليه السلام: كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله. فقال الله عزوجل: ” الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ” أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك هو [ ب‍ ] الحروف المقطعة التي منها: ألف، لام، ميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم، ” فاتوا بمثله إن كنتم صادقين ” واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم. ثم بين أنه لا يقدرون عليه بقوله: ” قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ” (1) ثم قال الله عزوجل ” الم ” هو (2) القرآن الذي افتتح ب‍ ” الم ” هو ” ذلك الكتاب ” الذي أخبرت به موسى، و [ من ] بعده من الانبياء، فأخبروا بني إسرائيل أني سأنزل [ ه ] عليك يا محمد، كتابا [ عربيا ] عزيزا، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. ” لاريب فيه ” لا شك فيه لظهوره عندهم، كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل (3) يقرأه هو وأمته على سائر أحوالهم. ” هدى ” بيان من الضلالة ” للمتقين ” الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه (4)


1) الاسراء: 88. 2) ” أي ” البحار: 92 3) كذا في المصادر، وفي الاصل والبحار: 17: الماء. قال المجلسي (رحمه الله): لا يمحوه الماء لعله مخصوص بالقرآن الذى بخط أمير المؤمنين عليه السلام، أو المراد: عدم محو جميعها بالماء، أو إذا محى بالماء لا يذهب، لانه آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم، وفى بعض النسخ ” لا يمحوه الزمان ” وهو ظاهر. 4) ” السفهة ” ب، ط. والسفه: خفة الحلم، أو نقيضه. (*)

[ 63 ]

على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم عمله (1) عملوا بما يوجب لهم رضاء ربهم (2) 33 – [ ثم ] (3) قال: وقال الصادق عليه السلام ثم الالف حرف من حروف قولك ” الله ” دل بالالف على قولك: الله. ودل باللام على قولك: الملك العظيم، القاهر للخلق أجمعين ودل بالميم على أنه المجيد [ الكريم ] المحمود في كل أفعاله. وجعل هذا القول حجة على اليهود. وذلك أن الله تعالى لما بعث موسى بن عمران عليه السلام. ثم من بعده من الانبياء إلى بني إسرائيل، لم يكن فيهم [ أحد ] (4) إلا أخذوا عليهم (5) العهود، والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الامي المبعوث بمكة، الذي يهاجر [ منها ] إلى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف (6) المقطعة إفتتاح بعض سوره، يحفظه [ بعض ] أمته، فيقرؤنه قياما وقعودا ومشاة (7) وعلى كل حال، يسهل الله عزوجل حفظه عليهم. ويقرنون (8) بمحمد أخاه ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام الآخذ عنه علومه التي


1) ” علمه ” س، ط، وبعض المصادر. 2) عنه البحار: 17 / 217 ضمن ح 21، وقطع في ج 2 / 24 ح 32 وج 9 / 173 ح 1 وج 70 / 266 وتنبيه الخواطر: 2 / 100 قطعة. ورواه الصدوق في معاني الاخبار: 24 ضمن ح 4 باسناده عن محمد بن القاسم.. عنه البحار: 10 / 14 ضمن ح 8، وج 92 / 377 ضمن ج 10، واثبات الهداة: 1 / 330 ح 35 قطعة، والبرهان: 1 / 54 ضمن ح 9، وحلية الابرار: 2 / 481، ونور الثقلين: 1 / 23 ضمن ح 7. 3) من البرهان. 4) من بعض المصادر، وفى الاخرى: قوم. 5) ” عليه ” بعض المصادر. وفى ” ص ” من أخذوا. 6) ” من الحروف ” المعاني، ” الحروف ” التأويل. 7) ” مساء وصباحا ” ب، ط. 8) ” ويقرنن ” أ. ” يقرن ” ص، والبحار: 17، وليس في التأويل. (*)

[ 64 ]

علمها، والمتقلد عنه الامانة التى قلدها، ومذلل (1) كل من عاند محمدا بسيفه الباتر ومفحم (2) كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله (3) حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين. ثم (4) إذا صار محمد إلى رضوان الله تعالى، وأرتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، وحرفوا تأويلاته، وغيروا معانيه، ووضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد [ ذلك ] (5) على تأويله حتى يكون إبليس – الغاوي لهم (6) – هو الخاسئ الذليل المطرود [ الملعون ] المغلوب. قال: فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله – وأظهره بمكة، وسيره (7) منها إلى المدينة وأظهره بها – أنزل (8) عليه الكتاب، وجعل أفتتاح سورته الكبرى ب‍ ” الم ” يعني الم ذلك الكتاب ” وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت [ به ] أنبيائي السالفين أني [ س‍ ] أنزله عليك يا محمد ” لا ريب فيه “. فقد ظهر ما أخبرهم به أنبياؤهم (9) أن محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل (10) يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم. ثم اليهود يحرفونه عن جهته، ويتأولونه (11) على غير وجهه، ويتعاطون التوصل إلى علم [ ما ] قد طواه الله عنهم من [ حال ] أجل هذه الامة، وكم مدة ملكهم.


1) ” يذلل ” أ. 2) ” يفحم ” أ، والمعاني. 3) ” محمد ” س، ص، التأويل والبحار: 17. 4) ” حتى ” ب، ط. 5) من المعاني والحلية. 6) ” بهم ” ب، س، ط، والبحار. 7) ” هاجر ” س. 8) ” ثم أنزل ” الاصل والمصادر. وهو تصحيف لان القرآن الكريم نزل بعضه بمكة والاخر بالمدينة. 9) ” أنبياؤه و ” ب، ط. 10) ” الماء ” الاصل والبحار. وتقدم بيان ذلك. 11) ” ويأولونه ” ب، ط. (*)

[ 65 ]

فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منهم جماعة، فولى رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام مخاطبتهم فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمد حقا، فقد علمنا كم قدر ملك أمته، هو إحدى وسبعون سنة: الالف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون. فقال على عليه السلام: فما تصنعون ب‍ ” المص ” وقد أنزلت عليه ؟ قالوا: هذه إحدى وستون ومائة سنة. فقال [ علي عليه السلام ]: فما تصنعون ب‍ ” الر ” وقد أنزلت عليه ؟. [ ف‍ ] قالوا: هذه أكثر، هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة. [ ف‍ ] قال على عليه السلام: فماذا تصنعون ب‍ ” المر ” وقد أنزلت عليه ؟ (1) قالوا: هذه أكثر، هذه مائتان، وإحدى وسبعون سنة. فقال على عليه السلام: فواحدة من هذه ل‍، أو جميعها له ؟ فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها، وقال بعضهم: بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثم يرجع الملك إلينا، يعني إلى اليهود. فقال على عليه السلام: أكتاب من كتب الله عزوجل نطق بهذا، أم آراؤكم دلت (2) عليه ؟ فقال بعضهم: كتاب الله نطق به. وقال آخرون: بل آراؤنا دلت عليه. فقال على عليه السلام: فاتوا بكتاب [ منزل ] من عند الله ينطق بما تقولون. فعجزوا عن إيراد ذلك، وقال للاخرين: فدلونا على صواب هذا الرأي ؟ فقالوا: صواب رأينا دليله [ على ] أن هذا الحساب الجمل. فقال على عليه السلام: وكيف دل على ما تقولون، وليس في هذه الحروف إلا ما أقترحتم بلا بيان ! ؟ أرأيتم إن قيل لكم: إن هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك أمة محمد صلى الله عليه وآله، ولكنها دالة على أن عند كل واحد منكم دينا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو [ على ]: أن لعلي على كل واحد منكم دينا عدد ماله مثل عدد


1) ” فما تصنعون بما أنزل عليه المر ” المعاني والبحار. 2) ” دلتكم ” بعض المصادر. (*)

[ 66 ]

هذا الحساب، أو على: أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب. قالوا: يا أبا الحسن ليس شئ مما ذكرته منصوصا عليه في ” الم ” و ” المص ” و ” الر ” و ” المر “. فقال على عليه السلام: ولا شئ مما ذكرتموه منصوصا عليه في ” الم ” و ” المص ” و ” الر ” و ” المر ” فان بطل قولنا (بما قلتم، بطل قولكم بما قلنا). (1) فقال خطيبهم، ومنطيقهم: لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن (2) إقامة حجة (3) على دعوانا، فأي حجة لك في دعواك إلا أن تجعل عجزنا حجتك، فإذا مالنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون. قال على عليه السلام: لا سواء، إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة. ثم نادى جمال اليهود: يا أيتها الجمال اشهدي لمحمد ولوصيه. فنادت (4) الجمال: صدقت صدقت [ يا علي ] يا وصي محمد، وكذب هؤلاء [ اليهود ]. فقال على عليه السلام: هؤلاء خير من اليهود، (5) يا ثياب اليهود [ التي عليهم ] (6) اشهدي لمحمد صلى الله عليه وآله ولوصيه. فنطقت ثيابهم كلها: صدقت صدقت يا علي، نشهد أن محمدا رسول الله حقا وأنك يا علي وصيه حقا، لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلا وطئت على موضع قدمه بمثل مكرمته، فأنتما شقيقان من أشرف (7) أنوار الله تعالى، [ فميزتما اثنين ] (8) وأنتما في الفضائل شريكان، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله.


1) ” لما قلنا، بطل قولك لما قلت ” بعض المصادر. 2) ” على ” أ. 3) زاد في بعض المصادر: فيما تقولهن (نقوله). 4) ” فتبارد ” بعض المصادر. 5) ” جنس من الشهود ” س، ص، وبعض المصادر. 6) من المعاني والبحار. 7) ” اشراق ” المعاني، والبرهان. 8) من المعاني والبحار. (*)

[ 67 ]

فعند ذلك خزيت (1) اليهود، وآمن بعض النظارة (2) منهم برسول الله صلى الله عليه وآله، وغلب الشقاء على اليهود، وبعض (3) النظارة الآخرين، فذلك ما قال الله تعالى ” لا ريب فيه ” إنه كما قال محمد صلى الله عليه وآله، ووصي محمد عن قول [ محمد صلى الله عليه وآله، عن قول ] رب العالمين. ثم قال: ” هدى ” بيان وشفاء ” للمتقين ” من شيعة محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام. [ إنهم ] (4) اتقوا أنواع الكفر فتركوها، واتقوا [ أنواع ] الذنوب الموبقات فرفضوها واتقوا إظهار أسرار الله تعالى، وأسرار أزكياء عباده الاوصياء بعد محمد صلى الله عليه وآله، فكتموها. واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها، وفيهم نشروها. (5) قوله عزوجل ” الذين يؤمنون بالغيب “: 3 34 – قال الامام عليه السلام: ثم وصف هؤلاء المتقين (6) الذين هذا الكتاب هدى لهم فقال: (الذين يؤمنون بالغيب) يعني بما غاب عن حواسهم من الامور التي يلزمهم الايمان بها، كالبعث [ والنشور ] والحساب والجنة والنار، وتوحيد الله تعالى وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة. وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله عزوجل [ عليها ] كآدم، وحواء، وإدريس ونوح، وإبراهيم، والانبياء الذين يلزمهم الايمان [ بهم، و ] بحجج الله تعالى، وإن لم


1) ” خرست ” بعض المصادر. 2) ” النصارى ” خ ل. والنظارة: القوم ينظرون إلى الشئ. 3) ” سائر ” س، ص. 4) من المصادر. 5) عنه البحار: 17 / 218 ضمن ح 21 (إلى قوله: على سائر أحوالهم) وتأويل الايات: 1 / 32 قطعة، وعنه البحار: 92 / 215 ح 18 وعن الاحتجاج ومعانى الاخبار: 25 ضمن ح 4 باسناديهما عن محمد بن القاسم.. وأخرجه في ص 378 ضمن ح 10 من البحار المذكور، وحلية الابرار: 2 / 482، والبرهان: 1 / 54 ضمن ح 9، ونور الثقلين: 1 / 24 ضمن ح 7 عن معاني الاخبار. 6) ” المؤمنين ” ص. (*)

[ 68 ]

يشاهدوهم ويؤمنون بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. (1) [ التوسل إلى الله بمحمد وآله ] 35 – وذلك أن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) مر بقوم من اليهود، فسألوه أن يجلس إليهم، ويحدثهم بما سمع من محمد صلى الله عليه وآله في يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم، فقال: سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول: إن الله عزوحل يقول: يا عبادي أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلا أن يتحمل عليكم بأحب الخلق إليكم تقصونها كرامة لشفيعهم (2) ؟ ألا فاعلموا إن أكرم الخلق علي، وأفضلهم لدي: محمد، وأخوه علي، ومن بعده من الائمة الذين هم الوسائل إلي. ألا فليد عني من هم بحاجة يريد نفعها، أو دهته داهية يريد كف (3) ضررها، بمحمد وآله الافضلين الطيبين الطاهرين، أقضها له أحسن مما يقضيها من تستشفعون إليه بأعز (4) الخلق عليه. قالو السلمان وهم (يسخرون و) (5) يستهزؤن [ به ]: يا أبا عبد الله فما بالك لا تقترح على الله، وتتوسل بهم: أن يجعلك أغنى أهل المدينة ؟ فقال سلمان: قد دعوت الله عزوجل بهم، وسألته ما هو أجل وأفضل وأنفع من ملك الدنيا بأسرها: سألته بهم صلى الله عليهم أن يهب لي لسانا لتحميده (6) وثنائه ذاكرا، وقلبا لآلائه شاكرا، وعلى الدواهي الداهية لي صابرا، وهو عزوجل قد أجابني إلى ملتمسي (7) من ذلك، وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها، وما تشتمل عليه من


1) عنه البحار: 68 / 285 ح 42، والبرهان: 1 / 56 ح 11. 2) ” لشفيعكم ” أ. ” لشيعتهم ” البحار: 94. 3) ” كشف ” ص، الوسائل والبحار. 4) ” بأحب ” أ. 5) من البحار. 6) ” لتمجيده ” ص، البحار. 7) ” مسألتي ” ب. (*)

[ 69 ]

خيراتها مائة ألف ألف مرة. قال عليه السلام: فجعلوا يهزؤون به ويقولون: يا سلمان لقد ادعيت مرتبة عظيمة شريفة نحتاج أن نمتحن صدقك من كذبك فيها، وها نحن أولا (1) قائمون إليك بسياط فضاربوك بها، فسل ربك أن يكف أيدينا (2) عنك. فجعل سلمان يقول: اللهم اجعلني على البلاء صابرا. وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملوا، وجعل سلمان لا يزيد على قوله: اللهم اجعلني على البلاء صابرا. فلما ملوا وأعيوا، قالوا له: يا سلمان ما ظننا أن روحا تثبت في مقرها مع مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربك أن يكفنا عنك ؟ [ ف‍ ] فقال: لان سؤالي ذلك ربي خلاف الصبر، بل سلمت لا مهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر. فلما استراحوا قامرا إليه بعد بسياطهم، فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتى تزهق روحك أو تكفر بمحمد. فقال: ماكنت لافعل ذلك، فان الله قد أنزل على محمد (الذين يؤمنون بالغيب) وإن احتمالي لمكارهكم – لادخل في جملة من مدحه الله بذلك – سهل علي يسير. فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى ملوا، ثم قعدوا، وقالوا: يا سلمان لو كان لك عند ربك قدر لايمانك بمحمد لاستجاب [ الله ] (3) دعاءك وكفنا عنك. فقال سلمان: ما أجهلكم ! كيف يكون مستجيبا دعائي إذا فعل بي (4) خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لي وصبرني، ولم أسأله كفكم عني فيمنعني حتى يكون ضد دعائي كما تظنون. فقاموا إليه ثالثة بسياطهم، فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على [ قوله: ] اللهم صبرني على البلاء في حب صفيك وخليلك محمد.


1) ” إذا ” ب، ط. 2) ” عذابنا ” أ. 3) من البحار. 4) ” لى ” أ. (*)

[ 70 ]

فقالوا له: يا سلمان ويحك أو ليس محمد قد رخص لك أن تقول كلمة الكفر [ به ] بما تعتقد ضده للتقية من أعدائك ؟ فما بالك لا تقول (ما يفرج عنك) (1) للتقية ؟ فقال سلمان: إن الله تعالى قد رخص لي في ذلك ولم يفرضه علي، بل أجاز لي (2) أن لا أعطيكم ما تريدون، وأحتمل مكارهكم، وأجعله أفضل المنزلتين، وأنا لا أختار غيره. ثم قاموا إليه بسياطهم، وضربوه ضربا كثيرا، وسيلوا دماءه، وقالوا له – وهم ساخرون -: لا تسأل الله كفنا عنك، ولا تظهر لنا ما نريد منك لنكف به عنك، فادع علينا بالهلاك إن كنت من الصادقين في دعواك أن الله لا يرد دعاءك بمحمد وآله الطيبين [ الطاهرين ]. فقال سلمان: إني لاكره أن أدعو الله بهلاككم مخافة أن يكون فيكم من قد علم الله أنه سيؤمن بعد، فأكون قد سألت الله تعالى اقتطاعه عن الايمان. فقالوا: قل: اللهم أهلك من كان في معلومك (3) أنه يبقى إلى الموت على تمرده، فانك لا تصادف بهذا الدعاء ما خفته. قال: فانفرج له حائط البيت الذي هو فيه مع القوم، وشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: يا سلمان ادع عليهم بالهلاك، فليس فيهم أحد يرشد، كما دعا نوح عليه السلام على قومه لما عرف أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن. فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك ؟ فقالوا: تدعو الله [ ب‍ ] أن يقلب سوط كل واحد منا أفعى تعطف رأسها، ثم تمشش (4) عظام سائر بدنه.


1) ” ما نقترح (به) عليك ” س، ص، البحار. 2) ” أجازني ” ب، ط 3) ” علمك ” خ ل. 4) مشش وتمشش العظم: مصه واستخرج منه المخ. (*)

[ 71 ]

فدعا الله بذلك، فما من سياطهم سوط إلا قلبه الله تعالى عليهم أفعى لها رأسان تتناول برأس [ منها ] (1) رأسه، وبرأس آخر يمينه التي كان فيها سوطه، ثم رضضتهم ومششتهم (2) وبلعتهم والتقمتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في مجلسه: معاشر المؤمنين إن الله تعالى قد نصر أخاكم سلمان ساعتكم هذه على عشرين من مردة (3) اليهود والمنافقين، قلبت سياطهم أفاعي رضضتهم ومششتهم، وهشمت عظامهم والتقمتهم، فقوموا بنا ننظر إلى تلك الآفاعي المبعوثة لنصرة سلمان. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه إلى تلك الدار، وقد اجتمع إليها جيرانها من اليهود والمنافقين لم سمعوا ضجيج القوم بالتقام الافاعي لهم، وإذا هم خائفون منها نافرون من قربها. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله خرجت كلها [ من ] (4) البيت إلى شارع المدينة، وكان شارعا ضيقا، فوسعه الله تعالى، وجعله عشرة أضعافه. ثم نادت الافاعي: السلام عليك يا محمد يا سيد الاولين والآخرين، السلام عليك يا علي يا سيد الوصيين، السلام على ذريتك الطيبين الطاهرين الذين جعلوا على الخلق قوامين، هانحن سياط هؤلاء المنافقين [ الذين ] قلبنا الله تعالى أفاعي بدعاء هذا المؤمن ” سلمان “. [ ف‍ ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمدلله الذي جعل [ من أمتي ] من يضاهي بدعائه – عند كفه، وعند انبساطه – نوحا نبيه.


1) من البحار. 2) ” هششتهم ” أ وكذا التى بعدها. هششت الورق أهشه هشا: خبطته بعصا، ومنه قوله عزوجل ” وأهش بها على غنمي ” أي أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاه غنمه. (لسان العرب: 6 / 365) 3) ” فرقة ” ب، ط. 4) من البحار، وفى ” أ “: إليه عن، وفى ” ب، ط ” عن. (*)

[ 72 ]

ثم نادت الافاعي: يا رسول الله قد اشتد غضبنا (1) على هؤلاء الكافرين، وأحكامك وأحكام وصيك علينا جائزة في ممالك رب العالمين، ونحن نسألك أن تسأل الله تعالى أن يجعلنا من أفاعي جهنم التي نكون فيها لهؤلاء معذبين كما كنا لهم في هذه الدنيا ملتقمين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجبتكم إلى ذلك، فالحقوا بالطبق الاسفل من جهنم بعد أن تقذفوا ما في أجوافكم من أجزاء أجسام هؤلاء الكافرين ليكون (2) أتم لخزيهم، وأبقى للعار عليهم إذا كانوا بين أظهرهم مدفونين، يعتبر (3) بم المؤمنون المارون بقبورهم يقولون: هؤلاء الملعونون المخزيون (4) بدعاء ولي محمد: سلمان الخير من المؤمنين. فقذفت الافاعي ما في بطونها من أجزاء أبدانهم، فجاء أهلوهم فدفنوهم، وأسلم كثير من الكافرين، وأخلص كثير من المنافقين، وغلب الشقاء على كثير من الكافرين والمنافقين، فقالوا: هذا سحر مبين. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على سلمان فقال: يا أبا عبد الله (5) أنت من خواص إخواننا المؤمنين، ومن أحباب قلوب ملائكة الله المقربين، إنك في ملكوت السماوات والحجب والكرسي والعرش وما دون ذلك إلى الثرى، أشهر في فضلك عندهم من الشمس الطالعة في يوم لا غيم فيه (6) ولا قتر، ولا غبار في الجو، أنت من أفاضل الممدوحين بقوله: ” الذين يؤمنون بالغيب “. (7)


1) ” غيضنا ” ص. 2) ” فيكون ” أ. 3) ” يعير ” أ. 4) ” المجزيون ” ب، ط. 5) ” يا عبد الله ” أ. كانت كنيته (رض): أبو عبد الله. 6) ” به ” ب، ط. 7) عنه البحار: 22 / 369 ح 9، وفى ج 75 / 413 ح 63 مجملا، واثبات الهداة: 2 / 154 ح 595 قطعة. وعنه في الوسائل: 4 / 1141 ح 8، والبحار: 94 / 92 ح 20 وعن عدة الداعي: 151 (قطعة). وأورد قطعة منه في تنبيه الخواطر: 2 / 100، وارشاد القلوب: 2 / 424. (*)

[ 73 ]

قوله عزوجل: ” ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون “: 3 36 – قال الامام عليه السلام: ثم وصفهم بعد [ ذلك ] فقال (ويقيمون الصلاة) يعني باتمام ركوعها وسجودها، وحفظ مواقيتها وحدودها، وصيانتها عما يفسدها وينقضها. (1) 37 – ثم قال [ الامام ] عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان من خيار أصحابه [ عنده ] أبو ذر الغفاري، فجاءه ذات يوم فقال: يا رسول الله إن لي غنيمات (2) قدر ستين شاة، أكره أن أبدو (3) فيها، وافارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن أكلها إلى راع فيظلمها (4) ويسئ رعايتها (5) فكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبد فيها. [ فبدا فيها ] فلما كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر. فقال: لبيك يا رسول الله. قال: ما فعلت غنيماتك ؟ فقال: يا رسول الله إن لها قصة عجيبة. [ ف‍ ] قال: وما هي ؟ قال: يا رسول الله بينا أنا في صلاتي إذ عدا (6) الذئب على غنمي، فقلت: يا رب صلاتي، يا رب غنمي، فآثرت صلاتي على غنمي فأخطر الشيطان ببالي ” يا أبا ذر أين أنت إن عدت (7) الذئاب على غنمك وأنت تصلي فأهلكتها كلها، وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيش (8) به ” ؟ فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله تعالى، والايمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب عليه السلام، وموالاة الائمة الهادين الطاهرين من


1) عنه البحار: 84 / 231 صدر ح 5، وفيه (كما في س، ص): يفسدها أو ينقصها. 2) ” غنما ” أ. 3) ” ابدءه ” ب. ” أبدأ ” ط. وأبدو: أخرج إلى البادية. 4) ” فيضلها ” أ. 5) ” رعيها ” ب، ط. 6) ” غدا ” أ. قال ابن الاثير في النهاية: 3 / 193: وفيه ” ماذئبان عاديان أصابا فريقة غنم ” العادى: الظالم، وقد عدا يعدو عليه عدوانا. 7) ” غدت ” أ. 8) ” تعيش ” أ، البحار: 84. (*)

[ 74 ]

ولده، ومعاداة أعدائهم، وكلما فات من الدنيا بعد ذلك جلل. (1) فأقبلت على صلاتي، فجاء ذئب، فأخذ حملا وذهب به وأنا أحس به، إذا أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين، واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع، ثم ناداني (2): يا أبا ذر أقبل على صلاتك، فان الله تعالى قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي. فأقبلت على صلاتي، وقد غشيني من التعجب مالا يعمله إلا الله تعالى حتى فرغت منها، فجاءني الاسد وقال لي: إمض إلى محمد صلى الله عليه وآله فأخبره أن الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، ووكل أسدا بغنمه يحفظها. فتعجب من [ كان ] حول رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدقت يا أبا ذر، ولقد آمنت به أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين). فقال بعض المنافقين: هذا بمواطاة (3) بين محمد وأبي ذر، يريد أن يخدعنا بغروره. واتفق منهم عشرون رجلا وقالوا: نذهب إلى غنمه، وننظر إليها، وننظر إليه (4) إذا صلى، هل يأتي الاسد ويحفظ (5) غنمه، فيتبين بذلك كذبه. فذهبوا ونظروا و [ إذا ] أبو ذر قائم يصلي، والاسد يطوف حول غنمه ويرعاها ويرد إلى القطيع ما شذ عنه منها، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الاسد: هاك قطيعك مسلما، وافر العدد سالما. (6) ثم ناداهم الاسد: [ يا ] معاشر المنافقين أنكرتم لو لي محمد وعلي وآله الطيبين والمتوسل إلى الله تعالى بهم أن يسخرني [ الله ] (7) ربي لحفظ غنمه، والذي


1) ” سهل ” ب، ط. وجلل: هين يسير. والجلل من الاضداد، يكون للحقير والعظيم. 2) ” نادى ” ب، ط. 3) ” لمواطاة ” البحار. 4) ” إلى أبى ذر ” ب، ط. 5) ” لحفظ ” أ. 6) ” سالم الاهل ” أ، س. 7) من البحار. (*)

[ 75 ]

أكرم محمدا وآله الطيبين الطاهرين لقد جعلني الله طوع يدي أبي ذر حتى لو أمرني بافتراسكم وهلاككم لاهلكتكم (1)، والذي لا يحلف بأعظم منه لو سأل الله بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أن يحول البحار دهن زنبق وبان (2) والجبال مسكا وعنبرا وكافورا، وقضبان الاشجار قضب الزمرد، والزبرجد لما منعه الله تعالى ذلك. فلما جاء أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال له رسول الله: يا أبا ذر إنك أحسنت طاعة الله، فسخر الله لك من يطيعك في كف العوادي عنك، فأنت من أفضل من مدحه الله عزوجل [ ب‍ ] أنه يقيم الصلاة. (3) قوله عزوجل: ” ومما رزقناهم ينفقون “. 38 – قال الامام عليه السلام: يعني (ومما رزقناهم) من الاموال، والقوى في الابدان والجاه، والمقدار. (ينفقون): يؤدون من الاموال الزكوات، ويجودون بالصدقات، ويحتملون الكل (4) يؤدون الحقوق اللازمات: كالنفقة في الجهاد إذا لزم، وإذا استحب، وكسائر النفقات الواجبات على الاهلين وذوي الارحام القريبات (5) والآباء والامهات وكالنفقات المستحبات على من لم يكن فرضا عليهم النفقة من سائر القرابات، وكالمعروف بالاسعاف والقرض، والاخذ بأيدي الضعفاء والضعيفات. ويؤدون من قوى الابدان المعونات كالرجل يقود ضريرا، وينجيه من مهلكة أو يعين مسافرا أو غير مسافر على حمل متاع على دابة قد سقط عنها، أو كدفع عن


1) ” لاهلكتم ” أ. 2) ” ذيبق وبان ” أ. ” زنبق ولبان ” البحار: 84. والزنبق: دهن الياسمين. والبان: شجر ثمرته تشبه قرون اللوبياء، يؤخذ من حبه دهن طيب. 3) عنه البحار: 22 / 393 ح 1، وج 84 / 231 ضمن ح 5، ومدينة المعاجز: 67 ح 160. وأورد قطعة منه في تنبيه الخواطر: 2 / 101، وارشاد القلوب: 2 / 425. 4) الكل – بفتح الكاف -: المشقة. 5) ” والقرابات ” أ. (*)

[ 76 ]

مظلوم [ قد ] قصده ظالم بالضرب أو بالاذى. ويؤدون الحقوق من الجاه بأن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه، أو يطلبوا حاجة بجاههم لمن [ قد ] عجز عنها بمقداره. فكل هذا إنفاق مما رزقه الله تعالى. (1) [ في أن الاعمال لا تقبل الا بالولاية: ] 39 – قال الامام عليه السلام: أما الزكاة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أدى الزكاة إلى مستحقها، وقضى الصلاة على حدودها، ولم يلحق بهما من الموبقات ما يبطلهما جاء يوم القيامة يغبطه كل من في تلك العرصات حيت يرفعه نسيم الجنة إلى أعلى غرفها وعلاليها (2) بحضرة من كان يواليه من محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن بخل بزكاته وأدى صلاته، فصلاته محبوسة دوين السماء إلى أن يجئ [ حين ] (3) زكاته، فان أداها جعلت كأحسن الافراس مطية لصلاته، فحملتها إلى ساق العرش فيقول الله عزوجل: سر إلى الجنان، واركض فيها إلى يوم القيامة، فما انتهى إليه ركضك، فهو (كله بسائر ما تمسه لباعثك) (4) فيركض فيها على أن كل ركضة مسيرة سنة في قدر لمحة بصره من يومه إلى يوم القيامة، حتى ينتهي [ به ] إلى حيث ما شاء الله تعالى، فيكون ذلك كله له، ومثله عن يمينه وشماله، وأمامه وخلفه، وفوقه وتحته. وإن بخل بزكاته ولم يؤدها، أمر بالصلاة فردت إليه، ولفت كما يلف الثوب


1) عنه البحار: 96 / 168 ح 14، والوسائل: 15 / 238 ح 2 (قطعة). 2) علالى: جمع علية – بضم العين وكسرها – الغرفة. وفى البحار: 96: عاليها. 3) ” خبر ” ب، والبحار: 96. 4) ” لك كله بسائر ما تمنيته لباعثك ” س، ص. ” كله يمينه ويساره لك ” ب، ط. (*)

[ 77 ]

الخلق، ثم يضرب بها وجهه، ويقال [ له ]: يا عبد الله ما تصنع بهذا دون هذا ؟ قال: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أسوأ حال هذا [ والله ] ! قال رسول الله صلى الله عليه وآله أولا أنبئكم بمن هو أسوا حالا من هذا ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: رجل (1) حضر الجهاد في سبيل الله تعالى، فقتل مقبلا غير مدبر، والحور العين يتطلعن (2) إليه، وخزان الجنان يتطلعون [ إلى ] ورود روحه عليهم [ وأملاك السماء ] وأملاك الارض يتطلعون [ إلى ] نزول حور العين إليه، والملائكة خزان الجنان، فلا يأتونه. (3) فتقول ملائكة الارض حوالي ذلك المقتول: ما بال الحور [ العين ] (4) لا ينزلن إليه ؟ وما بال خزان الجنان لا يردون عليه ؟ فينادون من فوق السماء السابعة: يا أيتها الملائكة، انظروا إلى آفاق السماء [ و ] دوينها. فينظرون، فإذا توحيد هذا العبد [ المقتول ] وإيمانه برسول الله صلى الله عليه وآله، وصلاته وزكاته، وصدقته، وأعمال بره كلها محبوسات دوين السماء، وقد طبقت (5) آفاق السماء كلها – كالقافلة العظيمة قد ملات ما بين أقصى المشارق والمغارب، ومهاب الشمال والجنوب – تنادي أملاك تلك الافعال (6) الحاملون لها، الواردون بها: ما بالنا لا تفتح لنا أبواب السماء لندخل إليها بأعمال هذا الشهيد ؟ فيأمر الله عزوجل بفتح أبواب السماء، فتفتح، ثم ينادي هؤلاء الاملاك: ادخلوها إن قدرتم. فلا تقلها أجنحتهم، ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الاعمال فيقولون: يا ربنا لا نقدر على الارتفاع بهذه الاعمال.


1) ” من ” ب، ط. 2) ” يطلبن ” ب، ط. ” يطلعن ” س، ص البحار. 3) ” ينزلون عليه ” س. 4) من البحار والبرهان. 5) ” طيفت ” أ. طبق الشئ: عم. 6) ” الاثقال ” ب، ط، والبحار: ” الاعمال ” البرهان. (*)

[ 78 ]

فيناديهم منادي ربنا عزوجل: يا أيتها الملائكة لستم حمالي هذه الاثقال [ الصاعدين بها ] إن حملتها الصاعدين بها مطاياها التي ترفعها إلى دوين العرش، ثم تقرها في درجات الجنان. فتقول الملائكة ؟ يا ربنا ما مطاياها ؟ فيقول الله تعالى: وما الذي حملتم من عنده ؟ فيقولون: توحيده لك، وإيمانه بنبيك. فيقول الله تعالى: فمطاياها موالاة علي أخي نبيي، وموالاة الائمة الطاهرين، فان أتيت فهي الحاملة الرافعة الواضعة (1) لها في الجنان. فينظرون فإذا الرجل مع ما له من هذه الاشياء، ليس له موالاة علي بن أبي طالب والطيبين من آله، ومعاداة أعدائهم. فيقول الله تبارك وتعالى للاملاك الذين كانوا حامليها: اعتزلوها (2)، والحقوا بمراكزكم من ملكوتي ليأتها من هو أحق بحملها، ووضعها في موضع استحقاقها. فتلحق تلك الاملاك بمراكزها المجعولة لها. ثم ينادى منادي ربنا عزوجل: يا أيتها الزبانية تناوليها، وحطيها (3) إلى سواء الجحيم، لان صاحبها لم يجعل لها مطايا من موالاة علي والطيبين من آله عليهم السلام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله ]: فتناول (4) تلك الاملاك، ويقلب الله عزوجل تلك الاثقال أوزارا وبلايا على باعثها لما فارقتها مطاياها من موالاة أمير المؤمنين عليه السلام ونادت تلك الملائكة إلى مخالفته لعلي عليه السلام، وموالاته لاعدائه. (5) فيسلطها الله عزوجل وهي في صورة الاسود على تلك الاعمال، وهي كالغربان


1) ” الموصلة ” ص. 2) ” انزلوها ” ص. 3) ” ضعيها وحطيها ” أ. ” ضعيها ” ص، والبرهان. 4) ” فتنادى ” ب، ط، التأويل، البحار، والبرهان. 5) بمعنى أن تلك الزبانية تنادى الملائكة بأن هذا مخالف لعلى وموال لعدوه. (*)

[ 79 ]

والقرقس (1) فتخرج من أفواه تلك الاسود نيران تحرقها، ولا يبقى له عمل إلا أحبط ويبقى عليه موالاته لاعداء علي عليه السلام وجحده ولايته، فيقره ذلك في سواء الجحيم فإذا هو قد حبطت أعماله، وعظمت أوزاره وأثقاله. فهذا أسوأ حالا من مانع الزكاة الذي يحفظ (2) الصلاة. (3) [ مستحق الزكاة، وعدم جواز دفعها إلى المخالف ] 40 – قال: فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: فمن يستحق الزكاة ؟ قال: المستضعفون من شيعة محمد وآله الذين لم تقو بصائرهم. فأما من قويت بصيرته، وحسنت بالولاية لاوليائه والبراءة من أعدائه معرفته، فذاك أخوكم في الدين، أمس بكم رحما من الآباء والامهات المخالفين (4) فلا تعطوه زكاة ولا صدقة، فان موالينا وشيعتنا منا، وكلنا كالجسد الواحد يحرم على جماعتنا الزكاة والصدقة، وليكن ما تعطونه إخوانكم المستبصرين: البر، وارفعوهم عن الزكوات والصدقات، ونزهوهم عن أن تصبوا عليهم أوساخكم، أيحب أحدكم أن يغسل وسخ بدنه، ثم يصبه على أخيه المؤمن ؟ إن وسخ الذنوب أعظم من وسخ البدن، فلا توسخوا بها إخوانكم المؤمنين. ولا تقصدوا أيضا بصدقاتكم وزكواتكم [ المخالفين ] المعاندين لآل محمد، المحبين لاعدائهم، فان المتصدق على أعدائنا [ كان ] كالسارق في حرم ربنا عزوجل وحرمي. قيل: يا رسول الله فالمستضعفون من المخالفين الجاهلين، لاهم في مخالفتنا مستبصرون


1) هو ما يشبه البق، وقيل: البعوض الصغار. 2) ” التى تحبط ” ب، ط، والبرهان. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 171 ح 5، والبحار: 27 / 187 ح 46، ج 96 / 8 ح 4 (قطعة) والبرهان: 3 / 160 ح 7. 4) ” أما المخالف ” ب، ط. ” أما المخالفون ” الوسائل. وكلاهما لا يناسب السياق. …..

[ 80 ]

ولاهم لنا معاندون ؟ قال: فيعطى الواحد [ منهم ] من الدراهم (1) ما دون الدرهم، ومن الخبز ما دون الرغيف. [ استحباب صيانة العرض بالمال: ] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثم كل معروف بعد ذلك، وما وقيتم به أعراضكم وصنتموها عن ألسنة كلاب الناس، كالشعراء الوقاعين (2) في الاعراض، تكفونهم فهو محسوب لكم في الصدقات. (3) [ فضل اعانة المجاهدين: ] 41 – وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن النفقة في الجهاد إذا لزم أو استحب ؟ فقال: أما إذا لزم الجهاد بأن لا يكون بازاء الكافرين من ينوب عن سائر المسلمين فالنفقة هناك: الدرهم بسبعمائة ألف. فأما المستحب الذي هو قصد [ ه ] الرجل، وقد ناب عنه من سبقه (4) واستغنى عنه فالدرهم بسبعمائة حسنة، كل حسنة خير من الدنيا وما فيها مائة ألف مرة. (5) [ ثواب القرض ] 42 – وأما القرض، فقرض درهم كصدقة درهمين، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: هو الصدقة على الاغنياء. (6)


1) ” الدرهم ” أ. 2) من خ ل. ” والوقاعين ” أ، ” الواقعين ” ب، ط. والوقاع: الذى يغتاب الناس. ويقع في فلان: أي يذمه ويعيبه ويغتابه. 3) عنه الوسائل: 6 / 157 ح 6، والبحار: 96 / 68 ح 40، ومستدرك الوسائل: 2 / 644 ح 1 (قطعة). 4) ” سبعة ” ب، ط، والبحار، وهو تصحيف. 5) عنه البحار: 100 / 57 ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 245 ح 46. 6) عنه البحار: 103 / 140 ح 13، وفيه: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: هو على الاغنياء. (*)

[ 81 ]

[ ثواب نصر الضعفاء والمظلومين: ] 43 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله [ أنه ] قال: من قاد ضريرا أربعين خطوة على أرض سهلة، لا خوف عليه [ فيها ]، أعطي بكل خطوة قصرا في الجنة مسيرة ألف سنة [ في ألف سنة ] لا يفي بقدر إبرة منها جميع (1) طلاع الارض ذهبا. فان كان فيما قاده مهلكة جوزه عنها، وجد ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة أوسع من الدنيا مائة ألف مرة، ورجح بسيئاته كلها ومحقها، وأقر [ له ] (2) في أعالي الجنان وغرفها. (3) وما من رجل رأى ملهوفا في طريق بمركوب له قد سقط، وهو يستغيث ولا يغاث فأغاثه وحمله على مركوبه، وسوى له إلا قال الله عزوجل: كددت نفسك، وبذلت جهدك في إغاثة أخيك [ هذا المؤمن ]، لاكدن ملائكة هم أكثر عددا من خلائق الانس كلهم من أول الدهر إلى آخره، وأعظم قوة كل واحد منهم ممن يسهل عليه حمل السماوات والارضين ليبنوا لك القصور والمساكن و [ ل‍ ] يرفعوا لك الدرجات، فإذا أنت في جناتي (4) كأحد ملوكها الفاضلين. ومن دفع عن مظلوم قصد بظلم ضررا في ماله أو بدنه، خلق الله عزوجل من حروف أقواله، وحركات أفعاله، وسكونها، أملاكا بعدد كل حرف منها [ مائة ] ألف ملك كل ملك منهم يقصدون الشياطين الذين يأتون لاغوائه فيشجونهم (5) ضربا بالاحجار الدامغة. (6)


1) ” من جميعه ” ب، س، ط، والبحار. وطلاع الارض: ملؤها حتى يطالع أعلاها فيساويه 2) ” وأنزله ” البحار، ص. 3) عنه البحار: 75 / 15 ح 8. 4) ” الجنان ” ط. ” جناني ” س، ص، خ ل والبحار. 5) ” فيثخنونهم ” س، ص، البحار. والشج في الرأس خاصة: وهو أن تضربه بشئ فتجرحه فيه وتشقه، ثم استعمل في غيره من الاعضاء. 6) ” الدافعة ” ب، ط، والبحار. وشجة دامغة: تبلغ الدماغ. (*)

[ 82 ]

وأوجب الله عزوجل بكل ذرة ضرر دفع عنه، وبأقل قليل جزء ألم الضرر (1) الذي كف عنه مائة ألف من خدام (2) الجنان، ومثلهم من الحور العين الحسان يدللونه هناك ويشرفونه ويقولون: هذا بدفعك عن فلان ضررا في ماله أو بدنه. (3) [ رد غيبة المؤمن: ] ومن حضر مجلسا وقد حضر فيه كلب يفترس عرض أخيه الغائب (4) واتسع جاهه فاستخف به، ورد عليه، وذب عن عرض أخيه الغائب، قيض الله الملائكة المجتمعين عند البيت المعمور لحجهم، وهم شطر ملائكة السماوات، وملائكة الكرسي والعرش، وملائكة (5) الحجب، فأحسن كل واحد منهم بين يدي الله تعالى محضره، يمدحونه ويقربونه (6) ويسألون الله تعالى له الرفعة والجلالة. فيقول الله تعالى: أما أنا فقد أوجبت له بعدد كل واحد من ما دحيكم مثل عدد جميعكم من درجات (7) [ و ] قصور، وجنان، وبساتين، وأشجار، وما شئت، مما لا يحيط به المخلوقون. (8)


1) ” الضرب ” ب. 2) ” خزان ” ب، ط. 3) عنه البحار: 75 / 22 ح 28. 4) ” أو (و) اخوانه ” ب، ص، ط والبحار. 5) ” وهم شطر ملائكة ” ب، س، ط، والبحار. 6) ” يفرطونه ” أ. ” يقرظونه ” س، ص. وزاد في البحار والمستدرك: ويقرظونه. قرظه: مدحه. وفرطه – بالراء المشددة – مدحه أو هجاه حتى تجاوز الحد. 7) كذا في خ ل المستدرك. وفيه وفى الاصل والبحار: الدرجات، وفى بعض النسخ: الدرجات قصور. قال الراغب الاصفهانى في المفردات: 167: الدرجة يعبر بها عن المنزلة الرفيعة. وهنا ليس المراد بها المعنى المعنوي وانما منازل الجنة ودرجاتها الرفيعة وهى حسية. 8) عنه البحار: 75 / 258 ح 51، ومستدرك الوسائل: 2 / 108 باب 136 ح 3. (*)

[ 83 ]

[ عبادة على عليه السلام: ] 44 – ولقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وقد غص مجلسه بأهله، فقال: أيكم أنفق اليوم من ماله ابتغاء وجه الله تعالى ؟ فسكتوا. فقال على صلوات الله عليه: أنا خرجت ومعي دينار أريد أن أشتري به دقيقا، فرأيت المقداد بن الاسود، وتبينت في وجهه أثر الجوع، فناولته الدينار. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وجبت (1) ثم قام [ رجل ] آخر فقال: يا رسول الله قد أنفقت اليوم أكثر مما أنفق علي جهزت رجلا وامرأة يريدان طريقا ولا نفقة لهما، فأعطيتهما ألفي (2) درهم. فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله. فقالوا: يا رسول الله مالك قلت لعلي: ” وجبت “، ولم تقل لهذا وهو أكثر صدقة ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما رأيتم ملكا يهدي خادم‍ [ ه ] إليه هدية خفيفة، فيحسن موقعها عنده، ويرفع محل صاحبها، ويحمل إليه من عند (3) خادم آخر هدية عظيمة فيردها، ويستخف بباعثها ؟ قالوا: بلى. قال: فكذلك صاحبكم علي دفع دينارا منقادا لله سادا خلة فقير مؤمن، وصاحبكم الآخر أعطى ما أعطى (نظيرا له، معاندة علي أخي) (4) رسول الله، يريد به العلو على علي بن أبي طالب عليه السلام، فأحبط الله تعالى عمله، وصيره وبالا عليه. أما لو تصدق بهذه النية من الثرى إلى العرش ذهبا و [ وفضة ] ولؤلؤا لم يزدد (5) بذلك من رحمة الله تعالى إلا بعدا، وإلى سخط الله تعالى إلا قربا، وفيه ولوجا واقتحاما. (6)


(1) أي فعلت فعلا وجبت لك به الجنة. وقال المجلسي – رحمه الله – أي لك الرحمة والجنة. 2) ” الف ” البحار. 3) ” عنده ” أ. 4) ” معاندة لاخى ” البحار. 5) ” يجد ” أ. 6) عنه البحار: 41 / 18 صدر ح 12. (*)

[ 84 ]

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم دفع اليوم عن أخيه المؤمن بقوته [ ضروا ] (1) ؟ فقال على عليه السلام: أنا مررت في طريق كذا، فرأيت فقيرا من فقراء المؤمنين قد تناوله أسد، فوضعه تحته وقعد عليه، والرجل يستغيث بي من تحته، فناديت الاسد: خل عن المؤمن. فلم يخل، فتقدمت إليه فركلته برجلي [ فدخلت رجلي ] في جنبه الايمن وخرجت من جنبه الايسر، وخر الاسد صريعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وجبت، هكذا يفعل الله بكل من آذى لك وليا، يسلط الله عليه في الآخرة سكاكين النار وسيوفها، يبعج (2) بها بطنه ويحشى نارا، ثم يعاد خلقا جديدا أبد الآبدين ودهر الداهرين. (3) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن ؟ فقال علي عليه السلام: أنا. قال: صنعت ماذا ؟ قال: مررت بعمار بن ياسر وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهما كانت له عليه فقال عمار: يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله هذا يلازمني ولا يريد إلا أذاي وإذلالي لمحبتي لكم أهل البيت، فخلصني منه بجاهك. فأردت أن اكلم له اليهودي. فقال: يا أخا رسول الله إنك أجل في قلبي وعيني من أن أبذلك (4) لهذا الكافر ولكن اشفع لي إلى من لا يردك عن طلبة، ولو أردت جميع جوانب العالم أن يصيرها (5) كأطراف السفرة [ لفعل ] (6) فاسأله أن يعينني على أداء دينه، ويغنيني عن الاستدانة. فقلت: اللهم افعل ذلك به، ثم قلت له: اضرب بيدك إلى ما بين يديك من شئ


(1) الضرو – بالكسر -: الضارى من أولاد الكلاب. 2) أي يشق. 3) عنه البحار: 41 / 19 ضمن ح 12. 4) ” أذلك “. أ. بذل الثوب: لبسه وقت الشغل وامتهنه. 5) ” يسيرها “. ب، ط. تصحيف. 6) من البحار. وفى ” س ” الشفرة بدل ” السفرة “. (*)

[ 85 ]

” حجر (1) أو مدر ” فان الله يقلبه لك ذهبا إبريزا (2) فضرب يده، فتناول حجرا فيه أمنان (3) فتحول في يده ذهبا. ثم أقبل على اليهودي فقال: وكم دينك ؟ قال: ثلاثون درهما. فقال: كم قيمتها من الذهب ؟ قال: ثلاثة دنانير. قال عمار: اللهم بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجر ذهبا، لين لي هذا الذهب لافصل قدر حقه. فالأنه الله عزوجل له، ففصل له ثلاثة مثاقيل، وأعطاه. ثم جعل ينظر إليه وقال: اللهم إني سمعتك تقول (كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى) (4) ولا أريد غنى يطغيني. اللهم فأعد هذا الذهب حجرا بجاه من جعلته ذهبا بعد أن كان حجرا. فعاد حجرا فرماه من يده، وقال: ” حسبي من الدنيا والآخرة موالاتي لك يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله. [ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ] فتعجبت ملائكة السماوات والارض من فعله، (5) وعجت (6) إلى الله تعالى بالثناء عليه، فصلوات الله من فوق عرشه تتوالى عليه. قال صلى الله عليه وآله: فابشر يا أبا اليقظان فانك أخو علي في ديانته، ومن أفاضل أهل ولايته ومن المقتولين في محبته، تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح (7) من لبن


(1) ” بحجر ” أ. 2) أي خالصا. 3) ” منان ” أ. والمن: رطلان والرطل: تسعون (احدى وتسعون) مثقالا. (مجمع البحرين: رطل، منن) 4) العلق: 6. 5) ” قبله ” البحار: 22. ” قيله ” أ، ص ” قلبه ” ب، ط. 6) عج: صاح ورفع صوته. 7) ” صياع ” أ. ” صاع ” البحار. والضياح: اللبن الرقيق الكثير الماء. (*)

[ 86 ]

وتلحق روحك بأرواح محمد وآله الفاضلين، فأنت من خيار شيعتي. (1) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم أدى زكاته اليوم ؟ قال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله. فأسر المنافقون في اخريات (2) المجلس بعضهم إلى بعض يقولون: وأي مال لعلي عليه السلام حتى يؤدي منه الزكاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أتدري ما يسره هؤلاء المنافقون في أخريات المجلس ؟ قال علي عليه السلام: بلى، قد أوصل الله تعالى إلى اذني مقالتهم، يقولون: وأي مال لعلي عليه السلام حتى يؤدى زكاته ؟ كل مال يغتنم من يومنا هذا إلى يوم القيامة فلي خمسه بعد وفاتك يا رسول الله وحكمي على الذي منه لك في حياتك جائز، فاني نفسك وأنت نفسي. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كذلك [ هو ] يا علي، ولكن كيف أديت زكاة ذلك ؟ فقال على عليه السلام: يا رسول الله علمت بتعريف الله إياي (3) على لسانك أن نبوتك هذه سيكون بعدها ملك عضوض، وجبرية (4) فيستولى على خمسي من السبي (5) والغنائم فيبيعونه، فلا يحل لمشتريه، لان نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي فيه (6) لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم من منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون


(1) عنه البحار: 22 / 333 ح 48، وج 41 / 19 ضمن ح 12. 2) ” آخر باب ” أ، وكذا التى بعدها. 3) ” اياك ” أ. وفى الوسائل بلفظ: قد علمت يا رسول الله أنه سيكون بعدك.. 4) ” وجير ” أ. قال ابن الاثير في النهاية: 3 / 253: وفيه ” ثم يكون ملك عضوض ” أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يعضون فيه عضا. والعضوض من أبنية المبالغة. وقال في ج 1 / 236: ” ثم يكون ملك وجبروت ” أي عتو وقهر. يقال: جبار بين – بالباء المشددة – الجبرية والجبروت. 5) ” الفى ” أ. 6) ” منه ” ب، ط. (*)

[ 87 ]

أولادهم أولاد حرام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما تصدق أحد أفضل من صدقتك (1) وقد تبعك رسول الله في فعلك: أحل لشيعته كل ما كان فيه من غنيمته، وبيع من نصيبه (2) على واحد من شيعته ولا احله أنا ولا أنت لغيرهم. (3) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم دفع اليوم عن عرض أخيه المؤمن ؟ قال علي عليه السلام: أنا يا رسول، مررت بعبدالله [ بن أبي ] وهو يتناول عرض زيد ابن حارثة فقلت له: اسكت لعنك الله، فما تنظر إليه إلا كنظرك إلى الشمس، ولا تتحدث عنه إلا كتحدث أهل الدنيا عن الجنة، فان الله قد زادك لعائن إلى لعائن بوقيعتك فيه. فخجل واغتاظ، فقال: يا أبا الحسن، إنما (4) كنت في قولي مازحا. فقلت له: إن كنت جادا فأنا جاد، وإن كنت هازلا فأنا هازل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد لعنه الله عزوجل عند لعنك له، ولعنته ملائكة السماوات والارضين والحجب والكرسي والعرش، إن الله تعالى يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك، ويعفو عند عفوك، ويسطو عند سطوتك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدري ماذا سمعت في الملا الاعلى فيك ليلة اسري بي يا علي ؟ سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك، ويستقضونه حوائجهم، ويتقربون إلى الله تعالى بمحبتك، ويجعلون أشرف ما يعبدون الله تعالى به الصلاة علي وعليك. وسمعت خطيبهم في أعظم محافلهم وهو يقول: علي الحاوي لاصناف الخيرات المشتمل على أنواع المكرمات، الذي قد اجتمعت فيه من خصال الخير (ما قد تفرق)


(1) ” صدقاتك ” أ. 2) ” مع نصيبه ” س، ط. 3) عنه الوسائل: 6 / 385 ح 20، والبحار: 41 / 20 ضمن ح 12، وج 96 / 193 ح 16. 4) ” أنا ” ب، ط. (*)

[ 88 ]

في غيره من البريات) (1) عليه من الله تعالى الصلوات والبركات والتحيات. وسمعت الاملاك بحضرته، والاملاك في سائر السماوات والحجب والعرش والكرسي والجنة والنار يقولون بأجمعهم عند فراغ الخطيب من قوله (2): آمين اللهم وطهرنا بالصلاة عليه وعلى آله الطيبين. (3) قوله عزوجل: ” والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون “: 4 45 – قال الامام عليه السلام: ثم وصف بعد هؤلاء الذين يقيمون الصلاة فقال: ” والذين يؤمنون بما انزل اليك – يا محمد – (4) وما انزل من قبلك ” على الانبياء الماضين، كالتوراة والانجيل والزبور، وصحف إبراهيم، وسائر كتب الله تعالى المنزلة على أنبيائه، بأنها حق وصدق من عند رب العالمين، العزيز، الصادق، الحكيم. ” وبالاخرة هم يوقنون “: وبالدار الآخرة بعد هذه الدنيا يوقنون، [ و ] لا يشكون فيها (5) أنها الدار التي فيها جزاء الاعمال الصالحة بأفضل مما عملوه، وعقاب الاعمال السيئة بمثل ما كسبوه. (6) [ في من دفع فضل على عليه السلام ] 46 – قال الامام عليه السلام: [ وقال الحسن بن علي عليهما السلام ] (7): من دفع فضل أمير المؤمنين عليه السلام على جميع من بعد النبي صلى الله عليه وآله فقد كذب بالتوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة، فانه ما نزل شئ منها إلا وأهم ما فيه بعد الامر بتوحيد الله


1) ” ما يفرق في غيره من المزيات ” أ. 2) ” قولهم ” ب، ط. 3) عنه البحار: 41 / 21 ذ ح 12. 4) ” أي من القرآن والشريعة ” البحار: 67. 5) زاد في ” أ “: وقال عليه السلام عنه تأويل الايات: 1 / 33 صدر ح 4، والبحار: 67 / 18، وج 68 / 285 صدر ح 43. 7) ليس في البحار. (*)

[ 89 ]

تعالى والاقرار بالنبوة: الاعتراف بولاية علي والطيبين من آله عليه السلام. (1) 47 – وقال الحسن (2) بن على عليهما السلام: إن دفع الزاهد العابد لفضل علي عليه السلام على الخلق كلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله، ليصير كشعلة نار في يوم ريح عاصف، وتصير سائر أعمال الدافع لفضل علي عليه السلام كالحلفاء (3) وإن امتلات منه (4) الصحاري، واشتعلت فيها تلك النار وتخشاها تلك الريح حتى تأتي عليها كلها فلا تبقى (5) لها باقية. [ في من شك أن الحق لعلى عليه السلام: ] 48 – ولقد حضر رجل عند علي بن الحسين عليهما السلام فقال له: ما تقول في رجل يؤمن بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله: وما أنزل [ على ] من قبله، ويؤمن بالاخرة، ويصلي ويزكي، ويصل الرحم، ويعمل الصالحات [ و ] لكنه مع ذلك يقول: لا أدري الحق لعلي أو لفلان ؟ فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا أنه يقول: لا أدري النبي محمد أو مسيلمة ؟ هل ينتفع بشئ من هذه الافعال ؟ فقال: لا. قال: فكذلك صاحبك هذا، [ ف‍ ] كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب من لا يدري أمحمد النبي أم مسيلمة الكذاب ؟ وكذلك كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب [ وبالآخرة ] أو منتفعا (بشئ من أعماله) (6) من لا يدري أعلي محق ؟ أم فلان ؟ (7) قوله عزوجل: ” اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون “: 5


1) عنه تأويل الايات: 1 / 33 ذ ح 4، والبحار: 68 / 285 ضمن ح 2 43) ” الحسن ” أ. 3) ” على كل الخلفاء ” ب، س، ط. والحلفاء: نبت معروف، وقيل: قصب لم يدرك والحلفاء واحد يراد به الجمع. (النهاية: 1 / 426). 4) ” منها ” أ، ص. 5) ” يبقى ” أ. 6) ” به ” ب، ط. 7) عنه البحار: 68 / 285 ضمن ح 43. (*)

[ 90 ]

49 – قال الامام عليه السلام: ثم أخبر (عن جلالة) (1) هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الشريفة، فقال: ” اولئك ” أهل هذه الصفات ” على هدى ” بيان (2) وصواب ” من ربهم ” وعلم بما أمرهم به ” اولئك هم المفلحون ” الناجون مما منه يوجلون، الفائزون بما يؤملون (3) 50 – قال: وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن بلالا كان يناظر اليوم فلانا، فجعل [ بلال ] يلحن في كلامه، وفلان يعرب، ويضحك من بلال. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا عبد الله، إنما يراد إعراب الكلام وتقويمه لتقويم الاعمال وتهذيبها، ماذا ينفع فلانا إعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن ؟ وما يضر بلالا لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله مقومة أحسن تقويم، مهذبة أحسن تهذيب ؟ قال الرجل: يا أمير المؤمين وكيف ذاك ؟ قال: حسب (بلال) من التقويم لافعاله والتهذيب لها أنه لا يرى أحدا نظيرا لمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لا يرى أحدا بعده نظيرا لعلي بن أبي طالب، وأنه يرى أن كل من عاند عليا فقد عاند الله ورسوله، ومن أطاعه فقد أطاع الله ورسوله. وحسب فلان من الاعوجاج واللحن في أفعاله التي لا ينتفع معها باعرابه لكلامه بالعربية، وتقويمه للسانه أن يقدم الاعجاز على الصدور، والاستاه على الوجوه (4) وأن يفضل الخل في الحلاوة على العسل، والحنظل في الطيب، والعذوبة على اللبن يقدم على ولي الله عدو الله الذي لا يناسبه في شئ من الخصال (5) فضله.


1) ” عز جلاله بأن ” البحار: 67. ” الله جل جلاله عن ” البحار 68. 2) ” والبيان ” الاصل والتاويل. ” أي ببيان ” البحار: 67. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 34 ح 5، والبحار: 67 / 18، وج 68 / 286 ضمن ح 43، وفيه: الفائزون بما به يؤمنون. 4) قال ابن منظور في لسان العرب: 13 / 495: يقال لا راذل الناس: هؤلاء الاستاه ولا فاضلهم: هؤلاء الاعيان، والوجوه. 5) ” خصاله ” ب، ط. (*)

[ 91 ]

هل هو إلا كمن قدم مسيلمة على محمد في النبوة والفضل ؟ ما هو إلا من الذين قال الله تعالى: ” قل هل ننبئكم بالاخرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ” (1). (هل هو إلا من اخوان) (2) أهل حرورا (3) ؟ (4) قوله عزوجل: ” ان الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون “: 6 51 – قال الامام عليه السلام: [ ف‍ ] لما ذكر [ الله ] (5) هؤلاء المؤمنين ومدحهم (6)، ذكر الكافرين المخالفين لهم في كفرهم، فقال: (إن الذين كفروا) بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون بتوحيد الله تعالى، وبنبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وبوصيه علي ولي الله ووصي رسول الله، وبالائمة الطاهرين الطيبين خيار عباده الميامين، القوامين بمصالح خلق الله تعالى. ” سواء عليهم ء أنذرتهم ” خوفتهم ” أم لم تنذرهم ” لم تخوفهم [ فهم ] (لا يؤمنون) [ أخبر عن علمه فيهم، وهم الذين قد علم الله عزوجل أنهم لا يؤمنون ] (7)


1) الكهف: 103 – 104. 2) ” من اخوانه ” أ. 3) حرورا: قرية بظاهر الكوفة، وقيل: موضع على ميلين منها، نزل بها الخوارج الذين خالفوا على بن أبي طالب عليه السلام، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم (معجم البلدان: 2 / 245). وأورد في مناقب ابن شهر اشوب: 2 / 368 عن ابن الطفيل: أن ابن الكواء سأل امير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى ” قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا. ” الاية فقال عليه السلام: انهم أهل حرورا. 4) أورد قطعة منه في تنبيه الخواطر: 2 / 101. 5) من البحار: 9. 6) زاد في ” ب، ط “: بتوحيد الله وبنبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه على ولى الله. 7) عنه تأويل الايات: 1 / 34 ح 6، وفيه ” اخبر عن علم فيهم بأنهم لا يؤمنون ” والبحار: 9 / 173 صدر ح 2، وج 68 / 286 ذ ح 43. (*)

[ 92 ]

[ معجزاته صلى الله عليه وآله: ] 52 – قال محمد بن على الباقر عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة، وظهرت آثار صدقه، وآيات حقه (1)، وبينات نبوته، كادته اليهود أشد كيد، وقصدوه أقبح قصد يقصدون أنواره ليطمسوها، وحججه ليبطلوها. فكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه: مالك بن الصيف (2) وكعب بن الاشرف وحيي بن أخطب (3) وجدي بن أخطب، [ وأبو ياسر بن أخطب ] وأبو لبابة بن عبد المنذر (4) وشعبة.


1) ” حقيقته ” البحار. 2) ” الضيف ” ب، س، ط. قال ابن هشام في السيرة النبوية: 2 / 161: ويقال: ابن ضيف. وقال في ص 196 ” قال ابن اسحاق: وقال مالك بن الصيف، حين بعث رسول الله صلى الله عليه وآله – وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق، وما عهد الله إليهم فيه -: والله ما عهد الينا في محمد عهد، وما أخذ له علينا من ميثاق. فأنزل الله فيه ” أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ” البقرة: 100. 3) كذا ورد اسمه في كتب التاريخ والسيرة. وفى الاصل: حى بن الاخطب (أحطب). وأيضا في الاصل: حدى يدل ” جدى ” وهو تصحيف. قال ابن هشام في السيرة النبوية: 2 / 106 ” حيى بن أخطب وأخواه أبو ياسر بن أخطب، وجدى بن أخطب ” وهم من يهود بني النضير. راجع السيرة النبوية ج 2 وج 3 وتاريخ اليعقوبي ج 2 والكامل لابن الاثير ج 12 في عدة مواضع منه. 4) أبو لبابة: هو ممن أسلم في بيعة العقبة، وهو أنصارى ومن أو سهم: وتحدثنا كتب التاريخ أن اسلامه كان ضعيفا: فقد استمر حليفا لليهود كما كان قبل الاسلام ناصحا لهم، وقصته في بنى قريظة مشهورة حيث كتبوا للرسول صلى الله عليه آله ” أن تبعث الينا أبا لبابة نستشيره ” وذلك أثناء الحصار الذى فرضه عليهم في السنة الخمسة للهجرة، فأرسله الرسول صلى الله عليه وآله وبعدها صرح أبو لبابة بلسانه قائلا ” فما زالت قدماى حتى عرفت أنى – > (*)

[ 93 ]

فقال مالك لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا محمد تزعم أنك رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين. قال: يا محمد لن نؤمن لك أنك رسول الله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتنا، ولن نشهد أنك (1) عن الله جئتنا حتى يشهد لك هذا البساط. وقال أبو لبابة بن عبد المنذر: لن نؤمن لك يا محمد أنك رسول الله، ولا نشهد لك به حتى يؤمن ويشهد لك هذا السوط الذي في يدي. وقال كعب بن الاشرف: لن نؤمن لك أنك رسول الله، ولن نصدقك به حتى يؤمن لك هذا الحمار (الذي أركبه) (2). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه ليس للعباد الاقتراح على الله تعالى، بل عليهم التسليم لله والانقياد لامره (3) والاكتفاء بما جعله كافيا. أما كفاكم أن أنطق التوراة، والانجيل، والزبور، وصحف إبراهيم بنبوتي ودل على صدقي، وبين [ لكم ] فيها ذكر أخي ووصيي، وخليفتي، وخير من أتركه على الخلائق من بعدي علي بن أبي طالب وأنزل علي هذا القرآن الباهر للخلق أجمعين (4)، المعجز لهم عن أن يأتوا بمثله وأن يتكلفوا شبهه.


< – خنت الله ورسوله “. وروى ابن عباس أن قوله تعالى: ” وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ” التوبة: 102 نزلت فيه ونفر معه تخلفوا عن غزوة تبوك، أضف إلى ذلك أن الامام عليه السلام قال – فيما بعد -: ” وكانت منه هنات وهنات ” وبالتالي فلا غرابة لان يندرج اسم هذا ” المسلم ” المتحالف مع اليهود مع من تشاء، والحكم لله. 1) ” لك ” أ. 2) ” يعنى حماره الذى كان راكبه ” أ، ص،. ” وأشار لحماره الذي كان راكبه ” البحار. 3) ” لاوامره ” أ. 4) ” أجمع ” ب، ط. (*)

[ 94 ]

وأما هذا الذي اقترحتموه، فلست أقترحه على ربي عزوجل، بل أقول إنما أعطاني (1) ربي تعالى من (دلالة هو) (2) حسبي وحسبكم، فان فعل عزوجل ما اقترحتموه فذاك زائد في تطوله علينا وعليكم، وإن منعنا ذلك فلعلمه بأن الذي فعله كاف فيما أراده منا. قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من كلامه هذا أنطق الله البساط فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا [ حيا ] قيوما أبدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يشرك في حكمه أحدا وأشهد أنك – يا محمد – عبده ورسوله، أرسلك بالهدى (3) ودين الحق ليظهرك (4) على الدين كله ولو كره المشركون. وأشهد أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخوك ووصيك، وخليفتك في أمتك، وخير من تتركه (5) على الخلائق بعدك، وأن من والاه فقد والاك، ومن عاداه فقد عاداك، ومن أطاعه فقد أطاعك، ومن عصاه فقد عصاك. وأن من أطاعك فقد أطاع الله، واستحق السعادة برضوانه. وأن من عصاك فقد عصى الله، واستحق أليم العذاب بنيرانه. قال: فعجب القوم، وقال بعضهم لبعض: ما هذا إلا سحر مبين. فاضطرب البساط وارتفع، ونكس مالك بن الصيف وأصحابه عنه حتى وقعوا على رؤوسهم ووجوههم. ثم أنطق الله تعالى البساط ثانيا فقال: أنا بساط أنطقني الله وأكرمني بالنطق بتوحيده وتمجيده، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله نبيه بأنه سيد أنبيائه، ورسوله إلى خلقه، والقائم


1) ” أعطانيه ” ب، ط والبحار. 2) ” دلالته وهو ” ب، ط 3) ” بالصدق ” أ. 4) ” ليظهره ” س. 5) كذا في البحار، وفى الاصل: تركته. (*)

[ 95 ]

بين عباد الله بحقه، و [ ب‍ ] امامة أخيه، ووصيه ووزيره، وشقيقه وخليله، وقاضي ديونه ومنجز عداته، وناصر أوليائه وقامع أعدائه، والانقياد لمن نصبه إماما ووليا، والبراءة ممن اتخذه منابذا وعدوا. فما (1) ينبغي لكافر أن يطأني، ولا [ أن ] يجلس علي إنما يجلس علي المؤمنون. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: قوموا فاجلسوا عليه فانكم بجميع ما شهد به هذا البساط مؤمنون. فجلسوا عليه. ثم أنطق الله عزوجل سوط أبي لبابة بن عبد المنذر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله خالق الخلق، وباسط الرزق، ومدبر الامور، والقادر على كل شئ. وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وحبيبه ووليه ونجيه جعلك السفير بينه وبين عباده، لينجي بك السعداء، ويهلك بك الاشقياء. وأشهد أن علي بن أبي طالب المذكور في الملا الاعلى بأنه سيد الخلق بعدك وأنه المقاتل على تنزيل كتابك ليسوق مخالفيه إلى قبوله طائعين وكارهين. ثم المقاتل بعد (2) على تأويله المحرفين (3) الذين غلبت أهواءهم عقولهم، فحرفوا تأويل كتاب الله تعالى وغيروه، والسابق (4) إلى رضوان الله أولياء الله بفضل عطيته والقاذف (5) في نيران الله أعداء الله بسيف نقمته، والمؤثرين لمعصيته ومخالفته. قال: ثم انجذب (6) السوط من يد أبي لبابة، وجذب أبا لبابة فخر لوجهه، ثم (7) قام بعد فجذبه السوط فخر لوجهه، ثم لم يزل كذلك مرارا حتى قال أبو لبابة: ويلي مالي ؟ [ قال ]: فأنطق الله عزوجل السوط فقال: يا أبا لبابة إني سوط قد أنطقني الله بتوحيده وأكرمني بتمجيده، وشرفني بتصديق نبوة محمد سيد عبيده، وجعلني ممن يوالي (8)


1) ” فلا ” أ. 2) ” بعده ” البحار. 3) ” المنحرفين ” ب، ط والبحار. 4) ” والسابق ” أ. 5) ” الصادف ” خ ل. 6) ” انحدر ” ب، ط. 7) ” ثم قام فخر لوجهه، ثم ” س، ص. 8) كذا في البحار، وفى الاصل: اوالى. (*)

[ 96 ]

خير خلق الله بعده، وأفضل أولياء الله من الخلق حاشاه (1) والمخصوص بابنته سيدة النسوان، والمشرف ببيتوتته على فراشه أفضل الجهاد، والمذل لاعدائه بسيف الانتقام، والباين (في أمته بعلوم) (2) الحلال والحرام، والشرائع والاحكام، ما ينبغي لكافر مجاهر (2) بالخلاف على محمد أن يبتذلني ويستعملني، ولا أزال أجذبك حتى أثخنك، ثم أقتلك، وأزول عن يدك، أو تظهر الايمان بمحمد صلى الله عليه وآله. (4) فقال أبو لبابة: فأشهد بجميع ما شهدت به أيها السوط وأعتقده، وأؤمن به. فنطق السوط: ها أناذا قد تقررت في يدك، لاظهارك الايمان، والله أولى (5) بسريرتك وهو الحاكم لك، أو عليك في يوم الوقت المعلوم. قال عليه السلام: ولم يحسن إسلامه وكانت منه هنات وهنات. فلما قام القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله جعلت اليهود يسر بعضها إلى بعض بأن محمدا لمؤتى له (6) ومبخوت في أمره، وليس بنبي صادق. وجاء كعب بن الاشرف يركب حماره فشب به الحمار، وصرعه على رأسه فأوجعه، ثم عاد يركبه، فعاد عليه الحمار بمثل صنيعه، ثم عاد يركبه، فعاد عليه الحمار بمثل صنيعه، فلما كان في السابعة [ أ ] والثامنة أنطق الله تعالى الحمار، فقال: يا عبد الله بئس العبد أنت، شاهدت آيات الله وكفرت بها (7) وأنا حمار قد أكرمني الله عزوجل بتوحيده فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق الانام ذو الجلال والاكرام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد أهل دار السلام (8) مبعوث لاسعاد من سبق في علم الله سعادته، وإشقاء من سبق الكتاب عليه بالشقاء له. (9)


1) أي سواه، ” أخيه ” ب، ط. 2) ” لامته عليه السلام ” أ. 3) ” يجاهر ” ص. 4) ” وآله ” ب، ط. 5) ” أعلم ” البحار. 6) ” المتأله ” أ. 7) ” به ” ب، ط. 8) أي الجنة. وفى ” أ ” الاسلام. 9) ” بالشقاوة ” البحار. (*)

[ 97 ]

وأشهد أن بعلي بن أبي طالب [ وليه ووصي رسوله ] (1) يسعد الله من يسعده إذا وفقه لقبول موعظته، والتأدب بآدابه (2) والائتمار لاوامره، والانزجار بز واجره وأن الله تعالى بسيوف سطوته وصولات نقمته يكب (3) ويخزي أعداء محمد حتى يسوقهم بسيفه الباتر (4) ودليله الواضح القاهر إلى الايمان به، أو يقذفه [ الله ] في الهاوية إذا أبى إلا تماديا في غيه وامتدادا في طغيانه وعمهه، ما (5) ينبغي لكافر أن يركبني بل لا يركبني إلا مؤمن بالله، مصدق بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله، في جميع أقواله مصوب له في جميع أفعاله فاعل (6) أشرف الطاعات في نصبه أخاه عليا وصيا ووليا، ولعلمه وارثا، وبدينه قيما، وعلى امته مهيمنا، ولديونه قاضيا، ولعداته منجزا، ولاوليائه مواليا، ولاعدائه معاديا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا كعب بن الاشرف حمارك خير منك، وقد أبى أن تركبه [ فلن تركبه أبدا ] فبعه من بعض اخواننا المؤمنين. [ ف‍ ] قال كعب: لا حاجة لي فيه بعد أن ضرب بسحرك. فناداه حماره: يا عدو الله كف عن تهجم (7) محمد رسول الله صلى الله عليه وآله [ والله ] (8) لولا كراهة مخالفة رسول الله لقتلتك، ووطيتك بحوافري، ولقطعت رأسك بأسناني. فخزي وسكت، واشتد جزعه مما سمع من الحمار، ومع ذلك غلب عليه الشقاء واشترى الحمار منه ثابت بن قيس بمائة دينار (9) – وكان يركبه، ويجئ (10) عليه إلى


1) من البحار. 2) ” بأدبه ” أ، والبحار. 3) ” يكبت ” ب، ط، والبحار. وكلاهما بمعنى، أي يصرعه. 4) ” الباهر ” أ. 5) ” لا ” أ. 6) ” وفى فعل ” البحار. وفى ” أ ” بأشرف بدل ” أشرف “. 7) ” تجهم ” البحار. وجهم جهامة: صار عابس الوجه. 8) من البحار. 9) ” درهم ” البحار. 10) ” ويأتى ” ب، ط. (*)

[ 98 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله وهو تحته هين، لين، ذليل، كريم، يقيه المتالف، ويرفق به في المسالك – فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ثابت هذا لك وأنت مؤمن يرتفق بمرتفقين. (1) قال: فلما انصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يؤمنوا أنزل الله: يا محمد ” إن الذين كفروا سواء عليهم [ في العظة ] ءأنذرتهم – وعظتهم وخوفتهم – أم لم تنذرهم لا يؤمنون ” لا يصدقون بنبوتك، وهم قد شاهدوا هذه الآيات وكفروا، فكيف يؤمنون بك عند قولك وفعالك (2). (3) قوله عزوجل: ” ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم “: 7 53 – قال الامام عليه السلام: أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظر إليها بأنهم الذين لا يؤمنون، ” وعلى سمعهم ” كذلك بسمات. (وعلى أبصارهم غشاوة) وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه وقصروا فيما أريد منهم [ و ] جهلوا ما لزمهم من الايمان به، فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر [ ما ] أمامه. فان الله عزوجل يتعالى عن العبث والفساد، وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، ولا بالمسير (4) إلى ما [ قد ] صدهم بالعجز (5) عنه. ثم قال: ” ولهم عذاب عظيم ” يعني في الاخرة العذاب المعد للكافرين، وفي الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته، أو من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله وحكمته. (6)


1) ترتفق بهن (بمتن) مؤمن ” ب، س، ط. ” مرتفق بمرتفقين ” ص، والبحار. 2) ” ودعائك ” ب، س، ص، ط، والبحار. 3) عنه البحار: 17 / 302 ح 4، وج 9 / 173 ضمن ح 2 (قطعة) ومناقب آل أبى طالب: 1 / 93 مجملا 4) ” بالمصير ” أ، س، ص، والبحار: 5. 5) ” بالقسر ” الاحتجاج، والبحار: 5. 6) ” عنه البحار: 9 / 173 ح 2، وعنه ج 5 / 200 ح 24، وعن الاحتجاج: 2 / 260. (*)

[ 99 ]

54 – وقال الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما دعا هؤلاء النفر المعينين في الآية المتقدمة [ في ] قوله: ” ان الذين كفروا سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ” وأظهر لهم تلك الايات (1) فقابلوها (2) بالكفر أخبر الله عزوجل عنهم بأنه جل ذكره ختم على قلوبهم وعلى سمعهم ختما يكون علامة لملائكته المقربين القراء لما في اللوح المحفوظ من أخبار هؤلاء [ المكذبين ] (3) المذكور فيه أحوالهم. حتى [ إذا ] نظروا إلى أحوالهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وشاهدوا ما هناك من ختم الله عزوجل عليها، ازدادوا بالله معرفة، وبعلمه بما يكون قبل أن يكون يقينا. حتى إذا شاهدوا هؤلاء المختوم على جوارحهم يمرون (4) على ما قرأوه من اللوح المحفوظ، وشاهدوه في قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ازدادوا – بعلم الله عزوجل بالغائبات – يقينا. [ قال: ] فقالوا: يا رسول الله فهل في عباد الله من يشاهد هذا الختم كما تشاهده الملائكة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بلى، محمد رسول الله يشاهده باشهاد الله تعالى له، ويشاهده من أمته أطوعهم لله عزوجل، وأشدهم (5) جدا في طاعة الله تعالى، وأفضلهم في دين الله عزوجل. فقالوا: من هو (6) يا رسول الله ؟ وكل منهم تمنى أن يكون هو. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: دعوه يكن من شاء الله، فليس الجلالة في المراتب عند الله عزوجل بالتمني، ولا بالتظني، ولا بالاقتراح، ولكنه فضل من الله عزوجل على من يشاء، يوفقه للاعمال الصالحة (7) يكرمه بها، فيبلغه أفضل الدرجات وأشرف المراتب


(1) ” الاية ” أ. والمراد بها المعجزات المتقدم ذكرها. 2) ” فقايلوها ” أ. والمقايلة: المبادلة، يقال: قايله إذا بادله. 3) من البحار. 4) ” يجدون ” س، ص، ب، ط. ” يخبرون ” البحار. 5) ” وأجهدهم ” أ. 6) في البحار: بينه. 7) ” الصالحات ” أ. (*)

[ 100 ]

إن الله تعالى سيكرم بذلك من يريكموه (1) في غد، فجدوا في الاعمال الصالحة. فمن وفق‍ [ ه ] الله لما يوجب عظيم كرامته عليه. فلله عليه (2) في ذلك الفضل العظيم. قال عليه السلام: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله، وغص مجلسه بأهله، وقد جد بالامس كل من خيارهم في خير عمله، وإحسان إلى ربه قدمه، يرجو أن يكون هو ذلك الخير الافضل قالوا: يا رسول الله من هذا ؟ عرفناه بصفته، وإن لم تنص لنا على اسمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا الجامع للمكارم، الحاوي للفضائل، المشتمل على الجميل قاض عن أخيه دينا مجحفا إلى غريم متعنت (3) غاضب لله تعالى، قاتل لغضبه ذاك عدو الله مستحي من مؤمن معرض عنه لخجله، يكايد (4) في ذلك الشيطان الرجيم حتى أخزاه [ الله ] (5) عنه، ووقى بنفسه نفس عبد لله (6) مؤمن حتى أنقذه من الهلكة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم قضى البارحة ألف درهم وسبعمائة درهم ؟ فقال على بن أبي طالب عليه السلام: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي فحدث إخوانك المؤمنين كيف كانت قصته (7) أصدقك لتصديق الله إياك، فهذا الروح الامين أخبرني (8) عن الله عزوجل أنه قد هذبك من القبيح كله، ونزهك عن المساوئ بأجمعها، وخصك من الفضائل بأشرفها وأفضلها لا يتهمك إلا من كفر به، وأخطأ حظ نفسه. فقال على عليه السلام: مررت البارحة بفلان بن فلان المؤمن، فوجدت فلانا – وأنا أتهمه


(1) ” تكرموه ” ب، س، ط. 2) ” فله ” س، ص. 3) يقال: عنته: شدد عليه، وألزمه ما يصعب عليه اداؤه، ويشق عليه تحمله، ومنه قولهم ” ارضاء المتعنت صعب “. وفى البحار سغب. 4) ” مكايدا ” ب، س، ط، والبحار. 5) من البحار. وكلمة ” عنه ” ليس في ” أ “. 6) ” عبد الله ” الاصل والبحار. تصحيف ” ظ “. 7) ” القصة ” ب، ط. ” قضيته ” ص. 8) ” يخبرني ” ب، ط. (*)

[ 101 ]

بالنفاق – قد لازمه (1) وضيق عليه فناداني المؤمن: يا أخا رسول الله وكشاف الكرب عن وجه رسول الله، وقامع أعداء الله عن حبيبه، أغثني واكشف كربتي، ونجني من غمي، سل غريمي هذا لعله يجيبك، ويؤجلني، فاني معسر. فقلت له: الله، إنك لمعسر ؟ ! فقال: يا أخا رسول الله لئن كنت أستحل (2) أن أكذب فلا تأمني على يميني [ أيضا ]، أنا معسر، وفي قولي هذا صادق، واوقر الله واجله [ من ] أن أحلف به صادقا أو كاذبا. فأقبلت على الرجل فقلت: إني لاجل نفسي عن أن يكون لهذا علي يد أو [ منة ] واجلك أيضا عن أن يكون له عليك يد أو منة، وأسأل مالك الملك (3) الذي لا يؤنف (4) من سؤاله ولا يستحى من التعرض لثوابه. ثم قلت: اللهم بحق محمد وآله الطيبين لما قضيت عن عبدك هذا [ هذا ] الدين. فرأيت أبواب السماء تنادي أملاكها: يا أبا الحسن مر هذا العبد يضرب بيده إلى ما شاء مما بين يديه من حجر ومدر وحصيات وتراب ليستحيل في يده ذهبا، ثم يقضي دينه منه، ويجعل ما يبقى نفقته وبضاعته التي يسد بها فاقته، ويمون بها عياله. (5) فقلت: يا عبد الله قد أذن الله بقضاء دينك، و [ ب‍ ] يسارك بعد فقرك، اضرب بيدك إلى ما تشاء مما أمامك فتناوله، فان الله يحوله في يدك ذهبا إبريزا. فتناول أحجارا ثم مدرا فانقلبت له ذهبا أحمر.


(1) ” لازمه دين ” أ. والمراد: عدم مفارقة الدائم للمدين والحاحه في ذلك. 2) ” أمتحل ” أ. المحل: الخديعة والكيد. واستحل الشئ: اتخذه حلالا. 3) ” ملك الملوك ” ب، ط. 4) ” لا يوقف ” خ ل. أنف: كره، ترفع. 5) ” عيلته ” ب، ط. (*)

[ 102 ]

ثم قلت له: افصل له منها قدر دينه فأعطه. ففعل. قلت: والباقي رزق ساقه الله تعالى إليك. وكان الذي قضاه (1) من دينه ألفا وسبعمائة درهم. وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم، فهو من أيسر أهل المدينة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل يعلم من الحساب مالا يبله عقول الخلق إنه يضرب ألفا وسبعمائة في ألف وسبعمائة، (ثم ما ارتفع من ذلك في مثله) (2) إلى أن يفعل ذلك ألف مرة، ثم آخر ما يرتفع من ذلك [ في مثله، إلى أن يفعل ذلك ألف مرة، ثم آخر ما يرتفع من ذلك ] (3) عدد ما يهبه الله لك [ يا علي ] (4) في الجنة من القصور: قصر من ذهب، وقصر من فضة، وقصر من لؤلؤ، وقصر من زبرجد، وقصر من زمرد، وقصر من جوهر، وقصر من نور رب العالمين وأضعاف ذلك من العبيد والخدم [ والخيل ] والنجب (5) تطير بين سماء الجنة وأرضها. فقال على عليه السلام: ” حمدا لربي، وشكرا “. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهذا العدد هو عدد من يدخلهم (6) الله الجنة، ويرضى عنهم بمحبتهم لك، وأضعاف هذا العدد ممن يدخلهم النار من الشياطين من الجن والانس ببغضهم لك ووقيعتهم فيك، وتنقيصهم (7) إياك. (8) 55 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم قتل رجلا البارحة، غضبا لله ولرسوله ؟


(1) ” فصل ” ص. 2) ذكرها مرتين في ” ب، ط “. 3) ليس في ب، ط، والبحار. 4) من البحار: 8. 5) ” والجنيب ” أ. والجنيب: كل طائع منقاد، والجنيبة: الدابة تقودها إلى جنبك. والنجيب من الابل: القوى، الخفيف والسريع. 6) ” يدخله ” ب، ط، البحار. ولفظ الجلالة ليس في البحار. 7) ” تنقيفهم ” أ. قال ابن الاثير في النهاية: 5 / 109: في حديث عبد الله بن عمر “.. ثم يكون النقف والنقاف ” أي القتل والقتال. 8) عنه البحار: 42 / 21 صدر ح 7. (*)

[ 103 ]

فقال على عليه السلام: أنا، وسيأتيك الخصوم الان. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حدث إخوانك المؤمنين [ ب‍ ] القصة. فقال على عليه السلام: كنت في منزلي إذ سمعت رجلين خارج داري يتدارءان (1) فدخلا إلي، فإذا فلان اليهودي، وفلان رجل معروف في (2) الانصار. فقال اليهودي: يا أبا حسن اعلم أنه قد بدت لي مع هذا حكومة، فاحتكمنا إلى محمد صاحبكم، فقضى لي عليه، فهو يقول: لست أرضى بقضائه فقد حاف (3) ومال وليكن (4) بيني وبينك كعب [ بن ] الاشرف. فأبيت عليه. فقال لي: أفترضي بعلي ؟ [ ف‍ ] قلت: نعم. فها هو قد جاء بي إليك. فقلت لصاحبه: أكما يقول ؟ قال: نعم. فقلت: أعد علي الحديث. فأعاد كما قال اليهودي، ثم قال لي: يا على فاقض بيننا بالحق. فقمت أدخل منزلي فقال الرجل: إلى أين ؟ قلت: أدخل آتيك بما به أحكم بالحكم العدل. فدخلت، واشتملت على سيفي، فضربته على حبل عاتقه، فلو كان جبلا لقددته (5) فوقع رأسه بين يديه. فلما فرغ علي عليه السلام من حديثه جاء أهل ذلك الرجل [ بالرجل ] المقتول، وقالوا: هذا ابن عمك قتل صاحبنا، فاقتص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا قصاص. [ ف‍ ] قالوا: أودية يا رسول الله ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولادية لكم، هذا والله [ قتيل الله ] لا يؤدى، إن عليا قد شهد [ على صاحبكم ] بشهادة والله يلعنه بشهادة علي، ولو شهد علي على الثقلين لقبل الله شهادته عليهم إنه الصادق الامين، ارفعوا صاحبكم هذا وادفنوه مع اليهود، فقد كان منهم.


(1) تدارأ القوم: تدافعوا في الخصومة، ونحوها، واختلفوا. (لسان العرب: 1 / 71). 2 ” من ” أ. 3) كذا في البحار، حاف عليه: جار عليه وظلمه. ” خان ” أ. ” خاف ” ب، ط. 4) ” لكن ” الاصل. 5) القد: القطع طولا، كالشق. (*)

[ 104 ]

فرفع وأوداجه تشخب (1) دما، وبدنه قد كسي شعرا. فقال على عليه السلام: يا رسول الله ما أشبهه إلا بالخنزير في شعره ! قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أو ليس لو حسبت (2) بعدد كل شعرة مثل عدد رمال الدنيا حسنات لكان كثيرا ؟ قال: بلى يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن إن هذا القتل الذي قتلت به هذا الرجل قد أوجب الله لك به من الثواب كأنما أعتقت رقابا بعدد رمل عالج (3) [ الدنيا ] وبعدد كل شعرة على هذا المنافق، وإن أقل ما يعطي الله بعتق رقبة لمن يهب له بعدد كل شعرة من تلك الرقبة ألف حسنة، ويمحو [ الله ] عنه ألف سيئة، فان لم يكن له فلابيه، فان لم يكن لابيه فلامه، فان لم يكن لها فلاخيه، وإن لم يكن له فلذريته (4) وجيرانه وقراباته. (5) 56 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم إستحى (6) البارحة من أخ له في الله لما رأى به [ من ] خلة، ثم كايد (7) الشيطان في ذلك الاخ، ولم يزل به حتى غلبه ؟ فقال على عليه السلام: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حدث يا علي به إخوانك المؤمنين، ليتأسوا بحسن صنيعك فيما يمكنهم، وإن كان أحد منهم لا يلحق ثارك (8)


(1) أي تسيل، والودج: عرق في العنق. 2) ” جئت ” البحار. 3) قال ابن الاثير في النهاية: 3 / 287: وفى حديث الدعاء ” وما تحويه عوالج الرمال ” هي جمع عالج، وهو ما تراكم من الرمل، ودخل بعضه في بعض. 4) ” فلذويه ” س، ص. 5) عنه البحار: 42 / 24 ضمن ح 7. 6) ” استحيا ” ب، ط، والبحار. 7) ” كابد ” ب، س، ط. كابد الامر: قاساه وتحمل المشاق في فعله. وكايده مكايدة: مكر به والخلة – بالفتح -: الحاجة والفقر. 8) ” ثناءك ” ب، ط. ” شأنك ” البحار. ” شأوك ” س، مدينة المعاجز ” ثباتك ” خ ل. وشأوت القوم: سبقتهم. (*)

[ 105 ]

و (لا يشق غبارك) (1) ولا يرمقك في سابقة لك إلى الفضائل إلا كما يرمق الشمس من الارض، وأقصى المشرق من أقصى المغرب. فقال على عليه السلام: يا رسول الله مررت بمزبلة بني فلان، ورأيت رجلا من الانصار مؤمنا قد أخذ من تلك المزبلة قشور البطيخ والقثاء والتين، فهو يأكلها من شدة الجوع، فلما رأيته استحييت منه أن يراني فيخجل، وأعرضت عنه، ومررت إلى منزلي، وكنت أعددت لسحوري وفطوري قرصين من شعير، فجئت بهما إلى الرجل وناولته [ إياهما ] (2) وقلت له: أصب من هذا كلما جعت، فان الله عزوجل يجعل البركة فيهما. (3) فقال لى: يا أبا الحسن أنا أريد أن أمتحن هذه البركة لعلمي بصدقك في قيلك إني أشتهي لحم فراخ، اشتهاه علي (4) أهل منزلي. فقلت [ له ]: اكسر منهما لقما بعدد (5) ما تريده من فراخ، فان الله تعالى يقلبها فراخا بمسألتي إياه لك بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين. فأخطر الشيطان ببالي (6) فقال: يا أبا الحسن تفعل هذا به ولعله منافق ؟


1) ” لم يسبق عبادتك ” البحار. ” لا يسبق غناءك ” مدينة المعاجز. 2) من البحار. 3) ” فيه ” خ ل. 4) ” عنى ” أ. 5) ” بقدر ” س. 6) واضح أن طبع الشيطان أن يأتي.. ويوسوس لادم وبنيه، وانما سلطانه على الذين يتولونه لا على الذين آمنوا وأميرهم أمير المؤمنين على عليه السلام. ألا ترى حديث الباقر عليه السلام أن الرسول صلى الله عليه وآله قال لعلى عليه السلام ” أما علمت يا على أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك عنها من لحى سبعين شيطانا كلهم يامره بأن لا تفعل. ” رواه في ثواب الاعمال: 169 ح 12 عنه البحار: 96 / 124 ح 38، وفى تفسير العياشي: 2 / 107 ح 113 عنه البحار المذكور ص 127 ح 47. ونظيره ماقاله ابليس لموسى بن عمران عليه السلام:… إذا هممت بصدقة فامضها: فإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبينها. رواه المفيد في أماليه: 156 ح 7، والراوندي في قصص الانبياء: 110 مخطوط. عنها البحار: 63 / 251 ح 114. (*)

[ 106 ]

فرددت عليه: إن يكن مؤمنا فهو أهل لما أفعل معه (1) وإن يكن منافقا، فأنا للاحسان أهل، فليس كل معروف يلحق بمستحقه. (2) وقلت له: أنا أدعو الله بمحمد وآله الطيبين ليوفقه للاخلاص والنزوع (3) عن الكفر إن كان منافقا، فان تصدقي عليه بهذا أفضل من تصدقي عليه بهذا الطعام الشريف الموجب للثراء والغناء، فكايدت (4) الشيطان، ودعوت الله سرا من الرجل بالاخلاص بجاه محمد وآله الطيبين. فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه، فأقمته. وقلت له: ماذا شأنك ؟ قال: كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت، فكشف لي [ الله ] (5) عن السماوات والحجب فأبصرت الجنة، [ وأبصرت ] كلما (6) تعدان به من المثوبات، وكشف لي عن أطباق الارض فأبصرت جهنم، وأبصرت كلما [ ت‍ ] توعدان به من العقوبات. فذاك حين وقر (7) الايمان في قلبي، وأخلص به جناني، وزال عني الشك الذي كان يعتورني. (8) فأخذ الرجل القرصين، وقلت له: كل شئ تشتهيه فاكسر من القرص قليلا، فان الله يحوله ما تشتهيه وتتمناه وتريده. فما زال كذلك ينقلب لحما، وشحما، وحلواء، ورطبا، وبطيخا، وفواكه الشتاء وفواكه الصيف، حتى أظهر الله تعالى من الرغيفين عجبا، وصار الرجل من عنقاء الله


(1) ” به ” أ، ب، س، ط. 2) ” احسان يلحق مستحقيه ” ب، س، ط. 3) ” التورع ” مدينة المعاجز. وفى الاصل: من بدل ” عن “. ونزع عن الشئ: كف وقلع. 4) ” فكابدت ” ب، س. 5) من البحار. 6) ” فأبصرت كما ” ط، ومدينة المعاجز. 7) أي سكن وثبت. وفى مدينة المعاجز: وقع. 8) أي يغشاه وينتابه. وفى مدينة المعاجز: يتعودني. (*)

[ 107 ]

من النار (ومن عبيده المصطفين) (1) الاخيار. فذلك حين رأيت جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت (2) قد قصدوا الشيطان كل واحد [ منهم ] (3) بمثل جبل أبي قبيس، فوضع أحدهم عليه، وبنيه (4) بعضهم على بعض فتهشم. وجعل (5) إبليس يقول: يا رب وعدك وعدك، ألم تنظرني إلى يوم يبعثون ؟ فإذا نداء [ بعض الملائكة ]: أنظرتك لئلا تموت، ما أنظرتك لئلا تهشم وترضض. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن كما كايدت (6) الشيطان فأعطيت في الله من نهاك عنه وغلبته، فان الله تعالى يخزي عنك الشيطان، وعن محبيك، ويعطيك [ في الآخرة ] بعدد كل حبة خردل مما أعطيت صاحبك (وفيما تمناه من الله، وفيما يمنيه الله منه درجة في الجنة من ذهب) (7) أكبر من الدنيا، من الارض إلى السماء، وبعدد كل حبة منها جبلا من فضة كذلك، وجبلا من لؤلؤ، وجبلا من ياقوت، وجبلا من جوهر، وجبلا من نور رب العزة (8) كذلك، وجبلا من زمرد، وجبلا من زبرجد كذلك وجبلا من مسك، وجبلا من عنبر كذلك. وإن عدد خدمك في الجنة أكثر من عدد قطر المطر والنبات وشعور الحيوانات بك يتمم الله الخيرات، ويمحو عن محبيك السيئات، وبك يميز الله المؤمنين


(1) من البحار، وفى الاصل ” بالمصطفين عنده و “. 2) ” وعزرائيل ” س، ص. 3) من البحار. 4) ” بيتيها ” أ. ” فتهتمه ” خ ل. ” ويبنيها / ويثنيها خ ل ” البحار ” ويتهيأ ” مدينة المعاجز، وفيها: بعضها. وبيت البيت: بناه. وتهتم الشئ: تكسر. 5) ” فهشم وهبل ” ب، ط، وليس في مدينة المعاجز. 6) ” كابدت ” أ، س، ” عاندت ” البحار: 42. 7) ” ومما ينميه الله منه درجة ” ب، س، ط. والبحار: 8. ومثلها في ” ص ” باضافة ” في الجنة من ذهب أكثر “. 8) ” العالمين ” أ. (*)

[ 108 ]

من الكافرين، والمخلصين من المنافقين، وأولاد الرشد من أولاد الغي. (1) 57 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة ؟ فقال على عليه السلام: أنا يا رسول الله وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الانصاري (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حدث بالقصة إخوانك المؤمنين، ولا تكشف عن اسم المنافق المكايد لنا، فقد كفاكما الله شره وأخره للتوبة لعله يتذكر أو يخشى. (3) فقال على عليه السلام: بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة، وبين يدي – بعيدا مني – ثابت بن قيس، إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر، وهناك رجل (4) من المنافقين فدفعه ليرميه في البئر، فتماسك ثابت، ثم عاد فدفعه، والرجل لا يشعربي حتى وصلت إليه وقد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن أشتغل بطلب المنافق خوفا على ثابت، فوقعت


(1) عنه البحار: 8 / 179 ح 136 (قطعة)، وج 42 / 25 ضمن ح 7، ومدينة المعاجز: 113 ح 303. 2) وهو صحابي أنصارى خزرجي، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وآله، استشهد باليمامة. روى المفيد عن مروان بن عثمان أنه لما بايع الناس أبا بكر، دخل على عليه السلام والزبير بيت فاطمة عليها السلام، فقال.. اضرموا عليهم البيت نارا.. وخرج على عليه السلام نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس، فقال: ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال: أرادوا أن يحرقوا على بيتى. فقال ثابت: ولا تفارق كفى يدك حتى اقتل دونك. وذكر اليعقوبي عند مقتل عثمان وبيعة الناس لامير المؤمنين عليه السلام أنه كان أول من تكلم من الانصار فقال: والله يا أمير لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين. يحتاجون اليك فيما لا يعلمون وما احتجت إلى أحد.. وروى ابن هشام عن ابن اسحاق أنه عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والانصار… ويقال ثابت بن قيس وعمار بن ياسر أخوين. انظر: أمالى المفيد: 49 ح 9، تاريخ اليعقوبي: 179، سيرة ابن هشام: 2 / 152. 3) ” المنافقين المكايدين / الكائدين.. شرهم، وأخرهم للتوبة لعلهم يتذكرون أو يخشون ” س، ص، والمصادر، أي بلفظ الجمع. 4) ” الرجال ” أ ” رجال ” المصادر، وساقوا الحديث فيها بصيغة الجمع تارة، والمفرد تارة اخرى. (*)

[ 109 ]

في البئر لعلي آخذه، فنظرت فإذا [ أنا ] (1) قد سبقته إلى قرار البئر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وكيف لا تسبقه وأنت أرزن منه ؟ ! ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الاولين والآخرين، الذي أودعه الله رسوله وأودعك (2) لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شئ، فكيف كان حالك وحال ثابت ؟ قال: يا رسول الله صرت إلى قرار البئر، واستقررت قائما، وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي أخطوها رويدا [ رويدا ]، ثم جاء ثابت، فانحدر فوقع على يدي، وقد بسطتهما له، فخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره. فما كان إلا كباقة (3) ريحان تناولتها بيدي. ثم نظرت، فإذا ذلك المنافق ومعه آخران على شفير البئر وهو يقول لهما: أردنا واحدا فصار اثنين ! فجاؤا بصخرة فيها مقدار مائتي من فأرسلوها علينا، فخشيت أن تصيب ثابتا، فاحتضنته وجعلت رأسه إلى صدري، وانحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي، فما كانت إلا كترويحة (4) بمروحة روحت بها في حمارة (5) القيظ. ثم جاؤا بصخرة اخرى فيها قدر ثلاثمائة من فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي، فكانت كماء صببته على رأسي وبدني في يوم شديد الحر. ثم جاؤا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة من يديرونها (6) على الارض لا يمكنهم أن يقلبوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي وظهري فكانت كثوب ناعم صببته (7) على بدني ولبسته، فتنعمت به.


(1) من البحار والبرهان والحلية، ويلاحظ تزامن الوقوع مع الاشتغال بحيث كان الثاني سببا للاول. 2) زاد في ص، البحار، ومدينة المعاجز: رسوله. 3) ” كطاقة ” ب، ط، وبعض المصادر. والطاقة: الحزمة. 4) ” كرويحة ” ب، ط، والرويحة: وجدان السرور الحادث من اليقين. 5) ” حارة ” أ. والحمارة: شدة الحر. 6) ” يكيدونها ” خ ل. وكاد الشئ: عالجه. 7) ” أصبته ” أ. وصب الدرع: لبسها. (*)

[ 110 ]

ثم سمعتهم يقولون: لو أن (1) لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور. ثم انصرفوا، وقد دفع الله عنا شرهم، فأذن الله عزوجل لشفير البئر فانحط، ولقرار البئر فارتفع، فاستوى القرار (2) والشفير بعد بالارض، فخطونا وخرجنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” يا أبا الحسن إن الله عزوجل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب مالا يعرفه غيره. ينادي مناد يوم القيامة: أين محبو علي بن أبي طالب ؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة. فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل [ تلك ] العرصات ألف ألف رجل. ثم ينادى مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فيقوم قوم مقتصدون (3) فيقال لهم: تمنوا على الله عزوجل ما شئتم. فيتمنون فيفعل بكل واحد [ منهم ] ما تمنى، ثم يضعف له مائة ألف ضعف. ثم ينادى مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فيقوم قوم ظالمون لانفسهم، معتدون عليها. فيقال: أين المبغضون لعلي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فيؤتى بهم جم غفير، وعدد عظيم كثير، فيقال: ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا الجنة.


(1) ” كان ” أ. 2) ” واستوى قرار البئر ” أ. 3) الظاهر أنه اشارة إلى ما في قوله تعالى من سورة فاطر: 32 ” فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ” ففى حديث لابي اسحاق السبيعى، عن الباقر عليه السلام – في الاية – قال: هي لنا خاصة، يا أبا اسحاق أما السابق بالخيرات: فعلى بن أبى طالب والحسن والحسين والشهيد منا، وأما المقتصد: فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له. (سعد السعود: 107). (*)

[ 111 ]

فينجي الله عزوجل محبيك، ويجعل أعداءك فداءهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا الافضل الاكرم، محبه محب الله و [ محب ] رسوله ومبغضه مبغض الله و [ مبغض ] رسوله، هم خيار خلق الله من امة محمد صلى الله عليه وآله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: انظر. فنظر إلى عبد الله بن ابي وإلى سبعة. [ نفر ] (1) من اليهود، فقال: قد شاهدت ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت يا علي أفضل شهداء الله في الارض بعد محمد رسول الله. قال: فذلك قوله تعالى: ” ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ” تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها، ويبصرها رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب عليه السلام. ثم قال: (ولهم عذاب عظيم) في الآخرة (بما كان) (2) من كفرهم بالله وكفرهم بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله. (3) قوله عزوجل: ” ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين “: 8 [ قصة يوم الغدير ] (4) 58 – [ قال الامام عليه السلام ]: قال العالم موسى بن جعفر عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما


(1) من البحار. 2) ” بما كانوا يكذبون ” ب، س، ص، ط، والبرهان. 3) عنه البحار: 7 / 210 ح 104 (قطعة)، وج 42 / 27 ضمن ح 7، والبرهان: 1 / 58 ح 2، وحلية الابرار: 1 / 272، ومدينة المعاجز: 113 ح 304. 4) وشهرتها طبقت الافاق، فالحديث متواتر، روته الخاصة والعامة، وقد قمنا باستقصاء جميع رواته وأسانيده عند تحقيقنا ” صحيفة الامام الرضا عليه السلام ” انظر ص 172 – 224 وانظر المجلد الخاص به من عبقات الانوار، وموسوعة الغدير: 1 وج 2 للعلامة الاميني. (*)

[ 112 ]

أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف ثم قال “: يا عباد الله انسبوني. فقالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ثم قال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم (1) ؟ (قالوا بلى يارسول الله. قال صلى الله عليه وآله:) (2) مولاكم أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله. فنظر إلى السماء، وقال: اللهم اشهد. يقول هو ذلك صلى الله عليه وآله، و [ هم ] (3) يقولون ذلك – ثلاثا -. ثم قال: ألا [ ف‍ ] من كنت مولاه وأولى به، فهذا علي مولاه وأولى به، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. ثم قال: قم يا ابا بكر، فبايع له بامرة المؤمنين. فقام فبايع له بامرة المؤمنين. ثم قال: قم يا عمر، فبايع له بامرة المؤمنين، فقام فبايع له بامرة المؤمنين. ثم قال بعد ذلك لتمام (التسعة، ثم لرؤساء) (4) المهاجرين والانصار، فبايعوا كلهم. فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب، فقال: بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم تفرقوا عن ذلك، وقد وكدت عليهم العهود والمواثيق. ثم إن قوما من متمرديهم وجبابرتهم تواطأوا بينهم: لئن كانت لمحمد صلى الله عليه وآله كائنة، ليدفعن هذا الامر عن علي ولا يتركونه له. فعرف الله تعالى ذلك من قبلهم (5) وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون: لقد أقمت علينا (6) أحب (خلق الله) (7) إلى الله وإليك وإلينا، كفيتنا به مؤنة الظلمة لنا والجائرين في سياستنا، وعلم الله تعالى من


(1) زاد في ” ب، ط ” بأنفسكم. 2) ” وأنا ” س، ص. 3) ” اشهد بقول هؤلاء. ذلك وهو يقول وتقولون ” ب، ط. 4) ” تسعة من رؤساء ” أ. 5) ” قيلهم ” أ. ” قلوبهم ” خ ل البرهان. يقال: أتانى من قبله أي من عنده ومن جهته. 6) ” عليا ” التأويل. 7) ” الخلق ” أ، س، وص، والتأويل. (*)

[ 113 ]

قلوبهم خلاف ذلك، ومن مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الامر عن مستحقه (1) مؤثرون. فأخبر الله عزوجل محمدا عنهم، فقال: يا محمد (ومن الناس من يقول آمنا بالله) الذي أمرك بنصب علي إماما، وسائسا لامتك ومدبرا (وماهم بمؤمنين) بذلك، ولكنهم يتواطؤون على إهلاكك وإهلاكه، يوطنون أنفسهم على التمرد على علي عليه السلام إن كانت بك كائنة. (2) قوله عزوجل: ” يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون ” 9. [ نفاق المنافقين الذين خالفوا بعد النبي صلى الله عليه وآله ] 59 – [ قال الامام عليه السلام: ] قال [ الامام ] موسى بن جعفر عليه السلام: فاتصل ذلك من مواطأتهم وقيلهم في علي عليه السلام، وسوء تدبيرهم عليه برسول الله صلى الله عليه وآله، فدعاهم وعاتبهم، فاجتهدوا في الايمان. وقال أولهم: يا رسول الله والله ما اعتددت بشئ كاعتدادي بهذه البيعة، ولقد رجوت أن يفسح الله بها [ لي ] في قصور الجنان، ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان. وقال ثانيهم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما وثقت بدخول الجنة، والنجاة من النار إلا بهذه البيعة، والله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسي ما أعطيت، وإن [ كان ] (3) لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة. وقال ثالثهم: والله يا رسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة – [ من السرور ]


(1) ” محقه ” أ، والبحار. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 34 ح 7، والبحار: 37 / 141 صدر ح 36: والبرهان: 1 / 59 ح 1، واثبات الهداة: 3 / 573 ح 658 مختصرا. 3) من البحار. (*)

[ 114 ]

والفسح (1) من الآمال في رضوان الله – ما أيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الارض كلها علي لمحصت (2) عني بهذه البيعة. وحلف على ما قال من ذلك، ولعن من بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف ما حلف عليه. ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين. فقال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله (يخادعون الله) يعنى يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله بأيمانهم (3) خلاف ما في جوانحهم. (والذين آمنوا) كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال: (وما يخدعون إلا أنفسهم) وما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم، فان الله غني عنهم وعن نصرتهم، ولولا إمهاله لهم لما قدروا على شئ من فجورهم وطغيانهم (وما يشعرون) أن الامر كذلك، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم، وكذبهم وكفرهم ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين، وذلك اللعن لا يفارقهم: في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عقاب (4) الله. (5) قوله عزوجل: ” في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ” 10. 60 – [ قال الامام ] عليه السلام: قال [ الامام ] موسى بن جعفر عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، لما


(1) ” الفسيح ” س، والبحار: 6. ” الفتح ” البحار: 37. 2) ” تمحصت ” أ. 3) ” بابدائهم ” التأويل والبحار. 4) ” عذاب ” أ، ص، وبعض المصادر. والعقاب ينبئ عن الاستحقاق، وسمى بذلك لان الفاعل يستحقه عقيب فعله، ويجوز أن يكون العذاب مستحقا وغير مستحق. (الفروق اللغوية: 199) 5) عنه تأويل الايات: 1 / 36 ح 8، والبحار: 6 / 51 صدر ح 2، وج 37 / 143 ضمن ح 36 والبرهان: 1 / 60 ح 1. (*)

[ 115 ]

اعتذر هؤلاء [ المنافقين إليه ] بما اعتذروا، تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكل بواطنهم إلى ربهم، لكن جبرئيل عليه السلام أتاه فقال: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك (1) السلام ويقول: اخرج بهؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي عليه السلام: على نكثهم لبيعته، وتوطينهم نفوسهم على مخالفتهم عليا ليظهر من عجائب ما أكرمه الله به، من طواعية (2) الارض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله – لما أوقفه موقفك وأقامه مقامك -. ليعلموا أن ولي الله عليا، غني عنهم، وأنه لا يكف عنهم انتقامه منهم إلا بأمر الله الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه، والحكمة (3) التي هو عامل بها وممض لما (4) يوجبها. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله الجماعة – من الذين اتصل به عنهم ما اتصل في أمر علي عليه السلام والمواطأة على مخالفته – بالخروج. فقال لعلي عليه السلام – لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة -: يا علي إن الله عزوجل أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك، والمواظبة على خدمتك، والجد في طاعتك، فان أطاعوك فهو خير لهم، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين، وإن خالفوك فهو شر لهم، يصيرون في جهنم خالدين معذبين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لتلك الجماعة: اعلموا أنكم إن أطعتم عليا عليه السلام سعدتم وإن خالفتموه شقيتم، وأغناه الله عنكم بمن سيريكموه، وبما سيريكموه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي سل ربك بجاه محمد وآله الطيبين، الذين أنت بعد محمد سيدهم، أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت. فسأل ربه تعالى ذلك، فانقلبت فضة.


(1) ” يقرئك ” ب، ط. 2) ” طاعة ” التأويل والبرهان. وكلاهما بمعنى. 3) ” الذى بالغه بالحكمة ” البحار 4) ” ومحص بما ” أ. (*)

[ 116 ]

ثم نادته الجبال: ” يا علي يا وصي رسول رب العالمين إن الله قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا في أمرك، فمتى دعوتنا أجبناك لتمضي فينا حكمك، وتنفذ فينا قضاءك ” ثم انقلبت ذهبا أحمر كلها، وقالت مقالة الفضة، ثم انقلبت مسكا وعنبرا [ وعبيرا ] وجواهر ويواقيت، وكل شئ منها ينقلب إليه يناديه: يا أبا الحسن يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله نحن المسخرات لك، ادعنا متى شئت لتنفقنا فيما شئت نجبك، ونتحول لك إلى ما شئت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيتم قد أغنى الله عزوجل عليا – بما ترون – عن أموالكم ؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي سل الله عزوجل بمحمد وآله الطيبين الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله أن يقلب لك أشجارها رجالا شاكي الاسلحة، وصخورها اسودا ونمورا وأفاعي. فدعا الله علي بذلك، فامتلات تلك الجبال والهضاب وقرار الارض من الرجال الشاكي الاسلحة الذين لا يفي بواحد منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين، ومن الاسود والنمور والافاعي حتى طبقت تلك الجبال والارضون والهضاب بذلك [ و ] كل ينادي: يا علي يا وصي رسول الله، ها نحن قد سخرنا الله لك، وأمرنا باجابتك – كلما دعوتنا – إلى اصطلام كل من سلطتنا عليه، فمتى (1) شئت فادعنا نجبك، وبما شئت فأمرنا به نطعك. يا على يا وصى رسول الله إن لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك أطراف الارض وجوانبها هيئة (2) واحدة كصرة كيس لفعل، أو يحط لك السماء إلى الارض لفعل، أو يرفع لك الارض إلى السماء لفعل، أو يقلب لك ما في بحارها


(1) ” لئن ” أ. 2) ” هنة ” أ، ب. وهنة: حاجة ويعبر بها عن كل شئ. (*)

[ 117 ]

الاجاج ماء عذبا أو زئبقا (1) بانا، أو ما شئت من أنواع الاشربة والادهان لفعل ولو شئت أن يجمد البحار ويجعل سائر الارض هي البحار لفعل، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين، وخلاف هؤلاء المخالفين، فكأنهم بالدنيا إذا (2) انقضت. عنهم كأن لم يكونوا فيها (وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن) (3) لم يزالوا فيها. يا على ان الذى أمهلهم مع كفرهم وفسقهم في تمردهم عن طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذا الاوتاد، ونمرود بن كنعان، ومن ادعى الالهية من ذوي الطغيان وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات. [ و ] ما خلقت أنت ولا هم لدار الفناء، بل خلقتم لدار البقاء، ولكنكم تنقلون (4) من دار إلى دار، ولا حاجة لربك إلى من يسوسهم ويرعاهم، ولكنه أراد تشريفك عليهم، وإبانتك بالفضل فيهم (5) ولو شاء لهداهم. قال عليه السلام: فمرضت قلوب القوم لما شاهدوه من ذلك، مضافا إلى ما كان [ في قلوبهم ] من مرض حسدهم (6) [ له و ] لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال الله (7) عند ذلك: (في قلوبهم مرض) أي [ في ] قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين لما اخذت عليهم من بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (فزادهم الله مرضا) بحيث تاهت له قلوبهم جزاء بما أريتهم من هذه الآيات [ و ] المعجزات (ولهم عذاب أليم بما كانوا


(1) كذا في الاصل والمصادر، والظاهر أنها تصحيف كلمة ” زنبقا ” وهو دهن الياسمين، ذلك لكون الكلام في معرض الاشربة والادهان. 2) ” فقد ” ب، ط. ” قد ” س، ص 3) ” وكان الاخرة قد وردت عليهم ” أ. وفى ” س، ص ” وردوا عليها بدل ” وردت عليهم “. 4) ” تنتقلون ” ب، ط، البحار. 5) ” منهم ” أ، ب، ط. 6) ” أجسامهم ” ب، ط، البحار، والبرهان. 7) ” فقال رسول الله قال الله عزوجل ” أ. (*)

[ 118 ]

يكذبون) محمدا ويكذبون في قولهم: إنا على البيعة والعهد مقيمون. (1) قوله عزوجل: ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون “: 11، 12 61 – قال الامام عليه السلام: قال العالم موسى بن جعفر عليها السلام: [ و ] إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير (لا تفسدوا في الارض) باظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم، وتحيرونهم في مذاهبهم. (قالوا إنما نحن مصلحون) لاننا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد ونحن في الدين متحيرون، فنحن نرضى في الظاهر بمحمد (2) باظهار قبول دينه وشريعته، ونقضي في الباطن إلى شهواتنا، فنتمتع ونترفه (3) ونعتق أنفسنا من رق محمد، ونفكها من طاعة ابن عمه علي، لكي إن اديل (4) في الدنيا كنا قد توجهنا عنده، وإن اضمحل أمره كنا قد سلمنا (من سبي) (5) أعدائه. قال الله عزوجل (ألا إنهم هم المفسدون) بما يقولون (6) من امور أنفسهم لان الله تعالى يعرف نبيه صلى الله عليه وآله نفاقهم، فهو يلعنهم ويأمر المؤمنين (7) بلعنهم، ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين، لانهم يظنون أنهم ينافقونهم أيضا، كما ينافقون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.


(1) عنه تأويل الايات 1 / 37 إلى قوله تعالى ” في قلوبهم مرض ” وذكر الاية، والبحار: 37 / 144 ضمن ح 36، والبرهان: 1 / 60 ح 1، ومدينة المعاجز: 71 ح 181 واثبات الهداة: 3 / 573 ح 659 قطعة. 2) ” محمدا ” ب، س، ط، والتأويل. 3) ” فسنمنعه ونتركه ” أ. وفى ” ص ” نتركه بدل ” نترفه “. 4) اديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا. (لسان العرب: 11 / 255). 5) ” على ” أ، ص، والبحار. 6) ” يعقلون ” أ. ” يفعلون ” س، ص، البحار. 7) ” المسلمين ” أ، س، ص، البحار. والبرهان. (*)

[ 119 ]

فلا يرفع (1) لهم عندهم منزلة، ولا يحلون عندهم محل أهل الثقة. (2) قوله عزوجل: ” وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون “: 13. 62 – قال [ الامام ] عليه السلام: قال الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: وإذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة – قال لهم خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: – آمنوا برسول الله وبعلي الذي أوقفه موقفه، وأقامه مقامه، وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به. فآمنوا بهذا النبي، وسلموا لهذا الامام (في ظاهر الامر وباطنه) (3) كما آمن الناس المؤمنون كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار. قالوا: في الجواب لمن يقصون إليه، لا لهؤلاء المؤمنين فانهم لا يجترؤون (4) [ على ] مكاشفتهم بهذا الجواب، ولكنهم يذكرون لمن يقصون إليهم من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين، ومن المستضعفين ومن المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون فيقولون لهم: (أنؤمن كما آمن السفهاء) يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا عليا خالص ودهم، ومحض طاعتهم، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه حتى إذا (5) اضمحل أمر محمد صلى الله عليه وآله طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمد صلى الله عليه وآله أي فهم بهذا التعرض لاعداء محمد جاهلون سفهاء، قال الله عزوجل: (ألا إنهم هم السفهاء) الاخفاء العقول والآراء، الذين لم ينظروا في أمر


(1) ” يرتفع ” أ، والبحار. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 39 ح 10 (قطعة) والبحار: 37 / 146 ضمن ح 36، والبرهان: 1 / 61 ح 1 3) كذا في التأويل، وفى ” أ ” والبحار: وسلموا له ظاهرة وباطنة، وفى ” ب، ط ” خلة بدل ” ظاهر ” 4) ” يجسرون ” ص، ط، البحار. والبرهان. وكلاهما بمعنى. 5) كذا في البرهان، وفى غيره: ان. (*)

[ 120 ]

محمد صلى الله عليه وآله حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا [ به ] صحة ما ناطه بعلي عليه السلام من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمد صلى الله عليه وآله وذويه ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة محمد والمؤمنين، ولا محبة اليهود وسائر الكافرين. لانهم به وبهم يظهرون لمحمد صلى الله عليه وآله من موالاته وموالاة أخيه علي عليه السلام ومعاداة أعدائهم اليهود [ والنصارى ] والنواصب. كما يظهرون لهم من معاداة محمد وعلي صلوات الله عليهما وموالاة (1) أعدائهم، فهم يقدرون فيهم أن نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمد وعلي صلوات الله عليهما. (ولكن لا يعلمون) أن الامر كذلك (2)، وأن الله يطلع نبيه صلى الله عليه وآله على أسرارهم فيخسهم (3) ويلعنهم ويسقطهم. (4) قوله عزوجل: ” وإذا لقوا الذين آمنو قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون “: 14 و 15 63 – [ قال الامام ] عليه السلام: قال موسى بن جعفر عليهما السلام: ” وإذا لقوا ” هؤلاء الناكثون للبيعة، المواطؤن (5) على مخالفة علي عليه السلام ودفع الامر عنه. (الذين آمنوا قالوا آمنا) كايمانكم، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار


(1) ” معاداة ” البحار. أي أعداء اليهود والنصارى، ومرجع الضمير في المتن: الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه. 2) ” ليس كذلك ” البحار. 3) شئ خساس ومخسوس: تافه مرذول، وفى ” ص ” فيخيبهم، وفى ” ط ” فيحسهم، والحس: القتل الذريع، وفى البحار: فيخسأهم. 4) عنه تأويل الايات: 1 / 40 ح 11، والبحار: 37 / 147 ذ ح 36، والبرهان: 1 / 62 ح 1 إلى قوله: كما يظهرون لهم من معاداة محمد صلى الله عليه وآله وعلى عليه السلام. 5) ” المواظبون ” ب، س، ط، خ ل / أ. (*)

[ 121 ]

قالوا لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وآله، وسلمنا له بيعة علي عليه السلام وفضله، وانقدنا (1) لامره كما آمنتم. وإن أولهم، وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه، فإذا لقوهم اشمأزوا منهم، وقالوا: هؤلاء أصحاب الساحر والاهوج – يعنون محمدا وعليا صلوات الله عليهما -. ثم يقول بعضهم [ لبعض ]: احترزوا منهم لا يقفون (2) من فلتات (3) كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي، فينموا عليكم فيكون فيه هلاككم، فيقول أولهم: انظروا إلي كيف أسخر منهم، وأكف عاديتهم عنكم. فإذا التقوا، قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الاسلام الذي قال فيه محمد سيد الانام ” لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجلا من أبناء فارس، هذا أفضلهم ” يعنيك. وقال فيه: (سلمان منا أهل البيت)، فقرنه بجبرئيل الذي قال له (4) يوم العباء [ لما ] قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: وأنا منكم ؟ فقال: ” وأنت منا “، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الاعلى يفتخر على أهله [ و ] يقول: من مثلي بخ بخ، وأنا من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله. ثم يقول للمقداد: [ و ] مرحبا بك يا مقداد، أنت الذي قال فيك رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي المقداد أخوك في الدين وقد قد منك، فكأنه بعضك، حبا لك. وبغضا لاعدائك (5) وموالاة لاوليائك، لكن ملائكة السماوات والحجب أكثر حبا لك منك لعلي عليه السلام، وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي عليه السلام – فطوباك ثم طوباك. ثم يقول لابي ذر: مرحبا بك يا أبا ذر [ و ] أنت الذي قال فيك رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. قيل: بماذا فضله الله تعالى بهذا وشرفه ؟


(1) انقاد، انقيادا: خضع وأذعن، ” وأنفذنا ” ب، ط، وبعض المصادر. 2) ” يفقهون ” أ. 3) فلتات الكلام: زلاته وهفواته. 4) ” فيه ” ب، ط. 5) ” تعصبا على أعدائك ” س، ص. (*)

[ 122 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لانه كان بفضل علي أخي رسول الله قوالا، وله في كل الاحوال مداحا، ولشانئيه وأعدائه شانئا، ولاوليائه وأحبائه مواليا، [ و ] سوف يجعله الله عزوجل في الجنان من أفضل سكانها، ويخدمه مالا يعرف عدده إلا الله من وصائفها وغلمانها وولدانها. ثم يقول لعمار بن ياسر: أهلا وسهلا ومرحبا بك يا عمار، نلت بموالاة أخي رسول الله – مع أنك وادع، رافه (1) لا تزيد على المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات – مالا يناله الكاد بدنه ليلا ونهارا، يعني الليل قياما والنهار صياما، والباذل أمواله وإن كانت جميع [ أموال ] الدنيا له. مرحبا بك قد رضيك رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي أخيه مصافيا، وعنه مناويا حتى أخبر أنك ستقتل في محبته، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته، وفقني الله تعالى لمثل عملك وعمل أصحابك ممن يوفر على خدمة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخي محمد علي ولي الله، ومعاداة أعدائهما بالعداوة، ومصافات أوليائهما بالموالاة والمتابعة (2) سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقيناكم. فيقبل (3) سلمان وأصحابه ظاهرهم كما أمرهم الله، ويجوزون عنهم. فيقول الاول لاصحابه: كيف رأيتم سخريتي بهؤلاء، وكفي (4) عاديتهم عني وعنكم ؟ ! فيقولون: لا تزال (5) بخير ما عشت لنا. فيقول لهم: فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا (6) الفرصة فيهم مثل هذا فان اللبيب العاقل من (تجرع على) (7) الغصة حتى ينال الفرصة.


(1) وادع: أي ساكن، هادئ، ورفه العيش: لان، وطاب، فهو رافه، ورفيه. 2) ” المشايعة ” ب، س، ص، ط. 3) ” فيقول ” أ، وبعض المصادر، وهو تصحيف. 4) ” وكيف كففت ” ص. 5) ” نزال ” البحار: 6. 6) ” تنتهز ” أ. 7) ” يتجرع ” أ. (*)

[ 123 ]

ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أداه إليهم عن الله عزوجل من ذكرو تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه إماما على كافة المكلفين. (1) ” قالوا – لهم – إنا معكم إنما نحن ” على ما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الامر إن كانت لمحمد كائنة، فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم ف‍ ” إنما نحن مستهزؤن ” بهم. فقال الله عزوجل: يا محمد ” الله يستهزئ بهم ” [ و ] يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة ” ويمدهم في طغيانهم ” يمهلهم ويتأنى (2) بهم برفقه، ويدعوهم إلى التوبة، ويعدهم إذا تابوا (3) المغفرة، [ وهم ] يعمهون ” لا ينزعون (4) عن قبيح، ولا يتركون أذى لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه. قال الامام العالم عليه السلام: فأما استهزاء الله تعالى بهم في الدنيا فهو أنه – مع أجرائه اياهم على ظاهر أحكام المسلمين لاظهارهم ما يظهرونه من السمع والطاعة، والموافقة – يأمر (5) رسول الله صلى الله عليه وآله بالتعريض لهم حتى لا يخفى على المخلصين من المراد بذلك التعريض، ويأمره بلعنهم. وأما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عزوجل إذا أقرهم (6) في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الالوان العجيبة من العذاب، وأقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صلى الله عليه وآله صفي الملك الديان، أطلعهم على هؤلاء المستهزئين الذين كانوا يستهزؤن


1) ” المسلمين ” البحار: 6. 2) تأنى بالامر: ترفق. 3) ” أنابوا ” ب، ص، ط، والبحار: 8 ط حجر. وكلاهما بمعنى. 4) نزع عن كذا: كف وانتهى عنه. ” يرعوون ” س، ص، ط، والبحار. وهى بمعناها. 5) ” يأمرهم ” ب، ط. 6) ” أقر المنافقين المعادين لعلى ” البحار: 8. (*)

[ 124 ]

بهم في الدنيا حتى يروا ماهم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات، فتكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم بهم، كما [ كان ] لذتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربهم. فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين والمنافقين بأسمائهم وصفاتهم، وهم على أصناف: منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه. ومنهم من هو بين مخالب سباعها تعبث به وتفترسه. ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها (1) تقع من أيديها عليه [ ما ] تشدد في عذابه، وتعظم خزيه ونكاله. ومنهم من هو في بحار حميمها يغرق، ويسحب فيها. ومنهم من هو في غسلينها وغساقها يزجره فيها زبانيتها. ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها. والكافرون والمنافقون ينظرون، فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون – لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما صلوات الله عليهم يعتقدون – ويرون: منهم من هو على فرشها يتقلب. ومنهم من هو في فواكهها يرتع. ومنهم من هو في غرفها أو في بساتينها [ أ ] ومنتزهاتها يتبحبح (2)، والحور العين والوصفاء والولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم، وطائفون بالخدمة حواليهم، وملائكة الله عزوجل يأتونهم من عند ربهم بالحباء والكرامات وعجائب التحف والهدايا والمبرات، يقولون [ لهم ]: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.


1) المرزبة – بالتخفيف -: المطرقة الكبيرة التى تكون للحداد. 2) تبحبح: إذا تمكن وتوسط المنزل والمقام. (*)

[ 125 ]

فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين: يا فلان ! ويا فلان ! ويا فلان ! – حتى ينادونهم بأسمائهم – ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون ؟ هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم، وتلحقوا بنا في نعيمها. فيقولون: يا ويلنا أنى لنا هذا ؟ [ ف‍ ] يقول المؤمنون: انظروا إلى هذه الابواب. فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، ويقدرون أنهم يتمكنون أن يتخلصوا إليها، فيأخذون بالسباحة في بحار حميمها، وعدوا بين أيدي زبانيتها وهم يلحقونهم ويضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الاصناف من العذاب تمسهم، حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الابواب وجدوها مردومة عنهم وتدهدههم (1) الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم. ويستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم فذلك قول الله تعالى (الله يستهزئ بهم) وقوله عزوجل: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون) (2) وقوله عزوجل: ” اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين “: 16 64 – [ قال الامام ] عليه السلام: قال الامام العالم موسى بن جعفر عليهما السلام: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) باعوا دين الله واعتاضوا منه الكفر بالله (فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لانهم اشتروا النار وأصناف عذابها بالجنة


1) ” تزهدهم ” أ. ” دهدهم ” ب، ط. الزهد والزهادة: الاعراض عن الشئ احتقارا له. ودهده الحجر: دحرجه. 2) عنه البحار: 6 / 51 ضمن ح 2، وج 8 / 298 ح 52، وج 8 / 219 ط. حجر، والبرهان: 1 / 62. والاية الاخيرة: 34 و 35 من سورة المطففين. (*)

[ 126 ]

التي كانت معدة لهم لو آمنوا (وما كانوا مهتدين) إلى الحق والصواب. فلما أنزل الله عزوجل هذه الآية حضر رسول الله صلى الله عليه وآله قوم، فقالوا: يا رسول الله سبحان الرازق، ألم تر فلانا كان يسير البضاعة، خفيف ذات اليد، خرج مع قوم يخدمهم في البحر فرعوا له حق خدمته، وحملوه معهم إلى الصين وعينوا له يسيرا من مالهم، قسطوه على أنفسهم له، وجمعوه فاشتروا له [ به ] (1) بضاعة من هناك فسلمت فربح الواحد عشرة. فهو اليوم من مياسير أهل المدينة ؟ وقال قوم آخرون بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ألم تر فلانا كانت حسنة حاله، كثيرة أمواله، جميلة أسبابه، وافرة خيراته وشمله مجتمع، أبى إلا طلب الاموال الجمة، فحمله الحرص على أن تهور، فركب البحر في وقت هيجانه، والسفينة غير وثيقة، والملاحون غير فارهين إلى أن توسط البحر حتى لعبت بسفينته ريح [ عاصف ] فأزعجتها إلى الشاطئ، وفتقتها (2) في ليل مظلم وذهبت أمواله، وسلم بحشاشة نفسه (3) فقيرا وقيرا (4) ينظر إلى الدنيا حسرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأحسن من الاول حالا، وبأسوأ من الثاني حالا ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما أحسن من الاول حالا فرجل اعتقد صدقا بمحمد [ رسول الله ]، وصدقا في إعظام علي أخي رسول الله ووليه، وثمرة قلبه ومحض طاعته، فشكر له ربه ونبيه ووصي نبيه فجمع الله تعالى له بذلك خير الدنيا والاخرة، ورزقه لسانا لآلاء الله تعالى ذاكرا، وقلبا لنعمائه شاكرا، وبأحكامه راضيا، وعلى احتمال مكاره أعداء محمد وآله نفسه موطنا، لاجرم أن الله عزوجل سماه عظيما في ملكوت أرضه وسماواته، وحباه


1) من البحار والحلية. 2) ” فتتها ” أ، ص. 3) ” بحشاشته ” ص، ط، والبحار: 68. والحشاشة: رمق بقية الحياة والروح. 4) أي ذليلا مهانا. وفى ” ط ” قتيرا. (*)

[ 127 ]

برضوانه وكراماته، فكانت تجارة هذا أربح، وغنيمته أكثر وأعظم. وأما أسوأ من الثاني حالا فرجل أعطى أخا محمد رسول الله بيعته، وأظهر له موافقته وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، ثم نكث بعد ذلك وخالف (1) ووالى عليه أعداءه، فختم له بسوء أعماله فصار إلى عذاب لا يبيد ولا ينفد، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. [ محبة على عليه السلام وآله ] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: معاشر عباد الله عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء، واجتباه بالاصطفاء، وجعله أفضل أهل الارض والسماء بعد محمد سيد الانبياء علي بن أبي طالب عليه السلام وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم. فان رعاية علي أحسن من رعاية هؤلاء التجار الخارجين بصاحبكم – الذي ذكرتموه – إلى الصين الذي عرضوه للغناء (2) وأعانوه بالثراء (3). أما أن من شيعة علي لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة سيئاته (4) من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار التيارة (5) تقول الخلائق: هلك هذا العبد، فلا يشكون أنه من الهالكين، وفي عذاب الله من الخالدين. فيأتيه النداء من قبل الله عزوجل: يا أيها العبد الخاطئ [ الجاني ] هذه الذنوب الموبقات، فهل بازائها حسنات تكافئها، فتدخل جنة الله برحمة الله ؟ أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله ؟ يقول العبد: لا أدري.


1) ” خالفه ” ب، ط. 2) ” للغى ” ط. 3) ” بالشراء ” خ ل. 4) ” ميزانه ” ب، ط. 5) ” السيارة ” أ، والبحار: 8. يقال: قطع عرقا تيارا أي سريع الجرية. (لسان العرب: 4 / 97) (*)

[ 128 ]

فيقول منادى ربنا عزوجل: فان ربي يقول: ناد في عرصات القيامة: ألا إني فلان بن فلان، من أهل بلد كذا [ وكذا ]، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بازائها، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أو ان شدة حاجتي إليها. فينادي الرجل بذلك، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب عليه السلام لبيك لبيك [ لبيك ] أيها الممتحن في محبتي، المظلوم بعداوتي. ثم يأتي هو ومعه عدد كثير وجم غفير، وإن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات. فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون، كان بنا بارا، ولنا مكرما وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له. فيقول علي عليه السلام: فبماذا تدخلون جنة ربكم ؟ فيقولون: برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك، ووالى آلك، يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله. فيأتي النداء من قبل الله عزوجل: يا أخا رسول الله هؤلاء اخوانه المؤمنون قد بذلوا له، فانت ماذا تبذل له ؟ فاني أنا الحاكم (1)، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، وما بينه وبين عبادي (2) من الظلامات، فلابد من فصل الحكم بينه وبينهم. فيقول على عليه السلام: يا رب أفعل ما تأمرني. فيقول الله عزوجل: [ يا علي ] اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله. فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك، ويقول لهم: اقترحوا علي ما شئتم أعطكموه عوضا عن ظلاماتكم قبله. فيقولون: يا أخا رسول الله تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك


1) ” الحكم ” ص، التأويل، والبحار. 2) ” العباد ” أ. (*)

[ 129 ]

ليلة بيتوتتك على فراش محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فيقول علي عليه السلام: قد وهبت ذلك لكم. فيقول الله عزوجل: فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي [ بن أبي طالب عليه السلام ] فداء لصاحبه من ظلاماتكم. ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها، فيكون من ذلك ما يرضي الله عزوجل به خصماء أولئك المؤمنين. ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال (1) بشر. فيقولون: يا ربنا هل بقي من جناتك شئ ؟ إذا كان هذا كله لنا، فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والانبياء والصديقين والشهداء والصالحين ؟ ويخيل إليهم عند ذلك أن الجنة بأسرها قد جعلت لهم. فيأتي النداء من قبل الله عزوجل: يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي [ ابن أبي طالب ] الذي قد اقترحتموه عليه، قد جعله لكم، فخذوه وانظروا، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوضهم علي عليه السلام عنه إلى تلك الجنان، ثم يرون ما يضيفه الله عزوجل إلى ممالك علي عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليه الموالي له، مما شاء الله عزوجل من الاضعاف التي لا يعرفها غيره. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” أذلك خير نزلا ؟ أم شجرة الزقوم ” (2) المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام. (3)


1) ” قلب ” ب، س، ط. 2) الصافات: 62. 3) عنه البحار: 8 / 59 ح 82 وج 68 / 106 ح 20، وتأويل الايات: 1 / 90 ح 78 من قوله: معاشر عباد الله، وحلية الابرار: 1 / 303 الباب 17، والبرهان: 1 / 64 ح 1 (قطعة). (*)

[ 130 ]

قوله عزوجل: ” مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون “: 17 و 18 65 – قال الامام [ عليه السلام: قال ] موسى بن جعفر عليها السلام: مثل هؤلاء المنافقين كمثل الذي استوقد نارا أبصر بها ما حوله، فلما أبصر ذهب الله بنورها بريح أرسلها عليها فأطفأها، أو بمطر. كذلك مثل هؤلاء المنافقين الناكثين لما أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام أعطوا ظاهرا بشهادة: أن لا إله إلا إلله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا وليه ووصيه ووارثه وخليفته في إمته، وقاضي ديونه، ومنجز عداته، والقائم بسياسة عباد الله مقامه، فورث مواريث المسلمين بها [ ونكح في المسلمين بها ] ووالوه من أجلها، وأحسنوا عنه الدفاع بسببها، واتخذوه أخا يصونونه مما يصونون عنه أنفسهم بسماعهم منه (1) لها. فلما جاءه الموت وقع في حكم رب العالمين، العالم بالاسرار، الذي لا يخفى عليه خافية فأخذهم العذاب بباطن كفرهم، فذلك حين ذهب نورهم، وصاروا في ظلمات [ عذاب الله، ظلمات ] أحكام الآخرة، لا يرون منها خروجا، ولا يجدون عنها محيصا. ثم قال: ” صم ” يعني يصمون في الآخرة في عذابها. ” بكم ” يبكمون هناك بين أطباق نيرانها ” عمي ” يعمون هناك.


1) قال المجلسي – رحمه الله -: الضمير في ” منه ” راجع إلى أمير المؤمنين، وفى ” لها ” إلى الانفس، أي بأنهم كانوا يسمعون منه عليه السلام ما ينفع أنفسهم من المعارف والاحكام والمواعظ. أو ضمير سماعهم راجع إلى المسلمين، وضمير منه إلى المنافق. وضمير لها إلى الشهادة، أي اتخاذهم له أخا بسبب أنهم سمعوا منه الشهادة. (*)

[ 131 ]

وذلك نظير قوله عزوجل ” ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ” (1) [ ما يتمثل للمنافقين عند حضور ملك الموت: ] 66 – قال الامام (2) عليه السلام: عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام في الظاهر، ونكثها في الباطن وأقام على نفاقه إلا وإذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه تمثل له إبليس وأعوانه. وتمثل النيران وأصناف عذابها (3) لعينيه وقلبه ومقاعده (4) من مضايقها. وتمثل له أيضا الجنان ومنازله فيها لو كان بقي على إيمانه، ووفى ببيعته (5) فيقول له ملك الموت: انظر فتلك الجنان التي لا يقدر (6) قدر سرائها (7) وبهجتها وسرورها إلا الله رب العالمين كانت معدة لك، فلو كنت بقيت على ولايتك لاخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، لكنك (نكثت وخالفت) فتلك النيران وأصناف عذابها وزبانيتها ومرزباتها وأفاعيها الفاغرة أفواهها، وعقاربها الناصبة أذنابها، وسباعها الشائلة (8) مخالبها، وسائر أصناف عذابها هو لك وإليها مصيرك.


1) عنه البحار: 8 / 386 ط. حجر. والبرهان: 1 / 64 ح 1، والاية الاخيرة: 97 من سورة الاسراء. 2) ” العالم ” س، التأويل، البحار 8، والبرهان. 3) ” عقابها ” س، ص، البحار: 8 والبرهان، ” عفاريتها ” البحار: 24، ” عقاربها ” التأويل. وفى ” ب، ط ” لعينه وسمعه بدل ” لعينيه “. 4) ” تقاعده ” أ، ” معاقده ” البحار: 8. 5) ” وفى بيعته ” الاصل. 6) ” يقادر ” التأويل والبحار. 7) ” مسراتها ” ب، ط. 8) ” السائلة ” ب، ط. والشائلة: المرتفعة. قال ابن الاثير في النهاية: 2 / 434. في صفته صلى الله عليه وآله ” سائل الاطراف ” أي ممتدها. (*)

[ 132 ]

فعند ذلك يقول: ” يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا ” (1) فقبلت ما أمرني والتزمت من موالاة علي عليه السلام ما ألزمني. (2) قوله عزوجل: ” أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ان الله على كل شئ قدير “: 19 – 20. 67 – قال الامام (3) عليه السلام: ثم ضرب الله عزوجل مثلا آخر للمنافقين [ فقال ]: مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزلنا عليك يا محمد، مشتملا على بيان توحيدي، وإيضاح حجة نبوتك، والدليل الباهر القاهر على استحقاق أخيك علي ابن أبي طالب عليه السلام للموقف الذي وقفته، والمحل الذي أحللته، والرتبة التي رفعته إليها، والسياسة التي قلدته إياها فهي ” كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ” قال: يا محمد كما أن في هذا المطر هذه الاشياء، ومن ابتلى به خاف، فكذلك هؤلاء في ردهم لبيعة علي عليه السلام، وخوفهم أن تعثر أنت يا محمد على نفاقهم كمن هو في مثل هذا المطر والرعد والبرق، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده، أو ينزل البرق بالصاعقة (4) عليه، فكذلك هؤلاء يخافون أن تعثر على كفرهم، فتوجب قتلهم، واستيصالهم ” يجعلون أصابعهم في آذانهم (5) من الصواعق حذر الموت “.


1) الفرقان: 27. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 373 ح 7، والبحار: 24 / 18 ح 30، وج 8 / 387 ط. حجر والبرهان: 1 / 65 ح 2، وج 3 / 165 ح 8. 3) ” العالم ” البحار: 8 ط. حجر، والبرهان. 4) ” والصاعقة ” ب، ط، والبرهان. 5) زاد في ” ط ” لئلا يخلع قلوبهم. (*)

[ 133 ]

كما يجعل هؤلاء المبتلون بهذا الرعد [ والبرق ] أصابعهم في آذانهم لئلا يخلع صوت الرعد أفئدتهم، فكذلك يجعلون أصابعهم في آذانهم إذا سمعوا لعنك لمن نكث البيعة ووعيدك لهم إذا علمت أحوالهم (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) لئلا يسمعوا لعنك [ ولا ] وعيدك فتغير ألوانهم فيستدل أصحابك أنهم هم المعنيون باللعن والوعيد، لما قد ظهر من التغير والاضطراب عليهم، فتقوى التهمة عليهم، فلا يأمنون هلاكهم بذلك على يدك وفي حكمك. ثم قال: ” والله محيط بالكافرين ” مقتدر عليهم، لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم وأبدى لك أسرارهم، وأمرك بقتلهم. ثم قال: ” يكاد البرق يخطف أبصارهم ” وهذا مثل قوم ابتلوا ببرق فلم يغضوا عنه أبصارهم، ولم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلالئه، ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق، ولكنهم نظروا إلى نفس البرق فكاد يخطف أبصارهم. فكذلك هؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة الدالة على نبوتك الموضحة عن صدقك في نصب أخيك علي عليه السلام إماما. ويكاد ما يشاهدونه منك يا محمد، ومن أخيك علي من المعجزات الدالات على أن أمرك وأمره هو الحق الذي لا ريب فيه، ثم هم مع ذلك لا ينظرون في دلائل ما يشاهدون من آيات القرآن، وآياتك، وآيات أخيك علي بن أبي طالب عليه السلام، يكاد ذهابهم عن الحق في حججك يبطل عليهم سائر ما قد علموه (1) من الاشياء التي يعرفونها لان من جحد حقا واحدا، أداه ذلك الجحود إلى أن يجحد كل حق، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه، كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره. ثم قال: ” كلما أضاء لهم مشوا فيه ” * (هامش) 1) 2) ” علموه ” أ، ص. ” علموا ” البحار. (*)


[ 134 ]

إذا ظهر ما قد اعتقدوا أنه هو الحجة مشوا فيه: ثبتوا عليه. وهؤلاء كانوا إذا أنتجت (1) خيولهم الاناث، ونساؤهم الذكور، وحملت نخيلهم وزكت زروعهم، وربحت (2) تجارتهم، وكثرت الالبان في ضروع جذوعهم (3) قالوا: يوشك أن يكون هذا ببركة بيعتنا لعلي عليه السلام إنه مبخوت مدال [ فبذلك ] ينبغي أن نعطيه ظاهر الطاعة لنعيش في دولته. ” وإذا أظلم عليهم قاموا ” أي [ وإذا ] أنتجت خيولهم الذكور، ونساؤهم الاناث، ولم يربحوا في تجارتهم ولا حملت نخيلهم، ولا زكت زروعهم، وقفوا وقالوا: هذا بشؤم هذه البيعة التي بايعناها عليا، والتصديق الذي صدقنا محمدا. وهو نظير ما قال الله عزوجل: يا محمد (إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك). قال الله تعالى: (قل كل من عند الله) (4) بحكمه النافذ وقضائه، ليس ذلك لشؤمي ولا ليمني. ثم قال الله عزوجل ” ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ” حتى [ لا ] يتهيأ لهم الاحتراز من أن تقف على كفرهم أنت وأصحابك المؤمنون وتوجب قتلهم (إن الله على كل شئ قدير) لا يعجزه شئ. (5)


1) ” نتجت ” ب، ط. يقال: نتجت وأنتجت البهيمة ولدا: وضعته وولدته. 2) ” نمت ” أ، س، ص. 3) ” ضروعهم ” ب، س، ص، ط، والبحار، البرهان وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابا فتيا، فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والماعز ما دخل في السنة الثانية.. ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير. (النهاية: 1 / 250) 4) النساء: 78. 5) عنه البحار: 8 / 386 ط. حجر، والبرهان: 1 / 66 ح 1. (*)

[ 135 ]

قوله عزوجل: ” يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون “: 21 68 – [ قال الامام عليه السلام: ] قال علي بن الحسين عليهما السلام في قوله تعالى: ” يا أيها الناس ” يعني سائر [ الناس ] المكلفين من ولد آدم عليه السلام. ” اعبدوا ربكم ” أي أطيعوا (1) ربكم من حيث أمركم من أن تعتقدوا أن لا إله إلا الله (2) وحده لا شريك له، ولا شبيه ولا مثل [ له ] عدل لا يجور، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله، وأن آل محمد أفضل آل النبيين، وأن عليا أفضل آل محمد، وأن أصحاب محمد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين. [ وأن أمة محمد أفضل أمم المرسلين ]. (3) [ كيفية خلق الانسان وتطوراته: ] 69 – ثم قال الله عزوجل: (الذي خلقكم) [ اعبدوا الذي خلقكم ] من نطفة من ماء مهين، فجعله في قرار مكين، إلى قدر معلوم، فقدره، فنعم القادر الله رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن النطفة تثبت في [ قرار ] الرحم أربعين يوما نطفة، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم تجعل (بعده عظاما) (4) ثم تكسى لحما، ثم يلبس الله فوقه جلدا، ثم ينبت عليه شعرا، ثم يبعث الله عزوجل إليه ملك الارحام، فيقال له: أكتب أجله وعمله ورزقه، وشقيا يكون أو سعيدا. فيقول الملك: يا رب أني لي بعلم ذلك ؟


1) ” أجيبوا ” س. 2) ” هو ” ب، س، ط. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 40 ح 13، والبحار: 68 / 286 صدر ح 44، والبرهان: 1 / 66 صدر ح 1. 4) ” عظما ” البحار: 38. (*)

[ 136 ]

فيقال له: استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ. فيستمليه منهم. (1) [ شكاية بريدة من على عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله ورده عليه: ] 70 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ و ] إن ممن كتب أجله وعمله ورزقه وسعادة خاتمته علي بن أبي طالب عليه السلام، كتبوا من عمله أنه لا يعمل ذنبا أبدا إلى أن يموت. قال: وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله يوم شكاه بريدة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث جيشا ذات يوم لغزاة، أمر عليهم عليا عليه السلام، وما بعث جيشا قط فيهم علي بن أبي طالب عليه السلام إلا جعله أميرهم. فلما غنموا رغب علي عليه السلام [ في ] أن يشتري من جملة الغنائم جارية يجعل ثمنها في جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الاسلمي، (2) وزايداه. فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه، انتظر (3) إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك. فلما رجعوا (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، تواطئا على أن يقول ذلك بريدة لرسول الله صلى الله عليه وآله فوقف بريدة قدام (5) رسول الله صلى الله عليه وآله وقال:


1) عنه البحار: 38 / 66 صدر ح 6، وج 60 / 360 ح 49، والبرهان: 1 / 66 ضمن ح 1 قطعة. 2) ظاهر التفسير أن حاطبا وبريدة قد اشتركا في هذه المكايدة، ولكن يلاحظ من قوله عليه السلام: ” يوم شكاه بريدة ” وما أظهره الرسول صلى الله عليه وآله من جفائه له، أن أساس المشكلة ومحور الاثم هو بريدة، وهذا لا يمنع أن يكون حاطبا وغيره من الذين في قلوبهم مرض قد كايدوا، وزايدوا عليا عليه السلام. وقد روى المفيد في الارشاد هذه القصة دون أن يذكر حاطبا الذى له قصة اخرى رواها المفيد في الارشاد أيضا. انظر ارشاد المفيد: 76 وص 93. 3) ” نظر اليهما ” أ، ب، ص، ط. 4) ” رجعا ” التأويل، والبحار. 5) ” أمام ” ب، س، ط. (*)

[ 137 ]

يا رسول الله ألم تر أن علي بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم جاء عن يمينه (1) فقالها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله (فجاءه عن يساره وقالها، فأعرض عنه، وجاء من خلفه فقالها، فأعرض عنه) (2) ثم عاد إلى بين يديه، فقالها. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا لم ير قبله ولا بعده غضب مثله، وتغير لونه وتربد (3) وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال: مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم ؟ أما سمعت الله عزوجل يقول: ” ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا “. (4) قال بريدة: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما علمت أنني (5) قصدتك بأذى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي ؟ أما علمت أن عليا مني وأنا منه، وأن من آذى عليا فقد آذاني [ ومن آذاني ] فقد آذى الله، ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم ؟ ! يا بريدة أنت أعلم أم الله عزوجل ؟ أنت أعلم أم قراء اللوح المحفوظ ؟ أنت أعلم أم ملك الارحام ؟


1) ” فجاء عن يساره ” أ. 2) ” فجاء خلفه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ” أ. 3) ” تزبد ” ب، س، ط، البحار، والبرهان. أربد وجهه وتربد: احمر حمرة فيها سواد عند الغضب. وتزبد الانسان: إذا غضب وظهر على صماغيه زبدتان. (لسان العرب: 3 / 170 و 193) 4) الاحزاب: 57 – 58. 5) ” علمتني ” س، ص. (*)

[ 138 ]

قال بريدة: بل الله أعلم، وقراء اللوح المحفوظ أعلم، وملك الارحام أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله فأنت أعلم يا بريدة ؟ أم حفظة علي بن أبي طالب ؟ قال: بل حفظة علي بن أبي طالب. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف تخطئه وتلومه وتوبخه وتشنع عليه في فعله، وهذا جبرئيل أخبرني، عن حفظة علي عليه السلام أنه ما كتبوا عليه قط خطيئة منذ [ يوم ] ولد وهذا ملك الارحام حدثني أنهم كتبوا قبل أن يولد، حين استحكم في بطن أمه، أنه لا يكون منه خطيئة أبدا، وهؤلاء قراء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي أنهم وجدوا في اللوح المحفوظ ” علي المعصوم من كل خطأ وزلة “. فكيف تخطئه [ أنت ] يا بريدة وقد صوبه رب العالمين والملائكة المقربون ؟ (1) يا بريدة لا تعرض لعلي بخلاف الحسن الجميل، فانه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، [ وسيد الصالحين ] (2) وفارس المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وقسيم الجنة والنار، يقول يوم القيامة للنار: هذا لي وهذا لك. ثم قال: يا بريدة أترى ليس لعلي من الحق عليكم معاشر المسلمين، ألا تكايدوه (3) ولا تعاندوه ولا تزايدوه ؟ هيهات [ هيهات ] (4) إن قدر علي عند الله تعالى أعظم من قدره عندكم، أولا أخبركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان الله يبعث يوم القيامة أقواما تمتلئ (5) من جهة السيئات موازينهم فيقال لهم: هذه السيئات فأين الحسنات ؟ وإلا فقد عطبتم. (6) فيقولون: يا ربنا ما نعرف لنا حسنات. فإذا النداء من قبل الله عزوجل: ” لئن لم تعرفوا لانفسكم – عبادي – حسنات فاني أعرفها لكم، وأوفرها عليكم “.


1) ” من المقربين ” أ. 2) من البحار. 3) ” تكابدوه ” ط. 4) من البرهان. 5) ما تمنلى ” ب، ط. 6) أي هلكتم. وفى البحار: عصيتم. (*)

[ 139 ]

ثم تأتي الريح برقعة صغيرة [ و ] تطرحها في كفة حسناتهم، فترجح بسيئاتهم بأكثر مما بين السماء والارض، فيقال لاحدهم: خذ بيد أبيك وأمك وإخوانك وأخواتك وخاصتك وقراباتك وأخذانك ومعارفك، فأدخلهم الجنة. فيقول أهل المحشر: يا ربنا أما الذنوب فقد عرفناها، فماذا كانت حسناتهم ؟ فيقول الله عزوجل: يا عبادي، مشى أحدهم ببقية دين عليه لاخيه إلى أخيه فقال: خذها فاني أحبك بحبك (1) لعلي بن أبي طالب عليه السلام فقال له الآخر: قد تركتها لك بحبك لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولك من مالي ما شئت. فشكر الله تعالى ذلك لهما فحط به خطاياهما، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما، وأوجب لهما ولو الديهما ولذريتهما (2) الجنة. ثم قال: يا بريدة إن من يدخل النار ببغض علي أكثر من حصى الخذف (3) التي يرمي بها عند الجمرات، فاياك أن تكون منهم. فذلك قوله تبارك وتعالى: ” اعبدوا ربكم الذي خلقكم ” [ أي ] اعبدوه بتعظيم محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام. (4) (الذي خلقكم) نسما، وسواكم من بعد ذلك، وصوركم، فأحسن صوركم. (5) 71 – ثم قال عزوجل: ” والذين من قبلكم “


1) ” لحيبك ” أ. 2) ” لذويهما ” ب، س، ط. 3) ” الحذف ” أ. ” الخدف ” ب، ط. وكلاهما تصحيف. قال ابن الاثير في النهاية: 2 / 16: ومنه حديث رمى الجمار ” علكيم بمثل حصى الخذف ” أي صغارا. 4) وهذا عين ما ذكره الامام على بن الحسين عليهما السلام في صدر الحديث: 68 ” أطيعوا ربكم من حيث أمركم أن تعتقدوا أن. و.. و.. “. ومعلوم أن من أعظم شعائر الله عزوجل تعظيم الرسول والامام – من الله تعالى – باطاعة أوامرهم، واتباعهم، والسير على سنتهم لتحقيق عبادته من حيث مر به سبحانه وتعالى. 5) عنه تأويل الايات: 2 / 465 ح 37، والبحار: 38 / 66 ح 6، وج 68 / 109 ح 21 (قطعة) وص 287 قطعة ضمن ح 44، والبرهان: 3 / 337 ح 3. (*)

[ 140 ]

قال: وخلق الذين من قبلكم من سائر أصناف الناس (لعلكم تتقون). (1) قال: لها وجهان: (2)


1) ” لعل ” لغة للترجي، وفى موارد كلام الله سبحانه للواجب العقلي والشرعي، وقد وردت في مواضع عديدة من القرآن الكريم، مثل قوله: لعلكم تسلمون، تهتدون، تفلحون. فراجع. وفى استعمال لفظ ” لعل في الموارد تنبيه على جعل المشيئة لهم في مقام الطاعة والعصيان كما قال سبحانه: ” انا هديناه السبيل اما شاكرا وأما كفروا ” و ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “. وكما في قوله تعالى لموسى في فرعون الذى يعلم حاله وعاقبة أمره ” لعله يتذكر أو يخشى ” وقد سئل الامام الصادق عنها فقال عليه السلام: تذكر وخشى وآمن في وقت لم ينتفع به. أما الاتقاء فأصله: الاوتقاء، ومن وقى الشئ إذا صانه وستره، وتحرز من الاذى والافات قال تعالى: ” قوا أنفسكم وأهليكم نارا ” ” قنا عذاب الجحيم ” ” وقاهم الله شر ذلك اليوم ” ” وما لهم من ربهم من واق ” فكأن المتقى إذا لبس التقوى من الله في قلبه لبس حرزا ودرعا حصينا مما يخاف ويحذر. والتقوى ضد الفجر والفجور. فراجع المعجم المفهرس (فجر): ” ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها ” ” بل يريد الانسان ليفجر أمامه ” ” أم نجعل المتقين كالفجار ” كيف جعل الفجور – من فجر العيون – لطغيان النفس وطاعة الهوى. 2) ترى أيكون استعمال لفظ ” لعلكم تتقون ” لافادة المعنيين: ” اتقاء الله، واتقاء النار ” أو أحدهما مرددا ؟ ! أو يمكن أن يكون له مفهوما جامعا ينطبق عليهما بالمطابقة والالتزام ؟ أقول: ينبغى ذكر امور: الاول: أن ” اتقوا ” في كلام الله متعلق بأمرين: ” اتقوا الله حق تقاته ” ال عمران: 102، ” اتقوا يوما ” البقرة: 48، 123، 281 ” اتقوا النار التى اعدت للكافرين ” ال عمران: 131. ولا ريب – حقيقة واعتبارا – أن اتقاء الله بطاعته وعبادته سبب لاتقاء النار والوقاية منها، فإذا لم يصرح بما يتقى، فالمراد هو الاتقاء ” مطلقا ” الذى ينطبق عليهما موردا وقهرا. الثاني: أن ” لعلكم تتقون ” متعلقة ظاهرا ب‍ ” اعبدوا ” دون خلقكم، ونظيره قوله تعالى – >

[ 141 ]

أحدهما خلقكم، وخلق الذين من قبلكم لعلكم – كلكم – تتقون، أي لتتقوا كما قال الله تعالى: ” وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ” (1) والوجه الاخر: اعبدوا [ ربكم ] الذي خلقكم، والذين من قبلكم، أي اعبدوه


1) < – كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” البقرة: 183. الثالث: أنه فرق بين أن يقول ” اعبدوا ربكم. لعلكم تتقون ” أو يقول ” ربكم الذى خلقكم. لعلكم تتقون ” فالتوصيف ب‍ ” ربكم الذى خلقكم ” يشعر بالربط بين الخلق و وجوب العبادة، كما صرح به في قوله تعالى ” وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ” الذاريات: 56 فاذن يحصل لنا – من مجموع الايات: ” اعبدوا ربكم الذى خلقكم. لعلكم تتقون ومن التصريح في ” ليعبدون “، وآيات في فضل المتقين، وقوله تعالى: ” وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ” الزمر: 61 ” فوقاهم الله شر ذلك اليوم ” الانسان: 11 – أن للانسان مراحل من الخلقة إلى استكماله وخلوده في مقام أمين، وأن الله واقيه لا يمسه سوء ولا شر من اليوم الموعود. واجماله أن الله أراد أن يعبد، فخلق الخلق، ثم هداه إلى معرفة ذاته وقدرته وجلاله وألهمه الفجور والتقوى ليكون بالمشيئة: اما شاكرا، واما كفورا، ثم يختار أن يكون عن معرفة وتذلل عبدا لله مطيعا خاضعا، ثم يطيعه لا يعصيه اتقاء بعبادته تسبيبا إلى اتقاء النار التى وعدها الله الكافرين فإذا اتقى ولبس درع التقوى وعبد، فكأنه احترز بحرز لا يمسه سوء. فإذا عرفت ذلك، أقول: ” لعلكم تتقون ” جامع مطلق لم يخص باتقاء الله أو النار، فله التوجيهان والتوجيه بأيهما صحيح يفيد مفهوما انطباقيا. فإذا وجه قوله ” لعلكم تتقون ” – طبقا للموضوع المتسلسل المتقدم – إلى ” خلقكم ” فالمناسب اتقاء الله بعبادته المستلزم لاتقاء النار. وإذا وجه إلى ” اعبدوا ” فالمناسب اتقاء النار الحاصل بالعبادة المستوجب لما حتم الله على المتقين بقوله ” ينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم سوء العذاب “. 1) الذاريات: 56. (*)

[ 142 ]

لعلكم تتقون النار و ” لعل ” من الله واجب لانه أكرم من أن يعني (1) عبده بلا منفعة ويطمعه في فضله ثم يخيبه، ألا تراه كيف قبح من عبد من عباده، إذا قال لرجل: اخدمني لعلك تنتفع بي وبخدمتي، ولعلي أنفعك بها. فيخدمه، ثم يخيبه ولا ينفعه، ف‍ [ ان ] الله عزوجل أكرم في أفعاله، وأبعد من القبيح (2) في أعماله من عباده (3) قوله عزوجل: ” الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناءا وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون “: 22 72 – قال الامام الحسن بن على عليهما السلام: قال الله عزوجل: ” الذى جعل لكم الارض فراشا ” جعلها ملائمة لطبائعكم، موافقة لاجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى (4) والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة (5) فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم (6) وأبنيتكم، ودفن (7) موتاكم، ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم (8) وقبوركم وكثير من منافعكم.


1) قال المجلسي – رحمه الله -: بالنون على بناء التفعيل أو الافعال: أي يوقعه في التعب والنصب، وفى بعض النسخ ” بالياء ” وهو قريب منه، من قولهم أعيى السير البعير أي أكله، والاول أظهر، أقول: لعلها تصحيف ” يمنى ” من منايمنو منوا الرجل بكذا: ابتلاه واختبره، فالرجل ممنو بكذا. 2) ” القبح ” أ. 3) عنه البحار: 38 / 69 ذ ح 6 قطعة، وج 68 / 287 ذ ح 44، والبرهان: 1 / 67 ذ ح 1. 4) الحر ” ط. ” الحماء ” العيون. حماء الشمس: شدة حرارتها. 5) ” البرد والبرودة ” ب، ط. 6) ” حروثكم ” ب، س، ط. ” دوركم ” بعض المصادر. 7) ” قبور ” بعض المصادر. 8) ” لحروثكم ” الاصل. ” لدوركم ” بعض المصادر. (*)

[ 143 ]

فلذلك (1) جعل (الارض فراشا) لكم. ثم قال عزوجل: (والسماء بناءا) سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم. ثم قال عزوجل: ” وأنزل من السماء ماء ” يعني المطر ينزله من علا (2) ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلا (3) لتنشفه (4) أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فتفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم. ثم قال عزوجل: ” فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ” يعني مما يخرجه من الارض رزقا لكم ” فلا تجعلوا لله أندادا ” أي أشباها وأمثالا من الاصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، ولا تقدر على شئ (وأنتم تعلمون) أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم (5).


1) ” فذلك ” ب، ط، والبحار: 6. 2) ” علاء ” أ. ” على ” العيون. ” العلى ” التوحيد. ” علو ” الاحتجاج. ” اعلى ” البرهان. يقال: أتيته من علا: أي من فوق. 3) الرذاذ: المطر الضعيف، أو الساكن الدائم الصغار القطر، والوابل: المطر الشديد الضخم القطر، والهطل: المطر الضعيف الدائم، وتتابع المطر المتفرق العظيم القطر، والطل: المطر الضعيف، أو أخف المطر وأضعفه أو الندى أو فوقه ودون المطر. 4) ” لتشفعه ” ط. وهو تصحيف. أصل النشف: دخول الماء في الارض والثوب. يقال: نشفت الارض الماء تنشفه نشفا: شربته. 5) عنه البحار: 3 / 35 ح 10، وج 60 / 82 ح 9، وعن عيون أخبار الرضا: 1 / 112 ح 36 باسناده عن محمد بن القاسم. عن أبى محمد العسكري عليه السلام، عن آبائه، عن على بن الحسين عليهم السلام، وعن الاحتجاج باسناده عن مهدى بن – > (*)

[ 144 ]

73 – قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قول الله عزوجل: (الذي جعل لكم الارض فراشا): إن الله تعالى لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات والارض، وذلك قوله عزوجل: (هو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) (1) [ يعني وكان عرشه على الماء ] (2) قبل أن يخلق السماوات والارض. [ قال: ] فأرسل الرياح على الماء، فبخر (3) الماء من أمواجه، وارتفع عنه الدخان وعلا فوقه (4) الزبد، فخلق من دخانه السماوات السبع، وخلق من زبده الارضين [ السبع ] فبسط الارض على الماء، وجعل الماء على الصفا، والصفا على الحوت، والحوت على الثور، والثور على الصخرة (5) التي ذكرها لقمان لابنه [ فقال ]: (يا بني إنها إن تك مثقال


< – أبى حرب المرعشي. عن أبى محمد العسكري عليه السلام. ورواه في التوحيد: 403 ح 11 باسناده عن الحسن بن على، عن آبائه، عن على بن الحسين عليهم السلام عنه البرهان: 1 / 67 ح 1 وحلية الاولياء: 2 / 480 وعن العيون. 1) هود: 7. 2) من البحار. 3) ” فنجر ” ب، ط. ” فتفجر ” البحار. ونجر الماء: أسخنه بالحجارة المحماة. أقول: ولعلها تصحيف لكلمة ” فسجر ” وسجر البحر: هاج وارتفعت أمواجه. 4) ” فوق ” البحار. 5) الملاحظ: أن الالفاظ التى أطلقها الامام نحو ” ثور، حوت ” ان هي الا مسميات لحقائق علمية، وظواهر طبيعة، وقوى خفية، قصرت العقول عن ادراك كنهها، ومعرفة فحواها، وسبر غورها إلى الان وانما عبر بها عليه السلام ليتمكن السامع من تناولها على تلك البساطة.. أما ترى قوله تعالى ” ورفع السماوات بغير عمد ترونها الرعد: 2. أهى فعلا على هيئة العمود المعهود ؟ ! أهو فعلا ” حوت ” ذلك الكائن الحى المعروف.. ؟ أقول: إذا لم تدرك حقيقة تلك ” الحقائق ” أليس الاولى عدم التعرض لها حتى يتمكن العقل البشرى من استيعابها وعندها يكون لكل ” واحدة ” حديث. راجع كتابنا ” المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم “: 1 / 36 ملاحظات حول آيات ترتيب الخلق والصفحات التالية لها. (*)

[ 145 ]

حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها الله) (1) والصخرة على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله. فلما خلق الله تعالى الارض دحاها من تحت الكعبة، ثم بسطها على الماء، فأحاطت بكل شئ، ففخرت الارض وقالت: أحطت بكل شئ فمن يغلبني ؟ وكان في كل أذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر الله الحوت فتحرك (2) فتكفأت الارض بأهلها كما تتكفأ (3) السفينة على وجه (4) الماء [ و ] قد اشتدت أمواجه لم تستطع الارض الامتناع، ففخر الحوت وقال: غلبت الارض التي أحاطت بكل شئ، فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الجبال فأرساها، وثقل الارض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرك، ففخرت الجبال وقالت: غلبت الحوت الذي غلب الارض، فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الحديد، فقطعت به الجبال، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع ففخر الحديد وقال: غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل النار، فألانت الحديد وفرقت أجزاءه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع. ففخرت النار وقالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الماء، فأطفأ النار، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع، ففخر الماء وقال: غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح، وقالت: غلبت الماء


1) لقمان: 16. 2) ” فتحركت ” البحار. وفيه اثبتت الافعال الاتية – المسندة إلى ضمير الحوت – مؤنثة. 3) ” تكفأت ” أ، س. تكفأ في مشيته: ماد وتمايل. 4) ” متن ” ب، س، ص، ط، والبحار. (*)

[ 146 ]

الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الانسان فصرف الريح (1) عن مجاريها بالبنيان [ ففخر الانسان ] وقال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل ملك الموت، فأمات الانسان، ففخر ملك الموت وقال: غلبت الانسان الذي غلب الريح، فمن يغلبني ؟ فقال الله عزوجل: أنا القهار الغلاب الوهاب، أغلبك وأغلب كل شئ، فذلك قوله تعالى (إليه يرجع الامر كله). (2) [ أركان العرش وحملته ] 74 – قال: فقيل: يا رسول الله ما أعجب هذه السمكة وأعظم قوتها، لما تحركت حركت الارض بما عليها حتى لم تستطع الامتناع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أولا أنبئكم بأقوى منها وأعظم وأرحب ؟ قالوا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: إن الله عزوجل لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستين ألف ركن، وخلق عند كل ركن ثلاثمائة وستين ألف ملك، لو أذن الله تعالى لاصغرهم [ ف‍ ] (3) لتقم السماوات


1) ” الرياح ” ب، ص، ط، البحار. 2) عنه البحار: 57 / 87 ح 73. والاية: 123 من سورة هود. وروى نحوه الكليني في الروضة: 148 ح 129 باسناده عن النبي صلى الله عليه وآله، وقد روى نحو هذا الحديث باسانيد متعددة، تجدها مفصلة في البحار: 57 باب (حدوث العالم) وج 60 باب ” الارض وكيفيتها ” والظاهر أن العبارات جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان حقيقة: ان الله هو الغالب القاهر لجميع ما سواه، وأنه سبحانه وتعالى بقدرته دفع عادية كل شئ بشئ. 3) من البحار، وفى ص: ل‍ (*)

[ 147 ]

السبع والارضين السبع ماكان ذلك بين لهواته (1) إلا كالرملة في المفازة الفضفاضة. فقال الله تعالى [ لهم ]: يا عبادي احملوا عرشي هذا، فتعاطوه فلم يطيقوا (2) حمله ولا تحريكه. فخلق الله تعالى مع كل واحد منهم واحدا، فلم يقدروا أن يزعزعوه فخلق الله مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه فخلق [ الله تعالى ] بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه. فقال الله عزوجل لجميعهم: خلوه علي أمسكه 3) بقدرتي. فخلوه، فأمسكه الله عزوجل بقدرته. ثم قال لثمانية منهم: احملوه أنتم. فقالوا: [ يا ] ربنا لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجم الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم ؟ فقال الله عزوجل: إني (4) أنا الله المقرب للبعيد، والمذلل للعنيد (5) والمخفف للشديد، والمسهل للعسير، أفعل ما أشاء وأحكم [ ب‍ ] ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفف بها عليكم. قالوا: وما هي يا ربنا ؟ قال: تقولون: (بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين). فقالوها، فحملوه وخف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد (6) قوي. فقال الله عزوجل لسائر تلك الاملاك: خلوا على (7) [ كواهل ] هؤلاء الثمانية عرشي


1) ” لهاته ” ب، س، ط. قال الجزرى في النهاية: 4 / 384: وفى حديث الشاة المسمومة ” فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله ” جمع لهاة، وهى اللحمات في سقف أقصى الفم. 2) ” يستطيعوا ” ب، س، ط. 3) ” حتى امسكه ” ط. 4) ” لانى ” المصادر. 4) ” للعبد ” أ. ” للعبيد ” البحار. 6) من الجلادة والصلابة. 7) ” عن ” التأويل، خطى الامر وتخلى منه وعنه: تركه. يقال: خلا وأخلى وقيل: يخلو: يعتمد. (*)

[ 148 ]

ليحملوه، وطوفوا أنتم حوله، وسبحوني ومجدوني وقدسوني، فاني أنا الله القادر على ما رأيتم و [ أنا ] على كل شئ قدير. (1) [ قصة سعد بن معاذ، وجليل مرتبته: ] 75 – فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أعجب أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في قوتهم وعظم خلقهم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هؤلاء مع قوتهم لا يطيقون حمل صحائف تكتب فيها حسنات رجل من أمتي. قالوا: ومن هو يا رسول الله لنحبه ونعظمه ونتقرب إلى الله بموالاته ؟ قال: ذلك الرجل، رجل كان قاعدا مع أصحاب له (2) فمر به رجل من أهل بيتي مغطى الرأس [ ف‍ ] لم يعرفه. فلما جاوزه إلتفت خلفه فعرفه، فوثب إليه قائما حافيا حاسرا، وأخذ بيده فقبلها وقبل رأسه وصدره وما بين عينيه وقال: بأبي أنت وأمي يا شقيق رسول الله، لحمك لحمه، ودمك دمه، وعلمك من علمه، وحلمك من حلمه، وعقلك من عقله، أسأل الله أن يسعدني بمحبتكم أهل البيت. فأوجب الله [ له ] بهذا الفعل، وهذا القول من الثواب مالو كتب تفصيله في صحائفه لم يطق (3) حملها جميع هؤلاء الملائكة (4) الطائفين بالعرش، والاملاك الحاملين له. فقال له أصحابه لما رجع إليهم: أنت في جلالتك وموضعك من الاسلام، ومحلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله تفعل بهذا ما نرى ؟


1) عنه تأويل الايات: 2 / 462 ح 32، والبحار: 27 / 97 صدر ح 60، وج 58 / 33 ح 53، وج 93 / 191 ح 32 قطعة. 2) ” أصحابه ” أ. 3) ” يمكن ” أ. 4) ” الاملاك ” ب، س، ط. (*)

[ 149 ]

فقال لهم: أيها الجاهلون وهل يثاب (1) في الاسلام إلا بحب محمد صلى الله عليه وآله وحب هذا ؟ فأوجب الله [ له ] بهذا القول مثل ما كان أوجب (2) له بذلك الفعل والقول أيضا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولقد صدق في مقاله لان رجلا لو عمره الله عزوجل مثل عمر الدنيا مائة ألف مرة، ورزقه مثل أموالها مائة ألف مرة، فأنفق أمواله كلها في سبيل الله، وأفنى عمره صائم نهاره، قائم ليله، لا يفتر (3) شيئا [ منه ] ولا يسأم، ثم لقي الله تعالى منطويا، على بغض محمد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرما، إلا أكبه (4) الله على منخريه في نار جهنم، ولرد الله عزوجل أعماله عليه وأحبطها. [ قال ]: فقالوا: ومن هذان الرجلان يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما الفاعل ما فعل بذلك المقبل المغطي رأسه فهو هذا – فتبادر القوم (5) إليه ينظرونه، فإذا هو سعد بن معاذ الاوسي الانصاري -. وأما المقول له هذا القول، فهذا الآخر المقبل المغطي رأسه. فنظروا، فإذا هو على بن أبي طالب عليه السلام. ثم قال: ما أكثر من يسعد بحب هذين، وما أكثر من يشقى ممن يحل (6) حب أحدهما وبغض الآخر، إنهما جميعا يكونان خصما له ومن كانا له خصما كان محمد له خصما ومن كان محمد له خصما كان الله له خصما [ و ] فلج عليه وأوجب (الله عليه عذابه). (7)


1) ” ثبات ” ب، ط. 2) ” أوجب الله ” أ. 3) ” لا يفطر ” البحار. وفتر: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة. 4) ” لاكبه ” ب، ط. 5) ” فتبادروا ” أ، س. 6) ” ينتحل ” ب، س، ص، ط، والبحار. والحل: الجواز والاختيار. 7) ” له عذابه عليه ” أ. وفلج على خصمه: غلبه. (*)

[ 150 ]

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله إنما يعرف الفضل أهل الفضل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله (لسعد: أبشر) (1) فان الله يختم لك بالشهادة ويهلك بك أمة من الكفرة، ويهتز (عرش الرحمن) (2) لموتك، ويدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد [ شعور ] الحيوانات كلها. (3) قال: فذلك قوله تعالى (جعل لكم الارض فراشا) تفترشونها لمنامكم ومقيلكم. (والسماء بناء) سقفا محفوظا أن تقع على الارض بقدرته تجري فيها شمسها وقمرها وكواكبها مسخرة (4) لمنافع عباده وإمائه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الارض، فان الله عزوجل يحفظ ما هو أعظم من ذلك. قالوا: وما هو ؟ قال: أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبين لمحمد وآله. ثم قال: (وأنزل من السماء ماء) يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عزوجل. فعجبوا من ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو تستكثرون عدد هؤلاء ؟ [ إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر من عدد هؤلاء ]، وإن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء. ثم قال الله عزوجل: ” فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ” ألا ترون كثرة [ عدد ] (5) هذه الاوراق والحبوب والحشائش ؟ قالوا: بلى يا رسول الله ما أكثر عددها !


1) ” أبشر يا على ” أ، س، ص. تصحيف ظ. 2) روى الصدوق في معاني الاخبار: 388 ح 25 عن أبى بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ان الناس يقولون: ان العرش اهتز لموت سعد بن معاذ ؟ فقال عليه السلام: انما هو السرير الذى كان عليه. انظر دلائل النبوة: 4 / 28 3) ” مثل حيوانات كليب ” س. 4) ” سخرها ” أ. 5) من البحار. (*)

[ 151 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر عددا منها ملائكة (1) يبتذلون لآل محمد صلى الله عليه وآله في خدمتهم، أتدرون فيما يبتذلون لهم ؟ [ يبتذلون ] (2) في حمل أطباق النور، عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور، [ و ] يخدمونهم في حمل ما يحمل آل محمد منها إلى شيعتهم ومحبيهم، وأن طبقا من تلك الاطباق يشتمل من الخيرات على مالا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا. (2) قوله عزوجل: ” وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين، فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين، وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون ” 23 – 25 76 – قال الامام (4) عليه السلام: فلما ضرب الله الامثال للكافرين المجاهرين الدافعين لنبوة محمد صلى الله عليه وآله والناصبين المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وآله، الدافعين ما (5) قاله محمد صلى الله عليه وآله في أخيه علي، والدافعين أن يكون ما قاله عن الله تعالى، وهي آيات محمد صلى الله عليه وآله ومعجزاته [ لمحمد ] مضافة إلى آياته التي بينها لعلي عليه السلام بمكة والمدينة، ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا قال الله تعالى لمردة أهل مكة وعتاة أهل المدينة: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يكون هذا المنزل


1) ” الملائكة ” أ. 2) من البحار. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 41 ح 14 (قطعة) والبحار: 27 / 97 ح 60، وج 59. 379 ح 18 قطعة. 4) ” العالم موسى بن جعفر ” أ، س، ص، البحار: 17 و 92. ” العالم ” البحار: 9، والبرهان. 5) ” أن يكون ما ” أ، ص. (*)

[ 152 ]

عليه [ كلامي، مع إظهاري عليه ] بمكة، الباهرات من الآيات كالغمامة التي كانت يظله بها (1) في أسفاره، والجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور و الاحجار والاشجار، وكدفاعه قاصديه بالقتل عنه، وقتله إياهم، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلا صقتا فقعد خلفهما لحاجته، ثم تراجعتا إلى مكانهما (2) كما كانتا، وكدعائه الشجرة فجاءته مجيبة (3) خاضعة ذليلة، ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة (فأتوا) يا معشر قريش واليهود (ويا معشر النواصب) (4) المنتحلين الاسلام، الذين هم منه براء، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن. (بسورة من مثله) من مثل محمد (5) صلى الله عليه وآله، رجل (6) منكم لا يقرأ ولا يكتب ولم * (هامش) 1) ” مظلة بها (به / خ ل) ” أ. 2) ” أمكنتهما ” أ، س، والبحار. 3) ” مجيئة ” أ. ” فجيئته ” ب، ط. وكلاهما تصحيف لما في المتن. 4) ” والنواصب ” أ. 5) يجد القارئ اللبيب نظير هذا – بأسطر -: ” فاتوا ” من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ” ومثله ضمن ح 92 بلفظ ” فاتوا بسورة من مثله، مثل محمد امى لم يختلف قط إلى أصحاب كتب.. ثم جاءكم بعد بهذا الكتاب “. وسيأتى ما يتوهم معه التناقض والمنافاة في ذيل هذا الحديث وهو: ” فاتوا بسورة من مثله يعنى من مثل هذا القرآن من التوراة والانجيل وصحف ابراهيم.. فانكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من القرآن.. “. قال المجلسي – رحمه الله -: ان هذا الخبر يدل على أن ارجاع الضمير في ” مثله ” إلى النبي، والى القرآن كليهما، مراد الله تعالى بحسب بطون الاية الكريمة. أقول: يمكن أن يكون المعنى جامعا يعبر عنه مرة بلفظ الاول، واخرى بالثاني، فلا منافاة وبيانه أن: ” فاتوا بسورة من مثل محمد – الامي – من الانبياء أو الخطباء والبلغاء من العرب، فهل تجدون في كتب الانبياء أو كلمات الفصحاء سورة بمثل ما هو في القرآن الذى جاء به محمد صلى الله عليه وآله ؟ حاشا ثم حاشا. وبعد، ففى التفاسير ذكروا احتمالين في ارجاع الضمير إلى محمد أو القرآن، والاصل – > (*)


[ 153 ]

يدرس كتابا، ولا اختلف إلى عالم ولا تعلم من أحد، وأنتم تعرفونه في أسفاره وحضره بقي كذلك أربعين سنة ثم أوتي جوامع العلم [ حتى علم ] علم الاولين والآخرين. فان كنتم في ريب من هذه الآيات فاتوا (1) من مثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب كما تزعمون. لان كل ماكان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله. وإن كنتم معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى في شك مما جاءكم به محمد صلى الله عليه وآله من شرائعه، ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن قد أظهر لكم معجزاته التي منها: أن كلمته الذراع المسمومة، وناطقه ذئب، وحن إليه العود وهو على المنبر ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم، وقلب (2) عليهم البلاء وأهلكهم به، وكثر القليل من الطعام (فاتوا بسورة من مثله) – يعني من مثل [ هذا ] القرآن – من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم عليه السلام والكتب الاربعة عشر (3) فانكم


< – في ذلك قوله تعالى ” من ” قبل قوله ” مثله “، والاحتمالات فيها أربع: أن تكون زائدة أو للتبيين أو للتبعيض أو للابتداء، فالاول غير ممكن، والثانى بحكمه، والثالث يقتضى وجود ” المثل ” والامر هو الاتيان بسورة منه، وهذا غير ممكن أيضا، وأما الرابع أي للابتداء، فيكون المعنى: فاتوا بسورة من جانب ” مثل ” محمد – الامي – لا يقرأ ولا يكتب. وتجدر الاشارة إلى أن هذه الاية تميزت عن غيرها من آيات التحدي بلفظ ” من ” – مما استوجب التوضيح والتفصيل كما ترى في تفسيرنا هذا – قال تعالى ” فليأتوا بحديث مثله ” مثله ” الطور: 34، و ” فاتوا بسورة مثله ” يونس: 38. و ” فاتو بعشر سور مثله ” هود: 13 و ” قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ” الاسراء: 88 6) من مثل رجل ” ب، ط. 1) ” فاتوا بسورة ” البحار: 92. 2) ” غلب ” أ. 3) كذا في أكثر نسخ الاصل والبحار، وفى س، والبحار: 92: المائة الاربعة عشر. وكلاهما تصحيف، فقد روى الصدوق باسناده عن عبيد بن عمير الليثى، عن أبى ذر (رحمه الله) – ضمن حديث طويل – انه قال: يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب ؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة، وعلى ادريس ثلاثين صحيفة، وعلى ابراهيم عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان الخبر. (معاني الاخبار: 333 ضمن ح 1، الخصال: 2 / 524 ضمن ح 13، عنهما البحار: 11 / 32 ح 24) وروى مثله المفيد في الاختصاص: 258 عن ابن عباس، فراجع. (*)

[ 154 ]

لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن. وكيف يكون كلام محمد المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه، يا معشر اليهود والنصارى. ثم قال لجماعتهم: ” وادعوا شهداءكم من دون الله ” ادعوا أصنامكم التي تعبدونها يا أيها المشركون، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود، وادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين، وسائر أعوانكم (1) على إرادتكم (2) (إن كنتم صادقين) بأن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، لم ينزله الله عزوجل عليه، وأن ما ذكره من فضل علي عليه السلام على جميع أمته وقلده سياستهم (3) ليس بأمر أحكم الحاكمين. ثم قال عزوجل (فان لم تفعلوا) أي [ إن لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين (ولن تفعلوا) أي ] ولا يكون هذا منكم أبدا (فاتقوا النار التي وقودها – حطبها – الناس والحجارة) توقد [ ف‍ ] تكون عذابا على أهلها (أعدت للكافرين) المكذبين بكلامه ونبيه، الناصبين العداوة لوليه ووصيه. قال: فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى ولو كان من قبل المخلوقين (4) لقدرتم على معارضته. فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي، قال الله عزوجل (قل لئن اجتمعت الانس


1) ” اخواتكم ” س 2) ” أرائكم ” البحار: 17. 3) زاد في ” ب ” (وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم ويجبر كسركم ويسد خلتكم. فقالوا: اللهم اليك التجأنا وعلى فضلك اعتقدنا فازل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم). والظاهر أنها من اضافات ناسخ ” ب ” ولا علاقة لها بالمتن. 4) ” خلق الله ” ب، ط. (*)

[ 155 ]

والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (1) [ قصة الغمامة: ] 77 – قال الحسن بن على عليه السلام: فقلت لابي ” علي بن محمد ” عليهما السلام: كيف كانت هذه الاخبار في هذه الآيات التي ظهرت على رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة والمدينة ؟ فقال: يا بني استأنف لها النهار. فلما كان في الغد، قال: يا بني أما الغمامة فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسافر (2) إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد، وكان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر فكانوا في حمارة القيظ (3) يصيبهم حر تلك البوادي، وربما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب. وكان الله تعالى في تلك الاحوال يبعث لرسول الله صلى الله عليه وآله غمامة تظله فوق رأسه تقف بوقوفه، وتزول بزواله، إن تقدم تقدمت، وإن تأخر تأخرت، وإن تيامن تيامنت، وإن تياسر تياسرت، فكانت تكف عنه حر الشمس من فوقه، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب، تسفيها (4) في وجوه قريش ووجوه رواحلهم (5) حتى إذا دنت من محمد صلى الله عليه وآله هدأت وسكنت، ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب، وهبت عليه ريحا باردة لينة، حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها: جوار محمد أفضل من خيمة. فكانوا يلوذون به، ويتقربون إليه فكان الروح يصيبهم بقربه، وإن كانت الغمامة


1) عنه البحار: 8 / 299 ح 54 قطعة، وج 9 / 175 ح 4، وج 17 / 214 ضمن ح 20، وج 92 / 28 ضمن ح 33 والبرهان: 1 / 67 ح 1، والاية الاخيرة من سورة الاسراء: 88. 2) ” سائر ” أ. 3) ” حارة القيظة ” 4) ” تنسفها ” أ. سفت وأسفت الريح التراب: ذرته أو حملته. 5) ” رواحلها ” أ، س. (*)

[ 156 ]

مقصورة عليه. وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء، فإذا الغمامة، تسير في موضع بعيد منهم. قالوا: إلى من قرنت (1) هذه الغمامة فقد شرف وكرم. فيخاطبهم أهل القافلة: انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها، واسم صاحبه وصفيه وشقيقه. فينظرون فيجدون مكتوبا عليها: ” لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، أيدته بعلي سيد الوصيين، وشرفته بآله (2) الموالين له ولعلي وأوليائهما، والمعادين لاعدائهما ” فيقرأ ذلك، ويفهمه من يحسن أن يكتب، ويقرأ من لا يحسن ذلك (3) [ تسليم الجبال والصخور والاحجار عليه صلى الله عليه وآله: ] 78 – قال على بن محمد عليهما السلام: وأما تسليم الجبال والصخور والاحجار عليه فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك التجارة إلى الشام، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده، وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله وأنواع عجائب رحمته (4) وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار، والمفاوز، والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات، ويعبد الله حق عبادته. فلما استكمل أربعين سنة [ و ] (5) نظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب


1) ” قربت ” أ. 2) ” بأصحابه ” الاصل ومدينة المعاجز واثبات الهداة. وما في المتن من البحار. وتشرف القصر: صار ذا شرف، وهى ما أشرف من البناء. 3) عنه البحار: 17 / 307 صدر ح 15، ومدينة المعاجز: 168، واثبات الهداة: 3 / 574 ح 662. 4) ” رحمة الله ” أ. 5) من البحار. (*)

[ 157 ]

وأجلها، وأطوعها وأخشعها وأخضعها، أذن لابواب السماء ففتحت، ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فانزلت (1) عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه (2) وهزه وقال: يا محمد اقرأ. قال: وما أقرأ ؟ قال: يا محمد (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق – إلى قوله – ما لم يعلم) (3) ثم أوحى [ إليه ] ما أوحى إليه ربه عزوجل، ثم صعد إلى العلو، ونزل محمد صلى الله عليه وآله من (4) الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله، وورد عليه من كبير (5) شأنه ما ركبه به (6) الحمى والنافض. يقول وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إياه إلى الجنون، [ وأنه ] يعتريه شيطان (7) وكان من أول أمره أعقل خليقة (8) الله، وأكرم براياه وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم. فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره، ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه: [ السلام عليك يا محمد ] السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فان الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين لا يحزنك قول (9) قريش: إنك مجنون، وعن الدين مفتون، فان الفاضل من فضله


(1) ” فنزلت ” أ. 2) ” بضبعيه ” ب، س، ص، ط. والضبع: وسط العضد أو الابط. 3) العلق: 1 – 5. 4) ” عن ” الاصل. 5) ” كبرياء ” ب، س، ص، ط. 6) ” له من ” ب، ط. 7) ” الشياطين ” أ. 8) ” خلق ” البحار والحلية. والخليقة: ما خلقه الله. 9) ” أن يقول ” أ، س. (*)

[ 158 ]

[ الله ] رب العالمين، والكريم من كرمه (1) خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ويرفعك إلى أرفع الدرجات. وسوف ينعم ويفرح (2) أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد، بمفتاحك وباب مدينة علمك (3) علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يقر عينك ببنتك (4) فاطمة عليها السلام، وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك، وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد، فتضعه في يد أخيك علي، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم. فقلت في سري: يا رب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به ؟ – وذلك بعد ما ولد علي عليه السلام وهو طفل – أو هو (5) ولد عمي ؟ وقال بعد ذلك لما تحرك علي قليلا (6) وهو معه: أهو هذا ؟ ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال، فجعل محمد صلى الله عليه وآله في كفة منه ومثل له علي عليه السلام وسائر الخلق من امته إلى يوم القيامة [ في كفة ] (7) فوزن بهم فرجح. ثم أخرج محمد صلى الله عليه وآله من الكفة وترك علي في كفة محمد صلى الله عليه وآله التي كان فيها فوزن بسائر امته، فرجح بهم، فعرفه رسول الله صلى الله عليه وآله بعينه وصفته. ونودي في سره: يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي (8) الذي اؤيد به هذا الدين، يرجح على جميع امتك بعدك.


(1) ” أكرمه الله ” أ. 2) ” تنعم وتفرح ” أ. 3) ” حكمتك ” أ، والبحار. 4) ” تقر عينك بنتك ” ط. 5) ” أهو ” البحار: 18. 6) ” وليدا ” البحار: 18. 7) من البحار. 8) ” الصفى ” ب، ط. (*)

[ 159 ]

فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة، وخفف عني مكافحة الامة وسهل علي مبارزة (1) العتاة الجبابرة من قريش. (2) [ حديث الدجاجة المشوية: ] 79 – قال على بن محمد عليهما السلام: وأما دفع الله القاصدين لمحمد صلى الله عليه وآله إلى قتله وإهلاكه إياهم كرامة لنبيه صلى الله عليه وآله، وتصديقه إياه فيه، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان وهو ابن سبع سنين بمكة، قد نشأ في الخير نشوءا لا نظير له في سائر صبيان قريش، حتى ورد مكة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمد صلى الله عليه وآله، وشاهدوا نعته وصفته، فأسر بعضهم إلى بعض [ و ] قالوا: هذا والله محمد الخارج في آخر الزمان، المدال على اليهود وسائر [ أهل ] الاديان، يزيل الله تعالى به دولة اليهود، ويذلهم ويقمعهم، وقد كانوا وجدوه في كتبهم [ النبي ] الامي الفاضل الصادق فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك، وتفاوضوا في أنه ملك يزال. ثم قال بعضهم لبعض: تعالوا نحتال [ عليه ] فنقتله، فان الله يمحو ما يشاء ويثبت لعلنا نصادفه ممن يمحو، فهموا بذلك، ثم قال بعضهم لبعض: لا (3) تعجلوا حتى نمتحنه ونجربه بأفعاله، فان الحلية قد توافق الحلية، والصورة قد تشاكل الصورة، إن ما وجدناه في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام والشبهات. فصادفوه وآلفوه (4) وادعوه إلى دعوة، وقدموا إليه الحرام والشبهة، فان انبسط


(1) ” مبادرة ” أ. 2) عنه البحار: 17 / 309 ضمن ح 15، وج 18 / 205 ح 36 ومدينة المعاجز: 73 وحلية الابرار: 1 / 37. 3) ” فلا ” أ. 4) ” ألقوه ” ب، ط، والبحار، آلفه: عاشره وآنسه. (*)

[ 160 ]

فيهما أو في أحدهما فأكله، فاعلموا أنه غير من تظنون، وإنما الحلية وافقت الحلية والصورة ساوت الصورة، وإن لم يكن الامر كذلك ولم يأكل منهما شيئا، فاعلموا أنه هو، فاحتالوا له [ في ] تطهير الارض منه لتسلم لليهود دولتهم. قال: فجاءوا إلى أبي طالب (1) فصادفوه ودعوه إلى دعوة لهم فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله قدموا إليه وإلى أبي طالب والملا من قريش دجاجة مسمنة كانوا قد وقذوها (2) وشووها، فجعل أبو طالب وسائر قريش يأكلون منها ورسول الله صلى الله عليه وآله يمد يده نحوها فيعدل بها يمنة ويسرة، ثم أماما، ثم خلفا، ثم فوقا ثم تحتا لا تصيبها يده صلى الله عليه وآله. فقالوا: مالك يا محمد لا تأكل منها ؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا معشر اليهود قد جهدت (3) أن أتناول منها، وهذه يدي يعدل بها عنها وما أراها إلا حراما يصونني ربي عزوجل عنها. فقالوا: ماهي إلا حلال فدعنا نلقمك [ منها ]. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فافعلوا إن قدرتم. فذهبوا ليأخذوا منها، ويطعموه، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات كما كانت يد رسول الله صلى الله عليه وآله: تعدل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ ف‍ ] هذه قد منعت منها، فأتوني بغيرها إن كانت لكم. فجاءوه بدجاجة أخرى مسمنة مشوية قد أخذوها، لجار لهم غائب – لم يكونوا اشتروها – وعمدوا إلى أن يردوا عليه ثمنها إذا حضر، فتناول منها رسول الله صلى الله عليه وآله لقمة، فلما ذهب ليرفعها ثقلت عليه، وفصلت (4) حتى سقطت من يده، وكلما ذهب


(1) ” بعض أبى طالب ” أ. 2) أي ضربوها ضربا شديدا حتى ماتت. وفى ” أ ” قدوها. 3) ” جحدت ” أ. وهو تصحيف. 4) ” نصلت ” س، ص، البحار: 17. وفصلت: خرجت. الاخرى بمعناها. (*)

[ 161 ]

يرفع ما قد تناوله بعدها ثقلت وسقطت. فقالوا: يا محمد فما بال هذه لا تأكل منها ؟ [ ف‍ ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه أيضا قد منعت منها، وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عزوجل عنها. قالوا: ماهي من شبهة، فدعنا نلقمك منها. قال: فافعلوا إن قدرتم عليه. فلما (1) تناولوا لقمة ليلقموه ثقلت كذلك في أيديهم [ ثم سقطت ] ولم يقدروا أن يلقموها (2). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو (3) ما قلت لكم: هذه شبهة يصونني ربي عزوجل عنها. فتعجبت قريش من ذلك، وكان ذلك مما يقيمهم على اعتقاد عداوته إلى أن أظهروها لما أظهره الله عزوجل بالنبوة، وأغرتهم اليهود أيضا فقالت لهم اليهود: أي شئ يرد عليكم (4) من هذا الطفل ؟ ! ما نراه إلا يسالبكم نعمكم وأرواحكم (5) [ و ] (6) سوف يكون لهذا شأن عظيم. (7) [ اتفاق اليهود على قتله صلى الله عليه وآله: ] 80 – وقال امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام: فتواطأت اليهود على قتله في طريقه على جبل حراء [ وهم سبعون رجلا، فعمدوا إلى سيوفهم فسموها، ثم قعدوا له ذات [ يوم ] غلس في طريقه على جبل حراء.


(1) ” فكلما ” ب، وبعض المصادر. 2) ” يرفعوها ” ب، ط. 3) ” هي ” أ. 4) أقول: ” يرد ” بالتخفيف: إذا أتى بشئ، لا بالتشديد كما قال المجلسي (ره): على بناء المجهول أي لا يرد عليكم شيئا ذهب عنكم، أو على بناء المعلوم أي لا ينفعكم… 5) ” وأزواجكم ” أ. 6) من الحلية. 7) عنه البحار: 17 / 311 ضمن ح 15، وحلية الابرار: 1 / 33. (*)

[ 162 ]

فلما صعده، صعدوا إليه، وسلوا سيوفهم وهم سبعون رجلا من أشد (1) اليهود وأجلدهم وذوي النجدة منهم، فلما أهووا بها إليه ليضربوه بها إلتقى طرفا الجبل بينهم وبينه فانضما، وصار ذلك حائلا بينهم وبين محمد صلى الله عليه وآله، وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم، فغمدوها، فانفرج الطرفان بعدما كانا انضما، فسلوا بعد سيوفهم وقصدوه. فلما هموا بارسالها عليه انضم طرفا الجبل، وحيل (2) بينهم وبينه فغمدوها، ثم ينفرجان فيسلونها إلى أن بلغ إلى ذروة الجبل، وكان ذلك سبعا (3) وأربعين مرة. فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل، فطال عليهم الطريق، ومد الله عزوجل الجبل فأبطأوا عنه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من ذكره وثنائه على ربه واعتباره بعبره. ثم انحدر عن الجبل، فانحدروا خلفه ولحقوه، وسلوا سيوفهم عليه ليضربوه بها، فانضم طرفا الجبل، وحال بينهم وبينه فغمدوها، ثم انفرج فسلوها، ثم انضم فغمدوها، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة، كلما انفرج سلوها، فإذا (4) انضم غمدوها. فلما كان في آخر مرة، وقد قارب رسول الله صلى الله عليه وآله القرار، سلوا سيوفهم عليه فانضم طرفا الجبل، وضغطهم [ الجبل ] ورضضهم، ومازال يضغطهم حتى ماتوا أجمعين. ثم نودي: يا محمد انظر خلفك إلى بغاتك بالسوء (5) ماذا صنع بهم ربهم. فنظر فإذا طرفا الجبل مما يليه، منضمان، فلما [ نظر ] انفرج الطرفان [ و ] سقط أولئك القوم وسيوفهم بأيديهم، وقد هشمت وجوههم وظهورهم وجنوبهم وأفخاذهم وسوقهم وأرجلهم، وخروا موتى تشخب أوداجهم دما.


(1) ” أشداء ” أ، ص. 2) ” حال ” أ. ” يحول ” س. 3) ” تسعا ” أ. 4) ” فان ” ب، ط. 5) ” السوء ” ب، ط، والبحار. (*)

[ 163 ]

وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك الموضع سالما مكفيا (1) مصونا محفوظا، تناديه الجبال وما عليها من الاحجار والاشجار: هنيئا لك يا محمد نصرة الله عزوجل لك على أعدائك بنا، وسينصرك [ الله ] إذا ظهر أمرك على جبابرة امتك وعتاتهم بعلي بن أبي طالب، وتسديده 2) لاظهار دينك وإعزازه وإكرام أوليائك، وقمع أعدائك [ و ] سيجعله تاليك وثانيك ونفسك التي بين جنبيك، وسمعك الذي به تسمع، وبصرك الذي به تبصر، ويدك التي بها تبطش، ورجلك التي عليها تعتمد، وسيقضي عنك ديونك، ويفي عنك عداتك، وسيكون جمال امتك، وزين أهل ملتك، وسيسعد ربك عزوجل به محبيه، ويهلك به شانئيه (3). (4) [ حديث الشجرتين: ] 81 – قال على بن محمد عليه السلام: وأما الشجرتان اللتان تلاصقتا، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان ذات يوم في طريق له [ ما ] بين مكة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة وكافرون من مكة، ومنافقون منها (5) وكانوا يتحدثون فيما بينهم بمحمد صلى الله عليه وآله الطيبين وأصحابه الخيرين فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل، وينفض كرشه من الغائط والبول كما ننفض ويدعي أنه رسول الله ! فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء (6) لاتعمدن النظر إلى استه إذا قعد


(1) ” مكنفا ” أ. كنف الشئ: صانه وحفظه. وفى ” س ” محوطا بدل ” محفوظا “. 2) ” وتشد يده ” ب، ط. ” ويشد يده ” البحار. وسدده: أرشده إلى الصواب. 3) ” شانئه ” أ. 4) عنه البحار: 17 / 313 ضمن ح 15، وحلية الابرار: 35، ومدينة المعاجز: 48. 5) ” لها ” س، والبحار. 6) ” علياء ” ط. (*)

[ 164 ]

لحاجته حتى أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منا أم لا ؟ فقال آخر (1): لكنك إن ذهبت تنظر منعه حياؤه من أن يقعد، فانه أشد حياء من الجارية، العذراء الممتنعة المحرمة. قال: فعرف الله عزوجل ذلك نبيه محمد صلى الله عليه وآله، فقال لزيد بن ثابت: إذهب إلى تينك الشجرتين المتباعدتين – يؤمي إلى شجرتين بعيدتين قد أو غلتا في المفازة، وبعدتا عن الطريق قدر ميل – فقف بينهما وناد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تلتصقا وتنضما، ليقضي رسول الله صلى الله عليه وآله خلفكما حاجته. ففعل ذلك زيد، فقال (1): فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق نبيا إن الشجرتين انقلعتا باصولهما من مواضعهما، وسعت كل واحدة منهما إلى الاخرى، سعي المتحابين كل واحد منهما إلى الآخر، [ و ] التقيا بعد طول غيبة (3) وشدة اشتياق، ثم تلاصقتا وانضمتا انضمام متحابين في فراش في صميم الشتاء (4). فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله خلفهما، فقال اولئك المنافقون: قد استتر عنا. فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لننظر إليه. فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلما داروا، فمنعتاهم من النظر إلى عورته. فقالوا: تعالوا نتحلق حوله لتراه طائفة منا. فلما ذهبوا يتحلقون تحلقت الشجرتان، فأحاطتا به كالانبوبة حتى فرغ وتوضأ، وخرج من هناك وعاد إلى العسكر وقال لزيد بن ثابت: عد إلى الشجرتين وقل لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما


(1) ” الاخر ” أ. 2) ” وقال له ” ب، ط. 3) ” مدة ” أ. 4) كنى ” زيد ” بهذا الوصف للدلالة على عدم وجود أي منفذ أو فرجة بين الشجرتين. (*)

[ 165 ]

أن تعودا إلى أماكنكما. فقال لهما، فسعت كل واحدة منهما إلى موضعها (1) – والذي بعثه بالحق نبيا – سعي الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه، حتى عادت كل شجرة إلى موضعها. فقال المنافقون: قد امتنع محمد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلى استه فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه لنعلم أنه ونحن سيان، فجاؤا إلى الموضع فلم يروا شيئا البتة، لا عينا ولا أثرا. قال: وعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك، فنودوا من السماء: أوعجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلى الاخرى، إن سعي الملائكة بكرامات الله عزوجل إلى [ محبي ] محمد ومحبي علي أشد من سعى هاتين الشجرتين إحداهما إلى الاخرى، وإن تنكب (2) نفحات النار يوم القيامة عن محبي علي والمتبرئين من أعدائه أشد من تنكب هاتين الشجرتين إحداهما عن الاخرى. (3) [ نظير المعجزة المذكورة لعلي عليه السلام: ] 82 – وقال على بن محمد (4) عليهما السلام: وقد كان نظير هذا (5) لعلي بن أبي طالب عليه السلام لما رجع من صفين وسقى القوم (6) من الماء الذي تحت الصخرة التي قلبها، ذهب ليقعد إلى حاجته، فقال بعض منافقي عسكره: سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه فانه يدعي مرتبة النبي لاخبر أصحابه (7) بكذبه.


(1) ” موضعهما ” الاصل والبحار، وما في المتن من مدينة المعاجز. 2) تنكب عنه: تجنبه واعتزله. 3) عنه البحار: 17 / 314 ضمن ح 15، ومدينة المعاجز: 78، واثبات الهداة: 2 / 156 ح 99 (قطعة) ومستدرك الوسائل: 1 / 35 ح 7 (قطعة). 4) ” محمد بن على ” أ. 5) ” نظيرها ” أ. 6) ” المؤمنين ” أ. 7) ” أصحابي ” س، ص. (*)

[ 166 ]

فقال علي عليه السلام لقنبر: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها – وقد كان بينهما أكثر من فرسخ – فنادهما: أن وصي محمد صلى الله عليه وآله يأمركما أن تتلاصقا. فقال قنبر: يا أمير المؤمنين أويبلغهما صوتي ؟ فقال علي عليه السلام: إن الذي يبلغ بصر عينك إلى السماء وبينك وبينها [ مسير ] خمسمائة عام، سيبلغهما صوتك. فذهب فنادى (1) فسعت إحداهما إلى الاخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد إليه شوقه، وانضمتا (2). فقال قوم من منافقي العسكر: إن عليا يضاهي في سحره رسول الله (3) ابن عمه ! ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام، وإنما هما (4) ساحران ! لكنا سندور من خلفه لننظر إلى عورته وما يخرج منه. فأوصل الله عزوجل ذلك إلى اذن علي عليه السلام من قبلهم (5) فقال – جهرا -: يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وظنوا أنه لا يمتنع (6) منهم إلا بالشجرتين، فارجع إلى الشجرتين وقل لهما: إن وصي رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركما أن تعودا إلى مكانيكما. ففعل ما أمره به، فانقلعتا وعدت (7) كل واحدة منهما تفارق الاخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل، ثم ذهب علي عليه السلام ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضى جماعة من المنافقين لينظروا إليه، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم، فلم يبصروا شيئا فولوا عنه وجوههم، فأبصروا كما كانوا يبصرون. ثم نظروا إلى جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون، ويصرفون عنه


(1) ” ينادى ” ب، ط. 2) ” وانضما ” أ، والبحار. 3) كذا في الاصل والبحار، والظاهر انه تعبير ” الراوى ” احتراما، فالمعروف استعمال اسم ” محمد ” من قبل المنافقين. 4) ” وانهما ” ح، ط. 5) ” قيلهم ” أ. وكذا التى تأتى. 6) ” يمنع ” ب، ط. 7) ” عادت ” ب، ط. (*)

[ 167 ]

وجوههم ويبصرون، إلى أن فرغ علي عليه السلام وقام ورجع، وذلك ثمانون مرة من كل واحد منهم. ثم ذهبوا ينظرون ما خرج منه، فاعتقلوا في مواضعهم، فلم يقدروا أن يروها (1) فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل [ فرحلوا ] وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماديا في كفرهم وعنادهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا العجب ! من هذه آياته ومعجزاته، يعجز عن معاوية وعمرو (2) ويزيد ! ؟ (3) فأوصل الله عزوجل ذلك من قبلهم إلى اذنه. فقال علي عليه السلام: يا ملائكة ربي ائتوني بمعاوية وعمرو ويزيد. فنظروا في الهواء (4) فإذا ملائكة كأنهم الشرط السودان (5) [ و ] قد علق كل واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلى حضرته، فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد [ ف‍ ] قال علي عليه السلام: تعالوا فانظروا إليهم، أما (6) لو شئت لقتلتهم، ولكني انظرهم كما أنظر الله عزوجل إبليس إلى يوم الوقت المعلوم إن الذي ترونه بصاحبكم ليس بعجز (7) ولا ذل، ولكنه محنة من الله عزوجل لكم لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم على علي عليه السلام فقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم


(1) ” يريموها ” أ، ب، س، ط، رام الشئ: أراده 2) ” عمر ” أ، ب، ط، وكذا بعدها. وما في المتن أظهر بقرينة قرينيه. 3) أقول: ان اطلاق اسم ” يزيد ” رغم صغر سنه وقتذاك، هو كما يبدو مبالغة المنافقين في وصف عجز أمير المؤمنين عليه السلام حتى لكأنه يعجز عن يزيد ” الطفل ” بماله من حاشية. 4) ” فنظر إلى هؤلاء ” أ. وهو تصحيف. 5) ” السوداء ” أ. وشرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم. والسودان – جمع أسود – جيل من الناس. 6) ” أنا ” ب، ط. 7) ” لعجز ” ب، ص، ط، والبحار. (*)

[ 168 ]

على رسول رب العالمين. فقالوا: إن من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة، ورجع كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل الغار، ويأتي [ إلى ] المدينة من مكة في أحد عشر يوما ؟ [ قال ] وإنما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله، وأوصيائهم وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجته (1) عليكم. (2) [ حديث الثقفى، وشهادة الشجرة: ] 83 – وقال على بن محمد صلوات الله عليهما: وأما دعاؤه صلى الله عليه وآله الشجرة: فان رجلا من ثقيف كان أطب الناس يقال له: الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد جئت لاداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا علي يدي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا حارث أنت تفعل أفعال المجانين، وتنسبني إلى الجنون ؟ ! قال الحارث: وماذا فعلته من أفعال المجانين ؟ قال صلى الله عليه وآله: نسبتك إياي إلى الجنون من غير محنة منك ولا تجربة، ولا نظر في صدقي أو كذبي. فقال الحارث: أو ليس قد عرفت كذبك وجنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وقولك لا تقدر لها، فعل المجانين، لانك لم تقل: لم قلت كذا ؟ ولا طالبتني بحجة، فعجزت عنها. فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية اطالبك بها، إن كنت نبيا فادع تلك الشجرة – وأشار لشجرة عظيمة بعيد عمقها – فان أتتك علمت أنك رسول الله وشهدت


(1) ” الحجة ” ب، ط. 2) عنه البحار: 42 / 29 ح 8، ومدينة المعاجز: 78، واثبات الهداة: 4 / 594 ح 287. 3) ” عليها ” أ. (*)

[ 169 ]

لك بذلك وإلا فأنت [ ذلك ] المجنون الذي قيل لي. فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى تلك الشجرة، وأشار إليها: أن تعالي: فانقلعت الشجرة باصولها وعروقها، وجعلت تخد في الارض اخدودا عظيما كالنهر حتى دنت من رسول الله صلى الله عليه وآله فوقفت بين يديه، ونادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يا رسول الله [ صلى الله عليك ] ما تأمرني ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: دعوتك (1) لتشهدي لي بالنبوة بعد شهادتك لله بالتوحيد ثم تشهدي [ بعد شهادتك لي ] لعلي عليه السلام هذا بالامامة، وأنه سندي وظهري وعضدي وفخري [ وعزي ]، ولولاه ما خلق الله عزوجل شيئا مما خلق. فنادت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله، أرسلك بالحق بشيرا [ ونذيرا ] وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، وأشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك [ و ] أوفر خلق الله من الدين حظا، وأجزلهم من الاسلام نصيبا، وأنه سندك وظهرك [ و ] قامع أعدائك، وناصر أوليائك [ و ] باب علومك في أمتك، وأشهد أن أولياءك الذين يوالونه ويعادون أعداءه حشو الجنة، وأن أعداءك الذين يوالون أعداءه ويعادون أولياءه حشو النار. فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحارث بن كلدة فقال: يا حارث أو مجنونا يعد من هذه آياته ؟ فقال الحارث بن كلدة: لا والله يا رسول الله، ولكني أشهد أنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، وحسن إسلامه. (2)


(1) ” أدعوك ” أ. 2) عنه البحار: 17 / 316 ضمن ح 15، وحلية الابرار: 1 / 310، ومدينة المعاجز: 58. (*)

[ 170 ]

[ حديث الطبيب اليونانى مع امير المؤمنين عليه السلام: ] 84 – قال على بن الحسين عليهما السلام: ولامير المؤمنين عليه السلام نظيرها: كان قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال له: يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك، وأن به جنونا وجئت لاعالجه ! فلحقته وقد مضى لسبيله، وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنك ابن عمه وصهره، وأرى [ بك ] صفارا قد علاك وساقين دقيقين ما أراهما تقلانك. فأما الصفار فعندي دواؤه، وأما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي، وتقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك، وتحتضنه بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما، فان ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما (1) [ فاتئد ]. وأما الصفار فدواؤه عندي وهو هذا – وأخرج دواء – وقال: هذا لا يؤذيك و لا يخيسك (2) ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا (3) ثم يزيل صفارك. فقال له على بن ابى طالب عليه السلام: قد ذكرت نفع هذا الدواء (4) لصفاري، فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا – وأشار [ بيده ] إلى دواء معه – وقال: إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لاصفار به صار به صفار حتى يموت في يومه فقال على بن ابى طالب عليه السلام: فأرني هذا الضار. فأعطاه [ إياه ].


(1) ” انقصامهما ” أ. وكلاهما بمعنى الكسر. 2) خاس الشئ: تغير وفسد وأنتن. والخيس أيضا الغم، كما أنه يتضمن معنى الحبس إذ المخيس هو السجن (انظر لسان العرب: 6 / 74). ” يحبسك ” أ. 3) ” يوما ” أ. 4) ” هذا الدواء ونفعه ” أ. (*)

[ 171 ]

فقال [ له ]: كم قدر هذا ؟ فقال: قدر مثقالين سم ناقع، قدر كل حبة منه يقتل رجلا. فتناوله علي عليه السلام فقمحه (1) وعرق عرقا خفيفا، وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اؤخذ بابن بأبي طالب ويقال: قتلته (2) ولا يقبل مني قولي إنه لهو الجاني على نفسه. فتبسم علي عليه السلام وقال: يا عبد الله أصح ما كنت (بدنا الآن) (3) لم يضرني ما زعمت أنه سم، فغمض عينيك. فغمض، ثم قال: افتح عينيك. ففتح، ونظر إلى وجه علي عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة (4) فارتعد الرجل مما رآه. وتبسم علي عليه السلام وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي ؟ فقال الرجل: والله فكأنك لست من رأيت قبل، كنت مصفرا (5) فأنت الان مورد. قال على بن أبي طالب عليه السلام: فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي وأما ساقاي هاتان – ومد رجليه وكشف عن ساقيه – فانك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وأنا اريك (6) أن طب الله عزوجل خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانه خشب عظيمة، على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان إحداهما فوق الاخرى، وحركها واحتملهما (7) فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صبوا عليه ماء. فصبوا عليه [ ماء ] فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا. فقال له علي عليه السلام: هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما، أني (8) طبك هذا يا


(1) ” فلمجه ” أ. قمحه: أخذه في راسته فلطعه، ولمجه: أكله بأطراف فمه. 2) ” قتله ” أ، والبحار. 3) ” به فالان ” أ. 4) ” مشوب بحمرة ” أ. 5) ” مصفارا ” أ، والبحار: 42، ” صفارا ” ب، ط. ” مضارا ” الاحتجاج. 6) ” أدلك ” ب، ص، ط. 7) ” أو احتملها ” ب، ط والبحار: 42. ” واحتملها ” البحار: 10. ” فاحتملها ” الاحتجاج. 8) ” أفى ” س، ص. (*)

[ 172 ]

يوناني ! [ فقال اليوناني: ] (1) أمثلك كان محمد ؟ فقال علي عليه السلام: وهل علمي إلا من علمه (2) وعقلي إلا من عقله، وقوتي إلا من قوته ؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب، فقال له: إن كان بك جنون داويتك ! فقال له محمد صلى الله عليه وآله: أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك، وحاجتك إلى طبي ؟ قال: نعم، قال: أي آية تريد ؟ قال: تدعو ذلك العذق – وأشار إلى نخلة سحوق – فدعاها، فانقلع أصلها من الارض وهي تخد [ في ] الارض خدا، حتى وقفت بين يديه فقال له: أكفاك [ ذا ] ؟ قال: لا، قال: فتريد ماذا ؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه، وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها. فقال اليوناني لامير المؤمنين عليه السلام: هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه وآله غائب عني، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك، أنا أتباعد عنك فادعني، وأنا لا أختار الاجابة، فان جئت بي إليك فهي آية. قال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا إنما يكون لك وحدك، لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد، وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا، أو ممن أمرته [ ب‍ ] أن يباشرك، أو ممن قصد إلى ذلك (3) وإن لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله تعالى القاهر، وأنت يا يوناني يمكنك [ أن تدعي ] ويمكن غيرك أن يقول: إني [ قد ] (4) واطأتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين. فقال له اليوناني: إن جعلت الاقتراح إلي، فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها، وتباعد ما بينها، ثم تجمعها وتعيدها كما كانت. فقال علي عليه السلام: هذه آية وأنت رسولي إليها – يعني إلى النخلة – فقل لها: إن


(1) من الاحتجاج والبحار. 2) ” وهل ” ب، ط، وكذا بعده. 3) ” اختيارك ” الاحتجاج. ” اجبارك ” البحار: 10. 4) من البحار: 42. (*)

[ 173 ]

وصي محمد [ رسول الله ] يأمر أجزاءك، أن تتفرق وتتباعد. فذهب فقال لها، فتفاصلت وتهافتت وتفرقت (1) وتصاغرت أجزاؤها، حتى لم ير لها عين ولا أثر، حتى كأن لم يكن هناك [ أثر ] نخلة قط، فارتعدت فرائص اليوناني، وقال: يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول، فأعطني الاخر، فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت. فقال: أنت رسولي إليها فعد (2) فقل لها: يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تجتمعي (وكما كنت تعودي) (3). فنادى اليوناني فقال ذلك، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور (4) ثم جعلت تجتمع جزءا جزءا منها حتى تصور لها القضبان والاوراق وأصول السعف وشماريخ الاعذاق، ثم تألفت، وتجمعت (5) واستطالت وعرضت واستقر أصلها في مقرها وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، وفي أمكنتها أعذاقها، و [ قد ] كانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال. فقال اليوناني: واخرى احبها: أن تخرج شماريخها خلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب (6) وبلوغ أناه (7) ليؤكل وتطعمني، ومن حضرك منها. فقال علي عليه السلام: [ و ] أنت رسولي إليها بذلك، فمرها به. فقال لها اليوناني ما أمره أمير المؤمنين عليه السلام، فأخلت وأبسرت، واصفرت، واحمرت وأرطبت (8) وثقلت أعذاقها برطبها.


(1) ” تنافرت ” أ. ” تنثرت ” ص، الاحتجاج والبحار: 10. 2) ” بعد ” ص، ط. 3) ” كما كنت وأن تعودي ” أ، ب، ص، ط. 4) ” المبثوت ” ب، س، ط. بث الغبار: هيجه. 5) ” اجتمعت ” أ. 6) ” ترطب ” س، ص. 7) أي: أوانه. 8) ” وترطبت ” ب، س، ص، ط، والمصادر. (*)

[ 174 ]

فقال اليوناني: [ و ] اخرى احبها: تقرب بين (1) يدي أعذاقها، أو تطول يدي لتناولها (2) وأحب شئ إلي [ أن ] تنزل إلي إحداهما، وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مد يدك التي تريد أن تنالها (3) وقل: ” يا مقرب البعيد قرب يدي منها ” واقبض الاخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها وقل: ” يا مسهل العسير سهل لي تناول ما تباعد (4) عني منها ” ففعل ذلك، وقاله فطالت يمناه، فوصلت إلى العذق، وانحطت الاعذاق الاخر، فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها (5). ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن أكلت [ منها ] (6) ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله [ عزوجل لك ] من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم. فقال اليوناني: إني إن كفرت بعدما رأيت فقد بالغت في العناد، وتناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن (7) الله، فمرني بما تشاء اطعك. قال على عليه السلام: آمرك أن تقر لله بالوحدانية، وتشهد له بالجود والحكمة، وتنزهه عن العبث والفساد وعن ظلم الاماء والعباد، وتشهد أن محمد صلى الله عليه وآله الذي أنا وصيه سيد الانام، وأفضل رتبة أهل دار السلام، وتشهد أن عليا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك، خير خلق الله بعد [ نبيه ] محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأحق خلق الله بمقام محمد صلى الله عليه وآله بعده، وبالقيام بشرائعه وأحكامه وتشهد أن أولياءه أولياء


(1) ” ليقرب من ” ب، ط، ” أن تقرب من ” الاحتجاج. 2) ” لتنالها ” المصادر. 3) ” تناولها ” أ، ب، ص، ط. 4) ” تبعد ” ب، س، ط. 5) ” أعذاقها ” ص، والعرجون أصل العذق الذى يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن تقطع عنه الشماريخ. 6) من البحار: 10. 7) ” من ” أ. (*)

[ 175 ]

الله، وأن أعداءه أعداء الله، وأن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك، المساعدين لك على ما به أمرتك خير (1) امة محمد صلى الله عليه وآله وصفوة شيعة علي عليه السلام. [ الامر بالمواساة مع الاخوان: ] وآمرك أن تواسي (2) إخوانك [ المؤمنين ] المطابقين لك على تصديق، محمد صلى الله عليه وآله وتصديقي والانقياد له ولي، مما (3) رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم، تسد فاقتهم، وتجبر كسرهم وخلتهم، ومن كان منهم في درجتك في (4) الايمان ساويته (5) في مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك، آثرته بمالك على نفسك حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك، وأن أولياءه أكرم عليك من أهلك وعيالك. وآمرك أن تصون دينك وعلمنا الذي أو دعناك وأسرارنا التي حملناك، فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من أجلها بالشتم واللعن والتناول من العرض والبدن (6)، ولا تفش سرنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا، ويعرض (7) أولياءنا لنوادر (8) الجهال. [ الامر بالتقية: ] وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله عزوجل يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) (9).


(1) ” خيرة ” ب، س، ط. 2) ” توالى ” أ. 3) ” فيما ” ب، ط. 4) ” من ” أ. 5) ” تساويه ” أ. 6) ” وآلهتك ” أ. 7) ” وتعرض ” أ، و ” لا تعرض ” الاحتجاج. 8) ” ليوازر ” أ. ” لبوادر ” ص. 9) آل عمران: 28. (*)

[ 176 ]

وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا علينا إن ألجأك الخوف إليه [ و ] في إظهار البراءة منا إن حملك الوجل عليه [ و ] في ترك الصلوات المكتوبات إذا خشيت على حشاشتك (1) الافات والعاهات، فان تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولئن تتبرأ منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا (2) بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامك ومالك (3) الذي به قوامها (4)، وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بك وعرفت به من أوليائنا وإخواننا وأخواتنا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى أن تنفرج تلك الكربة وتزول [ به ] تلك الغمة (5) فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين. وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها، فانك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمتك ونعمتهم للزوال، مذل لهم (6) في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك الله باعزازهم (7) فانك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا. (8)


(1) الحشاشة: بقية الروح. 2) ” موالى ” أ. 3) ” دوامها، ومالك ” أ. ” قوامها ومالها ” ص، وبعض المصادر. 4) ” قيامها ” ب، ط، وبعض المصادر. 5) ” النقمة ” أ. 6) ” لك ولهم ” ب، ص، ط. 7) ” باعزاز دينه واعزازهم ” أ. 8) عنه حلية الابرار: 1 / 311، ومدينة المعاجز: 58، والبحار: 62 / 158 ح 2 (قطعة) وعنه الوسائل: 11 / 478 ح 1 (قطعة) والبحار: 10 / 70 ح 1، وج 42 / 45 ح 18 وعن الاحتجاج: 1 / 342. وأخرجه في البحار: 74 / 221 ح 1، وج 75 / 418 ح 73 عن الاحتجاج قطعة. وأورد قطعة منه في مناقب آل أبى طالب: 2 / 301. (*)

[ 177 ]

[ حديث تكلم الذراع المسمومة مع النبي صلى الله عليه وآله: ] 85 – وأما كلام الذراع المسمومة فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاءته امرأة من اليهود قد أظهرت الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذه ! قالت له: بأبي أنت وامي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فاني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيته أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، فنذرت لله لئن [ سلمك الله منهم لاذبحنه ولاطعمنك من شواء ذراعه، والان فقد ] سلمك الله منهم وأظفرك بهم، فجئت بهذا لافي بنذري. وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء بن معرور (1) وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوا بخبز. فاتي به فمد البراء بن معرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه. فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم [ على ] رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له البراء – وكان أعرابيا -: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ! فقال على عليه السلام: ما ابخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني ابجله واوقره، ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول، ولا فعل، ولا أكل ولا شرب. فقال البراء: ما ابخل رسول الله صلى الله عليه وآله.


(1) كذا في الاصل والبحار والمستدرك، والبراء بن معرور هو أبو بشر الانصاري الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة، وهو ابن عمة سعد بن معاذ، مات في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة بشهر. (سير أعلام النبلاء: 1 / 267). والقصة مروية في ولده ” بشر ” الذى توفى مسموما بتلك الشاة. راجع الخرائج والجرائح: 108 ح 180 وتخريجاته. أقول: لعله سقط اسم ” بشر ” من الراوى أو النسخة فبقى التصحيف على حاله والله أعلم. (*)

[ 178 ]

فقال على عليه السلام: ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت (1) إلى نفسك. يقول علي عليه السلام هذا والبراء يلوك اللقمة إذ أنطق الله الذراع فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فاني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ولم يرفع إلى ميتا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة. فاتي بها، فقال لها: ما حملك على ما صنعت ؟ فقالت: وترتني وترا عظيما: قتلت أبي وعمي وأخي وزوجي وابني ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول، وقد وعد فتح مكة والنصر (2) والظفر، فسيمنعه (3) الله ويحفظه منه ولن يضره. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت. ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يضرك موت البراء فانما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفى شره وسمه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا [ وفلانا ]. وذكر قوما من خيار أصحابه منهم سلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبو ذر وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم. فقال صلى الله عليه وآله: اقعدوا وتحلقوا عليه. فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال: ” [ بسم الله الرحمن الرحيم ] بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ، ولا داء في الارض، ولا في السماء وهو السميع العليم “. ثم قال صلى الله عليه وآله: كلوا على اسم الله. فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله، وأكلوا حتى شبعوا، ثم


(1) ” وكلك ” أ. 2) ” النصرة ” أ. وهى النصر وحسن المعونة. 3) ” فيمنعه أ، ط، والبحار. منعه: حامى عنه. (*)

[ 179 ]

شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست. فلما كان في اليوم الثاني جئ (1) بها فقال صلى الله عليه وآله: أليس هؤلاء أكلوا [ ذلك ] السم بحضرتك ؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته ؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن فقد أيقنت أنك رسول الله صلى الله عليه وآله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله [ حقا ] وحسن إسلامها. (2) 86 – قال على بن الحسين عليهما السلام: ولقد حدثني أبي، عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما حملت إليه جنازة البراء بن معرور ليصلي عليه قال: أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا: يا رسول الله إنه ذهب في حاجة رجل من المسلمين إلى قبا. فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يصل عليه، قالوا: يا رسول الله مالك لا تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل أمرني أن أؤخر الصلاة عليه إلى أن يحضر [ ه ] علي، فيجعله في حل مما كلمه به بحضرة (3) رسول الله ليجعل الله موته بهذا السم كفارة له. فقال بعض من كان حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وشاهد الكلام الذي تكلم به البراء: يا رسول الله إنما كان مزحا مازح به عليا عليه السلام لم يكن منه جدا فيؤاخذه الله عزوجل بذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان ذلك منه جدا لاحبط الله تعالى أعماله كلها، ولو كان تصدق بمل ء مابين الثرى إلى العرش ذهبا وفضة، ولكنه كان مزحا، وهو في حل من (4) ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم أن عليا واجد (5) عليه، فيجدد بحضرتكم إحلاله (6) ويستغفر له ليزيده الله عزوجل بذلك قربة ورفعة في جنانه (7).


(1) ” جاء ” أ، والبحار. 2) عنه البحار: 17 / 317 ضمن ح 15، ومستدرك الوسائل: 3 / 84 ح 10 وص 8 ح 1 (قطعة). 3) ” في حضرة ” أ. 4) ” في ” خ ل. 5) أي غاضب. 6) ” اجلالا له ” ب، ط. وهو تصحيف. 7) ” جناته ” ب، ط. (*)

[ 180 ]

فلم يلبث أن حضر علي عليه السلام، فوقف قبالة الجنازة، وقال: رحمك الله يا براء فلقد كنت صواما [ قواما ] ولقد مت في سبيل الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان أحد من الموتى يستغني عن صلاة رسول الله لاستغنى صاحبكم هذا بدعاء علي عليه السلام [ له ] (1) ثم قام فصلى عليه ودفن. فلما انصرف وقعد في العزاء قال: أنتم يا أولياء البراء (2) بالتهنئة أولى منكم بالتعزية لان صاحبكم عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلى السماء السابعة، وبالحجب كلها إلى الكرسي إلى ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها، ثم ذهب بها إلى روض (3) الجنان، وتلقاها كل من كان [ فيها ] (4) من خزانها، واطلع عليه (5) كل من كان فيها من حور حسانها. وقالوا بأجمعهم له (6): طوباك [ طوباك ] يا روح البراء، إنتظر عليك (7) رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام حتى ترحم عليك علي واستغفر لك، أما إن حملة (عرش ربنا حدثونا) (8) عن ربنا أنه قال: يا عبدي الميت في سبيلي، ولو كان عليك (9) من الذنوب بعدد الحصى والثرى، وقطر المطر وورق الشجر، وعدد شعور الحيوانات ولحظاتهم وأنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم، لكانت مغفورة بدعاء علي لك. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فتعرضوا يا عباد الله لدعاء علي لكم، ولا تتعرضوا لدعاء علي عليه السلام عليكم، فان من دعا عليه أهلكه الله، ولو كانت حسناته عدد ما خلق الله كما أن من دعا له أسعده [ الله ] ولو كانت سيئاته [ ب‍ ] عدد ما خلق الله. (10)


(1) ” فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله ” أ. وما بين [ ] من البحار. 2) ” الله ” خ ل. 3) ” ربض ” ب، س، ط والبحار. والربض – بضم الراء -: وسط الشئ. وبالفتح: كل ما يؤوى ويستراح إليه من مال وأهل وبيت. 4) من البحار 5) ” إليه ” ب، ط والبحار. 6) ” قولا عقله الله وفهمه ” الاصل. وما في المتن من البحار. 7) ” اليك ” ب، س، ط. 8) ” العرش حدثوا ” أ. 9) ” لك ” أ، ب، س، ط. 10) عنه البحار: 17 / 319 ضمن ح 15. (*)

[ 181 ]

[ كلام الذئب مع رسول الله صلى الله عليه وآله: ] 87 – وأما كلام الذئب له: فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم إذ جاءه راع ترتعد فرائصه قد استفزعه العجب، فلما رآه [ رسول الله صلى الله عليه وآله ] من بعيد قال لاصحابه: إن لصاحبكم هذا شأنا عجيبا. فلما وقف قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: حدثنا بما أزعجك. قال الراعي: يا رسول الله أمر عجيب ! كنت في غنمي إذ جاء (1) ذنب فحمل حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه. ثم جاء إلى الجانب الايمن (2)، فتناول منه حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه [ ثم جاء إلى الجانب الايسر فتناول حملا فرميته، بمقلاعي فانتزعته ] (3) [ ثم جاء إلى الجانب الآخر فتناول حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه ] ثم جاء الخامسة هو وانثاه يريد أن يتناول (4) حملا فأردت أن أرميه فأقعى على ذنبه وقال. أما تستحيي [ أن ] تحول بيني وبين رزق قد قسمه الله تعالى لي. أفما أحتاج أنا إلي غذاء أتغذى به ؟ فقلت: ما أعجب هذا ! ذئب أعجم يكلمني [ ب‍ ] كلام الادميين. فقال لي الذئب: ألا (5) أنبئك بما هو أعجب من كلامي لك ؟ محمد رسول الله صلى الله عليه وآله رسول رب العالمين بين الحرتين (6)، يحدث الناس بأنباء ما قد سبق من الاولين


(1) ” جاءني ” ب، ط. 2) ” الايسر ” أ. 3) من البحار. 4) ” يريدان أن يتناولا ” الاصل. وما في المتن كما في البحار. 5) ” انى ” ط. 6) الحرتان: حرة واقم، وحرة ليلى. (مجمع البحرين: 3 / 264). قال الحموى: حرة واقم: احدى حرتى المدينة وهى الشرقية سميت برجل من العماليق اسمه واقم… وقيل: اسم أطم من آطام المدينة إليه تضاف الحرة. وفيها كانت وقعة الحرة المشهورة… وحرة ليلى: لبنى مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بفيض.. يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة.. (معجم البلدان: 2 / 247 وص 249) والحرة في الاصل اسم لكل أرض ذات حجارة سوداء. (*)

[ 182 ]

وما لم يأت من الاخرين. ثم اليهود مع علمهم بصدقه، ووجودهم (1) له في كتب رب العالمين بأنه أصدق الصادقين وأفضل الفاضلين يكذبونه ويجحدونه وهو بين الحرتين، وهو الشفاء النافع، ويحك يا راعي آمن به تأمن من عذاب الله، وأسلم له [ تسلم ] من سوء العذاب الاليم. فقلت له: والله لقد عجبت من كلامك، واستحييت من منعي لك ما تعاطيت أكله فدونك غنمي، فكل منها ما شئت لا ادافعك [ ولا امانعك ]. فقال لي الذئب: يا عبد الله احمد الله إذ (2) كنت ممن يعتبر بآيات الله، وينقاد لامره لكن الشقي كل الشقي من يشاهد آيات محمد صلى الله عليه وآله في أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام وما يؤديه عن الله عزوجل من فضائله، وما يراه من وفور حظه من العلم الذي لا نظير له [ فيه ]، والزهد الذى لا يحاذيه أحد فيه، والشجاعة التى لا عدل له فيها ونصرته للاسلام التي لا حظ لاحد فيها مثل حظه. ثم يرى مع ذلك كله رسول الله يأمر بموالاته وموالاة أوليائه والتبري من أعدائه ويخبر (3) أن الله تعالى لا يتقبل من أحد عملا وإن جل وعظم ممن يخالفه، ثم هو مع ذلك يخالفه، ويدفعه (4) عن حقه ويظلمه، ويوالي أعداءه، ويعادي أولياءه إن هذا لاعجب من منعك إياي. قال الراعي: فقلت [ له ]: أيها الذئب أو كائن هذا ؟ قال: بلى (5)، و [ ما ] هو أعظم منه سوف يقتلونه باطلا، ويقتلون أولاده (6) ويسبون حرمهم، و [ هم ] مع ذلك يزعمون


(1) أي وجدوا اسمه الشريف ونعته وصفته صلى الله عليه وآله في كتب رب العالمين. 2) ” ان ” ط. 3) ” يخبره ” ب، ص، ط. 4) ” يدافعه ” ب، ط. 5) ” بل ” أ. 6) ” ولده ” ب، ط، والبحار: 17. ” ذريته ” البحار: 7. (*)

[ 183 ]

أنهم مسلمون، فدعواهم (1) أنهم على دين الاسلام مع صنيعهم هذا بسادة [ أهل ] الاسلام أعجب من منعك لي. لاجرم أن الله تعالى قد جعلنا معاشر الذئاب – أنا ونظرائي [ من ] المؤمنين – نمزقهم في النيران يوم فصل القضاء، وجعل في تعذيبهم شهواتنا، وفي شدائد آلامهم لذاتنا. قال الراعي: فقلت: والله لو لا هذه الغنم [ بعضها لي ] وبعضها أمانة في رقبتي لقصدت محمدا حتى أراه. فقال لي الذئب: يا عبد الله امض إلى محمد، واترك علي غنمك لارعاها لك. فقلت: كيف أثق بأمانتك ؟ فقال لى: يا عبد الله إن الذي أنطقني [ ب‍ ] ما سمعت هو الذي يجعلني قويا أمينا عليها، أو لست مؤمنا بمحمد، مسلما له ما أخبر به عن الله تعالى في أخيه علي ؟ فامض لشأنك فاني راعيك، والله عزوجل ثم ملائكته المقربون رعاة [ لي ] إذ كنت خادما لولي علي عليه السلام. فتركت غنمي على الذئب والذئبة وجئتك يا رسول الله. فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله في وجوه القوم، وفيها ما يتهلل سرورا [ به ] (2) وتصديقا، وفيها ما تعبس شكا فيه وتكذيبا، يسر المنافقون (3) إلى أمثالهم: هذا قد واطأه محمد على هذا الحديث ليختدع (4) به الضعفاء الجهال. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: لئن شككتم أنتم فيه فقد (5) تيقنته أنا وصاحبي الكائن معي في أشرف (6) المحال من عرش الملك الجبار، والمطوف به معي في أنهار


(1) ” بدعواهم ” الاصل. وما في المتن كما في البحار. 2) من البحار. 3) ” ويسر منافقون ” البحار. 4) ” ليخدع ” أ، ص. 5) ” لقد ” أ. ” قد ” ب، ط. 6) ” أشراف ” أ. (*)

[ 184 ]

الحيوان من دار القرار، والذي هو تلوي في قيادة الاخيار، والمتردد معي في الاصلاب (1) الزاكيات، والمتقلب معي في الارحام (2) الطاهرات، والراكض معي في مسالك الفضل، والذي كسي ما كسيته (3) من العلم والحلم والعقل وشقيقي الذي انفصل مني عند الخروج إلى صلب عبد الله وصلب أبي طالب، وعديلي في اقتناء المحامد والمناقب علي بن أبي طالب عليه السلام آمنت به أنا والصديق الاكبر، وساقي أوليائي من نهر الكوثر آمنت به أنا والفاروق الاعظم، وناصر أوليائي السيد الاكرم آمنت به أنا، ومن جعله الله محنة لاولاد الغي و [ رحمة لاولاد ] الرشد، وجعله للموالين له أفضل العدة آمنت به أنا، ومن جعله الله لديني قواما، ولعلومي علاما، وفي الحروب (4) مقداما وعلى أعدائي ضرغاما، أسدا قمقاما. آمنت به أنا ومن سبق الناس إلا الايمان، فتقدمهم إلى رضا الرحمن، وتفرد دونهم بقمع أهل الطغيان، وقطع بحججه وواضح بيانه معاذير أهل البهتان آمنت به أنا وعلي بن أبي طالب الذي جعله الله لي سمعا وبصرا، ويدا ومؤيدا وسندا وعضدا، لا ابالي [ ب‍ ] من خالفني إذا وافقني، ولا أحفل (5) بمن خذلني إذا وازرني، ولا أكترث (6) بمن ازور (7) عني إذا ساعدني.


(1 و 2) في الاصل: الارحام بدل الاصلاب، وبالعكس. 3) ” كسوته ” أ. كسا (يكسو كسوا) الثوب فلان: ألبسه اياه. كسى يكسى الثوب: لبسه. 4) ” الحرب ” أ. 5) ” أخذل ” أ. 6) ” يقال: هو لا يكترث لهذا الامر: أي لا يعبا به ولا يبالى. 7) الازورار عن الشئ: العدول عنه. (*)

[ 185 ]

آمنت به أنا ومن زين الله به الجنان وبمحبيه، وملا طبقات النيران بمبغضيه وشانئيه، ولم يجعل أحدا من أمتي يكافيه ولا يدانيه، لن يضرني عبوس المتعبسين (1) منكم إذا تهلل وجهه، ولا إعراض المعرضين (2) منكم إذا خلص لي وده. ذاك علي بن أبي طالب، الذي لو كفر الخلق كلهم من أهل السماوات والارضين لنصر الله عزوجل به وحده هذا الدين، والذي لو عاداه الخلق كلهم لبرز إليهم أجمعين، باذلا روحه في نصرة كلمة [ الله ] رب العالمين، وتسفيل كلمات إبليس اللعين. ثم قال صلى الله عليه وآله: هذا الراعي لم يبعد شاهده، فهلموا بنا إلى قطيعه ننظر إلى الذئبين فان كلمانا (3) ووجدناهما يرعيان غنمه، وإلا كنا على رأس أمرنا (4). فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جماعة كثيرة من المهاجرين والانصار، فلما رأوا القطيع من بعيد، قال الراعي: ذلك قطيعي. فقال المنافقون: فأين الذئبان ؟ فلما قربوا، رأوا الذنئبين يطوفان حول الغنم يردان عنها (5) كل شئ يفسدها (6) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أتحبون أن تعلموا أن الذئب ماعنى غيري بكلامه ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: احيطوا بي حتي لا يراني الذئبان، فأحاطوا به صلى الله عليه وآله، فقال للراعي: يا راعي قل للذئب: من محمد الذي ذكرته من بين هؤلاء ؟ [ فقال الراعي للذئب ماقاله رسول الله صلى الله عليه وآله ]. قال: فجاء الذئب إلى واحد منهم وتنحى عنه، ثم جاء إلى آخر وتنحى عنه فما زال كذلك حتى دخل وسطهم، فوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله هو وأنثاه، وقالا:


(1) ” المعبس ” أ، والبحار. 2) ” المعرض ” أ، والبحار. 3) ” كانا ” أ. 4) قال المجلسي (رحمه الله): أي ان لم نشاهد ذلك لا يبطل أمرنا، بل نكون على ماكنا عليه من الدلائل والمعجزات. 5) ” ويذودان ” ب، ط. 6) ” يبعدها ” أ. (*)

[ 186 ]

السلام عليك يا رسول رب العالمين (1) وسيد الخلق أجمعين. ووضعها خدودهما على التراب، ومرغاها (2) بين يديه، وقالا: نحن كنا دعاة إليك، بعثنا إليك هذا الراعي وأخبرناه بخبرك. فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المنافقين معه فقال: ما للكافرين عن هذا محيص، ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذه واحدة، قد علمتم صدق الراعي فيها، أفتحبون (3) أن تعلموا صدقه في الثانية ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أحيطوا بعلي بن أبي طالب عليه السلام. ففعلوا، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الذئبان إن هذا محمد، قد أشرتما للقوم إليه وعينتما عليه، فأشيرا وعينا (4) علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه. قال: فجاء الذئبان، وتخللا القوم، وجعلا يتأملان الوجوه والاقدام، فكل من تأملاه أعرضا عنه، حتى بلغا عليا عليه السلام فلما تأملاه مرغا في التراب أبدانهما، ووضعا [ على الارض ] بين يديه خدودهما، وقالا: السلام عليك يا حليف الندى (5)، ومعدن النهى (6)، ومحل الحجى (7) [ وعالما ] بما في الصحف الاولى [ و ] وصي المصطفى. السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه، وأشقى بعداوته شانئيه وجعله سيد آل محمد وذويه. السلام عليك يا من لو أحبه أهل الارض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الاصفياء، ويا من لو أحسن بأقل قليل من بغضه من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى


(1) ” الله ” أ. ” الله رب العالمين ” البحار. 2) ” ومرغاهما ” أ. 3) ” أتحبون ” ب، ط. 4) ” وأعينا على ” أ. 5) أي ملازم الجود لا يفارقه كما لا يفارق الحليف صاحبه. 6) أي العقل. 7) أي العقل والفطنة. (*)

[ 187 ]

لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العلي الاعلى. قال: فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين كانوا معه، وقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك (1). قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر والبحر، وفي السماوات والارض، والحجب والعرش والكرسي، والله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم – ليشيعوا (2) بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه – ما يصغر (3) في جنبه تواضع هذين الذئبين. وكيف لا يتواضع الاملاك وغيرهم من العقلاء لعلي عليه السلام ؟ وهذا رب العزة قد آلى (على نفسه) (4) قسما حقا: لا يتواضع أحد لعلى عليه السلام قدر (5) شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان (6) مسيرة مائة ألف سنة. وإن التواضع الذي تشاهدون، يسير قليل في جنب هذه الجلالة والرفعة اللتين عنهما تخبرون (7). (8)


(1) ” عندك ” أ. (2) ” ليشبعوا ” ب، ص، ط، والبحار. وشايعه شياعا وشيعه: تابعه. 3) ” يصغى ” أ. تقول: أصغى حقه: إذا نقصه. 4) ” بنفسه ” أ. 5) ” قيس ” س، البحار. 6) ” الجلال ” أ. 7) ” تحيرون ” أ. ” تجزون ” ص. 8) عنه البحار: 7 / 274 ح 49 (قطعة)، وج 17 / 321 ضمن ح 15، ومدينة المعاجز: 42. وأورد مثله في ثاقب المناقب: 39 (مخطوط) عن أبى سعيد الخدرى باختصار. (*)

[ 188 ]

[ حديث حنين العود، وفيه ما يدل على فضل على عليه السلام: ] 88 – وأما حنين العود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه (1): يا رسول الله إن الناس قد كثروا، وأنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت. فلو (2) أذنت [ في ] أن نعمل لك منبرا له مراق ترقاها فيراك الناس إذا خطبت. فأذن في ذلك. فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع، فتجاوزه إلى المنبر فصعده، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى، وأن أنين الحبلى، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك نزل عن المنبر، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال: اسكن فما تجاوزك رسول الله صلى الله عليه وآله تهاونا بك، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله. فهدأ حنينه وأنينه، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منبره، ثم قال: معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين، ويحزن لبعده عنه وفي عباد الله – الظالمين أنفسهم – من لا يبالي: قرب من رسول الله صلى الله عليه وآله أو بعد [ و ] (3) لولا أني ما احتضنت هذا الجذع، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه [ وأنينه ] إلى يوم القيامة. وإن من عباد الله وإمائه لمن (4) يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين [ الطاهرين ] منطويا، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله ؟


(1) ” أهله ” ب، س، ط 2) ” فان ” ب، ط. 3) من البحار. 4) ” لم ” أ. (*)

[ 189 ]

كيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح يده عليه ؟ قالوا بلى: يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذى بعثني بالحق نبيا، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يتولى (1) محمدا وعليا وآلهما الطيبين ويبرأ (2) من أعدائهم، لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله. وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم، ما يرد عليهم من صلاة أحدكم – معاشر شيعتنا – على محمد وآله الطيبين، أو صلاته لله (3) نافلة، أو صوم أو صدقة. وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل [ بهم ] من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم، فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان باسداء المعروف إلى إخوانه (4) المؤمنين. وأعظم من ذلك – مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا – ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم (5) التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم (6) فحينئذ يقول خزان الحنان وحورها: لنصبرن على شوقنا إليهم [ وحنيننا ] (7) كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لا يقدرون على دفع مضرته. فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل: ” يا سكان جناني ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم، ولكن ليستكملوا (8) نصيبهم من كرامتي بمواساتهم


(1) ” يتوالى ” أ، ب، ص، ط. ” توالى ” البحار: 68. ” يوالى ” البحار: 8 و 17. 2) ” يتبرأ ” أ، ب، س، ط. ” تبرأ ” البحار: 68. 3) ” صلوات ” أ. ” صلاة ” البحار. 4) ” اخوانهم ” الاصل. وما في المتن كما في البحار. 5) ” استعمالها ” ب، ط. 6) ” فسقهم ” أ. 7) ليس في البحار. وفى ” أ ” وحنيننا إليهم. 8) ” الا ليستعملوا ” أ. (*)

[ 190 ]

إخوانهم المؤمنين، والاخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر على التقية من الفاسقين والكافرين، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي (1) نقلتهم إليكم على أسر الاحوال وأغبطها فابشروا “. فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم (2). [ قلب السم على اليهود: ] 89 – وأما قلب الله السم على اليهود الذين قصدوه [ به ] – وأهلكهم (3) الله به – فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما ظهر بالمدينة اشتد حسد ” ابن أبي ” (4) له، فدبر عليه أن عليه أن يحفر له حفيرة


(1) ” كرامتي ” ب، ط 2) عنه البحار: 8 / 163 ح 106، وج 17 / 326 ضمن ح 15، وج 68 / 33 ح 70. وروى مثله في الخرائج والجرائح: 83 (مخطوط) باختصار. 3) ” واهلاكهم ” ط. 4) لا غرابة في أن يذكر ” ابن ابى ” المنافق هنا ويقترن اسمه باليهود بل في قوله: ” اشتد حسده زيادة على حسدهم ” لطف، فما ذكر في كتب السيرة والتاريخ الا وتبعه موقف له مشهود مع اليهود: عن عاصم بن عمر ” أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله.. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزلوا على حكمه فقام عبد الله ابن ابى بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حين أمكنه الله منهم. فقال: يا محمد أحسن في موالى – وكانوا حلفاء الخزرج -.. فقال النبي صلى الله عليه وآله: هم لك، خلوهم لعنهم الله ولعنهم معه “. وعن عبادة بن الوليد قال ” لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وآله تشبث بأمرهم عبد الله بن ابى وقام دونهم.. ” (دلائل النبوة: 3 / 174، ابن الاثير: 2 / 138). وفى الكامل لابن الاثير: 2 / 112: جاء أبو قيس الاسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلقيه عبد الله بن أبى المنافق فقال: كرهت قتال الخزرج.. وعلى الجملة لا تخفى هويته على أحد، فعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أن كفار قريش كتبوا إلى ابن ابى، من كان يعبد – > (*)

[ 191 ]

في مجلس من مجالس داره، ويبسط فوقها بساطا، وينصب في أسفل الحفيرة أسنة رماح ونصب (1) سكاكين مسمومة، وشد أحد (2) جوانب البساط والفراش إلى الحائط ليدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وخواصه مع علي عليه السلام، فإذا وضع رسول الله صلى الله عليه وآله رجله على البساط وقع في الحفيرة، وكان قد نصب في داره، وخبأ رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على علي عليه السلام ومن معه عند وقوع محمد صلى الله عليه وآله في الحفيرة فيقتلونهم بها ودبر أنه إن (3) لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم (4) المسموم ليموت هو وأصحابه معه جميعا. فجاءه جبرئيل عليه السلام وأخبره بذلك، وقال له: إن الله يأمرك أن تقعد حيث يقعدك وتأكل مما يطعمك، فانه مظهر عليك آياته، ومهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك. فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعد (5) على البساط، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه، ولم يقع في الحفيرة، فتعجب ابن ابي ونظر، فإذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة. وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام وصحبهما بالطعام المسموم، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وضع يده في الطعام قال: يا علي أرق (6) هذا الطعام بالرقية النافعة. فقال علي عليه السلام: ” بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ [ ولا داء ] في الارض ولا في السماء، وهو السميع العليم “. ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ومن معهما حتى شبعوا. ثم جاء أصحاب عبد الله بن ابي وخواصه، فأكلوا فضلات رسول الله صلى الله عليه وآله


< معه الاوثان من الاوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر.. فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود. (دلائل النبوة: 3 / 178). 1) ” ينصب ” ب، س، ط. 2) ” آخر ” أ. 3) ” لو ” ب. 4) ” الطعام ” أ. 5) ” وعلى عليه السلام وأصحابهما وقعدا ” ب، ط. 6) من الرقية، وهى العوذة. (*)

[ 192 ]

وصحبه، ظنا منهم (1) أنه قد غلط ولم يجعل فيه سما (2) لما رأوا محمدا وصحبه لم يصبهم مكروه. وجاءت بنت عبد الله بن ابي إلى ذلك المجلس المحفور تحته، المنصوب فيه ما نصب، وهي كانت دبرت ذلك، ونظرت فإذا ما تحت البساط أرض ملتئمة، فجلست على البساط واثقة، فأعاد الله الحفيرة بما فيها فسقطت فيها وهلكت، فوقعت الصيحة. فقال عبد الله بن ابي: إياكم [ و ] أن تقولوا أنها سقطت في الحفيرة، فيعلم محمد ما كنا دبرناه عليه. فبكوا [ وقالوا: ] ماتت العروس – وبعلة عرسها كانوا دعوا رسول الله صلى الله عليه وآله – ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول الله صلى الله عليه وآله. فسأل‍ [ – ه ] رسول الله عن سبب موت الابنة والقوم ؟ فقال ابن ابي: سقطت من السطح، ولحق القوم تخمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ الله ] (3) أعلم بماذا ماتوا. وتغافل عنهم. (4) [ نظير المعجزة المذكورة لعلي عليه السلام: ] 90 – قال على بن الحسين عليهما السلام: وكان نظيرها لعلي بن أبي طالب عليه السلام مع جد بن قيس (5) وكان تالي عبد الله بن ابي في النفاق، كما أن (6) علي تالي رسول الله صلى الله عليه وآله في الكمال والجمال والجلال.


(1) ” ظنوا ” س، ط. 2) ” سموما ” ب، س، ط، والبحار. 3) من البحار. 4) عنه البحار: 17 / 328 ضمن ح 15، ومدينة المعاجز: 79. 5) كان من رؤساء المنافقين، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هل لك في جلاد بنى الاصفر ؟ فقال: والله لقد عرف قومي حبى للنساء، وأخشى أن لا أصبر على نساء بنى الاصفر، فان رأيت أن تأذن لى ولا تفتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى ” ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني ” التوبة: 49. (انظر تاريخ الطبري: 2 / 277) 6) ” كان ” ب، ط. (*)

[ 193 ]

وتفرد جد مع عبد الله بن ابي – بعد هذه القصة (1) التي سلم الله منها محمدا وصحبه وقلبها على عبد الله بن ابي – فقال له: إن محمدا صلى الله عليه وآله ماهر بالسحر، وليس علي عليه السلام كمثله، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش (2) أصل حائط بستانك، ثم يقف رجال خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط، ويدفعونه على علي عليه السلام [ ومن معه ] ليموتوا تحته. فجلس على عليه السلام تحت الحائط (3) فتلقاه بيسراه ودفعه (4) وكان الطعام بين أيديهم فقال علي عليه السلام: كلوا بسم الله. وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا، وهو يمسك الحائط بشماله – والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة [ عشر ] ذراعا سمكه، في ذراعين غلظه – فجعل أصحاب علي عليه السلام – وهم يأكلون – يقولون: يا أخا رسول الله أفتحامي هذا و [ أنت ] (5) تأكل ؟ فانك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا. فقال على عليه السلام: إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني. وهرب جد بن قيس، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه، واختبأ عند عبد الله بن ابي، فبلغهم أن عليا قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه، وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا. فقال أبو الشرور وأبو الدواهي اللذان كانا أصل التدبير في ذلك: إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه. فلما فرغ القوم مال علي عليه السلام على الحائط بيساره (6) فأقامه وسواه، ورأب (7)


(1) أي قصة قلب السم على اليهود وسقوط بنت ابن ابى في الحفرة، وفى ” ص ” القضية. 2) ” تنفيش ” أ. ” تفتيش ” ب، ص، ط. وكلاهما تصحيف ما في المتن. 3) أضاف في ” أ ” ويدفعونه. 4) ” وأوقفه ” البحار 5) من البحار. 6) ” بيسراه ” ب، ط. 7) أي أصلح. (*)

[ 194 ]

صدعه، ولام (1) شعبه، وخرج هو والقوم (2). فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله. قال [ له ]: يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار، وما سهل الله ذلك له إلا بدعائه بنا أهل البيت. (3) [ تكثير الله القليل من الطعام: ] 91 – وأما تكثير الله القليل من الطعام لمحمد صلى الله عليه وآله فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوما جالسا هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والانصار إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن شدقي يتحلب، وأجدني أشتهي حريرة مدوسة (4) ملبقة بسمن وعسل. فقال على عليه السلام: وأنا أشتهي ما يشتهيه (5) رسول الله صلى الله عليه وآله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي الفصيل (6): ماذا تشتهي أنت ؟ قال: خاصرة حمل مشوي. وقال لابي الشرور وأبي الدواهي: (ماذا تشتهيان أنتما) (7) ؟ قالا: صدر حمل مشوي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ويطعمهم شهواتهم ؟


(1) لام الشئ: أصلحه، جمعه وشده. 2) زاد في ص والبحار: من تحته. 3) عنه البحار: 42 / 31 ح 9، ومدينة المعاجز: 80، ومناقب آل أبى طالب: 2 / 293 (قطعة) واثبات الهداة: 4 / 594 ح 288 (قطعة). 4) ” مدقسة ” أ. قال المجلسي (رحمه الله): الدوس: الوطى بالرجل، واخراج الحب من السنبل، ولعل المراد هنا المبالغة في التقية أو الدق أو الخلط. وقال ابن الاثير في النهاية: 4 / 226: لبقها، خلطها خلطا شديدا. 5) ” يشتهى ” أ. 6) ” الفضيل ” الاصل. قال المجلسي (رحمه الله): وأبو الفصيل: أبو بكر، وكان يكنى به لموافقة البكر والفصيل في المعنى، وأبو الشرور: عمر، وأبو الدواهي: عثمان، وفى الاخير [ كما سيأتي ] يحتمل أن يكون المراد بأبى الشرور: أبا بكر على الترتيب إلى معاوية أو عمر على الترتيب إلى معاوية، ثم على هذا أبو النكث اما أبو بكر أو طلحة بترك ذكر أبى بكر 7) ” وأنتما فماذا تشتهيان ” ب، ط. (*)

[ 195 ]

فقال عبد الله بن ابي: هذا والله اليوم الذي نكيد فيه محمدا وصحبه [ ومحبيه ] ونقتله، ونخلص العباد والبلاد منه، وقال: يا رسول الله أنا اضيفكم، عندي شئ من بر وسمن وعسل، وعندي حمل أشويه لكم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فافعل. فذهب عبد الله بن ابي، وأكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشوي، ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هلموا إلى ما اشتهيتم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا ومن ؟ قال ابن ابي: أنت وعلي وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار. فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث وقال صلى الله عليه وآله: يابن ابي دون هؤلاء ؟ [ ف‍ ] قال ابن ابي: نعم دون هؤلاء. وكره أن يكونوا معه (1) لانهم كانوا مواطئين لابن ابي على النفاق. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا حاجة لي في شئ استبد به دون هؤلاء، ودون المهاجرين والانصار الحاضرين لي. فقال عبد الله يا رسول الله إن [ لي ] الشئ القليل، لا يشبع (2) أكثر من أربعة (3) إلى خمسة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله إن الله أنزل مائدة على عيسى عليه السلام وبارك له في [ أربعة ] أرغفة وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة. فقال: شأنك. ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المهاجرين والانصار هلموا إلى مائدة (4) عبد الله بن ابي. فجاءوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهم سبعة (5) آلاف وثمانمائة.


(1) ” معهم ” أ. 2) ” لا يسع ” ب، س، ص، ط. 3) ” عشرة ” البحار. 4) ” مأدبة ” ب، ط. 5) ” ستة ” ب، س، ط. (*)

[ 196 ]

فقال عبد الله لاصحاب له: كيف نصنع ؟ هذا محمد وصحبه (1) وإنما نريد أن نقتل محمدا ونفرا من أصحابه، ولكن إذا مات محمد وقع بأس هؤلاء بينهم، فلا يلتقي (2) منهم اثنان في طريق. وبعث ابن ابي إلى أصحابه والمتعصبين له ليتسلحوا ويجتمعوا، وقال: ما هو إلا أن يموت محمد حتى يلقانا (3) أصحابه، ويتهالكوا. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله داره، أومأ عبد الله إلى بيت له صغير، فقال: يا رسول الله أنت وهؤلاء الاربعة يعني عليا وسلمان والمقداد وعمارا في هذا البيت، والباقون (4) في الدار والحجرة والبستان، ويقف منهم قوم على الباب حتى يفرغ [ منهم ] أقوام ويخرجون، ثم يدخل بعدهم أقوام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيق، ادخل يا علي ويا سلمان ويا مقداد ويا عمار، [ و ] ادخلوا معاشر المهاجرين والانصار. فدخلوا أجمعين وقعدوا (5) حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة، وإذا البيت قد وسعهم أجمعين حتى أن بين كل رجلين منهم موضع رجل. فدخل عبد الله بن ابي فرأي [ عجبا ] عجيبا من سعة البيت الذي كان ضيقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتنا بما عملته. فجاءه بالحريرة الملبقة بالسمن والعسل، و [ ب‍ ] الحمل المشوي. فقال ابن ابي: يا رسول الله كل أنت أولا قبلهم، ثم ليأكل صحبك هؤلاء: علي ومن معه، ثم يطعم (6) هؤلاء.


(1) ” أصحابه ” ب، ط. 2) ” يبقى ” ب، ط. 3) ” يبقانى ” أ. ” يبقى ” ب، س، ص، ط. وما في المتن من البحار. 4) ” وهؤلاء الباقون ” ب، س، ص، ط. 5) ” جعلوا ” ب، ط. 6) ” نطعم ” ب، ط. (*)

[ 197 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كذلك [ أفعل ]. فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الطعام ووضع علي عليه السلام يده معه. فقال ابن ابي: ألم يكن الامر على أن تأكل مع أصحابك وتفرد رسول الله (1) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله إن عليا أعلم بالله و [ ب‍ ] رسوله منك، إن الله ما فرق فيما مضى بين علي ومحمد، ولا يفرق فيما يأتي أيضا بينهما، إن عليا كان وأنا معه نورا واحدا، عرضنا الله عزوجل على أهل سماواته وأرضه (2) وسائر حجبه وجنانه وهوامه (3) وأخذ عليهم لنا العهود والمواثيق ليكونن لنا ولاوليائنا موالين ولاعدائنا معادين، ولمن نحبه محبين، ولمن نبغضه مبغضين، ما زالت إرادتنا واحدة ولا تزال، لا اريد إلا ما يريد، [ ولا يريد إلا ما اريد ] يسرني ما يسره (4) ويؤلمني ما يؤلمه فدع يا ابن ابي علي بن أبي طالب (5) فانه أعلم بنفسه وبي منك. قال ابن ابي: نعم يا رسول الله. وأفضى إلى جد ومعتب، فقال: أردنا واحدا فصار إثنين، الآن يموتان جميعا، ونكفى شرهما، هذا لخيبتهما (6) وسعادتنا، فلو بقي علي بعده لعله كان يجادل (7) أصحابنا هؤلاء، وعبد الله بن ابي قد جمع جميع أصحابه ومتعصبيه حول داره ليضعوا السيف (8) على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مات بالسم. ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام يديهما في الحريرة الملبقة بالسمن والعسل فأكلا حتى شبعا، ثم وضع من اشتهى خاصرة الحمل، ومن اشتهى صدره (منهم فأكلا) (9) حتى شبعا، وعبد الله ينظر ويظن أن لا يلبثهم السم، فاذاهم لا يزدادون إلا نشاطا.


(1) ” يأكل على مع أصحابك ” البحار. 2) ” أرضيه ” البحار. 3) ” هوائه ” ب، س، ط، والبحار. 4) ” يسوءني ما يسوءه ” ب، ط. 5) ” عليا ” ب، ط، والبحار. 6) ” ونكفاهما جمعيا وهذا لحينهما ” س، ص، والبحار. 7) ” يجالد ” البحار. جادله: خاصمه. وجالده بالسيف: ضاربه به. 8) ” ليقعوا ” أ، ب، ص، ط. 9) ” بينهما وأكلا ” ب، ط. (*)

[ 198 ]

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هات الحمل. فلما جاء به، قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا الحسن ضع الحمل في وسط البيت. فوضعه [ في وسط البيت تناله أيديهم ]، فقال عبد الله، يا رسول الله كيف تناله أيديهم ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الذي وسع هذا البيت، وعظمه حتى وسع جماعتهم وفضل عنهم، هو الذي يطيل أيديهم [ حتى تنال هذا الحمل، قال: ] فأطال الله تعالى أيديهم حتى نالت ذلك، فتناولوا منه وبارك الله في ذلك الحمل حتى وسعهم وأشبعهم وكفاهم، فإذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلا عظامه (1). فلما فرغوا منه طرح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله منديلا له، ثم قال: يا علي اطرح عليه (2) الحريرة الملبقة بالسمن والعسل. ففعل، فأكلوا منه حتى شبعوا كلهم وأنفدوه (3). ثم قالوا: يا رسول الله نحتاج إلى لبن أو شراب نشربه عليه. فقال رسول الله: إن صاحبكم أكرم على الله من عيسى عليه السلام، أحيا الله تعالى له الموتى، وسيفعل [ الله ] ذلك لمحمد صلى الله عليه وآله. ثم بسط منديله ومسح يديه عليه و قال: (اللهم كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها، فبارك فيها واسقنا من لبنها). قال: فتحركت، وبركت، وقامت، وامتلا ضرعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوني بأزقاق وظروف وأوعية ومزادات (4) فجاءوا بها فملاها، وسقاهم حتى شربوا ورووا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو لا أني أخاف أن يفتتن (5) بها أمتي كما افتتن بنو


1) ” عظاما ” أ. 2) ” منديلك على ” أ. 3) ” وأبعدوه ” أ. أنفد الشئ: أفناه. 4) المزادة: هي الظرف الذى يحمل فيه الماء كالقربة. 5) ” يفتن ” أ. افتتن: وقع في الفتنة. (*)

[ 199 ]

إسرائيل بالعجل فاتخذوه ربا من دون الله تعالى لتركتها تسعى في أرض الله، وتأكل من حشائشها، ولكن اللهم أعدها عظاما كما أنشأتها. فعادت عظاما [ مأكولا ] ما عليها من اللحم شئ، وهم ينظرون. قال: فجعل أصحاب رسول الله يتذاكرون (1) بعد ذلك توسعة [ الله تعالى ] البيت [ بعد ضيقه ] و [ في ] تكثيره الطعام ودفعه غائلة السم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني إذا تذكرت ذلك البيت كيف وسعه الله بعد ضيقه وفي تكثير ذلك الطعام بعد قلته، وفي ذلك السم كيف أزال الله تعالى غائلته عن محمد ومن دونه (2) وكيف وسعه [ وكثره ] ! أذكر ما يزيده الله تعالى في منازل شيعتنا وخيراتهم في جنات عدن وفي الفردوس. إن في (3) شيعتنا لمن يهب الله تعالى له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات ما [ لا ] يكون الدنيا وخيراتها في جنبها [ إلا ] كالرملة في البادية الفضفاضة، فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له ويكرمه ويعينه [ ويمونه ] ويصونه عن بذل وجهه له، حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل والقصور [ و ] قد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيما صار إليه من كبره وعظمه وسعته. فيقول الملائكة: يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل، فامددنا (4) بأملاك يعاونوننا. فيقول الله: ماكنت لا حملكم ما لا تطيقون، فكم تريدون مددا ؟


1) ” يتذكرون ” ب، ط، وتذاكروا الشئ: ذكروه. 2) ” وعن ذويه ” البحار. 3) ” من ” ب، س، ط، والبحار: 8. 4) يقال: أمددته بمدد: أي قويته وأعنته به. (*)

[ 200 ]

فيقولون: ألف ضعفنا. وفيهم من المؤمنين من يقول أملاكه: نستزيد مدد ألف ألف ضعفنا (1) وأكثر من ذلك على قدر قوة إيمان صاحبهم، وزيادة إحسانه إلى أخيه المؤمن. فيمددهم الله تعالى بتلك الاملاك، وكلما لقى هذا المؤمن أخاه فبره، زاده الله في ممالكه وفي خدمه في الجنة كذلك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ و ] إذا تفكرت في الطعام المسموم الذي صبرنا عليه كيف أزال الله عنا غائلته وكثره ووسعه، ذكرت صبر شيعتنا على التقية، وعند ذلك يؤديهم (2) الله تعالى بذلك الصبر إلى أشرف العاقبة (3) وأكمل السعادة طالما يغتبطون في تلك الجنان بتلك الطيبات، فيقال لهم: كلوا هنيئا جزاء على تقيتكم لاعدائكم وصبركم عى أذاهم. (4) 92 – قال على بن الحسين عليهما السلام: وذلك قوله عزوجل (وإن كنتم) أيها المشركون واليهود وسائر النواصب [ من ] المكذبين لمحمد (5) صلى الله عليه وآله في القرآن [ و ] في تفضيله أخاه عليا، المبرز (6) على الفاضلين، الفاضل على المجاهدين، الذي لا نظير له في نصرة المتقين، وقمع الفاسقين، وإهلاك الكافرين، وبث (7) دين الله في العالمين (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) في إبطال عبادة الاوثان من دون الله، وفي النهي عن موالاة أعداء الله، ومعاداة أولياء الله، وفي الحث على الانقياد


1) ” ضعفها ” الاصل. وهو تصحيف. 2) ” يؤتيهم ” ب، ط. 3) ” العافية ” أ. 4) عنه البحار: 8 / 147 ح 57 (قطعة)، وج 14 / 249 ح 27 (قطعة)، وج 17 / 330 ضمن ح 15 وج 74 / 37 ح 60، واثبات الهداة: 2 / 158 ح 605، والبرهان: 1 / 512 ح 9 (قطعة). 5) ” بمحمد ” أ، والبرهان. 6) ” الممزز ” أ، مززه بكذا: فضله. 7) ” وبثه ” ب. ” وتثبيته ” التأويل. (*)

[ 201 ]

لاخي رسول الله صلى الله عليه وآله، واتخاذه إماما، واعتقاده فاضلا راجحا، لا يقبل الله عزوجل إيمانا ولا طاعة (1) إلا بموالاته. وتظنون أن محمدا تقوله (2) من عنده، وينسبه إلى ربه [ فان كان كما تظنون ] (فأتوا بسورة من مثله) مثل (3) محمد أمي لم يختلف قط إلى أصحاب كتب وعلم ولا تتلمذ لاحد، ولا تعلم منه، وهو من قد عرفتموه في حضره وسفره، لم يفارقكم قط إلى بلد ليس معه منكم جماعة يراعون أحواله، ويعرفون أخباره، ثم جاءكم بعد بهذا الكتاب المشتمل على هذه العجائب (4) فان كان متقولا كما تظنون (5) فأنتم الفصحاء والبلغاء والشعراء والادباء الذين لا نظير لكم في سائر [ البلاد و ] الاديان، ومن سائر الامم، فان كان كاذبا فاللغة لغتكم وجنسه جنسكم، وطبعه طبعكم، وسيتفق لجماعتكم أو لبعضكم معارضة كلامه [ هذا ] بأفضل منه أو مثله. لان ماكان من قبل البشر، لا عن الله، فلا يجوز إلا أن يكون في البشر من يتمكن من مثله، فاتوا بذلك لتعرفوه – وسائر النظائر (6) إليكم في أحوالكم – أنه مبطل كاذب [ يكذب ] على الله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله) الذين يشهدون بزعمكم أنكم محقون، وأن ما تجيئون به نظير لما جاء به محمد، وشهداءكم الذين تزعمون (7) أنهم شهداؤكم عند رب العالمين لعبادتكم لها، وتشفع لكم إليه (إن كنتم صادقين) في قولكم: أن محمدا صلى الله عليه وآله تقوله. ثم قال الله عزوجل: (فان لم تفعلوا) هذا الذى تحديتكم به (ولن تفعلوا)


1) ” اسلاما ” خ ل. 2) ” يقوله ” ب، س، ط. 3) ” أي من مثل ” ب، ص، ط. 4) ” الخطاب ” ط. 5) ” تزعمون ” أ، س، ص والبرهان. ” تزعمونه ” البحار. 6) ” النظار ” ب، ص، ط، والبحار. والنظائر: المثل والشبه في الاشكال. 7) ” يزعمون ” البحار: 92. (*)

[ 202 ]

[ أي ] ولا يكون ذلك منكم، ولا تقدرون عليه، فاعلموا أنكم مبطلون، وأن محمدا الصادق الامين المخصوص برسالة رب العالمين، المؤيد بالروح الامين، وبأخيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين، فصدقوه فيما يخبركم به عن الله من أوامره ونواهيه وفيما يذكره من فضل [ علي ] وصيه وأخيه. (فاتقوا) بذلك عذاب (النار التي وقودها – حطبها – الناس والحجارة) حجارة الكبريت أشد الاشياء حرا (أعدت) تلك النار (للكافرين) بمحمد والشاكين في نبوته، والدافعين لحق أخيه علي، والجاحدين لامامته. ثم قال تعالى: (وبشر الذين آمنوا) بالله وصدقوك في نبوتك، فاتخذوك نبيا (1) وصدقوك في أقوالك، وصوبوك في أفعالك، واتخذوا أخاك عليا بعدك إماما ولك وصيا مرضيا، وانقادوا لما يأمرهم به وصاروا إلى ما أصارهم إليه، ورأوا له ما يرون لك إلا النبوة التي افردت بها. وأن الجنان لا تصير لهم إلا بموالاته وموالاة من ينص لهم عليه من ذريته وموالاة سائر أهل ولايته، ومعاداة أهل مخالفته وعداوته. وأن النيران لا تهدأ عنهم، ولا تعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم (2) عن موالاة مخالفيهم، ومؤازرة شانئيهم. (وعملوا الصالحات) من أداء الفرائض واجتناب المحارم، ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك، بشرهم (أن لهم جنات) بساتين (تجري من تحتها الانهار) من تحت أشجارها (3) ومساكنها (كلما رزقوا منها) من تلك الجنان (من ثمرة) من ثمارها (رزقا) وطعاما يؤتون به (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا


1) ” أماما ” أ، البحار: 68، والبرهان. 2) تنكب عنه: تجنبه واعتزله 3) ” شجرها ” أ، والبحار: 8. (*)

[ 203 ]

فأسماؤه كأسماء ما في الدنيا من تفاح وسفرجل ورمان [ و ] كذا وكذا. وإن كان ما هناك مخالفا لما في الدنيا فانه في غاية الطيب، وإنه لا يستحيل إلى ما تستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة وسائر المكروهات من صفراء وسوداء ودم [ وبلغم ] بل لا يتولد من مأكولهم إلا العرق الذي يجري من أعراضهم أطيب من رائحة المسك. (وأتوا به) بذلك الرزق من الثمار من تلك البساتين (متشابها) يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار لا رذل (1) فيها [ و ] بأن كل صنف منها في غاية الطيب واللذة ليس كثمار الدنيا [ التي ] بعضها ني، وبعضها متجاوز لحد النضج والادراك إلى حد الفساد من حموضة ومرارة وسائر ضروب المكاره، ومتشابها أيضا متفقات الالوان مختلفات الطعوم. (ولهم فيها) في تلك الجنان (أزواج مطهرة) من أنواع الاقذار والمكاره مطهرات من الحيض والنفاس، لا ولاجات ولا (خراجات ولا دخالات ولاختالات ولا متغايرات) (2) ولا لازواجهن فركات (3) ولا صخابات (4) ولا عيابات (5) ولا فحاشات (6) ومن كل العيوب والمكاره بريات. (وهم فيها خالدون) مقيمون في تلك البساتين والجنات. (7)


1) الرذل: الردئ من كل شئ. 2) ” جراحات ولا دخالات ولا حيالات ولا متغيرات ” أ. خراج ولاج: كثير الخروج والولوج. كثير الظرف والاحتيال. والمخافلة: المخادعة. 3) الفرك – بالضم -: خاصة ببغض الزوجين. 4) كذا في خ ل، وفى ” أ ” ضخامات، وفى ” ب، س، ط ” متخابات، والصخاب: الشديد الصياح. 5) ” عتابات ” ب، س، ط. 6) الفحش: القبيح من القول والفعل. 7) عنه تأويل الايات: 1 / 42 – 44 ح 15، 17، وقطع في البحار: 8 / 299 ح 53، و ج 17 / 216 ضمن ح 20 وج 67 / 18، وج 68 / 34 ح 71، وج 92 / 30 ضمن ح 33 والبرهان 1 / 68 ضمن ح 2. (*)

[ 204 ]

[ ما يدل على مؤاخذة الشيعة بمظالم العباد المؤمنين: ] 93 – [ قال: ] وقال على بن أبي طالب عليه السلام: يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا، وإن لم تكونوا بالله كافرين، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، فانه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله، ولم يفكه (1) منها إلا شفاعتنا، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن، فان عفا عنه شفعنا [ له ] وإلا طال في النار مكثه. (2) 94 – وقال على بن الحسين عليها السلام: معاشر شيعتنا أما الجنة فلن تفوتكم سريعا كان أو بطيئا، ولكن تنافسوا في الدرجات، واعلموا أن أرفعكم درجات، وأحسنكم قصورا ودورا وأبنية فيها: أحسنكم إيجابا لاخوانه المؤمنين، وأكثركم مواساة لفقرائهم (3). إن الله عزوجل ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة (4) يكلم بها أخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مائة ألف سنة تقدمه (5) وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا (6) الاحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم [ الله تعالى ] (7) حيث لا يقوم مقام ذلك شئ غيره. (8) قوله عزوجل: ” إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين امنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد


1) ” يكفه ” ب، ط، والبحار. كفه عن الامر: صرفة ومنعه. ويفكه: يخلصه. 2) عنه البحار: 75 / 315 ح 39، والبرهان: 1 / 69 ضمن ح 2. 3) ” لفقرائكم ” ب، ط. 4) ” بالكلمة الطيبة ” أ. 5) ” يقدمه ” ب، ط. ” بقدمه ” البحار. ” بقدومه ” البرهان. 6) ” تحقروا ” ب، س، ط. 7) من البحار. 8) عنه البحار: 74 / 308 ح 61، والبرهان: 1 / 69 ضمن ح 2. (*)

[ 205 ]

الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون ” 26 و 27 95 – [ قال الامام ] عليه السلام: قال الباقر عليه السلام: فلما قال الله تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثله) (1) وذكر الذباب في قوله: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا) الآية (2) ولما قال (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) (3). وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد نارا، وبالصيب من السماء. قالت الكفار والنواصب: وما هذا من الامثال فيضرب ؟ ! يريدون به الطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال الله: يا محمد (إن الله لا يستحي) لا يترك حياء (أن يضرب مثلا) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (ما بعوضة) (4) [ أي ] ما هو بعوضة المثل (فما فوقها) فوق البعوضة وهو الذباب، يضرب (5) به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم.


1 و 2) الحج: 73. 3) العنكبوت: 41. 4) قال المجلسي ره: لعله كان في قراءتهم عليهم السلام ” بعوضة ” بالرفع، كما قرئ به في الشواذ: قال البيضاوى بعد أن وجه قراءة النصب يكون كلمة ” ما ” مزيدة للتنكير والابهام أو للتأكيد: وقرئت بالرفع على أنه خبر مبتدأ [ محذوف ] وعلى هذا يحتمل ” ما ” وجوها أخر: أن تكون موصولة حذف صدر صلتها، أو موصوفة بصفة كذلك ومحلها النصب بالبدلية على الوجهين، واستفهامية هي المبتدأ (راجع: أنوار التنزيل: 1 / 123 – 125 والبحار: 24 / 392 – 393 وج 9 / 178). 5) ” فضرب ” أ. (*)

[ 206 ]

” فأما الذين آمنوا ” بالله وبولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي وآلهما الطيبين، وسلم (1) لرسول الله صلى الله عليه وآله وللائمة عليهم السلام أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم [ و ] لم يقابلهم في أمورهم، ولم يتعاط الدخول في أسرارهم، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا باذنهم (فيعلمون) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (أنه) المثل المضروب (الحق من ربهم) أراد به الحق وإبانته، والكشف عنه وإيضاحه. ” وأما الذين كفروا ” بمحمد صلى الله عليه وآله بمعارضتهم [ له ] (2) في علي بلم ؟ وكيف ؟ وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به (فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) يقول الذين كفروا: إن الله يضل بهذا المثل كثيرا ويهدي به كثيرا [ أي ] فلا معنى للمثل، لانه وإن نفع به من يهديه (3) فهو يضر به من يضل‍ [ – ه ] به. فرد الله تعالى عليهم قيلهم، فقال (وما يضل به) يعني ما يضل الله بالمثل (إلا الفاسقين) الجانين (4) على أنفسهم بترك تأمله، وبوضعه (5) على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه. (6) [ حديث صلة الرحم، وأن صلة رحم آل محمد صلى الله عليه وآله أوجب: ] 96 – ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته منهم، فقال عزوجل: (الذين ينقضون عهد الله) المأخوذ عليهم الله بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي بالامامة، ولشيعتهما بالمحبة (7) والكرامة (من بعد ميثاقه) إحكامه (8) وتغليظه.


1) كذا في الاصل والبحار، بلفظ المفرد – وكذا ما بعدها – والمراد الفرد من المؤمنين 2) من البحار: 92. 3) ” يهدى به ” أ. 4) ” الخائبين ” أ. 5) ” يوضعه ” أ. ” بوصفه ” ب، ط. وكلاهما تصحيف ما في المتن. 6) عنه البحار: 9 / 177 ح 5، وج 24 / 388 صدر ح 112، والبرهان: 1 / 70 صدر ح 2. 7) ” بالجنة ” أ، ب، ص، ط. 8) ” واحكامه ” ب، ط، والبرهان. (*)

[ 207 ]

(ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) من الارحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم. وأفضل رحم، وأوجبه حقا رحم محمد صلى الله عليه وآله فان حقهم بمحمد (1) صلى الله عليه وآله كما أن حق قرابات الانسان بأبيه وأمه، ومحمد صلى الله عليه وآله أعظم حقا من أبويه، وكذلك حق رحمه أعظم، وقطيعته [ أقطع ] وأفضع وأفضح. (ويفسدون في الارض) بالبراءة ممن فرض الله إمامته، واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (أولئك) أهل هذه الصفة (هم الخاسرون) خسروا أنفسهم لما صاروا إلى النيران، وحرموا الجنان، فيالها من خسارة ألزمتهم عذاب الابد، وحرمتهم نعيم الابد. [ قال: ] وقال الباقر عليه السلام: ألا ومن سلم لنا مالا يدريه، ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلا على أوضح المحجات، سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضا مالا [ يعلم قدرها هو، ولا ] يقادر (2) قدرها إلا خالقها وواهبها. [ الاو ] من ترك المراء والجدال واقتصر على التسليم لنا، وترك الاذى، حبسه الله على الصراط، فجاءته (3) الملائكة تجادله على أعماله، وتواقفه (4) على ذنوبه، فإذا النداء من قبل الله عزوجل: يا ملائكتي عبدي هذا لم يجادل، وسلم الامر لائمته، فلا تجادلوه، وسلموه في جناني إلى أئمته يكون متبجحا (5) فيها، بقربهم كما كان مسلما في الدنيا لهم.


1) ” لمحمد ” أ. 2) ” يقدر ” أ. قادره: قايسه وفعل مثل فعله. 3) ” فإذا حبسه الله على الصراط جاءته ” أ، س، والبرهان. 4) واقفه مواقفة: وقف معه في حرب أو خصومة. 5) ” منيخا ” أ، والبحار. بجح: فخر. وأناخ فلان بالمكان: أقام به. (*)

[ 208 ]

واما من عارضنا (1) بلم ؟ وكيف ؟ ونقض الجملة بالتفصيل، قالت له الملائكة على الصراط: واقفنا يا عبد الله، وجادلنا على أعمالك كما جادلت [ أنت ] في الدنيا الحاكين (2) لك [ عن ] أئمتك. فيأتيهم النداء: صدقتم، بما عامل فعاملوه، ألا فواقفوه. فيواقف ويطول حسابه ويشتد في ذلك الحساب عذابه، فما أعظم هناك ندامته، وأشد حسراته، لا ينجيه هناك إلا رحمة الله – إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه – وإلا فهو في النار أبدا الآباد (3). [ و ] قال الباقر عليه السلام: ويقال للموفي بعهوده – في الدنيا في نذوره وإيمانه ومواعيده -: يا أيتها الملائكة وفى هذا العبد في الدنيا بعهوده، فأوفوا له ههنا بما وعدناه، وسامحوه، ولا تناقشوه. فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان. وأما من قطع رحمه، فان كان وصل رحم محمد صلى الله عليه وآله و [ قد ] قطع رحم نفسه شفع أرحام محمد صلى الله عليه وآله [ له ] إلى رحمه، وقالوا [ له ]: لك من حسناتنا وطاعاتنا ما شئت، فاعف عنه. فيعطونه منها ما يشاء، فيعفو عنه، ويعطي الله المعطين ما ينفعهم (4) ولا ينقصهم. وان [ كان ] وصل أرحام نفسه، وقطع أرحام محمد صلى الله عليه وآله بأن جحد حقوقهم ودفعهم عن واجبهم، وسمى غيرهم بأسمائهم، ولقب غيرهم بألقابهم، ونبز (5) بالالقاب القبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم. قيل له: يا عبد الله اكتسبت عداوة آل محمد الطهر (6) أئمتك، لصداقة هؤلاء


1) ” عارض ” ب، س، ط، والبحار. وفى ” أ “: بكم بدل ” بلم “. 2) ” الحاكمين ” أ، ص والبحار. 3) ” الابد ” أ. ” الابدين ” البحار، والبرهان. والمعنى واحد. 4) ” ويعوض الله المعطين ” ب، س، ط، والبحار. 5) ” نبذ ” ص. النبز – بالتحريك: – اللقب، وكأنه يكثر فيما كان ذما. (النهاية: 5 / 8). ونبذ الشى: طرحه ورمى به. 6) ” الطهراء ” ب، س، ط، والبحار. (*)

[ 209 ]

فاستعن بهم الآن ليعينوك، فلا يجد معينا ولا مغينا، ويصير إلى العذاب الاليم المهين. قال الباقر عليه السلام: ومن سمانا بأسمائنا ولقبنا بألقابنا ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ولم يلقبهم بألقابنا إلا عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن، ونلقب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا، فان الله عزوجل يقول لنا يوم القيامة: اقترحوا لاوليائكم هؤلاء ما تعينونهم (1) به. فنقترح لهم على الله عزوجل ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات والارض، فيعطيهم الله تعالى إياه، ويضاعفه لهم [ أضعافا ] مضاعفات. فقيل للباقر عليه السلام: فان بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي عليه السلام وأن ما فوقها – وهو الذباب – محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال الباقر عليه السلام: سمع هؤلاء شيئا [ و ] لم يضعوه على وجهه. إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاعدا ذات يوم هو وعلي عليه السلام إذ سمع قائلا يقول: ما شاء الله وشاء محمد، وسمع آخر يقول: ما شاء الله، وشاء علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقرنوا محمدا و [ لا ] عليا بالله عزوجل ولكن قولوا: ما شاء الله ثم [ شاء محمد ما شاء الله ثم ] (2) شاء علي. إن مشية الله هي القاهرة التي لا تساوى، ولا تكافأ ولا تدانى. وما محمد رسول الله في [ دين ] (3) الله وفي قدرته إلا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة. وما على عليه السلام في [ دين ] الله وفي قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه الممالك. مع أن فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي (4) به فضله على


1) ” تغنونهم ” البحار. 2) ” ما شاء محمد ثم ما شاء على ثم ما شاء محمد ما شاء الله ثم ما ” البحار. شاء محمد ثم ” البرهان. 3) أي الملك والحكم. 4) أي يقصر عنه ولا يوازيه. ” ما يفئ ” أ، ب، ط. (*)

[ 210 ]

جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره. هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة). (1) قوله عزوجل: ” كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ” 28 97 – قال الامام عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لكفار قريش واليهود: (كيف تكفرون بالله) الذي دلكم على طرق الهدى، وجنبكم إن أطعتموه سبل (2) الردى. (وكنتم أمواتا) في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم. (فأحياكم) أخرجكم أحياء (ثم يميتكم) في هذه الدنيا ويقبركم. (ثم يحييكم) في القبور، وينعم فيها المؤمنين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية علي عليه السلام، ويعذب فيها الكافرين بهما. (ثم إليه ترجعون) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد، ثم تحيوا (3) للبعث يوم القيامة، ترجعون إلى ما وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها. (4) [ حديث نعيم القبر وعذابه، ورؤية المحتضر للائمة عليهم السلام: ] 98 – فقيل له: يا ابن رسول الله (5) ففي القبر نعيم، وعذاب ؟


1) عنه البحار: 24 / 389 ضمن ح 112، والبرهان: 1 / 71 ضمن ح 2، ومستدرك الوسائل: 3 / 60 ح 4 (قطعة). 2) ” سبيل ” أ، ط. 3) ” تجيئوا ” ب، ط. 4) عنه البحار: 6 / 236 صدر ح 54، والبرهان: 1 / 72 ح 1. 5) ” يا رسول الله ” ب، ط. (*)

[ 211 ]

قال: إي، والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق نبيا، وجعله زكيا هاديا، مهديا. وجعل أخاه عليا بالعهد وفيا، وبالحق مليا ولدى الله مرضيا، وإلى الجهاد سابقا، ولله في أحواله موافقا، وللمكارم حائزا، وبنصر الله على أعدائه فائزا، وللعلوم حاويا، ولاولياء الله (1) مواليا، ولاعدائه مناويا (2) وبالخيرات ناهضا، وللقبائح رافضا وللشيطان مخزيا، وللفسقة المردة مقصيا (3) ولمحمد صلى الله عليه وآله نفسا، وبين يديه لدى المكاره ترسا وجنة. آمنت به أنا، وأبي (4) علي بن أبي طالب عليه السلام، عبد رب الارباب، المفضل على أولي الالباب الحاوي لعلوم الكتاب، زين من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمد صلى الله عليه وآله صفي الكريم العزيز الوهاب إن في القبر نعيما يوفر الله به حظوظ أوليائه وإن في القبر عذابا يشدد الله به على أعدائه. ان المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين، المتخد لعلي بعد محمد صلى الله عليه وآله إمامه الذي يحتذي مثاله، وسيده الذي يصدق أقواله، ويصوب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لامور الدين وسياسته، إذا حضره من [ أمر ] الله تعالى مالا يرد، ونزل به من قضائه مالا يصد، وحضره ملك الموت وأعوانه، وجد عند رأسه محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله [ سيد النبيين ] من جانب، ومن جانب آخر عليا عليه السلام سيد الوصيين، وعند رجليه من جانب الحسن عليه السلام سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين عليه السلام سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم الذين هم سادة هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد فينظر إليهم


1) ” لاوليائه ” ب، ط. 2) ” معاديا ” أ. 3) ” مغضبا ” أ. 4) ” أخى ” ب، س، ص، ط. باعتبار أن المتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله كما أشرنا في صدر الحديث. وهو تصحيف ظاهرا. (*)

[ 212 ]

العليل المؤمن، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا عن عيونهم، ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم فيه. فيقول المؤمن: بأبي أنت وأمي يا رسول رب العزة، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول [ رب ] الرحمة، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد وضرغاميه، و [ يا ] ولديه وسبطيه، و [ يا ] سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان. مرحبا بكم [ يا ] معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما (1) ماكان أعظم شوقي إليكم ! وما أشد سروري الآن بلقائكم ! يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره (2) لمكانك ومكان أخيك مني. فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله: كذلك هو. ثم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ملك الموت فيقول: يا ملك الموت استوص بوصية الله في الاحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا. فيقول [ له ] ملك الموت: يا رسول الله مره أن ينظر إلى ما قد أعد [ الله ] (3) له في الجنان. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنظر إلى العلو. فينظر (4) إلى مالا تحيط به الالباب ولا يأتي عليه العدد والحساب. فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمد وعترته (5) زواره ؟ يا رسول الله لو لا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من


1) ” ولديه ” أ، والتأويل. 2) ” صدري ” أ. وهو تصحيف. 3) من البحار. 4) ” وينظر إلى العلو ” أ، س، وفى ” ب، ص، ط ” بلفظ: انظر. فينظر إلى العلو، وينظر. 5) ” أعزته ” ب، س، ص، ط. (*)

[ 213 ]

قطعها، لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالى. ثم يقول محمد صلى الله عليه وآله: يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا. ثم يرتفع هو ومن معه إلى ربض (1) الجنان، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه. فيقول: يا ملك الموت الوحا، الوحا (2) تناول روحي ولا تلبثني ههنا، فلا صبر لي عن محمد وعترته (3) وألحقني بهم. فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها، كما يسل الشعرة من الدقيق، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس في شدة، بل هو في رخاء ولذة. فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك، فإذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للاخر: هذا محمد، و [ هذا ] علي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع (4) لهم. فيأتيان ويسلمان على محمد صلى الله عليه وآله سلاما [ تاما ] منفردا، ثم يسلمان على علي سلاما تاما منفردا، ثم يسلمان على الحسن والحسين سلاما يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا. ثم يقولان: قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك، ولو لا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه – ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم – لما سألناه، ولكن أمر الله لابد من امتثاله. ثم يسألانه فيقولان: من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن إمامك ؟ وما قبلتك (5) ؟


1) ” رياض ” خ ل. الربض – بالضم: – وسط الشئ. وبالتحريك: نواحيه. 2) بالمد والقصر: السرعة، السرعة، 3) ” أعزته ” أ، س، ص، والبحار: 6. 4) أي فلنتذلل ولنتخشع. 5) زاد في البحار: ومن شيعتك. (*)

[ 214 ]

ومن إخوانك ؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي ؟ ؟، وعلي وصي محمد (1) إمامي، والكعبة قبلتي والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي [ وآلهما ] (2) وأوليائهما، والمعادون لاعدائهما إخواني. [ و ] أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للامامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الامة (3) وولاة الحق، والقوامون بالعدل (4). فيقول: على هذا حييت، وعلى هذا مت، وعلى هذا تبعث إن شاء الله تعالى، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وإن كان لاوليائنا معاديا، ولاعدائنا مواليا، ولاضدادنا بألقابنا ملقبا، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه. مثل الله عزوجل لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أربابا من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل (5) إليه من حر عذابهم مالا طاقة له به. فيقول له ملك الموت: [ يا ] أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى (6) أعدائه فاليوم لا يغنون عنك شيئا، ولا تجد إلى مناص سبيلا. فيرد (7) عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لاهلكهم. ثم إذا أدلي في قبره رأى بابا من الجنة مفتوحا إلى قبره يرى منه خيراتها، فيقول


1) ” وصيه ” أ. 2) من البحار. 3) ” الائمة ” أ، ص. 4) ” بالصدق ” أ، ص. ” بالقسط ” خ ل. 5) ” يوصل الله ” أ. 6) ” وجئت إلى ” أ. 7) ” فيزاد ” أ. (*)

[ 215 ]

[ له ] منكر ونكير: انظر إلى ما حرمته من [ تلك ] الخيرات. ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه (1) [ من ] عذابها. فيقول: يا رب لا تقم الساعة [ يا رب ] لا تقم الساعة. (2) قوله عزوجل: ” هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم “: 29. 99 – [ قال الامام عليه السلام: ] قال أمير المؤمنين عليه السلام: (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) خلق لكم [ ما في الارض جميعا ] (3) لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه، وتتوقوا [ به ] من عذاب نيرانه. ” ثم استوى إلى السماء ” أخذ في خلقها وإتقانها (فسويهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم) ولعلمه بكل شئ علم المصالح (4) فخلق لكم [ كل ] ما في الارض لمصالحكم يا بني آدم. (5) قوله عزوجل: ” واذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى اعلم مالا تعلمون وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم. قال يا ادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم


1) ” من ذلك الباب ” أ. 2) عنه المحتضر: 20، وتأويل الايات: 2 / 644 ح 10، والبحار: 6 / 173 ح 1، وص 236 / 54 (قطعة)، ومدينة المعاجز: 186 ح 512. 3) من البحار. 4) ” الصالح ” ص. 5) عنه البحار: 3 / 40 ح 14، وعن عيون الاخبار. 2 / 12 ح 29 باسناده عن ابن القاسم المفسر، عن يوسف بن محمد. وأخرجه في البرهان: 1 / 72 ح 1 عن العيون. (*)

[ 216 ]

بأسمائهم قال ألم أقل لكم انى أعلم غيب السموات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ” 30 – 9 100 – قال الامام عليه السلام: لما قيل لهم (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) الآية، قالوا: متى كان هذا ؟ فقال الله عزوجل (1) – حين قال ربك للملائكة الذين كانوا في الارض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن بني الجان، وخفت (2) العبادة: – (إني جاعل في الارض خليفة) بدلا منكم ورافعكم منها فاشتد ذلك عليهم لان العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم. (فقالوا) ربنا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعلته الجن بنو الجان الذين قد طردناهم عن هذه الارض (ونحن نسبح بحمدك) ننزهك عما لا يليق بك من الصفات (ونقدس لك) نطهر أرضك ممن يعصيك. قال الله تعالى: (إني أعلم مالا تعلمون) إني أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلا منكم مالا تعلمون. وأعلم أيضا أن فيكم من هو كافر في باطنه [ ما ] لا تعلمون‍ [ ه ] – وهو إبليس لعنه الله -.


1) ” قال الله عزوجل ” واذ قال ربك ” ابدائى هذا الخلق لكم ما في الارض جميعا ” ب، س، ص، ط. قال البيضاوى في تفسيره: 1 / 134 عند تفسيره هذه الاية: وأما قوله تعالى ” واذكر أخا عاد. ” ونحوه فعلى تأويل: اذكر الحادث إذ كان كذا، فحذف الحادث واقيم الظرف مقامه، وعامله في الاية قالوا، أو اذكر على التأويل المذكور لانه جاء معمولا له صريحا في القرآن كثيرا أو مضمرا دل عليه مضمون الاية المتقدمة مثل ” وبدا خلقكم إذا قال ” وعلى هذا فالجملة معطوفة على ” خلق لكم ” داخلة في حكم الصلة. 2) ” حقت ” أ. (*)

[ 217 ]

ثم قال: (وعلم آدم الاسماء كلها) أسماء أنبياء الله، وأسماء محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبين من آلهما وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم (ثم عرضهم – عرض محمدا وعليا والائمة – على الملائكة) أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الاظلة. (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) أن جميعكم تسبحون وتقدسون وأن ترككم ههنا أصلح من إيراد من بعدكم (1) أي فكما لم تعرفوا غيب من [ في ] خلالكم فالحري (2) أن لا تعرفوا الغيب الذي لم يكن، كما لا تعرفون أسماء أشخاص ترونها. قالت الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) [ العليم ] بكل شئ، الحكيم المصيب في كل فعل. قال الله عزوجل: (يا آدم) أنبئ هؤلاء الملائكة بأسمائهم: أسماء الانبياء والائمة فلما أنبأهم فعرفوها أخذ عليهم (3) العهد، والميثاق بالايمان بهم، والتفضيل لهم. قال الله تعالى عند ذلك: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والارض – سرهما – وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) [ و ] ماكان يعتقده إبليس من الاباء على آدم إن أمر بطاعته، وإهلاكه إن سلط (4) عليه. ومن أعتقادكم أنه لا أحد يأتي بعدكم إلا وأنتم أفضل منه. بل محمد وآله الطيبون أفضل منكم، الذين أنباكم آدم بأسمائهم. (5) قوله عزوجل: ” واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس أبى


1) ” أبرار من بعدكم ” ب، ط. وفى ” ص ” ايرادهم بدل ” ايراد “. 2) أي فالاجدر 3) ” لهم ” ب، ص، ط. 4) ” تسلط ” أ. 5) عنه البرهان: 1 / 73 ح 1. (*)

[ 218 ]

واستكبر وكان من الكافرين: ” 34 101 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: كان خلق الله لكم ما في الارض جميعا (إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) أي في ذلك الوقت خلق لكم. قال عليه السلام: ولما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه، وحملوا رأسه قال لعسكره: أنتم من بيعتي في حل، فالحقوا بعشائركم ومواليكم. وقال لاهل بيته: قد جعلتكم في حل من مفارقتي، فانكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري، فدعوني والقوم، فان الله عزوجل يعينني ولا يخليني من [ حسن ] نظره، كعادته في أسلافنا الطيبين. فأما عسكره ففارقوه. وأما أهله [ و ] الادنون من أقربائه فأبوا، وقالوا: لا نفارقك، ويحل بنا ما يحل بك، ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنا أقرب ما نكون (1) إلى الله إذا كنا معك. فقال لهم: فان كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه، فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده [ لصبرهم ] باحتمال المكاره. وأن الله وإن كان خصني – مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا – (2) من الكرامات (3) بما يسهل معها علي احتمال الكريهات (4) فان لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى.


1) ” يكون ” الاصل. وما في المتن كما في البحار. 2) اشارة إلى أنه عليه السلام خامس أهل الكساء، وآخر من يستشهد منهم عليهم السلام. 3) ” المكرمات ” ب، ط. الكرامة: أمر خارق للعادة. والمكرمة – بالراء المضمومة -: فعل الكرم. 4) ” المكروهات ” البحار. الكريهة: الشدة في الحرب، الداهية. والمكروهة: الشدة. (*)

[ 219 ]

واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقي من شقى فيها أولا أحدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ومحبينا، والمعتصمين بنا (1) ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون (2) ؟ قالوا: بلى يابن رسول الله. [ سجود الملائكة لادم عليه السلام، ومعناه: ] قال: إن الله تعالى لما خلق آدم، وسواه، وعلمه أسماء كل شئ وعرضهم على الملائكة، جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أشباحا خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضئ في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، تعظيما له أنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الاشباح التي قد عم أنوارها الآفاق. فسجدوا [ لادم ] إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لانوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلها واستكبر، وترفع، وكان بابائه ذلك وتكبره من الكافرين. (3) 102 – وقال على بن الحسين عليهما السلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله [ قال: ] قال: يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه، إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور، ولم يتبين (4) الاشباح. فقال: يا رب ما هذه الانوار ؟


1) ” المتعصبين لنا ” س، ص، ق، د. 2) ” مقرون ” البحار: 11. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 44 ح 18 (قطعة) والبحار: 11 / 149 صدر ح 25، وج 45 / 90 ح 29 قطعة، وج 26 / 326 صدر ح 10. 4) تبين الشئ: تأمله وتعرفه. (*)

[ 220 ]

قال الله عزوجل: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاء لتلك الاشباح. فقال آدم: يا رب لو بينتها لي ؟ فقال الله عزوجل: انظر يا آدم إلى ذروة العرش. فنظر آدم، ووقع (1) نور أشباحنا من (2) ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور (3) أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأي أشباحنا. فقال: يا رب ما هذه الاشباح ؟ قال الله تعالى: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي: هذا محمد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسما من اسمي. وهذا علي، وأنا العلي العظيم، شققت له اسما من اسمي. وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والارض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعرهم ويسيئهم (4) فشققت لها اسما من اسمي. وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن [ و ] المجمل شققت اسميهما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ، وبهم أعطي، وبهم أعاقب، وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم. يا آدم، وإذا دهتك داهية، فاجعلهم إلي شفعاءك، فاني آليت على نفسي قسما حقا [ أن ] لا أخيب بهم آملا، ولا أرد بهم سائلا.


1) ” واقع ” أ، وينابيع المودة. ” رفع ” ط، والتأويل. واقع الامور: دانا وباشرها. وقع الحق: ثبت. 2) ” في ” أ. 3) ” صورة ” ب، ط. 4) ” يغربهم ويشينهم ” التأويل. ” يعتريهم ويشينهم ” البحار. وفى ” ب، س، ص، ط، ق، د ” يشينهم بدل ” يسيئهم “. عره عرا: ساءه. وشأنه يشينه شينا: ضد زانه. (*)

[ 221 ]

فذلك حين زلت منه الخطيئة، دعا الله عزوجل بهم، فتاب عليه وغفر له. (1) قوله عزوجل: ” وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلامنها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين. فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم. قلنا اهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك أصحاب النارهم فيها خالدون “: 35 – 39. 103 – قال الامام عليه السلام: إن الله عزوجل لما لعن إبليس بابائه، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم، وطاعتهم لله عزوجل أمر بآدم وحواء إلى الجنة وقال: (يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلامنها) من الجنة (رغدا) واسعا (حيث شئتما) بلا تعب. [ الشجرة التى نهى الله عنها، وأنها شجرة علم محمد صلى الله عليه وآله: ] (ولا تقربا هذه الشجرة) [ شجرة العلم ] شجرة علم محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله الذين آثرهم الله عزوجل بها دون سائر خلقه. فقال الله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) شجرة العلم فانها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم، ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم، ومنها ماكان يتناوله النبي صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (2) صلوات الله عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين واليتيم والاسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب. وهى شجرة تميزت من بين أشجار الجنة. إن سائر أشجار الجنة [ كان ] كل نوع منه يحمل نوعا من الثمار والمأكول


1) عنه تأويل الايات: 1 / 44 ح 19، والبحار: 11 / 150 ضمن ح 25، وج 26 / 337 ضمن ح 10، والبرهان: 1 / 88 ح 13، وينابيع المودة: 97. 2) ” والحسنين ” ب، ط. (*)

[ 222 ]

وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والاطعمة. فلذلك اختلف الحاكون التلك (1) الشجرة، فقال بعضهم: هي برة. وقال آخرون: هي عنبة. وقال آخرون: هي تينة. وقال آخرون: هي عنابة. قال الله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) تلتمسان بذلك درجة محمد [ وآل محمد ] في (2) فضلهم، فان الله تعالى خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم، وهي الشجرة التي من تناول منها باذن الله عزوجل ألهم علم الاولين والآخرين من غير تعلم، ومن تناول [ منها ] بغير إذن الله خاب من مراده وعصى ربه (فتكونا من الظالمين) بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غير كما إذا أردتماها (3) بغير حكم الله. (4) [ وسوسة الشيطان، وارتكاب المعصية: ] 104 – قال الله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها) عن الجنة بوسوسته وخديعته وإيهامه [ وعداوته ] وغروره، بأن بدأ بآدم فقال: (ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) إن تناولتما منها تعلمان الغيب، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة (أو تكونا من الخالدين) لا تموتان أبدا. (وقاسمهما) حلف لهما (إني لكما لمن الناصحين) (5) [ الصالحين ]. وكان إبليس بين لحيي (6) الحية أدخلته الجنة، وكان آدم يظن أن الحية هي


1) ” لذكر ” أ، س، ص، ق، د، التأويل والبرهان. ” بذكر ” البحار. 2) ” و ” البرهان. 3) ” إذا رمتما ” ب، ص، ط، ق، د والبحار. ” كما أردتما ” التأويل. 4) عنه تأويل الايات: 1 / 45 ح 20، والبحار: 11 / 189 صدر ح 46، وج 8 / 179 ح 135 (قطعة)، والبرهان: 1 / 79 صدر ح 1. 5) الاعراف: 20، 21. 6) ” لحيتى ” أ، وكذا بعدها. واللحى: عظم الحنك. واللحيان: العظمان اللذان تنبت اللحية على بشرتهما. (*)

[ 223 ]

التي تخاطبه، ولم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين لحييها. فرد آدم على الحية: أيتها الحية هذا من غرور إبليس لعنه الله كيف يخوننا ربنا ؟ أم كيف تعظمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر، وهو أكرم الاكرمين ؟ أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عزوجل، وأتعاطاه (1) بغير حكمة ؟ فلما أيس إبليس من قبول آدم منه، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها، وقال: يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عزوجل حرمها عليكما، قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له، وتوقيركما إياه ؟ وذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة – الذين (2) معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوان الجنة – لا تدفعك عنها إن رمتها (3) فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك، وابشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه، الآمرة الناهية فوقه. فقالت حواء: سوف أجرب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها (4) عنها بحرابها. فأوحى الله تعالى إليها (5): إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره، فأما من جعلته ممكنا مميزا مختارا، فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجة عليه، فان أطاع استحق ثوابي، وإن عصى وخالف [ أمري ] استحق عقابي وجزائي. فتركوها ولم يتعرضوا لها، بعد ما هموا بمنعها بحرابهم. فظنت أن الله نهاهم عن منعها لانه قد أحلها بعد ما حرمها.


1) ” أو نعاطي ” أ. 2) كذا في المستدرك، وفى الاصل: التى. 3) رام الشئ: أراده. وفى البحار بلفظ ” لا يدفعونكما عنها ان رمتما فاعلما بذلك “. 4) ” تمنعها ” أ. 5) أي إلى الملائكة. (*)

[ 224 ]

فقالت: صدقت الحية، وظنت أن المخاطب لها هي الحية، فتناولت منها ولم تنكر (1) من نفسها شيئا. فقالت لادم: ألم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا ؟ تناولت منها فلم تمنعني أملاكها، ولم أنكر شيئا من حالي (2). (فذلك حين) (3) أغتر آدم وغلط فتناول، فأصابهما [ ما ] قال الله تعالى في كتابه: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما) بوسوسته وغروره (مما كانا فيه) من النعيم (4) (وقلنا) يا آدم وياحواء ويا أيتها الحية ويا إبليس (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) آدم وحواء وولدهما عدو للحية، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤكم (ولكم في الارض مستقر) منزل ومقر للمعاش (ومتاع) منفعة (إلى حين) الموت (5) 105 – قال الله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات) يقولها، فقالها (فتاب) الله (عليه – بها – إنه هو التواب الرحيم) [ التواب ] القابل للتوبات، الرحيم بالتائبين (قلنا اهبطوا منها جميعا) كان أمر في الاول أن يهبطا، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا، لا يتقدم أحدهم الآخر. والهبوط إنما كان (6) هبوط آدم وحواء من الجنة، وهبوط الحية أيضا منها فانها كانت من أحسن دوابها، وهبوط إبليس من حواليها، فانه كان محرما عليه دخول الجنة. (فاما يأتينكم مني هدى) يأتيكم (7) – وأودلاكم من بعدكم – مني هدى.


1) تنكر الرجل: تغير عن حال تسره إلى حال يكرهها. 2) ” ذلك ” ب س، ص، ط، ق، د والبرهان. 3) ” فلذلك حين ” أ. ” فلذلك ” البحار. 4) ” النعم ” ب، ط. 5) عنه البحار: 11 / 190 ضمن ح 47، والبرهان: 1 / 79 ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 286 ح 7. 6) ” هو ” أ. 7) ” يأتينكم ” أ، ص. (*)

[ 225 ]

يا آدم ويا إبليس (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولاهم يحزنون إذا يحزنون. [ توسل آدم عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وآله وقبول توبته بهم عليهم السلام: ] قال عليه السلام: فلما زلت من آدم الخطيئة، واعتذر إلى ربه عزوجل، قال (1): يا رب تب علي، واقبل معذرتي، وأعدني إلى مرتبتي، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص (2) الخطيئة وذلها في أعضائي وسائر بدني. قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل [ التي ] (3) تبهظك ؟ قال آدم: يا رب بلى. قال الله عزوجل (له: فتوسل بمحمد) (4) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا، فادعني أجبك إلى ملتمسك، وأزدك فوق مرادك. فقال آدم: يا رب، يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل [ إليك ] بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك، وأبحته (5) جنتك وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرام ملائكتك ! قال الله تعالى: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك [ و ] بالسجود [ لك ] إذ كنت وعاءا لهذه الانوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منه لكنت قد جعلت (6) ذلك. ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، فالآن فبهم فادعني لاجبك.


1) ” وقال ” البحار. 2) ” بعض ” الاصل. وما في المتن من التأويل والبحار والبرهان. 3) من البحار. بهظه الامر: أثقله وسبب له مشقة. وفى ” أ ” النوازل ينهضك، وهو تصحيف. 4) ” فهم محمد ” أ، س. 5) ” والجنة ” أ، واستظهرها: اسكنته. 6) ” فعلت ” التأويل والبرهان. (*)

[ 226 ]

فعند ذلك قال آدم: ” اللهم [ بجاه محمد وآله الطيبين ] (1) بجاه محمد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت [ علي ] بقبول توبتي وغفران زلتي (2) وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي “. فقال الله عزوجل: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عزوجل: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) (3). 106 – ثم قال عزوجل: للذين أهبطهم – من آدم وحواء وإبليس والحية -: (ولكم في الارض مستقر) مقام فيها تعيشون، وتحثكم لياليها وأيامها إلى السعي للاخرة، فطوبى لمن (تزود منها) (4) لدار البقاء (ومتاع إلى حين) لكم في الارض منفعة إلى حين موتكم، لان الله تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم، وبها ينزهكم وينعمكم، وفيها أيضا بالبلايا (5) يمتحنكم. يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكركم (6) نعيم الآخرة الخالص، مما ينقص (7) نعيم الدنيا ويبطله، ويزهد فيه ويصغره ويحقره. ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي [ قد ] تكون في خلالها (الرحمات، وفي تضاعيفها


1) من التأويل والبحار والبرهان. 2) ” خطيئتي ” البرهان. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 46 ح 21، والبحار: 11 / 191 ضمن ح 47، والبرهان: 1 / 87 صدر ح 12، وغاية المرام: 394 صدر ح 7. 4) ” تروضها ” أ. ” يروضها ” س، ص، ق، د، والبحار. راض يروض روضا ورياضة المهر: ذلله وطوعه وعلمه السير. 5) ” بالبلاء ” ب، ط. 6) ” لتذكروا ” ب، س، ص، ط، ق، د، والبحار. 7) ” ينغص ” ق، د. (*)

[ 227 ]

النعم التي) (1)، تدفع عن المبتلى بها مكارهها ليحذركم بذلك عذاب (2) الابد الذي لا يشوبه عافية، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة. ” فتلقى آدم ” قد فسر. ” وقلنا اهبطوا ” قد فسر. ثم قال الله عزوجل: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا): الدالات على صدق محمد صلى الله عليه وآله على ما جاء به من أخبار القرون السالفة، وعلى ما أداه إلى عباد الله من ذكر تفضيله لعلي عليه السلام وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات بعد محمد سيد البريات (اولئك) الدافعون لصدق محمد في إنبائه [ والمكذبون له في نصبه (3) لاوليائه ] علي سيد الاوصياء، والمنتجبين من ذريته الطيبين الطاهرين (أصحاب النارهم فيها خالدون). (4) قوله عزوجل: ” يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم واياى فارهبون “: 40 107 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (يا بني إسرائيل) ولد (5) يعقوب إسرائيل الله (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) لما بعثت محمدا صلى الله عليه وآله، وأقررته في مدينتكم، ولم أجشمكم الحط والترحال إليه، وأوضحت علاماته ودلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله. (وأوفوا بعهدي) الذي أخذته على أسلافكم، أنبياؤهم (6) وأمروهم (7) أن يؤدوه


1) ” الزحمات وفي تضاعيفها النقمات المجحفة ” الاصل – والظاهر أنها تصحيف بقرينة العبارة اللاحقة. وما في المتن كما في البحار. 2) ” عقاب ” أ. 3) ” تصديقه ” ص، البحار. 4) عنه البحار: 11 / 192 ضمن ح 47 إلى قوله ” الطيبين الطاهرين “، والبرهان: 1 / 88 ذ ح 12، وغاية المرام: 394 ح 7 إلى قوله ” راحة ولا رحمة “. 5) ” أولاد ” ب، س، ص، ق، د، ط. 6) ” أنبياؤكم ” البحار: 9. 7) ” وأمرهم ” أ. (*)

[ 228 ]

إلى أخلافهم ليؤمنوا بمحمد العربي [ القرشي ] الهاشمي، المبان بالآيات، والمؤيد بالمعجزات التي منها: أن كلمته ذراع مسمومة، وناطقه ذئب، وحن إليه عود المنبر وكثر الله له القليل من الطعام، وألان له الصلب (1) من الاحجار، وصلب له المياه السيالة (2) ولم يؤيد نبيا من أنبيائه بدلالة إلا جعل له مثلها أو أفضل منها. والذى جعل من أكبر آياته علي بن أبي طالب عليه السلام شقيقه ورفيقه، عقله من عقله، وعلمه من علمه، [ وحكمه من حكمه ] وحلمه من حلمه، مؤيد دينه بسيفه الباتر بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر، وعلمه الفاضل، وفضله الكامل. (أوف بعهدكم) الذي أوجبت به لكم نعيم الابد في دار الكرامة ومستقر الرحمة. (وإياي فارهبون) في مخالفة محمد صلى الله عليه وآله، فاني القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي، وهم لا يقدرون على صرف انتقامي عنكم إذا آثرتم مخالفتي. (3) قوله عزوجل: ” وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا واياى فاتقون “: 41 108 – قال الامام عليه السلام: [ ثم ] قال الله عزوجل لليهود: (وآمنوا) أيها اليهود (بما أنزلت) على محمد [ نبيي ] من ذكر نبوته، وإنباء إمامة أخيه علي عليه السلام وعترته [ الطيبين ] الطاهرين (مصدقا لما معكم) فان مثل هذا الذكر (4) في كتابكم أن محمدا النبي سيد الاولين والآخرين، المؤيد بسيد الوصيين وخليفة رسول رب العالمين فاروق هذه الامة، وباب مدينة الحكمة، ووصي رسول [ رب ] (5) الرحمة. (ولا تشتروا بآياتي) المنزلة لنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وإمامة علي عليه السلام، والطيبين


1) ” الصلد ” أ. صلدت الارض: صلبت. 2) ” السائلة ” س. السيال: الشديد السيل. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 50 ح 25، البحار: 9 / 178 صدر ح 6، ج 26 / 287 ح 47 والبرهان: 1 / 90 ح 1. 4) ” لذكر ” أ. 5) من التأويل والبحار. (*)

[ 229 ]

من عترته (ثمنا قليلا) بأن تجحدوا نبوة النبي [ محمد ] صلى الله عليه وآله وإمامة الامام [ علي ] عليه السلام [ وآلهما ] وتعتاضوا عنها عرض (1) الدنيا، فان ذلك وإن كثر فالى نفاد وخسار وبوار. ثم قال الله عزوجل: (وإياي فاتقون) في كتمان أمر محمد صلى الله عليه وآله وأمر وصيه عليه السلام. فانكم إن تتقوا لم تقدحوا في نبوة النبي ولا في وصية الوصي، بل حجج الله عليكم قائمة، وبراهينه بذلك واضحة، قد قطعت معاذيركم، وأبطلت تمويهكم. وهؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وآله وخانوه، وقالوا: نحن نعلم أن محمدا نبي، وأن عليا وصيه، ولكن لست أنت ذاك ولا هذا – يشيرون إلى علي عليه السلام – فأنطق الله تعالى ثيابهم التي عليهم، وخفافهم التي في أرجلهم، يقول كل واحد منها للابسه: كذبت يا عدو الله، بل النبي محمد صلى الله عليه وآله هذا، والوصي علي هذا، ولو أذن الله (2) لنا لضغطناكم وعقرناكم وقتلناكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل يمهلهم لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات طيبات مؤمنات. ولو تزيلوا (3) لعذب [ الله ] (4) هؤلاء عذابا أليما، إنما يعجل من يخاف الفوت (5) قوله عزوجل: ” ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين. أتأمرون الناس بالبر


1) العرض – بالفتح -: اسم لما لادوام له. حطام الدنيا. 2) ” أذنا ” أ. ” أذن ” البحار: 9. 3) ” يزيلوا ” أ. وتزايلوا: تفرقوا. أي لو تميزت ذرياتهم المؤمنات عن أصلابهم لعذبهم الله. 4) من التأويل والبحار: 24. 5) عنه تأويل الايات: 1 / 51 ح 26، البحار: 9 / 179 ضمن ح 6، وج 24 / 393 ح 113، وج 69 / 341 (قطعة)، وج 70 / 267 (قطعة) والبرهان: 1 / 91 ح 1. (*)

[ 230 ]

وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون. واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين. الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين. واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم “: 42 – 49 109 – قال الامام عليه السلام: خاطب الله بها قوما من اليهود لبسوا (1) الحق بالباطل بأن زعموا أن محمدا صلى الله عليه وآله نبي، وأن عليا وصي، ولكنهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أترضون التوراة بيني وبينكم حكما ؟ قالوا: بلى. فجاؤا بها، وجعلوا يقرأون منها خلاف ما فيها، فقلب الله عزوجل الطومار الذي كانوا منه يقرأون، وهو في يد قراءين (2) منهم، مع أحدهما أوله، ومع الآخر آخره فانقلب ثعبانا، له رأسان، [ و ] تناول كل رأس منهما يمين من هو في يده، وجعل يرضضه ويهشمه، ويصيح الرجلان ويصرخان. وكانت هناك طوامير أخر فنطقت وقالت: لا تزالان في هذا العذاب حتى تقرءا ما فيها من صفة محمد صلى الله عليه وآله ونبوته، وصفة علي عليه السلام وإمامته على ما أنزل الله تعالى فيها (3). فقرءاه صحيحا، وآمنا برسول الله صلى الله عليه وآله واعتقدا إمامة علي ولي الله ووصي رسول الله.


1) ” ألبسوا ” ب، ط، والبرهان. 2) ” قارئين ” التأويل، والبحار. والقراء – بفتح القاف وتشديد الراء – الحسن القراءة. ج قراؤون. 3) أي في التوراة، وفى ب، ص، ط، والبحار: فيه. (*)

[ 231 ]

فقال الله عزوجل (ولا تلبسوا الحق بالباطل) بأن تقروا بمحمد وعلي من وجه وتجحدوهما من وجه (وتكتموا الحق) من نبوة هذا، وإمامة هذا (وأنتم تعلمون) أنكم تكتمونه وتكابرون علومكم وعقولكم، فان الله إذا كان قد جعل أخباركم حجة، ثم جحدتم لم يضيع [ هو ] حجته، بل يقيمها من غير جهتكم (1) فلا تقدروا أنكم تغالبون ربكم وتقاهرونه. (2) ثم قال الله عزوجل لهؤلاء: (وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين). 110 – قال: (أقيموا الصلوة) المكتوبات (3) التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين علي سيدهم وفاضلهم. (وآتوا الزكوة) من أموالكم إذا وجبت، ومن أبدانكم إذا لزمت، ومن معونتكم إذا التمست. (واركعوا مع الراكعين) تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله عزوجل في الانقياد لاولياء الله: لمحمد نبي الله، ولعلي ولي الله، وللائمة بعدهما سادة أصفياء الله. (4) [ حديث ان الصلوات الخمس كفارة للذنوب: ] 111 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى الخمس كفر الله عنه من الذنوب ما بين كل صلاتين، وكان كمن على بابه نهرجار يغتسل فيه كل يوم خمس مرات [ و ] لا يبقي عليه


1) ” حجتكم ” البحار: 9. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 52 ح 27، والبحار: 9 / 307 صدر ح 10، والبرهان: 1 / 91 صدر ح 1، ومدينة المعاجز: 79 ح 199. 3) ” المكتوبة ” ق، د. 4) عنه تأويل الايات: 1 / 53 ح 28، والبحار: 24 / 395 ح 114، وج 74 / 308 صدر ح 62، وج 96 / 6 (قطعة) والبرهان: 1 / 92 ذ ح 1. (*)

[ 232 ]

من الدرن (1) شيئا إلا الموبقات التي هي جحد النبوة و (2) الامامة أو ظلم إخوانه المؤمنين أو ترك التقية حتى (3) يضر بنفسه وباخوانه المؤمنين. (4) [ فضل الزكاة: ] 112 – ومن أدى الزكاة من ماله طهر من ذنوبه. ومن أدى الزكاة من بدنه في دفع ظلم قاهر عن أخيه، أو معونته على مركوب له [ قد ] سقط عنه (5) متاع لا يأمن تلفه، أو الضرر الشديد عليه [ به ] قيض الله له في عرصات القيامة ملائكة يدفعون عنه نفخات (6) النيران، ويحيونه بتحيات أهل الجنان، ويرفعونه (7) إلى محل الرحمة والرضوان. ومن ادى زكاة جاهه بحاجة يلتمسها لاخيه فقضيت له، أو كلب سفيه (يظهر) (8) غيبته فألقم ذلك الكلب بجاهه حجرا، بعث الله عليه في عرصات القيامة ملائكة عددا كثيرا وجما غفيرا لا يعرف (9) عددهم إلا الله، يحسن فيه بحضرة الملك الجبار


1) ” الذنوب ” ص، البحار والمستدرك. قال ابن منظور في لسان العرب: 13 / 153: وفى حديث: الصلوات الخمس تذهب الخطايا كما يذهب الماء الدرن. أي الوسخ. 2) ” أو ” البحار. 3) ” لمن ” أ. ” حين ” ص. 4) عنه البحار: 74 / 308 ضمن ح 62، وج 82 / 219 ح 40، ومستدرك الوسائل: 1 / 170 ح 10، وج 2 / 374 ح 6. 5) ” عليه ” أ، والمستدرك. 6) ” نفخات ” ب، ط، والبحار. والظاهر أن ما في المتن كما في قوله تعالى ” ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ” الانبياء: 46 أي ” أدنى شئ من العذاب ” كما في تفسير الفيض الكاشانى، أو ” قطعة منه ” كما في كتب اللغة. أقول لعلهما تصحيف ” لفحات ” باعتبار أن اللفح لكل حار، والنفح لكل بارد كما قال الجوهرى وابن الاعرابي. ومصداق ذلك قوله تعالى ” تلفح وجوههم النار ” المؤمنون: 104 (انظر لسان العرب: 2 / 578 و 623). 7) ” يزفونه ” أ، البحار والمستدرك، ” يرقونه ” س، ص، ق، د. زف: أسرع. ورقي: صعد. 8) ” سفه بظهر ” أ. 9) ” يعلم ” أ، ص، البحار. (*)

[ 233 ]

الكريم (1) الغفار محاضرهم ويجمل فيه قولهم، ويكثر عليه ثناؤهم، وأوجب الله عزوجل له بكل قول من ذلك ما هو أكثر من ملك الدنيا بحذافيرها مائة ألف مرة. (2) [ حديث من تواضع لاخوانه المؤمنين: ] 113 – ومن تواضع مع المتواضعين، فاعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية علي والطيبين من آلهما، ثم تواضع لاخوانه وبسطهم (3) وآنسهم، كلما ازداد بهم برأ ازداد لهم استيناسا وتواضعا، باهى الله عزوجل به كرام ملائكته من حملة عرشه والطائفين به (4). فقال لهم: أما ترون عبدي هذا المتواضع لجلال عظمتي (5) ؟ ساوى نفسه بأخيه المؤمن الفقير، وبسطه ؟ فهو لا يزداد به برأ إلا ازداد له تواضعا ؟ أشهدكم أني قد أوجبت له جناني، ومن رحمتي ورضواني ما يقصر عنه أماني المتمني (6). ولارزقنه من محمد سيد الورى، ومن علي المرتضى، ومن خيار عترته مصابيح الدجى، الايناس (7) والبركة في جناني، وذلك أحب إليه من نعيم الجنان ولو تضاعف ألف ألف ضعفها، جزاء على تواضعه لاخيه المؤمن. (8) 114 – ثم قال الله عزوجل لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجنين (9) الاموال


1) ” المالك ” أ. 2) عند البحار: 74 / 309 ضمن ح 62، ومستدرك الوسائل: 2 / 266 ح 4 (قطعة). 3) نشطهم ” أ، بسطه – بالتحريك -: سره. 4) ” به مباهاة ” ب، س، ص، ط، ق، د. 5) ” بجلالي عظمته ” أ. 6) ” المتمنين ” أ. 7) ” الاستيناس ” خ ل. 8) عنه البحار: 74 / 309 ذ ح 62. 9) احتجن المال: ضمه إلى نفسه واحتواه. وفى ” أ، ب، س، ط، ق، د ” المحتجبين، وكذا ما يأتي. حجبه: ستره. قال المجلسي (ره): والاول أظهر. (*)

[ 234 ]

الفقراء، المستأكلين للاغنياء (1) الذين يأمرون بالخير ويتركونه، وينهون عن الشر ويرتكبونه، قال: يا معاشر اليهود (أتأمرون الناس بالبر) بالصدقات وأداء الامانات (وتنسون أنفسكم) أفلا تعقلون (2) ما به تأمرون (وأنتم تتلون الكتاب): التوراة الآمرة بالخيرات الناهية عن المنكرات، المخبرة عن عقاب المتمردين، وعن عظيم الشرف الذي يتطول الله به على الطائعين المجتهدين. (أفلا تعقلون) ما عليكم من عقاب الله عزوجل في أمركم بما به لا تأخذون، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون. وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجنوا أموال الصدقات والمبرات، فأكلوها واقتطعوها، ثم حضروا رسول الله صلى الله عليه وقد حشروا (3) عليه عوامهم يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وآله تعدى طوره، وادعى ما ليس له. فجاءوا بأجمعهم إلى حضرته صلى الله عليه وآله، وقد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله صلى الله عليه وآله فيقتلوه، ولو أنه في جماهير أصحابه، لا يبالون بما أتاهم به الدهر. فلما حضروا رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا بين يديه، قال لهم رؤساؤهم – وقد واطؤوا عوامهم – على أنهم إذا أفحموا محمدا وضعوا عليه سيوفهم. فقال رؤساؤهم (4): يا محمد (5) تزعم أنك رسول رب العالمين نظير موسى وسائر الانبياء عليهم السلام المتقدمين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما قولي إني رسول الله فنعم، وأما أن أقول (6) إني نظير


1) يستأكل الاغنياء: يأخذ أموالهم. 2) ” تفعلون ” البحار. 3) ” هرشوا ” أ. ” حرشوا ” ص، ق د، والبحار. هرش بين الناس: أفسد. والحرش: الخديعة. وحشر الناس: جمعم. 4) ” فقالوا ” أ. 5) ” يا محمد حيث ” أ. ” جئت يا محمد ” البحار. 6) ” قولى ” أ. (*)

[ 235 ]

موسى و [ سائر ] الانبياء فما أقول هذا، وما كانت لاصغر ما (قد) عظمه الله تعالى من قدري، بل قال ربي: يا محمد إن فضلك على جميع النبيين والمرسلين والملائكة المقربين كفضلي – وأنا رب العزة – على سائر الخلق أجمعين. وكذلك قال الله تعالى لموسى عليه السلام لما ظن أنه قد فضله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود، وهموا بقتله، فذهبوا يسلون سيوفهم، فما منهم أحد إلا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف، يابسا لا يقدر أن يحركها، وتحيروا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله – و [ قد ] (1) رأى ما بهم من الحيرة -: لا تجزعوا فخير (2) أراده الله تعالى بكم، منعكم من الوثوب على وليه، وحبسكم على استماع حجته في نبوة محمد ووصية أخيه علي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ يا ] معاشر اليهود هؤلاء رؤساؤكم كافرون، ولاموالكم محتجنون ولحقوقكم باخسون، ولكم – في قسمة من بعدما اقتطعوه – ظالمون يخفضون، ويرفعون. فقالت رؤساء اليهود: حدث عن مواضع الحجة، أحجة نبوتك ووصية علي أخيك هذا، دعواك الاباطيل، وإغراؤك قومنا بنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ لا ] (3) ولكن الله عزوجل قد أذن لنبيه أن يدعو بالاموال التي خنتموها بهؤلاء الضعفاء، ومن يليهم، فيحضرها ههنا بين يديه، وكذلك يدعو حسباناتكم (4) فيحضرها لديه، ويدعو من واطأتموه على اقتطاع أموال الضعفاء فينطق باقتطاعهم جوارحهم، وكذلك ينطق باقتطاعكم جوارحكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ملائكة ربي احضروني أصناف الاموال التي اقتطعها


1) من البحار. 2) ” فحين ” أ. تصحيف ظ. 3) ليس في البحار. 4) ” حساباتكم ” أ، وكذا بعدها. والمعنى واحد، فالحسبان – بالضم -: الحساب. (*)

[ 236 ]

هؤلاء الظالمون لعوامهم. فإذا الدراهم في الاكياس والدنانير، وإذا الثياب والحيوانات وأصناف الاموال منحدرة عليهم [ من حالق ] (1) حتى استقرت بين أيديهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوا بحسبانات هؤلاء الظالمين الذين غالطوا بها هؤلاء الفقراء (2). فإذا الادراج (3) تنزل عليهم، فلما استقرت على الارض، قال: خذوها. فأخذوها فقرأوا فيها: نصيب كل قوم كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ملائكة ربي اكتبوا تحت اسم كل واحد من هؤلاء ما سرقوه منه (4) وبينوه (5). فظهرت كتابة بينة: لابل نصيب كل واحد (6) كذا وكذا. فاذاهم قد خانوا عشرة أمثال ما دفعوا إليهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ملائكة ربي ميزوا بين (7) هذه الاموال الحاضرة [ في ] كل ما فضل، عما بينه (8) هؤلاء الظالمون لتؤدى إلى مستحقه. فاضطربت تلك الاموال، وجعلت تنفصل بعضها من بعض، حتى تميزت أجزاء كما ظهر في الكتاب المكتوب، وبين أنهم سرقوه واقنطعوه ؟ ؟، فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى من حضر من عوامهم نصيبه، وبعث إلى من غاب [ منهم ] فأعطاه، وأعطى ورثة من قد مات، وفضح الله رؤساء اليهود وغلب الشقاء على بعضهم وبعض العوام


1) من البحار. ” خالق ” أ. ” سارح ” البرهان. يقال: جاء من حالق: من أي كان مشرف. 2) ” الضعفاء ” ص. 3) الدرج: ما يكتب فيه. 4) ” منهم ” الاصل، وما في المتن كما في البحار والبرهان. 5) قال المجلسي (رحمه الله): أي وما بينوه وأظهروه وأعطوه مستحقه، أو هو بصيغة الامر خطابا للملائكة، وهو أظهر. 6) ” قوم ” أ، والبرهان. 7) ” من ” أ، ص. 8) ” بينه وبين ” ب، س، ص، ط والبرهان. (*)

[ 237 ]

ووفق (1) الله بعضهم. فقال [ له ] (2) الرؤساء الذين هموا بالاسلام: نشهد يا محمد أنك النبي الافضل، وأن أخاك هذا [ هو ] الوصي الاجل الاكمل فقد فضحنا الله بذنوبنا، أرأيت إن تبنا [ عما اقتطعنا ] وأقلعنا ؟ ؟ ماذا تكون حالنا ؟ قال رسول الله: إذن أنتم في الجنان رفقاؤنا، وفي الدنيا [ و ] في دين الله إخواننا ويوسع الله تعالى أرزاقكم، وتجدون في مواضع هذه الاموال التي أخذت منكم أضعافها، وينسى هؤلاء الخلق فضيحتكم حتى لا يذكرها أحد منهم. فقالوا: [ ف‍ ] انا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك يا محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله. وأن عليا أخوك ووزيرك، والقيم بدينك، والنائب عنك والمقاتل (3) دونك، وهو منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأنتم (4) المفلحون. (5) 115 – ثم قال الله عزوجل لسائر اليهود والكافرين المظهرين: (6) (واستعينوا بالصبر والصلوة) [ أي بالصبر ] عن الحرام [ و ] (7) على تأدية الامانات، وبالصبر على الرئاسات الباطلة، وعلى الاعتراف لمحمد بنبوته ولعلي بوصيته. (واستعينوا بالصبر) على خدمتهما، وخدمة من يأمرانكم (8) بخدمته على


1) ” وقى ” س. 2) من البحار. 3) ” الفاضل على من ” أ. ” المناضل ” س، ص، ق، د، والتأويل والبحار. 4) ” فإذا أنتم ” س، ص. 5) عنه تأويل الايات: 1 / 53 ح 30 باختصار، والبحار: 9 / 308 ضمن ح 10، والبرهان: 1 / 92 ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 363 ح 2 (قطعة). 6 ” المشركين ” س، ص، ق. 7) من التأويل، وفيه وفى خ ل ” عن ” بدل على. وصبر على الامر: شجع وتجلد فهو صابر. وصبر عن الشئ: أمسك. يقال: صبرت على ما أكره، وصبرت عما أحب. 8) ” يأمركم ” أ. (*)

[ 238 ]

استحقاق الرضوان والغفران ودائم نعيم الجنان في جوار الرحمن، ومرافقة خيار المؤمنين، والتمتع بالنظر إلى عزة (1) محمد سيد الاولين والآخرين، وعلي سيد الوصيين والسادة الاخيار المنتجبين، فان ذلك أقر لعيونكم، وأتم لسروركم، وأكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان. واستعينوا أيضا بالصلوات الخمس، وبالصلاة على محمد وآله الطيبين (على قرب الوصول إلى جنات النعيم). (2) (وإنها) أي هذه الفعلة من الصلوات الخمس، و [ من ] الصلاة على محمد وآله الطيبين مع (3) الانقياد لاوامرهم والايمان بسرهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلم ؟ وكيف ؟ (لكبيرة) [ ل‍ ] عظيمة. (إلا على الخاشعين) الخائفين من عقاب (4) الله في مخالفته في أعظم فرائضه. (5) 116 – ثم وصف الخاشعين فقال: ” الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ” الذين يقدرون أنهم يلقون ربهم، اللقاء الذي هو أعظم كراماته لعباده وإنما قال: (يظنون) لانهم لا يدرون بماذا يختم لهم (6) والعاقبة مستورة عنهم (وأنهم إليه راجعون) إلى كراماته ونعيم جناته، لايمانهم وخشوعهم، لا يعلمون ذلك يقينا لانهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا. (7)


1) ” غرة ” س، ص، والتأويل. ” عترة ” ب، ط، والبحار. 2) ” مع الانقياد لاوامرهم والايمان بسرهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلم وكيف ” أ. وهو من اشتباهات النساخ. ظ. 3) ” و ” أ. 4) ” عذاب ” أ. 5) عنه تأويل الايات: 1 / 54 ح 31، والبحار: 24 / 395 ح 114، وج 82 / 192 (قطعة) والبرهان: 1 / 94 صدر ح 1. 6) ” بهم ” أ. 7) عنه المحتضر: 22، والبحار: 6 / 176 صدر ح 2، وج 71 / 366 صدر ح 13، والبرهان: 1 / 94 ضمن ح 1. (*)

[ 239 ]

[ ورود ملك الموت على المؤمن، واراءته منازله وسادته: ] 117 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع (1) روحه وظهور ملك الموت له. وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علته، وعظيم (2) ضيق صدره بما يخلفه من أمواله، ولما هو (3) عليه من [ شدة ] اضطراب أحواله في معامليه وعياله (4) [ و ] قد بقيت في نفسه حسراتها، واقتطع دون أمانيه فلم ينلها. فيقول (5) له ملك الموت: مالك تجرع (6) غصصك ؟ فيقول: لاضطراب أحوالي، واقتطاعك لي دون [ أموالي و ] آمالي (7). فيقول له ملك الموت: وهل يحزن (8) عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا ؟ فيقول: لا. فيقول ملك الموت: فانظر فوقك. فينظر، فيرى درجات الجنان وقصورها التي تقصر دونها الاماني، فيقول ملك الموت: تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك ومن كان من أهلك ههنا وذريتك صالحا، فهم (9) هناك معك أفترضي به (10) بدلا مما هناك (11) ؟ فيقول: بلى والله. ثم يقول: انظر. فينظر، فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما في أعلى عليين


(1) ” نزوع ” أ، والبرهان. 2) ” عظم ” ب، ط، والتأويل. 3) ” وعياله وما هو ” التأويل، البحار: 24. 4) ” معاطبه وعقباته ” البرهان. وفى ” أ ” معاملته بدل ” معامليه “. 5) ” قال ” أ، ب، س، ط. 6) ” تتجرع ” التأويل والبحار: 24. جرع الماء: ابتلعه بمرة. 7) ” أمانى ” ب، س، ط، والتأويل. 8) ” يجزع ” التأويل، والبحار: 24، والبرهان. 9) ” فهو ” أ. 10) ” بهم ” أ. 11) ” ههنا ” ب، ط، ق، د، والتأويل. ” هنالك ” المحتضر. (*)

[ 240 ]

فيقول [ له ]: أو تراهم ؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك، هم هناك جلاسك (1) واناسك [ أ ] فما ترضى بهم بدلا مما (2) تفارق ههنا ؟ فيقول: بلى وربي. فذلك ما قال الله عزوجل: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) (3) فما أمامكم من الاهوال فقد كفيتموها (ولا تحزنوا) على ما تخلفونه من الذراري والعيال [ والاموال ]، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) هذه منازلكم، وهؤلاء ساداتكم واناسكم وجلاسكم (4). (5) ثم قال الله عزوجل: ” يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين ” 118 – قال الامام عليه السلام: قال: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أن بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوة، فهديناهم (6) إلى نبوة محمد صلى الله عليه وآله ووصية [ علي ] وإمامة عترته الطيبين. وأخذنا عليكم (7) بذلك العهود والمواثيق التي إن وفيتم بها كنتم ملوكا في جنانه مستحقين (8) لكراماته ورضوانه. (وأني فضلتكم على العالمين) هناك، أي فعلته بأسلافكم، فضلتهم دينا ودنيا:


(1) ” جلساؤك ” أ. والجلاس: جمع الجليس. والاناس – جمع الانس – من تأنس به. 2) ” ممن ” أ. 3) فصلت: 30. 4) ” جلساؤكم ” خ ل. 5) عنه تأويل الايات: 2 / 537 ح 1، والمحتضر: 22، والبحار: 6 / 176 ضمن ح 2 وج 24 / 26 ح 4، وج 71 / 366 ذ ح 13 (قطعة) والبرهان: 4 / 111 ح 12، ومدينة المعاجز: 187. 6) ” فهديناكم ” أ. ” فهدينا ” ب، ط. 7) ” عليهم ” أ. والمقصود أوفوا بعهدي الذى أخذته عليكم بلسان أنبيائكم وأسلافكم لتؤمنن بمحمد. 8) ” المستحقين ” أ، ب، س، ط، والبرهان. (*)

[ 241 ]

أما تفضيلهم في الدين فلقبولهم نبوة محمد [ وولاية علي ] (1) وآلهما الطيبين. وأما [ تفضيلهم ] في الدنيا فبأن ظللت (2) عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المن والسلوى وسقيتهم من حجر ماءا عذبا، وفلقت لهم البحر، فأنجيتهم وأغرقت أعداءهم فرعون وقومه، وفضلتهم بذلك [ على ] عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم، وحادوا عن سبيلهم ثم قال الله عزوجل [ لهم ]: فإذا كنت [ قد ] فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان لقبولهم ولايه محمد وآله، فبالحري (3) أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان إذا أنتم وفيتم بما آخذ من العهد والميثاق عليكم. (4) 119 – ثم قال الله عزوجل: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته (5) عند النزع. (ولا يقبل منها شفاعة) يشفع (6) لها بتأخير الموت عنها. (ولا يؤخذ منها عدل) لا يقبل [ منها ] فداء [ ب‍ ] مكانه يمات (7) ويترك هو. [ بيان الاعراف، ووقوف المعصومين عليه: ] قال الصادق عليه السلام: وهذا [ اليوم ] يوم الموت، فان الشفاعة والفداء لا يغني عنه. فأما في القيامة، فانا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن (8) على الاعراف بين الجنة والنار ” محمد (9) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والطيبون من


(1) ” ولاية محمد وعلى ” أ، س، ص، ق، د، والبرهان. ” ولاية محمد ” ب، ط. وما في المتن من البحار. 2) ” فضللت ” أ. 3) ” فبالاحرى ” البحار: 9. الحرى: الخليق والجدير والمناسب. والاحرى: الاولى. 4) عنه البحار: 9 / 311 ضمن ح 10، وج 24 / 62 ح 47، وفيه: من العهود والمواثيق عليكم. والبرهان: 1 / 95 صدر ح 4. 5) ” استحقه ” أ، س، والبحار: 9. 6) ” من يشفع ” التأويل. 7) ” يموت الفداء ” التأويل. 8) ” لنكونن ” أ. 9) ” بمحمد ” أ. (*)

[ 242 ]

آلهم ” فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات – ممن كان منهم مقصرا (1) – في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في (2) العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة زفا. وإنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام (3) فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا. وسيؤتى [ ب‍ ] الواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن قد حاز (4) الولاية والتقية وحقوق إخوانه، ويوقف بازائه مابين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار. فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، وأولئك (5) النصاب النار. وذلك ما قال الله عزوجل: (ربما يود الذين كفروا) يعني بالولاية (لو كانوا مسلمين) (6) في الدنيا منقادين للامامة، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النار (7). (8) ثم قال الله عزوجل: ” واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم “: 49 120 – قال الامام عليه السلام: قال تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل (إذ نجيناكم)


(1) ” مضطرا ” أ. 2) ” إلى ” أ. 3) ” كالهمام ” خ ل. 4) ” صان ” التأويل والبحار. ” خار ” أ. حاز الشئ: ضمه، حصل عليه. وصان الشئ: حفظه. وخار: فتر وضعف. 5) ” هؤلاء ” ب، ط، والبرهان. 6) الحجر: 2. 7) كذا في التأويل، وفى الاصل: من النار فداءهم. 8) عنه تأويل الايات: 1 / 55 ح 32، والبحار: 8 / 44 ح 45 وص 337 ح 13، وج 9 / 311 ذ ح 10، والبرهان: 1 / 95 ضمن ح 4، وج 2 / 325 ح 4. (*)

[ 243 ]

أنجينا أسلافكم (من آل فرعون) وهم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته (1) وبدينه ومذهبه (يسومونكم) كانوا بعذبونكم (سوء العذاب) شدة العذاب كانوا يحملونه عليكم. [ فضل الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله: ] قال: وكان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء والطين ويخاف أن يهربوا عن العمل، فأمر بتقييدهم (2) فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم إلى السطوح: فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن (3) ولا يحلفون بهم (4) إلى أن أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام: قل لهم: لا يبتدؤن عملا إلا بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخف عليهم. فكانوا يفعلون ذلك، فيخف عليهم. وأمر كل من سقط وزمن ممن نسي الصلاة على محمد وآله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه – أي الصلاة على محمد وآله – أو يقال عليه إن لم يمكنه، فانه يقوم ولا يضره ذلك (5) ففعلوها، فسلموا. (يذبحون أبناءكم) وذلك لما قيل لفرعون: إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك، وزوال ملكك. فأمر بذبح أبنائهم، فكانت الواحدة [ منهن ] تصانع (6) القوابل عن نفسها – لئلا


(1) ” بالقرابة ” ب، ط. 2) ” بقيدهم ” خ ل. 3) زمن – بالميم المكسورة -: أصابته الزمانة وهى العاهة. 4) ” يفلجون ” أ، لا يحفل: لا يبالي. وفلج له: حكم له على خصمه. 5) ” ولاتقلبه يد ” س، ق، د، البحار. يريد: أنه يقوم من غير أن تقلبه يد ويداويه أحد. 6) المصانعة: المداراة، الرشوة. (*)

[ 244 ]

ينم (1) عليها – [ ويتم ] حملها، ثم تلقي ولدها في صحراء، أو غار جبل، أو مكان غامض وتقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد وآله، فيقيض الله [ له ] ملكا يربيه، ويدر من اصبع له لبنا يمصه، ومن اصبع طعاما [ لينا ] يتغذاه إلى أن نشأ بنو إسرائيل وكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممن قتل. (ويستحيون نساءكم) يبقونهن (2) ويتخذونهن إماء، فضجوا إلى موسى وقالوا: يفترعون (3) بناتنا وأخواتنا. فأمر الله تلك البنات كلما رابهن (4) ريب من ذلك صلين على محمد وآله الطيبين فكان الله يرد عنهن أولئك الرجال، إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه فلم يفترش منهن أمرأة، بل دفع الله عزوجل ذلك عنهن بصلاتهن (5) على محمد وآله الطيبين. ثم قال الله عزوجل: (وفي ذلكم) أي في ذلك الانجاء الذي أنجاكم منهم (6) ربكم (بلاء) نعمة (من ربكم عظيم) كبير. قال الله عزوجل: يا بني إسرائيل اذكروا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخف بالصلاة على محمد وآله الطيبين، أفما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه، وآمنتم به كانت النعمة عليكم أعظم [ وأفضل ] وفضل الله عليكم [ أكثر ] وأجزل ؟ (7)


(1) ” هم ” أ ” يتم ” خ ل. ينم: من النميمة وهى نقل الحديث من قوم إلى قوم. وهم بالشئ: عزم عليه وقصده. 2) ” يثقونهن ” أ. 3) ” يفترشون ” ب، ط، والبحار: 94، والبرهان. افترشه: وطئه، وتسمى المرأة فراشا لان الرجل يفترشها. والافتراع: ازالة البكارة. 4) ” رآهن ” أ، والبحار: 13. رابه ريبا: رأى منه ما يكرهه. 5) ” لصلاتهن ” ب، ط. 6) ” منه ” ب، ط. 7) عنه البحار: 13 / 47 ح 16، وج 94 / 61 ح 48، والبرهان: 1 / 96 ح 1. (*)

[ 245 ]

قوله عزوجل: ” واذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون. واذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون “: 50 – 53 121 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقا ينقطع بعضه من بعض ” فأنجيناكم ” هناك وأغرقنا (1) فرعون وقومه ” وأنتم تنظرون ” إليهم وهم يغرقون [ نجاة بنى اسرائيل لاقرارهم ولاية محمد صلى الله عليه وآله، وتجديدها: ] وذلك أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر، أوحى الله عزوجل إليه: قل لبني إسرائيل: جددوا توحيدي وأمروا (2) بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وإمائي، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين، وقولوا: اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء. فان الماء يتحول لكم أرضا. فقال لهم موسى ذلك. فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا (3) من [ آل ] فرعون إلا من خوف الموت ؟ وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا ؟ فقال لموسى عليه السلام كالب بن يوحنا (4) – وهو على دابة له، وكان ذلك الخليج


(1) ” أفرقنا ” أ. أ فرق غنمه: أضلها وأضاعها. 2) ” أقروا ” ب، ط، والبرهان. 3) ” فردنا ” أ. فرد – بالفتح – عن الشئ: تنحى واعتزل. 4) ” يوقيا ” أ. وذكره الطبري في الجزء الاول من تاريخه – وفى أماكن متعددة منه -: كالب بن يوفنا، وفى العرائس: كالب بن يوقتا. وهو ختن موسى عليه السلام. (*)

[ 246 ]

أربعة فراسخ -: يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل (1) الماء ؟ فقال: نعم. قال: وأنت تأمرني به ؟ قال: بلى. [ قال: ] (2) فوقف وجدد على نفسه من توحيد الله ونبوة محمد وولاية علي بن أبي طالب والطيبين من آلهما ما أمره به، ثم قال: اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء. ثم أقحم فرسه، فركض على متن الماء، وإذا الماء من تحته كأرض لينة حتى بلغ آخر الخليج، ثم عاد راكضا، ثم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومنزل (3) الارزاق، وجالب على عباد الله وإمائه رضى [ الرحمن ] المهيمن الخلاق. فأبوا، وقالوا: [ نحن ] لا نسير إلا على الارض. فأوحى الله إلى موسى: (أن اضرب بعصاك البحر) (4) وقل: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته. ففعل، فانفلق، وظهرت الارض إلى آخر الخليج. فقال موسى عليه السلام: ادخلوها، قالوا: الارض وحلة نخاف أن نرسب فيها. فقال الله عزوجل: يا موسى قل: اللهم بحق محمد وآله الطيبين جففها. فقالها، فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت. وقال موسى: ادخلوها. فقالوا: يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر أبا، وإن دخلنا رام كل فريق منا تقدم صاحبه، ولا نأمن وقوع الشر بيننا، فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لامنا ما نخافه.


1) ” تقوله وتدخل ” أ. 2) من البحار. 3) ” متنزل ” ب، ط. ” مستنزل ” س، ص، ق، د. 4) الشعراء: 63. (*)

[ 247 ]

فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع، ويقول: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين الارض لنا وأمط (1) الماء عنا. فصار فيه تمام اثني عشر طريقا، وجف قرار الارض بريح الصبا فقال: ادخلوها. فقالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين. فقال الله عزوجل: فاضرب كل طود (2) من الماء بين هذه السكك. فضرب وقال: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانا (3) واسعة يرى بعضهم بعضا [ منها ] (4)، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضا [ منها ] (5) ثم دخلوها. فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه، فدحل بعضهم، فلما دخل آخرهم، وهم أولهم بالخروج أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم، فغرقوا، وأصحاب موسى ينظرون إليهم فذلك قوله عزوجل: (وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) إليهم. قال الله عزوجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلى الله عليه وآله: فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد صلى الله عليه وآله، ودعاء موسى، دعاء تقرب بهم [ إلى الله ] (6) أفلا تعقلون أن عليكم الايمان بمحمد وآله إذ [ قد ] شاهدتموه الآن ؟ (7) 122 – ثم قال الله عزوجل: (وإذ واعدنا موسى (8) أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل


1) أي أبعد. 2) ” خلود ” أ. والخوالد والاطواد: الجبال. 3) ” طبقات ” أ، والبحار. وكذا التى تلى، والطاق: ما عطف من الابنية أي جعل كالقوس من قنطرة ونافذة. ج طاقات وطيقان. 4 و 5 و 6) من التأويل والبحار: 13. 7) عنه تأويل الايات: 1 / 56 ح 33، والبحار: 13 / 138 ح 345، وج 94 / 6 ح 8 والبرهان: 1 / 96 ح 1 ومستدرك الوسائل: 1 / 372 ح 10. 8) ” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ” الاعراف: 142. والتمام خلاف النقص. (*)

[ 248 ]

من بعده وأنتم ظالمون). قال الامام عليه السلام: كان موسى بن عمران عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من ربكم، يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله. فلما فرج الله تعالى عنهم، أمره الله عزوجل أن يأتي للميعاد، ويصوم ثلاثين يوما عند، أصل الجبل، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب. فصام موسى ثلاثين يوما [ عند أصل الجبل ] فلما كان في آخر الايام (1) استاك (2)


< – أقول: في الاية تصريح بأن الميعاد الاصل كان ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، فقوله ” أربعين ليلة ” محمول على هذا التفصيل. ولنا بيان حول الجمع بين الايتين في كتابنا ” المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم “: 2 / 129 – 131، فراجع. وانظر متن الحديث، يجوز أن يرجع إليه قوله أمره الله عزوجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب.. (إلى أن قال:) وصم عشرا.. ففعل ذلك موسى، وكان وعد الله عزوجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه اياه. 1) ” آخر اليوم ” البحار. اقول: لم يقل ” أواخر ” ولا ” آخر جميع ” الايام، ولا ” فصام ثلاثين يوما في آخر الايام “. وعلى الجملة فلا دلالة على أنه استاك غير اليوم الاخير، ولا على أن السواك أفطر صيامه. وأما أنه قال: ” يصوم عشرا اخر ” لا يوما واحدا، ولا ثلاثين يوما، فليس لنا في حكم الله أن نقول: لماذا يصوم عشرا اخر كما يكون في كفارة الافطار في رمضان أو قضائه ستين يوما، أو دونه، فراجع وتدبر. 2) لا ريب أن موسى عليه السلام وجد اثر صيامه خلوفا في فمه، وزعم أن الخلوف غير طيب، وينافى مناجاة الله تعالى، فقال: ” اجلك عن المناجاة لخلوف الصائم ” فاشتغل بالاستياك عن مناجاته اجلالا له عزوجل. ويظهر من قوله تعالى ” أما علمت ” أن موسى عليه السلام وقت ذاك لم يتذكر أن خصوص – > (*)

[ 249 ]


< – هذا الخلوف – اثرالصيام – عند الله أطيب. قال الصادق عليه السلام: أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام: ما يمنعك من مناجاتي ؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم. فأوحى إليه: لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك. انظر: الكافي: 4 / 64 ح 13، ومن لا يحضره الفقيه: 2 / 76 ح 1779، وفضائل الاشهر الثلاثة: 121 ح 122. بقى الكلام في أن الرواية تنافى ما اتفق على ان السواك ممدوح، وأن الصائم يستاك ولا بأس به.. اقول: بيان ذلك أنه روى ان السواك والطيب من سنن المرسلين، وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب، ومفرحة للملائكة وأن المصلى مادام يكون في الصلاة فهو واقف بين يدى الله تعالى يناجيه. وأنه كان نبينا صلى الله عليه وآله يستاك لكل صلاة، وقال: لو لا أن أشق على امتى لامرتهم بالسواك. مع أن السواك سنة للوضوء، ولكل صلاة، وعند قراءة القرآن، كما قال صلى الله عليه وآله: ” نظفوا طريق القرآن. قيل: يا رسول الله وما طريق القرآن ؟ قال: أفواهكم. قيل: بماذا ؟ قال: بالسواك “. وبالجملة: لا ريب اذن في فضل الاستياك، وأنه تطيب، ولا يتطيب ريح المستاك بمثل ريح المسك. ولكن في هذه الرواية – مؤيدة برواية الكليني في الكافي المتقدم ذكرها نكتة مهمة في خطاب موسى عليه السلام: ” أما علمت أن خلوف فم الصائم – بما هو صائم – أطيب عند الله – في مناجاته لا عند الناس – من ريح المسك “. ففى هذا تصريح بأن لهذا الخلوف فضلا واختصاصا لا يناله فضل التطيب بالاستياك والمسك. كيف لا وخلوف فم الصائم اثر اصطباره لعبادة ربه وشعاره فيما أمسك وأجهد بنفسه مخلصا. الا ترى في قوله تعالى: ” سيماهم في وجوهم من أثر السجود ” الفتح: 29 دلالة واضحة على مطلوبية أثر السجود، وصفرة الوجه من أثر قيام الليل واحيائه بالعبادة، وأما سمعت فضل زيارة الحسين عليه السلام للمسافر القادم وهو شعث أغبر على من زاره متطيبا. فالحاصل أنه لا منافاة بينهما ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. واما قوله: ” هل يستاك الصائم ؟ قال لا بأس به ” فان ظاهر سؤال السائل أنه لا يحتمل وجوبه بل منعه، فيريد هل يفطر الصائم أم لا ؟ فالجواب ” أنه لا بأس به ” فتدبروا غتنم. (*)

[ 250 ]

قبل الفطر. (1) فأوحى الله عزوجل [ إليه ] يا موسى (1) أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ؟ صم عشرا اخر (3) ولاتستك (4) عند الافطار. ففعل ذلك موسى عليه السلام. وكان وعد الله عزوجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فأعطاه إياه. فجاء السامري فشبه على مستضعفي (5) بني إسرائيل، وقال:


1) اقول: كيف يستاك الصائم قبل الافطار، ويزيل خلوف فمه اثر اصطباره لعبادة ربه ؟ ! وكان له أحد الفرحتين عند الافطار، اذله أن يتوجه إلى ربه الذى قال: ” الصوم لى وأنا اجزى به ” ثم يقول فيما يناجى ربه ” اللهم لك صمت، وعلى رزقك افطرت، وعليك توكلت “. 2) هنا تقدير حسب رواياتنا: ” أوحى الله تعالى إلى موسى: ما يمنعك من مناجاتي ؟ فقال: يا رب اجلك لخلوف فم الصائم فأوحى الله تعالى: لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ” انظر الكافي والفقيه وفضائل الاشهر الثلاثة المتقدم ذكرها. 3) انظر تعليقتنا على قوله ” آخر الايام ” ص رقم.. 4) وذلك لان خلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك، وفيه اشارة وتحذير عما استاك موسى من خلوف فمه قبل الفطر آخر الايام. 5) يظهر منه أن بنى اسرائيل وقتئذ لم يكونوا منحصرين بهؤلاء الذين افتتنوا هذه الفتنة الكبرى الالهية التى طبع على قلوبهم فأضلهم السامري، بل ربما كان فيهم من لم يؤمن بهم، ويراعون هارون خليفة موسى كما يدل عليه ص 255. الا ترى انه لما رجع موسى إليه وعاتبه قائلا: يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني، أفعصيت أمرى ؟ قال: “… انى خشيت أن تقول فرقت بين بنى اسرائيل ولم ترقب قولى. ” ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بى الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ” الاعراف: 150 فسلام على نبينا صلى الله عليه وآله إذ قال: ” يا على أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبى بعدى ” وسلام على مولانا وسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام إذ مر على قبر الرسول صلى الله عليه وآله متمثلا بتلك بالاية الشريفة. انظر كتابنا ” المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: ” 2 / 138. (*)

[ 251 ]

وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون (1) أخطأ موسى ربه، وقد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم: أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه. فأظهر لهم العجل الذي كان عمله فقالوا له: فكيف يكون العجل إلهنا ؟ قال لهم: إنما هذا العجل يكلمكم منه (2) ربكم كما كلم موسى من الشجرة فالاله (3) في العجل كما كان في الشجرة. فضلوا بذلك وأضلوا. [ فلما رجع موسى إلى قومه قال: ] (4) يا أيها العجل أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء ؟ فنطق العجل وقال: عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له، أو شئ من الشجرة والامكنة عليه مشتملا، لا والله يا موسى ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط وحفر في الجانب الآخر في الارض، وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره، وتكلم بما تكلم لما قال: (هذا إلهكم وإله موسى) (5) يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي، وإتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين، وجحودهم بموالاتهم (6) وبنبوة النبي محمد ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها.


1) أقول: أيها الاخ لا تعجب مما قالوا في هذه الفتنة الكبيرة، فان الله تعالى قال: انا فتنا قومك من بعدك، وقال هارون: ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء ” كما لا تعجب من أصحاب الرأى والقياس، وقل أعوذ بالله من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون. 2) هذا يسند التكلم إلى الرب من طرف العجل – دون العجل – كما تكلم الرب من الشجرة – دون الشجرة – قال تعالى: ” أولم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ” الاعراف: 148. نعم لما رجع موسى إلى العجل واستنطقه، نطق، وقال موسى.. فلاحظ. 3) ” فلما سمعوا منه كلاما قالوا له انه ” البحار. 4) ” فقال موسى ” أ، ب، ص، ط. 5) طه: 88. 6) ” لموالاتهم ” الاصل، والتأويل. (*)

[ 252 ]

قال الله عزوجل: فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي (1) فما تخافون من الخذلان الاكبر في معاندتكم (2) لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما، وتبينتم آياتهما ودلائلهما ؟ ثم قال الله عزوجل: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل، لعلكم يا أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم. [ ثم ] قال عليه السلام: وإنما عفى الله عزوجل عنهم لانهم دعوا الله بمحمد وآله الطاهرين، وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطيبين. فعند ذلك رحمهم الله، وعفا عنهم. (3) 123 – ثم قال الله عزوجل: (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) قال الامام عليه السلام: واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب وهو التوراة الذي أخذ على بني إسرائيل الايمان به، والانقياد لما يوجبه، والفرقان آتيناه أيضا فرق به [ ما ] بين الحق والباطل، وفرق [ ما ] بين المحقين والمبطلين. وذلك أنه لما أكرمهم الله تعالى بالكتاب والايمان به، والانقياد له، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى عليه السلام: يا موسى هذا الكتاب قد أقروا به، وقد بقي الفرقان، فرق ما بين المؤمنين والكافرين، والمحقين والمبطلين، فجدد عليهم العهد به، فاني قد آليت على نفسي قسما حقا لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا إلا مع الايمان به.


1) ” وآله ” ب، ط. 2) ” معاداتكم ” أ. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 57 ح 34 (قطعة)، والبحار: 13 / 230 ح 42 إلى قوله ” ودلائلهما ” وص 232 صدر ح 43 (قطعة)، والبرهان: 1 / 97 ضمن ح 1. (*)

[ 253 ]

قال موسى عليه السلام: ما هو يا رب ؟ قال الله عزوجل: يا موسى تأخذ على بني إسرائيل: أن محمدا خير البشر (1) وسيد المرسلين. وأن أخاه ووصيه عليا خير الوصيين. وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق. وأن شيعته المنقادين له، المسلمين له ولاوامره ونواهيه ولخلفائه، نجوم الفردوس الاعلى، وملوك جنات عدن. قال: فأخذ عليهم موسى عليه السلام ذلك، فمنهم من اعتقده حقا، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه، فكان المعتقد منهم حقا يلوح على جبينه نور مبين ومن أعطى بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور. فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عزوجل موسى عليه السلام وهو فرق [ ما ] بين المحقين والمبطلين. ثم قال الله عزوجل: (لعلكم تهتدون) أي لعلكم تعلمون أن الذي [ به ] يشرف العبد عند الله عزوجل هو اعتقاد الولاية، كما شرف به أسلافكم. (2) قوله عزوجل: ” واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم. واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون: ” 54 – 56


1) ” النبيين ” ب، س، ط، والبرهان. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 58 ح 35، والبحار: 13 / 233 ضمن ح 43، والبرهان: 1 / 98 ضمن ح 1. (*)

[ 254 ]

124 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: واذكروا يا بني إسرائيل (إذ قال موسى لقومه) عبدة العجل (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم) أضررتم بها (باتخاذكم العجل) إلها (فتوبوا إلى بارئكم) الذي برأكم وصوركم (فاقتلوا أنفسكم) بقتل بعضكم بعضا، يقتل من لم يعبد العجل من عبده (ذلكم خير لكم) ذلكم القتل خير لكم (عند بارئكم) من أن تعيشوا في الدنيا وهو لم يغفر لكم، فيتم في الحياة الدنيا حياتكم (1) ويكون إلى النار مصيركم، وإذا قتلتم وأنتم تائبون جعل الله عزوجل القتل كفارتكم، وجعل الجنة منزلتكم (2) ومقيلكم. ثم قال الله عزوجل (فتاب عليكم) قبل توبتكم، قبل استيفاء القتل لجماعتكم وقبل إتيانه على كافتكم، وأمهلكم للتوبة، واستبقاكم للطاعة (إنه هو التواب الرحيم) قال: وذلك أن موسى عليه السلام لما أبطل الله عزوجل على يديه أمر العجل، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري، فأمر موسى عليه السلام أن يقتل من لم يعبده من عبده، تبرأ أكثرهم وقالوا: لم نعبده. فقال الله عزوجل لموسى عليه السلام: أبرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا، ثم ذره في البحر، فمن شرب من مائه اسودت شفتاه وأنفه، وبان ذنبه. ففعل فبان العابدون للعجل. فأمر الله اثني عشر ألفا (3) أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم. ونادى مناديه: ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل، ولعن الله من تأمل المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا فيتوقاه، ويتعداه إلى الاجنبي، فاستسلم المقتولون. فقال القاتلون: نحن أعظم مصيبة منهم، نقتل بأيدينا آباءنا [ وأمهاتنا ] (4) وأبناءنا


1) ” خيرتكم ” ب، س، ص، ط، والبرهان. ” خيراتكم ” البحار: 13. 2) ” منزلكم ” س، البحار، والبرهان. 3) وهم الذين لم يعبدوا العجل كما سيأتي. 4) من البحار. (*)

[ 255 ]

وإخواننا وقراباتنا، ونحن لم نعبد، فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة. فأوحى الله تعالى إلى موسى: يا موسى [ إني ] إنما امتحنتهم بذلك لانهم (ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل، ولم) (1) يهجروهم، ولم يعادوهم (2) على ذلك. قل لهم: من دعا الله بمحمد وآله الطيبين، يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم. فقالوها، فسهل عليهم [ ذلك ]، ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما. [ ارتفاع القتل عن بنى اسرائيل بتوسلهم بمحمد وآله: ] فلما استحر (3) القتل فيهم، وهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم فقال لبعضهم والقتل لم يفض بعد إليهم. فقال: أو ليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبة ولا يرد به مسألة، وهكذا توسلت الانبياء والرسل، فما لنا لا نتوسل [ بهم ] (4) ؟ ! قال: فاجتمعوا وضجوا: يا ربنا بجاه محمد الاكرم، وبجاه علي الافضل الاعظم، وبجاه فاطمة الفضلى، وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد النبيين، وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين، وبجاه الذرية الطيبين الطاهرين (5) من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا، وغفرت لنا هفواتنا، وأزلت هذا القتل عنا. فذاك حين نودي موسى عليه السلام من السماء: أن كف القتل، فقد سألني بعضهم مسألة وأقسم علي قسما، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل، وسألوا العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه. ولو أقسم علي بها إبليس لهديته.


1) ” اعتزلوهم ولما عبدوا العجل لم ” أ، س، ص. 2) ” يعاندوهم ” ب، ط. 3) أي اشتد. وفى ص، والبحار: استمر. 4) من البحار. 5) ” ذريته الطيبة ” أ. (*)

[ 256 ]

ولو أقسم بها [ علي ] نمرود [ أ ] وفرعون لنجيته. فرفع عنهم القتل، فجعلوا يقولون: يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى كان الله يقينا شر الفتنة، ويعصمنا بأفضل العصمة ؟ ! (1) 125 – ثم قال الله عزوجل: ” واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة “: 55 قال: أسلافكم (فأخذتكم الصاعقة) أخذت أسلافكم [ الصاعقة ] (وأنتم تنظرون) إليهم (ثم بعثناكم) بعثنا أسلافكم (من بعد موتكم) من بعد موت أسلافكم (لعلكم تشكرون) [ الحياة ] أي لعل أسلافكم يشكرون الحياة، التي فيها يتوبون ويقلعون، وإلى ربهم ينيبون، لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم، وهم فيها خالدون. قال [ الامام عليه السلام ]: وذلك أن موسى عليه السلام لما أراد أن يأخذ عليهم عهدا بالفرقان [ فرق ] ما بين المحقين والمبطلين لمحمد صلى الله عليه وآله بنبوته ولعلي عليه السلام بامامته، وللائمة الطاهرين بامامتهم، قالوا: (لن نؤمن لك) أن هذا أمر ربك (حتى نرى الله جهرة) عيانا يخبرنا بذلك. فأخذتهم الصاعقة معاينة وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم. وقال الله عزوجل: يا موسى إني أنا المكرم لاوليائي، المصدقين بأصفيائي ولا أبالي، وكذلك أنا المعذب لاعدائي، الدافعين حقوق أصفيائي ولا أبالي. فقال موسى عليه السلام للباقين الذين لم يصعقوا: ماذا تقولون ؟ أتقبلون وتعترفون ؟ وإلا فأنتم بهؤلاء لا حقون. قالوا: يا موسى لا ندري ما حل بهم ولماذا أصابتهم ؟ كانت الصاعقة ما أصابتهم لاجلك، إلا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب


1 (عنه تأويل الايات: 1 / 59 ح 36 (قطعة). والبحار: 13 / 233 ضمن ح 43، وج 94 / 7 ح 9، والبرهان: 1 / 98 ح 1 ومستدرك الوسائل: 1 / 372 ح 11 (قطعة).

[ 257 ]

البر والفاجر، فان كانت إنما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد وعلي وآلهما فاسأل الله ربك بمحمد وآله هؤلاء الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابهم [ ما أصابهم ]. فدعا الله عزوجل بهم موسى عليه السلام، فأحياهم الله عزوجل فقال موسى عليه السلام: سلوهم لماذا أصابهم ؟ فسألوهم، فقالوا: يا بني إسرائيل أصابنا ما أصابنا لابائنا اعتقاد إمامة علي بعد اعتقادنا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته وحجبه وعرشه وكرسيه وجنانه ونيرانه، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك وأعظم سلطانا من محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وإنا لما متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران. فناداهم محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام: كفوا عن هؤلاء عذابكم. فهؤلاء يحيون بمسألة سائل [ يسأل ] ربنا عزوجل بنا وبآلنا الطيبين. وذلك حين لم يقذفونا [ بعد ] في الهاوية، وأخرونا إلى أن بعثنا بدعائك يا موسى بن عمران بمحمد وآله الطيبين. فقال الله عزوجل لاهل عصر محمد صلى الله عليه وآله: فإذا كان بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم أفما يجب عليكم أن لا تتعرضوا لمثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله عزوجل ؟ (1) قوله عزوجل: ” وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون “: 57 126 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: ” و ” اذكروا يا بني إسرائيل إذ (ظللنا


1) عنه تأويل الايات: 1 / 60 ح 37، والبحار: 13 / 235 ضمن ح 43، وج 26 / 328 ح 11، والبرهان: 1 / 99 ح 1. (*)

[ 258 ]

عليكم الغمام) لما كنتم في النية يقيكم حر الشمس وبرد القمر (1). (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) المن: الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتنا ولونه والسلوى: السماني طير، أطيب طير لحما، يسترسل لهم فيصطادونه. قال الله عزوجل [ لهم ]: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) واشكروا نعمتي وعظموا من عظمته، ووقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود والمواثيق [ لهم ] محمد وآله الطيبين. قال الله عزوجل: ” وما ظلمونا ” لما بدلوا، وقالوا غير ما أمروا [ به ] ولم يفوا


1) ” الفجر ” خ ل. لا ريب أن مغزى القصة هو تنبيه الغافلين عما أعطاهم الله تعالى من نعمة تظليل الغمام لدفع أذى الحر نهارا والبرد ليلا. ومنه يظهر أن القمر وبرده – قبال الشمس وحرها – ان هو الا اشارة لتلك الساعات – المعبر عنها بالليل – التى تنحجب فيها أشعة الشمس، بما فيها من خاصية الحرارة. كيف لا وأن البرد عام خلال تلك الساعات. ولا علاقة للقمر، طلع أم أفل، محاقا كان أم هلالا أم بدرا أم بينهما كما هو ملموس. ثم ان الحرارة – بمختلف درجاتها، ومهما كان مصدرها: شمس، نار، كهرباء – قبال البرودة – بدرجاتها المختلفه إلى حد الزمهرير – نظير النور والظلمة، والبصر والعمى قال تعالى: ” لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ” الانسان: 13. وقال: ” وما يستوى الاعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور ” فاطر: 21. ومعلوم أنه إذا حجبت أشعة الشمس بسترما – غمامة أو غيرها – سوف تنكسر حدة حرارتها ويقل بذلك اكتساب الحرارة نهارا، وبالتالي فليس من كميات كبيرة للحرارة ستفقد ليلا – طبقا لخاصية الارض في سرعة اكتساب وفقد الحرارة – الامر الذى يشعر الانسان بأنه لا تباين بين درجتي الحرارة ليلا ونهارا. وبعد، فان الشمس مصدر للحرارة والطاقة بضرورة الحس والتجربة وأما القمر فلعل الله يحدث بعد ذلك فيه ” لاهله ” علما. (*)

[ 259 ]

بما عليه عوهدوا، لان كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا، كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا ” ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ” يضرون بها بكفرهم (1) وتبديلهم. ثم [ قال عليه السلام: ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عباد الله عليكم باعتقاد ولا يتنا أهل البيت و [ أن ] لا تفرقوا بيننا، وانظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق، ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق، ثم إن بدلتم وغيرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم، فكونوا لنعماء الله شاكرين (2). قوله عزوجل: ” واذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون. واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين. واذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون “: 62 58 127 – قال الامام عليه السلام: قال الله تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل ” إذ قلنا ” لاسلافكم: ” ادخلوا هذه القرية ” – وهي ” أريحا ” من بلاد الشام، وذلك حين خرجوا


1) ” لكفرهم ” البحار. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 61 ح 38، والبحار: 13 / 182 صدر ح 19، والبرهان: 1 / 101 ح 1. (*)

[ 260 ]

من التيه ” فكوا منها ” من القرية – ” حيث شئتم رغدا ” واسعا، بلا تعب [ ولا نصب ] ” وادخلوا الباب ” باب القرية ” سجدا “. مثل الله تعالى على الباب مثال محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال، ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما. ” وقولوا حطة ” أي قولوا: إن سجودنا لله تعالى تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا. قال الله عزوجل: ” نغفر لكم ” [ أي ] بهذا الفعل ” خطاياكم ” السالفة، ونزيل عنكم آثامكم الماضية. ” وسنزيد المحسنين ” من كان منكم (1) لم يقارف (2) الذنوب التي قارفها من خالف الولاية، [ وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية ] فانا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات وذلك قوله عزوجل ” وسنزيد المحسنين “. (3) 128 – قوله عزوجل: (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ” إنهم لم يسجدوا كما أمروا، ولا قالوا ما أمروا، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم وقالوا: هطا سمقانا – أي (4) حنطة حمراء نتقوتها (5) – أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول. قال الله تعالى: (فأنزلنا على الذين ظلموا) غيروا وبدلوا ما قيل لهم، ولم ينقادوا لولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين الطاهرين


1) ” فيكم ” ص، التأويل، والبحار. 2) قرف الذنب واقترفه: إذا عمله. وقارف الذنب: إذا داناه ولا صقه. (النهاية: 4 / 45) 3) عنه تأويل الايات: 1 / 62 ح 39، والبحار: 13 / 183 ضمن ح 19، والبرهان: 1 / 102 صدر ح 1. 4) ” خطا شمقاتا يعنى ” أ. 5) ” تنفقونها ” أ. (*)

[ 261 ]

(رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) يخرجون عن أمر الله وطاعته. قال: والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفا، وهم من علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون، ولم ينزل هذا الرجز على من علم أنه يتوب، أو يخرج من صلبه ذرية طيبة توحد الله، وتؤمن بمحمد وتعرف موالاة علي (1) وصيه وأخيه. (2) 129 – ثم قال الله عزوجل: (وإذ استسقى موسى لقومه) قال: واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه، طلب لهم السقيا، لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء إلى موسى، وقالوا: أهلكنا العطش. فقال موسى: اللهم بحق محمد سيد الانبياء، وبحق علي سيد الاوصياء وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الاولياء، وبحق الحسين سيد الشهداء وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء. فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ” اضرب بعصاك الحجر “. فضربه بها (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس – كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب – مشربهم) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم. قال الله عزوجل: (كلوا واشربوا من رزق الله) الذي آتاكموه (ولا تعثوا في الارض مفسدين) ولا تسعوا (3) فيها وأنتم مفسدون عاصون. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من [ أ ] قام على موالاتنا أهل البيت سقاه الله تعالى من محبته كأسا لا يبغون به بدلا، ولا يريدون سواه كافيا ولا كاليا (4) ولا ناصرا.


1) ” وتعرق الولاية لعلى ” أ. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 63 ح 40، والبحار: 13 / 183 ضمن ح 19، والبرهان: 1 / 103 ضمن ح 1 3) ” تعثوا ” أ، س، قال الراغب في المفردات: 324: العيث والعثى يتقاربان نحو جذب وجيذ، الا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذى يدرك حسا، والعثى فيما يدرك حكما. 4) أي حافظا. (*)

[ 262 ]

ومن وطن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا جعله الله يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كل من تضمنته تلك العرصات أبصارهم عما يشاهدون من درجاتهم (1) وإن كل واحد منهم ليحيط بماله من درجاته، كاحاطته في الدنيا (لما يلقاه) (2) بين يديه، ثم يقال له: وطنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمد وآله الطيبين فقد جعل الله إليك ومكنك من تخليص كل من تحب تخليصه من أهل الشدائد في هذه العرصات. فيمد بصره، فيحيط بهم، ثم ينتقد من أحسن إليه أوبره في الدنيا بقول أو فعل أورد غيبة أو حسن محضر (3) أو إرفاق، فينتقده (4) من بينهم كما ينتقد الدرهم الصحيح من المكسور. ثم يقال له: اجعل هؤلاء في الجنة حيث شئت. فينزلهم جنان ربنا. ثم يقال له: وقد جعلنا لك، ومكناك من إلقاء من تريد في نار جهنم. فيراهم فيحيط بهم، وينتقدهم من بينهم كما ينتقد الدينار من القراضة. ثم يقال له: صيرهم من النيران إلى حيث شئت. فيصيرهم حيث يشاء من مضائق النار. فقال الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمد صلى الله عليه وآله: فإذا كان أسلافكم إنما دعوا إلى موالاة محمد وآله فأنتم [ الآن ] لما شاهدتموهم فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الافضل إلى موالاة محمد وآله، فتقربوا إلى الله عزوجل بالتقرب إلينا


1) ” درجاته ” ب، ط. 2) ” بما يلقاه من ” أ. ” بما يتلقاه ” التأويل، والبرهان. ” بثقله ” ب، س، ط. 3) ” أحسن محضرا ” أ. 4) نقدت الدراهم وانتقدتها: إذا أخرجت منها الزيف. (لسان العرب: 3 / 425). (*)

[ 263 ]

ولا تتقربوا من سخطه، ولا تتباعدوا (1) من رحمته بالازورار (2) عنا. (3) 130 – ثم قال الله عزوجل: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) واذكروا إذ قال أسلافكم: لن نصبر على طعام واحد: المن والسلوى، ولابد لنا من خلط معه. (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها. قال موسى – أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) يريد: أتستدعون الادنى ليكون لكم بدلا من الافضل ؟ ثم قال: (اهبطوا مصرا) [ من الامصار ] من هذا التيه ” فان لكم ما سألتم ” في المصر. ثم قال الله عزوجل: (وضربت عليهم الذلة) الجزية اخزوا بها عند ربهم وعند مؤمني عباده، ” والمسكنة ” هي الفقر والذلة ” وباءوا بغضب من الله ” احتملوا الغضب واللعنة من الله ” ذلك بأنهم كانوا ” بذلك الذي لحقهم من الذلة والمسكنة واحتملوه من غضب الله، ذلك بأنهم كانوا ” يكفرون بآيات الله ” قبل أن تضرب عليهم هذه الذلة والمسكنة (ويقتلون النبيين بغير الحق) وكانوا يقتلونهم بغير حق بلا جرم كان منهم إليهم ولا إلى غيرهم ” ذلك بما عصوا ” ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤا بغضب من الله [ بما عصوا ] (4) ” وكانوا يعتدون ” (أي) يتجاوزون أمر الله إلى أمر إبليس. (5) 131 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل، ولا تسخطوا


(1) ” فتتباعدوا ” ب، ص، ط. 2) أي بالاعراض والانحراف. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 64 ح 42، والبحار: 94 / 8 ح 10، والبرهان: 1 / 103 ضمن ح 1، ومستدرك الوسائل: 1 / 372 ح 12 (قطعة) واثبات الهداة: 1 / 392 ح 126 وج 3 / 67 ح 749 (قطعة). 4) من البحار. 5) عنه البحار: 13 / 184 ضمن ح 19، والبرهان: 1 / 103 ضمن ح 1. (*)

[ 264 ]

نعم الله، ولا تقترحوا على الله تعالى، وإذا ابتلي أحدكم في رزقه أو معيشته بما لا يحب، فلا يحدس (1) شيئا يسأله لعل في ذلك حتفه وهلاكه، ولكن ليقل. ” اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري هذا خيرا لي، وأفضل في دينى، فصبرني عليه، وقوني على احتماله، ونشطني للنهوض بثقل أعبائه وإن كان خلاف ذلك خيرا [ لي ] (2) فجد علي به، ورضني بقضائك على كل حال فلك الحمد “. فانك إذا قلت ذلك قدر الله [ لك ] ويسر لك ما هو خير. (3) 132 – ثم قال صلى الله عليه وآله: يا عباد الله فاحذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتى يوقعه فيما هو أعظم منها، فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو أعظم مما جنى حتى يوقعه في رد ولاية وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع نبوة نبي الله، ولا يزال أيضا بذلك (4) حتى يوقعه في دفع توحيد الله، والالحاد في دين الله. (5) 133 – ثم قال الله تعالى: ” إن الذين آمنوا ” بالله وبما فرض عليهم الايمان به من الولاية لعلي (6) بن أبي طالب والطيبين من آله. ” والذين هادوا ” يعني اليهود ” والنصارى ” الذين زعموا أنهم في دين الله متناصرون


(1) ” يجرين ” ب، ط. ” يجذين ” خ ل. ” ينجذن ” البحار. يحدثن ” تنبيه الخواطر. ” يجزين ” س، ص، البرهان. حدس في الامر: ظن، توهم. ونجذه: جربه. 2) من تنبيه الخواهر، وفى ” أ ” على. 3) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 102، والبحار: 71 / 149 ح 46، والبرهان: 1 / 104 ضمن ح 1. 4) ” كذلك ” أ. 5) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 102 (قطعة)، ومستدرك الوسائل: 2 / 313 ح 6. 6) ” نبوة نبى الله وولاية على ” البحار. (*)

[ 265 ]

” والصابئين ” الذين زعموا أنهم صبوا (1) إلى دين (الله، وهم بقولهم) (2) كاذبون. (من آمن بالله) من هؤلاء الكفار، ونزع عن كفره، ومن آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم، وأخلص ووفي بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمد وعلي وخلفائهما الطاهرين (وعمل صالحا) [ ومن عمل صالحا ] من هؤلاء المؤمنين. (فلهم أجرهم) ثوابهم (عند ربهم) في الآخرة (ولا خوف عليهم) هناك حين يخاف الفاسقون (ولا هم يحزنون) إذا حزن المخالفون، لانهم لا يعملوا من مخالفة الله (3) ما يخاف من فعله، ولا يحزن له. ونظر أمير المؤمنين [ علي ] عليه السلام إلى رجل [ فرأى ] أثر الخوف عليه، فقال: ما بالك ؟ قال: إني أخاف الله. قال: يا عبد الله خف ذنوبك، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثم لا تخف الله بعد ذلك، فانه لا يظلم أحدا ولا يعذبه فوق استحقاقه أبدا، إلا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل. فان أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه وما تأتيه من شر (4) فبامهال الله، وإنظاره إياك، وحلمه عند. (5) قوله عزوجل: ” واذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون. ثم توليتم من بعد ذلك فلو لا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين. ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم


(1) صبا إلى الشئ يصبو: إذا مال، وقيل: هو مهموز من صبأ إذا خرج من دين إلى دين. (النهاية: 3 / 10) 2) ” محمد وهم بقوله ” أ. 3) ” رسول الله صلى الله عليه وآله ” أ. 4) ” سوء نهاك الله تعالى عنه ” أ. ” سوء ” البحار، البرهان. 5) عنه البحار: 70 / 391 ح 60، والبرهان: 1 / 104 ضمن ح 1. (*)

[ 266 ]

في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين. فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين “: 63 – 66. 134 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل لهم: و [ اذكروا ] إذ (أخذنا ميثاقكم) وعهودكم أن تعملوا بما في التوراة، وما في الفرقان الذي أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمد وعلي والطيبين من آلهما، بأنهم سادة الخلق، والقوامون بالحق واذ أخذنا ميثاقكم أن تقروا به، وأن تؤدوه إلى أخلافكم، وتأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم إلى آخر مقدراتي في الدنيا، ليؤمنن بمحمد نبي الله، ويسلمن له ما يأمرهم [ به ] في علي ولي الله عن الله، وما يخبرهم به [ عنه ] من أحوال خلفائه بعده القوامين بحق الله، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه. (ورفعنا فوقكم الطور) الجبل، أمرنا جبرئيل أن يقطع من ” جبل فلسطين ” قطعة على قدر معسكر أسلافكم فرسخا في فرسخ، فقطعها، وجاء بها، فرفعها فوق رؤوسهم. فقال موسى عليه السلام لهم: إما أن تأخذوا بما امرتم به فيه، وإما أن القي عليكم هذا الجبل. فالجئوا إلى قبوله كارهين إلا من عصمه الله من العناد، فانه قبله طائعا مختارا. ثم لما قبلوه، سجدوا وعفروا، وكثير منهم عفر خديه لا لارادة الخضوع لله، ولكن نظر إلى الجبل هل يقع أم لا، وآخرون سجدوا طائعين مختارين. [ ثم قال عليه السلام ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: احمدوا الله معاشر شيعتنا على توفيقه إياكم، فانكم تعفرون في سجودكم لا كما عفره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفره خيارهم. قال الله عزوجل: (خذوا ما آتيناكم بقوة) من هذه الاوامر والنواهي من هذا الامر الجليل من ذكر محمد وعلي وآلهما الطيبين. (واذكروا ما فيه) فيما آتيناكم، اذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به، وشديد عقابنا على إبائكم له.


[ 267 ]

(لعلكم تتقون) لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب، فتستحقوا بذلك (1) جزيل الثواب. (2) 135 – قال الله عزوجل [ لهم ]: (ثم توليتم) يعني تولى أسلافكم (من بعد ذلك) عن القيام به، والوفاء بما عوهدوا عليه. (فلو لا فضل الله عليكم ورحمته) يعني على أسلافكم، لولا فضل الله عليكم بامهاله إياهم للتوبة، وإنظارهم لمحو الخطيئة بالانابة (لكنتم من الخاسرين) المغبونين، قد خسرتم الآخرة والدنيا، لان الآخرة [ قد ] فسدت عليكم بكفركم، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا (3) لكم، وتبقى عليكم حسرات نفوسكم وأمانيكم التي قد اقتطعتم دونها. ولكنا أمهلناكم للتوبة، وأنظرناكم للانابة، أي فعلنا ذلك بأسلافكم فتاب من تاب منهم، فسعد، وخرج من صلبه من قدر أن يخرج منه الذرية الطيبة التي تطيب في الدنيا [ بالله تعالى ] معيشتها، وتشرف في الآخرة – بطاعة الله – مرتبتها. وقال الحسين بن على (4) عليهما السلام: أما إنهم لو كانوا دعوا الله بمحمد وآله الطيبين بصدق من نياتهم، وصحة اعتقادهم من قلوبهم أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات، لفعل ذلك بجوده وكرمه. ولكنهم قصروا، وآثروا الهوى بنا (5) ومضوا مع الهوى في طلب لذاتهم. (6)


1) ” لذلك ” أ. 2) عنه تأويل الايات: 1 / 65 ح 43، والبحار: 13 / 237 ح 47. (قطعة)، وج 26 / 288 ضمن ح 48، والبرهان: 1 / 106 صدر ح 9. 3) ” لاخترامها ” أ. اخترمهم الدهر وتخرمهم: استأصلهم. (لسان العرب: مادة خرم) 4) ” الحسن بن على ” ب، ط. ” على بن الحسين بن على ” أ، س، ص. 5) ” فآثروا اللهو بنا ” أ. ” فآثروا الهوينا ” ص، والبحار. 6) عنه البحار: 26 / 289 ضمن ح 48، والبرهان: 1 / 106 ضمن ح 9. (*)

[ 268 ]

136 – ثم قال الله عزوجل: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) لما اصطادوا السموك (1) فيه (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مبعدين عن كل خير (فجعلناها) [ أي ] جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها (نكالا) عقابا وردعا (لما بين يديها) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات (رما خلفها) للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من عقابنا (وموعظة للمتقين) يتعظون بها، فيفارقون المخزيات (2) ويعظون [ بها ] الناس، ويحذرونهم المرديات. [ قصة أصحاب السبت: ] وقال على بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت. فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ما حرم الله، فخذوا أخاديد، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع [ منها إلى اللجج ]. فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله [ لها ] (3) فدخلت الاخاديد وحصلت (4) في الحياض والغدران. فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، وابقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها [ يوم الاحد ] بلا اصطياد لاسترسالها (5) فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.


(1) سماك وسموك جمع سمك، واحدتها سمكة. 2) ” المحرمات ” ب، ص، والبرهان. 3) من البحار والبرهان. 4) تحصل الشئ: اجتمع وثبت. 5) أي استئناسها واطمئنانها. (*)

[ 269 ]

فكانوا يأخذونها يوم الاحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الاحد، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع (1) أيديهم به. وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) (2) الآية. وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد (3) بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم (لم تعظون قوما الله مهلكهم) بذنوبهم هلاك الاصطلام (أو معذبهم عذابا شديدا). فأجابوا القائلين لهم هذا: (معذرة إلى ربكم) [ هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم ] إذ كلفنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم. قالوا: (ولعلهم يتقون) ونعظهم أيضا لعلهم تنجع (4) فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها. قال الله عزوجل: (فلما عتوا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر (عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) (5) مبعدين عن الخير، مقصين (6). قال فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون (7) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية اخرى قريبة من قريتهم


(1) اتسع الرجل: صار ذا سعة وغنى. 2) الاعراف: 163. 3) ” شدائد ” الاصل. والشدائد: – جمع شدة -: ما يحل بالانسان من مكاره الدهر. 4) نجع فيه الخطاب والوعظ: عمل فيه وأثر. 5) الاعراف: 166. 6) ” مغضبين ” أ. ” مقصرين ” البرهان: 1. أقصى فلانا عن الشئ: أبعده. 7) أي لا يبالون. ” يخافون ” أ، والبرهان: 2. (*)

[ 270 ]

وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم. فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة [ خاسئين ]، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد [ ولا يدخله أحد ]. وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، وتسنموا (1) حيطان البلد، فاطلعوا عليهم فإذا هم كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان ؟ أنت فلانة ؟ فتدمع عينه، ويؤمي برأسه (بلا، أو نعم). فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عزوجل [ عليهم ] مطرا وريحا فجرفهم (2) إلى البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فانما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها. (3) 137 – ثم قال على بن الحسين عليهما السلام: إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله عزوجل [ يكون ] حال من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وهتك حريمه ؟ ! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا، فان المعد لهم من عذاب [ الله في ] الآخرة [ أضعاف ] أضعاف عذاب المسخ. فقيل له: يا بن رسول الله فانا قد سمعنا منك هذا الحديث فقال لنا بعض النصاب: فان كان قتل الحسين عليه السلام باطلا، فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أفما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك ؟ قال على بن الحسين عليهما السلام: قل لهؤلاء النصاب: فان كان إبليس معاصيه أعظم من


(1) كل شئ علا شيئا فقد تسنمه. وفى ” أ ” تسموا. 2) جرف – بالفتح – الشئ: ذهب به كله أو معظمه. وفى ” س ” فجرتهم. 3) عنه البحار: 14 / 56 ح 13، والبرهان: 1 / 106 ضمن ح 9، وج 2 / 42 ح 3. (*)

[ 271 ]

معاصي من كفر باغوائه، فأهلك الله تعالى من شاء منهم كقوم نوح وفرعون، ولم (1) يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات ؟ (2) ألا (3) كان ربنا عزوجل حكيما بتدبيره وحكمه فيمن أهلك، وفيمن استبقى. فكذلك هولاء الصائدون [ للسمك ] في السبت، وهؤلاء القاتلون للحسين عليه السلام يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة، لا يسأل عما يفعل وهم (4) يسألون. (5) 138 – ثم قال على بن الحسين عليهما السلام: أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله تعالى لم يلهمهم ذلك، ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله تعالى فيهم على ماكان سطره في اللوح المحفوظ. (6) 139 – وقال الباقر عليه السلام: فلما حدث علي بن الحسين عليهما السلام بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول الله كيف يعاقب (7) الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف على قبائح أتى بها (8)


(1) ” فلم لم ” أ، ب، ط. 2) ” المحرمات ” خ ل. 3) ألا: حرف يستفتح به الكلام، ويدل على تحقق ما بعده. ” أما كان ” الاحتجاج. ” والا فان ” ب، س، ط. ” أولا فأن ” أ. 4) ” عباده ” ب، س، ص، ط، الاحتجاج، والبحار. وهو اقتباس من سورة الانبياء: 23. 5) عنه البحار: 14 / 58 ضمن ح 13 قطعة، والبرهان: 1 / 107 ضمن ح 9، وعنه البحار: 45 / 295 ح 2، وعوالم الامام الحسين: 611 ح 4 وعن الاحتجاج: 2 / 40. 6) عنه البحار: 14 / 59 ذ ح 13، والبرهان: 1 / 107 ضمن ح 9. 7) ” يجانب ” أ، ” يعاتب ” ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم. 8) ” ما أتاه ” أ، ب، س، ط. (*)

[ 272 ]

أسلافهم ؟ وهو يقول عزوجل: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (1) فقال زين العابدين عليه السلام: إن القرآن [ نزل ] (2) بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل [ هذا ] اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي (3) – قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه -: أغرتم على بلد كذا [ وكذا ] وقتلتم (4) كذا، ويقول العربي أيضا: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان ونحن خربنا بلد كذا، لا يريد أنهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل (5) وأولئك بالافتخار (6) أن قومهم فعلوا كذا. وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخ لاسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين، لان ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلان هؤلاء الاخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أن يقال [ لهم ] (7): أنتم فعلتم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم. (8) قوله عزوجل: ” واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. قال ادع لنا ربك يبين لنا ما


(1) الانعام: 164. 2) من الاحتجاج. 3) ” يقال للرجل التيمى ” أ. 4) ” فعلتم ” أ، ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم والبرهان. 5) أي اللوم. 6) ” بالامتحان ” الاصل. وما في المتن من الاحتجاج والبحار والعوالم والبرهان. 7) من البحار والعوالم. 8) عنه البرهان: 1 / 107 ضمن ح 9، وعنه البحار: 45 / 296 ضمن ح 2، وعوالم الامام الحسين: 612 ضمن ح 4 وعن الاحتجاج: 2 / 41. (*)

[ 273 ]

هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون. قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون. واذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ” 67 – 73 [ قصة ذبح بقرة بنى اسرائيل وسببها: ] 140 – قال الامام: قال الله عزوجل ليهود المدينة: واذكروا (إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا باذن الله عزوجل، ويخبركم بقاتله. وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسى عليه السلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إله [ موسى و ] بنى إسرائيل، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين [ إنا ] ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا، فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول، وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر القاتل فيقاد (1) منه فان لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو يشهدوا على القاتل. فقالوا: يا نبي الله أما وقت (2) أيماننا أموالنا و [ لا ] أموالنا أيماننا ؟ قال: لا، هكذا حكم الله. وكان السبب: أن إمرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل، وفضل بارع، ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها (3)، وكان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم


(1) القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل. 2) ” وفت ” أ. يقال: هذا الشئ لا يفى بذاك: أي يقصر عنه ولا يوازيه. قال المجلسي (ره): استبعاد منهم للحكم عليهم بالدية بعد حلفهم، أي ليس أيماننا وقاية لاموالنا وبالعكس حتى جمعت بينهما. 3) خطب الفتاة: دعاها أو طلبها إلى التزوج. (*)

[ 274 ]

سترا، وأرادت التزويج به، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له [ غيضا ]، وغبطاه عليها لايثارها إياه (1) فعمدا إلى ابن عمهما المرضي، فأخذاه إلى دعوتهما، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلا. فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان له، فمزقا [ ثيابهما ] (2) على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسى عليه السلام وسألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله. فقال: فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثه ما عرفتموه، فالتزموه. فقالوا: يا موسى أي نفع في أيماننا [ لنا ] (3) إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة ؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الايمان ؟ فقال موسى عليه السلام: كل النفع في طاعة الله والايتمار لامره، والانتهاء عما نهى عنه. فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا [ لو ] أن الله عرفنا قاتله بعينه، وكفانا مؤنته، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحقه من العقاب، وينكشف أمره لذوي الالباب. فقال موسى عليه السلام: إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم، ولا أعترض عليه فيما أمر. ألا ترون أنه لما حرم (4) العمل في يوم السبت، وحرم لحم الجمل لم يكن لنا


(1) ” من اثرتها اياه ” أ، س، ص، ق. ” من آثرته ” ب، ط، د. وما في المتن كما في البحار. 2) من البرهان. 3) من البحار، ق. 4) لقد أشبعنا موضوع تحريم العمل يوم السبت، وتحريم لحم الجمل، دراسة وبحثا وتحليلا في كتابنا ” المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم حسب التسلسل الطبيعي للموضوع ” ج 1 / 36 وج 2 / 164 – 172 فراجع. ففيه تجد ابطال ما قالته اليهود – كما عن التوراة المحرفة – من أنه تعالى أصابه اعياء ولغوب، فراح يستريح من عمله يوم السبت. تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وانما جعل > (*)

[ 275 ]

أن نقترح عليه أن يغير ماحكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، ونلتزم ما ألزمنا، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل، ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فاني إنما اريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي بعده على سائر البرايا، اغنية في الدنيا في هذه القضية، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله. فقال موسى: يا رب بين لنا قاتله. فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك، وإلا فكفوا عن المسألة ; والتزموا ظاهر حكمي. فذلك ما حكى الله عزوجل: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم – أي سيأمركم – أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل، وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل (قالوا – يا موسى – أتتخذنا هزوا) [ و ] سخرية ؟ تزعم أن الله يأمرنا أن نذبح بقرة، ونأخذ قطعة من ميت، ونضرب بها ميتا، فيحيى أحد الميتين بملاقات بعض الميت الآخر


< التحريم من الله على الذين اختلفوا فيه – وقال لا تعدوا في السبت – لبغيهم على الله وافترائهم بالتحريم على أنفسهم ابتداء، فأجابهم الله ابتلاء – ثم أخذهم بما اعتدوا في السبت – وهكذا في تحريم الطيبات. والحاصل أن كليهما كان حلالا من الله، فحرموه على أنفسهم بغيا، ثم حرمه الله عليهم لبغيهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. فراجع البحث بطوله. (*)

[ 276 ]

[ له ]، فكيف يكون هذا ؟ (قال – موسى – أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله تعالى ما لم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعا لقول الله عزوجل وأمره. ثم قال موسى عليه السلام: أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة (1)، وماء المرأة كذلك، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا ؟ أو ليس بذوركم (2) التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الاشجار الباسقة المونقة ؟ فلما بهرهم موسى عليه السلام قالوا له: يا موسى (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) [ أي ] ما صفتها لنقف عليها. فسأل موسى ربه عزوجل، فقال: (إنها بقرة لا فارض) كبيرة (ولا بكر) صغيرة [ لم تغبط ] (3) (عوان) وسط (بين ذلك) بين الفارض والبكر (فافعلوا ما تؤمرون) إذا امرتم به. (قالوا – يا موسى – ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.


(1) أي الظاهر في عصرهم، والا ففي الحقيقة وعصر العلم هي ذرات حية كشف عنها العلم الحاضر ويمكن مشاهدتها بالمجهر، وقد أشار إليها عزوجل في قوله: ” خلق الانسان من نطفة ” النحل: 4. 2) ” زروعكم ” أ. 3) ليس في البحار. وفي ب، وخ ل البرهان ” تفرض ” بدل تغبط. يقال: غبط الشاة إذا لمس منها الموضع الذى يعرف به سمنها من هزالها (النهاية: 3 / 341). والظاهر أنه كناية عن حداثة سنها وعدم انتقالها من شخص لاخر خلال عمليات بيع وشراء. وفرضت البقرة: طعنت في السن. (*)

[ 277 ]

قال [ موسى ] – عن الله بعد السؤال والجواب – (إنها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة (1) ليس بناقص يضرب إلى البياض، ولا بمشبع يضرب إلى السواد (لونها) هكذا فاقع (تسر – البقرة – الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها. (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها ؟ [ يزيد في صفتها ]. (قال – عن الله تعالى – إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض) لم تذلل لاثارة الارض (2) ولم ترض (3) بها (ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء، ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع (مسلمة) من العيوب كلها، لا عيب فيها (لاشية فيها) لا لون فيها من غيرها. فلما سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى [ أ ] (4) فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها ؟ قال: بلى. ولم يقل موسى في الابتداء (إن الله قد أمركم) لانه لو قال: إن الله أمركم (5) لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ماهي وما لونها [ وما هي ] كان لا يحتاج أن يسأله – ذلك – عزوجل، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأي شئ وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها.


(1) ” حسنة لون الصفراء ” أ. 2) أثاروا الارض: أي قلبوها للزراعة وعمروها بالفلاحة. 3) ” تربص ” خ ل. ابل رضارض: راتعة، كأنها ترض العشب. والرض: دق الشئ. وتربص بالمكان: لبث. 4) من البحار، ق، د. 5) ” يأمركم ” البحار. قال المجلسي (ره): حاصله أنه عليه السلام حمل قوله تعالى ” ان الله يأمركم ” على حقيقة الاستقبال، ولذا فسره بقوله سيأمركم، فوعدهم أولا بالامر، ثم بعد سؤالهم وتعيين البقرة أمرهم، ولو قال موسى أولا بصيغة الماضي ” أمركم أن تذبحوا لتعلق الامر بالحقيقة، وكان يكفى أي بقرة كانت.. أقول: للشريف المرتضى مجلس في تأويل هذه الاية. راجع أماليه: 2 / 36. (*)

[ 278 ]

قال: فلما استقر (1) الامر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزوجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما، فقالا له: إنك كنت لنا [ وليا ] محبا ومفضلا، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك، فان الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك. ففرح الغلام، وجاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه ؟ قال: بدينارين، والخيار لامي. قالوا: قد رضينا [ بدينار ]. فسألها، فقالت: بأربعة. فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين. فأخبر امه، فقالت: بثمانية. (2) فما زالوا يطلبون على النصف، مما تقول امه، ويرجع إلى امه، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها مل ء مسك (3) ثور أكبر ما يكون ملؤه (4) دنانير، فأوجب لهم البيع. ثم ذبحوها، وأخذوا قطعة وهي عجز (5) الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، وقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله. فقام سالما سويا وقال: [ يا نبي الله ] قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي [ منهم ]. فأخذ موسى عليه السلام الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجل ؟ فقال موسى عليه السلام: [ قد ] صدقت، وذلك إلى الله عزوجل.


(1) أي: ثبت عليهم. 2) ” بمائة ” س، ق، د والبحار. 3) أي جلد. 4) كذا في البحار. وفى الاصل: ملاء. وليس في التأويل. 5) ” عجب ” البحار. وهو أصل الذنب عند رأس العصعص. (*)

[ 279 ]

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا اخلف وعدي، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته مل ء مسكها دنانير ثم احيي هذا. فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار. فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام – وذلك بحضرة (1) المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق (2) أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم ! فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل: من أحب منكم أن اطيب في الدنيا (3) عيشه، واعظم في جناني محله، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران عليه السلام ذكر محمد صلى الله عليه وآله وعلي وآلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم (4) بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، ويكبت (5) بنفقاته ذوي العداوات. قال الفتى: يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال ؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لاجلها ؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا (بهذا القول مع صحة الاعتقاد) (6).


(1) ” بمحضر ” أ. المحضر: المشهد. 2) ” قال لبني اسرائيل ” أ. 3) ” دنياه ” أ، والبرهان. 4) ” لينتفع ” ب، ط، د. 5) ” يكب ” ب، ط. كبته كبتا: أذله، أهانه. وكب الرجل: صرعه. 6) ” ويدفع عنك ” البرهان. (*)

[ 280 ]

فقالها الفتى فما رامها حاسد [ له ] ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطف من ألطافه (1) حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف أضطرارا. [ قال عليه السلام: ] فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله عزوجل له – لمقالته – حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي (2) عني أعدائي وحسادي، وترزقني فيها [ خيرا ] (3) كثيرا طيبا. فأوحى الله إليه: يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه (4)، قوية فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فإذا حان (5) حينه [ حان حينها ] وماتا جميعا [ معا ] فصارا إلى جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين. ولو سألني – يا موسى – هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته – وذلك هو الملك العظيم – لفعلت. ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولاغنيت هذا الفتى من غير [ هذا الوجه بقدر ] هذا المال أوجده (6).


(1) ” بلطيفة من لطائفه ” أ، ب، س، ط. 2) ” تخزى ” البحار: 13. 3) من البحار، وفى التأويل بلفظ: منها أولادا. 4) الجنان – بفتح الجيم -: القلب. 5) ” جاء ” أ. الحين: الموت والهلاك. وحان: قرب وقته. 6) أوجد الله فلانا: أغناه وقواه. وفى ” أ “: الذى أوجده. (*)

[ 281 ]

ولو سألني بعد ما افتضح، وتاب إلى، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسى الناس فعله – بعدما ألطف لاوليائه فيعفونه عن القصاص – لفعلت، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل (1) اوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء، وأنا العزيز الحكيم. فلما ذبحوها قال الله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللجاج (2) حملهم على ذلك، واتهامهم لموسى عليه السلام حدأهم (3) عليه. [ قال: ] فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا (4) فادع الله لنا بسعة الرزق. فقال موسى عليه السلام: ويحكم ما أعمى قلوبكم ؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى ؟ أو ما سمعتم دعاء [ الفتى ] المقتول المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله ؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما (5) ليسد فاقتكم، ويجبر كسركم، ويسد خلتكم ؟ فقالوا: اللهم إليك التجأنا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم. فأوحى الله إليه: يا موسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا – لموضع عينه – وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ما هناك، فانه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود


(1) أي التوسل بمحمد صلى الله عليه وآله الطيبين. وفى ” ب، س، ط، ق، د، والبرهان ” فضلى. 2) أي الالحاح. 3) ” جرهم ” ب، ط، حدأ: لجأ. 4) كناية عن الافلاس الذى أصابهم. 5) ” وسيلتهما ” أ، س، ص، ق، د. (*)

[ 282 ]

أحوالهم إلى ما كانت [ عليه ] ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة (1) لتتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين، واعتقادهم لتفضيلهم. فذلك ما قال الله عزوجل: (وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها) اختلفتم فيها وتدارأتم، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، ودرأه عن نفسه وذويه (والله مخرج) مظهر (ما كنتم تكتمون) ما كان من خبر القاتل، وما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى عليه السلام باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه. (فقلنا اضربوه ببعضها) ببعض البقرة (كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والاخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له. أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الاصلاب والارحام حيا. وأما في الاخرة فان الله تعالى ينزل بين نفختي الصور – بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين (2) السماء الدنيا – من البحر المسجور الذي قال الله تعالى [ فيه ] (والبحر المسجور) (3) وهي (4) مني كمني الرجال، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض ويحيون. ثم قال الله عزوجل: (ويريكم آياته) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوة موسى عليه السلام نبيه، وفضل محمد صلى الله عليه وآله على الخلائق سيد إمائه وعبيده، وتبيينه (5) فضله وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين. (لعلكم تعقلون) [ تعتبرون و ] تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر


(1) ” الخمسه ” أ. 2) ” دون ” ب، ط. 3) الطور: 6. 4) ” هو ” ب، ط، ق، د. ” وهى من ” البحار. 5) ” وتثبت ” التأويل والبرهان. (*)

[ 283 ]

الخلق إلا بالحكمة، ولا يختار محمدا وآله إلا لانهم أفضل ذوي الالباب. (1) قوله عزوجل: ” ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون: ” 74 141 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (ثم قست قلوبكم) عست (2) وجفت ويبست من الخير والرحمة [ قلوبكم ] معاشر اليهود (من بعد ذلك) من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى عليه السلام، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد. (فهي كالحجارة) اليابسة لا ترشح برطوبة، ولا ينتفض (3) منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق الله تعالى تؤدون، ولا [ من ] أموالكم ولا من مواشيها تتصدقون، ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون، ولا الضيف تقرؤن، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشئ من الانسانية تعاشرون وتعاملون. (أو أشد قسوة) إنما هي في قساوة الاحجار (أو أشد قسوة) أبهم على السامعين ولم يبين لهم، كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت، بل يريد [ به ] أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ماذا أكل، وإن كان يعلم أنه قد أكل. وليس معناه: بل أشد قسوة، لان هذا استدراك غلط، وهو عزوجل يرتفع [ عن ]


(1) عنه تأويل الايات: 1 / 67 ح 44 باختصار، والبحار: 6 / 329 ح 13 (قطعة)، وج 7 / 43 ح 19 (قطعة)، وج 13 / 266 ح 7، وج 60 / 358 ح 46 (قطعة)، والبرهان: 1 / 108 ح 1. 2) ” عبست ” أ، ” عصت ” ص. ” عنت ” ط. ” غشت ” البرهان. عسى النبات عساء وعسوا: غلظ ويبس. 3) نفض الكرم: تفتحت عناقيده. (*)

[ 284 ]

أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لانه العالم بما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص. ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الاول بالثاني، لانه قال: (فهي كالحجارة) في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فإذا قال بعد ذلك: (أو أشد) فقد رجع عن قوله الاول: أنها ليست بأشد، وهذا مثل أن يقول: لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير. فأبهم عزوجل في الاول حيث قال: (أو أشد). وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله: (أو أشد قسوة) ولكن بقوله تعالى: (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير [ يا يهود ] وفي الحجارة ما يتفجر منه الانهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم. (وإن منها) من الحجارة (لما يشقق فيخرج منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الانهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج [ منها ] قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا. ثم قال الله تعالى: (وإن منها) يعني من الحجارة (لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسامي أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلى الله عليهم، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات. (وما الله بغافل عما تعملون) بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، ويؤلم عقابكم. وهذا الذى [ قد ] وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء: (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نفيرا) (1).


(1) النساء: 53. (*)

[ 285 ]

وما وصف به الاحجار ههنا نحو ما وصف (1) في قوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله). (2) وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والنواصب، واليهود جمعوا الامرين واقترفوا الخطيئتين (3) فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال جماعة من رؤسائهم، وذوي الالسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها خيرا كثيرا: نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما اريد به وجه الله تعالى، وعمل على ما أمر الله تعالى [ به ]. فأما ما اريد به الرياء والسمعة أو معاندة رسول الله، وإظهار الغنى (4) له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير، بل هو الشر الخالص، ووبال على صاحبه، يعذبه الله به أشد العذاب. فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا، ونحن نقول: بل ما ننفقه إلا لابطال أمرك ودفع رياستك (5) ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم، نؤمل به من الله الثواب الاجل الاجسم، وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى، فأي فضل لك علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم، فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ولكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من


(1) ” وصف الله به ” أ. 2) الحشر: 21. 3) ” الخطيرين ” أ. ” الخطيئتين الخطرين ” ب، ط. 4) ” العناد ” البحار. 5) ” ورفع رسالتك ” أ، والبرهان. (*)

[ 286 ]

موجبها ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم، وقلتم: إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، فإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتي بحيلة ومقدمات، فما الذي تقترحون ؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم، ويزيد في بصائر المؤمنين منكم. قالوا: قد أنصفتنا يا محمد، فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف، وإلا فأنت أول راجع من دعواك للنبوة، وداخل في غمار (1) الامة، ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك، وظهور الباطل في دعواك فيما ترومه من جهتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدق ينبئ عنكم (2) لا الوعيد، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. [ معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وآله باقتراح اليهود: ] فقالوا: يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء، ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل، وإحقاق الحق، وأن الاحجار ألين من قلوبنا، وأطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا، فهلم بنا إلى بعضها، فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا فان نطق بتصديقك فأنت المحق، يلزمنا اتباعك، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك، فاعلم بانك المبطل في دعواك، المعاند لهواك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده، ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه، فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده.


(1) أي جماعة الناس ولفيفهم. 2) ” بينى وبينكم ” البحار: 9. قال الميداني في مجمع الامثال: 398 رقم 2111 ” الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ” يقول: انما ينبئ عدوك عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها لا أن توعده ولا تنفذ لما توعد به. (*)

[ 287 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عزوجل. وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم، وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته. وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة [ مكانا ] عليا، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم، وتكذيبهم وجحدهم لقول محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فتحرك الجبل وتزلزل، وفاض منه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول [ الله ] رب العالمين، وسيد الخلائق أجمعين. وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة، لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجيرا. وأشهد أن هولاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك (1) من الفرية على رب العالمين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك أيها الجبل، أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه (2) منك بجاه محمد وآله الطيبين ؟ الذين بهم نجى الله تعالى نوحا عليه السلام من الكرب العظيم، وبرد الله النار على إبراهيم عليه السلام وجعلها عليه سلاما (3) ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير، لم ير ذلك الطاغية مثله لاحد من ملوك الارض أجمعين وأنبت حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة، وغمر ما حوله من أنواع المنثور (4) بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة.


(1) ” يعرفونك ” ب، ط. ” يقذفونك ” التأويل والبحار. قرف على القوم: بغى عليهم وكذب. 2) ” التمسته ” أ، والبرهان. 3) ” بردا وسلاما ” أ، ص، والبرهان. 4) ” النور ” البحار: 12. وج 17. ” الميثور ” أ. تصحيف ظ. والمنثور: نبات ذو زهر ذكى الرائحة. (*)

[ 288 ]

قال الجبل: بلى، أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قردة وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، وأن يقلب النيران جليدا، والجليد نيرانا لفعل، أو يهبط السماء إلى الارض، أو يرفع الارض إلى السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل وأنه قد جعل الارض والسماء طوعك، والجبال والبحار تنصرف بأمرك، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق وجوارح الانسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة، وما أمرتها [ به ] من شئ ائتمرت. فقال اليهود: يا محمد أعلينا تلبس وتشبه ؟ ! قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل، فهم ينطقون بهذا الكلام، ونحن لا ندري (1) أنسمع من الرجال أم من الجبل ! ؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح (2) في عقولهم، فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار، وامر هذا الجبل أن ينقلع من أصله، فيسير إليك إلى هناك، فإذا حضرك – ونحن نشاهده -. فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فإذا أصل الجبل قلته وقلته أصله، لنعلم أنه من الله لا يتفق بمواطأة، ولا بمعاونة مموهين متمردين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله – وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال -: يا أيها الحجر تدحرج. فتدحرج، ثم قال لمخاطبة: خذه وقربه من اذنك، فسيعيد عليك ما سمعت فان هذا جزء من ذلك الجبل. فأخذه الرجل، فأدناه إلى اذنه، فنطق به الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من


(1) ” ولا تعرف أنحن ” ط. 2) ” قال المجلسي (ره): أي تتمكن وتستقر في عقولهم، من قولهم: بحبح في المكان أي تمكن فيه، وفى بعض النسخ بالنونين والجيمين من قولهم: تنجنج: إذا تحرك وتجبره (*)

[ 289 ]

تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما ذكره عن قلوب اليهود، وفيما أخبر به من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد صلى الله عليه وآله باطل، ووبال عليهم. فقال [ له ] رسول الله صلى الله عليه وآله: أسمعت هذا ؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك [ ويوهمك أنه يكلمك ؟ ] قال: لا، فاتني بما اقترحت في الجبل. فتباعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فضاء واسع، ثم نادى الجبل: يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين الذين بجاههم (ومسألة عباد الله) (1) بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة [ هائلة ] في قوم صالح عليه السلام حتى صاروا كهشيم المحتظر، لما انقلعت من مكانك باذن الله، وجئت إلى حضرتي هذه – ووضع يده على الارض بين يديه. [ قال: ] فتزلزل الجبل وسار كالقارح (2) الهملاج حتى [ صار بين يديه، و ] دنا من إصبعه أصله فلزق (3) بها، ووقف ونادى: [ ها ] أنا سامع لك مطيع يا رسول (رب العالمين) (4) وإن رغمت انوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء [ المعاندين ] اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك، فتصير نصفين، ثم ينحط أعلاك، ويرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك. فقال الجبل: أفتأمرني بذلك يا رسول الله رب العالمين ؟ قال: بلى. فانقطع [ الجبل ] نصفين وانحط أعلاه إلى الارض، وارتفع أسلفه (5) فوق أعلاه


(1) ” عاذ عباد الله، وبهم الوسيلة إلى الله، و ” أ. 2) ” فصار كالفرس ” أ. القارح: ذو الحافر من الدواب الذى انتهى به السن. ودابة هملاج: حسنة السير في سرعة وتبختر. 3) ” فلصق ” أ. وكلاهما بمعنى واحد. 4) ” الله ” أ. 5) ” أصله ” ب، ط، والبرهان. (*)

[ 290 ]

فصار فرعه أصله، وأصله فرعه. ثم نادى الجبل: معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون ! ؟ فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: ما عن هذا محيص. وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت (1) يؤتى له، والمبخوت يتأتى له العجائب فلا يغرنكم ما تشاهدون [ منه ]. فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى عليه السلام هلا قلتم لموسى: إن قلب العصا ثعبانا، وانفلاق البحر طرقا، ووقوف الجبل كالظلة (2) فوقكم إنك يؤتى لك (3) يأتيك جدك (4) بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده منك. فألقمتهم الجبال – بمقالتها – الصخور، ولزمتهم (5) حجة رب العالمين. (6) قوله عزوجل: ” أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله


(1) البخت: كلمة فارسية، وهى الحظ، والمبخوت الذى يؤاتيه حظه بما يريد. 2) ” كأنه المظلة ” أ. 3) ” انما تأتى لك لانك مؤاتى لك ” ب، س، ص، ط. قال العلامة المجلسي (ره): المؤاتي بالهمز وقد يقلب واوا من المؤاتات وهى حسن المطاوعة والموافقة. 4) بالجيم المفتوحة: حظك. 5) ” فالتقمتهم الجبل بمقالتها (و / ظ) الصخور وألزمتهم ” أ. ” فالتقمهم الجبل بمقالتهم الزور ولزمتهم ” التأويل. 6) عنه مناقب آل أبى طالب: 92 (قطعة)، وتأويل الايات: 1 / 70 ح 45 باختصار، والبحار: 9 / 312 ح 11، وج 12 / 40 ح 28 (قطعة)، وج 17 / 335 ضمن ح 16، وج 70 / 161 ح 18 صدره والبرهان: 1 / 112 ح 1. وأورده في الخرائج والجرائح: 265 (مخطوط) باختصار (*)

[ 291 ]

عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون “: 75 – 77 142 – قال الامام عليه السلام: فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته (1) في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته فقالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي. وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون [ لهم: ] إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من (2) مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه (3) واصطلام أصحابه، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الاعداء عليهم. وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله على سوء اعتقادهم، وقبح [ أخلاقهم و ] دخلاتهم (4) وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد وواضح بيناته، وباهر معجزاته. فقال عزوجل: يا محمد (أفتطمعون) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين (أن يؤمنوا لكم) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن يؤمنوا لكم، ويصدقوكم بقلوبهم، ويبدوا في


(1) أي رده. 2) ” على دفع ” ب، س، ط، ق، د، والبرهان. 3) أي استئصاله. 4) دخلة الرجل ودخلته ودخيلته ودخيله: نيته ومذهبه وخلده وبطانته، لان ذلك كله يداخله. (لسان العرب: 11 / 240) (*)

[ 292 ]

الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم. (وقد كان فريق منهم) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل (يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء، وأوامره ونواهيه (ثم يحرفونه) عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل (من بعد ما عقلوه) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون (وهم يعلمون) أنهم في قيلهم كاذبون. وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، ووقفوا على أوامره، ونواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم، فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في نياتهم. وأما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه القضية فانهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن [ لا تفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ] ترتكبوه وتواقعوه. [ هذا ] وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون. ثم أظهر الله تعالى (على نفاقهم الآخر) (1) مع جهلهم. فقال عزوجل: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمارا قالوا آمنا كايمانكم، إيمانا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، مقرونا [ بالايمان ] بامامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبأنه أخوه الهادي، ووزيره [ الموالي ] (2) وخليفته على امته ومنجز عدته، والوافي بذمته (3) والناهض بأعباء سياسته، وقيم الخلق، والذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم – إن أطاعوه – رضى الرحمن. وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، والاقمار المنيرة، والشموس المضيئة


(1) ” نفاقهم على الاخرين ” البحار: 17. (2) ” المؤاتي ” البحار: 9، وج 70، ق، د. ” الموافى ” البحار: 17. (3) ” بدينه ” خ ل. (*)

[ 293 ]

الباهرة، وأن أولياهم أولياء الله، وأن أعداءهم أعداء الله. ويقول بعضهم: نشهد أن محمدا صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات. هو الذى لما تواطأت قريش على قتله، وطلبوه فقدا (1) لروحه أيبس الله تعالى أيديهم فلم تعمل، وأرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين (2) مغلوبين، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين. وهو الذى لما جاءته قريش، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه، وشهد له بنبوته، وشهد لاخيه علي بامامته، ولاوليائه من بعده بوراثته والقيام بسياسته وإمامته. وهو الذى لما ألجأته قريش إلى الشعب ووكلو ببابه من يمنع من إيصال قوت (3) ومن خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الاطعمات الطيبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم إذا رآهم وقد ضاق لضيق فجهم (4) صدورهم. قال بيده (5) هكذا بيمناه إلى الجبال، وهكذا بيسراه إلى الجبال، وقال لها: اندفعي. فتندفع، وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا يرى طرفاها، ثم يقول بيده هكذا، ويقول: أطلعي يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره (6) ما أودعكموها الله من الاشجار والثمار [ والانهار ] وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الاشجار الباسقة، والرياحين المونقة، والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والابصار وتنجلي به الهموم والغموم والافكار، ويعلمون أنه ليس


(1) ” قصدا ” ب، س، ط، ق، د. فقدته فقدا: عدمته فهو مفقود. 2) ” خاسئين ” أ. أي مدحورين. 3) ” قوت الله ” ب، ط. 4) الفج: الطريق الواسع بين جبلين. والمراد الشعب الذى كانوا فيه. 5) قال بيده: أهوى بها. 6) ” أصحابه ” ط. (*)

[ 294 ]

لاحد من ملوك الارض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدل أثمارها، واطراد أنهارها، وغضارة رياحينها، وحسن نباتها. [ رسالة أبى جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والجواب عنها: ] ومحمد هو الذي لما جاءه رسول أبى جهل يتهدده ويقول: يا محمد إن الخبوط (1) التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة، ورمت بك إلى يثرب، وإنها لا تزال بك [ حتى ] تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك (2) إلى أن تفسدها على أهلها، وتصليهم حر نار تعديك طورك، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك، ودفع ضررك وبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك (3) خوفه لان يهلك بهلاكك، و [ تعطب ] عياله بعطبك (4)، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك، وبفقر متبعيك (5)، إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب، كما يأتون على أموالك وعيالك، وقد أعذر من أنذر (6) وبالغ من أوضح.


(1) كذا في أكثر النسخ، وفى ” ب، ط، ق، د، الاحتجاج، والبحار ” خيوط.، ولم أجد (لها أصلا في كتب اللغة، اللهم الا إذا كانت كناية عن الجنون كما هو متعارف باللهجة العامية. والخبطه – بفتح الخاء – من تخبطه الشيطان إذا مسه بخيل أو جنون. ج خبط – بكسر الخاء وفتح الباء – وخبط – بضم الخاء وفتح الباء -. والخباط: داء كالجنون وليس به، ولعل ما في المتن تصحيف لهذا. 2) ” يبلغك ” أ، س، ط، ق، د. أي يجهدك. 3) ” مظاهرتك ” ب، ط. وكلاهما بمعنى واحد. 4) العطب: الهلاك. 5) ” شيعتك ” أ، والاحتجاج. 6) أي من حذرك ما يحل بك فقد أعذر اليك، أي صار معذروا عندك. (*)

[ 295 ]

اديت هذه الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وآله وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة (1) أصحابه وعامة الكفار به من يهود بني إسرائيل، وهكذا أمر الرسول، ليجنبوا (2) المؤمنين ويغروا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول: قد أطريت (3) مقالتك ؟ واستكملت رسالتك ؟ قال: بلى. قال صلى الله عليه وآله فاسمع الجواب: إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق، والقبول من الله أحق، لن يضر محمدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله عزوجل، ويتفضل بجوده وكرمه عليه. قل له: يا أبا جهل إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك (4) الشيطان، وأنا اجيبك بما ألقاه في خاطري (5) الرحمن: إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين [ يوما ] وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد، وفلان وفلان – وذكر عددا من قريش – في ” قليب بدر ” مقتلين أقتل منكم سبعين، وآسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء [ العظيم ] الثقيل. ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود [ والنصارى ] وسائر الاخلاط (6): ألا تحبون أن اريكم مصرع كل واحد من هؤلاء ؟ [ قالوا: بلى. قال: ] (7) هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر، وهناك البلاء الاكبر، لاضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص، ولا تتغير ولا تتقدم، ولا


(1) ” أكابر ” خ ل، ط. 2) ” ليجبن ” الاحتجاج، والبحار. جنبه الشئ: أبعده عنه. 3) ” أطويت ” أ. 4) بالتحريك: البال والقلب. 5) ” خلدي ” أ. والخاطر: ما يخطر بالقلب من أمر أو تدبير. 6) ” الاخلاء ” أ، والبرهان. 7) من الاحتجاج والبحار. (*)

[ 296 ]

تتأخر لحظة، ولا قليلا ولا كثيرا. فلم يخف ذلك على أحد منهم، ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب وحده، وقال: نعم، بسم الله. فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون ؟ قالوا: نحن نريد أن نستقر في بيوتنا، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في أدعائه محيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا نصب عليكم في المسير إلى هناك، اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوى الارض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك. فقال المؤمنون: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله، فلنتشرف بهذه الآية. وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد، وتصير دعواه حجة عليه، وفاضحة له في كذبه. قال: فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فاذاهم عند بئر بدر فعجبوا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة، واذرعوا من عندها كذا ذرعا. فذرعوا، فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي حهل، يجرحه فلان الانصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي. ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر [ ثم جانب آخر، ثم جانب آخر ] كذا وكذا ذراعا وذراعا، وذكر أعداد الاذرع مختلفة. فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله (1): هذا مصرع عتبة، وذلك مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان – إلى أن (سمى تمام) (2) سبعين منهم بأسمائهم – وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم، ونسب الموالي منهم


(1) ” محمد صلى الله عليه وآله ” أ، ب، ط. 2) ” ذكر ” أ. (*)

[ 297 ]

إلى مواليهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوقفتم على ما أخبرتكم به ؟ قالوا: بلى. قال (إن ذلك لحق) (1) كائن بعد ثمانية وعشرين يوما [ من اليوم ] (2) في اليوم التاسع والعشرين وعدا من الله مفعولا، وقضاء حتما لازما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم. فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد سمعنا، ووعينا ولا ننسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الكتابة [ أفضل و ] أذكر لكم. فقالوا يارسول الله صلى الله عليه وآله وأين الدواة والكتف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك للملائكة، ثم قال: يا ملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف، واجعلوا في كم (3) كل واحد منهم كتفا من ذلك. ثم قال: معاشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها وأخرجوه واقرؤوه. فتأملوها فإذا في كم كل واحد منهم صحيفة، قرأها، وإذا فيها ذكر ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك سواء، لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر. فقال: أعيدوها في أكمامكم، تكن حجة عليكم، وشرفا للمؤمنين منكم، وحجة على الكافرين (4). فكانت معهم. فلما كان يوم بدر جرت الامور كلها [ ببدر، ووجدوها ] كما قال صلى الله عليه وآله، لا يزيد ولا ينقص (5) قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم. فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا: أي شئ صنعتم ؟ أخبرتموهم بما


(1) ” وذاك ” أ. 2) من البحار. 3) أي مدخل اليد ومخرجها من الثواب. 4) ” أعدائكم ” أكثر النسخ والاحتجاج والبحار. 5) ” لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر ” ب، ط، والبرهان. (*)

[ 298 ]

فتح الله عليكم من الدلالات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله، وإمامة أخيه علي عليه السلام (ليحاجوكم به عند ربكم) بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه. وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له (1) عليهم حجة في غيرها ثم قال عزوجل: (أفلا تعقلون) أن [ هذا ] الذي تخبرونهم (2) [ به ] مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وآله حجة عليكم عند ربكم ؟ ! قال الله عزوجل: (أولا يعلمون) ؟ يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لاخوانهم: ” أتحدثونهم بما فتح الله عليكم “: (أن الله يعلم ما يسرون) من عداوة محمد صلى الله عليه وآله (3) ويضمرونه من أن إظهارهم الايمان به أمكن لهم من اصطلامه وإبارة (4) أصحابه (وما يعلنون) من الايمان ظاهرا ليؤنسوهم، ويقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم. وأن الله لما علم ذلك دبر لمحمد تمام أمره، وبلوغ غاية ما أراده الله ببعثه وأنه يتم أمره، وأن نفاقهم وكيادهم لا يضره. (5) قوله عزوجل: ” ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب الا أمانى وان هم الا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون “: 78 – 79


(1) ” لهم ” أ، البحار 17، والبرهان. 2) ” يخبرونهم ” أ، والبحار: 9، وج. 7. 3) ” عداوته ” أ. 4) ” ابادة ” البحار: 9 وج 70 والبرهان. وكلاهما بمعنى ” الاهلاك ” 5) عنه البحار: 9 / 316 ح 12 باختصار، وج 17 / 339 ضمن ح 16، وج 70 / 166 ضمن ح 18 باختصار، واثبات الهداة: 2 / 15 ح 209 (قطعة) والبرهان: 1 / 115 ح 1 وعنه في البحار: 19 / 265 ح 6 وعن الاحتجاج: 1 / 40 (قطعة). (*)

[ 299 ]

143 – قال الامام عليه السلام: [ ثم ] قال الله عزوجل: يا محمد ومن هؤلاء اليهود (اميون) لا يقرؤون [ الكتاب ] ولا يكتبون، كالامي منسوب إلى امه (1) أي هو كما خرج من بطن امه لايقرأ ولا يكتب (لا يعلمون الكتاب) المنزل من السماء ولا المكذب (2) به، ولا يميزون بينهما (إلا أماني) أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم: [ إن ] هذا كتاب الله وكلامه، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه (وإن هم إلا يظنون)، أي (3) ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم. قال: فقال رجل للصادق عليه السلام: فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم. فقال عليه السلام: بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث أنهم استووا، فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما [ قد ] ذم عوامهم. وأما من حيث أنهم افترقوا فلا. قال: بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ! قال عليه السلام: إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام وبالرشاء، وبتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات. وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم. وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل


(1) ” الام ” البحار: 9 وج 70، 2) ” المتكذب ” البحار. 3) ” الا ” أ والبرهان. (*)

[ 300 ]

ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم [ الله ] لما قلدوا من قد عرفوا، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، ولا تصديقه في حكايته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، وأشهر من أن لا تظهر لهم. وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لاصلاح أمره مستحقا، وبالترفق (1) بالبر والاحسان على من تعصبوا له، وإن كان للاذلال والاهانة مستحقا. فمن قلد من عوامنا [ من ] مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلا [ في ] بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا، ولا كرامة لهم، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل (2) عنا أهل البيت لذلك، لان الفسقة يتحملون عنا، فهم يحرفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الاشياء على غير [ مواضعها و ] وجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا (3) من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.


(1) ” بالتوقير ” ب. ” بالتوفر ” س، ص. ” بالترفرف ” الاحتجاج، البحار: 2 والبرهان. وهى كناية عن اللطف. 2) حمل العلم: نقله ورواه. 3) ” ليحرزوا ” ب، ط. (*)

[ 301 ]

ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا، وينتقصون [ بنا ] عند نصابنا (1) ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله [ المسلمون ] المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم (2). وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فانهم يسلبونهم الارواح والاموال، وللمسلوبين عند الله أفضل الاحوال لما لحقهم من أعدائهم. وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولاعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب. [ لا جرم ] أن من علم الله من قلبه – من هؤلاء العوام – أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر. ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب، ثم يوفقه الله تعالى للقبول منه فيجمع له بذلك خير الدنيا والآخرة، ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة. ثم قال: [ قال ] رسول الله صلى الله عليه وآله: شرار علماء أمتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أضدادنا (3) بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون، ويلعنوننا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا – عن صلواتهم علينا – مستغنون. (4)


(1) ” أنصارنا ” خ ل، ط. 2) ” وأضلوا ” ط، والبحار، والبرهان. 3) ” أندادنا ” الاحتجاج والبحار: 2، ق، د. 4) عنه البحار: 9 / 318 ضمن ح 12 (قطعة)، ج 70 / 168 ضمن ح 18 (قطعة) والبرهان: 1 / 117 ضمن ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 286 ح 8، وعنه الوسائل: 18 / 94 ح 20 > (*)

[ 302 ]

144 – ثم [ قال: ] قيل لامير المؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال: العلماء إذا صلحوا. قيل: فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود، وبعد المتسمين (1) بأسمائكم والمتلقبين (2) بألقابكم، والآخذين لامكنتكم، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال: العلماء إذا فسدوا، هم المظهرون للاباطيل، الكاتمون للحقائق، وفيهم قال الله عزوجل: (اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا) الآية. (3) ثم قال الله عزوجل: ” فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ” الآية. 145 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل [ هذا ] لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي (4) صلى الله عليه وآله وهو خلاف صفته، وقالوا للمستضعفين [ منهم ]: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان: إنه طويل، عظيم البدن والبطن، أصهب (5) الشعر، ومحمد صلى الله عليه وآله بخلافه، وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة. وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم، وتدوم لهم منهم إصابتهم (6)


< والبحار: 2 / 86 ضمن ح 12 وعن الاحتجاج: 2 / 262 (وفيه تقدم تفسير الاية التالية ” فويل للذين يكتبون… ” قبل حديث الامام الصادق عليه السلام، فلاحظ). 1) ” المسمين ” أ، ص. 2) ” الملقبين ” أ. 3) عنه البرهان: 1 / 118 ضمن ح 1، وص 171 ح 6، وعنه البحار: 2 / 89 ذ ح 12، وعن الاحتجاج: 2 / 264. والاية الاخيرة: 159 – 160 من سورة البقرة. 4) ” محمد صلى الله عليه وآله ” ب، ط، الاحتجاج، والبحار. 5) الصهبة: احمرار الشعر. 6) أصاب من الشئ: أخذ وتناول. (*)

[ 303 ]

ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله [ وخدمة علي عليه السلام ] وأهل خاصته. فقال الله تعالى: (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة (1) محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام، الشدة لهم من العذاب في أسوأ بقاع جهنم (وويل لهم) الشدة (لهم من) (2) العذاب ثانية مضافة إلى الاولى (مما يكسبون) من الاموال التي يأخذونها إذا أثبتوا (3) عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله، والجحد لوصيه: أخيه علي ولي الله عليهما السلام. (4) قوله عزوجل: ” وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون “: 80 – 82. 146 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (وقالوا) يعني اليهود [ المصرون ] (5) المظهرون للايمان، المسرون للنفاق، المدبرون على رسول الله صلى الله عليه وآله وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) وذلك أنه كان لهم أصهار (6) وإخوه رضاع من المسلمين يسرون (7) كفرهم عن محمد (8) صلى الله عليه وآله وصحبه، وإن كانوا به عارفين، صيانة لهم لارحامهم وأصهارهم. قال لهم هؤلاء: لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط


(1) ” لصفات ” أ، ص. 2) ” في ” أ. 3) ثبت وأثبت: جعله ثابتا. 4) عنه البحار: 9 / 318 ضمن ح 12، وج 70 / 168 ضمن ح 18، والبرهان: 1 / 119 ضمن ح 1، وعنه في البحار: 2 / 87 ضمن ح 1 وعن الاحتجاج: 2 / 262. 5) ” المقرون ” أ. 6) الصهر: القرابة، زوج الاخت أو الابنة. 7) ” يسترون ” س، د، والبرهان. 8) ” بمحمد ” أ، والبحار: 8. (*)

[ 304 ]

عليكم معذبون ؟ أجابهم هؤلاء اليهود: بأن مدة ذلك العذاب (1) الذي نعذب به لهذه الذنوب (أياما معدودة) تنقضي، ثم نصير بعد في النعمة في الجنان، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي [ هو ] بقدر أيام ذنوبنا، فانها تفنى وتنقضي، ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى. فقال الله عزوجل: (قل – يا محمد – أتخذتم عند الله عهدا) أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لآياته في نفسه، وفي علي وسائر خلفائه وأوليائه منقطع غير دائم ؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له، فلا تجتروا على الآثام والقبائح من الكفر بالله وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على امته، ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد الشفيق الرحيم [ الكريم ] لولده، ورعاية الحدب (2) المشفق على خاصته (فلن يخلف الله عهده) فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (أم تقولون على الله مالا تعلمون) اتخذتم عهدا ؟ أم تقولون ؟ (3) بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون. (4) ثم قال الله عزوجل ردا عليهم: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون): 81 147 – قال الامام عليه السلام: السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة (5) دين الله وتنزعه عن ولاية الله وترميه في (6) سخط الله [ و ] هي الشرك بالله، والكفر به، والكفر بنبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، والكفر بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (7) كل واحد


(1) ” العقاب ” أ 2) أي العطوف. وفى ” أ “: الجد. 3) ” تقولون جهلا ” البحار: 8. 4) عنه البحار: 8 / 300 ضمن ح 55، وج 9 / 319 ضمن ح 12، وج 70 / 169 ضمن ح 18، والبرهان: 1 / 119 ضمن ج 1. 5) ” حمله ” س. 6) ” لا تؤمنه ” ص، ق، د. 7) زاد في البحار: 8 ” وخلفائه “. (*)

[ 305 ]

من هذه سيئة تحيط به، أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها (فاولئك) عاملوا هذه السيئة المحيطة (أصحاب النارهم فيها خالدون). (1) [ في أن ولاية على عليه السلام حسنة لا يضر معها سيئة: ] 148 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ولاية علي حسنة لا يضر معها شئ (2) من السيئات وإن جلت إلا ما يصيب أهلها من التطهير منها بمحن الدنيا، وببعض العذاب في الآخرة إلى أن ينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين. وإن ولاية أضداد علي ومخالفة علي عليه السلام سيئة لا ينفع معها شئ إلا ما ينفعهم بطاعاتهم في الدنيا بالنعم والصحة والسعة، فيردون الآخرة ولا يكون لهم إلا دائم العذاب. ثم قال: إن من جحد ولاية علي لا يرى الجنة بعينه أبدا إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله ومأواه [ ومنزله ]، فيزداد حسرات وندامات. وإن من تولى عليا، وبرئ من أعدائه، وسلم لاوليائه لا يرى النار بعينه أبدا إلا ما يراه، فيقال له: لو كنت على غير هذا لكان ذلك مأواك، إلا ما يباشره منها إن كان مسرفا على نفسه – بما دون الكفر – إلى أن ينظف بجهنم (3) كما ينظف القذر من (4) بدنه بالحمام [ الحامي ] ثم ينتقل منها بشفاعة مواليه (5). 149 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا الله معاشر الشيعة، فان الجنة لن تفوتكم


(1) عنه البحار: 8 / 300 ضمن ح 55، وص 358 ح 19، والبرهان: 1 / 119 ضمن ح 1 وج 4 / 20 صدر ح 4. 2) ” سيئة ” خ ل. 3) ” بحبهم ” خ ل. 4) كذا استظهرها في ” أ “، وفى ” ب، س، ط، ق، د ” قذر، وليس في ” ص “. 5) عنه البحار: 8 / 301 ذ ح 55 (قطعة) والبرهان: 1 / 119 ذ ح 1، وج 4 / 20 ضمن ح 4. (*)

[ 306 ]

وإن أبطأت بكم عنها قبائح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها. قيل: فهل يدخل جهنم [ أحد ] من محبيك، ومحبي علي عليه السلام ؟ قال: من قذر نفسه بمخالفة محمد وعلي، وواقع المحرمات، وظلم المؤمنين والمؤمنات، وخالف ما رسماله (1) من الشرعيات (2) جاء يوم القيامة قذرا طفسا (3)، يقول له محمد وعلي: يا فلان أنت قذر طفس، لا تصلح لمرافقة مواليك الاخيار، ولا لمعانقة الحور الحسان، ولا لملائكة الله المقربين، ولا تصل إلى ما هناك إلا بأن يطهر عنك ما هيهنا – يعني ما عليه من الذنوب – فيدخل إلى الطبق الاعلى من جهنم، فيعذب ببعض ذنوبه. ومنهم من تصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه، ثم يلقطه (4) من هنا ومن هنا من يبعثهم إليه مواليه من خيار شيعتهم، كما يلقط (5) الطير الحب. ومنهم من تكون ذنوبه أقل وأخف فيطهر منها بالشدائد والنوائب من السلاطين وغيرهم، ومن الآفات في الابدان في الدنيا ليدلي في قبره وهو طاهر من [ ذنوبه ] (6). ومنهم من يقرب موته، وقد بقيت عليه (7) فيشتد نزعه، ويكفر به عنه، فان بقي شئ وقويت عليه يكون له بطن (8) أو أضطراب في يوم موته، فيقل من يحضره فيلحقه به الذل، فيكفر عنه، فان بقي شئ اتي به ولما يلحد ويوضع، فيتفرقون عنه، فيطهر. فان كانت ذنوبه أعظم وأكثر طهر منها بشدائد عرصات [ يوم ] القيامة، فان كانت


(1) رسم له كذا: أمره به. 2) ” الشريعات ” س، ص، ط، ق، د. الشرعي: ما وافق الاصل وانطبق عليه. 3) الطفس – بالتحريك -: الوسخ والدرن. 4) ” يلتقطه ” خ ل. 5) ” يلتقط ” خ ل. 6) من البرهان. وفى ” أ ” من ذنوبهم. 7) أي الذنوب. وزاد عليها في البحار: سيئة. 8) بالتحريك: داء البطن. وفى البحار: البطر وبطر الشئ: كرهه من غير أن يستحق الكراهة. (*)

[ 307 ]

أكثر وأعظم طهر منها في الطبق الاعلى من جهنم، وهؤلاء أشد محبينا عذابا وأعظمهم ذنوبا. ليس هؤلاء يسمون بشيعتنا، ولكنهم يسمون بمحبينا والموالين لاوليائنا والمعادين لاعدائنا، إن شيعتنا من شيعنا، واتبع أثارنا، واقتدى بأعمالنا. (1) [ بيان معنى الشيعة: ] 150 – وقال الامام عليه السلام: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: [ يا رسول الله ] فلان ينظر إلى حرم جاره (2) فان أمكنه مواقعة حرام لم ينزع (3) عنه ! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ائتوني به. فقال رجل آخر: يا رسول الله إنه من شيعتكم ممن يعتقد موالاتك وموالاة علي، ويتبرأ من أعدائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقل إنه من شيعتنا فانه كذب، إن شيعتنا من شيعنا وتبعنا في أعمالنا، وليس هذا الذي ذكرته في هذا الرجل من أعمالنا. (4) 151 – وقيل لامير المؤمنين [ وإمام المتقين، ويعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، ووصي رسول رب العالمين: إن ] (5) فلان مسرف على نفسه بالذنوب الموبقات، وهو مع ذلك من شيعتكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد كتبت عليك كذبة أو كذبتان، إن كان مسرفا بالذنوب على نفسه، يحبنا ويبغض أعداءنا، فهو كذبة واحدة، هو (6) من محبينا لا من شيعتنا.


(1) عنه البحار: 68 / 154 صدر ح 11، والبرهان: 4 / 21 ضمن ح 4. 2) ” فلان ” ب، س، ط. 3) ” يرع ” س، ص، ق، د. تنبيه الخواطر، والبحار. نزع عن كذا: كف وانتهى عنه. ورعا يرعو رعوا: رجع عن جهله. 4) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين: عنه تنبيه الخواطر: 2 / 105 5) من البحار. 6) ” لانه ” البحار. (*)

[ 308 ]

وإن كان يوالي أولياءنا ويعادي أعداءنا، وليس [ هو ] بمسرف على نفسه [ في الذنوب ] كما ذكرت فهو منك كذبة، لانه لا يسرف في الذنوب. وإن كان [ لا ] (1) يسرف في الذنوب ولا يوالينا ولا يعادي أعداءنا، فهو منك [ كذبتان ]. (2) 152 – [ قال عليه السلام: ] قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فسليها عني، أنا من شيعتكم، أو لست من شيعتكم ؟ فسألتها، فقالت عليها السلام: قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه فأنت من شيعتنا، وإلا فلا. فرجعت، فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالد في النار، فان من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار. فرجعت المرأة فقالت لفاطمة عليها السلام ما قال لها زوجها. فقالت فاطمة عليها السلام: قولي له: ليس هكذا [ فان ] شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا، ومعادي أعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الاعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم – بحبنا – منها، وننقلهم إلى حضرتنا (3). 153 – وقال رجل للحسن بن على عليهما السلام: يابن رسول الله أنا من شيعتكم. فقال الحسن بن علي عليهما السلام يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد


(1) استظهرها في ” ص ” وهو الصحيح. 2 و 3) عنه البحار والبرهان المتقدمين. (*)

[ 309 ]

صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير، وإلى خير. (1) 154 – وقال رجل للحسين بن على عليهما السلام: يابن رسول الله أنا من شيعتكم. قال عليه السلام: اتق الله ولا تدعين شيئا يقول الله تعالى لك: كذبت وفجرت في دعواك. إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش وغل ودغل (2) ولكن قل: أنا من مواليكم و [ من ] محبيكم. (3) 155 – وقال رجل لعلى بن الحسين عليهما السلام: يابن رسول الله أنا من شيعتكم الخلص فقال له: يا عبد الله فاذن أنت كابراهيم الخليل عليه السلام الذي قال الله فيه: (وإن من شيعته لابراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم) (4) فان كان قلبك كقلبه فأنت من شيعتنا وإن لم يكن قلبك كقلبه، وهو طاهر من الغش والغل [ فأنت من محبينا ] وإلا فانك إن عرفت أنك بقولك كاذب فيه، إنك لمبتلى بفالج لا يفارقك إلى الموت أو جذام ليكون كفارة لكذبك هذا. (5) 156 – وقال الباقر عليه السلام لرجل فخر على آخر [ قال ]: (6) أتفاخرني وأنا من شيعة آل محمد الطيبين ؟ ! فقال له الباقر عليه السلام: ما فخرت عليه ورب الكعبة، وغبن (7) منك على الكذب يا عبد الله، أمالك معك تنفقه على نفسك أحب إليك أم تنفقه على إخوانك المؤمنين ؟ قال: بل أنفقه على نفسي. قال: فلست من شيعتنا، فانا نحن ما ننفق على المنتحلين من إخواننا أحب إلينا


(1 و 3) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين، عنه تنبيه الخواطر: 2 / 106. 2 ” دخل “،. وهى – بالتحريك – ما داخل الانسان من فساد في العقل أو الجسم. 4) الصافات: 83 – 84. 5) عنه البحار والبرهان المذكورين. 6) استظهرها في ” أ “. 7) ” الغش ” خ ل.

[ 310 ]

[ من أن ننفق (1) على أنفسنا ] ولكن قل: أنا من محبيكم ومن الراجين للنجاة بمحبتكم. (2) [ في معنى الرافضى، وأن أول من سمى به سحرة موسى: ] 157 – وقيل للصادق عليه السلام: إن عمارا الدهني (3) شهد اليوم عند [ ابن ] أبي ليلى (4) قاضي الكوفة بشهادة، فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك. لا تقبل شهادتك، لانك رافضي. فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه، واستفرغه (5) البكاء.


(1) ” تنفق ” أ. 2) عنه البحار: والبرهان المذكورين. 3) قال النجاشي في رجاله: 411 ضمن ترجمة ولده معاوية: ” كان أبوه ثقة في العامة وجيها “. وقال الشيخ المامقانى ره في رجاله: 2 / 317: بالدال المهملة المضمومة والهاء الساكنة والنون والياء، نسبة إلى بنى دهن حى من بجيلة، وهم بنو دهن بن معاوية بن أسلم بن أحمص بن الغوث.. واشتهار الرجل بالتشيع كاشتهار الشمس في رابعة النهار. وقال – بعد نقله كلام النجاشي المتقدم -: ومثله بعينه في الخلاصة. وغرضهما من التقييد بقولهما ” في العامة ” ليس هو الحكم بكونه عاميا… بل غرضهما بذلك أن العامة أيضا كانوا يثقون به ويعظمونه. وكان له فيهم أيضا وجاهة لروايته عن عظمائهم والا فالرجل شيعي ثقة…. ” انتهى. أقول: وعلى كل لم يرد نص على أنه من العامة – كما يستظهر البعض -. وقد وثقه الذهبي في ميزان الاعتدال: 3 / 172 فقال: قال على بن المدينى: قال سفيان ابن عيينة: قطع بشر بن مروان بن الحكم عرقوبيه. قلت: في أي شئ ؟ قال: في التشيع. انتهى وسفيان هو أحد الرواة عنه. وقال ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب: 2 / 48: صدوق، يتشيع. 4) قال عنه الذهبي في سير النبلاء: 6 / 310: محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى مفتى الكوفة وقاضيها. 5) كذا في الاصل وتنبيه الخواطر والبحار، واستظهرها في رجال المامقانى: ” استغرقه ” يقال: استفرغ فلان مجهوده: إذا لم يبق من جهده وطاقته شيئا. واستغرق في البكاء: بالغ فيه. (*)

[ 311 ]

فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث، إن كان يسوءك أن يقال لك ” رافضي ” فتبرأ من الرفض، فأنت من إخواننا. فقال له عمار: يا هذا ما ذهبت والله حيث ذهبت، ولكني بكيت عليك وعلي: أما بكائي على نفسي فانك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها، زعمت أني رافضي، ويحك لقد حدثني الصادق عليه السلام ” أن أول من سمي الرافضة (1) السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى عليه السلام في عصاه آمنوا به [ ورضوا به ] واتبعوه ورفضوا أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم، فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه “. فالرافضي من رفض كلما كرهه الله، تعالى وفعل كل ما أمره الله، فأين في الزمان مثل هذا ؟ فانما بكيت على نفسي خشية أن (يطلع الله تعالى) (2) على قلبي، وقد تقبلت (3) هذا الاسم الشريف على نفسي، فيعاتبني (4) ربي عزوجل ويقول: يا عمار أكنت رافضا للاباطيل، عاملا للطاعات كما قال لك ؟ فيكون ذلك تقصيرا بي في الدرجات إن سامحني، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني، إلا أن يتداركني موالي بشفاعتهم. وأما بكائي عليك، فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي، وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله تعالى أن صرفت أشرف الاسماء إلى أن جعلته من أرذلها (5) كيف يصبر بذلك على عذاب [ الله، وعذاب ] كلمتك هذه ؟ ! فقال الصادق عليه السلام: لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والارضين لمحيت عنه بهذه الكلمات: وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عزوجل


(1) ” الرافضية ” أ. ” الرفضة ” البحار. 2) ” يطبع ” رجال المامقانى. يقال: طبع الله على قلبه: أي ختم وغطى فلا يعى ولا يوفق. 3) ” تلقبت ” س، ق، د، والبحار. 4) ” فيعاقبني ” ب، س، ص، ط، د. 5) ” أراذلها ” أ. والارذل: الردئ. (*)

[ 312 ]

حتى يجعل كل خردلة منها أعظم من الدنيا ألف (1) مرة (2). 158 – قال عليه السلام: وقيل لموسى بن جعفر عليهما السلام: مررنا برجل في السوق وهو ينادي: أنا من شيعة محمد وآل محمد الخلص، وهو ينادي على ثياب يبيعها: على من يزيد (3). فقال موسى عليه السلام: ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه، أتدرون ما مثل هذا ؟ [ ما مثل ] (4) هذا كمن قال: ” أنا مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ” وهو مع ذلك يباخس (5) في بيعة، ويدلس (6) عيوب المبيع على مشتريه، ويشتري الشئ بثمن فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له، ثم إذا غاب المشتري قال: لا أريده إلا بكذا بدون ماكان يطلبه [ منه ]، أيكون هذا كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ؟ حاش لله أن يكون هذا كهم ولكن لا نمنعه (7) من أن يقول: ” أنا من محبي محمد وآله محمد، ومن موالي أوليائهم ومعادي أعدائهم “. (8) 159 – قال عليه السلام: ولما جعل (9) إلى علي بن موسى الرضا عليهما السلام ولاية العهد دخل عليه آذنه فقال: إن قوما بالباب يستأذنون عليك، يقولون: نحن من شيعة علي عليه السلام. فقال عليه: أنا مشغول فاصرفهم. فصرفهم.


(1) ” ألف مائة الف ” أ. 2) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين، عنه الخواطر: 2 / 106، وتنقيح المقال: 2 / 318. 3 ” يريد ” ق. 4) من ق ود. 5) ” يناجش ” ب، س، ص، ط، ق، د. والبخس من الظلم، أن تبخس أخاك حقه فتنقصه كما يبخس الكيال مكياله، فينقصه. (لسان العرب: 6 / 24). وتناجش القوم في البيع: تزايدوا. 6) التدليس في البيع: كتمان عيب السلعة عن المشترى. 7) ” ما يمنعه ” البحار. 8) عنه البحار والبرهان المتقدمين. 9) على بناء المجهول، وفى البحار: جعل المأمون. (*)

[ 313 ]

فلما كان في اليوم الثاني جاؤا وقالوا كذلك، فقال مثلها، فصرفهم إلى أن جاؤه هكذا يقولون ويصرفهم شهرين، ثم أيسوا من الوصول وقالوا للحاجب: قل لمولانا: إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب عليه السلام وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا، ونحن ننصرف هذه الكرة، نهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا، وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة أعدائنا. فقال على بن موسى [ الرضا ] عليهما السلام: ائذن لهم ليدخلوا. فدخلوا عليه، فسلموا عليه، فلم يرد عليهم، ولم يأذن (1) لهم بالجلوس، فبقوا قياما، فقالوا: يابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب ؟ أي باقية تبقي منا بعد هذا ؟ فقال الرضا عليه السلام: اقرؤا (2) (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) (3). ما اقتديت إلا بربي عزوجل فيكم، وبرسول الله صلى الله عليه وآله وبأمير المؤمنين عليه السلام ومن بعده من آبائي الطاهرين عليهم السلام عتبوا عليكم، فاقتديت بهم. قالوا: لماذا يابن رسول الله ؟ قال [ لهم ]: لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ويحكم إنما شيعته الحسن والحسين عليهما السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره، ولم يرتكبوا شيئا من [ فنون ؟ ؟ ؟ ] زواجره. فأما أنتم إذا قلتم أنكم شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون، مقصرون في كثير من الفرائض [ و ] متهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا تجب التقية، وتتركون التقية [ حيث لا بد من التقية ]. لو قلتم أنكم موالوه ومحبوه، والموالون لاوليائه، والمعادون لاعدائه، لم انكره من قولكم، ولكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها، إن لم تصدقوها قولكم بفعلكم


(1) ” يؤذن ” ب، ط. 2) ” أفتروا ” أ. 3) الشورى: 30. (*)

[ 314 ]

هلكتم إلا أن تتدارككم رحمة [ من ] ربكم. قالوا: يابن رسول الله، فانا نستغفر الله ونتوب إليه من قولنا، بل نقول – كما علمنا مولانا – نحن محبوكم، ومحبوا أوليائكم، ومعادوا أعدائكم. قال الرضا عليه السلام: فمرحبا بكم يا إخواني وأهل ودي، ارتفعوا، ارتفعوا (1) فما زال يرفعهم حتى ألصقهم بنفسه، ثم قال لحاجبه: كم مرة حجبتهم ؟ قال: ستين مرة. فقال لحاجبه: فاختلف إليهم ستين مرة متوالية، فسلم عليهم واقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم وتوبتهم، واستحقوا الكرامة لمحبتهم لنا وموالاتهم. وتفقد أمورهم وامور عيالاتهم، فأوسعهم بنفقات ومبرات وصلات ودفع معرات (2). (3) 160 – قال عليه السلام: ودخل رجل على محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام وهو مسرور، فقال: ما لي أراك مسرورا ؟ قال: يا بن رسول الله، سمعت أباك يقول: أحق يوم بأن يسر العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات ومبرات وسد خلات من إخوان له مؤمنين، وإنه قصدني اليوم عشرة من إخواني [ المؤمنين ] الفقراء لهم عيالات، قصدوني من بلد كذا وكذا، فأعطيت كل واحد منهم (4) فلهذا سروري. فقال محمد بن علي عليهما السلام: لعمري إنك حقيق بأن تسر إن لم تكن أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد.


(1) كررها في البحار، ق، د، ثلاثا. 2) ” مضرات ” أ، والمعرة: المساءة والاذى والغرم والشدة. 3) اضافة للبحار والبرهان المذكورين، رواه في الاحتجاج: 2 / 236 باسناده عن الامام العسكري عليه السلام، عنه الوسائل: 11 / 470 ح 9 (قطعة) والبحار: 22 / 330 ح 39 (قطعة). 4) ” منهم (بكذا) كذا ” ب، س، ص، ق، د. (*)

[ 315 ]

فقال الرجل: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص ؟ قال: هاه (1) قد أبطلت برك باخوانك وصدقاتك. قال: وكيف ذاك يا بن رسول الله ؟ قال له محمد بن علي عليهما السلام: اقرأ قول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) (2). قال الرجل: يا بن رسول الله ما مننت على القوم الذين تصدقت عليهم ولا آذيتهم ! قال له محمد بن علي عليهما السلام: إن الله عزوجل إنما قال: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) ولمن يقل لا تبطلوا بالمن على من تتصدقون عليه، [ وبالاذى لمن تتصدقون عليه ] وهو كل أذى، أفترى أذاك للقوم الذين تصدقت عليهم أعظم، أم أذاك لحفظتك وملائكة الله المقربين حواليك، أم أذاك لنا ؟ فقال الرجل: بل هذا يا بن رسول الله. فقال: فقد آذيتني وآذيتهم وأبطلت صدقتك. قال: لماذا ؟ قال: لقولك ” وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص ” ويحك، أتدري من شيعتنا الخلص ؟ [ قال: لا. قال: شيعتنا الخلص ] حزقيل (3) المؤمن، مؤمن آل فرعون، وصاحب يس الذي قال الله تعالى [ فيه ]: (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى) (4) وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار، أسويت نفسك بهؤلاء ؟ أما آذيت بهذا الملائكة، وآذيتنا. فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه، فكيف أقول ؟


(1) هه: كلمة تذكر، وتكون بمعنى التحذير أيضا، فإذا مددتها وقلت: هاه كانت وعيدا في حال، وحكاية لضحك الضاحك في حال. (لسان العرب: 13 / 551). 2) سورة البقرة: 264. 3) ” حزبيل ” س، ص. 4) سورة يس: 20. (*)

[ 316 ]

قال: قل: أنا من مواليكم ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وموالي أوليائكم. فقال: كذلك أقول، وكذلك أنا يابن رسول الله، وقد تبت من القول الذي أنكرته، وأنكرته الملائكة، فما أنكرتم ذلك إلا لانكار الله عزوجل. فقال محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام: الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك وزال عنها الاحباط. (1) 161 – قال أبو يعقوب يوسف بن زياد وعلي بن سيار (رض): حضرنا ليلة على غرفة الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام وقد كان ملك الزمان له معظما، وحاشيته له مبجلين، إذ مر علينا والي البلد – والي الجسرين – ومعه رجل مكتوف، والحسن ابن علي عليهما السلام مشرف من روزنته (2). فلما رآه الوالي ترجل عن دابته إجلالا له. فقال الحسن بن علي عليهما السلام: عد إلى موضعك. فعاد، وهو معظم له، وقال: يابن رسول الله، أخذت هذا، في هذه الليلة، على باب حانوت صيرفي، فاتهمته بأنه يريد نقبه (3) والسرقة منه. فقبضت عليه، فلما هممت أن أضربه خمسمائة [ سوط ] – وهذا سبيلي فيمن أتهمه ممن آخذه – (4) ليكون قد شقى (5) ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني [ ويسألني فيه ] من لا أطيق مدافعته. فقال لي: اتق الله ولا تتعرض لسخط الله، فاني من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعة هذا الامام [ أبي ] القائم بأمر الله (6) عليه السلام.


(1) عنه البحار والبرهان المتقدمين. 2) هي الكوة النافذة. معربة. 3) ” أن ينقبه ” أ، نقب الحائط: خرقه. 4) زاد في البحار: ” لئلا يسألنى فيه من لا أطيق مدافعته “. 5) كذا في خ ل والبحار والبرهان، وفى ” أ ” ينقى، وفى الاخرى وق، د: سعى. 6) ” الامة ” ب، س، ط، ق، د. (*)

[ 317 ]

فكففت عنه، وقلت: أنا مار بك عليه، فان عرفك بالتشيع أطلقت عنك، وإلا قطعت يدك ورجلك، بعد أن أجلدك ألف سوط. وقد جئتك [ به ] يا بن رسول الله فهل هو من شيعة على عليه السلام كما ادعى ؟ فقال الحسن بن علي عليهما السلام: معاذ الله، ما هذا من شيعة علي عليه السلام، وإنما ابتلاه الله في يدك، لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة علي عليه السلام فقال الوالي: الآن كفيتني مؤونته، الآن (1) أضربه خمسمائة [ ضربة ] لا حرج علي فيها. فلما نحاه بعيدا، قال: ابطحوه، فبطحوه وأقام عليه جلادين، واحدا عن يمينه، وآخر عن شماله، وقال: أوجعاه. فأهويا إليه بعصيهما (2) فكانا لا يصيبان إسته شيئا إنما يصيبان الارض. فضجر من ذلك، وقال: ويلكما تضربان الارض ؟ اضربا إسته. [ فذهبا يضربان إسته ] فعدلت أيديهما (3) فجعلا يضرب بعضهما بعضا ويصيح ويتأوه. فقال: ويحكما، أمجنونان أنتما يضرب بعضكما بعضا ؟ ! اضربا الرجل. فقالا: ما نضرب إلا الرجل، وما نقصد سواه، ولكن تعدل أيدينا حتى يضرب بعضنا بعضا. قال: فقال: يا فلان ويا فلان حتى دعا أربعة وصاروا مع الاولين ستة، وقال: أحيطوا به، فأحاطوا به، فكان يعدل بأيديهم، وترفع عصيهم إلى فوق، فكانت لا تقع إلا بالوالي فسقط عن دابته، وقال: قتلتموني، قتلكم الله، ما هذا ؟ ! فقالوا: ما ضربنا إلا إياه ! ثم قال لغيرهم: تعالوا فاضربوا هذا. فجاؤا، فضربوه بعد فقال: ويلكم إياي تضربون ؟ ! فقالوا: لا والله، ما (4) نضرب إلا الرجل !


(1) ” أن ” ب، ط. 2) ” بقضيبهما ” أ. 3) ” أيديهم ” أ، والبرهان، وكذا. 4) ” لا ” أ، ب، ط. (*)

[ 318 ]

قال الوالي: فمن أين لي هذه الشجات (1) برأسي ووجهي وبدني، إن لم تكونوا تضربوني ؟ ! فقالوا: شلت أيماننا إن كنا [ قد ] قصدناك بضرب. فقال الرجل للوالي: يا عبد الله أما تعتبر بهذه الالطاف التي بها يصرف عني هذا الضرب، ويلك ردني إلى الامام، وامتثل في أمره. قال: فرده الوالي بعد [ إلى ] بين يدي الحسن بن علي عليهما السلام. فقال: يابن رسول الله، عجبنا (2) لهذا، أنكرت أن يكون من شيعتكم ومن لم يكن من شيعتكم، فهو من شيعة إبليس، وهو في النار، وقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلا للانبياء. فقال الحسن بن علي عليهما السلام: قل: أو للاوصياء. [ فقال: أو للاوصياء ]. فقال الحسن بن على عليهما السلام للوالي: يا عبد الله إنه كذب في دعواه – أنه من شيعتنا – كذبة لو عرفها ثم تعمدها لابتلى بجميع عذابك له، ولبقي في المطبق ثلاثين سنة، ولكن الله تعالى رحمه لاطلاق كلمة على ما عنى (3) لا على تعمد كذب وأنت يا عبد الله، فاعلم أن الله عزوجل قد خلصه من يديك، خل عنه فانه من موالينا ومحبينا، وليس من شيعتنا. فقال الوالي: ماكان هذا كله عندنا إلا سواء، فما الفرق ؟ قال له الامام عليه السلام: الفرق أن شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا، ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا، فاولئك [ من ] شيعتنا. فأما من خالفنا في كثير مما فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا. قال الامام عليه السلام للوالي: وأنت قد (4) كذبت كذبة لو تعمدتها وكذبتها لابتلاك الله عزوجل بضرب ألف سوط، وسجن ثلاثين سنة في المطبق. قال: وما هي يابن رسول الله ؟


(1) أي الجراحات. وهى في الرأس خاصة. 2) ” عجبا ” أ، والبرهان. 3) ” كلمته على عنى أ. عنى بما قاله كذا: أراده وقصده. 4) ” تب فقد ” أ. (*)

[ 319 ]

قال: بزعمك (1) أنك رأيت له معجزات، إن المعجزات ليست له إنما هي لنا أظهرها الله تعالى فيه أبانة لحجتنا (2) وإيضاحا لجلالتنا وشرفنا، ولو قلت: شاهدت فيه معجزات، لم أنكره عليك، أليس إحياء عيسى عليه السلام الميت معجزة ؟ أهي للميت أم لعيسى ؟ أو ليس خلق من الطين كهيئة الطير فصار طيرا باذن الله [ معجزة ] أهي للطائر أو لعيسى ؟ أو ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة، أهي (3) للقردة ؟ أو لنبي ذلك الزمان ؟ فقال الوالي: أستغفر الله [ ربي ] وأتوب إليه. ثم قال الحسن بن على عليهما السلام للرجل الذي قال إنه من شيعة علي عليه السلام يا عبد الله لست من شيعة علي عليه السلام، إنما أنت من محبيه، وإنما شيعة علي عليه السلام الذين قال عزوجل فيهم: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون). هم الذين آمنوا بالله ووصفوه بصفاته، ونزهوه عن خلاف صفاته، وصدقوا محمدا في أقواله، وصوبوه في كل أفعاله، ورأوا عليا بعده سيدا إماما، وقرما (4) هماما لا يعدله من امة محمد أحد، ولا كلهم إذا اجتمعوا في كفة يوزنون بوزنه، بل يرجح عليهم كما ترجح السماء والارض على الذرة. وشيعة علي عليه السلام هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم، أو وقعوا على الموت. وشيعة علي عليه السلام هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة وهم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم، ولا يفقدهم من حيث أمرهم. وشيعة علي عليه السلام هم الذين يقتدون بعلي في إكرام إخوانهم المؤمنين.


(1) ” زعمت ” البرهان. 2) ” لحجبنا ” س، ص، ق، د، والبرهان. 3) ” أفهى معجزة ” ص، ط، ق، د. 4) القرم: العظيم، السيد. (*)

[ 320 ]

ما عن قولي أقول لك هذا، بل أقوله عن قول محمد صلى الله عليه وآله، فذلك قوله تعالى: (وعملوا الصالحات) قضوا الفرائض كلها، بعد التوحيد واعتقاد النبوة والامامة وأعظمها [ فرضا ] (1): قضاء حقوق الاخوان في الله، واستعمال التقية من أعداء الله عزوجل (2) [ في وجوب الاهتمام بالتقية وقضاء حقوق المؤمنين: ] 162 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له، ومثل مؤمن لا يرعى حقوق إخوانه المؤمنين، كمثل من حواسه كلها صحيحة فهو لا يتأمل بعقله، ولا يبصر بعينه، ولا يسمع باذنه، ولا يعبر بلسانه عن حاجته، ولا يدفع المكاره عن نفسه بالادلاء بحججه (3) ولا يبطش لشئ بيديه، ولا ينهض إلي شئ برجليه، فذلك قطعة لحم قد فاتته المنافع، وصار غرضا لكل المكاره، فكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه، فاته ثواب (4) حقوقهم، فكان كالعطشان بحضرة الماء البارد فلم يشرب حتى طفى (5) وبمنزلة ذي الحواس لم يستعمل شيئا منها لدفاع مكروه، ولا لانتفاع محبوب، فإذا هو سليب كل نعمة، مبتلى بكل آفة. (6) 163 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: التقية من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين.


(1) ” فرضان ” الوسائل، والبرهان. 2) اضافة للبحار والبرهان المذكورين، عنه الوسائل: 11 \ 483 ح 1 (قطعة). 3) ” باداء الحجة ” أ. 4) ” فانه يفوت ” س، ص، ط، ق، د. ” فانه يفوت ثواب ” الوسائل. 5) ” طفئ عطشه ” أ. طفى: مات. 6) عنه الوسائل: 11 / 473 ح 2، والبحار: 75 / 414 صدر ح 68، ومستدرك الوسائل: 2 / 94 باب 105 ح 19، وأورده في جامع الاخبار: 110 فصل 53 مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عنه البحار: 74 / 229 صدر ح 25. (*)

[ 321 ]

وقضاء حقوق الاخوان أشرف أعمال المتقين، يستجلب مودة الملائكة المقربين وشوق الحور العين. (1) 164 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: إن التقية يصلح الله بها امة، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، وإن تركها ربما أهلك امة، وتاركها شريك من أهلكهم. وإن معرفة حقوق الاخوان تحبب إلى الرحمن، وتعظم الزلفى لدى الملك الديان، وإن ترك قضاءها يمقت إلى الرحمن، ويصغر الرتبة عند الكريم المنان. (2) 165 – وقال الحسين على عليهما السلام: لو لا التقية ما عرف ولينا من عدونا ولولا معرفة حقوق الاخوان ما عرف من السيئات شئ إلا عوقب على جميعها، لكن الله عزوجل يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). (3) 166 – وقال على بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الاخوان. (4) 167 – وقال محمد بن على عليهما السلام: أشرف أخلاق الائمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية، وأخذ النفس بحقوق (5) الاخوان. (6)


(1) عنه الوسائل: 11 / 473 ح 2، والبحار: 75 / 414 ضمن ح 68، اضافة لجامع الاخبار المتقدم. 2) عنه الوسائل: 11 / 473 ح 4، اضافة لما تقدم. 3) عنه الوسائل: 11 / 473 ح 5، والبحار: 75 / 415 ضمن ح 68، اضافة لجامع الاخبار المتقدم. والاية: 30 من سورة الشورى. 4 و 6) عنه السوائل: 11 / 474 ح 6 وح 7، اضافة لما تقدم. 5) ” لحقوق ” أ. (*)

[ 322 ]

168 – وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: استعمال التقية لصيانة الاخوان (1)، فان كان هو يحمي الخائف (2) فهو من أشرف (خصال الكرم) (3). والمعرفة بحقوق الاخوان من أفضل الصدقات والصلوات والزكاة والحج والمجاهدات. (4) 169 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: – وقد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك في وجهه، وقال: أسألك مسألة، فان أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ما طلبت، وإن لم تصبها أعطيتك ما طلبت – وقد كان طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها – فقال الرجل: سل. فقال موسى عليه السلام: لو جعل إليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى ؟ قال: كنت أتمنى أن ارزق التقية في ديني، وقضاء حقوق إخواني. قال: فما بالك لم تسأل الولاية لنا أهل البيت ؟ قال: ذاك قد اعطيته، وهذا لم اعطه، فأنا أشكر على ما اعطيت، وأسأل ربي عزوجل ما منعت. فقال: أحسنت، أعطوه ألفي درهم (5)، وقال: اصرفها في كذا – يعني العفص – (6) فانه متاع يابس وسيقبل (7) [ بعد ] ما أدبر، فانتظر به سنة، وأختلف إلى دارنا وخذ الاجراء في كل يوم. ففعل، فلما تمت له سنة، فإذا (8) قد زاد في ثمن العفص للواحد


(1) ” الدين والاخوان ” البحار. 2) ” الجانب ” البحار. 3) ” الكرام ” ب، وجامع الاخبار. 4) عنه الوسائل: 11 / 474 ح 8، اضافة لما تقدم. 5) وهذا يدلل على مدى كرمهم عليهم السلام ومساعدتهم للمحتاجين، وأيضا على اعجابه بالجواب. 6) هو حمل شجرة البلوط، وهو دواء قابض مجفف، يديغ به ويتخذ منه الحبر. وهو مولد ليس من كلام أهل البادية، يقال له بالفارسية: مازو. 7) ” بائر ويستقبل ” س، ص، ط. بارت السلعة: كسدت. ويابس كناية على أنه غير سريع التلف. 8) ” إذ ” ب، س، ص، ط، والبحار. (*)

[ 323 ]

خمسة عشر، فباع ما كان اشترى بألفي درهم بثلاثين ألف درهم (1). 170 – وكان على بن موسى عليهما السلام بين يديه فرس صعب، وهناك راضة (2) لا يجسر أحد منهم أن يركبه، وإن ركبه لم يجسر أن يسيره مخافة أن يشب (3) به، فيرميه ويدوسه بحافره، وكان هناك صبي ابن سبع سنين، فقال: يا بن رسول الله أتأذن لي أن أركبه واسيره واذلله ؟ قال: أنت ؟ ! قال: نعم. قال: لماذا ؟ قال: لاني قد استوثقت منه قبل أن أركبه بأن صليت على محمد وآله الطيبين الطاهرين مائة [ مرة ]، وجددت على نفسي الولاية لكم أهل البيت. قال: اركبه، فركبه، فقال: سيره. فسيره. وما زال يسيره ويعديه حتى أتعبه وكده، فنادى الفرس: يا بن رسول الله قد آلمني منذ اليوم، فاعفني منه، وإلا فصبرني تحته. [ ف‍ ] قال الصبي: سل ما هو خير لك ” أن يصبرك تحت مؤمن “. قال الرضا عليه السلام: صدق [ فقال: ] اللهم صبره. فلان الفرس وسار، فلما نزل الصبي قال: سل من دواب داري وعبيدها وجواريها ومن أموال خزائني ما شئت فانك مؤمن قد شهرك الله تعالى بالايمان في الدنيا. قال الصبي: يابن رسول الله [ صلى الله عليك وآلك ] وأسأل ما أقترح ؟ قال: يافتى اقترح، فان الله تعالى يوفقك لاقتراح الصواب. فقال: سل لي ربك التقية الحسنة، والمعرفة بحقوق الاخوان، والعمل بما أعرف من ذلك.


(1) عنه الوسائل: 11 / 474 ح 9 (قطعة) وج 12 / 312 ح 3 باختصار، والبحار: 75 / 415 ضمن ح 68، وحلية الابرار: 2 / 259، ومدينة المعاجز: 470 ح 129. 2) راض المهر: ذلله وطوعه وعلمه السير، فهو رائض، وجمعه راضة، ورواض، وروض، ورائضون. 3) شب الفرس: رفع يديه. (*)

[ 324 ]

قال الرضا عليه السلام: قد أعطاك الله ذلك، لقد سألت أفضل شعار الصالحين ودثارهم (1) 171 – وقيل لمحمد بن على عليهما السلام: إن فلانا نقب في جواره على قوم، فأخذوه بالتهمة، وضربوه خمسمائة (2) سوط. قال محمد بن علي عليهما السلام: ذلك أسهل من مائة ألف ألف سوط في النار، [ نبه ] على التوبة حتى يكفر ذلك. قيل: وكيف ذلك يابن رسول الله [ صلى الله عليه وعلى آلك ] ؟ قال: إنه في غداة يومه الذي أصابه ما أصابه ضيع حق أخ مؤمن، وجهر بشتم أبي الفصيل (3) وأبي الدواهي وأبي الشرور وأبي الملاهي، وترك التقية، ولم يستر على إخوانه ومخالطيه، فاتهمهم عند المخالفين، وعرضهم للعنهم وسبهم ومكروههم وتعرض هو أيضا، فهم الذين سووا (4) عليه البلية، وقذفوه بهذه التهمة. فوجهوا إليه وعرفوه ذنبه ليتوب، ويتلافى ما فرط منه، فان لم يفعل، فليوطن نفسه على ضرب خمسمائة سوط [ وحبس ] في مطبق لا يفرق [ فيه ] بين الليل والنهار. فوجه إليه، فتاب وقضى حق الاخ الذي كان قد قصر فيه، فما فرغ من ذلك حتى عثر باللص، واخذ منه المال، وخلى عنه، وجاءه الوشاة يعتذرون إليه. (5) 172 – وقيل لعلى بن محمد عليهما السلام: من أكمل الناس [ في ] خصال الخير ؟ قال: أعملهم بالتقية، وأقضاهم لحقوق إخوانه. (6)


(1) عنه الوسائل: 11 / 474 ح 10 (قطعة) والبحار: 75 / 416 ضمن ح 68، ومدينة المعاجز: 487 ح 79. 2) ” مائة ” س، ط، ق، د، والوسائل. 3) ” الفضيل ” بعض النسخ. تقدم بيانه ص 178. 4) ” بهتوا ” أ،، ب، ط. البهت والبهتان: الكذب والافتراء. 5) عنه الوسائل: 11 / 474 ح 11 (قطعة) والبحار: 75 / 416 ضمن ح 68. 6) عنه الوسائل: 11 / 475 ح 12 (وفيه: من أكمل الناس ؟) والبحار: 75 / 416 ذ ح 68. (*)

[ 325 ]

[ التواضع، وفضل خدمة الضيف ] 173 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدهم قضاء لها، أعظمهم عند الله شأنا، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين، ومن شيعة على بن أبي طالب عليه السلام حقا. ولقد ورد على أمير المؤمنين عليه السلام أخوان له مؤمنان: أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما، وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام، فاحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست، وإبريق [ من ] خشب، ومنديل لليبس، وجاء ليصب على يد الرجل ماءا. فوثب أمير المؤمنين عليه السلام، فأخذ الابريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين الله يراني (1) وأنت تصب الماء على يدي ؟ قال: اقعد، واغسل يديك فان الله عزوجل يراك وأخاك (2) الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عنك ويزيد بذلك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه (3) فيها. فقعد الرجل. فقال له علي عليه السلام: أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته وبجلته، وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به (4) من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا. ففعل الرجل [ ذلك ]. فلما فرغ، ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت [ الماء ] على يده، ولكن الله عزوجل يأبي أن يسوى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الاب على الاب، فليصب الابن على


(1) ” لا يرانى الله ” أ. 2) ” يرانى أخاك ” المناقب والحلية. 3) ” مماليكه ” البحار. 4) ” بما أشرفك ” أ. (*)

[ 326 ]

الابن. فصب محمد بن الحنفية على الابن. قال الحسن بن على عليهما السلام: فمن أتبع عليا عليه السلام على ذلك فهو الشيعي حقا. (1) قوله عزوجل: ” واذ أخذنا ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون الا الله و بالوالدين احسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكوة ثم توليتم الا قليلا منكم وأنتم معرضون “: 83. 174 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل لبني إسرائيل: واذكروا (إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) عهدهم المؤكد عليهم (لا تعبدون إلا الله): أي (2) لا يشبهوه (3) بخلقه، ولا يجوروه (4) في حكمه، ولا يعملوا ما يراد به [ وجهه يريدون به ] وجه غيره. (وبالوالدين إحسانا) وأخذنا ميثاقهم بأن يعملوا بوالديهم إحسانا، مكافاة على إنعمامهما عليهم، وإحسانهما إليهم، واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم وتوديعهم (وذي القربى) قرابات الوالدين بأن يحسنوا إليهم لكرامة الوالدين. (واليتامى) أي: وأن يحسنوا إلى اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين (5) لهم أمورهم، السايقين إليهم غذاءهم وقوتهم، المصلحين لهم معاشهم.


1) عنه تنبيه الخواطر: 2 / 107، وعنه في البحار: 75 / 117 ح 1 وعن الاحتجاج: 2 / 267 (باسناده إلى أبى محمد العسكري عليه السلام). وأورده في مناقب آل أبى طالب لابن شهر اشوب: 2 / 105، وحلية الابرار: 1 / 367 مرسلا عن الحسن العسكري عليه السلام. 2) زاد في بعض النسخ: أن لا تعبدوا الا الله، أي. 3) ” تشبهوه ” ب، س، ص، ط، والبحار، والبرهان. وكذا ما بعدها بصيغة المخاطب. 4) ” يجوزوه ” أ. 5) ” الكافين ” أ، ق، د. (*)

[ 327 ]

(وقولوا للناس) الذين لا مؤونة لهم عليكم (1) (حسنا) عاملوهم بخلق جميل. (وأقيموا الصلاة) الخمس، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين عند أحوال غضبكم ورضاكم، وشدتكم ورخاكم، وهمومكم المعلقة (2) لقلوبكم (ثم توليتم) أيها اليهود عن الوفاء بما قد نقل إليكم من العهد الذي أداه أسلافكم إليكم (وأنتم معرضون) عن ذلك العهد، تاركين له، غافلين عنه. (3) 175 – قال الامام عليه السلام: أما قوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من شغلته عبادة الله عن مسألته، أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين. (4) 176 – وقال على عليه السلام: قال الله عزوجل من فوق عرشه: ” يا عبادي اعبدوني فيما أمرتكم به ولا تعلموني ما يصلحكم، فاني أعلم به، ولا أبخل عليكم بمصالحكم ” (5) 177 – وقالت فاطمة صلوات الله عليها: من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله [ إليه ] أفضل مصلحته. (6) 178 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: من عبد الله عبد الله له كل شئ. (7) 179 – وقال الحسين بن على عليهما السلام: من عبد الله حق عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايته. (8)


1) ” لكم عليهم ” البحار. 2) ” المغلقة ” ب، ط. وفى التأويل: بقلوبكم بدل ” لقلوبكم “. 3) عنه البحار: 71 / 183 صدر ح 44، والبرهان: 1 / 120 ح 1، وتأويل الايات: 1 / 75 ح 51 (قطعة). 4) عنه البحار: 71 / 184 ضمن ح 44، والبرهان: 1 / 121 ح 12، ومستدرك الوسائل: 1 / 384 ح 3. 5) عنه البحار والبرهان المتقدمين. 6) عنه البحار: 71 / 184 ضمن ح 44، وأورده في تنبيه الخواطر: 2 / 108 مرسلا، وفى عدة الداعي: 218، عنه البحار: 70 / 249 ضمن ح 26. 7 و 8) عنه البحار: 71 / 184 ذ ح 44. (*)

[ 328 ]

180 – وقال على بن الحسين بن علي عليه السلام: إنى أكره أن أ عبد الله لا غرض لي إلا ثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطيع (1)، إن طمع عمل وإلا لم يعمل. وأكره أن أعبده [ لا غرض لي ] إلا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل. قيل له: فلم تعبده ؟ قال: لما هو أهله بأياديه علي وإنعامه. (2) 181 – وقال محمد بن على الباقر عليهما السلام: لا يكون العبد عابدا لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه، فحينئذ يقول: هذا خالص لي. فيقبله بكرمه. (3) 182 – وقال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: ما أنعم الله عزوجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله تعالى غيره. (4) 183 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: أشرف الاعمال التقرب بعبادة الله تعالى [ إليه ]. (5) 184 – وقال على بن موسى الرضا عليهما السلام [ في هذه الآية ] (إليه يصعد الكلم الطيب): [ فول ] لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي ولي الله، وخليفة محمد رسول الله حقا، وخلفاؤه خلفاء الله، و (العمل الصالح يرفعه) علمه في قلبه بأن هذا [ الكلام ] صحيح كما قلته بلساني. (6)


1) ” المطمع ” البحار والمستدرك. ” الطامع ” بدل ” الطمع ” ق، د. 2) عنه البحار: 70 / 198 وص 210 ح 33، ومستدرك الوسائل: 1 / 10 ح 2 3) عنه البحار: 70 / 198 وص 211 ضمن ح 32، ومستدرك الوسائل: 1 / 10 ح 8 وأورده في تنبيه الخواطر: 2 / 108 مرسلا، وفى عدة الداعي: 219، عنه البحار: 70 / 111 ضمن ح 14. 4) نفس التخريجة السابقة: الا أنه أخرجه في البحار: 70 / 429 ضمن ح 26 عن عدة الداعي. 5) التخريجة السابقة باستثناء عدة الداعي. 6) عنه البحار: 70 / 198 وص 211 ضمن ح 33. وأورده في تنبيه الخواطر: 2 / 108 وتأويل الايات: 2 / 479 ح 4 وفيه: والعمل الصالح يرفعه إليه، فهو دليله وعمله واعتقاده الذى في قلبه. والبحار: 24 / 358 ح 76، والبرهان: 3 / 358 ح 2 – > (*)

[ 329 ]

185 – وقال أيضا عليه السلام: مل ء (1) الارض من العباد المرائين لا يعدلون عند الله شيخا ضئيلا زمنا (2) يخلص عبادته. 186 – وقال محمد بن على عليهما السلام: أفضل العبادة الاخلاص. (3) 187 – وقال على بن محمد عليهما السلام: لو سلك الناس واديا وشعبا (4) لسلكت وادي رجل عبد الله وحده خالصا مخلصا. (5) 188 – وقال الحسن بن على (6) عليهما السلام: لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة لقمتها من يعبد الله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا وعطشا، ثم أذقته شربة من الماء (7) لرأيت أني قد أسرفت. (8) [ في أن الوالدين محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام: ] وقال: [ قال ] الله عزوجل: (وبالوالدين إحسانا).


1) < – مرسلا عنه عليه السلام. وروى القمى في تفسيره: 544 عن الصادق عليه السلام مثله، وفيه العمل الصالح الاعتقاد بالقلب ان هذا هو الحق من عند الله تعالى، لا شك فيه من رب العالمين. 1) ” مافى ” ق، د. 2) تقدم بيانه، وهو من أصابته العاهة. 3) عنه البحار: 70 / 245 صدر ح 20، وأورده في تنبيه الخواطر: 2 / 109 مرسلا وفى عدة الداعي: 219، عنه البحار: 70 / 249 ضمن ح 36. 4) ” وسيعا ” عدة الداعي. 5) نفس التخريجة السابقة، الا أنه أخرجه في البحار: 70 / 112 ذ ح 14 عن عدة الداعي. 6) لا ريب أن هذا القول من الامام عليه السلام، والا فالمملى عليه يقول قال الامام وانما صرح بالاسم لوحدة السياق مع ما قبلها. وسيأتى مثل ذلك. 7) ” الدنيا ” أ، ب، س، ط، ق، د. 8) اضافة للتخريجة السابقة، عنه مستدرك الوسائل: 3 / 85 ح 5 ذيله، وص 88 ح 6 صدره وأخرجه في البحار: 70 / 250 ضمن ح 26 عن عدة الداعي. (*)

[ 330 ]

189 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضل والديكم وأحقهما لشكركم محمد وعلي. (1) 190 – وقال على بن أبي طالب عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا وعلي أبوا هذه الامة، ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم، فانا ننقذهم – إن أطاعونا – من النار إلى دار القرار، ونلحقهم من العبودية بخيار الاحرار (2). (3) 191 – وقالت فاطمة عليها السلام: أبوا هذه، الامة محمد وعلي، يقيمان أودهم (4) وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما. (5) 192 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: محمد وعلي أبوا هذه الامة، فطوبى لمن كان بحقهما عارفا، ولهما في كل أحواله مطيعا، يجعله الله من أفضل سكان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه. (6) 193 – وقال الحسين بن على عليهما السلام: من عرف حق أبويه الافضلين (7): محمد وعلي عليهما السلام، وأطاعهما حق الطاعة قيل له: تبحبح في أي الجنان شئت. (8) 194 – وقال على بن الحسين عليهما السلام: إن كان الابوان إنما عظم حقهما على أولادهما لا حسانهما إليهم، فاحسان محمد وعلي عليهما السلام إلى هذه الامة أجل وأعظم فهما بأن يكونا أبويهم أحق. (9) 195 – وقال محمد بن على الباقر عليهما السلام: من أراد أن يعرف (10) كيف قدره عند


1 و 3) عنه تأويل الايات: 1 / 74 صدر ح 47، والبحار: 23 / 259 صدر ح 8، وج 36 / 8 صدر ح 11، والبرهان: 1 / 121 صدر ح 13، وج 3 / 245 صدر ح 3. 2) ” الاخيار ” س، ص. 4) الاود: العوج. 5) عنه البحار: 23 / 259) ضمن ح 8، وج 36 / 9 ضمن ح 11، والبرهان: 3 / 245 ضمن ح 3. 6) التخريجة السابقة. 7) ” الافضل ” نسخ الاصل: والبرهان. وكذا ما يأتي. 8 و 9) التخريجة السابقة. 10) ” يعلم ” أ، س، والبرهان. كل معرفة علم وليس كل علم معرفة. (*)

[ 331 ]

الله، فلينظر كيف قدر أبويه الافضل عنده محمد وعلي عليهما السلام. (1) 196 – وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: من رعى حق أبويه الافضلين: محمد وعلي عليهما السلام: لم يضره ما أضاع من حق أبوي نفسه وسائر عباد الله، فانها صلوات الله عليهما يرضيانهم بسعيهما. (2) 197 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: لعظم (3) ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلي أبويه الافضلين: محمد وعلي عليهما السلام. (4) 198 – وقال على بن موسى الرضا عليهما السلام: أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأمه الذين ولداه ؟ قالوا: بلى والله. قال: فليجتهد (5) أن لا ينفى عن أبيه وأمه (6) الذين هما أبواه (7) أفضل من أبوي نفسه (8)


1 و 2) التخريجة السابقة. 3) ” يعظم ” س، ق، د، البحار، والبرهان. 4) التخريجة السابقة. 5) ” فليجهد ” أ. 6) لا ريب أن الاب والام سببان للولادة، ويطلق عليهما ” الابوان والوالدان ” ولكن مما يؤسف له أن بعض من يدعى البراعة في الادب أو التحقيق تحدد والتزم بمعناهما الضيق الفج، ولا ندرى أتغافل أم غفل عما ينطويان عليه من معنى واسع ليؤول ويفسر هذا الحديث بما تشتهى نفسه ! أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله.. ! ! قال الراغب الاصفهانى في المفردات: 7: الاب: الوالد، ويسمى كل من كان سببا في ايجاد شئ أو اصلاحه أو ظهوره أبا، ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وآله أبا المؤمنين قال الله تعالى: ” النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم ” الاحزاب: 6. وروى أنه صلى الله عليه وآله قال لعلى عليه السلام: ” أنا وأنت أبوا هذه الامة “. وقيل: أبو الاضياف لتفقد اياهم، وأبو الحرب: لمهيجها، وسمى العم مع الاب: أبوين وكذلك الام مع الاب، وكذلك الجد مع الاب، وسمى معلم الانسان: أباه.. وقال في ص 22: يقال للرئيس: ام الجيش، وقيل لمكة ” ام القرى ” وذلك لما روى أن الارض دحيت من تحتها، وقيل لفاتحة الكتاب ” ام الكتاب ” لكونها مبدأ الكتاب. أقول: من المتواتر عند الفريقين أنه صلى الله عليه وآله قال: ” أنا وعلى أبوا هذه الامة ” فمضافا – > (*)

[ 332 ]

199 – وقال محمد بن على [ بن موسى ] عليهم السلام حتى قال رجل بحضرته: إني لاحب محمدا وعليا حتى لو قطعت إربا إربا، أو قرضت لم أزل عنه. قال محمد ابن علي عليهما السلام: لاجرم إن محمدا وعليا يعطيانك (1) من أنفسهما ما تعطيهما [ أنت ] من نفسك إنهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألف جزء من ذلك. (2) 200 – وقال على بن محمد عليهما السلام: من لم يكن والدا دينه محمد وعلي عليهما السلام أكرم عليه من والدي نسبه (3)، فليس من الله في حل ولا حرام، ولا كثير ولا قليل. (4)


1) < – إلى أنهما الاخوان مؤاخاة دينية خاصة كما صرحا بذلك صلوات الله عليهما في أكثر من حديث متواتر، هما السببان الوحيدان في احياء الامة وهدايتها، فكانا بحق سببان لولادة عصر جديد صدح بالحق وعبق بالطيب. فكما أن النبي صلى الله عليه وآله تلقى الكتاب والايمان من لدنه تعالى وكان رسولا إلى الامة جمعيا، فكذلك على عليه السلام امام من الله إلى الامة، وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، واورث الكتاب لتهوى إليه أفئدة من الناس في منافعهم ومعارفهم. فهو مخزن علم رسول الله صلى الله عليه وآله وينبوعه، وباب مدينة حكمته، وكلمته الباقية. قال على عليه السلام: حدثنى رسول الله صلى الله عليه وآله ألف حديث [ باب ] كل حديث [ باب ] يفتح ألف باب (انظر بصائر الدرجات: 314 ح 2 و 5). بل هو الامام وأبو الائمة، من صلبه خرجت الانوار حتى استكملت اثنا عشر اماما بعدد نقباء بنى اسرائيل، بهم وجد الخلق، وبهم يبقى، ولولاهم لساخت الارض بأهلها. وهو الامام (من الام – بالهمزة المفتوحة والميم المشددة -: القصد) الذى تقصده القلوب لتقتدى بقوله وفعله وتأتم به، وتهوى إليه الافئدة كما قال تعالى: ” فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ” ابراهيم: 37 7) ” محمد وعلى ” أ. 8) التخريجة السابقة. 1) ” معطياك ” ق ود. 2 و 4) التخريجة السابقة. 3) ” نفسه ” أ، ب، س، ط. (*)

[ 333 ]

201 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: من آثر طاعة أبوي دينه: محمد وعلي عليهما السلام على طاعة أبوي نسبه (1). قال الله عزوجل له: لاؤثرنك كما آثرتني (2) ولا شرفنك بحضرة أبوي دينك، كما شرفت نفسك بايثار حبهما على حب أبوي نسبك (3). (4) وأما قوله عزوجل (5): (وذي القربى) فهم من قراباتك من أبيك وأمك، قيل لك (6): اعرف حقهم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل، وأخذ عليكم معاشر أمة محمد صلى الله عليه وآله بمعرفة حق قرابات محمد صلى الله عليه وآله الذين هم الائمة بعده، ومن يليهم بعد (7) من خيار أهل دينهم. (8) [ الحث على رعاية حق قرابات أبوى الدين: ] 202 – قال الامام عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف (9) درجة، بعد ما بين كل درجتين حضر (10) الفرس الجواد المحضير (11)


1) ” نفسه ” أ. 2) ” آثرتهما ” ط. 3) ” نفسك ” أ. 4) التخريجة السابقة. 5) زاد قبلها في ” ط ” قال على عليه السلام، وفى التأويل بلفظ: وقال عليه السلام في قوله تعالى. وهو أظهر. 6) ” لكم ” ب، ط، ” لهم ” ص، وفيها: اعرفوا. 7) ” بعدهم ” ب، ط. 8) عنه تأويل الايات: 1 / 74 ضمن ح 47، والبحار: 23 / 261 ضمن ح 8، وج 36 / 10 ذ ح 11، وج 74 / 90 صدر ح 8، والبرهان: 1 / 121 ضمن ح 13، ومستدرك الوسائل: 2 / 641 صدر ح 34 (قطعة). 9) ” ألف ألف ” التأويل والبحار: 74. 10) بالضم: العدو. وأحضر الفرس: عدا شديدا. 11) ” المضمر ” ب، ط، س، ص، ق، د، والبحار: 23. المحضير: الشديد الركض. وتضمير الخيل: هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف الا قوتا. (*)

[ 334 ]

مائة (1) سنة، إحدى الدرجات من فضة، والاخرى من ذهب، والاخرى من لؤلؤ والاخرى من زمرد، والاخرى من زبرجد، والاخرى من مسك، والاخرى من عنبر والاخرى من كافور، فتلك الدرجات من هذه الاصناف. ومن رعى حق قربى محمد وعلي عليهما السلام أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي عليهما السلام على أبوي نفسه (2). (3) 203 – وقالت فاطمة عليها السلام لبعض النساء: أرضي أبوي دينك محمدا وعليا بسخط أبوي نسبك (4) ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك. فان أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد وعلي عليهما السلام بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما. وإن أبوي دينك [ محمدا وعليا ] إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما لان ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما. (5) 204 – وقال الحسن (6) بن على عليهما السلام: عليك بالاحسان إلى قرابات أبوي دينك: محمد وعلي، وإن أضعت قرابات أبوي نسبك، وإياك وإضاعة قرابات أبوي دينك: (7) بتلافى قرابات أبوي نسبك، فان شكر هؤلاء إلى أبوي دينك: محمد وعلي عليهما السلام أثمر لك من شكر هؤلاء إلى أبوي نسبك، إن قرابات أبوي دينك إذا شكروك عندهما – بأقل قليل نظرهما لك – يحط عنك ذنوبك ولو كانت


1) ” مائة ألف ” أ، ب، ط. 2) ” نسبه ” ص، ق، د، البحار، والمستدرك. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 74 ذ ح 47، والبحار: 8 / 179 صدر ح 137، ج 23 / 261 ضن ح 8، وج 74 / 90 ذ ح 8، والبرهان: 1 / 121 ذ ح 13، ومستدرك الوسائل: 2 / 401 ح 10، وص 641 ذ ح 34. 4) ” نفسك ” أ، وكذا بعدها. 5) عنه البحار: 23 / 261 ضمن ح 8. 6) ” الحسين ” خ ل المستدرك. 7) ” محمد وعلى فانه ” أ. (*)

[ 335 ]

مل ء مابين الثرى إلى العرش. وإن قرابات أبوي نسبك إن شكروك عندهما، وقد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلا (1). 205 – وقال على بن الحسين عليهما السلام: حق قرابات أبوي ديننا: محمد وعلي وأوليائهما أحق من قرابات أبوي نسبنا، إن أبوي ديننا يرضيان عنا أبوي نسبنا وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنا أبوي ديننا: محمد وعلي عليهما السلام. 206 – وقال محمد بن على عليهما السلام: من كان أبوا دينه: محمد وعلي عليهما السلام آثر لديه، وقراباتهما أكرم [ عليه ] من أبوي نسبه (2) وقراباتهما قال الله تعالى [ له ]: فضلت الافضل، لاجعلنك الافضل، وأثرت الاولى بالايثار، لاجعلنك بدار قراري، ومنادمة (3) أوليائي أولى. 207 – وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: من ضاق عن قضاء حق قرابة أبوي دينه وأبوي نسبه، وقدح كل واحد منهما في الآخر، فقدم قرابة أبوي دينه على قرابة أبوي نسبه. قال الله عزوجل يوم القيامة: كما قدم قرابة أبوي دينه فقدموه إلى جناني، فيزداد فوق ماكان أعد له من الدرجات ألف ألف ضعفها. 208 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام وقد قيل له: إن فلانا كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتريهما (4) لا تتسع بضاعته لهما، فقال: أيهما أربح [ لي ] ؟ فقيل له: هذا يفضل ربحه على هذا بألف ضعف.


1) الفتيل: ما يكون في شق النواة (النهاية 3 / 409). 2) ” نفسه ” أ، ب، ط. 3) ” مناديه ” أ. ندا (يندو ندوا) القوم: اجتمعوا وحضروا النادى. والنديم: الرفيق والصاحب. 4) ” يشتهيهما ” س، ص، ق، د، البحار، والمستدرك. (*)

[ 336 ]

قال عليه السلام: أليس يلزمه في عقله أن يؤثر الافضل ؟ قالوا: بلى. قال: فهكذا إيثار قرابة أبوي دينه (1): محمد وعلي عليهما السلام، أفضل ثوابا بأكثر (2) من ذلك، لان فضله على قدر فضل محمد وعلي على أبوي نسبه. 209 – وقيل للرضا عليه السلام: ألا نخبرك بالخاسر المتخلف ؟ قال: من هو ؟ قالوا: فلان باع دنانيره بدراهم أخذها، فرد ماله من عشرة آلاف دينار، إلى عشرة آلاف درهم. قال عليه السلام: بدرة (3) باعها بألف درهم، ألم يكن أعظم تخلفا وحسرة ؟ قالوا: بلى. قال: ألا أنبئكم بأعظم من هذا تخلفا وحسرة ؟ قالوا: بلى. قال: أرأيتم لو كان له ألف جبل من ذهب باعها بألف حبة من زيف، ألم يكن أعظم تخلفا وأعظم من هذا حسرة ؟ قالوا: بلى. قال: أفلا أنبئكم بمن هو أشد من هذا تخلفا، وأعظم من هذا حسرة ؟ قالوا: بلى. قال: من آثر في البر والمعروف [ قرابة أبوي نسبه ] على قرابة أبوي دينه: محمد وعلي عليهما السلام لان فضل قرابات محمد وعلي أبوي دينه على قرابات [ أبوي ] نسبه أفضل من فضل ألف جبل [ من ] ذهب على ألف حبة زائف. 210 – وقال محمد بن على الرضا عليهما السلام: من اختار قرابات أبوي دينه: محمد وعلي عليهما السلام على قرابات أبوي نسبه اختاره الله تعالى على رؤوس الاشهاد يوم التناد (4) وشهره بخلع كراماته، وشرفه بها على العباد إلا من ساواه في فضائله أو فضله (5). 211 – وقال على بن محمد عليهما السلام: إن من إعظام جلال الله إيثار قرابة أبوي دينك: محمد وعلي عليهما السلام على قرابة (6) أبوي نسبك، وإن من التهاون بجلال الله إيثار قرابة


1) ” دينك ” أكثر النسخ، والبحار والمستدرك. 2) ” بافضل ” أ. 3) البدرة: عشرة ألاف درهم. 4) ” القيامة ” ص. 5) ” وافضاله ” خ ل، ط. 6) ” قرابات ” خ ل، والمستدرك. (*)

[ 337 ]

أبوي نسبك على قرابة أبوي دينك: محمد وعلي عليهما السلام. 212 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: إن رجلا جاع عياله، فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهما، فاشترى به خبزا وإداما (1)، فمر برجل وامرأة من قرابات محمد وعلي عليهما السلام فوجدهما جائعين. فقال: هؤلاء أحق من قراباتي. فأعطاهما إياه، ولم يدر بماذا يحتج في منزله فجعل يمشي رويدا يتفكر فيما يعتل (2) به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم، إذ لم يجئهم بشئ. فبينا هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه (3)، فدل عليه، فأوصل إليه كتابا من مصر، وخمسمائة دينار في صرة، وقال: هذه بقية [ مالك ] حملته إليك من مال ابن عمك، مات بمصر، وخلف مائة ألف دينار على تجار مكة والمدينة، وعقارا كثيرا، ومالا بمصر بأضعاف ذلك. فأخذ الخمسمائة دينار ووسع على عياله، ونام ليلته. فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام، فقالا له: كيف ترى إغناءنا لك لما آثرت قرابتنا على قرابتك ؟ [ ثم ] لم يبق بالمدينة ولا بمكة ممن عليه شئ من المائة ألف دينار إلا أتاه محمد وعلي في منامه وقالا له: إما بكرت بالغداة على فلان بحقه من ميرات ابن عمه وإلا بكرنا عليك بهلاكك واصطلامك: وإزالة نعمك، وإبانتك من حشمك (4). فأصبحوا كلهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم حتى حصل عنده مائة ألف دينار وما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال إلا وأتاه محمد وعلي عليهما السلام في منامه، وأمراه هامش… 1) ” أدما ” أ. الادام – بالكسر – والادم: ما يؤكل مع الخبز. 2 ” يتعذر ” ب، ط. 3) ” بنعيج ويطلبه ” أ نعجت الناقة: أسرعت. وتقدم معنى الفيج. 4) الحشم: خدم الرجل. قال ابن السكيت: هي كلمة بمعنى الجمع. (*)


[ 338 ]

أمر تهدد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه. وأتى محمد وعلي عليهما السلام هذا المؤثر لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه فقالا له: كيف رأيت صنع الله لك ؟ قد أمرنا من في مصر أن يعجل إليك مالك، أفنأمر حاكمها بأن يبيع عقارك وأملاكك ويسفتج (1) إليك بأثمانها لتشترى بدلها من المدينة ؟ قال: بلى. فأتى محمد وعلي عليهما السلام حاكم مصر في منامه فأمراه أن يبيع عقاره، والسفتجة (2) بثمنه إليه، فحمل إليه من تلك الاثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغنى من بالمدينة. ثم أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا عبد الله هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، ولا عطينك في الآخرة بدل كل حبة من هذا المال في الجنة ألف قصر أصغرها أكبر من الدنيا، مغرز إبرة منها خير من الدنيا وما فيها. (3) 213 – وقال الامام عليه السلام: وأما قوله عزوجل: (واليتامى) فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حث الله عزوجل على بر اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم. فمن صانهم صانه الله، ومن أكرمهم أكرمه الله، ومن مسح يده برأس يتيم رفقا به جعل الله له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا بما فيها وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين، وهم فيها خالدون. (4)


1) ” يستفتح ” أ، س، ص، ق، د. ” يستفتج ” ب. سفتجه: عامله بالسفتجة، وهى أن تعطى مالا لرجل، فيعطيك خطا يمكنك من استرداد ذلك المال من عميل له في مكان آخر. 2) ” استفتحه ” أ. 3) الاحايث من (210 – 218) عنها البحار: 23 / 262 – 265 ضمن ح 8، ومستدرك الوسائل: 2 / 401 ح 11 – 19. 4) عنه منية المريد: 31، والمحجة البيضاء: 1 / 29، والبحار: 8 / 179 ضمن ح 137، وج 75 / 12 ح 44، والبرهان: 1 / 122 ح 14. (*)

[ 339 ]

[ في أن اليتيم الحقيقي هو المنقطع عن الامام عليه السلام: ] 214 – وقال الامام عليه السلام: وأشد من يتم هذا اليتيم، يتيم [ ينقطع ] عن إمامه لا يقدر على الوصول إليه، ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلي به من شرايع دينه. ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، وهذا (1) الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم (1) في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الاعلى. حدثني بذلك أبي، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله. (3) 215 – وقال على بن أبي طالب عليه السلام: من كان من شعيتنا عالما بشريعتنا، وأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه [ به ] جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضئ لاهل جميع تلك العرصات، و [ عليه ] حلة لا يقوم لاقل سلك منها الدنيا بحذافيرها. ثم ينادي مناد [ من عند الله ]: يا عباد الله هذا عالم من بعض تلامذة آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فيلتشبث بنوره، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان. فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا، أو أوضح له عن شبهة. (4)


1) ” فهدى ” منية المريد. 2) ” كان كمن أخذ يتيما ” منية المريد. 3) عنه تأويل الايات: 1 / 74 ح 48، ومنية المريد: 31، والمحجة البيضاء: 1 / 29 والبرهان. 1 / 122 ح 15، وعنه في البحار: 2 / 2 ح 1 وعن الاحتجاج 1 / 5 باسناده عن الحسن ابن على العسكري، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجه في عوالي اللئالى: 1 / 16 ح 1 عن الاحتجاج. 4) عنه منية المريد: 31، والمحجة البيضاء: 1 / 29، عنه في البحار: 2 / 2 ح 2 وعن الاحتجاج: 1 / 7 باسناده عن الحسن العسكري عليه السلام، عنه عليه السلام وأخرجه في عوال اللئالى: 1 / 17 ح 2 عن الاحتجاج. (*)

[ 340 ]

216 – قال عليه السلام: وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ، وقد بعثتني إليك أسألك. فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك، ثم ثنت (1)، فأجابت، ثم ثلثت [ فأجابت ] إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة عليها السلام: هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من أكترى يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه ؟ فقالت: لا. فقالت: أكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل ء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي [ رسول الله ] صلى الله عليه وآله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة (2) من نور. ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: أيها الكافلون لايتام آل محمد، الناعشون (3) لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والايتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم [ كما خلعتموهم ] (4) خلع العلوم في الدنيا. فيخلعون على كل واحد من أولئك الايتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم – يعني في الايتام – لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة (5) وكذلك يخلع هولاء الايتام على من تعلم منهم. ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هولاء العلماء الكافلين للايتام حتى تتموا


1) أي سألتها ثانية. 2) ” حلة ” ب، س، ط، د. الخلعة: الثوب الذى يعطى منحة. 3) نعشه: رفعه وأقامه، تداركه بعد هلكة. 4) من البحار: 7. 5) ” حلة ” أ. (*)

[ 341 ]

لهم خلعهم، وتضعفوها. فيتم لهم ماكان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم (1) ممن يخلع عليه على مرتبتهم. وقالت فاطمة عليها السلام: يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لافضل مما طلعت عليه الشمس (1) ألف ألف مرة، وما فضل (3) فانه مشوب بالتنغيص (4) والكدر. (5) 217 – قال الحسن بن على عليهما السلام: فضل كافل يتيم آل محمد، المنقطع عن مواليه الناشب في تيه (6) الجهل – يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه – على [ فضل ] كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السهى (7). (8) 218 – وقال الحسين بن على عليهما السلام: من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا (9) باستتارنا فواساه من علومنا التى سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله عزوجل له: يا أيها العبد الكريم المواسي إني أولى بالكرم (10) اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان


1) ” يليهم ” البحار: 2. وكذا التى تأتى. 2) أي الدنيا. 3) ” أفضل ” ب، س، ط. وأضاف في المحجة والمنية: ما طلعت عليه الشمس. 4) ” بالتنقيص ” أ. ” بالتنقص ” ب، ص، ط. ” بالتنغيض ” منية المريد. تنغص العيش: تكدر. وتنغض الشئ: اهتز واضطرب، تنقص الشئ: أخذ منه قليلا. 5) عنه منية المريد: 32، والمحجة البيضاء: 1 / 30، والبحار: 2 / 3 ح 3، وج 7 / 224 ضمن ح 143. 6) أي الواقع فيما لا مخلص منه. وفى ” أ ” التائية بدل ” الناشب “. 7) كوكب خفى من بنات نعش الصغرى. 8) عنه منية المريد: 33، والمحجة البيضاء: 1 / 31، وعنه في البحار: 2 / 3 ح 4، وعن الاحتجاج: 1 / 7. 9) ” محبتنا ” خ ل، ط، والبحار: 2. ” صحبتنا ” أ. ” غيبتنا و ” البحار: 8. قال المجلسي (ره): أي كان سبب قطعه عنا أنا أحببنا الاستتار عنه لحكمة، وفى بعض النسخ ” محنتنا ” بالنون وهو أظهر. 10) ” بهذا الكرم ” أ، س، البحار: 8. (*)

[ 342 ]

بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم. (1) 219 – وقال على بن الحسين عليهما السلام: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام حببني إلى خلقي، وحبب خلقي إلي. قال: يا رب كيف أفعل ؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني، فلئن ترد آبقا عن بابي، أو ضالا عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة (2) سنة بصيام نهارها وقيام ليلها. قال موسى عليه السلام: ومن هذا العبد الآبق منك ؟ قال: العاصي المتمرد. قال: فمن الضال عن فنائك ؟ قال: الجاهل بامام زمانه تعرفه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته، وما يعبد به ربه، ويتوصل (2) [ به ] إلى مرضاته. قال على عليه السلام: فابشروا معاشر علماء شيعتنا بالثواب الاعظم، والجزاء (4) الاوفر. (5) 220 – وقال محمد بن على عليهما السلام: العالم كمن معه شمعة تضئ للناس، فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة. فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أونجى بها من جهل، فهو من عتقائه من النار، والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل [ له ] من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الذي أمر الله عزوجل به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها، لكن يعطيه الله ما هو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة. (6)


1) عنه منية المريد: 33، والمحجة البيضاء: 1 / 31، والبحار: 8 / 180 ضمن ح 137. وعنه في البحار: 2 / 4 ح 5 وعن الاحتجاج: 8 1. 2) ” ألف ” أ. ” مائة ألف ” ط. 3) ” يتوسل ” س، ط، ق، د. 4) ” الثراء ” ب، س، ط. 5) عنه منية المريد: 33، والمحجة البيضاء: 1 / 31، والبحار: 2 / 4 ح 6. 6) عنه منية المريد: 33، والمحجة البيضاء: 1 / 31، وعنه في البحار: 2 / 4 ح 7 وعن الاحتجاج: 1 / 8. (*)

[ 343 ]

221 – وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: [ علماء ] شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب. ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر (1) ألف ألف مرة، لانه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم. (2) 222 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن (3) مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف عابد. لان العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته. ولذلك هو أفضل عند الله من (4) ألف ألف عابد. (5)


< – قال المجلسي (ره): لعله عليه السلام فضل تعليم العلم أولا على الصدقة بهذا المقدار الكثير في غير مصرفه لدفع ما يتوهمه عامة الناس من فضل الظلمة الذين يعطون بالاموال المحرمة العطايا الجزيلة على العلماء الباذلين للعلوم الحقة من يستحقه، ثم استدرك عليه السلام بأن تلك الصدقة وبال على صاحبها لكونها من الحرام، فلا فضل لها حتى يفضل عليها شئ، ثم ذكر عليه السلام فضله في عمل له فضل جزيل ليظهر مقدار فضله ورفعة قدره. 1) الخزر: جيل خزر العيون. وفى حديث حذيفة ” كأنى بهم خنس الانوف، خزر العيون ” والخزرة: انقلاب الحدقة نحو اللحاظ. لسان العرب: 4 / 236 لزيادة الاطلاع عليها راجع معجم البلدان: 2 / 367 ففيه تفصيل ذلك. 2) عنه منية المريد: 34، والمحجة البيضاء: 1 / 31، وعنه في البحار: 2 / 5 ح 8 وعن الاحتجاج: 1 / 8. 3) ” من ” أ. 4) ” من ألف عابد و ” س، ص، ق، ومنية المريد. وفى المحجة والاحتجاج بلفظ: من ألف ألف عابد وألف ألف عابدة. 5) عنه منية المريد: 34. والمحجة البيضاء: 1 / 31، وعنه في البحار: 2 / 5 ح 9 وعن الاحتجاج: 1 / 8. (*)

[ 344 ]

223 – وقال على بن موسى الرضا عليهما السلام: يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك، وكفيت الناس مؤنتك، فادخل الجنة. ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفر عليهم نعم جنان الله، وحصل لهم رضوان الله تعالى. ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لايتام آل محمد، الهادي لضعفاء محبيه ومواليه قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك. فيقف، فيدخل الجنة ومعه فئاما وفئاما (1) – حتى قال عشرا – وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم فرق (2) ما بين المنزلتين ؟ ! (3) 224 – وقال محمد بن على عليهما السلام: إن من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الاسراء في أيدي شياطينهم، وفى أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم، ودليل أئمتهم، ليفضلون عند الله تعالى على العابد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الارض، والعرش والكرسي والحجب [ على السماء ] وفضلهم على هذا العابد (4) كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء. (5) 225 – وقال على بن محمد عليهما السلام: لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم (6) عليه الصلاة


1) الفئام – بكسر الفاء -: الجماعة من الناس. وفسر في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير بمائة ألف. 2) ” صرف ” أ، ص، ق والاحتجاج. الصرف: الفضل. 3) عنه منية لمريد: 34، والمحجة البيضاء: 1 / 32، وعوالي اللئالى: 1 / 19. والبحار: 7 / 225 ضن ح 143، وعنه في البحار: 2 / 5 ح 10 وعن الاحتجاج: 1 / 9. 4) ” العباد ” الاحتجاج. 5) عنه منية المريد: 34، والمحجة البيضاء: 1 / 32، وعنه في البحار: 2 / 6 ح 11 وعن الاحتجاج: 1 / 9. 6) ” قائمنا ” المحجة. (*)

[ 345 ]

والسلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الافضلون عند الله عزوجل. (1) 226 – وقال الحسن بن على (2) عليهما السلام: يأتي علماء شيعتنا، القوامون لضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة، والانوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبثت تلك الانوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة. فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه، ومن ظلمة الجهل أنقذوه (3) ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلو حتى يحاذي بهم فوق الجنان. ثم تنزلهم (4) على منازلهم السعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا يدعون إليهم. ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عيناه وصمت أذناه، وأخرس لسانه، ويحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية، فيدعوهم (5) إلى سواء الجحيم. (6) وأما قوله عزوجل: (والمساكين) فهو من سكن الضر والفقر حركته. ألا فمن واساهم بحواشي ماله، وسع الله عليه جنانه، وأناله غفرانه ورضوانه.


1) عنه منية المريد: 35، والمحجة البيضاء: 1 / 32، وعنه في البحار: 2 / 6 ح 12 وعن الاحتجاج: 1 / 9. 2) زاد في البحار ” عن أبيه عليهما السلام “. 3) ” قد علموه ” أ، ب، ط. ” علموه ” س، ق، د. 4) ” ينزلونهم ” ص، منية المريد، المحجة. 5) أي فعوهم يدفعا عنيفا وبجفوة. 6) عنه منية المريد: 35، والمحجة البيضاء: 1 / 32، والبحار: 7 / 225 ضمن ح 143 وعنه في البحار: 2 / 6 ح 13 وعن الاحتجاج: 1 / 10. (*)

[ 346 ]

[ في أن المسكين الحقيقي مساكين الشيعة الضعفاء في مقابلة أعدائهم: ] 227 – قال الامام عليه السلام: وإن من محبي محمد [ وعلي ] (1) مساكين، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت (2) جوارحهم، وضعفت قواهم عن مقاتلة (3) أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم، ويسفهون أحلامهم، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه (4) حتى أزال مسكنتهم، ثم سلطهم على الاعداء الظاهرين: النواصب وعلى الاعداء الباطنين: إبليس ومردته، حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله صلى الله عليه وآله. حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم، فأعجزهم عن إضلالهم. قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله. (5) 228 – وقال على بن أبي طالب عليه السلام: من قوى مسكينا في دينه، ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف، فأفحمه (6) لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني. فيقول الله: أدليت بالحجة، فوجبت لك أعالي درجات الجنة. فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة. (7) 229 – وقالت فاطمة عليها السلام وقد اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شئ من أمر


1) ” وآل محمد ” البحار. 2) ” تنكست ” أ. نكس الرجل: ضعف وعجز. 3) ” مقابلة ” ب، س، ص، ط، ق، د. 4) ” وعلمهم ” أ، والبرهان. 5) عنه تأويل الايات: 1 / 75 ح 49، والبرهان: 1 / 122 صدر ح 17، وعنه في البحار: 2 / 7 ضمن ح 13 وعن الاحتجاج: 1 / 10. 6) أي أسكته بالحجة. 7) عنه البحار: 6 / 228 ح 31، والبرهان: 1 / 122 ذ ح 17. وعنه في البحار: 2 / 7 ح 14 وعن الاحتجاج: 1 / 10. (*)

[ 347 ]

الدين: إحديهما معاندة، والاخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحا شديدا. فقالت فاطمة عليها السلام: إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها. وإن الله عزوجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الاسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ماكنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين، فيغلب معاندا مثل ألف ألف (1) ماكان له معدا من الجنان. (2) 230 – وقال الحسن بن على [ بن أبي طالب ] عليهما السلام – وقد حمل إليه رجل هدية – فقال له: أيما أحب إليك ؟ أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا، عشرين ألف درهم، أو أفتح لك بها بابا من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الامرين، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت قال يابن رسول الله فثوابي في قهري لذلك الناصب، واستنقاذي لاولئك الضعفاء من يده، قدره عشرون ألف درهم ؟ قال عليه السلام: بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة ! فقال: يابن رسول الله فكيف أختار الادون ! بل أختار الافضل: الكلمة التي أقهر بها عدو الله، وأذوده عن أولياء الله. فقال الحسن بن على عليهما السلام: قد أحسنت الاختيار. وعلمه الكلمة (3)، وأعطاه عشرين ألف درهم. فذهب، فأفحم الرجل، فاتصل خبره به عليه السلام، فقال له إذ حضره:


1) ” ضعف ” خ ل. 2) عنه البحار: 8 / 180 ضمن ح 137، وعنه البحار: 2 / 8 ح 15 وعن الاحتجاج: 1 / 11. 3) ” الحكمة ” ط. (*)

[ 348 ]

يا عبد الله ما ربح أحد مثل ربحك، ولا اكتسب أحد من الاوداء (1) ما اكتسبت: اكتسبت: مودة الله أولا، ومودة محمد صلى الله عليه وآله وعلى عليه السلام ثانيا، ومودة الطيبين من آلهما ثالثا، ومودة ملائكة الله [ المقربين ] رابعا، ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا [ وما فيها ألف ] ألف مرة فهنيئا [ لك ] هنيئا. (2) 231 – وقال الحسين بن على عليهما السلام لرجل: أيهما أحب إليك ؟ رجل يروم قتل مسكين قد ضعف، تنقذه من يده ؟ أو ناصب يريد إضلال مسكين [ مؤمن ] من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع [ المسكين ] به منه ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى ؟ قال: بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب. إن الله تعالى يقول: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (3) [ أي ] ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان، فكأنما أحيا الناس جميعا من قبل (4) أن يقتلهم بسيوف الحديد. (5) 232 – وقال على بن الحسين عليها السلام لرجل: أيما أحب إليك: صديق كلما رآك أعطاك بدرة دنانير، أو صديق كلما رآك بصرك بمصيدة من مصائد الشياطين، وعرفك ما تبطل به كيدهم، وتخرق [ به ] شبكتهم، وتقطع حبائلهم ؟ قال: بل صديق كلما رآني علمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي وأدفع عني بلاءه. (6) قال عليه السلام: فأيهما أحب إليك: استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الكافرين، أو استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الناصبين ؟ قال: يابن رسول الله، سل الله أن يوفقني


1) ” الاوتاد ” أ، الاوداء: جمع: وديد وهو المحب. 2) عنه البحار: 2 / 8 ح 16، عن الاحتجاج: 1 / 11. 3) المائدة: 32. 4) بكسر القاف وفتح الباء: أي من جهة قتلهم بالسيوف، ويحتمل فتح القاف وسكون الباء. قاله المجلسي (ره). 5) عنه البحار: 2 / 9 ح 17. 6) ” بلابله ” أ. بلبلة الصدر: وساوسه. (*)

[ 349 ]

للصواب في الجواب. قال عليه السلام: اللهم وفقه. قال: بل استنقاذي المسكين الاسير من يد الناصب، فانه توفير الجنة عليه، وإنقاذه من النار، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا، ودفع الظلم عنه فيها، والله يعوض هذا المظلوم بأضعاف ما لحقه من الظلم، وينتقم من الظالم بما هو عادل بحكمه. قال عليه السلام: وفقت لله أبوك ! أخذته من جوف صدري لم تجزم (1) مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله حرفا واحدا. (2) 233 – وسئل الباقر محمد بن على عليهما السلام: إنقاذ الاسير المؤمن من محبينا من يد الناصب يريد أن يضله بفضل لسانه وبيانه أفضل، أم إنقاذ الاسير من أيدي [ أهل ] الروم ؟ قال الباقر عليه السلام للرجل: أخبرني أنت عمن رأى رجلا من خيار المؤمنين يغرق وعصفورة تغرق لا يقدر على تخليصهما بأيهما اشتغل فاته الآخر ؟ أيهما أفضل أن يخلصه ؟ قال: الرجل من خيار المؤمنين. قال عليه السلام: فبعد ما سألت في الفضل أكثر من بعد ما بين هذين، إن ذاك يوفر عليه دينه وجنان ربه، وينقذه من النيران، وهذا المظلوم إلى الجنان يصير. (3) 234 – وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: من كان همه في كسر النواصب عن المساكين الموالين لنا أهل البيت يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم (4) ويبين عوراتهم (5) ويفخم أمر محمد وآله صلى الله عليه وآله، جعل الله همة (6) أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من


1) ” تخرم ” ص، والبحار. وكلاهما بمعنى، أي لم تقطع، أو تنقص. 2) عنه البحار: 2 / 9 ح 18. 3) عنه البحار المتقدم. 4) ” مجاريهم ” أ. 5) ” عوارهم ” ب، ط، ق، د، والاحتجاج. العورة: كل مكمن للستر، والعوار: العيوب. 6) ” جمة ” أ. الجمة – بفتح الجيم وضمها وتشديد الميم – معظم الشئ أو الكثير منه. (*)

[ 350 ]

حروف حججه على أعداء الله أكثر من [ عدد ] أهل الدنيا أملاكا، قوة كل واحد تفضل عن حمل السماوات والارضين، فكم من بناء، وكم من [ نعمة، وكم من ] قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين ؟ (1) 235 – وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: من أعان محبا لنا على عدولنا، فقواه وشجعه حتى يخرج الحق الدال على فضلنا بأحسن صورته، ويخرج الباطل – الذي يروم به أعداؤنا دفع حقنا – في أقبح صورة، حتى يتنبه الغافلون، ويستبصر المتعلمون ويزداد في بصائرهم العاملون (2) بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان، ويقول: يا عبدي الكاسر لاعدائي، الناصر لاوليائي، المصرح بتفضيل محمد خير أنبيائي وبتشريف علي أفضل أوليائي، وتناوي (3) إلى من ناواهما، وتسمى بأسمائهما وأسماء خلفائهما وتلقب بألقابهما، فيقول ذلك، ويبلغ الله جميع أهل العرصات. فلا يبقى ملك ولاجبار ولا شيطان إلا صلى على هذا الكاسر لاعداء محمد صلى الله عليه وآله ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمد وعلي عليهما السلام. (4) 236 – وقال على بن موسى الرضا عليهما السلام: أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته، وذله ومسكنته، أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله، يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله فيحملونه على أجنحتهم، يقولون: مرحبا طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الابرار، ويا أيها المتعصب للائمة الاخيار. (5)


1) عنه البحار: 8 / 180 ضمن ح 137، وعنه في البحار: 2 / 10 ح 19، وعن الاحتجاج: 1 / 12. 2) ” العالمون ” خ ل، والبحار. 3) ” ينادى ” أ، والبحار: 2، وكذا بعدها أي بصيغة المفرد الغائب. وناواه: عاداه. 4) عنه البحار: 2 / 10 ح 20، وج 7 / 226 ضمن ح 143. 5) عنه البحار: 7 / 226 ضمن ح 143، وعنه في البحار: 2 / 11 ح 21، وعن الاحتجاج: 1 / 12. (*)

[ 351 ]

237 – وقال محمد بن على عليهما السلام: إن حجج الله على دينه أعظم سلطانا يسلط الله بها على عباده، فمن وفر منها حظه فلا يرين أن من منعه ذلك [ قد فضله عليه، ولو جعله في الذروة العليا من الشرف والمال والجمال، فانه إن رأى ذلك ] كان قد حقر عظيم نعم الله لديه. وإن عدوا من أعدائنا (1) النواصب يدفعه بما تعلمه (2) من علومنا أهل البيت لافضل له من كل مال لمن فضل عليه، ولو تصدق بألف ضعفه. (3) 238 – واتصل بأبى الحسن على بن محمد العسكري عليهما السلام (4) أن رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته، فدخل على علي بن محمد عليهما السلام وفي صدر مجلسه دست (5) عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق [ كثير ] من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه فاشتد ذلك على أولئك الاشراف: فأما العلوية فأجلوه عن العتاب، وأما الهاشميون فقال له شيخهم: يابن رسول الله هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ؟ فقال عليه السلام: إياكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) (6) أترضون بكتاب الله عزوجل حكما ؟ قالوا: بلى. قال: أليس الله تعالى يقول: (يا أيها الذين امنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين امنوا


1) ” أعداء الله ” أ. 2) ” يعلمه ” أ. 3) عنه البحار: 2 / 11 ح 22. 4) ” وقال على بن محمد عليهما السلام واتصل به ” الاصل، وما في المتن من ق، د، والاحتجاج. 5) وهى كلمة فارسية بمعنى: ما يستند عليه الملك. 6) آل عمران: 23. (*)

[ 352 ]

منكم والذين اوتوا العلم درجات) (1)، فلم يرض للعالم المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلا أن يرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه ؟ أقال: يرفع الله الذي اوتوا العلم درجات ؟ أو قال: يرفع الله الذين اوتوا شرف النسب درجات ؟ أو ليس قال الله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (2) فكيف تنكرون رفعي لهذا لما (3) رفعه الله ؟ إن كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها لافضل له من كل شرف في النسب. فقال العباسي: يا بن رسول الله قد شرفت علينا من هو ذو نسب يقصر بنا، ومن ليس له نسب كنسبنا، ومازال منذ أول الاسلام يقدم الافضل في الشرف على من دونه. فقال عليه السلام: سبحان الله أليس العباس بايع لابي بكر وهو تيمي والعباس هاشمي ؟ أو ليس عبد الله بن العباس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي وأبو الخلفاء وعمر عدوي ؟ وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العباس ؟ فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكرا فأنكروا على العباس بيعته (4) لابي بكر وعلى عبد الله بن العباس خدمته لعمر بعد بيعته له، فان (5) كان ذلك جائزا فهذا جائز. فكأنما القم هذا الهاشمي حجرا. (6) 239 – واجتمع قوم من الموالين والمحبين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله بحضرة الحسن بن علي عليهما السلام، فقالوا: يابن رسول الله إن لنا جارا من النصاب يؤذينا


1) المجادلة: 11. 2) الزمر: 9. 3) ” كما ” ب، ط. 4) ” بيعته مع قرابته ” س. 5) في قوله: ” فان ” اشارة إلى جداله مع العباسي بالاحسن، فلا يخفى لطفه. 6) عنه البحار: 2 / 13 ح 25، وعن الاحتجاج: 2 / 259. وأخرجه في البرهان: 4 / 305 ح 1 وفى حلية الابرار: 2 / 454 عن الاحتجاج. (*)

[ 353 ]

ويحتج علينا في تفضيل الاول والثاني والثالث على أمير المؤمنين عليه السلام، ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها ؟ فقال الحسن عليه السلام: أنا أبعث إليكم من يفحمه عنكم، ويصغر شأنه لديكم. فدعا برجل من تلامذته وقال: مر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتسمع إليهم، فيستدعون منك الكلام فتكلم، وأفحم صاحبهم، واكسر عزته (1) وفل (2) حده ولا تبق له باقية. فذهب الرجل، وحضر الموضع وحضروا، وكلم الرجل فأفحمه، وصيره لا يدري في السماء هو، أو في الارض ؟ [ قالوا: ] ووقع علينا من الفرح والسرور مالا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصبين له من الحزن والغم مثل ما لحقنا من السرور. فلما رجعنا إلى الامام قال لنا: إن الذي في السماوات من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته – من الشياطين – من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم. ولقد صلى على هذا [ العبد ] الكاسر له ملائكة السماء والحجب والكرسي، وقابلها الله بالاجابة، فأكرم إيابه، وعظم ثوابه. ولقد لعنت تلك الاملاك عدو الله المكسور، وقابلها الله بالاجابة فشدد حسابه وأطال عذابه. (2) قوله عزوجل: ” وقولوا للناس حسنا “. 240 – قال الصادق (4) عليه السلام: (وقولوا للناس) كلهم (حسنا) مؤمنهم ومخالفهم:


1) ” غربه ” س، ص، ق، د، والاحتجاج. ” غرته ” البحار. الغرب: الحدة والمراد: كسر شوكته وبأسه. 2) أي كسر. 3) عنه البحار: 2 / 11 ح 23، وعن الاحتجاج: 1 / 12. 4) ” الامام ” البحار: 71. (*)

[ 354 ]

أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره. وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم (1) إلى الايمان، فان ييأس (2) من ذلك يكف شرورهم عن نفسه، وعن إخوانه المؤمنين. (3) [ في مداراة النواصب: ] 241 – قال الامام عليه السلام: إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه. كان رسول الله صلى الله عليه وآله في منزله إذ أستأذن عليه عبد الله بن ابي بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بئس أخو العشيرة، ائذنوا له. فأذنوا له. فلما دخل أجلسه وبشر في وجهه، فلما خرج قالت له عايشة: يا رسول الله قلت فيه ما قلت، وفعلت به من البشر ما فعلت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عويش يا حميراء، إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره. (4) 242 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنا لنبشر (5) في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتقليهم (6) أولئك أعداء الله نتقيهم على إخواننا، لا على أنفسنا. (7) 243 – وقالت فاطمة عليها السلام: البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار. (8)


1) ” لاحتدائهم ” أ. حدئ عليه واليه حدأ: حدب عليه، وعطف عليه. 2) ” استتر ” أ، والبرهان. واستظهرها في ” أ ” يئس. ” بأيسر ” البحار: 75. 3) عنه البحار: 71 / 309 وج 75 / 401 صدر ح 42، والبرهان: 1 / 122 ح 18، ومستدرك الوسائل: 2 / 375 ح 1. 4) عنه البحار: 75 / 401 ضمن ح 42، ومستدرك الوسائل: 2 / 375 ح 2. 5) ” لنشكر ” ب، ط. ” لتكشر ” ق، د. 6) أي لتبغضهم. ” لتلعنهم ” خ ل، والمستدرك. 7 و 8) عنه البحار: المتقدم ومستدرك الوسائل المذكور ح 3. (*)

[ 355 ]

244 – وقال الحسن بن على عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الانبياء إنما فضلهم الله تعالى على خلقه أجمعين لشدة مداراتهم لاعداء دين الله، وحسن تقيتهم لاجل إخوانهم في الله. (1) 245 – قال الزهري: كان على بن الحسين عليهما السلام: ما عرفت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية، لانه لا أحد يعرفه بفضائله الباهرة إلا ولا يجد بدا من تعظيمه من شدة مداراته وحسن معاشرته إياه، وأخذه من التقية بأحسنها وأجملها. ولا أحد – وإن كان يريه المودة في الظاهر – إلا وهو يحسده في الباطن لتضاعف فضائله على فضائل الخلق. (2) 246 – وقال محمد بن على الباقر عليهما السلام: من أطاب الكلام مع موافقيه ليؤنسهم وبسط وجهه لمخالفيه ليأمنهم على نفسه وإخوانه، فقد حوى من الخير والدرجات العاليه عند الله مالا يقادر قدره غيره. (3) 247 – وقال بعض المخالفين (4) بحضرة الصادق عليه السلام لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة ؟ قال: أقول فيهم الخير الجميل (5) الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع به درجاتي. قال السائل: الحمد لله على ما (6) أنقذني من بغضك كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة. فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة، فعليه لعنة الله. قال: لعلك تتأول ما تقول ؟ (قل: فمن) (7) أبغض العشرة من الصحابة.


1 و 2 و 3) عنه البحار المتقدم، ومستدرك الوسائل: 2 / 375 ح 3، 4، 5. 4) ” المنافقين ” أ. 5) ” الحسن ” خ ل. 6) ” الذى ” أ. 7) ” فيمن ” ب، س، والبحار. (*)

[ 356 ]

فقال: من أبغض العشرة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فوثب الرجل فقبل رأسه، وقال: اجعلني في حل مما قذفتك (1) به من الرفض قبل اليوم. قال: [ اليوم ] أنت في حل وأنت أخي. ثم انصرف السائل. فقال له الصادق عليه السلام: جودت ! لله درك (2)، لقد عجبت الملائكة في السماوات من حسن توريتك، وتلطف (3) بما خلصك، ولم تثلم دينك، وزاد الله في مخالفينا غما إلى غم، وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم. فقال بعض أصحاب الصادق عليه السلام: يابن رسول الله ما عقلنا من كلام هذا إلا موافقة صاحبنا لهذا المتعنت الناصب ؟ فقال الصادق عليه السلام: لئن كنتم لم تفهموا (4) ما عنى فقد فهمناه نحن، وقد شكر الله له. إن ولينا الموالي لاوليائنا المعادي لاعدائنا إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه، ويعظم الله بالتقية ثوابه (5) إن صاحبكم هذا قال: من عاب (6) واحدا منهم فعليه لعنة الله، أي من عاب واحدا منهم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وقال في الثانية: من عابهم أو شتمهم (7) فعليه لعنة الله. وقد صدق لان من عابهم فقد عاب عليه السلام، لانه أحدهم، فإذا لم يعب عليا عليه السلام ولم يذمه فلم يعبهم، وإنما (8) عاب بعضهم. [ ولقد كان لحزقيل (9) المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به إلى فرعون مثل هذه


1) ” قدمتك ” أ، ب. ” قرفتك ” ط. قذف الرجل: رماه واتهمه بريبة، وقرف فلانا بكذا: اتهمه به. 2) أي لله ما خرج منك من خير. وفى ” أ ” لله ودك. 3) ” تلفظك ” البحار: 71، والبرهان. 4) ” تفقهوا ” أ. 5) ” ويعصمه الله بالتقية ” البرهان. 6) ” أبغض ” ط. وكذا بعدها. 7) ” سبهم ” ب، س، ط. 8) ” وإذا عاب ” أ، والمستدرك. 9) ” لخربيل ” س، ص، والبحار: 75 وقصص الراوندي وكذا ما يأتي. (*)

[ 357 ]

التورية، كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوة موسى وتفضيل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام والخيار من الائمة على سائر أوصياء النبيين وإلى البراءة من ربوبية فرعون. فوشى به الواشون إلى فرعون، وقالوا: إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك، ويعين أعداءك على مضادتك. فقال لهم فرعون: إنه ابن عمي وخليفتي على ملكي (1) وولي عهدي، إن فعل ما قلتم، فقد استحق أشد العذاب على كفره لنعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين، فقد استحققتم أشد العذاب (2) لايثاركم الدخول في مساءته (3). فجاء بحزقيل، وجاء بهم، فكاشفوه، وقالوا: أنت تجحد (4) ربوبية فرعون الملك وتكفر نعماءه ؟ فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط ؟ قال: لا. قال: فسلهم من ربهم ؟ قالوا: فرعون [ هذا ]. قال لهم: ومن خالقكم ؟ قالوا: فرعون هذا. قال لهم: ومن رازقكم، الكافل لمعايشكم، والدافع عنكم مكارهكم ؟ قالوا: فرعون هذا. قال حزقيل: أيها الملك فاشهدك، و [ كل ] من حضرك: أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم. واشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق ورازق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه ومن ربوبيته، وكافر بالهيته. يقول حزقيل هذا، وهو يعني إن ربهم هو الله ربي ” وهو لم يقل: إن الذي قالوا: هو (5) أنه ربهم هو ربي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول: فرعون ربي وخالقي ورازقي.


1) ” مملكتي ” البرهان. 2) ” العقاب ” ب، س، والبحار. 3) ” مكانه ” البحار: 13. 4) ” تكفر ” البحار: 75. 5) ” هم ” أ، ق، د. (*)

[ 358 ]

فقال لهم: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي، ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي، وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري وهلاك ابن عمي، والفت (1) في عضدي. ثم أمر بالاوتاد، فجعل في ساق كل واحد منهم وتد، وفي صدره وتد، وأمر أصحاب أمشاط الحديد، فشقوا بها لحومهم من أبدانهم. فذلك ما قال الله تعالى: (فوقيه الله) يعني حزقيل (2) (سيئات ما مكروا) [ به


1) فت في عضده: أي كسر قوته، وفرق عنه أعوانه. 2) روى الراوندي قى قصص الانبياء (مخطوط)، عنه البحار: 13 / 162 ح 6، قال: حزبيل هو مؤمن آل فرعون أرسل فرعون رجلين في طلبه فانطلقا في طلبه.. فلما رآهما أوجس في نفسه خيفة وقال.. أسألك يا الهى ان كان هذان الرجلان يريدان بى سوءا فسلط عليهما فرعون، وعجل ذلك، وان هما أرادانى بخير فاهدهما. فلما دخل حزبيل، قال فرعون، للرجلين: من ربكما ؟ قالا: أنت. فقال لحزبيل: ومن ربك ؟ قال: ربى ربهما.. فظن فرعون أنه يعنيه، فوقاه الله سيئات ما مكروا، وحاق بآل فرعون سوء العذاب، وسر فرعون. أقول: يجوز عند الجمع بين هذه الرواية وغيرها (انظر تخريجات الحديث) القول بأنه لم يقتل في هذه المرحلة – أي في بدء الوشاية – بل كان يحاجهم ويقول كما قال تعالى ” يا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لاكفر بالله واشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار – إلى أن قال تعالى – انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ” غافر: 41 – 51. فالقتل أولا كان من نصيب اولئك الساعين به، وانما قتل في مرحلة اخرى عند ما حان أجله، فقد روى الكليني في الكافي: 2 / 215 ح 1 عن الصادق عليه السلام أنه قال في قوله تعالى ” فوقاه الله. ” والله لقد سطوا عليه وقتلوه، ولكن أتدرون ما وقاه ؟ وقاه أن يفتنوه في دينه. وروى القمى في تفسيره: 586 عنه عليه السلام أنه قال ” والله لقد قطعوه اربا، ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه “. > (*)

[ 359 ]

لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه ] (وحاق بآل فرعون) [ حل بهم ] (سوء العذاب) (1) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الاوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط. (2) 248 – وقال رجل لموسى بن جعفر عليها السلام من خواص الشيعة – وهو يرتعد بعد ما خلا به -: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد وصيتك وإمامتك ؟ ! فقال موسى عليه السلام: وكيف ذاك ؟ قال: لاني حضرت معه اليوم في مجلس فلان – رجل من كبار أهل بغداد – فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن موسى بن جعفر عليه السلام إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره ؟ فقال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسى بن جعفر عليه السلام غير إمام وإن لم أكن أعتقد أنه غير إمام، فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين. فقال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا، ولعن [ الله ] من وشى بك. قال له موسى بن جعفر عليه السلام: ليس كما ظننت، ولكن صاحبك أفقه منك، إنما قال: إن موسى غير إمام، أي إن الذي هو غير (3) إمام فموسى غيره، فهو إذا إمام فانما أثبت بقوله هذا إمامتي، ونفى إمامة غيري.


< فمن المحتمل أنه قد وشى به أكثر من مرة، للتأثير عليه حتى يشرك ويكفر بالله، لكنه في كل مرة كان ينجو بدينه ونفسه – بوقاية الله ونصرته – حتى حان حينه، فقطعوه اربا دون أن يفتنوه عن دينه. 1) غافر: 45 2) عنه البحار: 75 / 402 ضمن ح 42، والبرهان: 4 / 98 ح 3، ومستدرك الوسائل: 2 / 375 ح 6، وعنه في البحار: 13 / 160 ح 1، وعن الاحتجاج: 2 / 131 باسناده عن العسكري عليه السلام، وأخرجه في البحار: 71 / 11 ح 22 عن الاحتجاج. 3) ” عندك ” البحار: 75، والمستدرك. (*)

[ 360 ]

يا عبد الله متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق: تب إلى الله. ففهم الرجل ما قاله، واغتم وقال: يابن رسول الله مالي مال فارضيه به، ولكن قد وهبت له شطر عملي كله من تعبدي، ومن صلاتي عليكم أهل البيت، ومن لعنتي لاعدائكم. قال موسى بن جعفر عليه السلام: الآن خرجت من النار. (1) 249 – وقال (2)


1) عنه البحار: 75 / 403 ضن ح 42، والمستدرك: 2 / 376 ح 7، وأخرجه في البحار: 71 / 14 ح 28 عن الاحتجاج: 2 / 169 باسناده عن العسكري عليه السلام. 2) أقول: انظر من أول البحث إلى آخره حول مداراة النواصب، تجد: أ – قال الامام عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله. ب – وقال أمير المؤمنين عليه السلام.. ج – وقالت فاطمة عليها السلام.. د – وقال الحسن بن على عليهما السلام.. ه‍ – قال الزهري: كان على بن الحسين.. و – وقال بعض المخالفين بحضرة الصادق عليه السلام.. فقال الصادق عليه السلام.. ز – وقال رجل لموسى بن جعفر عليهما السلام.. قال له موسى بن جعفر عليهما السلام.. ح – وقال (…) عند الرضا عليه السلام.. فقال الرضا عليه السلام. ط – قال: وقال رجل لمحمد بن على عليهما السلام. فقال محمد بن على عليهما السلام… ى – قال أبو يعقوب وعلى – راويا هذا الكتاب بألفاظه أو مضمونه -: حضرنا عند الحسن بن على أبى القائم عليهم السلام. فقال له بعض أصحابه.. فقال له الحسن بن على عليهما السلام.. ثم أنه عليه السلام بعد ما ذكر أحاديث النبي والائمة عليهم السلام ختم الكلام حول الموضوع بحديث من نفسه. فالظاهر أن الراوى للكتاب يقول: قال عليه السلام – بهذا المضمون -: كان جماعة من الناس عند الرضا عليه السلام، فدخل إليه رجل، فقال له.. ويدل على ذلك قوله بعد ذلك: ” قال “: وقال رجل لمحمد بن على عليهما السلام.. (*)

[ 361 ]

(…) (1) عند الرضا عليه السلام، فدخل إليه رجل فقال: يابن رسول الله لقد رأيت اليوم شيئا [ عجيبا ] عجبت منه: رجل كان معنا يظهر لنا أنه من الموالين لآل محمد صلى الله عليه وآله المتبرئين من أعدائهم. ورأيته اليوم، وعليه ثياب قد خلعت عليه وهو ذا يطاف به ببغداد وينادي المنادون بين يديه، معاشر الناس اسمعوا توبة هذا الرافضي. ثم يقولون له: قل. فيقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ” أبا بكر ” (2). فإذا قال (3) ذلك ضجوا، وقالوا: قد تاب، وفضل أبا بكر على علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله. فقال الرضا عليه السلام: إذا خلوت فأعد علي هذا الحديث. فلما أن خلا أعاد عليه فلقال له: إنما لم افسر لك معنى كلام [ هذا ] الرجل بحضرة هذا الخلق المنكوس، كراهة أن ينقل إليهم، فيعرفوه ويؤذوه.


1) في الاصل: ” كنا “. أقول: فيه تصحيف ما مضمونه ” كان الناس ” وذلك للتصريح في أول الكلام بأن مجلس الرضا عليه السلام هذا كان بحضرة الاعداء، بقرينة ما قاله الرضا عليه السلام – كما سيأتي – ” إذا خلوت فأعد على هذا الحديث.. انما لم افسر بحضرة هذا الخلق المنكوس كراهة أن ينقل. ” وعلى هذا فكيف يقول الراوى للحديث – عن مجلس الرضا عليه السلام، وبحضور هؤلاء الخلق المنكوس من أعداء آل محمد -: ” كنا ” ؟ ! أضف إلى ذلك أن الراوى كان أعرف منا وأدرى بأنه ما كان الامام عليه السلام بحضرة الرضا أو معهم. فلاحظ تعليقتنا السابقة. وأما في الاحتجاج: 2 / 235 وعنه البحار فأخذه باليقين، قال: وبالاسناد الذى تكرر عن أبى الحسن العسكري عليه السلام قال: دخل على أبى الحسن الرضا عليه السلام رجل.. 2) نصب باعتباره نداءا لابي بكر، وليس خبرا ” لخير الناس ” وهذا ما فسره الامام عليه السلام فلاحظ. 3) ” فعل ” ب، س، ص، ط، والبحار: 75. (*)

[ 362 ]

لم يقل الرجل: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ” أبو بكر ” فيكون قد فضل أبا بكر على علي بن أبي طالب عليه السلام، ولكن قال: خير الناس بعد رسول الله ” أبا بكر ” فجعله نداءا لابي بكر، ليرضى به من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة ليتوارى من شرورهم، إن الله تعالى جعل هذا التورية مما رحم به شيعتنا ومحبينا. (1) 250 – قال: وقال رجل لمحمد بن على عليهما السلام: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله مررت اليوم بالكرخ فقالوا: هذا نديم محمد بن علي إمام الرافضة، فاسألوه من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فان قال: علي. فاقتلوه، وإن قال: أبو بكر. فدعوه فانثال علي منهم خلق عظيم وقالوا لى: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقلت مجيبا لهم: خير (2) الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر وعمر وعثمان وسكت ولم أذكر عليا. فقال بعضهم: قد زاد علينا، نحن نقول ههنا: وعلي ! فقلت لهم: في هذا نظر، لا أقول هذا. فقالوا بينهم: إن هذا أشد تعصبا للسنة منا، قد غلطنا عليه. ونجوت هذا منهم فهل علي يابن رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا حرج ؟ وإنما أردت أخير [ الناس ] ؟ أي أهو خير ؟ – إستفهاما لا إخبارا -. فقال محمد بن على عليهما السلام: قد شكر الله لك بجوابك هذا، وكتب لك أجره وأثبته لك في الكتاب الحكيم، وأوجب لك بكل حرف من حروف ألفاظك بجوابك هذا لم ما يعجز عنه أماني المتمنين ولا يبلغه آمال الآملين. (3) 251 – قال: وجاء رجل إلى على بن محمد عليهما السلام وقال: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله بليت اليوم بقوم من عوام البلد أخذوني فقالوا: أنت لا تقول بامامة أبي بكر بن أبي


1) عنه البحار: 75 / 404 ضمن ح 42، ومستدرك الوسائل: 2 / 376 ح 8، ورواه في الاحتجاج: 2 / 235 باسناده عن العسكري عليه السلام، عنه البحار: 71 / 15 ح 29. 2) ” أخير ” البحار: 75. 3) عنه البحار: 75 / 405 ضمن ح 42، ومستدرك الوسائل: 2 / 276 ضمن ح 9. (*)

[ 363 ]

قحافة ؟ فخفتهم يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ! وأردت أن أقول: [ لا، قلت: ] بلى، أقولها للتقية. فقال لي بعضهم – ووضع يده على فمي – وقال: أنت لا تتكلم إلا بمخرقة (1) أجب عما القنك. قلت: قل. فقال لي: أتقول أن أبا بكر بن أبي قحافة هو الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إمام حق عدل، ولم يكن لعلي في الامامة حق البتة ؟ قلت: نعم، وأنا اريد نعما من الانعام: الابل والبقر والغنم. فقال: [ لا ] أقنع بهذا حتى تحلف، قل: والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب (العدل) المدرك المهلك العالم من السر ما يعلم من العلانية. فقلت: نعم واريد نعما من الانعام. فقال: لا أقنع منك إلا بأن تقول: أبو بكر بن أبي قحافة هو الامام والله الذي لا إله إلا هو. وساق اليمين، فقلت: أبو بكر بن أبي قحافة إمام – أي هو إمام من ائتم به واتخذه إماما – والله الذي لا إله إلا هو، ومضيت في صفات الله. فقنعوا بهذا مني وجزوني خيرا ونجوت منهم، فكيف حالي عند الله ؟ قال: خير حال، قد أوجب الله لك مرافقتنا في أعلى عليين لحسن تقيتك. (2) 252 – قال أبو يعقوب وعلى (3): حضرنا عند الحسن بن علي أبي القائم عليهم السلام فقال له بعض أصحابه: جاءني رجل من إخواننا الشيعة قد امتحن بجهال العامة يمتحنونه في الامامة، ويحلفونه (وقال: كيف) (4) نصنع حتى نتخلص منهم ؟ فقلت له: كيف يقولون ؟ قال: يقولون لي أتقول: إن فلانا هو الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فلا بد لي من أن أقول: نعم. وإلا أثخنوني ضربا، فإذا قلت: نعم. قالوا لي: [ قل: ] والله. فقلت له: قل: نعم. وتريد به نعما من الابل والبقر والغنم. فإذا (5) قالوا: [ قل ] والله


1) ” بمخوفة ” أ، والمستدرك. المخرقة: الكذب والاختلاق. 2) عنه البحار: والمستدركين السابقين. 3) وهما راويا هذا التفسير. 4) ” فكيف ” أ، والمستدرك. 5) ” (و) قلت فإذا ” ب، ط، والبحار: 71. (*)

[ 364 ]

فقل: ولى (1) أي ولى – تريد – عن أمر كذا، فانهم لا يميزون، وقد سلمت. فقال لي: فان حققوا علي وقالوا: قل: والله، وبين الهاء ؟ فقلت: قل: والله – برفع الهاء – فانه لا يكون يمينا إذا لم يخفض الهاء. فذهب ثم رجع إلي فقال: عرضوا علي وحلفوني، وقلت كما لقنتني. فقال له الحسن عليه السلام: أنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” الدال على الخير كفاعله ” لقد كتب الله لصاحبك بتقيته بعدد كل من استعمل التقية من شيعتنا وموالينا ومحبينا حسنه، وبعدد كل من ترك التقية منهم حسنة، أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت، ولك بارشادك إياه مثل ماله. (2) 253 – وأما قوله عزوجل: (أقيموا الصلوة) فهو أقيموا الصلاة بتمام ركوعها وسجودها و [ حفظ ] (3) مواقيتها، وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق ؟ فهي إتباعها بالصلاة على محمد وعلي وآلهما عليهم السلام منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله، والقوام بحقوق الله، والنصار لدين الله. (4) 254 – ” وآتوا الزكاة ” من المال والجاه وقوة البدن: فمن المال مواساة إخوانكم المؤمنين، ومن الجاه إيصالهم إلى ما يتقاعسون عنه لضعفهم عن حوائجهم المترددة (5) في صدورهم.


1) ” والله ” البحار. أي بالهاء الساكنة المضمرة، فكأنك تقول: ولى. 2) عنه البحار: 75 / 406 ضمن ح 42، ومستدرك الوسائل: 2 / 376 ح 10، وأخرجه في البحار: 71 / 16 ح 30 عن الاحتجاج: 2 / 266. 3) من التأويل. 4) عنه تأويل الايات: 1 / 75 ح 50، والوسائل: 6 / 154 ضمن ح 13، والبحار: 85 / 285 صدر ح 12، والبرهان: 1 / 122 ح 18 ومستدرك الوسائل: 1 / 334 صدر ح 3. 5) ” المقررة ” البحار. (*)

[ 365 ]

وبالقوة معونة أخ لك قد سقط حماره أو جمله في صحراء أو طريق، وهو يستغيث فلا يغاث تعينه حتى يحمل عليه متاعه، وتركبه [ عليه ] وتنهضه حتى تلحقه القافلة، وأنت في ذلك كله معتقد لموالاة محمد وآله الطيبين. فان الله يزكي أعمالك ويضاعفها بموالاتك لهم، وبراءتك من أعدائهم. (1) 255 – قال الله تعالى: (ثم توليتم إلا قليلا منكم) يا معاشر اليهود المأخوذ عليكم (2) من هذه العهود كما أخذ على أسلافكم (وأنتم معرضون) عن أمر الله عزوجل الذي فرضه. (3) 256 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن العبد إذا أصبح، أو الامة إذا أصبحت، أقبل الله تعالى عليه وملائكته – ليستقبل ربه عزوجل بصلاته – فيوجه إليه رحمته ويفيض عليه كرامته، فان وفى بما أخذ عليه، فأدى الصلاة على ما فرضت، قال الله تعالى للملائكة خزان جنانه وحملة عرشه: قد وفى عبدي هذا، ففوا له. وإن لم يف، قال الله تعالى: لم يف عبدي هذا، وأنا الحليم (4) الكريم، فان تاب تبت عليه، وإن أقبل على طاعتي أقبلت عليه برضواني ورحمتي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ قال الله تعالى: ] وإن كسل عما اريد، قصرت في قصوره حسنا وبهاءا وجلالا، وشهرت في الجنان بأن صاحبها مقصر. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وذلك أن الله عزوجل أمر جبرئيل ليلة المعراج فعرض علي قصور الجنان، فرأيتها من الذهب والفضة، ملاطها المسك والعنبر، غير أني رأيت لبعضها شرفا عالية، ولم أر لبعضها. فقلت: يا حبيبي جبرئيل ما بال هذه بلا شرف كما لسائر تلك القصور ؟


1) عنه البحار: 74 / 228 ح 23، وج 96 / 9 ح 5، والبرهان: 1 / 122 ح 20، ومستدرك الوسائل: 1 / 512 ح 1. 2) كذا استظهر ناها، وفى الاصل والبرهان: عليهم. 3) عنه البرهان: 1 / 123 ح 21. 4) ” الحكيم ” ق، د. (*)

[ 366 ]

فقال: يا محمد هذه قصور المصلين فرائضهم، الذين يكسلون عن الصلاة عليك وعلى آلك بعدها. فان بعث مادة لبناء الشرف من الصلاة على محمد وآله الطيبين [ بنيت له الشرف ] وإلا بقيت هكذا، حتى (1) يعرف سكان الجنان أن القصر الذي لا شرف له هو الذي كسل صاحبه بعد صلاته عن الصلاة على محمد وآله الطيبين. ورأيت فيها قصورا منيفة (2) مشرقة (3) عجيبة الحسن، ليس لها أمامها دهليز ولا بين أيديها (4) بستان، ولا خلفها، فقلت: ما بال هذه القصور لا دهيلز بين أيديها ؟ ولا بستان خلف قصرها ؟ فقال: يا محمد هذه قصور المصلين [ الصلوات ] الخمس، الذين يبذلون بعض وسعهم في قضاء حقوق إخوانهم المؤمنين دون جميعها، فلذلك قصورهم مسترة (5) بغير دهيلز أمامها، وغير بستان خلفها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا فلا تتكلوا على الولاية وحدها، وأدوا ما بعدها من فرائض الله، وقضاء حقوق الاخوان، واستعمال التقية، فانهما اللذان يتممان الاعمال ويقصران بها. (6)


1) ” فيقال حين ” ب، س، ط، والبحار: 86. فيقال حتى ” ص، البحار: 8، 85، والمستدرك. 2 ” منيعه ” أ، ب، ط، البحار، والمستدرك. جبل منيف: مرتفع مشرف. وحصن منيع: يتعذر الوصول إليه. 3) ” مشرفة ” ق، د. 4) ” يديها ” أكثر النسخ والبحار والمستدرك وكذا التى بعدها. واليد: الطريق. 5) ” مستعمرة ” ط. ” مستترة ” المستدرك. وليس في البحار: 8. استعمره في المكان: جعله يعمره. 6) عنه البحار: 8 / 180 ضمن ح 137، وج 74 / 228 ح 23، وج 85 / 285 ضمن ح 12 وج 86 / 57 ح 61، ومستدرك الوسائل: 1 / 334 ضمن ح 3، ص 342 ح 3. (*)

[ 367 ]

قوله عزوجل: ” واذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولاتخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم و تخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزى في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * اولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون “: 84 – 86 257 – قال الامام عليه السلام: (وإذ أخذنا ميثاقكم) واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم [ أي أخذنا ميثاقكم ] على أسلافكم، وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم (لا تسفكون دماءكم) لا يسفك بعضكم دماء بعض (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم (ثم أقررتم) بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم، والتزمتموه كما التزموه (وأنتم تشهدون) بذلك على أسلافكم وأنفسكم. (ثم أنتم) معاشر اليهود (تقتلون أنفسكم) يقتل بعضكم بعضا [ على إخراج من يخرجونه من ديارهم ] (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) غصبا وقهرا (تظاهرون عليهم) تظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم، وقتل من تقتلونه منهم بغير حق (بالاثم والعدوان) بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون (1). (وإن يأتوكم) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم – أن تروموا إخراجهم وقتلهم ظلما – إن يأتوكم (أسارى) قدأسرهم أعداؤكم وأعداؤهم (تفادوهم) من


1) ” تتظافرون ” أ، ق، د، وكلاهما بمعنى واحد. (*)

[ 368 ]

الاعداء بأموالكم (وهو محرم عليكم إخراجهم) أعاد قوله عزوجل (إخراجهم) ولم يقتصر على أن يقول: ” وهو محرم عليكم ” لانه لو قال ذلك لرأى أن المحرم إنما هو مفاداتهم (1). ثم قال عزوجل: (أفتؤمنون ببعض الكتاب) وهو الذي أوجب عليكم المفادات (وتكفرون ببعض) وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم، فقال: فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الاسراء، فما بالكم تطيعون في بعض، وتعصون في بعض ؟ كأنكم ببعض كافرون، وببعض مؤمنون. ثم قال عزوجل: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) يا معاشر اليهود (إلا خزي) ذل (في الحيوة الدنيا) جزية تضرب عليه، يذل بها (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) إلى جنس أشد العذاب، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم (وما الله بغافل عما تعملون) يعمل (2) هؤلاء اليهود. ثم وصفهم فقال عزوجل: (أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالآخرة) رضوا بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) لا ينصرهم أحد يرفع (3) عنهم العذاب. (4) 258 – فقال رسول الله صلى الله عليه وآله – لما نزلت هذه الآية في اليهود، هؤلاء اليهود [ الذين ] (5) نقضوا عهد الله، وكذبوا رسل الله، وقتلوا أولياء (6) الله -: أفلا أنبئكم


1) قيل ” وهو محرم ” الضمير للشأن أو مبهم يفسره ” اخراجهم ” أو لمصدر يخرجون، واخراجهم تأكيد (أو بدل، أو بيان). انظر تفسير البيضاوى: 1 / 168، تفسير الرازي: 3 / 173 تفسير شبر: 52، وغيرهم. 2) ” أي بعمل ” أ. 3) ” يدفع ” بعض النسخ والبحار. 4) عنه البحار: 9 / 180 ح 8، وج 75 / 316 ح 40، والبرهان: 1 / 123 صدر ح 1. 5) من البحار. 6) ” أنبياء ” ب، ط. (*)

[ 369 ]

بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي، يقتلون أفاضل ذريتي وأطائب أرومتي، ويبدلون شريعتي وسنتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى. ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم، يحرفهم (1) [ بسيوف أوليائه ] إلى نار جهنم. [ ثواب الحزن والبكاء على الحسين عليه السلام ] ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم. ألا وصلى الله على الباكين على الحسين بن علي عليهما السلام رحمة وشفقة، واللاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا ألا وإن الراضين بقتل الحسين عليه السلام شركاء قتلته. ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله. [ ألا ] إن الله ليأمر الملائكة المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين عليه السلام إلى الخزان في الجنان، فيمزجونها بماء الحيوان، فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها. وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين (2) لقتل الحسين عليه السلام ويلقونها


1) ” يحرقهم ” أ، ص، والبحار: 44. ” يجرفهم ” ب، والبرهان. يحرفهم: يميلهم، ويجعلهم على حرف (أي جانب). والجرف: أخذك الشئ عن وجه الارض بالمجرفة. 2) كما هو معروف فان البكاء والضحك ان هو الا سلسلة عمليات زفيرية يعقبها شهيق طويل تحت تأثير انفعالات نفسية معينة، ولكل من البكاء والضحك تأثير على الغدد الخاصة – > (*)

[ 370 ]

في الهاوية، ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها، فتزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها، يشدد بها على المنقولين (1) إليها من أعداء آل محمد عذابهم (2) 259 – فقام ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله: فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله متى قيام الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ماذا أعددت لها إذ تسأل عنها ؟ فقال ثوبان: يا رسول الله ما أعددت لها كثير عمل إلا أني أحب الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وإلى ماذا بلغ حبك لرسول الله ؟ قال: والذي بعثك بالحق نبيا إن في قلبي من محبتك مالو قطعت بالسيوف، ونشرت بالمناشير، وقرضت بالمقاريض، واحرقت بالنيران، وطحنت بأرحاء (3) الحجارة كان أحب إلي وأسهل علي من أن أجد لك في قلبي غشا أو دغلا (4) أو بغضا أو لاحد من أهل بيتك وأصحابك (5). وأحب الخلق إلي بعدك أحبهم لك، وأبغضهم إلي من لا يحبك [ ويبغضك ويبغض أحدا ممن تحبه (6). يا رسول الله هذا ما عندي من حبك وحب من يحبك ] وبغض من يبغضك أو يبغض أحدا ممن تحبه، فان قبل هذا مني فقد سعدت، وإن أريد مني عمل غيره، فما أعلم لي عملا أعتمده وأعتد به غير هذا، وأحبكم جميعا


< – بافراز الدمع، فأصبح علامة للفرح والحزن حتى أن العرب زعمت أن دمع الباكى من شدة السرور باردة، ودمع الباكى من الحزن حارة (مجمع البحرين: 3 / 455). والعلم أثبت أن الملوحة تكون أكثر تركيزا في دموع البكاء منها في دموع الضحك. أقول: فليس ان هملت العين في الفرح والحزن عجبا، لكن العجب لمن أنكر ذلك. 1) ” المقبولين ” أ، س، ص. ” المقتولين ” ب، ط. وما في المتن من البحار. 2) عنه البحار: 8 / 311 ح 79 (قطعة)، وج 44 / 304 ح 17، والبرهان: 1 / 123 ذ ح 1. 3) الرحا: التى يطحن بها. 4) ” دخلا ” أ. الدخل – بالخاء الساكنة – الريبة. أدغل الشئ: أدخل فيه ما يخالفه ويفسده. 5) ” أصحابك ومن أهل بيتك ومن غيرهم ” الاصل. وما في المتن من البحار. 6) ” من أصحابك ” س، ص، ق، د، والبحار. (*)

[ 371 ]

أنت وأصحابك، وإن كنت لا اطيقهم في أعمالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشر فان المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب. يا ثوبان لو أن عليك من الذنوب مل ء ما بين الثرى إلى العرش لا نحسرت وزالت عنك بهذه الموالاة أسرع من انحدار الظل (1) عن الصخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليها (2) الشمس، ومن انحسار الشمس (3) إذا غابت عنها الشمس. (4) قوله عزوجل: ” ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ” 87 260 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل – وهو يخاطب هؤلاء اليهود الذين أظهر محمد صلى الله عليه وآله المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبخهم -: (ولقد آتينا موسى الكتاب) التوراة المشتمل على أحكامنا، وعلى ذكر فضل محمد وعلي وآلهما الطيبين، وإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام وخلفائه بعده، وشرف أحوال المسلمين له، وسوء أحوال المخالفين عليه. (وقفينا من بعده بالرسل) جعلنا رسولا في أثر رسول. (وآتينا) أعطينا (عيسى ابن مريم البينات) الايات الواضحات [ مثل ]: إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم (وأيدناه بروح القدس) وهو جبرئيل عليه السلام، وذلك حين رفعه من روزنة بيته


1) ” انحسار ” س، ط، ق، د وهذا التشبيه الرائع يفسر ظاهرة فيزيائية تناولتها قوانين الضوء وسرعته بالتفصيل ومنها عكس الاجسام الصقيلة الضوء أسرع من غيرها، علما أن سرعة الضوء هي (300000) كم / ثانية. 2) ” عليه ” البحار. 3) أي ذهب شعاعها. 4) عنه البحار: 27 / 100 ح 61. (*)

[ 372 ]

إلى السماء، وألقى شبهه على من رام (1) قتله (2) فقتل بدلا منه، وقيل: هو المسيح. (3)


1) ” انظر إلى شبه عيسى وقتيله الذى رام أن يقتل دونه ” ” رام ” اما من ” روم، يروم الشئ ” طلبه. واما من ” رأم، ير أم ” إذا أحب شيئا وألفه فقد رئمه. ورام شيئا: أراد شيئا، عطف عليه، كما ترأم الام ولدها، والناقة حوارها فتشمه وتترشفه. واما من ” ريم، يريم ” إذا برح وزال من مكانه. أقول: محصل ما يستفاد من الروايات في الاية: شبه لهم ” النساء: 157 أن عيسى وحواريه اجتمعوا في بيت، فأحاط بهم بعيث يهودا رأس اليهود ليقتلوا عيسى عليه السلام فاستنصرهم وطلب منهم فداء، وقال عليه السلام: أيكم يشرى نفسه يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب، بثمن الجنة، ويكون معى في درجتي ؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله – أي أنا أشرى نفسي فداءا لك، ليلقى على شبحك واقتل واصلب -. فقال عليه السلام: فانت هوذا – أي المجزى بالعهد -. فرام، وبرح من مكانه، كما ترأم الام ولدها فتشمه وتترشفه، وخرج إليهم. فالقى عليه شبح عيسى، فشبه لهم، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه. فقتل بدلا منه، وقيل: ” هو المسيح ” روى القمى في تفسيره: 93 عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبى جعفر عليه السلام قال: ” ان عيسى وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء، وهم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا، ثم خرج إليهم من عين في زاوية البيت، وهو ينفض رأسه من الماء فقال: ان الله أوحى إلى أنه رافعي إليه الساعة، ومطهرى من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب، ويكون معى في درجتي ؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هو ذا.. ” وفى تفسير الطبري: 6 / 12 عن وهب بن منبه: ” فقال عيسى عليه السلام لاصحابه: من يشرى نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم اسمه ” سرجس “: أنا. فخرج إليهم فقال: أنا عيسى، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه “. راجع حديث ابن عباس في الدر المنثور: 2 / 238 وتفسير الطبري، والبحار: 14 / 335 – 345 باب رفع عيسى عليه السلام إلى السماء و.. 2 و 3) > (*)

[ 373 ]

[ ذكر المقايسة بين آيات عيسى عليه السلام ومعجزات نبينا صلى الله عليه وآله: ] قال الامام عليه السلام: ما أظهر الله عزوجل لنبى تقدم آيه إلا وقد جعل لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام مثلها وأعظم منها. قيل: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله فأي شئ جعل لمحمد وعلي عليهما السلام ما يعدل آيات عيسى: من إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون ؟ قال عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمشي بمكة وأخوه علي عليه السلام يمشي معه وعمه أبو لهب خلفه – يرمي عقبه بالاحجار وقد أدماه – ينادي معاشر قريش: هذا ساحر كذاب فافقدوه (1) واهجروه (2) واجتنبوه. وحرش عليه أوباش (3) قريش، فتبعوهما ويرمونهما (بالاحجار فما منها) (4) حجر أصابه إلا وأصاب عليا عليه السلام. فقال بعضهم: يا علي ألست المتعصب لمحمد صلى الله عليه وآله، والمقاتل عنه، والشجاع الذي لا نظير لك مع حداثة سنك، وأنك لم تشاهد الحروب، ما بالك لا تنصر محمدا


2) قال تعالى: ” ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ” البقرة: 207 أقول: انظر روايات الفريقين في أنها نزلت في على عليه السلام – وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله في آية المباهلة – شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، آثر رسول الله صلى الله عليه وآله بالحياة على نفسه ليلة ذهابه إلى الغار، ولبس ثوب رسول الله وبات على فراشه، وكان المشركون قد أحاطوا بداره أرادوا قتله، ورموه بالحجارة، وهم يتوهمون أنه رسول الله صلى الله عليه وآله. 3) عنه البحار: 9 / 320 ح 13، وج: 14 / 338 ح 10 (قطعة)، وج 70 / 170 ح 19، والبرهان: 1 / 124 ح 1. 1) يريد فاقتلوه. قال ابن منظور في لسان العرب: 3 / 337: وفى حديث الحسن ” اغيلمة حيارى تفاقدوا ” يدعو عليهم بالموت، وأن يفقد بعضهم بعضا. وفى البحار: فاقذفوه. 2) ” واحجروه ” أ، الحجر: المنع مطلقا. 3) الاوباش: سفلة الناس وأخلاطهم. 4) ” بهامتهما وما ” أ. (*)

[ 374 ]

ولا تدفع عنه ؟ فناداهم على عليه السلام ” معاشر أوباش قريش لا أطيع محمدا بمعصيتي له، لو أمرني لرأيتم العجب “. وما زالوا يتبعونه حتى خرج من مكة فأقبلت الاحجار على حالها تتدحرج، فقالوا: الان تشدخ (1) هذه الاحجار محمدا وعليا ونتخلص منهما. وتنحت قريش عنه خوفا على أنفسهم من تلك الاحجار، فرأوا تلك الاحجار قد أقبلت على محمد وعلي عليهما السلام، كل حجر منها ينادي: السلام عليك يا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. السلام عليك يا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. السلام عليك يا رسول رب العالمين. وخير الخلق أجمعين. السلام عليك يا سيد الوصيين ويا خليفة رسول رب العالمين. وسمعها جماعات قريش فوجموا (2) فقال عشرة من مردتهم وعناتهم: ما هذه الاحجار تكلمهما، ولكنهم رجال في حفرة بحضرة الاحجار، قد خبأهم محمد تحت الارض فهي تكلمهما لغيرنا ويختدعنا. فأقبلت عند ذلك أحجار عشرة من تلك الصخور، وتحلقت وارتفعت فوق العشرة المتكلمين بهذا الكلام، فما زالت تقع بهاماتهم وترتفع وترضضها حتى ما بقي من العشرة أحد إلا سال دماغه ودماؤه من منخريه، وتخلخل رأسه وهامته ويافوخه (3) فجاء أهلوهم وعشائرهم يبكون ويضجون، يقولون: أشد من مصابنا بهؤلاء تبجح محمد وتبذخه (4) بأنهم قتلوا بهذه الاحجار [ فصار ذلك ] آية له ودلالة ومعجزة.


1) الشدخ: الكسر. 2) وجم: سكت وعجز عن التكلم من شدة الغيظ أو الخوف. 3) اليافوخ: ملتقى عظم مقدم الرأس ومؤخره. 4) التبجح: اظهار الفرح. والتبذخ: اظهار التكبر والعلو. (*)

[ 375 ]

فأنطق الله عزوجل جنائزهم [ فقالت ] (1): صدق محمد وما كذب، وكذبتم وما صدقتم. واضطربت الجنائز، ورمت من عليها، وسقطوا على الارض ونادت: ما كنا لننقاد ليحمل علينا أعداء الله إلى عذاب الله. فقال أبو جهل (لعنه الله): إنما سحر محمد هذه الجنائز كما سحر تلك الاحجار والجلاميد والصخور، حتى وجد منها من النطق ما وجد، فان كانت – قتل هذه الاحجار هؤلاء – لمحمد آية له وتصديقا لقوله، وتثبيتا لامره، فقالوا له: يسأل من خلقهم أن يحييهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن قد سمعت اقتراح الجاهلين، وهؤلاء عشرة قتلى، كم جرحت بهذه الاحجار التي رمانا بها القوم يا علي ؟ قال على عليه السلام: جرحت (أربع جراحات) (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد جرحت أنا ست جراحات، فليسأل كل واحد منا ربه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته. فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله لستة منهم فنشروا، ودعا علي عليه السلام لاربعة منهم فنشروا. ثم نادى المحيون: معاشر المسلمين إن لمحمد وعلي شأنا عظيما في الممالك التي كنا فيها، لقد رأينا لمحمد صلى الله عليه وآله مثالا على سرير عند البيت المعمور، وعند العرش، ولعلي عليه السلام مثالا عند البيت المعمور وعند الكرسي وأملاك السماوات والحجب وأملاك العرش يحفون بهما ويعظمونهما ويصلون عليهما، ويصدرون عن أوامرهما، ويقسمون بهما على الله عزوجل لحوائجهم إذا سألوه بهما. فآمن منهم سبعة نفر، وغلب الشقاء على الآخرين. (3)


1) استظهرها في ” س “. 2) ” ثلاث جراحات في كعبي، قال: يا على جرحت أربعة جراحات ” بعض النسخ. وما في المتن هو الصحيح، بقرينة أنها عشرة أحجار. 3) عنه البحار: 17 / 259 صدر ح 5، ومدينة المعاجز: 46 ح 88، واثبات الهداة 2 / 159 ح 606 مجملا. (*)

[ 376 ]

[ اشارة إلى حديث العباءة: ] 261 – وأما تأييد الله عزوجل لعيسى عليه السلام بروح القدس، فان جبرئيل هو الذي لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله – وهو قد اشتمل بعباءته القطوانية (1) على نفسه وعلى علي وفاطمة والحسين والحسن عليهم السلام وقال: ” اللهم هؤلاء أهلي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، فكن لمن حاربهم حربا، ولمن سالمهم سلما، ولمن أحبهم محبا، ولمن أبغضهم مبغضا “. فقال الله عزوجل: ” قد أجبتك إلى ذلك يا محمد “. فرفعت ام سلمة جانب العباءة لتدخل، فجذبه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير. وجاء جبرئيل عليه السلام متدبرا (2) وقال: يا رسول الله اجعلني منكم ! قال: أنت منا. قال: أفأرفع العباءة وأدخل معكم ؟ قال: بلى. فدخل في العباءة، ثم خرج وصعد إلى السماء إلى الملكوت الاعلى، وقد تضاعف حسنه وبهاؤه. وقالت الملائكة: قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا ! قال: وكيف لا أكون كذلك وقد شرفت بأن جعلت من آل محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته ؟ ! قالت الاملاك في ملكوت السماوات والحجب والكرسي والعرش: حق لك هذا الشرف أن تكون كما قلت. وكان علي عليه السلام معه جبرئيل عن يمينه في الحروب، وميكائيل عن يساره وإسرافيل خلفه، وملك الموت (3) أمامه. (4)


1) أي البيضاء القصيرة المخمل، وقطوان موضع بالكوفة، منه الاكسية. 2) ” مدثرا ” أغلب النسخ والبحار. تدبر الامر: نظر في عواقبه وتفكر فيه. 3) ” عزرائيل ” ط. 4) عنه البحار: 17 / 261 ضمن ح 5، ج 26 / 343 ح 15. (*)

[ 377 ]

262 – وأما ابراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان بمكة قالوا: يا محمد إن ربنا هبل، الذى يشفي مرضانا، وينقذ هلكانا، ويعالج جرحانا. قال صلى الله عليه وآله: ” كذبتم، ما يفعل هبل من ذلك شيئا، بل الله تعالى يفعل بكم ما يشاء من ذلك. قال عليه السلام: فكبر هذا على مردتهم، فقالوا: يا محمد ما أخوفنا عليك من هبل أن يضربك باللقوة (1) والفالج والجذام والعمى، وضروب العاهات لدعائك إلى خلافه. قال صلى الله عليه وآله: لن يقدر على شئ مما ذكرتموه إلا الله عزوجل. قالوا: يا محمد فان كان لك رب تعبده لا رب سواه، فاسأله أن يضربنا بهذه الآفات التي ذكرناها لك حتى نسأل نحن هبل أن يبرأنا منها، لتعلم أن هبل هو شريك ربك الذي إليه تومي وتشير. فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال: ادع أنت على بعضهم، وليدع علي على بعض. فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله على عشرين منهم، ودعا علي صلى الله عليه وآله على عشرة. فلم يريموا (2) مواضعهم حتى برصوا وجذموا وفلجوا ولقوا وعموا، وانفصلت عنهم الايدي والارجل، ولم يبق في شئ من أبدانهم عضو صحيح إلا ألسنتهم وآذانهم، فلما أصابهم ذلك صيربهم إلى هبل ودعوه ليشفيهم، وقالوا: دعا على هولاء محمد وعلي، ففعل بهم ما ترى فاشفهم. فناداهم هبل: يا أعداء الله وأي قدرة لي على شئ من الاشياء ؟ والذى بعثه إلى الخلق أجمعين، وجعله أفضل النبيين والمرسلين، لو دعا علي لتهافتت أعضائي وتفاصلت أجزائي، واحتملتني الرياح وتذروا إياي حتى لا يرى لشئ مني عين ولا أثر، يفعل الله ذلك بي حتى يكون أكبر جزء مني دون عشر عشير خردلة.


1) داء يصيب الوجه، يعوج منه الشدق إلى احد جانبى العنق. 2) ” يبرحوا ” أ، وكلاهما بمعنى واحد. (*)

[ 378 ]

فلما سمعوا ذلك من هبل ضجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: قد انقطع الرجاء عمن سواك، فأغثنا وادع الله لاصحابنا، فانهم لا يعودون إلى أذاك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: شفاؤهم يأتيهم من حيث أتاهم داؤهم، عشرون علي وعشرة على علي. فجاءوا بعشرين، فأقاموهم بين يديه، وبعشرة أقاموهم بين يدي علي عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعشرين: غضوا أعينكم، وقولوا: اللهم بجاه من بجاهه ابتليتنا، فعافنا بمحمد وعلي والطيبين من آلهما. وكذلك قال علي عليه السلام للعشرة الذين بين يديه. فقالوها، فقاموا فكأنما انشطوا من عقال، ما بأحد منهم نكبة (1) وهو أصح مما كان قبل أن اصيب بما اصيب. فآمن الثلاثون وبضع أهليهم، وغلب الشقاء على [ أكثر ] الباقين. (2) 263 – وأما الانباء بما كانوا يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فان رسول الله صلى الله عليه وآله – لما برؤا – قال لهم: آمنوا. فقالوا: آمنا. فقال: ألا أزيدكم بصيرة ؟ قالوا: بلى. قال: أخبركم بما تغذى به هؤلاء وتداووا ؟ [ فقالوا: قل يا رسول الله. فقال: ] تغذى فلان بكذا، وتداوى فلان بكذا، وبقي عنده كذا حتى ذكرهم أجمعين، ثم قال: يا ملائكة ربي احضروني بقايا غذائهم ودوائهم على أطباقهم وسفرهم. فأحضرت الملائكة ذلك، وأنزلت من السماء بقايا طعام اولئك ودوائهم. فقالوا: هذه البقايا من المأكول كذا، والمداوي به كذا. ثم قال: يا أيها الطعام أخبرنا، كم اكل منك ؟ فقال الطعام: اكل مني كذا، وترك مني كذا، وهو ما ترون.


1) ” نكتة ” ب، ط. والنكتة: الاثر. 2) عنه البحار: 17 / 262 ضمن ح 5، ومدينه المعاجز: 47 ضمن ح 88، واثبات الهداة: 2 / 158 ضمن ح 606 (قطعة). (*)

[ 379 ]

وقال بعض ذلك الطعام: أكل صاحبي [ هذا ] مني كذا وبقي مني كذا، (وجاء به) (1) الخادم فأكل مني كذا، وأنا الباقي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فمن أنا ؟ فقال الطعام والدواء: أنت رسول الله صلى الله عليك وآلك. قال: فمن هذا ؟ – يشير إلى علي عليه السلام – فقال الطعام والدواء: هذا أخوك سيد الاولين والآخرين، ووزيرك أفضل الوزراء، وخليفتك سيد الخلفاء. (2) 264 – ثم وجه الله العذل (3) نحو اليهود – المذكورين – في قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم) (4) (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم) فأخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون من بذل الطاعة لاولياء الله الافضلين وعباده المنتجبين محمد وآله الطاهرين لما قالوا لكم كما أداه إليكم أسلافكم الذين قيل لهم: إن ولاية محمد [ وآل محمد ] هي الغرض الاقصى والمراد الافضل، ما خلق الله أحدا من خلقه ولا بعث أحدا من رسله إلا ليدعوهم إلى ولاية محمد وعلي وخلفائه عليهم السلام ويأخذ به عليهم العهد ليقيموا عليه وليعمل به سائر عوام الامم. فلهذا (استكبرتم) كما استكبر أوائلكم حتى قتلوا زكريا ويحيى، واستكبرتم أنتم حتى رمتم قتل محمد وعلي عليهما السلام فخيب الله تعالى سعيكم ورد في نحوركم كيدكم وأما قوله عزوجل: (تقتلون) فمعناه قتلتم، كما تقول من توبخه ويلك كم (5) تكذب وكم تمخرق (6) ؟ ولا تريد ما [ لم ] يفعله بعد، وإنما تريد: كم (7) فعلت، وأنت عليه موطن. (8)


1) ” وخانه ” أ، س. 2) التخريجة السابقة. 3) أي الملامة. 4) زاد في الاصل ” الاية والقصة ” والظاهر أنها من اضافات النساخ. وقد تقدمت الاية والقصة ص 283 ح 141 الاية: 74، فراجع. 5) ” لم ” س، ص وكذا ما يأتي. 6) المخرقة: الكذب والاختلاق. 7) ” لم ” ق، د. 8) عنه البحار: 26 / 290 ح 49، وج 73 / 183، والبرهان: 1 / 124 ح 1. (*)

[ 380 ]

[ واقعة ليلة العقبة: ] 265 – قال الامام عليه السلام: ولقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه وآله [ على العقبة ] ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام لما فخم من أمره، وعظم من شأنه. من ذلك: أنه لما خرج من المدينة – وقد كان خلفه عليها (1) قال له (2): إن جبرئيل أتاني وقال لي: يا محمد إن العلي الاعلى يقرئك (3) السلام ويقول لك: يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي، أو يخرج علي وتقيم أنت، لابد من ذلك، فان عليا قد ندبته لاحدى اثنتين، لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما، وعظيم ثوابه غيري. فلما خلفه، أكثر المنافقون [ الطعن ] فيه، فقالوا (4): مله وسئمه، وكره صحبته فتبعه علي عليه السلام حتى لحقه – وقد وجد (5) مما قالوا فيه – [ حديث المنزلة: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أشخصك عن مركزك ؟ قال: بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له: ” أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي “. (6)


1) ” عليا ” أ. 2) ” وقال ” أ، الاحتجاج، البحار، البرهان، ومدينة المعاجز. 3) ” يقرأ عليك ” أ، ص. 4) ” قال أكثر المنافقين ” أ. وفى البحار ” الاقوال ” بدل ” الطعن “. 5) أي حزن. وزاد عليها في الاحتجاج: غما شديدا. 6) حديث المنزلة هذا، هو من الاحاديث المتواترة، روته الخاصة والعامة باسانيد متعددة، وقد قمنا باستقصائه عند تحقيقنا لكتاب ” مائة منقبة ” المنقبة 57 فراجع. (*)

[ 381 ]

فانصرف علي عليه السلام إلى موضعه، فدبروا عليه أن يقتلوه، وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا، ثم غطوها بحصر (1) رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب، بقدر ما غطوا وجوه الحصر، وكان ذلك على طريق علي عليه السلام الذى لابد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها، وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة، ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالاحجار حتى يقتلوه. فلما بلغ على عليه السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه، وأطاله الله فبلغت جحفلته (2) اذنه وقال: يا أمير المؤمنين قد حفر ههنا ودبر عليك الحتف – وأنت أعلم – لا تمر فيه. فقال له علي عليه السلام: ” جزاك الله من ناصح خيرا، كما تدبر بتدبيري (3) فان الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل “. وسار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفا من المرور على المكان. فقال علي عليه السلام: سر باذن الله تعالى سالما سويا، عجيبا شأنك، بديعا أمرك. فتبادرت الدابة، فإذا الله (4) عزوجل قد متن الارض وصلبها ولام (5) حفرها وجعلها كسائر الارض. فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه، ووضع جحفلته على اذنه، ثم قال: ما أكرمك على رب العالمين، جوزك على هذا المكان الخاوي ؟ !


1) ” بخص ” أ، س، ص، ق، د. والظاهر أنها اما تصحيف لما في المتن (حصر: جمع حصير) أو لكلمه ” خوص ” وهو ورق النخل، مفردها خوصة. ” بحصير ” ب، ط. وما أثبتناه من الاحتجاج والبحار. وكذا التى تأتى. 2) ” اذنيه ” أ، س، ص والاحتجاج. والجحفل لذى الحافر كالشفة للانسان. 3) التدبير في الامر: التفكر فيه. وفى المطبوع: كما أنذرتنى. 4) ” ربك ” الاصل والبحار. وما في المتن من الاحتجاج. 5) أي أصلح. (*)

[ 382 ]

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: جازاك الله بهذه السلامة عن تلك النصيحة التي نصحتني. ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها (1) والقوم معه بعضهم كان أمامه، وبعضهم خلفه، وقال: اكشفوا عن هذا المكان. فكشفوا [ عنه ] فإذا هو خاو، ولا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفيرة، فأظهر القوم الفزع، والتعجبب مما رأوا. فقال على عليه السلام للقوم: أتدرون من عمل هذا ؟ قالوا: لا ندري. قال عليه السلام: لكن فرسي هذا يدري. [ ثم قال: ] يا أيها الفرس كيف هذا ؟ ومن دبر هذا ؟ فقال الفرس: يا أمير المؤمنين إذا كان الله عزوجل يبرم (2) ما يروم جهال الخلق نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه، فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان وفلان وفلان إلى أن ذكر العشرة بمواطاة من أربعة وعشرين، هم مع رسول الله صلى الله عليه وآله في طريقه. ثم دبروا – هم – على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة والله عزوجل من وراء حياطة (3) رسول الله صلى الله عليه وآله، وولي الله لا يغلبه الكافرون. فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بأن يكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ويبعث رسولا مسرعا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله إلى محمد رسوله الله صلى الله عليه وآله أسرع وكتابه إليه أسبق، فلا يهمنكم (4) هذا. فلما قرب رسول الله صلى الله عليه وآله من العقبة التي بازائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة، ثم جمعهم فقال لهم: هذا جبرئيل الوحي الامين يخبرني: ” إن عليا دبر عليه كذا وكذا، فدفع الله عزوجل عنه بألطافه وعجائب معجزاته


1) الكفل من الدابة: العجز أو الردف. 2) برم الامر: أحكمه. 3) حاطه حياطة: حفظه وتعهده. 4) ” يمكنهم ” ب، ص، ط. ” يهتمكم ” أ. هتمه بالضرب: ضعفه. (*)

[ 383 ]

بكذا وكذا، إنه صلب الارض تحت حافر دابته وأرجل أصحابه، ثم انقلب على ذلك الموضع علي عليه السلام وكشف عنه، فرأيت الحفيرة ثم إن الله عزوجل لامها كما كانت لكرامته عليه، وأنه قيل له: كاتب بهذا وأرسل إلى رسول الله، فقال علي: رسول الله إلى رسول الله أسرع، وكتابه إليه أسبق “. ولم يخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بما قال علي عليه السلام على باب المدينة: إن من مع رسول الله سيكيدونه (1) ويدفع الله عزوجل عنه. فلما سمع الاربعة والعشرون أصحاب العقبة ما قاله صلى الله عليه وآله في أمر علي عليه السلام قال بعضهم لبعض: ما أمهر محمدا بالمخرقة، إن فيجا مسرعا أتاه، أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه ! ؟ إن عليا قتل بحيلة كذا وكذا وهو الذى واطأنا عليه أصحابنا فهو الآن لما بلغه كتم الخبر، وقلبه إلى ضده، يريد أن يسكن من معه، لئلا يمدوا أيديهم على، وهيهات والله ما لبث عليا بالمدينة إلا حينه (2) [ ولا أخرج محمدا إلى هاهنا إلا حينه ] وقد هلك علي وهو ههنا هالك لا محالة، ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر علي ليكون أسكن لقلبه إلينا، إلى أن نمضي فيه تدبيرنا. فحضروه وهنؤوه على سلامة علي من الورطة التي رامها أعداؤه. [ اشارة إلى أن محبى على عليه السلام أفضل من الملائكة ] ثم قالوا له: [ يا رسول الله ] أخبرنا عن علي أهو أفضل أم ملائكة الله المقربون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما ؟ إنه لا أحد من محبي على عليه السلام وقد نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسات الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة.


1) ” منافقين سيكيدونه ” ص، الاحتجاج، والبحار. 2) بفتح أوله. ” حتفه ” ص، ط، ق وكلاهما بمعنى الاجل. وكذا بعدها. (*)

[ 384 ]

وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم ؟ إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم – يعنون أنفسهم – أفضل منه في الدين فضلا، وأعلم بالله وبنبيه (1) علما. فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الاسماء كلها، ثم عرضها عليهم، فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم أن ينبئهم بها، وعرفهم فضله في العلم عليهم. ثم أخرج من صلب آدم ذريته (2) منهم الانبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد، ثم آل محمد، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار امة محمد. وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة (إذا احتملوا) (3) ما حملوه من الاثقال وقاسوا ما هم فيه من تعرض (4) أعوان (5) الشياطين ومجاهدة النفوس، واحتمال أذى ثقل العيال، والاجتهاد في طلب الحلال، ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء – من لصوص مخوفين، ومن سلاطين جورة قاهرين – وصعوبة المسالك في المضائق والمخاوف، والاجزاع (6) والجبال والتلال لتحصيل أقوات الانفس والعيال من الطيب الحلال. عرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا، ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم، ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها، ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة، والفخر


1) ” بدينه ” الاحتجاج والبحار. 2) ” إذ حملوا ” أ. 3) ” (مما) يعرض من ” أ، ط. ” بعرض من ” البحار: 21. ” بعرض يعرض من ” الاحتجاج، ق، د. 4) ” اغواء ” ط. 5) جمع جزع – بالكسر وقد يفتح – وهو منعطف الوادي ووسطه أو مفتتحه، أو مكان بالوادي لا شجر فيه، وربما كان رملا. (*)

[ 385 ]

والخيلاء، ومقاساة العناء (1) والبلاء من إبليس – لعنه الله – وعفاريته، وخواطرهم وإغوائهم واستهوائهم، ودفع ما يكابدونه من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله، وسماع الملاهي، والشتم لاولياء الله، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم والهرب من أعداء دينهم، والطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم. قال الله عزوجل: يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل: لا شهوات الفحولة تزعجكم، ولا شهوة الطعام تحقركم (2) ولا الخوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب (3) في قلوبكم: ولا لابليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل (4) على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم. يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتى ما لم تحتملوه، واكتسب من القربات ما لم تكتسبوه. فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد صلى الله عليه وآله وشيعة علي عليه السلام وخلفائه عليهم، واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم. ثم قال [ الله ] فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الافضلين. [ ذكر فضل العلم: ] ولم يكن سجودهم لآدم، إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل، وكان


1) ” الضنى ” ب، س، ص، ط، ق، د. والضنى: سوء الحال والمرض. 2) ” تحفزكم ” الاحتجاج، والبحار. الحفز: الدفع من الخلف. 3) ” يتحنب ” أ. ” تنحب ” ق، د، والاحتجاج. ” تنحت ” ط. حنبه الكبر: نكسه. قال المجلسي (ره): النخب: النزع، وفى بعض النسخ بالحاء المهملة وهو السير السريع 4) ” سبيل ” ب. (*)

[ 386 ]

بذلك معظما مبجلا له، ولا ينبغي لاحد أن يسجد (لاحد من دون) (1) الله، ويخضع له كخضوعه لله، ويعظمه – بالسجود له – كتعظيمه لله، ولو أمرت (2) أحدا أن يسجد [ هكذا ] لغير الله، لامرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا (3) أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله، ومحض وداد (4) خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله، واحتمل المكاره والبلايا في التصريح باظهار حقوق الله، ولم (ينكر علي) (5) حقا ارقبه عليه (6) قد كان جهله أو أغفله. ثم قال رسول الله صلى عليه وآله: عصى الله إبليس، فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم وعصى الله آدم بأكل الشجرة، فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر على محمد وآله الطيبين، وذلك أن الله تعالى قال له: ” يا آدم عصاني فيك إبليس، وتكبر عليك فهلك، ولو تواضع لك بأمري، وعظم عز جلالي لافلح كل الفلاح كما أفلحت، وأنت عصيتني بأكل الشجرة، وبالتواضع لمحمد وآل محمد تفلح كل الفلاح، وتزول عنك وصمة الذلة (7) فادعني بمحمد وآله الطيبين لذلك “. فدعا بهم، فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت.


1) ” لغير ” أ. 2) في ” أ ” الفعل على بناء المجهول، وكذا الذى بعده. 3) ” متبعينا ” س، ط. 4) يقال: محض فلانا الود أو النصح: أخلصه أياه. 5) ” يظهر الا ” أ. 6) أي أرصده له وانتظر رعايته منه، أو من قولهم ” رقبه ” أي جعل الحبل في رقبته. قاله المجلسي (ره). 7) ” الزلة ” ص، الاحتجاج، والبحار. (*)

[ 387 ]

[ أمره صلى الله عليه وآله لحذيفة وما جرى له: ] ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الاخير، وأمر مناديه فنادى: ألا لايسبقن رسول الله صلى الله عليه وآله أحد إلى العقبة، ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة، فينظر من يمر به، ويخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمره أن يستتر (1) بحجر. فقال حذيفة: يا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه رؤساء عسكرك، وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل، وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي، فيكشف عني، فيعرفني وموضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنك إذا بلغت أصل العقبة، فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها: ” إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخل في جوفك، ثم يأمرك أن ينثقب فيك ثقبة أبصر منها المارين، ويدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين ” فانها تصير إلى ما تقول لها باذن الله رب العالمين. فادى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة، وجاء الاربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجالتهم، يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه ههنا كائنا من كان فاقتلوه، لئلا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا ههنا فينكص (2) محمد، ولا يصعد هذه العقبة إلا نهارا، فيبطل تدبيرنا عليه.


1) راجع دلائل النبوة: 5 / 256 باب ” رجوع النبي صلى الله عليه وآله من تبوك،. ومكر المنافقين به في الطريق، وعصمة الله تعالى اياه واطلاعه عليه، وما ظهر في ذلك من أثار النبوة ” وفيه: قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان. وغشيتهم وهم متلثمون. 2) أي فيحجم ويرجع عما كان عليه. ” فيمكث ” ق. ” فينكث ” د. (*)

[ 388 ]

وسمعها حذيفة، واستقصوا فلم يجدوا أحدا، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرقوا، فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال، وهم يقولون، ألا (1) ترون حين محمد (2) كيف أغراه بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلوا به ههنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل ؟ وكل ذلك يوصله الله من قريب أو بعيد إلى اذن حذيفة ويعيه. فلما تمكن القوم على الجبل حيث أرادوا كلمت الصخرة حذيفة وقالت: إنطلق الآن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بما رأيت وما سمعت. قال حذيفة: كيف أخرج عنك وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي علهيم ؟ قالت الصخرة: إن الذي مكنك من جوفي، وأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله وينقذك من أعداء الله (3). فنهض حذيفة ليخرج، وانفرجت الصخرة، فحو له الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أعيد على صورته، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى وسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوعرفتهم بوجوههم ؟ قال: يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم، فلما فتشوا الموضع فلم يجدوا أحدا، أحدروا (4) اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم فلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حذيفة إذا كان الله تعالى يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه، إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون. ثم قال: يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار، وتوكلوا على الله، فإذا جزنا


1) ” الان ” ق، د، ط. 2) أي: أجله. 3) ” أعدائك ” أ. 4) ” اخذوا ” أ. ” رفعوا ” خ ل. أحدر الثوب: كفه وفتل أطراف هدبه. (*)

[ 389 ]

الثنية (1) الصعبة فأذنوا للناس أو يتبعونا. فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها، والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلى جانبها، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه وآله، وتقع به في المهوى الذي يهول الناظر النظر إليه من بعده. فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله أذن الله تعالى لها، فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سقطت في جانب المهوى، ولم يبق منها شئ إلا صار كذلك، وناقة رسول الله صلى الله عليه وآله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات (2) التي كانت للدباب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اصعد الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم بها. ففعل ذلك عمار، فنفرت بهم، سقط بعضهم فانكسر عضده، ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه (3) واشتدت لذلك أوجاعهم، فلما جبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله – في حذيفة وأمير المؤمنين عليه السلام -: إنهما أعلم الناس بالمنافقين، لقعوده في أصل العقبة (4) ومشاهدته من مر سابقا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وكفى الله رسوله أمر من قصد له، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه، وألبس الخزي من كان دبر على علي عليه السلام ما دفع الله عنه. (5)


1) ” العقبة ” أ، ب. وكذا ما بعدها. 2) تقعقع: صوت – بالتشديد – عند التحرك. 3) ” انكسرت جبينه ” أ 4) ” الجبل ” البحار. 5) عنه الوسائل: 4 / 986 ح 7 (قطعة)، والبحار: 11 / 136 ح 1، ج 21 / 223 ح 6 وج 26 / 338 ح 4 (قطعة)، وج 60 / 304 ح 18 (قطعة) وعن الاحتجاج: 59 1 – 66 > (*)

[ 390 ]

قوله عزوجل: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون): 88 266 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (وقالوا) يعنى هؤلاء اليهود الذين أراهم رسول الله صلى الله عليه وآله المعجزات المذكورات – عند قوله: (فهي كالحجارة) الآية -. (قلوبنا غلف) أوعية للخير، والعلوم قد أحاطت بها واشتملت عليها، ثم هي مع ذلك لا تعرف لك يا محمد فضلا مذكورا في شئ من كتب الله، ولا على لسان أحد من أنبياء الله. فقال الله تعالى ردا عليهم: (بل) ليس كما يقولون أوعية العلوم ولكن قد (لعنهم الله) أبعدهم من الخير (فقليلا ما يؤمنون) قليل إيمانهم، يؤمنون ببعض ما أنزل الله تعالى ويكفرون ببعض، فإذا كذبوا محمدا صلى الله عليه وآله في سائر ما يقول، فقد صار ما كذبوا به أكثر، وما صدقوا به أقل. وإذا قرئ (غلف) (1) فانهم قالوا: قلوبنا [ غلف ] في غطاء، فلا نفهم كلامك وحديثك. نحو ما قال الله تعالى: (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) (2). وكلا القراءتين حق، وقد قالوا بهذا وبهذا جميعا. (3) 267 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: معاشر اليهود تعاندون رسول الله رب العالمين


< باسناده عن الحسن العسكري عليه السلام. وأخرج قطعا منه في اثبات الهداة: 2 / 23 ح 313 وج 3 / 496 ح 474، وج 4 / 523 ح 149 عن الاحتجاج. 1) القراءة المشهورة ” غلف ” بسكون اللام، وروى في الشواذ ” غلف ” بضم اللام عن أبى عمرو فمن قرأ بتسكين اللام فهو جمع الاغلف، يقال للسيف إذا كان في غلاف: أغلف. ومن قرأ بضم اللام فهو جمع غلاف، فمعناه أن قلوبنا أوعية العلم فما بالها لا تفهم. قاله الطبرسي في تفسيره: 1 / 156. 2) فصلت: 5. 3) عنه البحار: 9 / 320 ح 14، وج 70 / 170 ح 20، والبرهان: 1 / 125 صدر ح 1. (*)

[ 391 ]

وتأبون الاعتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من الجاهلين، إن الله لا يعذب بها (1)، أحدا ولا يزل عن فاعل هذا (2) عذابه أبدا، إن آدم عليه السلام لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إلا بالتوبة، فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم. [ ذكر توبة آدم وتوسله بمحمد وآله صلوات الله عليهم اجمعين: ] قيل: وكيف كان ذلك يا رسول الله ؟ [ قال: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما زلت (3) الخطيئة من آدم عليه السلام واخرج من الجنة وعوتب ووبخ قال: يا رب إن تبت وأصلحت أتردني إلى الجنة ؟ قال: بلى. قال آدم: فكيف أصنع يا رب حتى أكون تائبا وتقبل توبتي ؟ فقال الله عزوجل: تسبحني بما أنا أهله، وتعترف بخطيئتك كما أنت أهله، وتتوسل إلى بالفاضلين الذين علمتك أسماءهم، وفضلتك بهم على ملائكتي، وهم محمد وآله الطيبون وأصحابه الخيرون. فوفقه الله تعالى فقال: يا رب لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين (4) بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين [ سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين ]. فقال الله تعالى: لقد قبلت ثوبتك، وآيه ذلك أني انقي بشرتك، فقد تغيرت – وكان ذلك لثلاث عشر (5) من شهر رمضان – فصم هذه الثلاثة الايام التي تستقبلك


1) أي بالتوبة والاعتراف. 2) أي العناد. 3) ” وقعت ” البحار: 26. 4) ” فتب على انك أنت التواب الرحيم ” أ. 5) ” ليلة ثلاث عشر ” س، ط. (*)

[ 392 ]

فهي أيام البيض ينقي الله في كل يوم بعض بشرتك. فصامها فنقى في كل يوم منها ثلث بشرته. فعند ذلك قال آدم. يا رب ما أعظم شأن محمد وآله وخيار أصحابه ؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم إنك لو عرفت كنه جلال (1) محمد وآله عندي وخيار أصحابه، لاحببته حبا يكون أفضل أعمالك. قال آدم: يا رب عرفني لاعرف. قال الله تعالى: يا آدم إن محمدا لو وزن به [ جميع ] الخلق من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين وسائر عبادي الصالحين من أول الدهر إلى آخره ومن الثرى إلى العرش لرجح بهم، وإن رجلا من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح بهم، وإن رجلا من خيار أصحاب محمد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين لرجح بهم. يا آدم لو أحب رجل من الكفار أو جميعهم رجلا من آل محمد وأصحابه الخيرين لكافأه الله عن ذلك بأن يختم له بالتوبة والايمان، ثم يدخله [ الله ] الجنة. إن الله ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآله محمد وأصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد [ كل ] ما خلق الله من أول الدهر إلى آخره وكانوا كفارا لكفاههم، ولاداهم إلى عاقبة محمودة: الايمان بالله حتى يستحقوا به الجنة. وإن رجلا ممن يبغض [ آل ] محمد وأصحابه الخيرين أو واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد ما خلق الله تعالى لاهلكهم أجمعين. (2)


1) ” حال ” ب، س. والكنه: جوهر الشئ وأصله وقدره وحقيقته. 2) عنه البحار: 9 / 321 ذ ح 14، وج 26 / 330 ح 12، وج 70 / 171 ذ ح 20 (قطعة، وج 97 / 109 ح 97، والبرهان: 1 / 125 ح 1، ومستدرك الوسائل: 1 / 592 ح 3 ب 9. (*)

[ 393 ]

قوله عزوجل: ” ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين “: 89. 268 – قال الامام عليه السلام: ذم الله تعالى اليهود فقال: (ولما جاءهم) يعنى هؤلاء اليهود – الذين تقدم ذكرهم – وإخوانهم من اليهود، جاءهم (كتاب من عند الله) القرآن (مصدق) ذلك الكتاب (لما معهم) من التوراة التي بين فيها أن محمدا الامي (1) من ولد إسماعيل، المؤيد بخير خلق الله بعده: علي ولي الله. (وكانوا) يعني هؤلاء اليهود (من قبل) ظهور محمد صلى الله عليه وآله بالرسالة (يستفتحون) يسألون الله الفتح والظفر (على الذين كفروا) من أعدائهم والمناوين لهم، فكان الله يفتح لهم وينصرهم. قال الله تعالى: (فلما جاءهم) جاء هؤلاء اليهود (ما عرفوا) من نعت محمد صلى الله عليه وآله (كفروا به) وجحدوا نبوته حسدا له وبغيا عليه. قال الله عزوجل: (فلعنة الله على الكافرين). (2) [ توسل اليهود أيام موسى عليه السلام بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين: ] 269 – قال امير المؤمنين عليه السلام: إن الله تعالى أخبر رسوله بما كان من إيمان اليهود بمحمد صلى الله عليه وآله قبل ظهوره، ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره، والصلاة عليه وعلى آله.


1) ” الامين ” البحار: 9. 2) عنه البحار: 9 / 181 ح 9، وج 94 / 10 صدر ح 11، والبرهان: 1 / 126 صدر ح 1. (*)

[ 394 ]

قال عليه السلام: وكان الله عزوجل أمر اليهود في أيام موسى وبعده إذا دهمهم أمر، ودهتهم داهية أن يدعوا الله عزوجل بمحمد وآله الطيبين، وأن يستنصروا بهم، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله بسنين كثيرة يفعلون ذلك، فيكفون (1) البلاء والدهماء والداهية. وكانت اليهود قبل ظهور محمد النبي صلى الله عليه وآله بعشر سنين يعاديهم (2) أسد وغطفان – قوم من المشركين – ويقصدون أذاهم، وكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين، حتى قصدهم في بعض الاوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة، فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس، ودعوا الله بمحمد وآله الطيبين الطاهرين فهزموهم وقطعوهم. فقال أسد وغطفان بعضهما لبعض: تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل. فاستعانوا عليهم بالقبائل وأكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين ألفا، وقصدوا هؤلاء الثلاثمائة في قريتهم، فألجأوهم إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم، ومنعوا عنهم الطعام، واستأمن اليهود منهم فلم يؤمنوهم، وقالوا: لا، إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم. فقالت اليهود بعضها لبعض: كيف نصنع ؟ فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم: أما أمر موسى عليه السلام أسلافكم ومن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله ؟ أما أمركم بالابتهال إلى الله تعالى عند الشدائد بهم ؟ قالوا: بلى. قالوا: فافعلوا. فقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا، فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا، وتماوتت (3) ولداننا، وأشرفنا على الهلكة.


1) على بناء المجهول. 2) ” يعادونهم ” خ ل، ط، والبحار. 3) ” تمادت ” أ، والبرهان. تماوت: أظهر التخافت والتضاعف. وماد الرجل: أصابه دوار أو غشيان. (*)

[ 395 ]

فبعث الله تعالى لهم وابلا هطلا سحا (1) أملا حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا: هذه إحدى الحسنيين: ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم، فإذا المطر قد آذاهم غاية الاذى، وأفسد [ عليهم ] أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم. فانصرف عنهم لذلك بعضهم، وذلك أن المطر أتاهم في غير أوانه – في حمارة القيظ (2) حين لا يكون مطر – فقال الباقون من العساكر: هبكم سقيتم، فمن أين تأكلون ؟ ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم وأهاليكم وأموالكم، ونشفي غيظنا منكم. فقالت اليهود: إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد وآله قادر على أن يطعمنا، وإن الذي صرف عنا من صرفه قادر على أن يصرف الباقين. ثم دعوا الله بمحمد وآله أن يطعمهم. فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار موقرة (3) حنطة ودقيقا، وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام، ولم يشعروا بهم، لان الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية، ولم يمنعوهم، وطرحوا فيها أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وأبعدوا، وتركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف، فلما أبعدوا انتبهوا، ونابذوا (4) اليهود الحرب، وجعل يقول بعضهم لبعض: الوحا، الوحا (5) فان هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا. قال لهم اليهود: هيهات بل قد أطعمنا ربنا وكنتم نياما: جاءنا من الطعام كذا


1) سح الماء سحا: صبه صبا متتابعا غزيرا. 2) أي شدة الحر. 3) الوقر – بكسر الواو -: الحمل الثقيل. 4) أي جاهروا. 5) أي السرعة. وتقدم بيانها. (*)

[ 396 ]

وكذا، ولو أردنا قتالكم (1) في حال نومكم لتهيأ لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم، فانصرفوا عنا وإلا دعونا عليكم بمحمد وآله، واستنصرنا بهم أن يخزيكم (2) كما قد أطعمنا وأسقانا. فأبوا إلا طغيانا فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم. ثم برز الثلاثمائة إلى (الناس للقاء) (3) فقتلوا منهم وأسروا، وطحطحوهم (4) واستوثقوا منهم باسرائهم، فكانوا لا ينداهم (5) مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم في أيدي اليهود. فلما ظهر محمد صلى الله عليه وآله حسدوه، إذ كان من العرب، فكذبوه. (6) [ دحر ابليس واعوانه بمحمد وآله صلوات عليهم اجمعين: ] 270 – ثم قال رسول الله: هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله. ألا فاذكروا يا امة محمد، محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم. فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته، وملك عن يساره يكتب سيئاته، ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه، فإذا وسوسا في قلبه، ذكر الله وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين، خنس الشيطانان ثم صارا إلى إبليس فشكواه وقالا له: قد أعيانا أمره، فامددنا بالمردة.


1) ” قتلكم ” ب، س، ط. 2) ” يحرقكم ” خ ل، ط. 3) ” ثلاثين ألفا ” البحار. 4) أي كسروهم. 5) ينالهم ” البحار، والبرهان. وكلاهما بمعنى واحد. 6) عنه البحار: 94 / 10 ضمن ح 11، والبرهان: 1 / 126 ضمن ح 1. (*)

[ 397 ]

فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد، فيأتونه، فكلما راموه ذكر الله، وصلى على محمد وآله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا ولا منفذا. قالوا لابليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه وتغويه، فيقصده إبليس بجنوده. فيقول الله تعالى للملائكة: ” هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوهم ” فيقاتلهم بازاء كل شيطان رجيم منهم، مائة [ ألف ] ملك، وهم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار، وقسي ونشاشيب (1) وسكاكين وأسلحتهم من نار، فلا يزالون بخرجونهم ويقتلونهم بها، ويأسرون إبليس، فيضعون عليه تلك الاسلحة فيقول: يا رب وعدك وعدك، قد أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم. فيقول الله تعالى للملائكة: ” وعدته أن لا اميته، ولم أعده أن لا اسلط عليه السلاح والعذاب والآلام، اشتفوا (2) منه ضربا بأسلحتكم فاني لا اميته ” فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه، فلا يزال سخين العين (3) على نفسه وأولاده المقتولين، ولا يندمل شئ من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم. فان بقي هذا المؤمن على طاعة الله وذكره، والصلاة على محمد وآله، بقي على إبليس تلك الجراحات، وإن زال العبد عن ذلك، وانهمك في مخالفة الله عزوجل ومعاصيه، اندملت جراحات إبليس، ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه، ثم ينزل عنه ويركب على ظهره شيطانا من شياطينه، ويقول لاصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ؟ ذل وانقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته فداوموا على طاعة الله وذكره، والصلاة على محمد وآله، وإن زلتم عن ذلك كنتم


1) أي سهام. 2) يقال: تشفى – بتشديد الفاء – من فلان: إذا نكى في عدوه نكاية تسره. 3) كناية عن دوام بكائه. (*)

[ 398 ]

اسراء إبليس فيركب أقفيتكم (1) بعض مردته. (2) 271 – وقال امير المؤمنين عليه السلام: وكان قضاء الحوائج وإجابة الدعاء، إذا سئل الله بمحمد وعلي وآلهما عليهم السلام، مشهورا في الزمن السالف، حتى أن من طال به البلاء قيل: هذا طال بلاؤه، لنسيانه الدعاء لله بمحمد وآله الطيبين. ولقد كان من عجيب الفرج بالدعاء بهم: فرج ثلاثة نفر كانوا يمشون في صحراء إلى جانب جبل، فأخذتهم السماء (3) فألجأتهم إلى غار كانوا يعرفونه، فدخلوه يتوقون به من المطر، وكان فوق الغار صخرة عظيمة تحتها مدرة، هي راكبتها، فابتلت المدرة فتدحرجت الصخرة فصارت في باب الغار، فسدته وأظلم عليهم المكان. وقال بعضهم لبعض: قد عفا الاثر (4) ودرس الخبر (5) ولا يعلم بنا أهلونا، ولو علموا لما أغنوا عنا شيئا لانه لا طاقة للادميين بقلب هذه الصخرة عن هذا الموضع، هذا والله قبرنا الذي فيه نموت، ومنه نحشر. ثم قال بعضهم لبعض: أو ليس موسى بن عمران عليه السلام ومن بعده من الانبياء أمروا أنه إذا دهتنا داهية أن ندعوا الله بمحمد وآله الطيبين ؟ قالوا: بلى. قالوا: فلا نعرف داهية أعظم من هذه. فقالوا: [ تعالوا ] ندعوا الله بمحمد الاشرف الافضل وبآله الطيبين ويذكر كل واحد منا حسنة من حسناته التي أراد الله بها، فلعل الله أن يفرج عنا. فقال احدهم: اللهم إن كنت تعلم أني كنت رجلا كثير المال، حسن الحال أبني القصور، والمساكن والدور، وكان لي اجراء، وكان فيهم رجل يعمل عمل رجلين


1) أي أعناقكم. 2) عنه البحار: 63 / 271 ح 158، وج 94 / 12 ضمن ح 11، والبرهان: 1 / 127 ذ ح 1. 3) ” فأخذ بهم السيل ” ب، ط. 4) عفا أثر فلان: هلك. 5) درس الشئ: ذهب أثره. (*)

[ 399 ]

فلما كان عند المساء عرضت عليه اجرة واحدة، فامتنع، وقال: إنما عملت عمل رجلين فأنا أبتغي اجرة رجلين. فقلت له: إنما اشترطت (1) عمل رجل، والثاني فأنت به متطوع لا اجرة لك. فذهب وسخط (2) ذلك، وتركه علي، فاشتريت بتلك الاجرة حنطة، فبذرتها، فزكت ونمت، ثم أعدت ما ارتفع في الارض فعظم زكاؤها ونماؤها، ثم أعدت بعد ما ارتفع – من الثاني – في الارض، فعظم النماء والزكاء، ثم ما زلت هكذا حتى [ إني ] عقدت به الضياع والقصور والقرى والدور والمنازل والمساكن، وقطعان (3) الابل والبقر والغنم وصوار (4) العير والدواب، والاثاث والامتعة، والعبيد والاماء، والفرش والآلات والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة. فلما كان بعد سنين مر بي ذلك الاجير، وقد ساءت حاله وتضعضعت، واستولى عليه الفقر، وضعف بصره، فقال لي: يا عبد الله أما تعرفني ؟ أنا أجيرك الذي سخطت اجرة واحدة ذلك اليوم، وتركتها لغنائي عنها، وأنا اليوم فقير [ وقد صرت كما ترى ] وقد رضيت بها، فأعطنيها. فقلت له: دونك هذه الضياع والقرى والقصور والدور والمنازل والمساكن وقطعان الابل والبقر والغنم وصوار العير والدواب، والاثاث والامتعة، والعبيد والاماء والفرش والآلات والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة، فتناولها إليك أجمع مباركا، فهي لك. فبكى وقال لي: يا عبد الله سوفت حقي ما سوفت، ثم أنت الآن تهزأ بي ! ؟ فقلت: ” ما أهزأ بك، وما أنا إلا جاد مجد، هذه كلها نتائج اجرتك تلك، تولدت عنها


1) ” شرطت عليك ” ص، والبحار. 2) سخط الشئ: كرهه. 3) ” قطيعات ” أ. وكذا بعدها. 4) بالضم والتشديد: القطيع. والعير: قافلة الحمير، واطلقت على كل قافلة. (*)

[ 400 ]

فالاصل كان لك، فهذه الفروع كلها تابعة للاصل فهي لك ” فسلمتها إليه أجمع. اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت هذا رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنا بمحمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين الذي شرفته، وبآله أفضل آل النبيين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأمته خير الامم أجمعين. قال عليه السلام: فزال ثلث الحجر ودخل عليهم الضوء. وقال الثاني: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي بقرة أحتلبها، ثم أروح بلبنها على امي، ثم أروح بسؤرها على أهلي وولدي، فأخرني عائق ذات ليلة، فصادفت امي نائمة، فوقفت عند رأسها لتنبه (3) لا انبهها من طيب وسنها، وأهلي وولدي يتضاغون (2) من الجوع والعطش، فما زلت واقفا لا أحفل بأهلي وولدي حتى انتبهت هي من ذات نفسها، فسقيتها حتى رويت، ثم عطفت بسؤرها على أهلي وولدي. اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنا بحق محمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وامته خير الامم أجمعين. قال عليه السلام: فزال ثلث آخر من الحجر [ ودخل عليهم الضوء ] وقوي طمعهم في النجاة. وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني هويت أجمل امرأة من بني إسرائيل فراودتها عن نفسها، فأبت علي إلا بمائة دينار، ولم أكن أملك شيئا، فما زلت أسلك برا وبحرا وسهلا وجبلا، واباشر الاخطار، وأسلك الفيافي والقفار، وأتعرض للمهالك والمتالف أربع سنين حتى جمعتها، وأعطيتها إياها، ومكنتني من نفسها، فلما قعدت


1) تنبه من نومه: استيقظ. 2) يقال: رأيت صبيانا يتضاغون، إذا تباكوا. ويقال ضغاء لصوت كل ذليل مقهور. لسان العرب: 14 / 485. وفى ” أ، ص ” يتضاعفون ؟ ؟ ؟. (*)

[ 401 ]

منها مقعد الرجل من أهله، ارتعدت فرائصها، وقالت لى: ” يا عبد الله إني جارية عذراء فلا تفض خاتم الله إلا بأمر الله عزوجل، فانه إنما حملني على أن امكنك من نفسي الحاجة والشدة ” فقمت عنها وتركتها وتركت المائة دينار عليها. اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنا بحق محمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين، الذي شرفته بآله أفضل آل النبيين وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين وامته خير الامم أجمعين. قال: فزال الحجر كله، وتدحرج، وهو ينادي بصوت فصيح بين يعقلونه ويفهمونه: بحسن نياتكم نجوتم، وبمحمد الافضل الاكرم سيد الاولين والآخرين (المخصوص بآل أفضل النبيين، وأكرم أصحاب المرسلين) (1) وبخير امة سعدتم ونلتم أفضل الدرجات. (2) قوله عزوجل: ” بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤ بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين “: 90 272 – قال الامام عليه السلام: ذم الله تعالى اليهود، وعاب فعلهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله فقال: (بئسما اشتروا به أنفسهم) أي اشتروها بالهدايا والفضول (3) التي كانت تصل إليهم، وكان الله أمرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ليجعل لهم أنفسهم والانتفاع بها


1) ” وبآله أفضل آل النبيين، وبأكرم أصحابه المؤمنين ” ب. 2) عنه البحار: 94 / 13 ضمن ح 11. وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4 / 212 بلفظ آخر ومن طرق متعددة عن الرسول صلى الله عليه وآله. 3) أي فضلات المال الزائدة عن الحاجة، أو ما فضل من الغنيمة فلم ينقسم. (*)

[ 402 ]

دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها، بل اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله ليبقى لهم عزهم في الدنيا، ورياستهم على الجهال، وينالوا المحرمات، وأصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد، ووقفوهم على طريق الضلالات. ثم قال عزوجل: (أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) أي بما أنزل على موسى عليه السلام من تصديق محمد صلى الله عليه وآله بغيا (أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده). قال: وإنما كان كفرهم لبغيهم وحسدهم له لما أنزل الله من فضله عليه وهو القرآن الذي أبان فيه نبوته وأظهر به آيته ومعجزته. ثم قال: (فباؤ بغضب على غضب) يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله على غضب في أثر غضب، والغضب الاول حين كذبوا بعيسى بن مريم، والغضب الثاني حين كذبوا بمحمد صلى الله عليه وآله. قال: والغضب الاول أن جعلهم قردة خاسئين، ولعنهم على لسان عيسى عليه السلام والغضب الثاني حين سلط الله عليهم سيوف محمد وآله وأصحابه وامته حتى ذللهم بها فاما دخلوا في الاسلام طائعين، وإما أدوا الجزية صاغرين داخرين (1). (2) 273 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من سئل عن علم فكتمه حيث يجب إظهاره، ويزول عنه التقية، جاء يوم القيامة ملجما بلجام من النار. (3) 274 – وقال الامام عليه السلام: دخل جابر بن عبد الله الانصاري على أمير المؤمنين عليه السلام فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا جابر قوام هذه الدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم


1) دخر: ذل وصغر. 2) عنه البحار: 9 / 182 ح 10، والبرهان: 1 / 128 ح 1. 3) عنه البحار: 2 / 72 صدرح 37، ج 7 / 217 ح 120، وعوالم العقل والعلم: 303 ح 24، وأورده في تنبيه الخواطر: 2 / 7 مرسلا عنه صلى الله عليه وآله. (*)

[ 403 ]

وغني جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره. يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه. فان فعل ما يجب لله عليه عرضها للدوام والبقاء، وإن قصر فيما يجب لله عليه عرضها للزوال والفناء. وأنشأ يقول شعرا: ما أحسن الدنيا وإقبالها * إذا أطاع الله من نالها من لم يواس الناس من فضله * عرض للادبار إقبالها فاحذر زوال الفضل يا جابر * وأعط من (الدنيا لمن) (1) سالها فان ذي العرش جزيل العطاء * يضعف بالجنة (2) أمثالها ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: فإذا كتم العالم (العلم أهله) (3) وزها (4) الجاهل في تعلم ما لا بد منه، وبخل الغني بمعروفه، وباع الفقير دينه بدنيا غيره حل (5) البلاء وعظم العقاب. (6) قوله عزوجل: ” وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين “: 91. 275 – قال الامام عليه السلام: (وإذا قيل) لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم:


1) ” دنياك من ” بقية النسخ. وما أثبتناه من د. 2) ” بالحبة ” ق، د. 3) ” علمه ” أ. 4) أي تكبر وفخر. 5) ” جل ” ص، البحار: 2، والعوالم. 6) عنه البحار: 1 / 178 ح 59، وج 2 / 72 ذ ح 37 (قطعة)، وعوالم العقل والعلم: 201 ح 21، وص 303 ذ ح 24 قطعة. (*)

[ 404 ]

(آمنوا بما أنزل الله) على محمد من القرآن المشتمل على الحلال والحرام والفرائض والاحكام. (قالوا نؤمن بما انزل علينا) وهو التوراة (ويكفرون بما وراءه) يعني ما سواه (1) لا يؤمنون به (وهو الحق) والذي يقول هؤلاء اليهود ” إنه وراءه ” هو الحق ! لانه هو الناسخ للمنسوخ الذي قدمه الله تعالى. قال الله تعالى: (قل فلم تقتلون) لم (2) كان يقتل أسلافكم (أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) بالتوراة، أي (ليس في التوراة الامر) (3) بقتل الانبياء، فإذا كنتم تقتلون الانبياء، فما آمنتم بما انزل عليكم من التوراة، لان فيها تحريم قتل الانبياء. وكذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد، وبما انزل عليه وهو القرآن – وفيه الامر بالايمان به – فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة. (4) 276 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن، فما آمن بالتوراة، لان الله تعالى أخذ عليهم الايمان بهما، لا يقبل الايمان بأحدهما إلا مع الايمان بالآخر. فكذلك فرض الله الايمان بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام كما فرض الايمان بمحمد فمن قال: آمنت بنبوة محمد وكفرت بولاية علي عليه السلام فما آمن بنبوة محمد. إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق


1) أي ما سوى التوراة من الكتب المنزلة. 2) ” أنبياء الله أي فلم كنتم تقتلون، لم ” أ. ص والبرهان “… تقبلون ما ” ب، س، ط. وما في المتن كما في البحار. أقول: انما اسند فعل الاسلاف والاباء لهؤلاء الموجودين لانهم مقيمون على مذهبهم وطريقتهم، فكأنهم قد شركوهم في ذلك، أضف إليه أنهم راضون بأفعالهم، والراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. 3) ” ليس (ليست / خ ل) التوراة الامرة ” أ. 4) عنه البحار: 9 / 182 ح 11، والبرهان: 1 / 129 صدر ح 1. (*)

[ 405 ]

في إيمانهم وكفرهم، فقال: ” الله أكبر، الله أكبر ” ومناد آخر ينادي: ” معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة “: فأما الدهرية والمعطلة فيخرسون عن ذلك ولا تنطلق (1) ألسنتهم، ويقولها سائر الناس من الخلائق، فيمتاز الدهرية [ والمعطلة ] من سائر الناس بالخرس. ثم يقول المنادى: ” أشهد أن لا إله إلا الله ” فيقول الخلائق كلهم ذلك إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس والنصارى وعبدة الاوثان فانهم يخرسون فيبينون بذلك من سائر الخلائق. ثم يقول المنادى: ” أشهد أن محمدا رسول الله ” فيقولها المسلمون أجمعون ويخرس عنها اليهود والنصارى وسائر المشركين. [ في ان عليا عليه السلام قسيم الجنة والنار: ] ثم ينادى من آخر (2) عرصات القيامة: ألا فسوقوهم إلى الجنة [ لشهادتهم لمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ] (3) فإذا النداء من قبل الله تعالى: [ لا، بل ] (وقفوهم إنهم مسؤلون) (4) يقول الملائكة الذين قالوا ” سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة “: لماذا يوقفون يا ربنا ؟ فإذا النداء من قبل الله تعالى: [ قفوهم ] إنهم مسؤلون عن ولاية علي بن أبي طالب وآل محمد، يا عبادي وإمائي إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة اخرى، فان جاءوا بها فعظموا ثوابهم، وأكرموا مآبهم (5) وإن لم يأتوا بها لم تنفعهم الشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولا لي بالربوبية، فمن جاء بها فهو من الفائزين، ومن لم يأت بها فهو من الهالكين.


1) ” تنطق ” ص، البحار، والبرهان. 2) ” ينادى مناد آخر من ” ص، والبحار. 3) من البحار والبرهان. 4) الصافات: 24. 5) ” مأواهم ” أ. (*)

[ 406 ]

قال: فمنهم من يقول: قد كنت لعلي بن أبي طالب بالولاية شاهدا، ولآل محمد محبا، وهو في ذلك كاذب يظن أن كذبه ينجيه، فيقال له: سوف نستشهد على ذلك عليا. فتشهد أنت يا أبا الحسن، فتقول: الجنة لاوليائي شاهدة، والنار على أعدائي شاهدة. فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة ونسيمها فاحتملته، فأوردته علالي الجنة وغرفها وأحلته دار المقامة من فضل ربه (1) لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب (2). ومن كان منهم كاذبا جاءته (3) سموم النار وحميمها وظلها الذي هو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب (4) فتحمله، فترفعه في الهواء، وتورده في نار جهنم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلذلك أنت قسيم [ الجنة و ] النار، تقول لها: هذا لي وهذا لك. (5) 277 – وقال جابر بن عبد الله الانصاري: ولقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وحضره عبد الله ابن صوريا – غلام أعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن مسائل كثيرة يعنته (6) فيها، فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا. فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الاخبار عن (7) الله ؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لامنت بك.


1) ” ربى ” أ. 2) اشارة إلى قوله تعالى في سورة فاطر: 35 3) ” أصابه ” أ. 4) اشارة إلى قوله تعالى في سورة المرسلات: 30 و 31. 5) عنه البحار: 7 / 186 ح 46، وص 275 ح 50، وج 8 / 166 ح 110، وج 9 / 183 ذ ح 11 والبرهان: 1 / 129 ح 1. 6) أي شدد عليه وألزمه ما يصعب اداؤه ويشق تحمله. 7) ” من عند ” ص. (*)

[ 407 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولم اتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال: لانه ينزل (1) بالبلاء والشدة على بني إسرائيل. ودفع (2) دانيال عن قتل ” بخت نصر ” حتى قوى أمره، وأهلك بنى إسرائيل. وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويحك أجهلت أمر الله تعالى ! ؟ وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت ؟ أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه ؟ أرأيتم الآباء والامهات إذا وجروا (3) الاولاد الادوية الكريهة لمصالحهم، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا، ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمته غافلون، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان، وله مطيعان، وأنه لا يعادي أحدهما إلا مكن عادى الآخر، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب. وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان، فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وهما منه بريئان، وكذلك من أبغض واحدا مني ومن علي، ثم زعم أنه يحب الآخر فقد كذب، وكلانا منه بريئان، والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء. (4) قوله عزوجل: ” ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون “: 92


1) ” نزل ” البحار. 2) يأتي ص 448 وبتفصيله ص 454. 3) الوجور: الدواء الذى يصب في الفم. 4) عنه البحار: 9 / 283 ح 1 وعن الاحتجاج: 1 / 46 باسناده عن الحسن العسكري عليه السلام. (*)

[ 408 ]

278 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل لليهود الذين تقدم ذكرهم: (ولقد جاءكم موسى بالبينات) الدلالات (1) على نبوته، وعلى ما وصفه من فضل محمد وشرفه على الخلائق، وأبان عنه من خلافة علي ووصيته، وأمر خلفائه بعده. (ثم اتخذتم العجل – إلها – من بعده) بعد انطلاقه إلى الجبل، وخالفتم خليفته الذي نص عليه وتركه عليكم، وهو هارون عليه السلام (وأنتم ظالمون) كافرون بما فعلتم من ذلك. (2) [ حديث الحدائق: ] 279 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وقد مر معه بحديقة حسنة فقال علي عليه السلام: ما أحسنها من حديقة ! فقال: يا علي لك في الجنة أحسن منها. إلى أن مر بسبع حدائق كل ذلك يقول علي عليه السلام: ما أحسنها من حديقة ! ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله: لك في الجنة أحسن منها. ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكاءا شديدا، فبكى علي عليه السلام لبكائه، ثم قال: ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال: يا أخي [ يا ] أبا الحسن ضغائن في صدور قوم يبدونها لك بعدي. قال على عليه السلام: يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك. قال: يا رسول الله إذا سلم ديني فلا يسوءني ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لذلك جعلك الله لمحمد تاليا، وإلى رضوانه وغفرانه داعيا، وعن أولاد الرشد والغي بحبهم لك وبغضهم [ عليك مميزا ] منبئا (3) وللواء


1) ” الدالات ” س، ص، ق، د، البحار، والبرهان. والمراد: الايات التسع مثل: اليد البيضاء فلق البحر، الطوفان. 2) عنه البحار: 228 / 66 ح 26، والبرهان: 1 / 130 ح 1. 3) ” مثيبا ” ق. ” منيبأ ” د. (*)

[ 409 ]

محمد يوم القيامة حاملا، وللانبياء والرسل والصابرين (1) تحت لوائي إلى جنات النعيم قائدا. يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا وخالفوا خليفته، وسيتخذ امتي بعدي عجلا، ثم عجلا، ثم عجلا، ويخالفونك، وأنت خليفتي على هؤلاء، يضاهئون اولئك في اتخاذهم العجل. ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيع الاعلى، ومن اتخذ العجل بعدي وخالفك ولم يتب، فاولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان موسى، ولم يتوبوا [ فهم ] في نار جهنم خالدين مخلدين. (2)


1) ” الصائرين ” ص، والبحار. 2) عنه البحار: 28 / 66 ح 26. أقول: ان حديث الحدائق هو حديث متواتر عنه صلى الله عليه وآله روته العامة والخاصة بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة، منهم: أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة: 2 / 651 ح 1109. والحاكم النيشابوري في المستدرك: 3 / 139، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 12 / 398، والخوارزمي في مناقبه: 37، وفي مقتل الحسين: 36، وابن الجوزى في تذكرة الخواص: 45، والگنجى في كفاية الطالب: 273، والطبري في الرياض النضرة: 210، وفى ذخائر العقبى: 90، والحموينى في فرائد السمطين: 1 / 152 ح 115 والذهبي في ميزان الاعتدال: 2 / 331، وفى تلخيص المستدرك (المطبوع بذيل المستدرك: 3 / 139)، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 118، والشافعي في المناقب: 16 (مخطوط) والشبلنجى في نور الابصار: 88، والهاشمي في أئمة الهدى: 40، والامر تسرى في أرجح المطالب: 664، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 2 / 321 – 325 بعدة أسانيد جميعا بالاسانيد عن أبى عثمان النهدي عن على عليه السلام. ورواه أيضا الهيثمى في مجمع الزوائد: 9 / 118 (قال: رواه الطبراني) والكركي في نفحات اللاهوت: 85، والامر تسرى في أرجح المطالب: 664 جميعا بالاسانيد عن ابن عباس. ورواه المتقى الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد: > (*)

[ 410 ]

280 – قال أبو يعقوب (1): قلت للامام عليه السلام: فهل كان لرسول الله صلى الله عليه وآله ولامير المؤمنين عليه السلام آيات تضاهي آيات موسى عليه السلام ؟ فقال الامام عليه السلام: علي عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، وآيات رسول الله آيات علي عليه السلام، وآيات علي عليه السلام آيات رسول الله صلى الله عليه وآله، وما من آية أعطاها الله تعالى موسى عليه السلام ولا غيره من الانبياء إلا وقد أعطى الله محمدا مثلها أو أعظم منها. واما العصا التي كانت لموسى عليه السلام فانقلبت ثعبانا، فتلقفت ما أتته السحرة من عصيهم وحبالهم، فلقد كان لمحمد صلى الله عليه وآله أفضل من ذلك، وهو أن قوما من اليهود أتوا محمدا صلى الله عليه وآله فسألوه وجادلوه، فما أتوه بشئ إلا أتاهم في جوابه بما بهرهم. فقالوا له: يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بمثل عصا موسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الذي أتيتكم به أعظم (2) من عصا موسى، لانه باق


< 5 / 53 وفى كنز العمال: 15 / 146 وص 156 من عدة طرق، والجوهري في كتاب الزيارات (مخطوط)، والشافعي في المناقب: 16 (مخطوط) جميعا بالاسانيد عن أنس. والعسقلاني في المطالب العالية: 4 / 60 من طريق البزار وأبى يعلى عن على عليه السلام وأحمد المصرى في الاعتصام بحبل الاسلام: 159، والهاشمي الحنفي الهندي في تفريح الاحباب في مناقب الال والاصحاب: 323، والنقشبندى في مناقب العشرة: 29 وباكثير الحضرمي في وسيلة المآل: 131 (مخطوط) والحيدر آبادى في مناقب على: 46 من طريق الحاكم وأحمد، واللكنهوئى في مرآه المؤمنين: 114 من طريق أبى يعلى. والباغونى في جواهر المطالب: 33، وابن حجر في المطالب العالية: 4 / 60. وأخرجه ابن شهر اشوب في مناقب آل أبى طالب: 2 / 121، عن مسند أبى يعلى واعتقاد الاشنهى ومجموع أبى العلاء الهمداني برواية أنس وأبى برزه وأبى رافع وعن الابانة لابن بطة (رواه من ثلاثة طرق). أخرجه عن بعض المصادر أعلاه في احقاق الحق: 6 / 180 – 181 وج 16 / 525 – 529. وللحديث مصادر اخرى، فراجع. 1) أي يوسف بن محمد الذى روى التفسير مع ابن سيار. 2) ” أفضل ” البحار. (*)

[ 411 ]

بعدي إلى يوم القيامة معرض (1) لجميع الاعداء والمخالفين، لا يقدر أحد منهم أبدا على معارضة سورة منه، وإن عصا موسى زالت ولم تبق بعده فتمتحن، كما يبقى القرآن فيمتحن. ثم إني سأتيكم بما هو أعظم من عصا موسى عليه السلام وأعجب. فقالوا: فأتنا. فقال: إن موسى كانت عصاه بيده يلقيها، فكانت القبط يقول كافرهم: هذا موسى يحتال في العصا بحيلة. وإن الله سوف يقلب خشبا لمحمد ثعابين بحيث لا تمسها يد محمد ولا يحضرها إذا رجعتم إلى بيوتكم واجتمعتم الليلة في مجمعكم في ذلك البيت قلب الله تعالى جذوع سقوفكم كلها أفاعي، وهي أكثر من مائة جذع، فتتصدع (2) مرارات أربعة منكم فيموتون، ويغشى على الباقين منكم إلى غداة غد، فيأتيكم يهود فتخبرونهم بما رأيتم فلا يصدقونكم، فتعود بين أيديهم، وتملا أعينهم ثعابين كما كانت في بارحتكم، فيموت منهم جماعة، ويخبل (3) جماعة، ويغشى على أكثرهم. قال الامام عليه السلام: فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد ضحك القوم [ كلهم ] بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحتشمونه ولا يهابونه، يقول بعضهم لبعض: انظروا ما ادعي ؟ وكيف قد عدا طوره ؟ (4) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن كنتم الآن تضحكون، فسوف تكبون وتتحيرون (5) إذا شاهدتم ما عنه تخبرون (6) ألا فمن هاله ذلك منكم، وخشي على نفسه أن يموت أو يخبل فليقل: ” اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته، علي الذي ارتضيته، وأوليائهم الذين من


1) ” متعرض ” ط، البحار، والبرهان. 2) تصدع الشئ: تشقق وانشق. 3) أي يجن. 4) أي جاوز حده. 5) ” وتحزنون ” ق، د. 6) ” منه تتحيرون ” ص، د. (*)

[ 412 ]

سلم لهم أمرهم اجتبيته، لما قويتني على ما أرى “. وإن كان من يموت هناك ممن (تحييه وتريد إحياءه) (1) فليدع [ له ] بهذا الدعاء، ينشره الله عزوجل ويقويه. قال عليه السلام: فانصرفوا، واجتمعوا في ذلك الموضع، وجعلوا يهزأون بمحمد صلى الله عليه وآله وقوله: ” إن تلك الجذوع تنقلب أفاعى “. فسمعوا حركة من السقف، فإذا تلك الجذوع انقلبت أفاعي، وقد ولت (2) رؤوسها عن الحائط وقصدت نحوهم تلتقمهم، فلما وصلت إليهم كفت عنهم، وعدلت إلى ما في الدار من أحباب (3) وجرار وكيزان (4) وصلايات (5) وكراسي وخشب وسلاليم وأبواب، فالتقمتها وأكلتها. فأصابهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله إنه يصيبهم، فمات منهم أربعة، وخبل جماعة وجماعة خافوا على أنفسهم، فدعوا بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقويت قلوبهم. وكانت الاربعة، أتى بعضهم فدعا لهم بهذا الدعاء، فنشروا، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا الدعاء مجاب به، وإن محمدا صادق، وإن كان يثقل علينا تصديقه واتباعه أفلا ندعوا به لتلين – للايمان به، والتصديق له، والطاعة لاوامره وزواجره – قلوبنا ؟ فدعوا بذلك الدعاء، فحبب الله عزوجل إليهم الايمان وطيبه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر، فآمنوا بالله ورسوله. فلما أصبحوا من غد جاءت اليهود، وقد عادت الجذوع ثعابين كما كانت، فشاهدوها


1) ” يحبه ويريد حياته ” بقية النسخ. وما أثبتناه من ق. 2) ” دلت ” ص، ط. ” لوت ” البحار، والبرهان. ولى عن الشئ: ابتعد. دلى: أرسل. 3): جمع ” حب “، وهى الجرة الكبيرة. 4): جمع ” كوز ” وهو اناء كالابريق، لكنه أصغر منه. 5) الصلاية: كل حجر عريض يدق عليه. (*)

[ 413 ]

وتحيروا، وغلب الشقاء عليهم. (1) 281 – قال عليه السلام: وأما اليد فقد كان لمحمد صلى الله عليه وآله مثلها وأفضل منها وأكثر من مرة كان صلى الله عليه وآله يحب أن يأتيه الحسن والحسين عليهما السلام، وكانا يكونان عند أهليهما أو مواليهما [ أو دايتهما ] (2) وكان يكون في ظلمة الليل، فيناديهما رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا محمد، يا أبا عبد الله هلما إلي. فيقبلان نحوه من ذلك البعد وقد بلغهما صوته، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله بسبابته (3) – هكذا – يخرجها من الباب، فتضئ لهما أحسن من ضوء القمر والشمس، فيأتيان، ثم تعود الاصبع كما كانت، فإذا قضى وطره من لقائهما وحديثهما قال: ارجعا إلى موضعكما. وقال بعد بسبابته هكذا، فأضاءت أحسن من ضياء القمر والشمس، قد أحاط بهما إلى أن يرجعا إلى موضعهما، ثم تعود إصبعه صلى الله عليه وآله كما كانت من لونها في سائر الاوقات. (4) 283 – [ قال: ] وأما الطوفان الذي أرسله الله تعالى على القبط فقد أرسل الله تعالى مثله على قوم مشركين، آية لمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال: إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له: ” ثابت بن الافلح ” (5) قتل رجلا


1) عنه البحار: 17 / 265 صدر ح 6 وفى آخره: ومات منهم جماعة، وغلب الشقاء على الاخرين، والبرهان: 2 / 29 صدر ح 4 واثبات الهداة: 2 / 159 صدر ح 607. 2) الداية: المرضعة أو القابلة. 3) أي يشير بها. 4) عنه البحار: 17 / 267 ضمن ح 6، والبرهان: 2 / 30 ضمن ح 4، واثبات الهداة: 2 / 160 ضمن ح 607. 5) ” بن أبي الافلج (الافلح) ” أ، ص، ق، البرهان. وقد اختلف في ضبط اسمه، فهو تارة ” الافلح “، واخرى ” الافلج “، وثالثة ” الاقلح ” وفى أكثر كتب العامة ” ابن أبى الافلح / الاقلح “. أقول: بعد النظر في القصة بطولها يحتمل استنساخ الكتاب تصحيفا واسقاطا > (*)

[ 414 ]

……………………………….


< ولعله كان هكذا: فلما وقع بالمسلمين يوم احد ما وقع – فانصرف المشركون، واشتغل رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، بدفن أصحابه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عاصم ابن ثابت في جماعة إلى بعض الاقوام اجابة لطلبهم في تعليمهم القرآن – قتل عاصم ابن ثابت على ربوة من الارض، فجاءت المرأة أبى سفيان.. الخبر. وملخص القصة: أن عاصم بن ثابت قتل من المشركين رجلا هو زوج سلافة بنت سعد، اضافة إلى اثنين من أبنائها الاربعة المقتولين في معركة احد. وكانت سلافة – هذه – قد نذرت: لئن قدرت على رأسه لتشرين في قحف رأسه الخمر. وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة، فانتشر عهدها بين القبائل، حتى بعث الرسول الله صلى الله عليه وآله جماعة فيهم عاصم بن ثابت إلى بعض الاقوام – اجابة لطلبهم في تعليمهم القرآن – فلما وصلوا إلى بطن الرجيع – وهو ماء لهذيل – قتلهم حى منها يقال لهم: بنو لحيان، وأرادوا أن يجتزوا رأس عاصم، فمنعتهم الدبر – النحل – فقالوا: دعوه حتى نمسي فنذهب به. فلما جاءوا ليلا بعث الله سيلا، فاحتمله، فذهب به، فلم يصلوه. ذلك أن عاصما قد كان عاهد الله من قبل: أن لا يمس مشركا، ولا يمسه مشرك أبدا في حياته. فمنعه الله بعد وفاته مما امتنع منه في حياته. وسمى بذلك ” حمى الدبر ” وتلك هي غزوة الرجيع، ولا يخفى أن غزوة احد كانت في شوال لسبع ليال خلون منه، وبعدها عزوة حمراء الاسد لثمان خلون منه، وكلاهما سنة 3 ه‍، ثم غزوة الرجيع في صفر سنة 4 ه‍. لزيادة الاطلاع، راجع اعلام الورى: 86، مناقب آل أبى طالب لابن شهر اشوب: 1 / 194 عنهما البحار: 20 / 150 ح 1، المغازى للواقدي: 356، رجال الشيخ: 25 رقم 49، رسالة الشيخ الحر: 79 رقم 276، رجال السيد الخوئى: 9 / 184 رقم 6049، اسد الغابة: 3 / 73، وقال في ص 76 عند ترجمته لعاصم بن عمر العدوى: وامه جميلة بنت ثابت، وقيل: بنت عاصم بن ثابت. سيرة ابن هشام: 3 / 79 و 178 – 180 تاريخ ابن الاثير: 1 / 156 وص 168، وغيرها. (*)

[ 415 ]

من المشركين في بعض المغازي. فنذرت إمرأة ذلك المشرك المقتول: ” لتشربن في قحف رأس ذلك القاتل خمرا “. فلما وقع بالمسلمين يوم احد ما وقع، قتل ” ثابت ” (1) على ربوة (2) من الارض فانصرف المشركون، واشتغل رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بدفن أصحابه. فجاءت المرأة إلى أبى سفيان تسأله أن يبعث رجلا مع عبد لها إلى مكان ذلك المقتول، فيحز (3) رأسه فيؤتى به لتفي بنذرها، فتشرب في قحفه (4) خمرا، وقد كانت البشارة (5) بقتله أتاها بها عبد لها، فأعتقته وأعطته جارية لها، ثم سألت أبا سفيان، فبعث إلى ذلك المقتول مائتين من أصحابه الجلد (6) في جوف الليل ليحزوا رأسه فيأتونها به. فذهبوا، فجاءت ريح فدحرجت الرجل إلى حدور (7) فتبعوه ليقطعوا رأسه. فجاء من المطر وابل عظيم، فغرق المائتين، ولم يوقف لذلك المقتول ولا لواحد


1) زاد في بعض النسخ: هذا. 2) الظاهر أن ” ربوة من الارض ” ليست بجبل احد. واليك استعمالاتها القرآنية: ” فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ” الحج: 5، وفصلت: 39. ” وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ” المؤمنون: 50. ” كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت اكلها ضعفين ” البقرة: 265. وهذا ينطبق على بطن الرجيع، وهو ماء لهذيل، حيث قتل عاصم. 3) ” ليجز ” ب، والبرهان. ” لينحر ” ط وكلها بمعنى القطع. 4) أي قحفة رأسه. والقحف – بالكسر -: العظم الذى فوق الدماغ. 5) لا جدال أن اتيان خبر قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ليس بشارة الا عند هذه المرأة التى كانت تترقب هذا الخبر: لتشتفى نفسها وتفى نذرها. وزاد في بعض النسخ: أتتها. 6) أي ذوى القوة والصلابة. 7) أي المكان الذى ينحدر منه. (*)

[ 416 ]

من المائتين على عين ولا أثر، ومنع الله الكافرة مما أرادت. فهذا أعظم من الطوفان آية لمحمد صلى الله عليه وآله. (1) 283 – وأما الجراد المرسل على بني إسرائيل، فقد فعل الله أعظم وأعجب منه بأعداء محمد صلى الله عليه وآله، فانه أرسل عليهم جرادا أكلهم (2) ولم يأكل جراد موسى رجال القبط، ولكنه أكل زروعهم. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض أسفاره إلى الشام، وقد تبعه مائتان من يهودها في خروجه عنها وإقباله نحو مكة، يريدون قتله، مخافة أن يزيل الله دولة اليهود على يده، فراموا قتله، وكان في القافلة فلم يجسروا (3) عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد حاجة أبعد واستتر بأشجار ملتفة (4) أو بخربة بعيدة فخرج ذات يوم لحاجته فأبعد وتبعوه، وأحاطوا به، وسلوا سيوفهم عليه، فأثار (5) الله تعالى من تحت رجل محمد صلى الله عليه وآله من ذلك الرمل جرادا، فاخترشتهم (6) وجعلت تأكلهم، فاشتغلوا بأنفسهم عنه. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من حاجته، وهم يأكلهم الجراد، رجع صلى الله عليه وآله إلى أهل القافلة، فقالوا [ له: يا محمد ] ما بال الجماعة خرجوا خلفك ولم يرجع منهم أحد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: جاءوا يقتلونني فسلط الله عليهم الجراد فجاءوا، فنظروا إليهم فبعضهم قد مات، وبعضهم قد كاد يموت، والجراد يأكلهم، فما زالوا ينظرون


1) عنه البحار: 17 / 267 ضمن ح 6، والبرهان: 2 / 30 ضمن ح 4، واثبات الهداة: 2 / 160 ضمن ح 607. 2) ” لاكلهم ” ب، س، ط. 3) ” يجترؤا ” أ. وكلاهما بمعنى واحد. 4) ” متباعدة ” ب، س، ص، د. ” تكنفه ” الحلية، والبحار. كنف الشئ: صانه وحفظه. 5) ” فأبان ” ب، س، ط. 6) ” فاحترشهم ” س، د. ” فاجترشهم ” ص. ” فاحتوشتهم ” البحار والبرهان. ” فأجرشهم ” ق. خرشه وحرشه: خدشه، واحتوش القوم فلانا: جعلوه وسطهم. (*)

[ 417 ]

إليهم حتى أتى الجراد على أعيانهم (1) فلم تبق منهم شيئا. (2) 284 – وأما القمل فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما ظهر بالمدينة أمره، وعلا بها شأنه حدث يوما (3) أصحابه عن امتحان الله عزوجل للانبياء عليهم السلام وعن صبرهم على الاذى في طاعة الله، فقال في حديثه: إن بين الركن والمقام قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع والقمل. فسمع ذلك بعض المنافقين من اليهود، وبعض مردة كفار قريش فتآمروا (4) بينهم [ وتوافقوا: ] ليلحقن محمدا بهم، فليقتلنه بسيوفهم حتى لا يكذب. فتآمروا بينهم – وهم مائتان – على الاحاطة به يوم يجدونه من المدينة [ خاليا ] خارجا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله: يوما خاليا، فتبعه القوم، فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل، ثم جعل بدنه وظهره يحك من القمل، فأنف منه أصحابه، واستحيا فانسل عنهم، فأبصر آخر ذلك من نفسه فانسل فما زال كذلك حتى وجد ذلك كل واحد من نفسه فرجعوا. ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى عليهم القمل، وانطبقت حلوقهم (5) فلم يدخل فيها طعام ولا شراب، فماتوا كلهم في شهرين، منهم من مات في خمسة أيام، ومنهم من مات في عشرة أيام وأقل وأكثر، ولم يزد على شهرين حتى ماتوا بأجمعهم بذلك القمل والجوع والعطش.


1) ” أعينهم ” أ، ص. وكلاهما جمع ” عين “. 2) عنه البحار: 17 / 268 ضمن ح 6، والبرهان: 2 / 30 ضمن ح 4، وحلية الابرار: 1 / 36 واثبات الهداة: 2 / 160 ضمن ح 607. 3) ” بها ” أ. 4) أي فتشاوروا. 5) كذا في أكثر النسخ والبحار والبرهان. ” حلقومهم ” ب، ط. وفي البحار / خ ل بلفظ ” ونقبت حلقومهم “. (*)

[ 418 ]

فهذا القمل الذي أرسله الله على أعداء محمد صلى الله عليه وآله آية له. (1) 285 – وأما الضفادع، فقد أرسل الله مثلها على أعداء محمد صلى الله عليه وآله لما قصدوا قتله فأهلكهم الله بالجرذ، وذلك أن مائتين بعضهم كفار العرب، وبعضهم يهود، وبعضهم أخلاط من الناس اجتمعوا بمكة في أيام الموسم، وهموا أنفسهم ليقتلن محمدا صلى الله عليه وآله فخرجوا نحو المدينة، فبلغوا بعض تلك المنازل، وإذا هناك ماء في بركة أو حوض أطيب من مائهم الذي كان معهم، فصبوا ماكان معهم، وملاوا رواياهم ومزاودهم (2) من ذلك الماء وارتحلوا، فبلغوا أرضا ذات جرذ (3) كثيرة، فحطوا رواحلهم عندها فسلطت على مزاودهم ورواياهم وسطايحهم (4) الجرذ فخرقتها وثقبتها، وسالت مياهها في تلك الحرة (5) فلم يشعروا إلا وقد عطشوا ولا ماء معهم. فرجعوا القهقرى إلى تلك الحياض التي كانوا تزودوا منها تلك المياه، وإذا الجرذ قد سبقتهم إليها، فثقبت أصولها وسالت في الحرة مياهها. فوقفوا (6) آيسين من الماء وتماوتوا، ولم ينقلب (7) منهم أحد إلا واحد كان لا يزال يكتب على لسانه محمدا، وعلى بطنه محمدا، ويقول: يا رب محمد وآل محمد


1) عنه البحار: 17 / 268 ضمن ح 6 والبرهان: 2 / 31 ضمن ح 4. 2) الرواية جمعها روايا: الدابة يستقى عليها أو المزادة من ثلاثة جلود فيها الماء. قال ابن الاثير في النهاية: 2 / 279: الروايا من الابل: الحوامل للماء، واحدتها راوية فشبهها بها، ومنه سميت المزادة ” راوية “، وقيل: بالعكس، انتهى. وقال ابن منظور في لسان العرب: 14 / 346: والوعاء الذى يكون فيه الماء انما هي المزادة، سميت رواية لمكان البعير الذى يحملها. 3) زاد في البرهان ” وضفادع ” وكذا بعدها. 4) السطيحة: المزادة أو أصغر منها. 5) الحرة – بفتح الحاء وتشديد الراء -: الارض ذات حجارة نخرة. 6) ” فرجعوا ” أ، ” فوقعوا ” ص، ق، د والبرهان. 7) انقلب: انكب ورجع. (*)

[ 419 ]

قد تبت من أذى محمد، ففرج عنى بجاه محمد وآله محمد “. فسلم، وكف الله عنه العطش، فوردت عليه قافلة، فسقوه وحملوه وأمتعة القوم وجمالهم، وكانت [ الجمال ] أصبر على العطش من رجالها فآمن برسول الله صلى الله عليه وآله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الجمال والاموال له (1). 286 – قال عليه السلام: وأما الدم فان رسول الله صلى الله عليه وآله احتجم مرة، فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدرى وقال له: غيبه. فذهب، فشربه (2). فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ماذا صنعت به ؟ قال: شربته يا رسول الله. قال: أولم أقل لك غيبه ؟ فقال: قد غيبته في وعاء حريز (3). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياك وأن تعود لمثل هذا، ثم أعلم أن الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط بلحمي ودمي.


1) عنه البحار: 17 / 268 ضمن ح 6، والبرهان: 2 / 31 ضمن ح 4. 2) تذكر لنا الروايات أن جمعا من الصحابة كان قد شرب الدم بعد احتجام الرسول صلى الله عليه وآله، ففى طب الائمة: 69:… قال أبو طيبة، حجمت رسول الله صلى الله على وآله… وشربت دمه. وفى رواية الكافي: 5 / 116 ” مولى بنى بياضة ” وفى تبرك الصحابة: 15، والسيرة الحلبية: 2 / 248، والاصابة: 2 / 6، والاستيعاب (المطبوع بهامش الاصابة): 2 / 72، واسد الغاية: 2 / 247، والرصف: 141 وكنز العمال: 19 / 199 وج 20 / 10 ” سالم الحجام “. وفى اسد الغاية: 4 / 281، وعمدة الاخبار: 159، والسيرة الحلبية: 2 / 247، والاصابة: 3 / 346، وسيرة دحلان: 2 / 257، والمغازى للواقدي: 1 / 247، والرصف: 87، جميعا أنه شرب ” مالك بن سنان بن عبيد الانصاري الخزرجي ” والد أبى سعيد الخدرى دمه صلى الله عليه وآله. أقول: لعله سقط من الراوى أو الناسخ كلمة ” والد “، أو أن الابن كذلك شرب منه والله العالم. 3) أي الحصين، يقال: هذا حرز حريز. (*)

[ 420 ]

فجعل أربعون من المنافقين يهزأون برسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون ” زعم أنه قد أعتق ” الخدرى ” من النار لاختلاط دمه بدمه، وما هو إلا كذاب مفتر ! أما نحن فنستقذر دمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إن الله يعذبهم بالدم ويميتهم به، وإن كان لم يمت القبط. فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى لحقهم الرعاف الدائم، وسيلان دماء من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط بالدم (1) فيأكلونه، فبقوا كذلك أربعين صباحا معذبين ثم هلكوا. (2) 287 – وأما السنين ونقص من الثمرات فان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا على مضر فقال: ” اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف “. فابتلاهم الله بالقحط والجوع، فكان الطعام يجلب إليهم من كل ناحية، فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس (3) وينتن ويفسد، فيذهب أموالهم، ولا يجعل (4) لهم في الطعام نفع حتى أضربهم الازم (5) والجوع الشديد العظيم حتى أكلوا الكلاب الميتة، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها، وحتى نبشوا عن قبور الموتى فأكلوهم، وحتى ربما أكلت المرأة طفلها، إلى أن مشى جماعة (6) من رؤساء قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد هبك عاديت الرجال، فما بال النساء والصبيان والبهائم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنتم بهذا معاقبون، وأطفالكم وحيواناتكم [ بهذا ] غير معاقبة بل هي معوضة (7) بجميع المنافع حين يشاء ربنا في الدنيا والآخرة، وسوف يعوضها


1) ” بذلك ” ب، س، ط. 2) التخريجة السابقة. 3) أي يقع فيه السوس، وهو دود يقع في الطعام والخشب، ونحوها. 4) ” يحصل ” البحار، والبرهان. 5) جمع أزمة. وهى الشدة والضيقة والقحط. واستظهرها في ” ص “: الالام. 6) ” جماعات ” ب، ط. 7) ” معرضة ” ب، س، د. يقال عرضه من ماله بكذا: عوضه منه به. (*)

[ 421 ]

الله تعالى عما أصابهم (1). ثم عفا عن مضر وقال: ” اللهم افرج عنهم ” فعاد إليهم الخصب والدعة والرفاهية. فذلك قوله عزوجل فيهم يعدد (عليهم نعمه (2)): (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). (3) 288 – وقال أمير المؤمنين (4) عليه السلام: وأما الطمس لاموال قوم فرعون فقد كان مثله آية لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام، وذلك أن شيخا كبيرا جاء بابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والشيخ يبكي ويقول: يا رسول الله ابني هذا غذوته صغيرا، وصنته (5) طفلا عزيزا، وأعنته (6) بمالي كثيرا حتى [ إذا ] اشتد أزره، وقوي ظهره، وكثر ماله، وفنيت قوتي، وذهب مالي عليه وصرت من الضعف إلى ما ترى قعد (7) بي، فلا يواسيني بالقوت الممسك لرمقي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للشاب: ماذا تقول: قال يا رسول الله لا فضل معي عن قوتي وقوت عيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للوالد: ماذا تقول ؟ قال: يا رسول الله إن له أنابير (8) حنطة وشعير وتمر وزبيب، و [ بدر ] (9) الدراهم والدنانير وهو غني.


1) ” أصابها ” ق، د. 2) ” نعمهم ” ب، ص. 3) عنه البحار: 17 / 271 ضمن ح 6 والبرهان: 2 / 32 ضمن ح 4، واثبات الهداة: 2 / 161 ضمن ح 607 باختصار، وأورد مثله ابن شهر اشوب في مناقب آل أبى طالب: 1 / 106 مرسلا عن الضحاك، عنه البرهان: 4 / 160 ح 1. والاية الاخيرة من سورة قريش: 4. 4) ” قال الامام ” البحار. وزاد قبلها في البرهان: قال الامام عليه السلام. 5) ” مننته ” أ، ق. ” ضمنته ” س، ص. ” منته ” البحار. المنة: الاحسان. وصانه: حفظه. وضمن الشئ: كفله، ومانه، يمونه: احتمل مؤونته. 6) ” أغنيته ” أ. 7) يقال: تقاعد به فلان: إذا لم يخرج إليه من حقه. ” فعدل ” ب، س، ص، ط، د. 8) جمع أنبار: وهو بيت التاجر الذي تنضد فيه الغلال والمتاع. 9) بفتح الدال، جمع بدرة، والبدرة من المال: كمية عظيمة منه، عشرة آلاف درهم. (*)

[ 422 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للابن: ما تقول ؟ قال الابن: يا رسول الله مالي شئ مما قال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إتق الله يافتى، وأحسن إلى والدك المحسن إليك يحسن الله إليك، قال: لا شئ لي. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فنحن نعطيه عنك في هذا الشهر، فأعطه أنت فيما بعده وقال لاسامة: أعط الشيخ مائة درهم نفقة شهر لنفسه وعياله. ففعل. فلما كان رأس الشهر جاء الشيخ والغلام، فقال الغلام: لا شئ لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لك مال كثير، ولكنك تمسي اليوم وأنت فقير وقير ؟ ؟ ؟، أفقر من أبيك هذا، لا شئ لك. فانصرف الشاب، فإذا جيران أنابيره قد اجتمعوا عليه يقولون: حول هذه الانابير عنا. فجاء إلى أنابيره، فإذا الحنطة والشعير والتمر والزبيب قد نتن جميعه، وفسد وهلك، وأخذوه بتحويل ذلك عن جوارهم، فاكترى اجراء بأموال كثيرة فحولوها وأخرجوها بعيدا عن المدينة. ثم ذهب ليخرج إليهم الكراء من أكياسه التي فيها دراهمه ودنانيره فإذا هي [ قد ] طمست ومسخت حجارة، وأخذه الحمالون بالاجرة، فباع ماكان له من كسوة وفرش ودار وأعطاها في الكراء، وخرج من ذلك كله صفرا، ثم بقي فقيرا وقيرا (1) لا يهتدي إلى قوت يومه، فسقم لذلك جسده وضني (2). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أيها العاقون للاباء والامهات اعتبروا، واعلموا أنه كما طمس في الدنيا على أمواله فكذلك جعل بدل ما كان اعد له في الجنة من الدرجات معدا له في النار من الدركات (3). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى ذم اليهود بعبادة العجل من دون الله بعد


1) ” وقترا ” ق. والوقير: الذليل المهان. 2) أي مرض فتمكن منه الضعف والهزال. 3) جمع دركة، وهى الدرجة إذا اعتبرت النزول: ويقابلها الدرجة للصاعد. (*)

[ 423 ]

رؤيتهم لتلك الآيات، فاياكم وأن تضاهوهم (1) في ذلك. وقالوا: وكيف نضاهيهم يا رسول الله ؟ قال: بأن تطيعوا مخلوقا في معصية الله وتتوكلوا عليه من دون الله، فتكونوا قد ضاهيتموهم. (2) 289 – قال الامام عليه السلام: وأما نظيره لعلي بن أبي طالب فان رجلا من محبيه كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل (3) وعليهم إن خرجت خائف وبأموالي التي – اخلفها إن خرجت – ضنين (4)، واحب اللحاق بك، والكون في جملتك، والحفوف (5) في خدمتك، فجد لي يا أمير المؤمنين. فبعث إليه علي عليه السلام: إجمع أهلك وعيالك وحصل عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد وآله الطيبين، ثم قل: ” اللهم هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليك علي بن أبي طالب ” ثم قم وانهض إلي. ففعل الرجل ذلك، واخبر معاوية بهربه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأمر معاوية أن يسبى عياله ويسترقوا، وأن ينهب ماله. فذهبوا، فألقى الله تعالى عليهم شبه عيال معاوية، وشبه أخص حاشية ليزيد (6) ابن معاوية يقولون: نحن أخذنا هذا المال وهو لنا، وأما عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلى السوق. فكفوا لما رأوا ذلك.


1) المضاهاة: المشابهة. وقد تهمز. 2) عنه البحار: 17 / 271 ذ ح 6، والبرهان: 2 / 194 ح 1، واثبات الهداه: 2 / 161 ح 608 باختصار. 3) ” مشتغل ” ب، ط. 4) ” ظنين، وأخر ” البحار. ضنين: بخيل. ظنين: متهم، أو قليل الحيلة. 5) حفه بكذا: أحاطه به. ” الحقوق ” البحار. قال المجلسي – رحمة الله عليه -: هو التحرك والاضطراب، ” الحفوق ” ق، د، وفى بعض النسخ بالفاءين. 6) ” وحاشيته أخص حاشية كيزيد ” أ. ولا يخفى عل ذى الاربة أن لابناء الملوك من الحاشية والخواص ما يقارب حاشية الملك نفسه، ودون أن يكون لسني العمر اعتبار في ذلك فاحفظ. (*)

[ 424 ]

وعرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية وعيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن يسرقها اللصوص، فمسخ الله المال عقارب وحيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لدغوا ولسعوا، فمات منهم قوم، وضني آخرون، ودفع الله عن ماله بذلك إلى أن قال علي عليه السلام يوما للرجل: أتحب أن يأتيك عيالك ومالك ؟ قال: بلى. قال على عليه السلام: اللهم ائت بهم. فإذا هم بحضرة الرجل لا يفقد من جميع عياله وماله شيئا. فأخبروه بما ألقى الله تعالى من شبه عيال معاوية وخاصته وحاشية يزيد عليهم وبما مسخه من أموله عقارب وحيات تلسع اللص الذي يريد أخذ شئ منه. قال على على السلام: إن الله ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته، ولبعض الكافرين ليبالغ في الاعذار إليه. (1) 290 – قوله عزوجل: ” وإذا اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين “: 93 قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: واذكروا إذ فعلنا ذلك بأسلافكم لما أبوا قبول ما جاءهم به موسى عليه السلام: من دين الله وأحكامه، ومن الامر بتفضيل محمد وعلي صلوات الله عليهما وخلفائهما على سائر الخلق (خذوا ما آتيناكم) قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم من هذه الفرائض (بقوة) قد جعلناها لكم، مكناكم بها، وأزحنا عللكم (2) في تركيبها فيكم


1) عنه البحار: 42 / 39 ح 13، والبرهان: 2 / 194 ح 2، ومدينة المعاجز: 71 ح 180. 2) ” أرحنا عليكم ” أ. (*)

[ 425 ]

(واسمعوا) ما يقال لكم و [ ما ] تؤمرون به. (قالوا سمعنا) قولك (وعصينا) أمرك، أي إنهم عصوا بعد، وأضمروا في الحال أيضا العصيان (واشربوا في قلوبهم العجل) امروا بشرب العجل الذي كان قد ذرأت سحالته (1) في الماء الذي اامروا بشربه ليتبين من عبده ممن لم يعبده (بكفرهم) لاجل كفرهم امروا بذلك. (قل) يا محمد: (بئسما يأمركم به إيمانكم) بموسى كفركم بمحمد وعلي وأولياء الله من أهلهما (2) (إن كنتم مؤمنين) بتوراة موسى، ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بالتوراة الكفر بمحمد وعلي عليهما السلام. (3) 291 – قال الامام عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تعالى ذكر بني إسرائيل في عصر محمد صلى الله عليه وآله أحوال آبائهم الذين كانوا في أيام موسى عليه السلام كيف أخذ عليهم العهد والميثاق لمحمد وعلي وآلهما الطيبين المنتجبين للخلافة على الخلائق ولاصحابهما وشيعتهما وسائر امة محمد صلى الله عليه وآله فقال: (وإذ أخذنا ميثاقكم) اذكروا إذ أخذنا ميثاق آبائكم (ورفعنا فوقكم الطور) الجبل لما أبوا قبول ما اريد منهم والاعتراف به (خذوا ما آتيناكم) أعطيناكم (بقوة) [ يعني ] بالقوة التي أعطيناكم تصلح [ لكم ] لذلك (واسمعوا) أي أطيعوا فيه. (قالوا سمعنا) بآذاننا (وعصينا) بقلوبنا. فأما في الظاهر فأعطوا كلهم الطاعة (4) داخرين صاغرين، ثم قال: (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك إلى قلوبهم.


1) السحالة: برادة الذهب أو الفضة. وتقدمت قصته بالتفصيل ص 254، فراجع. 2) ” آلهما ” البرهان. 3) عنه البحار: 13 / 238 صدر ح 48، والبرهان: 1 / 130 صدر ح 1. 4) ” الجزية ” أ، ط، والبرهان. وهو تصحيف على ما يفصله في آخر صفحة 427. (*)

[ 426 ]

وقال: إن بني إسرائيل لما رجع إليهم موسى – وقد عبدوا العجل – تلقوه بالرجوع عن ذلك، فقال لهم موسى: من الذي عبده منكم حتى انفذ فيه حكم الله ؟ خافوا من حكم الله الذي ينفذه فيهم، فجحدوا أن يكونوا عبدوه، وجعل كل واحد منهم يقول: أنا لم أعبده وإنما عبده غيري ووشى (1) بعضهم ببعض. – فكذلك (2) ما حكى الله عزوجل عن موسى من قوله للسامري: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) (3) – فأمره الله، فبرده بالمبارد، وأخذ سحالته فذرأها في البحر العذب، ثم قال لهم: اشربوا منه. فشربوا، فكل من كان عبده اسودت شفتاه وأنفه (ممن كان أبيض اللون ومن كان منهم أسود اللون) (4) ابيضت شفتاه وأنفه، فعند ذلك أنفذ فيهم حكم الله. ثم قال الله تعالى للموجودين من بني إسرائيل في عصر محمد صلى الله عليه وآله على لسانه: (قل) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك بعد سماعهم ما اخذ على أوائلهم (5) لك ولاخيك علي ولآلكما ولشيعتكما: (بئسما يأمركم به إيمانكم) أن تكفروا [ بمحمد صلى الله عليه وآله ] وتستخفوا بحق علي وآله وشيعته (إن كنتم مؤمنين) كما تزعمون بموسى عليه السلام والتوراة. قال عليه السلام: وذلك أن موسى عليه السلام [ كان ] وعد بني إسرائيل أنه يأتيهم من عند الله بكتاب يشتمل على أوامره ونواهيه وحدوده وفرائضه بعد أن ينجيهم الله تعالى من فرعون وقومه، فلما نجاهم الله وصاروا بقرب الشام، جاءهم بالكتاب من عند الله كما وعدهم وكان فيه: ” إني لا أتقبل عملا ممن لم (6) يعظم محمدا وعليا وآلهما الطيبين ولم يكرم أصحابهما وشيعتهما ومحبيهما ؟ ؟ ؟ حق تكريمهم، يا عبادي ألا فاشهدوا بأن محمدا خير


1) أي نم عليه وسعى به. 2) ” فلذلك ” أ، البحار. 3) طه: 97. 4) ” فمن كان لم يعبده ” أ. 5) المكذبين ” أ. 6) ” لا ” ص، والبحار.

[ 427 ]

خليقتي، وأفضل بريتي، وأن عليا أخوه وصفيه (1) ووراث علمه، خليفته في امته وخير من يخلفه بعده، وأن آل محمد أفضل آل النبيين، وأصحاب محمد صلى الله عليه وآله أفضل أصحاب (2) المرسلين، وامة محمد صلى الله عليه وآله خير الامم أجمعين “. فقال بنو اسرائيل: لا نقبل هذا يا موسى، هذا عظيم، ثقيل (3) علينا، بل نقبل من هذه الشرائع ما يخف علينا، وإذا قبلناها قلنا: إن نبينا أفضل نبي، وآله أفضل آل وصحابته أفضل صحابة، ونحن امته أفضل من امة محمد، ولسنا نعترف لقوم بالفضل لا نراهم ولا نعرفهم. [ رفع الطور فوق رؤوس بنى اسرائيل: ] فأمر الله تعالى جبرئيل، فقطع بجناح من أجنحته من جبل من جبال فلسطين على قدر معسكر موسى عليه السلام وكان طوله في عرضه فرسخا في فرسخ. ثم جاء به فوقه على رؤوسهم، وقال (4): إما أن تقبلوا ما أتاكم به موسى عليه السلام، وإما وضعت عليكم الجبل فطحطحتكم (5) تحته. فلحقهم من الجزع والهلع ما يلحق أمثالهم ممن قوبل هذه المقابلة، فقالوا: يا موسى كيف نصنع ؟ قال موسى: اسجدوا لله على جباهكم، ثم عفروا خدودكم اليمنى ثم اليسرى في التراب، وقولوا: يا ربنا سمعنا وأطعنا وقبلنا واعترفنا وسلمنا ورضينا “. قال: ففعلوا هذا الذي قال لهم موسى قولا وفعلا، غير أن كثيرا منهم خالف قلبه ظاهر أفعاله وقال بقلبه ” سمعنا وعصينا ” مخالفا لما قاله بلسانه، وعفروا خدودهم اليمنى [ بالتراب ] وليس قصدهم التذلل لله عزوجل، والندم على ما كان منهم من الخلاف


1) ” وصيه ” البحار. 2) ” صحابة ” س، ط،، د والبحار. 3) ” يثقل ” ب، ق، د، البحار. 4) ” فقال جبرئيل عليه السلام ” أ. 5) أي أهلكتكم. (*)

[ 428 ]

ولكنهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا، ثم عفروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك، ولم يفعلوا ذلك كما امروا. فقال جبرئيل لموسى عليه السلام أما إن أكثرهم لله تعالى عاصون، ولكن الله عزوجل أمرني أن اازيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا، فان الله تعالى إنما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم، وإبقاء الذمة لهم، وإنما أمرهم إلى الله في الآخرة يعذبهم على عقودهم وضمائرهم. فنظر القوم إلى الجبل وقد صار قطعتين: قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقى حتى خرقت (1) السماوات، وهم ينظرون إليها إلى أن صارت إلى حيث لا تلحقها أبصارهم، وقطعة صارت نارا ووقعت على الارض بحضرتهم، فخرقتها (2) ودخلتها وغابت عن عيونهم. فقالوا: ما هذان المفترقان من الجبل ؟ فرق (3) صعد لؤلؤا وفرق انحط نارا ؟ قال لهم موسى: أما القطعة التى صعدت في الهواء فانها وصلت إلى السماء وخرقتها إلى أن لحقت بالجنة. فاضعفت أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله، وأمر الله أن تبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل ومساكن مشتملة على أنواع النعم التي وعد بها المتقين من عباده، من الاشجار والبساتين والثمار، والحور الحسان، والمخلدين من الولدان كاللالئ المنثورة وسائر نعيم الجنة وخيراتها. وأما القطعة التى انحطت إلى الارض فخرقتها ثم التي تليها إلى أن لحقت بجهنم فاضعفت أضعافا كثيرة، وأمر الله تعالى أن تبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب، قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة على أنواع العذاب التي وعدها للكافرين من عباده


1) يقال خرق المفازة: قطعها حتى بلغ أقصاها. 2) أي شقتها. 3) أي بعض. والفرق الفلق من الشئ إذا انفلق منه، ومنه قوله تعالى ” فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ” الشعراء: 63. (لسان العرب: 10 / 300). (*)

[ 429 ]

من بحار نيرانها، وحياض غسلينها وغساقها، وأودية قيحها ودمائها وصديدها، وزبانيتها بمرزباتها، وأشجار زقومها، وضريعها وحياتها [ وعقاربها ] وأفاعيها، وقيودها وأغلالها وسلاسلها وأنكالها (1) وسائر أنواع البلايا والعذاب المعد فيها. ثم قال محمد رسول الله صلى الله عليه وآله لبني إسرائيل: أفلا تخافون عقاب ربكم في جحدكم لهذه الفضائل التي اختص بها محمدا وعليا وآلهما الطيبين ؟ (2) [ في أن للرسول الله صلى الله عليه وآله من المعجزات ماكان للانبياء عليهم السلام: ] 292 – فقيل لامير المؤمنين عليه السلام: يا أمير المؤمنين فهذه آية موسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما امروا به، فهل كان لمحمد آية مثلها ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إي والذي بعثه بالحق نبيا، ما من آية كانت لاحد من الانبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله إلا وقد كان لمحمد مثلها وأفضل منها، ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله نظير هذه الآية إلى آيات اخر ظهرت له. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أظهر بمكة دعوته، وأبان – عن الله عزوجل – مراده، رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم (3) ولقد قصدته يوما – وإني كنت أول الناس إسلاما، بعث يوم الاثنين، وصليت معه يوم الثلاثاء: وبقيت معه اصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام وأيد الله تعالى دينه من بعد – فجاءه قوم من المشركين فقالوا له: يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ثم أنك لا ترضى بذلك حتى تزعم


1) جمع نكل – بكسر النون – وهو القيد الشديد من أي شئ. 2) عنه البحار: 8 / 165 ح 108 (قطعة)، وج 13 / 238 ح 48، البرهان 1 / 130 ح 1 إلى قوله (انفذ فيهم حكم الله) واثبات الهداة: 3 / 576 ح 665 (قطعة). 3) ” مكائدهم ” الاحتجاج. (*)

[ 430 ]

أنك سيدهم وأفضلهم، ولئن كنت نبيأ فأتنا بآية كما تذكره عن الانبياء قبلك: مثال نوح الذي جاء بالغرق، ونجا في سفينته مع المؤمنين. وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما. وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين. وعيسى الذي كان ينبئه بما يأكلون و [ ما ] يدخرون في بيوتهم. وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعة: هذه تقول: أظهر لنا (1) آية نوح عليه السلام. وهذه تقول: أظهر لنا آية موسى عليه السلام. وهذه تقول: أظهر لنا آية إبراهيم عليه السلام. وهذه تقول: أظهر لنا آية عيسى عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أنا نذير مبين، آتيتكم بآية مبينة: هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والامم وسائر العرب عن معارضته، وهو بلغتكم فهو حجة بينة (2) عليكم وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي، فما على الرسول إلا البلاغ المبين إلى المقرين (3) بحجة صدقه، وآية حقه، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيا يقترحون ؟ فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: إني ساظهر لهم هذه الآيات، وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم، ولكني اريهم زيادة في الاعذار والايضاح لحججك. فقل لهؤلاء المقترحين لاية نوح: امضوا إلى جبل أبي قبيس، فإذا بلغتم سفحه (4) فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه.


1) ” لى ” أغلب النسخ، وكذا ما يأتي. 2) ” الله وحجة نبيه ” البحار. 3) ” المقربين ” أ، ب، ص، ط. 4) ” سفحته ” الاصل. السفح: عرض الجبل، وقيل: أصله. (*)

[ 431 ]

وقل للفريق [ الثاني ] المقترحين لآية إبراهيم عليه السلام: امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية إبراهيم في النار، فإذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة، وترد عنكم النار. وقل للفريق الثالث: وأنتم المقترحين لآية موسى، امضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسى عليه السلام، وسينجيكم هناك عمي حمزة. وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل: وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك (1) أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة، فان الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي. فقال أبو جهل للفرق الثلاثة: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد. [ ماكان مثل آية نوح عليه السلام: ] فذهبت الفرقة الاولى إلى حضرة (2) جبل أبي قبيس، فلما صاروا [ في الارض ] إلى جانب الجبل نبع الماء من تحتهم، ونزل من السماء الماء من فوقهم من غير غمامة ولا سحاب، وكثر حتى بلغ أفواههم فألجمها، وألجأهم إلى صعود الجبل إذ لم يجدوا ملجأ (3) سواه، فجعلوا يصعدون الجبل والماء يعلو من تحتهم إلى أن بلغوا ذروته، وارتفع الماء حتى ألجمهم (4) وهم على قلة الجبل، وأيقنوا بالغرق إذ لم يكن لهم مفر. فرأوا عليا عليه السلام واقفا على متن الماء فوق قلة الجبل، وعن يمينه طفل وعن يساره طفل، فناداهم علي عليه السلام. خذوا بيدي انجيكم، أو بيد من شئتم من هذين الطفلين، فلم يجدوا بدا من ذلك فبعضهم أخذ بيد علي عليه السلام، وبعضهم أخذ بيد أحد الطفلين، وبعضهم أخذ بيد الطفل


1) يقال: اتصل به خبر فلان: علمه. 2) أي قرب وجنب. 3) ” منجى ” ب، ق، د، والبحار. 4) ” ألجأهم ” ق. يقال: ألجم الماء فلانا: بلغ فاه. (*)

[ 432 ]

الآخر، وجعلوا ينزلون بهم من الجبل والماء ينزل وينحط من بين أيديهم حتى أوصلوهم إلى القرار، والماء يدخل بعضه في الارض، ويرتفع بعضه إلى السماء حتى عادوا كهيئتهم إلى قرار الارض. فجاء على عليه السلام [ بهم ] إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يبكون ويقولون: نشهد إنك سيد المرسلين، وخير الخلق أجمعين، رأينا مثل طوفان نوح وخلصنا هذاوطفلان كانا معه لسنا نراهما الآن. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إنهما سيكونان، هما الحسن والحسين سيولدان لاخي هذا، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، اعلموا أن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها خلق كثير، وأن سفينة نجاتها آل محمد: علي هذا وولداه اللذان رأيتموهما سيكونان وسائر أفاضل أهلي (1) فمن ركب هذه السفينة نجا، ومن تخلف عنها غرق. [ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ] وكذلك الآخرة جنتها (2) ونارها كالبحر، وهؤلاء سفن امتي يعبرون بمحبيهم وأوليائهم إلى الجنة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أسمعت هذا يا أبا جهل ؟ قال: بلى حتى أنظر [ إلى ] الفرقة الثانية والثالثة. [ ماكان مثل آية ابراهيم عليه السلام: ] وجاءت الفرقة الثانية يبكون ويقولون: نشهد إنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، مضينا إلى صحراء ملساء، ونحن نتذاكر بيننا قولك، فنظرنا إلى السماء قد تشققت (3) بجمر النيران تتناثر عنها، ورأينا الارض قد تصدعت ولهب النيران


1) ” أهل بيتى ” أ، ص، ط. 2) ” حميمها ” البحار. 3) ” انشقت ” ص. (*)

[ 433 ]

يخرج منها. فما زالت كذلك حتى طبقت الارض وملاتها، ومسنا من شدة حرها حتى سمعنا لجلودنا نشيشا (1) من شدة حرها، وأيقنا بالاشتواء والاحتراق [ وعجبنا بتأخر رؤيتنا ] (2) بتلك النيران. فبينا نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها، فتدلى طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا، وإذا مناد من السماء ينادينا: إن أردتم النجاة فتمسكوا ببعض أهداب هذا الخمار. فتعلق كل واحد منا بهدبة من أهداب ذلك الخمار، فرفعتنا في الهواء ونحن نشق جمر النيران ولهبها لا يمسنا شررها (3) ولا يؤذينا جمرها (4) ولا نثقل على الهدبة التي تعلقنا بها، ولا تنقطع (5) الاهداب في أيدينا على دقتها. فما زالت كذلك حتى جازت بنا تلك النيران، ثم وضع كل واحد منا في صحن داره سالما معافي، ثم خرجنا فالتقينا، فجئناك عالمين بأنه لا محيص عن دينك، ولا معدل عنك، وأنت أفضل من لجئ إليه، واعتمد بعد الله عليه، صادق في أقوالك حكيم في أفعالك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثانية قد أراهم الله آياته (6). قال أبو جهل: حتى أنظر الفرقة الثالثة وأسمع مقالتها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله لهذه الفرقة الثانية لما آمنوا: يا عباد الله إن الله أغاثكم بتلك المرأة أتدرون من هي ؟ قالوا: لا.


1) النشيش: صوت الماء – وغيره – إذا على. 2) كذا في أغلب نسخ الاصل، وفى بعضها غير منقوطة، وفى ” ص “: وعجبنا لتأخر ذوبنا وليس في البحار. والمراد ظاهرا: تعجبهم لاستمرارهم أحياءا مع شدة هذه الحرارة. 3) ” شرورها ” أ، ق، الشرر: ما يتطاير من النار. 4) ” حرها ” ص، والبحار. 5) ” تنعتق ” د. 6) ” آية ابراهيم عليه السلام ” البحار. (*)

[ 434 ]

قال: تلك تكون ابنتي فاطمة، وهي سيدة نساء العالمين. إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الاولين والآخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين على الصراط. [ فيغض الخلائق كلهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط ] لا يبقى أحد في القيامة إلا غض بصره عنها إلا محمد وعلي والحسن والحسين والطاهرون من أولادهم فانهم محارمها (1) فإذا دخلت الجنة بقي مرطها (2) ممدودا على الصراط، طرف منه بيدها وهي في الجنة، وطرف في عرصات القيامة. فينادي منادي ربنا: يا أيها المحبون لفاطمة تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيدة نساء العالمين، فلا يبقى محب لفاطمة إلا تعلق بهدبة من أهداب مرطها، حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام [ وألف فئام ]. قالوا: وكم فئام واحد يا رسول الله ؟ قال: ألف ألف من الناس. [ ماكان مثل آية موسى عليه السلام: ] قال: ثم جاءت الفرقة الثالثة باكين يقولون: نشهد يا محمد إنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأن عليا أفضل الوصيين، وأن آلك أفضل آل النبيين، وصحابتك خير صحابة المرسلين، وأن أمتك خير الامم أجمعين، رأينا من آياتك مالا محيص لنا عنها، ومن معجزاتك مالا مذهب لنا سواها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وما الذي رأيتم ؟ قالوا: كنا قعودا في ظل الكعبة نتذاكر أمرك، ونستهزئ بخبرك، وأنك ذكرت أن لك مثل آية موسى، فبينا نحن كذلك


1) ” أولادها ” البحار: 8. 2) المرط – بكسر الميم -: كساء من صوف ونحوه يؤتزر به. (*)

[ 435 ]

إذا ارتفعت الكعبة عن موضعها وصارت فوق رؤوسنا فركدنا (1) في مواضعنا ولم نقدر أن نريمها (2). فجاء عمك حمزة فتناول (2) بزج رمحه – هكذا (4) – تحتها، فتناولها واحتبسها – على عظمها – فوقنا في الهواء. ثم قال لنا: اخرجوا. فخرجنا من تحتها، فقال: ابدوا. فبعدنا عنها، ثم أخرج سنان الرمح من تحتها، فنزلت إلى موضعها واستقرت، فجئنا لذلك (5) مسلمين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت. فقال أبو جهل: لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا، أم حقق لهم، أم خيل إليهم فان رأيت أنا ما اقترحه عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمني الايمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء. فقال رسول الله صلى الله عليه آله: يا أبا جهل فان كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم، فكيف تصدق بماثر (6) آبائك وأجدادك، ومساوئ أسلاف أعدائك ؟ وكيف تصدق عن الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها ؟ هل المخبرون عنها (7) إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه (8) إلا كان بازائهم من يكذبهم ويخبر


1) ” فركزنا ” ص، والبحار. قال المجلسي – رحمه الله -: ركزت الرمع أي غرزته في الارض، وفى بعض النسخ بالدال المهملة من الركود بمعنى السكون والهدوء، انتهى. أقول: كلاهما بمعنى الثبات في المكان. 2) أي نفارقها ونبتعد عنها. 3) ” وقال ” ص، والبحار. ” فشال ” ب. قال بيده: أهوى بها وأخذ. 4) ” رمحك هذا ” ب، س، والزج – بالضم – الحديدة التى في أسفل الرمح. 5) ” فجئناك بذلك ” س، ص، ق، د. 6) ” بما آثر ” أ، ط. 7) ” عن ذلك ” ب، ص، ق، د، والبحار. 8) ” يخوضونه ” أ. تخرص: افترى وكذب. (*)

[ 436 ]

بضد إخبارهم ؟ ألا وكل فرقة من هؤلاء محجوجون (1) بما شاهدوا، وأنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهد. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الفرقة الثالثة فقال لهم: هذا حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وآله، بلغه الله تعالى المنازل الرفيعة والدرجات العالية، وأكرمه بالفضائل لشدة حبه لمحمد وعلي بن أبي طالب، أما إن حمزة (عم محمد) (2) لينحي جهنم [ يوم القيامة ] (3) عن محبيه كما نحى عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط جم (4) كثير من الناس لا يعرف عددهم إلا الله تعالى، هم كانوا محبي حمزة، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام، فتحول حيطان [ النار ] بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة فيقولون: يا حمزة قد ترى ما نحن فيه ! فيقول حمزة لرسول الله ولعلي بن أبي طالب عليه السلام: قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي ! فيقول محمد رسول الله لعلي ولي الله: يا علي أعن عمك على إغاثة أوليائه واستنقاذهم من النار، فيأتي علي بن أبي طالب عليه السلام بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله تعالى في الدنيا، فيناوله إياه، ويقول: يا عم رسول الله وعم أخي رسول الله، ذد (5) الجحيم عن أوليائك برمحك هذا (الذي كنت) (6) تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله. فيناول حمزة الرمح بيده، فيضع زجه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنة على الصراط، ويدفعها [ دفعة ] فينحيها مسيرة خمسمائة عام، ثم يقول


1) المحجوج: المغلوب بالحجة. 2) ” عمى ” ب، س، د. 3) من البحار. وفى ” ص ” يوما. 4) ” عالم ” س، ص، ق، د، والبحار. 5) أي ادفع واطرد. ” رد ” ق، د. 6) ” كما ” س، ص، والبحار. ” كما كنت ” ق، د. (*)

[ 437 ]

لاوليائه [ و ] المحبين الذي كانوا له في الدنيا: اعبروا. فيعبرون على الصراط آمنين سالمين، قد انزاحت عنهم النيران، وبعدت عنهم الاهوال، ويردون الجنة غانمين ظافرين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي جهل: يا أبا جهل هذه الفرقة الثالثة قد شاهدت آيات الله ومعجزات رسول الله وبقي الذي لك، فأي آية تريد ؟ قال أبو جهل: آية عيسى بن مريم كما زعمت أنه كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فأخبرني بما أكلت اليوم، وما ادخرته في بيتي، وزدني على ذلك بأن تحدثني بما صنعته بعد أكلي لما أكلت، كما زعمت أن الله زادك في المرتبة فوق عيسى. [ ماكان مثل آية عيسى عليه السلام: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ما أكلت وما ادخرت فاخبرك به، وأخبرك بما فعلته في خلال أكلك، وما فعلته بعد أكلك، وهذا يوم يفضحك الله عزوجل فيه باقتراحك فان آمنت بالله لم تضرك هذه الفضيحة، وإن أصررت على كفرك أضيف لك إلى فضيحة الدنيا وخزيها خزي الآخرة الذي لا يبيد ولا ينفد ولا يتناهى. قال: وما هو ؟ قال رسول الله قعدت يا أبا جهل تتناول من دجاجة مسمنة أسمطتها (1) فلما وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك (2) أبو البختري بن هشام، فأشفقت عليه (3) أن يأكل منها


1) أي شويتها. ” استطبتها ” ب، س، ص، ق، د، والبحار. 2) غير خفى أن أبا جهل مخزومي، والبخترى أسدى، وانما اطلق لفظ ” أخوك ” لا للنسب أو لاتحاد اسم الاب: ” هشام ” – كما قد يتوهم البعض – بل لان الكفر ملة واحدة كما أن المؤمنين اخوة، لا في النسب أو القومية والعشيرة، وانما هي في العقيدة والفضيلة الالهية (الدين) كما قال تعالى: ” انما المؤمنون اخوة ” الحجرات: 10، وفى الخطاب لمريم ” يا اخت هارون ” مريم: 28. 3) أي خفت وحذرت وحرصت. (*)

[ 438 ]

وبخلت، فوضعتها تحت ذيلك، وأرخيت عليها ذيلك حتى انصرف عنك. فقال أبو جهل: كذبت يا محمد، ما من هذا قليل ولا كثير، ولا أكلت من دجاجة ولا ادخرت منه شيئا، فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمته ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان عندك ثلاثمائة دينار لك، وعشرة آلاف دينار ودائع الناس عندك: المائة، والمائتان، والخمسائة، والسبعمائة، والالف، ونحو ذلك إلى تمام عشرة آلاف، مال كل واحد في صرة، وكنت قد عزمت على أن تختانهم (1) وقد كنت جحدتهم ومنعتهم، واليوم لما أكلت من هذه الدجاجة أكلت زورها (2) وادخرت الباقي، ودفنت هذا المال أجمع مسرورا فرحا باختيانك عباد الله، واثقا بأنه قد حصل لك، وتدبير الله في ذلك خلاف تدبيرك. فقال أبو جهل: وهذا أيضا يا محمد، فما أصبت منه قليلا ولا كثيرا، ما دفنت شيئا، ولقد سرقت (3) تلك العشرة آلاف دينار الودائع التي كانت عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جهل ما هذا من تلقائي فتكذبني، وإنما هذا جبرئيل الروح الامين يخبرني به عن رب العالمين، وعليه تصحيح شهادته وتحقيق مقالته. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هلم (4) يا جبرئيل بالدجاجة التي أكل منها. فإذا الدجاجة بين يدي رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتعرفها يا أبا جهل ؟ فقال أبو جهل: ما أعرفها وما اخبرت عن شئ، ومثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أيتها الدجاجة إن أبا جهل قد كذب محمدا على جبرئيل، وكذب جبرئيل على رب العالمين، فاشهدي لمحمد بالتصديق، وعلى أبي جهل بالتكذيب، فنطقت


1) أي تخونهم، واختان المال: سرقه. 2) أي أعلى وسط الصدر. وفى بعض النسخ ” ذروتها ” وذروة كل شئ أعلاه. 3) على بناء المجهول. 4) أي تعال. (*)

[ 439 ]

وقالت: أشهد يا محمد (1) أنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأن أبا جهل هذا عدو الله المعاند الجاحد للحق الذي يعلمه، أكل مني هذا الجانب، وادخر الباقي وقد أخبرته بذلك، وأحضرتنيه فكذب به، فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين فانه مع كفره بخيل، استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقا من أن يصيب مني أخوه، فأنت يا رسول الله أصدق الصادق من الخلق أجمعين، وأبو جهل الكذاب المفتري اللعين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ أما ] كفاك ما شاهدت ؟ ! (2) آمن لتكون آمنا من عذاب الله عزوجل، قال أبو جهل: إني لاظن أن هذا تخييل وإيهام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهل تفرق بين مشاهدتك لهذا وسماعك لكلامها، وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك لكلامهم ؟ قال أبو جهل: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فما يدريك أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل ؟ قال أبو جهل: ما هو تخييل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولا هذا تخييل، وإلا فكيف تصحح أنك ترى في العالم شيئا أوثق منه (3) ؟ [ قال: ] ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الموضع المأكول من الدجاجة، فمسح يده عليها، فعاد اللحم عليه أوفر ما كان. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جهل أرأيت هذه الآية ؟ قال: يا محمد [ قد ] توهمت شيئا، ولا اوقنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل فأتنا بالاموال التي دفنها هذا المعاند للحق لعله يؤمن. فإذا هو بالصرر بين يديه كلها [ في كل صرة ] ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاله إلى تمام عشرة آلاف دينار وثلاثمائة دينار (4).


1) ” أن لا اله الا الله يا محمد و ” أ، ط. 2) ” شهدت ” س، ص، ط. 3) ” واثق ” أ. 4) ” مثقال ” الاصل وهو تصحيف كما يأتي 440. (*)

[ 440 ]

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله – وأبو جهل ينظر إليه – صرة منها فقال: ائتوني بفلان بن فلان. فاتي به – وهو صاحبها – فقال صلى الله عليه وآله: هاكها يا فلان [ هذا ] ما قد اختانك فيه أبو جهل. فرد عليه ماله، ودعا بآخر، ثم بآخر حتى رد العشرة آلاف كلها على أربابها، وفضح عندهم أبو جهل، وبقيت الثلاثمائة دينار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله: الآن آمن لتأخذ الثلاثمائة دينار، ويبارك الله لك فيها حتى تصير أيسر قريش. فقال: لا اومن، ولكن آخذها وهي مالي، فلما ذهب ليأخذها صاح النبي صلى الله عليه وآله بالدجاجة: دونك أبا جهل، فكفيه عن الدنانير، وخذيه. فوثبت الدجاجة على أبي جهل، فتناولته بمخالبها ورفعته في الهواء، وطارت به إلى سطح لبيته فوضعته عليه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الدنانير إلى بعض فقراء المؤمنين ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أصحابه فقال لهم: معاشر أصحاب محمد هذه أية أظهرها ربنا عزوجل لابي جهل، فعاند، وهذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنة الطيارة (1) عليكم فيها، فان فيها طيورا كالبخاتي (2) عليها من [ جميع ] أنواع المواشي (3) تطير بين سماء الجنة وأرضها، فإذا تمنى مؤمن محب للنبي وآله الاكل [ من شئ ] منها، وقع ذلك بعينه بين يديه، فتناثر ريشه وانسمط (4) وانشوى وانطبخ، فأكل من جانب منه [ قديدا (5) ومن جانب منه ] مشويا بلا نار


1) ” الطائرة ” ص. 2) البخاتى والبخت: جمع بختى، وهى جمال طوال الاعناق، والبختي أيضا: الابل الخراساني. 3) الشية: ما خالف اللون من جميع الجسد وفى جميع الدواب، وأصله من الوشى والهاء عوض من الواو الذاهبة من أوله كالزنة والوزن، ويقال: وشيت الثوب أشيه وشيا وشية ووشيته توشية، شدد للكثرة، فهو موشى وموشى، والوشى في اللون خلط لون بلون وكذلك في الكلام. لسان العرب: 15 / 392. 4) ” أملط ” أ، ط، أي لا ريش عليه. وسمط الجدى: نقاء من الصوف وشواه. 5) قدد اللحم: جعله قطعا وجففه. (*)

[ 441 ]

فإذا قضى شهوته ونهمته وقال: الحمد لله رب العالمين، عادت كما كانت، فطارت في الهواء، وفخرت على سائر طيور الجنة، تقول: ” من مثلي وقد أكل مني ولي الله عن أمر الله “. (1) [ مدح زيد بن حارثة وابنه: ] 293 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: معاشر الناس أحبوا موالينا مع حبكم لآلنا (2) هذا زيد بن حارثة وابنه أسامة من خواص موالينا فأحبوهما، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لينفعكم حبهما “. قالوا: وكيف ينفعنا حبهما ؟ قال: إنهما يأتيان يوم القيامة عليا عليه السلام بخلق عظيم من محبيها أكثر من ربيعة ومضر بعدد كل واحد منهم، فيقولان: يا أخا رسول الله هؤلاء أحبونا بحب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وبحبك، فيكتب لهم علي عليه السلام جوازا على الصراط، فيعبرون عليه ويردون الجنة سالمين. وذلك أن أحدا لا يدخل الجنة من سائر امة محمد صلى الله عليه وآله إلا بجواز من علي عليه السلام فان أردتم الجواز على الصراط سالمين، ودخول الجنان غانمين، فأحبوا بعد حب محمد وآله مواليه، ثم إن أردتم أن يعظم محمد [ وعلي ] (3) عند الله تعالى منازلكم فأحبوا شيعة محمد وعلي، وجدوا في قضاء حوائج (4) إخوانكم المؤمنين، فان الله


1) عنه البحار: 8 / 68 ح 12 وص 165 ح 8 قطعة، وج 17 / 239 – 248 ح 2، وج 22 / 281 ح 37 قطعة، ج 38 / 209 ح 5 قطعة، واثبات الهداة: 2 / 161 ح 609 (قطعة). ورواه في الاحتجاج: 1 / 37 – 40 باسناده عن الحسن العسكري عليه السلام (مع اختصار في وسطه وآخره) عنه البحار: 17 / 249 ملحق ح 2، واثبات الهداة: 2 / 12 ح 308 والايقاظ من الهجعة: 105 (قطعة). 2) ” لنا ” ب، س، ط. 3) من البحار: 8. 4) ” حقوق ” ص، د….

[ 442 ]

تعالى إذا أدخلكم الجنة معاشر شيعتنا ومحبينا (1) نادى مناديه في تلك الجنان: قد دخلتم يا عبادي الجنة برحمتي، فتقاسموها على قدر حبكم لشيعة محمد وعلي عليهما السلام، وقضائكم لحقوق إخوانكم المؤمنين. فأيهم كان للشيعة أشد حبا، ولحقوق إخوانه المؤمنين أحسن قضاء أكانت درجاته في الجنان أعلى (2) حتى أن فيهم من يكون أرفع من الآخر بمسيرة مائة ألف (3) سنة ترابيع (4) قصور وجنان. (5) قوله عزوجل: ” قل ان كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ولن يتمنوه ابدا بما قدمت أيديهم والله عليم يالظالمين ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمرو الله بصير بما يعملون “: 94 – 96 294 – قال الامام عليه السلام: قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: إن الله تعالى لما وبخ [ هؤلاء ] اليهود على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وآله وقطع معاذيرهم، وأقام عليهم الحجج الواضحة بأن محمد صلى الله عليه وآله سيد النبيين (6) وخير الخلائق أجمعين، وأن عليا سيد الوصيين، وخير من يخلفه بعده في المسلمين، وأن الطيبين من آله هم القوام بدين الله والائمة لعباد الله عزوجل، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم إيراد حجة ولا شيهة، فجاءوا (7) إلى أن كابروا، فقالوا:


1) ” محبهما ” أ. 2) ” في أعلى جنتي ” أ، ط. 3) ” خمسمائة ” البحار. 4) كأن المراد بالترابيع: المربعات، فانها أحسن الاشكال، أو كان في الاصل مرابع جمع مربع، وهو منزل القوم في الربيع. قاله المجلسي (ره). 5) عنه البحار: 8 / 57 ح 73، وج 22 / 114 ح 84 (قطعة) وج 69 / 251 ح 31، وغاية المرام: 263 ح 4. 6) ” الاولين ” أ. 7) ” فلجأوا ” البحار: 17. (*)

[ 443 ]

لا ندري ما تقول، ولكنا نقول إن الجنة خالصة لنا من دونك يا محمد ودون علي ودون أهل دينك وامتك (1) وإنا بكم مبتلون [ و ] ممتحنون، ونحن أولياء الله المخلصون وعباده (2) الخيرون، ومستجاب دعاؤنا، غير مردود علينا بشئ من سؤالنا ربنا. فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: (قل) يا محمد لهؤلاء اليهود: (إن كانت لكم الدار الاخرة) الجنة ونعيمها (خالصة من دون الناس) محمد وعلي والائمة، وسائر الاصحاب ومؤمني الامة، وأنكم بمحمد وذريته ممتحنون، وأن دعاءكم مستجاب غير مردود (فتمنوا الموت) للكاذبين منكم ومن مخالفيكم، فان محمدا وعلى وذويهما يقولون: ” إنهم هم أولياء الله عزوجل من دون الناس الذين يخالفونهم في دينهم، وهم المجاب دعاؤهم ” فان كنتم معاشر اليهود كما تدعون، فتمنوا الموت للكاذبين (3) منكم ومن مخالفيكم. (إن كنتم صادقين) بأنكم أنتم المحقون، المجاب دعاؤكم على مخالفيكم، فقولوا: ” اللهم أمت الكاذب منا ومن مخالفينا ” ليستريح منه الصادقون، ولتزداد حجتكم وضوحا بعد أن قد صحت ووجبت. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما عرض هذا عليهم: لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه فمات مكانه. وكانت اليهود علماء (4) بأنهم هم الكاذبون، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام ومصدقيهما هم الصادقون، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك لعلمهم بأنهم إن دعوا فهم الميتون. فقال الله تعالى: (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) يعني اليهود لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم من كفرهم بالله، وبمحمد رسول الله ونبيه وصفيه، وبعلي أخي نبيه ووصيه (5) وبالطاهرين من الائمة المنتجبين.


1) ” ملتك ” أ. 2) ” عباد الله ” ب، س، ص، ط، د. 3) ” للكاذب ” ق، د. 4) عالمين ” البحار: 17. 5) ” صفيه ” ق، د. (*)

[ 444 ]

قال الله تعالى: (والله عليم بالظالمين) اليهود أنهم لا يجسرون (1) أن يتمنوا الموت للكاذب، لعلمهم بأنهم هم الكاذبون، ولذلك آمرك أن تبهرهم بحجتك وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب، ليمتنعوا من الدعاء، ويتبين للضعفاء أنهم هم الكاذبون، ثم قال: يا محمد (ولتجدنهم) يعني تجد هؤلاء اليهود (أحرص الناس على حياة) وذلك ليأسهم من نعيم الآخرة – لانهماكهم في كفرهم – الذي يعلمون أنه لاحظ لهم معه في شئ من خيرات الجنة. (ومن الذين أشركوا) قال [ تعالى ] (2): هؤلاء اليهود (أحرص الناس على حياة) وأحرص (من الذين أشركوا) على حياة يعني المجوس لانهم لا يرون النعيم إلا في الدنيا، ولا يأملون (3) خيرا في الآخرة، فلذلك هم أشد الناس حرصا على حياة. ثم وصف اليهود فقال: (يود – يتمنى – أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو – التعمير ألف سنة – بمزحزحه – بمباعده – من العذاب أن يعمر) [ تعميره ] وإنما قال: (وما هو بمزحزحه [ من العذاب ] أن يعمر) ولم يقل: (وما هو بمزحزحه) فقط لانه لو قال (وما هو بمزحزحه [ من العذاب ] والله بصير) لكان يحتمل أن يكون (وما هو) يعني (4) وده وتمنيه (بمزحزحه) فلما أراد: وما تعميره، قال: (وما هو بمزحزحه أن يعمر). ثم قال: (والله بصير بما يعملون) فعلى حسبه يجازيهم ويعدل عليهم ولا يظلمهم. (5) 295 – قال الحسن بن على بن أبى طالب عليهما السلام: لما كاعت (6) اليهود عن هذا


1) ” يجرؤن ” أ. 2) من البحار. 3) ” يؤملون ” ق، والبحار. 4) ” مع ” الاصل، والضمير هو لاحدهم، لا أن يتوهم عوده إلى التمنى، وأن يعمر فاعل مزحزحه، أي ما أحدهم ينجيه من النار تعميره. انظر تفسير البيضاوى: 1 / 172 5) عنه البحار: 9 / 321 صدر ح 15، وج 17 / 220 ح 24 (قطعة) والبرهان: 1 / 131 ح 1. 6) كاع عنه: جبن عنه، وهابه. (*)

[ 445 ]

التمني، وقطع الله معاذيرها، قالت طائفة منهم – وهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كاعوا، وعجزوا -: يا محمد فأنت والمؤمنون المخلصون لك مجاب دعاؤكم، وعلى أخوك ووصيك أفضلهم وسيدهم ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بلى. قالوا: يا محمد فان كان هذا كما زعمت، فقل لعلي عليه السلام يدعو الله لابن رئيسنا هذا، فقد كان من الشباب جميلا نبيلا وسيما قسيما (1)، لحقه برص وجذام وقد صار حمى (2) لا يقرب، ومهجورا لا يعاشر، يتناول الخبز على أسنة الرماح. فقال رسول صلى الله عليه: ائتوني به. فاتى به، ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه [ منه ] إلى منظر فظيع، سمج، قبيح، كريه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا حسن ادع الله له بالعافية، فان الله تعالى يجيبك فيه. فدعا له، فلما كان بعد فراغه من دعائه إذ الفتى قد زال عنه كل مكروه، وعاد إلى أفضل ماكان عليه من النبل والجمال والوسامة والحسن في المنظر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للفتى: [ يا فتى ] آمن بالذي أغاثك من بلائك. قال الفتى: قد آمنت – وحسن إيمانه -. فقال أبوه: يا محمد ظلمتني وذهبت مني بابني، ليته كان أجذم وأبرص كما كان ولم يدخل في دينك، فان ذلك كان أحب إلى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله. لكن الله عزوجل قد خلصه من هذه الآفة، وأوجب له نعيم الجنة. قال أبوه: يا محمد ماكان هذا لك ولا لصاحبك، إنما جاء وقت عافيته فعوفي وإن كان صاحبك هذا – يعني عليا عليه السلام – مجابا في الخير فهو أيضا مجاب في الشر فقل له يدعو على بالجذام والبرص، فاني أعلم أنه لا يصيبني، ليتبين لهؤلاء


1) أي جميلا. 2) أي ممنوع، محظور، وهذه وما بعدها كناية عن ابتعاد الناس عنه خوف العدوى. (*)

[ 446 ]

الضعفاء – الذين قد اغتروا بك – أن زواله عن ابني لم يكن بدعائه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا يهودي اتق الله، وتهنأ بعافية الله إياك، ولا تتعرض للبلاء ولما لا تطيقه، وقابل النعمة بالشكر، فان من كفرها سلبها، ومن شكرها امترى (1) مزيدها. فقال اليهودي: من شكر نعم الله تكذيب عدو الله المفتري عليه، وإنما اريد بهذا أن اعرف ولدي أنه ليس مما قلت [ له ] وادعيته قليل ولا كثير، وأن الذي أصابه من خير لم يكن بدعاء علي صاحبك. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا يهودي هبك قلت أن عافية ابنك لم تكن بدعاء علي عليه السلام، وإنما صادف دعاؤه وقت مجئ عافيته، أرأيت لو دعا عليك علي عليه السلام بهذاالبلاء الذي اقترحته فأصابك، أتقول إن ما أصابني لم يكن بدعائه، ولكن لانه صادف دعاؤه وقت [ مجئ ] بلائي ؟ فقال: لا أقول هذا، لان هذا احتجاج مني على عدو الله في دين الله، واحتجاج منه علي، والله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا، فيكون قد فتن عباده، ودعاهم إلى تصديق الكاذبين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا في دعاء علي لابنك كهو في دعائه عليك، لا يفعل الله تعالى ما يلبس به على عباده دينه، ويصدق به الكاذب عليه. فتحير اليهودي لما أبطل صلى الله عليه وآله شبهته، وقال: يا محمد ! ليفعل علي هذا بي إن كنت صادقا. فقال رسول الله صلى عليه وآله لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن قد أبى الكافر إلا عتوا وطغيانا وتمردا، فادع عليه (2) بما اقترح، وقل: اللهم ابتله ببلاء ابنه من قبل. فقالها، فأصاب اليهودي داء ذلك الغلام مثل ما كان فيه (3) الغلام من الجذام والبرص، واستولى عليه


1) يقال: امترى اللبن ونحوه: استخرجه واستدره. 2) ” الله ” س، ص 3) ” في ” أ، ب، ط. (*)

[ 447 ]

الالم والبلاء، وجعل يصرخ ويستغيث ويقول: يا محمد قد عرفت صدقك فأقلني (1). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو علم الله صدقك لنجاك، ولكنه عالم بأنك لا تخرج عن هذا الحال إلا ازددت كفرا، ولو علم أنه إن نجاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة فانه الجواد الكريم. قال عليه السلام: فبقي اليهودي في ذلك الداء والبرص أربعين سنة آية للناظرين وعبرة للمتفكرين (2) وعلامة وحجة بينة لمحمد صلى الله عليه وآله باقية في الغابرين (3) وبقي ابنه كذلك معافى صحيح الاعضاء والجوارح ثمانين سنة عبرة للمعتبرين، وترغيبا للكافرين في الايمان، وتزهيدا لهم في الكفر والعصيان. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين حل ذلك البلاء باليهودي بعد زوال البلاء عن ابنه: عباد الله إياكم والكفر لنعم الله، فانه مشوم على صاحبه، ألا وتقربوا إلى الله بالطاعات يجزل لكم المثوبات، وقصروا أعماركم في الدنيا بالتعرض لاعداء الله في الجهاد لتنالوا طول أعمار الاخرة في النعيم الدائم الخالد، وابذلوا أموالكم في الحقوق اللازمة ليطول غناكم في الجنة. فقام ناس فقالوا: يا رسول الله نحن ضعفاء الابدان قليلو الاموال لا نفي بمجاهدة الاعداء، ولا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات، فماذا نصنع ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا فلتكن صدقاتكم من قلوبكم وألسنتكم. قالوا: كيف يكون ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: أما القلوب فتقطعونها (4) على حب الله، وحب (5) محمد رسول الله، وحب علي ولي الله ووصي رسول الله، وحب المنتجبين للقيام بدين الله، وحب شيعتهم


1) أي اصفح عنى. ” فاقبلني ” أ. ” فاقلبني ” خ ل، ط، وقبل الكلام: صدقه. 2) ” للمعتبرين ” ص، والبحار. 3) زاد في البحار: وعبرة للمتكبرين. 4) ” فتقطعوا بها ” أ، ط، البرهان. 5) ” بحب ” أ، وكذا بعدها. (*)

[ 448 ]

ومحبيهم، وحب إخوانكم المؤمنين، والكف عن اعتقادات العداوة والشحناء والبغضاء. وأما الالسنة فتطلقونها بذكر الله تعالى بما هو أهله، والصلاة على نبيه محمد (1) وآله الطيبين، فان الله تعالى بذلك يبلغكم أفضل الدرجات، وينيلكم به المراتب العاليات. (2) قوله عزوجل: ” قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين “: 97 – 98. 296 – قال الامام عليه السلام: قال الحسن (3) بن علي عليهما السلام: إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم بما يكرهون، وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم، فقال: قل يا محمد: (من كان عدوا لجبريل) من اليهود لدفعه عن ” بخت نصر ” أن يقتله ” دانيال ” (4) من غير ذنب كان جناه ” بخت نصر ” (5) حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله، وحل


1) ” محمد وعلى ” ب، س، ص، ط. 2) عنه مناقب آل أبى طالب: 2 / 335 (قطعة)، والبحار: 9 / 323 ضمن ح 15، والبرهان: 1 / 132 ح 2، ومدينة المعاجز: 74 ح 187. 3) ” الحسين ” ص، والبحار، وزاد في الاخير: بن أبى طالب. 4) تقدم شبيه هذا الادعاء في ص 407 ويأتى الكلام عليه في ص 454. 5) وقد وقع نظير هذا في قصة موسى والخضر عليهما السلام في القرآن الكريم في سورة الكهف: 65 – 82: ” فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها… فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله… ” ثم ذكر موسى عليه السلام تأويل ما لم يستطع صاحبه عليه صبرا فقال: > (*)

[ 449 ]

بهم ما جرى في سابق علمه. ومن كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر الكافرين، ومن أعداء محمد وعلي المناصبين (1)، لان الله تعالى بعث جبرئيل لعلي عليه السلام مؤيدا، وله على أعدائه ناصرا. ومن كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا وعليا عليهما السلام ومعاونته لهما وانفاذه (2) لقضاء ربه عزوجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده (3). (فانه) يعني جبرئيل (نزله) يعني نزل هذا القرآن (على قلبك) يا محمد (باذن الله) بأمر الله، وهو كقوله: (نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين) (4). (مصدقا – موافقا – لما بين يديه) [ نزل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمد مصدقا موافقا لما بين يديه ] من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث وغيرهم من الانبياء. (5) [ في فضائل القرآن، وفضل تعلمه وتعليمه: ] 297 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا القرآن هو النور المبين، والحبل المتين، والعروة الوثقى، والدرجة العليا، والشفاء الاشفى، والفضيلة الكبرى، والسعادة


< ” أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، وأما الغلام فكن أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا. فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ” إلى أن قال: ” وما فعلته عن أمرى “. اقول: هو في هذا المورد أمر الهى استثنائي، وتفويض ربانى خاص للانبياء والاوصياء الذين آتاهم الله العلم والحكمة من عنده. وكذا الحال في غيره من الموارد ان ثبت حدوثها وتحقق، والا فنذره في بقعة الامكان. 1) ” الناصبين ” ص، ط، البحار، والبرهان. 2) ” انقياده ” أ، ق. 3) ” لعباده ” أ. 4) الشعراء: 193 – 195 5) عنه البحار: 9 / 284 صدر ح 2، وج 39 / 103 صدر ح 12، والبرهان: 1 / 133 صدر ح 1 (*)

[ 450 ]

العظمى، من استضاء به نوره الله، ومن اعتقد به في (1) اموره عصمه الله، ومن تمسك به أنقذه الله، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله، ومن استشفى به شفاه الله، ومن آثره على ما سواه هداه الله، ومن طلب الهدى في غيره أضله الله، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله، ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ومعوله (2) الذي ينتهي إليه، أداه الله إلى جنات النعيم، والعيش السليم، فلذلك قال: (هدى) يعني هذا القرآن هدى (وبشرى للمؤمنين) يعني بشارة لهم في الآخرة. وذلك أن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب (3) يقول لربه عزوجل: [ يا رب ] هذا أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، وقويت في رحمتك طمعه، وفسحت في مغفرتك أمله، فكن عند ظني [ فيك ] وظنه. يقول الله تعالى: أعطوه الملك بيمينه، والخلد بشماله، وأفرنوه بأزواجه من الحور العين، واكسوا والديه حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها. فينظر إليهما الخلائق فيعظمونهما (4) وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها ويقولان: يا ربنا أنى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا ؟ فيقول الله تعالى: ومع هذا تاج الكرامة، لم ير مثله الراؤن، ولا يسمع بمثله السامعون، ولا يتفكر في مثله المتفكرون. فيقال (5): هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وتبصير كما إياه بدين الاسلام ورياضتكما إياه على حب محمد رسول الله وعلي ولي الله، وتفقيهكما إياه بفقههما لانهما اللذان لا يقبل الله لاحد إلا بولايتهما ومعاداة أعدائهما عملا، وإن كان مل ء مابين الثرى إلى العرش ذهبا تصدق به في سبيل الله.


1) ” عقد به ” ب، ق، د، والبحار، والبرهان. 2) ” معاده ” أ، ط، يقال: عولنا إلى فلان في حاجتنا أي لجأنا وفزعنا إليه فوجدناه نعم المعول. 3) ” الشاب ” أ. 4) ” فيغبطونهما ” ب، ط، د. 5) ” وقال ” أ، ” فقال ” ب، س، ق، د. (*)

[ 451 ]

فتلك من البشارات التي يبشرون بها، وذلك قوله عزوجل: (وبشرى للمؤمنين) شيعة محمد وعلي ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم. (1) 298 – ثم قال: (من كان عدوا لله) لانعامه على محمد وعلي وعلى آلهما الطيبين، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا: نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان. (وجبريل) ومن كان عدوا لجبريل، لان الله جعله ظهيرا لمحمد وعلي عليهما السلام على أعداء الله، وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك. (وملائكته) يعني ومن كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله، وتأييد أولياء الله، وذلك قول بعض النصاب المعاندين: برئت من جبرئيل الناصر لعلي. و (2) قوله تعالى (ورسله) ومن كان عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد وإمامة علي، وذلك قول النواصب: برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة علي. ثم قال: (وجبريل وميكال) أي من كان عدوا لجبرئيل وميكائيل، وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام: ” جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره وإسرافيل من خلفه، وملك الموت أمامه، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره “. قال بعض النواصب: فأنا أبرأ من الله و [ من ] جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي ما قاله محمد. فقال: من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب عليه السلام (فان الله عدو للكافرين) فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات.


1) عنه البحار: 92 / 31 ح 34، والبرهان: 1 / 133 ضمن ح 1. 2) ” وهو ” ب، س، ص، ط، البحار، والبرهان. (*)

[ 452 ]

وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل [ وسائر ملائكة الله ] وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوء منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل، وسائر ملائكة الله: أما ماكان من النصاب، فهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها، والشرف الذي أهله الله تعالى له، وكان في كل ذلك يقول: ” أخبرني به جبرئيل عن الله ” ويقول في بعض ذلك: ” جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي عليه السلام الذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه [ الملك ] عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة، وملك الموت الذي أمامه بالخدمة، وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية (1) الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم “. [ في أن أشرف الملائكة أشدهم حبا لعلي عليه السلام: ] وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في بعض أحاديثه: إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب عليه السلام حبا، وإن قسم الملائكة فيما بينهم: والذي شرف عليا عليه السلام على جميع الورى بعد محمد المصطفى “. ويقول مرة [ أخرى ]: ” إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي ابن أبي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم ” فكان هولاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد: جبرئيل (2) وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه ؟ ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق ؟ برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم


1) ” خاصة ” أ. 2) ” وجبرئيل ” أ. (*)

[ 453 ]

لعلي بعد محمد مفضلون. وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون. وأما ما قاله اليهود، فهو أن اليهود – أعداء الله – لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة أتوه بعبدالله بن صوريا، فقال: يا محمد كيف نومك ؟ فانا قد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تنام عيني وقلبي يقظان، قال: صدقت يا محمد. قال: وأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة، قال: صدقت يا محمد، ثم قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه (1) له. قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عمن لا يولد له [ ومن يولد له ] ؟ فقال: إذا مغرت النطفة لم يولد له – أي إذا احمرت وكدرت – فإذا كانت صافية ولد له. فقال: أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت (قل هو الله أحد) إلى آخرها. فقال ابن صوريا: صدقت [ يا محمد ] خصلة بقيت إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال: جبرئيل. قال ابن صوريا: ذلك عدونا من بين الملائكة، ينزل بالقتال والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لانه كان يشدد (2) ملكنا، وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا لذلك. فقال له سلمان الفارسى (رضي الله عنه): وما بدء عداوته لكم ؟ قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل


1) ” أشبه ” أ. 2) ” يمسك ” س، ” يسدد ” ق، د. شدده: قواه. (*)

[ 454 ]

على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له: ” بخت نصر ” وفى زمانه اخبرنا بالحين (1) الذي يخرب فيه، والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت. فلما بلغ ذلك الحين الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم – كان يعد من أنبيائهم – يقال له ” دانيال ” في طلب ” بخت نصر ” ليقتله (2).


1) من البحار، وفى الاصل: بالخبر، وكذا في الموضع التالى. 2) تقدم ما يشابه ذلك في ص 407 وص 448، ويأتى في ذيل الاية: 113، ويؤيد ذكر هذه المحاججة بطريق آخر عن ابن عباس، حيث رواها الواحدى في أسباب النزول: 18، البيضاوى في أنوار التنزيل: 1 / 172، أبو السعود في تفسيره: 1 / 132، أبو الفتوح الرازي في تفسيره: 1 / 262، الفخر الرازي في تفسيره: 3 / 194، والبغوى في تفسيره: 1 / 96 – واللفظ له – قالوا: قال ابن عباس رضى الله عنه: ان حبرا من أحبار اليهود، يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبى صلى الله عليه وآله: أي ملك يأتيك من السماء ؟ قال: جبريل. قال: ذلك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لامنا بك، ان جبريل ينزل العذاب والقتال والشدة وانه عادانا مرارا، كان أشد ذلك علينا أن الله تعالى أنزل على نبينا: أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له: بختنصر، وأخبرنا بالحين الذى يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا ” رجلا من أقوياء بنى اسرائيل ” في طلبه ليقتله، فانطلق حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا فأخذه ليقتله، فدفع عنه جبريل، وكبر بختنصر وقوى وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا. فأنزل الله هذه الاية. وغير خفى أنه لم يصرح باسم ” دانيال ” في هذه المصادر بل اصطلح عليه: ” رجلا من أقوياء بنى اسرائيل “. وقد تبين لنا أن فيما ارخ في كتب السيرة والتاريخ من قصة بختنصر ودانيال اختلاف شديد وأقول متضاربة، كما صرح بذلك ابن الاثير في الكامل: 1 / 104، والطبري في تاريخه: 1 / 387، والشيخ المجلسي في البحار: 14 / 355. ولعل منشأ ذلك طول الفترة التاريخية المبهمة التى جرت فيها هذه الاحداث، حيث > (*)

[ 455 ]

فحمل معه وقر (1) مال لينفعه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة، فأخذه صاحبنا ليقتله، فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أمره بهلاككم، فان الله لا يسلطك عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله ؟ فصدقه صاحبنا، وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك، وقوي ” بخت نصر ” وملك وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا، وميكائيل عدو لجبرئيل. فقال سلمان: يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل ” بخت نصر ” وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ وأرادوا تكذيب أنبياء الله في أخبارهم واتهموهم [ في أخبارهم ] أو صدقوهم في الخبر عن الله، ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله ؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة الله عزوجل، وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟ فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه، ولكنه


< تبلغ ستمائة سنة تقريبا. وأيضا تشابه أحداث ووقائع غزو بختنصر لبنى اسرائيل. أضف إلى ذلك ثالثا: وجود ملكين باسم بختنصر: الاول: بختنر الاكبر الذى غزا بنى اسرائيل وقتلهم عند قتلهم نبيهم شعيا في عهد أرميا الذى كان معاصرا لدانيال. الثاني: بختنصر بن ملتنصر بن بختنصر الاكبر، حيث قام في السنة الثالثة عشرة من ملكه بغزو بنى اسرائيل في بيت المقدس وقتل منهم سبعين ألفا على دم يحيى بن زكريا، كما صرح بذلك المسعودي في اثبات الوصية: 84، وقد ذكروا أن بين عهد ارميا وقتل يحيى أربعمائة واحدى وستون سنة. 1) الوقر – بالكسر -: الحمل الثقيل. (*)

[ 456 ]

يمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقوا (1) بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لان الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون، وما أخبراكم أنه لا يكون يكون، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن، وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعده من العقاب يمحوه، فانه يمحو ما يشاء ويثبت، إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت. فلذلك أنتم بالله كافرون ولاخباره عن الغيوب مكذبون، وعن دين الله منسلخون. ثم قال سلمان: فاني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل، فانه عدو لميكائيل، وإنهما جميعا عدوان لمن عاداهما، سلمان لمن سالمهما. فأنزل الله عزوجل [ عند ذلك ] موافقا لقول سلمان (ره) (قل من كان عدوا لجبريل) في مظاهرته لاولياء الله على أعداء الله، ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله (فانه نزله) فان جبرئيل نزل هذا القرآن (على قلبك باذن الله) بأمر الله (مصدقا لما بين يديه) من سائر كتب الله (وهدى) من الضلالة (وبشرى للمؤمنين) بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية علي عليه السلام ومن بعده من الائمة بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سلمان إن الله صدق قيلك ووثق (2) رأيك، وإن جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك (3) كجبرئيل وميكائيل في


1) ” تيقنوا ” أ، ط. 2) ” وفق ” س، ص، ق، د، والبحار: 9 و 22. 3) ” أصحابكما ” ص. (*)

[ 457 ]

الملائكة [ عدوان لمن أبغض أحدهما، ووليان لمن والاهما، ووالى محمدا وعليا و ] عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياء هما (1) ولو أحب أهل الارض سلمان والمقداد كما يحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض (2) ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لاوليائهما ومعاداتهما لاعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب البتة. (3) 299 – قال الحسن (4) بن على عليهما السلام: فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في سلمان والمقداد، سر به المؤمنون وانقادوا، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا، وقالوا: يمدح محمد الاباعد ويترك الادنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم. فاتصل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: ما لهم – لحاهم (5) الله يبغون للمسلمين السوء ؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلا بحبهم لي ولاهل بيتي ؟ والذي بعثني بالحق نبيا إنكم لن تؤمنوا حتى يكون محمد وآله أحب إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الارض جميعا. ثم دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فغمتهم (6) بعباءته القطوانية. ثم قال: هؤلاء خمسة لا سادس لهم من البشر. ثم قال: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالهم.


1) زاد في ” أ “: ووليان لمن والاهم، وأسقط مابين [ ]. 2) أي لخالص. 3) عنه البحار: 9 / 285 ضمن ح 2، وج 39 / 106 ضمن ح 12 (قطعة)، والبرهان: 1 / 134 ضمن ح 1، وعنه البحار: 22 / 327 ح 34، وج 60 / 336 ح 9 (قطعة) وعن الاحتجاج: 1 / 48 باسناده عن أبى محمد العسكري عليه السلام وأخرجه في البرهان: 4 / 523 ح 1 (قطعة)، واثبات الهداة: 1 / 361 ح 72 (قطعة) عن الاحتجاج. 4) ” الحسين ” س، والبحار. 5) أي لعنهم وقبحهم. ” نحاهم ” ص. 6) ” فغطاهم ” خ ل، ط. وكلاهما بمعنى، وفى البحار، ق، د: ” فعمهم “. عم القوم بالعطية: شملهم. (*)

[ 458 ]

فقالت (1) أم سملة ورفعت جانب العباء لتدخل، فكفها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير. فانقطع عنها طمع البشر. وكان جبرئيل معهم، فقال: يا رسول الله وأنا سادسكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم أنت سادسنا. فارتقى السماوات، وقد كساه الله من زيادة الانوار ما كادت الملائكة لا تبينه حتى قال: بخ بخ من مثلي ؟ أنا جبرئيل سادس محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وذلك ما فضل الله به جبرئيل على سائر الملائكة في الارضين والسماوات (2). قال: ثم تناول رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن بيمينه والحسين بشماله، فوضع هذا على كاهله الايمن، وهذا على كاهله الايسر، ثم وضعهما على الارض، فمشى بعضهما إلى بعض يتجاذبان، ثم اصطرعا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول للحسن: ” إيها (3) [ يا ] أبا محمد ” فيقوى الحسن، ويكاد يغلب الحسين [ ثم يقوى الحسين عليه السلام فيقاومه ]. فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله أتشجع الكبير على الصغير ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة أما إن جبرئيل وميكائيل كما (4) قلت للحسن: ” إيها [ يا ] أبا محمد ” قالا للحسين: ” إيها [ يا ] أبا عبد الله ” فلذلك تقاوما وتساويا – أما إن الحسن والحسين حين (5) كان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله للحسن: ” إيها أبا محمد ” ويقول جبرئيل: ” إيها أبا عبد الله ” لو رام كل واحد منهما حمل الارض بما عليها من جبالها وبحارها وتلالها، وسائر ما على ظهرها لكان أخف عليهما من شعرة على أبدانهما، وإنما تقاوما لان كل واحد منهما نظير الآخر – هذان قرتا عيني، هذان


1) أي فأقبلت. ” فقامت ” البحار. ” فقالت فاطمة ” ب، ط، وهو تصحيف، واسم ام سلمة: هند، 2) تقدم حديث العباءة ص 376. 3) ايه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو فعل. 4) ” كلما ” ط، ق، والبحار. 5) ” لما ” س، والبحار. (*)

[ 459 ]

ثمرتا فؤادي، هذان سندا ظهري، هذان سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين وأبوهما خير منهما، وجدهما رسول الله خيرهم أجمعين. فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله قالت اليهود والنواصب: إلى الآن كنا نبغض جبرئيل وحده، والآن قد صرنا نبغض ميكائيل أيضا لادعائهما لمحمد وعلي إياهما ولولديه (1). فقال الله عزوجل: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين “. (2) قوله عزوجل: ” ولقد أنزلنا اليك آيات بينات وما يكفر بها الا الفاسقون “: 99 300 – قال الامام عليه السلام قال الله تعالى: (ولقد أنزلنا إليك) يا محمد (آيات بينات) دالات على صدقك في نبوتك، مبينات عن إمامة علي أخيك ووصيك وصفيك موضحات عن كفر من شك فيك أو في أخيك، أو قابل أمر كل واحد منكما بخلاف القبول والتسليم. ثم قال: (وما يكفر بها) بهذه الآيات الدالات على تفضيلك وتفضيل علي بعدك على جميع الورى (إلا الفاسقون) [ الخارجون ] (3) عن دين الله وطاعته، من اليهود الكاذبين، والنواصب المتسمين بالمسلمين (4).


1) ” لولديهما ” ب، ص. 2) عنه البحار: 39 / 106 ذ ح 12. 3) كذا استظهرها في ” س “، وكما في البحار. 4) عنه البحار: 9 / 326 صدر ح 1، والبرهان: 1 / 135 ح 1. (*)

[ 460 ]

[ قصة اسلام عبد الله بن سلام: ] (1) 301 – قال الامام عليه السلام (2): قال علي بن الحسن زين العابدين عليه السلام وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله (لما آمن به عبد الله بن سلام بعد مسائله التي سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وجوابه) (3) إياه عنها قال له: يا محمد بقيت واحدة، وهي المسألة الكبرى والغرض الاقصى: من الذي يخلفك بعدك، ويقضي ديونك، وينجز عداتك، ويؤدي أماناتك ويوضح عن آياتك وبيناتك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أولئك أصحابي قعود، فامض إليهم فسيدلك (4) النور الساطع في دائرة غرة ولي عهدي وصفحة خديه، وسينطق طومارك بأنه هو الوصي، وستشهد جوارحك بذلك فصار عبد الله إلى القوم فرأى عليا عليه السلام يسطع من وجهه نور يبهر نور الشمس ونطق طوماره وأعضاء بدنه كل يقول: يابن سلام هذا علي بن أبي طالب عليه السلام المالئ جنان الله بمحبيه، ونيرانه بشانئيه، الباث دين الله في أقطار الارض وآفاقها، والنافي للكفر عن نواحيها وأرجائها. فتمسك بولايته تكن سعيدا، واثبت على التسليم له تكن رشيدا. فقال عبد الله بن سلام: [ يا رسول الله هذا وصيك الذي وعد في التوراة ] أشهد


1) وهو من يهود بنى قينقاع، كان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه الرسول صلى الله عليه وآله ” عبد الله “. انظر سيرة ابن هشام: 2 / 162 و 163 ومواضع اخر منه. 2) زاد بعدها في ” أ، ط “: ذلك الايات الدالات على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية على عليه السلام كثيرة أحدها قوله تعالى ” انما وليكم الله ورسوله… الاية إلى قوله تعالى فان حزب الله هم الغالبون ” المائدة: 55، 56. 3) ” إذا عارض وتحدى عبد الله بن صوريا وأتى صلى الله عليه وآله بجوابه ” خ ل. 4) ” فسترى ” خ ل. (*)

[ 461 ]

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أن عليا أخوه وصفيه، ووصيه القائم بأمره المنجز لعداته، المؤدي لاماناته، الموضح لآياته وبيناته والدافع (1) للاباطيل بدلائله (2) ومعجزاته، وأشهد أنكما اللذان بشر بكما موسى ومن قبله من الانبياء ودل عليكما المختارون من الاصفياء. ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: قد تمت الحجج، وانزاحت العلل، وانقطعت المعاذير فلا عذر لي إن تأخرت عنك، ولا خير في إن تركت التعصب لك. ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (3) وإنهم إن سمعوا باسلامي (وقعوا في) (4) فاخبأني عندك [ فاطلبهم فإذا جاءوك فاسألهم عن حالي ورتبتي بينهم لتسمع قولهم في قبل أن يعلموا (5) باسلامي، وبعده لتعلم أحوالهم. فخبأه رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته، ثم دعا قوما من اليهود، فحضروه وعرض عليهم أمره فأبوا، فقال [ رسول الله صلى الله عليه وآله ]: بمن ترضون حكما بيني وبينكم ؟ قالوا: بعبدالله بن سلام. قال: وأي رجل هو ؟ قالوا: رئيسنا وابن رئيسنا، وسيدنا وابن سيدنا، وعالمنا وابن عالمنا، وورعنا وابن ورعنا، وزاهدنا وابن زاهدنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيتم إن آمن بي أتؤمنون (6) ؟ قالوا: قد أعاذه الله من ذلك ثم أعادها، فأعادوها، فقال: اخرج عليهم يا عبد الله [ بن سلام ] وأظهر ما قد أظهره


1) ” الدامغ ” ب، دمغ الحق الباطل: محقه وأبطله. 2) ” بدلالاته ” أ. 3) أي كذب وافتراء. 4) ” لانكروا بمرتبتى في علم التوراة وبتعظيمهم بى وسندية قولى عندهم ” أ. وقع في فلان: سبه وعابه واغتابه. 5) ” يسمعوا ” أ. 6) ” أترضون ” ب. (*)

[ 462 ]

الله لك من أمر محمد. فخرج عليهم وهو يقول: أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، و [ أشهد ] وأن محمدا عبده ورسوله المذكور في التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله، المدلول فيها عليه وعلى أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام. فلما سمعوه يقول ذلك قالوا: يا محمد، سفيهنا وابن سفيهنا، وشرنا وابن شرنا وفاسقنا وابن فاسقنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، كان غائبا عنا، فكرهنا أن نغتابه. فقال عبد الله: فهذا الذي كنت أخافه يا رسول الله. ثم إن عبد الله حسن إسلامه ولحقه القصد الشديد من جيرانه من اليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في حمارة القيظ في مسجده يوما إذ دخل عليه عبد الله بن سلام. و [ قد ] كان بلال أذن للصلاة والناس بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى وجه عبد الله فرآه متغيرا، وإلى عينيه دامعتين، فقال: مالك يا عبد الله ؟. فقال يا رسول الله قصدتني اليهود، وأساءت جواري وكل ماعون لي استعاروه مني كسروه وأتلفوه، وما استعرت منهم منعونيه، ثم زاد أمرهم بعد هذا، فقد اجتمعوا وتواطؤوا وتحالفوا على أن لا يجالسني أحد منهم، ولا يبايعني ولا يشاورني (1) ولا يكلمني ولا يخالطني، وقد تقدموا بذلك إلى من في منزلي، فليس يكلمني أهلي وكل جيراننا يهود، وقد استوحشت منهم، فليس لي [ من ] أنس بهم، والمسافة ما بيننا وبين مسجدك هذا ومنزلك بعيدة، فليس يمكنني في كل وقت يلحقني ضيق صدر منهم أن أقصد مسجدك أو منزلك. فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله غشيه ما كان يغشاه عند نزول الوحي عليه من تعظيم أمر الله تعالى، ثم سري عنه (2) وقد انزل عليه:


1) ” يشاربنى ” أ. ” يشارينى ” ق، البحار. 2) أي زال عنه ما كان يجده. (*)

[ 463 ]

(أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزن الله هم الغالبون) (1). قال: يا عبد الله بن سلام (إنما وليكم الله) ناصركم الله على اليهود القاصدين بالسوء لك (ورسوله) [ انما ] وليك وناصرك (والذين آمنوا الذين – صفتهم أنهم – يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أي وهم في ركوعهم. ثم قال: يا عبد الله بن سلام (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) من يتولاهم، ووالى أولياءهم، وعادى أعداءهم، ولجأ عند المهمات إلى الله ثم إليهم (فان حزب الله) جنده (هم الغالبون) لليهود وسائر الكافرين، أي فلا يهمنك يابن سلام، فان الله تعالى [ هو ناصرك ] (2) وهؤلاء أنصارك، وهو كافيك شرور أعدائك وذائد عنك مكايدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله بن سلام أبشر، فقد جعل الله لك أولياء خيرا منهم: الله، ورسوله (3)، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم راكعون. فقال عبد الله بن سلام: [ يا رسول الله ] من هؤلاء الذين آمنوا ؟ فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا الآن ؟ قال: نعم ذلك المصلي، أشار إلى بأصبعه: أن خذ الخاتم. فأخذته فنظرت إليه والى الخاتم، فإذا هو خاتم علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر، هذا وليكم [ بعدي ] وأولى الناس بالناس بعدي


1) المائدة: 55 – 56. 2) استظهرها في ” ق “. 3) ” ورسوله محمد ” ص، ط. (*)

[ 464 ]

علي بن أبي طالب عليه السلام (1). قال: ثم لم يلبث عبد الله إلا يسيرا حتى مرض بعض جيرانه، وافتقر وباع داره، فلم يجد (2) لها مشتريا غير عبد الله، واسر آخر من جيرانه فالجئ إلي بيع داره، فلم يجد [ لها ] مشتريا غير عبد الله، ثم لم يبق من جيرانه من اليهود أحد إلا دهته داهية، واحتاج – من أجلها – إلى بيع داره، فملك عبد الله تلك المحلة، وقلع الله شأفة (3) اليهود، وحول عبد الله إلى تلك الدور قوما من خيار المهاجرين، وكانوا له أناسا وجلاسا، ورد الله كيد اليهود في نحورهم، وطيب الله عيش عبد الله بايمانه برسول الله وموالاته لعلي ولي الله، عليهما الصلاة والسلام. (4) قوله عزوجل: ” أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون “: 100 302 – قال الامام عليه السلام: قال الباقر عليه السلام: قال الله عزوجل وهو يوبخ هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكر عنادهم، وهؤلاء النصاب الذين نكثوا ما اخذ من العهد عليهم فقال:


1) قال الطبرسي في مجمع البيان: 3 / 210: وفى رواية عطا، قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمة وهو راكع، فنحن نتولاه. أقول: ذكر المحدثون والرواة أحداث هذه القصة في العديد من الكتب وبألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة وتناقلته الخاصة والعامة، منها: فرات في تفسيره: 39. الخوارزمي في مناقبه: 186، عنه كشف الغمة: 1 / 301 والحسكاني في شواهد التنزيل: 1 / 185، بشارة المصطفى: 266، مصباح الانوار: 8 (مخطوط)، وتجد تفصيل ذلك في احقاق الحق: 2 / 399 – 406، وج 3 / 502 – 511 فراجع. 2) ” يكن ” ص، ق، والبحار. 3) ” شاكة ” أ. ” شانئيه ” ب، ط. الشأفة: الاصل أو العداوة، والشاكة: الحدة. 4) عنه البحار: 9 / 326 ضمن ح 16، ومدينة المعاجز: 73 ح 185 (قطعة). (*)

[ 465 ]

(أو كلما عاهدوا عهدا) واثقوا وعاقدوا ليكونوا لمحمد طائعين، ولعلي بعده مؤتمرين، وإلى أمره صابرين (1) (نبذه) نبذ العهد (فريق منهم) وخالفه. قال الله: (بل أكثرهم) أكثر هؤلاء اليهود والنواصب (لا يؤمنون) أي في مستقبل أعمارهم لا يرعون (2)، ولا يتوبون (3) مع مشاهدتهم للايات ومعاينتهم للدلالات. (4). 303 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا الله عباد الله، واثبتوا على ما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وآله من توحيد الله، ومن الايمان بنبوة محمد رسول الله، ومن الاعتقاد بولاية علي ولي الله، ولا يغرنكم صلاتكم وصيامكم وعبادتكم السالفة، إنها لا تنفعكم إن خالفتم العهد والميثاق فمن وفى وفي له، وتفضل [ بالجلال و ] بالافضال عليه، ومن نكث فانما ينكث على نفسه، والله ولي الانتقام منه، وإنما الاعمال بخواتيمها. [ قصة ليلة المبيت ] هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لكل أصحابه، وبها أوصى حين صار إلى الغار. فان الله تعالى قد أوحى إليه: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن أبا جهل والملا من قريش قد دبروا يريدون قتلك، وآمرك أن تبيت عليا في موضعك، وقال لك: إن منزلته منزلة إسماعيل (5) الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداءا، وروحه لروحك وقاءا، وآمرك (6) أن تستصحب أبا بكر،


1) ” صائرين ” ص، ط، ق، د، والبرهان. 2) ” يرغبون ” خ ل، رعى الامر: نظر إلى ماذا يصير. 3) ” يتولون ” أ. 4) عنه البحار: 9 / 329 ضمن ح 16، والبرهان: 1 / 135 ح 1. 5) ” اسحاق ” ب، س، ط. وهو تصحيف. 6) لم نعثر في غير هذا الكتاب على دليل الوحى، والامر بهذا الاستصحاب، ولا غرابة في هذا بعد أن كان للنبى صلى الله عليه وآله أن يخفى ولا يصاحبه، فلعله استصحيه ليكون > (*)

[ 466 ]

فانه إن (1) آنسك وساعدك ووازرك وثبت على مايعاهدك ويعاقدك، كان في الجنة من رفقائك، وفي غرفاتها من خلصائك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أرضيت أن اطلب فلا اوجد وتوجد، فلعله أن يبادر اليك الجهال فيقتلوك ؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت أن تكون روحي لروحك وقاءا، ونفسي لنفسك


< شاهدا لايات الله عزوجل في جعله كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، وانزاله السكينة على النبي صلى الله عليه وآله وحده، وتأييده بالجنود.. كما أنه لا فضل في التسمية ” بالصحبة ” لانها قد تحصل من الولى والعدو، والمؤمن والكافر، قال تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر اصطحبا ” قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك… ” الكهف: 37. وقال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: ” يا صاحبي السجن ” يوسف: 41. وقال تعالى: ” ما ضل صاحبكم وماغوى ” النجم: 2 بل لا فضل في مطلق التسمية، كما أن موسى عليه السلام، ترك هارون ولم يستصحبه في ميقات ربه، قال تعالى: ” واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال.. أتهلكنا بما فعل السفهاء منا. ” الاعراف: 155، فما كان استصحاب الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله له تفضيلا على من تركه في فراشه، زد على ذلك النهى الموجه من الرسول صلى الله عليه وآله إلى أبى بكر بقوله ” لا تحزن ” بل لا دليل على أنه سكن قلبه، أو أنزل الله السكينة عليه كما من على النبي صلى الله عليه وآله بذلك مع انه ” ثانى اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ” التوبة: 40 فأخبر أنه أنزل السكينة عليه دون أبى بكر، ولم يذكر أبا بكر في السكينة، كما أخبر في موطن آخر أنه أنزل السكينة على الرسول وعلى المؤمنين، قال تعالى “… ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ” التوبة: 26. وقوله تعالى ” ان الله معنا ” أي عالم ومطلع على حالنا،. فلاحظ. 1) تدبر معنى ” ان ” الشرطية وجوابها ” كان ” ! وفى الشرط وتعليق الجزاء عليه، لطف وتنبيه، أما ترى قوله تعالى ” لئن اشركت ليحبطن عملك ” الزمر: 65 خطابا للرسول الاعظم، أفضل الخلق، وخير البشر. سيأتي مثل ذلك ص 468. (*)

[ 467 ]

فداءا، بل قد رضيت أن تكون روحي ونفسي فداءا لاخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها (1) وهل أحب الحياة إلا لخدمتك (2) والتصرف بين أمرك ونهيك ولمحبة أوليائك، ونصرة أصفيائك، ومجاهدة أعدائك ؟ لو لا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام وقال له: يا أبا حسن قد قرأ علي كلامك هذا الموكلون باللوح المحفوظ، وقرأوا علي ما أعد الله [ به ] لك من ثوابه في دار القرار ما لم يسمع بمثله السامعون، ولا أرى مثله الراؤون، ولا خطر مثله ببال المتفكرين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لابي بكر: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما اطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ماأدعيه، فتحمل عني أنواع العذاب ؟ قال أبو بكر: يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح، ولا فرج متيح (3) وكان في ذلك محبتك لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك (4) ملوكها في مخالفتك، وهل أنا (5) ومالي وولدي إلا فداؤك ؟


1) من المهانة: الحقارة والصغر. ولا عجب من خير البشر على بن أبي طالب عليه السلام يؤثر رضا حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وآله، ويسلم له نفسه فداء فيما يرضاه، لا ملقا ولا تزلفا ولا رياء، فأطلق شعاره تعبيرا عن حبه فقال: هل احب الحياة الا لخدمتك، و.. ولولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة “، فلا هم له عليه السلام غير رضاه وفى أي شاء، ولا يريد أن يفدى نفسه في الاخس وان لم يشأ ولن يشاء. وقد آثرنا من رجال الدين والعلم يقولون تحية لامامنا الغائب ” عج “: أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء. 2) ” بخدمتك ” أ. 3) ” منج ” س، ص، تاح له الشئ: تهيأ. 4) ” مماليك ” أ. 5) ” ماأهلى ” ب، س، د. (*)

[ 468 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا جرم إن (1) اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقا لما جرى على لسانك، جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، وبمنزلة الروح من البدن، كعلي الذي هو مني كذلك، وعلي فوق ذلك لزيادة فضائله وشريف خصاله. يا أبا بكر إن من عاهد الله ثم لم ينكث ولم يغير، ولم يبدل ولم يحسد من قد أبانه (2) الله بالتفضيل فهو معنا في الرفيق الاعلى، وإذا أنت مضيت على طريقة يحبها منك ربك، ولم تتبعها بما يسخطه، ووافيته بها إذا بعثك بين يديه، كنت لولاية الله مستحقا، ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا. انظر أبا بكر فنظر في آفاق السماء، فرأى أملاكا من نار على أفراس من نار، بأيديهم رماح من نار، كل ينادي: يا محمد مرنا بأمرك في [ أعدائك و ] مخالفيك نطحطحهم. ثم قال: تسمع على الارض. فتسمع فإذا هي تنادي: يا محمد مرني بأمرك في أعدائك أمتثل أمرك. ثم قال: تسمع على الجبال، فتسمعها تنادي: يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نهلكهم. ثم قال: تسمع على البحار، فاحضرت البحار بحضرته، وصاحت أمواجها تنادي (3): يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نمتثله. ثم سمع السماء والارض والجبال والبحار كل يقول: [ يا محمد ] (4) ما أمرك ربك بدخول الغار لعجزك عن الكفار، ولكن إمتحانا وابتلاءا ليتخلص (5) الخبيث من


1) تدبر معناها – وما أدراك مامعناها – وجوابها ” جعلك “، انظر تعليقتنا هامش: 1 ص 466 2) ” أثابه ” خ ل. 3) ” وقالت ” س، ط، د. 4) من البحار. 5) أي ليتميز. (*)

[ 469 ]

الطيب من عباده وإمائه بأناتك (1) وصبرك وحلمك عنهم. يا محمد من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان، ومن نكث فعلى نفسه ينكث وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أنت مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، والروح من البدن، حببت إلي كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي (2). ثم قال له: يا أبا حسن تغش ببردتي، فإذا أتاك الكافرون يخاطبونك، فان الله يقرن بك توفيقه، وبه تجيبهم. فلما جاء أبو جهل، والقوم شاهرون سيوفهم، قال لهم أبو جهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالاحجار لينتبه بها، ثم اقتلوه، فرموه بأحجار ثقال صائبة. فكشف عن رأسه، فقال: ماذا شأنكم ؟ وعرفوه، فإذا هو علي عليه السلام. فقال لهم أبو جهل: أما ترون محمدا كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به وينجو محمد، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه بمنع عنه كما يزعم ؟ فقال علي عليه السلام: ألي (3) تقول هذا يا أبا جهل ؟ بل الله تعالى قد أعطاني من العقل مالو قسم على جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء، ومن القوة مالو قسم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء، ومن الشجاعة مالو قسم على جميع جبناء الدنيا لصاروا [ به ] شجعانا، ومن الحلم ما لو قسم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء. ولو لا أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن لا أحدث حدثا حتى ألقاه لكان لي ولكم شأن، ولا قتلنكم قتلا.


1) الاناة: الوقار والحلم، الانتظار والتمهل. 2) أي الشديد العطش، والغلة – بالضم – حرارة العطش. 3) ” أنى ” أ. (*)

[ 470 ]

ويلك يا أبا جهل – عليك اللعنة – إن محمدا صلى الله عليه وآله قد استأذنه في طريقه السماء والارض والبحار والجبال في إهلاككم فأبى إلا أن يرفق بكم، ويداريكم ؟ ؟ ليؤمن من في علم الله أنه يؤمن منكم، ويخرج مؤمنون من أصلاب وأرحام كافرين وكافرات أحب الله تعالى أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم (1). ولو لا ذلك لاهلككم ربكم، إن الله هو الغني، وأنتم الفقراء، لا يدعوكم إلى طاعته وأنتم مضطرون، بل مكنكم مما كلفكم فقطع معاذيركم. فغضب أبو البختري بن هشام فقصده بسيفه، فرأى الجبال قد أقبلت لتقع عليه والارض قد انشقت لتخسف به، ورأى أمواج البحار نحوه مقبلة لتغرقه في البحر ورأى السماء انحطت لتقع عليه، فسقط سيفه وخر مغشيا عليه واحتمل، ويقول أبو جهل: دير به (2) لصفراء هاجت به. يريد أن يلبس على من معه أمره. فلما التقى رسول الله صلى الله عليه وآله مع علي عليه السلام قال: يا علي إن الله رفع صوتك في مخاطبتك أبا جهل إلى العلو، وبلغه إلى الجنان، فقال من فيها من الخزان والحور الحسان: من هذا المتعصب لمحمد إذ قد كذبوه وهجروه ؟ قيل لهم: هذا النائب عنه، والبائت على فراشه يجعل نفسه لنفسه وقاءا، وروحه لروحه فداءا. فقال الخزان والحور الحسان: يا ربنا فاجعلنا خزانه. وقالت الحور: فاجعلنا نساءه. فقال الله تعالى لهم: أنتم له، ولمن يختاره هو من أوليائه ومحبيه يقسمكم عليهم – بأمر الله – على من هو أعلم به من الصلاح، أرضيتم ؟ قالوا: بلى ربنا وسيدنا. (3)


1) أي باستئصالهم. ” باصطلامكم ” ب، ط. 2) أي أخذه الدوار، وهو دوران يأخذ بالرأس، تعرفه العامة بالدوخة. 3) عنه البحار: 9 / 329 ذ ح 16 (قطعة)، وج 19 / 80 ح 34، ومدينة المعاجز: 75 ح 188 واثبات الهداة: 4 / 596 ح 291 (قطعة). (*)

[ 471 ]

قوله عزوجل: ” ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وماهم بضارين به من أحد الا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ” 101 – 103. 304 – قال الامام عليه السلام: قال الصادق عليه السلام: (ولما جاءهم) جاء هؤلاء اليهود ومن يليهم من النواصب (رسول (1) من عند الله [ مصدق لما معهم ]) القرآن مشتملا على [ وصف ] فضل محمد وعلي، وإيجاب ولايتهما، وولاية أوليائهما، وعداوة أعدائهما (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب [ كتاب الله ]) اليهود التوراة وكتب أنبياء الله عليهم السلام (وراء ظهورهم) وتركوا العمل بما فيها وحسدوا محمدا على نبوته، وعليا على وصيته، وجحدوا على ما وقفوا عليه من فضائلهما (كأنهم لا يعلمون) فعلوا من جحد ذلك والرد له فعل من لا يعلم، مع علمهم بأنه حق. (واتبعوا) هؤلاء اليهود والنواصب (ما تتلوا) ما تقرأ (الشياطين على ملك سليمان) وزعموا أن ” سليمان ” بذلك السحر والنيرنجات (2) نال ما ناله من الملك العظيم قصدوهم به عن كتاب (3) الله، وذلك أن اليهود الملحدين والنواصب المشاركين لهم في


1) ” كتاب ” الاصل. وما في المتن كما في البحار. 2) النيرنج – بالكسر – اخذ كالسحر وليس به. (القاموس المحيط 1: / 209). والاخذة – بالهمزة المضمومة -: رقية كالسحر يؤخذ بها. 3) ” سبيل ” البحار. (*)

[ 472 ]

إلحادهم لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، وشاهدوا منه ومن علي عليه السلام المعجزات التي أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما (1)، أفضى بعض اليهود والنصاب إلى بعض وقالوا: ما محمد إلا طالب دنيا بحيل ومخاريق وسحر ونيرنجات تعلمها، وعلم عليا عليه السلام بعضها، فهو يريد أن يتملك علينا في حياته، ويعقد (2) الملك لعلي بعده، وليس ما يقوله عن الله تعالى بشئ، إنما هو قوله فيعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنيرنجات التي يستعملها، وأوفر الناس كان حظا من هذا السحر ” سليمان بن داود ” الذي ملك بسحره الدنيا كلها من (3) الجن والانس والشياطين، ونحن إذا تعلمنا بعض ماكان تعلمه (4) سليمان، تمكنا من إظهار مثل ما يظهره محمد وعلي، وادعينا لانفسنا ما يجعله محمد لعلي، وقد استغنينا عن الانقياد لعلي. فحينئذ ذم الله تعالى الجميع من اليهود والنواصب فقال الله عزوجل: (نبذوا كتاب الله) الآمر بولاية محمد وعلي (وراء ظهورهم) فلم يعملوا به (واتبعوا ما تتلوا) كفرة (الشياطين) من السحر والنيرنجات (على ملك سليمان) الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد لعلي عليه السلام. قالوا: وكان سليمان كافرا ساحرا ماهرا، بسحره ملك ماملك، وقدر على ما قدر فرد الله تعالى عليهم فقال: (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا، ثم قال: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) قال: كفر الشياطين بتعليمهم


1) ” عليهما ” ب، س، ق، د، ط. 2) عقد له على القوم: جعله رئيسا عليهم. 3) ” و ” أ، ب، س، ط. 4) ” يعلمه ” ب. (*)

[ 473 ]

الناس السحر، وبتعليمهم إياهم بما أنزل الله على الملكين ببال هاروت وماروت – اسم الملكين -. قال الصادق عليه السلام: وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموهون، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم. فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله، وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به الناس. وهذا كما يدل على السم ما هو، وعلى ما يدفع به غائلة السم (1)، ثم يقال للمتعلم ذلك: هذا السم، فمن رأيته سم (2) فادفع غائلته بكذا، وإياك أن تقتل بالسم أحدا. ثم قال: (وما يعلمان من أحد) وهو أن ذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلمانهم ما علمهما الله تعالى من ذلك ويعظاهم (3) فقال الله تعالى: (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم: (إنما نحن فتنة): إمتحان. للعباد ليطيعوا الله عزوجل فيما يتعلمون من هذا، ويبطلوا به كيد الساحر (4)، ولا يسحروا لهم (5). (فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا [ بك ] أنك به تحيي وتميت، وتفعل مالا يقدر عليه إلا الله تعالى، فان ذلك كفر. قال الله تعالى: (فيتعلمون) يعنى طالبي السحر (منهما) يعنى مما كتبت الشياطين


1) أي مضرته وشره. 2) ” رانه السم ” أ. ران: غلب. 3) ” أعطاهم ” س، ص، 4) ” السحر ” أ، ب، س، ط. 5) ” بهم ” خ ل. (*)

[ 474 ]

على ملك سليمان من النيرنجات، وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، يتعلمون من هذين الصنفين. (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) هذا من يتعلم للاضرار (1) بالناس، يتعلمون التفريق بضروب الحيل والتمائم والايهام أنه قد دفن (2) [ كذا ] وعمل كذا ليجلب (3) قلب المرأة عن الرجل، وقلب الرجل عن المرأة، ويؤدي إلى الفراق بينهما. ثم قال الله عزوجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله) أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا باذن الله، بتخلية (4) الله وعلمه، فانه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر. ثم قال: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) لانهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا، فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه، بل ينسلخون عن دين الله بذلك. (ولقد علموا) (5) هؤلاء المتعلمون (لمن اشتريه) بدينه (6) الذي ينسلخ عنه بتعلمه (ماله في الآخرة من خلاق) من نصيب في ثواب الجنة (7) (ولبئس ما شروا به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا يعلمون) أي لو كانوا يعلمون أنهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنة، لان المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول، ولا إله، ولا بعث، ولا نشور. فقال: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) لانهم يعتقدون أن لا آخرة، فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا، وإن كان


1) ” الاضرار ” أ، والعيون. 2) زاد في العيون والبحار: في موضع. 3 ” ليحبب ” ب، س، ق، د والبحار. ” يغضب ” ص، والبرهان. 4) خلى تخلية الامر وعنه: تركه 5) ” علم ” الاصل والبحار. 6) أي استبدل السحر بدينه. واللام في ” لمن ” للابتداء علقت ” علموا ” عن العمل. 7) زاد بعدها في ” أ، ط، العيون، والبحار “: ثم قال (عزوجل). (*)

[ 475 ]

[ بعد الدنيا ] آخرة فهم مع كفرهم بها لاخلاق لهم فيها. ثم قال: (ولبئس ماشروا به أنفسهم) باعوا به أنفسهم بالعذاب، إذا باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا بالعذاب [ الدائم ] (1) أنفسهم (لو كانوا يعلمون) أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به. فلما (2) تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا، عذبهم (3) على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحق. قال أبو يعقوب وأبو الحسن (4): قلنا للحسن أبي القائم عليه السلام: فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا، وأنهما افتتنا بالزهرة، وأرادا الزنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النفس المحرمة، وأن الله تعالى يعذبهما ببابل، وأن السحرة منهما يتعلمون السحر وأن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة. فقال الامام عليه السلام: معاذ الله من ذلك، إن ملائكة الله تعالى معصومون [ من الخطأ ] محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى، فقال الله عزوجل فيهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (5) وقال تعالى: (وله من في السموات والارض ومن عنده – يعني الملائكة – لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون). وقال في الملائكة (بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) إلى قوله (وهم من خشيته مشفقون) (6). ثم قال: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على الارض وكانوا كالانبياء في الدنيا وكالائمة، فيكون من الانبياء والائمة قتل النفس وفعل الزنا ! ؟


1) من العيون والبحار. 2) ” و ” أ، س، ط. 3) كذا في العيون ” انى لاعذبهم ” ب، س، ص، ط. ” لاعذبنهم ” أ، ق، د، ” عذابهم ” البحار. 4) هما راويا التفسير. 5) التحريم: 6. 6) الانبياء: 19 – 28. (*)

[ 476 ]

ثم قال: أو لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر ؟ أو ليس الله يقول: (وما أرسلنا من قبلك – يعني إلى الخلق – إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) (1) فأخبر الله أنه لم يبعث الملائكة إلى الارض ليكونوا أئمة وحكاما، وإنما ارسلو إلى أنبياء الله. قالا: قلنا له عليه السلام: فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا ؟ فقال: لا، بل كان من الجن، أما تسمعان أن الله تعالى يقول: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) (2). فأخبر أنه كان من الجن، وهو الذي قال الله تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) (3). وقال الامام عليه السلام: حدثني أبي، عن جدي، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الله اختارنا معاشر آل محمد، واختار النبيين واختار الملائكة المقربين، وما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينضمون (4) به إلى المستحقين لعذابه ونقمته. قالا: فقلنا له: فقد روي لنا أن عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بالولاية والامامة، عرض الله في السماوات ولايته على فئام (5) وفئام من الملائكة، فأبوها فمسخهم الله ضفادع.


1) يوسف: 109. 2) الكهف: 50. 3) الحجر: 27 4) ” ينتسبون ” العيون، والبحار. 5) ” فئام من الناس ” العيون والبحار. وذكرها ثلاثا في ق، د. (*)

[ 477 ]

فقال: معاذ الله هؤلاء المكذبون [ لنا، المفترون ] (1) علينا، الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله إلى الخلق، أفيكون منهم الكفر بالله ؟ قلنا: لا. قال: فكذلك الملائكة، إن شأن الملائكة عظيم، وإن خطبهم لجليل. (2) قوله عزوجل ” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم “: 104 305 – قال الامام عليه السلام: قال موسى بن جعفر عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة كثر حوله المهاجرون والانصار، وكثرت عليه المسائل، وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به صلى الله عليه وآله، وذلك أن الله تعالى كان قال لهم: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (3). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بهم رحيما، وعليهم عطوفا، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا حتى أنه كان ينظر إلى كل من يخاطبه، فيعمل (4) على أن يكون صوته صلى الله عليه وآله مرتفعا على صوته ليزيل عنه ما توعده الله [ به ] من إحباط أعماله، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه بأرفع من صوته، يريد أن لا يأثم الاعرابي بارتفاع صوته


1) من العيون والبحار. 2) عنه البحار: 9 / 330 ح 17 قطعة وج 63 / 95 ح 55 وص 212 ح 47 قطعة، والبرهان: 1 / 135 ح 1 وص 136 ح 1، وعنه البحار: 59 / 319 ح 3 وعن عيون أخبار الرضا: 1 / 266 ح 1 باسناده عن المفسر الجرجاني، عن…، عن الصادق عليه السلام وأخرجه في البرهان: 2 / 276 ح 1 (قطعة) عن العيون. 3) الحجرات: 2. 4) ” فيعمد ” ص، ط. (*)

[ 478 ]

فقال له الاعرابي: أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخا العرب إن بابها مفتوح لابن آدم لا يسد حتى تطلع الشمس من مغربها، وذلك قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك، يوم يأتي بعض آيات ربك – وهو طلوع الشمس من مغربها – لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (1). وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: وكانت هذه اللفظة: (راعنا) من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله صلى الله عليه وآله يقولون: راعنا، أي إرع أحوالنا، واسمع منا كما نسمع منك. وكان في لغة اليهود معناها: اسمع. لا سمعت. فلما سمع اليهود، المسلمين يخاطبون بها رسول الله صلى الله عليه وآله يقولون: راعنا ويخاطبون بها، قالوا: إنا كنا نشتم محمدا إلى الآن سرا، فتعالوا الآن نشتمه جهرا. وكانوا يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون: راعنا، ويريدون شتمه. ففطن (2) لهم سعد بن معاذ الانصاري، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، أراكم تريدون سب رسول الله صلى الله عليه وآله وتوهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا، والله لا سمعتها من أحد منكم إلا ضربت عنقه، ولو لا أني أكره أن أقدم عليكم قبل التقدم والاستيذان له ولاخيه ووصيه على بن أبي طالب عليه السلام القيم بامور الامة نائبا عنه فيها، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا. فأنزل الله: يا محمد (من الذين هادوا يحرقون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين – إلى قوله – فلا يؤمنون إلا قليلا) (3). وأنزل (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) يعنى فانها لفظة (4) يتوصل بها


1) الانعام: 158. 2) فطن للامر وبه واليه: أدركه، فهمه. 3) النساء: 46. 4) ” بأنها اللفظة التى ” ق. (*)

[ 479 ]

أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وآله وشتمكم. وقولوا: (انظرنا)، أي قولوا بهذه اللفظة، لا بلفظة راعنا، فأنه ليس فيها ما في قولكم: راعنا، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا (واسمعوا) إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله قولا وأطيعوا. (وللكافرين) يعنى اليهود الشاتمين لرسول الله صلى الله عليه وآله (عذاب أليم) وجيع في الدنيا إن عادوا بشتمهم، وفي الآخرة بالخلود في النار. (1) [ مدح سعد بن معاذ ] 306 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله هذا سعد بن معاذ من خيار عباد الله آثر رضى الله على سخط قراباته وأصهاره من اليهود، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وغضب لمحمد رسول الله، ولعلي ولي الله ووصي رسول الله، أن يخاطبا بما لا يليق بجلالتهما، فشكر الله له تعصبه (2) لمحمد وعلي، وبوأه في الجنة منازل كريمة، وهيأ له فيها خيرات واسعة لا تأتي الالسن على وصفها، ولا القلوب على توهمها (3) والفكر فيها، ولسلكة من مناديل موائده (4) في الجنة خير من الدنيا بما فيها من زينتها ولجينها وجواهرها، وسائر أموالها ونعيمها. فمن أراد أن يكون فيها رفيقه وخليطه، فليتحمل (5) غضب الاصدقاء والقرابات وليؤثر عليهم رضى الله في الغضب لرسول الله [ محمد ].


1) عنه البحار: 6 / 34 ح 46 قطعة، ج 9 / 331 ح 18، والبرهان: 1 / 138 ح 1، ومستدرك الوسائل: 1 / 351 ح 4 باب 92. 2) ” لغضبه ” ص. 3) ” توسمها ” خ ل. توسم الشئ: تفرسه. 4) ” وموائد نعمتها ” أ، ب، ط، والبرهان. 5) ” فليحتمل ” س، ص، د. (*)

[ 480 ]

وليغضب إذا رأى الحق متروكا، ورأى الباطل معمولا به، وإياكم والتهون (1) فيه مع التمكن القدرة وزوال التقية، فان الله تعالى لا يقبل لكم عذرا عند ذلك. (2) [ في ذم ترك الامر بالمعروف: ] 307 – ولقد أوحى الله فيما مضى قبلكم إلى جبرئيل، وأمره أن يخسف ببلد يشتمل على الكفار والفجار فقال جبرئيل: يا رب أخسف بهم إلا بفلان الزاهد ؟ ليعرف ماذا يأمر الله به. فقال الله عزوجل: بل اخسف بفلان قبلهم. فسأل ربه، فقال: يا رب عرفني لم ذلك وهو زاهد عابد ؟ قال: مكنت له وأقدرته، فهو لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، وكان يتوفر على حبهم في غضبي لهم. فقالوا: يا رسول الله وكيف بنا ونحن لا نقدر على إنكار ما نشاهده من منكر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليعمنكم عقاب الله، ثم قال: من رأى منكم منكرا فلينكره بيده إن استطاع، فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه إنه لذلك كاره. (3) 308 – فلما مات سعد بن معاذ بعد أن شفى من بني قريظة بأن قتلوا أجمعين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يرحمك الله يا سعد، فلقد كنت شجا (4) في حلوق الكافرين، لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في بيضة المسلمين (5) كعجل قوم موسى.


1) ” الهوينا ” ب، س، ص، ق، والبحار، هون عليه الامر: سهله وخففه. والهوينا: التؤدة والرفق. 2) عنه البحار: 9 / 333 ذ ح 18، وج 22 / 114 ضمن ح 85 (قطعة). 3) عنه الوسائل: 11 / 406 ح 12، والبحار: 100 / 85 ح 57. 4) الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، والهم والحزن. 5) ” الاسلام ” ص، والبحار. بيضة القوم: ساحتهم. (*)

[ 481 ]

قالوا: يا رسول الله أو عجل يراد أن يتخذ في مدينتك هذه ! قال: بلى، والله يراد، ولو كان سعد فيهم حيا لما استمر تدبيرهم، ويستمرون ببعض تدبيرهم، ثم الله تعالى يبطله. قالوا: أخبرنا كيف يكون ذلك ؟ قال: دعوا ذلك لما يريد الله أن يدبره (1). 309 – وقال موسى بن جعفر عليه السلام: ولقد اتخذ المنافقون من امة محمد صلى الله عليه وآله بعد موت سعد بن معاذ، وبعد انطلاق محمد صلى الله عليه وآله إلى تبوك أبا عامر الراهب (2)، اتخذوه أميرا ورئيسا، وبايعوا له، وتواطأوا على انهاب المدينة، وسبي ذراري رسول الله وسائر أهله وصحابته، ودبروا التبييت على محمد صلى الله عليه وآله ليقتلوه في طريقه إلى تبوك، فأحسن الله الدفاع عن محمد صلى الله عليه وآله وفضح المنافقين وأخزاهم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” لتسلكن سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى أن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه “. قالوا: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وما كان هذا العجل ؟ وما كان هذا التدبير ؟ فقال: اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان تأتيه الاخبار عن صاحب دومة الجندل – وكانت تلك النواحي [ له ] مملكة عظيمة مما يلي الشام – وكان يهدد رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يقصده ويقتل أصحابه، ويبيد خضراءهم (3)، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله خائفين وجلين من قبله، حتى كانوا يتناوبون على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم عشرون منهم، كلما صاح صائح ظنوا أن قد طلع أوائل رجاله وأصحابه، وأكثر المنافقون


1) عنه البحار: 21 / 257 وج 22 / 114 ضمن ح 85 (قطعة). 2) واسمه عبد عمرو بن صيفي بن النعمان، من بنى عمرو بن عوف، من الاوس، وهو أبو ” حنظلة ” غسيل الملائكة، وكان سيدا قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة كان له معه خطب طويل، فخرج في خمسين غلاما فمات على النصرانية بالشام. (مروج الذهب: 1 / 88) 3) أباد الله خضراءهم، أي سوادهم ومعظمهم. (*)

[ 482 ]

الاراجيف والاكاذيب، وجعلوا يتخللون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، ويقولون: إن ” اكيدر (1) ” قد أعد [ لكم ] من الرجال كذا، ومن الكراع (2) كذا، ومن المال كذا وقد نادى – فيما يليه من ولايته – ألا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة. ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم: وأين يقع أصحاب محمد من أصحاب اكيدر ؟ يوشك أن يقصد المدينة، فيقتل رجالها، ويسبي ذراريها ونساءها. حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ماهم عليه من الجزع (3). ثم ان المنافقين اتفقوا وبايعوا لابي عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله ” الفاسق “، وجعلوه أميرا عليهم، وبخعوا (4) له بالطاعة، فقال لهم: الرأي أن أغيب عن المدينة، لئلا ااتهم، إلى أن يتم تدبيركم. وكاتبوا اكيدر في دومة الجندل ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه، وهو يقصدهم فيصطلموه. فأوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله وعرفه ما أجمعوا عليه من أمره (5)، وأمره بالمسير إلى تبوك. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله كلما (6) أراد غزوا ورى بغيره، إلا غزاة تبوك، فانه أظهر ماكان يريده، وأمرهم أن يتزودوا لها، وهي الغزاة التي افتضح فيها المنافقون، وذمهم الله في تثبيطهم (7) عنها، وأظهر رسول الله صلى الله عليه وآله


1) هو اكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل. (انظر قصته في دلائل النبوة: 5 / 250 والكامل لابن الاثير: 2 / 281). 2) قال ابن الاثير في النهاية: 4 / 165: وفى حديث ابن مسعود ” كانوا لا يحبسون الا الكراع والسلاح ” الكراع [ بضم الكاف ] اسم لجميع الخيل. 3) جزع منه: لم يصبر عليه، فأظهر الحزن أو الكدر. 4) أي أذعنوا وأقروا. ” خضعوا ” ق. 5) ” أمرهم ” البحار. 6) ” إذا ” ص، والبحار، والمراد: ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره لئلا ينتهى خبره إلى مقصده فيستعدوا لقتاله. رواه الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام في معاني الاخبار. 386 ضمن ح 20. 7) ثبطه عن الامر: عوقه وشغلهم عنه. (*)

[ 483 ]

ما أوحى الله تعالى إليه أن الله سيظهره (1) باكيدر حتى يأخذه، ويصالحه على ألف اوقية ذهب في صفر، وألف اوقيته ذهب في رجب، ومائتي حلة في رجب، ومائتي حلة في صفر، وينصرف سالما إلى ثمانين يوما. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: إن موسى وعد قومه أربعين ليلة، وإني أعدكم ثمانين ليلة، أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب تكون، ولا أحد يستأسر (2) من المؤمنين. فقال المنافقون: لا والله، ولكنها آخر كراته (3) التي لا ينجبر بعدها، وإن أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر، ورياح البوادي، ومياه المواضع المؤذية الفاسدة ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد اكيدر، وقتيل وجريح. واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها: بعضهم يعتل بالحر، وبعضهم بمرض جسده (4) وبعضهم بمرض عياله، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأذن لهم. [ بيان بناء مسجد ضرار ] فلما صح (5) عزم رسول الله صلى الله عليه وآله على الرحلة إلى تبوك، عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجدا، وهو مسجد ضرار، يريدون الاجتماع فيه، ويوهمون أنه للصلاة، وإنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم تدبيرهم، ويقع هناك ما يسهل لهم به ما يريدون. ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك، وإنا نكره الصلاة في غير جماعة، ويصعب علينا الحضور، وقد بنينا مسجدا، فان رأيت أن تقصده وتصلي فيه لنتيمن (6) ونتبرك بالصلاة في موضع


1) ظهر بفلان وعليه: غلبه. 2) ” يشتاك ” أ، ” يشاك ” ب، س، ط، د يقال: لا تشوكك منى شوكة أي لا يلحقك منى أذى. 3) ” كسراته ” ب، س، ق، د، والبحار. 4) ” يجده ” خ ل، والبحار. 5) ” أصبح صح ” أ، س، ص، صح: ثبت. 6) تيمن بكذا: تبرك به. (*)

[ 484 ]

مصلاك، فلم يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما عرفه الله تعالى من أمرهم ونفاقهم. فقال صلى الله عليه وآله: ائتوني بحماري، فاتي باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم، فكلما بعثه – هو وأصحابه – لم ينبعث ولم يمش، وإذا صرف رأسه عنه إلى غيره سار أحسن سير وأطيبه، قالوا: لعل هذا الحمار قد رأى في هذا الطريق شيئا كرهه ولذلك لا ينبعث بحوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوني بفرس. فاتي بفرس فركبه، فكلما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث، وكلما حركوه نحوه لم يتحرك حتى إذا ولوا (1) رأسه إلى غيره سار أحسن سير، فقالوا: ولعل هذا الفرس قد كره شيئا في هذا الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تعالوا نمشي إليه فلما تعاطى هو صلى الله عليه وآله ومن معه المشي نحو المسجد جفوا (2) في مواضعهم ولم يقدروا على الحركة، وإذا هموا بغيره من المواضع خفت حركاتهم وخفت (3) أبدانهم، ونشطت قلوبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا أمر قد كرهه الله، فليس يريده الآن، وأنا على جناح سفر، فأمهلوا حتى أرجع – إن شاء الله – ثم أنظر في هذا نظرا يرضاه الله تعالى. وجد في العزم على الخروج إلى تبوك، وعزم المنافقون على اصطلام مخلفيهم إذا خرجوا.


1) ” أقاموا ” ط. ” زاولوا ” ب، س، ولى الشئ وعن الشئ: أعرض وابتعد عنه، وزاوله: حاوله. 2) جفا عليه كذا: ثقل. ” جثوا ” ص. 3) ” خبث ” س، ” حنت ” ق، د، البحار. قال المجلسي (ره): حنت أبدانهم لعله من الحنين بمعنى الشوق، وفى بعض النسخ بالخاء المعجمه والباء الموحدة، ولعله من الخبب وهو ضرب من العدو. (*)

[ 485 ]

[ حديث المنزلة: ] فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول: إما أن تخرج أنت ويقيم علي، وإما أن يخرج علي وتقيم أنت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذاك لعلي، فقال علي عليه السلام: السمع والطاعة لامر الله تعالى وأمر رسوله، وإن كنت احب ألا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حال من الاحوال. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ” ؟ (1) قال عليه السلام: رضيت يا رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا الحسن إن لك أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة وإن الله قد جعلك امة وحدك كما جعل إبراهيم عليه السلام امة، تمنع جماعة المنافقين والكفار هيبتك عن الحركة على المسلمين. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وشيعه علي عليه السلام خاض المنافقون فقالوا: إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له، ولملالته منه، وما أراد بذلك إلا أن يلقيه (2) المنافقون فيقتلوه ويحاربوه فيهلكوه. فاتصل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله. فقال علي عليه السلام: تسمع ما يقولون يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصري، وكالروح في بدني. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه، وأقام علي عليه السلام بالمدينة، فكان كلما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين، فزعوا من علي وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك، وجعلوا يقولون فيما بينهم: هي كرة محمد التي لا يؤوب (3) منها.


1) تقدم في ص 380 مع بيان، فراجع. 2) ” ببيته ” ص، ق، والبحار، بيت – بالياء المشددة – العدو: هجم ليلا. 3) أي لا يرجع. (*)

[ 486 ]

فلما صار بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين ” اكيدر ” مرحلة قال: تلك العشية: يا زبير بن العوام، يا سماك بن خرشة (1) امضيا في عشرين (2) من المسلمين إلى باب قصر ” اكيدر ” فخذاه، وأتياني به. فقال الزبير: يا رسول الله وكيف نأتيك به ومعه من الجيوش الذي قد علمت، ومعه في قصره سوى حشمه ألف ومائتان عبد وأمة وخادم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تحتالان عليه فتأخذانه، قال: يا رسول الله وكيف [ نأخذه ] وهذه ليلة قمراء، وطريقنا أرض ملساء، ونحن في الصحراء لا نخفى ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتحبان أن يستركما الله عن عيونهم، ولا يجعل لكما ظلا إذا سرتما، ويجعل لكما نورا كنور القمر لا تتبينان منه ؟ قالا: بلى. قال: عليكما بالصلاة على محمد وآله الطيبين معتقدين أن أفضل آله علي بن أبي طالب عليه اسلام، وتعتقد أنت يا زبير خاصة أنه لا يكون علي في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم، ليس لاحد أن يتقدمه، فأذا أنتما فعلتما ذلك وبلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط قصره فأن الله تعالى سيبعث الغزلان، والاوعال (3) إلى بابه فتحتك (4) قرونها به فيقول: من لمحمد في مثل هذا ؟ ويركب فرسه لينزل فيصطاد. فتقول امرأته: إياك والخروج فان محمدا قد أناخ بفنائك ولست تأمن أن يكون قد احتال، ودس عليك من يقع بك. فيقول لها: إليك عني، فلو كان أحد انفصل


1) هو سماك بن خرشة بن لوذان بن عبدود الساعدي، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة عرف واشتهر بأبى دجانة الانصاري. ” سماك بن حارث ” أ. وهو تصحيف. انظر سير أعلام النبلاء: 1 / 243 رقم 39، واسد الغابة: 2 / 352 وج 5 / 184. 2) أقول: لم يصرح بذكر أسمائهم، والظاهر أن خالد بن الوليد أحدهم كما ترى ذلك في كتب التاريخ. 3) جمع وعل: وهو تيس الجبل. 4) ” فتحك ” ص، والبحار. (*)

[ 487 ]

عنه في هذه الليلة، ليلقاه – في هذا القمر – عيون أصحابنا في الطريق، وهذه الدنيا بيضاء لا أحد فيها، ولو كان في ظل قصرنا هذا إنسى لنفرت منه الوحوش. فينزل ليصطاد الغزلان والاوعال [ فتهرب ] (1) من بين يديه ويتبعها، فتحيطان به وأصحابكما، فتأخذانه. فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذوه، فقال: لي إليكم حاجة. قالوا: وما هي ؟ فانا نقضيها إلا أن تسألنا أن نخليك. فقال: تنزعون عني ثوبي هذا، وسيفي [ هذا ] ومنطقتي وتحملونها إليه، وتحملونني إليه في قميصي لئلا يراني في هذا الزي، بل يراني في زي التواضع فلعله يرحمني. ففعلوا ذلك، فجعل المسلمون والاعراب يلبسون ذلك الثوب – وهو في القمر – فيقولون: هذا من حلل الجنة، وهذا من حلي الجنة يا رسول الله ؟ قال: لا، ولكنه ثوب اكيدر وسيفه ومنطقته، ولمنديل ابن عمتي الزبير وسماك في الجنة أفضل من هذا إن (2) استقاما على ما أمضيا من عهدي إلى أن يلقياني (3) عند حوضي في المحشر. قالوا: وذلك أفضل من هذا ؟ قال صلى الله عليه وآله: بل خيط من منديل مائدتهما في الجنة أفضل من مل ء الارض إلى السماء مثل هذا الذهب. فلما اتي به رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا محمد أقلني وخلني على أن أدفع عنك من ورائي من أعدائك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: فان لم تف بذلك ؟ قال: يا محمد إن لم أف بذلك، فان كنت رسول الله فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن تقع على الارض حتى أخذوني، ومن ساق الغزلان إلى بابي حتى استخرجني من قصري وأوقعني في أيدي أصحابك، وإن كنت غير نبي فان دولتك


1) من البحار. 2) أمعن النظر في الشرط، وتدبر معناه… وفى الكامل لابن الاثير: 2 / 281 بلفظ ” لمناديل سعد بن معاذ (عبادة خ) أحسن من هذا ” انتهى. 3) ” يلتقيان ” أ. (*)

[ 488 ]

التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها. قال: فصالحه رسول الله صلى الله عليه وآله على ألف اوقية [ من ] ذهب في رجب ومائتي حلة وألف اوقية في صفر ومائتي حلة، وعلى أنهم يضيفون من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام ويزودونه إلى المرحلة التي تليها، على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برأت منهم ذمة الله، وذمة محمد رسول الله، ثم كر رسول الله صلى الله عليه وآله راجعا. وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: فهذا العجل في زمان النبي هو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله: ” الفاسق ” وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله غانما ظافرا، وأبطل [ الله تعالى ] كيد المنافقين، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله باحراق مسجد الضرار، وأنزل الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) (1) الآيات. وقال موسى بن جعفر عليهما السلام: فهذا العجل – في حياته صلى الله عليه وآله – دمر الله عليه وأصابه بقولنج [ وبرص ] وجذام وفالج ولقوة، وبقي أربعين صباحا في أشد عذاب، ثم صار إلى عذاب الله تعالى (2). (3). قوله عزوجل: ” ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم: ” 105. 310 – قال الامام عليه السلام: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام: إن الله تعالى ذم اليهود [ والنصارى ] والمشركين والنواصب فقال: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) اليهود والنصارى (ولا المشركين)


1) التوبة: 107، وفى ” أ “: الاية بدل ” الايات “. 2) ” نار جحيم ” ق. 3) عنه البحار: 21 / 257 ح 7، ومقاطع منه في البرهان: 1 / 161 ح 2، واثبات الهداة: 2 / 162 ح 611. (*)

[ 489 ]

ولا من المشركين الذين هم نواصب يغتاظون لذكر الله وذكر محمد وفضائل علي عليه السلام وإبانته عن شريف [ فضله و ] (1) محله (أن ينزل عليكم) [ لا يودون أن ينزل عليكم ] (من خير من ربكم) من الآيات الزائدات في شرف محمد وعلي وآلهما الطيبين عليهم السلام ولا يودون أن ينزل دليل معجز (2) من السماء يبين عن محمد وعلي وآلهما. فهم لاجل ذلك يمنعون أهل دينهم من أن يحاجوك مخافة أن تبهرهم حجتك وتفحمهم معجزتك، فيؤمن بك عوامهم، ويضطربون على رؤسائهم. فلذلك يصدون من يريد لقاءك يا محمد، ليعرف أمرك بأنه لطيف خلاق (3) سار اللسان، لا تراه ولا يراك خير لك وأسلم لدينك ودنياك. فهم بمثل هذا يصدون العوام عنك. ثم قال الله تعالى: (والله يختص برحمته) وتوفيقه لدين الاسلام وموالاة محمد وعلي عليهما السلام (من يشاء والله ذو الفضل العظيم) على من يوفقه لدينه ويهديه لموالاتك وموالاة أخيك علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: فلما قرعهم (4) بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله حضره منهم جماعة فعاندوه وقالوا: يا محمد إنك تدعي على قلوبنا خلاف ما فيها ما نكره أن تنزل عليك حجة تلزم الانقياد لها فننقاد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لئن عاندتم هاهنا محمدا، فستعاندون رب العالمين إذ أنطق صحائفكم بأعمالكم، وتقولون: ظلمتنا الحفظة، فكتبوا علينا ما لم نفعل (5) فعند ذلك يستشهد جوارحكم فتشهد عليكم. فقالوا: لا تبعد شاهدك، فانه فعل الكذابين، بيننا وبين القيامة بعد، أرنا في


1) من البحار والبرهان. 2) ” معجزاتهم ” ب، س، ص، ط. 3) تخلق – بتشديد اللام -: تكلف ما ليس من خلقه. 4) أي عنقهم. 5) ” نجن ” أ. ” نخبر ” ص. ” نجترمه ” البحار. جنى جناية: ارتكب ذنبا. (*)

[ 490 ]

أنفسنا ما تدعي لنعلم صدقك، ولن تفعله لانك من الكذابين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: استشهد جوارحهم. فاستشهدها علي عليه السلام، فشهدت كلها عليهم أنهم لا يودون أن ينزل على امة محمد على لسان محمد خير من عند ربكم آية بينة، وحجة معجزة لنبوته، وإمامة أخيه علي عليه السلام مخافة أن تبهرهم حجته، ويؤمن به عوامهم، ويضطرب عليهم كثير منهم. فقالوا: يا محمد لسنا نسمع هذه الشهادة التي تدعي أن جوارحنا تشهد بها. فقال: يا علي هؤلاء من الذين قال الله تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) (1). ادع عليهم بالهلاك. فدعا عليهم علي عليه السلام بالهلاك، فكل جارحة نطقت بالشهادة على صاحبها انفتت (2) حتى مات مكانه. فقال قوم آخرون حضروا من اليهود: ما أقساك يا محمد قتلتهم أجمعين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كنت لالين على من اشتد عليه غضب الله تعالى أما إنهم لو سألوا الله تعالى بمحمد وعلي وآلهما الطيبين أن يمهلهم ويقيلهم لفعل بهم كما كان فعل بمن كان من قبل من عبدة العجل لما سألوا الله بمحمد وعلي وآلهما الطيبين، وقال الله لهم على لسان موسى: لو كان دعا بذلك على من قد قتل لاعفاه الله من القتل كرامة لمحمد وعلي وآلهما الطيبين عليهم السلام. (3)


1) يونس: 96 – 9 7. 2) ” انفتقت ” ق، والبحار، ومدينة المعاجز، فت الشئ: دقه. الفتيت: الشئ يسقط فيتقطع ويتفتت. 3) عنه البحار: 9 / 333، والبرهان: 1 / 139 ح 1، ومدينة المعاجز: 74 ح 186. (*)

[ 491 ]

قوله عزوجل: ” ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير. ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والارض ومالكم من دون الله من ولى ولا نصير “: 106 – 107 311 – قال الامام عليه السلام: قال محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام: (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها (أو ننسها) بأن نرفع رسمها، ونزيل عن القلوب حفظها وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالى (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) (1) أن ينسيك فرفع ذكره عن قلبك. (نأت بخير منها) يعني بخير لكم، فهذه (2) الثانية أعظم لثوابكم، وأجل لصلاحكم من الآية الاولى المنسوخة (أو مثلها) من الصلاح لكم، أي إنا لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم. ثم قال: يا محمد (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) فانه قدير يقدر على النسخ وغيره. (ألم تعلم – يا محمد – أن الله له ملك السماوات والارض) وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبركم بعلمه (وما لكم من دون الله من ولي) يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عزوجل دون غيره (ولا نصير) ومالكم [ من ] ناصر ينصركم من مكروه إن أراد [ الله ] (4) إنزاله بكم، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم. وقال محمد بن على (5) عليهما السلام: وربما (6) قدر عليه النسخ والتبديل (7) لمصالحكم


1) الاعلى: 6 – 7. 2) ” عملكم بهذه (فهذه) ” الاصل. وما في المتن من البحار. 3) ولى يلى ولاية: قام به وملك أمره. 4) من البحار. 5) زاد في البحار والبرهان: الباقر. 6) ” مما ” ص، ق، د، والبحار. 7) ” التنزيل ” أ، ق، البحار، والبرهان. (*)

[ 492 ]

ومنافعكم، لتؤمنوا بها، ويتوفر عليكم الثواب بالتصديق بها، فهو يفعل من ذلك ما فيه صلاحكم والخيرة لكم. ثم قال: (ألم تعلم – يا محمد – أن الله له ملك السماوات والارض) فهو يملكها بقدرته ويصرفها بحسب (1) مشيته لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم. ثم قال: (ومالكم) يا معشر اليهود والمكذبين بمحمد صلى الله عليه وآله والجاحدين بنسخ الشرائع (من دون الله) سوى الله (من ولي) يلي مصالحكم إن لم يل لكم (2) ربكم المصالح (ولا نصير) ينصركم من دون الله فيدفع عنكم عذابه. (3) 312 – قال عليه السلام: وذلك أن رسول الله لما كان بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن، وإذا لم يتمكن استقبل بيت المقدس كيف كان. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة. فلما كان بالمدينة، وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا (4)، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا، ويأخذ في صلاته بهدينا (5) ونسكنا. فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله لما اتصل به عنهم، وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عيه السلام: فاسأل ربك ان يحولك


1) ” تحت ” س، ص، ق، د، والبحار. 2) ” يدلكم ” البحار. 3) عنه البحار: 4 / 104 صدر ح 18، والبرهان: 1 / 140 ح 1. 4) زاد في بعض النسخ والاحتجاج والبحار والمستدرك: أو ستة عشر شهرا. قال المجلسي رحمه الله: ليس هذا في بعض النسخ، وعلى تقديره الترديد اما من الراوى، أو منه عليه السلام مشيرا إلى اختلاف العامة فيه. 5) هدى هديه: سار سيرته. (*)

[ 493 ]

إليها فانه لا يردك عن طلبتك، ولا يخيبك عن بغيتك. فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل عليه السلام ثم عاد (1) من ساعته فقال: اقرأ يا محمد: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (2) الايات. فقالت اليهود عند ذلك: (ما ولاهم عن قلبتهم التي كانوا عليها ؟) فأجابهم الله أحسن جواب فقال: (قل لله المشرق والمغرب) وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (3) وهو مصلحتهم (4)، وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم. [ قال أبو محمد عليه السلام: ] (5) وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أفحقا كان ماكنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل، فان ما يخالف الحق فهو باطل. أو باطلا كان ذلك ؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة، فما يؤمننا أن تكون [ إلى ] الآن على باطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل ذلك كان حقا، وهذا حق، يقول الله: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم (6). ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد تركتم العمل يوم السبت، ثم عملتم بعده من سائر الايام، ثم تركتموه في السبت، ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل


1) ” جاء ” أ، ط. 2) البقرة: 144. 3) البقرة: 142. 4) ” هو أعلم بمصلحتهم ” الاحتجاج. ” هو مصلحهم ” المستدرك. 5) من الاحتجاج والبحار المستدرك. 6) ” مصالحهم ” أ، ب، س، ط. (*)

[ 494 ]

أو الباطل إلى حق ؟ أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم. قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق، ثم قبلة الكعبة في وقته حق. فقالوا له: يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بدا له عن ذلك، فانه العالم بالعواقب، والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم، جل عن ذلك، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها اليهود أخبروني عن الله، أليس يمرض ثم يصح، ويصح ثم يمرض ؟ أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت أبدا له ؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار، والنهار في أثر الليل ؟ أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ فقالوا: لا. قال: فكذلك الله تعالى تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن [ كان ] تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الاول. ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف، والصيف في أثر الشتاء ؟ أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك لم يبد له في القبلة. قال، ثم قال: أليس قد ألزمكم في الشتاء أو تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة ؟ وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ أفبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ماكان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلكم الله تعالى تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر، فإذا أطعتم الله في الحالين


[ 495 ]

استحققتم ثوابه. وأنزل الله: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (1). أي إذا توجهتم بأمره، فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله أنتم كالمريض (2) والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ألا فسلموا لله أمره تكونوا (3) من الفائزين. فقيل: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم أمر بالقبلة الاولى ؟ فقال: لما قال الله عزوجل: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها – وهي بيت المقدس – إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) (4) إلا لنعلم ذلك [ منه ] موجودا (5) بعد أن علمناه سيوجد. وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التى كرهها، ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه. ثم قال: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) أي كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة (6) إلا على من يهدي الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة (7) هواه. (8)


1) البقرة 115. 2) من خ ل، ” كالمرضى ” الاصل والبحار. وكذا بعدها. 3) ” وكونوا ” أ، ب، ط. 4) البقرة: 143. 5) ” وجودا ” ق، د، والبحار: 4، والمستدرك. 6) ” كبيرا ” ب، س، ص، ط. 7) ” مخالفته ” ص، والمستدرك. 8) عنه البحار: 4. 104 ح 18، والبرهان: 1 / 158 ح 3، ووراه في الاحتجاج: 1 / 43 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام، عنه البحار: 84 / 59 ح 12، واثبات الهداة: 2 / 18 ح 310 قطعة، ومستدرك الوسائل: 1 / 197 ح 8 و 9. (*)

[ 496 ]

قوله عزوجل: ” أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل “: 108. 313 – قال الامام عليه السلام: قال علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام: (أم تريدون) بل تريدون يا كفار قريش واليهود (أن تسئلوا رسولكم) ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم أو فسادكم (كما سئل موسى من قبل) واقترح عليه لما قيل له (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) (1). (ومن يتبدل الكفر بالايمان) بعد جواب الرسول له إن ما سأله لا يصلح إقتراحه على الله (2) وبعدما يظهر الله تعالى له ما اقترح إن كان صوابا. ” ومن يتبدل الكفر بالايمان ” بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات أو لا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح، وأنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالى من الدلالات، وأوضحه من الآيات البينات، فيتبدل الكفر بالايمان بان يعاند ولا يلتزم الحجة القائمة عليه (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ قصد الطرق المؤدية إلى الجنان، وأخذ في الطرق المؤدية إلى النيران. قال عليه السلام: قال تعالى [ لليهود ]: يا أيها اليهود (أم تريدون) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أن تسئلوا رسولكم). وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه (3) ويسألوه عن أشياء يريدون أن يتعانتوه بها، فبيناهم كذلك إذ جاء أعرابي كأنما يدفع في قفاه، قد علق على عصا – على عاتقه – جرابا مشدود الرأس، فيه شئ قد ملاه لا يدرون ما هو فقال: يا محمد أجبني عما أسألك.


1) البقرة: 55. 2) ” الانبياء ” البحار: 9. وفى ” ب، س، ص “: أو بدل ” و ” 3) فلان يتعنت فلانا ويعنته: بشدد عليه، ويلزمه بما يصعب عليه اداؤه. (*)

[ 497 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخا العرب قد سبقك اليهود [ ليسألوا ] أفتأذن لهم حتى أبدأ بهم ؟ فقال الاعرابي: لا، فاني غريب مجتاز. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأنت إذا أحق منهم لغربتك واجتيازك. فقال الاعرابي: ولفظة اخرى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ماهي ؟ قال: إن هؤلاء أهل كتاب (1)، يدعونه ويزعمونه حقا، ولست آمن أن تقول شيئا يواطؤنك عليه ويصدقونك، ليفتنوا الناس عن دينهم، وأنا لا أقنع بمثل هذا، لا أقنع إلا بأمر بين (2). [ في أن عليا عليه السلام باب مدينة الحكمة: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أين علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فدعي بعلي: فجاء حتى قرب من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال الاعرابي: يا محمد وما تصنع بهذا في محاورتي إياك ؟ قال: يا أعرابي سألت البيان، وهذا البيان الشافي، وصاحب العلم الكافي، أنا مدينة الحكمة وهذا بابها، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب. (3) [ في شباهته عليه السلام بالانبياء عليهم السلام: ] فلما مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله بأعلى صوته: يا عباد الله من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته، وإلى شيث في حكمته، وإلى


1) ” لهؤلاء كتابا ” ب، ص، ط، ق. 2) ” مبين ” أ. 3) هذا الحديث هو مما روته الخاصة والعامة (مستقلا أو ضمن حديث) بأسانيد عديدة استقصينا أكثرها عند تحقيقنا كتاب ” مائة منقبة ” المنقبة: 18. انظر كذلك احقاق الحق: 5 / 502، وج 16 / 298. (*)

[ 498 ]

إدريس في نباهته ومهابته، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته، وإلى إبراهيم في خلته ووفائه، وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته، وإلى عيسى في حب كل مؤمن وحسن معاشرته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب هذا. (1) فأما المؤمنون فازدادوا بذلك إيمانا، وأما المنافقون فازداد نفاقهم. فقال الاعرابي: يا محمد هكذا (2) مدحك لابن عمك. إن شرفه شرفك، وعزه عزك، ولست أقبل من هذا شيئا إلا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا ولا فسادا بشهادة هذا الضب !. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أخا العرب فأخرجه، من جرابك لتستشهده، فيشهد لي بالنبوة، ولاخي هذا بالفضيلة. فقال الاعرابي: لقد تعبت في اصطياده، وأنا خائف أن يطفر (3) ويهرب. فقال رسول الله: لا تخف فانه لا يطفر [ ولا يهرب ] بل يقف، ويشهد لنا بتصديقنا وتفضيلنا، فقال الاعرابي: [ إني ] أخاف أن يطفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا، واحتجاجا علينا، ولن يطفر، ولكنه سيشهد لنا بشهادة الحق، فإذا فعل ذلك فخل سبيله، فان محمدا يعوضك عنه ما هو خير لك منه. فأخرجه الاعرابي من الجراب، ووضعه على الارض، فوقف واستقبل رسول


1) وهذا أيضا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة وأسانيد شتى، رواه الصدوق في أماليه: 524 ح 11، وفى كمال الدين: 1 / 25، والمفيد في أماليه: 7 والطوسي في أماليه: 266، بأسانيدهم من عدة طرق، ولزيادة الاطلاع انظر البحار: 39 / 35 – 87 باب 73، واحقاق الحق: 4 / 392 – 406، وج 5 / 4 – 6، وج 15 / 610 – 622. 2) ” هذا ” خ ل. 3) طفر: وثب في ارتفاع، ” يظفر ” س، والبرهان ق، د، وكذا ما يأتي. (*)

[ 499 ]

الله صلى الله عليه وآله، ومرغ خديه في التراب ثم رفع رأسه، وأنطقه الله تعالى فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه و (1) سيد المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، وخاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين. وأشهد أن أخاك هذا علي بن أبي طالب على الوصف الذي وصفته، وبالفضل الذي ذكرته، وأن أولياءه في الجنان يكرمون، وأن أعداه في النار يهانون (2). فقال الاعرابي وهو يبكى: يا رسول الله وأنا أشهد بما شهد به هذا الضب، فقد رأيت وشاهدت وسمعت ما ليس لي عنه معدل ولا محيص. ثم أقبل الاعرابي إلى اليهود فقال: ويلكم أي آية بعد هذه تريدون ؟ ومعجزة بعد هذه تقترحون ؟ ليس إلا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين. فآمن أولئك اليهود كلهم وقالوا: عظمت بركة ضبك علينا يا أخا العرب. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خل الضب على أن يعوضك الله عزوجل [ عنه ما هو خير ] منه، فانه ضب مؤمن بالله وبرسوله وبأخي رسوله شاهد بالحق، ما ينبغي أن يكون مصيدا ولا أسيرا، ولكنه يكون مخلى سربه (3) [ تكون له مزية ] على سائر الضباب بما فضله الله أميرا. فناداه الضب: يا رسول الله فخلني وولني تعويضه لا عوضه. فقال الاعرابي: وما عساك تعوضني ؟ قال: تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية، وثلاثمائة ألف درهم، فخذها. قال الاعرابي: كيف أصنع ؟ قد سمع هذا – من هذا الضب – جماعات الحاضرين هاهنا، وأنا متعب، فلن آمن ممن (4) هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه. فقال الضب: يا أخا العرب إن الله تعالى قد جعله لك عوضا مني، فما كان ليترك


1) زاد في الاصل: ” أن ذلك العبد الرسول “. 2) ” خالدون ” ص، ق، البحار، والبرهان. 3) أي غير مضيق عليه. 4) ” فان من ” س، ص، البحار، والبرهان. (*)

[ 500 ]

أحدا يسبقك إليه، ولا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله. وكان الاعرابي تعبا، فمشى قليلا، وسبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا، فخرجت عليهم أفعى عظيمة، فلسعتهم وقتلتهم، ووقفت حتى حضر الاعرابي. فقالت له (1): يا أخا العرب، انظر إلى هؤلاء كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك – الذي هو عوض ضبك – وجعلني حافظته (2) فتناوله. فاستخرج الاعرابي الدراهم والدنانير، فلم يطق احتمالها، فنادته الافعى: خذ (3) الحبل الذي في وسطك، وشده بالكيسين، ثم شد الحبل في ذنبي فاني سأجره لك إلى منزلك، وأنا فيه حارسك (4) وحارس مالك هذا. فجاءت الافعى، فما زالت تحرسه والمال إلى أن فرقه الاعرابي في ضياع وعقار وبساتين اشتراها، ثم انصرفت الافعى. (5) [ احتجاجاته صلى الله عليه وآله على المشركين والزامهم: ] 314 – قال الحسن بن على عليهما السلام: فقلت لابي علي بن محمد (6) عليهما السلام: فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يناظرهم (7) إذا عانتوه (8) ويحاجهم ؟ قال: بلى مرارا كثيرة منها: ما حكى الله من قولهم:


1) ” فنادته ” س، ص، ق، د البحار، والبرهان. 2) ” هو حائطا / حائطه / حافظه ” أ، ط، د، ق. 3) ” حل ” ق. حل العقدة: فكها. 4) ” خادمك ” ص، البحار، والبرهان. 5) عنه البحار: 9 / 183 ح 12 (قطعة) وج 17 / 418 ح 47، والبرهان: 1 / 141 ح 1 ومدينة المعاجز: 41 ح. 73. 6) ” قال الحسين… على بن أبى طالب ” ق. 7) ” يناظر اليهود والمشركين ” الاحتجاج، والبحار. 8) ” عاتبوه ” ب، س، ص، ق، د، الاحتجاج، والبحار. (*)

[ 501 ]

(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل إليه ملك) إلى قوله (رجلا مسحورا) (1). (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم). (2) (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا – إلى قوله – كتابا نقرؤه) (3) ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسى لنزلت (4) علينا الصاعقة في مسألتنا إليك (5)، لان مسألتنا أشد من مسألة قوم موسى لموسى. قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو البختري بن هشام وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي، وعبد الله بن أبي امية المخزومي، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير، ورسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل (6) أمر محمد، وعظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته (7) وتوبيخه، والاحتجاج عليه، وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه، ويصغر قدره عندهم، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فان انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. قال أبو جهل: فمن [ ذا ] (8) الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن أبي امية المخزومي: أنا إلى ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا (9)، ومجادلا كفيا ؟ قال أبو جهل: بلى.


1) الفرقان: 7 – 8. 2) الزخرف: 31. 3) الاسراء: 90 – 93. 4) ” أنزلت علينا كسفا من السماء وأنزلت ” الاحتجاج. ” أنزلت ” ق، د. 5 ” اياك ” أ، والبرهان. 6) أي قوى واشتد. 7) أي تعنيفه وتقريعه. 8) الاحتجاج. 9) أي كفؤا له حسب. ” حسنا ” ب، س، د. (*)

[ 502 ]

فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبد الله بن أبي امية المخزومي فقال: يا محمد، لقد أدعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا (1)، زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له ! بشر (2) مثلنا، تأكل كما نأكل، وتمشي في الاسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم، وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور [ وبساتين ] وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم أجمعين، فهم عبيده، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا، لا بشرا مثلنا، ما أنت يا محمد إلا مسحورا، ولست بنبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل بقي من كلامك شئ ؟ قال: بلى، لو أراد الله أن يبعث رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا، وأحسنه حالا، فهلا نزل هذا القرآن – الذي تزعم أن الله أنزله عليك، وابتعثك به رسولا – على رجل من القريتين عظيم: إما الوليد بن المغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل بقي من كلامك شئ يا عبد الله ؟ قال: بلى، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه، فانها ذات حجارة وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون، فاننا إلى ذلك محتاجون، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتأكل منها وتطعمنا، فتفجر الانهار خلالها – خلال تلك النخيل والاعناب – تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فانك قلت لنا: (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم (3) ولعلنا نقول ذلك. ثم قال: ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون


1) ” هائما ” أ، ص، ط، هام في الامر بهيم: تحير فيه. 2) ” أنت ” ق 3) الطور: 44. مركوم: تراكم بعضه فوق بعض. (*)

[ 503 ]

أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه، وتغنيا به فلعلنا نطغى، فانك قلت لنا: (كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى) (1). ثم قال: أو ترقى في السماء – أي تصعد في السماء – ولن نؤمن لرقيك – لصعودك – حتى تنزل علينا كتابا نقرأه: من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فانه رسولي وصدقوه في مقاله فانه من عندي. ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك، بل لو رفعتنا إلى السماء، وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا: إنما سكرت (2) أبصارنا وسحرتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله أبقي شئ من كلامك ؟ قال: يا محمد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ؟ ما بقي شئ فقل ما بدا لك وافصح (3) عن نفسك إن كانت لك حجة، وأتنا بما سألناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم أنت السامع لكل صوت، والعالم بكل شئ تعلم ماقاله عبادك. فأنزل الله عليه: يا محمد (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق – إلى قوله – رجلا مسحورا) (4). ثم قال الله تعالى: (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (5). ثم قال الله: يا محمد (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا) (6). وأنزل عليه: يا محمد (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) (7) الآية.


1) العلق: 6 – 7. 2) أي حبست عن النظر وتحيرت. 3) أفصح عن الشئ: كشفه وبينه. 4) الفرقان: 7 – 8. 5) الاسراء: 48. 6) الفرقان: 10. 7) هود: 12. (*)

[ 504 ]

وأنزل عليه: يا محمد (وقالوا لولا انزل عليه ملك. ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر – إلى قوله – وللبسنا عليهم ما يلبسون) (1). فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون، وزعمت أنه لا يجوز لاجل هذه أن أكون لله رسولا، فانما الامر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو محمود، ليس لك ولا لاحد الاعتراض عليه بلم وكيف. ألا ترى أن الله تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا، وأعز بعضا، وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا، وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام. ثم ليس للفقراء أن يقولوا: لم أفقرتنا وأغنيتهم ؟ ولا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا وشرفتهم ؟ ولا للزمنى (2) والضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ؟ ولا للاذلاء أن يقولوا: لم أذللتنا وأعززتهم ؟ ولا لقبائح الصور أن يقولوا: لم قبحتنا وجملتهم ؟ بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين، وله في أحكامه منازعين، وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: [ إني ] أنا الملك، الخافض الرافع، المغني المفقر، المعز المذل، المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي، والانقياد لحكمي، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين، وإن أبيتم كنتم بي كافرين، وبعقوباتي من الهالكين. ثم أنزل الله تعالى عليه: يا محمد (قل إنما أنا بشر مثلكم) يعني آكل الطعام (يوحى إلي أنما الهكم إله واحد) (3) يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغناء والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكرواأن يخصني أيضا بالنبوة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: ” [ إن ] هذا ملك الروم، وملك الفرس


1) الانعام: 8 – 9. 2) واحدها زمن، وهو المصاب بعاهة أو مرض مزمن. 3) الكهف: 110. (*)

[ 505 ]

لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ” فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك، ولا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم، ويدعوهم إلى ربهم، ويكد نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ ؟ أو ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون ؟ يا عبد الله وإنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته، وأنه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته (1)، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، و (2) يستولي عليها المؤمنون من دونكم، ودون من يوافقكم على دينكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك لي: ” ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا ” فالملك لا تشاهده حواسكم، لانه من جنس هذا الهواء، لا عيان منه، ولو شاهدتموه – بأن يزاد في قوى أبصاركم – لقلتم: ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لانه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقاله، وتعرفوا به خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ؟ بل إنما بعث الله بشرا، وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله تعالى بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه


1) ” رسالاته ” خ ل، والاحتجاج. 2) ” ثم ” أ، ط. (*)

[ 506 ]

من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا. ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز، لان لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فالله عزوجل سهل عليكم الامر، وجعله بحيث تقوم عليكم حجته، وأنتم تقترحون عمل الصعب (1) الذي لا حجة فيه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: ” ما أنت إلا رجلا مسحورا ” فكيف أكون كذلك، وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم ؟ فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة (2) أو زلة أو كذبة أو خيانة 3) أو خطأ من القول، أو سفها من الرأي ؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته ؟ وذلك ما قال الله تعالى: (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (4) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم: الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف، فان الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر (5) له عنده كما [ له ] عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به، مخالفا له شربة ماء، وليس قسمة رحمة الله إليك، بل الله [ هو ] القاسم للرحمات، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا كما تخافه [ أنت ] لماله وحاله، فتعرفه بالنبوة لذلك، ولا


1) ” الضعيف ” ب، س، ط. 2) ” خزية ” ب، س، ط، ق، د، الاحتجاج، والبحار. الجريرة: الذنب والجناية. 3) ” جناية ” أ، والبحار. ” خناء ” ب، س، ص، ق، د، الخنا: الفحش في الكلام. جنى جناية: ارتكب ذنبا. 4) الفرقان: 9. 5) أي قدر. (*)

[ 507 ]

ممن يطمع في أحد في ماله [ أو في حاله ] كما تطمع، فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب، فتقدم من لا يستحق التقديم. وإنما معاملته بالعدل، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الافضل في طاعته والاجد في خدمته (1) وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لاحد من عباده عليه ضربة لازب (2). فلا يقال: إذا تفضل بالمال على عبده فلابد [ من ] أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا لانه ليس لاحد إكراهه، على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا، لانه تفضل قبله بنعمه. ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته ؟ وكيف حسن صورة واحد وأفقره ؟ وكيف شرف واحدا وأفقره ؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول: وهلا اضيف إلى يساري جمال فلان ؟ ولا للجميل أن يقول: هلا اضيف إلى جمالي مال فلان ؟ ولا للشريف أن يقول: هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ؟ ولا للوضيع أن يقول: ” هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان ؟ ولكن الحكم لله، يقسم كيف يشاء ويفعل كما (3) يشاء، وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله وذلك قوله تعالى: (وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (4). قال الله تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك – يا محمد ؟ – نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) (5) فأحوجنا بعضا إلى بعض، أحوجنا: هذا إلى مال ذلك


1) ” محبته ” ص، ق. 2) يقال ” صار الامر ضربة لازب ” أي صار لازما ثابتا. ” وفى ” أ، ق “: لازمة بدل ” لازب ” ” ضريبة ” ب، ق، ص، ط، الاحتجاج والبحار بدل ” ضربة “. قال المجلسي (ره): الضريبة ما يؤدى العبد إلى سيده من الخراج المقدر عليه. 3) ” ما ” ب، ط. 4) الزخرف: 31. 5) الزخرف: 32. (*)

[ 508 ]

وأحوج ذاك إلى سلعة هذا، [ وهذا ] إلى خدمته، فترى أجل الملوك وأغنى الاغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني [ إلا ] (1) به، وإما باب من العلوم والحكم، فهو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثم ليس للفقير أن يقول: هلا: اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم (2) مال هذا الملك الغني ؟ ولا للملك أن يقول هلا اجتمع إلى ملكي علم هذا الفقير. ثم قال: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا). ثم قال: يا محمد (3) (ورحمت ربك خير مما يجمعون) (4) يجمع هؤلاء من أموال الدنيا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: ” لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا ” إلى آخر ما قلته، فانك اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين، ويحتج عليهم بما لا حجة فيه. ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك، وإنما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها، لا ليهلكوا بها، فانما اقترحت هلاكك، ورب العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون. ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه، ورسول [ الله ] رب العالمين يعرفك ذلك، ويقطع معاذيرك، ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه (5) محيد ولا محيص.


1) من البحار والاحتجاج. 2) ” الحكمة ” الاحتجاج. 3) زاد في الاحتجاج والبحار: قل لهم. 4) الزخزف: 32. 5) ” عند ذلك ” البحار. والمحيد والمحيص: المهرب. (*)

[ 509 ]

ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد، لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عقاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه. وأما قولك يا عبد الله: ” لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة فأنها ذات حجارة وصخور وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون ” فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله تعالى. يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا، كنت من أجل هذا نبيا ؟ (1) أرأيت الطائف التى لك فيها بساتين ؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها (2) ؟ قال: بلى. قال: وهل لك في هذا نظراء ؟ قال: بلى. أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو إلا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس. واما قولك يا عبد الله: ” أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الانهار خلالها تفجيرا ” أو ليس لاصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفجرون الانهار خلالها تفجيرا ؟ أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال: لا. قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء، لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه، لانه حينئذ يحتح بما لا حجة فيه، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا.


1) زاد في الاحتجاج والبحار: قال: لا، قال (رسول الله). 2) استنبط البئر: استخرج ماءها. (*)

[ 510 ]

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبد الله واما قولك: ” أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فأنك قلت: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ” فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم. فانما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك، ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده. لان العباد جهال بما يجوز من الصلاح، وبما لا يجوز منه، وبالفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه. [ إذ لو كانت إقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الارض إلى السماء، وتقع السماء عليها، وكان ذلك يتضاد، ويتنافى أو يستحيل وقوعه ] والله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال. ثم قال الله رسول الله صلى الله عليه وآله: وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم، وانما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه، أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى والله طبيبكم، فان انقدتم لدوائه شفاكم، وإن تمردتم عليه أسقمكم، وبعد، فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق قبل (1) رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم – فيما مضى – بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ؟ إذن ما كان يثبت لاحد على أحد دعوى ولا حق، ولا كان بين ظالم من مظلوم ولا صادق من كاذب فرق. ثم قال: يا عبد الله واما قولك: ” أو تأتى بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ” فان هذا من المحال الذي لا خفاء به، إن ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب، ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني


1) ” من قبل ” الاحتجاج، والبحار. (*)

[ 511 ]

عنكم شيئا ولا عن أحد. يا عبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها ؟ قال: بلى. قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال: بسفرائي. قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك (1) وخدمك لسفرائك: لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبدالله بن أبي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها. كنت تسوغهم هذا، أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال: لا. قال: فما الذي يجب على سفرائك ؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم، فيجب عليهم أن يصدقوهم ؟ قال: بلى. قال: يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا، عاد إليك وقال: قم معي فانهم قد اقترحوا علي مجيئك، أليس يكون [ هذا ] لك مخالفا، وتقول له: إنما أنت رسولا لا مشير ولا آمر ؟ قال: بلى. قال: فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لاكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم (2) إلى ربه، بأن يأمر عليه وينهى، وأنت لا تسوغ مثل هذا لرسولك إلى أكرتك وقوامك ؟ هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله. واما قولك يا عبد الله: ” أو يكون لك بيت من زخرف ” وهو الذهب، أما بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف ؟ قال: بلى. قال: أفصار بذلك نبيا ؟ قال: لا. قال: فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد – لو كان له – نبوة، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.


1) أي الزراع والحراث. 2) ” يستقدم ” أ، ط. ” يتقدم ” خ ل. استذم إلى فلان: فعل ما يذمه عليه. (*)

[ 512 ]

واما قولك يا عبد الله: ” أو ترقى في السماء “. ثم قلت: ” ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ” يا عبد الله ! الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت على نفسك بأنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول. ثم قلت: ” حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، ومن بعد ذلك لا أدري اومن بك أولا اؤمن بك ” فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلا تأديبه [ لك ] على يد أوليائه من البشر، أو ملائكته: الزبانية، وقد أنزل الله تعالى علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته. فقال تعالى: (قل – يا محمد – سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) (1) ما أبعد ربي عن أن يفعل الاشياء على [ قدر ] ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز وهل كنت إلا بشرا رسولا، لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا اشير، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه. فقال أبو جهل: يا محمد هاهنا واحدة، ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة ؟ [ قال: بلى. قال: ] (2) فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى عليه السلام لانهم بزعمك قالوا: ” أرنا الله جهرة ” ونحن قلنا: ” لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم “. [ قصة رؤية ابراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والارض: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جهل أوما علمت قصة إبراهيم الخليل عليه السلام لما رفع في الملكوت، وذلك قول ربي:


1) الاسراء: 93. 2) من الاحتجاج والبحار. (*)

[ 513 ]

(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين) (1) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك، فهلكا، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما، فأوحى الله تعالى إليه: يا إبراهيم اكفف دعوتك من عبادي وإمائي، فاني أنا الغفور الرحيم الحنان الحليم، لا تضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم (2) لشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي، فانما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة (3)، ولا مهيمن علي، ولا على عبادي وعبادي، معي بين خلال (4) ثلاث: إما تابوا إلى فتبت عليهم، وغفرت ذنوبهم، وسترت عيوبهم. وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين، وأتأنى بالامهات الكافرات، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فإذا تزايلوا (5) حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي. وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي. يا إبراهيم فخل بيني بين عبادي، فاني أرحم بهم منك، وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم، ادبرهم بعلمي، وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى – يا أبا جهل – إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة: عكرمة ابنك، وسيلي من امور المسلمين ما إن (6) أطاع الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا، وإلا فالعذاب نازل عليك.


1) الانعام: 75. 2) ساس – يسوس سياسة – القوم: دبرهم وتولى أمرهم. 3) ” الملك ” الاحتجاج. 4) ” حال ” ق، د. 5) أي تفارقوا. 6) تدبر معنى ان الشرطية وجوابها. (*)

[ 514 ]

وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوه هذا إنما امهلوا لان الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد، وينال به السعادة، فهو تعالى لا يقطعه عن تلك السعادة، [ ولا يبخل بها عليه (1)، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لايصال ابنه إلى السعادة ]، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر نحو السماء. فنظر فإذا أبوابها مفتحة، وإذا النيران نازلة منها مسامتة (2) لرؤوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم، فارتعدت فرائص (3) أبي جهل والجماعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تروعنكم فان الله لا يهلككم بها، وإنما أظهرها عبرة. ثم نظروا، وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت (4) منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بعض هذه الانوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم مؤمنون (5). قوله عزوجل: ” ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ان الله على كل شئ قدير “: 109


1) ” ينحل بها عليه اثم ” أ، ص. 2) أي محاذية. 3) جمع فريصة وهى اللحمة بين الجنب والكتف، أو بين الثدى والكتف ترعد عند الفزع يقال: ارتعد فريصته: أي فزع فزعا شديدا. 4) ” كانت (ثم) جاءت ” الاصل. 5) عنه البرهان: 2 / 496 ح 1 قطعة، وج 4 / 140 ح 3 قطعة، وعنه في البحار: 9 / 269 ح 2 وعن الاحتجاج: 1 / 26 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام، وأخرج قطعة منه في البحار: 59 / 171 ح 1، واثبات الهداة: 2 / 10 ح 307 عن الاحتجاج. (*)

[ 515 ]

315 – قال الامام الحسن بن علي أبو القائم عليهما السلام: في قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا) بما يوردونه (1) عليكم من الشبه (2) (حسدا من عند أنفسهم) لكم بأن أكرمكم بمحمد وعلي وآلهما الطيبين الطاهرين (من بعد ما تبين لهم الحق) بالمعجزات الدالات على صدق محمد وفضل علي وآلهما الطيبين من بعده. (فاعفوا واصفحوا) عن جهلهم، وقابلوهم بحجج الله، وادفعوا بها أباطيلهم (حتى يأتي الله بأمره) (3) فيهم بالقتل يوم فتح مكة، فحينئذ تجلونهم من بلد مكة ومن جزيرة العرب، ولا تقرون بها كافرا. (إن الله على كل شئ قدير) ولقدرته على الاشياء قدر ما هو أصلح لكم في تعبده إياكم من مداراتهم ومقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن. (4) 316 – قال عليه السلام: وذلك أن المسلمين لما أصابهم يوم احد من المحن ما أصابهم لقي قوم من اليهود – بعده بأيام – عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فقالوا لهما: ألم تريا ما أصابكم يوم احد ؟ إنما يحرب (5) كأحد طلاب ملك الدنيا، حربه سجالا (6)، فتارة


1) ” يعدونه ” أ. 2) ” الشبهة ” ص، والبرهان. الشبهة: ما يلتبس فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام. ج شبه وشبهات. 3) انظر مطلع الخطاب للمؤمنين: ” يا أيها الذين آمنوا.. ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم.. – إلى أن قال – أم تريدون أن تسئلوا.. – فبعد ذلك كله يقول – فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره. ” البقرة: 104 – 109 فهو لا ينحصر بأمر واحد بل هو كلى: فمرة أتى أمره تعالى بالقتل يوم فتح مكة.، واخرى النبي صلى الله عليه وآله – الذى لا ينطق عن الهوى – باخراج أهل الكتاب من جزيرة العرب. فتدبر. 4) عنه البحار: 9 / 184 ح 13، وج 94 / 16 صدر ح 12، وج 100 / 67 ح 15، والبرهان: 1 / 142 ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 262. 5) أحرب الحرب: هيجها. 6) ” سحا ” ق، د وسحا: ضربا (*)

[ 516 ]

له وتارة عليه، فارجعوا عن دينه. فأما حذيفة فقال: لعنكم الله لا اقاعدكم ولا أسمع كلامكم أخاف على نفسي وديني وأفر بهما منكم. وقام عنهم يسعى. وأما عمار بن ياسر، فلم يقم عنهم ولكن قال لهم: معاشر اليهود إن محمدا وعد أصحابه الظفر يوم بدر إن صبروا فصبروا وظفروا، ووعدهم الظفر يوم احد أيضا إن صبروا، ففشلوا وخالفوا، فلذلك أصابهم ما أصابهم، ولو أنهم أطاعوا وصبروا ولم يخالفوا لما غلبوا (1). فقالت له اليهود: يا عمار وإذا أطعت أنت غلب محمد سادات قريش مع دقة ساقيك ؟ فقال عمار: نعم، والله الذي لا إله إلا هو باعثه بالحق نبيا، لقد وعدني محمد من الفضل والحكمة ما عرفنيه من نبوته، وفهمنيه من فضل أخيه ووصيه وصفيه وخير من يخلفه بعده، والتسليم لذريته الطيبين المنتجبين، وأمرني بالدعاء بهم عند شدائدي ومهماتي وحاجاتي، ووعدني أنه لا يأمرني بشئ فاعتقدت فيه طاعته إلا بلغته حتى لو أمرني بحط السماء إلى الارض، أو رفع الارضين إلى السماوات لقوى عليه ربي بدني بساقي هاتين الدقيقتين. فقالت اليهود: كلا والله يا عمار، محمد أقل عند الله من ذلك، وأنت أوضع عند الله وعند محمد من ذلك، (لا ولا حجرا فيها أربعون منا) (2). فقام عمار عنهم وقال: لقد أبلغتكم حجة ربي ونصحت لكم، ولكنكم للنصيحة كارهون، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله: يا عمار قد وصل إلي خبركما، أما حذيفة فانه فر بدينه من الشيطان وأوليائه


1) زاد في بعض النسخ: بل غلبوا. 2) ” وكان فيها أربعون منافقا ” البحار. والمراد أنه لا قدرة لك يا عمار حتى على رفع حجر كان وزنه أربعين شخصا منا. (*)

[ 517 ]

فهو من عباد الله الصالحين. وأما أنت يا عمار فانك [ قد ] ناضلت (1) عن دين الله، ونصحت لمحمد رسول الله، فأنت من المجاهدين في سبيل الله، الفاضلين. فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وعمار يتحادثان إذ حضرت اليهود الذين كانوا كلموه فقالوا: يا محمد هاه (2) صاحبك يزعم أنك إن أمرته برفع الارض إلى السماء أو حط السماء إلى الارض، فاعتقد طاعتك وعزم على الائتمار لك، لاعانه الله عليه، ونحن نقتصر منك ومنه على ما هو دون ذلك، إن كنت نبيا فقد قنعنا أن يحمل عمار – مع دقة ساقيه – هذا الحجر. وكان الحجر مطروحا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله بظاهر المدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحركوه فلا يمكنهم (3). فقالوا له: يا محمد إن رام احتماله لم يحركه، ولو حمل في ذلك على نفسه لانكسرت ساقاه، وتهدم جسمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تحتقروا ساقيه، فانهما أثقل في ميزان حسناته (4) من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس (5)، بل من الارض كلها وما عليها، وإن الله قد خفف بالصلاة على محمد وآله الطيبين ما هو أثقل من هذه الصخرة، خفف العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن كان لا يطيقه معهم العدد الكثير، والجم الغفير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار اعتقد طاعتي وقل: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين قوني ليسهل الله لك ما أمرك به كما سهل على كالب بن يوحنا (6) عبور البحر على متن


1) ” فاصلت ” أ. ” تأصلت ” ط، ق. ” فضلت ” خ ل. قول فصل: حق ليس بباطل. تأصل: صار ذا أصل. 2) ” ها ” ب، ق، د، والبحار. هه: تذكرة في حال، وتحذير في حال، فإذا مددتها وقلت ” هاه ” كانت وعيدا في حال، وحكاية لضحك الضاحك في حال. (لسان العرب 13 / 551). 3) ” فلم يقدروا ” ص، ق، د، والبحار. 4) ” حسابه ” ص. 5) هي أسماء جبال بمكة. 6) ” نوقنا ” ب، س. (*)

[ 518 ]

الماء وهو على فرسه يركض عليه لسؤاله الله بجاهنا أهل البيت. فقالها عمار، واعتقدها، فحمل الصخرة فوق رأسه، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق نبيا لهي أخف في يدي من خلالة أمسكها بها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلق بها في الهواء، فستبلغ بها قلة ذلك الجبل، – وأشار إلى جبل بعيد على قدر فرسخ – فرمى بها عمار، وتحلقت في الهواء حتى انحطت على ذروة ذلك الجبل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لليهود: أو رأيتم ؟ قالوا: بلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ يا عمار ] قم إلى ذروة الجبل فستجد هناك صخرة أضعاف ما كانت، فاحتملها وأعدها إلى حضرتي. فخطا عمار خطوة وطويت له الارض، ووضع قدمه في الخطوة الثانية على ذروة الجبل، وتناول الصخرة المتضاعفة وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالخطوة الثالثة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار: اضرب بها الارض ضربة شديدة. فتهاربت اليهود وخافوا، فضرب بها عمار على الارض، فتفتت حتى صارت كالهباء (2) المنثور وتلاشت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنوا أيها اليهود فقد شاهدتم آيات الله. فآمن بعضهم، وغلب الشقاء على بعضهم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدرون معاشر المسلمين ما مثل هذه الصخرة ؟ فقالوا: لا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا إن رجلا من شيعتنا تكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال الارض، و [ من ] الارض كلها والسماء بأضعاف كثيرة فما هو إلا أن يتوب، ويجدد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كان قد ضرب بذنوبه الارض أشد من ضرب عمار هذه الصخرة بالارض، وإن رجلا تكون له طاعات كالسماوات والارضين والجبال والبحار، فما هو إلا أن يكفر بولايتنا أهل البيت حتى يكون ضرب


1) الهباء: دقائق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الارض. (*)

[ 519 ]

بها الارض أشد من ضرب عمار لهذه الصخرة بالارض، وتتلاشى وتتفتت كتفتت هذه الصخرة، فيرد الآخرة ولا يجد حسنة، وذنوبه أضعاف الجبال والارض والسماء فيشدد حسابه ويدوم عذابه. قال: فلما رأى عمار بنفسه تلك القوة التي جلد بها على الارض تلك الصخرة فتفتت، أخذته أريحية (1) وقال: أفتأذن لي يا رسول الله أن اجالد هؤلاء اليهود فأقتلهم أجمعين بما اعطيته من هذه القوة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار إن الله تعالى يقول: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) بعذابه، ويأتي بفتح مكة وسائر ما وعد. (2) 317 – وكان المسلمون تضيق صدورهم مما يوسوس به إليهم اليهود والمنافقون من الشبه في الدين. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله. أو لا اعلمكم ما يزيل ضيق صدوركم إذا وسوس هؤلاء الاعداء إليكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ما أمر به رسول الله من كان معه في الشعب الذي كان ألجأته إليه قريش، فضاقت صدورهم واتسخت ثيابهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: انفخوا على ثيابكم، وامسحوها بأيديكم وهي على أبدانكم، وأنتم تصلون على محمد وآله الطيبين، فانها تنقي وتطهر وتبيض وتحسن وتزيل عنكم ضيق صدوركم. ففعلوا ذلك، فصارت ثيابهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله. فقالوا: عجبا يا رسول الله بصلاتنا عليك وعلى آلك، كيف طهرت ثيابنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن تطهير الصلاة على محمد وآله لقلوبكم (3) من الغل


1) ” الحمية ” ب، ط. الاريحية: الخفة والنشاط. والحمية: المروءة والنخوة. 2) عنه البحار: 22 / 335 ح 49، وج 94 / 16 ضمن ح 12. 3) ” قلوبهم ” ص. (*)

[ 520 ]

والضيق والدغل (1) ولابدانكم من الآثام أشد من تطهيرها لثيابكم. وإن غسلها للذنوب (2) من صحائفكم أحسن من غسلها للدرن عن ثيابكم. وإن تنويرها لكتب حسناتكم – بمضاعفة ما فيها – أحسن من تنويرها لثيابكم. (3) قوله عزوجل: ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ان الله بما تعملون بصير “: 110 318 – قال الامام عليه السلام: (أقيموا الصلاة) باتمام وضوئها وتكبيراتها وقيامها وقراءتها وركوعها وسجوها وحدودها. (وآتوا الزكاة) مستحقيها، لا تؤتوها كافرا ولا مناصبا (4). قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله “. (وما تقدموا لانفسكم من خير) من مال تنفقونه في طاعة الله، فان لم يكن لكم مال، فمن جاهكم تبذلونه لاخوانكم المؤمنين، تجرون به إليهم المنافع، وتدفعون به عنهم المضار. (تجدوه عند الله) ينفعكم الله تعالى بجاه محمد وعلي وآلهما يوم القيامة فيحط به سيئاتكم، ويضاعف به حسناتكم، ويرفع به درجاتكم فقال: ” تجدوه عند الله ” (إن الله بما تعلمون بصير) عالم ليس يخفى عليه شئ: ظاهر فعل، ولا باطن ضمير، فهو يجازيكم على حسب اعتقاداتكم ونياتكم، وليس هو كملوك الدنيا الذي يلتبس على بعضهم، فينسب فعل بعضهم إلى غير فاعله، وجناية بعضهم إلى غير جانيه


1) الدرن ” خ ل. تقدم بيانا. 2) ” للسيئات ” أ، ط. 3) عنه البحار: 94 / 19 ذ ح 12، واثبات الهداة: 2 / 163 ح 613 قطعة. 4) ” منافقا ” خ ل ” ولا منافقا ولا ناصبا ” الوسائل. (*)

[ 521 ]

فيقع ثوابه وعقابه – بجهله بما لبس عليه – بغير مستحقه (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول. وإن أعظم طهور الصلاة – التي لا يقبل الصلاة إلا به، ولا شئ من الطاعات مع فقده – موالاة محمد، وأنه سيد المرسلين، وموالاة علي، وأنه سيد الوصيين وموالاة أوليائهما، ومعاداة أعدائهما. [ ثواب الوضوء ] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن العبد إذا توضأ فغسل وجهه، تناثرت [ عنه ] ذنوب وجهه. وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه. وإذا مسح برأسه تناثرت عنه ذنوب رأسه. وإذا مسح رجليه – أو غسلها للتقية – تناثرت عنه ذنوب رجليه. وإن قال في أول وضوئه ” بسم الله الرحمن الرحيم ” طهرت أعضاؤه كلها من الذنوب. وإن قال في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة: ” سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، وأشهد أن عليا وليك وخليفتك بعد نبيك على خليقتك، وإن أولياءه وأوصياءه خلفاؤك ” تحاتت (2) عنه ذنوبه كلها كما يتحات ورق الشجر، وخلق الله بعدد كل قطرة من


1) عنه الوسائل: 6 / 154 ح 13 و 14 (قطعة)، والبحار: 7 / 269 ح 51 (قطعة) وج 74 / 309 صدر ح 63، وج 84 / 244 ح 34 قطعة، وج 96 / 68 ح 41 (قطعة) والبرهان: 1 / 142 ح 1، ومستدرك الوسائل: 2 / 411 باب 33 ح 3. 2) أي تساقطت: ” تجانبت ” ق، د. وكذا التى تلى. (*)

[ 522 ]

قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله ويكبره، ويصلي على محمد وآله الطيبين، وثواب ذلك لهذا المتوضئ، ثم يأمر الله بوضوئه أو غسله فيختم عليه بخاتم من خواتم رب العزة، ثم يرفع تحت العرش حيث لا تناله اللصوص، ولا يلحقه السوس (1) ولا يفسده الاعداء، حتى يرد عليه ويسلم إليه، أو في (2) ما هو أحوج، وأفقر ما يكون إليه، فيعطى بذلك في الجنة مالا يحصيه العادون ولا يعي عليه الحافظون، ويغفر الله له جميع ذنوبه حتى تكون صلاته نافلة (3). [ ثواب الصلاة: ] وإذا توجه إلى مصلاه ليصلي قال الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي أما ترون هذا عبدي كيف قد انقطع عن جميع الخلائق إلي، وأمل رحمتي وجودي ورأفتي ؟ اشهدكم أني أختصه برحمتي وكراماتي. فإذا رفع يديه وقال: ” الله أكبر ” وأثني على الله تعالى بعده قال الله لملائكته: أما ترون عبدي هذا كيف كبرني وعظمني ونزهني عن أن يكون لي شريك، أو شبيه أو نظير، ورفع يديه تبرؤا (4) عما يقوله أعدائي من الاشراك بي ؟ أشهدكم يا ملائكتي أني ساكبره واعظمه في دار جلالي، وانزهه في متنزهات دار كرامتي وابرئه من آثامه وذنوبه من عذاب جهنم ونيرانها. فإذا قال: (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين) فقرأ فاتحة الكتاب


1) هو دود يقع في الصوف والخشب والثياب ونحوها. والظاهر أن اللصوص، والسوس، والاعداء كناية عن الشياطين. 2) ” أوفر ” ص، والبحار. 3) عنه الوسائل: 1 / 279 ح 20 و 21، والبحار: 80 / 316 ح 7 وج 84 / 223 ح 8 قطعة، والبرهان: 1 / 142 ذ ح 1 قطعة، واثبات الهداة: 3 / 576 ح 67 قطعة، ومستدرك الوسائل: 1 / 41 ح 8. 4) ” وتبرأ ” المستدرك. (*)

[ 523 ]

وسورة، قال الله تعالى لملائكته: أما ترون عبدي هذا كيف تلذذ بقراءة كلامي ؟ اشهدكم [ يا ] ملائكتي لاقولن له يوم القيامة: إقرأ في جناني، وارق درجاتها (1) فلا يزال يقرأ ويرقى درجة بعدد كل حرف: درجة من ذهب، ودرجة من فضة، ودرجة من لؤلؤ، ودرجة من جوهر، ودرجة من زبرجد أخضر، ودرجة من زمرد أخضر، ودرجة من نور رب العالمين (2). فإذا ركع قال الله لملائكته: يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع لجلال عظمتي ؟ اشهدكم لاعظمنه في دار كبريائي، وجلالي. فإذا رفع راسه من الركوع، قال الله تعالى: أما ترونه يا ملائكتي كيف يقول: أترفع على (3) أعدائك كما أتواضع لاوليائك، وأنتصب لخدمتك ؟ اشهدكم يا ملائكتي لاجعلن جميل العاقبة (4) له ولاصيرنه إلى جناني. فإذا سجد قال الله [ تعالى لملائكته ]: يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع بعد ارتفاعه وقال: إني وإن كنت جليلا مكينا في دنياك، فأنا ذليل عند الحق إذا ظهر لي ؟ سوف أرفعه بالحق وأدفع (5) به الباطل. فإذا رفع رأسه من السجدة الاولى، قال الله تعالى: يا ملائكتي أما ترونه كيف قال: وإني وإن تواضعت لك فسوف أخلط الانتصاب في طاعتك بالذل بين يديك فإذا سجد ثانية قال الله عزوجل: يا ملائكتي أما ترون عبدي هذا كيف عاد إلى التواضع لي ؟ لاعيدن إليه رحمتي. فإذا رفع رأسه قائما، قال الله: يا ملائكتي لارفعنه بتواضعه كما ارتفع إلى صلاته. ثم لا يزال يقول الله لملائكته هكذا في كل ركعة.


1) ” درجاتي ” البحار، والمستدرك 2) ” العزة ” ب، ص، البحار، والمستدرك. 3) ” ارتفع عن ” ص، البحار والمستدرك. 4) ” خير العافية / العافية ” ب، س، ص، ق، د. 5) ” أدمغ ” أ، س، ق، د. (*)

[ 524 ]

حتى إذا قعد للتشهد الاول والتشهد الثاني، قال الله تعالى: يا ملائكتي قد قضى خدمتي وعبادتي، وقعد يثني علي، ويصلي على محمد نبيي، لاثنين عليه في ملكوت السماوات والارض، ولاصلين على روحه في الارواح. فإذا صلى على أمير المؤمنين عليه السلام في صلاته قال [ الله له ]: لاصلين عليك كما صليت عليه، ولاجعلنه شفيعك كما استشفعت به. فإذا سلم من صلاته سلم الله عليه وسلم عليه ملائكته. (1) [ ثواب اعطاء الزكاة: ] 320 – وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” وآتوا الزكاة ” من أموالكم المستحقين لها من الفقراء والضعفاء لا تبخسوهم ولا توكسوهم (2)، ولا تيمموا الخبيث (3) أن تعطوهم، فان من أعطى الزكاة من ماله طيبة بها نفسه، أعطاه الله بكل حبة منها قصرا في الجنة من ذهب وقصرا من فضة، وقصرا من لؤلؤ، وقصرا من زبرجد، وقصرا من زمرد، وقصرا من جوهر، وقصرا من نور رب العالمين. وأيما عبد التفت في صلاته، قال الله تعالى: يا عبدي إلى أين تقصد ؟ ومن تطلب ؟ أربا غيري تريد ؟ أو رقيبا سواي تطلب ؟ أو جوادا خلاي تبتغي ؟ أنا أكرم الاكرمين وأجود الاجودين، وأفضل المعطين، اثيبك ثوابا لا يحصى قدره، فأقبل علي، فاني عليك مقبل، وملائكتي عليك مقبلون. فان أقبل زال عنه إثم ماكان منه، وإن التفت بعد (4) أعاد الله [ له ] مقالته، فان أقبل


1) عنه البحار: 8 / 181 ح 38 (قطعة)، وج 82 / 221 ح 42، وج 85 / 286 ح 13 قطعة ومستدرك الوسائل: 1 / 180 ح 5. 2) وكس الشئ: نقصه. 3) زاد في ” ب، س، ط ” بالطيب. تيمم الامر: توخاه وتعمده. 4) ” ثانية ” البحار. (*)

[ 525 ]

زال عنه اثم ماكان منه، وإن التفت ثالثة أعاد الله له مقالته، فان أقبل على صلاته غفر [ الله ] له ما تقدم من ذنبه. وإن التفت رابعة أعرض الله عنه، وأعرضت الملائكة عنه، ويقول: وليتك يا عبدي ما توليت. وإن قصر في الزكاة قال الله تعالى: يا عبدي أتبخلني ؟ أم تتهمني ؟ أم تظن أني عاجز غير قادر على إثابتك ؟ سوف يرد عليك يوم تكون فيه أحوج المحتاجين إن أديتها كما أمرت، وسوف يرد عليك إن بخلت يوم تكون فيه أخسر الخاسرين. قال عليه السلام: فسمع ذلك المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عباد الله أطيعوا الله في أداء الصلوات المكتوبات، والزكوات المفروضات، وتقربوا بعد ذلك إلى الله بنوافل الطاعات، فان الله عزوجل يعظم به المثوبات، والذي بعثني بالحق نبيا إن عبدا من عباد الله ليقف يوم القيامة موقفا يخرج عليه من لهب النار أعظم من جميع جبال الدنيا، حتى ما يكون بينه وبينها حائل، بينا هو كذلك قد تحير إذ تطاير من الهواء رغيف أو حبة (1) قد واسى بها أخا مؤمنا على إضافته، فتنزل حواليه، فتصير كأعظم الجبال مستديرا حواليه، تصد عنه ذلك اللهب، فلا يصيبه من حرها ولا دخانها شئ، إلى أن يدخل الجنة. قيل: يا رسول الله وعلى هذا تنفع مواساته لاخيه المؤمن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إي والذي بعثني بالحق نبيا إنه لينفع بعض المواسين (2) بأعظم من هذا، وربما جاء يوم القيامة من تمثل له سيئاته [ وحسناته ] وإساءته إلى إخوانه المؤمنين – وهي التي تعظم وتتضاعف فتمتلئ بها صحائفه – وتفرق حسناته على خصمائه المؤمنين المظلومين بيده ولسانه، فيتحير ويحتاج إلى حسنات توازي (3) سيئاته.


1) ” حبة فضة ” ق، د، ط. 2) ” المؤمنين ” ب، والبحار. 3) ” توارى ” ص. وارى الشئ: أخفاه وستره. (*)

[ 526 ]

فيأتيه أخ له مؤمن – قد كان أحسن إليه في الدنيا – فيقول له: قد وهبت لك جميع حسناتي بازاء ماكان منك إلي في الدنيا، فيغفر الله له بها، ويقول لهذا المؤمن: فأنت بماذا تدخل جنتي ؟ فيقول: برحمتك يا رب ! فيقول الله: عزوجل: جدت عليه بجميع حسناتك، ونحن أولى بالجود منك والكرم، قد تقبلتها عن أخيك وقد رددتها عليك وأضعفتها لك. فهو من أفاضل أهل الجنان (1). قوله عزوجل: وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يخزنون ” 111 و 112 321 – قال الامام عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام ” وقالوا ” يعني اليهود والنصارى: قالت اليهود ” لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ” أي يهوديا. وقوله ” أو نصارى ” يعني وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا. قال امير المؤمنين عليه السلام: وقد قال غيرهم: قالت الدهرية: الاشياء لا بدء لها، وهي دائمة، ومن خالفنا في هذا ضال مخطئ [ مفصل ] (2).


1) عنه البحار: 7 / 300 ضمن ح 51: وج 74 / 310 ذ ح 63، وج 84 / 244 ح 34 قطعة وج 96 / 9 ح 6 قطعة، ومستدرك الوسائل: 1 / 406 باب 24 ح 1 قطعة وص 506 باب 1 ح 14 قطعة. 2) من البحار والبرهان، ذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم زماني، وقالوا: ان الاشياء دائمة الوجود لم تزل ولا تزال، بل بعضهم أنكروا الحوادث اليومية أيضا وذهبوا إلى الكمون والبروز لتصحيح قدم الحوادث اليومية، وأنكروا وجود ما لم تدركه الحواس الخمس، ولذا أنكروا وجود الصانع لعدم ادراك الحواس له تعالى، وقالوا وجود > (*)

[ 527 ]

وقالت الثنوية: النور والظلمة هما المدبر ان، ومن خالفنا في هذا ضل. وقال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل (1). فقال الله تعالى: ” تلك أمانيهم ” التي يتمنونها ” قل – لهم – هاتوا برهانكم ” على مقالتكم ” إن كنتم صادقين ” (2). [ في ان الجدال على قسمين: ] 322 – وقال الصادق عليه السلام – وقد ذكرنا عنده الجدال في الدين، وأن رسول الله والائمة عليهم السلام قد نهوا عنه – فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله عزوجل يقول: ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن (3) ” وقوله تعالى: ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ” (4). فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه (5) العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: ” وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى ” وقال الله تعالى: ” تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ” ؟ فجعل علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن ؟


< الموجودات من الطبائع المتعاقبة لا إلى نهاية. إذا تقرر هذا فاعلم أن الظاهر أن المطلوب أولا اثبات الحدوث الزمانى، فان الظاهر من ” البدء ” البدء الزمانى، ويؤيده قوله [ كما سيأتي ] ” وهى دائمة لم تزل ولا تزال “. ذكره المجلسي – رحمه الله -. 1) لزيادة الاطلاع، راجع الملل والنحل: 1 / 244، وج 2 / 235. 2) عنه البحار: 9 / 255 صدر ح 1، والبرهان: 1 / 143 صدر ح 1. 3) العنكبوت: 46. 4) النحل: 125. 5) ” ذكره ” ص. (*)

[ 528 ]

فقيل: يابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن، والتي ليست بأحسن ؟ قال: أما الجدال بغير التي هي أحسن، فان تجادل مبطلا، فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة، لانك لا تدري كيف التخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين. أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجة له على باطله (1). وأما الضعفاء فتغم (2) قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل. وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له، فقال الله تعالى حاكيا عنه: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم). فقال الله في الرد عليه: (قل – يا محمد – يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) (3). فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ قال الله تعالى: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى ؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من أعادته. ثم قال: (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا) أي إذا كان قد كمن (4)


1) ” لهم على باطلهم ” أ، ط. 2) ” فتعمى ” البحار: 9. 3) زاد في الاصل والاحتجاج ” إلى آخر السورة “. والايات: 78 – 80 من سورة يس. 4) كمن الشئ: خفى، ضد برز. (*)

[ 529 ]

النار الحارة في الشجر الاخضر الرطب يستخرجها، فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدر (1). ثم قال: (أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) (2) أي إذا كان خلق السماوات والارض أعظم (3) وأبعد في أوهامكم وقدركم (4) أن تقدروا عليه من إعادة البالي (5) فكيف جوزتم من الله خلق هذا الاعجب عندكم والاصعب لديكم ولم تجوزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي ؟ فقال الصادق عليه السلام: فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لان فيها قطع عذر (6) الكافرين وإزالة شبههم. وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لانك مثله، جحد هو حقا، وجحدت أنت حقا آخر. قال [ أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام ]: فقام إليه رجل وقال: يابن رسول الله أفجادل رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال الصادق عليه السلام: مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظن به مخالفة الله، أو ليس الله تعالى قد قال: (وجادلهم بالتي هي أحسن) ؟ وقال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة).


1) قال الطبرسي – رحمه الله – بصدر الاية: أي جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعنى بذلك ” المرخ والعفار ” وهما شجران تتخذ الاعراب زنودها منها فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الاخضر الذى هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى إذا احتاج الانسان حك بعضه ببعض فخرج منه النار، وينقدح، قدر على الاعادة، وتقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار. قال الكلبى: كل شجر تنقدح منه النار الا العناب. (مجمع البيان: 8 / 435). 2) يس: 81. 3) ” أعظم درجة ” ب، ط. 4) – محركة – أي طاقتكم، أو بسكون الدال أي: قوتكم. 5) ” الثاني ” أ، وكذا التى بعدها. 6) ” عرى ” أ، ب، ق، د ” دعوى ” ص. (*)

[ 530 ]

لمن ضرب الله مثلا، أفتظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله خالف ما أمره الله، فلم يجادل بما أمره الله به، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به ؟ ! [ احتجاج الرسول صلى الله عليه وآله وجداله ومناظرته: ] 323 – ولقد حدثني أبي الباقر عليه السلام، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله أهل خمسة أديان: اليهود والنصارى، والدهرية، والثنوية ومشركوا العرب. فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت النصارى: نحن نقول، إن المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت الدهرية: نحن نقول: الاشياء لابدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لتنظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقالت الثنوية: نحن نقول: إن النور والظلمة هما المدبر ان، وقد جئناك للنظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. وقال مشركو العرب: نحن نقول إن أوثاننا آلهة (1) وقد جئناك للنظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنت بالله وحده لا شريك له، وكفرت بكل (2) معبود سواه. ثم قال لهم: إن الله تعالى بعثني كافة للناس (3) بشيرا ونذيرا، حجة على العالمين


1) ” الهتنا ” ب، ط. 2) ” بالجبت [ والطاغوت ] وبكل ” ط، والاحتجاج. 3) ” قد بعثنى إلى الخلق كافة ” أ. (*)

[ 531 ]

وسيرد الله كيد من يكيد دينه في نحره. ثم قال لليهود: أجئتموني لاقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا: لا. قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا: لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل به هذا إلا لانه ابنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة، فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة، لانكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة (1) على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطئ آبائهم لهن، فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن له خالقا صنعه وابتدعه. قالوا: لسنا نعني هذا، فان هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني أنه ابنه على معنى (2) الكرامة، وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره: يا بني، وإنه ابني. لا على إثبات ولادته منه، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه وكذلك لما فعل بعزير ما فعل، كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة لموسى أولى، وإن الله تعالى يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته. إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم، لانكم قلتم (3):


1) ” الدلالة ” ب، س، الاحتجاج. 2) ” وجه ” ق. 3) ” زعمتم ” ص والبرهان. (*)

[ 532 ]

إن عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه: يا بني، وهذا ابني لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لاجنبي آخر: هذا أخي ولآخر: هذا شيخي، وأبي، ولآخر: هذا سيدي، على سبيل الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لانه قد زاده في الكرامة على ما لعزيز، كما أن من زاد رجلا في الاكرام فقال له: يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي ويا أميري على طريق الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا ؟ لانه قد زاده في الاكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي، أو يا رئيسي، أو يا أميري. قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا. فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله. ثم أقبل صلى الله عليه وآله على النصارى فقال لهم: وأنتم قلتم: إن القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه (1) ما الذي أردتموه بهذا القول ؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى ؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله ؟ أو معنى (2) قولكم: ” إنه اتحدبه ” أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ؟ فان أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم، لآن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم (3) لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما، وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه


1) ” اتخذ المسيح (ابنه) ابنا ” أ، ص، والبرهان. 2) ” معناكم في ” الاصل، وما في المتن كما في الاحتجاج والبحار. 3) ” أبطلتم ” أ، والبرهان. أحال الرجل: أتى بالمحال وتكلم به. (*)

[ 533 ]

على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى، وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله، لانه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه. قال: فقالت النصارى: يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولد ا على جهة الكرامة. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه. ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحد منهم، فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله ؟ [ قال: قد قلنا ذلك. فقال: ] فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنهما لم يشتبها، لان قولنا: إن إبراهيم خليل الله، فانما هو مشتق من الخلة والخلة (1): فأما الخلة فانما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما أريد قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له: أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك. فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه. فسماه خليله أي، فقيره ومحتاجه، والمنقطع إليه عمن سواه. وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل [ به ] معانيه، ووقف على أسرار لم (2) يقف عليها غيره كان معناه العالم به وباموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله


1) قال المجلسي – رحمه الله -: ” الخلة والخلة ” الاولى – بالفتح – وهى بمعنى الفقر والحاجة والثانية – بالضم – وهى بمعنى غاية الصداقة والمحبة، اشتق من الخلال لان المحبة تخللت قلبه فصارت خلاله، أي في باطنه، وقد ذكر اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة – بالفتح والضم -. 2) ” أسراره ولم ” أ، س، ص، والبرهان. (*)

[ 534 ]

بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ؟ وأن من يلده الرجل، وإن أهانه وأقصاه، لم يخرج عن أن يكون ولده ؟ لان معنى الولادة قائم. ثم إن وجب – لانه قال الله: ابراهيم خليلي – أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسى ابنه، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى: إنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا ابنه، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود. فقال بعضهم: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال: أذهب إلى أبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان كنتم بذلك الكتاب تعملون، فان فيه: ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا [ المعنى ] الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له، لانكم قلتم: إنما قلنا: إنه ابنه لانه تعالى اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى: ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” فبطل أن يكون الاختصاص (1) لعيسى، لانه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لانه إذا قال: ” أبي وأبيكم ” فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى: أذهب إلى آدم وإلى نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا قال: فسكتت النصارى، وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا. ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول


1) ” تكون البنوة للاختصاص ” أ، ط. (*)

[ 535 ]

بأن الاشياء لابدء لها وهي دائمة لم تزل، ولا تزال ؟ فقالوا: لانا لا نحكم إلا بما نشاهد، ولم نجد للاشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء ولا فناء فحكمنا بأنها لا تزال. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفوجدتم لها قدما، أم وجدتم لها بقاء أبد الآباد ؟ فان قلتم: إنكم قد وجدتم ذلك أثبتم (1) لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية، ولا تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم (2) العالمون الذين يشاهدونكم. قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الاباد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما ؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم، يحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآباد. أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا: نعم. قال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه وآله: فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما، ويكون الثاني جاريا (4) بعده. قالوا: كذلك هو. فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار. (5) لم تشاهدوهما، فلا تنكروا


1) ” اتهمتم ” أ. ” أنهضتم ” الاحتجاج. ” أفهمتم ” البرهان. 2) ” وكذبتم ” أ، ب، ص. 3) ” منقطع ” أ، ص. 4) ” حادثا ” أ، ب، ط. 5) قال العلامة المجلسي – رحمه الله – تدرج صلى الله عليه وآله في الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الانكار إلى مدرجة الشك بهذا الكلام، وحاصله: أنكم كثيرا ما تحكمون بأشياء لم تروها كحكمكم هذا بعدم اجتماع الليل والنهار فيما سبق من الازمان، فليس لكم أن تجعلوا عدم مشاهدتكم لشئ حجة للجزم بانكاره. (*)

[ 536 ]

لله قدرة (1) ثم قال صلى الله عليه وآله: أتقولون ما قبلكم (2) من الليل والنهار متناه أم غير متناه ؟ فان قلتم: غير متناه فكيف (3) وصل إليكم آخر بلا نهاية لاوله ؟ وإن قلتم: إنه متناه أم غير فقد كان ولا (4) شئ منهما بقديم. قالوا: نعم.


1) قال المجلسي – رحمه الله – أي فلا تنكروا أن الاشياء مقدورة لله تعالى، وأن الله خالقها أولا تنكروا قدرة الله على احداثها من كتم العدم ومن غير مادة، ثم أخذ صلى الله عليه وآله في اقامة البرهان على حدوثها وهو يحتمل وجهين: الاول: أن يكون إلى آخر الكلام برهانا واحدا، حاصله أنه لا يخلو من أن يكون الليل والنهار أي الزمان غير متناه من طرف الازل منتهيا الينا، أو متناهيا من طرف الازل أيضا، فعلى الثاني فالاشياء لحدوثها لابد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله [ وسيأتى تباعا ]: ” فقد كان ولا شئ منهما ” أي كان الصانع قبل وجود شئ منهما. ثم أخذ صلى الله عليه وآله في ابطال الشق الاول بأنكم انما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذى لا يحتاج إلى صانع لابد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذى يحتاج إلى الصانع، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذى لا يحتاج إلى صانع لابد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذى يحتاج إلى الصانع، مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شئ من التغيرات والصفات والحالات، أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب واعتوار الصفات المتضادة عليه وكونها في معرض الانحلال والزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه وعدم احتياجه إلى الصانع: فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا. الثاني: أن يكون قوله: (أتقولون) إلى قوله: (قال لهم أقلتم) برهانا واحدا بأن يكون قوله: (فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لاوله) ابطالا للشق الاول بالاحالة على الدلائل التى اقيمت على ابطال الامور الغير المتناهية المترتبة، بناء على عدم اشتراط وجودها معا في اجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين، ويكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه ويمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على اثبات الصانع بأن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله: (حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار) لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل ونهار يكفى لاحتياجها إلى الصانع ولا ينفعكم قدم طبيعة الزمان، فان كل ليل وكل نهار لحدوثه بشخصه يكفى لاثبات ذلك. 2) ” تقدم ” أ، ص، والبرهان. 3) ” فقد ” الاحتجاج 4) ” حادثا فلا ” أ. (*)

[ 537 ]

قال لهم: أقلتم أن العالم قديم ليس بمحدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به، وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا الذي نشاهده من الاشياء بعضها إلى بعض مفتخر، لانه لا قوام للبعض الا بما يتصل به، ألا ترى أن البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض والا لم يتسق، ولم يستحكم، وكذلك سائر ما ترون. وقال صلى الله عليه وآله: فإذا كان هذا المحتاج – بعضه إلى بعض لقوته (1) وتمامه – هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون ؟ وماذا كانت تكون صفته ؟ قال: فبهتوا [ وتحيروا ] وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا (2) وقالوا: سننظر في أمرنا. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الثنوية – الذين قالوا: النور والظلمة هما المدبر ان – فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟ فقالوا: لانا وجدنا العالم صنفين: خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضد الشر، فأنكرنا أن يكون فاعل [ واحد ] يفعل الشئ وضده، بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة ونورا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا، وحمرة وصفرة، وخضرة وزرقة ؟ وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منهما في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا: نعم. قال: فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الالوان غير فاعل الضد الاخر ؟ ! قال: فسكتوا.


1) ” لقوامه ” أ، س، ط. 2) أي سكتوا وعجزوا. ” فرجعوا ” البرهان. (*)

[ 538 ]

ثم قال: وكيف اختلط النور والظلمة (1)، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول ؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرفا يمشي إليه والاخر غربا أكان يجوز [ عندكم ] (2) أن يلتقيا ماداما سائرين على وجوههما ؟ قالوا: لا. قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الاخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج ؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا: سننظر في امورنا. ثم أقبل على مشركي العرب فقال: وأنتم فلم عبدتم الاصنام من دون الله ؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى. فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله ؟ قالوا: لا.


1) قال العلامة المجلسي ره: قوله صلى الله عليه وآله: (وكيف اختلط هذا النور والظلمة) اشارة إلى ما ذكره المانوية من الثنوية وهو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين. أحدهما نور، والاخر ظلمة، وانهما أبديان لم يزالا ولا يزالان. ثم اختلفوا في المزاج وسببه فقال بعضهم: كان ذلك بالخبط والاتفاق. وقال بعضهم وجوها ركيكة اخرى، وقالوا: جميع أجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل، فرد النبي صلى الله عليه وآله عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضى بطبعه الصعود والظلمة تقتضي بطبعها النزول ولا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع والامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما واختلاطهما ليحصل هذا العالم ؟ وكيف يتأتى الخبط والاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما على الافتراق ؟ وتفصيل القول وبسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع الكتاب، وانما نكتفي باشارات مقنعة لاولى الالباب. 2) من الاحتجاج. (*)

[ 539 ]

قال: فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم ؟ [ قالوا: نعم. قال: ] فلئن تعبدكم هي – لو كان يجوز منها العبادة – أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم ؟ قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اختلفوا: فقال بعضهم: ان الله قد يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه، نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا. وقال آخرون منهم: ان هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله. وقال آخرون [ منهم ]: ان الله لما خلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له (1)، كنا نحن أحق بالسجود لادم من الملائكة، ففاتنا ذلك، فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لادم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود – بزعمكم – إلى جهة مكة ففعلتم، ثم نصبتم في غير ذلك البلد [ بأيديكم ] محاريب سجدتم إليها، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدكم في الكعبة إلى الله تعالى لا إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم – وهو صلى الله عليه وآله يخاطب الذين قالوا: ان الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا – فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذلك الشئ ؟ فأي فرق بينه اذن وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته ؟


1) زاد في ص، والاحتجاج: فسجدوا تقربا الله. (*)

[ 540 ]

ولم صار (هذا المحلول) (1) فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل لا يزال كما لم يزل ؟ فإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم (2) أن تصفوه بالزوال [ والحدوث ]. وأما ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، فان ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك يغير (3) الذات، فان (جاز أن يتغير) (4) ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن يتغير (5) بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التى تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثا – عن الله تعالى عن ذلك -. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم. قال: فسكت القوم، وقالوا: سننظر في أمورنا. ثم أقبل على الفريق الثاني فقال لهم: أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب – بالسجود لها – فما الذي أبقيتم لرب العالمين ؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده ؟ أرأيتم ملكا عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا: نعم. قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له


1) ” الحال ” أ، ص. 2) ” أثبتم لربكم ” أ. 3) ” متغير ” ب، س، ق، د، الاحتجاج. 4) ” كان لا (لم) يتغير ” ب، س، ق، د الاحتجاج والبحار. 5) ” لا يتغير ” س، ق، د، الاحتجاج والبحار. (*)

[ 541 ]

تزرون (1) على رب العالمين ؟ قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في امورنا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلا، وشبهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لانا لا ندري لعله [ ان ] أراد منا الاول فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شئ من ذلك من اتباع أمره، والله عزوجل حيث أمر بالسجود لادم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لانكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به. وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيتم لو أذن لكم (2) رجل دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ أو لكم أن تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير أمره ؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه، أو عبدا من عبيده، أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك ؟ [ قالوا: نعم. قال: ] (3) فان لم تأخذوه (4)، أخذتم آخر مثله ؟ قالوا: لا، لانه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الاول. قال صلى الله عليه وآله: فأخبروني الله تعالى أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو (5) بعض المملوكين ؟ قالوا: بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير أمره واذنه.


1) أي تعيبون عليه وتضعون من حقه. ” تزورون ” أ، س، ط. وتزور: قال الزور. 2) ” أمركم ” ص، والبرهان. 3) من الاحتجاج. 4) ” تجدون ” ص، ق والبرهان. 5) ” اذنه أم ” ص. (*)

[ 542 ]

قال: فلم فعلتم، ومتى (1) أمركم أن تسجدوا لهذه الصور ؟ قال: فقال القوم: سننظر في امورنا، ثم سكتوا. وقال الصادق عليه السلام: فوالذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد، نشهد أنك رسول الله (2). 324 – وقال الصادق عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: فأنزل الله: (الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) (3) فكان في هذه الاية ردا على ثلاثة أصناف منهم: لما قال: (الحمد لله الذي خلق السموات والارض). فكان ردا على الدهرية الذين قالوا: الاشياء لابدء لها وهي دائمة. ثم قال (وجعل الظلمات والنور) فكان ردا على الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما المدبر ان. ثم قال (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا: ان أوثاننا آلهة. ثم أنزل الله تعالى (قل هو الله أحد) إلى آخرها، فكان فيها ردا على كل


1) ” من ” ص، والبرهان. 2) عنه البحار: 2 / 126 ملحق ح 2 قطعة، وج 73 / 402 قطعة، والبرهان: 1 / 143 ضمن ح 1 قطعة وج 2 / 116 ضمن ح 1، وص 388 ح 2 قطعة، وج 4 / 13 ح 4 قطعة، وعوالم العلوم / العلم: 447 ح 59، وعنه البحار: 9 / 255 – 267 ضمن ح 1، وج 57 / 68 ح 45 قطعة، وج 84 / 71 ح 30 قطعة، وعن الاحتجاج: 1 / 14 – 24 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام، وأخرج قطعة منه في الوسائل: 3 / 219 ح 14، ج 4 / 984 ح 3، والبحار: 2 / 125 ح 2، وعوالم العلوم / العلم: 446 ح 58 عن الاحتجاج. 3) الانعام: 1. (*)

[ 543 ]

من ادعى من دون الله ضدا أو ندا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: قولوا: (اياك نعبد) أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية: ان الاشياء لابدء لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا: ان النور والظلمة هما المدبر ان، ولا كما قال مشركو العرب: ان أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، ولا ندعو (1) من دونك الها كما يقول هؤلاء الكفار، ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى: ان لك ولدا، تعاليت عن ذلك [ علوا كبيرا ]. قال: فذلك قوله: (وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى). وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا، قال الله تعالى: يا محمد (تلك أمانيهم) التي يتمنونها بلا حجة (قل هاتوا برهانكم) و (2) حجتكم على دعواكم (ان كنتم صادقين) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها. ثم قال: (بلى من أسلم وجهه لله) يعنى كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله لما سمعوا براهينه وحججه (وهو محسن) في عمله لله. (فله أجره – ثوابه – عند ربه) يوم فصل القضاء (ولا خوف عليهم) حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب (3) (ولا هم يحزنون) عند الموت لان البشارة بالجنان تأتيهم (4). قوله عزوجل: ” وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين


1) ” ندعى ” البحار. 2) ” أي ” أ. 3) ” العذاب ” ص، الاحتجاج، والبحار. 4) عنه البرهان: 1 / 143 ذ ح 1، وج 2 / 119 ذ ح 1، وعنه البحار: 9 / 269 ذ ح 1، وعن الاحتجاج: 1 / 24 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام. (*)

[ 544 ]

لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون: ” 113. 325 – قال الامام عليه السلام: قال الله تعالى (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) من الدين بل دينهم باطل وكفر، (وقالت النصارى ليست اليهود على شئ) من الدين بل دينهم باطل وكفر (وهم يتلون – اليهود – الكتاب) التوراة. فقال: هؤلاء وهؤلاء مقلدون بلا حجة وهم يتلون الكتاب فلا يتأملونه ليعملوا بما (1) يوجبه فيتخلصوا من الضلالة. ثم قال (كذلك قال الذين لا يعلمون) الحق ولم ينظروا فيه من حيث أمرهم الله فقال بعضهم لبعض – وهم مختلفون – كقول اليهود والنصارى بعضهم لبعض، هؤلاء يكفر هؤلاء، وهؤلاء يكفر هؤلاء. ثم قال الله تعالى (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) في الدنيا يبين ضلالهم وفسقهم، ويجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه. وقال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: انما انزلت الاية لان قوما من اليهود، وقوما من النصارى جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد اقض بيننا. فقال صلى الله عليه وآله: قصوا علي قصتكم. فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصارى على شئ من الدين والحق. وقالت النصارى: بل نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم وأوليائه وليست هؤلاء اليهود على شئ من الحق والدين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين الله وأمره. فقالت اليهود: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله التوراة نقرأه ؟ وقالت النصارى: كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله الانجيل نقرأه ؟ فقال رسول


1) ” ليعلموا ما ” أ. (*)

[ 545 ]

الله صلى الله عليه وآله: انكم خالفتم أيها اليهود والنصارى كتاب الله ولم تعملوا به، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة، لان كتب الله أنزلها شفاء من العمى، وبيانا من الضلالة، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم، كتاب الله إذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم، وحجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ولسخطه متعرضين. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على اليهود فقال: احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله وبخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله تعالى فيهم (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) وأمروا بأن يقولوه. قال الله تعالى (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) عذابا من السماء طاعونا نزل بهم، فمات منهم مائة وعشرون ألفا، ثم أخذهم بعد قباع (1) فمات منهم مائة وعشرون ألفا أيضا، وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا فقالوا: ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا، ظننا أنه باب متطامن (2) لابد من الركوع فيه، وهذا باب مرتفع، والى متى يسخربنا هؤلاء ؟ – يعنون موسى ثم يوشع بن نون – ويسجدوننا في الاباطيل، وجعلوا أستاهم نحو الباب، وقالوا بدل قولهم حطة الذي أمروا به: هطا سمقانا (2)، يعنون حنطة حمراء، فذلك تبديلهم (4).


1) قال ابن زكريا: قبع: أصل صحيح يدل على شبه أن يختبئ الانسان وغيره، يقال قبع الخنزير أو غيره إذا أدخل رأسه في عنقه. وقبع الرجل: أعيا وانبهر، وسمى قابعا لانه يتقبض عند اعيائه عن الحركة. (معجم مقاييس اللغة: 51). وفى ” ص ” أخذتهم بعد. 2) أي منخفض. 3) ” حطا شمقاتا ” بعض النسخ. وقد تقدم تفصيل القصة ص 250. 4) عنه البحار: 9 / 184 ح 14، ج 13 / 185 ح 21 (قطعة)، والبرهان: 1 / 143 صدر ح 1. (*)

[ 546 ]

326 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: فهؤلاء بنو اسرائيل نصب لهم باب حطة وأنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله، وأمرتم باتباع هداهم ولزوم طريقتهم، ليغفر [ لكم ] بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لان ذلك [ كان ] باب خشب، ونحن الناطقون الصادقون المرتضون (1) الهادون الفاضلون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” ان النجوم في السماء أمان من الغرق، وان أهل بيتي أمان لامتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون (فيها مادام فيهم) (2) من يتبعون هديه (3) وسنته ” (4). أما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال: ” من أراد أن يحيا حياتي، وأن يموت مماتي، أن يسكن الجنة (5) التي وعدني ربي، وأن يمسك قضيبا غرسه بيده وقال له: كن فكان، فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام، وليوال وليه، وليعاد عدوه، وليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فانهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذب (6) بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي (7)، لا أنالهم الله شفاعتي ” (8). (9)


1) ” المؤمنون ” ص، والبحار. 2) ” مادام منهم ” البحار. 3) هدى هديه: أي سار سيرته. 4) وهذا حديث متواتر مشهور روته الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة وأسانيد شتى، للاطلاع، انظر احقاق الحق: 9 / 294 – 308، وج 18 / 324 – 330. 5) ” جنة عدن ” البحار، والبرهان. 6) ” المكذبين ” ص، والبحار. 7) ” مسألتي ” أ، س، ط. وزاد في بعض النسخ: ومن عصاهم. 8) وهذا أيضا حديث متواتر مشهور روته الخاصة والعامة بأسانيد عديدة، استقصينا بعضها عند تحقيقنا كتاب الامامة والتبصرة: 42 ح 23 وص 45 ح 27، وانظر احقاق الحق: 5 / 106 – 110 ؟ ؟، وج 7 / 269 وج 17 / 245 – 248، وج 18 / 526 – 527. 9) عنه البحار: 23 / 122 ح 47، والبرهان: 1 / 144 ذ ح 1. (*)

[ 547 ]

327 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام: فكما أن بعض بني اسرائيل أطاعوا فأكرموا، وبعضهم عصوا فعذبوا، فكذلك تكونون أنتم. قالوا: فمن العصاة يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت، وتعظيم حقوقنا، فخالفوا (1) ذلك، وعصوا وجحدوا حقوقنا واستخفوا بها، وقتلوا أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله الذين أمروا بأكرامهم ومحبتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين وان ذلك لكائن ؟ قال عليه السلام: بلى خبرا حقا، وأمرا كائنا، سيقتلون ولدي هذين الحسن الحسين عليهما السلام. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: وسيصيب [ أكثر ] الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف [ بعض ] من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني اسرائيل الرجز. قيل: ومن هو ؟ قال: غلام من ثقيف، يقال له ” المختار بن أبي عبيد (2) “. وقال على بن الحسين عليهما السلام: فكان (3) ذلك بعد قوله هذا بزمان. (4) وان هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف عليه لعائن الله من قول علي بن


1) ” فخانوا وخالفوا ” البحار. 2) ” عبيدة نسخ الاصل، وهو تصحيف. 3) أي ولد المختار بعد قول أمير المؤمنين عليه السلام هذا بزمان. قاله المجلسي ره. 4) الظاهر أن ما بعده من كلام، إلى قوله: وقال على بن الحسين، هو ليس من ضمن حديث الامام زين العابدين عليه السلام بقرينة عبارة ” من قول على بن الحسين عليهما السلام ” كما أنه لم يصرح بأنه من كلام الامام العسكري عليه السلام لخلوه من لفظ ” قال الامام عليه السلام ” فهل يحتمل غيره ؟ فتدبر. زد على ذلك أن الاحداث التاريخية مشوهة ومرتبكة، فعند التحليل نجد أن التاريخ يشهد بأن ظهور المختار على قتلة الحسين سنة ” 64 “، وأن المختار قتل في فتنة ابن الزبير سنة ” 67 “، وأن سلطنة عبد الملك بن مروان على العراق كانت بعد قتل ابن الزبير سنة ” 73 ” وأن توليته للحجاج على العراق سنة ” 75 “. – > (*)

[ 548 ]

الحسين عليهما السلام فقال: أما رسول الله فما قال هذا، وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل (1) حكاه عن رسول الله، وأما علي بن الحسين فصبي مغرور، يقول الاباطيل ويغربها متبعوه، اطلبوا الي المختار. فطلب، وأخذ فقال: قدموه إلى النطع واضربوا عنقه فأتي بالنطع فبسط وأنزل (2) عليه المختار، ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لا يأتون بالسيف. قال الحجاج: مالكم ؟ قالوا: لسنا نجد مفتاح الخزانة، وقد ضاع منا، والسيف في الخزانة. فقال المختار: لن تقتلني، ولن يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفا.


فلم يكن المختار في حبس الحجاج أيام عبد الملك بن مروان، وانما حبسه عبيدالله ابن زياد، ولم يزل في الحبس حتى قتل الحسين عليه السلام، ثم بعث إلى زائدة ابن قدامة، فسأله أن يسير إلى عبد الله بن عمر بالمدينة فيسأله أن يكتب إلى يزيد ابن معاوية، فيكتب إلى ابن زياد بتخلية سبيله. فركب زائدة إلى ابن عمر، فقدم عليه فبلغه رساله المختار، وعلمت صفيه اخت المختار بمحبس أخيها، وهى تحت ابن عمر فبكت وجزعت، فلما راى ذلك عبد الله بن عمر، كتب مع زائدة إلى يزيد بن معاوية: ” أما بعد فان عبيد الله بن زياد حبس المختار وهو صهرى. فان رأيت رحمنا الله واياك أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت، والسلام “. فلما قرأه ضحك ثم قال: يشفع أبو عبد الرحمن وأهل ذلك هو.. فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه، ثم قال له: قد أجلتك ثلاثا، فان أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمه. راجع تاريخ الطبري: 4 / 441، والكامل لابن الاثير: 4 / 169. اقول: فلابد من تحقيق أوسع في هذا الموضوع، فتدبر وكن على بينة، وقف عند الشبهة. 1) ” فيما ” ب، ط. 2) ” أبرك ” البحار. أبركه: أناخه. (*)

[ 549 ]

فقال الحجاج لبعض حجابه: أعط السياف سيفك يقتله به. فأخذ السياف بسيفه فجاء ليقتله به، والحجاج يحثه ويستعجله، فبينا هو في تدبيره إذ عثر (1) والسيف في يده، وأصاب السيف بطنه، فشقه ومات، وجاء بسياف آخر، وأعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب وسقط فمات، فنظروا وإذا العقرب، فقتلوه. فقال المختار: يا حجاج انك لن تقدر على قتلي، ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار (2) بن معد بن عدنان لسابور (3) ذي الاكتاف حين [ كان ] يقتل العرب، ويصطلمهم فأمر نزار [ ولده ] فوضع في زنبيل في طريقه، فلما رآه قال له: من أنت ؟


1) ” إذا عبر ” أ. ” إذا تعسر ” ص، ق، د. ” إذ نعس ” ب، س، ط. 2) أنت أيها القارئ – الكريم سترى أن سابور أطلق عليه ذلك بقوله ” صدق، هذا نزار – يعنى المهزول ” فهو نزار، وأنه ابن معد بن عدنان. هذا وان من واضحات التاريخ أن سابور كان في زمان أولاد اياد بن نزار بن معد بن عدنان لا في عصر نزار بن معد: قال السويدي في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص: 20 – بعد أن ذكر عددا من القبائل والبطون (أياد بن نزار بن معد بن عدنان) -:.. لى أن تكاثر بنو اسماعيل وانفردت مضر برئاسة الحرم، وخرج بنو اياد إلى العراق، وكان لهم في الاكاسرة آثار مشهورة إلى أن غلبهم سابور ذو الاكتاف فأبادهم. وقال: ولم يشتهر أحد من ولده – أي اياد – بالنسبة إليه، ولذلك جعلهم أكثر النسابين حشرة في مضر… وذكر المسعودي في مروج الذهب: ان الذى تكلم مع سابور كان اسمه ” عمرو بن تميم بن مر ” وله يومئذ ثلاثمائة سنة، وكان يعلق في عمود البيت في قفة قد اتخذت له.. (انظر مروج الذهب: 1 / 181) فكان نزارا أي مهزولا. فالظاهر أنه لم يصرح بالاسم بل اكتفى باسم الصفة التى أطلقها سابور: ” نزار ” – يعنى مهزول -، فلا قطع بالمناناة، فتدبر. 3) ” شابور ” أ، ص، ط. (*)

[ 550 ]

قال: أنا رجل من العرب، أريد أن أسألك لم نقتل هؤلاء العرب ولا ذنوب لهم اليك، وقد قتلت الذين كانوا مذنبين (1) وفي عملك مفسدين ؟ قال: لاني وجدت في الكتب (2) أنه يخرج منهم رجل يقال له ” محمد ” يدعي النبوة، فيزيل دولة ملوك الاعاجم ويفنيها، فأنا أقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل. [ قال: ] فقال له نزار، لئن كان من وجدته من كتب الكذابين، فلما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين [ بقول الكاذبين ] ! (3) وان كان ذلك من قول الصادقين، فان الله سبحانه سيحفظ ذلك الاصل الذي يخرج منه هذا الرجل، ولن تقدر على ابطاله ويجري قضاءه، وينفذ أمره، ولو لم يبق من جميع العرب الا واحد. فقال سابور: صدق (4)، هذا نزار – بالفارسية يعني المهزول -، كفوا عن العرب فكفوا عنهم. ولكن يا حجاج ان الله قد قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فان شئت فتعاط قتلي، وان شئت فلا تتعاط، فان الله تعالى أما أن يمنعك عني، واما أن يحييني بعد قتلك، فان قول رسول الله صلى الله عليه وآله حق لامرية فيه. فقال للسياف: اضرب عنقه. فقال المختار: ان هذا لن يقدر على ذلك، وكنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره، فكان يسلط عليك أفعى كما سلط على هذا الاول عقربا. فلما هم السياف بضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح: يا سياف كف عنه ويحك، ومعه كتاب من عبد الملك بن مروان، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا حجاج بن يوسف فانه سقط الينا طائر


1) ” متمردين ” ط. 2) ” الكتاب ” البحار. 3) ليس في البحار 4) ” صدقت ” البحار. (*)

[ 551 ]

عليه رقعة (1) فيها: أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، وتزعم أنه حكى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فإذا أتاك كتابي هذا فخل عنه، ولا تتعرض له الا بسبيل خير فانه زوج ظئر (2) ابني الوليد ابن عبد الملك بن مروان، وقد كلمني فيه الوليد، وان الذي حكى ان كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل، وان كان حقا فانك لا تقدر على تكذيب قول رسول لله صلى الله عليه وآله “. فخلى عنه الحجاج، فجعل المختار يقول: سأفعل كذا، وأخرج وقت كذا، وأقتل من الناس كذا، وهؤلاء صاغرون (3) يعنى بني اميه. فبلغ ذلك الحجاج، فاخذ وأنزل لضرب العنق ؟ ؟ فقال المختار: انك لن تقدر على ذلك، فلا تتعاط ردا على الله. وكان في ذلك إذ أسقط طائر آخر عليه كتاب من عبد الملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم يا حجاج لا تتعرض للمختار، فانه زوج مرضعة ابني الوليد، ولئن كان حقا فتمنع (4) من قتله كما منع ” دانيال ” من قتل ” بخت نصر ” الذى كان الله قضى أن يقتل بنى اسرائيل. فتركه الحجاج وتوعده ان عاد لمثل مقالته (5). فعاد بمثل مقالته، فاتصل بالحجاج الخبر، فطلبه فاختفى مدة ثم ظفر به فاخذ. فلما هم بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب من عبد الملك أن أبعث الي المختار. فاحتبسه الحجاج وكتب إلى عبد الملك:


1) أي قطعة من ورق. 2) ” مرضعة ” أ، وهكذا ذكر في ثانى كتب عبد الملك وكلاهما بمعنى. 3) ” ابناء صغرة قمياء ” أ: القمئ: الذليل، الصغير. 4) ” فستمنع ” البحار. 5) ” بمثل ذلك ” أ. (*)

[ 552 ]

كيف تأخذ اليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بنى امية كذا وكذا ألفا فبعث إليه عبد الملك: انك (1) رجل جاهل، لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا (2)، وان كان الخبر فيه حقا، فانا سنربيه ليسلط علينا كما ربى فرعون موسى حتى تسلط عليه فبعثه إليه الحجاج، فكان من أمر المختار ماكان، وقتل من قتل. وقال علي بن الحسين عليهما السلام لاصحابه وقد قالوا له: يابن رسول الله ان أمير المؤمنين عليه السلام ذكر [ من ] أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله ولمن يقتل. فقال علي بن الحسين عليه السلام: صدق أمير المؤمنين عليه السلام ؟ أولا أخبركم متى يكون ؟ قالوا: بلي قال: يوم كذا إلى ثلاث سنين من قوله هذا لهم (3)، وسيؤتى برأس عبيدالله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن (عليهما اللعنة) في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر اليهما. قال: فلما كان في اليوم الذي اخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لاصحاب بني امية كان علي بن الحسين عليهما السلام مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم: معاشر اخواننا طيبوا نفسا [ وكلوا ]، فانكم تأكلون وظلمة بني امية يحصدون. قالوا: أين ؟ قال عليه السلام في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتى بالرأسين يوم كذا [ وكذا ] (4). فلما كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين (5) لما أراد أن يقعد للاكل، وقد فرغ


1) ” انه ” أ، س. 2) ” خدمننا ” س، ص. 3) ” قولى هذا ” ص، والبحار. 4) من البحار والمدينة، بقرينة ما تقدم من اخباره: سيؤتى. في يوم كذا وكذا. 5) أقول: لا جدال في أن شمرا قتل بالكلتانية – من أعمال خوزستان – سنة 66 ه‍، قتله ” أبو عمرة “، وأن عبيدالله بن زياد قتل في الموصل سنة 67 ه‍، قتله ” ابراهيم ابن الاشتر “. (*)

[ 553 ]

من صلاته، فلما رآهما سجد وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني، فجعل يأكل وينظر اليهما. فلما كان في وقت الحلواء لم يؤت بالحلواء لما كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين، فقال ندماؤه (1): لم نعمل اليوم حلواء ؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لا نريد حلواء أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين ؟ !. ثم عاد إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام، قال عليه السلام: وما للكافرين والفاسقين عند الله أعظم وأوفى (2).


< – وضرورى أن نقل أي من الرأسين إلى المدينة يستغرق فترة زمنية بحكم المسافة البعيدة التى تفصل بينهم، فإذا كان قتل الاول أواخر سنة 66، وكان قتل الثاني أوائل سنة 67. فلا غبار اذن لان يجمع الرأسان أمام الامام على بن الحسين عليهما السلام في المدينة المنورة في يوم واحد بعد أن يكون قد قطع – بكل واحد من الرأسين – تلك المسافة البعيدة، المتباينة. ذكر في بعض الروايات أنه بعث برأس ابن زياد ورأس ابن سعد. وفى اخرى برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرجيل بن ذى الكلاع ” لع “.. راجع مناقب ابن شهر اشوب: 4 / 144، وعوالم الامام الحسين عليه السلام: 654 وما بعدها (أحوال المختار وما جرى على يديه). 1) أي أصحابه الذين يستأنس بهم، حيث أنهم أشاروا إلى هذا موقف الابتهاج المناسب في عرف العرب لان يصنعوا الحلوى ويقدموها إلى الامام، وما أرادوا أنها لم تصنع داخل بيته عليه السلام مع أنه لم تضرم نار في دور الهاشميين ولم تكتحل هاشمية حتى جئ برأس ابن زياد ” لع “، فأجابهم عليه السلام ايماء بأن النظر إلى رأسه أحلى. 2) عنه البحار: 45 / 339 ح 6، ومدينة المعاجز: 305 ح 83، واثبات الهداة: 4 / 496 ح 292 (قطعة) ومستدرك الوسائل: 3 / 107 باب 26 ح 6 قطعة. (*)

[ 554 ]

328 – ثم قال امير المؤمنين عليه السلام: وأما المطيعون لنا فسيغفر الله ذنوبهم، فيزيدهم احسانا إلى حسناتهم. قالوا: يا أمير المؤمنين ومن المطيعون لكم ؟ قال: الذين يوحدون ربهم، ويصفونه بما يليق به من الصفات، ويؤمنون بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله ويطيعون الله في اتيان فرائضه وترك محارمه، ويحيون أوقاتهم بذكره، وبالصلاة على نبيه محمد وآله [ الطيبين ] وينفون عن (1) أنفسهم الشح والبخل، فيؤدون ما فرض عليهم من الزكاة ولا يمنعونها (2). قوله عزوجل: ” ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ماكان لهم ان يدخلوها الا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الاخرة عذاب عظيم ” 114. 329 – قال الامام عليه السلام: قال علي بن الحسين (3) عليهما السلام: لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم (4) في عبادتهم الاصنام، وأخذوه (5) وأساءوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية – كانت لقوم من خيار أصحاب محمد [ وشيعته ] وشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام -. كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أمانة المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون


1) ” يتقون على ” البحار، والمستدرك. 2) عنه البحار: 68 / 163 ح 12، ومدينة المعاجز: 306 ذ ح 83، ومستدرك الوسائل: 2 / 297 باب 18 ح 4. 3) ” الحسين بن على ” أ، ص ” الحسن بن على ” البحار والبرهان. 4) ” أعيانهم ” أ، والبحار. 5) ” واجدوه ” أ، ص، ط، ق، د. والوجد: الغضب. (*)

[ 555 ]

في خرابها، وأذى محمد صلى الله عليه وآله وسائر أصحابه، وألجأوه إلى الخروج من مكة إلى المدينة، التفت خلفه إليها فقال: الله يعلم أني أحبك، ولو لا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، ولا ابتغيت عنك بدلا، واني لمغتم على مفارقتك. فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد ان العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما، قادرا، قاهرا، وذلك قوله تعالى. (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) (1) يعني إلى مكة ظافرا غانما، وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه. فقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله: سوف اظهرك بمكة، واجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتى لا يدخلها منهم أحد الاخائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه ان عثر عليه قتل. فلما حتم قضاء الله بفتح مكة استوسقت (2) له أمر عليهم عتاب بن اسيد فلما اتصل بهم خبره قالوا: ان محمد لا يزال يستخف بنا حتى (3) ولى علينا غلاما حديث السن ابن ثمانية عشر سنة (4)، ونحن مشايخ ذوو الاسنان، خدام بيت الله الحرام


1) القصص: 85. 2) استوسق: اجتمع وانقاد. 3) ” لقد استخف بنا حين ” أ. 4) ليس بعجب من نفوس مستكبرة وقلوب ضاله هي أعداء للعلم والفضيلة أن تنطق بمثل ذلك، ولنا فيه أمثله جمه: ألم يقال مثل ذلك في اسامة بن زيد عند ما قلده الرسول صلى الله عليه وآله قيادة الجيش ؟ ومثله في مولانا أمير المؤمنين على عليه السلام.. و.. و.. وبعد، فمما يؤيد ذلك أن يحيى بن أكثم ولى قضاء البصرة سنة عشرون ونحوها، فاستصغره أهل البصرة، فقالوا: كم سن القاضى ؟ فعلم أنه قد استصغر. – > (*)

[ 556 ]

وجيران حرمه الامن، وخير بقعة له على وجه (1) الارض. وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله لعتاب بن اسيد عهدا على [ أهل ] مكة، وكتب في أوله: [ بسم الله الرحمن الرحيم ] من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جيران بيت الله وسكان حرم الله. أما بعد، فمن كان منكم بالله مؤمنا، وبمحمد رسول الله في أقواله مصدقا، وفي أفعاله مصوبا، ولعلي أخي محمد رسوله وصفيه ووصيه وخير خلق الله بعده مواليا، فهو منا والينا. ومن كان لذلك أو لشئ منه مخالفا، فسحقا وبعدا لاصحاب السعير، لا يقبل الله شيئا من أعماله وان عظم وكثر (2) ويصليه نار جهنم خالد مخلدا أبدا، وقد قلد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله عتاب بن اسيد أحكامكم ومصالحكم، [ قد ] فوض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود (3) مضطر بكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم، لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولاوليائنا موال، ولاعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، وقمر منير، قد فضله الله تعالى على كافتكم بفضل موالاته، ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما


فقال: أنا أكبر من عتاب بن اسيد الذى وجه به النبي صلى الله عليه وآله قاضيا على مكة يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذى وجه به النبي صلى الله عليه وآله قاضيا على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سور الذى وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة. فجعل جوابه احتجاجا، تاريخ بغداد: 14 / 199 وفيات الاعيان: 6 / 149. 1) ” ظهر ” أ، س. 2) ” كبر ” ص، ق، والبحار. 3) أي اعوجاج. (*)

[ 557 ]

وحكمته عليكم، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه كما أكمل [ من ] موالاة محمد وعلي شرفه وحظه، ولا يؤامر رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يطالعه، بل هو السديد (1) الامين، فليعمل المطيع منكم، وليف (2) بحسن معاملته ليسر بشريف الجزاء، وعظيم الحباء، وليوفر (3) المخالف له بشديد العقاب، وغضب الملك العزيز الغلاب، ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه، فليس الاكبر هو الافضل بل الافضل هو الاكبر، وهو الاكبر (4) في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا فلذلك جعلناه الامير لكم والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به، ومن خالفه فلا يبعد الله غيره. قال: فلما وصل إليهم عتاب، وقرأ عهده، وقف فيهم موقفا ظاهرا، ونادى في جماعتهم حتى حضروه وقال لهم: معاشر أهل مكة ان رسول الله صلى الله عليه وآله رماني بكم شهابا محرقا لمنافقيكم، ورحمة وبركة على مؤمنيكم، وانى أعلم الناس بكم وبمنافقيكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام لها، ثم أتخلف (5) اراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد قعد عنها فتشته، فان وجدت له عذرا أعذرته، وان لم أجد له عذرا ضربت عنقه حتما (6) من الله مقضيا على كافتكم لاطهر حرم الله من المنافقين. فأما بعد، فان الصدق أمانه، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم


1) ” السيد ” ق، د. 2) الامر من وفى. ” كيف ” ق، د، ط. 3) ” ليتوقى ” البحار. وفر عليه حقه: اعطاه حقه كله. 4) ” الاكيس ” ب، ص، ق، د. 5) ” أختلف ” س، ص، د أي أتردد. 6) ” حكما ” البحار. (*)

[ 558 ]

الا ضربهم الله بالذل، قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، وضعيفكم عندي قوي حتي آخذ له الحق، اتقوا الله وشرفوا بطاعة الله أنفسكم، ولا تذلوها بمخالفة ربكم. ففعل والله كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الاحكام، مهتديا بهدى الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة (1). [ في عزل الرسول صلى الله عليه وآله ابا بكر بأمر الله ] 330 – ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر آيات من سورة ” براءة ” مع أبى بكر بن أبي قحافة ؟ وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين، وتحريم قرب مكة (2) على المشركين. فأمر أبا بكر بن أبى قحافة على الحج، ليحج بمن ضمه (3) الموسم ويقرأ


1) عنه البحار: 21 / 121 ح 20، والبرهان: 1 / 144 صدر ح 1، واثبات الهداة: 2 / 163 ح 614 (قطعة) ومستدرك الوسائل: 2 / 143 باب 13 ح 4. 2) لاحظ، ترى بعد قوله: ” وفيها.. وتحريم قرب مكة ” أنها اشارة إلى قوله تعالى – خطابا للمؤمنين – يا أيها الذين آمنوا انما المشركون نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا،. ” التوبة: 28. روى القمى في تفسيره: 258 قال: حدثنى أبى عن محمد بن الفضيل، عن الرضا عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنى عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام. فالظاهر أن في الكلام تصحيفا أوسقطا، مرجعه إلى: وتحريم قرب خصوص المسجد الحرام لا كل مكة. نعم ورد في ذيل الحديث في كتابنا ” فمضى على عليه السلام لامر الله ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله “. والظاهر أن هذا من آثار نبذ العهود، وقوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، فتدبر. 3) ” معه ” ب، س، ص، ق، د. (*)

[ 559 ]

عليهم الايات، فلما صدر عنه أبو بكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ان العلي الا على يقرأ عليك السلام ويقول: يا محمد انه لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك، فابعث عليا عليه السلام ليتناول الايات، فيكون هو الذى ينبذ العهود ويقرأ الايات. يا محمد ما أمرك ربك بدفعها إلى علي عليه السلام ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكا ولا استدراكا على نفسه غلطا ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين أن المقام الذي يقومه أخوك علي عليه السلام لن يقومه غيره سواك يا محمد وان جلت في عيون هؤلاء الضعفاء من امتك مرتبته وشرفت عندهم منزلته. فلما انتزع (1) علي عليه السلام الايات من يده، لقي أبو بكر – بعد ذلك – رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي [ أنت ] وامي (يارسول الله أنت أمرت عليا أن أخذ هذه الايات من يدي) (2) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، ولكن العلي العظيم أمرني أن لا ينوب عني الا من هو مني، وأما أنت فقد عوضك الله بما قد حملك من آياته وكلفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة أما أنك ان (3) دمت على موالاتنا، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيا بما أخذنا به عليك [ من ] العهود والمواثيق فأنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودتنا. فسري (4) بذلك عن أبي بكر.


1) ” أخذ ” ص. 2) ” أ لموجدة كان نزع هذه الايات منى ” ب، س، ص، ق، د، والبحار. 3) ” ب، س، ص، ط. أقول: فيا اولى الابصار انظروا: ما أعظم الشرط وأجل الخطر. أما ترى قوله تعالى ” يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن.. ” الاحزاب: 32. وتقدم ص 513 مثل ذلك في قوله ” ما ان اطاع الله.. “. 4) أي زال ماكان يجده من هم. (*)

[ 560 ]

قال: فمضى علي عليه السلام لامر الله، ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا، غشاه الله نوره، وكساه فيهم هبة وجلالا، لم يجسروا معها على اظهار خلاف ولاقصد بسوء. قال: فذلك قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه). وهي مساجد خيار المؤمنين بمكة لما منعوهم من التعبد فيها بأن ألجاءوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الخروج عن مكة (وسعى في خرابها) خراب تلك المساجد لئلا تعمر (1) بطاعة الله، قال الله تعالى (أولئك ماكان لهم أن يدخلوها الا خائفين) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم الا خائفين من عدله (2) وحكمه النافذ عليهم – أن يدخلوها كافرين – بسيوفه وسياطه (لهم) لهؤلاء المشركين في (الدنيا خزي) وهو طرده اياهم عن الحرم، ومنعهم أن يعودوا إليه (ولهم في الاخرة عذاب عظيم) (3). [ تخليفه صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام في غزوة تبوك ] 331 – وقال [ الباقر، عن ] على بن الحسين عليهم السلام: ولقد كان من المنافقين والضعفاء من أشباه المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة، وإلى تخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل [ أمير المؤمنين ] علي عليه السلام بالمدينة، ومن قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في طريقهم إلى العقبة، ولقد زاد الله تعالى في ذلك السير إلى تبوك في بصائر المستبصرين وفي قطع معاذير


1) ” يقام فيها ” البحار. 2) ” عذابه ” البحار والبرهان. 3) عنه البحار: 35 / 297 ح 21، والبرهان: 1 / 145 ذ ح 1، ومستدرك الوسائل: 1 / 241 ح 6 قطعه. (*)

[ 561 ]

متمرديهم زيادات تليق بجلال الله وطوله على عباده. من ذلك أنهم لما كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسيره إلى تبوك قالوا: لن نصبر على طعام واحد كما قالت بنو اسرئيل لموسى عليه السلام وكانت آية رسول الله صلى الله عليه وآله الظاهرة لهم في ذلك أعظم من الاية الظاهرة لقوم موسى. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما امر بالمسير إلى تبوك، امر بأن يخلف عليا عليه السلام بالمدينة، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ماكنت احب أن أتخلف عنك في شئ من امورك، وأن أغيب عن مشاهدتك، والنظر إلى هديك وسمتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي (1)، تقيم يا علي فان لك في مقامك من الاجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله موقنا طائعا، وان لك علي – يا علي – أن أسأل الله بمحبتك (2) أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله، ان الله (3) يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا (4) أن يرفع الارض التي نسير عليها، والارض التي تكون أنت عليها، ويقوي بصرك حتى تشاهد محمدا وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم، فلا يفوتك الانس من رؤيته ورؤية أصحابه، ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة. فقام رجل من مجلس زين العابدين عليه السلام لما ذكر هذا وقال له: يابن رسول الله كيف يكون هذا لعلي، انما يكون هذا للانبياء، لا لغيرهم ! فقال زين العابدين عليه السلام: هذا هو معجزة لمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله لا لغيره، لان الله تعالى لما رفعه بدعاء محمد، زاد في نوره أيضا بدعاء محمد حتى شاهد


1) تقدم حديث المنزلة ص 380 و 485. 2) ” وان لك على الله (يا على) لمحبتك ” ب، س، الاحتجاج، والبحار. 3) ” بأن ” الاحتجاج، والبحار. 4) ” غدا ” س، ق، د. (*)

[ 562 ]

ما شاهد، وأدرك ما أدرك. ثم قال الباقر عليه السلام: [ يا عبد الله ] ما أكثر ظلم [ كثير من ] هذه الامة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وأقل انصافهم له ! ؟ يمنعون عليا ما يعطونه سائر الصحابة وعلي عليه السلام أفضلهم، فكيف يمنعون منزلة يعطونها غيره ؟ قيل: وكيف ذاك يابن رسول الله ؟ قال: لانكم تتولون محبي أبي بكر بن أبي قحافة، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان، وكذلك تتولون عمر بن الخطاب، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان، وتتولون عثمان بن عفان، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان، حتى إذا صار إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام قالوا: نتولى محبيه ولا نتبرأ من أعدائه، بل نحبهم ! وكيف يجوز هذا لهم ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي: ” اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ” (1) ؟ أفتراهم لا يعادون (2) من عاداه و [ لا يخذلون من ] (3) خذله ! ؟ ليس هذا بانصاف ! ثم اخرى أنهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به عليا عليه السلام بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وكرامته على ربه تعالى، جحدوه، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة فما الذي منع عليا عليه السلام ما جعله (4) لسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ هذا عمر بن الخطاب إذا قيل لهم: انه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته: يا سارية (5)، الجبل. وعجبت الصحابة وقالوا: ما هذا من


1) تقدم ص 111 ح 58 ضمن قصة الغدير مع بيان فراجع. 2) ” أفترونه لا يعادى ” س، ص، ق، د، والاحتجاج. 3) من البحار. 4) ” ما جعلوه ” البحار. 5) هو سارية بن زنيم بن عبد الله بن جابر الكنانى الديلى، تناوله ابن الاثير (والقصة > (*)

[ 563 ]

الكلام الذي في هذه الخطبة ! فلما قضى الخطبة والصلاة قالوا: ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل ؟ فقال: اعلموا أني – وأنا أخطب – رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها اخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند، وعليهم سعد بن أبي وقاص، ففتح الله لي الاستار والحجب، وقوى بصري حتى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك، وقد جاء بعض الكفار ليدوروا خلف سارية (1)، وسائر من معه من المسلمين، فيحيطوا بهم فيقتلوهم، فقلت ” يا سارية، الجبل ” ليلتجئ إليه فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به ثم يقاتلوا، ومنع الله اخوانكم المؤمنين أكتاف الكافرين (2) وفتح الله عليهم بلادهم، فاحفظ هذا الوقت فسيرد الله عليكم الخبر بذلك. وكان بين المدينة ونهاوند (3) مسيرة أكثر من خمسين يوما. قال الباقر عليه السلام: فإذا كان هذا لعمر فكيف لا يكون مثل هذا لعلي بن أبي طالب عليه السلام ؟ ولكنهم قوم لا ينصفون، بل يكابرون. ثم عاد الباقر عليه السلام إلى حديثه. عن علي بن الحسين عليها السلام قال: فكان الله تعالى يرفع البقاع التي عليها محمد صلى الله عليه وآله ويسير فيها، لعلي بن أبي طالب عليه السلام حتى يشاهدهم على أحوالهم. قال علي عليه السلام: وان رسول الله صلى الله عليه وآله كان كلما أراد غزوة ورى بغيرها الا غزاة


الملفقة) في الكامل: 3 / 42 عند ذكره ” فتح فسا ودارا بجرد “. واليعقوبي: 2 / 156 في فتح نهاوند. 1) ” سعد ” ب، س، ص، ق، د. 2) كناية عن نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين. وفى ” أ، ص، ق، د ” وفتح. أكتاف.. 3) وهى مدينة عظيمة في قبلة همدان ؟ بينهما ثلاثة أيام. وهى أعتق مدينة في الجبل. (معجم البلدان: 5 / 313). أقول: وان كانت هذه القصة قد ذكرت بألفاظ مختلفة في بعض كتب التاريخ، الا > (*)

[ 564 ]

تبوك، فانه عرفهم أنه يريدها ! وأمرهم أن يتزودوا لها (1) فتزودوا لها دقيقا يختبزونه في طريقهم، ولحما مالحا وعسلا وتمرا، وكان زادهم كثيرا، لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان حثهم على التزود لبعد الشقة (2) وصعوبة المفاوز، وقلة ما بها من الخيرات. فساروا أياما، وعتق طعامهم، وضاقت من بقاياه صدورهم، فأحبوا طعاما طريا فقال قوم منهم: يا رسول الله قد سئمنا هذا الذي معنا من الطعام، فقد عتق وصار يابسا (3) وكان يريح (4) ولا صبر لنا عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” وما معكم ” ؟ قالوا: خبز ولحم قديد مالح وعسل وتمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأنتم الان كقوم موسى لما قالوا له لن نصبر على طعام واحد، فما الذي تريدون ؟ قالوا: نريد لحما طريا قديدا، ولحما مشويا من لحوم الطير، ومن الحلواء المعمول. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولكنكم تخالفون في هذه الواحدة بني اسرائيل، لانهم أرادوا البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، فاستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير، وأنتم تستبدلون الذي هو أفضل بالذي هو دونه، وسوف أسأله لكم ربى. قالوا: يا رسول الله فان فينا من يطلب مثل ما طلبوا من بقلها وقثائها وفومها


< أن جماعة من فقهاء أصحاب الحديث أنكروا صحته وطعنوا في راويه، ناهيك عن رفض العقل لمثل هذه التخرصات، ولا نريد الخوض أكثر في هذا المجال، فاللبيب تكفيه الاشارة. وانظر كتاب الاستغاثة: 150. 1) تقدم هذا الخبر ص 482 وله بيان. 2) أي المسافة التى يشقها السائر. 3) ” عفنا ” ص، ” عائبا ” ب، س، ” غابا ” ط. الغاب: اللحم البائت. 4) أراح اللحم: أي أنتن، وراح الشئ ويريحه إذا وجد ريحه (طيبا كان أو نتنا). ” يزنح ” أ، ولعلها تصحيف ” زنخ ” أي تغير وفسد. (*)

[ 565 ]

وعدسها وبصلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فسوف يعطيكم الله ذلك بدعاء رسول الله، فآمنوا به وصدقوه. ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله ان قوم عيسى لما سألوا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله وتعالى: (اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين) (1) فأنزلها عليهم، فمن كفر بعد منهم مسخه الله اما خنزيرا، واما قردا واما دبا وأما هرا، واما على صورة بعض من الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ. فان محمدا رسول الله لا يستنزل لكم ما سألتموه من السماء حتى يحل بكافركم ما حل بكفار قوم عيسى عليه السلام، وان محمدا أرأف بكم من أن يعرضكم لذلك (2). ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طائر في الهواء فقال لبعض أصحابه: قل لهذا الطائر: ان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تقع على الارض. فقالها فوقع. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أيها الطائر أن الله يأمرك أن تكبر، وتزداد عظما. فكبر، فازداد عظما حتى صار كالتل العظيم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه: أحيطوا به. فأحاطوا به، وكان عظم ذلك


1) المائدة: 115. 2) قد يتوهم أنه كيف قال صلى الله عليه وآله: لا يستنزل – استعراضا – بما حل.. ثم ؟ ؟ استنزل ؟ ! ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وآله في مقام فضله على عيسى عليه السلام، فانه استنزل لهم ما سألوه حتى حل بكافرهم ما حل. وأما نبى الرحمة صلى الله عليه وآله فانه – كما قال – لا يستنزل بهذا الوجه فانه أراف، بل هو اما أن لا يستنزل ابتداءا أو يستنزل لهم ما سألوه بحيث لا يحل بهم ما حل بقوم عيسى عليه السلام، ولذلك قال ثم استنزل، ولم يذكر نزول عذاب. كيف لا وقال عزوجل ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ” الانفال: 33. (*)

[ 566 ]

الطائر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهم فوق عشرة آلاف اصطفوا حوله فاستدار صفهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أيها الطائر ان الله يأمرك أن تفارقك أجنحتك وزغبك وريشك. ففارقه ذلك أجمع، وبقي الطائر لحما على عظم، وجلده فوقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله يأمرك أن يفارقك – أيها الطائر – عظام بدنك ورجليك ومنقارك. ففارقه ذلك أجمع، وصار حول الطائر، والقوم حول ذلك أجمع. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله تعالى يأمر هذه العظام أن تعود (1) فثاء ؟ ؟ فعادت كما قال ثم قال: ان الله تعالى يأمر هذه الاجنحة والزغب والريش أن تعود بقلا وبصلا وفوما وأنواع البقول. فعادت كما قال. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله ضعوا الان أيديكم عليها، فمزقوا منها بأيديكم، وقطعوا منها بسكاكينكم فكلوه. ففعلوا. فقال بعض المنافقين وهو يأكل: ان محمدا يزعم [ أن ] في الجنة طيورا يأكل منها الجناني من جانب له قديدا، ومن جانب [ له ] مشويا، فهلا أرانا نظير ذلك في الدنيا ! فأوصل الله علم ذلك إلى قلب محمد، فقال: عباد الله ليأخذ كل واحد منكم لقمته وليقل: ” بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ” وليضع لقمته في فيه، فانه يجد طعم ما يشاء قديدا، وان شاء مشويا، وان شاء مرقا طبيخا، وان شاء سائر ما شاء من ألوان الطبيخ، أو ما شاء من ألوان الحلواء. ففعلوا ذلك، فوجدوا الامر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله حتى شبعوا. فقالوا: يارسول الله شبعنا، ونحتاج إلى ماء نشربه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو لا تريدون اللبن ؟ أو لا تريدون سائر الاشربة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله فينا من يريد ذلك.


1) عاد الامر كذا: صار نحو ” عاد فلان شيخا “. (*)

[ 567 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليأخذ كل واحد منكم لقمة منها، فيضعها في فيه وليقل: ” بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ” فانه يستحيل في فيه ما يريد، ان أراد ماء أو لبنا أو شرابا من الاشربة. ففعلوا، فوجدوا الامر على ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان الله يأمرك – أيها الطائر – أن تعود كما كنت، ويأمر هذه الاجنحة والمنقار والريش والزغب التي قد استحالت إلى البقل والقثاء والبصل والفوم أن تعود جناحا وريشا وعظما كما كانت على قدر قالبها (1). فانقلبت وعادت أجنحة وريشا وزغبا وعظاما، ثم تركبت على قدر الطائر كما كانت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الطائر ان الله يأمر الروح التي كانت فيك فخرجت أن تعود اليك. فعادت روحها في جسدها. ثم قال صلى الله عليه وآله: أيها الطائر ان الله يأمرك أن تقوم فتطير كما كنت تطير. فقام فطار في الهواء وهم ينظرون إليه، ثم نظروا إلى ما بين أيديهم، فإذا لم يبق هناك من ذلك البقل والقثاء والبصل والفوم شئ (2). الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين [ الطاهرين الاخيار ] [ تم الجزء الاول من تفسير الامام الحسن بن علي (3) بن محمد بن علي بن


1) ” قلتها ” أ، البحار. 2) عنه البحار: 14 / 235 ح 8 (قطعة)، وج 21 / 237 ح 24 ورواه الطبرسي في الاحتجاج: 2 / 66 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام (إلى قوله: ولكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون) عنه البحار: 21 / 244 ملحق ح 24، واثبات الهداة: 2 / 52 ح 361. 3) بعدها في ” س ” هكذا: عليهما السلام وعلى آبائهما الطيبين الطاهرين في يوم الاثنين سابع ذى الحجة ستة وثمانين وثمانمائة هجرية على يد العبد الفقير الحقير إلى الله العلى القدير أضعف العباد، وأقلهم للزاد، وأرجاهم عفوا يوم المعاد، > (*)

[ 568 ]

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد وفقني الله لاتمام هذا الجزء من تفسير الامام عليه وعلى ابنه وآبائه الطيبين السلام، مما وجدنا مرتبا من أول الحمد إلى هذه الاية من سورة البقرة. ويتلوه شئ آخر من هذا التفسير مما وجد مفقودا مطلع الاية، ساقطا من الاية المزبورة إليها بقدر ثلث جزء من الاجزاء الثلاثين للقرآن تقريبا. ونرجو الله أن يرزقنا الوصول إلى تمام هذا التفسير الجليل العظيم الكبير المتضمن لمعارف الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتهم الحاوي لعلومهم وأسرارهم واشاراتهم وتلويحاتهم بحسب مراتبهم ومقاماتهم من امامتهم وبشريتهم إلى حقائقهم. ونسأل الله بحقهم الواجب على ربهم أن يدخلنا في جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم انه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين. وقد وفقني الله سبحان لكتابة هذا الجزء واتمامه في عشرين من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة 1314 ] (1).


< المتمسك بحب النبي الامي وأهل بيته المعصومين الراجى عفو الخالق الباري بابا حاجى بن سعد الدين بن حاجى على حامدا ومصليا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. وفى ” ق، د ” هكذا: العسكري عليهما السلام وعلى آبائهما الطيبين الطاهرين حامدا ومصليا. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 1) ” في يوم سلخ شهر شعبان المعظم من شهور سنة 1206 ” ب. ” في يوم الاحد سلخ شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1252 ” خ. (*)

[ 569 ]

[ بسم الله الرحمن الرحيم ] شئ آخر من هذا التفسير، من هذه السورة، مما وجد مفقودا مطلع الاية. 332 -… ثم قال (1): يا امة ان قول الله عزوجل في الصفا والمروة حق (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا) فأكثري (2) الطواف، فان الله شاكر (3) لصنيعه بحسن جزائه، عليم بنيته، وعلى حسب ذلك يعظم ثوابه، ويكرم مآبه. يا أمة ! هذا رسول الله قد شرفني ببنوة (4) علي بن أبي طالب عليه السلام، فاشكري نعم الله الجليلة عليك، فان من شكر النعم استحق مزيدها، كما أن من كفرها استحق حرمانها. فقيل ذلك أيضا بعد لرسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سيخرج منه كبراء، وسيكون أبا عدة من الائمة الطاهرين، وأبا القائم من آل محمد الذي


1) الظاهر من سياق العبارة وهى قوله: ” يا أمة ” إلى قوله ” وجورا ” أنها ليس في التفسير، ولم تكن هي موجودة في النسخة الصحيحة المعتمدة، والله أعلم، حاشية ” ط “. 2) كذا استظهر ناها، وفى الاصل: فاكثر. 3) ” شاكر عليم ” ق، د، ط. 4) ” بنبوته وولاية ” س. (*)

[ 570 ]

يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ] (1). (2) قوله عزوجل: ” ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك اتوب عليهم وأنا التواب الرحيم: 159 – 160 333 – قال الامام عليه السلام: قوله عزوجل: (ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات) من صفة محمد وصفة علي وحليته (والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب) [ قال: ] والذى أنزلناه من [ بعد ] الهدى، هو ما أظهرناه من الايات على فضلهم ومحلهم. كالغمامة التي كانت تظلل رسول الله صلى الله عليه وآله في أسفاره، والمياه الاجاجة التي كانت تعذب في الابار والموارد (3) ببصاقه (4) والاشجار التى كانت تتهدل (5) ثمارها بنزوله تحتها، والعاهات التى كانت تزول عمن يمسح يده عليه، أو ينفث بصاقه فيها. وكالايات التي ظهرت على علي عليه السلام من تسليم الجبال والصخور والاشجار قائلة: ” يا ولي الله، ويا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ” والسموم القاتلة التي تناولها


1) كذا في ” ب، س، ط ” وفي ” أ “: هذا تفسير اثنان وأربعون آية، رزقنا الله بجاه محمد وآله الطيبين شئ آخر من بيرات [ نيرات / ظ ] هذا التفسير من سورة البقرة أيضا وفى ” ص “: شئ آخر من متممات هذا التفسير من سورة البقرة أيضا. 2) عنه اثبات الهداة: 3 / 68 ح 752 قطعة. 3) الورد – بكسر الواو -: الماء الذى يورد. 4) ” ببزاقه ” أ، والبحار. وكذا بعدها، وكلاهما بمعنى 5) أي تتدلى. (*)

[ 571 ]

من سمى باسمه عليها ولم يصبه بلاؤها، والافعال العظيمة: من التلال والجبال التي قلعها ورمى بها كالحصاة الصغيرة، وكالعاهات التي زالت بدعائه، والافات والبلايا التي حلت بالاصحاء بدعائه، وسائرها مما خصه الله تعالى به من فضائله. فهذا من الهدى الذي بينه الله للناس في كتابه، ثم قال: (اولئك) [ أي اولئك ] الكاتمون ؟ ؟ لهذه الصفات من محمد صلى الله عليه وآله ومن علي عليه السلام المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم ابداؤها لهم عند زوال التقية (يلعنهم الله) يلعن الكاتمين (ويلعنهم اللاعنون). فيه وجوه: منها (يلعنهم اللاعنون) أنه ليس أحد محقا كان أو مبطلا الا وهو يقول: لعن الله الظالمين الكاتمين للحق، ان الظالم الكاتم للحق ذلك يقول أيضا لعن الله الظالمين الكاتمين، فهم على هذا المعنى في لعن كل اللاعنين، وفي لعن أنفسهم. ومنها: أن الاثنين إذا ضجر بعضهما على بعض وتلاعنا ارتفعت اللعنتان، فاستأذنتا ربهما في الوقوع لمن بعثتا عليه. فقال الله عزوجل للملائكة: انظروا، فان كان اللاعن أهلا للعن وليس المقصود به أهلا فأنزلوهما جميعا باللاعن. وان كان المشار إليه أهلا، وليس اللاعن أهلا فوجهوهما إليه. وان كانا جميعا لها أهلا، فوجهوا لعن هذا إلى ذلك، ووجهوا لعن ذلك إلى هذا. وان لم يكن واحد منهما لها أهلا لايمانهما، وان الضجر أحوجهما إلى ذلك، فوجهوا اللعنتين إلى اليهود الكاتمين نعت محمد وصفته ؟ ؟ صلى الله عليه وآله وذكر علي عليه السلام وحليته، والى النواصب الكاتمين لفضل علي، والدافعين لفضله. ثم قال الله عزوجل: (الا الذين تابوا) من كتمانه (وأصلحوا) أعمالهم، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل فجحدوا به فضل الفاضل


[ 572 ]

واستحقاق المحق (وبينوا) ما ذكره الله تعالى من نعت محمد صلى الله عليه وآله وصفته ومن ذكر علي عليه السلام وحليته، وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله (فاولئك أتوب عليهم) أقبل توبتهم (وأنا التواب الرحيم). (1) قوله عزوجل: ” ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون ” 161 – 162. 334 – قال الامام عليه السلام: قال الله تعالى: (ان الذين كفروا) بالله في ردهم نبوة محمد صلى الله عليه وآله، وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (وماتوا وهم كفار) على كفرهم (اولئك عليهم لعنة الله) يوجب الله تعالى لهم البعد من الرحمة، والسحق (2) من الثواب (والملائكة) وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم (والناس أجمعين) ولعنة الناس أجمعين كل يلعنهم، لان كل المأمورين المنهيين (3) يلعنون الكافرين، والكافرون أيضا يقولون: لعن الله الكافرين، فهم في لعن أنفسهم أيضا (خالدين فيها) في اللعنة، في نار جهنم (لا يخفف عنهم العذاب) يوما ولا ساعة (ولاهم ينظرون) لا يؤخرون ساعة، ولا يخل (4) بهم العذاب. (5) 335 – قال على بن الحسين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان هؤلاء الكاتمين لصفة [ محمد ] رسول الله صلى، والجاحدين لحلية علي ولي الله إذا أتاهم


1) عنه البحار: 36 / 107 ح 57، وج 72 / 209 ح 5 قطعة، ومستدرك الوسائل: 2 / 110 باب 140 ح 3. 2) السحق: البعد. يقال ” سحقا له ” أي أبعده الله عن رحمته. 3) ” كلا من المأمورين المنتهين ” س، ق، د، والبحار 4) ” الا يحل ” ب، س، ط، ق، د، والبحار. أخل بالشئ: قصر فيه، تركه ولم يأت به. 5) عنه البحار: 6 / 189 صدر ح 33. (*)

[ 573 ]

ملك الموت ليقبض أرواحهم، أتاهم بأفظع المناظر، وأقبح الوجوه، فيحيط بهم عند نزع أرواحهم مردة شياطينهم الذين كانوا يعرفونهم، ثم يقول ملك الموت: أبشري أيتها النفس الخبيثة الكافرة بربها بجحد نبوة نبيه، وامامة علي وصيه بلعنة من الله وغضبه، ثم يقول: ارفع رأسك وطرفك وانظر، [ فينظر ] فيرى دون العرش محمدا صلى الله عليه وآله على سرير بين يدي عرش الرحمن، ويرى عليا عليه السلام على كرسي بين يديه، وسائر الائمة عليهم السلام على مراتبهم الشريفة بحضرته، ثم يرى الجنان قد فتحت أبوابها، ويرى القصور والدرجات والمنازل التي تقصر عنها أماني المتمنين، فيقول له: لو كنت لاولئك مواليا كانت روحك يعرج بها إلى حضرتهم، وكان يكون مأواك في تلك الجنان، وكانت تكون منازلك فيها (1)، وان كنت على مخالفتهم، فقد حرمت [ على ] حضرتهم، ومنعت مجاورتهم، وتلك منازلك، واولئك مجاوروك ومقاربوك، فانظر. فيرفع له عن حجب الهاوية، فيراها بما فيها من بلاياها ودواهيها وعقاربها وحياتها وأفاعيها وضروب عذابها وأنكالها (2)، فيقال له: فتلك اذن منازلك. ثم تمثل له شياطينه هؤلاء الذين كانوا يغوونه ويقبل منهم مقرنين معه هناك في تلك الاصفاد (3) والاغلال، فيكون موته بأشد حسرة وأعظم أسف. (4) قوله عزوجل: ” والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم “: 163. 336 – قال الامام عليه السلام: والهكم الذي أكرم محمدا صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام بالفضيلة وأكرم آلهما الطيبين بالخلافة، وأكرم شيعتهم بالروح والريحان والكرامة والرضوان


1) في البحار بلفظ: وكانت تكون منازلك وأولياؤك ومجاوروك.. 2) النكل – بكسر النون -: القيد الشديد من كل شئ. 3) الصفد: الوثاق. 4) عنه البحار: 6 / 190 ذ ح 33. (*)

[ 574 ]

(اله واحد) لا شريك له ولا نظير ولا عديل. (لا اله الا هو) الخالق (1)، البارئ، المصور، الرازق (2)، الباسط، المغني، المفقر، المعز، المذل. (الرحمن) يرزق مؤمنهم وكافرهم، وصالحهم وطالحهم، لا يقطع عنهم مواد فضله ورزقه، وان انقطعوا هم عن طاعته. (الرحيم) بعباده المؤمنين من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله، وسع لهم في التقية يجاهرون، باظهار موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه إذا قدروا، ويسترونها (3) إذا عجزوا. (4) 337 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولو شاء لحرم عليكم التقية، وأمركم بالصبر على ما ينالكم من أعدائكم عند اظهاركم الحق. ألا فأعظم فرائض الله تعالى عليكم بعد فرض موالاتنا ومعاداة أعدائنا استعمال التقية على أنفسكم واخوانكم (5) [ ومعارفكم، وقضاء حقوق اخوانكم ] في الله. ألا وان الله يغفر كل ذنب بعد ذلك ولا يستقصي. فأما هذان (6) فقل من ينجو منهما الا بعد مس عذاب شديد، الا أن يكون لهم مظالم على النواصب والكفار، فيكون عذاب هذين على اولئك الكفار والنواصب قصاصا بما لكم عليهم من الحقوق، ومالهم اليكم من الظلم، فاتقوا الله ولا تتعرضوا لمقت الله بترك التقية، والتقصير في حقوق اخوانكم المؤمنين. (7)


1) ” الخلاق ” أ، والبحار. 2) ” الرزاق ” أ. 3) ” يسرون بها ” الوسائل. 4) عنه الوسائل: 11 / 475 ح 12 قطعة والبحار: 75 / 409 صدر ح 52. 5) ” أموالكم ” الوسائل. 6) أي تارك التقية وتارك الحقوق. 7) عنه الوسائل: 11 / 475 ح 13، والبحار: 75 / 409 ذ ح 52. أقول تقدم نحو ذلك في وجوب الاهتمام بالتقية وقضاء الحقوق ص 320، فراجع. (*)

[ 575 ]

قوله عزوجل: ” ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون: ” 164. 338 – قال الامام عليه السلام: لما توعد رسول الله صلى الله عليه وآله اليهود والنواصب في جحد النبوة والخلافة، قال مردة اليهود وعتاة النواصب: من هذا الذي ينصر محمدا وعليا على أعدائهما ؟ فأنزل الله عزوجل (ان في خلق السموات والارض) بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط، ولا علاقة من فوقها تحبسها (1) من الوقوع عليكم، وأنتم يا أيها العباد والاماء اسرائي في قبضتي، الارض من تحتكم لا منجا لكم منها أين (2) هربتم، والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها أين ذهبتم، فان [ شئت أهلكتكم بهذه، وان ] شئت أهلكتكم بتلك. ثم في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معايشكم، ومن القمر المضئ لكم في ليلكم لتبصروا في ظلماته، وإلجاؤكم بالاستراحة بالظلمة إلى ترك مواصلة الكد الذي ينهك أبدانكم. (واختلاف الليل والنهار) المتتابعين الكادين (3) عليكم بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من اسعاد واشقاء، واعزاز واذلال، واغناء وافقار، وصيف وشتاء، وخريف وربيع، وخصب وقحط، وخوف وأمن. (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) التي جعلها الله مطاياكم


1) ” تحفظها ” أ. حبس عن الشئ: منعه. 2) ” ان ” ب، س، ط، ق، د، والبحار، وكذا بعدها. 3) من الكد بمعنى الشدة والالحاح في الطلب، كناية عن عدم تخلفهما. والباء في قوله عليه السلام ” بالعجائب ” بمعنى مع. قاله المجلسي ره. (*)

[ 576 ]

لا تهدأ ليلا ولا نهارا، ولا تقضيكم (1) علفا ولا ماء، وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم لها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لانفسكم. (وما أنزل الله من السماء من ماء) وابلا وهطلا ورذاذا لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك معايشكم، لكنه ينزل متفرقا من علا حتى يعم الاوهاد والتلال والقلاع (2). (فأحيا به الارض بعد موتها) فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها. (وبث فيها من كل دابة) منها ما هو لاكلكم ومعايشكم، ومنها سباع ضارية حافظة عليكم ولانعامكم، لئلا تشد (3) عليكم خوفا من افتراسها. (وتصريف الرياح) المربية لحبوبكم، المبلغة لثماركم، النافية لركد الهواء والاقتار (4) عنكم (والسحاب) الواقف (المسخر) المذلل (5) (بين السماء والارض) يحمل أمطارها، ويجري باذن الله ويصبها حين يؤمر. (لايات) دلائل واضحات (لقوم يعقلون) يتفكرون بعقولهم أن من هذه العجائب من آثار قدرته، قادر على نصرة محمد وعلي وآلهما عليهما السلام على من تأذاهما (6) وجعل العاقبة الحميدة لمن يواليه، فان المجازاة ليست على الدنيا، وانما هي [ على ]


1) انقضى وتقضى الشئ: ذهب وفنى. ” تقضيكم ” ق، د، والبحار. 2) القلاع – بضم القاف -: الطين الذى ينشق إذا نضب عنه الماء، أو الحجارة. ” التلاع ” البحار. وهى ما ارتفع من الارض وما انهبط منها (من الاضداد). أقول: وتقدم مثله ص 143 ذ ح 72. 3) ” تشذ ” س، ص، والبحار. شذ عن الجماعة: خالفها. شد على العدو، حمل عليه. 4) كأنه جمع القترة بمعنى الغبرة، أي يذهب الاغبرة والابخرة المجتمعة في الهواء الموجبة لكثافتها وتعفنها. قاله المجلسي ره. 5) في ” أ “: ” المذلل ” بدل ” الواقف ” وبالعكس. 6) ” ناواهما ” ص، ” من يشاء ” البحار. (*)

[ 577 ]

الاخرة التي يدوم نعيمها ولا يبيد عذابها. (1) 339 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي عليهما السلام أن ينصر (2) في الدنيا على أعدائه، فقد جمع له خير الدارين، وان ما امتحن في الدنيا ذخر له في الاخرة، ما [ لا ] يكون لمحنته في الدنيا قدر عند اضافتها إلى نعيم الاخرة، وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت، ان خذل في الدنيا وغلب بأيدي المؤمنين، فقد جمع له (3) عذاب الدارين، وان امهل في الدنيا، واخر عنه عذابها كان له في الاخرة من عجائب العذاب، وضروب العقاب، مايود لو كان في الدنيا مسلما، وما لا قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند الاضافة إلى تلك البلايا. فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا، وأطولهم فيها عمرا من مخالفينا، غمس يوم القيامة في النار غمسة، ثم سئل هل لقيت نعيما قط ؟ لقال: لا. ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا، وأعظمهم بلاء من موافقينا وشيعتنا، غمس يوم القيامة في الجنة غمسة، ثم سئل هل لقيت بؤسا [ قط ] ؟ لقال: لا. فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما، فذلك النعيم فاطلبوه، وذلك العذاب فاتقوه. (4) قوله عزوجل: ” ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرا منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار “: 165 – 167.


1) عنه البحار: 3 / 54 ح 26 إلى قوله: على من يشاء (تأذاهما). 2) كذا استظهرها في ” ط “، ” يصبر (ما) بما ” أ، ص، ط. ” يصير ” ب، س، ق، د. 3) ” عليه ” ب، س، ق، والبحار. 4) عنه البحار: 67 / 234 ح 49. (*)

[ 578 ]

340 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل لما آمن المؤمنون، وقبل ولاية محمد وعلي عليهما السلام العاقلون، وصد عنها المعاندون (ومن الناس – يا محمد – من يتخذ من دون الله أندادا) أعداء يجعلونهم لله أمثالا (يحبونهم كحب الله) يحبون تلك الانداد من الاصنام كحبهم لله (والذين آمنوا أشد حبا لله) من هؤلاء المتخذين الانداد مع الله، لان المؤمنين يرون الربوبية لله وحده لا يشركون [ به ]. ثم قال: يا محمد (ولو يرى الذين ظلموا) باتخاذ الاصنام أندادا واتخاذ الكفار والفجار أمثالا لمحمد وعلي عليهما السلام (إذ يرون العذاب) حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم (أن القوة لله جميعا) يعلمون أن القوة لله يعذب من يشاء، ويكرم من يشاء، لا قوة للكفار يمتنعون بها من عذابه (وأن الله شديد العذاب) ويعلمون أن الله شديد العقاب (1) لمن اتخذ الانداد مع الله. ثم قال: (إذ تبرأ الذين اتبعوا) لو رأى هؤلاء الكفار الذين اتخذوا الانداد حين تبرأ اتبعوا الرؤساء (من الذين اتبعوا) الرعايا والاتباع (وتقطعت بهم الاسباب) فنيت حيلهم، ولا يقدرون على النجاة من عذاب الله بشئ (وقال الذين اتبعوا) الاتباع (لو أن لناكرة) يتمنون لو كان لهم كرة: رجعة إلى الدنيا (فنتبرأ منهم) هناك (كما تبرءوا منا) ههنا. قال الله عزوجل: (كذلك) [ كما ] تبرأ بعضهم من بعض (يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) وذلك أنهم عملوا في الدنيا لغير الله، فيرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب أهلها، ورأوا أعمال أنفسهم لا ثواب لها إذ كانت لغير الله، أو كانت على غير الوجه الذي أمر الله به. قال الله تعالى (وما هم بخارجين من النار) كان عذابهم سرمدا دائما،


1) ” العذاب ” ب، س، ق، د. (*)

[ 579 ]

وكانت ذنوبهم كفرا، لا تلحقهم شفاعة نبي، ولا وصي، ولا خير من خيار شيعتهم. (1) 341 – قال على بن الحسين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من عبد ولا أمة زال عن ولايتنا، وخالف طريقتنا، وسمى غيرنا بأسمائنا وأسماء خيار أهلنا الذي اختاره الله للقيام بدينه ودنياه، ولقبه بألقابنا وهو لذلك يلقبه معتقدا، لا يحمله على ذلك تقية خوف، ولا تدبير مصلحة دين، الا بعثه الله يوم القيامة ومن كان قد اتخذه من دون الله وليا، وحشر إليه الشياطين الذين كانوا يغوونه. فقال [ له ]: يا عبدي أربا معي، هؤلاء كنت تعبد ؟ واياهم كنت تطلب ؟ فمنهم فاطلب ثواب ماكنت تعمل، لك معهم عقاب اجرائك (2). ثم يأمر الله تعالى أن يحشر الشيعة الموالون لمحمد وعلي وآلهما عليهم السلام ممن كان في تقية لا يظهر ما يعتقده، وممن لم يكن عليه تقية، وكان يظهر ما يعتقده. فيقول الله تعالى: انظروا حسنات شيعة محمد وعلي فضاعفوها. قال: فيضاعفون (3) حسناتهم أضعافا مضاعفة. ثم يقول الله تعالى: انظروا ذنوب شيعة محمد وعلي. فينظرون: فمنهم من قلت ذنوبه فكانت مغمورة في طاعاته، فهؤلاء السعداء مع الاولياء والاصفياء. ومنهم من كثرت ذنوبه وعظمت، فيقول الله تعالى: قدموا الذين كانوا لا تقية عليهم من أولياء محمد وعلي، فيقدمون. فيقول الله تعالى: انظروا حسنات عبادي هؤلاء النصاب الذين اتخذوا الانداد من دون محمد وعلي ومن دون خلفائهم، فاجعلوها لهؤلاء المؤمنين، لما كان


1) عنه البحار: 7 / 188 صدر ح 51، وج 9 / 186 ح 16. 2) ” اجرامك ” س، ق، د والبحار. 3) ” فتضاعف ” س، والبحار. (*)

[ 580 ]

من اغتيابهم (1) لهم بوقيعتهم فيهم، وقصدهم إلى أذاهم فيفعلون ذلك، فتصير حسنات النواصب لشيعتنا الذين لم يكن عليهم تقية. ثم يقول: انظروا إلى سيئات شيعة محمد وعلي، فان بقيت لهم على هؤلاء النصاب بوقيعتهم فيهم زيادات، فاحملوا على اولئك النصاب بقدرها من الذنوب التي لهؤلاء الشيعة. فيفعل ذلك. ثم يقول الله عزوجل: ائتوا بالشيعة المتقين لخوف الاعداء، فافعلوا في حسناتهم وسيئاتهم، وحسنات هؤلاء النصاب وسيئاتهم ما فعلتم بالاولين. فيقول النواصب: يا ربنا هؤلاء كانوا معنا في مشاهدنا حاضرين، وبأقاويلنا قائلين، ولمذاهبنا معتقدين ! فيقال: كلا والله يا أيها النصاب ما كانوا لمذاهبكم معتقدين، بل كانوا بقلوبهم لكم إلى الله مخالفين، وان كانوا بأقوالكم قائلين، وبأعمالكم عاملين للتقية منكم معاشر الكافرين، قد اعتددنا لهم بأقاويلهم وأفاعيلهم اعتدادنا بأقاويل المطيعين وأفاعيل المحسنين، إذ كانوا بأمرنا عاملين: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فعند ذلك تعظم حسرات النصاب إذا رأوا حسناتهم في موازين شيعتنا أهل البيت، ورأوا سيئات شيعتنا على ظهور معاشر النصاب، وذلك قوله عزوجل (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم). (2) قوله عزوجل: ” يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين * انما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون: ” 168 – 169. 342 – قال الامام عليه السلام قال الله عزوجل: (يا أيها الناس كلوا مما في


1) ” اغتيالهم ” س، ق، د، والبحار. 2) عنه البحار: 7 / 189 ذ ح 51. (*)

[ 581 ]

الارض) من أنواع ثمارها وأطعمتها (حلالا طيبا) لكم إذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه، والاستخفاف بمن أهانه وصغره (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ما يخطو بكم إليه، ويغركم به من مخالفة من جعله الله رسولا أفضل المرسلين، وأمره بنصب من جعله الله أفضل الوصيين، وسائر من جعل خلفاءه وأولياءه. (انه لكم عدو مبين) يبين لكم العداوة، ويأمركم إلى مخالفة أفضل النبيين ومعاندة أشرف الوصيين. (انما يأمركم) الشيطان (بالسوء) بسوء المذهب والاعتقاد في خير خلق الله [ محمد رسول الله ] وجحود ولاية أفضل أولياء الله بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله (وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) بامامة (1) من لم يجعل الله له في الامامة حظا، ومن جعله من أراذل أعدائه وأعظمهم كفرا [ به ]. (2) 343 – قال على بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فضلت على الخلق أجمعين، وشرفت على جميع النبيين، واختصصت بالقرآن العظيم، واكرمت بعلي سيد الوصيين، وعظمت بشيعته خير شيعة النبيين والوصيين. وقيل لي: يا محمد قابل نعمائي عليك بالشكر الممتري (3) للمزيد. فقلت: يا ربي وما أفضل ما اشكرك به ؟ فقال لي: يا محمد أفضل ذلك بثك (4) فضل أخيك علي، وبعثك (5) سائر عبادي على تعظيمه وتعظيم شيعته، وأمرك اياهم أن لا يتوادوا الا في، ولا يتباغضوا


1) ” باقامة ” ب، س، ق، د. 2) عنه البحار: 24 / 379 صدر ح 106، وج 65 / 156 ح 27 قطعة، مستدرك الوسائل: 3 / 103 باب 1 ح 1 قطعة. 3) امترى الشئ: استخرجه. 4) بث الخبر: أذاعه. ونشره. 5) بعثه على الشئ: حمله على فعله. واستظهرها في ” ص ” حثك: حث الرجل على الامر: نشطه على فعله. (*)

[ 582 ]

الا في، ولا يوالوا ولا يعادوا الا في، وأن ينصبوا الحرب لابليس وعتاة مردته الداعين إلى مخالفتي وأن يجعلوا جنتهم (1) منهم العداوة لاعداء محمد وعلي، وأن يجعلوا أفضل سلاحهم على ابليس وجنوده تفضيل محمد على جميع النبيين، وتفضيل علي على سائر امته أجمعين، واعتقادهم بأنه الصادق لا يكذب، والحكيم لا يجهل، والمصيب لا يغفل، والذي بمحبته تثقل موازين المؤمنين، وبمخالفته تخف موازين الناصبين، فإذا هم فعلوا ذلك كان ابليس وجنوده المردة أخسا المهزومين وأضعف الضعيفين. (2) قوله عزوجل: ” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون: ” 170. 344 – قال الامام عليه السلام: وصف الله هؤلاء المتبعين لخطوات الشيطان فقال (وإذا قيل لهم) تعالوا إلى ما أنزل الله في كتابه من وصف محمد صلى الله عليه وآله، وحلية علي عليه السلام، ووصف فضائله، وذكر مناقبه والى الرسول، وتعالوا إلى الرسول لتقبلوا منه ما يأمركم به قالوا: ” حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمذهب ” فاقتدوا بآبائهم (3) في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله ومنابذة علي ولي الله، قال الله عزوجل: (أو لو كان آباؤهم لا يعقلون) [ لا يعلمون ] (شيئا ولا يهتدون) إلى شئ من الصواب. (4) 345 – قال على بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله اتبعوا أخي ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام بأمر الله، ولا تكونوا كالذين اتخذوا


1) الجنة – بالضم -: كل ما وقى من السلاح، الترس. 2) عنه البحار: 24 / 379 ذ ح 106، واثبات الهداة: 3 / 577 ح 669) قطعة. 3) ” بدين آبائهم ” البحار. 4) عنه البحار: 24 / 380 صدر ح 107. (*)

[ 583 ]

أربابا من دون الله تقليدا لجهال آبائهم الكافرين بالله، فان المقلد دينه ممن لا يعلم دين الله، يبوء بغضب من الله، ويكون من اسراء ابليس لعنه الله، واعلموا أن الله عزوجل جعل أخي عليا أفضل زينة عترتي، فقال [ الله ]: من والاه وصافاه ووالى أولياءه وعادى أعداءه جعلته [ من ] أفضل زينة جناني، ومن أشرف أوليائي وخلصائي، ومن أدمن (1) محبتنا أهل البيت فتح الله عزوجل له من الجنة ثمانية أبوابها (2)، وأباحه جميعها، يدخل مما شاء منها، وكل أبواب الجنان تناديه: يا ولي الله ألم تدخلني ؟ ألم تخصني من بيننا ؟. (3) قوله عزوجل: ” ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون “: 171. 346 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل (ومثل الذين كفروا) في عبادتهم للاصنام، واتخاذهم للانداد من دون محمد وعلي [ صلوات الله عليهما ] (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) [ يصوت بما لا يسمع ] (الا دعاء ونداء) لا يفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث، ويعين من استعانه (صم بكم عمي) عن الهدى في اتباعهم الانداد من دون الله، والاضداد لاولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلائف الله، ولقبوهم بألقاب أفاضل الائمة الذين نصبهم الله لاقامة دين الله


1) أي أدام. ” زاد من ” أ، ص. 2) استظهرها في ” ط ” من أبوابها. أقول: روى الصدوق ره في الخصال: 2 / 407 ح 6 باسناده عن على عليه السلام أن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون.. الحديث. 3) عنه البحار: 24 / 380 ذ ح 107، ج 27 / 101 ح 62 قطعة، واثبات الهداة: 3 / 577 ح 670 قطعة. (*)

[ 584 ]

(فهم لا يعقلون) أمر الله عزوجل. قال علي بن الحسين عليهما السلام: هذا في عباد الاصنام، وفي النصاب لاهل بيت محمد صلى الله عليه وآله نبي الله، هم أتباع ابليس وعتاة مردته، سوف يصيرون إلى الهاوية. (1) 347 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، فان من تعوذ بالله منه أعاذه الله [ وتعوذوا ] من همزاته ونفخاته ونفثاته. أتدرون ماهي ؟ أما همزاته: فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت. قالوا: يا رسول الله وكيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من الله ومنزلتكم ؟ قال صلى الله عليه وآله: بأن تبغضوا أولياءنا وتحبوا أعداءنا، فاستعيذوا بالله من محبة أعدائنا وعداوة أوليائنا، فتعاذوا من بغضنا وعداوتنا، فان من أحب أعداءنا فقد عادانا ونحن منه براء، والله عزوجل منه برئ. (2) قوله عزوجل: ” يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون * انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم ” 172 – 173. 348 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا) بتوحيد الله، ونبوة محمد صلى الله عليه وآله رسول الله، وبامامة علي ولي الله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) على ما رزقكم منها بالمقام على ولاية محمد وعلي ليقيكم الله تعالى بذلك شرور الشياطين المتمردة على ربها عزوجل، فانكم كلما جددتم على أنفسكم ولاية محمد وعلي عليهما السلام تجدد على مردة الشياطين لعائن الله، وأعاذكم الله من نفخاتهم ونفثاتهم.


1) عنه البحار: 9 / 187 ح 18، وج 27 / 59 صدر ح 20. 2) عنه البحار: 27 / 59 ذ ح 20، ج 63 / 24 صدر ح 29. (*)

[ 585 ]

فلما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله قيل: يا رسول الله وما نفخاتهم ؟ قال: هي ما ينفخون به عند الغضب في الانسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه ودنياه، وقد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به. أتدرون ما أشد ما ينفخون به ؟ هو ما ينفخون بأن (1) يوهموه أن أحدا من هذه الامة فاضل علينا، أو عدل لنا أهل البيت، كلا – والله – بل جعل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله ثم آل محمد فوق جميع هذه الامة، كما جعل الله تعالى السماء فوق الارض وكما زاد نور الشمس والقمر على السهى (2). قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما نفثاته: فأن يرى أحدكم أن شيئا بعد القرآن أشقى له من ذكرنا أهل البيت ومن الصلاة علينا، فان الله عزوجل جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور، وجعل الصلوات علينا ماحية للاوزار والذنوب، ومطهرة من العيوب ومضاعفة للحسنات. (3) 349 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل: (إن كنتم إياه تعبدون) [ أي إن كنتم إياه تعبدون ] فاشكروا نعمة الله بطاعة من أمركم بطاعته من محمد وعلي وخلفائهم الطيبين. ثم قال عزوجل: (إنما حرم عليكم الميتة) التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها (والدم ولحم الخنزير) أن تأكلوه (وما أهل به لغير الله) ما ذكر إسم غير الله عليه من الذبائح، وهي التي يتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله. ثم قال عزوجل: (فمن اضطر) إلى شئ من هذه المحرمات (غير باغ) وهو غير باغ – عند الضرورة – على إمام هدى (ولا عاد) ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي، أو إمامة من ليس بامام (فلا إثم عليه) في تناول هذه الاشياء (4) (إن الله غفور رحيم) ستار لعيوبكم أيها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم


1) ” باذنه ” البحار: 26. 2) السها والسهى: كوكب خفى من بنات نعش “. ” السماء ” أ، ص. 3) عنه البحار: 26 / 232 صدر ح 1، وج 63 / 204 ذ ح 29 قطعة. وج 65 / 156 ح 28 قطعة، ومستدرك الوسائل 2 / 404 باب 23 ح 1. 4) راجع الفقيه: 3 / 345 ح 4214، عنه الوسائل: 16 / 389 ح 3 وفى البحار: 65 / 158 – 161 بيان (*)

[ 586 ]

في الضرورة ما حرمه في الرخاء. (1) 350 – قال علي بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله اتقوا المحرمات كلها واعلموا أن غيبتكم لاخيكم المؤمن من شيعة آل محمد أعظم في التحريم من الميتة، قال الله جل وعلا: ” ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ” (2) وإن الدم أخف عليكم – في تحريم أكله – من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة محمد (3) صلى الله عليه وآله إلى سلطان جائر، فانه حينئذ قد أهلك نفسه وأخاه المؤمن والسلطان الذي وشى به إليه. وإن لحم الخنزير أخف تحريما من تعظيمكم من صغره الله، وتسميتكم بأسمائنا أهل البيت، وتلقبكم بألقابنا من سماه الله بأسماء الفاسقين، ولقبه بألقاب الفاجرين وإن ما اهل به لغير الله أخف تحريما عليكم من أن تعقدوا (4) نكاحا أو صلاة جماعة بأسماء أعدائنا الغاصبين لحقوقنا إذا لم يكن عليكم منهم تقية، قال الله عزوجل: (فمن اضطر) إلى شئ من هذه المحرمات (غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) من اضطره اللهو إلى تناول شئ من هذه المحرمات وهو معتقد لطاعة الله تعالى إذا زالت التقية فلا إثم عليه. وكذلك من اضطر إلى الوقيعة في بعض المؤمنين، ليدفع عنه أو عن نفسه بذلك الهلاك من الكافرين الناصبين، ومن وشى به أخوه المؤمن أو وشى بجماعة من المسلمين ليهلكهم، فانتصر لنفسه ووشى به وحده بما يعرفه من عيوبه التي لا يكذب فيها، ومن عظم مهانا في حكم الله، أو أوهم الازراء على عظيم في دين الله للتقية عليه وعلى نفسه، ومن سماه بالاسماء الشريفة خوفا على نفسه، ومن تقبل أحكامهم تقية، فلا إثم عليه في ذلك، لان الله تعالى وسع لهم في التقية. (5)


1) عنه البحار: 26 / 233 ضمن ح 1، و 65 / 158 ح 36 وص 325 ح 34، ومستدرك الوسائل: 2 / 80 باب 40 ح 5 قطعة. 2) الحجرات: 12. 3) ” آل محمد ” البحار. 4) كذا استظهرها في ” ط “. ” تعتقدوا ” الاصل والبحار. 5) عنه البحار: 26 / 234 ضمن ح 1، وج 75 / 258 ح 52، ومستدرك الوسائل: 2 / 105 باب 132 ح 1. (*)

[ 587 ]

351 – نظر الباقر عليه السلام إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المخالفين (1) إلى الصلاة وأحس الشيعي بأن الباقر عليه السلام قد عرف ذلك منه، فقصده وقال: أعتذر إليك يابن رسول الله من صلاتي خلف فلان، فاني أتقيه، ولو لا ذلك لصليت وحدي. قال له الباقر عليه السلام: يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت، يا عبد الله المؤمن مازالت ملائكة السماوات السبع والارضين السبع تصلي عليك، وتلعن إمامك ذاك وإن الله تعالى أمر أن تحسب لك صلاتك خلفه للتقية بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك فعليك بالتقية، واعلم أن الله تعالى يمقت تاركها كما يمقت المتقي منه، فلا ترض لنفسك أن تكون منزلتك عند الله كمنزلة أعدائه. (2) قوله عزوجل: ” ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار * ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وان الذين اختلفوا في الكتاب لفى شقاق بعيد “: 174 – 176. [ في عقاب من كتم شيئا من فضائلهم عليهم السلام: ] 352 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) المشتمل على ذكر فضل محمد صلى الله عليه وآله على جميع النبيين، وفضل علي عليه السلام على جميع الوصيين (ويشترون به – بالكتمان – ثمنا قليلا) يكتمونه ليأخذوا عليه عرضا من الدنيا يسيرا، وينالوا به في الدنيا عند


1) ” المنافقين ” ب، س، ط، ق، د. 2) عنه البحار: 26 / 235 ذ ح 1، وج 88 / 89 ح 52 قطعة، ومستدرك الوسائل: 1 / 489 باب 5 ح 1. (*)

[ 588 ]

جهال عباد الله رياسة. قال الله تعالى: ” اولئك ما يأكلون في بطونهم – يوم القيامة – الا النار ” بدلا من [ إصابتهم ] (1) اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق. (ولا يكلمهم الله يوم القيامة) بكلام خير بل يكلمهم بأن يلعنهم ويخزيهم ويقول: بئس العباد أنتم، غيرتم ترتيبي، وأخرتم من قدمته، وقدمتم من أخرته وواليتم من عاديته، وعاديتم من واليته. (ولا يزكيهم) من ذنوبهم، لان الذنوب إنما تذوب وتضمحل إذا قرن بها موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين عليهم السلام فأما ما يقرن بها الزوال عن موالاة محمد وآله، فتلك ذنوب تتضاعف، وأجرام تتزايد، وعقوباتها تتعاظم. (ولهم عذاب أليم) موجع في النار. (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) أخذوا الضلالة عوضا عن الهدى والردى في دار البوار بدلا من السعادة في دار القرار ومحل الابرار. (والعذاب بالمغفرة) اشتروا العذاب الذي استحقوه بموالاتهم لاعداء الله بدلا من المغفرة التي كانت تكون لهم لو والوا أولياء الله (فما أصبرهم على النار) ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار. (ذلك) يعني ذلك العذاب الذي وجب على هولاء بآثامهم وإجرامهم لمخالفتهم لامامهم، وزوالهم عن موالاة سيد خلق الله بعد محمد نبيه، أخيه وصفيه. (بأن الله نزل الكتاب بالحق) نزل الكتاب الذي توعد فيه من مخالف المحقين وجانب الصادقين، وشرع في طاعة الفاسقين، نزل الكتاب بالحق أن ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطئهم. (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) فلم يؤمنوا به، قال بعضهم: إنه سحر. وبعضهم:


1) أصاب من الشئ: أخذ وتناول. (*)

[ 589 ]

إنه شعر، وبعضهم: إنه كهانة (لفي شقاق بعيد) مخالفة بعيدة عن الحق، كأن الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه. قال على بن الحسين عليهما السلام: هذه أحوال من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا وسمى (1) بأسمائنا، ولقب (2) بألقابنا وأعان ظالمنا على (3) غصب حقوقنا، ومالا (4) علينا أعداءنا، والتقية [ عليكم ] لا تزعجه، والمخافة على نفسه وماله وحاله (5) لا تبعثه فاتقوا الله معاشر شيعتنا، لا تستعملوا الهوينا (6) ولا تقية عليكم، ولا تستعملوا المهاجرة والتقية تمنعكم، وساحدثكم في ذلك بما يردعكم ويعظكم: دخل على أمير المؤمنين عليه السلام رجلان من أصحابه، فوطئ أحدهما على حية فلدغته، ووقع على الآخر في طريقه من حائط عقرب فلسعته (7) وسقطا جميعا فكأنهما لما بهما يتضرعان ويبكيان، فقيل لامير المؤمنين عليه السلام. فقال: دعوهما فانه لم يحن حينهما، ولم تتم محنتهما، فحملا إلى منزليهما، فبقيا عليلين اليمين في عذاب شديد شهرين. ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام بعث إليهما، فحملا إليه، والناس يقولون: سيموتان على أيدي الحاملين لهما. فقال لهما: كيف حالكما ؟ قالا: نحن بألم عظيم، وفي عذاب شديد. قال لهما: استغفرا الله من [ كل ] ذنب أداكما إلى هذا، وتعوذا بالله مما يحبط أجركما، ويعظم وزركما. قالا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين ؟


1) ” تسمى ” ب، س،، ق، د والبحار. 2) ” تلقب ” ب، س، ق، د، والبحار. 3) ” و ” أ. 4) مالاه على الامر: ساعده وعاونه. 5) ” اخوانه ” البحار. 6) الهوينا: تصغير الهونى، تأنيث الاهون، وهو الرفق واللين في أمر الدين. 7) ” فلذعته ” أ، اللذع واللسع سواء. قيل: اللدغ بالفم واللسع بالذنب. قال الازهرى: المسموع من العرب أن اللسع لذوات الابر من العقارب والزنابير وأما الحيات فانها تنهش وتعض وتجذب وتنشط. (لسان العرب: 8 / 318 وص 447). (*)

[ 590 ]

فقال [ علي ] عليه السلام: ما اصيب واحد منكما إلا بذنبه: أما أنت يا فلان – وأقبل على أحدهما – فتذكر يوم غمز على سلمان الفارسي – رحمه الله – فلان وطعن عليه لموالاته لنا، فلم يمنعك من الرد والاستخفاف به خوف على نفسك ولا على أهلك ولا على ولدك ومالك، أكثر من أنك استحييته، فلذلك أصابك. فان أردت أن يزيل الله ما بك، فاعتقد أن لا ترى مزرئا (1) على ولي لنا تقدر على نصرته بظهر الغيب إلا نصرته، إلا أن تخاف على نفسك أو أهلك أو ولدك أو مالك. وقال للاخر: فأنت، أفتدري لما أصابك ما أصابك ؟ قال: لا. قال أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي وأنت بحضرة فلان العاتي (2)، فقمت إجلالا له لا جلالك لي ؟ فقال لك: وتقوم لهذا بحضرتي ؟ ! فقلت له: ومابالي لا أقوم وملائكة الله تضع له أجنحتها في طريقه، فعليها يمشي. فلما قلت هذا له، قام إلى قنبر وضربه، وشتمه، وآذاه، وتهدده وتهددني، وألزمني الاغضاء على قذى (3)، فلهذا سقطت عليك هذه الحية. فان، أردت أن يعافيك الله تعالى من هذا، فاعتقد أن لا تفعل بنا، ولا بأحد من موالينا بحضرة أعدائنا ما يخاف علينا وعليهم منه. اما ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته كما [ كان ] يفعله ببعض من لايعشر (4) معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه (5) لي لانه علم أن ذلك يحمل بعض أعداء الله على ما يغمه، ويغمني،


1) أي معيبا. 2) أي الجبار. 3) يقال ” فلان يغضى على القذى ” أي يحتمل الضيم ولا يشكو. أغضى عينه: طبق جفنيها حتى لا يبصر شيئا، والقذى: ما يقع في العين. قال المجلسي (ره): وهو كناية عن الصبر على الشدائد: وفى بعض النسخ ” وألزمني (لزمنى) على اغضاء فلهذا القذى ” وفى اخرى ” الزمني الاغضاء على قلبى “. 4) ” يقيس ” البحار. 5) ” اجابة ” أ، ص. (*)

[ 591 ]

ويغم المؤمنين، وقد كان يقوم لقوم لا يخاف على نفسه ولا عليهم مثل ما خاف علي لو فعل ذلك بي. (1) قوله عزوجل: ” ليس البران تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون “: 177. 353 – قال الامام عليه السلام: قال علي بن الحسين عليهما السلام: (ليس البر أن تولوا) الآية قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما فضل عليا عليه السلام وأخبر عن جلالته عند ربه عزوجل، وأبان عن فضائل شيعته وأنصار دعوته، ووبخ اليهود والنصارى على كفرهم، وكتمانهم لذكر محمد وعلي وآلهما عليهم السلام في كتبهم بفضائلهم ومحاسنهم، فخرت اليهود والنصارى عليهم. فقالت اليهود “: قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يحيي الليل صلاة إليها، وهي قبلة موسى التي أمرنا بها. وقالت النصارى: قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يحيي الليل صلاة إليها، وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها. وقال كل واحد من الفريقين: أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة، وصلواتنا إلى قبلتنا لانا لانتبع محمدا على هواه في نفسه وأخيه ؟ !


1) عنه البحار: 7 / 213 ح 115 قطعة. وح 26 / 235 ح 2، ومستدرك الوسائل: 2 / 392 باب 40 ح 1 من قوله ” دخل على أمير المؤمنين عليه السلام.. “. (*)

[ 592 ]

فأنزل الله تعالى: قل يا محمد صلى الله عليه وآله (ليس البر) الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون بها الغفران والرضوان. (أن تولوا وجوهكم) بصلاتكم (قبل المشرق) أيها النصارى، (و) قبل (المغرب) أيها اليهود، وأنتم لامر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون. (ولكن البر من آمن بالله) بأنه (1) الواحد الاحد، الفرد الصمد، يعظم من يشاء ويكرم من يشاء، ويهين من يشاء ويذله، لا راد لامره، ولا معقب لحكمه وآمن ب‍ (اليوم الآخر) يوم القيامة التي أفضل من يوافيها (2) محمد سيد المرسلين (3) وبعده علي أخوه ووصيه (4) سيد الوصيين، والتي لا يحضرها من شيعة محمد أحد إلا أضاءت فيها أنواره، فسار فيها إلى جنات النعيم، هو وإخوانه وأزواجه وذرياته والمحسنون إليه، والدافعون في الدنيا عنه، ولا يحضرها من أعداء محمد أحد إلا غشيته ظلماتها فيسير فيها إلى العذاب الاليم هو وشركاؤه في عقده ودينه ومذهبه، والمتقربون كانوا في الدنيا إليه لغير تقية لحقتهم [ منه ]. والتي تنادي الجنان فيها: إلينا، إلينا أولياء محمد وعلي وشيعتهما، وعنا عنا أعداء محمد وعلي وأهل مخالفتهما. وتنادي النيران: عنا عنا أولياء محمد وعلي وشيعتهما، وإلينا إلينا أعداء محمد وعلي وشيعتهما. يوم تقول الجنان: يا محمد ويا علي إن الله تعالى أمرنا بطاعتكما، وأن تأذنا في الدخول إلينا من تدخلانه، فاملاانا بشيعتكما، مرحبا بهم وأهلا وسهلا. وتقول النيران: يا محمد ويا علي إن الله تعالى أمرنا بطاعتكما، وأن يحرق بنا


1) ” يعنى بأنه ” ق، د، ط. 2) ” بوء فيها ” أ، أو في المكان: أتاه. بوأ المكان: حل فيه. 3) ” النبيين ” ق، د. 4) ” صفيه ” البحار: ق، د 9 و 26،. (*)

[ 593 ]

من تأمراننا بحرقه، فاملا انا بأعدائكما. (والملائكة) ومن آمن بالملائكة بأنهم عباد معصومون، لا يعصون الله عزوجل ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وإن أشرف أعمالهم في مراتبهم التي قد رتبوا فيها من الثرى إلى العرش الصلاة على محمد وآله الطيبين، واستدعاء رحمة الله ورضوانه لشيعتهم المتقين، واللعن للمتابعين لاعدائهم المجاهرين والمنافقين. (والكتاب) ويؤمنون بالكتاب الذي أنزل الله، مشتملا على ذكر فضل محمد وعلي عليهما السلام سيد (المسلمين والوصيين) (1) والمخصوصين بما لم يخص به أحدا من العالمين، وعلى ذكر فضل من تبعهما وأطاعهما من المؤمنين، وبغض من خالفهما من المعاندين والمنافقين. (والنبيين) [ ومن ] آمن بالنبيين أنهم أفضل خلق الله أجمعين، وأنهم كلهم دلوا على فضل محمد سيد المرسلين، وفضل علي سيد الوصيين، وفضل شيعتهما على سائر المؤمنين بالنبيين ؟ وبأنهم كانوا بفضل محمد وعلي (2) معترفين ولهما بما خصهما [ الله ] به مسلمين، وإن الله تعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله من الشرف والفضل ما لم تسم إليه نفس أحد من النبيين إلا نهاه الله تعالى عن ذلك وزجره وأمره أن يسلم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين فضلهم، وأن الله قد فضل محمدا بفاتحة الكتاب على جميع النبيين، وما أعطاها أحدا قبله إلا ما أعطى سليمان بن داود عليه السلام منها ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فرآها أشرف من جميع ممالكه التي أعطيها. فقال: يا رب ما أشرفها من كلمات إنها لآثر عندي من جميع ممالكي التي وهبتها لي. قال الله تعالى: يا سليمان وكيف لا يكون كذلك وما من عبد ولا أمة سماني بها إلا أوجبت له من الثواب ألف ضعف ما أوجب لمن تصدق بألف ضعف ممالكك.


1) ” المرسلين ” ص، ” المسلمين وعلى ” ق، د. 2) زاد في بعض النسخ ” وآلهما “. (*)

[ 594 ]

يا سليمان، هذه سبع ما أهبه (1) لمحمد سيد النبيين، تمام فاتحة الكتاب إلى آخرها. فقال: يا رب أتأذن لي أن أسألك تمامها ؟ قال الله تعالى: يا سليمان اقنع بما أعطيتك، فلن تبلغ شرف محمد، وإياك أن تقترح علي درجة محمد وفضله وجلاله، فاخرجك عن ملكك كما أخرجت آدم عن تلك الجنان (2) لما اقترح درجة محمد في الشجرة التي أمرته أن لا يقربها، يروم أن يكون له فضلهما، وهي شجرة أصلها محمد، وأكبر أغصانها علي، وسائر أغصانها آل محمد على قدر مراتبهم، وقضبانها شيعته وأمته على [ قدر ] مراتبهم وأحوالهم، إنه ليس لاحد (يا سليمان من درجات الفضائل عندي ما لمحمد) (3). فعند ذلك قال سليمان: يا رب قنعني بما رزقتني. فأقنعه. فقال: يا رب سلمت ورضيت، وقنعت وعلمت أن ليس لاحد مثل درجات محمد. (وآتى المال على حبه) أعطى في الله المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه، يأمل الحياة ويخشى الفقر، لانه صحيح شحيح. (ذوي القربى) أعطى لقرابة النبي الفقراء هدية أوبرا لا صدقة، فان الله عزوجل قد أجلهم عن الصدقة، وآتى قرابة نفسه صدقة وبرا وعلى أي سبيل أراد. (واليتامى) وآتى اليتامى من بني هاشم الفقراء برا، لا صدقة، وآتى يتامى غيرهم صدقة وصلة. (والمساكين) مساكين الناس. (وابن السبيل) المجتاز المنقطع به لا نفقة معه. (والسائلين) الذين يتكففون ويسألون الصدقات.


1) ” أوهبه ” أ، أوهب لك الشئ. أمكنك أن تأخذه وتناله. 2) ” ملك التيجان ” البحار: 24. 3) ” مثل درجات محمد ” ب، س، ق، د، والبحار. (*)

[ 595 ]

(وفى الرقاب) المكاتبين يعينهم (1) ليؤدوا فيعتقوا. قال: فان لم يكن له مال يحتمل المواساة، فليجدد الاقرار بتوحيد الله، ونبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وليجهر بتفضيلنا، والاعتراف بواجب حقوقنا أهل البيت وبتفضيلنا على سائر [ آل ] (2) النبيين وتفضيل محمد على سائر النبيين، وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، والبراءة منهم كائنا من كان، آباءهم وأمهاتهم وذوي قراباتهم وموداتهم، فان ولاية الله لا تنال إلا بولاية أوليائه ومعاداة أعدائه. (وأقام الصلوة) قال: والبر، بر من أقام الصلاة بحدودها، وعلم أن أكبر حدودها الدخول فيها، والخروج منها معترفا بفضل محمد صلى الله عليه وآله سيد عبيده وإمائه والموالاة لسيد الاوصياء وأفضل الاتقياء علي سيد الابرار، وقائد الاخيار، وأفضل أهل دار القرار بعد النبي الزكي (3) المختار. (وآتى الزكوة) الواجبة عليه لا خوانه المؤمنين، فان لم يكن له مال يزكيه فزكاة بدنه وعقله، وهو أن يجهر بفضل علي والطيبين من آله إذا قدر، ويستعمل التقية عند البلايا إذا عمت، والمحن إذا نزلت، والاعداء إذا غلبوا، ويعاشر عباد الله بما لا يثلم دينه، ولا يقدح في عرضه. وبما يسلم معه دينه ودنياه، فهو باستعمال التقية يوفر نفسه على طاعة مولاه، ويصون عرضه الذي فرض الله [ عليه ] صيانته، ويحفظ على نفسه أمواله التي قد جعلها الله له قياما، ولدينه وعرضه وبدنه قواما، ولعن المغضوب عليهم الآخذين من الخصال بأرذلها، ومن الخلال بأسخطها لدفعهم الحقوق عن أهلها وتسليمهم الولايات إلى غير مستحقها. ثم قال: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) قال: ومن أعظم عهودهم أن لا يستروا ما يعلمون من شرف من شرفه الله، وفضل من فضله الله، وأن لا يضعوا الاسماء الشريفة على من لا يستحقها من المقصرين والمسرفين الضالين الذين ضلوا عمن دل الله


1) ” يغنيهم ” أ، ص. 2) من البحار: 96. 3) ” الولى ” أ، ص. (*)

[ 596 ]

عليه بدلالته واختصه بكراماته، الواصفين له بخلاف صفاته، والمنكرين لما عرفوا من دلالاته وعلاماته، الذين سموا بأسمائهم من ليسوا بأكفائهم من المقصرين المتمردين. ثم قال: (والصابرين في البأساء) يعني في محاربة الاعداء، ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته، يهتف (1) به، ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين عليهم السلام. (والضراء) الفقر والشدة، ولا فقر أشد من فقر المؤمن، يلجأ إلى التكفف (2) من أعداء آل محمد، يصبر على ذلك، ويرى ما يأخذه من ماله مغنما يلعنهم به، ويستعين بما يأخذه على تجدد ذكر ولاية الطيبين الطاهرين. (وحين البأس) عند شدة القتال يذكر الله، ويصلى على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي ولي الله، ويوالي بقلبه ولسانه أولياء الله، ويعادي كذلك أعداء الله. قال الله عزوجل: (اولئك) أهل هذه الصفات التي ذكرها، والموصوفون بها الذين صدقوا) في إيمانهم فصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم. (وأولئك هم المتقون) لما أمروا باتقائه من عذاب النار، ولما أمروا باتقائه من شرور النواصب الكفار (3). قوله عزوجل: ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حيوة يا اولى الالباب لعلكم تتقون “: 178 – 179


1) الهتف: الصوت الجافي العالي. 2) تكفف الناس: مد كفه إليهم. 3) عنه البحار: 8 / 55 ح 63، ج 9 / 187 ح 19: وج 24 / 381 ح 108، وج 84 / 45 وج 92 / 8257 ح 49، وج 94 / 62 ح 49 و 50، وج 96 / 69 ح 42. ومستدرك الوسائل: 1 / 390 باب 31 ح 36 وص 391 ح 37 قطعات. *)

[ 597 ]

354 – قال الامام عليه السلام: قال على بن الحسين عليهما السلام. (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) يعني المساواة، وأن يسلك بالقاتل طريق المقتول الذي سلكه به لما قتله (الحر بالحر والعبد بالعبد والاثنى بالانثى) تقتل المرأة بالمرأة إذا قتلتها. (فمن عفي له من أخيه شئ) فمن عفى له – القاتل – ورضي هو وولي المقتول أن يدفع الدية وعفى عنه بها (فاتباع) من الولي (المطالبة، و) تقاص (بالمعروف وأداء) من (المعفو له) القاتل (باحسان) لا يضاره ولا يماطله [ لقضائها ] (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) إذا أجاز أن يعفو ولي المقتول عن القاتل على دية يأخذها، فانه لو لم يكن له إلا القتل أو العفو لقلما طاب نفس ولي المقتول بالعفو بلا عوض يأخذه فكان قلما يسلم القاتل من القتل. (فمن اعتدى بعد ذلك) من اعتدى بعد العفو عن القتل بما يأخذه من الدية فقتل القاتل بعد عفوه عنه بالدية التي بذلها ورضي هو بها (فله عذاب أليم) في الآخرة عند الله عزوجل، وفي الدنيا القتل بالقصاص لقتله من لا يحل له قتله. قال الله عزوجل: (ولكم) يا أمة محمد (في القصاص حيوة) لان من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه، فكف لذلك عن القتل كان حياة للذي [ كان ] هم بقتله، وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من الناس، إذا علموا أن القصاص واجب لا يجرأون على القتل مخافة القصاص (يا أولي الالباب) أولي العقول ” لعلكم تتقون ” (1). 355 – قال على بن الحسين عليهما السلام: عباد الله هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا


1) عنه الوسائل: 19 / 38 ح 8 والبحار: 104 / 388 ح 12. ورواه في الاحتجاج: 2 / 50 باسناده عن على بن الحسين عليهما السلام (من قوله: ولكم يا امة محمد) الوسائل المذكور ص 38 ح 6 والبحار المذكور ص 370 ح 4 وج 72 / 220 ح 7 والبرهان: 1 / 177 ح 1 (*)

[ 598 ]

وتفنون روحه، أولا أنبئكم بأعظم من هذا القتل، وما يوجب [ الله ] على قاتله مما هو أعظم من هذا القصاص ؟ قالوا: بلى يابن رسول الله. قال: أعظم من هذا القتل أن تقتله قتلا لا ينجبر، ولا يحيى بعده أبدا. قالوا: ما هو ؟ قال: أن تضله عن نبوة محمد وعن ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وتسلك به غير سبيل الله، وتغريه (1) باتباع طريق أعداء علي عليه السلام والقول بامامتهم ودفع علي عن حقه، وجحد فضله، ولا تبالي باعطائه واجب تعظيمه. فهذا هو القتل الذي هو تخليد هذا المقتول في نار جهنم، خالدا مخلدا أبدا فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنم. (2) 356 – ولقد جاء رجل يوما إلى علي بن الحسين عليهما السلام برجل يزعم أنه قاتل أبيه فاعترف، فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظم الله ثوابه، فكأن نفسه لم تطب بذلك. فقال علي بن الحسين عليه السلام للمدعي ولي الدم المستحق للقصاص: إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك حقا (3) فهب له هذه الجناية، واغفر له هذا الذنب. قال: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله له علي حق ولكن لم يبلغ [ به ] أن أعفو له عن قتل والدي. قال: فتريد ماذا ؟ قال: أريد القود (4) فان أراد لحقه علي أن أصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه.


1) ” تغويه ” أ، أغوى الرجل: أضله. 2) عنه البحار: 2 / 23 ح 69، ورواه في الاحتجاج: 2 / 50 باسناده عن على بن الحسين عليهما السلام، عنه البحار: 72 / 220 ح 7 وج 104 / 370 ح 4، والبرهان: 1 / 177 ح 1. 3) ” فضلا ” الاحتجاج، والبحار. 4) بالتحريك: القصاص، ومنه ” لاقود الا بالسيف ” أي لا يقام القصاص الا به. (*)

[ 599 ]

قال علي بن الحسين عليهما السلام: فماذا حقه عليك ؟ قال: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله لقنني توحيد الله ونبوة رسول الله، وإمامة علي بن أبي طالب والائمة عليهم السلام. فقال علي بن الحسين عليهما السلام: فهذا لا يفى بدم أبيك ؟ ! بلى والله، هذا يفي بدماء أهل الارض كلهم من الاولين والآخرين سوى [ الانبياء و ] الائمة عليهم السلام إن قتلوا فانه لا يفي بدمائهم شئ، أو تقنع منه بالدية ؟ قال: بلى. قال علي بن الحسين عليه السلام للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له (1) حتى أبذل لك الدية فتنجو بها من القتل ؟ قال يابن رسول الله صلى الله عليه وآله أنا محتاج إليها، وأنت مستغن عنها فان ذنوبي عظيمة، وذنبي إلى هذا المقتول أيضا بيني وبينه، لا بيني وبين وليه هذا. قال على بن الحسين عليهما السلام: فتستسلم للقتل أحب إليك من نزولك عن ثواب هذا التلقين ؟ قال: بلى يابن رسول الله. فقال على بن الحسين عليه السلام لولي المقتول: يا عبد الله قابل بين ذنبه هذا إليك، وبين تطوله عليك، قتل أباك فحرمه لذة الدنيا، وحرمك التمتع به فيها، على أنك إن صبرت وسلمت فرفيق أبيك (2) في الجنان، ولقنك إلايمان فأوجب لك به جنة الله الدائمة، وأنقذك من عذابه الدائم، فاحسانه إليك أضعاف [ أضعاف ] جنايته عليك فاما أن تعفو عنه جزاءا على إحسانه إليك (3) ؟ ! لاحدثكما بحديث من فضل رسول الله صلى الله عليه وآله خير لكما من الدنيا بما فيها، وإما أن تأبى أن تعفو عنه حتى أبذل لك الدية لتصالحه عليها، ثم أحدثه بالحديث دونك، ولما يفوتك من ذلك الحديث خير من الدنيا بما فيها لو اعتبرت به. فقال الفتى: يابن رسول الله: قد عفوت عنه بلا دية، ولا شئ إلا ابتغاء وجه الله


1) ” تلقينه لك ” الاصل. وهو تصحيف واضح. 2) ” فرفيقك أبوك ” البحار. 3) زاد في بعض النسخ ” أضعاف جنابتة عليك “. (*)

[ 600 ]

ولمسألتك في أمره، فحدثنا يابن رسول الله بالحديث. قال على بن الحسين عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما بعث إلى الناس كافة بالحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، جعلت الوفود ترد عليه، والمنازعون يكثرون لديه، فمن مريد قاصد للحق منصف متبين ما يورده عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من آياته ويظهر له من معجزاته، فلا يلبث أن يصير أحب خلق الله تعالى إليه وأكرمهم عليه، ومن معاند يجحد ما يعلم ويكابره فيما يفهم، فيبوء باللعنة على اللعنة قد صوره عناده وهو من العالمين في صورة الجاهلين. فكان ممن قصد رسول الله لمحاجته ومنازعته طوائف فيهم معاندون مكابرون وفيهم منصفون متبينون متفهمون، فكان منهم سبعة نفر يهود وخمسة نصارى وأربعة صابئون وعشرة مجوس وعشرة ثنوية وعشرة براهمة وعشرة دهرية معطلة وعشرون من مشركي العرب جمعهم منزل قبل ورودهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وفي المنزل من خيار المسلمين نفر منهم: عمار بن ياسر، وخباب بن الارت (1)، والمقداد بن الاسود، وبلال. فاجتمع أصناف الكافرين يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وما يدعيه من الآيات، ويذكر في نفسه من المعجزات، فقال بعضهم: إن معنا في هذا المنزل نفرا من أصحابه، وهلموا بنا إليهم نسألهم عنه قبل مشاهدته، فلعلنا أن نقف من جهتهم على بعض أحواله في صدقه وكذبه، فجاءوا إليهم، فرحبوا بهم وقالوا: أنتم من أصحاب محمد ؟ قالوا: بلى، نحن من أصحاب محمد سيد الاولين والآخرين، والمخصوص بأفضل الشفاعات في يوم الدين، ومن لو نشر الله تعالى جميع أنبيائه، فحضروه لم يلقوه إلا مستفيدين من علومه، آخذين من حكمته، ختم الله تعالى به النبيين،


1) ” الارب ” ب، ط. ط ” الارق ” س، ” الادب ” أ. وكلها تصحيف لما في المتن، هو ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد:.. (سير أعلام النبلاء: 3 / 323). (*)

[ 601 ]

وتمم به المكارم، وكمل به المحاسن، فقالوا: فبما ذا أمركم محمد ؟ فقالوا: أمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأن نقيم (1) الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصل الارحام، وننصف للانام، ولا نأتي إلى عباد الله بما لا نحب أن يأتوا به إلينا، وأن نعتقد ونعترف أن محمدا سيد الاولين والآخرين، وأن عليا عليه السلام أخاه سيد الوصيين، وأن الطيبين من ذريته المخصوصين بالامامة هم الائمة على جميع المكلفين الذين أوجب الله تعالى طاعتهم وألزم متابعتهم وموالاتهم. فقالوا: يا هؤلاء هذه أمور لا تعرف إلا بحجج ظاهرة، ودلائل باهرة، وأمور بينة ليس لاحد أن يلزمها أحدا بلا أمارة (2) تدل عليها، ولا علامة صحيحة تهدي إليها، أفرأيتم له آيات بهرتكم، وعلامات ألزمتكم ؟ قالوا: بلى والله، لقد رأينا ما لا محيص عنه، ولا معدل (3) ولا ملجأ، ولا منجا لجاحده من عذاب الله، ولا موئل (4) فعلمنا أنه المخصوص برسالات الله المؤيد بآيات الله، المشرف بما اختصه الله به من علم الله، قالوا: فما الذي رأيتموه ؟ قال عمار بن ياسر: أما الذي رأيته أنا، فاني قصدته وأنا فيه شاك، فقلت: يا محمد لا سبيل إلى التصديق بك مع استيلاء الشك فيك على قلبي، فهل من دلالة ؟ قال: بلى. قلت: ما هي ؟ قال: إذا رجعت إلى منزلك فاسأل عني ما لقيت من الاحجار والاشجار تصدقني برسالتي، وتشهد عندك بنبوتي. فرجعت فما من حجر لقيته، ولا شجر رأيته إلا ناديته: يا أيها الحجر، يا أيها الشجر، إن محمدا يدعي شهادتك بنبوته، وتصديقك له برسالته، فبماذا تشهد له ؟


1) ” نتم ” أ. 2) أي علامة. 3) يقال: أخذ معدل الباطل: أي طريقه. 4) أي ملجأ، وفى بعض النسخ ” مؤمل “. (*)

[ 602 ]

فنطق الحجر والشجر: أشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول ربنا. (1) [ هذا آخر ما وجد من هذا التفسير في هذا الموضع، ونرجو من الله أن يرزقنا تمام هذا التفسير، وجملة ذلك الكتاب الكبير سيما هذا الحديث الشريف المشتمل على المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة الشاهدة على حقية نبوة البشير النذير والسراج المنير، عليه وعلى آله صلوات الله الملك الكبير ] (2).


1) عنه البحار: 2 / 12 ح 24 وج 17 / 383 ح 51 (من قوله: قال عمار بن ياسر)، وعوالم العلوم: 3 / 289 ح 80 واثبات الهداة: 2 / 164 ح 616 قطعة، ورواه في الاحتجاج: 2 / 50 باسناده عن العسكري عليه السلام عنه الوسائل: 19 / 38 ح 7 قطعة. 2) ” من قوله تعالى (كتب عليكم إذ حضر أحدكم الموت – إلى قوله – فإذا أفضتم من عرفات) اثنتان وعشرون آية تفسيرها مفقود، رزقنا الله تمامه بجاه محمد وآله ” أ، س، ص. (*)

[ 603 ]

بسم الله الرحمن الرحيم شئ آخر [ مما وقع إلينا ] من هذا التفسير من موضع آخر من هذه السورة أيضا [ وهو آخر تفسير قوله تعالى: ” ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ” الاية: 198. 357 – قال صلى الله عليه وآله: فكيف (1) تجد قلبك لا خوانك المؤمنين الموافقين لك في محبتهما (2) وعداوة أعدائهما ؟ قال: أراهم كنفسي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويسرني ما يسرهم، ويهمني ما يهمهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأنت إذا ولي الله لا تبال، فانك قد توفر عليك ما ذكرت ما أعلم أحدا من خلق الله له ربح كربحك (3) إلا من كان على مثل حالك، فليكن لك ما أنت عليه بدلا من الاموال فافرح به، وبدلا من الولد والعيال فأبشر به، فانك من أغنى الاغنياء، وأحي أوقاتك بالصلاة على محمد وعلى وآلهما الطيبين. ففرح الرجل وجعل يقولها. فقال ابن أبي هقاقم (4) – وقد رآه -: يا فلان قد زودك محمد الجوع والعطش. وقال له أبو الشرور: قد زودك محمد الاماني الباطلة، ما أكثر ما تقولها


1) ” جاء رجل من المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: كيف ” البحار. 2) ” محبة محمد وعلى ” البحار. 3) ” ريح كريحك ” ص. الريح: الرحمة، النصرة، الغلبة، القوة. 4) لعل المراد بابن أبي هقاقم وأبى الدواهي [ كما سيأتي ] كليهما عمر: ويحتمل أن يكون المراد بابن أبى هقاقم عثمان، يقال: هقم – كفرح – اشتد جوعه، فهو هقم – ككتف – والهقم – بكسر الهاء وفتح القاف المشددة -: الكثير الاكل. قاله المجلسي (ره) وقد تقدم بيان في ذلك ص: 149 (*)

[ 604 ]

ولا يجئ بطائل (1). وقد حضر الرجل السوق في غدو، وقد حضرا، فقال أحدهما للاخر: هلم نطنز (2) بهذا المغرور بمحمد. فقال له أبو الشرور: يا عبد الله قد اتجر الناس اليوم وربحوا، فماذا كانت تجارتك ؟ قال الرجل: كنت من النظارة، ولم يكن لي ما أشتري ولا ما أبيع، لكني كنت أصلي على محمد وعلي وآلهما الطيبين. فقال له أبو الشرور: قد ربحت الخيبة، واكتسبت الخرقة (3) والحرمان، وسبقك إلى منزلك مائدة الجوع عليها طعام من التمني (4) وإدام وألوان من أطعمة الخيبة التي تتخذها لك الملائكة الذين ينزلون على أصحاب محمد بالخيبة والجوع والعطش والعري والذلة. فقال الرجل: كلا والله إن محمدا رسول الله، وإن من آمن به فمن المحقين السعيدين، سيوفر (5) الله من آمن به بما يشاء من سعة يكون بها متفضلا، ومن (6) ضيق يكون به عادلا ومحسنا للنظر له، وأفضلهم عنده أحسنهم تسليما لحكمه. فلم يلبث الرجل أن مر بهم رجل بيده سمكة قد أراحت (7)، فقال، أبو الشرور وهو يطنز: بع هذه السمكة من صاحبنا هذا. يعني صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الرجل: اشترها مني فقد بارت (8) علي. فقال: لا شئ معي. فقال أبو الشرور: اشترها ليؤدي ثمنها رسول الله – وهو يطنز – ألست تثق برسول


1) الطائل: الفضل الغنى. ” ولا تحلى هلم بطائل ب. ” ولا يحلى بطائل ” البحار. قال المجلسي (ره): قال الجوهرى: لم يحل منه بطائل: أي لم يستفد منه كبير فائدة، ولا يتكلم به الا مع الجحد. 2) طنز به: سخر. 3) أي سوء التصرف وضعف الراى. ” الحرمة ” ب، ط. 4) ” المنى ” ب، ط، والبحار. 5) ” سيؤمن ” ب. وفر الله حظه من كذا: أسبغه. 6) ” منفصلا من ” أ. 7) أي أنتنت. 8) أي كسدت. (*)

[ 605 ]

الله ؟ أفلا تبسط (1) إليه في هذا القدر ؟ فقال: نعم بعنيها. فقال الرجل: قد بعتكها بدانق (2). فاشتراها بدانقين على أن يحيله (3) على رسول الله صلى الله عليه وآله. فبعث به إلى رسول الله، فأمر رسول الله اسامة [ بن حارث ] أن يعطيه درهما. فجاء الرجل فرحا مسرورا بالدرهم وقال: إنه أضعاف (4) قيمه سمكتي. فشقها الرجل بين أيديهم، فوجد فيها جوهرتين نفيستين قومتا مائتي ألف (5) درهم فعظم ذلك على أبي الشرور وابن أبي هقاقم، فسعيا (6) إلى الرجل صاحب السمكة وقالا له: ألم تر الجوهرتين ؟ إنما بعته السمكة لا ما في جوفها فخذهما منه، فتناولهما الرجل من المشتري، فأخذ إحديهما بيمينه، والآخري بشماله، فحولهما الله عقربين لدغتاه، فتأوه وصاح ورمى بهما من يده، فقال (7): ما أعجب سحر محمد. ثم أعاد الرجل نظره إلى بطن السمكة، فإذا جوهرتان أخريان، فأخذهما، فقالا لصاحب السمكة: خذهما فهما لك أيضا. فذهب يأخذهما فتحولتا حيتين، ووثبتا عليه ولسعتاه، فصاح وتأوه وصرخ، وفال للرجل: خذهما عني. فقال الرجل: هما لك على ما زعمت، وأنت أولى بهما. فقال الرجل: خذ والله جعلتهما لك. فتناولهما الرجل عنه، وخلصه منهما، فإذا هما قد عادتا جوهرتين وتناول العقربين فعادتا جوهرتين. فقال أبو الشرور لابي الدواهي: أما ترى سحر محمد ومهارته فيه وحذقه به ؟ فقال الرجل المسلم: يا عدو الله أو سحرا ترى هذا ؟ لئن كان هذا سحرا فالجنة والنار أيضا تكونان بالسحر ؟ ! فالويل لكما في مقامكما على تكذيب من يسحر بمثل


1) تبسط وانبسط: تجرأ وترك الاحتشام. 2) ” بدانقين ” البحار. والدانق: سدس الدرهم. 3) ” يجعله ” البحار. 4) ” أتينا بأضعاف ” ب. 5) ” ما بين (ألفى) ” أ، س، ص. 6) ” فتبعا ” أ، س، ص، والبحار. سعى: مشى وعدا. 7) ” فقالا ” البحار. (*)

[ 606 ]

الجنة والنار. فانصرف الرجل صاحب السمكة وترك الجواهر الاربعة على الرجل. فقال الرجل لابي الشرور ولابي الدواهي: يا ويلكما آمنا بمن آثر نعم الله عليه صلى الله عليه وآله وعلى من يؤمن به، أما رأيتما العجب العجيب ؟ ثم جاء بالجواهر الاربعة إلى رسول الله، وجاء تجار غرباء، يتجرون فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم. فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا بتوقيرك محمدا رسول الله، وتعظميك عليا عليه السلام، أخا رسول الله ووصيه، وهو عاجل (1) ثواب الله لك، وربح عملك الذي عملته، أفتحب أن أدلك على تجارة تشغل (2) هذه الاموال بها ؟ قال: بلى يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اجعلها بذور أشجار الجنان. قال: كيف أجعلها ؟ قال: واس منها إخوانك المؤمنين [ المساوين لك في موالاتنا وموالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا، وآثر بها إخوانك المؤمنين ] المقصرين عنك في رتب محبتنا، وساو فيها إخوانك المؤمنين الفاضلين عليك في المعرفة بحقنا، والتوقير لشأننا، والتعظيم لامرنا، ومعاداة أعدئنا، ليكون ذلك بذور شجر الجنان. أما إن كل حبة تنفقها على إخوانك المؤمنين الذين ذكرتهم لتربى (3) لك حتى تجعل كألف ضعف أبي قبيس، وألف ضعف أحد وثور وثبير (4) فتبنى لك بها قصور في الجنة شرفها الياقوت، وقصور الجنة (5) شرفها الزبرجد. فقام رجل وقال: يا رسول الله فأنا فقير، ولم أجد مثل ما وجد هذا، فما لي ؟


1) ” جاء على ” أ، س، ص، ط، ” جاعل ” ب، والبحار. أقول: لعل الثانية تصحيف ” جعل ” وهو أجر العامل أو ما يعطى للمحارب إذا حارب. 2) ” تستغل ” س. 3) ” لترقى ” أ، س، ص. 4) أسماء جبال بمكة. 5) ” الذهب ” أ، ب، ط، والبحار. أي ستبنى له تلك القصور مضافا إلى ما هو موجود أصلا. (*)

[ 607 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لك منا الحب الخالص، والشفاعة النافعة المبلغة أرفع درجات العلى بموالاتك لنا أهل البيت، ومعاداتك أعداءنا. (1) قوله عزوجل: ” فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هديكم وان كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ان الله غفور رحيم * فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الاخرة من خلاق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار * اولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ” 198 – 202 358 – قال الامام عليه السلام: قال الله عزوجل للحاج: (فإذا أفضتم من عرفات) ومضيتم إلى المزدلفة (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) بآلائه ونعمائه، والصلاة على محمد سيد أنبيائه، وعلى علي سيد أصفيائه، واذكروا الله (كما هديكم) لدينه والايمان برسوله (وإن كنتم من قبله لمن الضالين) عن دينه من قبل أن يهديكم إلى دينه. (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) ارجعوا من المشعر الحرام من حيث رجع الناس من ” جمع ” والناس ههنا في هذا الموضع الحاج غير الحمس (2) فان الحمس كانوا لا يفيضون من جمع. (واستغفروا الله) لذنوبكم (إن الله غفور رحيم) للتائبين.


1) عنه الوسائل: 6 / 361 ح 5 قطعة، والبحار: 17 / 383 ح 52، واثبات الهداة: 2 / 165 ح 617 قطعه. 2) الحمس – بالضم -: قريش لانهم كانوا يتشددون في دينهم. وقيل: كانوا لا يستظلون أيام منى، ولا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون.. وكانوا لا يخرجون أيام الموسم إلى عرفات انما يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن أهل الله، ولا نخرج من الحرم وصارت بنو عامر من الحمس.. (لسان العرب: 6 / 57 و 58). (*)

[ 608 ]

(فإذا قضيتم مناسككم) التي سنت لكم في حجكم (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) اذكروا الله بآلائه لديكم وإحسانه إليكم فيما وفقكم له من الايمان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله سيد الانام واعتقاد وصيه أخيه علي زين أهل الاسلام كذكركم آباءكم بأفعالهم ومآثرهم التي تذكرونها (أو أشد ذكرا) خيرهم بين ذلك ولم يلزمهم أن يكونوا له أشد ذكرا منهم لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم أبائهم. ثم قال [ الله ] عزوجل (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا) أموالها وخيراتها (وماله في الاخرة من خلاق) نصيب لانه لا يعمل لها عملا ولا يطلب فيها خيرا. (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة) خيراتها (وفي الاخرة حسنة) من نعم جناتها (وقنا عذاب النار) نجنا من عذاب النار وهم بالله مؤمنون وبطاعته عاملون ولمعاصيه مجانبون (أولئك) الداعون بهذا الدعاء على هذا الوصف (لهم نصيب مما كسبوا) من ثواب ما كسبوا في الدنيا وفي الآخرة. (والله سريع الحساب) لانه لا يشغله شأن عن شأن، ولا محاسبة أحد من محاسبة آخر، فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكل، يتم حساب الكل بتمام حساب واحد، وهو كقوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) (1) لا يشغله خلق واحد عن خلق (2) آخر [ ولا بعث واحد عن بعث آخر ]. (3) [ في أن الحاج هم الموالون لمحمد وعلى عليهما السلام: ] 359 – قال على بن الحسين عليهما السلام وهو واقف بعرفات للزهري: كم تقدر ههنا من الناس ؟. قال: اقدر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف كلهم حجاج قصدوا الله بأمالهم ويدعونه بضجيج أصواتهم.


1) لقمان: 28. 2) ” بعث ” أ، ص. 3) عنه البحار: 99 / 257 صدر ح 36. (*)

[ 609 ]

[ فقال له: يا زهري ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج ! فقال الزهري: كلهم حجاج، أفهم قليل ؟ ]. فقال له: يا زهري أدن لي وجهك. فأدناه إليه، فمسح بيده وجهه، ثم قال: انظر. [ فنظر ] إلى الناس، قال الزهري: فرأيت أولئك الخلق كلهم قردة، لا أرى فيهم إنسانا إلا في كل عشرة آلاف واحدا من الناس. ثم قال لي: ادن مني يا زهري. فدنوت منه، فمسح بيده وجهي ثم قال: أنظر. فنظرت إلى الناس، قال الزهري: فرأيت اولئك الخلق كلهم [ خنازير، ثم قال لي: ادن لي وجهك. فأدنيت منه، فمسح بيده وجهي، فإذا هم كلهم ] (1) ذئبة إلا تلك الخصائص من الناس نفرا يسيرا. فقلت: بأبي وامي يابن رسول الله قد أدهشتني آياتك، وحيرتني عجائبك ! قال: يا زهري ماالحجيج من هؤلاء إلا النفر اليسير الذين رأيتهم بين هذا الخلق الجم الغفير. ثم قال لي: امسح يدك على وجهك. ففعلت، فعاد اولئك الخلق في عيني ناسا كما كانوا أولا. ثم قال لي: من حج ووالى موالينا، وهجر معادينا، ووطن نفسه على طاعتنا، ثم حضر هذا الموقف مسلما إلى الحجر الاسود ما قلده الله من أماناتنا، ووفيا بما ألزمه (2) من عهودنا، فذلك هو الحاج، والباقون هم من قد رأيتهم. يا زهري حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس الحاج المنافقين المعادين (3) لمحمد وعلي ومحبيهما الموالين (4) لشانئهما. وإنما الحاج المؤمنون المخلصون الموالون لمحمد وعلي ومحبيهما،


1) كذا في بعض النسخ. ولعلها زيادة من النساخ. 2) ” لزمه ” أ. 3) ” المعاندون ” ب، س، ط، والبحار. 4) ” المحبون ” أ، ب، ط. (*)

[ 610 ]

المعادون لشانئهما، إن هؤلاء المؤمنين الموالين لنا، المعادين لاعدائنا لتسطع أنوارهم في عرصات القيامة على قدر موالاتهم لنا. فمنهم من يسطع نوره مسيرة ألف سنة. ومنهم من يسطع نوره مسيرة ثلاثمائة ألف سنة وهو جميع مسافة تلك العرصات. ومنهم من يسطع نوره إلى مسافات بين ذلك يزيد بعضها على بعض على قدر مراتبهم في موالاتنا ومعاداة أعدائنا، يعرفهم أهل العرصات من المسلمين والكافرين بأنهم الموالون المتولون والمتبرؤون. يقال لكل واحد منهم: يا ولي الله انظر في هذه العرصات إلى كل من أسدى إليك في الدنيا معروفا، أو نفس عنك كربا، أو أغاثك إذ كنت ملهوفا، أو كف عنك عدوا، أو أحسن إليك في معاملته، فأنت شفيعه. فان كان من المؤمنين المحقين زيد بشفاعته في نعم الله عليه، وإن كان من المقصرين كفى تقصيره بشفاعته، وإن كان من الكافرين خفف من عذابه بقدر إحسانه إليه. وكأني بشيعتنا هولاء يطيرون في تلك العرصات كالبزاة والصقور، فينقضون على من أحسن في الدنيا إليهم انقضاض البزاة والصقور على اللحوم تتلقفها وتحفظها (1) فكذلك يلتقطون من شدائد العرصات من كان أحسن إليهم في الدنيا فيرفعونهم إلى جنات النعيم. [ و ] قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله إنا إذا وقفنا بعرفات وبمنى، ذكرنا الله ومجدناه، وصلينا على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وذكرنا آباءنا أيضا بمآثرهم ومناقبهم وشريف أعمالهم (2) نريد بذلك قضاء حقوقهم فقال على بن الحسين عليهما السلام: أولا أنبئكم بما هو أبلغ في قضاء الحقوق من ذلك ؟ قالوا: بلى يابن رسول الله.


1) ” تخطفها ” أ، س، والبحار. خطف الشئ: استلبه بسرعة. 2) ” أفعالهم “، ب، ط. (*)

[ 611 ]

قال: أفضل من ذلك أن تجددوا على أنفسكم ذكر توحيد الله والشهادة به، وذكر محمد صلى الله عليه وآله رسول الله، والشهادة له بأنه سيد النبيين (1)، وذكر علي عليه السلام ولي الله، والشهادة له بأنه سيد الوصيين، وذكر الائمة الطاهرين من آل محمد الطيبين بأنهم عباد الله المخلصين. [ فضل الوقوف بعرفة: ] إن الله تعالى إذا كان عشية عرفة وضحوة يوم منى، باهى كرام ملائكته بالواقفين بعرفات ومنى وقال لهم: هؤلاء عبادي وإمائي حضروني ههنا من البلاد السحيقة، شعثا غبرا، قد فارقوا شهواتهم، وبلادهم وأوطانهم، وأخوانهم ابتغاء مرضاتي، ألا فانظروا إلى قلوبهم وما فيها، فقد قويت أبصاركم (2) يا ملائكتي على الاطلاع عليها. قال: فتطلع الملائكة على قلوبهم، فيقولون: يا ربنا اطلعنا عليها، وبعضها سود مدلهمة يرتفع عنها دخان كدخان جهنم. فيقول [ الله ] (3): اولئك الاشقياء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟ تلك قلوب خاوية من الخيرات، خاليا من الطاعات، مصرة على المرديات المحرمات، تعتقد تعظيم من أهناه، وتصغير من فخمناه وبجلناه، لئن وافوني كذلك لاشددن عذابهم، ولاطيلن حسابهم. تلك قلوب اعتقدت أن محمدا رسول [ الله صلى الله عليه وآله ] كذب على الله أو غلط عن الله في تقليده أخاه ووصيه إقامة أود (4) عباد الله، والقيام بسياساتهم، حتى يروا الامن في إقامة الدين في انقاذ ؟ ؟ (5) الهالكين، وتعليم الجاهلين، وتنبيه الغافلين الذين بئس


1) ” المرسلين ” أ، س. 2) ” بصائركم ” ص. 3) من البحار والمستدرك. 4) أي عوج. 5) ” انقياد ” الاصل. (*)

[ 612 ]

المطايا إلى جهنم مطاياهم. ثم يقول الله عزوجل: يا ملائكتي انظروا. فينظرون فيقولون: يا ربنا قد اطلعنا على قلوب هؤلاء الآخرين، وهي بيض مضيئة ترفع عنها الانوار إلى السماوات والحجب، وتخرقها إلى أن تستقر عند ساق عرشك يا رحمن. يقول الله عزوجل: اولئك السعداء الذين تقبل الله أعمالهم وشكر سعيهم في الحياة الدنيا، فانهم قد أحسنوا فيها صنعا تلك قلوب حاوية للخيرات، مشتملة على الطاعات، مدمنة على المنجيات المشرفات، تعتقد تعظيم من عظمناه، وإهانة من أرذلناه، لئن وافوني كذلك لاثقلن من جهة الحسنات موازينهم، ولا خففن من جهة السيئات موازينهم، ولا عظمن أنوارهم، ولاجعلن في دار كرامتي ومستقر رحمتي محلهم وقرارهم. تلك قلوب اعتقدت أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله هو الصادق في كل أقواله (1)، المحق في كل أفعاله، الشريف في كل خلاله، المبرز بالفضل في جميع خصاله وأنه قد أصاب في نصبه أمير المؤمنين عليا إماما، وعلما على دين الله واضحا، واتخذوا أمير المؤمنين عليه السلام إمام هدى، واقيا من الردى، الحق ما دعا إليه، والصواب والحكمة ما دل عليه، والسعيد من وصل حبله بحبله، والشقي الهالك من خرج من جملة (2) المؤمنين به والمطيعين له. نعم المطايا إلى الجنان مطاياهم، سوف ننزلهم منها أشرف غرف الجنان، ونسقيهم من الرحيق المختوم من أيدي الوصائف والولدان، وسوف نجعلهم في دار السلام من رفقاء محمد نبيهم (3) زين أهل الاسلام، وسوف يضمهم الله تعالى إلى جملة شيعة علي القرم (4) الهمام، فنجعلهم بذلك [ من ] ملوك جنات النعيم، الخالدين


1) ” أحواله ” أ. 2) ” عن جهة ” ا، س. 3) ” نبيه ” الاصل والمستدرك. 4) أي السيد العظيم. (*)

[ 613 ]

في العيش السليم، والنعيم المقيم. هنيئا لهم هنيئا جزاءا بما اعتقدوه وقالوا، بفضل [ الله ] الكريم الرحيم نالوا ما نالوه. (1) قوله عزوجل: ” واذكروا الله في أيام معدودات. فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ” 203. 360 – قال الامام عليه السلام: (واذكروا الله في أيام معدودات) (2) وهي الايام الثلاثة التي هي أيام التشريق بعد يوم النحر، وهذا الذكر هو التكبير بعد الصلوات المكتوبات يبتدئ من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق: ” الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ” (3). (4) (فمن تعجل في يومين) من أيام التشريق فانصرف من حجه إلى بلاده التي هو


1) عنه البحار: 99 / 257 ح 36 و 37، واثبات الهداة: 3 / 577 ح 672 (قطعة)، ومستدرك الوسائل: 2 / 167 باب 24 ح 2. 2) يظهر – من قوله تعالى ” فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله.. ” البقرة: 200. ومن قوله ” أذن في الناس بالحج يأتوك.. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام في أيام معلومات ” الحج: 27 – 28 أن ذكر الله مرة عند رمى الجمرات في كل يوم من الايام المعدوات. ومرة بالتسمية على واجب الهدى في أيام معلومات: أولها يوم النحر. 3) زاد في ” س “: الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا. 4) عنه البحار: 99 / 311 ح 36، ومستدرك الوسائل: 1 / 431 باب 17 ح 3. (*)

[ 614 ]

منها ” فلا إثم (1) عليه ” (2).


1) الاثم هو الاثر الحاصل من الذنب الذى يكسبه الاثم على نفسه، كما قال تعالى ” ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه ” النساء 111. فارتكاب الحرام يورث رينا على القلب فيبطئ عن الخيرات، والتوبة تزيله وتطهره. ويأتى في الهامش رقم (2) أن في قوله ” لا اثم عليه ” اطلاقا بمعنى أنه قد يراد في مورد نفى الحرج، واخرى نفى الذنب، وأخرى يراد كلاهما. 2) قوله ” لا اثم عليه ” – اطلاقا – برفع الحرج المتوقع، أو يرفع الذنوب السالفة وغفرانها أو بجامعهما معا. فانه قد يراد منه في قوله تعالى: ” فمن اضطر.. فلا اثم عليه ” رفع الحرج الذى كان في أكل الميتة من المضطر. وقد يراد نفى ما اكتسب اثما ورينا على نفسه في قوله تعالى: ” من يكسب اثما فانما يكسب على نفسه ” وذلك بمغفرته لناسك الحج تماما، سواء توفى أو نفر في اليوم الثالث، فصار مغفورا له كن كان طاهرا ؟ ؟ يوم ولد أو معتصما بالله لم يكسب على نفسه اثما، وهذا نظير ما قال يوسف لاخوته ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم “. وقد يراد بهما جميعا كما في قوله تعالى ” فمن تعجل في يومين ” أي لا في تمام اليوم الثاني ” فلا اثم عليه ” فان الجامع أنه لا اثم عليه، أي شئ كان وبأى شئ رفع. وليس هذا من باب استعمال اللفظ في أكثر من واحد بل في الواحد الكلى المنطبق على مختلف الموارد. وعلى هذا ترى في قوله ” من أتى ؟ ؟ النساء في احرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الاول ” وقوله ” إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الاول ” وقوله: من نفر في النفر الاول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الثاني وهو قول الله ” فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه لمن اتقى ” قال: اتقى الصيد ” جامع الاحاديث 12 / 198 – 205. وترى أيضا في باب فضل الحج والعمرة. قال: لا اثم عليه تعجل أن تأخر: غفر له ذنبه فيما تقدم ” وما تأخر ” جامع الاحاديث ج 10 / 149 – 195 وهذا لا ينافى اختلاف أصنافهم الثلاثة ودرجاتهم، فمنهم لا اثم عليه فيما سلف من ذنبه > (*)

[ 615 ]

” ومن تأخر ” إلى تمام اليوم الثالث (1).


< ومنهم من لا اثم عليه فيما تقدم وتأخر إلى السنة القادمة وأفضلهم الثالث وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلى ما بقى من عمره. فانه بتمام حجه غفر له ما تقدم من ذنبه الذى كسبه على نفسه وران على قلبه، وإذا اتقى لما تأخر فلا يأثم إلى ما بقى من عمره، فهذا معنى ” لا اثم عليه ” اطلاقا. وبهذا أشار في هذا التفسير بقوله ” لمن اتقى من أن يوقع الموبقات بعدها ” تفسير لقوله ” لا اثم عليه لمن اتقى ” بنفى الحرج والذنوب مع خصوص من يريد النفر متعجلا وقد اتقى، وثبوت الحرج لمن اتقى ولكن أراد أن يتعجل وقت الغروب بعد تمام اليوم الثاني أو لمن لم يتق فهو ينفر حيت يصبح في اليوم الثالث، فيرمى ثم ينفر متى شاء، وان كان في اليوم الثالث. والذى يدل على ما قلنا من الاطلاق لقوله ” لا اثم عليه ” ما ورد في الفقيه 2 / 482: ” سئل الصادق عن قول الله عزوجل ” فمن تعجل فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى ” قال: ليس هو على أن ذلك واسع: ان شاء صنع وان شاء صنع ذا، ولكنه يرجع مغفورا له لا اثم عليه ولا ذنب له ” بيان ذلك: أنه لا يريد نفى ما يثبته الكتاب من نفى الحرج في التعجيل والتاخير، بل يريد نفى انحصار الدلالة على المعنى الاول بل اثباته مع نفى الاثم عليهما. وفي بعض النسخ (ليبين) أي ليعلم أنه مع التقديم والتأخر مغفور له، وقرأها الفاضل التفرشى ” لينبنن ” أي ليخبر هو – أي الحاج – بتلك البشارة، وفي بعض النسخ ” ليبشر ” من التبشير، وفى بعضها ” ليبين ” من التبيين والمعنى واحد. 1) وهى كما في الاخبار والاحكام الفقهية المعمول بها – في ضرورة المسلمين – بمعنى أنه إذا أصبح اليوم الثالث ورمى الجمرات فله أن ينفر أي ساعة شاء إلى تمام الثالث، فانه إذا لم ينفر إلى تمامه فليس عليه أن يبيت ليلة الرابع عشر، وعلى ذلك فمن ذكر الله بالنهار ثم تأخر النفر إلى تمام الثالث كما قال تعالى: ” فاذكروا الله ” في ” أيام معدودات فلا حرج ولا اثم عليه، فان الحاج إذا أصبح في الثالث ورمى بالجمرات أتم حجة ثم ينفر متى شاء. وهذا قبال من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس أي ساعة شاء لا إلى تمام اليوم > (*)

[ 616 ]

” فلا إثم عليه ” [ أي لا إثم عليه ] من ذنوبه السالفة، لانها قد غفرت له كلها بحجته هذه المقارنة لندمه عليها وتوقيه منها. ” لمن اتقى ” (1) أن يواقع الموبقات بعدها، فانه إن واقعها كان عليه إثمها،


< الثاني، فانه إذا بقى إلى تمام اليوم الثاني وقت الغروب كان عليه أن يبيت بمنى. وبالجملة ففي التعجيل في اليوم الثاني حرجان: الاول: إذا لم يتق فليس له أن يخرج في اليوم الثاني. الثاني: إذا اتقى وبقى إلى تمام اليوم الثاني فعليه أن يبيت إلى اليوم الثالث. هذا في قبال من تأخر فانه اتقى أو لم يتق فله أن ينفر بعد رمى الجمرات، كان ذلك قبل الزوال أو بعده، إلى تمام اليوم الثالث أو بعده. 1) قال: ” لمن اتقى ” ولم يقل ” ان اتقى ” وذلك بمعنى أن هذا الفضل والثواب ” نفى الاثم – اطلاقيا – عليه) مختص بمن حج واتقى، سواء تعجل أو تأخر، لا مشروط به، وان كان يرجع إليه لتحصيل النفع. وهذا واضح، ويجوز تقدير لفظ ” ذلك ” فيه، نظير ما قال تعالى في آيات: ” ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام ” البقرة 198 ” ذلك لمن خشى العنت ” النساء: 25. ” ذلك لمن خاف مقامي ” ابراهيم: 14. وفيه امران: الاول: أنه اطلق وقت الاتقاء، ولم يقل اتقى الصيد في احرامه قبلا. ولم يقل اتقى الصيد من اليوم الثاني إلى اليوم الثالث أي بعدا. ولا أن يواقع الموبقات مستقبلا. فعلى ذلك هو قابل للانطباق بمعناه العالم عليها في مختلف الروايات فلاحظ. الثاني: أنه أطلق ما يتقى منه، ولم يصرح بشئ من ما ذكره في كتابه كثيرا، ولا بما ذكر في الرويات تارة: الله، الصيد، النساء، الرفت، الفسوق، الجدال، ما حرم الله في الاحرام، الكبائر، وفى بعضها ” أن يكون مبرءا من الكبر وهو أن يجهل الحق ويطعن على أهله ” وفى هذا التفسير قال: اتقى أن يواقع الموبقات بعدها ” وفى بعض أن يتقى الصيد إلى أن ينفر الناس من منى – أي في النفر الثاني – راجع جامع الاحاديث 12 / وفى بعضها قال ” هن لكم والناس سواد، وأنتم الحاج ” بمعنى أنها خاصة للمتقين أهل > (*)

[ 617 ]

ولم تغفر له [. ] (1) تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقات بعدها، وإنما يغفرها بتوبة يجددها. ” واتقوا الله ” يا أيها الحاج المغفور لهم سالف ذنوبهم بحجهم المقرون بتوبتهم، فلا تعاودوا الموبقات فيعود إليكم أثقالها، ويثقلكم احتمالها، فلا يغفر لكم إلا بتوبة بعدها. (واعلموا أنكم إليه تحشرون) فينظر في أعمالكم فيجازيكم عليها. (2) 361 – قال على بن الحسين عليهما السلام: عباد الله اجعلوا حجتكم مقبولة مبرورة، وإياكم وأن تجعلوها مردودة عليكم أقبح الرد، وأن تصدوا عن جنة الله يوم القيامة أقبح الصد ألا وإن ما يحلها محل القبول ما يقترن بها من موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين


1) الولاية، وفيه اشارة إلى قوله تعالى انما يتقبل الله من المتقين ” والى أحاديث دعائم الاسلام خمسة خامسها: الولاية، وبها يشترط قبول الاعمال. وأما توجيه من تعجل على أهل البادية ومن تأخر على أهل الحضر فلا شاهد له. ثم أنه قد مر عليك: 613 في ذيل قوله ” لا اثم عليه لمن اتقى ” بيانا للاطلاق بنفى الاثم عليه سواء كان من الذنوب السالفة أو الحرج المتوقع بالتعجيل. فراجع يكون نافعا في بيان الاطلاق هناك في الامرين. 1) ان المراد واضح، واللفظ ناقص، ولعله كان هكذا: ” ولم تغفر له (مع) تلك الذنوب السالفة ” فان قبول التوبة المقارنة للندامه وقصد التوقى من الموبقات كالعلة لمحو الذنوب، وهى بمنزلة ماء البحر يزيل الدنس، ما لم يتنجس بقذارة جديدة، هذا بضرورة العقل والنقل. فعلى هذا من تاب واتقى ولم يكسب اثما فلا اثم عليه اطلاقا. وأما من تاب ولم يتق الموبقات بعدها وعمل سوءا فلا يغفر له الا بتوبة يجددها. 2) عنه البحار: 70 / 268 (قطعة)، ج 99 / 316 ح 10، ومستدرك الوسائل: 2 / 185 باب 9 ح 3. (*)

[ 618 ]

وإن ما يسفلها ويرذلها ما يقترن بها من اتخاذ الانداد من دون أئمة الحق وولاة الصدق: علي بن أبي طالب عليه السلام والمنتجبين ممن يختاره من ذريته وذويه. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طوبى للموالين عليا إيمانا بمحمد وتصديقا لمقاله كيف يذكرهم الله بأشرف الذكر من فوق عرشه. وكيف يصلي عليهم ملائكة العرش والكرسي والحجب والسماوات والارض والهواء، وما بين ذلك، وما تحتها إلى الثرى. وكيف يصلي عليهم أملاك الغيوم والامطار، وأملاك البراري والبحار، وشمس السماء وقمرها ونجومها، وحصباء الارض ورمالها، وسائر ما يدب من الحيوانات فيشرف الله تعالى بصلاة كل واحد منها لديه محالهم، ويعظم عنده جلالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة. وقد شهروا بكرامات الله على رؤوس الاشهاد، وجعلوا من رفقاء محمد وعلي صفي رب العالمين. والويل للمعاندين عليا كفرا بمحمد وتكذيبا بمقاله كيف يلعنهم الله بأخزى اللعن من فوق عرشه. وكيف يلعنهم حملة العرش والكرسي والحجب والسماوات والارض والهواء، وما بين ذلك، وما تحتها إلى الثرى. وكيف يلعنهم أملاك الغيوم والامطار، وأملاك البراري والبحار، وشمس السماء وقمرها ونجومها، وحصباء الارض ورمالها، وسائر ما يدب من الحيوانات. فيسفل الله بلعن كل واحد منهم لديه محالهم، ويقبح عنده أحوالهم، حتى يردوا عليه يوم القيامة وقد شهروا بلعن (1) الله ومقته على رؤوس الاشهاد، وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون [ و ] أعداء رب العالمين. و [ إن ] من عظيم ما يتقرب به خيار أملاك الحجب والسماوات الصلاة على


1) ” للعن ” أ، ص. (*)

[ 619 ]

محبينا أهل البيت واللعن لشانئينا. (1) قوله عزوجل: ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد “: 204 – 206. 362 – قال الامام عليه السلام: فلما أمر الله عزوجل في الآية المتقدمة لهذه الآيات بالتقوى سرأ وعلانية، أخبر محمدا صلى الله عليه وآله أن في الناس من يظهرها ويسر خلافها، وينطوي على معاصي الله، فقال: يا محمد (ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا) باظهاره لك الدين والاسلام، وتزينه بحضرتك بالورع والاحسان (ويشهد الله على ما في قلبه) بأن يحلف لك بأنه مؤمن مخلص مصدق لقوله بعمله (وهو ألد الخصام) شديد العداوة والجدال للمسلمين. (وإذا تولى) عنك أدبر (2) (سعى في الارض ليفسد فيها) يعصي بالكفر المخالف لما أظهر لك، والظلم المباين لما وعد من نفسه بحضرتك. (ويهلك الحرث) بأن يحرقه أو يفسده، ” والنسل ” بأن يقتل الحيوان فينقطع نسله (والله لا يحب الفساد) لا يرضى به ولا يترك أن يعاقب عليه. (وإذا قيل له) لهذا الذى يعجبك قوله (اتق الله) ودع سوء صنيعك. (أخذته العزة بالاثم) الذي هو محتقبه، (3) فيزداد إلى شره شرا، ويضيف إلى ظلمه ظلما.


1) عنه البحار: 68 / 37 ح 79. 2) ” أدبر وانصرف عنك ” س، 3) احتقب الاثم: جمعه. ” مخفيه ” س. (*)

[ 620 ]

(فحسبه جهنم) جزاءا له على سوء فعله، وعذابا. (ولبئس المهاد) يمهدها ويكون دائما فيها (1). 363 – قال على بن الحسين عليهما السلام: ذم الله تعالى هذا الظالم المعتدي [ من (2) المخالفين ] وهو على خلاف ما يقول منطوي، والاساءة إلى المؤمنين مضمر، فاتقوا الله عباد الله (3) [ المنتحلين لمحبتنا ] (4) وإياكم والذنوب التي قل ما أصر عليها صاحبها إلا أداه إلى الخذلان المؤدي إلى الخروج عن ولاية محمد وعلي والطيبين من آلهما، والدخول في موالاة أعدائهما، فان من أصر على ذلك فأدى خذلانه إلى الشقاء الاشقى من مفارقة ولاية سيد اولى النهى، فهو من أخسر الخاسرين. قالوا: يا بن رسول الله وما الذنوب المؤدية إلى الخذلان العظيم ؟ قال: ظلمكم لاخوانكم الذين هم لكم في تفضيل علي عليه السلام، والقول بامامته، وإمامة من انتجبه [ الله ] من ذريته موافقون ومعاونتكم الناصبين عليهم، ولا تغتروا بحلم الله عنكم، وطول إمهاله لكم، فتكونوا كمن قال الله عزوجل: (كمثل الشيطان إذ قال للانسان (5) اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين) (6).


1) عنه البحار: 9 / 188 ح 20، وج 73. 183 قطعة، وج 75 / 317 صدر ح 41. 2) ” على ” الاصل. 3) ” معشر ” س. 4) ليس في البحار. 5) اللام قى قوله تعالى ” للانسان ” هي للعهد بالفرد الخاص – لا للجنس – بدلالة التمثيل الواقع خارجا لا فرضا، لقوله (قال الشيطان) ولم يقل – يقول – ” اكفر – أنت – فلما كفر – هو – وتحقق بالماضي كفر هذا الفرد، لا جميعا – قال – له – (انى برئ منك ” لا منكم. والقصة مشهورة، اوردها الطبرسي في مجمع البيان: 9 / 265 برواية ابن عباس، (عنه البحار: 14 / 486)، والسيوطي في الدر المنثور: 6 / 199 من طرق متعددة، وأشار إليها البيضاوى في تفسيره: 4 / 197، و… 6) الحشر: 160. (*)

[ 621 ]

[ قصة عابد بنى اسرائيل: ] كان هذا رجل (1) فيمن كان قبلكم في زمان بني إسرائيل – يتعاطى الزهد والعبادة وقد كان قيل له: إن أفضل الزهد، الزهد في ظلم إخوانك المؤمنين بمحمد وعلي عليهما السلام والطيبين من آلهما، وإن أشرف العبادة خدمتك إخوانك المؤمنين، الموافقين لك على تفضيل سادة الورى محمد المصطفى، وعلي المرتضى، والمنتجبين المختارين للقيام بسياسة الورى. فعرف الرجل بما كان يظهر [ من ] الزهد، فكان إخوانه المؤمنون يودعونه فيدعى [ بها ] أنها سرقت، ويفوز بها، وإذا لم يمكنه دعوى السرقه جحدها وذهب بها. وما زال هكذا والدعاوى لا تقبل فيه، والظنون تحسن به، ويقتصر منه على أيمانه الفاجرة إلى أن خذله الله تعالى، وفوضعت عنده جارية من أجمل النساء قد جنت ليرقيها برقية فتبرأ، أو يعالجها بدواء، فحمله الخذلان عند غلبة الجنون عليها على وطيها، فأحبلها. فلما اقترب وضعها جاءه الشيطان، فأخطر بباله أنها تلد وتعرف (2) بالزنا بها فتقتل، فاقتلها وادفنها تحت مصلاك، فقتلها ودفنها، وطلبها أهلها فقال: زاد بها جنونها فماتت. فاتهموه وحفروا تحت مصلاه، فوجدوها مقتولة مدفونة حبلى مقربة (3) فأخذوه وانضاف إلى هذه الخطيئة دعاوى القوم الكثيرة الذين جحدهم، فقويت عليه التهمة وضويق [ على الطريق ] فاعترف على نفسه بالخطيئة بالزنا بها، وقتلها فملئ بطنه وظهره سياطا، وصلب على شجرة. فجاءه بعض شياطين الانس وقال له: ما الذي أغنى عنك عبادة من كنت تعبده


1) اسمه ” برصيصا ” كما في رواية ابن عباس. 2) ” تقرن ” أ، س، ص. 3) المقرب من الحوامل: التى قرب ولادها. (*)

[ 622 ]

ومولاة من كنت تواليه من محمد وعلي الطيبين (1) من آلهما الذين زعموا أنهم في الشدائد أنصارك، وفي الملمات أعوانك. وذهب ما كنت تؤمل هباءا منثورا، وانكشف أحاديثهم لك، وأطماعهم إياك (2) من أعظم الغرور، وأبطل الاباطيل، وأنا الامام الذي كنت تدعي إليه، وصاحب الحق الذي كنت تدل عليه، وقد كنت باعتقاد إمامة غيري من قبل مغرورا فان أردت أن اخلصك من هؤلاء، وأذهب بك إلى بلاد نازحة (3)، وأجعلك هناك رئيسا سيدا فاسجد لي على خشبتك هذه سجدة معترف بأني أنا الملك لا نقاذك، لانقذك. فغلب عليه الشقاء والخذلان، واعتقد قوله وسجد له، ثم قال: انقذني. فقال له: إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين. وجعل يسخر ويطنز به، وتحير المصلوب، واضطرب عليه اعتقاده، ومات بأسوأ عاقبة، فذلك الذي أداه إلى هذا الخذلان. (4) قوله عزوجل: ” ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ” 207. 364 – قال الامام عليه السلام: (ومن الناس يشري نفسه) (5) يبيعها (ابتغاء مرضات


1) اقول: لاحظ أن الشيطان هنا هو في مقام الاغواء لمن صلب وبه رمق، فهو بالتالى لابد أن يسالمه ويسايره على ما يدعى اعتقاده من دون أن يجرحه في شئ من ذلك، حتى يقول له “… والطيبين من آلهما الذين زعموا… ذهب ما كنت تؤمل… ” فتدبر. 2) ” اطاعتك اياهم ” البحار. 3) أي بعيدة. 4) عنه البحار: 75 / 318 ضمن ح 41. وقصة العابد مروية في مصادر عديدة كما ذكرنا، فراجع. 5) أقول: اتفقت روايات الفريقين على أن الاية نزلت بحق مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام ” ليلة المبيت ” حين اتفق المشركون على قتل رسول الله صلى الله > (*)

[ 623 ]

الله) عزوجل فيعمل بطاعة الله، ويأمر الناس بها، ويصبر على ما يلحقه من الاذى فيها، فيكون كمن باع نفسه، وسلمها مرضاة الله عوضا منها، فلا يبالى ما حل بها بعد أن يحصل لها رضاء ربها (والله رؤف بالعباد) كلهم. أما الطالبون لرضاه، فيبلغهم أقصى أمانيهم، ويزيدهم عليها ما لم تبلغه آمالهم وأما الفاجرون في دينه فيتأناهم، ويرفق بهم، ويدعوهم إلى طاعته، ولا يقطع من علم أنه سيتوب عن ذنوبه التوبة الموجبة له عظيم كرامته (1). [ ذكر جلاله قدر بلال ] 365 – قال على بن الحسين عليهما السلام: وهؤلاء (1) خيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عذبهم أهل مكة ليفتنوهم عن دينهم، منهم بلال، وصهيب، وخباب، وعمار بن ياسر وأبواه: فأما بلال، فاشتراه أبو بكر بن أبي قحافة بعبدين له أسودين، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فكان تعظيمه لعلي بن أبي طالب عليه السلام أضعاف تعظيمه لابي بكر. فقال المفسدون: يا بلال كفرت النعمة، ونقضت ترتيب الفضل، أبو بكر مولاك


1) < عليه وآله فخرج إلى الغار، وبات عليه السلام في فراشه، ولبس ثوبه.. وهو لا ينافى أن يكون مفهوم الاية عاما لتضم تحت لوائها اولئك المخلصون الذين شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، ومصداقه ذيل الاية المباركة ” والله رؤف بالعباد ” ولا منافات اذن، فتدبر 1) عنه البحار: 22 / 338 صدر ح 50، وج 70 / 217. 2) لا يخفى أن لذيل الاية الكريمة معنى عاما، ومفهوما واسعا، ينطبق على غير واحد من المؤمنين وعلى رأسهم أميرهم على بن أبى طالب عليه السلام، ومن ظهر وأتم ما ينطبق عليه سيد الشهداء من الاولين والاخرين ” الحسين بن على بن أبى طالب ” عليهما السلام وأصحابه الذين بذلوا مهجم ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذا لا ينافى أن يكون فضل نزول الاية خاصا بيعسوب الدين أمير المؤمنين، عليه وعلى أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلين. (*)

[ 624 ]

الذي اشتراك وأعتقك، وأنقذك من العذاب، ووفر (1) عليك نفسك وكسبك، وعلي ابن أبي طالب عليه السلام لم يفعل بك شيئا من هذه، وأنت توقر أبا الحسن عليا بما لا توقر أبا بكر، إن هذا كفر للنعمة وجهل بالترتيب. فقال بلال: أفيلزمني أن أوقر أبا بكر فوق توقيري لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالوا: معاذ الله. قال: قد خالف قولكم هذا قولكم الاول، إن كان لا يجوز لي أن افضل عليا عليه السلام على أبى بكر، لان أبا بكر أعتقني، فكذلك لا يجوز أن افضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر، لان أبا بكر أعتقني، قالوا: لا سواء إن رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل خلق الله. قال بلال ولا سواء أيضا أبو بكر وعلي، إن عليا [ هو ] نفس أفضل خلق الله، فهو [ أيضا ] أفضل خلق الله بعد نبيه صلى الله عليه وآله، وأحب الخلق إلى الله تعالى لاكله الطير مع رسول الله صلى الله عليه وآله الذي دعا: ” اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ” (2) وهو أشبه خلق الله برسول الله لما جعله أخاه في دين الله. وأبو بكر لا يلتمس [ مني ] ما تلتمسون، لانه يعرف من فضل علي عليه السلام ما تجهلون أي يعرف أن حق علي [ علي ] أعظم من حقه، لانه أنقذني من رق عذاب الذي لو دام علي وصبرت عليه لصرت إلى جنات عدن، وعلي أنقذني من رق عذاب الابد، وأوجب لي بموالاتي له وتفضيلي إياه نعيم الابد.


1) يقال: وفر عليه ؟ ؟ حقه: أعطاه حقه كله، ووفر عرض فلان: صانه ولم يشتمه، وفر العطاء رده ” رد ” البحار. ” وقر ” أ، ط، تصحيف. ظ 2) حديث الطير، من الاحاديث المتواترة روته الخاصة والعامة بأسانيد متعددة وألفاظ شتى راجع المجلد الخاص به من عبقات الانوار. ج 1. (*)

[ 625 ]

[ فضيلة لصهيب: ] قال عليه السلام: وأما صهيب (1)، فقال: أنا شيخ كبير لا يضركم كنت معكم أو عليكم فخذوا مالي ودعوني وديني. فأخذوا ماله وتركوه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله [ لما جاء إليه ]: يا صهيب كم كان مالك الذي سلمته ؟ قال: سبعة آلاف. قال: طابت نفسك بتسليمه ؟ قال: يا رسول الله – والذي بعثك بالحق نبيا – لو كانت الدنيا كلها ذهبة حمراء لجعلتها عوضا عن نظره أنظرها إليك، ونظرة أنظرها إلى أخيك ووصيك علي بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا صهيب قد أعجزت خزان الجنان عن إحصاء مالك فيها بمالك هذا واعتقادك، فلا يحصيها (2) إلا خالقها. [ فضيلة لخباب بن الارت: ] وأما خباب بن الارت، فكانوا قد قيدوه بقيد وغل (3) فدعا الله تعالى بمحمد


1) هذا يروى عن صهيب – مولى رسول الله صلى الله عليه وآله في أول عهده به أيام حياته – ودرجة جهاده وحبه، والنظر إليه والى وصيه، فكيف بالايمان القلبى برسالته ووصيه. وهذا الشيخ الكبير – على ما ادعاه – فالى متى بقى وعاش ومتى توفى، وبعد فهل بقى على العهد الذى كان في أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما كان بلال، أو انقلب على عقبيه – كما في ظاهر رواية الكشى: 38 ح 79، والاختصاص: 68، وعليك بمراجعة السند فيهما، وترجمته في كتب التراجم – أو تظاهر به تقية ؟ وإذا شككت فقف عنده، وذره في بقعة الامكان، ولا تقف ما ليس لك به علم. فانا رأينا مختلف الرواية، وبعض الطعون على بعض أصحابنا، وأصحابنا رفضوها. 2) هذا من فضل الله ورحمته، وكان فضله عظيما، وكم له نظير في المثوبات، ومنه ما آثرناه في فضل صلاة الجماعة إذا كان عددهم كثيرا، والله العالم. 3) طوق من حديد يجعل في اليد أو العنق. (*)

[ 626 ]

وعلي وآلهما الطيبين، فحول الله تعالى القيد فرسا ركبه، وحول الغل سيفا بحمائل تقلده (1) فخرج [ عنهم ] من أعمالهم. فلما رأوا ما ظهر عليه من آيات محمد صلى الله عليه وآله لم يجسر (2) أحد أن يقربه، وجرد سيفه وقال: من شاء فليقرب، فاني سألته بمحمد وعلي عليهما السلام أن لا اصيب بسيفي أبا قبيس (3) إلا قددته نصفين، فضلا عنكم. فتركوه فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. [ فضيلة لعمار بن ياسر: ] وأما [ أبو عمار ] ياسر، وام عمار فقتلا في الله صبرا. وأما عمار فكان أبو جهل يعذبه، فضيق الله عليه خاتمه في إصبعه (4) حتى أضرعه (5) وأذله، وثقل عليه قميصه حتى صار أثقل من بدنات (6) حديد، فقال لعمار: خلصني مما أنا فيه، فما هو إلا من عمل صاحبك، فخلع خاتمه من إصبعه وقميصه من بدنه، وقال: البسه، ولا أراك بمكة تفتنها (7) علي، وانصرف إلى محمد. فقيل لعمار: ما بال خباب نجا (8) بتلك الاية، وأبواك أسلما للعذاب حتى قتلا ؟ قال عمار: ذلك حكم من أنقذ إبراهيم عليه السلام من النار، وامتحن بالقتل يحيى وزكريا عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت من كبار الفقهاء يا عمار. فقال عمار: حسبي يا رسول الله من العلم معرفتي بأنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، وأن أخاك عليا وصيك وخليفتك، وخير من تخلفه بعدك، وأن القول الحق قولك وقوله، والفعل الحق فعلك وفعله، وأن الله عزوجل ما


1) قلده السيف: جعل حمالته في عنقه. 2 ” يجرأ ” أ س. 3) اسم جبل 4) زاد في ” أ، ط ” وقميصه من بدنه. 5) أضرع الرجل: أذله. 6) البدن بالتحريك -: الدرع القصير:. 7) ” تضيقها ” ط. 8) في ” ب ” الفعل على بناء المجهول، وكذا الذى بعده. (*)

[ 627 ]

وفقني لموالاتكما ومعاداة أعدائكما إلا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو كما قلت يا عمار، إن الله تعالى يؤيد بك الدين ويقطع بك معاذير الغافلين، ويوضح بك عن عناد المعاندين إذا قتلتك الفئة الباغية على المحقين. ثم قال له: يا عمار بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل، فازدد منه تزدد فضلا، فان العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه الله عزوجل من فوق العرش: مرحبا بك يا عبدي أتدري أية منزلة تطلب ؟ وأية درجة تروم ؟ مضاهاة (1) ملائكتي المقربين لتكون لهم قرينا ؟ لابلغنك مرادك ولاصلنك بحاجتك. قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: ما معنى مضاهاة ملائكة الله عزوجل المقربين ليكون لهم قرينا ؟ قال: أما سمعت الله عزوجل يقول (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (2). فابتدأ بنفسه، وثنى بملائكته، وثلث باولي العلم الذين هم قرناء ملائكته [ أولهم ] وسيدهم محمد صلى الله عليه وآله، وثانيهم علي عليه السلام، وثالثهم (أقرب أهله إليه) (3)، وأحقهم بمرتبته بعده. قال علي بن الحسين عليهما السلام: ثم أنتم – معاشر الشيعة العلماء لعلمنا تالون لنا، مقرونون (4) بنا وبملائكة الله المقربين، شهداء [ لله ] بتوحيده وعدله وكرمه وجوده، قاطعون لمعاذير المعاندين من عبيده وإمائه، فنعم الرأى لانفسكم رأيتم، ونعم الحظ الجزيل اخترتم، وبأشرف السعادة سعدتم حين (5) بمحمد وآله الطيبين عليهم السلام قرنتم، وعدول الله في أرضه شاهرين بتوحيده وتمجيده جعلتم، وهنيئا لكم، أن محمدا


1) ” تضاهي ” ب، البحار، والعوالم، ضاهى مضاهاة الرجل: شاكله وشابهه. 2) آل عمران: 18. 3) ” أهله ” البحار. 4) ” معروفون ” أ، ص. 5) ” و ” س.

[ 628 ]

لسيد الاولين والآخرين، وأن آل محمد خير آل النبيين، وأن أصحاب محمد الموالين لاولياء محمد وعلي عليهما السلام، والمتبرئين من أعدائهما، أفضل صحابة المرسلين، وأن امة محمد الموالين لمحمد وعلي، المتبرئين من أعدائهما، أفضل امم المرسلين وأن الله تعالى لا يقبل من أحد عملا إلا بهذا الاعتقاد، ولا يغفر له ذنبا، ولا يقبل له حسنة، ولا يرفع له درجة إلا به. (1) قوله عزوجل: ” يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم “: 208 – 209 366 – قال الامام عليه السلام: فلما ذكر الله تعالى الفريقين: أحدهما (ومن الناس من يعجبك قوله) والثاني: (ومن الناس من يشري نفسه) وبين حالهما، دعا الناس إلى حال من رضي صنيعه فقال: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة). يعني في السلم والمسالمة إلى دين إلاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه، [ وادخلوا ] في جميع الاسلام، فتقبلوه واعملوا فيه (2)، ولا تكونوا كمن (3) يقبل بعضه ويعمل به، ويأبى بعضه ويهجره. قال: ومنه الدخول في قبول ولاية علي عليه السلام كالدخول في قبول نبوة [ محمد ] رسول الله صلى الله عليه وآله، فانه لا يكون مسلما من قال: إن محمدا رسول الله، فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته.


1) عنه البحار: 1 / 18 ح 68 من قوله ” ان العبد إذا خرج… ” وج 22 / 338 ح 50 إلى قوله: ” ولا وصلك بحاجتك “. وعوالم العلوم: 147 ح 81، وسفينة البحار: 1 / 104 قطعة. 2) ” لله ” البحار: 36. 3) ” ممن ” أ. (*)

[ 629 ]

(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) من يتخطى بكم إليه الشيطان من طرق الغي والضلال، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات (1) (إنه لكم عد ومبين) إن الشيطان لكم عدو مبين، بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب، وإهلاككم بشديد العقاب. (فان زللتم) عن السلم والاسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية علي عليه السلام، ولا ينفع الاقرار بالنبوة مع جحد إمامة علي عليه السلام، كما لا ينفع الاقرار بالتوحيد مع جحد النبوة، إن زللتم. (من بعد ما جاءتكم البينات) من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وفضيلته، وأتتكم الدلالات الواضحات الباهريات على أن محمدا الدال على إمامة علي عليه السلام نبي صدق، ودينه دين حق. (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) [ عزيز ] قادر على معاقبة المخالفين لدينه والمكذبين لنبيه لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيه صلى الله عليه وآله لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه. حكيم فيما يفعل من ذلك، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات، ولا واضع لها في غير موضعها (وإن أتم له الكرامات) (2)، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدد عليه العقوبات. [ بعض احتجاجات على عليه السلام يوم الشورى: ] قال على بن الحسين عليهما السلام: وبهذه الاية وغيرها احتج علي عليه السلام يوم الشورى على من دافعه عن حقه، وأخره عن رتبته، وإن كان ما ضر الدافع إلا نفسه، فان عليا عليه السلام كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة.


1) أي المهلكات. 2) كذا في ” س ” وفى غيرها ” للكرامات “. (*)

[ 630 ]

جعله الله ليؤتم به في امور الدين والدنيا، كما لا ينقص الكعبة، ولا يقدح في شئ من شرفها وفضلها إن ولى عنها الكافرون، فكذلك لا يقدح في علي عليه السلام – إن أخره عن حقه – المقصرون، ودافعه عن واجبه الظالمون. قال لهم علي عليه السلام يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر، وبالغ وأوضح: معاشر الاولياء العقلاء ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم (1) ؟ أو لم يجعلني رسول الله صلى الله عليه وآله لدينكم ودنياكم قواما ؟ أو لم يجعل إلى مفزعكم ؟ أو لم يقل لكم: علي مع الحق والحق معه (2) ؟ أو لم يقل: أنا مدينة العلم (3) وعلي بابها (4) ؟ أولا تروني غنيا عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون ؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم، أم من لا يعلم باتباع من يعلم ؟ يا أيها الناس لم تنقضون ترتيب الالباب (5) لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب ؟ أو ليس رسول الله صلى الله عليه وآله أجابني إلى مارد عنه أفضلكم: فاطمة لما خطبها ؟ أو ليس قد جعلني أحب خلق الله [ إلى الله ] لما أطعمني معه من الطائر (6) ؟


1) زاد في بعض النسخ والبحار: ” كما (لا يفهم) نفهم “. 2) وهذا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بأسانيد شتى وألفاظ مختلفة يضيق بنا المجال لسردها، استقصيناها عند تحقيقنا كتاب ” الاربعين ” لمنتخب الدين ح 17، انظر البحار: 38 / 26 – 40، واحقاق الحق: 5 / 623 – 638، وج 16 / 385، 397. 3) ” الحكمة ” البحار: 36. 4) تقدم ص 497 بلفظ ” مدينة الحكمة ” وله بيان، فراجع. 5) اللب: العقل الخالص من الشوائب أو ما ذكا من العقل، فكل لب عقل، ولا يعكس. 6) راجع المجلد الخاص بحديث الطير من عبقات الانوار. (*)

[ 631 ]

أو ليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله ؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخرون ؟ وأبعد الناس به شبها تقدمون ؟ مالكم لا تتفكرون ولا تعقلون ؟ قال: فما زال يحتج بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون (1) عما دبروه، ولا يرضون (2) إلا بما آثروه !. (3) قوله عزوجل: ” هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر والى الله ترجع الامور “: 210. 367 – قال الامام عليه السلام: لما بهرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بآياته، وقطع معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الايمان، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة [ وهي ما ] قال الله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) (4) وسائر ما ذكر في الآية، فقال الله عزوجل: يا محمد (هل ينظرون) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات (إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان، و [ اقتراحهم ] الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا


1) غفل عنه: سها عنه وتركه. 2) ” يصرون ” أ، س، ص. 3) عنه البحار: 36 / 110 ح 59، وج 68 / 230 قطعة. 4) الاسراء: 90 – 92. (*)

[ 632 ]

التعبد، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و (وقتك هذا وقت تعبد) (1) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك، فهم في اقتراحهم بمجئ الاملاك جاهلون. (وقضي الامر) أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة، فإذا جاءوا وكان ذلك قضي الامر بهلاكهم. (وإلى الله ترجع الامور) فهو يتولى الحكم فيها، يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه. (2) 368 – قال على بن الحسين عليهما السلام: طلب هؤلاء الكفار الآيات، ولم يقنعوا بما أتاهم منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة [ الدافعة ] فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله، وذلك محال، لان الاتيان على الله لا يجوز. وكذلك النواصب اقترحوا على رسول الله في نصب أمير المؤمنين علي عليه السلام إماما – واقترحوا – حتى اقترحوا المحال. وكذلك إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نص على علي عليه السلام بالفضيلة والامامة وسكن [ إلى ] ذلك قلوب المؤمنين، وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين، واحتال (3) في السلم من الفريقين – من النبي وخيار أصحابه، ومن أصناف أعدائه – جماعة المنافقين، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل المنافقين: لقد أسرف محمد في مدح [ نفسه ثم أسرف في مدح ] أخيه علي وما ذلك من عند رب العالمين، ولكنه في ذلك من المتقولين يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا حيا، ولعلي بعد موته.


1) ” هذا وقت التعبد ” البحار. 2) عنه البحار: 9 / 281 ح 5. 3) ” اختال ” أ، ص. الختل ” الخداع. (*)

[ 633 ]

قال الله تعالى: يا محمد قل لهم: وأي شئ أنكرتم من ذلك ؟ هو عزيز (1) حكيم كريم، ارتضى عبادا من عباده، واختصهم بكرامات لما علم من حسن طاعاتهم، وانقيادهم لامره، ففوض إليهم امور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له. أولا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده، ووثق بحسن اضطلاعه (2) بما يندب له (3) من امور ممالكه، جعل ما وراء بابه إليه، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه. كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله، وقاضي دينه، ومنجز عداته، والمؤازر لاوليائه، والمناصب (4) لاعدائه فلم يقنعوا بذلك، ولم يسلموا وقالوا: ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالب عليه السلام بأمر صغير، إنما هو دماء الخلق، ونساؤهم، وأولادهم، وأموالهم، وحقوقهم [ وأنسابهم ] ودنياهم وآخرتهم، فليأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية. [ احتجاجات رسول الله صلى الله عليه وآله لولاية علي عليه السلام: ] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز والحيطان بين يديه، ففتحت له وطرقت (5)، ثم عادت


1 ” عظيم ” ب، ط، والبحار. 2) ” اصطناعه ” أ، ط. ” اطاعته ” البحار. يقال: اضطلع بحمله: نهض به وقوى عليه. 3) ندب فلانا للامر: دعاه ورشحه للقيام به، وحثه عليه. ناصبه مناصبة: عاداه وقاومه. ” المصائب ” أ، س، ص. 5) طرق – بتشديد الراء – له: جعل له طريقا. (*)

[ 634 ]

والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة، والملائكة منها مطلعين تناديكم: هذا ولي الله فاتبعوه، وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يمشي والجبال تسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال: اللهم زدهم آيات، فانها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا. قال: فرجع القوم إلى بيوتهم، فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم، ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي عليه السلام. قالوا: آمنا. ودخلوا. ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها، فثقلت عليهم، ولم يقلوها (1) ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علي عليه السلام. فأقروا، ونزعوها. ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل، فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام. فاعترفوا. ثم ذهبوا يأكلون، فثقلت عليهم اللقمة، وما لم يثقل منها استحجر في أفواههم، ونادتهم: حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام. فاعترفوا. ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون، فتعذبوا، وتعذر عليهم، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. فاعترفوا ثم ضجر بعضهم وقال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) قال الله عزوجل: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فان عذاب الاصطلام العام إذا نزل، نزل بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله من بين أظهرهم، ثم قال الله عزوجل:


1) قله – بتشديد اللام – عن الارض: رفعه. (*)

[ 635 ]

(وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (1) يظهرون التوبة والانابة، فان من حكمه في الدنيا يأمرك بقبول الظاهر، وترك التفتييش عن الباطن، لان الدنيا دار إمهال وإنظار، والآخرة دار الجزاء بلا تعبد. قال: (وما كان الله معذبهم) وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو أن فيهم من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على اولئك بالايمان وثوابه، ولا يقتطعهم باخترام (2) آبائهم الكفار، ولولا ذلك لاهلكهم. فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: كذلك اقترح الناصبون آيات في علي عليه السلام حتى اقترحوا مالا يجوز في حكم [ الله ]، جهلا بأحكام الله، واقتراحا للاباطيل على الله. (3). قوله عزوجل: ” سل بنى اسرائيل ” الاية إلى قوله ” أو ضعيفا ” 211 – 282 اثنان وسبعون آية تفسيرها مفقود (4). رزقنا الله تمامه بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين [ إلى يوم الدين ]


1) الايات من سورة الانفال: 32 – 33. 2) أي باهلاك. 3) عنه البحار: 9 / 282 ذ ح 5 قطعة، وج 42 / 40 ح 14 من قوله ” ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما نص على. “، واثبات الهداة: 3 / 578 ح 674 قطعة، وج 4 / 597 ح 293 قطعة. 4) ” تم ما وجدناه من هذه الايات وتفسيرها ” ب. (*)

[ 636 ]

[ بسم الله الرحمن الرحيم ] شئ آخر من تفسير هذه السورة من الامام الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه وابنه القائم عليهم السلام المنتظر المهدي السلام. قوله عزوجل: ” أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ” إلى آخر الاية: 282 ] (1) 369 – قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عزوجل: (أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) قال: (ضعيفا) في بدنه لا يقدر أن يمل (2)، أو ضعيفا في فهمه وعلمه لا يقدر أن يمل ويميز الالفاظ التي هي عدل عليه وله من الالفاظ التي هي جور عليه أو على حميمه. (أولا يستطيع أن يمل هو) يعني بأن يكون مشغولا في مرمة (3) لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم، فان تلك [ هي ] الاشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها. قال: (فليملل وليه بالعدل) يعني النائب عنه، والقيم بأمره بالعدل، بان لا يحيف على المكتوب له، ولا على المكتوب عليه. (4)


1) ” ومما أوصل الينا من هذا التفسير عن هذه السورة أيضا ” أ، س، ص. 2) أمللت الكتاب على الكاتب املالا: ألقيته عليه، وأمليته عليه املاءا والاولى لغة الحجاز وبنى أسد والثانية لغة بنى تميم وقيس، وجاء الكتاب العزيز بهما ” وليملل الذى عليه الحق “، ” فهى تملى عليه بكرة وأصيلا ” الفرقان: 5. (المصباح المنير: 580). 3) رم رما ومرمة الامر: أصلحه. ” بدنه ” ب. 4) عنه البحار: 104 / 304 صدر ح 10. (*)

[ 637 ]

[ في اعانة الضعيف: ] 370 – قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أعان ضعيفا في بدنه على أمره، أعانه الله تعالى على أمره، ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الاهوال وعبور تلك الخنادق من النار، حتى لا يصيبه من دخانها ولا سمومها، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالما آمنا. ومن أعان ضعيفا في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم ألد (1) طلاب الباطل، أعانه الله عند سكرات الموت على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، والاقرار بما يتصل بهما، والاعتقاد له حتى يكون خروجه من الدنيا ورجوعه إلى الله تعالى على أفضل أعماله، وأجل أحواله، فيجئ (2) عند ذلك بروح وريحان، ويبشر بأن ربه عنه راض، وعليه غير غضبان. ومن أعان مشغولا بمصالح دنياه أو دينه على أمره حتى لا ينتشر (3) عليه أعانه الله تعالى يوم تزاحم الاشغال وانتشار الاحوال، يوم قيامه بين يدي الملك الجبار، فيميزه من الاشرار ويجعله من الاخيار (4). [ في أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه: ] 371 – [ قال: ] ولقد مر أمير المؤمنين عليه السلام على قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان، إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره مما اختلف الناس فيه، قد أرتفعت أصواتهم


1) لد يلد لددا – من باب تعب – اشتدت خصومته فهو ألد والمرأة: لداء، والجمع: لد، ” الذى (هو) ” أ، س. ” الدين ” البحار. 2) ” فيحيى ” ص، والبحار. 3) ” يتعسر ” البحار: 75. 4) عنه البحار: 8 / 166 صدر ح 111 قطعة، وج 75 / 21 ح 19، وج 104 – 305 ضمن ح 10. (*)

[ 638 ]

واشتد فيه محكهم (1) وجدالهم، فوقف عليهم، فسلم، فردوا عليه وأوسعوا وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم، فلم يحفل بهم، ثم قال لهم – وناداهم -: يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أن لله عبادا قد أسكتتهم (2) خشيته من غيرعي ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء العقلاء الالباء (3) العالمون بالله وأيامه (4). ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم، وانقطعت أفئدتهم، وطاشت عقولهم، وهامت حلومهم، إعزازا لله، وإعظاما وإجلالا له. فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وأنهم براء من المقصرين والمفرطين، إلا أنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير، ولا يدلون (5) عليه بالاعمال فهم متى ما رأيتهم مهمومون (6) مروعون، خائفون، مشفقون، وجلون. فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه ؟ [ وجه تسمية شعبان: ] يا معشر المبتدعين هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص


1) المحك: المنازعة في الكلام، والتمادى في اللجاجة. 2) ” أسكنتهم ” ب، س. 3) جمع لبيب وهو العاقل. وفى البحار: البلغاء بدل ” العقلاء “. 4) أيام الله: نعمه ونقمه. 5) أي يجترئون، قال المجلسي (ره): أدل عليه أي أوثق بمحبته فأفرط عليه. ” يزالون ” أ، س، ص. 6) ” مغتمون ” س،. ” مهيمون ” البحار اغتم: حزن، والهيام: الجنون من العشق. (*)

[ 639 ]

الاثمان، وأسهل الامور فأبيتموها (1) وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا (2) تنهمكون في الغي والطغيان، وتتمسكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه. هذه غرة شعبان، وشعب خيراته الصلاة، والصوم، والزكاة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين والقرابات والجيران، وإصلاح ذات البين، و الصدقة على الفقراء والمساكين، تتكلفون ما قد وضع عنكم، وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين. أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعده ربنا عزوجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم (3) عما أنتم فيه، وشرعتم فيما امرتم به. قالوا: يا أمير المؤمنين وما الذي أعد الله في هذا اليوم للمطيعين له ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا أحدثكم إلا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وآله جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار، فأبطأ عليه خبرهم، وتعلق قلبه بهم، وقال: ليت [ لنا ] من يتعرف أخبارهم، ويأتينا بأنبائهم. بينا هو قائل هذا، إذ جاءه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا [ عليهم ] وصيروهم بين قتيل وجريح وأسير، وانتهبوا أموالهم، وسبوا ذراريهم وعيالهم. فلما قرب القوم من المدينة، خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه يتلقاهم، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة، وكان قد أمره عليهم – فلما رأى زيد رسول الله صلى الله عليه وآله – نزل عن ناقته، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وقبل رجله، ثم قبل يده، فأخذه رسول


1) ” فابتاعوها ” أ، والمستدرك. ابتاع الشئ: اشتراه. 2) في حديث البعير الذى سجد له صلى الله عليه وآله، فقال لصاحبه: انه يشكوا إلى أنك تجيعه وتدئبه. أي تكده وتتعبه. وكل ما أدمته فقد أدأبته. 3) قصر عن الشئ: كف عنه وتركه مع العجز. (*)

[ 640 ]

الله صلى الله عليه وآله وقبل رأسه. [ ثم نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن رواحة فقبل يده ورجله وضمه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نفسه. ثم نزل إليه قيس بن عاصم المنقري (1) فقبل يده ورجله وضمه رسول الله صلى الله عليه وآله إليه ].


1) تشتمل هذه القصة على ذكر: زيد به حارثة، عبد الله بن رواحة، وقيس بن عاصم المنقرى في غرة شعبان.. وحسب التاريخ المشهور في كتب القوم، قد استشهد الاولان مع جعفر الطيار في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية – قبل الفتح – في شهر جمادى الاولى. وفى كتبهم أيضا: أن الرسول صلى الله عليه وآله بعث في المحرم سنة تسع من الهجرة سرية عيينة بن الحصن الفزارى إلى بنى تميم، قدم على أثرها وفد من رؤسائهم فيهم قيس بن عاصم… (طبقات ابن سعد: 2 / 160). قال ابن حجر في الاصابة: 3 / 253: وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله في وفد بنى تميم فأسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا سيد أهل الوبر.. وقال في ص 254: وذكر ابن شاهين من طريق المدائني عن أبى معشر ورجاله قالوا: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله قيس بن عاصم ونعيم بن بدر وعمرو بن الاهتم قبل وفد بنى تميم، وكان النبي صلى الله عليه وآله استبطأ قيس بن عاصم، فقال له عتبة: ائذن لى أن أغزوه فأقتل رجاله وأسبى نساءه. فأعرض عنه، وقدم قيس، فقال النبي صلى الله عليه وآله: هذا سيد أهل الوبر: ثم تقدم فأسلم. وروى الصدوق (ره) في أماليه: 12 ح 4 وفى معاني الاخبار: 233، وفى الخصال: 1 / 114 ح 93 باسناده عن العلاء بن محمد بن الفضل، عن أبيه، عن جده، قال: قال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبي صلى الله عليه وآله فدخلت وعنده الصلصال بن الدلهمس، فقلت: يا نبى الله عظنا موعظة ننتفع بها.. (عنها البحار: 71 / 170 ح 1). والى الان لم نعثر على تحقيق صحيح يرفع التعارض بين ما ورد في التفسير والتاريخ فارتقب انا مرتقبون. (*)

[ 641 ]

ثم نزل إليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه، ورد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا ثم قال لهم: حدثوني خبركم وحالكم مع أعدائكم. وكان معهم من أسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الامتعة شئ عظيم. فقالوا: يا رسول الله لو علمت كيف حالنا لعظم تعجبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرئيل عليه السلام، وما كنت أعلم شيئا من كتابه ودينه أيضا حتى علمنيه ربي، قال الله عزوجل: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان – إلى قوله – صراط مستقيم) (1). ولكن حدثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين، لا صدقكم [ فقد أخبرني جبرئيل بصدقكم ] فقالوا (2): يا رسول الله، إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا ليعرف أخبارهم وعددهم لنا، فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل، وكنا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف، وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم: نحن ألف وهم ألفان ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا، فينصرفوا عنا. فتجرأنا بذلك عليهم، وزحفنا إليهم، فدخلوا بلدهم، وأغلقوا دوننا بابه، فقعدنا ننازلهم (3). فلما جن علينا الليل، وصرنا إلى نصفه، فتحوا باب بلدهم، ونحن غارون (4)


1) الشورى: 52. 2) ” فقال ” البحار: 97. 3) ” منازلهم ” الاصل. تصحيف، ونازله في الحرب: نزل في مقابلته وقاتله. 4) الغار: الغافل. (*)

[ 642 ]

نائمون ماكان فينا منتبه إلا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن. وعبد الله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن. فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة (1)، ورشقونا بنبالهم، وكان ذلك بلدهم، وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا: دهينا وأوتينا، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي ؟ ؟ النبال، لانا لا نبصرها. فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في (2) قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة. وضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري، وضوءا خارجا من في عبد الله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة. ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة.


1) دمس الليل أو الظلام: اشتد سواده فهو دامس. 2) من كان آمن بالله وقدرته، وآياته، واستمع إلى كتاب الله في آيات موسى: ” واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية اخرى ” طه: 22. ” ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ” الاعراف: 108، الشعراء: 33، فلا شك له في امكان ذلك ببركة نور كتاب الله النازل على الرسول الاعظم والنور الاتم صلى الله عليه وآله، المتجلى في أعمال أصحابه، كما قال في ذيل الحديث: وهذه الانوار بأعمال اخوانكم. وذلك بسبب قراءة القرآن. ألا تنظرون إلى قوله تعالى: ” يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. ” الحديد: 12 و 13. وقوله تعالى: ” ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ” النور: 24. (*)

[ 643 ]

وإذا تلك الانوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة، فأبصرناهم وعموا [ عنا ]، ففرقنا زيد بن حارثة عليهم حتى أحطنا بهم، ونحن نبصرهم، وهم لا يبصروننا، ونحن بصراء، وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير. ودخلنا بلدهم فاشتملنا على الذراري والعيال والاثاث [ والاموال ]، وهذه عيالاتهم وذراريهم، وهذه أموالهم، وما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الانوار من أفواه هؤلاء القوم، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكنا منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قولوا الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان هذه كانت [ ليلة ] غرة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الانوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان أسلفوا (1) بها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الاعمال. قالوا: يا رسول الله وما تلك الاعمال لنثابر (2) عليها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما قيس بن عاصم المنقري، فانه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان، وقد نهى عن منكر، ودل على خير، فلذلك قدم له النور في بارحة يومه عند قراءته القرآن. وأما قتادة بن النعمان، فانه قضى دينا كان عليه في [ يوم ] غرة شعبان، فلذلك أسلفه الله النور في بارحة يومه. وأما عبد الله بن رواحة، فانه كان برا بوالديه، فكثرت غنيمته في هذه الليلة فلما كان من غد، قال له أبوه: إني وأمك لك محبان، وإن امرأتك فلانة تؤذينا وتعنينا (3) وإنا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد، ولسنا نأمن أن تستشهد في


1) ” ليسلفوا ” أ. السلف: كل عمل صالح قدمته. 2) ثابر على الامر: واظب عليه وداومه. ” لنثاب ” البحار. 3) ” تعنتنا س. ” تعيبنا ” البحار: 27. ” تبغينا البحار: 97. عنى الرجل: آذاه وكلفه ما يشق عليه، عنته: شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه، ويشق عليه تحمله. (*)

[ 644 ]

بعضها، فتداخلنا هذه في أموالك، ويزداد علينا بغيها وعنتها. فقال عبد الله: ماكنت أعلم بغيها عليكم، وكراهتكما لها، ولو كنت علمت ذلك لابنتها (1) من نفسي، ولكني قد أبنتها الآن لتأمنا (2) ما تحذران، فما كنت بالذي أحب من تكرهان، فلذلك أسلفه الله النور الذي رأيتم. وأما زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة، وهو سيد القوم وأفضلهم، فقد علم الله ما يكون منه، فاختاره وفضله على علمه بما يكون منه أنه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاءه رجل من منافقي عسكره (3) يريد التضريب بينه وبين علي بن أبى طالب عليه السلام، وإفساد ما بينهما فقال [ له ]: بخ بخ أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول الله وصحابته هذا بلاؤك، وهذا الذي شاهدناه نورك. فقال له زيد: يا عبد الله اتق الله، ولا تفرط في المقال، ولا ترفعني فوق قدري، فانك [ لله ] بذلك مخالف و [ به ] كافر، وإني إن تلقيت (4) مقالتك هذه بالقبول لكنت كذلك. يا عبد الله، ألا احدثك بما كان في أوائل الاسلام وما بعده، حتى دخل رسول الله المدينة (5) وزوجه فاطمة (6) عليها السلام، وولد له الحسن والحسين عليهما السلام ؟ قال: بلى. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لي شديد المحبة حتى تبناني لذلك (7) فكنت


1) أي طلقتها. 2) ” لتكفيا ” س، ص. 3) ” عسكرهم ” البحار. 4) ” قبلت ” أ، س، ص. 5) ” دخل رسول الله المدينة مع على ” ظ. 6) ” وزوج الفاطمة ” أ، س، ص. 7) وكيف لا يكون شديد الحب لزيد هذا ولا يتبناه، ولا يؤويه، وقد آثره على والده، وأخلص في الايمان والحب له، حتى رفضه من كان رؤوفا عليه، وتبرأ منه، فصار كمن كان يتيما لا يجد أباه. فهل جزاؤه الا أن يتبناه، وهل يؤويه الا من أحس اليتم ؟ وقد خاطبه عزوجل بقوله: ” ألم يجدك يتيما فآوى… فأما اليتيم فلا تقهر ” الضحى: 6 – 9. (*)

[ 645 ]

ادعى ” زيد بن (1) محمد ” إلى أن ولد لعلي الحسن والحسين عليهما السلام فكرهت ذلك لاجلهما (2)، وقلت – لمن كان يدعوني -: احب أن تدعوني زيدا مولى رسول الله


1) اليك هذه الايات: ” واذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس، والله أحق أن تخشاه. فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا، وكان أمر الله مفعولا. ماكان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدرا مقدورا.. ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين… ” 37 – 40 ” وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم… ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين.. ” الاحزاب: 4 – 5. أقول: والضابط أن من كان أبا أو أخا أو ابنا بالحقيقة، فله أحكام خاصة بين الاب وابنه وبين الاخوين، وإذا كان ادعائيا، كأن تبنى رسول الله زيدا، أو قال: أنا وعلى أبوا هذه الامة، أو جعل عليا أخاه، بل نفسه في آية المباهلة ” أنفسنا وأنفسكم ” فهذا ليس الا ادعاءا وشرافة، ولها أحكامها الخاصة بها، ولا تغير ماكان لها من قبل الا أن تناله يد التنزيل والاعتبار كما ثبت في النسب الرضاعى. وعلى هذا تزوج النبي صلى الله عليه وآله من امته، وزوج فاطمة من على (ع) وكذلك الحال في أزواج الادعياء شرعا، وانما كان رسول الله اسوة لكى لا يكون حرج على المؤمنين في أزواج أدعيائهم… والسر في ذلك ماقاله تعالى ” ذلك قولكم بأفواهكم “. 2) لا عجب من زيد هذا إذ عرف النبي صلى الله عليه وآله وأخلص في حبه له وآله متفانيا وآثر آل الرسول صلى الله عليه وآله بما نهى النفس عن الهوى متفاخرا. فكان حقا لهذا المحب الواله الناطق بلسان قلبه أن يستحيى من أن يدعى ب‍ ” زيد بن محمد ” مضاهيا بالبنوة لريحانتى رسول الله صلى الله عليه وآله وابنيه الحسن والحسين عليهما السلام كيف لا وان الحسين عليه السلام وصفه جبرئيل الامين عن رب العالمين – يوم هبط للتهنئة بميلاده – بأنه سيد الشهداء من الاولين والاخرين. وهذا فضل من الله ومقام محمود لا ينال الا بهدى الله وتقاه، ولا يطعن بفرية اللسان، وجرح > (*)

[ 646 ]

صلى الله عليه وآله فاني أكره أن اضاهي الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يزل ذلك حتى صدق الله ظني، وأنزل على محمد صلى الله عليه وآله: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) (1). يعني قلبا يحب محمدا وآله، ويعظمهم، وقلبا يعظم به غيرهم كتعظيمهم. أو قلبا يحب به أعداءهم، وبل من أحب أعداءهم فهو يبغضهم ولا يحبهم. [ ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم ]. ثم قال: (وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن امهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم – إلى قوله تعالى – واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (2) يعني الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام أولى ببنوة رسول الله صلى الله عليه وآله في كتاب الله وفرضه (من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) إحسانا وإكراما لا يبلغ لك محل الاولاد (كان ذلك في الكتاب مسطورا).


< القلم واللسان. وفضل زيد هذا لا ينال من فضل أبى الفضل العباس بن على بن أبى طالب عليه السلام إذ لا يقول لاخيه – حقا – الا: ” سيدى ومولاى ” وقد حل بفنائه شهيدا. فيا أيها القارئ الكريم لا تعجب من شدة حب زيد واخلاصه، ولا تقس بنفسك، ولا.. ولا.. فان هذا كمال الاخلاص والعرفان الذى لا يناله الا من آتاه الله من فضله ورحمته. قال تعالى: ” ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد “: ق / 37. 1) أقول: لا دلالة على أنه أنزل الله تعالى الاية في خصوص المورد ليكون من شأنه النزول بل يحتمل أن يكون مما أنزل الله نورا – على نحو العموم – ينطبق بما له من المعنى على المورد، فإذا وجد ما في قلبه موافقا لما في كتاب الله تعالى اطمأن به، وان خالفه، فيدعه. ومنه ما ورد في تفسير القمى ص 514 عن أبى جعفر عليه السلام عند تفسيره للاية: لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان. وان قلت لا يجتمع حب المسلم وحب الكافر في جوف انسان، كان حقا. 2) الاحزاب: 4 – 6. (*)

[ 647 ]

فتركوا ذلك وجعلوا يقولون: زيد أخو (1) رسول الله. فما زال الناس يقولون لي هذا [ وأكرهه ] حتى أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله المؤاخاة بينه وبين علي بن أبي طالب عليه السلام. ثم قال زيد: يا عبد الله إن زيدا مولى علي بن أبي طالب عليه السلام كما هو مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، فلا تجعله نظيره، ولا ترفعه فوق قدره، فتكون كالنصارى لما رفعوا عيسى عليه السلام فوق قدره، فكفروا بالله [ العلي ] العظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فذلك فضل الله زيدا بما رأيتم، وشرفه بما شاهدتم. والذي بعثني بالحق نبيا إن الذي أعده الله لزيد في الآخرة ليصغر (2) في جنبه ماشاهدتم في الدنيا من نوره، إنه ليأتي يوم القيامة ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته، من كل جانب مسيرة ألف سنة. [ فضائل شهر شعبان ] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أولا حدثكم بهزيمة تقع في إبليس وأعوانه (3) وجنوده أشد مما وقعت في أعدائكم هؤلاء ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا، إن إبليس إذا كان أول يوم من شعبان بث جنوده في أقطار الارض وآفاقها، يقول لهم: اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم. وإن الله عزوجل بث الملائكة في أقطار الارض وآفاقها يقول [ لهم ]: سددوا عبادي وارشدوهم. فكلهم يسعد بكم إلا من أبي


1) قال تعالى – على العموم -: ” انما المؤمنون اخوة ” الحجرات: 10، فالمؤمن أخو المؤمن، وأما عقد المؤاخاة خاصة فكان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، بلا ثالث (انظر البحار: 38 / 330 – 347 باب 68). وأما قول جمع من الناس ذلك، فمحتمل، إذ لم نعثر على صدقه، ولا على كذبه، فإذا شككت، فهو كما قيل: ذره في بقعة الامكان، وليس بحكم شرعى ولا موضوعه. 2) ” ليقصر ” أ. 3) ” اخوانه ” أ، س. (*)

[ 648 ]

وتمرد وطغى، فانه يصير في حزب إبليس وجنوده. إن الله عزوجل إذا كان أول يوم من شعبان أمر بأبواب الجنة فتفتح، ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا: [ ثم يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا ] ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: يا عباد الله هذه أغصان شجرة طوبى، فتمسكوا بها، ترفعكم إلى الجنة، وهذه أغصان شجرة الزقوم، فاياكم وإياها، لا تؤديكم (1) إلى الجحيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فوالذي بعثني بالحق نبيا إن من تعاطى بابا من الخير والبر في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى، فهو مؤديه إلى الجنة، ومن تعاطى بابا من الشر في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم، فهو مؤديه إلى النار. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فمن تطوع لله بصلاة في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن. ومن صام في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن. [ ومن عفا عن مظلمة، فقد تعلق منه بغصن ] ومن أصلح بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده أو القريب وقريبه أو الجار وجاره (2) أو الاجنبي أو الاجنبية، فقد تعلق منه بغصن. ومن خفف عن معسر من دينه أو حط (3) عنه، فقد تعلق منه بغصن. ومن نظر في حسابه فرأى دينا عتيقا قد أيس منه صاحبه، فأداه فقد تعلق منه بغصن. ومن كفل يتيما، فقد تعلق من بغصن. ومن كف سفيها عن عرض مؤمن، فقد تعلق منه بغصن. ومن قرأ القرآن أو شيئا منه فقد تعلق منه بغصن. ومن قعد يذكر الله ونعماءه ويشكره عليها، فقد تعلق منه بغصن. ومن عاد مريضا فقد تعلق منه بغصن.


1) ” ولا تعود بكم ” أ، س، ص، والمستدرك. 2) ” لقريبه أو الجار والجارة ” أ، ص. 3) حط الشئ: تركه. (*)

[ 649 ]

ومن شيع فيه جنازة، فقد تعلق منه بغصن. ومن عزى فيه مصابا، فقد تعلق منه بغصن. ومن بر والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن. ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن وكذلك من فعل شيئا من [ سائر ] من أبواب الخير في هذا اليوم، فقد تعلق منه بغصن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا، وإن من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا، فمن قصر في صلاته المفروضة وضيعها، فقد تعلق بغصن منه. [ ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيعه، فقد تعلق بغصن منه ]. ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف (1) سوء حاله، وهو يقدر (2) على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه، وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه، فتركه يضيع ويعطب، ولم يأخذ بيده، فقد تعلق بغصن منه. ومن اعتذر إليه مسئ، فلم يعذره، ثم لم يقتصر به على قدر عقوبة إساءته، بل أربى عليه ; فقد تعلق بغصن منه. ومن ضرب (3) بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو الاخ وأخيه، أو القريب وقريبه، أو بين جارين، أو خليطين أو أجنبيين (4) فقد تعلق بغصن منه. ومن شدد على معسر وهو يعلم إعساره، فزاد غيظا وبلاءا، فقد تعلق بغصن منه ومن كان عليه دين فكسره (5) على صاحبه، وتعدى عليه حتى أبطل دينه، فقد


1) ” يشكو إليه ” البحار: 8. 2) ” يقض ” أ، س، ص. 3) ” أفسد ” البحار: 8 وكلاهما بمعنى. 4) ” اختين ” أ، س، والبحار: 97. 5) الكسر – من الحساب -: ما لا يبلغ سهما تاما. والكسر: الجزء. (*)

[ 650 ]

تعلق بغصن منه. ومن جفا يتيما وآذاه وتهضم (1) ماله، فقد تعلق بغصن منه. ومن وقع في عرض أخيه المؤمن، وحمل الناس على ذلك، فقد تعلق بغصن منه ومن تغنى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلق بغصن منه. ومن قعد يعدد قبائح أفعاله في الحروب، وأنواع ظلمه لعباد الله ويفتخر بها فقد تعلق بغصن منه. ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافا بحقه، فقد تعلق بغصن منه. ومن مات جاره، فترك تشييع جنازته تهاونا به، فقد تعلق بغصن منه. ومن أعرض عن مصاب، وجفاه إزراءا (2) عليه، واستصغارا له، فقد تعلق بغصن منه. ومن عق والديه أو أحدهما، فقد تعلق بغصن منه. ومن كان قبل ذلك عاقا لهما، فلم يرضهما في هذا اليوم، و [ هو ] يقدر على ذلك فقد تعلق بغصن منه. وكذا من فعل شيئا من سائر أبواب الشر، فقد تعلق بغصن منه. والذي بعثني بالحق نبيا، إن المتعلقين بأغصان شجرة طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة [ وإن المتعلقين بأغصان شجرة الزقوم تخفضهم تلك الاغصان إلى الجحيم ]. ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله طرفه إلى السماء مليا، وجعل (3) يضحك ويستبشر ثم خفض طرفه إلى الارض، فجعل يقطب ويعبس، ثم أقبل على أصحابه فقال: والذي بعث محمد بالحق نبيا، لقد رأيت شجرة طوبى ترتفع [ أغصانها ] وترفع المتعلقين بها إلى الجنة، ورأيت منهم من تعلق منها بغصن ومنهم من تعلق


1) أي غصب. 2) ” ازدراء ” ب، ازدرى واستزرى الرجل: احتقره واستخف به. 3) ” هو ” أ، س، ص. (*)

[ 651 ]

منها بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات، وإنى لارى زيد بن حارثة قد تعلق بعامة أغصانها فهي ترفعه إلى أعلى عاليها، فلذلك ضحكت واستبشرت ثم نظرت إلى الارض، فوالذي بعثني بالحق نبيا، لقد رأيت شجرة الزقوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلقين بها إلى الجحيم، ورأيت منهم من تعلق بغصن، ورأيت منهم من تعلق منها بغصنين، أو بأغصان، على حسب اشتمالهم على القبائح، وإني لارى بعض المنافقين قد تعلق بعامة أغصانها، وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها فلذلك عبست وقطبت. (1) قال: ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله بصره إلى السماء ينظر إليها مليا وهو يضحك ويستبشر، ثم خفض طرفه إلى الارض وهو يقطب ويعبس. ثم أقبل على أصحابه فقال: يا عباد الله أما لو رأيتم ما رآه نبيكم محمد إذا لا ظمأتم لله بالنهار أكبادكم، ولجوعتم له بطونكم، ولا سهرتم له ليلكم، ولانصبتم فيه أقدامكم وأبدانكم، ولانفدتم (2) بالصدقة أموالكم، وعرضتم للتلف في الجهاد أرواحكم. قالوا: وما هو يا رسول الله فداؤك الآباء والامهات والبنون والبنات والاهلون والقرابات ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيا لقد رأيت تلك الاغصان من شجرة طوبى عادت إلى الجنة، فنادى منادي ربنا عزوجل خزانها: يا ملائكتي ! انظروا كل من تعلق بغصن من أغصان طوبى في هذا اليوم، فانظروا إلى مقدار منتهى ظل ذلك الغصن، فأعطوه من جميع الجوانب مثل مساحته قصورا ودورا وخيرات. فاعطوا ذلك: فمنهم من اعطي مسيرة ألف سنة من كل جانب [ ومنهم من اعطي ضعفه ] ومنهم من اعطي ثلاثة أضعافه، وأربعة أضعافه، وأكثر من ذلك على قدر [ قوة ] إيمانهم،


1) قطب الرجل: زوى ما بين عينيه وكلح وعبس. 2) أنفذ الشئ: أفناه. (*)

[ 652 ]

وجلالة أعمالهم. ولقد رأيت صاحبكم زيد بن حارثة اعطي ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر فضله عليهم في قوة الايمان وجلالة الاعمال، فلذلك ضحكت واستبشرت. ولقد رأيت تلك الاغصان من شجرة الزقوم عادت إلى جهنم، فنادى منادي ربنا خزانها، يا ملائكتي انظروا من تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم في هذا اليوم فانظروا إلى منتهى مبلغ حد (1) ذلك الغصن وظلمته، فابنوا له مقاعد من النار من جميع الجوانب، مثل مساحته قصور النيران، وبقاع غيران (2)، وحيات، وعقارب، وسلاسل وأغلال، وقيود، وأنكال يعذب بها. فمنهم من أعد له فيها مسيرة سنة، أو سنتين، أو مائة سنة، أو أكثر على قدر ضعف إيمانهم وسوء أعمالهم. ولقد رأيت لبعض المنافقين ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر زيادة كفره وشره، فلذلك قطبت وعبست. ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أقطار الارض وأكنافها، فجعل يتعجب تارة، وينزعج تارة، ثم أقبل على أصحابه فقال: طوبى للمطيعين كيف يكرمهم الله بملائكته، والويل للفاسقين كيف يخذلهم الله، ويكلهم إلى شياطينهم. والذي بعثني بالحق نبيا إني لارى المتعلقين بأغصان شجرة طوبى كيف قصدتهم الشياطين ليغووهم، فحملت عليهم الملائكة يقتلونهم ويثخنونهم (3) ويطردونهم عنهم، فناداهم منادي ربنا: يا ملائكتي ألا فانظروا كل ملك في الارض إلى منتهى مبلغ نسيم هذا الغصن الذي تعلق به متعلق فقاتلوا (4) الشياطين عن ذلك المؤمن


1) ” حر ” أ، س ص. 2) جمع غار (مغارة في الجبل)، وقيل: الجحر الذى يأوى إليه الوحش. 3) ” يسحطونهم ” البحار: 97. يقال: أثخن في العدو: بالغ وغلظ في قتلهم. وسحطه: ذبحه ذبحا سريعا. 4) ” فقابلوا ” أ، س، ص. (*)

[ 653 ]

وأخروهم عنه، فاني لارى بعضهم، وقد جاءه من الاملاك من ينصره على الشياطين ويدفع عنه المردة. إلا فعظموا هذا اليوم من شعبان بعد تعظيمكم لشعبان، فكم من سعيد فيه ؟ وكم من شقي فيه ؟ لتكونوا من السعداء فيه، ولا تكونوا من الاشقياء. (1) قوله عزوجل: ” واستشهدوا شهيدين من رجالكم “: 282 372 – قال أمير المؤمنين عليه السلام: (شهيدين من رجالكم) قال: من أحراركم من المسلمين [ العدول ]. (2)


1) عنه البحار: 3 / 265 ح 30 قطعة، وج 8 / 166 ح 111 قطعة، وج 22 / 79 ح 31 (قطعة)، وج 76 / 357 ح 26 قطعة، وج 79 / 262 ح 8 قطعة، وج 97 / 55 – 65 ح 1، ومستدرك الوسائل: 1 / 597 باب 25 ح 1 وج 2 / 90 باب 103 ح 11 قطعة وص 409 باب 28 ح 9 قطعة. 2) أقول: يأتي ص 656 ” فان لم يكونا رجلين فرجل.. ” قال أمير المؤمنين عليه السلام: كنا نحن مع رسول الله وهو يذاكرنا بقوله تعالى: ” واستشهدوا شهيدين من رجالكم ” قال: أحراركم دون عبيدكم، فان الله تعالى قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها “. ولا يخفى أن التعليل بهذا يقتضى كون ” رجالكم ” شاملا للعبيد، وأن الاستثناء كان لاجل اشتغالهم بخدمة مواليهم، فكأنه عفى عنهم الامر بتحمل الشهادة وأدائها. وهذا لا يستلزم أن لا تقبل شهادتهم إذا تحملوا الشهادة وأدوها فانه خلاف السياق والمن. وأما في سائر الروايات على اختلافها فيصرح بجواز شهادة العبد إذا كان عدلا نعم يعتبر أن لا تكون شهادته لمواليه، لئلا يكون متهما: روى الكليني عن ابى جعفر عليه السلام ضمن حديث قال: ان عليا عليه السلام كان قاعدا في مسجد الكوفة فمر به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة، فقال على عليه السلام: هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة. – > (*)

[ 654 ]

قال عليه السلام: استشهدوهم لتحوطوا (1) بهم أديانكم وأموالكم ولتستعملوا أدب الله ووصيته، فان فيهما النفع والبركة، ولا تخالفوهما فيلحقكم الندم، حيث لا ينفعكم الندم. [ في من لا يستجاب دعاؤه: ] ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ثلاثة لا يستجيب الله لهم (2) بل يعذبهم ويوبخهم: أما أحدهم فرجل ابتلي بامرأة سوء فهي تؤذيه وتضاره، وتعيب (3) عليه دنياه، وتنغصها (4)، وتكدرها، وتفسد عليه آخرته فهو يقول: اللهم يا رب خلصني منها يقول الله تعالى: يا أيها الجاهل قد خلصتك منها، جعلت بيدك طلاقها، والتفصي


< – فقال له عبد الله بن قفل: فاجعل بينى وبينك قاضيك الذى رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحا. إلى أن قال لشريح: ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة. فقلت: هذا مملوك ولا أقضى بشهادة مملوك، ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا. (الكافي: 7 / 385 ح 5) هذا مع أن ما شهد به أمير المؤمنين حق، واتيانه قنبرا للشهادة تعديل له، وأين هذا من العبيد تحت الموالى متهمون في شهادتهم، ولعله لذلك عفى عنهم. وعلى كل فتمام البحث في محله، فراجع الوسائل: 18 باب 23. ونظير هذا الحكم في المرحلتين ماكان في صلاة الجمعة على العبد والمرأة والمسافر والمريض والاعمى، فانه لا يجب ابتداءا، ولكن إذا حضروها فانها مجزية. راجع الوسائل: 5 / 2 باب 1، وص 34 باب 18، وفيه: سأل ابن أبى ليلى عن الجمعة، هل تجب على العبد والمرأة والمسافر ؟ قال: لا. قال: فان حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه ؟ قال: نعم. عن أبى عبد الله (ع). 1) حاطه حوطا: حفظه وتعهده. 2) ” دعاءهم ” س. 3) ” تعيث ” س، عاث الشئ: أفسده. 4) ” تنقصها ” أ، والبحار نغص عيشه: كدره (*)

[ 655 ]

منها، طلقها (1) وانبذها عند نبذ الجورب الخلق الممزق. والثاني: رجل مقيم في بلد قد استوبله (2)، ولا يحضره، له فيه [ كل ] ما يريده وكل ما التمسه حرمه. يقول: اللهم [ يا رب ] خلصني من هذا البلد الذي قد استوبلته. يقول الله عزوجل: يا عبدي قد خلصتك من هذا البلد، وقد أوضحت لك طريق الخروج منه، ومكنتك من ذلك، فاخرج منه إلى غيره تجتلب عافيتي وتسترزقني. والثالث: رجل أوصاه (3) الله تعالى أن يحتاط لدينه بشهود، وكتاب، فلم يفعل ذلك، ودفع ماله إلى غير ثقة بغير وثيقة، فجحده، أو بخسة فهو يقول: اللهم [ يا رب ] رد علي مالي. يقول الله عزوجل [ له ]: يا عبدي قد علمتك كيف تستوثق لمالك، ليكون محفوظا لئلا يتعرض للتلف، فأبيت، فأنت الآن تدعوني، وقد ضيعت مالك وأتلفته وخالفت وصيتي، فلا أستجيب لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ ألا ] فاستعملوا وصية الله تفلحوا وتنجوا، ولا تخالفوها فتندموا. (4) 373 – ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إن الله عزوجل كما (أمركم) أن تحتاطوا


1) في أكثر النسخ والبحار والبرهان والمستدرك بلفظ ” جعلت طلاقها بيدك، والتقصى (والتخلص) منها طلاقها “. يقال: تفصى من، أو عن الشدة، أو غيرها: تخلص، وتقصى – بالقاف – تباعد. 2) استوبل الارض: إذا لم توافقه في بدنه، ولم يستمرئ بها الطعام، وان كان محبا لها. 3) ” اداه ” أ، ص، تقول: استأداه – بالهمز – فاداه – بالمد – أي أعانه وقواه: 4) عنه البحار: 104 / 305 ضمن ح 10، والبرهان 1 / 262 ح 3، ومستدرك الوسائل: 1 / 376 باب 47 ح 4. (*)

[ 656 ]

لانفسكم وأديانكم (1) وأموالكم، باستشهاد الشهود العدول عليكم. فكذلك قد احتاط على عباده ولهم (2) في استشهاد الشهود عليهم فلله عزوجل على كل عبد رقباء من خلقه، ومعقبات من بين يديه، ومن خلفه، يحفظونه من أمر الله ويحفظون (3) عليه ما يكون منه: من أعماله، وأقواله، وألفاظه، وألحاظه، فالبقاع التي تشتمل عليه شهود ربه له أو عليه، والليالي والايام والشهور شهود عليه أو له، وساير عباد الله المؤمنين شهود له أو عليه، وحفظته الكاتبون أعماله شهود له أو عليه، فكم يكون يوم القيامة من سعيد بشهادتها له، وكم يكون يوم القيامة من شقي بشهادتها عليه. إن الله عزوجل يبعث يوم القيامة عباده أجمعين وإماءه، فيجمعهم في صعيد واحد فينفذهم (4) البصر، ويسمعهم الداعي، ويحشر الليالي والايام، وتستشهد البقاع والشهور على أعمال العباد، فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه وبقاعه، وشهوره، وأعوامه


1) ” ديونكم ” ب، ط. 2) كذا في الاصل، وفى البحار: لكم. 3) ” يحيطون ” أ، س. 4) قال الجزرى في النهاية: 5 / 91: وفى حديث ابن مسعود ” انكم مجموعون في صعيد واحد، ينفذكم البصر ” يقال: نفذنى بصره، إذا بلغني، وجاوزني، وأنفذت القوم، إذا خرقتهم، ومشيت في وسطهم، فان جزتهم حتى تخلفهم قلت: نفذتهم، بلا ألف، وقيل: يقال فيها بالالف. قيل: المراد به ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم. وقيل: أراد ينفذهم بصر الناظر، لاستواء الصعيد. قال أبو حاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة، وانما هو بالمهملة: أي يبلغ أولهم وآخرهم. حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفذ الشئ وأنفدته. وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن، لان الله جل وعز يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق فيها محاسبة العبد الواحد على انفراده، ويرون ما يصير إليه. ومنه حديث أنس ” جمعوا في صردح ينفذهم البصر، ويسمعهم الصوت “. (*)

[ 657 ]

وساعاته، وأيامه وليالي الجمع وساعاتها وأيامها، فيسعد بذلك سعادة الابد ومن عمل سوءا شهدت عليه جوارحه، وبقاعه، وشهوره، وأعوامه، وساعاته [ وأيامه ] وليالي الجمع وساعاتها وأيامها، فيشقى بذلك شقاء الابد. ألا فاعملوا [ اليوم ] ليوم القيامة، وأعدوا الزاد ليوم الجمع يوم التناد، وتجنبوا المعاصي، فبتقوى الله يرجى الخلاص، فان من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الاعظم، شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها. وينادى مناد: يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم ؟ وكيف كانت طاعته لله عزوجل (1) ؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك، واستمدادا [ لمواد ] فضلك، ولقد تعرض بجهده (2) لرضاك، وطلب بطاقته محبتك. فيقول للملائكة الموكلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد ؟ فيقولون: يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلا متقبلا (3) في طاعتك مجتهدا في طلب رضاك، صائرا فيه إلى البر والاحسان، ولقد كان بوصوله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا وأمل فيها رحمتك، ورجلي فيها عفوك ومغفرتك، وكان عما منعته فيها ممتنعا، وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعا، لقد صام ببطنه، وفرجه، وسمعه، وبصره، وسائر جوارحه [ ويرجو درجة ] ولقد ظلما في نهارها، ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلى عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودعها أحسن توديع، أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا.


1) ” كان في طاعة الله ” أ، س. 2) ” بحمده ” أ. 3) تقبل العمل التزمه. ” متقلبا ” البحار. (*)

[ 658 ]

فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة، فتلقاه الملائكة بالحباء والكرامات ويحملونه على نجب (1) النور، وخيول البراق (2) ويصير إلى نعيم لا ينفد، ودار لا تبيد ولا يخرج سكانها، ولا يهرم شبانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها ولا يبلى جديدها، ولا يتحول إلى الغموم سرورها، لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفوا سوء الحساب، كرم منقلبهم ومثواهم (3) 374 – قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عزوجل: (فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) قال: عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فإذا كان رجلان، أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضي بشهادتهم. قال أمير المؤمنين عليه السلام: كنا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله – وهو يذاكرنا بقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) قال: أحراركم دون عبيدكم (4) فان الله تعالى قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها، وليكونوا من المسلمين منكم فان الله عزوجل [ إنما ] شرف المسلمين العدول بقبول


1) النجيب من الابل: القوى منها، الخفيف السريع. 2) كذا في ” ب “، وفى غيرها ” البريق “، وفى البحار ” النواق “، وفى المستدك: ” البلق “. البراق ” مشتقة من البرق – الذى يلمع في الغيم – وهو الدابة التى ركبها صلى الله عليه وآله ليلة الاسراء كما ذكر في الحديث، سمى بذلك لنصوع لونه وشدة بريقه، وقيل: سرعة حركته، شبهه فيها في البرق. وبلق بلقا، وابلو لق: كان في لونه سواد وبياض. والابرق: ما اجتمع فيه سواد وبياض. والنوق: بياض فيه حمرة يسيرة. 3) عنه البحار: 7 / 315 ح 11، وج 97 / 38 ح 23، ومستدرك الوسائل: 1 / 598 باب 26 ح 1. 4) قد تقدم الكلام حوله ص 651 فراجع. (*)

[ 659 ]

شهاداتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنياهم قبل أن يصلوا إلى الآخرة إذ جاءت امرأة، فوقفت قبالة رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: بأبي أنت وامي يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، ما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلا سرها ذلك، يا رسول الله، إن الله عزوجل رب الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبو الرجال والنساء، وإن حواء ام الرجال والنساء، وإنك رسول الله إلى الرجال والنساء. فما بال امرأتين برجل في الشهادة والميراث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [ يا ] أيتها المرأة إن ذلك قضاء من ملك [ عدل، حكيم ] لا يجور، ولا يحيف، ولا يتحامل، لا ينفعه ما منعكن، ولا ينقصه ما بذل لكن، يدبر الامر بعلمه، يا أيتها المرأة لانكن ناقصات الدين والعقل. قالت: يا رسول الله وما نقصان ديننا ؟ قال: إن إحداكن تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة (1)، وإنكن تكثرن اللعن، وتكفرن النعمة (2) تمكث إحداكن عند الرجل عشر سنين فصاعدا يحسن إليها، وينعم عليها، فإذا ضاقت يده يوما، أو خاصمها قالت له: ما رأيت منك خيرا قط. فمن لم يكن من النساء هذا خلقها فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها لتصبر فيعظم الله ثوابها، فابشري. ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من رجل ردي إلا والمرأة الرديه أردى منه، ولامن امرأة صالحة إلا والرجل الصالح أفضل منها، وما ساوى الله قط امرأة برجل إلا ما كان من تسوية الله فاطمة بعلي عليهما السلام وإلحاقها به وهي امرأة تفضل نساء (3) العالمين،


1) زاد في بعض النسخ والبحار: 104: عن الصلاة لله. 2) ” العشير ” س، والوسائل. 3) ” بأفضل رجال ” ب، والبحار. ” تفضل رجال ” ط. (*)

[ 660 ]

وكذلك ما كان من الحسن والحسين وإلحاق الله إياهما بالافضلين الاكرمين لما أدخلهم في المباهلة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله فألحق الله فاطمة بمحمد وعلي في الشهادة، وألحق الحسن والحسين بهم عليهم السلام، قال الله عزوجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1). فكان الابناء الحسن والحسين عليهما السلام جاء بهما رسول الله، فأقعدهما بين يديه كجروي الاسد وأما النساء فكانت فاطمة عليها السلام جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وأقعدها خلفه كلبوة الاسد وأما الانفس فكان علي بن أبي طالب عليه السلام جاء به رسول الله، فأقعده عن يمينه كالاسد، وربض هو صلى الله عليه وآله كالاسد، وقال لاهل نجران: هلموا الآن نبتهل (2)، فنجعل لعنة الله على الكاذبين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله (3): اللهم هذا نفسي وهو عندي عدل نفسي، اللهم هذه [ نسائي ] أفضل نساء العالمين، وقال: اللهم هذان ولداي وسبطاي، فأنا حرب لمن حاربوا، وسلم لمن سالموا، ميز الله بذلك الصادقين من الكاذبين (4).


1) آل عمران: 61.) ” نتباهل ” ب، والبحار. 3) زاد في ” ب، ط ” لعلى عليه السلام. 4) أجمعت الخاصة والعامة على أن الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام هم المخصوصون بهذه الاية الشريفة، وتواترت بذلك أحاديثهم بألفاظ مختلفة، وأسانيد شتى، يضيق المجال لذكرها، استقصيناها جميعا في كتابنا ” فهرس الايات المؤولة ” قيد التحقيق إلى الطبع وراجع في ذلك: أمالى الصدوق: 422 ضمن ح 1، وأمالى الطوسى: 1 / 265 و 278 و 313، والاختصاص للمفيد: 109 – 113، تفسير فرات: 14 – 17 وص 27، وتفسير القمى: 94، وتفسير العياشي: 1 / 177 ح 58 و 59، واحقاق الحق: 3 / 46 – 62 وج 4 / 461 و 462 وج 9 / 70 – 91 وج 14 / 131 – 147، فراجع. (*)

[ 661 ]

فجعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أصدق الصادقين وأفضل المؤمنين، فأما محمد فأفضل رجال العالمين، وأما علي فهو نفس محمد أفضل رجال العالمين بعده، وأما فاطمة فأفضل نساء العالمين. وأما الحسن والحسين فسيدا شباب أهل الجنة إلا ما كان من ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهم السلام فان الله تعالى ما ألحق صبيانا برجال كاملي العقول إلا هؤلاء الاربعة: عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، والحسن، والحسين عليهم السلام: أما عيسى فان الله تعالى حكى قصته وقال ” فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ” (1) قال الله عزوجل حاكيا عن عيسى عليه السلام: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) (2) الآية. وقال في قصة يحيى (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) (3). قال: لم نخلق أحدا قبله اسمه يحيى، فحكى الله قصته إلى قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) (4) قال: ومن ذلك الحكم أنه كان صبيا فقال له الصبيان: هلم نلعب. فقال: اوه والله ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا للجد لامر عظيم. ثم قال (وحنانا من لدنا) يعني تحننا ورحمة على والديه وسائر عبادنا (وزكوة) يعني طهارة لمن آمن به وصدقه (وكان تقيا) يتقي الشرور والمعاصي (وبرا بوالديه) محسنا إليهما مطيعا لهما (ولم يكن جبارا عصيا) يقتل على الغضب ويضرب على الغضب، لكنه ما من عبد، عبد الله عزوجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطأ (5) ماخلا يحيى بن زكريا، فانه لم يذنب، ولم يهم بذنب. ثم قال الله عزوجل:


1 و 2) مريم: 29 – 30. 3 و 4) مريم: 7 – 12. 5) ” بخطيئة ” ب، ط، والبحار. (*)

[ 662 ]

(وسلام عليه ويوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا). (1) وقال في قصة يحيى وزكريا: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) (2) يعني لما رأى زكريا عند مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقال لها: (يا مريم أنى لك هذا ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وأيقن زكريا أنه من عند الله، إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، لقادر أن يهب لي ولدا، وإن كنت شيخا، وكانت امرأتي عاقرا، فهنالك دعا زكريا ربه فقال: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء). قال الله عزوجل: (فنادته الملائكة) يعني نادت زكريا. (وهو قائم يصلي في المحراب: إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) قال: مصدقا يصدق يحيى بعيسى عليهما السلام: (وسيدا) يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته (وحصورا) وهو الذي لا يأتي النساء (ونبيا من الصالحين) (3) وقال: وكان أول تصديق يحيى بعيسى عليهما السلام أن زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره، يصعد إليها يسلم، فإذا نزل أقفل عليها، ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح. فلما وجد مريم قد حبلت ساءه ذلك، وقال في نفسه: ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت، الآن أفتضح في بني إسرائيل، لا يشكون أني أحبلتها. فجاء إلى امرأته، فقال لها ذلك، فقالت:


1) مريم: 15. 2) آل عمران: 38. 3) الايات من سورة آل عمران: 37 – 39. (*)

[ 663 ]

يا زكريا لا تخف فان الله لا يصنع بك إلا خيرا. وائتني بمريم أنظر إليها، وأسألها عن حالها، فجاء بها زكريا إلى امرأته، فكفى الله مريم مؤونة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى اختها – وهي الكبرى ومريم الصغرى – لم تقم إليها امرأة زكريا فأذن الله ليحيى وهو في بطن امة فنخس (1) بيده – في بطنها – وأزعجها ونادى امه (2): تدخل إليك سيدة نساء العالمين، مشتملة على سيد رجال العالمين، فلا تقومين إليها ؟ ! فانزعجت، وقامت إليها، وسجد يحيى وهو في بطن امه لعيسى بن مريم. فذلك أول تصديقه له، فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن وفي الحسين عليهما السلام إنهما سيدا شباب أهل الجنة إلا ما كان من ابني الخالة ” عيسى ويحيى “. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هؤلاء الاربعة عيسى ويحيى والحسن والحسين وهب الله لهم الحكم، وأبانهم بالصدق من الكاذبين، فجعلهم من أفضل الصادقين في زمانهم، وألحقهم بالرجال الفاضلين البالغين. وفاطمة عليهما السلام جعلها من أفضل الصادقين لما ميز الصادقين من الكاذبين. وعلي عليه السلام جعله نفس رسول الله صلى الله عليه وآله. ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله جعله أفضل خلق الله عزوجل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لله عزوجل خيارا من كل ما خلقه، فله من البقاع خيار، وله من الليالي [ خيار ]، و [ من ] الايام خيار، وله من الشهور خيار، وله من عباده خيار، وله من خيارهم خيار: فأما خياره من البقاع فمكة، والمدينة، وبيت المقدس، وإن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد الاقصى – يعني


1) نخسه: أزعجه وهيجه. 2) ” وناداها يا أمة ” ب، ط. (*)

[ 664 ]

مكة وبيت المقدس (1) -. وأما خياره من الليالي فليالي الجمع، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر، وليلتا العيد. وأما خياره من الايام فأيام الجمع، والاعياد. وأما خياره من الشهور فرجب، وشعبان، وشهر رمضان. وأما خياره من عباده فولد آدم، وخياره من ولد آدم من اختارهم على علم منه بهم، فان الله عزوجل لما اختار خلقه، اختار ولد آدم، ثم اختار من ولد آدم العرب ثم اختار من العرب مضر، ثم اختار من مضر قريشا، ثم اختار من قريش هاشما


1) أقول: تلاحظ أن ترتيب الذكر بين المساجد هنا ظاهر في الفضل بينها، وأن الرواية ناظرة إلى تعيين درجة الفضل بين الصلاة فيها. وعلى هذا جعل مقياس الفضل بين مسجد النبي صلى الله عليه وآله وغيره ألفا في غير المسجدين وسكت عن بيان الفضل بينه وبينهما. نعم روى معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لابن أبى يعفور: ” أكثر الصلاة في مسجد رسول الله، فان رسول الله قال: صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة في مسجد غيره الا المسجد الحرام، فان صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي ” (كامل الزيارات: 20، عنه البحار: 99 / 382 ح 12. وأما فضل مسجد النبي على المسجد الاقصى ففي رواياتنا هو أيضا أفضل من المسجد الاقصى بعشرة درجات، لا ألفا، فراجع. نعم في رواية (سنن ابن ماجة: 1 / 453 ح 1413) عن أنس فهو يعدله ولا فضل بينهما. ولا يخفى أنه سكت أيضا عن ذكر رابع المساجد الاربع أعنى مسجد الكوفة – وما أدراك ما مسجد الكوفة ؟ عجبا، مشرف محرابه بثار الله المولود في الكعبة – راجع البحار: 97 / 47 ح 34 والوسائل وجامع أحاديث الشيعة – باب فضل مسجد الكوفة -. والمحصل أن درجة الفضل بين مسجد النبي وغيره ألف الا في المسجد الاقصى، فهى عشرة لا ألف، وأما المسجد الحرام فهو الافضل منه بألف. (*)

[ 665 ]

ثم اختارني من هاشم (1)، وأهل بيتي كذلك، فمن أحب العرب فيحبني واحبهم، ومن أبغض العرب فيبغضي وابغضهم (2). [ فضائل شهر رمضان ] وإن الله عزوجل اختار من الشهور شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان: فشعبان أفضل الشهور إلا مما كان من شهر رمضان، فانه أفضل منه، وإن الله عزوجل ينزل في شهر رمضان من الرحمة ألف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، ويحشر شهر رمضان في أحسن صورة، فيقيمه [ في القيامة ] على قلة (3) لا يخفى وهو عليها على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر، فيخلع عليه من كسوة الجنة وخلعها وأنواع سندسها وثيابها، حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا يعي علم مقداره اذن ولا يفهم (4) كنهه قلب. ثم يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد ! فينادي: يا معشر الخلائق أما تعرفون هذا ؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا وسعديك، أما إننا لا نعرفه. ثم يقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به منكم ؟ وما أكثر من شقي به ؟ ألا فليأته كل مؤمن له، معظم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم الله، وجدكم. قال: فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله [ فيه ] مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع


1) زاد في ” ب ” قال الشاعر: لله في عالمه صفوة * وصفوة الخلق بنو هاشم. وصفوة الصفوة من هاشم * محمد الطهر أبو القاسم 2) ” فبحبي أحبهم… فببغضي أبغضهم ” البحار. 3) التل من الارض: قطعة أرفع قليلا مما حولها. ” قلعة ” ب، ط. ” تلعة ” البحار، وهى ما علا من الارض. 4) ” يعرف ” ب، ط. (*)

[ 666 ]

على مقادير طاعتهم [ التي كانت ] في الدنيا. فمنهم من يأخذ ألف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف. ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك وأقل، فيشرفهم الله تعالى بكراماته. ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين وله موحدين، وبفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها، ويلبسونها، فتنقلب على أبدانهم مقطعات (1) نيران، وسرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة (2) من تلك الثياب أفعى وعقرب وحية، وقد تناولوا من تلك الثياب أعدادا مختلفة على قدر إجرامهم: كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر. فمنهم الآخذ ألف ثوب، ومنهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك، وإنها لاثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال، ولولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل والعذاب. ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة في تلك السرابيل من القطران ومقطعات النيران أفعى وحية وعقرب وأسد ونمر وكلب من سباع النار، فهذه تنهشه، وهذه تلدغه وهذا يفترسه، وهذا يمزقه وهذا يقطعه. يقولون: يا ويلنا مالنا تحولت علينا [ هذه الثياب، وقد كانت من سندس واستبرق وأنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا ] مقطعات النيران، وسرابيل قطران وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة ؟ ! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان وكنتم تعصون، وكانوا يعفون وكنتم تزنون، وكانوا يخشون ربهم وكنتم تجترئون، وكانوا يتقون السرقة وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله وكنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة !


1) المقطعات: القصار من الثياب. 2) أي خيط. (*)

[ 667 ]

وهذه نتائج أفعالكم القبيحة. فهم في الجنة خالدون لا يشيبون فيها ولا يهرمون، ولا يحولون عنها ولا يخرجون ولا يقلقون فيها ولا يغتمون، بل هم فيها مسرورون، فرحون، مبتهجون، آمنون، مطمئنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأنتم في النار خالدون، تعذبون فيها وتهانون، ومن نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغمسون، ومن زقومها تطعمون، وبمقامعها (1) تقمعون وبضروب عذابها تعاقبون لا أحياء أنتم فيها ولاتموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين بعد [ مس ] العذاب الاليم والنكال الشديد. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هناك، ألا انبئكم بمثل محمد وآله ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور. وعلي بن أبي طالب عليه السلام في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة النصف ويومه. وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد. ألا انبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد كأوائل أيام [ رجب من أوائل أيام ] شعبان ؟: قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو (2) الذي يهتز عرش الرحمن بموته (3)، وتستبشر الملائكة في السماوات


1) القمعة: خشبة أو حديدة يضرب بها الانسان لذل. 2) ” منهم ” أ، ب، ص، والبحار. 3) تقدم بيانه ص 150 هامش 2، فراجع. (*)

[ 668 ]

بقدومه، وتخدمه في عرصات القيامة وفى الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر (1) إلى آخره، ولا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه ويشفي صاحبا له، وأخا في الله مساعدا له على تعظيم آل محمد. قالوا: ومن ذلك يا رسول الله ؟. قال: ها هو مقبل عليكم غضبانا، فأسألوه عن غضبه، فان غضبه لآل محمد خصوصا لعلي بن أبي طالب عليه السلام. فطمح (2) القوم بأعناقهم، وشخصوا بأبصارهم، ونظروا، فإذا أول طالع عليهم ” سعد بن معاذ ” وهو غضبان، فأقبل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا سعد أما إن غضب الله لما غضبت له أشد، فما الذي أغضبك ؟ حدثنا بما قلته في غضبك حتى احدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وما قالته الملائكة لله عزوجل وأجابها الله عزوجل به. فقال سعد: بأبي أنت وامي يا رسول الله، بينا أنا جالس على بابي، وبحضرتي نفر من أصحابي الانصار، إذ تمادى رجلان من الانصار، فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما، وأردت أن يتكافا فلم يتكافا، وتماديا في شرهما حتى تواثبا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه، فأخذ هذا سيفه وتسره، وهذا سيفه وترسه وتجاولا (3) وتضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته (4)، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتد إلي يد خاطئة، وقلت في نفسي: اللهم انصر أحبهما لنبيك وآله.


1) ” الدنيا ” س. 2) طمح ببصره: استشرف له، وأصله قولهم: جبل طامح أي عال مشرف. 3) جاوله: طارده ودافعه. 4) أي بترسه. (*)

[ 669 ]

فما زالا يتجاولان ولا يتمكن واحد منهما من الاخر إلى أن طلع علينا أخوك علي ابن أبي طالب عليه السلام فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالب عليه السلام لم توقراه ؟ فوقراه وتكافا، فهذا أخو رسول الله صلى الله عليه وأله وأفضل آل محمد. فأما أحدهما، فانه لما سمع مقالتي رمى بسيفه ودرقته من يده. وأما الاخر فلم يحفل بذلك، فتمكن لاستسلام صاحبه منه، فقطعه بسيفه قطعا أصابه بنيف وعشرين ضربة، فغضبت عليه، ووجدت (1) من ذلك وجدا شديدا، وقلت له: يا عبد الله بئس العبد أنت لم توقر أخا رسول الله، وأثخنت بالجراح من وقره، وقد كان ذلك قرنا (2) كفيا بدفاعك عن نفسه، وما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فما الذي صنع علي بن أبي طالب عليه السلام لما كف صاحبك وتعدى عليه الآخر ؟ قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لا يقول شيئا، ولا يمنعه ثم جاز وتركهما، وإن ذلك المضروب لعله باخر رمق. فقال رسول الله صلى الله عليهما السلام: يا سعد لعلك تقدر (3) أن ذلك الباغي المتعدي ظافر إنه ما ظفر، يغنم من ظفر بظلم ؟ ! إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لا يحصد (4) من المر حلو، ولا من الحلو مر. وأما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله له أشد من ذلك وغضب الملائكة [ على ذلك الظالم لذلك المظلوم ] (5). وأما كف علي بن أبي طالب عليه السلام عن نصرة ذلك المظلوم، فان ذلك لما أراد الله من إظهار آيات محمد في ذلك، لا احدثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة.


1) أي غضبت. 2) ” قويا ” أ، ب، ط، والقرن: من يقاومك في علم أو قتال. 3) ” ظننت ” البحار. 4) ” يحصل ” أ، س. 5) من البحار. (*)

[ 670 ]

لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتى تأتيني بالرجل المثخن (1) فترى فيه آيات الله المصدقة لمحمد. فقال سعد: يا رسول الله، وكيف آتي به وعنقه متعلقة بجلدة رقيقة (2) ويده ورجله كذلك، وإن حركته تميزت أعضاؤه وتفاصلت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد إن الذي ينشئ السحاب ولا شئ منه حتى يتكاثف، ويطبق أكناف السماء وآفاتها ثم يلاشيه من بعد حتى يضمحل فلا ترى منه شيئا، لقادر – إن تميزت تلك الاعضاء – أن يؤلفها من بعد، كما ألفها إذ لم تكن شيئا. قال سعد: صدقت يا رسول الله. وذهب، فجاء بالرجل، ووضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بآخر رمق فلما وضعه انفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله. فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثم تفل على الرجل، ومسح يده على مواضع جراحاته وقال: اللهم أنت المحيي للاموات، والمميت للاحياء، والقادر على ما تشاء، وعبدك هذا مثخن بهذه الجراحات لتوقيره لاخي رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام، اللهم فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك. قال: فوالذي بعثه بالحق نبيا، إنه لما قال ذلك التأمت الاعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلى عروقها، وقام قائما سويا سالما صحيحا، لا بلية به، ولا يظهر على بدنه أثر جراحة، كأنه ما اصيب بشئ ألبتة (3). ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمد، احدثكم بما قالت الملائكة لك ولصاحبك هذا ولذلك الظالم،


1) ” الممتحن ” أ. وكذا في المواضع التالية. 2) ” رقبته ” ص. 3) أي مطلقا. (*)

[ 671 ]

إنك لما قلت لهذا العبد: أحسنت في كفك عن القتال توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعديك على من كف عنك توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد كان لك قرنا كفيا (1) كفوا، قالت الملائكة كلها له: بئس ما صنعت [ يا عدو الله ] وبئس العبد أنت في تعديك على من كف عن دفعك عن نفسه توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. [ وقال الله عزوجل: بئس العبد أنت يا عبدي في تعديك على من كف عنك توقيرا لاخي محمد ] ثم لعنه الله من فوق العرش، وصلى عليك يا سعد في حثك على توقير علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى صاحبك في قبوله منك. ثم قالت الملائكة: يا ربنا لو أذنت [ لنا ] لانتقمنا من هذا المتعدي. فقال الله عزوجل: يا عبادي سوف امكن سعد بن معاذ من الانتقام منهم (2)، وأشفي غيظه حتى ينال فيهم بغيته، وامكن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بما هو أحب إليهما (3) من إهلاككم لهذا المتعدي، إني أعلم ما لا تعلمون. فقالت الملائكة: يا ربنا أفتأذن لنا أن ننزل إلى هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنة وريحانها لينزل به عليه الشفاء ؟ فقال الله عزوجل: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمد – ينفث منه عليه – ومسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية، يا عبادي إني أنا المالك للشفاء، والاحياء والاماتة، والاغناء، والافقار، والاسقام، والصحة، والرفع، والخفض، والاهانة والاعزاز دونكم ودون سائر خلقي. قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربنا.


1) ” وفيا ” ص، والبحار. 2) الظاهر أن المتعدى – والذى راى سعد فيه النفاق – كان مدفوعا من بنى قريظة على ما سيأتي. 3) ” إليه ” البحار. (*)

[ 672 ]

فقال سعد: يا رسول الله قد اصيب أكحلي (1) هذا، وربما ينفجر منه الدم وأخاف الموت والضعف قبل أن أشفي من بني قريظة. [ فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يده فبرأ إلى أن شفا الله صدره من بني قريظة ] (2) فقتلوا عن آخرهم. وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، ثم انفجر كلمه (3) ومات، وصار إلى رضوان الله عزوجل. فلما رقأ (4) دمه [ من جراحاته ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد سوف يشفي الله [ بك ] غيظ المؤمنين، ويزداد لك غيظ المنافقين. فلم يلبث [ إلا ] يسيرا حتى كان حكم سعد في بني قريظة لما نزلوا [ بحكمه ] وهم تسع (5) مائة وخمسون رجلا جلدا (6). شبابا ضرابين بالسيف فقال: أرضيتم بحكمي ؟ قالوا: بلى. وهم يتوهمون أنه يستبقيهم (7) لما كان بينه وبنيهم من الرحم والرضاع والصهر قال: فضعوا أسلحتكم، فوضعوها، قال: اعتزلوا، فاعتزلوا، قال: سلموا حصنكم. فسلموه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: احكم فيهم يا سعد. فقال: قد حكمت فيهم بأن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم وتغنم أموالهم فلما سل المسلمون سيوفهم ليضعوا عليهم (8) قال سعد: لا اريد هكذا يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف تريد ؟ اقترح، ولا تقترح العذاب، فان الله كتب الاحسان في كل شئ حتى في القتل.


1) الاكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده. 2) ” فدعا رسول الله له فبقى حتى حكم في بنى قريظة ” البحار. 3) أي جرحه. ” دمه ” البحار. 4) أي جف وانقطع. ” وفى ” البحار، تصحيف ظ. 5) ” سبع ” ب. 6) الجلد: الشديد القوى. 7) ” يستفتيهم ” أ. 8) ” ليضعوها فيهم ” ظ. وضع السلاح في العدو: قاتلهم. وضع السيف: ضرب به. (*)

[ 673 ]

قال: يا رسول الله لا أقترح العذاب إلا على واحد، وهو الذي تعدى على صاحبنا هذا، لما كف عنه توقيرا لعلي بن أبي طالب عليه السلام، ورده نفاقه (1) إلى إخوانه من اليهود فهو منهم، يؤتى واحد واحد منهم نضربه بسيف مرهف (2) إلا ذاك، فانه يعذب به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد، ألا من اقترح على عدوه عذابا باطلا، فقد اقترحت أنت عذابا حقا. فقال سعد للفتى: قم بسيفك هذا إلى صاحبك المتعدي عليك، فاقتص منه. قال: تقدم إليه فما زال يضربه بسيفه حتى ضربه بنيف (3) وعشرين ضربة كما كان ضربه [ هو ] فقال: هذا عدد ما ضربني به فقد كفاني. ثم ضرب عنقه، ثم جعل الفتى يضرب أعناق قوم يبعدون عنه، ويترك قوما يقربون في المسافة منه ثم كف وقال: دونكم. فقال سعد: فأعطني السيف، فأعطاه، فلم يميز أحدا، وقتل كل من كان أقرب إليه حتى قتل عددا منهم، ثم مل (4) ورمى بالسيف وقال: دونكم. فما زال القوم يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للفتى: ما بالك قتلت من بعد في المسافة عنك وتركت من قرب ؟ فقال: يا رسول الله كنت أتنكب عن (5) القرابات وآخذ في الاجنبي. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وقد كان فيهم من كان ليس لك بقرابة وتركته، قال: يا رسول الله كان لهم على أياد في الجاهلية، فكرهت أن أتولى قتلهم، ولهم علي تلك الايادي.


1) ” بغاه ” أ، وليس في البحار. 2) ” مرهق ” أ س، ط ” مرصف ” ب، سيف مرهف: محدد مرقق الحد. والرصيف: المحكم قال المجلسي ره: سيف مرهف على بناء المفعول من الافعال، أي مرقق ليكون أسرع في القتل. 3) ” سبعة ” ب، ط. 4) أي مضى وخرج بتأن وتدرج. ” مل ” ب، ص، ط. 5) تنكب عنه: عدل عنه، تجنبه. (*)

[ 674 ]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إنك لو شفعت إلينا فيهم لشفعناك. فقال: يا رسول الله ماكنت لادرأ (1) عذاب الله عن أعدائه، وإن كنت أكره أن أتولاه بنفسي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد: وأنت فما بالك لم تميز أحدا. قال: يارسول الله عاديتهم في الله، وأبغضتهم في الله، فلا اريد مراقبة غيرك وغير محبيك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سعد أنت من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم. فلما فرغ من آخرهم انفجر كلمه ومات. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا ولي من أولياء الله حقا، اهتز عرش الرحمن لموته (2) ولمنزله في الجنة أفضل من الدنيا وما فيها، إلى سائر ما يكرم به فيها، حباه الله ما حباه (3). قوله عزوجل: ” ممن ترضون من الشهداء ” 282. 375 – قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ممن ترضون من الشهداء) ممن ترضون دينه وأمانته، وصلاحه وعفته، وتيقظه (4) فيما يشهد به، وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميز، ولا محصل، ولا كل محصل مميز صالح، وإن من عباد الله لمن هو أهل [ الجنة ] لصلاحه وعفته لو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه. (5) فإذا كان صالحا عفيفا، مميزا محصلا، مجانبا للمعصية والهوى والميل والتحامل


1) أي لا دفع. 2) تقدم ص 150 و 665 وله بيان. 3) عنه – قطع – في الوسائل: 18 / 198 ح 5 وص 257 ح 15، والبحار: 7 / 190 ح 52، ج 8 / 166 ح 111، وج 37 / 48 – 59 ح 27، وج 91 / 126 ح 23، وج 96 / 373 ح 61 وج 97 / 65 ح 2، وج 103 / 259 ح 11، وج 104 / 304 ح 10 والبرهان: 1 / 263 ح 3، ومستدرك الوسائل: 1 / 376 باب 47 ح 4 وص 576 باب 11 ح 14، وج 2 / 142 باب 12 ح 4. 4) ” وتيقنه ” ب. 5) عنه الوسائل: 18 / 295 ح 23. (*)

[ 675 ]

فذلكم الرجل الفاضل، فيه فتمسكوا، وبهديه فاقتدوا، وإن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به، وإن امتنع عليكم النبات فاستخرجوا به النبات، وإن تعذر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق، فان ذلك ممن لا يخيب طلبه، ولا ترد مسألته. وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحكم بين الناس بالبينات والايمان في الدعاوي، فكثرت المطالبات والمظالم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أيها الناس إنما أنا بشر، وأنتم تختصمون، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته [ من بعض ] (1) وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذنه، فانما أقطع له قطعة من النار (2) [ في كيفية حكم رسول الله صلى الله عليه وآله: ] 376 – وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تخاصم إليه رجلان في حق، قال للمدعي: لك بينة (3) ؟ فان أقام بينة يرضاها ويعرفها، أمضى (4) الحكم على المدعى عليه، وإن لم يكن له بينة، حلف (5) المدعى عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي إدعاه ولا شئ منه، وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر، قال للشهود: أين قبائلكما ؟ فيصفان، أين سوقكما ؟ فيصفان، أين منزلكما ؟ فيصفان. ثم يقيم الخصوم والشهود بين يديه، ثم يأمر فيكتب أسامي المدعي والمدعى عليه والشهود ويصف ما شهدوا به ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثم مثل ذلك إلى [ رجل ] آخر من خيار أصحابه، فيقول:


1) من الوسائل، وألحن فلانا القول فلحنه: أفهمه اياه، ففهمه. 2) عنه الوسائل: 18 / 169 ح 3. 3) ” حجة ” الوسائل. 4) في بعض النسخ والوسائل: أنفذ. وكلاهما بمعنى. 5) ” أحلف ” ب، ط. (*)

[ 676 ]

ليذهب كل واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما وأسواقهما أو محالهما والربض (1) الذي ينزلانه، فليسأل عنهما، فيذهبان ويسألان. فان أتوا خيرا، أو ذكروا فضلا، رجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبراه به، وأحضر القوم الذين أثنوا (2) عليهما، وأحضر الشهود، وقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، أتعرفونهما ؟ فيقولون: نعم. فيقول: إن فلانا وفلانا جاءني منكم فيهما بنبأ جميل، وذكر صالح، أفكما قالا ؟ فإذا قالوا: نعم. قضى حينئذ بشهادتهما على المدعى عليه. وإن رجعا بخبر سئ، ونبأ قبيح دعا بهم، فقال لهم: أتعرفون فلانا وفلانا ؟ فيقولون: نعم. فيقول: اقعدوا حتى يحضرا. فيقعدون، فيحضرهما، فيقول للقوم: أهما هما ؟ فيقولون: نعم. فإذا ثبت عنده ذلك، لم يهتك ستر الشاهدين (3)، ولا عابهما ولا بخهما، ولكن يدعو الخصوم إلى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا لئلا يفتضح الشهود، ويستر عليهم، وكان رؤوفا عطوفا متحننا على امته. فان كان الشهود من أخلاط الناس، غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار أقبل على المدعى عليه فقال: ما تقول فيهما. فان قال: ما عرفت إلا خيرا، غير أنهما قد غلطا فيما شهدا علي، أنفذ عليه شهادتهما. فان جرحهما (4)، وطعن عليهما، أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدعى عليه، وقطع الخصومة بينهما. (5)


1) الربض: مسكن القوم. 2) ” أنبثوا ” ب، ط. وكذا ما يأتي، انبث: انتشر، وأثنى عليه: مدحه. 3) ” سترا بشاهدين ” الوسائل. 4) أي عابهما وتنقصهما. 5) عنه الوسائل: 18 / 174 (*)

[ 677 ]

قوله عزوجل: ” أن تضل احديهما فتذكر احديهما الاخرى “: 282. 377 – قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: (أن تضل إحديهما فتذكر إحديهما الاخرى) قال: إذا ضلت إحداهما عن الشهادة ونسيتها، ذكرت إحداهما بها الاخرى فاستقامتا في أداء الشهادة. عدل الله شهادة امرأتين بشهادة رجل، لنقصان عقولهن ودينهن. ثم قال عليه السلام: معاشر النساء خلقتن ناقصات العقول، فاحترزن من الغلط في الشهادة فان الله تعالى يعظم ثواب المتحفظين (1) والمتحفظات في الشهادة. ولقد سمعت محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من امرأتين احترزتا في الشهادة فذكرت إحداهما الاخرى حتى تقيما الحق، وتنفيا الباطل إلا إذا بعثهما الله يوم القيامة عظم ثوابهما، ولا يزال يصب عليهما النعيم ويذكرهما الملائكة ماكان من طاعتهما في الدنيا، وما كانتا فيه من أنواع الهموم فيها، و [ ما ] أزاله الله عنهما حتى خلدهما في الجنان. وإن فيهن لمن تبعث يوم القيامة، فيؤتي بها قبل أن تعطى كتابها، فترى السيئات بها محيطة، وترى حسناتها قليلة، فيقال لها: يا أمة الله هذه سيئاتك، فأين حسناتك ؟ فتقول: لا أذكر حسناتي. فيقول الله لحفظتها: يا ملائكتي تذاكروا حسناتها وتذكروا خيراتها ؟ ؟. فيتذاكرون حسناتها. يقول الملك الذي على اليمن للملك الذي على الشمال: أما تذكر من حسناتها كذا وكذا ؟. فيقول: بلى، ولكني أذكر من سيائتها كذا وكذا، فيعدد. فيقول الملك الذي على اليمين له: أفما تذكر توبتها منها ؟ قال لا أذكر.


1) تحفظ: احترز.

[ 678 ]

قال: أما تذكر أنها وصاحبتها تذاكرتا الشهادة التي كانت عندهما حتى اتفقتا وشهدتا [ بها ] ولم يأخذهما في الله لومة لائم ؟ فيقول: بلى. فيقول الملك الذي على اليمين للذي على الشمال: أما إن تلك الشهادة منهما توبة ماحية لسالف ذنوبهما، ثم تعطيان كتابهما بأيمانهما، فتجدان حسناتهما كلها مكتوبة [ فيه ] وسيئاتهما كلها. ثم تجد في آخره: يا أمتي أقمت الشهادة بالحق للضعفاء على المبطلين، ولم تأخذك في الله لومة لائم، فصيرت لك ذلك كفارة لذنوبك الماضية، ومحوا لخطيئاتك السالفة (1). (2) قوله عزوجل: ” ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا “: 282. 378 – قال امير المؤمنين عليه السلام في قوله عزوجل: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) قال: من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دعي لاقامتها، وليقمها ولينصح فيها ولا يأخذه فيها لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر. (3) 379 – وفى خبر آخر (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا). قال: نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده. (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فانه آثم قلبه) يعني كافر قلبه. (4)


1) إلى هنا تنتهى نسخة ” ص “. 2) عنه الوسائل: 18 / 245 ح 1، والبحار: 104 / 307 ذ ح 10. 3) عنه البحار: 104 / 313 ح 22. 4) عنه البحار: 104 / 313 ح 23. (*)

[ 679 ]

هذا آخر ما وجد من تفسير الامام الهمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه وعلي آبائه الطيبين، وابنه القائم المنتظر المهدي – عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه – صلوات الله الملك العلي. وأسال الله عزوجل أن يرزقني الوصول إلى تمام ذلك التفسير الفريد الذي هو ككتاب الله الحميد المجيد في جلالة قدره، وعظم منزلته. لاني قد وجدت في ذلك التفسير من أسرار علوم محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن أخبارهم العجيبة، وآثارهم الغريبة، وأقوالهم الشريفة، وأحوالهم اللطيفة، ما لم يوجد في كتاب إلا ما التقط منه. (تم الكتاب بعون الله وقدرته) [ ونحمده جل وعلا إذ وفقنا لاتمام هذا الكتاب، وإخراجه محققا بهذه الصورة وكان الله شاكرا عليما ]. وأنا العبد السيد محمد باقر نجل آية الله السيد المرتضى الموحد الابطحي الاصفهانى


[ 680 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كلمة أخيرة: إن كتابا كهذا يحتاج إلى دراسة واستقصاء وتحليل لكل ما ورد فيه، ولئلا يطول بنا المقام في هذه المرحلة – نكتفي بما أوردنا من بحوث وتعليقات عجلى في مواطنها في التفسير، وبما كتبه الباحث المحقق المحجة الشيخ رضا الاستادي دامت تأييداته في رسالة جمع فيها آراء العلماء حوله، وما قيل فيه سلبا وإيجابا، إلى أن يوفقنا الله تعالى بما يستوفي بحثنا هذا، وله المن وعليه التكلان. واليك نص الرسالة:


[ 681 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسل الهل خاتم لنبيين وآله الطاهرين وبعد إن المحدثين، والمفسرين، والفقهاء، وأصحاب كتب الرجال منذ القرن الرابع إلى عصرنا هذا اختلفوا في اعتبار التفسير المشهور بتفسير الامام العسكري عليه السلام: فمنهم من يقول بصدوره عن الامام عليه السلام ويأخذه كسائر كتبنا المعتبرة الحديثة مصدرا لتفسير آيات القرآن الكريم. ومنهم من يعتقد بكونه موضوعا ومختلقا على الامام عليه السلام. ومنهم من يرى أن سنده ضعيف ولكن بعض منقولاته صحيح وصادر عن المعصوم بشهادة القرائن الخارجية وفي بعض الموارد بشهادة المتن واتقانه. ومنهم من يقول بغير هذه الاقوال. فنحن ننقل ما وقفنا عليه من كلماتهم ونجعله كالمقدمة للرسالة التي ألفها المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي في هذا الصدد، ثم نأتي بأصل الرسالة مع تذييلات منا والله هو الموفق العاصم. فنقول: أما النافون لحجيته، لقائلون بكونه موضوعا فجماعة: 1 – منهم ابن الغضائري صاحب كتاب ” الضعفاء ” قال فيه: محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي روى عنه أبو جعفر ابن بابويه ضعيف كذاب، روى عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين، أحدهما يعرف بيوسف ابن محمد بن زياد، والاخر علي بن محمد بن يسار، عن أبيهما، عن أبي الحسن الثالث


[ 682 ]

عليهم السلام والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بإحاديث من هذه المناكير. (1) 2 – ومنهم العلامة الحلى (ره) صاحب ” الخلاصة “. قال فيه: محمد بن القاسم وقيل ابن أب ي القاسم المفسر الاسترابادي روى عنه أبو جعفر ابن بابويه، ضعيف كذاب، روى عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين: أحدهما يعرف بيوسف بن محمد بن زياد والاخر علي بن محمد بن يسار، عن أبيهما، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام والتفسير موضوع عن سهل الديباجي، عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير (2). 3 – ومنهم التفرشي (ره) صاحب ” نقد الرجال ” نقل فيه كلام ابن الغضائري فلا نعيده. 4 – ومنهم المحقق الداماد صاحب ” شارع النجاة ” قال فيه: مسألة: ولد رسول الله صلى الله عليه وسمل مختونا ومطهرا بالاجماع، وكذلك الائمة المعصومين عليهم السلام على الاصح، وروي في باب النوادر: وهو آخر أبواب كتاب من لا يحضره الفقيه، موثقة علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام في علامات الامام المفترض الطاعة، ومن جملة هذه العلامات المتعددة قال: ويولد مختونا ويكون مطهرا… (3) وقال أيضا: ” ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرى له بول ولا غائط، لان الله عزوجل قد وكل الارض بابتلاع ما يخرج منه ” (4). ” محدث ” – بفتح الدال المشددة على صيغة المفعول – هو أن يسمع صوت


مجمع الرجال للقهبائي 6 / 25 نقلا عن ابن الغضائري. وفي كلامه اشكالات متعددة تأتى في ضمن اقوال المثبتين لحيجة التفسيران شاء الله تعالى. (2) خلاصة الاقوال ص 256 ومعلوم انه (ره) اخذه من كتاب ابن الغضائري، والاشكال الاشكال. (3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 418. (4) المصدر السابق. (*)

[ 683 ]

الملائكة وحديثهم من غير أن يرى شبحالها. والامام عليه السلام يشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخصوصية في ابتلاع الارض لنجوه (النجو: ما يخرج من البطن) كما أن ما ورد في هذا الحديث يطابق مضمون أحاديث كثيرة: وقد ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه في حرب معاوية ابتلعت الارض نجو أمير المؤمنين عليه السلام، وفي التفسير المشهور بالعسكري، والمنسورب إلى مولانا صاحب العسكر، حديث طويل يشتمل على حكاية الحال بالتفصيل. (1) وأنا أقول: إن صاحب هذا التفسير (كما أورده محمد بن علي بن شهر آشوب (ره) في معالم العلماء (2)، وحققته أنا في حواشي كتابي النجاشي ورجال الشيخ (ره) هو الحسن بن خالد البرقي – أخو أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، وعم أحمد بن أبي عبد الله البرقي – وهو ثقة باتفاق العلماء، وقد صنف كتبا معتبرة. قال: قلت: ومن شركائي يا نبي الله ؟ قال: الائمة من ولدك، بهم تسقى امتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وهذا أولهم وأوما بيده إلى الحسن بن علي عليه السلام، ثم أو مأ بيده إلى الحسين عليه السلام، ثم قال: والائمة والائمة من ولده. قال في معالم العلماء: هو أخو محمد بن خالد، من كتبه تفسير العسكري من إملاء الامام عليه السلام. (3) وأما تفيسر محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي – من مشايخ أبي جعفر بن بابويه وعده رجال الحديث ضعيفا – فهو تفسير مروي عن رجلين مجهولي الحال، وأسنداه إلى أبي الحسن الثالث الهادي العسكري عليهما السلام، وعد القاصرون – لا المتبحرون.


(1) راجع تفسير العسكري: 64. (2) معالم العلماء: 29. (3) معالم العلماء: 29، وفيه: مائة وعشرون مجلدة. (*)

[ 684 ]

هذا الاسناد معتبرا، ولكن حقيقة الحال أن هذا التفسير موضوع، ويسند إلى أبي محمد سهل بن أحمد الديباجي، ويحتوي على أحاديث منكرة، وأخبار كاذبة. وإسناده إلى الامام المعصوم اختلاق، وافتراء. وما يتوهمه المتوهم في عصرنا هذا من أنه: يجوز أن يكون تفسير العسكري هو تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، هو أيضا وهم كاذب، وخيال باطل سببه ضعف الخبرة: ونقصان المهارة، وقلة الاطلاع على كتب الرجال. ويجب أن يعلم أن لعلماء العامة تفسيرا يقولون: أنه تفسير العسكري ينقلون منه في مؤلفاتهم وتصانيفهم ويعتمدون عليه، ومصنف هذا التفسير هو أبو هلال العسكري صاحب هذا التفسير ومصنفات أخر، كما هو مبين في المعرب والمغرب وغيرهما. و ” عسكر ” محلة وقرية في مصر، ومحلة في البصرة، ومحلة في نيشابور، وموضع في خوزستان، وموضع في نابلس، واسم سر من رأي (1). 5 – ومنهم الاسترابادي: صاحب ” منهج المقال ” نقل فيه كلام العلامة الحلي (رحمه الله) الذي مر آنفا. (2) 6 – ومنهم الاردبيلي: صاحب ” جامع الرواة ” ذكر فيه كلام العلامة الحلي (رحمة الله) نقلا عن الاسترابادي (3). 7 – ومنهم القهبائي: صاحب ” مجمع الرجال ” نقل فيه كلام ابن الغضائري الذي قد مر في أول المقال (4)، اللهم إلا أن يقال إنه في صدد جمع الكلامات لا القبول والرد والبحث حولها.


(1) شارع النجاة: 118 – 121، وفي كلامه ره اشكالات عديدة سيأتي بيانها في ضمن كلام المثبتين. (2) منهج المقال: ص 315. (3) جامع الرواة: 2 / 184. (4) مجمع الرجال: 6 / 25. (*)

[ 685 ]

8 – ومنهم العلامة الشيخ محمد جواد البلاغى صاحب تفسير ” آلاء الرحمن ” قال فيه: وأما التفسير المنسوب إلى الامام الحسن العسكري عليه السلام فقد أوضحنا في رسالة منفردة في شأنه أنه مكذوب موضوع، ومما يدل على ذلك نفس ما في التفسير من التناقض والتهافت في كلام الراويين وما يزعمنان أنه رواية، وما فيه من مخالفة الكتاب المجيد، ومعلوم التاريخ كما أشار إليه العلامة في الخلاصة وغيره (1) 9 – ومنهم المحقق التستري دام فيضه صاحب كتاب ” الاخبار الدخيلة ” قال فيه: الباب الثاني في الاحاديث الموضوعة، وفيه فصول… الفصل الثاني في أخبار التفسير الذي نسبوه إلى العسكري عليه السلام بهتانا، يشهد لافترائها عليه عليه السلام وبطلان نسبتها إليه، أولا: شهادة خريت الصناعة ونقاد الاثار أحمد بن الحسين الغضائري استاذ النجاشي أحد أئمة الرجال، فقال: إن محمد بن أبي القاسم الذي يروي عنه ابن بابويه ضعيف كذاب. روي عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين: أحدهما يعرف بيوسف بن محمد بن زياد، والاخر بعلي بن محمد بن يسار، عن أبويهما، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير وثانيا بسبر أخباره، فنراها واضحة البطلان مختلقة بالعيان. وثم ذكر نحوا من أربعين موردا من الموارد التي زعم، أنها تشهد بكذب هذا التفسير وكونه موضوعا. ثم قال: ما نقلت من هذه الكتاب نموذج منه، ولو أردت الاستقصاء لاحتجت إلى نقل جل الكتاب لولا كله، فان الصحيح فيه في غاية الندرة. ثم قال: وأيضا لو لم يكن هذا الكتاب جعلا لنقل هذه المعجزات العجيبة التي نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمننى عليه السلام وباقي الائمة عليهم السلام، ولرواها علماء الامامية.


(1) آلاء الرحمن 1 / 49. (*)

[ 686 ]

وأيضا لو كان الكتاب من العسكري عليه السلام لنقل شيئا منه علي بن إبراهيم القمي، ومحمد بن مسعود العياشي اللذان كانا في عصره عليه السلام ومحمد بن العباس بن مروان الذي كان مقاربا لعصره عليه السلام في تفاسيرهم، والكل موجود ليس في شئ منها أثر منه. ثم قال: وبالجملة هذا تفسير وإن كان مشتملا على ذكر معجزات كثيرة لامير المؤمنين عليه السلام كالنبي صلى الله عليه وآله وهو بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه وآله بشهادة القرآن، إلا أنه ليس كل ما نسب إليهم عليهم السلام صحيحا، فقد وضع جمع من الغلاة أخبارا في معجزاتهم وفضائلهم وغير ذلك… كما أنه وضع جمع من النصاب والمعاندين أخبارا منكرة في فضائلهم ومعجزاتهم بقصد تخريب الدين، ولان يرى الناس الباطل منه فيكفروا بالحق منه قال الباقر عليه السلام: ” ورووا عنا ما لم نقله، ولم نفلعه، ليبغضونا إلى الناس… ” (1) 10 – ومنهم الاستاذ الجامع للمعقول والمنقول الشيخ الميرزا أبو الحسن الشعراني (ره) صاحب ” حاشية مجمع البيان “، قال فيها: ولم ينقل المصنف (الشيخ الطبرسي) عن التفسير المنسوب إلى العسكري عليه السلام. وقال العلامة في محمد بن القاسم الاسترابادي: إنه موضوع، وضعه سهل بن أحمد الديباجي، وأحاديثه مناكير. أقول: ومن أغلاطه أن الحجاج حبس المختار بن أبي عبيدة وهم بقتله ولم يمكنه الله منه حتى نجاه وانتقم من قتلة الحسين عليه السلام، مع أن إمارة الحجاج كان من سنة 75 وقتل المختار قبل ذلك بسنين وكان ظهوره على قتلة الحسين سنة 64، وإنما قتل المختار مصعب بن زبير وقتل مصعبا عبد الملك، وفي ذلك قال له رجل: هذا رأس مصعب لدى، ورأيت رأس المختار هنا لدى مصعب، ورأس ابن زياد لدى المختار، ورأس الحسين عليه السلام لدى ابن زياد، فقال عبدالمك: لا أراك الله الخامس، في


(1) الاخبار الدخيلة 1 / 152 – 228. (*)

[ 687 ]

قصة خ ب بسببها عبد الملك قصر الامارة بالكوفة. ولم يكن واضع هذا التفسير عارفا بالتاريخ. والعجب أن ما نقلنا عن التفسير عن التفسير موجود في البحار ولم يتعرض المجلسي (قدس سره) لرده. وراجع البحار 45 – 339. ومن أغلاطه أيضا أنه توهم أن سعد بن أبي وقاص كان في فتح نهاوند. وذكر في تفسير ” إن كنتم في ريب مما نزلنا… ” ما يستحيى من نقله ويشمئز الطبع من قرائت ه، نعوذ بالله من الضلال، ونسأله الهداية والصواب (1). 11 – ومنهم آية الله السيد الخوئي صاحب ” معجم رجال الحديث ” قال فيه: التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام إنما هو برواية هذا الرجل (علي بن محمد بن سيار) وزميله يوسف بن محمد بن زياد، وكلاهما مجهولا الحال ولا يعتد برواية أنفسهما عن الامام عليه السلام اهتمامه عليه السلام بشأنهما وطلبه من أبويهما إبقاءهما لافادتهما العلم الذي يشرفيهما الله به. هذا مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، وجل مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالامام عليه السلام (2). 12 – ومنهم العلامة السيد محمد هاشم الخوانساري (ره) صاحب رسالة في تحقيق حال الكتاب المعروف بفقه الرضا، قال فيه: إن احتمال الواضع فيه (أي فقه الرضا) بعيد لما يلوح عليه من حقيقة الصدق والحق. ولان ما اشتعمل عليه من الاصول والفروع والاخلاق أكثرها مطابق لمذهب الامامية، وما صح عن الائمة، ولا يخفى أنه لاداعي للوضع في مثل ذلك، فان غرض الواضعين تزييف الحق، وترويج الباطل، والغالب وقوعه عن الغلاة والمفوضة


(1) مجمع البيان 10 / 580 والتفسير ص 200 (2) معجم رجال الحديث 13 / 159 وراجع 20 / 209 و 177 17. (*)

[ 688 ]

والكتاب خال عمال يوهم ذلك بخلاف غيره مما نسب إلى الائمة عليهم الصلاة والسلام كمصباح الشريعة المنسوب إلى مولانا الصادق عليه السلام، وتفسير الامام المنسوب إلى سيدنا أبي محمد العسكري، فان من أمعن النظر في تضاعيفهما إطلع على أمور عظيمة مخالفة لاصول الدين أو المذهب، مغيرة لطريقة الائمة عليهم السلام وسياق كلماتهم (1). وأما القائلون بكونه كسائر كتبنا الحديثية، وفيه الصحيح والضعيف، أو هو كتاب معتبر كله أو جله، النافون لكونه موضوعا فجماعة: 1 – منهم الشيخ الصدوق محمد بن على بن بابويه القمى صاحب ” الفقيه والتوحيد والعيون والاكمال والامالي والعلل ومعانى الاخبار “: نقل في كل من هذه الكتب بعض روايات هذا التفسير أو غيرها إما بعين سند التفسير وإما مع اختلاف يسير. ومعلوم أنه (ره) لا ينقل في الفقيه إلا رواية تكون حجة بينه وبين الله كما قاله في مقدمته وما نقل في الفقيه بسند هذا التفسير موجود بعينه في تفسير العسكري، فراجع (2). 2 – منهم أبو منصور الطبرسي صاحب كتاب ” الاحتجاج ” قال في مقدمته: ولا نأتي في أكثر ما نورده من الاخبار باسناده إما لوجود الاجماع عليه، أو موافقته لما دلت العقول عليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليهما السلام فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلا جل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره لان جميع ما رويت عنه عليه السلام، إنما رويته باسناد واحد من جملة الاخبار


(1) رسالة في تحقيق فقه الرضا ص 7 ولا يخفى أن السيد ره مع قوله هذا قال في مقام آخر باعتبار بعض ما في التفسير فراجع المقالات اللطيفة له ص 163 و 165 و 167. (2) الفقيه 2 / 327، تفسير العسكري ص 31، التوحيد: 47 و 230 و 403، العيون 1 / 282، و 300 و 301، اكمال الدين، الامالى، ص 105 و 106، العلل 1 / 219 و 281 و 134، معاني الاخبار ص 4. (*)

[ 689 ]

التي ذكرها عليه السلام في تفسيره. (1). 3 – ومنهم القطب الرواندي صاحب ” الخرائج ” نقل فيه جملة وافرة من هذا التفسير (2). 4 – ومنهم ابن شهر اشوب صاحب ” المناقب ” و ” معال العلماء “، نسب في الاول التفسير إلى الامام جزما، ونقل عنه في عدة موارد من المناقب (3). وقال في الثاني: الحسن بن خالد البرقي أخو محمد بن خالد، من كتبه تفسير العسكري، من إملا الامام عليه السلام مائة وعشرون مجلدا (4). وقال المحدث النوري (ره): يظهر منه أمران: الاول: أن سند التفسير ليس منحصرا في الاسترابادي شيخ الصدوق، بل يرويه الحسن بن خالد الثقة (في النجاشي والخلاصة) صاحب الكتب (في الفهرست) التي يرويها عنه ابن أخيه أحمد البرقي الذي للمشايخ إليه طرق صحيحة. الثاني: أن التفسير كبير تام غير مقصور على الموجود الذي فيه تفسير الفاتحة وبعض سورة البقرة (5). 5 – ومنهم المحقق الشيخ على الكركي (ره)، قال في ضمن إجازته للقاضي صفي الدين عيسى (قده): ولورد حديثا واحدا مما نرويه متصلا تبركا وتيمنا وجريا على عادتهم الجليلة الجميلة فنقول: أخبرنا شيخنا العلامة أبو الحسن علي بن هلال بالاسناد المتقدم إلى شيخنا الامام أبي عبد الله محمد بن مكي السعيد الشهيد… وأعلى منه بالاسناد إلى الامام جمال الدين الحسن بن المطهر…


(1) الاحتجاج: 1 / 4 وسنده عين سند التفسير الموجود وما نقله عن التفسير موجود في هذا التفسير (2) قاله المحدث النوري (ره) في خاتمة المستدرك: 3 / 661. (3) المناقب: ج 2 ص 300 و 313 و 329. (4) معالم العلما: 29. (5) المستدرك: 3 / 661. (*)

[ 690 ]

وأعلى منهما بالاسناد إلى شيخنا الشهيد… وأعلى من الجميع بالاسناد إلى العلامة جمال الدين أحمد بن فهد… وأعلى من الجميع بالاسناد إلى العلامة جمال الدين أحمد بن فهد… عن الشيخ الامام عماد الفرقة المناجية أبي جعفر محمد ابن الحسن الطوسي، قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، أخبرنا أبو جعفر محمد بن بابويه، حدثنا محمد بن القاسم المفسر الجرجاني، حدثنا يوسف ابن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سنان (كذا)، عن أبويهما، عن مولانا ومولى كافة الانام الامام أبي محمد الحسن العسكري عن أبيه… قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله أحبب في الله وأبغض في الله وعاد في الله فانه لا تنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا، أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون وعليها يتبغاضون، وذلك لا يغنى عنهم من الله شيئا. فقال الرجل: يا رسول الله كيف لي أعلم أني واليت وعاديت في الله عزوجل ومن ولي الله ؟ حتى أو إليه، ومن عدوه ؟ حتى اعاديه. فأشار رسول الله صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام قال: ألا ترى هذا ؟ قال: بلى، فقال: ولي هذا ولي الله، فواله، وعدو هذا عدو الله، فعاده، وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدوه ولو أنه أبوك أو ولدك… (1) والحديث المذكور مع ذلك السند موجود في تفسير العسكري عليه السلام (2) ومعاني الاخبار، وعيون الاخبار، وعلل الشرايع كلها للصدوق كما في البحار (3). قال المحدث النوري رحمه الله بعد نقل كلام المحقق: ويظهر منه أن هذا التفسير عنده في غاية الاعتبار، ولا قتصاره (كذا) في نقل الخبر المرسوم عندهم نقله في آخر كثير من الاجازات، كما يظهر منه أن الشيخ والغضائري (4) روياه عنه عليه السلام بالسند


(1) البحار: ج 105 ص 78، والمستدرك 3 / 661. (2) تفسير العسكري ص 49. (3) البحار ج 27 ص 54 – 55. (4) هو والد صاحب كتاب ” الضعفاء ” الذي قال: هذا التفسير موضوع. (*)

[ 691 ]

المذكور، فيكون معتبرا عندهما وإلا لاستثنياه عن مروياتهما، كما لا يخفي على من عرف طريقة المشايخ (1). 6 – ومنهم الشهيد الثاني صاحب ” منية المريد ” قال فيه: فصل من تفسير العسكري عليه السلام في قوله تعالى وإذ أخذنا ميثاق… (2). وما نقل موجود في تفسير العسكري. (3) وقال في إجازته الكبيرة للشيخ حسين بن عبد الصمد: ولو حاولنا ذكر طريق إلى كل من بلغنا من المصنفين والمؤلفين لطال الخطب والله تعالى ولي التوفيق، ولنذكر طريق واحدا هو أعلى ما اشتمل عليه هذه الطرق… أخبرنا شيخنا… عن المفيد. عن الصدوق قال: حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني… وساق مثل ما مر عن المحقق الكركي، فراجع. (4) 7 – ومنهم المجلسي الاول (ره) صاحب ” روضة المتقين ” وشرح الفقيه الفارسي ” قال في الاول: المفسر الاسترابادي واعتمد عليه الصدوق وكان شيخه. فما ذكره ابن الغضائري باطل، وتوهم أن مثل هذا التفسير لا يليق أن ينسب إلى المعصوم عليه السلام (مردود)، ومن كان مرتبطا بكلام الائمة عليهم السلام يعلم أنه كلامهم عليهم السلام واعتمد عليه شيخنا الشهيد الثاني، ونقل أخبارا كثيرة عنه في كتبه، واعتمد التلميذ الذي كان مثل الصدوق يكفي، عفى الله عنا وعنهم. (5) وقال في الثاني: وهذا الحديث – أي حديث التلبية – مأخوذ من تفسير حضرة الامام الحسن العسكري عليه السلام الذي يرويه الصدوق عنه بثلاثة وسائط، والصدوق


(1) المستدرك: 3 / 662. (2) منية المريد ص 19 وفيه: فصل من التفسير المنسوب الى العسكري عليه السلام (3) تفسير العسكري ص 335. (4) البحار: 105 ص 169، المستدرك ج 3 ص 662. (5) روضة المتقين: 14 / 250. (*)

[ 692 ]

يروي عن استاذه محمد بن القاسم، وهذا عن أساتذته، ولما كان للصدوق معاشرة مع محمد بن القاسم، فمن الممكن أن يكون له معاشرة مع أساتذته، وحكم بصحة هذا الخبر، وقال: هو حجة بيني وبين الله. وباليقين كان الصدوق أعرف بحالهم من ابن الغضائري الذي لم يؤثقه العلما صراحة، ولم نعرف حاله، بل الظاهر أنه لاورع له. فانه قال: إن المفسر الاسترابادي كذاب، لنقله هذا الخبر. ولا شك في أن الاسترابادي يعرف أهل الاستراباد أكثر من البغداديين، وكيف يجزم غير المعصوم أن هذا التفسير موضوع. بل كل من كان له أقل ارتباط بكلام الائمة عليهم السلام يجزم بأن التفسير من المعصوم عليه السلام. والصدوق روي هذا التفسير عن محمد، وأوصله إلينا فحول علمائنا من الثقاة المعتمدين، حتى أن المحدثين اعتبروا هذا السند من أعلى الاسانيد. ومن جملته هذا الحديث تناقلوه مشافهة خلفا عن سلف، كما أخبرنا شيخ المحدثين بهاء الملة والدين محمد بن الحسين، عن أبيه، عن الشيخ زين الدين… (1) وعلماؤنا ذكروا هذه الحديث تيمنا وتبركا في إجازتهم الشفهية. والحقيقة أن هذا التفسير كنز من كنوز الله سبحانه وتعالى، وإن شاء الله لا يفوتنا شئ منه، وسنذكره كله (2) في مجمع البحرين. (3) 8 – ومنهم المجلسي الثاني (ره) صاحب ” البحار ” قال فيه: كتاب تفسير الامام من الكتب المعروفة، واعتمد الصدوق عليه وأخذ منه وإن طعن فيه بعض المحدثين، ولكن الصدوق أعرف وأقرب عهدا ممن طعن فيه، وقد روى عنه أكثر


(1) نقل المرحوم المجلسي هذا السند والحديث المنقول عن الشهيد الثاني بالتفصيل (2) راجع كتاب شرح من لا يحضره الفقيه ج 5 / 142 وص 213 كتاب الصلاة (فارسي. (3) هو من تأليفات المجلسي (ره)، ولم يذكر في حرف الميم من الذرية، فراجع. (*)

[ 693 ]

العلماء من غير غمز فيه. (1) 9 – ومنهم الشيخ الحر العاملي صاحب ” الوسائل ” و ” اثبات الهداة ” قال في الاول: ونروي تفسير الامام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، بالاسناد عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن المفيد، عن الصدوق، عن محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي، عن يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار – قال الصدوق والطبرسي: وكانا من الشيعة الامامية – عن أبويهما، عن الامام، وهذا التفسير ليس هو الذي طعن فيه بعض علماء الرجال لان ذلك يروي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام، وهذا عن أبي محمد عليه السلام، وذلك يرويه سهل الديباجي، عن أبيه، وهما غير مذكورين في سند هذا التفسير أصلا، وذاك فيه أحاديث من المناكير، وهذا خال من ذلك. وقد اعتمد عليه رئيس المحدثين إبن بابويه، فنقل منه أحاديث كثيرة في كتاب من لا يحضره الفقيه وفي سائر كتبه، وكذلك الطبرسي وغيرهما من علمائنا (2). وجعل الشيخ الحر هذا التفسير من مآخذ الوسائل واثبات الهداة فراجع. 10 – ومنهمه الفيض الكاشانى صاحب تفسيرى ” الصافي ” و ” الاصفى ” نقل فيهما مطالب هذا التفسير، واعتمد عليه ظاهرا. 11 – ومنهم السيد هاشم البحراني صاحب تفسير ” البرهان ” نقل فيه كل ما في تفسير العسكري. 12 – ومنهم صاحب تفسير ” نور الثقلين ” نقل فيه بعض ما في هذا التفسير، عن كتاب الاحتجاج وغيره، فراجع. 13 – ومنهم الحسن سليمان الحلى تلميذ الشهيد الاول صاحب كتاب ” المحتضر ” قال فيه، ومما يدل على رؤية المحتضر النبي وعليا والائمة عليهم السلام عند الموت ما قد جاء في تفسير الحسن بن علي العسكري عليهما السلام – ثم نقل عنه الخبرين، وقال: هذا الحديثان.


(1) البحار: ” 1 / 28. (2) وسائل الشيعة: 20 / 59. (*)

[ 694 ]

يصر حان برؤية المحتضر محمدا وعليا وغيرهما صلوات الله عليهما وليس للشك فيها مجال، وكيف يقع الشك في مثل هذه الاحاديث المجمع عليها التي يروونها عن الائمة عليهم السلام جماعة علماء الامامية… (1). 14 – ومنهم السيد نعمة الله الجزائري (ره) (2) 15 – ومنهم المولى محمد جعفر الخراساني صاحب اكليل الرجال، قال فيه: أخرج من هذا التفسير أصحابنا كابن بابويه، وغيره ممن التزم أن لا يذكر في كتابه إلا ما صح عن الائمة عليهم السلام (3). 16 – ومنهم الشيخ سليمان البحراني (ره) صاحب ” الفوائد النجفية ” قال فيه: قال بعض الافاضل المتأخرين (في رد ما قاله ابن الغضائري والعلامة، ره): كيف يكون محمد بن القاسم ضعيفا كذابا. والحال أن رئيس المحدثين (ره) كثيرا ما يروي عنه في الفقيه، وكتاب التوحيد، وعيون أخبار الرضا عليه السلام، وفي كل موضوع يذكره يقول بعد ذكره: رضي الله عنه، أو رحمة الله. ثم قال: وفي ما ذكره العلامة رحمه الله إشكالات… وقد صرح جماعة من الافاضل باعتبار هذا التفسير المشهور الان، واعتمده… (4). 17 – ومنهم صاحب ” منتهى المقال ” ذكر فيه بعد نقل كلام العلامة الحلي كلمات المؤيدين لاعتبار التفسير، فراجع (5). 18 – ومنهم الوحيد البهبهاني (ره) صاحب ” التعليق على منهج المقال الاستربادي ” قال فيه (في رد ما قاله العلامة (ره) تبعا الغضائري) قلت: ضعف تضعيف


(1) المحتضر ص 20، والحديثان موجودان في تفسير العسكري (ع)، راجع أيضا ص 62 – 64 قال فيه: ومن كتاب التفسير المنقول برواية محمد بن بابويه عن رجا له عن الامام الحسن العسكري عليه السلام وقال أيضا: ومن التفسير الشريف الشمذكور.. (2) قاله المحدث النوري في المستدرك. (3) المستدرك: 3 / 664. (4) منتهى المقال ص 288. (5) منتهى المقال ص 288. (*)

[ 695 ]

ابن الغضائري مر مرارا، على أن الظاهر أن منشأ تضعيفه، ما ذكره من أنه روى تفسيرا عن رجلين مجهولين – إلى آخر ما قال ابن الضغائري – ومضى في سهل بن أحمد ما يؤيد هذا، وقال جدي: ما ذكره ابن الغضائري باطل، وتوهم أن مثل هذا التفسير لا يليق أن ينسب إلى المعصوم، ومن كان مرتبطا بكلام الائمة يعلم أنه كلامهم. إلى آخر ما نقلناه عن المجلسي الاول في الروضة، فراجع (1). 19 – ومنهم الشيخ أبو الحسن الشريف صاحب تفسير ” مرآة الانوار ” أخذ من تفسير الامام عليه السلام كسائر المآخذ الحديثية (2). 20 – ومنهم الشيخ محمد طه (ره) صاحب ” اتقان المقال ” قال فيه بعد ذكر ما قاله ابن الغضائري: قلت: وقد روى عنه الصدوق في الفقيه، وهذا التفسير هو التفيسر المعروف بتفيسر العسكري عليه السلام، وقد روى عنه الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج، ولعل الثقة بابن بابويه والطبرسي أولى، سيما الاول كما هو معلوم من ترجمته، وكما يشهد به استثناؤه جماعة من رواة نوادر الحكمة وعدم روايته ما رووه منها، كما روى عن محمد بن عيسى بن عبيد. ولعل السر في دعوى الوضع، تضمن التفسير المذكور كثيرا من الاسرار، ونوادر الاخبار، كما قد يتفق ذلك منهم، كما يشهد به دعوى الوضع للقاء سعد بن عبد الله الاشعري أبا محمد العسكري عليه السلام، فراجع (3). 21 – ومنهم السيد عبد الله الشبر صاحب ” تسلية الفؤاد ” جعل تفسير الامام عليه السلام من مصادره في هذا الكتاب – فراجع (4). 22 – ومنهم السيد حسين البروجردي صاح ” نخبة المقال ” و ” الصراط المستقيم ” قال في الاول:


رجال الاسترابادي: التعليقة ص 316. (2) مرآة الانوار ص 197 و 199 و 123 وغيرها. (3) اتقان المقال 359. (4) تسلية الفؤاد ص 198 وغيره. (*)

[ 696 ]

ثم ابن قاسپم مفسر حسن * تضعيف ” غض ” له ضعيف موتهن قال ابن الغضائري: إنه ضعيف، والتفسير موضوع عن سهل الديباجي أقول: ذكره الصدوق مترضيا عنه ومترحما له، قال في البحار: تفسير الامام من الكتب المعروفة – إلى آخر ما نقلناه من البحار – فراجع (1). وقال في الثاني: والتفسير المنسوب إلى الامام الهمام الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه وعلى ولده الخلف الحجة أفضل الصلاة والسلام، والاسناد إليه مذكور في أوله وشهرته بين الامامية وتلقيهم له بالقبول، وإبرادهم أخباره في كثير من الكتب والاصول، يكفينا مؤنة التأمل في أحوال رجاله، فضلا عن الاصغاء إلى قدح من يقدح فيه من المحدثين، سيما مع كوه الاصل في ذلك هو ابن الغضائري الذي لا يكاد يسلم من طعنه جليل. ولذا قال شيخنا المجلسي رحمه الله في أول البحار، أن تفسير الامام عليه السلام من الكتب المعروفة – إلى آخ ر ما نقلناه من البحار. مع أن الاصل في قدحه، إنما هو رمي محمد بن لقاسم المفسر بالضعف والكذب وأنه يرويه عن رجلين مجهولين، وفيهما ما لا يخفى، أما محمد بن القاسم فقد أكثر الصدوق من النقل عنه، في كثير من كتبه كالفقيه، وكتاب التوحيد، وعيون أخبار الرضا، وغيرها وفي كل موضع يذكره يقول: رحمه الله أو رضي الله عنه، مع أنه قد قال في أول الفقيه ما قال. وأما الرجلان فلاصدوق أعرف بحالهما، مع أن شيخنا الطبرسي قال في أول الاحتجاج قال – أي الصدوق رحمه الله.: حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم الاسترابادي المفسر قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد السيار وكانا من الشيعة الامامية – الحديث – ومن هنا وغيره قد بالغ غير واحد من


(1) نخبة المقال ص 94. (*)

[ 697 ]

الامامية في الذب عنه، وحكموا بالاعتماد علهى، ولذا أوردناه بتمامه بتمامه في هذا التفسير (أي الصراط المستقيم) مفرقا على ما يناسبه من الايات (1). 23 – ومنهم حجة الاسلام التبريزي صاحب ” صحيفة الابرار ” قال فيه: تفسير الامام عليه السلام برواية الصدوق قال المجلسي في البحار: وكتاب تفسير الامام من الكتب المعروفة، واعتمد عليه الصدوق، وأخذ عنه، وإن طعن بعض المحدثين… أقول: الظاهر أن المراد من هذا البعض أحمد بن الحسين الغضائري… وقد عرفت في مقدمات هذا الكتاب حال تضعيفات ابن الغضائري، وأنها عند المحققين مردودة مطروحة.. فالصدوق أعرف بحال الرجل منه للقائه إياه، وروايته عنه، وقد ملأ كتبه من الرواية عنه، مشفعا له كلما ذكره بالرحمة… وأما وصف الرجلين (أي أبي يعقوب يوسف بن محمد، وأبي لاحسن علي بن محمد) فيكفي في كونهما معروفين رواية من هذا حاله عند الصدوق عنهما واعتماده على روايتهما ووصفه لهما بأنهما كانا من الشيعة الامامية، كما في سند التفسير، وليس من شرط معروفية الرجل كونه معروفا عند خصوص ابن الغضائري لامحاله… وبالجملة الكتاب مما لا عيب فيه، ولاريب يعتريه، وقد اعتمد عليه، وروى عنه ثلة من الاولين والاخرين، وطعن ابن الغضائري فيه بمقتضى اجتهاده، وعده لما فيه من المنكران لا حجية فيه، بل غلط مردود نشأ من ضعف التحصيل (2). 24 – ومنهم صاحب ” العوالم ” (ره)، راجع مجلداته المطبوعة. 25 – ومنهم الشيخ الانصاري (ره) صاحب ” فرائد الاصول ” قال فيه. بعد نقل رواية طويلة من الاحتجاج وهو رواه عن تفسير الامام عليه السلام – دل هذا الخبر الشريف اللايح منه آثار الصدوق على جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الكذب.


(1) الصراط المستقيم ص 88. (2) صحيفة الابرار ص 394 – 494 مع تلخيص: (*)

[ 698 ]

وإن كان ظاهره اعتبار العدالة بل ما فوقها، لكن المستفاد من مجموعه، أن المناط في التصديق هو التحرز عن الكذب، فانهم. (1) 26 – ومنهم الشيخ عبد الله المقامقانى صاحب ” ت نقيح المقال ” قال فيه عن بعض الفقهاء المتأخرين: إن من له أدنى ربط بأحاديث الائمة الاطهار عليهم السلام يجزم بأن هذا التفسير من كلام المعصوم، ونحوه ما عن المجلسي الاول… (2). 27 – ومنهم آية الله البروجردي (ره) صاحب جامع أحاديث الشيعة، جعل تفسير الامام من مآخذ هذا الكتاب (3) 28 – ومنهم المولى على بن الحسن الزواري المفسر المترجم المعروف استاذ صاحب المنهج، قال صاحب ” رياض العلماء ” ره وللزواري أيضا ترجمة كتاب تفسير الامام الحسن العسكري بالفارسية… رأيت تلك الترجمة في قصبة لنكر من أعمال جام… (4). 29 – ومنهم العلامة الطهراني صاحب ” الذرية ” قال فيه: تفسير العسكري… وقد فقصل القول باعتباره شيخنا في خاتمة المستدرك فذكر من المعتدين عليه الشيخ الصدوق في الفقيه وغيره من كتبه، والطبرسي في الاحتجاج، وابن شهر اشوب في المناقب، والمحقق الكركي في إجازته لصفي الدين، والشهيد الثاني في المنية والمولى محمد تقي المجلسي في شرح المشيخة، وولده العلامة المجلسي في البحار وغيرهم… وقال في حاشية الذرية: إعلم أنه ليس طريق الصدوق إلى هذا التفسير منحصرا في محمد بن القاسم المنسوب جرحه إلى ابن الغضائري، بل يوجد في


(1) فرائد الاصول ص 86 وفي هذا الخبر المشهورة التي استدل بها فقهاؤنا في مباحث الاجتهاد والتقليد: فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه…. (2) تنقيح المقال 3 / 175 مع تلخيص (3) راجع مجلداته المطبوعة. (4) رياض العلماء 3 / 395. (*)

[ 699 ]

بعض تصانيف الصدوق طريق آخر إلى رواية هذا التفسير عن الوالدين كما في الامالي ص 105 روى الصدوق عن محمد بن علي الاسترابادي رضي الله عنه قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، والنسخة صحيحة ظاهرا، واحتمال وقوع التصحيف من الناسخ وتبديل القاسم بعلي خلاف الاصل… (1). 30 ومنهم المحدث النوري صاحب ” المستدرك ” فانه (ره) قد فصل فيه القول باعتباره وقد استفدناه أكثر ما نقلنا في هذا المقال مما كتب، فجزاه الله خير الجزاء، وإن كان في بعض ما قال، واختاره إشكال. 31 – ومنهم المامقاني (ره) في رجاله عند ترجمته لعمار الدهني قال فيه في شرح مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه: وإلى محمد بن القاسم الاسترابادي مشافهة من غير واسطة وهو الراوي له التفسير المنسوب إلى الامام أبي محمد العسكري عليه السلام الذي أكثر من النقل عنه في أغلب كتبه الموجودة عندنا، كالفقيه والامالي والعلل وغيرهما واعتمد على ما فيه كما لا يخفى على من راجع مؤلفاته، وتبعه على ذلك أساطين المذهب وسدنة الاخبار: فمنهم أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (الطبرسي صاحب الاحتجاج)، ومنهم قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي، فانه أخرج في خرائجه من التفسير المذكور جملة وافرة، ومنهم رشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب (صاحب المناقب) نمنهم المحقق الثاني علي بن عبد العالي الكركي، ومنهم فخر الفقهاء الشهيد الثاني، ومنهم المجلسيان (ره) والاستاذ الاكبر في لتعليقة، والمحقق البحراني الشيخ سليمان وصاحب إكليل الرجال، والحر العاملي والمحدث الجزائري والمحدث النوبلي وصاحب كتاب المحتضر وصاحب نور الثقلين وخاتمة المحدثين المولى أبو الحسن الشريف، وغيرهم. ثم ذكر كلام العلامة الحلي في الخلاصة وقال: ولم يسبقه – فيما بأيدينا من الكتب الرجالية والحديث – أحد سوى إبن الغصائري ولم يلحقه أيضا أحد سوى المحق الداماد (2)


(1) الذريعة 4 / 283 – 293 وفيه فوائد جمة، فراجع. (2) مر كلام المحقق الداماد في ضمن أقوال النافين ص 715 فراجع. (*)

[ 700 ]

ولم يزد على ما في الخلاصة شيئا وما في الخلاصة مأخوذ بعينه من ابن الغضائري كما يظهر من نقد الرجال (ومجم الرجال للقهبائي). وقد أكثر المحققون من الطعن فيه، والايراد علهى، بوجوه نذكره مع ما عندنا: الاول: ما قرر في محله من ضعف تضعيفات ابن الغضائري، وعدم الاعتماد عليه. الثاني: أن الصدوق – الاخذ عن محمد بن القاسم المصاحب له، الذي قد أكثر النقل عنه من هذا الكتاب في أكثر كتبه، وما يذكره إلا ويعقبه بقوله رضي الله عنه أو رحمه الله، وقد يذكره مع كنيته – كيف خفي عليه ضعفه وكذبه ! الثالث: كيف خفي كذبه وضعفه على الجماعة الذي رووا هذا التفسير الموضوع بزعم ابن الغضائري عن الصدوق، وهم عدة: منهم الحسين بن عبيدالله الغضائري والد ” أحمد صاحب الرجال ” كما قد مر في إجازة المحقق الكركي. الرابع: أن التفسير منسوب إلى أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام لا، والده أبي الحسن الثالث، كما في كلام ابن الغضائري. الخامس: أن سهل الديباجي وأباه غير داخلين في سند هذا التفسير، ولم يذكرهما أحد فيه، فنسبة ابن الغضائري الوضع إليه لا وجه له، بل هذا يكشف عن اختلاط المسقط لكلامه عن الاعتبار. السادس: أن الطبرسي نص في الاحتجاج أن الراويين من الشيعة الامامية، فكيف يقول يرويه عن رجلين مجهولين ! والعجب أن المحقق الداماد نسب الذين اعتبروا السند واعتمدوا على التفسير: – وهم جده المحقق الثاني، والشهيد الثاني، والقطب الراوندي، وابن شهر اشوب والطبرسي وغيرهم – إلى القصور وعدم التمهر، مع عدم تأمله في هذا الاشتباهات الواضحة في كلام ابن الغضائري، والعلامة الحلي، فاقتحم فيها من حيث لا يعلم، بل زاد عليها. السابع: نسبة (المحقق الداماد) التضعيف إلى علماء الرجال، مع أنه ليس في الكشي، والنجاشي، والفهرست، ورجال الشيخ ذكر له أصلا، وهذه الاصول الاربعة هي المعتمدة في هذا الفن، والمضعف منحصر في ابن الغضائري، وأما العلامة في


[ 701 ]

الخلاصة فهو ناقل لكلامه وإن ارتضاه، والناظر يتوهم في كلامه (الداماد) غير ما هو الواقع، فلا يخلو من نوع تدليس. الثامن: ظنه (المحقق الداماد) أن التفسير الذي رواه الاسترابادي غير التفسير الذي رواه الحسن البرقي، وهو توهم فاسد… (1). التاسع: أن حديث النحو الذي أشار إليه المحقق الداماد، موجود في هذا التفسير (2)، وذكر مختصره بعبارة ابن شهر آشوب في المناقب، فراجع. العاشر: الحكم بوجود المناكير والاكاذيب فيه تبعا لابن الغضائري، فياليته أشار إلى بعضها، نعم فيه بعض المعاجز الغريبة والقصص الطويلة التي لا توجد في غيره، وعدها من المنكرات يوجب خروج جملة من الكتب المعتمدة عن حريم حد الاعتبار، وليس فيه شئ، من أخبار الارتفاع والغلو أبدا… وكيف يخفى على الصدوق ! وهو رئيس المحدثين مناكير هذا التفسير، مع شدة تجنبه عنها، ومعرفته بها وانسه بكلامهم عليهم السلام، وقربه بعصرهم عليهم السلام، وعده من الكتب المعتمدة، وولوعه في إخراج متون أحاديثه، وتفريقها في كتبه، وما أبعد ما بيه وبين ما تقدم عن التقي المجلسي في الشرح من قوله: ” ومن كان مرتبطا بكلام الائمة عليهم السلام يعلم أنه كلامهم ” نعم قصة المختار مع الحجاج المذكور فيه (3) مما يخالفه تمام ما في السير والتواريخ من أن المختار قتله مصعب الذي قتله عبد الملك الذي ولى الحجاج على العراق بعد ذلك، لكنه لا يوجب عدم اعتبار التفسير، وإلا لزم عدم اعتبار الكافي، فان ثقة الاسلام روى فيه عن يزيد بن معاوية قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج… (4). قال في البحار: واعلم أن في هذا الخبر إشكالا وهو أن المعروف في السير أن هذا الملعون لم يأت بالمدينة بعد الخلافة، بل لم يخرج من الشام حتى مات ودخل النار، فنقول مع عدم الاعتماد على السير لاسيما مع معارضة الخبر، يمكن


(1) للعلامة الطهراني هنا في الذريعة كلام مع استاده النوري فراجع (4 / 283: (2) ص 64، المناقب: 2 / 329. (3) ص 547. (4) الكافي: 8 / 234. (*)

[ 702 ]

أن يكون اشتبه على بعض الرواة، وكان في البر أنه جرى ذلك بينه وبين من أرسله المعلون لاخذ البيعة وهو مسلم بن عقبة… (1) أقول: كلما ذكره رحمه الله يجري في الخبر المتقدم (في التفسير)، ثم قال رحمه الله في خاتمة كلامه: فانقدح من جميع ما ذكرنا، أن هذا التفسير داخل في جملة الكتب المعتمدة التي أشار إليها الصدوق في أول الفقيه، والله العالم. (2). وقال المحقق التستري صاحب ” الاخبار الدخيلة ” فيه – في جواب بعض هذه الايرادات ظاهرا: إن أحمد بن الحسين الغضائري من الائمة النقاد، وهن استاذ النجاشي، وقد اعترف الشيخ بأنه ألف فهرستا لم يؤلف أحد من أصحابنا مثله: ” حجية قول مثل الصدوق تكون فيما لم يعلم بطلانه، وقد أوضحنا اشتمال التفسير على أكاذيب واضحة ” وما نقله الصدوق في كتبه غير ما فيه من الامور الباطلة، وليس فيها مناكير معلومة، فلعله أخذ عن غير الكتاب الموجود بأيدينا، وكذلك ما نقل عنه الاحتجاج. وقل ابن الغضائري: ” التفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه ” لعل في الكلام سقطا، والاصل: ” التفسير موضوع كما عن سهل الديباجي عن أبيه “. والمراد بكون الرجلين في الراوي بأنه مجهول، وقد عقد لهم ابن داود فصلا في آخر كتابه، فلا ينافي في قوله معروفية اسميهما ونسببهما كما لا ينافي وقوعهما في روايات اخر، كما نقل أن الثاني منهما وهو علي بن محمد بن سيار، وقع في طريق سند ندبة السجاد. (3) أما أن الصدوق في كتبه وغيره كلهم أنهوا السند إلى أبي محمد العسكري عليه السلام وابن الغضائري قال: ” عن أبي الحسن الثالث عليه السلام فيمكن أن يكون منشأ وهمه اشتراك ” الهادي ” بين الهادي، وابنه الحسن عليهما السلام… ” وكلام المحقق الداماد كلام قشري بلا لب، فانه لو كان التفسير واحدا لم يكن


(1) البحار 46 / 137 – 139. (2) المستدرك 3 / 661 – 664 مع تلخيص وتصرف نقل بالمعنى، وفيه فوائد ثمينة فراجع (3) أشارة الى ما قال الطهراني ره في الذريعة: 4، فراجع. (*)

[ 703 ]

لكلامه معنى، وإن كان متعددا كان موضوع المثل ” أقلب تصب “، وكان القول بسقوط هذا الموجود المشتمل على الامور الواضحة البطلان التي شرحناها متعينا… (1) وبعد نقل كلمات النافين والمثبتين نقول: ملخص الكلام أن للنافين أدلة ثلاثة: 1 – شهادة قسم من متن الكتاب بكذبه وعدم اعتباره. وجوابه: أن العلم بعدم صدور بعض الكتاب من المعصوم لا يوجب الحكم بكذب كله. 2 – تضعيف ابن الضغائري رواة الكتاب، أي محمد بن القاسم، والرجلين الاخرين. وجوابه: هو معارض باعتماد الصدوق عليهم، والترضي والترحم على محمد بن القاسم عند ذكره وأيضا نقل روايتهم في لفقيه، مع أنه التزم بأن لا يروي فيه فيه إلا ما كان حجة بينه وبين ربه إلا أن يقال: اعتقاده بأن متن تلك الرواية حجة لا يستلزم اعتقاده بكون رواته ثقات. 3 – عدم توثيق رواة الكتاب في الكتاب الرجالية واعتماد الصدوق على بعض رواياته، لا يدل على توثيقه إياهم. وهذا الدليل كاف ظاهرا للحكم بضعف روايته – لا كونها موضوعة – إلا إذا أحرزنا من غير جهة السند إعتبار بعضها وكونها موثوقة الصدور، كما قال الشيخ الانصاري في ذيل خبر: ” أما من كان من الفقهاء… ” وإلا إذا أحرزنا موضوعية بعضها


[ 703 ]

لكلامه معنى، وإن كان متعددا كان موضوع المثل ” أقلب تصب “، وكان القول بسقوط هذا الموجود المشتمل على الامور الواضحة البطلان التي شرحناها متعينا… (1) وبعد نقل كلمات النافين والمثبتين نقول: ملخص الكلام أن للنافين أدلة ثلاثة: 1 – شهادة قسم من متن الكتاب بكذبه وعدم اعتباره. وجوابه: أن العلم بعدم صدور بعض الكتاب من المعصوم لا يوجب الحكم بكذب كله. 2 – تضعيف ابن الضغائري رواة الكتاب، أي محمد بن القاسم، والرجلين الاخرين. وجوابه: هو معارض باعتماد الصدوق عليهم، والترضي والترحم على محمد بن القاسم عند ذكره وأيضا نقل روايتهم في لفقيه، مع أنه التزم بأن لا يروي فيه فيه إلا ما كان حجة بينه وبين ربه إلا أن يقال: اعتقاده بأن متن تلك الرواية حجة لا يستلزم اعتقاده بكون رواته ثقات. 3 – عدم توثيق رواة الكتاب في الكتاب الرجالية واعتماد الصدوق على بعض رواياته، لا يدل على توثيقه إياهم. وهذا الدليل كاف ظاهرا للحكم بضعف روايته – لا كونها موضوعة – إلا إذا أحرزنا من غير جهة السند إعتبار بعضها وكونها موثوقة الصدور، كما قال الشيخ الانصاري في ذيل خبر: ” أما من كان من الفقهاء… ” وإلا إذا أحرزنا موضوعية بعضها الاخر أو تحريفه وتصحيفه… كما في خبر الحجاج المذكور آنفا. فتحصل أن لادليل على الوضع كليا، ولا الصدور من المعصوم عليه السلام كليا، بل أمر بين الامرين، فيكون التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام كسائر كتبنا الحديثية، فيه صحيح ومقبول وضعيف ومردود، ويحتاج الرد والقبول بالنسبة إلى كل رواية من رواياته إلى بحث وتحقيق وتحصيل القرائن، والله العالم (2).


(1) الاخبار الدخيلة 1 / 212 – 215 مع تلخيص ونقل بالمعنى وفيه مطالب اخرى مفيدة فراجع. (2) ثم ذكر هنا قائمة بالمصادر والماخذ التى اعتمد عليها في هذه الرسالة. (*)

اترك تعليقاً