إقبال الأعمال

السيد ابن طاووس الحسني ج 2


[ 1 ]

الاقبال بالاعمال الحسنة


[ 3 ]

الاقبال بالاعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة المؤلف السيد رضى الدين على بن موسى جعفر بى طاوس المحقق جواد القيومى الأصفهاني


[ 4 ]

مركز النشر مكتب الاعلام الاسلامي اسم الكتاب: اقبال الأعمال (ج 2) المؤلف: السيد رضى الدين على بى موسى بى جعفر بن طاوس المحقق: جواد القيومى الاصفهانى الناشر: مكتب الاعلام الاسلامي طبع على مطابع: مكتب الاعلام الاسلامي الطبعة: الأولى تاريخ الطبع: ربيع الأول 1415 هق طبع منه: 3000 نسخة – جميع الحقوق محفوظة للناشر – قم: شارع الشهداء (صفائيه)، ص ب: 917 – هاتف 23426


[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم


[ 7 ]

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين للتنور بأنوارها والاستضاء بأضواء عنايات الله جل جلاله وأسرارها، ونشكر الله تبارك وتعالى بأن أحلنا محل الطافه وعنايات الجليلة، وجعلنا قابلا للتحلي بالصفات الجميلة. وشرفنا للتهيأ لمناسك اول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا هدى للعالمين، وأرانا بفضله وكرمه ما فيه من الايات البينات التى من جملتها مقام ابراهيم، وجعل لنا الأمن والأمان من أذى الظالمين وموجبات سخط رب العالمين، بدخولها لمناسك وعبادات قد فصلها بلسان الشرع، كما قال عز من قائل: (ومن دخله كان آمنا)، 2 وأوجب هذه العبادات والمناسك على كل من استطاع إليه سبيلا، ووجد من الزاد والراحلة على تيسره دليلا، وأشار الى ذلك بقوله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع 2 إليه سبيلا). ونصلي على نبينا الرؤف علينا بالهداية الى هذه الخيرات والحث على تلك المبرات، وعلى آله الأئمة الهداة والسالكين مسالك الألطاف والعنايات صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. الباب الاول: فيما نذكر من فوائد شهر شوال، وفيه عدة فصول: فصل: فيما نذكره مما روى في تسمية شوال.


1 – كذا في النسخ الموجودة، وقد سقط منها عبارات من خطبة المؤلف. 2 و 3 – آل عمران: 97.

[ 8 ]

فصل: في ما نذكره من ان صوم الستة ايام من شوال تكون متفرقة فيه. فصل: فيما نذكره من صيام شوال. فصل: فيما نذكره من كيفية الدخول في شهر شوال، وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال، وما نذكره من الاشارة الى المنسك باجمال المقال. الباب الثاني: فيما نذكره من فوائد شهر ذى القعدة، وفيه عدة فصول: فصل: فيما نذكره من الرواية بأن شهر ذى القعدة محل لاجابة الدعاء عند الشدة. فصل: فيما نذكره من ابتداء فوائد ذى القعدة. فصل: فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر. فصل: فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور. فصل: فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة ايام من الشهر الحرام. فصل: فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذى العقدة والعمل فيها. فصل: فيما يتعلق بدحو الأرض وانشاء اصل البلاد وابتداء مساكن العباد. فصل: فيما نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذى العقدة. فصل: فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض. فصل: فيما ذكره من التنبيه على فضل الله جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده، والاشارة الى بعض معاني ارفاده بذلك واسعاده. فصل: فيما نذكره من فضل زائد ليلة يوم دحو الارض ويومها. فصل: فيما نذكره من الدعاء من يوم خمس وعشرين من ذى القعدة. فصل: فيما نذكره مما ينبغى ان يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه. فصل: فيما نذكره مما يختم بذلك اليوم. الباب الثالث: فيما يختص بفوائد من شهر ذى الحجة وموائد للسالكين صوب المحجة، وفيه فصول: فصل: فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله.


[ 9 ]

فصل: فيما نذكره في كيفية الدخول في شهر ذى الحجة. فصل: فيما نذكره من فضل العشر الاول من ذى الحجة على سبيل الاجمال. فصل: فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذى الحجة على بعض التفصيل. فصل: فيما نذكره من فضل صلاة تصلى كل ليلة من عشر ذى الحجة. فصل: فيما نذكره من فضل اول يوم من ذى الحجة. فصل: فيما نذكره من فضل صوم التسعة ايام من عشر ذى الحجة. فصل: في صلاة ركعتين قبل الزوال في اول يوم من ذى الحجة. فصل: فيمن يريد ان يكفى شر ظالم فيعمل اول يوم من ذى الحجة. فصل: فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذى الحجة، وهو يوم التروية. فصل: فيما نذكره من فضل ليلة عرفة. فصل: فيما نذكره من دعاء في اليلة عرفة. فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام في ليلة عرفة. فصل: فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة. فصل: فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الانام، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الاسلام. فصل: فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة والخلاف في ذلك. فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة. فصل: فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين عليه السلام يوم عرفة. فصل: فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد، وهل الجتماع للدعاء يوم عرفة افضل أو النفراد. فصل: فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد. فصل: فيما نذكره من صلاة تخصص بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين. فصل: فيما نذكره من ادعية يوم عرفة. فصل: فيما نذكره مما ينبغى ان يختم به يوم عرفة.


[ 10 ]

الباب الرابع: فيما نذكره مما يتلق بليلة عيد الأضحى ويوم عيدها، وفيه فصول: فصل: فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الأضحى. فصل: فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الأضحى. فصل: فيما نذكره من الاشارة الى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الأضحى وبماذا يزار. فصل: فيما نذكره مما ينبغى أن يكون أهل السعادة والاقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال. فصل: فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى. فصل: فيما نذكره مما يعتمد الانسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه. فصل: فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى. فصل: فيما نذكره من فضل الأضحية وتأكيدها في السنة المحمدية. فصل: فيما نذكره من رواية عن كم تجزى الاضحية وما يقال عند الذبح. فصل: فيما نذكره من تعيين ايام وقت الاضاحي. فصل: فيما نذكره من قسمة لحم الاضحية. فصل: فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الاضحى. الباب الخامس: فيما نذكره مما يختص بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه، وفيه فصول: فصل: فيما نذكره من عمل ليلة الغدير. فصل: فيما نذكره من مختر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف. فصل: في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل. فصل: فيما نذكره من فضل الله جل جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد وما فيه من المنة على العباد. فصل: فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند اهل العقول من طريق المنقول.


[ 11 ]

فصل: فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطى. فصل: فيما نذكره ايضا من فضل يوم الغدير برواية جماعة من ذوى الفضل الكثير، وهى قطرة من بحر غزير. فصل: فيما نذكره من جواب من سأل عما في الغدير من الفضل وقصر فهمه عما ذكرناه في ذلك من الفضل. فصل: فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات. فصل: فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر امير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين. فصل: فيما نذكره من الاشارة من زاره من الأئمة من ذريته وعليه وعليهم افضل السلام وغيرهم من عترته من ملوك الاسلام. فصل: فيما نذكره مما رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير مارويناه وسمعناه به من آياته التى تحتاج الى مجلدات وتصانيف. فصل: فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا على صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار إليه. فصل: فيما نذكره من عوذة تعوذ بها النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير. فصل: فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد مما رويناه بصحيح السناد. فصل: فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد من قريب أو بعيد. فصل: فيما نذكره من ينبغى ان يكون عليه حال اولياء هذا العيد السعيد في اليوم المعظم المشار إليه. فصل: فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه. فصل: فيما نذكره مما يختم به يوم الغدير. الباب السادس: فيما يتعلق بمبالهة سيد أهل الوجود لذوى الجحود، الذى لا يسارى ولا يجازى،


[ 12 ]

وظهور حجته على النصارى والحبارى، وان في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم، ونذكر ما يعمل من المراسم، وفيه فصول: فصل: فيما نذكره من انفاذ النبي صلى الله عليه وآله لرسله الى نصارى نجران ودعائهم الى الاسلام والايمان ومناظرتهم فيما بينهم وظهور تصديقه فيما دعا إليه. فصل: فيما نذكره من زيارة اهل المباهلة والسعادة. فصل: فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول. فصل: فيما نذكره مما ينبغى ان يكون المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم الله جل جلاله الشاملة. فصل: فيما نذكره من عمل يوم بأهل الله فيه بأهل السعادات وندب الى صوم أو صلوات أو دعوات. فصل: فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذى الحجة ايضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا على عليه السلام بالخاتم. فصل: فيما نذكره من الاشارة الى بعض من روى ان آية: (انما وليكم الله ورسوله والدين آمنوا)، نزلت في مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب صلوات الله عليه من طريق المخالفين عليه. فصل: فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن. فصل: فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم هذا اليوم وما فيه من المسار وما يختم به آخر ذلك النهار. الباب السابع: فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذى الحجة ويومها، وفيه فصول: فصل: فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا على عليه السلام ومولاتنا فاطمة صلوات الله في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير. فصل: فيما نذكره مما يعمل يوم خامس وعشرين من ذى الحجة. الباب الثامن: فيما نذكره مما يتعلق باليوم التاسع والعشرين من ذى الحجة وما يستحب فيه


[ 13 ]

لأهل الظفر بصواب المحجة. الباب التاسع: فيما نذكره من عمل آخر يوم من ذى الحجة. وها نحن نفصل ما أجملناه وننجز ما وعدناه، فنقول:


[ 14 ]

الباب الاول فيما نذكره من فوائد شهر شوال وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره مما روى في تسمية شوال ذكر مصنف كتاب دستور المذكرين ومنشور المتعبدين باسناده المتصل فقال: قيل للنبى صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ما شهر رمضان – أما رمضان ؟ قال: ارمض الله تعالى فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم، قيل: يا رسول الله فشوال ؟ قال: شالت فيه ذنوهم فلم يبق فيه ذنب الا غفره. قال مصنف هذا الكتاب: ارمض أي احرق، وشالت فيه ذنوبهم فلم يبق ذنب الاغفرة. قال مصنف هذا الكتاب: ارمض أي احرق، وشالت أي ارتفعت وذهبت عنهم، قال: والمعنى فيه انهم إذا عرفوا حق رمضان صار كفارة لهم واذهب عنهم ذنوبهم وطهرهم منها، وانما يتم ذلك بانقضاء رمضان وانقضاء رمضان بدخول شوال. قلت: وقال مصنف الصحاح في اللغة ماهذا لفظة: وشوال اول اشهر الحج والجمع شوالات وشوايل، وشوال أي خفيف من العمل والخدمة. فصل (2) فيما نذكره من ان صوم الستة ايام من شوال تكون متفرقة فيه قد ذكرنا في كتاب الزوائد والفوائد في عمل شهر الصيام روايات بصوم هذه الستة


[ 15 ]

الايام ولم نذكر الرواية بصومها متفرقة، واجبنا ان نذكرها في فوائد شوال الرواية بذلك، فنقول: روى صاحب دستور المذكرين عن الطبراني، وهو ثقة عند المحدثين، باسناده عن اسحاق بن ابراهيم الديرى قال: سألت عبد الرزاق عمن يصوم الثاني من الفطر، فكره ذلك واباه اباء شديدا، وقال عبد الرزاق: وسألت معمرا عن صيام الست التى بعد يوم الفطر وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم، فقال: معاذ الله انما هي ايام عيد واكل وشرب، ولكن تصام ثلاثة ايام قبل ايام الغراء وبعدها، وايام الغراء ثالث عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة. فصل (3) فيما نذكره من صيام شوال باسناد مصنف دستور المذكرين الى من سماه، قال عفان بن يزيد انه سمعه من خلق في رسول الله عليه وآله قال: من صام شهر رمضان وشوالا والاربعاء والخميس دخل الجنة. وفى حديث آخر منه باسناده الى مسلم بن عبيد القريشي ان اباه رضى الله عنه أخبره انه سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا نبى الله أصوم الدهر ؟ فسكت، ثم سأله الثانية، فسكت، ثم سأله الثالثة، فقال: يا نبى الله أصوم الدهر كله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: من السائل عن الصوم ؟ فقال: أنا يا رسول الله، فقال: اما الأهلك حق، صم رمضان والذى يليه وكل اربعاء وخميس، فإذا أنت قد صمت الدهر. فصل (4) فيما نذكره من كيفية في شوال وما انشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال، وما نذكره من الاشارة الى المنسك باجمال المقال أقول: ان الدخول في شهر شوال، فهو كما قدمناه من الدخول في شهر رجب، فان


[ 16 ]

ظفرت به ففيه بلاغ في المقال، وان لم تظفر بما أشرنا إليه، فليكن دخولك في شهر شوال دخول المصدقين، فانه شهر حرام له حق التعظيم بالمقال والفعال. كمن دخل في دروب مكة الى مسجدها الأعظم، فلابد ان يكون لدخوله كيفية على قدر تصديقه صاحب المسجد المعظم، فاجهد أن يكون قبلك وعقلك مصاحبا له بالتعظيم وجوار حك محافظة على سلوك السبيل المستقيم، فن عادة الملوك المؤدب الكامل أن يكون موافقا لمالكه في سائر مسالكه. فصل: واما ما يقال عند رؤية هلال شوال: فقد قدمنا في كتال عمل الشهر دعاء انشأناه يصلح لجميع الشهور، 1 فان لم يجده فليقل عند رؤية الهلال المذكور: اللهم انك قد مننت علينا بضياء البصائر والابصار، حتى عرفتنا 2 ما بلغتنا إليه من الاسرار والا عتبار، وشاهدنا هلال شوال، وهو من شهور التعظيم والاجلال. فصل على محمد وآل محمد ووفقنا لمصاحبته بما يقربنا اليك، وشرفنا فيه بتمام اقبالنا عليك، واجعله لنا من اهل السعود والاقبال في جميع الاحوال والاعمال والاقوال، كما اخلعت علينا خلع التوفيق للظفر بنصره وبره وخيره. واجعل ساعاته واردة علينا بزيادات الاحسان الينا، حتى ندرك بتأدييدك وعنايتك افضل ما ادركه أحد فيه من مزيدك وعفوك وعافيتك برحمتك. وابدء بكل ما تريد البدأة به في الدعوات، وأشرك معنا من يعز علينا من الأهل ودوى المودات والحقوق المحفوظات، يا ارحم الراحمين. فصل: واما المنسك للحج على سبيل التحرير والاستظهار، فقد كنا شرعنا فيه واخرنا اتمامه لبعض الاعذار.


1 – الدروع الواقبة: 26.

[ 17 ]

الباب الثاني فيما نذكره من فوائد شهر ذى القعدة وفيه عدة فصول: فصل (1) فيما نذكره من الرواية بان شهر ذى القعدة محل لاجابة الدعاء عند الشدة رأيت كتاب بالمدرسة المستنصرية تأليف أبى جعفر محمد بن جبيب، تاريخ كتابته ماهذا لفظه: وكتب عمر بن ثابت في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ان عياض بن خويلد الهذلى قال: كان بنوضيعا رهطا حرمة، وكنت جارا لهم، فكانوا يظلمونني ويؤذونني، فأمهلتهم حتى دخل الشهر الحرام، وهو ذوالقعدة، وكان الناس لا يدعو بعضهم على بعبض الا فيه، فقمت قائما فبهلتهم، 1 فقلت: يا رب أدعوك دعاء جاهدا أقتل بنى الضيعا الا واحدا، ثم اضرب الرجل فدعه قاعدا اعمى إذا قيد – يعنى القائد – فاصطلموا 2 وبقى هذا، ففعل به ما ترى، وكان المدعو عليه زمنا. قلت أنا: ورأيت هذه الحكاية برواية دستور المذكرين آنهاكانت في شهر رجب. فصل: ورأيت في كتاب محمد بن الحبيب المذكور، عند ذكر من استجيبت دعوته في


1 – البهل: اللعن. 2 – اصطلم: استأصل.

[ 18 ]

الجاهلية، ما رواه عن أبى عبد الله بن الاغرابى: ان عبد الله بن حلاوة السعدى نزل ببنى العنبرين عمربن تميم، وله مال من ابل وغنم، فأكلوه واستطالوا عليه بعددهم، فامهلهم حتى دخل الشهر الحرام، ثم رفع يديه فقال: يا رب ان كان بنو عنبر آل السلب، منهم مقصورة، قد أصبحوا كأنهم قارورة 1، من غنم ونعم كثيرة، ومن شاب حسن صورة، ثم عدوا الحلقة مقصورة، ليس لها من اثمها صادورة، ففجروا بى فجرة مذكورة، فأصبب عليهم سنة قاسورة 2، تختلق 3 المال اختلاق النورة، فيقال – والله اعلم – ان أموالهم اجتيحت 4 فلم يبق عليهم منها شئ. فصل (2) فيما نذكره من ابتداء فوائد ذى القعدة أقول: فمن ابتداء فوائده الاهتمام بمشاهدة هلاله، لأجل ما يأتي ذكره فيه من مواقيت، لا طلاق مكارم الله جل جلاله واقباله، وما يدعى به عند مشاهدة الهلال الموصوف. ولم اجد الى الان تعيين دعاء لذلك المقام المعروف، فيقول ان شاء ما نذكره على سبيل الانشاء، ما يطلقه على قلمنا مالك الأشياء: اللهم ان هذا شهر ذى القعدة، من الأشهر التى امرت بتعظيمها، وجعلت فيها من اسرار العبادات ما شهد بتكريمها، وقد شرفتنا بان جعلت لنا طريقا الى مشاهدة هلاله ومعرفة حق اقباله، ولم تحجبه عنا بالغيوم وحوادث السماء، ولا حجبتنا عنه بما بمنع ابصارنا من الضياء.


1 – فرت عينه: بردت سرورا. 2 – فسره على الأمر: قهره واكرهه عليه. 3 – خلق الثوب: بلى. 4 – احتجبت (خ ل)، اقول: الجوح: الاهلاك والاستيصال كالاجاحة والاحتياح – القاموس.

[ 19 ]

فاسألك ان تتم ما ابتدأت من النعم الباطنة والظاهرة، بان تجعلنامن الظافرين فيه بسعادة الدنيا والاخرة، وكن برحمتك المسير لنا في تقلباته ولحظاته بكمال حظنا من خيراته وبركاته. واحفظنا من آفاقه ومخافته، حتى نكون من اسعد من نظر الى هلاله وبلغته منه غاية آماله، وابدء بكل من برضيك البدأة بذكره في المناجاة من اهل النجاة، واشرك معنا اهل المصافاة والموالاة، وارنا ايات الاجابات والقبول في جميع المأمول والمسؤول، برحمتك يا ارحم الراحمين. فصل (3) فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر فاما كيفية الدخول في شهر ذى القعدة المعظم في الاسلام، فعلى نحو ما أشرنا إليه من دخول كل شهر حرام، ونزيد في هذا الشهر على التعيين انه الشهر الذى دحاه 1 الله فيه الأرض وهيأها للعالمين – على ما سيأتي شرحه على التفصيل – فكأنه مطية قد اهتديت اليك لتوصلك الى المسكن الجليل والموطن الجميل، وما يتصل به من العطاء الجزيل. فاشكر واهب تلك المطية واعرف حقه وحقها وما تظفر به من الامنية، فانك ترى العقول السليمة دالة على تعظيم المطايا إذا وصلت الى شرف العطايا، كما قيل: وإذا المطى بنا بلغن محمدا فلها علينا حرمة وذمام بلغتنا من خير من وطى الحصا وظهورهن على الرجال حرام وليكن حفظك لحرمة هذا الشهر بالقب والعقل وحفظ الجوارح، لتدرك ما فيه من الفضل الراجح، ان شاء الله تعالى. أقول: وقد ذكرنا انه شهر موصوف باجابة الدعوات، فاغتنم اوقاته وصم فيه صيام الحاجات، وابدء بالحوائج المهمات على الترتيب الذى يكون أهم عند من تعرض


1 – دحى الارض: بسطها.

[ 20 ]

الحوائج عليه، فيوشك ان يظفر بما تقصد إليه، ان شاء الله تعالى. فصل (4) فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور وجدنا ذلك بخط الشيخ على بن يحيى الخياط رحمه الله وغيره في كتب أصحابنا الامامية، وقد روينا عنه كلما رواه، وخطه عندنا بذلك في اجازة تاريخها شهر ربيع الأول سنة تسع وستمائة، فقال ما هذا لفظه: روى أحمد بن عبد الله، عن منصور بن عبد الحميد، عن أبى امامة، عن انس بن مالك قال: خرج رسول الله عليه وآله يوم الأحد في شهر ذى القعدة فقال: يا أيها الناس من كان منكم يريد التوبة ؟ قلنا: كلنا نريد التوبة يا رسول الله، فقال عليه السلام: اغتسلوا وتوضأوا وصلوا اربع ركعات واقرؤوا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة (وقل هو الله أحد) ثلاث مرات والموذتين مرة، ثم استغفروا سبعين مرة، ثم اختموا بلا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم، ثم قولوا: يا عزيز يا غفار، اغفر لى ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين والمؤمنات فانه لا يغفر الذنوب الا انت. ثم قال عليه السلام: مامن امتى فعل هذا الا نودى من السماء: يا عبد الله استأنف العمل فانك مقبول التوبة مغفور الذنب، وينادى ملك من تحت العرش: ايها العبد بورك عليك وعلى اهلك وذريتك، وينادى مناد آخر: أيها العبد ترضى خصماؤك يوم القيامة، وينادى ملك آخر: أيها العبد تموت على الايمان ولا يسلب منك الدين ويفسح في قبرك وينور فيه، وينادى مناد آخر: ايها العبد يرضى ابواك وان كانا ساخطين، وغفر لا بويك ذلك ولذريتك وانت في سعة من الرزق في الدنيا والاخرة، وينادى جبرئيل عليه السلام: انا الذى آتيك مع ملك الموت ان يرفق بك ولا يخدشك اثر الموت، انما تخرج الروح من جسدك سلا. قلنا: يارسول الله لو ان عبدا يقول في غير الشهر ؟ فقال عليه السلام: مثل


[ 21 ]

ما وصفت، وانما علمني جبرئيل عليه السلام هذه الكلمات ايام اسرى بى 1. فصل (5) فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة ايام من الشهر الحرام روينا ذلك باسنادنا الى الشيخ المفيد محمد بن محمد النعان رضوان الله عليه من كتابه حدائق الرياض وزهرة المرتاض ونور المسترشد، وعندنا الان به نسخة عتيقة لعلها كتبت في زمانه، فقال ماهذا لفظه: وقال رسول الله عليه وآله: من صام من شهر حرام ثلاثة ايام: الخميس والجمعة والسبت، كتب الله له عبادة سنة. ورأيت في كتاب دستور المذكورين عن النبي صلى الله عليه وآله: من صام هذه الثلاثة ايام كتب الله تبارك وتعالى له عبادة تسعمائة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها. اقول: فان قلت، فلأى حال جعلت هذا الحديث في شهر ذى القعدة من دون أشهر الحرم ؟ قلت: لانه اول ما اشتمل عليه كتابنا هذا منها، فأردنا ان يغتنم الانسان اول وقت الامكان قبل حوائل الازمان، لان الاستظهار والاحتياط للمبادرة الى العبادات والطاعات قبل الفوات من دلائل العنايات. على ان ايرادنا هذا الحديث في هذا الشهر لا يمنع ان يعمل عليه في باقى اشهر الحرم، فان عموم هذا اللفظ المشار إليه يشتمل على كل شهر من اشهر الحرم، فإذا عمله في كل شهر منها كان افضل واكمل فيما يعتمد عليه. ولا تقل: كيف عرل عن صوم يوم الاربعاء في اولها الى صوم يوم السبت في آخرها، فان اسرار العبادات لا يعلمها جميعا الا المطلع على الغائبات، واليه جل جلا له الاختيار فيما تعبد به من العبادات. ولعل ان احتمل ان يكون المراد بذلك، انه لما كان الصوم المذكور لهذه الايام


1 – عنه المستدرك 6: 396.

[ 22 ]

الثلاثة في هذه الاشهر المباركات، فاراد الله تعالى ان يكون افتتاح صوم هذه الايام مباركا، وهو الخميس، وختمها بيوم مبارك، وهو السبت، لقول النبي صلى الله عليه وآله: بورك لأمتى في سبها وخميسها، تعظيما لهذا الصوم حيث وقع في الاشهر الحرم المعظمة المباركة المكرمة. أو لعله يحتمل ان يكون يوم الاحد من هذا الشهر معظما كما قدمناه، وهو يوم ابتداء خلق الدنيا، فيراد ان يكون مع يوم الفراغ من خلقها وتمامها، وهو يوم السبت، معظما، وشكرا لله في ابتدائها وفراغها. فصل (6) فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذى القعدة والعمل فيها اعلم رحمك الله ان كل وقت اختاره الله جل جلاله لدعوة عباده الى حبه وقربه واسعاده وانجاده وارفاده، فان ذلك من اوقات اقبال العبد واعياده، حيث ارتضاه الله جل جلاله للوفود بشريف بابه، وشرفه بما لم يكن في حسابه. ونحن ذاكرون في هذا الفصل ما لم نذكره مما يتكرر في السنة مرة واحدة، كما يفتحه الله جل جلاله علينا من الفائدة، ووجدناه مما تخيرناه في ذلك وأرادناه ما رأيناه في كتاب ادب الوزراء تأليف احمد بن شاذان في باب شهور العرب: وروى عن النبي صلى الله عليه وآله ان في ذى القعدة ليلة مباركة، وهى ليلة خمس عشرة، ينظر الله الى عباده المؤمنين فيها بالرحمة، اجر العامل فيها بطاعة الله اجر مائة سائح لم يعص الله طرفة عين، فإذا كان نصف الليل فخذ في العمل بطاعة الله والصلاة وطلب الحوائج، فقد روى انه لا يبقى احد سال الله فيه حاجة الا اعطاه. أقول: فاغتنم نداء الله جل جلاله لك الى مجلس سعادتك وتشريفات بمجالستك ومشافهتك ومحل قضاء حاجتك، وافكر لو كانت هذه المنادات من سلطان زمانك كيف تكون نشيطا الى الحضور بين يديه بغاية امكانك، ولا يكن الله جل جلاله عندك دون هذه الحال، والذى قد عرضه الله جل جلاله عليك هو للدنيا ولدار الدوام


[ 23 ]

والاقبال، والذى يدعوك إليه سلطان بلدك مكدر بالمنة والذلة، ويؤول الى الفناء والزوال. فصل (7) فيما يتعلق بدحو الارض وانشاء اصل البلاد وابتداء مساكن العباد اعلم ان هذه الرحمة من سلطان الدنيا والمعاد يعجز عن شرح فضلها بالقلم والمداد، وها نحن نذكر ما نختاره 1 من الرواية بذلك، ثم نذكر ما يحضرنا في فضل ليلة خمس وعشرين من ذى القعدة وشرف محلها. فصل (8) فيها نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذى القعدة روينا ذلك باسنادنا الى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله باسناده في كتاب الكافي الى محمد بن عبد الله الصيقل قال: خرج علينا أبو الحسن – يعنى الرضا – عليه السلام بمرو في يوم خمس وعشرين من ذى القعدة، فقال: صوموا فانى اصبحت صائما، قلنا: جعلت فداك أي يوم هو ؟ قال: يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم عليه السلام: 2 فصل (9) فيما نذكره من رواية اخرى بتعين وقت نزول الكعبة من السماء روينا ذلك باسنادنا الى الشيخ أبى جعفر محمد بن بابويه رحمه الله باسناده من


1 – يوجد هنا في بعض النسخ هذه الزيادة: ورأيت في بعض تصانيف اصحابنا العجم رضوان الله عليهم انه يستحب ان يزار مولانا الرضا عليه السلام يوم ثالث وعشرين من ذى القعدة من قرب أو بعد ببعض زياراته المعروفة أو بما يكون كا لزيارة. 2 – رواه الكليني في الكافي 4: 149، والشيخ في التهذيب 4: 304، عنهما الوسائل 10: 450.

[ 24 ]

كتاب من لا يحضره الفقيه، وقد ضمن في خطبة كتابه صحة ما يرويه فيه وانه رواه من الاصول المنقولة عن الائمة صلوات الله عليهم، فقال ما هذا لفظه: وروى ان في تسمع وعشرين من ذى القعدة انزل الله عز وجل الكعبة، وهى اول رحمة نزلت، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة 1. فصل (10) فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الارض رويناه ذلك باسنادنا الى أبى جعفر محمد بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه، ومن كتاب ثواب الاعمال فقال: روى الحسن بن الوشاء قال: كنت مع أبى وانا غلام، فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمس وعشرين من ذى القعدة، فقال له: ليلة خمس وعشرين من ذى القعدة ولد فيه ابراهيم عليه السلام، وولد فيها عيسى بن مريم، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا 2. وفى روايته من كتاب ثواب الاعمال الذى نسخة عندنا الان: ان فيه يقوم القائم عليه السلام 3. فصل (11) فيما نذكره من التنبيه على فضل الله جل جلاله بدحو الارض وبسطها لعباده، والاشارة الى بعض معاني ارفاده بذلك واسعاده اعلم ان كل حيوان فانه مضطر الى مسكن يسكن فيه ويتحصن به مما يؤذيه، فمن اعظم المنن الجسام انشاء الارض للانام، ومن أسرار مافى ذلك من الأنام، ان الله جل


1 – الفقيه 2: 9، عنه الوسائل 1: 452، اورده الصدوق في المقنع: 65، عنه المستدرك 7: 52.

[ 25 ]

جلاله لم يجعل بناء الأرض وتدبير انشائها الى ملائكته ولاغيرهم من خاصته، وتولاها بيد قدرته ورحمه، وملأها من كنوز حمله وعفوه ورأفته. فاذكر ايها الانسان المتشرف بنور الالباب، المعترف بالاقرار برب الارباب، انه لو كنت في دار الفناء فقيرا يتعذر عليك تحصيل مسكن للبقاء، يتحصن فيه من حر الصيف وبرد الشتاء وما معك ثمن ولا اجرة العمارة للبناء. فرحمك سلطان سلطان ذلك الزمان، وبنى لك مسكنا بيده وملأه مما يحتاج إليه من الاحسان، وما اتعب لك فيه قلبا ولا جسدا ولاقدما ولايداولا اهلا ولاولدا، بل عمره، وانت ما عرفت ذلك السلطان ولا خدمته، ثم دعاك لتسكن فيما عمره بيده لك، فسكنته ووجدته قد ملأه من ذخائر العناية بك. فكيف كان يكون محبتك لذلك السلطان العظيم، ومراقبتك لحقه الجسيم، واعترافك باحسانه العميم، فليكن الله جل جلاله عندك على اقل المراتب، مثل ذلك السلطان الملوك لربك جل جلاله، الذى هو أصل الواهب. اقول: وليكن كل يوم يأتي فيه وقت انشاء المسكن الجديد كيوم العيد، معترفا لمولاك المجيد بحقه الشامل للعبيد، وكن مشغولا رحمك الله ذلك اليوم وغيره بالشكر له جل جلاله والتمحيد والتمجيد. واياك وان يمر عليك مثل هذا اليوم وأنت متهاون بقدره ومتغافل عن مولاك وعظيم شأنه ومتشاقل عن واجب شكره، فسقط من عين عنايته وتهون، وتدخل تحت ذل ذمة جل جلاله لك في قوله: (وكم من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون) 1. وتذكر رحمك الله انك لو احتجت الى فراش في دراك وبساط تجلس عليه لمسارك، ففرش لك ذلك الفراش وذلك البساط بيدك، كيف تكون في المراقبة والمحبة والخدمة له بنفسك وما لك ولسايك وأهلك وولدك، فلا يكن الله جل جلاله عندك دون هذه الحال، وقد بسط لك الارض فراشا وجعل لك فيها معاشا.


1 – يوسف 1 5. (*)

[ 26 ]

وتذكر رحمك الله جل جلاله منته عليك واحسانه اليك، كيف انزل الكعبة الشريفة، وجعلها بابا إليه، ومحلا لفتح أبواب عفوه ورحمته عند الجرأة عليه، واسترضاك، وأنت ملطخ بأنجاس الذنوب وأدناس العيوب ان تزوره إليها، وان تكون قبلة لك إذا اردت التوجه إليه توجهت إليها. وارحم ضعف قلبك وكبدك، ورقة نفسك وجسدك، فلا تعرضها لخطر ان يكون مولاك ومالك دنياك واخراك مقبلا عليك يدعوك إليه، وانت معرض عنه متمرد عليه. ويحك من أين يأتيك وجودك إذا ضيعته، ومن أين يأتيك بقاؤك إذا اهملته ومن أين يأتيك حياتك إذا أعرضت عنه، ومن أين يأتيك عافينك إذا هربت منه، ومن يحميك من بأسه الشديد، ومن يدفع عنك غضبه إذا غضب من قريب أو بعيد، ومن ترجوه لنوائبك ومصائبك وأسقامك وبلوغ مرامك إذا خرجت من حماه وهجرته وآثرت عليه مالابقاء له لولاه. عد ويحك الى الطواف حول كعبة كرمه، وطف بالذل على ابواب حلمه ورحمته وسالف نعمه، واجر على الخدود دموع الخشوع، وجد بماء الجفون قبل نفاد ماء الدموع، العاجز عن تفريح كربه، فانك تجده جل جلاله بك رحيما، وعنك حليما، وعليك عطوفا، وباحتمال سفهك رؤوفا. فلمن تدخر الذل احق به منه، ولمن تصون الدمع إذا حبسته عنه، واذكرني بالله عند تلك الساعة فيما تناجيه جل جلاله من الدعاء والضراعة. فصل (12) فيما نذكره من فضل زائد ليلة يوم دحو الأرض ويومها وهو نقلناه من خط على بن يحيى الخياط، وقد ذكرنا انه من جملة من رويناه عنه باسناد ذكره عن عبد الرحمان السلمى، عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب صلوات الله


[ 27 ]

عليه يقول: ان اول رحمة نزلت من السماء الى الأرض في خمس وعشرين من ذى القعدة، فمن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة، صام نهارها وقام ليلها، وايما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربهم عز وجل لم يتفرقوا حتى يعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين، والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة 1. قال: وفى حديث آخر عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله – في خلال حديث -: وانزل الله الرحمة لخمس ليال بقين من ذى القعدة، فمن صام ذلك اليوم كان له كصوم سبعين سنة 2. قال: وفى رواية: في خمس وعشرين ليلة من ذى القعدة انزلت الرحمة من السماء، وانزل تعظيم الكعبة على آدم عليه السلام، فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شئ بين السماء والأرض 3. فصل (13) فيما نذكره من الدعاء في يوم خمس وعشرين من ذى القعدة رويناه بطريق متعددة، منها عن جدى أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى فيما ذكره في المصباح الكبير، فقال قدس الله جل جلاله روحه ونور ضريحه ماهذا لفظه: ذو القعدة، يوم الخامس والعشرين منه دحيت الارض من تحت الكعبة، ويستحب صوم هذا اليوم، وروى ان صومه يعدل صوم ستين شهرا، ويستحب ان يدعى في هذا اليوم بهذا الدعاء:


1 – عنه صدره الوسائل 10: 451. 2 – عنه الوسائل 10: 451. 3 – عنه الوسائل 10: 451.

[ 28 ]

اللهم داحى الكعبة وفالق الحبة وصارف اللزبة 1 وكاشف الكرتة، اسألك في هذا اليوم، من ايامك التى اعظمت حقها، وقدمت سبقها، وجعلتها عند المؤمنين وديعة، واليك ذريعة، وبرحمتك الوسيعة ان تصلى على محمد، المنتجب في الميثاق، القريب يوم التلاق، فاتق كل رتق، وداع الى كل حق، وعلى اهل بيته الاطهار الهداة المنار، دعائم الجبار، وولاة الجنة والنار. واعطنا في يومنا هذا من عطائك المخزون، غير مقطوع ولا ممنون، تجمع لنا التوبة وحسن الاوبة، يا خير مدعو واكرم مرجو، يا كفى يا وفى، يا من لطفه خفى، الطف لى بلطفك، واسعدني بعفوك، وايدنى بنصرك، ولا تنسني يوم الحشر والنشر، واشهدني اوليائك عند خروج نفسي وحلول رمسى 3 وانقطاع عملي والنقضاء اجلى. اللهم واذكرني على طول البلى إذا حللت بين اطباق الثرى، ونسيني الناسون من الورى، واحللنى دار المقامة، وبوئنى منزل الكرامة، واجعلني من مرافقي اولياوك واهل اجتبائك واصفيائك، وبارك لى في لقائك، وارزقني حسن العمل قبل حلول الاجل، بريئا من الزلل وسوء الخطل. اللهم واوردني حوض نبيك محمد صلى الله عليه واهل بيته، واسقني مشربا رويا سائغا هنيئا لااظمأ بعده ولا احلا ورده ولاعنه اذاد 3، واجعله لى خير زاد واوفى ميعاد يوم يقوم الاشهاد. اللهم والعن جبابرة الاولين والاخرين لحقوق اوليائك المستأثرين. اللهم واقصم دعائمهم، واهلك اشياعهم وعاملهم، وعجل مهالكهم،


1 – اللزبة: الشدة، القحط. 2 – الرمس: القبر. 3 – ذاده: منعه.

[ 29 ]

واسلبهم ممالكهم، وضيق عليهم مسالكهم، والعن مساهمهم ومشاركهم. اللهم وعجل فرج اوليائك، واردد عليهم مظالمهم، واظهر بالحق قائمهم، واجعله لدينك منتصرا، وبامرك في اعدائك مؤتمرا، اللهم احففه 1 بملائكة النصر وبما القيت إليه من الامر في ليلة القدر منتقما لك حتى ترضى، ويعود دينك به وعلى يديه جديدا غضا، ويمجص الحق محصا، ويرفض الباطل رفضا. اللهم صل عليه وعلى جميع آبائه، واجعلنا من صحبه واسرته، وابعثنا في كريه حتى نكون في زمانه من اعوانه، اللهم ادرك بنا قيامه، واشهدنا ايامه، وصل عليه وعليه السلام، واردد الينا سالمه ورحمة الله وبركاته 2. هذا آخر الدعاء وادع انت بما يجريه الله على خاطرك قبل انقضاء دار الفناء. فصل (14) فيما نذكره مما ينبغى ان يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه اعلم ان من مهمات اهل السعادات عند تجديد النعم الباهرات، ان يكونوا مشغولين بالشكر لواهب بلك العنايات، وخاصة ان كان العبد ما هو في حالابه موافقا لمولاه في اراداته وكراهاته، بل يكره سيده شيئا فيخالفه في كراهته ويحب سيده شيئا مالك الاشياء، ومن بيده تدبير دار الفناء ودار البقاء واليه ورود ركائب الامال والرجاء. فليكن متعجبا كيف علم الله جل جلاله ان هذا العبد يكون إذا خلقه على هذه الصفات من المخالفات له والمعارضات، ومع ذلك فبنا له المساكن، وخلق له فيها ما يحتاج إليه الى المعات ولم يؤاخذه ولم يعاجله بالجنات، وعامله معاملة اهل الطاعات.


1 – حقه: احدقوا واستداروا به. 2 – مصباح المتجد: 669.

[ 30 ]

ويحسن ان يكون على الانسان ان كان مطيعا لربه أثر ما وهبه من المسكن وأعطاه فيه من الاحسان، كما لو اشترى دارا يحتاج إليه، أو وهبه سلطان مساكن كان مضطرا إليها، أو كما لو بنى هو دارا بالتعب والعناء ومقاساة الذرجارية 1 والبناء، أو يكون مسرورا على أقل الصفات، كما لو حصل له دار عارية أو جارة هو محتاج إليها في تلك الأوقات. فاما ان خلى قلبه بالكلية من معرفة هذه النعم الالهية، فكأنه كالميت الذى لا يحسن بما فيه، أو كالأعمى الذى لا ينظر الى المواهب التى فضله ممن يراعيه، أو كالأصم الذى لا يسمع من يناديه، وليبك على فقدان فوائد فلبه وعقله ويتوب. فصل (15) فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم اعلم ان كل يوم سعيد وفصل جديد ينبغى ان ميكون خاتمته على العبيد، كما لو بسط ملك لعباده بساط ضيافة يليق بارفاده وقدم إليهم موائد اسعاده، ثم جلسوا على فراش اكرامه، فاكلوا ما احتاجوا إليه من طعامه، وقاموا عن البساط ليطوى الى سنة اخرى. فلا يليق بعبد يعرف قدر تلك النعمة الكبرى الا ان يراه سلطانه لا نعامه شاكرا ولاكرامه ذاكرا، ولفضائل مقامه ناشرا، على أفضل العبودية للجلالة الالهية، ويجعل آخر ذلك النهار كل الملاطفة للمظلع على الاسرار، ان يقبل منه ما عمله، ويبلغه من مراحمه ومكارم أمله، ويطيع في طاعته أجله. فانه يوشك إذا اجتهد العبد في لزوم الادب لكل يوم سعيد ان يؤهله الله تعالى للمزيد: (لئن شكرتم لاريدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد.) 2


1 – الذرجارية (خ ل)، والمراد العمالة. 2 – ابراهيم: 7.

[ 31 ]

الباب الثالث فيما يختص بفوائد من شهر ذى الحجة وموائد للسالكين صوب الحجة وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله، وما ننشئه من دعاء ذلك وابتهاله لان فيه الفضل الذى يختص بالعشر الأول منه، وما يختص بالحج الذى لا ينبغى الغفول عنه، وما يختص بيوم الغدير، وما يختص بيوم المباهلة العظيم الكبير، وماسوف نشرحه في اوقاته، فتيظر هلاله من لوازم العارف ومهماته، ولم اجد له دعاء يختص بالنظر إليه، فأنشأنا لذلك ما دلنا الله عزوجل جلاله عليه، فنقول: اللهم ان هذا هلال عظمت شهره، وشرفت قدره، واعلنت ذكره، واعليت امره، ومدحت عشره، وجعلت فيه تأدية المناسك، وسعادة العابد والناسك. وكملت فيه كشف الولاية المهمة على العمة وزوال الغمة، بما جرى في الغدير ثامن عشره، واظهار الله جل جلاله لسره حتى صار للدين كمالا وتماما، وللاسلام عقدا ونظاما، فقلت جل جلالك: (اليوم اكملت لكم دينكم وانممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) 1.


1 – المائدة: 3.

[ 32 ]

وخصصت هذا الشهر بيوم المباهلة، الذى اظهرت حجة الايمان على الكفر اظهارا مبينا، ووهبت للذين باهلت بهم مقاما مكينا. واودعت في هذا الشهر من الاسرار والمبار ما يأتي ذكر بعضه بصحيح الاخبار وصريح الاعتبار، وجعلته تسلية عما يأتي بعده من شهر الامتحان، فبدأت بالاحسان والامتنان قبل التشريف بالرضا بالبلوى الزائدة في جهاد اهل العدوان. اللهم فكما عرفتنا بشرف هذه العوائد ودعوتنا الى الضيافة الى مقدس تلك الموائد، فطهرنا تطهيرا نصلح به لموافقة اهل الطهارة ومرافقة فضل البشارة. وهب لنا فيه ما يعجز منه منطق اهل العبارة، وليكون فوائد رحمتك وموائد ضافتك صافية من الاكدار، ومصونة عن خطر الاصار 1، ومناسبة لابتدائك بالنوال 2 قبل السؤال. وابدأ في ذلك بمن يستفتح بالبداية ابواب الفلاح والنجاح، واشرك معنا من يعيننا امره، واجمع قلوبنا على الصلاح، برحمتك يا ارحم الراحمين. فصل (2) فيما نذكره في كيفية الدخول في شهر ذى الحجة قد ذكرنا ونذكر من جلالة هذا الشهر واقباله وقبوله ما ينبه على تعظيم دخوله، وقد قدمنا في شهر رجب وشوال وذى القعدة ما هو كالذخيرة والعدة، ونزيد هاهنا بأن نقول: انك تدخل في هذا الشهر الى موائد قوم أطهارو فوائد ديوان مطلع على الاسرار، فبطهر من دنس المعاتبات ونجس المعاقبات، وتفقد جوارحك من الاقذار قبل التهجم


1 – الاصار جمع الاصر، بمعنى الذنب والعقوبة، وكلاهما يناسب المقام. 2 – النوال: العطاء.

[ 33 ]

على مساجد الابرار، واغسل ما عساك تجده من وسخ في قلبك وحجاب دينك المفرق بينك وبين ربك. فإذا تطهرت الجوارح من القبائح وخلعت ثياب الفضائح فالبس ثوبا من العمل الصالح مناسبا لثياب من تدخل إليهم وتحضر بين يديهم، وقدم قدم السكينة والوقار ومد يد المسألة والاعتبار، وقف موقف الذلة والانكسار، واجلس مجلس السلامة من الاعتذار، وكن مؤبدا على مرادهم، وقد ظفرت بما لم يبلغه أملك من اسعادهم وانجادهم وارفادهم. واذكرني في ذلك المقام الشريف، الا انما ضيف الكرام يضيف، عرض بذكرى عندهم عساهم ان سمعوك سائلوك عنى. فصل (3) فيما نذكره من فضل العشر الأول من ذى الحجة على سبيل الاجمال اعلم ان تعيين الله جل جلاله على اوقات معينات تذكر فيها جل جلاله، دون مالا يجرى مجراها من الأوقات، يقتضى ذلك تعظيمها ومصاحبتها بذكره الشريف بالعقول والقلوب، وان لا يخلهيا العبد من أذكار نفسه بانها حاضرة بين يدى علام الغيوب. وان يلزمها المراقبة التامة في حركاته وسكناته، ويطهرها من دنس غفلاته، حيث قد اختارها الله جل جلاله لذكره، وجعلها محلا لخزانة سره، وأهلا لتشريفها بتعظيم قدره، ومنزلا لاطلاق بره، ومنهلا 1 للتلذذ بكأسات شكره. وهذا عشر ذى الحجة من جملة تلك الاوقات، قال الله جل جلاله: (واذكروا الله في ايام معلومات) 2. فرويت باسنادى الى جدى أبى جعفر الطوسى فيما ذكره في المصباح الكبير وغيره


1 – المنهل: المورد، المشرب، موضع الشرب. 2 – الحج: 28، وفيه: (ويذكروا اسم الله في ايام معلومات).

[ 34 ]

من الروايات عن الصادق صلوات الله عليه: (ان الايام المعلومات عشر ذى الحجة.) 1. أقول: وينبغى ان يكون مع أذكار عقلك وقلبك ونفسك باطلاع الله جل جلاله عليك في هذا شهر ذى الحجة، الذى انعم الله جل جلاله به عليك، وجعله رسولا يهدى ما فيه من الفضائل اليك، على صفات من يتلقى نعمته جل جلاله بالتعظيم والثناء الجسيم، ويتلقى رسوله بالتكريم، والاقبال على شكر ما أهداه اليك من الفضل العظيم واشغل جميع جوارحك بما يختص كل منها من العبادات، حتى تكون ذاكرا لله جل جلاله في ذلك العشر فعلا وقولا في جميع التصرفات. فاحسب ان هذا العشر قد جعله سلطان زمانك وواهب احسانك وقتا للدخول إليه والثناء عليه بين يديه، أفما كنت تجتهد في تحصيل الالفاظ الفائقة والمعاني الرائقة الجامعة لأوصاف شكره ويشر بره، وتجمع خواطرك كلها في حضرته على الاخلاص في مراقبته، ولا تقدر ان تغفل في تلك الحال عنه، وهو يراك وانت قريب منه. فان الله جل جلاله احق بهذا الاقبال عليه والادب بين يديه وارجح مطلبا ومكسبا بالتقرت إليه، فأين تأخذ عنه يمينا وشمالا، وتذهب منه تهوينا وضالالا، لا تغفل فانك في قبضته وانت ميت وابن اموات، صنايع نعمته وبقايا رحمته. فصل (4) فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذى الحجة على بعض التفصيل وجدنا ذلك في كتاب عمل ذى الحجة تأليف أبى على الحسن بن محمد بن اسماعيل بن محمد بن اشناس البزاز من نسخة عتيقة بخطه، تاريخها سنة سبع وثلاثين واربعمائة، وهو منصنفي اصحابنا رحمهم الله، باسناده الى رسول الله صلى الله عليه


1 – المصباح المتهجد: 671.

[ 35 ]

وآله انه قال: مامن ايام العمل الصالح فيها احب الى الله عزوجل من ايام العشر – يعنى عشر ذى الحجة -، قالوا: يارسول الله ! ولا اجهاد في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: ولا اجهاد في سبيل الله رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ. ومن ذلك باسناد ابن اشناس البزاز رحمه الله عن النبي صلوات الله عليه وآله قال: ما من ايام ازكى عند الله تعالى ولا اعظم اجرا من خير في عشر الأضحى، قيل: ولا اجهاد في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشئ. وكان سعيد بن جبير إذا دخل ايام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه. فصل (5) فيما نذكره من فضل صلاة تصلى كل ليلة من عشر ذى الحجة ذكرها ابن اشناس في كتابه، فقال: قال أبو عبد الله الحسين بن احمد بن المغيرة الثلاج: سمعت طاهر بن العباس يقول: سمعت محمد بن الفضل الكوفى يقول: سمعت الحسن بن على الجعفري يحدث عن أبيه، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: قال لى أبى محمد بن على عليهما السلام: يا بنى لا تتركن ان تصلى كل ليلة بين المغرب والعشاء الاخرة من ليالى عشر ذى الحجة ركعتين، تقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب و (قل هو الله احد) مرة واحدة، وهذه الاية: (واعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفنى في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) 1.


1 – الاعراف: 142.

[ 36 ]

فإذا فعلت ذلك شاركت الحاج في ثوابهم وان لم تحج 1. فصل (6) فيما نذكره من فضل اول يوم من ذى الحجة رويت بعدة اسانيد الى الأوئمة عليهم السلام ان اول يوم من عشر ذى الحجة مولد ابراهيم الخليل عليه السلام 2، وهو الذى اختاره جدى أبو جعفر الطوسى في مصباحه 3، مع اننى رويت ان مولده عليه السلام كان في غير ذلك الوقت 4. ورويت بعدة اسانيد ايضا الى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه، والى جدى أبى جعفر الطوسى، باسنادهما الى مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام انه قال: من صام اول يوم من ذى الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا 5. وزاد جدى أبو جعفر الطوسى في روايته كما حكيناه عنه وقال: وهو اليوم الذى ولد فيه ابراهيم خليل الرحمان عليه السلام، وفيه اتخذ الله ابراهيم خليلا 6. وقال رحمه الله: في اول يوم منه بعث النبي صلى الله عليه وآله سورة براءة حين انزلت عليه مع أبى بكر ثم نزل النبي عليه انه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل منك، فانفذ النبي عليه السلام عليا عليه السلام حتى لحق ابا بكر، فأخذها منه وردة بالروحاء 7 يوم الثالث منه، ثم اداها عنه الى الناس يوم عرفة ويوم النحر، قرأها عليهم في الموسم 8.


1 – عنه الوسائل 8: 183. 2 – الفقيه 2: 87. 3 – مصباح المتهجد: 671. 4 – الفقيه 2: 89، وقد مرة في الرواية الرضوي ان مولده ليلة خمسة وعشرين من ذى القعدة. 5 – الفقيه 2: 87. 6 – مصباح المتهجد: 671. 7 – الروحاء 6 من الفرع على نحو اربعين ميلا من المدينة، وهو الموضع الذى نزل به تبع حين رجع من قتال اهل المدينة يريد مكة، فأقام بها وأراح، فسماها الروحاء. 8 – المصباح: 671، عنه البحار 3: 286.

[ 37 ]

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة الفاضل، رضى الدين ركن الاسلام، ابو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاوسى قدس الله روحه ونور ضريحه: وحيث قد ذكرنا آيات برائة، فينبغي ان نذكر بعض مارويناه من شرح الحال: فمن ذلك ما رواه حسن بن اشناس رحمه الله، قال: حدثنا ابن أبى الثلج الكاتب، قال: حدثنا جعفر بن محمد العلوى، قال: حدثنا على بن عبدل الصوفى، قال: حدثنا طريف مولى محمد بن اسماعيل بن موسى وعبيدالله 1 بن يسار، عن عمرو بن أبى المقدام، عن أبى اسحاق السبيعى، عن الحارث الهمداني، وعن جابر، عن أبى جعفر، عن محمد بن الحنيفة، عن على عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة احب ان يعذر إليهم وان يدعوهم الى الله عز وجل اخيرا كما دعاهم اولا، فكتب إليهم كتابا يحذرهم بأسه وينذرهم عذاب ربه، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم اول سورة برائة ليقرأ عليهم، ثم عرض على جميع اصحابه المضى إليهم، فكلهم يرى فيه التثاقل، فلما رأى ذلك منهم ندب 2 إليهم رجلا لينوجه به. فهبط إليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد انه لا يؤدي عنك الا رجل منك، فانبأنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه ورسالته الى اهل مكة، فأتيت مكة – واهلها من قد عرفت ليس منهم احد الا ان لو قدر ان يضيع على جبل منى اربا 3 لفعل، ولو ان يبذل في ذلك نفسه واهله وولده وماله. فابلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت كتابه عليهم، وكلهم يلقانى بالتهديد والوعيد، ويبدى البغضاء ويظهر لى الشحناء 4 من رجالهم ونسائهم، فلم يتسنى 5 ذلك


1 – في البحار: عبيد. 2 – ندب فلانا للأمر أو الى الأمر: دعاه ورشحه للقيام به وحثه عليه. 3 – الارب: العضو. 4 – الشحناء: العداوة متلأت منها النفس. 5 – مأخوذ من التوانى كما في قوله تعالى مخاطبا لموسى وهارون عليهما السلام: (ولا تنيا في ذكرى).

[ 38 ]

حتى نفذت لما وجهنى رسول الله صلى الله عليه وآله 1. واقول: وروى الطبري في حوادث سنة ست من هجرة النبي صلى الله عليه وآله: لما اراد النبي صلى الله عليه وآله القصد لمكة ومنعه اهلها، ان عمربن الخطاب كان قد امره النبي صلى الله عليه وآله ان يمضى الى مكة فلم يفعل واعتذر ! فقال الطبري ماهذا لفظه: ثم دعا عمربن الخطاب ليبعثه الى مكة فيبلغ عنه اشراف قريش ما حاله، فقال: يارسول الله انى أخاف قريشا على نفسي ! 2. اقول: فانظر حال مولانا على عليه السلام من حال من تقدم عليه، كيف كان يفدى رسول الله عليه وآله بنفسه في كل ما يشير به إليه، وكيف كان غيره يؤثر عليه نفسه. ومن ذلك شرح ابسط مما ذكرناه، رواه حسن بن اشناس رحمه الله في كتابه ايضا فقال: وحدثنا احمد بن محمد، قال: حدثنا احمد بن يحيى بن زكريا، قال: حدثنا مالك بن ابراهيم النخعي، قال: حدثنا حسين بن زيد، قال: حدثنى جعفر بن محمد، عن ابيه عليهم السلام قال: لما سرح 3 رسول الله صلى الله عليه وآله ابا بكر باول سورة براءة الى اهل مكة، اتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمدان الله يأمرك ان لا تبعث هذا وان تبعث على بن أبى طالب، وانه ال يؤديها عنك غيره، وقال: ارجع الى النبي صلى الله عليه وآله، فقال ابو بكر: هل حدث في شئ ؟ فقال على عليه السلام: سيخبرك رسول الله صلى الله عليه وآله.


1 – رواه الصدوق مع اختلاف في الخصال 2: 369، عنه البحار 35: 286. 2 – تاريخ الطبري 2: 287. 3 – سرحه: ارسله.

[ 39 ]

على بن أبى طالب، فاكثر أبو بكر عليه من الكلام، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: كيف تؤديها وانت صاحبي في الغار 1. قال: فانطلق على عليه السلام حتى قدم مكة ثم وافى عرفات، ثم رجع الى جمع، ثم الى منى، ثم ذبح وحلق، وضعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب، فاذن ثلاث مرات: الا تسمعون يا ايها الناس انى رسول الله صلى الله عليه وآله اليكم، ثم قال: (براءة من الله ورسوله الى الدين عاهدتم من المشركين فسبحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزى الله وان الله مخزي الكافرين، واذان من الله ورسوله – الى قوله – ان الله غفور رحيم). تسع آيات من اولها، ثم لمع 2 بسفه فاسمع الناس وكررها، فقال الناس: من هذا الذى ينادى في الناس ؟ فقالوا: على بن أبى طالب، وقال من عرفه من الناس: هذا ابن عم محمد، وما كان ليجترى على هذا غير عشيرة محمد. فأقام ايام التشريق ثلاثة ينادى بذلك ويقرء على الناس غدوة وعشية، فناداه الناس من المشركين: ابلغ ابن عمك ان ليس له عندنا الا ضربا بالسيف وطعنا بالرماح. ثم انصرف على عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وآله ويقصد في السير، وابطأ الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر على عليه السلام وما كان منه، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله لذلك غما شديدا حتى رئى ذلك في وجهه، وكف عن النساء من الهم والغم. فقال بعضهم لبعض: لعل قد نعيت إليه نفسه 3 أو عرض له مرض، فقالوا لأبى ذر:


1 – هذا تعيير لأبى بكر وتشنيع له، وايهام بأنك كنت معى في الغار خائفا فزعا مع استظهارك بى وعدم علم احد من الناس الى مكانك، فكيف تقدر على تبليغ هذه السورة بملأ من الناس يوم الحج الأكبر – كما يأتي في كلام المؤلف. 2 – لمع بسيفه: اشار. 3 – أي أخبر بوفاته.

[ 40 ]

قد نعلم منزلتك من رسول الله عليه وآله وقد ترى ما به، فنحن نحب أن يعلم لنا أمره، فسأل أبو ذر رحمه الله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وآله: مانعيت الى نفسي وانى لميت، وما وجدت في أمتى الا خيرا، وما بي من مرض ولكن من شدة وجدى لعلى بن أبى طالب وابطاء الوحى عنى في امره، وان الله عز وجل قد اعطاني في على تسع خصال: ثلاثة لدنياى واثنتان لاخرتي، واثنتان انا منهما آمن واثنتان أنا منهما خائف. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الغداة استقبل القبلة بوجهه الى طلوع الشمس يذكر الله عزوجل، ويتقدم على بن أبى طالب عليه السلام خلف النبي صلى الله عليه وآله ويستقبل الناس بوجهه، فيستأذن في حوائجهم، وبذلك أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله. فلما توجه على عليه السلام الى ذلك الوجه لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله مكان على لاحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى وسلم استقبل القبلة بوجهه، فاذن للناس، فقام أبو ذر فقال: يارسول الله لى حاجة، قال: انطلق في حاجتك. فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل على بن أبى طالب عليه السلام، فلما كان ببعض الطريق إذا هو براكب مقبل على ناقته، فإذا هو على عليه السلام، فاستقبله والتزمه وقبله، وقال: بأبى أنت وأمى اقصد في مسيرك حتى اكون أنا الذى ابشر رسول الله صلى الله عليه وآله، فان رسول الله صلى الله عليه وآله من أمرك في غم شديد وهم، فقال له على عليه السلام: نعم. فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: البشرى، قال: وما بشراك يا اباذر ؟، قال: قدم على بن أبى طالب، فقال له: لك بذلك الجنة، ثم ركب النبي عليه السلام وركب معه الناس، فلما رآه اناخ ناقته 1، ونزل رسول الله صلى الله


1 – اناخ الجمل: ابركه.

[ 41 ]

عليه وآله فتلقاه والتزمه وعانقه، ووضع خده على منكب على، وبكى النبي عليه السلام فرحا بقدومه، وبكى على عليه السلام معه. ثم قال له رسول الله عليه وآله: ما صنعت بأبى انت وامى، فان الوحى ابطى على في أمرك، فأخبره بما صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان الله عز وجل اعلم بك منى حين أمرنى بارسالك 1. ومن كتاب ابن اشناس البزاز من طريق رجال اهل الخلاف في حديث آخر انه: لما وصل مولانا على عليه السلام الى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد الله اخو عمرو بن عبد الله – وهو الذى قتله على عليه السلام مبارزة يوم الخندق – وشعبة بن عبد الله اخوه، فقال لعلى عليه السلام: ما تيسرنا يا على اربعة أشهر، بل برئنا منك ومن ابن عمك ان شئت الا من الطعن والضرب، وقال شعبة: ليس بيننا وبين ابن عمك الا السيف والرمح، وان شئت بدأ بك، فقال على عليه السلام: أجل أجل ان شئت فهملوا 2. وفى حديث آخر من الكتاب قال: وكان على عليه السلام ينادى في المشركين بأربع: لا يدخل مكة مشرك بعد مأمنه، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة الا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد فعهدته الى مدته 3. وقال في حديث آخر: وكانت العرب في الجاهلية تطوف بالبيت عراة ويقولون: لا يكون علينا ثوب حرام، ولا ثوب خالطه اثم، ولا نطوف الا كما ولدتنا امهاتنا 4. وقال بعض نقلة هذا الحديث: ان قول النبي صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الثاني لأبى بكر: انت صاحبي في الغار، لما اعتذر عن انفاذه الى الكفار، معناه، انك كنت معى في الغار، فجزعت ذلك الجزع حتى انى سكنتك وقلت لك: لا تحزن،


1 – عنه البحار 35: 287. 2 – عنه البحار 35: 290. 3 – 4 – عنه البحار 35: 290. (*)

[ 42 ]

وما كان قد دنا شر لقاء المشركين، وما كان لك اسوة بنفسى 1، فكيف تقوى على لقاء الكفار بسورة برائة، وما أنا معك وأنت وحدك ؟ ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله ممن يخاف على أبى بكر من الكفار اكثر من خوفه على على عليه السلام، لأن أبا بكر ماكان جرى منه أكثر من الهرب منهم، ولم يعرف له قتيل قيهم ولا جريح، وانما كان على عليه السلام هو الذى يحتمل 2 في المبيت على الفراش حتى سلم النبي منهم، وهو الذى قتل منهم في كل حرب، فكان الخوف على عليه السلام من القتل اقرب الى العقل. أقول: وقد مضى في الحديث الأول ان مولانا على عليه السلام بعثه النبي صلى الله عليه وآله لرد أبى بكر وتأديه آيات برائة بعد فتح مكة، فينبغي ان نذكر كيف احوج الحال الى هذا الارسال بعد فتح مكة فنقول: اننا وجدنا في كتب من التواريخ وغيرها ان النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة سنة ثمان من الهجرة واستعمل على اهلها عتاب بن اسيد بن العيص بن امية بن عبد شمس، ثم اجتمعت هوازن وقدموا لحربه عليه السلام، فخرج من مكة الى هوازن فغنم اموالهم. ثم مضى الى الطائف، ثم رجع من الطائف الى الجعرانة 3، فقسم بها غنائمهم، ثم دخل مكة ليلا معتمرا، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقضى عمرته وعاد الى الجعرانة، ومنها توجه الى المدينة ولم يحج عليه السلام تلك السنة. فلما حج الناس سنة ثمان ولم يحج النبي صلوات الله عليه وآله فيها، حج المسلمون وعليهم عتاب بن اسيد، لانه امير مكة، وحج المشركون من أهل مكة وغيرها ممن اراد الحج من الذين كان لهم عهدته مع النبي صلى الله عليه وآله ومن انضم إليهم من


1 – الاسوة: القدوة، أي تقتد وقد أمر الله تعالى بذلك حيث قال: (لقد كان في رسول الله اسوة حسنة) الاحزاب: 21. 2 – كذا في النسخ، ولعل: احتمل، أي اطاقه وصبر عليه. 3 – الجعرانة: موضع قريب من مكة وهو في الحل وميقات الاحرام.

[ 43 ]

الكفار ومتقدمهم أبو سيارة العدواني على اتان اعور رسنها 1 ليف. فلما دخلت سنة تسمع من الهجرة وقرب وقت الحج فيها امر الله جل جلاله رسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله ان ينابذ 2 المشركين، ويظهر اعزاز الاسلام والمسلمين، فبعث عليا عليه السلام لرد أبى بكر كما رويناه. والمسلمون من اهل مكة بين حاسد لمولانا على عليه السلام وبين مطالب له بقتل من قتلهم من اهلهم، والمشركون في موسم الحج اعداء له عليه السلام، فتوجه وحده لكلهم، فاعز الله جل جلاله ورسوله امر الاسلام على يد مولانا على عليه السلام، واذل رقاب الكفار والطغاة. فلما دخلت ستة عشر وقرب وقت الحج خرج النبي صلى الله عليه وآله لحجة الوداع وابلاغ ما امره الله جل جلاله بابلاغه، فأقام الناس بسنن الحج والاسلام، ونص الانام، وتوجه الى المدينة، ثم دعاه الله جل جلاله الى دار السلام في ذلك العام. يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام جمال العارفين، افضل السادة أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس: اعلم ان الله جل جلاله قد كان عالما قبل ان يتوجه أبو بكر بسورة برائة انه لا يصلح لتأديتها، وانه ينزل على نبيه صلوات الله عليه جبرئيل، ويأمره باعادته أبى بكر، وان أبا بكر يعزل عن ذلك المقام. فظهر من هذا لذوى الافهام ان قد كان مراد الله جل جلاله اظهار ان أبا بكر لا يصلح لهذا الأمر الجزئي من امور الرياسة، فكيف يصلح للأمر الكلى، وانه لا ينفعه اختيار صاحب (الأمر) 3 لحمل الايات معه، فكيف ينفعه. اختيار بعض اهل السقيفة


1 – الرسن: الحبل المعروف. 2 – نابذ منابذة: خالفه وفارقه عن عداوة. 3 – هو الظاهر.

[ 44 ]

له، وان الله لم يستصلحه لايات من كتابه، فكيف يستصلح لجمع الشتات. وان الله اظهر عزله على اليقين، فكيف يجوز الاختيار لولايته على الظن من بعض المسلمين، وانه لم يصلح للابلاغ عن الله تعالى ورسوله عليه السلام لفريق من الناس، وفى هذا الحديث المعلوم كشف لأهل العلوم ان على بن ابى طالب عليه السلام يسد مسد رسول الله صلى الله عليه وآله فيما لا يمكن القيام فيه بغير نفسه الشريفة، وفيه تنبيه ونص صريح على ولاية على عليه السلام من الله، وفيه تنبيه على ما اشتملت عليه تلك الولاية من اعزاز دين الله واظهار ناموس الاسلام، ورفع التقية والذل عما كان مستورا من تلك الشرائع والأحكام. ومن عمل اليوم الأول من ذى الحجة مارويناه باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى قال: ويستحب ان يصلى فيه صلاة فاطمة عليها السلام، وروى آنهااربع ركعات مثل صلاة امير المؤمنين على عليه السلام، كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرة (قل هو الله احد) وسبح عقيبها تسبيح الزهراء عليها السلام وتقول: سبحان الله ذى العز الشامخ المنيف، سبحان ذى الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذى الملك الفاخر القديم، سبحان من يرى أثر النملة في الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره. 1 اقول: وقد تقدم ذكر هذه الصلاة والدعاء في عمل يوم الجمعة، وانما ذكرناه هاهنا لعذر اقتضى تكرار معناه. ومن عمل اول يوم من ذى الحجة الى عشية عرفة دعاء رويناه باسنادنا الى أبى محمد هارون بن موسى التلعكبرى رضوان الله عليه، والى أبى المفضل محمد بن عبد الله الشيباني


1 – مصباح المتهجد: 671.

[ 45 ]

رحمه الله، قالا: اخبرنا أبو على محمد بن همام الاسكافي، قال: حدثنا خالي احمد بن مابنداد، قال: حدثنى احمد بن هلال، قال: حدثنى محمد بن ابى عمير، عن ابن مسكان، عن بكربن عبيدالله شريك ابى حمزة الثمالى، قال: كان أبو عبد الله – يعنى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وعلى آبائه وابنائه الطاهرين – يدعو بهذا الدعاء في اول يوم من عشرذى الحجة الى عشية عرفة في دبر صلاة الصبح وقبل المغرب يقول: اللهم هذه الايام التى فضلتها على غيرها من الايام وشرفتها، وقد بلغتنيها بمنك ورحمتك، فانزل علينا من بركاتك، واسبغ علينا فيها من نعمائك. اللهم انى اسألك ان تصلى على محمد وآل محمد فيها، وان تهدينا فيها سبيل الهدى، وترزقنا فيها التقوى والعفاف والغنى، والعمل فيها بما تحب وترضى. اللهم انى اسألك يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل ملاء، ويا عالم كل خفية، ان تصلى على محمد وآل محمد وان تكشف عنا فيها البلاء، وتستجيب لنا فيها الدعاء، وتقوينا فيها، وتعيننا 1 وتوفقنا فيها ربنا لما تحب وترضى، وعلى ما افترضت علينا من طاعتك، وطاعة رسولك واهل ولايتك. اللهم انى أسألك يا ارحم الراحمين ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تهب لنا فيها الرضا انك سميع الدعاء، ولا تحرمنا خير ما نزل فيها من السماء، وطهرنا من الذنوب، يا علام الغيوب، واوجب لنا فيها دار الخلود. اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تترك لنا فيها ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته، ولا دينا الا قضيته، ولا غائبا الا ادنيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والاخرة الا سهلتها ويسرتها، انك على كل شئ قدير.


1 – تغنينا (خ ل).

[ 46 ]

اللهم يا عالم الخفيات، يا راحم العبرات 1، يا مجيب الدعوات، يا رب الارضين والسماوات، يامن لا تتشابه عليه الاصوات صل على محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من عتقائك وطلقائك من النار، والفائزين بجنتك، الناجين برحمتك، يا ارحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله اجمعين وسلم تسليما 2. ومن عمل اول يوم من ذى الحجة الى آخر العشر، مارويناه باسنادنا الى المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس الله جل جلاله روحه، قال: اخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسن العلوى الهمداني، قال: أخبرنا الحسين بن على الصائحى، عن أبى الحسن الفازى، قال: حدثنا سهل بن ابراهيم بن هشام بن عبيدالله، قال: حدثنا جدى هشام بن عبيدالله بن عمير، قال: حدثنا محمد بن الفضل، عن ابيه، عن عبد الله بن عبد بن عمير، عن أبى جعفر عليه السلام قال: ان الله تعالى اهدى الى عيسى بن مريم عليه السلام خمس دعوات جاء بها جبرئيل عليه السلام في ايام العشر، فقال: يا عيسى ادع بهذه الخمس الدعوات فانه ليست عبادة احب الى الله عبادته في ايام العشر – يعنى عشر ذى الحجة: اولهن: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير. والثانية: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، احدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. والثالثة: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، احدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. والرابعة: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير.


1 – زيادة: يا مقيل العثرات (خ ل). 2 – رواه الشيخ في مصاحبه: 672.

[ 47 ]

والخامسة: حسبى الله وكفى سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى، اشهد لله بما دعى، وانه برى ممن تبرى، وان لله الاخرة والاولى. قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله ما ثواب من قال هؤلاء الكلمات ؟ قال: اما من قال الاولى مائة مرة، لا يكون لأهل الأرض عمل أفضل من عمله ذلك اليوم، وكان أكثر العباد حسنات يوم القيامة. ومن قال الثانية مائة مرة فكأنما قرء التوراة والانجيل اثنتى عشرة مرة وأعطى ثوابها، قال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل وما ثوابها ؟ قال: لا يطيق أن يحمل حرفا واحدا من التوراة والانجيل من في السماوات السبع من الملائكة حتى ابعث انا واسرافيل لانه اول عبد قال: لا حول ولا قوة الا بالله. ومن قال الثالثة مائة مرة كتب الله عشرة آلاف حسنة ومحى عنه بها عشرة آلاف سيئة، ورفع له بها عشرة آلاف درجة، ونزل سبعون الف ملك من السماء، رافعي ايديهم يصلون على من قالها، فقال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل هل تصلون الملائكة الا على الانبياء وقال: انه من آمن بما جائت به الرسل والانبياء ولم يبدل اعطى ثواب الانبياء. ومن قال الرابعة مائة مرة تلقاها ملك حتى يصعد بين يدى الجبار عز وجل فينظر الله عز وجل الى قائلها، ومن نظر الله تعالى إليه فلا يشقى. قال عيسى عليه السلام: يا جبرئيل ما ثواب الخامسة ؟ فقال: هي دعوتي ولم يؤذن لى ان افسرها لك. ومن عمل اول يوم من ذى الحجة الى آخر العشر مارويناه باسنادنا الى أبى جعفر بن بابويه باسناده من كتاب ابن اشناس وغيره، فيما روى عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه انه قال: من قال كل يوم من ايام العشر هذا التهليل: لا اله الا الله عدد الليالى والدهور، لا اله الا الله عدد امواج البحور، لا اله الا الله ورحمته خير مما يجمعون، لا اله الا الله عدد الشوك والشجر، لا اله


[ 48 ]

الا الله عدد الشعر والوبر، لا اله الا الله عدد الحجر والمدر. لا اله الا الله عدد لمح العيون، لا اله الا الله في الليل إذا عسعس 1 والصبح إذا تنفس، لا اله الا الله عدد الرياح والبرارى والصخور، لا اله الا الله من اليوم الى يوم ينفخ في الصور. اعطاه الله عز وجل بكل تهليلة درجة في الجنة من الدر والياقوت، مابين كل درجتين مسيرة مأة عام للراكب المسرع، في كل درجة مدينة فيها قصر من جوهر واحد لافضل فيها، في كل مدينة من تلك المدائن من تفاصيل العطاء مالا يهتدى له وصف البلغاء، فإذا خرج من قبره اضاءت له كل شعرة منه نورا وابتدره سبعون الف ملك يحفونه الى باب الجنة – ثم ذكر الحديث بطوله، وهو عطاء عظيم جسيم حذفنا شرحه كراهية الاطالة. وفى روايتنا هذا التهليل باسنادنا الى ابن بابويه باسناده الى مولانا على عليه السلام، انه كان يهلل الله تعالى في كل يوم من عشر ذى الحجة بهذا التهليل عشر مرات، ثم ذكر فضل ذلك كما ذكرناه وزيادة 2. فصل (7) فيما نذكره من فضل صوم التسعة ايام من عشر ذى الحجة اعلم ان الاخبار بصوم ثمانية ايام من عشر ذى الحجة اولها اول يوم منه منفق على فضل صيامها، والروايات بذلك متظافرة 3، وانما وردت اخبار مختلفة في فضل صوم يوم عرفة أو افطاره، وسوف نذكر ما اختاره منها عند ذكر يوم عرفة. اقول: عمما رويناه باسنادنا في فضل صوم هذه التسعة ايام من عشر ذى الحجة الى مولانا موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه: ان من صامها كتب الله عز وجل له


1 – عسعس الليل: اظلم. 2 – ثواب الاعمال: 98 مع اختلاف في ذكر الثواب. 3 – راجع المستدرك 7: 520.

[ 49 ]

صوم الدهر 1. فصل (8) في صلاة ركعتين قبل الزوال في اول يوم الزوال بنصف الساعة ركعتان في هذا اليوم، في كل ركعة الحمد مرة و (قل هو الله احد) وآية الكرسي و (انا انزلناه) عشرا عشرا فصل (9) فيمن يريد ان يكفى شر ظالم فيعمل اول يوم ذى الحجة وهو مما رويته في بعض الكتاب المذكورة ان من خاف ظالما فقال في هذا اليوم: حسبى حسبى حسبى من سؤالي علمك بحالى، كفاف الله شره. فصل (10) فيما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذى الحجة، وهو يوم التروية روينا ذلك باسنادنا الى أبى جعفر محمد بن باتويه باسناده الى مولانا الصادق صلوات الله عليه انه قال: صوم يوم التروية كفارة ستين سنة 2. فصل (11) فيما نذكره من فضل ليلة عرفة رأينا ذلك في كتاب احمد بن جعفر بن شاذان يرويه عن النبي صلوات الله عليه انه قال: ان ليلة عرفة يستجاب فيها مادعا من خير، وللعامل فيها بطاعة الله تعالى اجر


1 – ثواب الاعمال: 99، الفقيه 2: 87. 2 – ثواب الاعمال: 99، الفقيه 2: 87، عنه الوسائل 10: 467.

[ 50 ]

سبعين ومائة سنة، وهى ليلة المناجاة وفيها يتوب الله على من تاب – والحديث مختصر. فصل (12) فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة وجدناه في كتب الدعوات يقول ما هذا لفظه: روى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يرفعه الى النبي صلى الله عليه وآله انه قال: من دعا به في ليلة عرفة أو ليالى الجمع غفر الله له، والدعاء: اللهم يا شاهد كل نجوى، وموضع كل شكوى، وعالم كل خفية، ومنتهى كل حاجة، يا مبتدئا بالنعم على العباد، يا كريم، العفو يا حسن التجاوز يا جواد، يا من لا يوارى منه ليل داج، ولابحر عجاج، 1 ولا سماء ذات ابراج، ولا ظلم ذات ارنتاج 2، يا من لاظلمة عنده ضياء. أسألك بنور وجهك الكريم الذى تجليت به للجبل، فجعلته دكا 3، وخر موسى صعقا، وباسمك الذى رفعت به السماوات بلا عمد، وسطحت به الارض على وجه ماء جمد. وباسمك المخزون المكنون المكتوب الطاهر، الذى إذا دعيت به اجبت، وإذا سئلت به اعطيت، وباسمك القدوس البرهان، الذى هو نور على كل نور، ونور من نور يضى منه كل نور، إذا بلغ الارض انشقت، وإذا بلغ السماوات فتحت، وإذا بلغ العرش اهتز. وباسمك الذى ترتعد منه فرائض ملائكتك، واسألك بحق جبرئيل وميكائيل واسرافيل، وبحق محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء وجميع الملائكة.


1 – عج الريح: اشتدت فأرثات الغبار. 2 – الرتج الكلام: التبس. 3 – دك الحائط: هدمه حتى سواه بالأرض.

[ 51 ]

وبالاسم الذى مشى به الخضر على قلل 1 الماء كما مشى به على جدد الارض، وباسمك الذى فلقت به البحر لموسى، واغرقت فرعون وقومه، وانجيت به موسى بن عمران من جانب الطور الايمن، فاستجبت له والقيت عليك محبة منك. وباسمك الذى به احيى عيسى بن مريم الموتى، وتكلم في المهد صبيا، وابرى الاكمه والابرص باذنك، وباسمك الذى دعاك به حملة عرشك وجبرئيل وميكائيل واسرافيل وحبيبك محمد صلى الله عليه وآله وملائكتك المقربون وانبياوك المرسلون وعبادك الصالحون من اهل السماوات والارضين. وباسمك الذى دعاك به ذوالنون، إذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت، سبحانك انى كنت من الظالمين فاستجبت له، ونجيته من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. وباسمك العظيم الذى دعاك به داوود، وخر لك ساجدا فغفرت له ذنبه، وباسمك الذى دعتك به آسية امرأة فرعون، إذ قالت: (رب ابن لى عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين)، 2 فاستجبت لها دعاءها. وباسمك الذى دعاك به ايوب إذ حل به البلاء، فعافيته واتيته اهله ومثلهم معهم، رحمة منك وذكرى للعابدين، وباسمك الذى دعاك به يعقوب فرددت عليه بصره وقرة عينه يوسف وجمعت شمله، وباسمك الذى دعاك به سليمان فوهبت له ملكا لا ينبغى لاحد من بعده انك انت الوهاب. وباسمك الذى سخرت به البراق لمحمد صلى الله عليه وآله، إذ قال تعالى: (سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى) 3، وقوله:


1 – القلة: أعلى الرأس والجبل وكل شئ. 2 – التحريم: 11. 3 – الاسراء: 1.

[ 52 ]

(سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون) 1. وباسمك الذى تنزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله، وباسمك الذى دعاك به ادم فغفرت له ذنبه واسكنته جنتك، واسألك بحق القرآن العظيم، وبحق محمد خاتم النبيين، وبحق ابراهيم، وبحق فصلك يوم القضاء، وبحقت الموازين إذا تصبت، والصحف إذا نشرت، وبحق القلم وما جرى واللوح وما احصى، وبحق الاسم الذى كتبته على سرادق العرش قبل خلقك الخلق والدنيا والشمس والقمر بالفى عام. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، واسألك باسمك الذى شققت به البحار، وقامت به الجبال، واحتلف به الليل والنهار، وبحق السبع المثانى والقران العظيم، وبحق الكرام الكاتبين، وبحق طه ويس وكهيعص وحمسق، وبحق توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داوود وفرقان محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الرسل، وباهيا وشراهيا. اللهم انى أسألك بحق تلك المناجاة التى بينك وبين موسى بن عمران فوق جبل طور سيناء، وأسألك باسمك الذى علمته ملك الموت لقبض الارواح، وأسألك باسمك الذى كتب على ورق الزيتون فخضعت النيران لتلك الورقة، فقلت: (يا نار كونى بردا وسلاما) 2. وأسألك باسمك الذى كتبته على سرادق المجد والكرامة، يامن


1 – الزخرف: 13. 2 – الانبياء: 69.

[ 53 ]

لا يحفيه 1 سائل ولا ينقصه نائل، يا من به يستغاث واليه يلجأ، أسألك بمعاقد الغرمن عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الاعظم وجدك الاعلى وكلماتك التامات العلى. اللهم رب الرياح وما ذرت، والسماء وما اظلت والارض وما اقلت، والشياطين وما اضلت والبحار وما جرت، وبحق كل حق هو عليك حق، وبحق الملائكة المقربين والروحانيين والكروبيين والمسبحين لك بالليل والنهار لا يفترون 2، وبحق ابراهيم خليلك، وبحق كل ولى يناديك بين الصفا والمروة، وتستجيب له دعاءه يا مجيب. أسألك بحق هذه الاسماء، وبهذه الذعوات، ان تغفر لنا ما قدمنا وما اخرنا، وما اسررنا وما اعلنا، وما ابدانا وما اخفينا، وما انت اعلم به منا، انك على كل شئ قدير، برحمتك يا ارحم الراحمين. يا حافظ كل غريب، يا مونس كل وحيد، ياقوة كل ضعيف، يا ناصر كل مظلوم، يا رازق كل محروم، يا مونس كل مستوحش، يا صاحب كل مسافر، يا عماد كل حاضر، يا غافر كل ذنب وخطيئة، يا غياث المستغثين، يا صريخ المستصرخين، يا كاشف كرب المكروبين. يا فارج هم المهمومين، يا بديع السماوات والارضين، يا منتهى غاية الطالبين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا ارحم الراحمين، يا رب العالمين، يا ديان يوم الدين، يا اجود الاجودين، يا اكرم الاكرمين، يا اسمع السامعين، يا ابصر الناظرين، يا اقدر القادرين. اغفر لى الذنوب التى تغير النعم، واغفر لى الذنوب التى تورث الندم، واغفر لى الذنوب التى تورث السقم، واغفر لى الذنوب التى تهتك العصم، واغفر لى الذنوب التى ترد الدعاء.


1 – احفاه: الح عليه، حفى عنه: اكثر السؤال عن حاله. 2 – فتر عن العمل: قصر فيه.

[ 54 ]

واغفر لى الذنوب التى تحسبن قطر السماء، واغفر لى الذنوب التى تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التى تجلب الشفاء، واغفر لى الذنوب التى تظلم الهواء، واغفر لي الذنوب التى تكشف الغطاء، واغفر لى الذنوب التى لا يغفرها غيرك يا الله. واحمل عنى كل تبعه لاحد من خلقك، واجعل لى من امرى فرجا ومخرجا ويسرا، وانزل يقينك في صدري ورجاءك في قلبى، حتى لاارجو غيرك. اللهم احفظني وعافنى في مقامي، واصحبني في ليلى ونهارى، ومن بين يدى وخلفي، وعن يمينى وعن شمالى، ومن فوقى ومن تحتي، ويسر لى السبيل واحسن لى التيسير، ولا تخذلني في العسير. واهدنى يا خير دليل، ولا تكلني الى نفسي في الامور ولقنى كل سرور، واقلبني الى اهلي بالفلاح والنجاح محبورا 1 في العاجل والاجل، انك على كل شئ قدير. وارزقني من فضلك واوسع على من طيبات رزقك، واستعملني في طاعتك، واجرني من عذابك ونارك، واقلبني إذا توفيتنى الى جنتك برحمتك. اللهم انى اعوذ بك من زوال نعمبك ومن تحويل عافيتك، ومن حلول نقمتك، ومن نزول بلائك، واعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ومن سوء القضاء، وشماتة الاعداء، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر مافى الكتاب المنزل. اللهم لا تجعلني من الاشرار، ولا من اصحاب النار، ولا تحرمنى صحبة الاخيار، واحيني حياة طيبة، وتوفنى وفاة طيبة تلحقني بالابرار، وارزقني


1 – حبر: سر، الحبرة: السرور. (*)

[ 55 ]

مرافقة الانبياء في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم لك الحمد على حسن بلائك وصنعك، ولك الحمد على الاسلام والسنة، يا رب كما هديتهم لدينك وعلمتهم كتابك فاهدنا وعلمنا، ولك الحمد على حسن بلائك وصنعك عندي خاصة، كما خلقتني فاحسنت خلقي، وعلمتني فاحسنت تعليمي، وهديتني فاحسنت هدايتي، فلك الحمد على انعامك على قديما وحديثا. فكم من كرب يا سيدى قد فرجته، وكم من غم يا سيدى قد نفسته، وكم من هم يا سيدى قد كشفته، وكم من بلاء يا سيدى قد صرفته، وكم من عيب يا سيدى قد سترته. فلك الحمد على كل حال، في كل مثوى وزمان، ومنقلب ومقام، وعلى هذه الحال وكل حال. اللهم اجعلني من افضل عبادك نصيبا في هذا اليوم 1، من خير تقسيمه، أو ضر تكشفه، أو سوء تصرفه، أو بلاء تدفعه، أو خير تسوقه، أو رحمة تنشرها، أو عافية تلبسها، فانك على كل شئ قدير، وبيدك خزائن السماوات والارض. وانت الواحد الكريم، المعطى الذى لا يرد سائله، ولا يخيب آمله، ولا ينقص نائله، ولا ينفد ما عنده، بل يزداد كثرة وطيبا وعطاء وجودا، وارزقني من خزائنك التى ال تفنى ومن رحمتك الواسعة، ان عطاءك لم يكن محظورا، وانت على كل شئ قدير، برحمتك يا ارحم الراحمين. ومن عمل ليلة عرفة ما ذكره حسن بن اشناس رحمه الله في كتابه فقال: حدثنا ابو الفتح البراس املاء، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن اسماعيل القاضى، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا مسلم الازدي، قال: حدثنا عروة بن قيس


1 – في هذه الليلة – ظ.

[ 56 ]

اليحمدى 1، قال: حدثنى ام الفيض مولاة عبد الملك بن مروان، قالت: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: مامن عبد ولا أمة دعا ليلة عرفة بهذا الدعاء، وهى عشر كلم، الف مرة، لم يسأل الله عز وجل شيئا الا اعطاه، الا قطيعة رحم أو اثم: سبحان من في السماء عرشه، سبحان الذى في النار سلطانه، سبحان الذى في الجنة رحمته. سبحان الذى في القبور قضاؤه، سبحان الذى في الهواء امره، سبحان الذى رفع السماء، سبحان الذى وضع الارض، سبحان من لا منجا منه الا إليه. قالت ام الفيض: قلت لابن مسعود: عن النبي عليه السلام ؟ قال: نعم. فصل (13) فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام ليلة عرفة روينا ذلك عن مولانا الباقر صلوات الله عليه انه قال: من زار الحسين – أو قال: من زار ليلة عرفة – ارض كربلاء وارقام بها حتى يعيد ثم ينصرف، وقاه الله شر سنته. وروى ذلك جدى أبو جعفر الطوسى في المصباح عن ابن ميثم، عن الباقر صلوات الله عليه 2. فصل (14) فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة اعلم ان يوم عرفة من افضل ايام اعياد العباد، وان لم يظهر اسمه بانه يوم عيد، فقد


1 – النجدي (خ ل). 2 – المصباح: 716، عنه البحار 101: 91، أورده ابن قولويه في كامل الزيارات: 269 باسناده عن ابن ميثم انتمار، عنه البحار 101: 90.

[ 57 ]

ظهر انه يوم سعيد، دعا الله جل جلاله عباده فيه الى تحميده وتمجيده، ووعدهم باطلاق عام لجوده وانجاز وعوده، ووعد فيه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب، واذن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه. وقدمنا ان كل وقت اختاره الله جل جلاله لمناجاته واطلاق مواهبه وصلاته، فينبغي ان يعرف جليل قدره، ويقام لله جل جلاله بما يقدر العبد عليه من حمده وشكره، وهذا اليوم كالمتعين للحاج الى الله جل جلاله بقصد بيته الحرام. وانما روينا عن النبي عليه افضل الصلاة والسلام، ان الحضور عند الحسين عليه السلام للزيارة والدعاء في اليوم المذكور يقوم مقام الدعاء بعرفة مع تعذر ذلك الحضور 1، وعرفنا رواية وعملا بفضل الله جل جلاله باطلاق عباده في طلب ارفاده اين كانوا من بلاده. فصل (15) فيما نذكره من الاهتمام بالدلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الانام، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الاسلام اعلم ان الاشارات الى الأئمة اوقات يوم عرفة من المهمات، لما رويناه عن الثقات من كتاب الحج لمحمد بن يعقوب الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن عمرو بن ابى المقدام، قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوم عرفة بالموقف وهو ينادى بأعلا صوته: يا ايها الناس ان رسول الله كان الامام، ثم كان على بن أبى طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم على بن الحسين، ثم محمد بن على، ثم هه، فنادى ثلاث مرات بين يديه، وعن يمينه وعن يساره، وعن خلفه اثنى عشر صوتا. قال عمرو: فلما أتيت منى سألت اصحاب العربية عن تفسير (هه)، فقالوا: لغة


1 – روى ابن قولويه في الكامل: 170، والصدوق في ثواب الاعمال 81، وفى معاني الاخبار: 391، الفقيه 1: 183، والشيخ في مصباحه: 497، التهذيب 6: 50، عن الصادق عليه السلام روايات بهذا المضمون.

[ 58 ]

بنى فلان فاسألوني 1، قال: سألت غيرهم ايضا من اصحاب العربية فقالوا: مثل ذلك 2. أقول: ولعل السبب في الاهتمام باظهار الامام يوم عرفة، لأنه يوم معظم عند كافة المسلمين، فلا يستعبد ان في الحاضرين من هو من الفرق المختلفين، وان يكون غير معاند في الاعتقادات، بل لشهبة من الشبهات. فمن اهم مهمات اهل الايمان في يوم عرفة الاشارة كما قلناه الى معرفة امام الزمان مع الامان، اقتداء بمولانا الصادق عليه وعلى آبائه وابنائه الطاهرين افضل الصلوات، فقد عرفت ما كان عليه من التقية مع ملوك تلك الأوقات، ومع ذلك فرأى الاشارة ا لى الأئمة من المهمات. أقول: وقد ورد الحديث في تفسير قوله جل جلاله: (ومن احياها فكانما احيى الناس جميعا) 3، ان معناه: من هدى نفسا ضالة الى هداها فقد أحياها 4. وورد الحديث المنقول عن الرسول صلوات الله عليه وآله انه قال: لان يهدى الله على يديك رجلا الى الاسلام خير لك مما طلعت عليه الشمس 5. أقول: فان كنت تعلم ان الانسان إذا كان ضالا عن الهدى فهو كالميت بل ادبر، لأنه مع موته حاصل الى الردى، فهدايته الى النجاة اهم من الحياة، ليكن تذكيره على الوجه اللطيف كما دل عليه مالك القلوب والألسنة، في قوله جل جلاله: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) 6. ورأيت في بعض الروايات ان اول ما ظهر دعاء الناس يوم عرفة في عرفات في خلافة مولانا على صلوات الله عليه بما عرفهم به عن النبي صلوات الله عليه.


1 – في النسخ وفى الكافي ايضا: فسألوني، ما أثبتناه من البحار، وهو الصحيح، فيكون كناية عن امامته. 2 – الكافي 4: 466، عنه البحار 47: 58. 3 – المائدة: 32. 4 – راجع تفسير البرهان 1: 463، الكافي 2: 21. 5 – منية المريد: 24. 6 – النحل: 25.

[ 59 ]

فصل (16) فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة، والخلاف في ذلك رويت باسنادى الى أبى جعفر بن بابويه فيما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه، وقد ذكر في خطبة الكتاب كلما تضمنه فانه نقله من الاصول الصحيحة المعتمد عليها عن الأئمة عليهم السلام، فقال: وفى تسمع من ذى الحجة انزلت توبة داود عليه السلام، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة 1. أقول: والاخبار في فضل صومه متظاهرة، وانما نذكر بعض ما روى في خلاف ذلك وما يحضرنا من تأويلات حاضرة. فروينا بعدة اسانيد الى مولانا الصادق صلوات الله عليه قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله الى على عليه السلام وحده، وأوصى على عليه السلام الى الحسن والحسين جميعا، وكان الحسن امامه، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن وهو يتغدى والحسين عليه السلام صائم، ثم جاء بعدما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلى بن الحسين عليه السلام صائم. فقال له الرجل: انى دخلت على الحسن يتغدى وانت صائم، ثم دخلت عليك وانت مفطر ؟ فقال: ان الحسن عليه السلام كان اماما فافطر لئلا يتخذ صومه سنة ويتأسى به الناس، فلما ان قبض كنت انا الامام فاردت ان لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بى 2. أقول: ولعل سبب كراهية صوم عرفة إذا كان الذى يصومه يضعفه عن استيفاء الدعاء، أو يكون هلاله مشكوكا فيه، فتخاف ان يكون يوم عرفة عيد الأضحى. وقد روينا ذلك بعدة طرق الى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه،


1 – الفقيه 2: 87، عنه الوسائل 10: 466. 2 – الفقيه 2: 87، علل الشرايع: 386، عنهما الوسائل 10: 467.

[ 60 ]

والى ابن فضال من كتاب الصيام عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبى جعفر عليه السلام قال: سألته عن صوم عرفة فقلت: جعلت انهم يزعمون انه يعدل صيام سنة ؟ قال: كان أبى عليه السلام لا يصومه، قلت: ولم ذاك جعلت فداك ؟ قال: ان يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف ان يضعفني عن الدعاء وأكره ان أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم 1. أقول: فان كان هلال الشهر من ذى الحجة محققا، والذى يريد صوم عرفة لا يضعفه الصوم عن شئ من عمل ذلك اليوم، فالظاهر ان الصوم له أفضل. روينا ذلك عن عبد الرحمان بن أبى عبد الله، عن أبى الحسن عليه السلام قال: صوم يوم عرفة يعدل صوم السنة، وقال: لم يصمه الحسن وصامه الحسين عليهما السلام. 2 أقول: ومن أبلغ ما رويت في ترك صومه باسنادى الى محمد بن يعقوب الكليني، باسناده الى محمد بن بشير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان 3. ومن ذلك باسنادى الى محمد بن يعقوب الكليني ايضا باسناده في كتاب الكافي الى زرارة، عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام قالا: لا تصومن يوم عاشوراء ولاعرفة، بمكة ولا بالمدينة، ولا في وطنك، ولا في مصر من الامصار 4. أقول: لعل قد كانا عليهما السلام يعرفان من زرارة ان الصوم في يوم عرفة يضعفه عن الدعاء والمسألة في ذلك اليوم المذكور، وعما هو اهم من وظائف ذلك اليوم المشكور.


1 – الفقيه 2: 88، علل الشرايع: 385، رواه الشيخ في التهذيب 4: 299، الاستبصار 2: 133، والمفيد في المقنعة: 60، عنهم الوسائل 10: 465. 2 – رواه الشيخ في التهذيب 4: 298، الاستبصار 2: 133، عنهما الوسائل 10: 465. 3 – الكافي 4: 146، عنه الوسائل 10: 464. 4 – الكافي 4: 164، رواه الشيخ في التهذيب 4: 301، الاستبصار 20: 134، عنهما الوسائل 10: 461.

[ 61 ]

فصل (17) فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة فمن ذلك مارويناه باسنادنا الى أبى جعفر بن بابويه باسناده في كتاب ثواب الاعمال الى أبى عبد الله عليه السلام في ثواب من زار الحسين عليه السلام فقال: من أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه، كتب له ألف حجة، وألف عمرة مقبولة، وألف غزوة مع نبى مرسل أو امام عادل 1. وفى رواية اخرى: ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه كتب الله له ألف حجة، وألف عمرة متقبلات، وألف غزوة مع نبى مرسل أو امام عادل، قال: قلت: وكيف لى بمثل الموقف ؟ قال: فنظر الى شبه المغضب، ثم قال: يا فلان ان المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة، واغتسل بالفرات، ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا اعلمه الا قال: وعمرة 2. ومن ذلك ما رواه باسناده الى أبى عبد الله عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات، ويقضى حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفعهم في مسائلهم، ثم يأتي اهل عرفة فيفعل بهم ذلك 3. ومن ذلك عن الصادق عليه السلام أيضا انه قال: من زار الحسين بن على عليهما السلام يوم عرفة كتب الله عز وجل له ألف ألف حجة مع القائم، وألف ألف عمرة 1 – رواه الصدوق في ثواب الاعمال: 115، الامالى: 143، اورده الشيخ في اماليه 1: 204، عنهم البحار 101: 85. 2 – ثواب الاعمال: 115 مع اختلاف، الفقيه 2: 58، أورده في كامل الزيارات: 169، عنه البحار 101: 85. 3 – ثواب الاعمال: 116، رواه الشيخ في مصباح المتهجد: 715، وابن قولويه في الكامل: 170، عنهم البحار 101: 86. 4 – رواه الشيخ في مصباح المتهجد: 716، وابن قولويه في الكامل: 171، عنهما البحار 101: 81، 10: 361.


[ 62 ]

مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحملان ألف ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عبدى الصديق آمن بوعدي 1. والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه السلام في عرفة متواترة عند أهل المعرفة. فصل (18) فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين عليه السلام يوم عرفة اعلم انه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات في يوم عرفة زيارة النبي والأئمة عليهم أفضل الصلوات، وانما نذكر في هذا الفصل زيارة تخصص بهذا اليوم غير داخلة في دعواته. ذكر هذه الزيارة: إذا كنت بمشهد الحسين عليه السلام في يوم عرفة، فاغتسل غسل الزيارة والبس أطهر ثيابك وطهر عقلك وقلبك مما يقتضى الابعاد بعقابك وعبابك، لتكون طاهرا من الأدناس، فيصح لك ان تقف بباب طاهر من الأرجاس، واقصد مقدس حضرته وقف على باب حرمه وكبر الله تعالى وقل: الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا، والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدينا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق. السلام على رسول الله السلام على امير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدة نساة العالمين، السلام على الحسن والحسين. السلام على على بن الحسين، السلام على محمد بن على، السلام على جعفر بن محمد، السلام على موسى بن جعفر، السلام على على بن موسى، السلام على محمد بن على، السلام على على بن محمد، السلام على


1 – رواه ابن قولويه في كامل الزيارات: 172، عنه البحار 101: 88، مستدرك الوسائل 2: 210، والشيخ في مصباح المتهجد: 715، التهذيب 6: 49، الوسائل 10: 395، وفى مصباح الكفعمي: 501، روضة الواعظين: 323، المزار للمفيد: 54.

[ 63 ]

الحسن بن على، السلام على الخلف الصالح المنتظر. السلام عليك يا ابا عبد الله، السلام عليك يابن رسول الله، عبدك وابن عبدك وابن امتك، الموالى لوليك، المعادي لعدوك، استجار بمشهدك، وتقرب الى الله بقصدك، الحمدلله الذى هدانا لولايتك، وخصنى بزيارتك، وسهل لى قصدك. ثم تدخل وتقف ما يلي الرأس وتقول: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبى الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله. السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين، السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء، السلام عليك يابن محمد المصطفى، السلام عليك يابن على المرتضى، السلام عليك يابن خديجة الكبرى. السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره والوتر الموتور، اشهد انك قد اقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وامرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، واطعت الله حتى اتاك اليقين. فلعن الله امة قتلتك، ولعن الله امة ظلمتك، ولعن الله سمعت بذلك فرضيت به. يا مولاى يا ابا عبد الله، اشهد الله وملائكته وانبيائه ورسله انى بكم مؤمن، وبايابكم موقن، بشرائع دينى وخواتيم عملي، فصلوات الله عليكم وعلى ارواحكم وعلى اجسادكم، وعلى شاهدكم وعلى غائبكم، وعلى ظاهركم وعلى باطنكم. 1


1 – غائبكم وظاهركم وباطنكم (خ ل).

[ 64 ]

السلام عليك يابن خاتم النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن امام المتقين، وابن قائد الغر المحجلين الى جنات النعيم، وكيف لا تكون كذلك، وانت باب الهدى وامام التقى والعروة الوثقى، والحجة على اهل الدنيا، وخامس اصحاب الكساء. غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدى الايمان، وربيت في حجر الاسلام، والنفس غير راضية بفراقك، ولا شاكة في حياتك، صلوات الله عليك وعلى آبائك وابنائك. السلام عليك يا صريع العبرة الساكبة 1، وقرين المصيبة الراتبة، لعن الله امة استحلت منك المحارم، فقتلت صلى الله عليك مقهورا، واصبح رسول الله صلى الله عليه وآله بك مونورا 2، واصبح دين الله لفقدك مهجورا. السلام عليك وعلى جدك وابيك وامك واخيك، وعلى الائمة من بنيك، وعلى المستشهدين معك، وعلى الملائكة الحافين بقبرك، والشاهدين لزوارك، المؤمنين على دعاء شيعتك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. بابى انت وامى يابن رسول الله، بابى انت وامى يا ابا عبد الله، لقد عظمت الرزية، وجلت المصيبة بك علينا، وعلى جميع اهل السماوات والارض، فلعن الله امة اسرجت والجمت وتهيأت لقتالك. يا مولاى يا ابا عبد الله قصدت حرمك، واتيت مشهدك، اسأل الله بالشأن الذى لك عنده، وبالمحل الذى لك لديه ان تصلى على محمد وآل محمد، وان يجعلني معكم في الدنيا والاخرة، بمنه وجوده وكرمه. ثم قبل الضريح وصل عند الرأس ركعتين تقرأ فيهما ما احببت، فإذا فرغت فقل:


1 – سكب الماء: صبه، العبرة: الدمعة. 2 – الموتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

[ 65 ]

اللهم لك صليت وركعت 1 وسجدت، لك وحدك لا شريك لك، لان الصلاة والركوع والسجود لا يكون الا لك، لانك انت الله لا اله لا انت. اللهم صل على محمد وآل محمد وابلغهم وهاتان الركعتان هدية منى الى مولاى وسيدي وامامي الحسين بن على عليهما السلام. اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل ذلك منى، واجرني على ذلك افضل املى ورجائي فيك وفى وليك، يا ارحم الراحمين. ثم صر الى رجلى الحسين عليه السلام وزر على بن الحسين عليهما السلام ورأسه عند رجلى أبى عبد الله عليه السلام، فتقول: السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يابن نبى الله، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام علسك ايها المظلوم، لعن الله امة قتلتك، ولعن الله امة ظلمتك، ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به. السلام عليك ياولى الله وابن وليه، لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع المؤمنين، فلعن الله امة قتلتك، وابرء الى الله واليك منهم في الدنيا والاخرة. ثم توجه الى الشهداء فزرهم، وقل: السلام عليكم يا اولياء الله واحباءه، السلام عليكم يا اصفياء الله واوداءه، السلام عليكم يا انصار دين الله وانصار نبيه وانصار امير المؤمنين وانصار فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليكم يا انصار ابى محمد الحسن الولى الناصح، السلام عليكم يا انصار ابى عبد الله الحسين الشهيد المظلوم صلوات الله عليهم اجمعين.


1 – لك ركعت (خ ل)، وفى مصباح الزائر: اللهم انى صليت وركعت.

[ 66 ]

بابى انتم وامى وطبتم وطابت الارض التى فيها دفنتم، وفزتم والله فوزا عظيما، يا ليتني كنت معكم فافوز معكم في الجنان مع الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم عد الى رأس الحسين عليه السلام واستكثر من الدعاء لنفسك وأهلك واخوانك المؤمنين، وإذا اردت وداعه فودعه والشهداء ببعض ما قدمناه من وداعاتهم. ثم امض الى مشهد العباس بن امير المؤمنين عليه السلام، فإذا أتيت فقف على قبره، وقل: السلام عليك يا ابا الفضل العباس بن امير المؤمنين، السلام عليك يابن سيد الوصيين، السلام عليك يابن اول القوم اسلاما، واقدمهم ايمانا، واقومهم بدين الله، واحوطهم على الاسلام، اشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولاخيك. فنعم الاخ الصابر المجاهد المحامي الناصر، والاخ الدافع عن اخيه، المجيب الى طاعة ربه، الراغب، فيما زهد غيره، من الثواب الجزيل والثناء الجميل، فالحقك الله بدرجة اباءك في دار النعيم، انه حميد مجيد. ثم انكب 1 على القبر وقل: اللهم لك تعرضت ولزيارة اوليائك قصدت، رغبة في ثوابك ورجاء لمغفرتك وجزيل احسانك. فاسألك ان تصلى على محمد وآل محمد وان تجعل رزقي بهم دارا، وعيشى بهم قارا، وزيارتي بهم مقبولة، وذنبي بهم مغفورا، واقلبني بهم مفلحا منجحا، مستجابا دعائي، بافضل ما ينقلب به احد من زواره والقاصدين إليه برحمتك يا ارحم الراحمين. ثم قبل الضريح، وصل عنده صلاة الزيارة وما بدالك، فإذا أردت وداعه رضوان


1 – انكب على امر: لزمه.

[ 67 ]

الله عليه فودعه ببعض ما قدمناه من وداعاته 1. فصل (19) فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة افضل أو الانفراد فنقول: وقد وجدنا في كتاب أبى على حسن بن محمد بن اسماعيل بن محمد بن اشناس البزاز رحمه الله ركعتين يحتمل أن يكون صلاتهما قبل صلاة الظهرين، فاقتضى الاستظهار للعبادات أن نذكرهما وفيهما فضل في العنايات. فقال في كتابه ما هذا لفظه: اما الصلاة في يوم عرفة من كتب اصحابنا رحمهم الله تعالى، فانني وجدتهما اثنتى عشرة ركعة، تقرأ ما تيسر من القرآن وتخر ساجدا وترفع يديك وتقول: سبحان من لبس الغز وفاز به، سبحان من تعطف بالحلم وتكرم به، سبحان من احصى كل شئ وعلم به، سبحان من لا ينبغى ان يسبح سواه، سبحان ذى العز والقدرة، سبحان العظيم الاعظم. اسألك يا رب بمعاقد العز من عرشك وباسمك العظيم، وأسألك بالمستجاب من دعاءك، وبنور وجهك ان تصلى على محمد وآل محمد – وتدعو بما احببت. وروى عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال: من صلى يوم عرفة قبل أن يخرج الى الدعاء في ذلك ويكون بارزا تحت السماء ركعتين واعترف لله عز وجل بذنوبه واقرله بخطاياه نال ما نال الواقفون بعرفة من الفوز، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر 2.


1 – رواه في مصباح الزائر: 182 – 185، مزار الشهيد 52 – 55، عنهما البحار 101: 360 – 363. 2 – عنه الوسائل 8: 183. (*)

[ 68 ]

أقول: واما هل الاجتماع يوم عرفة افضل أو الانفراد: فاعلم ان الأحاديث وردت ان اجتماع اربعين في الدعوات وقضاء الحاجات، يقتضى تعجيل الاجابات وتفريج الكربات، ووردت احاديث ان الدعاء في السر أفضل الدعاء وابلغ في الظفر بالاجابة. وإذا كانت الاخبار على هذه السبيل فينبغي ان يكون على نفسه بصيرة في كل كثير وقليل، فان عرف من نفسه ان اجتماعه بالناس لا يشغله عن مولاه وانه يكون اقرب له الى رضاه، فالاجتماع لمثل هذه القوى من العباد افضل من الانفراد، وان كان يعلم من نفسه ان الاجتماع بالعباد يشغله عن سلطان المعاد، فهذا ينبغى له ان يعمل على الانفراد. وجملة الامور ان المراد من العبد المبالغة في اخلاص الاعمال، فكيف قدر على الظفر بهذه الحال، فليبادر إليها ويعتمد عليها. فصل (20) فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة اين كان من البلاد اقول: قدت قدمنا في الجزء الاول من كتاب المهمات والتتمات شروطا للدعوات المقبولات، وعيوبا في الدعاء تمنع من الاجابات، فان قدرت على نظر ما هناك من التفصيل، فاعمل عليه، فانه واضح البرهان والدليل. وان تعذر عليك حضور ذلك الكتاب وقت هذه الدعوات، ولم تكن ممن يعرف شروط الاجابة ولا عيوب العباة، فاعلم انه ينبغى ان تلقى الله جل جلاله وقت الحضور لمناجاته، وانت طاهر من كل ما يقتضى استحقاقك لعقوباته أو معاتباته، كما ان العقل يشهد انك إذا اردت دخول حضرة ملك من ملوك الزمان، أو لقاء النبي صلوات الله عليه وآله، أو أحد أئمتك العظمى الشأن، فانك تستعد للدخول عليهم بكل ما يقربك إليهم. ومهما عرفت انهم يؤثرون ان يكون عليك من الكسوات، أو تكون عليه من


[ 69 ]

الصفات، أو يرتصونه من ألفاظ التسليم عليهم، أو القيام أو الجلوس بين يديهم. فانك تجتهد في العمل على مرادهم بغاية اجتهادك، مع علمك بأنهم لا يطلعون على ضميرك وفؤادك، فكيف يجوز الا تكون مع سلطان دنياك ومعادك على هذه الصفات، وهو مطلع على الخفيات، وحاجتك إليه اعظم من حاجتك الى كل من تحضر بين يديه. فإذا تطهرت وغسلت عقلك بماء سحائب الاقبال على مولاك، وغسلت قلبك بدموع الخشوع والخضوع لما لك دنياك واخرك، فاغتسل الغسل المأمور به في عرفة، فانه من المهمات، ولتكن نيتك في ذلك الغسل الموصوف، ولكل غسل تحتاج إليه في ذلك اليوم المعروف. فتغتسل غسل التوبة، عسى ان يكون قد بقى عليك شئ من عيوب القلوب وادواء الذنوب، وغسل الاستخارات، عسى تحتاج الى شئ من المشاورات، وكل غسل يمكن في ذلك النهار. واقتد بأهل الاحتياط والاستظهار، وليكن غسلك قبل الظهرين بقليل لعلك تصلى وتدعو وانت على ذلك الحال الجميل، ثم تصلى الظهرين بنوافلهما على التمام في المراقبات والدعوات. فصل (21) فيما نذكره من صلاة تخص بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين روينا هذه الصلاة عن والدى السعيد باسناده الى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان تغمدها الله جل جلاله بالرضوان فيما اشتمل عليه كتابه كتاب الاشراف، فقال فيه ماهذا لفظه: وصلاة يوم عرفة فيما سوى عرفات من الأماكن والاصقاع ركعتان بعد صلاة العصر وقبل الدعاء. أقول: فينبغي ان تبالغ فيهما في الاخلاص وعوائد أهل الاختصاص، لتكون هاتان


[ 70 ]

الركعتان فاتحة للأبواب بين يديك، ومقدمة الى مولاك الذى أنت مضطر الى اقباله عليك. فصل (12) فيما نذكره من ادعية يوم عرفة اعلم اننى وجدت في الروايات اختلافا فيما نذكره قبل الشروع في الدعوات. فقال جدى أبو جعفر الطوسى: فإذا وقفت للدعاء فعليك بالسكينة والوقار واحمد الله تعالى وهلله ومجده، وكبره مائة تكبيرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة واقرء (قل هو الله احد) مائة مرة 1. وقال محمد بن على الطرازى في كتابه باسناده عن الصادق عليه السلام مثل هذا العدد في التكبير والتحميد والتسبيح، مائة مرة كما قدمناه، ثم قال: وان احببت ان تزيد على ذلك فزد واقرء سورة القدر مائة مرة. ووجدت في رواية اخرى عن مولانا الصادق عليه السلام ما هذا لفظه: تكبر الله تعالى مائة مرة وتهلله مائة مرة وتسبيحه مائة مرة وتقدسه مائة مرة وتقرء آية الكرسي مائة مرة وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة. أقول: فليكن الاستظهار لاخراك ارجح عندك من الاحتياط لدنياك. فلو ان سلطانا جعل لرعيته يوما يحضرون بين يديه ويعرضون حوائجهم عليه، وكانت الرعية مفتقرة في كل شئ إليه واختلف عليهم خواص السلطان فيما عينه الملك من لفظ الكلام الذى يعرض عليه وقت الحضور بين يديه، لطلب ما يحتاجون إليه من الاحسان، اما كانوا يستظهرون لكل طريق في الاحتياط والاستظهار بذكر الالفاظ في جميعها التى ذكرها لهم الخواص عن الشفيق.


1 – مصباح المتهجد: 678.

[ 71 ]

وأقول: يا أيها الرجل المتشرف بنور المعقول والمنقول وهداية الرسول، انت تعلم انك لو تعلمت تلك الالفاظ جميعها على التفصيل، ثم دخلت بين يدى ذلك السلطان الجليل وتلوتها بلسانك، وكنت معرض عنه أو مشغول بغيره عن الالتفات إليه وادب القرب منه، فانك تشهد على نفسك بالجهل بقدر السلطان، وانك قد عرضت نفسك للحرمان أو الهوان. فإذا لا يجوز ان تدخل حضرة السلطان الا وانك مقبل عليه بالقلب واللسان وجميع الجنان والاركان، فكذا ينبغى ان يكون حالك مع الله جل جلاله المطلع على الاسرار، فتكون عند تلاوة هذه الاذكار حاضرا بعقلك ولبك، ومعظما للالفاظ والمعاني بلسانك وقلبك ومجتهدا ان يصدق فعالك مقالك. فإذا تلوت: الله اكبر، فيكون على سرائرك وظواهرك، آثار انه لا شئ أعظم من الله جل جلاله الذى تتلفظ بتكبيرة، فلا تشغل قلبك في تلك الحال بشئ غيره من قليل امرك وكثيره. وإذا تلوت تحميده وقلت: الحمدلله، فقد شهدت ان الحمد ملكه وانه احق به من سواه، فلا يكن في خاطرك محمود عندك ممن احسن اليك في دنياك أرجح مقالا ولا أصلح اخلاصا واقبالا. وإذا تلوت تسبيحه وتنزيهه فليكن خاطرك منزها له عن أن تؤثر عليه سواه، وان يشغلك عنه في تلك الحال غيره ممن ترجوه أو تراه. وإذا تلوت تهليله وقرأت آية الكرسي و (قل هو الله احد) فليكن عليك تصديق الاعتراف له، بانه الهك الذى لا يشغلك عنه هواك ولا دنياك، وانك مملوكه، وعبده المفتقر إليه، المشغول به اشتغالا يشهد بتحقيقه سرك ونجواك. وإذا قرأت سورة القدر فليكن قلبك معظما للفظه الشريف، الذى جعلك نائبا لتلاوته بين يديه، وكأنك تقرء لفظه المقدس عليه معترفا بحقها بأبلغ ما يصل جهدك إليه. وإذا صليت على النبي صلوات الله عليه وآله، فاذكر انهم غير محتاجين الى دعاءك لهم بالصلاة عليهم، بعد ما تعرفه من ان الله تعالى جل جلاله صلى هو وملائكته عليهم،


[ 72 ]

لكن قدورد في الحديث ان ابواب الاجابات تفتح لطلب الصلوات عليهم في الدعوات. وإذا فتحها الله جل جلاله لقبول الصلاة عليهم في مناجاتك كان أرحم وأكرم ان يغلقها عما تدعوه عقيب ذلك من حاجاتك ومهماتك. أقول: فإذا عملت في تلاوة هذه الامور على ما ذكرناه، رجوت لنفسك ان تكون عبدا عرف حق مولاه وقبل منه فيما يدعوه، ودعاه وظفر برضاه، وكان مسعودا في دنياه واخراه، وها نحن ذاكرون ما نختاره من الدعوات المختصة بهذا اليوم المتفق على تعظ يمه بين الفرق المختلفات. فمن ذلك ما رويناه باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى رضى الله عنه، فيما ذكره في كتاب تهذيب الأحكام، باسنادنا الى مولانا الصادق صلوات الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: ألا اعلمك دعاء يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلى من الأنبياء ؟ قال: تقول: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حى لا يموت بيده الخير، وهو على كل شئ قدير. اللهم لك الحمد كالذى تقول وخيرا مما نقول، وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي، ولك برأتي وبك حولي ومنك قوتي. اللهم انى أعوذ بك من الفقر ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر، ومنت عذاب القبر، اللهم انى أسألك خير الرياح، وأعوذ بك من شر ماتجى به الرياح، وأسألك خير الليل والنهار. اللهم اجعل في قلبى نورا، وفى سمعي وبصرى نورا، وفى لحمى وعظامي نورا، وفى عروقي ومقعدى ومقامى ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم لى نورا، يا رب يوم ألقاك، انك على كل شئ قدير 1.


1 – عنه البحار 98: 215، رواه الشيخ في التهذيب 5: 183، مصباح المتهجد: 67 8، والصدوق في الفقيه 2: 542.

[ 73 ]

أقول: وقد كنا ذكرنا في كتاب عمل اليوم ولليلة في صفات المخلصين في الدعوات عدة روايات، وسوف نذكر في هذا الموضع مايلق منها. فمن ذلك مارويناه باسنادنا الى محمد بن الحسن بن الوليد، باسناده الى القاسم بن حسين النيسابوري قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام عندما وقف بالموقف مد يديه جميعا، فما زالتا ممدوتين الى أن أفاض، فما رأيت أحدا أقدر على ذلك منه 1. ومن ذلك ما رويته باسنادى الى محمد بن الحسن الصفار، باسناده الى على بن داود قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الوقف آخذ بلحيته ومجامع ثوبه وهو يقول باصبعه اليمنى منكس الرأس: هذه رمتى بما جنيت 2. ومن ذلك ما رويته باسنادى عن محمد بن الحسن بن الوليد أيضا، باسناده الى حمادبن عبد الله قال: كنت قريبا من أبى الحسن موسى عليه السلام بالموقف، فلما همت الشمس للغروب أخذ بيده اليسرى بمجامع ثوبه ثم قال: اللهم انى عبدك وابن عبدك ان تعذبني فبامور قد سلفت منى، وأنا بين يديك برمتى، وان تعف عنى فأهل العفو أنت يا اهل العفو، يا أحق من عفى اغفر لى ولأصحابي، وحرك دابته فمر 3. ومن ذلك مما لم نذكره في عمل اليوم والليلة، عن مولانا على بن موسى الرضا صلوات الله عليه في يوم عرفة: اللهم كما سترت على ما لم أعلم، فاغفر لى ما تعلم، وكما وسعنى علمك فليسعنى عفوك، وكما بدأتني بالاحسان فأتم نعمتك بالغفران، وكما أكرمتني بمعرفتك فاشفعها بمغفرتك. وكما عرفتني وحدانيتك فأكرمني بطاعتك، وكما عصمتني ما لم أكن أعتصم منه الا بعصمتك، فاغفر لي مالو شئت عصمتني منه، يا جواد يا كريم، يا ذاالجلال والاكرام 4.


1 – 2 – عنه البحار 98: 215. 3 – 4 – عنه البحار 98: 216.

[ 74 ]

أقول: فانظر رحمك الله الى القوم الذين تقتدي بآثارهم، وتهتدى بأنوارهم، فكن عند دعواتك وفى محل مناجاتك على صفاتهم في ضراعاتهم. ومن الدعوات المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن على صلوات الله عليه: الحمدلله الذى ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا يخفى عليه الطلائع 1، ولا تضيع عنده الودائع. أتى بالكتاب الجامع، وبشرع الاسلام النور الساطع، وهو للخليفة صانع، وهو المستهان على الفجائع، جازى كل صانع ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، ومنزل المنافع، والكتاب الجامع، بالنور الساطع. وهو للدعوات سامع، وللدرجات رافع، وللكربات دافع، وللجبابرة قامع، وراحم عبرة كل ضارع، ودافع 2 ضرعة كل ضارع، فلا اله غيره، ولا شئ يعدله، وليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، اللطيف الخبير، وهو على كل شئ قدير. اللهم انى أرغب اليك، وأشهد بالربوبية لك، مقرا بأنك ربى، وأن اليك مردى، ابتدأتنى بنعمبك قبل أن أكون شيئا مذكورا، وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب، أمنا لريب المنون 3 واختلاف الدهور، فلم أزل ظاعنا 4 من صلب الى رحم في تقادم الأيام الماضية، والقرون الخالية. لم تخرجني لرأفتك بى، ولطفك لى 6، واحسانك الى في دولة أيام


1 – الطلائع جمع طليعة، وهو من يبعث للاطلاع من العدو، وقد يجئ بمعنى الجماعة فيكون الطلائع بمعنى الجماعات. 2 – رافع (خ ل). 3 – ريب المنون: حوادث الدهر. 4 – ظعن: سارورحل. 5 – تقادم بمعنى قدم، أي مضى على وجوده زمن طويل. 6 – بى (خ ل).

[ 75 ]

الكفرة، الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا 1 على للذى سبق لى من الهدا، الذى فيه يسرتني، وفيه أنشأتني ومن قبل ذلك رؤفت بى بجميل صنعك وسوابغ نعمتك. فابتدعت خلقي من منى يمنى، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث، بين لحم وجلد ودم، لم تشهدني بخلقي، ولم تجعل الى شيئا من أمرى. ثم أخرجتني من الغذاء لبنا مريا، وعطفت على قلوب الحواضن 2، وكفلتني الامهات الرحائم، وكلأتنى 3 من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمان. حتى إذا استهللت 4 ناطقا بالكلام، أتممت على سوابغ الأنعام، فربيتنى زائدا في كل عام، حتى إذا كملت فطرني، واعتدلت سريرنى، أوجبت على حجتك بأن ألهمتنى معرفتك وروعتني 5 ونبهتني فطرتك، وأنطقتني لما ذرأت 6 في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني ما جائت به رسلك، ويسرت لى تقبل مرضاتك، ومننت على في جميع ذلك بعونك ولطفك. ثم إذ خلقتني من حر الثرى 7 لم ترض لى يا الهى بنعمة دون اخرى، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش 8 بمنك العظيم على،


1 – تحنن: ترحم. 2 – الحاضنة: التى تقوم على الصغير في تربيته. 3 – كلأه الله فلانا: حرسه وحفظه. 4 – اسهل الصبى: رفع صوته بالبكاء عند الولادة. 5 – روعتني: ألقيت في روعى وقلبي عجائب خلقتك. 6 – ذرء: خلق. 7 – حر كل دار وارض: وسطها. 8 – الرياش: اللباس: الفاخر.

[ 76 ]

واحسانك القديم الى حتى إذا أتممت على جميع النعم، وصرفت عنى كل النقم. لم يمنعك جهلى وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقرتنى اليك، ووفقتني لما يزلفنى لديك، فان دعوتك أجبتني، وان سألتك أعطيتني، وان أطعتك شكرتني، وان شكرتك زدتني، كل ذلك اكمالا لانعمك على واحسانا الى. فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد، وتقدست أسماؤك، وعظمت آلأؤك، فأى أنعمك 1 يا الهى احصى عددا أو ذكرا، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا، وهى يارت أكثر من أن يحصيها العادون، أو يبلغ علما بها الحافظون. ثم ما صرفت وردأت عنى، اللهم من الضر والضراء أكثر مما ظهر لى من العافية والسراء. وأنا اشهدك 2 يا الهى بحقيقة ايمانى وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجارى نور بصرى، وأسارير 3 صفحة جبيني، وخرق 4 مسارب 5 نفسي، وخذاريف 6 مارن عرنينى 7، ومسارب صماخ 8 سمعي، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاى، وحركات لفظ


1 – فأى نعمك (خ ل). 2 – اشهد (خ ل). 3 – الاسارير: محاسن الوجه والخدين والوجنتان. 4 – الخرق: النقص. 5 – سرب الماء: مسيله ومجراه. 6 – الخذاريف: القطعات. 7 – العرنين: الأنف كله أو ما صلب منه، المارن، طرف الأنف أو مالان من طرفه. 8 – الصماخ: الاذن الباطن الماضي الى الرأس.

[ 77 ]

لساني، ومغرز حنك 1 فمى وفكي، ومنابت أضراسي، وبلوغ حبائل بارع 2 عنقي، ومساغ 3 مطعمي 4 ومشربي، وحمالة 5 أم رأسي، وجمل حمائل حبل وتينى، وما اشتمل عليه تامور 6 صدري، ونياط 7 حجاب قلبى، وأفلاذ حواشى كبدي، وما حوته شراسيف 8 أضلاعى، وحقاق 9 مفاصلي، وأطراف أناملي، وقبض عواملى، ودمى وشعرى، وبشرى وعصبي، وقصبى وعظامي، ومخى وعروقي، وجميع جوارحي، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي، وما أقلت الأرض منى، ونومى ويقظتي وسكوني وحركتي، وحركات ركوعي وسجودر، أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب 10 – لو عمرتها – أن أؤدى شكر واحرة من أنعمك، ما استطعت ذلك، الا بمنك الموجت على شكرا آنفا جديدا، وثناء طارفا 11 عتيدا 12. أجل، ولو حرصت والعادون من أنامك أن نحصى مدى انعامك، سالفة وآنفة، لما حصرناه عددا، ولا أحصيناه أبدا، هيهات أنى ذلك وأنت المخبر عن نفسك في كتابك الناطق، والنبأ الصادق: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) 13.


1 – الحنك: أعلى باطن الفم، الأسفل من طرف مقدم اللحين. 2 – برع الجبل: علاه. 3 – ساغ الشراب: هنأ وسهل مدخله في الخلق. 4 – ما كلى (خ ل). 5 – الحمالة: علاقة السيف. 6 – التامور: الوعاء والنفس وحيوتها والقلب وصوته ودمه. 7 – النياط: عرق علق به القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه. 8 – الشرسوف: طرف الضلع المشرف على البطن. 9 – الحقاق: جمع حقة، رأس الورك فيها عظم الفخذ ورأس العضد الذى فيه الوابلة. 10 – الحقب: ثمانون سنة أو اكثر، الدهر. 11 – الطرف: الحديث من المال. 12 – العتيد: الشئ الحاضر المهيا. 13 – ابراهيم: 34، النحل: 18.

[ 78 ]

صدق كتابك اللهم ونباؤك، وبلغت أنبياؤك ورسلك، ما أنزلت عليهم من وحيك، وشرعت لهم من دينك، غير أنى 1 أشهد بجدى وجهدي، ومبالغ طاقتي ووسعي، أقول مؤمنا موقنا: الحمدلله الذى لم يتخذ ولدا فيكون موروثا، ولم يكن له شريك في الملك فيضاده فيما ابتدع، ولاولى من الذل فيرفده 2 فيما صنع. سبحانه سبحانه سبحانه، لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وتفطرنا، فسبحان الله الواحد الحق الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. الحمدلله حمدا يعدل حمد ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وصلى الله على خيرته من خلقه محمد خاتم النبيين، وآله الطاهرين المخلصين. اللهم اجعلني أخشاك كأنى أراك، وأسعدنى بتقواك، ولا تشقنى بمعصيتك، وخر لى في قضائك، وبارك لى في قدرك، حتى لا احب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت. اللهم اجعل غناى في نفسي، واليقين في قلبى، والاخلاص في عملي، والنور في بصرى، والبصيرة في دينى، ومتعنى بجوارحي، واجعل سمعي وبصرى الوارثين منى، وانصرني على من ظلمنى، وأرني فيه 3 مأربي 4 وثارى وأقر بذلك عينى. اللهم اكشف كربتي واستر عورتى، واغفر لي خطيئتي، واخسأ 5 شيطاني، وفك رهاني واجعل لى يا الهى الدرجة العليا في الاخرة والاولى،


1 – غير انى يا الهى (خ ل). 2 – الارفاد: الاعطاء والاعانة والاسترفاد والاستعانة. 3 – في الاصل: وارزقني، ما أثبتناه من البلد الأمين. 4 – المأرب: الحاجة. 5 – خسأت الكلب خساء: طردته.

[ 79 ]

اللهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا، ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني حيا سويا، رحمة بى وكنت عن خلقي غنيا. رب بما برأتني فعدلت فطرني، رب بما أنشأتني فأحسنت صورتي، يا رب بما أحسنت بى وفى نفسي عافيتني، رب بما كلأتنى ووفقتني، وأعطيتني، رب بما أطعمتني وسقيتني، رب بما أغنيتني وأقنيتنى 1، رب بما أعنيتني وأعززتني. رب بما ألبستني من ذكرك الصافى، ويسرت لى من صنعك الكافي، صل على محمد وآل محمد، وأعنى على بوائق 2 الدهر، وصروف الأيام والليالي، ونجنى من أهوال الدنيا وكربات الاخرة واكفنى شر ما يعمل الظالمون في الأرض. اللهم ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقنى، وفى نفسي وديني فاحرسني، وفى سفري فاحفظني، وفى أهلى ومالى وولدى فاخلفني، وفيما رزفتنى فبارك لى، وفى نفسي فذللنى، وفى أعين الناس فعظمني، ومن شر الجن والانس فسلمني، وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرنى فلا تخزني، وبعملي فلا تبتلنى، ونعمك فلا تسلبني والى غيرك فلا تكلني. الى من تكلني، الى القريب يقطعنى، أم الى البعيد يتجهمني 3، أم الى المستضعفين لى، وأنت ربى ومليك أمرى، أشكو اليك غربتى وبعد دارى وهوانى على من ملكته أمرى. اللهم فلا تحلل بى غضبك، فان لم تكن غضبت على فلا ابالى سواك، غير أن عافيتك أوسع لى، فأسألك بنور وجهك الذى أشرقت له الأرض


1 – قنى المال: جمعه، اقناه الله: اغناه واعطاه ما يقتضى. 2 – البوائق: الدواهي. 3 – يتجهنمى: يطردنى.

[ 80 ]

والسماوات، وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين، أن لا تميتنى على غضيك ولا تنزل بى سخطك، لك العتبى حتى ترضى قبل 1 ذلك لا اله الا أنت. رب البلد الحرام، والمشعر الحرام، والبيت العتيق، الذى أحللته البركة، وجعلته للناس أمنة، يا من عفى عن العظيم من الذنوب بحمله، يا من أسبغ النعمة بفضله، يا ن أعطى الجزيل 2 بكرمه. يا عدتي في كربتي، يا مونس في حفرتي، يا ولى نعمتي، يا الهى واله آبائى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب، ورب جبرئيل وميكائيل واسرافيل، ورب محمد خاتم النبيين وآله المنتجبين، ومنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان العظيم 3، ومنزل كهيعص وطه، ويس والقرآن الحكيم. أنت كهفي حين تعيينى المذاهب في سعتها، وتضيق على الأرض برحبها 4، ولولا رحمتك لكنت من المفضوحين، وأنت مؤيدي بالنصر على الأعداء، ولولا نصرك لى لكنت من المغلوبين. يا من خص نفسه بالسمو والرفعة، وأولياؤه بعزه يتعززون 5، يا من جعلت له الملوك نير المذلة 6 على أعناقهم فهم من سطواته خائفون، تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وغيب ما تأتى به الأزمان والدهور. يا من لا يعلم كيف هو الا هو 7، يا من لا يعلم ما يعلمه الا هو، يا من كيس 8 الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء، يا من له أكرم الأسماء، يا ذا


1 – من قبل (خ ل). 2 – الجزيل: الكثير. 3 – في الاصل: القرآن العظيم، ما أثبتناه من البلد الأمين. 4 – بما رحبت (خ ل)، رحب المكان: اتسع. 5 – يعترون (خ ل). 6 – نير المذلة: علائمهما. 7 – يا من لا يعلم ما هو الا هو (خ ل). 8 – كيس البئر: طمها بالتراب.

[ 81 ]

المعروف الذى لا ينقطع أبدا. يا مقيض 1 الركب ليوسف في البلد القفر، ومخرجه من الجب، وجاعله بعد العبودية ملكا، يا راد يوسف على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم 2. يا كاشف الضر والبلاء عن أيوب، يا ممسك يد ابراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فردا وحيدا، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبنى اسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين. يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدى رحمته، يا من لا يعجل 3 على من عصاه من خلقه، يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت، ورأني على المعاصي فلم يخذلني 6. يا من حفظني في صغرى، يا من رزقني في كبرى، يا من أياديه 7 عندي لا تحصى، يا من نعمه عندي لا تجازى، يا من عارضنى بالخير والاحسان، وعارضته بالاساءة والعصيان، يا من هداني بالايمان قبل أن أعرف شكر الامتنان.


1 – مقيض: مقدر. 2 – الكظيم بمعنى المكظوم وهو المملو كربا. 3 – لم يعجل (خ ل). 4 – جحد: انكر. 5 – النفاد: الانقطاع. 6 – فلم يخزنى (خ ل)، وفى البلد الأمين: فلم يشهرني. 7 – اياديه: نعمائه.

[ 82 ]

يا من دعوته مريضا فشفاني، وعريانا فكساني، وجائعا فأطعمني، وعطشانا فأروانى، وذليلا فأعزني، وجاهلا فعرفني، ووحيدا فكثرني، وغائبا فردني، ومقلا فأغناني، ومنتصرا فنصرني، وغنيا فلم يسلبني، أمسكت عن جميع ذلك فابتدأني. فلك الحمد يا من أقال عثرتي، ونفس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر عورتى وذنوبي، وبلغني طلبتي، ونصرني على عدوى، وان أعد نعمك ومننك وكرائم منحك 1 لا احصيها يا مولاى. أنت الذى أنعمت، أنت الذى أحسنت، أنت الذى أجملتأ، أنت الذى أفضلت، أنت الذى مننت، أنت الذى أكملت، أنت الذى رزقت، أنت الذى أعطيت، أنت الذى أغنيت، أنت الذى أقنيت، أنت الذى آويت، أنت الذى كفيت. أنت الذى هديت، أنت الذى عصمت، أنت الذى سترت، أنت الذى غفرت. أنت الذى أقلت، أنت الذى مكمت، أنت الذى أعززت، أنت الذى أعنت، أنت الذى عضدت، أنت الذى أيدت، أنت الذى نصرت، أنت الذى شفيت، أنت الذى عافيت، أنت الذى أكرمت، تباركت ربى 2 وتعاليت، فلك الحمد دائما، ولك الشكر واصبا 3. ثم أنا يا الهى المعترف بذنوبى فاغفرها لى، أنا الذى اخطأت، أنا الذى أغفلت، أنا الذى جعلت، أنا الذى هممت، أنا الذى سهوت، أنا الذى اعتمدت، أنا الذى تعمدت، أنا الذى وعدت، أنا الذى أخلفت، أنا الذى نكثت، أنا الذى أقررت.


1 – المنحة: العطية. 2 – ربنا (خ ل). 3 – واجبا (خ ل)، أقول: واصبا: دائما.

[ 83 ]

الهى 1 أعترف بنعمتك عندي، وأبوه 2 بذنوبى فاغفر لي، يامن لا تضره ذنوب عباده، وهو الغنى عن طاعتهم، والموفق من عمل منهم صالحا بمعونته ورحمته، فلك الحمد. الهى أمرتنى فعصيتك، ونهيتني فارنكبت نهيك، فأصبحت لا ذابراءة فأعتذر، ولا ذاقوة فأنتصر، فبأى شئ أستقبلك 3 يا مولاى، أبسمعى أم ببصرى، أم بلساني أم بيدى أم برجلي ؟ أليس كلها نعمك عندي، وبكلها عصيتك يا مولاى، فلك الحجة والسبيل على. يامن سترني من الاباء والامهات أن يزجرونى، ومن العشائر والاخوان أن يعيروني، ومن السلاطين أن يعاقبونى، ولو اطلعوا يا مولاى على ما اطلعت عليه منى، إذا ما أنظروني ولرفضونى وقطعوني. فها أنا ذابين يديك يا سيدى، خاضعا ذليلا حقيرا 4، لا ذوبراءة فأعتذر، ولاذو قوة فأنتصر، ولا حجة لى فأحتج بها، ولا قائل لم أجترح 5 ولم أعمل سوءا. وما عسى الجحود لو جحدت يا مولاى فينفعني 6، وكيف وأنى ذلك وجوارحي كلها شاهدة على بما قد (عملت و) 7 علمت يقينا غير ذى شك أنك سائلي عن عظام الامور. وأنك الحكم العدل الذى لا يجور، وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك مهربي، فان تعذبني فبذنونى يا مولاى 8 بعد حجتك على، وان تعف عنى


1 – أنا يا الهى (خ ل). 2 – ابوء به: اعترف به. 3 – استقبلك (خ ل). 4 – حصيرا حقيرا (خ ل). 5 – اجترح الشئ: اكتسبه. 6 – ينفعني (خ ل). 7 – من البلد الأمين. 8 – يا الهى (خ ل).

[ 84 ]

فبحلمك وجودك وكرمك. لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين، لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من المستغفرين، لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الموحدين، لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الوجلين، لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الراجين الراغبين، انى كنت من المهللين المسبحين، لا اله الا أنت ربى ورب آبائى الأولين. اللهم هذا ثنائي عليك ممجدا، واخلاصي لك موحدا، واقراري بآلائك معددا، وان كنت مقرا أنى لا احصيها لكثرتها وسبوغها، وتظاهرها وتقادمها، الى حادث ما لم تزل تتغمدنى به معها، مذ خلقتني وبرأتني من أول العمر، من الاغناء بعد الفقر وكشف الضر، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج الكرب، والعافية في البدن والسلامة في الدين. ولو رفدنى 1 على قدر ذكر نعمك على جميع العالمين من الأولين والاخرين، لما قدرت ولاهم على ذلك، تقدست وتعاليت من رب عظيم كريم رحيم، لا تحصى آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافى نعماؤك، صل على محمد وآل محمد، وأتمم علينا نعمتك، وأسعدنا بطاعتك سبحانك لا اله الا أنت. اللهم انك تجيب دعوة المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، وتغيث المكروب، وتشفى السقيم، وتغنى الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير، وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وأنت العلى الكبير. يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير، صل على محمد وآل محمد، وأعطني


1 – رفده: اعانه.

[ 85 ]

في هذه العشية أفضل ما أعطيت، وأنلت أحدا من عبادك من نعمة توليها، وآلاء تجددها، وبلية تصرفها، وكربة تكشفها، ودعوة تسمعها، وحسنة تتقلبها، وسيئة تغفرها، انك لطيف خبير، وعلى كل شئ قدير. اللهم انك أقرب من دعى، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفى، وأوسع من أعطى، وأسمع من سئل، يا رحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما، ليس كمثلك مسئول، ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، ورغبت اليك فرحمتني، ووثقت بك فنجيتني، وفزعت اليك فكفيتني. اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين، وتمم لنا نعماءك، وهننا عطاءك واجعلنا لك شاكرين، ولالائك ذاكرين، آمين رب العالمين. اللهم يا من ملك فقدر، وقدر فقهر، وعصى فستر، واستغفر فغفر، يا غاية رغبة الراغبين، ومنتهى أمل الراجين، يا من أحاط بكل شئ علما، ووسع المستقبلين 1 رأفة وحملا. اللهم انا نتوجه اليك في هذه العشية التى شرفتها وعظمتها بمحمد نبيك ورسولك وخيرتك، وأمينك على وحيك، اللهم صل على البشير النذير، السراج المنير، الذى أنعمت به على المسلمين، وجعلته رحمة للعالمين. اللهم فصل على محمد وآله كما محمد أهل ذلك يا عظيم، فصل عليه وعلى آل محمد المنتخبين الطيبين الطاهرين أجمعين، وتغمدنا بعفوك عنا، فاليك عجت 2 الأصوات بصنوف اللغات، واجعل لنا في هذه العشية نصيبا في كل خير تقسمه، ونور تهدى به، ورحمة تنشرها، وعافية تجللها، وبركة تنزلها، ورزق تبسطه، يا أرحم الراحمين. اللهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين،


1 – في البلد الأمين والبحار: المستقيلين. 2 – عجت: ارتفعت.

[ 86 ]

ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نؤملة من فضلك، ولا تردنا خائبين، ولامن 1 بابك مطرودين، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا لفضل ما نؤمله من عطاياك قانطين، يا أجود الأجودين ويا أكرم الأكرمين. اللهم اليك أقبلنا موقنين 2، ولبيتك الحرام آمين قاصدين، فأعنا على منسكنا وأكمل لنا حجنا، واعف اللهم عنا وعافنا، فقد مددنا اليك أيدينا، وهى بذلة الاعتراف موسومة، اللهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك، واكفنا ما استكفيناك، فلا كافى لنا سواك ولا رب لنا غيرك، نافذ فينا حكمك، محيط بنا علمك، عدل فينا قضاؤك، اقض لنا الخير واجعلنا من أهل الخير. اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر، وكريم الذخر ودوام اليسر، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا تصرف عنا رأفتك، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته، وشكرك فزدته، وتاب اليك فقبلته، وتنصل 3 اليك من ذنوبه فغفرتها له، يا ذا الجلال والاكرام، اللهم وفقنا وسددنا واعصمنا واقبل تضرعنا. يا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، يا من لا يخفى عليه اغماض الجفون، ولا لحظ العيون، ولا ما استقر في المكنون، ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب، الاكل ذلك قد أحصاه علمك، ووسعه حلمك. سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا، تسبح لك السماوات والأرض ومن فيهن، وان من شئ الا يسبح بحمدك، فلك الحمد والمجد، وعلو الجد، يا ذا الجلال والاكرام، والفضل والانعام والأيادي الجسام وأنت


1 – عن (خ ل). 2 – مؤمنين (خ ل). 3 – تنصل: تبرء.

[ 87 ]

الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، أوسع على من رزقك، وعافنى في بدنى وديني، وآمن خوفى، وأعتق رقبتي من النار. اللهم لا تمكر بى ولا تستدرجني ولا تخذلني، وادرء 1 عنى شر فسقة الجن والانس، يا أسمع السامعين، ويا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد. وأسألك اللهم حاجتى التى ان أعطيتنيها لم يضرنى ما منعتني، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك رقبتي من النار لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك، ولك الحمد، وأنت على كل شئ قدير، يا رب يا رب يا رب 2. ومن الدعوات في يوم عرفة دعاء مولانا زين العابدين على بن الحسين عليه السلام، وهو من ادعية الصحيفة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض ذا الجلال والاكرام، واله كل شئ مألوه 3، وخالق كل شئ مخلوق، ووارث كل شئ، ليس كمثله شئ، ولا يغرب 4 عنه علم شئ، وهو بكل شئ محيط، وهو على كل شئ رقيب. أنت الله لا اله الا أنت، الأحد المتوحد، الفرد، الدائم المتفرد، وأنت الله لا اله الا أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير المتكبر، وأنت الله لا اله الا أنت، الرحمان الرحيم، العليم الحكيم، وأنت الله لا اله الا أنت، السميع البصير، القديم الخبير.


1 – ادرء: اسقط. 2 – المألوه: المعبود من دونه تعالى. 3 – لا يعزب: لا يغيب. 4 – عنه البحار 98: 216 – 227، اخرجه الكفعمي في البلد الامين: 251 – 258، اقول: يوجد هنا في بعض النسخ المخطوطة زيادة، ولا يوجد في النسخة المعتبرة من الكتاب.

[ 88 ]

وأنت الله لا اله الا أنت، الكريم الاكرم، الدائم الادوم 1، وأنت الله لا اله الا أنت، الأول قبل كل احد، والاخر بعد كل عدد، وأنت الله لا اله الا أنت، الدانى 2 في علوه، والعالي في دنوه، وأنت الله لا اله الا أنت، أنشأت الاشياء من غير سنخ 3 وصورت ما صورت من غير مثال، وابتدأت المبتدعات بلا احتذاء 4. وأنت الله الذى قدرت كل شئ تقديرا، ويسرت كل شئ تيسيرا، ودبرت ما دبرت تدبيرا، أنت الذى لم يعنك على خلقك شريك ولم يوازرك 5 في امرك وزير، ولم يكن لك مشابه 6 ولا نظير. أنت الذى أردت فكان حتما ما أردت، وفضيت فكان عدلا ما قضيت، وحكمت فكان نصفا 7 ما حكمت، أنت الذى لا يحويك 8 مكان، ولا يقوم 9 لسلطانك سلطان، ولم يعيك 10 برهان ولا بيان، أحصيت كل شئ عددا، وجعلت لكل شئ أحدا، وقدرت كل شئ تقديرا. أنت الذى قصرت الاوهام عن كيفيته ولم تدرك الابصار موضع انيته 11، أنت الذى لا تحد فتكون محدودا، ولا تمثل فتكون موجودا 12 مشهودا، ولم تلد فتكون مولودا.


1 – وانت الله لا اله انت العلى المتعال الشديد المحال (خ ل). 2 – الدانى: القريب. 3 – السنخ: الاصل. 4 – بلا احتذاء: بلا اقتداء. 5 – يؤازرك: يعاونك. 6 – مشاهد (خ ل). 7 – نصفا: عدلا. 8 – يحويك: يضمك ويجمعك. 9 – لم يقم (خ ل). 10 – يعيك: يعجزك. 11 – كيفيتك، اينيتك (خ ل). 12 – ممثلا (خ ل).

[ 89 ]

أنت الذى لا ضد لك (فيعاندك) 1 ولا عدل 2 لك فيكاثرك، ولا ند لك فيعارضك، أنت الذى ابتدأ واخترع، واستحدث، وابتدع، واحسن صنع ما صنع. سبحانك من لطيف ما ألطفك، ورؤوف ما ارافك، وعليم 3 ما اعرفك، وسبحانك من منيع 4 ما امنعك، وجواد ما اوسعك، ورفيع ما ارفعك 5، سبحانك بسطت بالخيرات يدك، وعرفت الهداية من عندك، فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك. سبحانك خضع لك ومن جرى في علمك 6، وخشع لعظمتك ما دون عرشك، وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تحس 7 ولا تمس، ولا تكاد ولا تماط 8، ولا تغالب ولا تنازع، ولا تجارى 9 ولا تمارى، 10 ولا تخادع ولا تماكر، ولا مبدل لكلماتك. سبحانك قولك حكم، وقضاؤك حتم، وارادتك عزم، فسبحانك لا راد لمشيتك، يا 11 فاطر السماوات والأرض، بانى المسموكات 12، بارى النسمات 13.


1 – من الصحيفة السجادية. 2 – عديل (خ ل)، أقول: العدل: المثل والنظير. 3 – حكيم (خ ل). 4 – مليك (خ ل). 5 – ذى البهاء والمجد والكبرياء والجمال (خ ل). 6 – حوى علمك (خ ل). 7 – لا تحس: لا تفحص اخبارك. 8 – لا تحاط (خ ل)، أقول: لا تماط: لا تدفع ولا تبعد. 9 – لا تجارى: لا تطاول ولا تغالب. 10 – لا تمارى: لا تجادل. 11 – سبحانك باهر الايات (خ ل). 12 – سمك الشئ: رفعه، المسموكات: السماوات. 13 – بارى النسمات: خالق النفوس.

[ 90 ]

لك الحمد حمدا يدوم بدوامك، ولك الحمد حمدا خالدا بنعمتك 1، ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك، ولك الحمد حمدا مع حمد كل حامد، وحمدا يقصر عنه 2 شكر كل شاكر، حمدا لا ينبغى الا لك ولا يتقرب الا اليك. حمدا يستدام به الأول ويستدعى به دوام الاخر، حمدا يتضاعف على كرور الأيام، ويتزايد أضعافا مترادفة 3، حمدا يعجز عن احصائه الحفظة، ويزيد على ما احصته في كتابك الكتبة، حمدا يوازن عرشك المجيد ويعادل كرسيك الرفيع. حمدا يكمل لديك ثوابه، ويستغرق كل جزاء جزاؤه، حمدا ظاهره وفق لباطنه، وباطنه وفق لصدق النية فيه، حمدا لم يحمدك خلق مثله، ولا يعرف أحد سواك فضله، حمدا يعجز 4 من اجتهد في تعديده، ويزيد على من ادعى في ترفيته 5. حمدا يجمع ما خلقت من الحمد، وينتظم ما أنت خالقه من بعد، حمدا لا حمدا اقرب الى قولك منه، ولا حمد ممن يحمدك به، حمدا يجب لكرم وجهك ويقابل عز جلالك. رب صل على محمد وآله المنتجب 7 المصطفى، المكرم المقرب، افضل صلواتك، وبارك عليه أتم بركاتك، وترحم عليه اسبغ 8 رحماتك.


1 – يوازى بنعمتك (خ ل). 2 – حمدا ينقضى عنه (خ ل). 3 – مترادفه: متتابعة. 4 – يعان (خ ل). 5 – في الصحيفة: يؤيد من اغرق نزعا في توفيته. 6 – يصادف مزيدا (خ ل). 7 – المنتجب: المنتخب. 8 – امتع (خ ل).

[ 91 ]

رب صل على محمد وآل محمد صلاة زاكية 1 لا تكون صلاة ازكى منها، وصل عليه وآله صلاة راضية لا تكون صلاة ارضى منها، وصل على محمد وآله صلاة برضيه وتزيد على رضاك له، وصل على محمد وآله صلاة تجاوز رضوانك ويتصل اتصالها ببقاءك 2 ولا ينفد كما لا ينفد كلماتك. وصل على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وانبيائك ورسلك، واهل طاعتك، وتجمع على صلوات عبادك من جنك وانسك واهل طاعتك، وتشتمل، على صلاة كل من ذرأت وبرأت من اصناف خلقك، وصل عليه صلاة تحيط بكل صلاة سالفة ومستأنفة 3. صل اللهم عليه وعلى آله صلاة مرضية لك ولمن دونك، وتنشئ مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات عندها، وتزيدها على كرور الايام، زيادة في تضاعيف لا يعدها 4 غيرك. اللهم صل على محمد وآله اطائب اهل بيته الذين خترتهم لامرك، وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفاءك في ارضك، وحججك على عبادك، وطهرتهم من الرجس والدنيس تطهيرا بارادتك، وجعلتهم الوسيلة اليك والمسلك الى جنتك. رب صل عليه وعليهم صلاة تجزل 5 لهم بها من نحلك 6 وكرامتك ونعمك، وتكمل 7 لهم بها الأسنى 8 من عطاياك ونوافلك 9، وتوفر عليهم


1 – زاكية: تامة مباركة. 2 – بدوامك (خ ل). 3 – مستأنفة: مبتدئة. 4 – لا يحصيها (خ ل). 5 – تجزل: تكثر. 6 – تحلف، نحلتك (خ ل)، أقول: نحلك: عطياتك. 7 – تكمل لهم بها الاشياء (خ ل). 8 – أسنى: اعلا وارفع. 9 – نوافلك: هباتك وغنائمك.

[ 92 ]

الحظ من عوائدك وفوائدك. رب صل عليه وعليهم صلاة زنة عرشك وما دونه، وملأ سماواتك وما فوقهن 1، وعدد ارضيك وما تحتهن وما بينهن، صلاة تقربهم منك زلفى، وتكون لهم 2 رضى ومتصلة بنظائرين ابدا. اللهم انك ايدت دينك في كل اوان بامام اقمته علما لعبادك، ومنارا في بلادك، بعد ان وصلت حبله بحبلك، بامتثال امره 3 والانتهاء عند نهيه، وان لا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المستمسكين 4، وبهاء العالمين. اللهم فاوزع لوليك شكر ما انعمت به عليه، وأوزعنا مثله فيه، وآته من لدنك سلطانا نصيرا، وافتح له فتحا يسيرا، واعنه بركنك الاعز، واشدد ازره، وقو عضده، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك وامدده بجندك الاغلب. واقم به كتابك وحدودك وشرائعك، وسنن نبيك ورسولك عليه وآله السلام 6، واحى به ما اماته الظالمون، من معالم دينك، واجل 7 به صداء الجور عن طريقك، وابن به الضراء عن سبيلك، وازل به الناكبين 8 عن صراطك، وامحق 9 به بغاة قصدك عوجا، والن جانبه لاولياءك، وابسط يده


1 – ما دونهن (خ ل). 2 – لك ولهم (خ ل). 3 – اوامره (خ ل). 4 – المتمسكين (خ ل). 5 – زين (خ ل). 6 – ورسوله صلواتك اللهم عليه (خ ل). 7 – اجل: اكشف. 8 – الناكبين: العادلين عن القصد. 9 – امحق: امح واهلك.

[ 93 ]

على اعداءك، وهب لنا رأفته ورحمته، وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين طائعيين 1، وفى رضاه ساعين، والى نصرته والمدافعة عنه مكنفين 2، واليك والى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين. اللهم صل 3 عليهم وعلى اوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم، المقتفين آثارهم، المتمسكين بعروتهم، المؤتمين بامامتهم، المسلمين لامرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين ايامهم المادين إليهم اعينهم، واحفظهم بالصلوات المباركات الزاكيات 4. وصل عليهم وعلى ارواحهم، واجمع على التقوى امرهم، واصلح لهم شؤونهم 6، وتب عليهم انك التواب الرحيم وخير الغافرين، واجعلنا معهم في دار السلام، برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم وهذا يوم عرفة، يوم كرمته وشرفته 7 وعظمته، ونشرت فيه رحمتك، ومننت فيه بعفوك، واجزلت فيه عطيتك، وتفضلت فيه على عبادك. اللهم وانا عبدك الذى انعمت به عليه 8 قبل خلقك له وبعد خلقك اياه، فجعلته ممن هديته لدينك، ووفقته لحقك، وعصمته بحبلك، وادخلته في حزبك، وارشدته لموالاة اولياءك، ومعاداة اعداءك، ثم امرته فلم يأتمر، وزجرته 9 فلم ينزجر، ونهيته عن معصيتك، فخالف امرك الى نهيك، لا معاندة لك، ولا استكبارا عليك.


1 – مطيعين (خ ل). 2 – مكتفين (خ ل)، اقول: مكنفين: معينين ومحيطين. 3 – وصل (خ ل). 4 – الناميات الغاديات الرائحات (خ ل). 5 – وصل وسلم (خ ل). 6 – الشأن: الأمر والحال. 7 – شرفته وكرمته (خ ل). 8 – انعمت عليه (خ ل). 9 – زجرته: منعته.

[ 94 ]

بل دعاه هواه الى ما نهيته والى ما حذرته، واعانه على ذلك عدوك وعدوه، فاقدم عليه خائفا لوعيدك 1، راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك، وكان احق عبادك ممع ما انعمت به عليه 2 ان لا يفعل. فها انا ذا بين يديك صاغرا 3، خاضعا خاشعا خائفا، معترفا بعظيم من الذنوب تحملته، وجليل من الخطايا اجترامته 4، مستجيرا بصفحك، لائذا برحمتك، موقنا انه لا يجيرني منك مجير، ولا يمنعنى منك مانع. فعد على بما تعود به على من اقترف 5 من تغمدك، وجد على بما تجود به على من القى بيده اليك من عفوك، وامنن على بما لا يتعاظمك ان تمن به على من املك من غفرانك، واجعل لى في هذا اليوم نصيبا انال به حظا من رضوانك، ولا تردني صفرا 6 مما ينقلب بها لمعتذرون اليك 7. فانى وان لم اقدم ما قدموه من الصالحات، فقد قدمت توحيدك ونفى الاضداد والانداد والاشباه عنك، واتيتك من الابواب التى امرت الن يؤتى منها، وتقربت اليك بما لا يتقرب به احد منك الا بالتقرب به. ثم اتبعت ذلك بالانابة اليك والتذلل والاستكانة 8 لك وحسن الظن بك والثقة بما عندك، وشفعته من رجاءك الذى لا يخيب 9 عليك به راجيك، وسألتك مسألة الذليل الحقير 10 البائس الصغير الفقير الخائف المستجير.


1 – عارفا لوعيدك (خ ل). 2 – مننت عليه (خ ل). 3 – ذليلا (خ ل). 4 – اجترمته: عملته. 5 – تعود على من أسرف (خ ل). 6 – صفرا: خاليا. 7 – المتعبدون لك من عبادك (خ ل). 8 – استكان: خضع وذل. 9 – قل ما نخيب (خ ل). 10 – الحقير الذليل (خ ل).

[ 95 ]

ومع ذلك خفية وتضرعا، وتعوذا وتلوذا، لا متعاليا بدالة 1 المطيعين، ولا مستطيلا 2 بشفاعة الشافعين، وانا بعد ذلك اقل الاقلين واذل الاذلين ومثل الذرة أو دونها، فيامن لا يعاجل 3 المسيئين، ولا يعافص المقترفين 4، ويا من يمن باقالة 5 العاثرين، ويتفضل انظار الخاطئين 6. انا المسى المعترف الخاطى 7، انا الذى اقدم عليك مجترئا، انا الذى عصاك متعمدا، انا الذى استخفى من خلقك وبارزك 8، انا الذى لم يرهب سطوتك ولم يخف بأسك 9، انا الجاني على نفسه، انا المرتهن ببائقته 10، انا القليل الحباء، انا الطويل العناء. فبحق 11 من انتخبت من خلقك ومن اصطفيت لنفسك، وبحق من اخترت من بريتك ومن اجتبيت من عبادك، وبحق من وصلت 12 طاعته بطاعتك، ومن جعلت معصيته كمعصيتك 13، وبحق من قرنت موالاته بموالاتك، ومن نطت معاداته بمعاداتك. تغمدنى في يومى هذا بما تغمدت به من حار اليك متنضلا، وعاذ باستغفارك تائبا، وتولنى به اهل طاعتك، والزلفى لديك، والمكانة منك،


1 – بدالة: بوثوق واتكال. 2 – مستطيلا: مترفعا. 3 – لم يعاجل (خ ل). 4 – لم يغافص (خ ل) المترفين (خ ل). 5 – الاقالة: المسامحة. 6 – بانظار: بامهال. 7 – العاثر (خ ل). 8 – استحيى من عبادك وبارزك بالمعصية (خ ل). 9 – بأسك: عذابك. 10 – نفسي، ببلية (خ ل). 12 – وصلت: قرنت. 13 – معصيتك (خ ل).

[ 96 ]

وتوحدنى 1 بما تتوحد به من وفا بعهدك، واتعب نفسه في ذاتك، واجهدها في مرضاتك. ولا تؤاخذني بتفريطى في جنبك وتعدى طورى 2 في حدودك ومجاوزة احكامك، ولا تستدرجني باملاءك 3 لى استدراج من يمنعنى 4 خير ما عنده، ونبهني من رقدة الغافلين، وسنة المسرفين، ونعسة المخذولين. وخذ بقلبي الى ما استعملت به الطائعين 5، واستعبدت به المتعبدين، واستنفذت به المتهاونين، واعذنى مما يباعدني عنك، ويحول بينى وبين حظى منك، ويصدني عما احاول لديك. وسهل لى مسلك الخيرات اليل، والمسابقة إليها من حيث امرت، والمسارعة 6 فيها على ما اردت، ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين بما اوعدت، ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك، ولا تتبرنى فيمن تتبر 7 من المنحرفين عن سبيلك 8. ونجنى من غمرات الفتنة، وخلصني من هفوات 9 البلوى، واجرني من اخذ الاملاء، وحل بينى وبين عدو يضلني، وهوى يوبقني 10، ومنقصة ترهقني 11، ولا تعرض عنى اعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك، ولا تؤيسنى من الامل فيك فيغلب على القنوط من رحمتك، ولا تمتحني بما لا طاقة لى


1 – توحدنى: خصني. 2 – تعدى طوره: تجاوز حده. 3 – املاءك: امهالك. 4 – منعنى (خ ل). 5 – القانتين (خ ل). 6 – المشاحة (خ ل)، المشاحة: المنافسة. 7 – تبرنى فيمن تبير (خ ل)، أقول: تتبرنى: تدمرني. 8 – سبلك (خ ل). 9 – لهوات (خ ل). 10 – يوبقني: يهلكني. 11 – ترهقني: تغشاني.

[ 97 ]

به فتبهطني 1 بما تحملنيه من فضل محبتك. ولا برسلنى من يدك ارسال من لا خيرة فيه، ولا حاجة بك إليه، ولا انابة له، ولا ترم بى ربى من سقط من عين رعايتك، ومن اشتمل عليه الخزى من عندك، بل خذ بيدى من سقطه المتردين ووهلة المتعسفين 2 وزلة المغرورين وورطة الهالكين. وعافنى مما ابتليت به طبقات عبيدك واماءك، وبلغني مبالغ من عنيت به وانعمت عليه، فاعشته حميدا وتوفيته سعيدا، وطوقنى طوق الاقلاع عما يحبط الحسنات ويذهب بالبركات. واشعر قلبى الازدجار 3 عن قبائح السيئات وقواضح الحوبات 4، ولا تشغلني بما لا ادركه الا بك عما لا يرضيك عنى غيره، وانزع من قلبى حب دنيا دنية يقطعنى 5 عما عندك، ويصدني عن ابتغاء الوسيلة اليك ويذهلني عن التقرب منك والتفرد 6 بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لى عصمة تذنينى من خشيتك، وتقطعني عن ركوب محارمك، وتفكني عن اسر العظائم، وهب لى التطهير من دنس العصيان، واذهب عنى درن 7 الخطايا، وسربلنى بسربال 8 عافيتك، وردنى رداء معافاتك، وجللنى سوابغ نعماءك، وظاهر على بفضلك 9 وطولك، وايدنى بتوفيقك وتسديدك 10.


1 – تبهظني: تثقلني. 2 – المتعسفين: السالكين على غير هداية. 3 – الانزجار (خ ل). 4 – فضائح (خ ل)، الحوبات: الاثام والخطيئات. 5 – تنهى (خ ل). 6 – وزين لى التفرد (خ ل). 7 – رين (خ ل). 8 – السربال: القميص. 9 – ظاهر لدى فضلك (خ ل). 10 – سددني بتسديدك (خ ل)، أقول: تسديدك: تقويمك.

[ 98 ]

واعنى على صالح النية ومرضى القول ومستحسن العمل، ولا تكلني الى حولي وقوتى دون حولك وقوتك، ولا تخزني يوم تبعثني للقاءك، ولا تفضحني بين يدى اولياءك، ولا تنسنى ذكرك، ولا تذهب عنى شكرك، بل الزمنيه في احوال السهو عند غفلات الجاهلين 1. واوزعني ان اثنى عليك بما اوليتنيه 2، واعترف بما اسديته الى 3، واجعل رغبتي اليك فوق رغبة الراغبين، وحمدي لك فوق حمد الحامدين، ولا تخذلني عند فاقتي اليك، ولا تهتكني بما اسررته 4، لديك، ولا تخيبني بما جنيت 5 لك. فانى مسلم 6، اعلم ان الحجة لك وانت اولى بالفضل واعود بالاحسان، واهل التقوى واهل المغفرة، وانك بان تعفو اولى منك بان تعاقب، وانك بان تستر اقرب منك الى ان تشهر. فاحيينى حياة طيبة تنظم بكل ما اريد وتبلغ بما 7 احب من حيث لا اتى ما تكره، ولا ارتكب ما نهيت عنه، وامتنى ميتة من يسعى نوره بين يديه، واعزني عند خلقك، وضعني 8 إذا خلوت بك، وارفعني بين عبادك، واغنني عمن هو غنى عنى، وزدنى اليك فاقة وفقرا. واعدني من شماتة الاعداء ومن حلول البلاء، ومن الذل والعناء، وتغمدني فيما اطلعت عليه منى بما يتغمد به القادر على البطش لولا حمله،


1 – الخاطئين (خ ل). 2 – أوليتنيه: اعطيتنيه. 3 – ابوء بما اسديت، لالائك (خ ل). 4 – لا تهلكني بما اسديته (خ ل). 5 – لا يجبهنى بما جبهت، جنيت (خ ل). 6 – فانى لك مسلم (خ ل). 7 – تنتظم بما، تبلغ ما (خ ل). 8 – ضعني: اجعلني متواضعا. (*)

[ 99 ]

والاخذ على الجريرة 1 لولا اناته، وإذا اردت بقوم فتنة أو سوءا وانا فيهم، فنجني منهم عن ارادتك، واذ لم تفمنى مفام فضيحء في دنياك، فلا تقمنى مثله في آخرتك. واشفع 2 لى اوائل مننك باواخرها وقديم فوائدك بحوادثها، ولا تمدد لى 3 مدا يقسوا معه قلبى ولا تقرعني قارعة 4 يذهب بها 5 بهائي، ولا تسمنى 6 خسيسة يصفر بها 7 قدري، ولا ترعنى روعة ابلس 8 بها، ولا تخفني خيفة اوجس 9 بها. اجعل هيبتى 10 في وعيدك، وحذرى من اعذارك وانذارك، ورهبتى عند تلاوة كتابك 11، واعنى بانقطاعي فيه لعبادتك، وتفردى بالتهجد لك، وتجريدى عند شكرى لك، وانزال حوائجى ببابك 12، ومنازلتي اياك 13 في فكاك رقبتي من نارك، واجارتي مما فيه اهلها من عذابك. ولا تذرني في طغياني عامها 14، ولا في غمرتي ساهيا حتى حين، ولا تجعلني عظة لمن اتعظ، ولا نكالا لمن اعتبر ولا فتنة لمن نظر، ولا تمكر بى فيمن تمكر به، ولا تستبدل لى غيرى، ولا تغير لى اسما، ولا تبدل لى


1 – الجريرة: الجناية والذنب. 2 – اخراك (خ ل)، فاشفع (خ ل). 3 – لا تمدد لى: لا تمهلني. 4 – القادعة: الداهية. 5 – 7 – لها (خ ل). 6 – لا تسمنى: لا تلزمني. 8 – ابلس: آيس. 9 – اوجس: احس. 10 – دونها، بل اجعل (خ ل). 11 – آياتك) خ ل). 12 – تجردي بسكونى اليك، وانزالى في الامال بك (خ ل). 13 – منازلتي اياك: مرجعتي اياك وسؤالي مرة بعد مرة. 14 – عاملها: مترددا ومتحيرا. (*).

[ 100 ]

جسم ا، ولا تتخذني هزوا لخلقك 1، ولا تجعلني متحيرا الا اليك، ولا متعبعا الا لمرضاتك، ولا مرتهنا 2 الا بالانتقام لك. واوجدنى برد عفوك وروحك وريحانك ا وجنة نعيمك، واذقني طعم الفراغ لما تحب بسعة من سعتك، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك، واتحفني بتحفة من تحفاتك. واجعل تجارتى رابحة، وكرتى غير خاسرة، واخفني مكانك 4، وشوقنى الى لقاءك، وتب على توبة نصوحا لا تبقى 5 معها ذنوبا، صغيرة ولا كبيرة، ولا تذر 6 معها 7 علانية ولا سريرة، وانزع الغل من صدري للمؤمنين، واعطف بقلبي على الخاشعين، وكن لى كما تكون للصالحين، والبسنى حلية 8 المتقين. واجعل لى لسان صدق في الغابرين، وذكرا باقيا 9 في الاخرين، وتمم لى سبوغ نعمتك على، وظاهر نعماك وكراماتها 10 لدى 11، وسق كرائم 12 مواهبك الى، وجاور بى الاطيبين من اولياءك في الجنان التى زينتها 13 لاصفياءك وانحلني شرائف نحلك 14 في المقامات المعدة لاحبائك.


1 – ولا سخريا لك (خ ل). 2 – تبعا الا مرضاتك ولا ممتهنا (خ ل). 3 روحك وريحانك: رحمتك ورزقك الطيب. 4 – مقامك (خ ل). 5 – لا تبق (خ ل). 6 – لا تذر: لا تترك. 7 – بها (خ ل). 8 – زينة (خ ل). 9 – ناميا (خ ل). 10 – كراماتك (خ ل). 11 – املاء من فوائدك يدى (خ ل). 12 – الكرائم: النفائس. 13 – رتبتها (خ ل). 14 – نحلك: عطاياك.

[ 101 ]

واجعل لى مقيلا آوى إليه مطمئنا ومثابة اتبوءها واقر عينا، ولا تناقشني 1 بعظمات الجرائر، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر، وازل عنى كل شك وشبهة، واجعل لى في الحق طريقا الى 2 كل رحمة، واجزل لى قسم المواهب من نوالك ووفر على حظوظ الاحسان من افضالك. واجعل قلبى واثقا بما عندك وهمى مستفرغا لما هو لك، واستعملني بما استعملت به خاصتك ا، واشرب 4 قلبى عند ذهول العقول 5 طاعتك، واجنع لى الغنى والعفاف والدعة 6 والمعافاة والصحة والسعة والطمأنينة والعافية. ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك، ولا خلواتي بما يعرض لى معها من نزعات فتنتك، وصن وجهى عن الطلب الى احد من العالمين، وذبني 7 عن التماس ما عند الفاسقين، ولا تجعلني للظالمين ظهيرا 8 ولالهم على محو كتابك يدا 9 ولا نصيرا، وحطنى 10 من حيث اعلم ومن حيث لا اعلم، حياطة تقيني بها. وافتح لى ابواب توبتك ورحمتك ورأفتك ورزقك الواسع انى اليك من الراغبين، واتمم لى 11 انعامك انك خير المنعمين. واجعل باقى عمرى في


1 – فأقر عينا ولا تقاسيني (خ ل). 2 – من (خ ل). 3 – تستعمل به خالصتك (خ ل). 4 – اشرب: امزج. 5 – العقول (خ ل). 6 – الدعة: الراحة وخفض العيض. 7 – ذبنى: امنعي وادفعني. 8 – ظهيرا: منيعا. 9 – مؤيدا (خ ل). 10 – حطنى: احفظني. 11 – على (خ ل).

[ 102 ]

الحج والعمرة ابتغاء وجهك، يا رب العالمين، وصلى الله على 1 محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الابرار الاخيار، والسلام 2 عليهم ورحمة الله وبركاته 3. ومن ادعية يوم عرفة دعاء على بن الحسين عليه السلام للموقف، وهو: اللهم أنت الله رب العالمين، وأنت الله الرحمن الرحيم، وأنت الله الدائب في غير وصب 4 ولا نصب 5، ولا يشغلك رحمتك عن عذابك، ولا عذابك من رحمتك. خفيت من غير موت، وظهرت فلا شئ فوقك، وتقدست في علوك، وترديت بالكبرياء في الأرض وفى السماء، وقويت 6 في سلطانك، ودنوت في كل شئ في ارتفاعك، وخلقت الخلق بقدرتك، وقدرتك الامور بعلمك، وقسمت الأرزاق بعدلك. ونفذ في كل شيئا علمك، وحارت الأبصار دونك، وقصر دونك طرف كل طارف، وكلت 7 الألسن عن صفاتك، وغشى بصر كل ناظر نورك، وملأت بعظمتك أركان عرشك. وابتدأت الخلق على غير مثال نظرت إليه من أحد سبقك الى صنعة شئ منه، ولم تشارك في خلقك، ولم تستعن بأحد في شئ من أمرك، ولطفت في عظمتك، وانقاد لعظمتك كل شئ، وذل لعزتك كل شئ.


1 – صل على (خ ل). 2 – صل على، والسلام عليه ابد الأبدين (خ ل). 3 – الدعاء: 47 من الصيحفة السجادية، رواه عنه البلد الأمين: 483، مصباح الكفعمي: 671، ينابيع المودة: 505 مختصرا، اتحاف السادة المتقين 4: 480، عنه احقاق الحق 12: 46، اورده في الصحيفة السجادية الجامعة: 316، الدعاء: 147. 4 – وصب: وجع ومرض. 5 – نصب: تعب واعيا. 6 – قويت: غلبت. 7 – كلت: اعيت وعجزت.

[ 103 ]

اثنى عليك يا سيدى وما عسى أن يبلغ في مدحتك ثنائي مع قلة علمي وقصر رأنن، وأنت يا رب الخالق وأنا المخلوق، وأنت المالك وأنا المملوك، وأنت الرب وأنا العبد، وأنت الغنى وأنا الفقير، وأنت المعطى وأنا السائل، وأنت الغفور ونأنا الخاطى، وأنت الحى لا تموت، وأنا خلق أموت. يا من خلق الخلق ودبر الامور، فلم يقايس شيئا بشئ من خلقه، ولم يستعن على خلقه بغيره. ثم أمضى الامور على قضائه وأجلها الى أجل مسمى، قضى فيها بعدله، وعدل فيها بفضله، وفصل فيها بحكمه، وحكم فيها بعدله، وعلمها بحفظه، ثم جعل منتهاها الى مشيته، ومستقرها الى محبته، ومواقيتها الى قضائه. لا مبدل لكلماته ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا مستزاح عن أمره، ولا محيص 1 لقدره، ولاخلف لوعده، ولا متخلف عن دعوته، ولا يعجزه شئ طلبه، ولا يمتنع منه أحد أراده، ولا يعظم عليه شئ فعله، ولا يكبر عليه شئ صنعه، ولا يزيد في سلطانه طاعة مطيع، ولا ينقصه معصية عاص، ولا يتبدل القول لديه، ولا يشرك في حكمه أحدا. الذى ملك الملوك بقدرته، واستعبد الأرباب بعزه 2، وساد العظماء بجوده، وعلا السادة بمجده، وانهدت 3 الملوك لهيبته، وعلا أهل السلطان بسلطانه وربوبيته، وأباد 4 الجبابرة بقهره، وأذل العظماء بعزه، وأسس الامور بقدرته، ونبا المعالى بسؤدده 5، وتمجد بفخره، وفخر بعزه، وعز بجبروته، ووسع كل شئ برحمته. اياك أدعو، واياك أسأل، ومنك أطلب، واليك أرغب، يا غاية


1 – لا محيص: لا مفر. 2 – بعزته (خ ل). 3 – انهدت: انحطت وانكسرت. 4 – اباد: اهلك. 5 – السؤدد: الرفعة والشرف.

[ 104 ]

المستضعفين، يا صريخ المستصرخين، ومعتمد المضطهدين، ومنجى المؤمنين، ومثيب الصابرين، وعصمة الصالحين، وحرز العارفين، وأمان الخائفين، وظهر اللاجين، وجار المستجيرين، وطالب الغادرين، ومدرك الهاربين، وأرحم الراحمين، وخير الناصرين، وخير الفاصلين، وخير الغافرين، وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. لا يمتنع من بطشه، ولا ينتصر من عقابه، ولا يحتال لكيده 1، ولا يدرك علمه، ولا يدرء 2 ملكه، ولا يقهر عزه، ولا يذل استكباره، ولا يبلغ جبروته، ولا تصغر عظمته، ولا يضمحل فخره، ولا يتضعشع ركنه، ولا ترام قوته، المحصى لبريته، الحافظ أعمال خلقه. لا ضد له ولا ند 3 له، ولا ولدو لا صاحبة له، ولا سمى له ولا كفو له، ولا قريب له ولا شبيه له ولا نظير له ولا مبدل لكلماته، ولا تبلغ شئ مبلغه، ولا يقدر شئ قدرته، ولا يدرك شئ أثره، ولا ينزل شئ منزلته، ولا يدرك شئ أحرزه، ولا يحول دونه شئ. بنى السماوات فأتقهن وما فيهن بعظمته، ودبر أمره تدبيرا فيهن بحكمته، وكان كما هو أهله لا بأولية قبله، وكان ينبغى له، يرى ولا يرى وهو بالمنظر الأعلى، يعلم السر والعلانية. ولا يخفى عليه خائفية، وليس لنقمته واقية، يبطش البطشه الكبرى ولا تحصى منه القصور، ولا تجن 4 منه الستور، ولا تكن 5 منه الجدور، ولا توارى منه البحور، وهو على كل شئ قدير، وبكل شئ عليم.


1 – كيده: مكره. 2 – يدرأ: يدفع. 3 – الند: النظير. 4 – تجن: تستر. 5 – تكن: تخفى.

[ 105 ]

يعلم هماهم 1 الأنفس وما تخفى الصدور، ووساوسها ونيات القلوب، ونطق الألسن ورجع الشفاه، وبطش الأيدى، ونقل الأقدام، وخائنة الأعين، والسر وأخفى والنجوى 2 وما تحت الثرى، ولا يشغله شئ عن شئ، ولا يفرط في شئ، ولا ينسى شيئا لشئ. أسألك يا من عظم صفحه، وحسن صنعه، وكرم عفوه، وكثرت نعمته، ولا يحصى احسانه وجميل بلائه، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تقضى حوائجى التى أفضيت بها اليك، وقمت بها بين يديك، وأنزلتها بك، وشكوتها اليك، مع ما كان من تفريطي فيما أمرتنى به، وتقصيرى فيما نهيتني عنه. يا نوري في كل ظلمة، ويا انسى في كل وحشة، ويا ثقتى في كل شديدة، ويا رجائي في كل كربة، ويا وليى في كل نعمة، ويا دليل في الظلام، أنت دليلى إذا انقطعت دلالة الأدلاء، فان دلالتك لا تنقطع، لا يضل من هديت ولا يذل من واليت. أنعمت على فأسبغت 3، ورزقتني فوقرت، ووعدتني فأحسنت، وأعطيتني فأجزلت 4، بلا استحقاق لذلك بعمل منى ولكن ابتداء منك بكرمك وجودك، فأنفقت نعمتك في معاصيك، وتقويت برزقك على سخطك، وأفنيت عمرى فيما لا تحب، فلم يمنعك جرأتي عليك، وركوبي ما نهيتني عنه، ودخولي فيما حرمت على أن عدت في معاصيك. فأنت العائد بالصضل، وأنا العائد في المعاصي، وأنت يا سيدى خير الموالى لعبيده، وأنا شر العبيد، أعودك فتجيبني، وأسألك فتعطيني،


1 – الهماهم: الخفايا. 2 – النجوى: اسرار الحديث. 3 – اسبغت: وسعت. 4 – اجزلت: اكثرت.

[ 106 ]

وأسكت عنك فتبتدئنى، وأستزيدك فتزيدني، فبئس العبد أنا لك يا سيدى ومولاى. أنا الذى لم أزل اسى وتغفر، ولم أتعرض للبلاء وتعافيني، ولم ازل أتعرض للهلكة وتنجينى، ولم أزل أضيع في الليل والنهار في تقلبى 1 فتحفظني، ولم تنكس برأسي عند اخواني، بل سترت على القبائح العظام، والفضائح الكبار، وأظهرت حسناتي القليلة الصغار، منا منك على، وتفضلا واحسانا، وانعاما واصطناعا. ثم أمرتنى فلم أئتمر 3، وزحرتنى فلم أنزجر، ولم أشكر نعمتك، ولم أقبل نصيحتك. ولم أؤد حقك، ولم أترك معاصيك، بل عصيتك بسمعي ولو شئت أصممتنى، فلم تفعل ذلك بى، وعصيتك بيدى، ولو شئت لكنعتنى 4 فلم تفعل ذلك بى، وعصيتك برجلي ولو شئت جذمتنى 5 فلم تفعل ذلك بى، وعصيتك بفرحي ولو شئت لعقمتنى فلم تفعل ذلك بى، وعصيتك بجميع جوارحي ولم يك هذا جزاؤك منى، فعفوك عفوك. فها أنا ذا عبدك المقر بذنبى، الخاشع بذلى، المستكين لك بجرمى، مقر لك بجنايتي، متضرع اليك، راج لك في موقفي هذا، تائب اليك من ذنوبي ومن اقترافي 6، ومستغفر لك من ظلمي لنفسي، راغب اليك في فكاك رقبتي من النار، ومبتهل اليك في العفو عن المعاصي.


1 – تقلبى: انتقالي وتحولي. 2 – اقلت عثرتي: غفرت خطيئتي. 3 – أئتمر: امتثل. 4 – كنعتنى: قطعت أو شللت يدى. 5 – جذمتنى: قطعت رجلى. 6 – الاقتراف: الاكتساب.

[ 107 ]

طالب اليك أن تنجح لى حوائجى، وتعطني فوق رغبتي، وأن تسمع ندائى، وتستجيب دعائي، وترحم تضرعي وشكواى، وكذلك العبد الخاطى يخضع لسيده، ويخشع لمولاه بالذل. يا أكرم من أقر له كل بالذنوب، وأكرم من خضع له وخشع، ما أنت صانع بمقر لك بذنبه، خاضع لك بذله، فان كانت ذنوبي قد حالت بينى وبينك أن تقبل على بوجهك، وتنشر على رحمتك، وتنزل على شيئا من بركاتك، وترفع لى اليك صوتا أو تغفر لى ذنبا، أو تتجاوز عن خطيئة 1. فها أنا ذا عبدك مستجيرا بكرم وجهك، وعز جلالك، ومتوجها اليك، ومتوسلا اليك، ومتقربا اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله أحب خلقك اليك وأكرمهم لديك، وأولاهم بك، وأطواعهم لك، وأعظمهم منك منزلة، وعندك مكانا، وبعترته صلى الله عليهم الهداة المهديين، الذين افترضت طاعتهم، وأمرت بمودتهم، وجعلتهم ولاة الأمر بعد نبيك. يا مذل كل جبار، ويا معز كل ذليل، قد بلغ مجهودي، فهب لى نفسي الساعة الساعة برحمتك. اللهم لا قوة لى على سخطك، ولا صبر لى على عذابك، ولاغنا بى عن رحمتك، تجد من تعذب غيرى، ولا أجد من يرحمنى غيرك، ولاقوة لى على البلاء، ولا طاقة لى على الجهد. أسألك بحق نبيك محمد صلى الله عليه وآله وبآله الطاهرين، وأتوسل اليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك، وأطلعتهم على وحيك 2، واخترتهم بعلمك، وطهرتهم وخلصتهم، واصطفيتهم وصفيتهم، وجعلتهم هداة مهديين، وائتمنتهم على وحيك، وعصمتهم عن معاصيك، ورضيتهم لخلقك، وخصصتهم بعلمك، واجتبيتهم وحبونهم وجعلتهم حججا على خلقك،


1 – خطيئته (خ ل). 2 – في المصباح: خفيك.

[ 108 ]

وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد في معصيتهم، وفرضت طاعتهم على من برأت 1، وأتوسل بهم اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك. اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحم صراخي واعترافى بذنبى وتضرعى وارحم طرحي رحلى بفنائك، وارحم مسيرى اليك، يا أكرم من سئل، يا عظيما يرجى لكل عظيم، اغفر لى ذنبي العظيم، فانه لا يغفر العظيم الا العظيم. اللهم انى أسألك فكاك رقبتي من النار، يا رب المؤمنين، ولا تقطع رجائي، يا منان من على، يا أرحم الراحمين، يا من لا يخيب سائله لا تردني، يا عفو اعف عنى، يا تواب تب على، واقبل توبتي يا مولاى، حاجتى التى ان أعطيتنها لم يضرنى ما منعتني، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك رقبتي من النار. اللهم بلغ روح محمد وآل محمد عنى تحية وسلاما، وبهم اليوم فاستنقذني، يا من أمر بالعفو، يا من يجزى على العفو، يا من يعفو، يا من رضى بالعفو، يا من يثيب على العفو، العفو العفو – يقولها عشرين مرة – أسألك اليوم العفو، وأسألك من كل خير أحاط به علمك. هذا مكان البائس الفقير، هذا مكان المضطر الى رحمتك، هذا مكان المستجير بعفوك من عقوبتك، هذا مكان العائذ بك منك، أعوذ برضاك من سخطك، ومن فجأة نعمتك، يا أملى يا رجائي يا خير مستغاث، يا أجود المعطين، يا من سبقت رحمته غضبه. يا سيدى ومولاى، ورجائي وثقتى ومعتمدى، ويا ذخري وظهري وعدتي، وغاية أملى ورغبتي، يا غياثي يا وارثي، ما أنت صانع بى في هذا اليوم الذى فزعت فيه اليك، وكثرت فيه الأصوات.


1 – برأت: خلقت.

[ 109 ]

أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تقلبني 1 فيه مفلحا منجحا بأفضل ما انقلب به من رضيت عنه، واستجبت دعاءه وقبلته، وأجزلت حباه 2 خير منه، وقلبته بكل حوائجه، وأحييته بعد الممات حياة طيبة، وختمت له بالمغفرة، وألحفته بمن تولاه. وقد وفدت اليك ووقفت بين يديك في هذا الموضع الذى شرفته رجاء لما عندك، فلا تجعلني اليوم أخيب وفدك، وأكرمني بالجنة، ومن على بالمغفرة، وجملنى بالعافية، وأجرني من النار، وأوسع على من رزقك الحلال الطيب، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم، وشر شياطين الانس والجن. اللهم صل على محمد وآل محمدو لا تردني خائبا، وسلمنى ما بينى وبين لقائك حتى تبلغني الدرجة التى فيها مرافقة أوليائك، واسقني من حوضهم مشربا رويا لا أظلمأ بعده واحشرني في زمرتهم، وتوفنى في حزبهم، وعرفني وجوههم في رضوانك والجنة، فانى رضيت بهم هداة. يا كافى كل شئ، ولا يكفى منه شئ صل على محمد وآل محمد، والكفنى شر ما، أحذر، وشر ما لا أحذر، ولا تكلني الى أحد سواك، وبارك لى


1 – ان تقلبني: ان ترجعني. 2 – اجزلت حباءه: كثرت عطاءه. 3 – في البحار: فيك.

[ 110 ]

فيما رزقتني، ولا تستبدل بى غيرى، ولا تكلني الى أحد من خلقك ولا الى رأيى فيعجزني، ولا الى الدنيا فتلفظني 1، ولا الى قريب ولا بعيد، بل تفرد بالصنع لى يا سيدى ومولاى. اللهم أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، في هذا اليوم تطول على فيه بالرحمة والمغفرة، اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة، ورب كل حرم ومشعر 2 عظمت قدره، وشرفته وبالبيت الحرام، وبالحل والحرام، والركن والمقام. صل على محمد وآل محمد، وأنجح (لى) 3 كل حاجة مما فيه صلاح دينى ودنياى وآخرتي، واعفرلى ولوالدي ولمن ولدنى من المسلمين، وارحمهما كما ربياني صغيرا، واجزهما عنى خير الجزاء، وعرفهما بدعائي لهما ما تقر به أعينهما، وفيهما وفى جميع أسلافي من المؤمنين في هذا اليوم فشفعني في نفسي وفيهما وفي جميع أسلافي من المؤمنين في هذا اليوم يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد، وفرج عن آل محمد، واجعلهم أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون، وانصرهم وانتصر بهم، وأنجز لهم ما وعدتهم، وبلغتني فتح آل محمد، واكفنى كل هول دونه، ثم اقسم اللهم لى فيهم نصيبا خالصا، يا مقدر الاجال، يا مقسم الأرزاق، افسح لى في عمرى، وابسط لى في رزقي. اللهم صل على محمد وآل محمد، وأصلح لنا امامنا واستصلحه، وأصلح على يديه، وآمن خوفه وخوفنا عليه، واجعله اللهم الذى تنتصر به لدينك. اللهم املأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملأت ظلما وجورا، وامنن به على فقراء المسلمين وارامليهم ومساكينهم، واجعلني من خيار مواليه


1 – تلفظني: ترميني. 2 – المشعر: كل موضع مقدس، ومنه المزدلفة. 3 – من البحار والصحيفة.

[ 111 ]

وشيعته، أشدهم له حبا أطوعهم له طوعا، وأنفذهم لأمره، وأسرعهم الى مرضاته، وأقبلهم لقوله، وأقومهم بامره، وارزقني الشهادة بين يديه حتى ألقاك وأنت عنى راض. اللهم انى خلفت الأهل والولد وما خولتني 1 وخرجت اليك ووكلت ما خلفت اليك فأحسن على فيهم الخلف، فانك ولى ذلك من خلقت، لا اله الا الله الحليم الكريم لا اله الا الله العلى العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين 2. ومن هذا الموضع زيادة ليس من هذا الفصل وهو مضاف إليه: اللهم انى عبدك، ناصيتى بيدك، وأجلى بعلمك، وأسألك أن توفقني لما يرضيك عنى، وأن تسلم لى مناسكي التى أريتها ابراهيم خليلك، ودللت عليها نبيك محمدا صلواتك عليهما، اللهم اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الممات حياة طيبة. الحمدلله على نعمائه التى لا تحصى بعدد، ولا تكافى بعمل، الحمد لله الذى خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا. الحمدلله الذى رزقني ولم أك أملك شيئا، الحمدلله على حلمه بعد علمه الحمدلله على عفوه بعد قدرته، الحمدلله على رحمته التى سبقت غضبه. اللهم صل على عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك الذى اصطفيته


1 – خولتني: ملكتنى. 2 – عنه البحار 98: 228، رواه الى هنا المفيد في مزاره: 134، مصباح المتهجد: 689، عنه البلد الأمين: 245، مصباح الكفعمي: 663، الصحيفة السجادية الجامعة: 337، الدعاء: 149.

[ 112 ]

لرسالاتك 1، واجعله أول شافع وأول مشفع وأول قائل وأنجح سائل، انك تجيب المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، فوقك المكروب، وتشفى السقيم، وتغنى الفقير، وتجبر الكسير، وليس فوقك أمير، وأنت العلى الكبير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير. أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني الى الدنيا بركة في عصمة دينى وخلاص نفسي وقضاء حاجتى، وتشفيعي في مسائلي واتمام النعمة على، وصرف السوء عنى ولباس العافية لى، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك، انك جواد كريم. اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى، حتى تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام، والزوار لقبر نبيك عليه وآله السلام في أعفى عافيتك، وأعم نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك، وأوسع رزقك، وأفضل الرجاء، وأنا لك على أحسن الوفاء، انك سميع الدعاء. اللهم صل على 1 محمد وآل محمد واسمع دعائي، وارحم تضرعي وتذللي واستكانتي وتوكلنى فانى لك سلم لا أرجوا نجاحا ولا تشريفا الا بك ومنك، فامنن على بتبليغى هذه العشية من قابل وأنا معافى من كل مكروه ومحذور، من جميع البوائق 2 وأعنى على طاعتك وطاعة رسولك وأوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك. 3 اللهم صل على محمد وآل محمد، سلمني في دينى وامدد لى في


1 – لرسالتك (خ ل). 2 – البائقة: الداهية. 3 – نحلقك (خ ل). (*)

[ 113 ]

عمرى وأصح جسمي، يا من رحمنى وأعطاني سؤلى فاغفر لى ذنبي انك على كل شئ قدير. اللهم صل على محمد وآل محمد تمم على نعمتك فيما بقى من أجلى حتى تتوفانى وأنت عنى راض، ولا تخرجني من ملة الاسلام، فانى اعتصمت بحبلك فلا تكلني الى غيرك، وعلمني ما ينفعني، واملأ قلبى علما وخوفا من سطواتك ونقماتك. اللهم انى أسألك مسألة المضطر اليك الكشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك، أن تغفر لى وتحنن على برحمتك وأن تجود على بمغفرتك وتؤدى عنى فريضتك، وتغنيني بفضلك عمن سواك، وأن تجيرني من النار، برحمتك يا أرحم الراحمين 1. ومن أدعية يوم عرفة دعاء لمولانا زين العابدين صلوات الله عليه، وهو دعاء اشتمل على المعاني الربانية وأدب العبودية مع الجلالة الالهية: اللهم ان ملائكتك مشفقون 2 من خشيتك، سامعون مطيعون لك وهم بأمرك يعملون، لا يفترون 3 الليل والنهار يسبحون، وأنا أحق بالخوف الدائم لاساءتي على نفسي، وتفريطها الى اقتراب أجلى، فكم لى يا رب من ذنب أنا فيه مغرور متحير. اللهم انى قد أكثرت على نفسي من الذنوب والاساءة وأكثرت على من المعافاة، سترت على ولم تفضحني بما أحسنت لى النظر وأقلتني العثرة،. وأخاف أن أكون فيها مستدرجا، فقد ينبغى لى أن أستحيى من كثرة معاصي معاصي، ثم لم تهتك لى سرا، ولم تبد لى عورة، ولم تقطع عنى الرزق، ولم تسلط على جبارا، ولم تكشف عنى غطاء مجازاة لذنوبي، تركتني كأنى


1 – عنه البحار 98: 234. 2 – مشفقون: خائفون. 3 – لا يفترون: لا يسكنون.

[ 114 ]

لا ذنب لى، كففت 1 عن خطيئتي وزكيتني بما ليس في، أنا المقر على نفسي بما جنت على يداى، ومشت إليه رجلاى، وباشر جسدي ونظرت إليه عيناى وسمعته اذناى، وعملته جوارحي، ونطق به لساني، وعقد عليه قلبى. فأنا المستوجب يا الهى زوال نعمتك، ومفاجاة نقمتك وتحليل عقوبتك، لما اجترأت عليه من معاصيك، وضيعت من حقوقك، أنا صاحب الذنوب الكبيرة 2 التى لا تحصى عددها، وصاحب الجرم العظيم، أنا الذى أحللت العقوبة بنفسى وأوبقتها 3 بالمعاصى جهدي وطاقتي وعرضتها للمهالك بكل قوتي. الهى 4 أنا الذى لم أشكر نعمك عند معاصي اياك ولم أدعها عند حلول البلية ولم أقف عند الهوى ولم اراقبك، يا الهى أنا الذى لم أعقل عند الذنوب نهيك، ولم اراقب عند اللذات زجرك 5، ولم أقبل عند الشوة نصيحتك، وركبت الجهل بعد الحلم، وغدوت 6 الى الظلم بعد العلم. اللهم فكما حلمت عنى فيما اجترأت عليه من معاصيك، وعرفت تضييعى حقك، وضعفى عن شكر نعمتك، وركوبي معصيتك، اللهم انى لست ذا عذر فأعتذر ولاذا حيلة فأنتصر. اللهم قد أسأت وظلمت، وبئس ما صنعت، عملت سوء لم تضرك ذنوبي، فأستغفرك يا سيدى ومولاى، سبحانك لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين. اللهم انك تجد من تعذبه غيرى ولا أجد من يرحمنى سواك، اللهم فلو


1 – كففت: انصرف. 2 – الكثيرة (خ ل). 3 – أوبقتها: اهلكتها. 4 – اللهم (خ ل). 5 – زجرك: منعك. 6 – عدوك: ذهبت وانطلقت.

[ 115 ]

كان لى مهرب لهربت، ولو كان لى مصعد في السماء أو مسلك في الأرض لسلكت، ولكنه لا مهرب لى ولا منجأ ولا منننننجأ ولا مأوى منك الا اليك. اللهم ان تعذبني فأهل ذلك أنا وان ترحمني فأهل ذلك أنت، بمنك وفضلك ووحدانيتك وجلالك وكبريائك وعظمتك وسلطانك، فقديما ما مننت على أوليائك ومستحقى عقوبتك بالعفو والمغفرة، سيدى عافية من أرجو إذا لم أرج عافيتك، وعفو من أرجو إذا لم أرج عفوك، ورحمة من أرجو إذا لم أرج رحمتك، ومغفرة من أرجوا إذا لم أرج مغفرتك، ورزق من أرجو إذا لم أرج رزقك، وفضل من أرجو إذا لم أرج فضلك. سيدى أكثرت على من النعم وأقللت لك من الشكر، فكم لك عندي من نعمة لا يحصيها أحد غيرك، ما أحسن بلاءك 1 عندي، وأحسن فعالك، ناديتك مستغيثا مستصرخا فأغثتني، وسألتك عائلا 2 فأغنيتني، ونأيت 3 فكنت قريبا مجيبا، واستعنت بك مضطرا فأعنتني ووسعت على، وهتفت اليك في مرضى فكشفته عنى، وانتصرت بك في رفع البلاء. فوجدتك يا مولاى نعم المولى ونعم النصير، وكيف لا أشكرك، يا الهى أطلقت لساني بذكرك رحمة لى منك، واضأت لى بصرى بلطفك حجة منك على، وسمعت اذناى بقدرتك نظرا منك، ودللت عقلي على توبيخ 4 نفسي. اليك أشكو ذنوبي فانها لا مجرى لبثها 5 الا اليك، ففرج عنى ما ضاق به صدري، وخلصني من كل ما أخاف على نفسي، من أمر دينى ودنياى


1 – بلاءك: احسانك وانعامك. 2 – عائلا: فقيرا. 3 – نأيت: بعدت. 4 – التوبيخ: اللوم. 5 – لبثها: لا ذاعتها ونشرها.

[ 116 ]

وأهلي ومالى، فقد استصعب على شأني، وشتت على أمرى وقد أشرفت على هلكتي نفسي، وإذا تداركتني منك برحمة تنقذني بها، فمن لى بعدك يا مولاى. أنت الكريم العواد بالغفرة، وأنا اللئيم العواد بالمعاصى، فاحلم يا حليم عن جهلى وأقلني يا مقيل عثرتي، وتقبل يا رحيم توبتي، سيدى ومولاى، لابد من لقائك على كل حال. وكيف يستغنى العبد عن ربه، وكيف يستغنى المذنب عمن يملك عقوبته ومغفرته، سيدى لم أزدد اليك الا فقرا، ولم تزدد عنى الا غنى، ولم تزدد ذنوبي الا كثرة، ولم يزدد عفوك الا سعة. سيدى، ارحم تضرعي اليك وانتصابي بين يديك، وطلبي ما لديك، توبة فيما بينى وبينك، سيدى متعوذا بك متضرعا اليك بائسا فقيرا تائبا، غير مستنكف ولا مستكبر، ولا مستسخط 1، بل مستسلم لأمرك راض بقضائك، لا آيس من روحك 2، ولا آمن من مكرك ولا قانط من رحمتك، سيدى بل مشفق 3 من عذابك، راج لرحمتك، لعلمي بك يا سيدى ومولاى، فانه لن يجيرني 4 منك أحدا ولا أجد من دونك ملتحدا 5. اللهم انى أعوذ بك أن تحسبن في رامقة 6 العيون علانيتي، وتفتح فيما أخلو لك سريرتي، محافظا على رئاء الناس من نفسي، مضيعا ما أنت مطلع عليه منى فابدى لك بأحسن أمرى، وأخلو لك بشر فعلى تقربا الى المخلوقين بحسناتي، وفرارا منهم اليك بسيئاتي، حتى كأن الثواب ليس


1 – مستسخط: كاره. 2 – روحك: رحمتك. 3 – مشفق: خائف حذر. 4 – يجيرني: ينفذني. 5 – ملتحدا: ملجأ. 6 – وامقة (خ ل)، أقول: رمقه بعينه: اطال النظر إليه.

[ 117 ]

منك، وكأن العقاب ليس اليك، قسوة من مخالفتك من قلبى وزللا عن قدرتك من جهلى فيحل بى غضبك وينالنى مقتك فأعذني من ذلك كله، وقنى بوقايتك التى وقيت بها عبادك الصالحين. اللهم تقبل منى ما كان صالحا، وأصلح منى ما كان فاسدا، ولا تسلط على من لا يرحمنى ولا باغيا ولا حاسدا. اللهم أذهب عنى كل هم، وفرج عنى كل غم، وثبتنى في كل مقام، واهدنى في كل سبيل من سبل الحق، وحط عين كل خطيئة، وأنقذنى من كل هلكة وبلية، وعافنى أبدا ما أبلقتنى واغفر لى إذا توفيتنى، ولقنى روحا وريحانا وجنة نعيم، أبدا الابدين، يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 1. ومن أدعية يوم عرفة ما رويناه باسنادنا الى أبى محمد هارون بن موسى التلعكبرى، باسناده الى اياس بن الأكوع، عن أبيه، عن أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: سمعته يدعو في يوم عرفة في الموقف بهذا الدعاء، فنسخته: تقول إذا زالت الشمس من يوم عرفة وأنت بها، تصلى الظهر والعصر، ثم ائت الموقف، وكبر الله مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة، وهلله مرة واقرأ قل هو الله أحد) مائة مرة، وان أحببت أن تزيد على ذلك فزد، واقرء سورة القدر مائة مرة، ثم قل: لا اله لا الله الحليم الكريم، لا اله الا الله العلى العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين، اللهم اياك أعبد واياك أستعين. اللهم انى أريد أن اثنى عليك وما عسى أن أبلغ من مدحك مع قلة علمي، وقصر رأيى، وأنت الخالق وأنا المخلوق، وأنت المالك وأنا


1 – عنه البحار 98: 236 – 239، رواه في الصحيفة السجادية الجامعة: 333، الدعاء: 148.

[ 118 ]

المملوك، وأنت الرب وأنا العبد 1، وأنت العزيز وأنا الذليل، وأنت القوى وأنا الضعيف، وأنت الغنى وأنا الفقير، وأنت المعطى وأنا السائل، وأنت الغفور وأنا الخاطى، وأنت الحى الذى لا تموت، وأنا خلق أموت. اللهم أنت الله رب العالمين، وأنت الله لا اله الا أنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا اله الا أنت مالك يوم الدين، وأنت الله لا اله الا أنت بدى كل شئ واليك يعود، وأنت الله لا اله الا أنت لم تزل ولا تزال، وأنت الله لا اله الا أنت خالق الجنة والنار. وأنت الله لا اله الا أنت خالق الخير والشر، وأنت الله لا اله الا أنت، الواحد الأحد الفرد الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأنت الله لا اله الا أنت عالم الغيب والشهادة، وأنت الله لا اله الا أنت الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. وأنت الله لا اله الا أنت، الخالق الباري المصور له الاسماء الحسنى، سبحان الله عما يشركون، وأنت الله لا اله الا أنت الخالق الباري المصور يسبح لك ما في السماوات والأرض وأنت العزيز الحكيم، وأنت الله لا اله الا أنت الكبير، والكبرياء رداؤك. اللهم أنت 2 سابغ النعماء، حسن البلاء، جزيل العطاء، مسقط القضاء، باسط اليدين بالرحمة، نفاع بالخيرات، كاشف الكربات، رفيع الدرجات، منزل الايات من فوق سبع سماوات، عظيم البركات، مخرج من النور الى الظلمات، مبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات. اللهم انك دنوت في علوك وعلوت في دنوك، فدنوت فليس دونك


1 – في البحار: أنا المربوب. 2 – في البحار: انك.

[ 119 ]

شئ، وارتفعت فليس فوقك شئ، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى، فالق الحب والنوى، لك مافى السماوات العلى، ولك الكبرياء في الاخرة والاولى. اللهم انك غافر الذنوب، شديد العقاب، ذى الطولا لا اله الا أنت اليك المصير، وسعت رحمتك كل شئ وبلغت حجتك، ولا معقب لحكمك، وأنت الذى أثبت كل شئ بحكمك، وأحصيت كل شئ بعلمك، وأبرمت كل شئ بحكمك، ولا يفوتك شئ بعلمك، ولا يمتنع عنك شئ. أنت الذى لا يعجزك هاربك، ولا يرتفع صريعك، ولا يحيى قتيلك، أنت علوت فقهرت، وملكت فقدرت، وبطنت فخبرت، وعلى كلى شئ ظهرت، علمت خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وتعلم ما تحمل كل انثى وما تضع وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عندك بمقدار. أنت الذى لا تنسى من ذكرك، ولا يضيع من توكل عليك، أنت الذى لا يشغلك ما في جو أرضك عما في جو سماواتك، ولا يشغلك ما في جو سماواتك عما في جو أرضك، أنت الذى تعززت في ملكك، ولم يشركك أحد في جبروتك، أنت الذى علا كل شئ ملكك، وملك كل شئ أمرك. أنت الذى ملكت الملوك بقدرتك، واستعبدت الأرباب بعزتك، وأنت الذى قهرت كل شئ بعزتك، وعلوت كل شئ بفضلك، أنت الذى لا يستطاع كنه وصفك، ولا منتهى لما عندك، أنت الذى لا يصف الواصفون عظمتك، ولا يستطيع المزايلون 1 تحويلك، أنت شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.


1 – زايله: فارقه.

[ 120 ]

أنت الذى لا يحفيك سائل، ولا ينقصك نائل، ولا يبلغ مدحك مادح ولا قائل، أنت الكائن قبل كل شئ، والمكنون لكل شئ، والكائن بعد كل شئ. أنت الواحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له 1 كفوا أحد، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، السماوات ومن فيهن لك، والأرضون ومن فيهن لك، وما بينهن وما تحت الثرى، أحصيت كل شئ وأحطت به علما، وأنت تزيد في الخلق ما تشاء، وأنت 2 لا تسأل عما تفعل وهم يسألون، وأنت الفعال لما تريد، وأنت القريب وأنت البعيد، وأنت السميع وأنت البصير. وأنت الماجد وأنت الواحد 3، وأنت العليم وأنت الكريم، وأنت البار وأنت الرحيم، وأنت القادر وأنت القاهر، لك الأسماء الحسنى كلها، وأنت الجواد الذى لا يبخل، وأنت العزيز الذى لا تذل، وأنت ممتنع لا ترام، يسبح لك ما في السماوات والأرض، وأنت بالخير أجود منك بالشر. أنت ربى ورب آبائى الأولين، أنت تجيب المضطر إذا دعاك، أنت 4 نجيب نوح 2 من العرق، وأنت 5 غفرت لداود ذنبه، وأنت 6 نفست 7 عن ذى النون كربه، وأنت 8 كشفت عن أيوب ضره، وأنت 9 رددت موسى على امه. وأنت صرفت قلوب السحرة اليك، حتى قالوا آمنا برب العالمين، وأنت ولى نعمة الصالحين، لا يذكر منك الا الحسن الجميل، وما يذكر أكثر، لك الالاء والنعماء 10.


1 – لم تلد ولم تولد ولم يكن له (خ ل). 2 – أنت الذى (خ ل). 3 – الواجد (خ ل). 4 – وانت (خ ل). 5 – 6 – انت الذى (خ ل). 7 – نفس: ازال كربه. 8 – 9 – انت الذى (خ ل). 10 – النعم (خ ل).

[ 121 ]

وأنت المحسن المجمل، لا تبلغ مدحتك، ولا الثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك وبحمدك، تباركت أسماؤك، وجل ثناؤك، ما أعظم شأنك، وأجل مكانك، وما أقربك من عبادك، وألطفك بخلقك، وأمنعك بقوتك. أنت اعز وأجل وأسمع وأبصر، وأعلى وأكبر، وأظهر وأشكر، وأقدر وأعلم، وأجبر وأكبر، وأعظم وأقرب، وأملك وأوسع، وأمنع وأعطى، وأحكم ونأفضل، وأحمد، من تدرك العيان عظمتك، أو تصف الواصفون صفتك، أو يبلغوا غايتك. اللهم أنت الذى الله لا اله الا أنت، أجل من ذكر وأشكر من عبد، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، تحلم بعد ما تعلم، وتعفو وتغفر بعدما تقدر، لم تطع قط الا بادنك، ولم تعص قط الا بقدرتك، تطاع ربنا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر. اللهم أنت أقرب حفيظ وأدنى شهيد، حلت بين القلوب، وأخذت بالنواصى وأحصيت الأعمال، وعلمت الأخبار، وبيدك المقادير، والقلوب اليك مقتصدة 1، والسرعندك علانية، والمهتدى من هديت، والحلال ما حللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، تقضى ولا يقضى عليك. اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ، وأنت الاخر فليس بعدك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ. اللهم بيدك مقادير الليل والنهار، وبيدك مقادير الشمس والقمر، وبيدك مقادير الليل والنهار، وبيدك مقادير الشمس والقمر، وبيدك مقادير النصر والخذلان، وبيدك مقادير الدنيا والاخرة، وبيدك مقادير الموت والحياة، وبيدك مقادير الخير والشر، صل على محمد وآل


1 – مقصدة (خ ل).

[ 122 ]

محمد واغفر لى كل أذنبته في ظلم الليل وضوء النهار، عمدا أو خطأ، سرا أو علانية، انك على كل شئ قدير، وهو عليك يسير، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم. اللهم انى اثنى عليك بأحسن ما أقدر عليه، وأشكرك بما مننت به على وعلمتني من شكرك، اللهم لك الحمد بمحامدك كلها على نعمائك كلها، وعلى جميع خلقك حتى ينتهى الحمد الى ما تحب ربنا وترضى. اللهم لك الحمد عدد ما خلقت، ولك ما ذرأت، ولك الحمد عدد ما برأت، ولك الحمد عدد ما أحصيت، ولك الحمد عدد ما في السماوات والأرضين، ولك الحمد ملء الدنيا والاخرة. ثم تقول عشرا: لا اله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. وتقول عشرا: أستغفر الله الذى لا اله الا الله هو الحى القيوم وأتوب إليه. ثم تقول: يا الله يا الله – عشرا، يا رحمان يا رحمان – عشرا، يا رحيم يا رحيم – عشرا، يا بديع السماوات والأرض عشرا، يا ذا الجلال والاكرام – عشرا، يا حنان يا منان عشرا، – عشرا، يا حى يا قيوم – عشرا، بسم الله الرحمان الرحيم – عشرا، اللهم صل على محمد وآل محمد – عشرا. اللهم لك الحمد ولى الحمد، ومنتهى الحمد، وفى الحمد، عزيز الجند، قديم المجد، الحمدلله الذى كان عرشه على الماء حين لا شمس تضى، ولا قمر يسرى، ولا بحر يجرى، ولا رياح تذرى 1، ولا سماء مبنية، ولا أرض مدحية 2، ولا ليل تجن، ولا نهار يكن، ولا عين تنبع، ولا صوت يسمع،


1 – ذر الشئ: طار في الهواء. 2 – دحى الارض: بسطها.

[ 123 ]

ولا جبل مرسى 1، ولا سحاب منشى، ولا انس مبرور، ولا جن مذرو، ولا ملك كريم، ولا شيطان رجيم، ولا ظل ممدود، ولا شئ معدود. الحمدلله الذى استحمد الى من استحمده من أهل محامده، ليحمدوه على ما بذل من نوافله التى فاق مدح الماد حين مآثر محامده، وعدا وصف الواصفين هيبة جلاله، هو أهل لكل حمد ومنتهى كل رغبة، الواحد الذى لا بدأ له، الملك 2 الذى لا زوال له، الرفيع الذى ليس فوقه ناظر، ذى المغفرة والرحمة. المحمود لبذل نوائله، المعبود بهيبة جلاله، المذكور بحسن آلائه، المنان بسعة فواضله، المرغوب إليه في تمام المواهب من خزائنه، العظيم الشأن الكريم في سلطانه، العلى في مكانه، المحسن في امتنانه، الجواد في فواضله. الحمدلله بارى خلق المخلوقين بعلمه، ومصور أجساد العباد بقدرته، ومخالف صور من خلق من خلقه، ونافخ الأرواح في خلقه بعلمه، ومعلم من خلق من عباده اسمه، ومدبر خلق السماوات والأرض بعظمته. الذى وسع كل شئ خلق كرسيه، وعلا بعظمته فوق الأعلين، وقهر الملوك بجبروته، الجبار الأعلى المعبود في سلطانه، المتسلط بقوته، المتعالى في دنوه، المتدانى كل شئ في ارتفاعه، الذى نفذ بصره في خلقه، وحارت الأبصار بشعاع نوره. الحمدلله الحليم الرشيد، القوى الشديد، المبدى المعيد، الفعال لما يريد، الحمدلله منزل الايات، وكاشف الكربات، ومؤتى السماوات، الحمدلله في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل أوان. الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه، ولا يذل من


1 – رسى الجبل: ثبت ورسخ. 2 – له الملك (خ ل).

[ 124 ]

والاه، الذى يجزى بالاحسان احسانا، وبالصبر نجاة، الحمدلله الذى له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير. الحمدلله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا اولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شئ قدير، سبحان الله والحمد لله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون. وسبحان الله آناء الليل وأطراف النهار، وسبحان الله بالغدو الاصال، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، والحمد لله كما يحب ربنا وكما يرضى كثيرا طيبا، وسبحان الله كلما سبح الله شئ وكما يحب الله أن يسبح. والحمد لله كلما حمد الله شئ، وكلما يحب الله أن يحمد، ولا اله الا الله كلما هلل الله شئ وكما يحب الله أن يهلل، والله أكبر كلما كبر الله شئ، وكما يحب الله أن يكبر، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم. ثم تقول، وهو الدعاء المخزون: اللهم انى أسألك يا الله يا رحمان – سبع مرات، بأسمائك الرضية المرضية المكنونة، يا الله، اللهم انى أسألك بأسمائك الكبريائية، اللهم انى أسألك بأسمائك العزيزة المنيعة، وأسألك بأسمائك التامة الكاملة المعهودة يا الله، وأسألك بأسمائك التى هي رضاك يا الله. وأسألك بأسمائك التى لا تردها دونك، وأسألك من مسائلك بما عاهدت أوفى العهد أن لا تخيب سائلك، وأسألك بجملة مسائلك التى لا يفى بحملها شئ غيرك – سبع مرات. وأسألك بكل اسم إذا دعيت به أجبته، وبكل اسم هو لك، وكل مسألة حتى ينتهى الى اسمك الأعظم الأكبر الأكبر العلى الأعلى، الذى


[ 125 ]

استويت به على عرشك، واستقللت به على كرسيك، وهو اسمك الكامل الذى فضلته على جميع أسمائك يا رحمان – سبع مرات. وأسألك بما لاأعلمه ما لو علمته لسألتك به، وبكل اسم استأثرت به في علم الغيب عندك، يا رحمان يا رحمان، أن تصلى على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك وصفيك، وصل على محمد وعلى أهل بيت محمد، وترحم على محمد وأهل بيت محمد، كأفضل وأجمل، وأزكى وأطهر، وأعظم وأكثر وأتم، ما صليت على أحد من أنبيائك ورسلك، يا ذا الجلال والاكرام. اللهم صل على محمد وآل محمد في الأولين، وصل على محمد وآل محمد في الاخرين، وصل عليهم في الملأ الأعلى، وصل عليهم في المرسلين. اللهم أعط محمدا صلواتك عليه الوسيلة، والفضيلة والشرف، والدرجة الرفيعة. اللهم أكرم مقامه، وشرف بنيانه، وعظم برهانه، وبيض وجهه، وأعل كعبه 2، وأفلج حجته 3، وأظهر دعوته، وتقبل شفاعته كما بلغ رسالاتك، وتلا آياتك، وأمر بطاعتك وائتمر بها، ونهى عن معصيتك وانتهى عنها، في سر وعلانية، وجاهد حق الجهاد فيك، وعبدك مخلصا حتى أتاه اليقين، صلواتك عليه وعلى أهله. اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه عليه الأولون والاخرون من النبيين والمرسلين.


1 – نجيبك (خ ل). 2 – رجل عالى الكعب: شريف. 3 – أفلج الله حجته: أظهر.

[ 126 ]

اللهم استعملنا لسنته، وتوفنا على ملته، وابعثنا في شيعته، واحشرنا في زمرته، واجعلنا ممن يتبعه، ولا تحجبنا عن رؤيته، ولا تحرمنا مرافقته حتى بينى وبينه طرفة عين في الدنيا والاخرة. اللهم صل على محمد وآل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم افتح لهم فتحا يسيرا وانصرهم نصرا عزيزا، واجعل لهم من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم مكن لهم في الأرض واجعلهم أئمة واجعلهم الوارثين. اللهم أرهم في عدوهم ما يأملون وأر عدوهم منهم ما يحذرون، اللهم اجمع بينهم في خير وعافية، اللهم عجل الروح والفرج لال محمد، اللهم اجمع على الهدى أمرهم، واجعل قلوبهم في قلوب خيارهم، وأصلح ذات بينهم انك حميد مجيد. اللهم انى أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تغفر لى ولوالدي وما ولدا، وأعتقهما من النار وارحمهما وارضهما عنى، واغفر لكل والد لى دخل في الاسلام، ولأهلي وولدى وجميع قراباتى، انك على كل شئ قدير. اللهم اجعلني وجميع ورثه أبى واخواني فيك من أهل ولايتك ومحبتك، فانه لا يقدر على ذلك غيرك يا رحمان. اللهم أوزعني 1 أن أشكرك وأشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لى في ذريتي انى تبت اليك وانى من المسلمين، واجز والدى خير ما جزيت والدا عن ولده، واجعل ثوابهما عنى جنات النعيم، واغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في


1 – أوزعني: ألهمنى.

[ 127 ]

قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم أصلح ذات بينهم، واجمع على التقوى أمرهم، واجعلني واياهم على طاعتك ومحبتك، اللهم والمم شعثهم 1، واحقن دماءهم، وول أمرهم خيارهم أهل الرأفة والمعدلة عليهم، انك على كل شئ قدير، يا رب يا رب يا رب. اللهم بديع السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، ذالجلال والاكرام، والجود والقوة والسلطان، والجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة، والقدرة والمدحة، والرهبة والرغبة، والجود والعلو، والحجة والهدى، والطاعة والعبادة، والأمر والخلق، وكل شئ لك يا رب العالمين، يا رب يا رب يا رب. أسألك سؤال الضارعين المتضرعين، المساكين المستكينين، الراغبين الراهبين، الذين لا يحذرون سواك، يا من يجيب المضطر ويكشف الضر ويجيب الداعي ويعطى السائل. أسألك يا رب سؤال من لم يجد لضعفه مقويا، ولا لذنبه غافرا، ولا لفقره سادا غيرك، أسألك سؤال من اشتدت فاقته، وضعف قوته، وكثرت ذنوبه، يا ذا الجلال والاكرام، يا رب يا رب يا رب. أسألك يا رب، مسألة كل سائل ورغبة كل راغب بيدك، وأنت إذا دعيت أجبت وبحق السائلين عليك، وبحق صفوتك من عبادك، ومنتهى العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، أن لا تستدرجني بخطيئتي، ولا تجعل مصيبتي في دينى. واذكرني يا رب برضاك، ولا تنسنى حين تنشر رحمتك، وأقبل على


1 – الشعث: النتشار الأمر وخلله.

[ 128 ]

بوجهك الكريم، وامنن على بكرامتك، يا كريم العفو، واستجب دعائي وارحم تضرعي، فانى بائس فقير، خائف مستجير من عذابك، لا أثق بعملي، ولكني أثق برحمتك، يا رب يا رب يا رب. اللهم كن بى حفيا ولا تجعلني بدعائك رب شقيا، وامنن على بعافيتك وأعتق رقبتي من النار، فانني لا أستغيث بغيرك، وأستجيرك فأجرنى من كل هول ومشقة وخوف، وآمن خوفى وشجع جبنى، وقو ضعفى، وسد فاقتي، وأصلح لى جميع اموري، يا رب أعوذ بك من هول المطلع، ومن شدة الموقف يوم الدين، فانك تجير ولا يجار عليك، يا رب يا رب يا رب. اللهم لا تعرض عنى حين أدعوك، ولا تصرف عنى وجهك حين أسألك، فلا رب لى سواك وأعطني مسألتي وآمن خوفى يوم ألقاك، اللهم انى أعوذ بك فأعذني، فانى ضعيف خائف مستجير بائس فقير، يا رب يا رب يا رب، اللهم اكشف ضر ما استعذتك منه، وألبسنى رحمتك، وجللنى، عافيتك وآمنى برحمتك، فانك تجير ولا تجار عليك، اللهم انى أعوذ بك من وحشة القبر ومن خلوته ومن ظلمته، وضيقه وعذابه، ومن هول ما أتخوف بعده يا رب العالمين، يا رب يا رب يا رب. اللهم انى أسألك أن تصلى على محمد وأهل بيته 1 صفوتك وخيرتك من خلقك، وأن تستجيب لى دعائي، وتعطيني سؤلى واكفنى من دنياى وآخرتي، وارحم فاقتي، واغفر ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر، وآتني في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنى برحمتك عذاب النار. اللهم ارزقني صلة قرابتي وحجا مقبولا وعملا مبرورا ترضاه ممن عمل به، وأصلح لى أهلى وولدى، وأسألك أن تجعل لى عقبا صالحا تلحقني من دعائهم رضوانا ومغفرة وزيادة في كرامتك انك على كل شئ


1 – آل محمد (خ ل).

[ 129 ]

قدير، وأنت أرحم الراحمين، يا رب يا رب يا رب. اللهم وكلما كان في قلبى من شك أو ريبة، أو جحود أو قنوط، أو فرح أو مرح 1، أو بطر أو فجر، أو خيلاء أو جبن أو خفية، أو رياء أو سمعة، أو شقاق أو نفاق، أو كفرا أو فسوق، أو عظمه أو شئ مما لا تحب عليه أولياءك، فأسألك بحق محمد أن تمحو ذلك من قلبى وأن تبدلني مكانه ايمانا وعدلا، ورضا بقضائك، ووفاء بعهدك ووجلا منك، وزهدا في الدنيا ورغبة فيما عندك، وثقة بك وطمأنينة اليك وتوبة اليك نصوحا، يا رب يا رب يا رب. اللهم لك الحمد كما خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، فأعنى على أهوال الدنيا وبوائق 2 الدهر (ونكبات الزمان) 3 وكربات الاخرة، ومصيبات الليالى والأيام ومن شر ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم بارك لى في قدرك، ورضني بقضائك، اللهم افتح مسامع قلبى لذكرك، وارزقني شكرا وتوفيقا وعبادة وخشية يا رب العالمين، يا رب يا رب يا رب. اللهم اطلع الى اليوم اطلاعة تدخلني بها الجنة، اللهم استجب دعائي واقبله منى، واجعله دعاء جامعا يوافق بعضه بعضا، فان كل شئ عندك بمقدار، اللهم واجعله من شأنك فانك كل يوم في شأن. اللهم واكتبه في عليين في كتاب لا يمحى ولا يبدل بأن تقول: قد غفرت لعبدي ما تقدم من ذنبه وما تأخر، واستجب له دعوته ووفقته، واصطفيته لنفسي، وكرمته وفضلته، وعصمته وهديته، وزكيته وأصلحته، واستخلصته وغفرت له، وعفوت عنه، آمين يا رب يا رب يا رب. اللهم انى أتوجه اليك بنبيك نبى الرحمة محمد صلى الله عليه وآله،


1 – مرح الرجل: اشتد فرحه ونشاط حتى جاوز القدر وتبختر واختال. 2 – البائقة: الداهية. 3 – من البحار. (*)

[ 130 ]

في خلاصى وخلاص والدى وما ولدا وأهلي وولدى وجميع ذرية أبى واخواني فيك وجميع المؤمنين والمؤمنات، وكل والد لى دخل في الاسلام، من أهوال يوم القيامة، ومن هموم الدنيا والاخرة وأهوالها. وأسألك أن ترزقني عزها، وتصرف عنى شرها، وتثبتنى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة انك رؤوف رحيم، وصلى الله على محمد وآله كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا رب يا رب يا رب. اللهم انى أسألك أن تصرف عنى شر كل جبار عنيد، وشر كل شيطان مريد، وشر كل ضعيف من خلقك وشديد، ومن شر السامة والهامة 1 واللامة 2 والخاصة والعامة، ومن شر كل دابة صغيرة أو كثيرة بالليل والنهار، ومن شر فسقة العرب والعجم، ومن شر فسقة الجن والانس، انك على كل شئ قدير، ولا حول ولاقوة الا بالله العلى العظيم، وصلى الله على خير مخلوق دعا الى خير معبود، اللهم ربنا وآتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار، يا رب يا رب يا رب. اللهم وما كان من خير أو عمل صالح أسألك به، وأكون في رضوانك وعافيتك، وما صلح من ذلك من البر، فامنن على به، انى اليك راغب وبك مستجير. اللهم ما استطعفيتك منه وما لم أستعفك منه وتوجب على به النار وسخطك فاعفني منه، وما عذت من المخازى يوم القيامة وسوء المطلع الى مافى القبور فأعذني منه، اللهم وما أندم عليه من فعلى له وأجازى عليه يوم المعاد أو تراني في الدنيا على الحال التى تورث سخطك، فأسألك بوجهك الكريم أن تعظم عافيتي من جميع ذلك ياولى العافية، يا رب يا رب يا رب. وأسألك يا رب مع ذلك العافية من جهد البلاء، وسوء القضاء وشماته


1 – الهامة: كل ذات سم يقتل، جمع هوام، اما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور. 2 – اللامة: مرض شبه الجنون.

[ 131 ]

الأعداء، وأن تحملني بما لا طاقة لى به وان لا تسلط على ظالمي بما لا طاقة لى به، وتناقشني في الحساب يوم الحساب مناقشة بمساوى أحوج ما أكون الى عفوك وتجاوزك، أسألك بوجهك الكريم أن تعظم عافيتني في جميع ذلك، ياولى العافية، أي من عفا عن السيئات ولم يجاز بها، ارحم عبدك، يا رب يا رب يا رب. يا الله يا الله يا الله، نفسي نفسي ارحم عبدك يا سيداه، عبدك بين يديك، يا رباه يا رباه يا رباه يا منتهى رغبتاه، يا مجرى الدم في عروقي، عبدك عبدك يا سيداه، (عبدك بين يديك) 1، يا مالك عبده، يا سيداه، يا مالكاه، يا هو يا رباه، لا حيلة لى ولاغنى بى نفسي، ولا أستطيع لها ضرا ولا نفعا، ولا رجاء لى ولا أجد أحدا اصانعه 2، تقطعت أسباب الخدائع واضمحل عنى كل باطل، أفزدنى الدهر اليك فقمت هذا المقام، الهى بعلمك. فكيف أنت صانع بى، ليت شعرى ولا أشعر، كيف تقول لدعائي ؟ أتقول: نعم، أو تقول: لا، فان قلت: لا، فياويلتاه يا ويلتاه يا ويلتاه، يا عولتاه يا عولتاه يا عولتاه، يا شقوتاه يا شقوتاه يا شقوتاه، يا ذلاه ياذلاه يا ذلاه. الى من، وعند من أو كيف، أو بماذا، أو الى أي شئ، ومن أوجو، أو من يعود على ان رفضيتنى، يا واسع المغفرة، وان قلت: نعم، كما الظن بك، فطوبى لى أنا السعيد، فطوبى لى أنا المرحوم. أيا مترحم، أيا متعطف، أيا محيى، أيا متملك، أيا متسلط ! لا عمل لى أرجو به نجاح حاجتى، ولا أحد أنفع لى منك، يا من عرفني نفسه، يا من أمرنى بطاعته، يا مدعو يا مسؤول أيا 3 مطلوب إليه. رفضت وصيتك، ولو أطعتك لكفيتني ما قمت اليك فيه من قبل أن


1 – من البحار. 2 – صانعه: داهنه، رشه. 3 – يا (خ ل).

[ 132 ]

أقوم، وأنا مع معصيتى لك راج، فلا تحل بينى وبين مارجوته، واردد يدى ملأ من خيرك بحقك يا سيدى يا وليى أنا من قد عرفت، شر عبد، وأنت خير رب، يا مخشى الانتقام، يا رب يا رب يا رب. يا الله يا الله يا الله، يا محيط بملكوت السماوات والأرض، أصلحني لدنياى، وأصلحني لأهلى، وأصلحني لولدي وأصلح لى ما خولتني 1 يا الهى، وأصلحني من خطاياى. يا حنان يا منان، تفضل على برحمتك، وامنن على باجابتك، وصل اللهم على محمد النبي وآله وسلم وحل بينى وبين ما حلت بينه وبين أهل محمد من الباطل، وآتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة يا أرحم الراحمين. ثم تقول: بسم الله الرحمان الرحيم والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمان الرحيم، هو الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولانوم له مافى السماوات وما في الأرض، من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم. آلم الله لا اله الا هو الحى القيوم، هو الذى يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا اله الاهو العزيز الحكيم، الذين يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار. شهد الله انه لا اله هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم، ان الدين عند الله الاسلام، الله لا اله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا.


1 – خولته: ملكته.

[ 133 ]

ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل، اتبع ما اوحى اليك من ربك لا اله الا هو وأعرض عن المشركين. قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا، الذى له ملك السماوات والأرض لا لاه هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون، وما امروا الا ليعبدوا الها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون. لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم 1 حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فان تولوا فقل حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين. فان لم تستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا اله الا هو فهل أنتم مسلمون، قل هو ربى لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب، أن أنذروا أنه لا اله الا أنا فاتقون، الله لا اله الا هو له الأسماء الحسنى فاستمع لما يوحى. اننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكرى، انما الهكم الله لا اله الا هو وسع كل شئ علما، وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي إليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون. وذالنون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر 2 عليه فنادى في الظلمات أن لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو له الحمد في الاولى والاخرة وله


1 – عنت: وقع في أمر شاق. 2 – نقدر: نضيق.

[ 134 ]

الحكم واليه ترجعون، يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا اله هو فأنى تؤفكون، انهم كانوا إذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون. ذلكم الله ربكم له الملك لا اله الا هو فأنى تصرفون، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا هو إليه المصير، ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا اله الا هو فأنى تؤفكون، تبارك الله رب العالمين. لا اله الا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين، فاعلم أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم. لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، هو الله الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم. هو الله الذى لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. الله لا اله الا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون، رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا، وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم بعيد – تقوله سبعا. ثم تقول: آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل، واسحاق ويعقوب والأسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه الها لقد قلنا إذا شططا 1،


1 – شطط: افرط، تباعد عن الحق.

[ 135 ]

الحمدلله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق وصلى الله عليهم أجمعين. ثم تقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبى الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، وأمينه على وحيه، السلام عليك يا مولاى يا أمير المؤمنين. السلام عليك يا مولاى، أنت حجة الله على خلقه، وباب علمه ووصى نبيه والخليفة من بعده في امته، لعن الله امة غصبتك حقك، وقعدت مقعدك، أنا برئ منهم، ومن شيعتهم اليك. السلام عليك يا فاطمة البتول، السلام عليك يا زين نساء العالمين، السلام عليك يا بنت رسول الله رب العالمين صلى الله عليك وعليه، السلام عليك يا ام الحسن والحسين، لعن الله امة غضبتك حقك ومنعتك ما جعله الله لك حلالا، أنا برى اليك منهم ومن شيعتهم. السلام عليك يا مولاى يا أبا محمد الحسن الزكي، السلام عليك يا مولاى، لعن الله امة قتلتك وبايعت في أمرك وشايعت انا برى منهم ومن شيعتهم. السلام عليك يا مولاى يا أبا عبد الله الحسين بن على صلوت الله عليك وعلى أبيك وجدك محمد صلى الله عليه، لعن الله امة استحلت دمك، ولعن الله امة قتلتك واستباحت حريمك، ولعن الله أشياعهم وأتباعهم، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم، أنا برئ الى الله واليك منهم. السلام عليك يا مولاى يا أبا محمد على بن الحسين، السلام عليك يا مولاى يا أبا جعفر محمد بن على، السلام عليك يا مولاى يا ابا عبد الله جعفر بن محمد، السلام عليك يا مولاى يا أبا الحسن موسى بن جعفر، السلام


[ 136 ]

عليك يا مولاى يا أبا الحسن على بن موسى. السلام عليك يا مولاى يا أبا جعفر محمد بن على، السلام عليك يا مولاى يا أبا الحسن على بن محمد، السلام عليك يا مولاى يا أبا جعفر الحسن بن على، السلام عليك يا مولاى يا أبا القاسم محمد بن الحسن صاحب الزمان، صلى الله عليك وعلى عترتك الطاهرة الطيبة. يا موالي كونوا شفعائي في حط وزرى وخطاياى، آمنت بالله وبما انزل اليكم وأتوالى آخركم بما أتوالى به أولكم، وبرئت من الجبت والطاغوت واللات والعزى. يا مولاى، أنا سلمن لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وعدو لمن عاداكم، وولى لمن والاكم الى يوم القيامة، ولعن الله ظالميكم وغاصبيكم ولعن الله أشياعهم وأتباعهم وأهل مذهبهم، وأبرء الى الله واليكم منهم. اللهم انى أشهدك وكفى بك شهيدا واشهد محمدا صلى الله عليه وآله وعليا والثمانية من حملة عرشك والأربعة الأملاك خزنة علمك، أنى برئ 1 من أعدائهم وأن فرض صلواتي لوجهك، ونوافلي وزكواتي وما طاب من قول وعمل عندك، فعلى محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين. اللهم أقرر 2 عينى بصلاته وصلاة أهل بيته، واجعل ما هديتني إليه من الحق والمعرفة بهم مستقرا لا مستودعا، يا أرحم الراحمين. اللهم وعرفني نفسك وعرفني رسلك، وعرفني ملائكتك، وعرفني ولاة أمرك، اللهم انى لا آخذ الا ما أعطيت، ولاواق الا ما وقيت، اللهم لا تحرمنى منازل أوليائك ولا تزع قلبى بعد إذ هديتني وهب لى من لدنك رأفة ورشدا، اللهم وعلمني ناطق التنزيل وخلصني من المهالك. اللهم وخلصني من الشيطان وحزبه، ومن السلطان وجنده، ومن الجبت


1 – انى أبرى (خ ل). 2 – اقر (خ ل).

[ 137 ]

وأنصاره، بحق محمد المحمود، وبعلى المقصود، وبحق شبر وشبير، وبحق أسمائك الحسنى صل على أفضل الصفوة، انك على كل شئ قدير، وأنت بكل شئ محيط. يا رب يا رب يا رب، يا الله يا الله يا الله، يا رباه يا رباه يا رباه، يا سيداه يا سيداه يا سيداه، يا مولاه يا مولاه يا مولاه، يا عماد من لاعماد له، وياسند من لا سند له، ويا ذخر من لاذخر له أنت ربى وأنا عبدك على عهدك ووعدك، اللهم اجعله موقفا محمودا ولا تجعله آخر العهد منا، وأشركنا في صالح دعاء من دعاك بمنى وعرفات ومزدلفة وعند قبر نبيك عليه السلام وعند زمزم والمقام. اللهم لك الحمد حيث رفعت أقدارنا عن شد الزنانيز 1 في الأوساط والخواتيم في الأعناق، ولك الحمد حيث لم تجعلنا زنادقة مضلين، ولا مدعية شاكين مرتابين ولا معاصين، ولا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله منحرفين، ولا بين عباده مشهورين. اللهم كما بلغنا هذا اليوم المبارك من شهرنا وسنتنا هذه المباركه، فبلغنا آخرها في عافية وبلغنا أعواما كثيرة برحمتك يا أرحم الراحمين، يا رب يا رب يا رب، يا الله يا الله يا الله، يا رباه يا رباه يا رباه، يا سيداه يا سيداه يا سيداه، يا مولاه يا مولاه يا مولاه. اللهم وما قسمت لى في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا الشهر وفى هذه السنة، من خير أو بركة أو عافية، أو مغفرة أو رأفة أو رحمة، أو عتق من النار أو رزق واسع حلال طيب، أو توبة نصوح، فاجعل لنا في ذلك أوفر النصيب وأجزل الحظ. اللهم ما أنزلت في هذه الساعة وفى هذا اليوم وفي هذا الشهر وفي هذه


1 – الزنارج الزنانير، الزنارة: ما يشد على الوسط.

[ 138 ]

السنة، من حرق أو شرق أو غرق أو هدم أو ردم 1، أو خسف أو قذف، أو رجف 2 أو مسخ أو صيحة، أو زلزلة أو فتنة، أو صاعقة أو برد، أو جنون أو جذام، أو برص أو أكل سبع أو ميتة سوء، وجميع أنواع البلاء في الدنيا والاخرة، فاصرفه عنا كيف شئت، وأنى شئت، وعن جميع المؤمنين في كل دار ومنزل في شرق الأرض وغربها. عز جارك وجل ثناؤك ولا اله غيرك وحدك لا شريك لك فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شئ ومليكه، أشهد أن لا اله الا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله. وأشهد أن الجنة حق، وأن الساعة آتيه لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أشهد أن لا اله الا الله، وحده لا شريك له، عليها أحيى، وعليها أموت، وعليها ابعث حيا ان شاء الله. رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبعلى وليا، وبالقرآن كتابا، وبالكعبة قبلة، وبإبراهيم عليه السلام أبا، وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبأمير المؤمنين صلوات الله عليه للحق واضحا، وللجنة والنار قاسما، وبالمؤمنين من شيعته اخوانا. لا أشرك بالله شيئا ولا أتخذ من دونه وليا ولا أدعى معه الها، لا اله الا الله وحده لا شريك له، الها واحدا فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولاولدا. اللهم انى أسألك بالعظيم من آلائك، والقديم من نعمائك، والمخزون من أسمائك، وماوارت الحجب من بهائك، ومعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وحدك لا شريك لك أن تصلى على محمد وآل


1 – الردم: ما يسقط من الحائط المتهدم. 2 – رجف: تحرك، الرجفة: الزلزلة.

[ 139 ]

محمد، وأن ترحم هذه النفس الجزوعة، وهذا البدن الهلوع 1 الذى لا يطيق حر شمسك، فكيف يطيق حر نارك، ان تعاقبني لا يزيد في ملكك شئ، وان تعف عنى لا ينقص من ملكك شئ. أنت يا رب أرحم، وبعبادك أعلم، وبسلطانك أرأف، وبملكك أقدم، وبعفوك أكرم، وعلى عبادك أنعم، لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين 2، واعف عنى يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين. ألوذ بعزتك، وأستظل بفنائك، وأستجير بقدرتك، وأستغيث برحمتك، وأعتصم بجبلك، ولا أثق الا بك، ولا ألجاء الا اليك، يا عظيم الرجاء، يا كاشف البلاء، ويا أحق من تجاوز وعفى. اللهم ان ظلمي مستجير بعفوك، وخوفي مستجير بأمانك، وفقرى مستجير بغناك، ووجهى البالى الفاني مستجير بوجهك الدائم الباقي، الذى لا يفنى ولا يزول، يامن لا يشغله شأن عن شأن، لا تجعل مصيبتنا في ديننا. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، وعد بحلمك على جهلنا، وبقوتك على ضعفنا، وبغناك على فقرنا، وأعذنا من الأذى والعدى والضر وسوء القضاء وشماته الأعداء، وسوء المنظر في المال والدين والأهل والولد، وعند معاينة الموت. اللهم يا رب نشكوا غيبة نبينا عنا، وقلة ناصرنا، وكثرة عدونا، وشدة الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الخلق علينا، اللهم صل على محمد وآل محمد، وفرج ذلك بفرج منك تعجله، وضر تكشفه وحق تظهره. اللهم وابعث بقائم آل محمد صلى الله عليه وآله للنصر لدينك، واظهار حجتك، والقيام بأمرك، وتطهير أرضك من أرجاسها برحمتك يا أرحم الراحمين.


1 – الهلوع: من يفزع. 2 – المذنبين (خ ل).

[ 140 ]

اللهم انى أعوذ بك أن اوالى عدوا اعادي لك وليا، أو أسخط لك رضا، أو أرضى لك سخطا، أو أقول لحق: هذا باطل، أو أقول لباطل: اللهم صل على محمد وآله وآتنا في الدنيا حسنة، وفى الاخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار 1. ومن الذعوات في يوم عرفة، المرويات عن الصادق عليه افضل الصلاة فقال: تكبر الله مائة مرة، وتهلله مائة مرة، وتسبحه مائة مرة، وتقدسه مائة مرة، وتقرء آية الكرسي مائة مرة، وتصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، ثم تبدء بالدعاء، فتقول: الهى وسيدي، وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي لك مخالفة أمرك، بل عصيت إذ عصيتك وما أنا بنكالك 2 جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لى نفسي، وغلبت على شقوتى، وأعانني عليه عدوك وعدوى، وغرني سترك المسبل 3 على، فعصيتك بجهلي، وخالفتك بجهدي. فالان من عذابك من ينقذني، وبحبل من أتصل ان أنت قطعت حبلك عنى، أنا الغريق المبتلى، فمن سمع بمثلى أو رآى مثل جهلى، لا رب لى غيرك ينجيني، ولا عشيرة تكفيني، ولا مال يفدينى. فوعزتك يا سيدى لأطلبن اليك، وعزتك يا مولاى لأتضرعن اليك، وعزتك يا الهى لالحن عليك، وعزتك يا الهي لأبتهلن اليك، وعزتك يا رجائي لأمدن يدى مع جرمها اليك. الهى فمن لى، مولاى فبمن ألوذ ؟ سيدى فبمن أعوذ ؟ أملى فمن أرجو ؟ أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، وحدك لا شريك لك، يا أحد من لا أحد


1 – عنه البحار 98: 238 – 255، عنه البحار 101: 375. 2 – النكال: العقوبة. 3 – اسبل الستر: ارخاه.

[ 141 ]

له، يا أكرم من اقر له بذنب، يا أعز من خضع له بذل. يا أرحم من اعترف له بجرم، لكرمك أقررت بذنوبى، ولعزتك خضعت بذلتى، فما صانع مولاى ولرحمتك أنت اعترفت بجرمى، فما أنت فاعل سيدى لمقر لك بذنبه، خاضع لك بذلة، معترف لك بجرمه. اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع اللهم دعائي إذ دعوتك، وندائي إذ ناديتك، وأقبل على إذ ناجيتك، فانى اقر لك بذنوبى، وأعترف وأشكو اليك مسكنتي وفاقتي وقساوة قلبى وضرى وحاجتي، يا خير من آنست به وحدتي وناجيته بسرى. يا أكرم من بسطت إليه يدى، ويا أرحم من مددت إليه عنقي، صل على محمد وآله، واغفر لى ذنوبي التى نظرت إليها عيناى. اللهم صل على محمد وآله، واغفر لى ذنوبي التى نطق بها لساني، اللهم صل على محمد وآله، واغفر لي ذنوبي التى اكتسبتها يدى، واغفر لي ذنوبي التى باشرها جلدى، واغفر اللهم ذنوبي التى احتطبت بها على بدنى. واغفر اللهم ذنوبي التى قدمتها يداى، واغفر اللهم ذنوبي التى أحصاها كتابك، واغفر اللهم ذنوبي التى سترتها من المخلوقين ولم أسترها منك. اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لى ذنوبي أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ما أعرف 1 منها وما لا أعرف، مولاى عظمت ذنوبي وجلت، وهى صغيرة في جنب عفوك. فاعف عنى فقد قيدتني، واشتهرت عيوبي، وغرقتنى خطاياى، وأسلمتنى نفسي اليك، بعد ما لم أجد ملجاء، ولا منجامنك الا اليك، مولاى استوجبت أن أكون لعقوبتك غرضا، ولنقمتك مستحقا.


1 – عرفت (خ ل).

[ 142 ]

الهى قد غير عقلي فيما وجلت من مباشرة عصيانك، وبقيت حيرانا متعلقا بعمود عفوك 1، فأقلني يا مولاى والهى بالاعتراف، فها أنا ذا بين يديك عبد ذليل خاضع صاغر داخر راغم، ان ترحمني فقديما شملني عفوك، والبستني عافيتك، وان تعذبني فانى لذلك أهل وهو منك يا رب 2 عدل. اللهم انى أسألك بالمخزون من أسمائك، وماوارت الحجب من بهائك أن تصلى على محمد وآله وترحم هذه النفس الجزوعة، وهذا البدن الهلوع 3، والجلد الرقيق، والعظم الدقيق، مولاى عفوك عفوك – مائة مرة. اللهم قد غرقتني الذنوب وغمرتني النعم، وقل شكرى وضعف عملي، وليس لى ما أرجوه الا رحمتك، فاعف عنى فانى امرؤ حقير وخطري يسير. اللهم انى أسألك أن تصلى على محمد وآله، وان تعف عنى، فان عفوك أرجى لى من عملي، وان ترحمني فان رحمتك أوسع من ذنوبي، وأنت الذى لا تخيب السائل، ولا ينقصك النائل، يا خير مسؤول وأكرم مأمول. هذا مقام المستجير بك من النار – مائة مرة، هذا مقام العائذ بك من النار – مائة مرة. هذا مقام الذليل، هذا مقام البائس الفقير، هذا مقام المستجير، هذا مقام من لا أمل له سواك، هذا مقام من لا يفرج كربه سواك، الحمدلله الذى هذانا لهذا وما كنا لنهتدي، لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق. اللهم لك الحمد على ما رزقتني، ولك الحمد على ما منحتني 4، ولك


1 – في البحار: غفرانك. 2 – وهو يا رب منك (خ ل). 3 – الهلوع: من نفزع. 4 – منحه: اعطاه.

[ 143 ]

الحمد على ما ألهمتنى، ولك الحمد على ما وفقتنى، ولك الحمد على ما شفقتنى، ولك الحمد على ما عافيتني، ولك الحمد على ما هديتني. ولك الحمد على السراء والضراء، ولك الحمد على ذلك كله، ولك الحمد على كل نعمة أنعمت على ظاهرة وباطنة، حمدا كثيرا دائما سرمدا أبدا لا ينقطع ولا ينفنى أبدا، حمدا ترضى بحمدك عنا، حمدا يصعد أوله ولا يفنى آخره يزيد ولا يبيد. اللهم انى أستغفرك من كل ذنب قوى عليه بدنى بعافيتك، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدى بسابغ رزقك، أو اتكلت عند خوفى منه على أناتك أو وثقت فيه بحولك، أو عولت فيه على كريم عفوك. اللهم انى أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتى، أو نخست بفعله نفسي، أو احتطبت به على بدنى، أو قدمت فيه لذتي، أو آثرت فيه شهواتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت فيه من تبعني، أو غلبت عليه بفضل حيلتى، أو احتلت عليك فيه مولاى فلم تغلبني على فعلى، إذ كنت كارها لمعصيتي، لكن سبق علمك في فعلى، فحملت عنى، لم تدخلني يا رب فيه جبرا، ولم تحملني عليه قهرا، ولم تظلمنى فيه شيئا. أستغفر الله استغفار من غمرته مساغب الاساءة، فأيقن من الهه بالمجازاة، أستغفر الله استغفار من تهور تهورا في الغياهب، وتداحض 1 للشقوة في أوداء المذاهب، أستغفر الله استغفار من أورطه الافراط في مآثمه وأوثقه الارتباك 2 في لجج جرائمه، أستغفر الله استغفار من أناف 3 على المهالك بما اجترم. أستغفر الله استغفار من أو حدته المنية في حفرته، فأوحش بما اقترف


1 – دحض رجله: زلقت. 2 – ربكه: خلطه. 3 – اناف على الشئ: اشرف.

[ 144 ]

من ذنب استكفف، فاسترحم هنالك ربه واستعطف، أستغفر الله استغفار من لم يتزود لبعد زادا، ولم يعد لمظاعن ترحاله 1 اعدادا، أستغفر الله استغفار من شسعت 2 شقته وقلت عدته فغشيته هنالك كربته، أستغفر الله استغفار من خالط كسبه التدالس، وقرن بأعماله التباخس. أستغفر الله استغفار من لا يعلم على أي منزلته هاجم، أفى النار يصلى 3 أم في الجنة ناعم يحيى، أستغفر الله استغفار من غرق في لجج المآثم، وتقلب في أضاليل مقت المحارم. أستغفر الله استغفار من عند عن لوائح حق المنهج، وسلك سوادف سبل المرتتج 4، أستغفر الله استغفار من لم يهمل شكرى ولم يضرب عنه صفحا، أستغفر الله استغفار من لم ينجه المفر من معاناة ضنك المنقلب، ولم يجره المهرب من أهاويل عبء 5 المكسب. أستغفر الله استغفار من تمرد في طغيانه عدوا، وبارزه بالخطيئة عتوا، أستغفر الله استغفار من أحصى عليه كرور لوافظ ألسنته، وزنة مخانق 6 الجنة، أستغفر الله استغفار من لا يرجو سواه، أستغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم مما أحصاه العقول، والقلب الجهول، واقترقته الجوارح الخاطئه، واكتسبته اليد الباغية. أستغفر الله الذى لا اله الا هو بمقدار ومقياس ومكيال، ومبلغ ما أحصى وعدد ما خلق وما فلق، وذرء وبرء، وأنشاء وصور ودون، وأستغفر الله أضعاف ذلك كله وأضعافا مضاعفة وأمثالا ممثلة، حتى أبلغ رضى الله وأفوز بعفوه.


1 – رحل رحلا وترحالا عن المكان: تركه. 2 – شسعت: بعدت. 3 – صلى بالنار: قاسى حرها أو احترق بها. 4 – سبل المرتتج: الطرق الضيقة. 5 – العبى: الحمل والثقل من أي شئ كان. 6 – المخنفة جمع مخالق: ما يختق به، القلادة.

[ 145 ]

والحمد لله الذى هداني لدينه الذى لا يقبل عمل الا به، ولا يغفر ذنبا الا لأهله، والحمد لله الذى جعلني مسلما له ولرسوله صلى الله عليه وآله فيما أمر به ونهى عنه. والحمد لله الذى لم يجعلني أعبد شيئا غيره، ولم يكرم بهواني أحدا من خلقه، والحمد لله على ما صرف عنى من أنواع البلاء في نفسي وأهلي ومالى وولدى وأهل حزانتى، والحمد لله رب العالمين على كل حال. ولا اله الله الملك الرحمان، ولا اله الا الله المفضل المنان، ولا اله الا الله الأول والاخر، ولا اله الا الله ذو الطول واليه المصير، ولا اله الا الله الظاهر الباطن، والله أكبر مداد كلماته، والله أكبر ملء عرشه، والله أكبر عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله الحليم الكريم، وسبحان الله الغفور الرحيم، وسبحان الله الذى لا ينبغى التسبيح الا له. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك، وصفيك وحبيبك، وخيرتك من خلقك، والمبلغ رسالاتك، فانه قد أدى الأمانة، ومنح النصيحة، وحمل على المحجة، وكابد 1 العسرة. اللهم أعطه بكل منقبة من مناقبه، ومنزلة من منازله، وحال من أحواله، خصائص من عطائك، وفضائل من حبائك 2، تسربها نفسه، وتكرم بها وجهه، وترفع بها مقامه، وتعلى بها شرفه على القوام بقسطك، والذابين عن حريمك 3.


1 – كابده: قاسى. 2 – الحبوة: العطية. 3 – حرمك (خ ل).

[ 146 ]

اللهم وأورد عليه وعلى ذريته، وأزواجه وأهل بيته، وأصحابه وامته ما تقر به عينه، واجعلنا منهم وممن تسقيه بكأسه، وتورده حوضه، وتحشرنا في زمرته وتحت لوائه، وتدخلنا في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد، صلى الله عليهم أجمعين. اللهم اجعلني معهم في كل شدة ورخاء، وفى كل عافية وبلاء، وفى كل أمن وخوف، وفى كل مثوى ومنقلب، اللهم أحينى محياهم، وأمتنى مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بينى وبينهم أبدا، انك على كل شئ قدير. اللهم أفننى خير الفناء إذا أفنيتني على موالاتك وموالاة أوليائك، ومعاداة أعدائك، والرغبة والرهبة اليك والوفاء بعهدك، والتصديق بكتابك، والاتباع لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وتدخلني معهم في كل خير وتنجينى بهم من كل سوء. اللهم صل على محمد وآله، واغفر ذنبي ووسع خلقي وطيب كسبى وقنعني بما رزقتني، ولا تذهب نفسي الى شئ صرفته عنى، اللهم انى أعوذ بك من النسيان والكسل والتوانى في طاعتك، ومن عقابك الأذنى وعذابك الأكبر. وأعوذ بك من دنيا تمنع خير الاخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، ومن أمل يمنع خير العمل، وأعوذ بك من نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يرفع، ومن صلاة لا تقبل. اللهم افتح مسامع قلبى لذكرك، حتى أتبع كتابك واصدق رسولك، وآمن بوعدك، واوفى بعهدك، لا اله الا أنت، اللهم صل على محمد وآله، وأسألك الصبر على طاعتك، والصبر لحكمك. وأسألك اللهم حقائق الايمان، والصدق في المواطن كلها، والعفو والمعافاة، واليقين والكرامة في الدنيا والاخرة، والشكر والنظر الى وجهك


[ 147 ]

الكريم، فان بنعمتك تتم الصالحات. اللهم أنت تنزل الغنا والبركة من الرفيع الأعلى على العباد قاهرا مقتدرا، أحصيت أعمالهم، وقسمت أرزاقهم، وسميت آجالهم وكتبت آثارهم، وجعلتهم مختلفة ألسنتهم وألوانهم، خلقا من بعد خلق، لا يعلم العباد علمك، وكلنا فقراء اليك. فلا تصرف اللهم عنى وجهك، ولا تمنعني فضلك، ولا تحرمني طولك وعفوك، واجعلني اوالى أولياءك واعادي أعداءك، وارزقني الرغبة والرهبة والخشوع والوفاء والتسليم، والتصديق بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله. اللهم صل على محمد وآله واكفنى ما أهمنى وغمنى، ولا تكلني الى نفسي، وأعذني من شر ما خلقت وذرأت وبرأت، وألبسنى درعك الحصينة من شر جميع خلقك، واقض عنى دين ووفقني لما يرضيك عنى. واحرسنى وذريتي وأهلي وقراباتى وجميع اخواني فيك وأهل حزانتى 1 من الشيطان الرجيم، ومن شر فسقة العرب والعجم، وشياطين الانس والجن، وانصرني على من ظلمنى، وتوفنى مسلما وألحقني بالصالحين. اللهم انى أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك، من كريم أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصة دعائك، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أخرجنى الى الدنيا بركة، في عصمة من دينى، وخلاص نفسي وقضاء حاجتى، وتشفيعي في مسألتي، واتمام النعمة على وصرف السوء عنى، تو لباس العافية، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك انك جواد كريم. اللهم ان كنت لم تكتبنى في حجاج بيتك الحرام أو أحرمتني الحضور


1 – حزانة الرجل: عياله الذين يتحزن ويهتم لأمرهم.

[ 148 ]

معهم في هذه العشية، فلا تحرمنى شركتهم في دعائهم، وانظر الى بنظرتك الرحيمة لهم، وأعطني من خير ماتعطى أولياءك وأهل طاعتك. اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى، حتى تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام وزوار قبر نبيك عليه السلام، في أعفى عافيتك، وأعم نعمتك، وأوسع رحمتك، وأجزل قسمك، وأسبغ رزقك، وأفضل رجائك، وأتم رأفتك، انك سميع الدعاء. اللهم صل على محمد وآله واسمع دعائي وارحم تضرعي، وتذللي واستكانتي وتوكلى عليك، فأنا مسلم لأمرك لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا الا بك ومنك، فامنن على بتبليغى هذه العشية من قابل، وأنا معافى من كل مكروه ومحذور، ومن جميع البوائق 1 ومحذورات الطوارق 2. اللهم أعنى على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك، والقيام فيهم بدينك، اللهم صل على محمد وآله وسلم لى دينى، وزد في أجلى، وأصح لى جسمي، وأقر بشكر نعمتك عينى، وآمن روعتي وأعطني سؤلى، انك على كل شئ قدير. اللهم صل على محمد وآله وتمم آلاءك على فيما بقى من عمرى، وتوفنى إذا توفيتنى وأنت عنى راض، اللهم صل على محمد وآله وثبتنى على ملة 3 الاسلام فانى بحبلك اعتصمت فلا تكلني في جميع الامور الا اليك. اللهم صل على محمد وآله واملأ قلبى رهبة منك ورغبة اليك وخشية منك وغنى بك، وعلمني ما ينفعني واستعملني بما علمتني. اللهم انى أسألك مسألة المضطر اليك، المشفق من عذابك، الخائف


1 – البائقة: الداهية. 2 – الطارقة طوارق: الداهية. 3 – في البحار: دين.

[ 149 ]

من عقوبتك، أن تغنيني بعفوك وتجيرنى بعزتك، وتحنن على برحمتك، وتؤدى عنى فرائضك وتستجيب لى فيما سألتك، وتغنيني عن شرار خلقك وتدنينى منن كادنى، وتقيني من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وتغفر لى ولوادى وللمؤمنين والمومنات، يا ذاالجلال والاكرام، انك على كل شئ قدير 1. دعاء آخر في يوم عرفة مروى عن الصادق عليه السلام: اللهم أنت الله لا اله الا أنت رب العالمين، وأنت الله لا اله الا أنت العزيز الحكيم، وأنت الله الا أنت العلى العظيم، وأنت الله لا اله الا أنت الغفور الرحيم، وأنت الله لا اله الا أنت الرحمان الرحيم. وأنت الله لا اله الا أنت مالك يوم الدين، بدى كل شئ واليك يعود، لم تزل ولا تزال الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الكبرياء رداؤك، سابغ النعماء، جزيل العطاء، باسط اليدين بالرحمة، نفاخ 2 الخيرات، كاشف الكربات، منزل الايات، مبدل السيئات، جاعل الحسنات درجات. دنوت في علوك وعلوت في دنوك، دنوت فلا شئ دونك، وارتفعت فلا شئ فوقك، ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى، فالق الحب والنوى، لك مافى السماواتت العلى، ولك الكبرياء في الاخرة والاولى، غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب 3. لا اله الا أنت اليك المأوى، واليك المصير، وسعت رحمتك كل شئ، وبلغت حجتك، ولا معقب لحكمك، ولا يخيب سائلك، أحطت كل شئ بعلمك، وأحصيت كل شئ عددا، وجعلت لكل شئ أمدا، وقدرت


1 – عنه البحار 98: 255 – 262. 2 – نفح بالشئ: اعطاه. 3 – ذى الطول (خ ل).

[ 150 ]

كل شئ تقديرا. بلوت فقهرت، ونظرت فخبرت، وبطنت وعلمت فسترت، وعلى كل شئ ظهرت تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ولا تنسى من ذكرك ولا تحب من سألك، ولا تضيع من توكل عليك. أنت الذى لا يشعلك ما في جو سماواتك عما في جو أرضك 1، تعززت في ملكك وتقويت في سلطانك، وغلب على كل شئ قضاؤك، وملك كل شئ أمرك، وقهرت قدرتك كل شئ، لا يستطاع وصفك، ولا يحاط بعلمك، ولا منتهى لما عندك، ولا تصف العقول صفة ذاتك. عجزت الأوهام عن كيفيتك، ولا تدرك الأبصار موضع أينيك، ولاتحد فتكون محدودا، ولا تمثل فتكون موجودا، ولا تلد فتكون مولودا، أنت الذى لا ضد معك فيعاندك، ولا عديل لك فيكاثرك، ولاند لك فيعارضك، أنت ابتدأت واخترعت واستحدثت فما أحسن ما صنعت. سبحانك ما أجل ثناؤك وأسنى في الأماكن مكانك 2، وأصدع بالحق فرقانك، سبحانك من لطيف ما ألطف، وحكيم ما أعرفك، ومليك ما أسمحك 3، بسطت بالخيرات يدك، وعرفت الهداية من عندك، خضع 4 لك كل شئ، وانقاد للتسليم لك كل شئ، سبيلك جدد 5، وأمرك رشد. وأنت حى صمد، وأنت الماجد الجواد، الواحد الأحد، العليم الكريم القديم، القريب المجيب، تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا، تقدست أسماؤك وجل ثناؤك، فصل على محمد عبدك ورسولك الذى


1 – في أرضك (خ ل). 2 – اسنى الأماكن مكانك (خ ل). 3 – سمح: جاد. 4 – وخضع (خ ل). 5 – الجدد: المستوى من الأرض.

[ 151 ]

صدع بأمرك، وبالغ في اظهار دينك، وأكد ميثاقك، ونصح لعبادك، وبذل جهده في مرضاتك، اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه. اللهم وصل على ولاة الأمر بعد نبيك تراجمه وحيك، وخزان علمك، وامنائك في بلادك الذين أمرت بمودتهم، وفرضت طاعتهم على بريتك، اللهم وصل على السياح والعباد، وأهل الجد والاجتهاد، واجعلني في هذه العشية ممن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دهاءه فأجبته، وآمن بك فهديته، وسألك فأعطيته، ورغب اليك فأرضيته، وهب لى في يومى هذا صلاحا لقلبي وديني ودنياى ومغفرة لذنوبي يا أرحم الراحمين. أسألك الرحمة يا سيدى ومولاى وثقتى، يا رجائي يا معتمدي 1، وملجائى وذخري، وظهري وعدتي، وأملى وغايتي، وأسألك بنور وجهك الذى أشرقت له السماوات والأرض أن تغفر لى ذنوبي وعيوبي، واساءتي وظلمي وجرمي واسرافي على نفسي، فهذا مقام العائذ بك من النار، هذا مقام الهارب اليك من النار. اللهم وهذا يوم عرفة، كرمته وشرفته وعظمته، نشرت فيه رحمتك ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت فيه على عبادك. اللهم وهذه العشية من عشايا رحمتك واحدى أيام زلفتك، وليلة عيد من أعيادك، فيها يفضى اليك 2 لهم من الحوائج من قصدك مؤملا راجيا فضلك، طالبا معروفك الذى تمن به على من تشاء من خلقك. وأنت فيها بكل لسان تدعى، ولكل خير تبتغى وترجى، ولك فيها جوائز ومواهب وعطايا، تمن بها على من تشاء من عبادك، وتشمل بها أهل العناية منك، وقد قصدناك مؤملين راجين، وأتيناك طالبين، نرجو مالا خلف له من


1 – ويا معتمدي (خ ل). 2 – افضى إليه بسره: اعلمه به.

[ 152 ]

وعدك، ولا مترك له من عظيم أجرك، قد أبرزت ذوو الامال اليك وجوهها المصونة، ومدوا اليك أكفهم طلبا لما عندك ليدركوا بذلك رضوانك. يا غفار يا مستراش 1 من نيله، ومستعاش من فضله، يا ملك في عظمته، يا جبار في قوته، يا لطيف في قدرته، يا متكفل يا رازق النعاب 2 في عشه 3، يا أكرم مسؤول، ويا خير مأمول، ويا أجود من نزلت بفنائه الركائب 4، وطلب عنده نيل الرغائب 5، وأناخت 6 به الوفود. يا ذا الجود، يا أعظم من كل مقصود، أنا عبدك الذى أمرتنى فلم أئتمر، ونهيتني عن معصيتك. وزجرتني فلم أنزجر، فخالفت أمرك ونهيك، لا معاندة لك ولا استكبارا عليك، بل دعاني هواى واستزلني عدوك وعدوى، فأقدمت على ما فعلت عارفا بوعيدك، راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك وصفحك. فيا أكرم من اقر له بالذنوب، هاأنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا خائفا، معترفا عظيم ذنوبي وخطاياى، فما أعظم ذنوبي التى تحملتها وأوزاري التى اجترمتها، مستجيرا فيها بصفحك، لائذا برحمتك، موقنا أنه لا يجيرني منك مجير ولا يمنعنى منك مانع. فعد على بما تعود به على من اقترب من تغمدك، وجد على بما تجود به على من ألقى بيده اليك من عبادك، وامنن على بما لا يتعاظمك أن تمن به على من أملك لغفرانك له. يا كريم، ارحم صوت حزين نخفى ماسترت عن خلقك من مساويه، يسألك في هذه العشية رحمة تنجيه من كرب موقف المسألة ومكروه يوم


1 – راشه ريشه إذا احسوا إليه وكل من أوليته خيرا فقد رشته. 2 – النعاب: فرخ الغراب لكثيرة نعبه، والنعب: الصوت. 3 – يا رزاق النعاب في عشته (خ ل). 4 – الركوبة جمع ركائب: ما يركب من الابل أو المركوبة عموما. 5 – الرغيبة جمع رغائب: الأمر المرغوب فيه. 6 – أناخ الجمل: بركه.

[ 153 ]

هول المعاينة حين تفرده عمله، ويشغله عن أهله وولده. فارحم عبدك الضعيف عملا الجسيم أملا، خرجت من يدى أسباب الوصلات الا ما وصله رحمتك 1، وتقطعت عنى عصم الامال الا ما أنا معتصم به من عفوك، قل عندي ما أعتد به من طاعتك، وكبر عندي 2 ما أبوه به 3 من معصيتك، ولن يضيق عفوك عن عبدك وان أساء، فاعف عنى فقد أشرف على خفايا الأعمال علمك، وانكشف كل مستور عند خبرك، ولا ينطوى عليك دقائق الامور، ولا يغرب عنك غيبات 4 السرائر. وقد استحوذ 5 على عدوك الذى استنظرك لغوايتي، فأنظرته، واستمهلك الى يوم الدين لاضلالي فأمهلته، وأوقعني بصغائر ذنوب موبقة، وكبائر أعمال مردية، حتى إذا قارفت معصيتك، واستوجبت بسوء فعلى سخطك 6، تولى عنى بالبراءة منى وادبر موليا عنى، فأصحرنى لغضبك فريدا، وأخرجنى الى فناء نقمتك طريدا. لا شفيع يشفع لى اليك، ولا خفير يقيني 7 منك، ولا حصن يحجبني عنك، ولا ملاذ ألجأ إليه منك، فهذا مقام العائذ بك من النار، ومحل المعترف لك، ولا يضيقن عنى فضلك، ولا يقصرن دوني عفوك، ولا أكن أخيب وفدك من عبادك التائبين، ولا أقنط وفودك الاملين. اللهم اغفر لي انك أرحم الراحمين، فطال ما أغفلت من وظائف فروضك وتعديت عن مقامات حدودك، فهذا مقام من استحيا لنفسه منك،


1 – الاوصلة رحمتك (خ ل). 2 – على (خ ل). 3 – ابوء به: اقر. 4 – خيبات (خ ل). 5 – استحوذ: غلب. 6 – لسوة سعيى سخطتك (خ ل). 7 – يؤمننى (خ ل).

[ 154 ]

وسخط عليها ورضى عنك، وتلقاك بنفس خاشعة، ورقبة خاضعة، وظهر مثقل من الذنوب، واقفا بين الرغبة اليك والرهبة منك، فأنت أولى من وثق به من رجاه، وآمن من خشية واتقاه. اللهم فصل على محمد وآله، وأعطني مارجوت وآمنى مما حذرت، وعد على بعائدة من رحمتك، اللهم واذ سترتني بفضلك، وتغمدتني بعفرك، في دار الحياة والفناء بحضرة الأكفاء، فأجرنى من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد، من الملائكة المقربين، والرسل المكرمين، والشهداء والصالحين. فحق رجائي فأنت أصدق القائلين: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) 1. اللهم انى سائلك القاصد، ومسكينك المستجير الوافد، وضعيفك الفقير، ناصيتى بيدك وأجلى بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عنى، وأن تبارك لى في يومى هذا الذى فزعت فيه اليك الأصوات، وتقربوا اليك عبادك بالقربات. أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك، وجميل ثنائك، وخاصة دعائك بالائك، أن تصلى على محمد وآله، وأن تجعل يومى هذا أعظم يوم مر على منذ أنزلتني الى الدنيا بركة في عصمة دينى، وخاصة نفسي، وقضاء حاجتى، وتشفيعي في مسائلي، واتمام النعمة على، وصرف السوء عنى يا أرحم الراحمين، افتح على أبواب رحمتك، ورضني بعادل قسمك، واستعملني بخالص طاعتك. يا أملى ويارجائى، حاجتى التى ان أعطيتنيها لم يضرنى ما منعتني، وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك رقبتي من النار.


1 – الزمر: 53.

[ 155 ]

الهى لا تقطعرحائى، ولا تخيب دعائي، يا منان من على بالجنة، يا عفو أعف عنى، ياتواب تب على، وتجاوز عنى، واصفح عن ذنوبي، يا من رضى لنفسه العفو، يا من أمر بالعفو، يا من يجزى على العفو، يا من استحسن العفو، أسألك اليوم العفو العفو – يقولها عشرين مرة -. أنت أنت انقطع الرجاء الا منك، وخابت الامال الا فيك، فلا تقطع رجائي يا مولاى، ان لك في هذه الليلة أضيافا فاجعلني من أضيافك، فقد نزلت بفنائك راجيا معروفك، يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقضى أبدا، يا ذا النعماء التى لا تحصى عددا. اللهم ان لك حقوقا فتصدق 5 بها على، وللناس قبلى تبعات فتحملها عنى، وقد أوجبت يا رب لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك، فاجعل قراى الليلة الجنة. يا وهاب الجنة، يا وهاب المغفرة، اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لى، مرحوما صوتي، مغفورا ذنبي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك وزوارك، وبارك لى فيما أرجع إليه من مال – الى هاهنا ما وجد في الأصل 1. دعاء آخر في يوم عرفة وجدناه في كتب الدعوات: الحمدلله الذى هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لاحسانه من الشاكرين وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، الحمدلله الذى اجتبانا 2 بدينه، وخصنا 3 بملته وسبيله، وأرشدنا الى سنن احسانه لنسلكها بمنه ورضوانه، حمدا يقبله 4 منا ويرضى به عنا. الحمد لله الذى جعل من تلك السبل يوم عرفة، يوم عظيم قدره، جليل


1 – عنه البحار 98: 262 – 266. 2 – حبانا (خ ل). 3 – اختصنا (خ ل). 4 – يتقبله (خ ل).

[ 156 ]

أمره ميمون ذكره، الحمدلله عرفنا فضله، وجعلنا من التابعين لرسوله، الطائعين فيه لامره. اللهم فقنا فيه من المخاوف والشدائد، وكن برحمتك واحسانك علينا عائدا، واغفر لنا زيارة هذه المشاهد، واجعل حظنا من زيارتها أعظم حظ وارد، واعف عنا وأنت الصمد الواحد، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا، واجعلني لالائك شاكرا وحامدا. يامن بدأنى بنعمته، وأفضل على سنى قسمه 1، يامن يعلم سريرتي ويستر علانيتي، أعطني ثواب المطيعين، وعلو منازل المخبتين، واكتبني في عبادك الصالحين، الذين قبلت عملهم، وختمته بالمغفرة في هذه العشية التى ظاهر قدره، جليل أمره، مشهور بين العلماء ذكره، محفوظ في قلوب العارفين، من عرف فضلها من بين الليالى والأيام فاز، ولكل فضل حاز، ومن دعاك فاز بجزيل الثواب وحسن الاياب. اللهم بارك لنا في هذا وخاتمته، واختم لنا بخير عند مساءلته، واجعله لنا شاهدا بعمل طاعتك، واجعلنا من أهل عنايتك، اللهم انى أستغفرك من مظالم كثيرة، وبوائق 2 جزيلة، وعظائم ذنوب جمة قد أثقلت ظهرى، ومنعنى من الرقاد 3 ذكرها. اللهم انى أتنصل 4 اليك من تلك الذنوب والخطايا وأتوب، فلا تجعل دعائي يا رب عنك محجوبا، فأنت أكرم مأمول، وأعز مطلوب، الهى أمد اليك كفا طال ما عصت، وأبكى بعين طال ما على المعاصي عكفت. وأدعوك بلسان عليه الملائكة الكرام الحفظة كتبت، وأرجوك بنفس


1 – فسمته (خ ل). 2 – البائقة: الشر. 3 – القاد: النوم. 4 – تنصل إليه من الجناية: خرج وتبرء.

[ 157 ]

عفوك وصفحك أملت، وعلى برك واحسانك يا كريم عولت، ولباب فضلك ومعروفك طرقت، ولرحمتك 1 تعرضت. الهى ذلت لعظمتك الأرباب، وتاهب 2 عند تأمل عزيز سلطانك اولوا الألباب، وقصدك السائلون لعلمهم بأنك جواد وهاب، فقصدتك يا الهى لمعرفتي بأنك تجيب الداعين، وتسمع سؤال السائلين، وتقبل ببرك ومعروفك على التائبين، فقبضت اليك كفا هي من عقابك خائفة، وبما جنت من الخطايا عارفة. وشخصت اليك بعين هي من هيبتك ذارفة 3، ودعوتك بلسان نغماته لشكرك واصفة، وأذللت بين يديك نفسا لم تزل على المعاصي عاكفة 4، فيامن يعلم سريرتي، ارحم ضعفى ومسكنتي، وتغمدني بعفوك وسترك في دنياى وآخرتي، ولا تكلني الى سواك فأنت رجائي وأملى. يا عدتي عند السدائد، يا من لا يضجره سائل سأل، ولا يثقل عليه عليه ملح بالدعاء مبتهل، بابك للطارقين مفتوح، وبرك للمنيبين ممنوح 5، فأنت مشكور ممدوح، اللهم وهذه ليلة من عرف ظاهرها فاز، ومن عرف باطنها فكل 6 فضيلة حاز. اللهم وفقنا فيها للأعمال الصالحة، والتجارة الرابحة، والسلوك للمحجة الواضحة، والجعلها لنا شاهدة، وقنا فيها من الشدائد، واجعل الخير علينا فيها واردا، ولا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا، فأنت الأحد الواحد. الهى هاأنا ذاعبدك بين يديك، باسط اليك كفا هي حذرة مما جنت،


1 – لمعروفك (خ ل). 2 – تاهت: ضلت. 3 – ذرف العين دمعها: اسالته. 4 – عكف على الامر: لزمه مواظبا. 5 – منحه، اعطاه. 6 – فبكل (خ ل).

[ 158 ]

وجلة مما اقترفت 1، اللهم فاستر سوء عملي يوم كشف السرائر، وارحمني مما فيه احاذر، وكن بى رؤوفا ولذنبي غافرا، فأنت السيد القاهر، فان عفوت فمن أولى منك بالعفو، وان عذبت فمن أعدل منك في الحكم. اللهم وهذه ليلة باطنها سرور أوليائك الذين حبوتهم بعلو المنازل والدرجات، وضاعفت لهم الحسنات، وغفرت لهم السيئات، وختمت لهم بالخيرات. وقد أمسيت يا رب في هذه العشية راجيا لفضلك، مؤملا برك، منتظرا مواد احسانك ولطفك، متوكلا عليك، متوسلا بك، طالبا لما عندك من الخير المذخور لديك، معتصما بك من شر ما أخاف وأحذر، ومن شر ما علن واسر. فبك أمتنع وأنتصر، واليك ألجأ وبك استتر، وبطاعة نبيك والأئمة عليهم السلام أفتخر، والى زيارة وليك وأخى نبيك أبتدر، اللهم فبه وبأخيه وذريته أتوسل، وأسأل وأطلب في هذه العشية فكاك رقبتي من النار، والمقر معهم في دار القرار، فان لك في هذه العشية رقابا تعتقها من النار. اللهم وهذه ليلة عيد ولك فيها أضياف، فاجعلني من أضيافك، وهب لى ما بينى وبينك، واجعلي قراى منك الجنة، يا الله يا الله يا الله، يا خير منزول به، يا خير من نزلت بفنائه الركائب، وأناخت 2 به الوفود، يا ذا السلطان الممتنع بغير أعوان ولا جنود. أنت الله 3 لا اله الا أنت أقر لك كل معبود، أحمدك واثنى عليك بما حمدك كل محمود، يا الله أسألك يامن برحمته يستغيث المذنبون، ويامن


1 – اقترف: اكتسب. 2 – أناخ الجمل: ابركه. 3 – وانت الله (خ ل).

[ 159 ]

الى ذكر احسانه يفزع المضطرون، ويامن لخيفته ينتحب 1 الخاطئون، ويا انس كل مستوحش غريب، ويا فرج كل مكروب كئيب، ويا عون 2 كل ضعيف فرييد، ويا عضد كل محتاج طريد. أنت الله الذى وسعت كل شئ رحمة وعلما، وأنت الله الذى جعلت لكل مخلوق في نعمك سهما، وأنت الله الذى تسعى رحمته أمام غضبه. وأنا يا الهي عبدك الذى أمرته بالدعاء، وتكفلت له الاجابة، فهاأنا ذا يا الهى بين يديك، أنا الذى أثقلت الخطايا ظهره، أنا الذى بجهله عصاك، وجاهر ك بذنبه وما استحياك، ولم يكن هذا جزاؤك منى، فعفوك، فهاأنا ذا عبدك المقر بذنبه، الخاضع لك بذله، المستكين لك بجرمه. الهى فما أنت صانع بمقر لك بجنايته، متوكل عليك في رعايته، الهى لا تخيب من لا يجد 3 مطمعا غيرك، ولا أحدا دونك، يا أكرم من اقر له باذنوب، ويا أعظم من خضع وخشع له، أسألك العفو، يامن رضى بالعفو، يامن استحسن العفو ! يامن يجزى على العفو ! العفو العفو، يا أهل العفو ! العفو العفو. لا تعرض بوجهك الكريم عنى، ولا تجبهنى 4 بالرد في مسألتي، وأكرم في مجلسي منقلبي، فانى أسألك واناديك، فنعم المجيب ونعم المدعو ونعم المرجو. يا من لا يبرمه 5 سائل سأل، ولا ملح عليه بالدعاء مبتهل، يا أهل الوفاء والعطاء، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، يا من لا يوارى منه ليل داج، ولا بحر


1 – انتحب: بكى شديدا. 2 – غوث (خ ل). 3 – لم يجد (خ ل). 4 – جبهه بالمكروه: استقبله. 5 – برم: سئم وضجر.

[ 160 ]

عجاج ولا سماء ذات أبراج، أسألك بحق حجاج بيتك، والركن والمقام، والمشاعر العظام، والليالي والأيام، والضياء والظلام، والملائكة الكرام، وأنبيائك ورسلك عليهم السلام. وأسألك بأمرك من خلقك، وباسمك العلى الأعظم 1، وبكل ما سألك به داع شاكر ومسبح ذاكر، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لى خطيئتي، وترضى عنى وتصفح، وتتجاوز عن ذنبي وتسمح، وأن تجعل مآبى خير مآب، وأن تكفيني شر كل عدو ظاهر، ومستخف وبارز، وكيد كل مكيد. يا حليم يا ودود، اكفني شر أعدائي وحاسدي، وتولنى بولايتك واكفنى بكفايتك، واهد قلبى بهداك، وحط عنى وزرى، وشد أزرى، وارزقني التوبة بحط السيئات وتضاعف الحسنات، وكشف البليات، وربح التجارات، ودفع معرة 2 السعايات. انك مجيب الدعوات، ومنزل البركات، كن لدعائي مجيبا، ومن ندائى قريبا، ولى حافظا ورقيبا، وأجرني مما احاذر وأخشى من (شر) 3 كل ذى شر من خلقك أجمعين، انك أرحم الراحمين 4. دعاء آخر في يوم عرفة، ذكر رواية ان فيه اسم الله الأعظم: اللهم انى أسألك باسمك الذى 5 نجيت به موسى حين قلت باهيا شراهيا في الدهر الباقي والدهر الخالى، وأسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، فانك على كل شئ قدير، وبأسمائك الحسنى المتعززات أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لنا، وتفعل بنا ما أنت أهله، فانك


1 – في البحار: العظيم. 2 – المعرة: المساءة والاثم. 3 – من البحار. 4 – عنه البحار 98: 266 – 270. 5 – في البحار: باسمك العظيم الذى.

[ 161 ]

أهل العفو. يا ذا الجلال والاكرام، اغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، وما خفى على الخلائق ولم يخف عليك، فانك أهل التجاوز والاحسان، أسألك يا جواد يا كريم، أن تصلى تجود على بفضلك آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا. اللهم لك الحمد حمدا دائما مع دوامك، وخالدا مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيتك، ولك الحمد زنة عرشك ورضى نفسك، ولك الحمد حمدا لا أجر لقائله دون رضاك. ولاحول ولاقوة الا بالله قوة كل ضعيف، ولا حول ولا قوة الا بالله عز كل ذليل، ولا حول ولا قوة الا بالله غنى كل فقير، ولا حول ولاقوة الا بالله، عون كل مظلوم، ولا حول ولا قوة الا بالله مونس كل وحيد. ولا حول ولاقوة الا بالله، فكاك كل أسير، ولا حول ولاقوة الا بالله ملجأ كل مهموم 1، ولا حول ولا قوة الا بالله دافع كل سيئة، ولا حول ولا قوة الا بالله كاشف كل كربة، ولا حول ولا قوة الا بالله صاحب كل سريرة، ولا حول ولا قوة الا بالله موضع كل رزية. ولا حول ولا قوة الا بالله الفعال لما يريد، ولا حول ولا قوة الا بالله رازق العباد، ولا حول ولا قوة الا بالله عدد ما خلق، ولا حول ولا قوة الا بالله غاية كل طالب، ولا حول ولا قوة الا بالله سرمدا أبدا لا ينقطع أبدا، ولا حول ولا قوة الا بالله عدد الشفع والوتر. اللهم انى أسألك بحرمة هذا الدعاء، وبحرمة هذا اليوم المبارك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت


1 – في بعض النسخ (ملجا كل مهموم) قد على (مونس كل وحيد).

[ 162 ]

وما أعلنت، وما أبديت وما أخفيت، وما أنت أعلم به منى. وأن تقدر لى خيرا من تقديري لنفسي، وتكلفني ما يهمنى وتغنيني بكرم وجهك عن جميع خلقك، وترزقني حسن التوفيق، وتصدق على بالرضا والعفو عما مضى، والتوفيق لما تحب وترضى، وتيسر لى من أمرى ما أخاف عسره، وتفرج عنى الهم والغم والكرب، وما ضاق به صدري وعيل به صبرى، فانك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت على كل شئ قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين 1. دعاء آخر في عشية عرفة، وجدناه في نسخة تاريخ كتابتها سنة سبعين ومائتين، فقال ما هذا لفظه: بسم الله وبالله والله أكبر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن نزغه 2 وشره وكيده وخيله وحيله، اللهم انى أفتح القول في مقامي هذا بما يبلغه مجهودي من تحميدك وتهليلك وتكبيرك، والصلاة على أنبيائك ورسلك، والاستغفار لأوليائك، ولأتقرت اليك بذلك، فبمحمد وآل محمد عليه وعليهم السلام، متوجها جميعا اليك في حوائجى، صغيرها وكبيرها، عاجلها وآجلها. فكن اللهم الهادى في ذلك كله للصواب والمعين عليه بالتوفيق والرشاد، صل على محمد وآل محمد، وامنن على بذلك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، أنت قبل كل شئ وأوله، وبعد 3 كل شئ ومنتهاه، ورب كل شئ وخالقه، ومدبر كل شئ ومحصيه، ومالك كل شئ ووارثه.


1 – عنه البحار 98: 270. 2 – نزغ الشيطان: وساوسه وما يحمل به الانسان على المعاصي. 3 – وآخره وبديع كل شئ (خ ل).

[ 163 ]

أنت الذى لم تستعن بشئ، ولم تشاور أحدا في شئ، ولم يعوزك 1 شئ، ولم يمتنع عليك شئ، أنت الذى أحصى كل شئ، وذل كل شئ لعزتك، واعترف كل شئ لقدرتك، وحارت الأبصار دونك، وكلت الألسن عن صفاتك، وضلت الأحلام فيك. أنت الذى تعاليت بقدرتك، وعلوت بسلطانك، وقهرت بعزتك، فأدركت الأبصار، وأحصيت الأعمار، وأخذت بالنواصى وحلت دون القلوب. الله أكبر، الله أكبر أهل الكبرياء والعظمة، ومنتهى الجبروت والقوة، وولى الغيث والقدرة، ملك الدنيا والاخرة، الله أكبر الله أكبر، عظيم الملكوت، شديد الجبروت، عزيز القدرة، لطيف لما يشاء، الله أكبر، الله أكبر. مدبر الامور، مبدى الخفيات، معلن السرائر، محيى الموتى والعظام وهى رميم، الله أكبر الله أكبر، أول كل شئ وآخره، وبديع كل شئ ومعيده، وخالق كل شئ ومولاه. لا اله الا أنت، يا رب خشعت لك الأصوات، وضلت فيك الأحلام والأبصار، وأفضت اليك القلوب، لا اله الا أنت كل شئ خاشع لك، وكل شئ قائم بك وكل شئ مشفق منك، وكل شئ ضارع اليك، لا اله الا أنت لا يقضى في الامور الا أنت، ولا يدبر مقاديرها غيرك، ولا يتم شئ منها دونك، ولا يصير شئ منها الا اليك. لا اله الا أنت، الخلق، كله في قبضك، والنواصى كلها بيدك، والملائكة مشفقون من خشيتك، وكل شئ أشرك بك عبد داخر 2 لك، لا اله الا أنت، علوت فقهرت وملكت فقدرت، ونظرت فخبرت، وعلى كل شئ ظهرت، علمت خائنة الأعين وما تخفى الصدور.


1 – عاز الشئ فلانا: احتاج فلان إليه فلم يجده. 2 – دخر: ذل وصغر.

[ 164 ]

سبحانك ربنا بسبيحا دائما لا يقصر دون أفضل رضاك، ولا يجاوزه شئ، سبحانك عدد ما قهره ملكك، وأحاطت به قدرتك، وأحصاه كتابك، سبحانك ما أعظم شأنك، وأعز سلطانك، وأشد جبروتك، سبحانك لك التسبيح والعظمة، ولك الملك والقدرة، ولك الحول والقوة، ولك الدنيا والاخرة. الحمد لله الذى من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه مرده، الحمد لله الذى يجير ولا يجار عليه، ويمتنع عليه، ويحكم بحكمه، ويقضى فلا راد لقضائه. الحمدلله الذى أحاط بكل شئ علمه، ووسع كل شئ حفظه، وقهر كل شئ جبروته، وأخاف كل شئ سلطانه. الحمدلله الذى ملك فقدر، وبطن فخبر، الذى يحيى الموتى ويميت الأحياء وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. اللهم لك الحمد على ما تأخذ، ولك الحمد على ما تعطى، وعلى ما تبلى وعلى ما تبتلى، ولك الحمد على ما بقى وعلى ما تبدى، وعلى ما تخفى، وعلى مالا يرى وعلى ما يرى، وعلى ما قد كان، وعلى ما قد يكون، وعلى ما هو كائن، ولك الحمد على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد منك وقدرتك، وعلى آلائك بعد حجتك، وعلى صفحك بعد انتقامك 1. ولك الحمد على ما تقضى فيما خلقت، وعلى بعد ما فنى خلقك، ولك الحمد قبل أن تخلق شيئا من خلقك، وعلى بدء ما خلقت الى انقضاء خلقك وبعد ذلك، حمدا أرضى الحمد لك، وأحق الحمد بك، وأحب الحمد اليك وترضاه لنفسك، حمدا لا يحجب عنك، ولا ينتهى دونك، ولا يقصر دون أفضل رضاك.


1 – افتقارك (خ ل)، اقول: على ما اثبتناه المعنى واضح، أي صفحك بعد قد رتك على الانتقام، وعلى ما في نسخة البدل ايضا، لان الافتقار قد يكون بمعنى العلم بالامور الحنيفة، – كما في النهاية – أي صفحك بعد علمك بالمعاصى المستورة.

[ 165 ]

تباركت أسماؤك يا رب وتعالى ذكرك، وقهر سلطانك، وتمت كلماتك، تباركت وتعاليت، أمرك قضاء، وكلامك نور، ورضاك رحمة، وسخطك عذاب، تباركت وتعاليت، تقضى بعلم وتعفو بحلم، وتأخذ بقدرة وتفعل ما تشاء. تباركت وتعاليت، واسع المغفرة، شديد العقاب والنقمة، قريب الرحمة، سريع الحساب على كل خفية، الحاضر لكل سريرة، الشاهد لكل نجوى، اللطيف لما يشاء. ثم تكبر الله مائة مرة، وتحمده مائة مرة، وتسبيحه مائة مرة، وتقرء (قل هو الله أحد) مائة مرة، وتقول: لا حول ولا قوة الا بالله مائة مرة، وتقول: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيى، وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. وتقول: اللهم صل على محمد وآل محمد – مائة مرة، وتقرء عشرة آيات من أول البقرة: بسم الله الرحمن الرحيم، آلم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقنا هم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. ان الذين كفرواسواء عليهمء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر وماهم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون. الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه يعلم مابين أيديهم وما خلفهم


[ 166 ]

ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم. لله مافى السماوات وما في الأرض وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغير لمن يشاءو يعذب من يشاء والله على كل شئ قدير. آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطانا، ربنا ولا تحمل علينا اصرا 1 كما حملته على الذين من قلبنا، ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنابه، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذى لا اله الاهو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذى لا اله الا هو الملك القدوس السلام المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. ان ربكم الله الذى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حيثا 2 والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض


1 – الاصر: الاثم والثقل. 2 – الحثيث: السريع كان نفسه تحثه.

[ 167 ]

بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطعما ان رحمة الله قريب من المحسنين. والحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا. قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد. قل أعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. وتحمد الله على كل نعمة أنعم بها عليك، من أهل أو مال أو ولد، وقليل أو كثير، وتذكر النعم عليك في جميع ما أبلاك وأولاك شيئا ما أمكنك ذكره، وقل: الحمدلله على نعمة التى لا تحصى ولا تكافا بعمل الا بحمدالله، والحمد لله الذى خلقني ولم أك شيئا مذكورا، وفضلني على كثير ممن خلق في حسن الخلق، الحمد لله الذى علمني ولم أعلم شيئا وفضلني على كثير ممن خلق في حسن الرزق. والحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته، والحمد لله على رحمته التى سبقت غضبه، والحمد لله سبقت غضبه، والحمد لله الذى لم ينطقنى من بكم غيره، والحمد لله الذى لم يبصرني من عمى غيره. والحمد لله الذى لم يسمعني من صم غيره، والحمد لله الذى لم يهدنى من ضلالة غيره، والحمد لله الذى لم يؤمنى من خوف غيره، والحمد لله الذى لم يؤمن روعى غيره، والحمد لله الذى لم يقلنى من عثرة غيره، والحمد لله الذى لم يكرمني من هوان غيره. والحمد لله الذى لم يستر منى عورة غيره، والحمد لله الذى لم يرفعنى من ضعة غيره، والحمد لله الذى لم يسد منى فاقة غيره، والحمد لله الذى لم يشبعني من جوع غيره، والحمد لله الذى لم يسقنى من ظممأ غيره. والحمد لله الذى لم يكسبنى من عرى غيره، والحمد لله الذى لم يفهمنى


[ 168 ]

من عى غيره، والحمد لله الذى لم يعلمنى من جهل غيره، والحمد لله الذى لم يقونى من ضعف غيره. والحمد لله الذى لم يكفنى المهم غيره، والحمد لله الذى لم يصرف عنى السوء غيره، والحمد لله الذى أكرمنى في كل مصر قدمته، والحمد لله الذى عافاني في كل طريق سلكته. والحمد لله الذى آوانى، والحمد لله الذى أفرشني، والحمد لله الذى مهدلى، والحمد لله الذى أخدمنى، والحمد لله زوجنى، والحمد لله الذى حملني في البر والبحر، والحمد لله الذى رزقني من الطيبات، أحدثها الناس بعد نبيهم عليه السلام. والحمد لله الذى هداني لما اختلف فيه من الحق والحمد لله الذى بمحامده كلها على نعمائه كلها، حتى ينتهى الحمد الى ما يحب ربنا ويرضى، والحمد لله الذى لم ينس من ذكره، والحمد لله الذى لا يخيب من دهاه، والحمد لله الذى لا يذل من والاه، والحمد لله الذى يجزى بالاحسان احسانا وبالصبر نجاة. والحمد لله الذى من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذى من وثق به لم يكله الى غيره، والحمد لله الذى هو يقيننا حين ينقطع الحبل عنا، والحمد لله الذى هو رجاؤنا حين يسوء ظننا بأعمالنا، والحمد لله الذى يكشف غمنا وينفس كربنا، والحمد لله الذى يفرج همنا. اللهم صل على محمد وآل محمد وأوزعني شكر نعمتك التى أنعمت


[ 169 ]

بها على وعلى والدى فقد أنعمت على نعما لا احصيها، فلك الحمد على جميع ما أحصيت منها وعلى كل حال، حمدا ترضاه ويصعد اليك، ولا يحجب عنك ولا يقصر دون رضاك، حمدا توجب لى به الكرامة عندك، والمزيد من عندك يا أرحم الراحمين. وتحمد الله وتسبحه وتهلكه وتكبره بكل مافى القرآن من ذلك. التحميد: الحمدلله رب العالمين * والحمد لله الذى خلق الظلمات والنور * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين * والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله * ولولا أن من الله علينا لخسف بنا * وآخر دعويهم أن الحمدلله رب العالمين. الحمدلله الذى وهب لى على الكبر اسماعيل واسحاق * الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * الحمدلله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا. الحمدلله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * وقل الحمدلله الذى نجانا من القوم الظالمين * ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد في الاولى والاخرة * قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون. الحمدلله الذى له ما في السماوات والأرض وله الحمد في الاخرة * الحمدلله فاطر السماوات والأرض * وقالوا الحمدلله الذى أذهب عنا الحزن * وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين * هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده * وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين * فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين *


[ 170 ]

وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون. التسبيح: سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا * وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات والأرض * سبحانك فقنا عذاب النار * سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات والأرض. سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق ان كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب * وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتهالى عما يصفون * قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين * لا اله الا الله سبحانه عما يشركون * دعويهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام. سبحانه وتعالى عما يشركون * ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون * سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا. سبحانه إذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون * لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون * وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * إذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. سبحانك ما كان ينبغى لنا أن نتخذ من دونك من أولياء * وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون * فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون * هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم.


[ 171 ]

سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون * فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون * سبحان الله عما يصفون * سبحان ربك رب العزة عما يصفون * سبحانه هو الله الواحد القهار * والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون * سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون * أم لهم اله غير الله سبحان الله عما يشركون * قالوا سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا * قالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين * سبحان ربى الأعلى. التهليل: والهكم اله واحد لا اله الا هو الحى القيوم * آلم الله لا اله الا هو الحى القيوم * لا اله الا هو العزيز الحكيم * شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله هو العزيز الحكيم. الله لا الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه * ذلكم الله لا اله الا هو خالق كل شئ فاعبدوه * لا اله الا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين * الله لا اله هو وأعرض عن المشركين * لا اله الا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي. لا اله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم * لا له الا الذى آمنت به بنو اسرائيل * لا اله الا هو فهل أنتم مسلمون * لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب * لا اله الا أنا فاتقون * لا اله الا هوالحسنى * لا اله الا أنا فا عبدنى * لا اله الا هو وسع كل شئ علما * لا اله الا أنا فاعبدون. لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين * لا اله الا هو رب العرش العظيم * لا اله الا هورب العرش الكريم * لا اله الا هو كل شئ هالك الا وجهه * لا اله الا هو فأنى تؤفكون * لا اله الا هو سبحانه وتعالى عما يشركون * وما من اله الا الله الواحد القهار.


[ 172 ]

لا اله الا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين * لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات * لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم * لا اله الا هو الملك القدوس * لا اله الا هو فاتخذه وكيلا. ثم قل: سبحان الله وبحمده، سبحان الله الحى القيوم، سبحان الله الملك، سبحان الله العلى الأعلى، سبحان من علا في الهواء، سبحان الله وتعالى، سبحان الله القائم الدائم، سبحان الله العزيز الحكيم، سبحان العزيز الجبار المتكبر. اللهم لك الحمد ما أحمدك وأمجدك، وأجودك (وأكرمك) 1، وأرأفك وأرحمك، وأعلاك وأقربك، وأقدرك وأقهرك، وأوسعك وأفضلك، وأثبتك وأثوبك، وأحضرك وأخبرك، وألصفك وأعلمك، وأشكرك وأحلمك، وأجل ثناءك، وأتم ملكك، وأمضى أمرك، وما أقدم عزك، وأعز شأنك، وأمتن كيدك، وأظهر مكرك، وأقرب فتحك، وأدوم نصرك، وأقدم شأنك، وأحوط ملكك، وأظهر عدلك، وأعدل حكمك، وأوفى عهدك، وأنجز وعدك، وأكرم ثوابك، وأشد عقابك، وأحسن عفوك، وأجزل عطاءك، وأشد أركانك، وأعظم سلطانك. لأنك الله العظيم في عظمتك، جليل في بهائك، بهى في جلالك، جبار في كبريائك، كبير في جبروتك، ملك في قدرتك، قادر في ملكك، عزيز في قهرك، قاهر في عزك، منير في ضيائك، عدل في قضائك، صادق في دعائك، كريم في عفوك، قريب في ارتفاعك، عال في دنوك. اللهم ندبت المؤمنين الى أمر بدأت فيه بنفسك وملائكتك، فقلت: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).


1 – من البحار.

[ 173 ]

اللهم صل على محمد وآل محمد، عبدك ورسولك، ونبيك وأمينك، ونجيك ونجيبك، وصفوتك وصفيك، ووليك وحبيبك، خليلك وخاصتك وخالصتك وخيرتك من خلقك. الذى انتجبته لرسالتك 1 واستخلصته لدينك، واسترعيته عبادك، وائتمنته على وحيك، وجعلته علم الهدى، وباب النهى، والحجة الكبرى، والعروة الوثقى فيما بينه وبين خلقك، والشاهد لهم والمهيمن عليهم. كما بلغ رسالتك 2، ونصح لعبادك، وجاهد في سبيلك، وصدع بأمرك، وأحل حلالك، وحرم حرامك، وبين فرائضك، واحتج على خلقك بأمرك، أفضل وأشرف، وأحسن وأجمل، وأنفع وأزكى، وأنمى وأطهر، وأطيب وأرضى، وأكمل ما صليت على أحد من أنبيائك ورسلك وأصفيائك، وأهل المنزلة لديك، والكرامة عليك. اللهم واجعل صلواتك وغفرانك وبركاتك، ورضوانك ورحمتك، ومنك وافضالك، وتحيتك وسلامك، وتشريفك واعظامك، وصلوات ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، وعبادك الصالحين، من الشهداء والصديقين، والأوصياء، وحسن اولئك رفيقا، وأهل السماوات والأرضين وما بينهما وما تحتهما، وما بين الخافقين، وما في الهواء والشمس والقمر، والنجوم والجبال، والشجر والدواب، وما يسبح لك في البر والبحر، والظلمة والضياء، بالغدو والاصال، في ساعات الليل والنهار. على محمد بن عبد الله، النبي الأمي، المهدى الهادى، السراج المنير، الشاهد الأمين، الداعي اليك باذنك، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وامام المتقين، ومولى المؤمنين وولى المرسلين، وقائد الغر المحجلين، كما هديتنا به من الضلالة، وأنرت لنا به من الظلمة، واستنقذتنا به من الهلكة.


1 – لرسالاتك (خ ل). 2 – رسالاتك (خ ل).

[ 174 ]

فاجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن امته ورسولا عمن أرسلته إليه، واجعلنا ندين بدينه، ونهتدى بهداه، ونوالى وليه، ونعادى عدوه، وتوفنا على ملته، واجعلنا في شفاعته، واحشرنا في زمرته، غير خزاياولا نادمين، ولاناكثين ولا مبدلين، آمين رب العالمين. اللهم وصل على محمد وعلى أهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم صل على محمد وأهل بيته، الذى أمرت بطاعتهم، وأوجبت حقهم ومودتهم. اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته، الذين ألهمتهم علمك، واستحفظتهم كتابك، فانهم معدن كلماتك، وخزان علمك، ودعائم دينك، والقوام بأمرك، صلاة كثيرة، طيبة مباركة، تامة زاكية نامية، وأبلغ أرواحهم وأجسادهم منى في هذه الساعة وفى كل ساعة تحية كثيرة وسلاما. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى ابراهيم خليلك، وعلى ملائكتك المقربين، واولى العزم من المرسلين، والأولياء المنتخبين، والأئمة الراشدين المهديين، أولهم وآخرهم. واخصص خواص أهل صفوتك، الذين اجتبيت لرسالاتك، وحملت الأمانة فيما بينك وبين خلقك، بتفاضل درجات أهل صفوتك، وزدهم الى كل كرامة كرامة، والى كل فضيلة فضيلة، والى كل خاصة خاصة، وعلى جميع ملائكتك، وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك، وصل بينى وبينهم في اتصال موالاتك. اللهم سلم على جميع أنبيائك ورسلك، واخصص محمدا من ذلك بأشرفه، وسلم على جميع ملائكتك، واخصص جبرئيل وميكائيل واسرافيل من ذلك بأفضله، وسلم على عبادك الصالحين، واخصص أوليائك من ذلك بأدومه، وبارك عليهم جميعا، وعلى أهلى وولدى ووالدى وما ولدا، آمين رب العالمين.


[ 175 ]

اللهم ان ذنوبي أكثر من أن تحصى، وحوائجي أكثر من أن تسمى، اللهم ولى الى عفوك ومعروفك، ومغفرتك ورحمتك، ورضوانك وعافيتك، وعصمتك وحسن اجابتك أعظم الفاقة، وأشد الحاجة. اللهم لا أجد في ذلك كله اليك شافعا ولا متقربا أوجه في نفسي رجاء فيما قصدت اليك به، من تحميدك وتسبيحك وتهليلك، وتكبيرك وتمجيدك، وتعظيم ذكرك، وتفخيم شأنك، والصلاة على ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك والتقرب اليك، بنبيك محمد نبى الرحمة، وبأهل بيته الأوصياء المرضيين، صلواتك وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم. يا محمد يارسول الله، بأبى أنت وأمى انى أتقرب بك الى الله ربك وربى ليغفر لي ذنوبي ويقضى لى بك حوائجى، فكن لى شفيعا عند ربك وربى، فنعم المسؤول ربى، ونعم الشفيع أنت يا محمد، اللهم انى أتقرب اليك بمحمد وآل محمد، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا. اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم، واجعلني به وبهم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين، واجعلي صلاتي بهم مقبولة، ودعائي بهم مستجابا، وذنبي بهم مغفورا، ورزقي بهم مبسوطا، وانظر الى في مقامي هذا نظرة رحيمة، أستكمل بها الكرامة عندك، ولا تصرفه عنى أبدا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انى أسألك يا الله يا رحمان يا رحيم، يا واحد يا ماجد، يا أحد يا صمد، يا حى يا قيوم يا دائم، يا قائم يا عالم، يا ملك يا قدوس يا سلام، يا مؤمن يا مهيمن، يا عزيز يا جبار يا متكبر، يا خالق يا بارى يا مصور، يا على يا عظيم، يا حليم يا كريم، يا حكيم يا عليم، يا خبير يا كبير، يا متعالى ياولى. يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا حق يا مبين، يا سميع يا بصير، يا قريب يا مجيب، يا حميد يا مجيد، يا قادر يا قاهر، يا مليك يا مقتدر، يا غنى يا كريم، يا عفو يا غفور، يا غفار يا غافر، يا قابل ياتواب، يا وهاب يا واسع، يا رفيع يا رازق،


[ 176 ]

يا منير يا شهيد يا حفيظ، يا فالق يا فاطر، يا بديع يا نور يا شاكر، ياولى يا مولى، يا نصير. يا الله، يا مستعان يا خلاق، يالطيف يا شكور، يا قدوس يا سريع، يا شديد يا محيط، يا رب ياقوى، يا رؤوف يا ودود، يا فعال لما يريد. اللهم يا علام يا رقيب، يا مغيث يا حبيب، يا وكيل يا هادى، يا مبدى يا معيد، يامن في السماء، يا ذا العرش، يا ذا الفضل، يا ذا الطول يا ذا المعارج، يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا التقوى، يا أهل المغفرة، يا جاعل يا ناشر يا باعث، يا كافي ياحفى 1 يا مولج يا مخرج، يا معطى يا قابض، يا مجيب الدعوات. أسألك يا الله الذى لا اله الا أنت عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم، هو الله الذى لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن 2 العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له مافى السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. وتقول: قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد * ويا الله الذى لا اله الاهو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولانوم له مافى السماوات وما في الأرض من ذا الذى شفع عنده الا باذنه يعلم مابين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم. وأسألك بأسمائك كلها، يا الله يا رحمان، وبكل اسم هو لك سميت به


1 – حفى فلانا: اعطاه. 2 – هيمن فلان على كذا: صار رقيبا عليه وحافظا، المهيمن: بمعنى المؤمن أو المؤتمن أو الشاهد أو القائم على خلقه باعمالهم وارزاقهم وآجالهم.

[ 177 ]

نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، ولكل اسم سميت به نفسك أو انزلته في كتابك. وبكل اسم هو لك، علمته أحدا من خلقك أو لم تعلمه اياه، وأسألك بعزتك وقدرتك ونورك وجميع ما أحاط به علمك، وجميع ما أحطت به على خلقك. وأسألك بجمعك وأركانك كلها، وبحق 1 رسولك صلى الله عليه وآله، وبحق أوليائك وبحقك عليهم، وباسمك الأكبر الاكبر الاكبر، وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذى من دعاك من كان حقا عليك أن ترده، وأن تعطيه ما سألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تغفر لى جميع ذنوبي وجميع علمك في. ولا تدع لى في مقامي هذا ذنبا الا غفرته، ولاوزرا الا حططته، ولا خطيئة الا كفرتها، ولا سيئة الا محوتها، ولا حسنة الا أثبتها، ولا شحا الا سترته، ولا عيبا الا أصلحته، ولا شينا الا زينته، ولا سقما الا شفيته، ولا فقرا الا أغنيته، ولا فاقة الا سددتها، ولا دينا الا قضيته، ولا أمانة الا أديتها، ولا هما الافرجته، ولا غما الا كشفته، ولا كربة الا نفستها، ولا بلية الا صرفتها، ولا عدوا الا أبدته، ولا مؤونة الا كفيتها، ولا حاجة من حوائج الدنيا والاخرة الا قضيتها، على أفضل أملى ورجائي فيك، وامنن على بذلك يا أرحم الراحمين. اللهم انى عبدك، ناصيتى بيدك، وأجلى بعلمك، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن توفقني لما يرضيك عنى، وفك رقبتي من النار، وأوسع على من الرزق الحلال الطيب، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم، وشر فسقة الجن والأنس، اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تمكر بى ولا تخدعني، ولا تستدرجني.


1 – أسألك بحق (خ ل).

[ 178 ]

اللهم هذا مقام العائذ بك، البائس الفقير، الخائف المستجير المشفق، مقام من يبوة 1 بخطيئته، ويعترف بذنبه، ويتوب الى ربه، عصيتك الهى بلساني، ولو تشاء وعزتك لأخرستنى، وعصيتك ببصرى ولو تشاء وعزتك لأكمهتنى 2، وعصيتك بسمعي ولو تشاء وعزتك لأصممتنى، وعصيتك برجلي ولو تشاءو عزتك لجذمتنى 3، وعصيتك الهى بجميع جوارحي التى أنعمت بها على ولم يكن ذلك جزاؤك منى في حسن صنيعك الى وجميل بلائك عندي. اللهم ما عملت من عمل عمدا أو خطأ، سرا أو علانية، مما خانه سمعي، أو عاينه بصرى، أو نطق به لساني، أو نقلت إليه قدمى، أو بطشته بيدى، أو باشرته بجلدى، أو جعلته في بطني، أو كسوته ظهرى، أو هويته بنفسى، أو شربته قلبى، فيما هو لك معصية وعلى من فعله وزر، ومن كل فاحشة 4 أو ذنب أو خطيئة عملتها في سواد ليل أو بياض نهار، في خلاء أو ملاء، علمته أو لم أعلمه، ذكرته أو نسيته، عصيتك فيه طرفة عين، في حل أو حرم، أو قصدت فيه مذ يوم خلقتني الى أن وقفت موقفي هذا، فانني أستغفرك له وأتوب اليك منه. وأسألك يا الله يا الله يا رب يا رب – تقول ذلك عشر مرات، بحقك على نفسك، وبحق محمد وآل محمد عليك، وبحق أهل الحق عليك، وبحقك عليهم، وبالكلمات التى تلقاك بها آدم، فتبت عليه، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تتوب على في مقامي هذا وأن تعطيني خير الدنيا والاخرة توبة لا تسخط على بعدها أبدا.


1 – باء بالحق أو بالذنب: اقر. 2 – كمه: عمى أو صار اعشى. 3 – جذم: قطعه بسرعة فانقطع، اجذم يده: قطعها. 4 – الفاحش: القبيح.

[ 179 ]

وأن تغفر لى مغفرة لا تعذبني بعدها أبدا، وأن تعافينى فيه معافاة لا تبتليني بعدها أبدا، وأن ترزقني فيه يقينا لا أشك بعده أبدا، وأن تكرمني فيه كرامة لا تهينني بعدها أبدا، وأن تعزنى فيه أزا لا ذل بعده أبدا. وأن ترفعني فيه رفعة لا تضعنى بعدها أبدا، وأن ترزقني فيه رزقا واسعا حلالا طيبا كثيرا نافعا للاخرة والدنيا، من حيث أرجو ومن حيث لا أرجو، ومن حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب، لا تعذبني عليه، ولا تفقرني بعده أبدا. وأن تهب فيه صلاحا لقلبي، وصلاحا لبدنى 1، وصلاحا لأهلى، وصلاحا لولدي، وصلاحا لما خولتني 2 ورزقتني، وأنعمت به على من قليل أو كثير، ومغفرة لذنوبي وعافية من كل بلاء، يا أرحم الراحمين. ثم تقول سبعين مرة: أستغفر الله، وسبعين مرة: أتوب الى الله، وسبعين مرة أسأل الله الجنة، وسبعين مرة: أعوذ بالله من النار. ثم تقول وأنت رافع رأسك الى السماء: اللهم حاجتى اليك التى ان أعطيتنيها لم يضرنى شئ، وان منعتنيها لم ينفعني شئ، فكاك رقبتي من النار، وأوسع على من رزقك الحلال، وادرأ عنى شر فسقة العرب والعجم، واكفنى مؤونة عيالي، فانك ولى ذلك منى ومنهم في يسر وعافية. اللهم صل على محمدو آل محمد، واجعلني ممن رضيت عنه وأطللت عمره، وأحييته بعد الموت حياة طيبة، اللهم لك الحمد كما أقول وفوق ما أقول، وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي وديني، ومحياى ومماتي،


1 – في البحار: لدينى. 2 – خولتني: ملكتنى.

[ 180 ]

وبك قوامى وبك حولي وقوتى، اللهم انى أعوذ بك من الفقر ومن وسواس 1 الصدر، ومن شتات الأمر ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر. اللهم انى أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد، وأسألك خير الرياح، وأعوذ بك من شر ما تجريه الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل لى في قلبى نورا، وفى بصرى نورا وفى لحمى ودمى وعظامي، وعروقي ومفاصلي، ومقعدى ومقامى، ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم لى نورا يا رب يوم ألقاك، انك على كل شئ قدير. الله من تهيأ وتعبأ واستعد لوفادة الى مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجائزته، فاليك أي سيدى كان اليوم تهيئتي وتعبئتي 2 واعدادي واستعدادى، رجاء عفوك ورفدك 3 وطلب فضلك وجائزتك أ، فصل على محمد وآل محمد ولا تخيبني في ذلك اليوم وفى كل يوم أبدا ما أبقيتني من رجائي. يامن لا يحفيه 4 سائل، ولا ينقصه نائل، فانى لم آتك اليوم ثقة منى بعمل صالح قدمته، ولا شفاعته مخلوق رجوته الا شفاعته محمد وآل محمد، صلواتك وبركاتك ورحمتك عليه وعليهم. أتيتك مقرا بأن لا حجة لى ولا عذر لى، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذى عفوت به عن الخطائين 5، فأنت الذى عفوت للخطائين على عظيم جرمهم، ولم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم، أن عدت عليهم بالرحمة والمغفرة.


1 – وساوس (خ ل). 2 – عبأ المتاع: هيأه. 3 – رجاء رفدك (خ ل). 4 – خفى فلانا: اعطاه احفى إليه في الوصية: بالغ فيها. 5 – الخاطئين (خ ل).

[ 181 ]

فيامن رحمته واسعة، وفضله عظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، يا كريم، صل على محمد وآل محمد وعد على برحمتك، وتحنن على بمغفرتك، وامنن على بعفوك وعافيتك، وتفضل على بفضلك وتوسع على برزقك، ليس يرد غضبك الا حلمك، ولا يرد سخطك الا عفوك، ولا يجيرني من عقابك الا رحمتك، ولا ينجى منك الا التضرع اليك. فصل على محمد وآل محمد وهب لى يا الهي منك فرجا بالقدرة التى تحيى بها أموات العباد، وبها تنشر ميت البلاد، ولا تهلكني يا الهى غما حتى تستجيب لى وتعرفني الاجابة في دعائي، وأذقني طعم العافية الى منتهى أجلى، ولا تشمت بى عدوى، ولا تمكنه من عنقي 1. يا الهى ان رفعتني فمن ذا الذى يضعني، وان وضعتني فمن ذا الذى يرفعنى، وان أكرمتني فمن ذا الذى يهينني، وان أهنتني فمن ذا الذى يكرمني، أو من ذا الذى يرحمنى ان عذبتني، أو من ذا الذى يعذبنى ان رحمتني، وان أهلكتني فمن ذا الذى يعرض لك في عبدك أو يسألك عن أمره. وقد علمت يا الهي أنه ليس في حكمك ظلم ولا جور، ولا في عقوبتك 2 عجلة، انما يعجل من يخاف الفوت، وانما يحتاج الى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا الهى 3 علوا كبيرا. الهى صل على محمد وآل محمد ولا تجعلني للبلاء غرضا ولا لنقمتك نصبا، وأمهلني ونفسني 4 وأقلني عثرتي، وارحم تضرعي، ولا تتبعني ببلاء في أثر بلاء، فقد ترى ضعفى، وقلة حيلتى، وتضرعى اليك.


1 – ولا تسلطه على (خ ل). 2 – نقمتك (خ ل). 3 – تعاليت الهى (خ ل). 4 – نفسني: ازال كربى وغمى.

[ 182 ]

أعوذ بك من غضبك، فصل على محمدو آل محمد وأعذني، وأستجير بك من سخطك فأجرنى، واؤمن بك فآمنى، وأستهديك فاهدني، وأسترحمك فارحمني، وأستنصرك فانصرني، وأستكفيك فاكفني، وأسترزقك فارزقني، وأستعين بك على الصبر فأعنى، وأستعصمك فيما بقى من عمرى فاعصمتى، وأستغفرك لما سلف من ذنوبي فاغفر لي، فانى لن أعود لشئ كرهته منى 1 ان شئت ذلك يا رب. فإذا قاربت غروب الشمس فقل: بسم الله وبالله، وسبحان الله والحمد لله، ولا اله الا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم، سبحان الله آناء الليل وأطراف النهار، سبحان الله بالغدو والاصال 2، سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون. يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى، ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، سلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى العزة والعظمة والجبروت، سبحان الملك الحى الذى لا يموت، سبحان القائم الدائم القديم، سبحان الحى القيوم، سبحان ربى الأعلى، سبحانه وتعالى، سبحان الله، سبوحا قدوسا رب الملائكة والروح. اللهم انى أمسيت منك في نعمة وعافية، فصل على محمد وأهل بيته، وأتمم على يا رب نعمتك وفضلك وعافيتك، وارزقني شكرك. اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت، أشهدك وكفى بك شهيدا، وأشهد ملائكتك وحملة عرشك،


1 – كرهت (خ ل). 2 – الاصيل جمع آصال: الوقت بين العصر والمغرب أو العشى.

[ 183 ]

وأنبيائك، ورسلك، وأهل سماواتك وأهل أرضك، وجميع خلفك، بأنك أنت الله وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك. اللهم صل على محمد وآل محمد، واكتب لى هذه الشهادة عندك حتى تلقنيها يوم القيامة، وقد رضيت عنى انك على كل شئ قدير، اللهم لك الحمد حمدا تضع لك السماء اكنافهاأ ويسبح لك الأرض ومن عليها. اللهم لك الحمد حمدا يصعد، ولاينقد 1، حمدا يزيد ولا يبيد، حمدا سرمدا دائما لا انقطاع له ولانفاد، حمدا يصعد أوله، ولا ينفد آخره، ولك الحمد على وفى ومعى، وقبلي وبعدي، وأمامي ولدى، وإذا كت وفنيت وبقيت أنت يا مولاى، ولك الحمد بجميع محامدك كلها على جميع نعمائك كلها، ولك الحمد في كل عرق ساكن، وكل أكلة وشربة، ونفس وبطش 2، وعلى كل موضع شعرة وعلى كل حال. اللهم لك الحمد باعث الحمد، ووارث الحمد، وبديع الحمد، وفى العهد، صادق الوعد، عزيز الجند، قديم المجد، رفيع الدرجات، مجيب الدعوات، منزل الايات، من فوق سبع سماوات، مخرجا من الظلمات الى النور ومبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات. اللهم لك الحمد غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذى الطول لا اله الا أنت اليك المصير، اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، ولك الحمد في النهار إذا تتجلى، ولك الحمد في الاخرة والأولى، ولك الحمد


1 – في البحار: يصعد أوله ولا ينفد آخره. 2 – البطش: الأخذ بسرعة.

[ 184 ]

عدد كل ملك في السماء، ولك الحمد عدد كل قطرة في البحار. ولك الحمد عدد القطر والشجر، والحصى والنوى والثرى، وجميع الانس والبهائم 1 والطير، والسباع والهوام، ولك الحمد عدد مافى جوف الأرض، ولك الحمد عدد ما على وجه الأرض، ولك الحمد على ما أحصى كتابك وأحاط به علمك، حمدا كثيرا طيبا مباركا أبدا. ثم قل: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيى، وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير – عشر مرات. ثم قل: أستغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم وأتوب إليه – عشر مرات، يا الله يا الله – عشرا، يا رحمان يا رحمان – عشرا، يا رحيم يا رحيم – عشرا، يا بديع السماوات والأرض – عشرا، يا ذا الجلال والاكرام – عشرا، ياحى يا قيوم – عشرا، يا حنان يا منان – عشرا، يا لا اله الا أنت – عشرا، آمين آمين – عشرا. ثم قل: أسألك يامن هو أقرب الى من حبل الوريد، يامن يحول بين المرء وقلبه، يامن هو بالمنظر الأعلى وبالافق المبين، يامن هو الرحمان على العرش استوى، يامن ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تفعل بى كذا وكذا، وتسأل كل حاجة لك. ثم قل: أمسينا والجود والجمال، والنور والبهاء، والعزة والقدرة، والسلطان والدنيا والاخرة، وما سكن في الليل والنهار، لله رب العالمين لا شريك له.


1 – البهيمة: كل ذات اربع قوائم من دواب البر والماء ما عدا السباع والطيور.

[ 185 ]

وتقول ثلاث مرات: الحمد لله رب العالمين لا شريك له، والله أكبر لا شريك له، لا اله الا الله وحده لا شريك له، وسبحان الله وحده لا شريك له صلى الله على محمد وعلى أهل بيته، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعله أحب من أحب، وآثر من اوثر عندي، ثم ثبتنى على دين محمد وابراهيم عليهما السلام واتباعهما 1، يا أرحم الراحمين. أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير – تقولها أحد عشر مرة. وتقول عشر مرات: أعوذ بالله من همزات 2 الشياطين وأعوذ بالله أن يحضرون 3. ثم قل: الحمد لله مع كل شئ حتى لا يكون شئ بكل شئ وحده، عدد جميع الأشياء وأضعافها منتهى علم الله، ولا اله الا الله كذلك، والله أكبر وسبحان الله كذلك، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد والحمد لله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش. سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ولاحول ولا قوة الا بالله زنة عرشه ومثله، ومداد كلماته ومثله، وعدد خلقه ومثله وملأ سماواته ومثله، وملأ أرضه ومثله، وعدد جميع ذلك كله سبحان الله، والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر، وصلى الله على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.


1 – والانقطاع اليهما (خ ل). 2 – همزات الشيطان: خطراته التى يخطرها بقلب الانسان. 3 – أعوذ بك رب ان يحضرون (خ ل).

[ 186 ]

ثم ارفع يديك وقل: اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيتك، ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمدا لاحد لقائله الا رضاك. اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان، اللهم لك الحمد كما أنت أهله، أشهد أنه ما أمسيت بى من نعمة في دينى ودنياى فانها من الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد على بها والشكر كثيرا. أمسيت لله عبدا مملوكا، أمسيت لا أستطيع أن أسوق الى نفسي خير ما أرجو ولا أصرف منها شر ما أحذر، أمسيت مرتهنا بعملي، أمسيت لا فقر هو أفقر منى الى الله، والله هو الغني الحميد، بالله نصبح وبالله نمسي، وبالله نحيا وبالله نموت، والى الله النشور. اللهم انى أسألك أن تصلى محمد وآل محمد، وأسألك خير ليلتى هذه وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم انى أعوذ بك أن تكتب على فيها خطيئة أو اثما، اللهم صل على محمد وآل محمد، واكفنى خطيئتها واثمها وأعطني يمنها ونورها وبركاتها. اللهم نفسي خلقتها، وبيدك حياتها وموتها، اللهم فان أمسكتها فالى رضوانك والجنة، وان أرسلتها فصل على محمد وآل محمد واغفر لها وارحمها، اللهم صل على محمد وآل محمد، وقنعني بما رزقتني، وبارك لى فيما آتيتني، واحفظنى في غيبتى وحضرتي وكل أحوالى. ثم قل عشر مرات: اللهم صل على محمد وآل محمد، وابعثني على الايمان بك، والتصديق برسولك، والولاية لعلى بن أبى طالب، صلواتك عليه والبراءة من عدوه، والانتقام بالأئمة من آل محمد، فانى قد رضيت بذلك يا رب، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك في الأولين والاخرين، وصل على محمد في


[ 187 ]

الملاء الأعلى، وصل على محمد في المرسلين. اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة، والدرجة الكبيرة الرفيعة في الجنة، اللهم انى آمنت بمحمد ولم أره فلا تحرمنى يوم القيامة رؤيته، ارزقني صحبته، وتوفنى على ملته، واسقني من حوضه مشربا رويا سائغا 1 هينئا لا اظمأ بعده أبدا، انك على كل شئ قدير. اللهم انى آمنت 2 بمحد ولم أره فعرفني في الجنان وجهه، اللهم بلغ 3 روح محمد منى تحية كثيرة وسلاما، اللهم صل على محمد وآل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حقهم ومودتهم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الذين ألهمتهم علمك واستحفظتهم كتابك، واسترعيتهم عبادك، فانهم معدن كلماتك، وخزان أرواحهم الطيبة وأجسادهم الطاهرة منى في هذه الساعة وكل ساعة تحية كثيرة وسلاما، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وأهل بيته وسلم تسليما 4. دعاء آخر في عشية عرفة: يا رب ان ذنوبي لا تضرك، وان مغفرتك لى لا تنقصك، فأعطني ما لا ينقصك، واغفر لى ما لا يضرك دعاء آخر في عشية عرفة: اللهم لا تحرمنى خير ما عندك لشر ما عندي، فان أنت لم ترحمني بتعبي


1 – ساغ الشراب: هنأ وسهل مدخله في الخلق. 2 – اللهم آمنت (خ ل). 3 – أبلغ (خ ل). 4 – عنه البحار 98: 270 – 291. 5 – عنه البحار 98: 291.

[ 188 ]

ونصبى 1، فلا تحرمنى أجر المصاب على مصيبته 2. أقول: وقد روينا في دعاء جدتنا ام جدنا داود بن الحسن ابن مولانا الحسن السبط ابن على بن أبى طالب عليهم السلام، المذكور في عمل يوم النصف من رجب، قالت ام داود: فقلت لأبى عبد الله عليه السلام: أيدعى بهذا الدعاء في غير رجب ؟ قال: نعم في يوم عرفة. أقول: ويستحب أيضا أن يدعى في هذا اليوم بالدعاء الذى قدمناه في تعقيب الظهر يوم الجمعة، في الجزء الرابع، عن مولانا زين العابدين عليه السلام الذى أوله: يامن يرحم من لا يرحمه العباد 3. فصل (23) فيما نذكره مما ينبغى ان يختم به يوم عرفة اعلم ان كل يوم جعله الله جل جلاله من مواسم السعادات ومراسم العبادات، ينبغى أن يكون العبد فيه موافقا لمولاه ساعات ذلك اليوم، وقفا على طاعة الله جل جلاله ورضاه، ويختمه بالاجتهاد في التضرعات بان منه بما صدر عنه، ويتم نقصان أعماله بما الله جل جلاله أهله من مكارمه وافضاله. ويسلم ذلك العمل بلسان الحال الى من كان العبد ضيفا له في ذلك اليوم المشار إليه من امام وقته صلوات الله عليه، ليكون عرضه على يديه، ويكون هو الشفيع فيما لم يبلغ أمل العبد إليه، فان كل ضيف بحكم مضيفه، وكل متشرف بسلطان فحديث اعماله الى مشرفه.


1 – النصب: العناء. 2 – عنه البحار 98: 291. 3 – جمال الاسبوع: 262.

[ 189 ]

الباب الرابع فيما نذكره مما يتعلق بليلة الاضحى ويوم عيدها وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره من فضل احياء ليلة عيد الاضحى روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى رحمه الله فيما رواه عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن على عليه السلام قال: كان يعجبه ان يفرغ نفسه أربع ليال في السنة، وهى اول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة الأضحى 1. واعلم ان احياء الليالى بالعبادات هو أن تكون حركاتك وسكناتك، واراداتك وكراهاتك جميعا معاملاة لله جل جلاله، وتقصد بها التقرب إليه والاقبال عليه والأدب بين يديه فيما يكرهه أو يرضاه، كما يكون العبد بين يدى مولاه إذا كان المولى يراه. فان كانت فيها عبادات متعينات فاعمل عليها، وان لم يكن فيها عبادة متعينة، أو كانت فيها عبادات مرويات، ولكن يبقى من الليل ما ليس له وظائف متعينات، فليكن احياء ما يتخلف من الليلة التى يراد احياؤها بالعبادات بالاستغفار، واصلاح


1 – مصباح المتهجد: 648، رواه في دعائم الاسلام 1: 184، قرب الاسناد: 177، عنه البحار 91: 122، فضائل الأشهر الثلاثة: 46.

[ 190 ]

ما بينك وبين الله جل جلاله، من طهارة الاسرار وزوال ظلمة الاصرار، وما يحتاج مثلك إليه من الأذكار وسعادة الدنيا ودار القرار. وان غلبك النوم فليكن نومك على نية التقرب الى العظمة الألهية، لتستعين به على النشاط والاقبال على زيادة العبادات للابواب الربانية، فإذا عملت على هذا النظام تكون قد ظفرت باحياء تلك الليلة على التمام ان شاء الله جل جلاله. فصل (2) فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه السلام عيد الاضحى روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله واحمد بن عبدون، جميعا، عن الشيخ محمد بن احمد بن داود القمى، شيخ القميين وفقيهم وعالمهم، قال: حدثنا محمد بن محمد النحوي، قال: حدثنا أبو القاسم على بن محمد، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبى سنان، عن ابان، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من زار الحسين عليه السلام ليلة من ثلاث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: قلت: وأى الليالى ؟ فذكر ليلة الاضحى 1. فصل (3) فيما نذكره من الاشارة الى فضل زيارة الحسين عليه السلام يوم الاضحى، وبما ذايزار اعلم ان عمل الشيعة على زيارته عليه السلام في هذا الميقات، يغنى عن ذكر الروات، وقد كنا قدمنا عند ذكر ليلة عرفة حديث مولانا الباقر عليه السلام بما معناه: ان الاقامة عند الحسين عليه السلام حتى يعيد للاضحى يحفظ المقيم عنده من شر سنته 2.


1 – عنه البحار 91: 126، رواه في مصباح المتهجد: 716، عنه البحار 101: 91. 2 – مصباح المتهجد: 715.

[ 191 ]

واما لفظ ما نذكره في هذا اليوم من زيارته، فقد كنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين يختص بهذا الميقات، وليس هذا الكتاب مما نقصد به ذكر الزيارات، فان وجدت تلك الزيارتين، والا فزر الحسين عليه السلام ليلة الاضحى ويوم الاضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة، فانها كافية عند اهل المعرفة. فصل (4) فيما نذكره مما ينبغي أن يكون اهل السعادات والاقبال عليه يوم الاضحى من الاحوال اعلم أننا قد ذكرنا في عيد شهر رمضان ما فتحه علينا مالك القلب واللسان، من الاداب عند استقبال ذلك العيد وآداب ذلك النهار، ما تستغنى به الان عن التكرار، لكن يمكن أنك لا تقدر على نظر ما قدمناه، أو لا تعرف معناه، فنذكر ما يفتح الله جل جلاله عليه ويحسن به الينا، فنقول: اذكر أيها الانسان أن الله جل جلاله سبقك بالاحسان قبل أن تعرفه، وقبل أن تتقرب إليه بشئ من الطاعات، فهيأ لك كلما كنت محتاجا إليه من المهمات، حتى بعث لك رسولا من أعز الخلائق عليه، يزيل ملوك الكفار ويقطع دابر الأشرار، الذين يحولون بينك وبين فوائد أسراره، ويشغونك عن الاهتداء فأطفأ نار الكافرين، وأذل رقاب ملوك اليهود والنصارى والحدين. ولم يكلف أن تكون في تلك الأوقات من المجاهدين، ولاتكلف خطرا، ولا تحملت ضررا في استقامة هذا الدين، وجاءتك العبادات في عافية ونعمة صافية، مما كان فيه سيد المرسلين، وخواص عترته الطاهرين، صلوات الله عليه أجمعين، ومما جاهد عليه ووصل إليه السلف من المسلمين. فلا تنس المنة عليك في سلامتك من تلك الأهوال وما ظفرت به من الامال والاقبال، وجر 1 بلسان الحال بنظرك، واذكر بخاطرك القتلى، الذين سفكت دماؤهم


1 – جبر (خ ل).

[ 192 ]

في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الاسلام، حتى ظفرت أنت بسعادتك، وكم حزب من بلاد عامرة، واهلك من امم غابرة. ثم اذكر ابراز الله جل جلاله أسراره بيوم العيد، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت السعيد، من مخزون ماكان مستورا عن الامم الماضية، والقرون الخالية، وجعلت أهلا أن تزور عظمته وحضرته فيه، وتحدثه بغير واسطة وتناجيه. فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك ؟ أو لما كنت جنينا ضيفا ؟ أو لما صرت رضيعا لطيفا ؟ أو لما كنت ناشئا 1 صغيرا ؟ أو هل وجدت لك في ذلك تدبيرا ؟ فكن رحمك الله عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السالك بك في تلك المسالك، الواقى لك من المهالك، فوالله ليقبح بك مع سلامة عقلك، وما وهب لك من فضله، الذى صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الاحسان الخارق للألباب، أو أن تشغل عنه، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب ؟ أقول: فاستقبل هداية الله جل جلاله اليك يوم عيده، بتعظيمه وتمجيده، والقيام بحق وعوده، والخوف من وعيده، وفرحك وسرورك بما في ذلك من المسار والمبار على قدر الواهب جل جلاله، وعلى قدر ما كنت عليه من ذل التراب، وعقبات النشأة الاولى وما كان فيها من الأخطار، وترددك في الأصلاب والأرحام الوفا كثيرة من الأعوام، يسار بك في تلك المضائق على مركب السلامة من العوائق، حتى وصلت الى هذه المسافة، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة، موصول بموائد الضيافة، آمنا من المخالفة. فالعجب كل العجب لك ان جهلت قدر المنة عليك فيما تولاه الله جل جلاله من الاحسان اليك، فاشتغل بما يريد، وقد كفاك كل هول شديد، وهو جل جلاله كافيك ما قد بقى بذلك اللطف والعطف الذى أجراه على المماليك والعبيد.


1 – الناشئ: الغلام أو الجارية إذا جاوز احد الصغر وشبا.

[ 193 ]

فصل (5) فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الاضحى باسنادنا الى أبى جعفر بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه فيما ذكره من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال ما هذا لفظه: وروى ابن المغيرة، عن القاسم بن الوليد قال: سألته عن غسل الأضحى ؟ قال: واجب الا بمنى 1. ثم قال رحمه الله: وروى أن غسل الاضحى سنة 2. أقول: انه إذا ورد لفظ الأمر بالوجوب لشئ يكون ظاهر العمل عليه أنه مندوب، فعسى يكون المراد بلفظ الواجب التأكيد للعمل عليه، واظهار تعظيمه على غيره من غسل مندوب من لم يبلغ تعظيمه إليه. فصل (6) فيما نذكره مما يعتمد الانسان في يوم الاضحى عليه بعد الغسل المشار إليه وجدنا ذلك في بعض مصنفات أصحابنا المهتمين بالعبادات بنسخة عتيقة، ذكر مصنفها أنها مختصر من كتاب المنتخب، فقال ما هذا لفظه: العمل في يوم النحر، تبكر يوم النحر فتغسل وتلبس أنظف ثوب لك، وتقول عند ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم انا نستفتح الثناء بحمدك، ونستدعى الثوب بمنك، فاسمع يا سميع مدحتي، فكم يا الهى من كربة قد كشفتها فلك الحمد، وكم يا الهى من دعوة قد أجبتها فلك الحمد، وكم يا الهى من رحمة قد نشرتها فلك الحمد، وكم يا الهي من عثرة قد أقلتها فلك الحمد،


1 – 2 – الفقيه 1: 321، عنه الوسائل 3: 330.

[ 194 ]

وكم يا الهى من محنة قد أزلتها فلك الحمد، وكم يا الهي من حلقة 1 ضيقة قد فككتها فلك الحمد. سبحانك لم تزل عالما كاملا، أولا آخرا، ظاهرا باطنا، ملكا عظيما، أزليا قديما، عزيزا حكيما، رؤوفا رحيما، جواد كريما، سميعا بصيرا، لطيفا خبيرا، عليا كبيرا، عليما قديرا، لا اله الا أنت، سبحانك وتعاليت أستغفرك وأتوب اليك وأنت التواب الرحيم. اللهم انى اشهد بحقيقة ايمانى 2، وعقد عزائمي 3 وايقاني، وحقائق ظنوني ومجارى سيول مدامعي 4، ومساغ 5 مطعمي، ولذة مشربي، ومشامي 6 ولفظي، وقيامي وقعودي، ومنامى، وركوعي وسجودي، وبشرى وعصبي وقصبى 7، ولحمي ودمى، ومخى وعظامي، وما احتويت عليه شراسيف 8 أضلاعى وما أطبقت عليه 9 شفتاى، وما أقطعت الأرض من قدمى، أنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، الها واحدا احدا فردا صمدا، لم تتخذ صاحبة ولاولدا ولاولدا ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد. وكيف لا اشهد لك بذلك يا سيدي ومولاى وأنت خلقتني بشرا سويا 10، ولك أك شيئا مذكورا، وكنت يا مولاى عن خلقي غنيا وربيتنى طفلا صغيرا، وهديتني للاسلام كبيرا، ولو لا رحمتك اياى لكنت من الهالكين، نعم فلا اله


1 – الحلقة: الضيقة: استعيرت للضيق الشديد اللازم. 2 – بحقيقة ايمانى: أي بما حق وثبت بها ايمانى من العقائد الحقة. 3 – عقد عزائمي: ما عقدت عليه قلبى. 4 – المدامع: المآفى، وهى اطراف العين. 5 – ساغ الشراب: سهل مدخلة في الحلق. 6 – المشام: آلة الشم أو مكانه. 7 – القصب: العظام المجوفة. 8 – الشر سوف: غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع. 9 – اطبقت الشئ على الشئ: غطيته به. 10 – بشرا سويا: مستوى الاعظاء حسن الخلق.

[ 195 ]

الا الله كلمة حق من قالها سعد وعز، ومن استكبر عنها شقى وذل، ولا اله الا الله وحده شريك له كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، بها رضى الرحمان، وسخط الشيطان. والحمد لله أضعاف ما حمده جميع خلقه من الأولين والاخرين، وكما يحب ربنا، الله لا اله الا هو ويرضى أن تحمد، وكما ينبغى لكرم وجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته، وكما هو أهله. وسبحان الله أضعاف ما سبحه جميع خلقه من الأولين والاخرين وكما يحب ربنا الله لا اله الا هو، ويرضى أن يسبح وكما ينبغى لكرم وجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله. ولا اله الا الله وحده لا شريك له الها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، اضعاف ماهلله جميع خلقه من الأولين والاخرين وكما يحب ربنا الله لا اله الا هو ويرضى أن يهلل، وكما ينبغى لكرم رجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله. والله أكبر أضعاف ما كبره جميع خلقه من الأولين والاخرين، وكما يحب ربنا الله لا اله الا هو ويرضى أن يكبر، وكما ينبغى لكرم وجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله. وأستغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم غفار الذنوب وأتوب إليه، وأسأله أن يتوب على أضعاف ما استغفره جميع خلفه من الأولين والاخرين، وكما يحب ربنا الله لا اله هو ويرضى أن يستغفر، وكما ينبغى لكرم وجه ربنا وعز جلاله وعظم ربوبيته ومداد كلماته وكما هو أهله. اللهم يا الله يا رب، يا رحمان يا رحيم، يا ملك يا قدوس، يا سلام يا مؤمن، يا مهيمن يا عزيز، يا جبار يا متكبر، يا كبير يا خالق، يا بارى يا مصور، يا حكيم يا خبير، يا سميع يا بصير، يا عالم يا عليم، يا جواد يا كريم، يا حليم يا قديم، يا غنى.


[ 196 ]

يا عظيم يا متعالى، يا عالى يا محيط، يا رؤوف 1 يا غفور 2 يا ودود 3، يا شكور يا جليل، يا جميل، يا حميد يا مجيد، يا مبدى يا معيد، يا فعالا لما يريد يا باعث يا وارث 4 يا قدير يا مقتدر، يا صمد يا قاهر ياتواب يا بار، ياقوى يا بديع، يا وكيل يا كفيل. يا قريب يا مجيب، يا أول يا رازق يا منير، ياولى يا هادى، يا ناصر يا واسع، يا محيى يا مميت، يا قابض يا باسط، يا قائم يا شهيد يا رقيب يا حبيب يا مالك يا نور، يا رفيع يا مولى، يا ظاهر يا باطن، يا أول يا آخر، يا طاهر يا مطهر، يالطيف ياحفى 5، يا خالق يامليك، يا فتاح يا علام، يا شاكر يا أحد، يا غفار. يا ذا الطول يا ذا الحول، يا معين يا ذا العرش، يا ذا الجلال والاكرام، يا مستعان يا غالب يا مغيث يا محمود يا معبود، يا محسن يا مجمل يا فرد، يا حنان يا منان، يا قديم الاحسان. أسألك بحق هذه الأسماء وبحق أسمائك كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، أن تصلى على محمد نبيك ورسولك وخيرتك من خلقك، وعلى آل محمد الطيبين الأخيار الطاهرين الأبرار، وأن تفرج عنى كل غم وهم وكرب وضر وضيق أنا فيه، وتوسع على في رزقي أبدا ما أحييتني، وتبلغنى أملى سريعا عاجلا. وتكتب أعدائي 6 وحسادي، وذوى التعزز على، والظلم لى والتعدى على، وتنصرني عليهم، برحمتك وتكفني أمرهم بعزتك، وتجعلنى الظاهر عليهم بقدرتك وغالب مشيتك يا أرحم الراحمين، آمين رب العالمين، وصلى


1 – الرؤوف: الرحيم بعباده العطوف عليهم بألطافه، والرأفة ادق من الرحمة. 2 – الغفر: التغطية، والغفور بمعنى الساتر للذنوب والعيوب. 3 – الودود: فعول بمعنى الفاعل أي يحب عباده الصالحين، أو بمعنى المفعول أي محبوب في قلوبهم. 4 – الوارث: هو الذى يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم. 5 – الحفى: المبالغ في الاكرام والبر واظهار السرور. 6 – كبت الله العدو: أهلكه وأذله.

[ 197 ]

الله على محمد 1 خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل 2. وتقول إذا خرجت من منزلك تريد المصلى: بسم الله وبالله، الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر، الله اكبر الله اكبر ولله الحمد، الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدينا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق. اللهم يا الله يا الله يا الله يا كهيعص، يا نور كل نور، يا مدبر الامور، يا الله يا اول الاولين، ويا آخر الاخرين، ويا ولي المؤمنين، يا ارحم الراحمين، يا رحمان يا رحيم، يا جواد يا كريم، يا سميع يا عليم. اغفر لى الذنوب التى تزيل النعم، واغفر لي الذنوب التى تنزل النقم، واغفر لى الذنوب التى تأخذ بالكظم 3، واغفر لى الذنوب التى تحل السقم، واغفر لى الذنوب التى تهتك العصم 4، واغفر لى الذنوب التى تنزل البلاء، واغفر لى الذنوب التى تورث الشقاء، واغفر لى الذنوب التى ترد الدعاء، (واغفر لى الذنوب التى تقطع الرجاء) 5. واغفر لى الذنوب التى تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التى تمسك غيث السماء، واغفر لى الذنوب التى تكدر الصفاء 6، واغفر لي الذنوب التى اتيتها تعمدا أو خطأ، انك سميع قريب مجيب، الحمد لله كما ينبغى لكرم وجه ربنا وعز جلاله. اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة يا ذا الجلال


1 – صلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده على محمد (خ ل). 2 – عنه البحار 98: 295، 91: 47. 3 – يقال: اخذ بكظمه أي كربه وغمه. 4 – الهتك: خرق الستر، والعصم جمع العصمة، وهى ما يعتصم به. 5 – من البحار. 6 – الصفا – بالقصر – جمع الصفاة، وهى الصخرة الملساء.

[ 198 ]

والاكرام، انى اعهد اليك في هذه الحياة الدنيا، واشهدك انى اشهد ان لا اله الا الله وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وانت على كل شئ قدير. واشهد ان محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وسلم، واشهد ان وعدك حق، وان لقاءك حق، وان الساعة آتيه لا ريب فيها، وانك تبعث من في القبور واشهد 1 انك ان تكلني الى نفسي تكلني الى ضيعة وعورة 2 وذنب وخطيئة، وانى لا اثق الا برحمتك، فاجعل لى عندك عهدا تؤديه الى يوم القاك انك لا تخلف الميعاد، واغفر لى ذنوبي كلها صغيرها وكبيرها، انه لا يغفر الذنوب الا انت، وتب على انك انت التواب الرحيم. وتقول وانت في الطريق: بسم الله وبالله، الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر 3، الله اكبر ولله الحمد، الحمد لله الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 4 وانا الى ربنا لمنقلبون. بسم الله مخرجى، وباذنه خرجت، ومرضاته اتبعت وعليه توكلت، واليه فوضت امرى وهو حسبى ونعم الوكيل، توكلت على الاله الاكبر، توكل مفوض إليه. اللهم يا الله يا رحمان، يا على يا عظيم، يا احد يا صمد، يا فرد يا رحيم ياوتر، يا سميع يا عليم، يا عالم يا كبير يا متكبر، يا حليل يا جميل، يا حليم


1 – عوزة (خ ل)، أقول: العورة: كل ما يستحى منه وكل حال يتخوف منه، عوز الرجل: افتقر. 2 – اشهدك (خ ل). 3 – زيادة: لا اله الا الله والله اكبر (خ ل). 4 – مقرنين: مطيقين. 5 – الموتر: الفرد.

[ 199 ]

يا كريم، ياقوى يا وفى، يا عزيز يا مكون، يا حنان يا منان، يا مؤمن يا مهيمن 1، يا عزيز يا جبار. يا قديم يا متعالى، يا معين يا تواب يا وهاب يا باعث يا وارث، يا حميد يا مجيد يا معبود، يا موجود يا ظاهر يا باطن، يا طاهر يا مطهر، يا مكنون يا مخزون، يا اول يا آخر، يا حى يا قيوم يا شامخ، يا واسع يا سلام يا رفيع يا مرتفع يا نور. يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا العزة والسلطان، أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفرج عنى كل هم وغم وكرب انا فيه، وتقضى جميع حوائجى وتبلغنى غاية املى، وتكبت 2 اعدائي وحسادي، وتكفيني امر كل مؤذ لى سريعا عاجلا، انك على كل شئ قدير. فإذا دخلت الى المصلى وجلست في الموضع الذى تصلى فيه، تقول: الله اكبر الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر، الله اكبر 3 ولله الحمد، يا واسع لا يضيق، ويا حسنا عائدته، يا ملبسا فضل رحمته، يا مهابا لشدة هائبا 5 لك، يقول: رب عملت سوء وظلمت نفسي، فلمغفرتك خرجت اليك. استجير بك في خروجي مما اخاف واحذر، وبعز جلالك استجير من كل سوء ومكروه ومحذور، وباسمك الذى تسميت به، وجعلته مع قوتك، ومع قدرتك، ومع سلطانك، وصيرته في قبضتك، ونورتته بكلماتك، والبسته وقارها منك.


1 – المهيمن: الرقيب، الشاهد. 2 – كبت الله عدوه: اهلكه وذلله. 3 – لا اله الله والله أكبر (خ ل). 4 – الضرير: من اصابه الضر وسوء الحال. 5 – هابه: خافه واتقاه وحذره.

[ 200 ]

يا الله، اطلبه اليك ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تمحو 1 عنى كل كبيرة اتيتها، وكل خطيئة ارتكبتها، وكل سيئة اكتسبتها، وكل سوء ومكروه، ومخوف ومحذور ارهب، وكل ضيق انا فيه. فانى بك لا اله الا انت، وباسمك الذى فيه تفسير الامور كلها، هذا اعترافي فلا تخذلني، وهب لى عافية شاملة كافية، ونجنى من كل امر عظيم ومكروه جسيم، هلكت فتلافنى 2 بحق حقوقك كلها، يا كريم يا رب بحبي 3 محمد بن عبد الله عبدك، شديد حياؤه من تعرضه لرحمتك، لاصراره على ما نهيته عنه من الذنب العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم. ما اتيت به لا يعلمه غيرك، قد شمت بى فيه القريب والبعيد، واسلمني فيه العدو والحبيب، والقيت بيدى اليك، طمعا لأمر واحد وطمعي ذلك في رحمتك، فارحمني يا ذا الرحمة الواسعة، وتلافني بالمغفرة من الذنوب. انى أسألك بعز ذلك الاسم الذى ملأ كل شئ دونك ان تصلى على محمد وآل محمد، وان ترحمني باستجارتى بك اليك، باسمك هذا يا رحيم، اتيت هذا المصلى تائبا مما اقترفت 4، فاغفر لي تبعته، وعافنى من اتباعه بعد مقامي، يا كريم يا رحمان يا رحيم، آمين رب العالمين. اللهم يا محل كنوز اهل الغنى، ويا مغنى اهل الفاقة بسعة تلك الكنوز بالعيادة عليهم والنظر لهم، يا الله لا يسمى غيرك الها، انما الالهة كلها معبودة بالفرية 5 عليك والكذب، لا اله الا انت ياساد الفقراء يا كاشف الضر، يا جابر الكسير، يا عالم السرائر والضمائر، صل على محمدو على آل محمد، وارحم هربي اليك من فقرى.


1 – تمحق (خ ل). 2 – في الموضعين: فتلافنى، أقول: تلافيته: تداركته. 3 – بحق (خ ل). 4 – الاقتراب: الاكتساب. 5 – الفرية: الكذب واختلاقه.

[ 201 ]

أسألك باسمك الحال في غناك، الذى لا يفتقر ذاكره ابدا، ان تعيذنى من لزوم فقر انسى به الدين، أو بسوء غنى افتتن به عن الطاعة، بحق نور اسمائك كلها، اطلب اليك من رزقك ما توسع به على، وتكفني به عن معاصيك وتعصمني به في دينى، لا اجد لى غيرك. مقادير الارزاق عندك، فانفعني من قدرتك بى فيها بما ينزع ما نزع بى من الفقر، يا غنى يا قوى يا متين، يا ممتننا على اهل الصبر بالدعة 1 التى ادخلتها عليهم بطاعتك، لا حول ولاقوة الا بك، وقد فدحتنى 2 المحن وافنتنى واعيتنى 3 المسالك للروح منها، واضطرنى اليك الطمع فيها مع حسن الرجاء لك فيها. فهربت بنفسى اليك، وانقطعت اليك بضرى، ورجوتك لدعائي، انت مالكى فاغننى، واجبر مصيبتي بجلاء كربها، وادخالك الصبر على فيها، فانك ان حلت بينى وبين ما انا فيه هلكت ولا صبر لى، يا ذا الاسم الجامع الذى فيه عظم الشؤون كلها، بحقك يا سيدي صل على محمد وآل محمد، واغنني بأن تفرج عنى يا كريم 4. فصل (7) فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى اعلم اننل قدمنا في صفة صلاة عيد الفطر رواية تتضمن دعاء واحدا للتكبيرات، وقد وجدنا عدة روايات فيها لكل تكبيرة من صلاة العيد دعاء جديد، فاخترنا لله جل جلاله ان نذكر هاهنا منها ليكون لكل عيد صلاة منفردة، استظهارا للظفر


1 – الدعة: الخفض. 2 – فدحه الأمر أو دين: أثقله وبهظه. 3 – اعفتني (خ ل)، أعيتنى المسالك: أي حيرتني وملتنى الطرق التى سلكتها للروح من المحن فلم يتسرلى ذلك. 4 – عنه البحار 91: 50 – 53.

[ 202 ]

بالفضل عنها، فنقول: اخبرنا جماعة قد ذكرنا اسمائهم في الجزء الأول من المهمات، بطرقهم المرضيات الى مشائخ المعظمين محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله وجعفر بن قولويه وأبى جعفر الطوسى وغيرهم، باسنادهم جميعا الى سعد بن عبد الله من كتاب فضل الدعاء، المتفق على ثقته وفضله وعدالته، باسناده فيه الى أبى عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين: تكبر فيها اثنتى عشرة تكبيرة، سبع تكبيرات في الاولى، وخمس تكبيرات في الثانية، تكبر باستفتاح الصلاة، ثم تقرة الحمد وسورة (سبح اسم ربك الاعلى)، ثم تكبر فتقول: الله اكبر، اهل الكبرياء والعظمة، والجلال والقدرة، والسلطان والعزة، والمغفرة والرحمة، الله اكبر، اول كل شئ وآخر كل شئ، وبديع كل شئ ومنتهاه، وعالم كل شئ ومنتهاه. الله اكبر مدبر الامور، باعث من في القبور، قابل الاعمال، مبدى الخفيات، معلن السرائر، ومصير كل شئ ومرده إليه، الله اكبر، عظيم الملكوت، شديد الجبروت، حى لا يموت، الله اكبر، دائم لا يزول، فإذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون. ثم تكبر وتركع وتسجد سجدتين، فذلك سبع تكبيرات: اولها استفتاح الصلاة وآخرها تكبيرة الركوع، وتقول في ركوعك: خشع قلبى وسمعي وبصرى، وشعرى وبشرى، وما اقلت الأرض 1 منى لله رب العالمين، سبحان ربى العظيم وبحمده – ثلاث مرات. فان احببت ان تزيد فزد ما شئت، ثم ترفع رأسك من الركوع، وتعتدل وتقيم صلبك وتقول: الحمدلله، والحول والعظمة، والقوة والعزة، والسلطان والملك،


1 – اقلت الأرض: حملته من جوارحي واعضائى.

[ 203 ]

والجبروت والكبرياء، وما سكن في الليل والنهار لله رب العالمين، لا شريك له. ثم تسجد وتقول في سجودك: سجد وجهى البالى، الفاني الخاطى المذنب، لوجهك الباقي الدائم العزيز الحكيم، غير مستنكف ولا مستحسر 1 ولا مستعظم ولا متجبر، بل بائس فقير خائف مستجير عبد ذليل مهين 2 حقير، سبحانك وبحمدك استغفرك واتوب اليك. ثم تسبح وترفع رأسك وتقول: اللهم صل على محمد وعلى وفاطمة، والحسن والحسين والائمة، واغفر لى وارحمني، ولا تقطع بى 3 عن محمد وآل محمد في الدنيا والاخرة، واجعلني معهم وفيهم وفى زمرتهم ومن المقربين، آمين يا رب العالمين. ثم تسجد الثانية وتقول مثل الذى قلت في الاولى، فإذا نهضت في الثانية، تقول: برئت الى الله من الحول والقوة، ولا حول ولا قوة الا بالله. ثم تقرأ فاتحة الكتاب وسورة (والشمس وضحها)، ثم تكبر وتقول: الله اكبر خشعت 4 لك يا رب الاصوات، وعنت لك الوجوه، وحارت من دونك الابصار، الله اكبر كلت الالسن عن صفة عظمتك، والنواصى كلها بيدك، ومقادير الامور كلها اليك، لا يقضى فيها غيرك، ولا يتم منها شئ دونك 5. (الله اكبر احاط بكل شئ علمك 6، وقهر كل شئ عزك، ونفد في


1 – حسر: اعيا وتعب. 2 – المهين: الحقير والضعيف. 3 – في القاموس: قطع بزيد فهو مقطوع به، عجز عن سفره بأى سبب كان، أوصل بينه وبين ما يؤمله. 4 – أي لا تصير تماما الا بمشيتك. 6 – في الفقيه: حفظك.

[ 204 ]

كل شئ امرك، وقائم كل شئ بك) 1، الله اكبر، تواضع كل شئ لعظمتك، وذل كل شئ لعزتك، واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضع كل شئ لملكك، الله اكبر. ثم تكبر وتقول وانت راكع مثل ما قلت في ركوعك الاول، وكذلك في السجود ما قلت في الركعة الاولى، ثم تتشهد بما تتشهد به في سائر الصلوات، فإذا فرغت دعوت بما اجبت للدين والدنيا 2. أقول: ومن غير هذه الرواية: فإذا فرغت من صلاة عيد الأضحى فادع بهذا الدعاء: الله اكبر الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر، الله اكبر ولله الحمد، لا اله الا الله الحليم الكريم، لا اله الا الله العلى العظيم، لا اله الا الله الها واحدا ونحن له مسلمون، لا اله الا الله لا نعبد الا اياه ولو كره المشركون 3. لا اله الا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، لا اله الا الله وحده وحده، انجز وعده، ونصر عبده (واعز جنده 4، وهزم الاحزاب وحده، فله الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. سبحان الله كلما سبح الله شئ وكما يحب الله ان يسبح وكما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله، والله اكبر كلما كبر الله شئ وكما يحب الله ان يكبر وكما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله كلما حمد الله شئ وكما يحب الله ان يحمد وكما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله. ولا اله الا الله كلما هلل الله شئ وكما يحب الله ان يهلل وكما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله، وسبحان الله والحمد لله عدد الشفع والوتر، وعدد كل نعمة انعمها الله على، وعلى احد من خلقه، ممن كان أو يكون


1 – ليس في بعض النسخ. 2 – عنه البحار 91: 60 – 62، رواه في الفقيه 1: 512، 523. 3 – الكافرون (خ ل). 4 – من البحار.

[ 205 ]

الى يوم القيامة. اعيد نفسي وديني وسمعي وبصرى وجسدى وجميع جوارحي، وما اقلت الارض منى، واهلى ومالى وولدى وجميع جوارحي، ومن تشمله عنايتي 1، وجميع ما رزقتني يا رب وكل من يعنينى امره، بالله الذى لا اله الا هوالحى القيوم لا تأخذه سنة ولانوم. له ما في السماوات وما في الارض، من ذاالذى يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشئ من علمه، الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما، وهو العلى العظيم. قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل ان تنقد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مدادا * قل انما انا بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا. والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا * ان الهكم لواحد * رب السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق * انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون الى الملاء الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا 2 ولهم عذاب واصب * الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب * فاستفتهم اهم اشد خلقا ام من خلقنا انا خلقناهم من طين لازب * سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين. يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا 4 لا تنفذون الا بسلطان 5 * فبأى آلاء ربكما تكذبان *


1 – عنايتي: اعتنائي واهتمامي بأمره. 2 – دحره: منعه. 3 – الواصب: الدائم. 4 فانفذوا: فاخرجوا. 5 – بسلطان: بقوة وقهر.

[ 206 ]

يرسل عليكما شواظ 1 من نار ونحاس 2 فلا تنتصران * فبأى آلاء ربكما تكذبان. لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله * وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون * هو الله الذى لا اله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذى لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق الباري المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم. قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا احد. قل اعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وهب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد. قل اعوذ برب الناس * ملك الناس * اله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذى يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس. اللهم انك ترى ولا ترى، وانت بالمنظر الاعلى، وان اليك 3 الرجعى 4 والمنتهى، ولك الاخرة والاولى، اللهم انا نعوذ بك من ان نذل 5 أو نخزى 6، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآله، بافضل صلواتك، واغفر لي ولوالدي وما ولدا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والاموات والاهل والقربات. استغفر الله الذى لا اله الا هوالحى القيوم، لجميع ظلمي وجرمي


1 – الشواظ: لهب لادخان فيه. 2 – النحاس: الدخان أو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم. 3 – واليك (خ ل). 4 – الرجعى: الرجوع، أي اليك رجوع الخلائق للجزاء والحساب. 5 – نعوذ بك ان نذل (خ ل). 6 – الخزى: الذل والهوان.

[ 207 ]

وذنوبي واسرافي على نفسي واتوب إليه، اللهم اجعل في قلبى نورا، وفى سمعي نورا، وفى بصرى نورا، ومن بين يدى نورا، ومن خلقي نورا، ومن فوقى نورا، ومن تحتي نورا واعظم لى النور، واجعل لى نورا امشى به في الناس ولا تحرمني نورك 1 يوم القاك. ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار * لايات لاولى الالباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا * سبحانك فقنا عذاب النار. ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته وما للظالمين من انصار * ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان ان آمنوا بربكم فامنا * ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد. سبحان رب الصباح الصالح، فالق الاصباح 2، وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا 3، اللهم اجعل اول يومى هذا صلاحا واوسطه فلاحا واخره نجاحا، اللهم من اصبح وحاجته الى مخلوق وطلبته 4 إليه، فان حاجتى وطلبتي اليك لا شريك لك. الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه يعلم مابين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم.


1 – من نورك (خ ل). 2 – فالق الاصباح: شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار، أو شاق ظلمة الاصباح وهو الغبش الذى يليه. 3 – حسبانا: على ادوار مختلفة تحسب بها الأوقات. 4 – الطلبة: ما طلبته من شئ.

[ 208 ]

لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويومن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم * الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخروجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. بسم الله الرحمن الرحيم قل اعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد. بسم الله الرحمن الرحيم * قل اعوذ برب الناس * ملك الناس اله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذى يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس. سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله العالمين. اللهم انى أسألك باسمائك التى إذا دعيت بها على مغالق ابواب السماء 1 للفتح انفتحت، وأسألك بأسمائك التى إذا دعيت بها على مضائق الارضين للفرج انفرجت، وأسألك بأسمائك التى إذا دعيت بها على البأساء والضراء للكشف انكشفت 2، وأسألك بأسمائك التى إذا دعيت بها على ابواب العسر لليسر تيسرت. وأسألك بأسمائك التى إذا دعيت بها على الاموات للنشور انتشرت، ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تعرفني بركة هذا اليوم ويمينه، وترزقني خيره وتصرف عنى شره، وتكتبني فيه من خيار حجاج بيتك الحرام،


1 – في البحار: السماوات. 2 – تكشفت (خ ل).

[ 209 ]

المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفر عنهم سيئاتهم، وان توسع على في رزقي، وتقضى عنى دينى، وتؤدى عنى امانتي، وتكشف (عنى) 1 ضرى، وتفرج عنى همى وغمى وكربي، وتبلغنى سريعا عاجلا، وتخير لى وتختار لى، برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل اسمى في هذا اليوم في السعداء وروح مع الشهداء، واحساني في عليين، واساءتي مغفورة، وهب لى يقينا تباشر به قلبى، وايمانا يذهب بالشك عنى، وآتني في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنى عذاب النار 2. وتدعو ايضا في يوم عيد الاضحى فتقول: الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر، ولله الحمد، اللهم ربنا لك الحمد كما ينبغى لعز سلطانك وجلال وجهك، لا اله الا انت الحليم الكريم، وسبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. اللهم انى أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، لا اله الا الله الها واحدا له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. اللهم انى أسألك بمعاقد العز 3 من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك العظيم وجدك 4 الاعلى، وبكلماتك التامات التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر.


1 – من البحار. 2 – عنه البحار 91: 63 – 67. ا – بمعاقد العز من عرشك: أي بالخصال التى استحق بها العرش العز وبمواضع انعقادها منه. 4 – الجد، هنا بمعنى العظمة والغناء.

[ 210 ]

وأسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم، الذى لا اله الا هوالحى القيوم، المحيى المميت الغفور الودود، ذوالعرش المجيد، الفعال لما يريد، الحى القيوم الذى لا يموت، قدوس قدوس. تباركت 1 وتعاليت خالق ما يرى وما لا يرى، فانك بديع لم يكن قبلك شئ، وسميع لم يكن دونك شئ، ورفيع لم يكن فوقك شئ، أسألك باسمك المخزون المكنون، وباسمك التام النور، وباسمك الطهر الطاهر. وباسمك الذى إذا سئلت به اعطيت، وإذا دعيت به اجبت، وإذا سميت به رضيت، ان تصلى على محمد وآل محمد وان ترحمني وترحم والدى وما ولدا، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والقانتين والقانتات 2، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، وان تفرج عنى همى وغمى وكربي وضيق صدري، وتقضى عنى ديونى، وتؤدى عنى امانتي، وتوصلني الى بغيتى 3، وتسهل لى محنتي 4، وتيسر لى ارادتي سريعا عاجلا، انك قريب مجيب. اللهم اشرح صدري للاسلام، وزينى بالايمان، والبسنى التقوى، وقنى عذاب النار، اللهم رب النجوم السائرة أ ورب البحار الجارية، ورب الدنيا والاخرة، مالك 6 الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير، انك على كل شئ قدير. رحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما، تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء، اقض عنى دينى، وفرج عنى كل هم وبلاء، انك سميع الدعاء


1 – تباركت: تكاثر خيرك، من البركة، وهى كثرة الخير. 2 – القنوب: الطاعة، والدعاء المخصوص في الصلاة. 3 – البغية: الحاجة. 4 – محبتى (خ ل). 5 – الشرح: الفتح والكشف. 6 – ومالك (خ ل).

[ 211 ]

فعال لما يشاء قريب مجيب. اللهم اجعل حبك احب الاشياء الى، واجعل اخوف الاشياء عندي خوفك، وارزقني الشوق الى لقائك واقرر عينى بعبادك. لا اله الا الله وحده لا شريك له، الها واحدا فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولاولدا، ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، لا اله الا الله اختم بها عملي، لا اله الا الله عند خروج نفسي، لا اله الا الله اسكن بها قبري، لا اله الا الله القى بها ربى. اللهم لك الحمد حمدا على حمد، ولكل اسمائك حمد، وفى كل شئ لك حمد، وكل شئ لك عبد. اللهم لك الحمد حمدا على حمد، حمدا دائما ابدا خالدا لخلودك وزنة عرشك، وكما ينبغى لكرم وجهك وعز جلالك وعظم ربوبيتك، وكما انت اهله، اللهم لك الحمد على البأساء، ولك الحمد على الضراء، حمدا يوافي نعمك ويكافى 1 مزيدك. اللهم انت نور السماوات والارض، وضياء السماوات والارض، وملك السماوات والارض وقيوم السماوات والارض، انت ذو العز والفضل، والعظمة والكبرياء، والقدرة على خلقك. اللهم انى أسألك بأسمائك كلها، يا الله يا الله يا الله، لا اله الا انت يا الله، أسألك بأسمائك يا قديم يا قدير يا دائم، يا فرد ياوتر، يا احد يا صمد، يامن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. اللهم انى أسألك يا نور كل شئ وهدى كل شئ 2، ومالك كل شئ، ومنتهى كل شئ، ومميت كل شئ ومحيى كل شئ، وخالق كل شئ، انت الخالق الباري، لك البقاء و يفنى كل شئ.


1 – يكافى: يجازى ويماثل. 2 – وصاحب كل شئ (خ ل).

[ 212 ]

اللهم انى أسألك بأسمائك كلها مع اسمك العظيم رب العرش العظيم، لا اله الا انت أسألك بوجهك الكريم ونورك القديم، وعفوك العظيم، لا اله الا انت يا كريم، اللهم انى أسألك بلا اله الا انت، وباسمائك الذى خلقت به النور الذى اضاء كل شئ. وأسألك باسمك الذى خلقت به الظلمة التى اطبقت على كل شئ، وأسألك باسمك الذى به خلقت الخلق وبه تميت الخلق، به به به، أسألك يا جميل ياحى يا قيوم، يا باعث يا وارث، يا ذا الجلال والاكرام. أسألك باسمك العظيم الذى خلقت به العرش العظيم، فانك خلقته باسمائك العظيم، وأسألك باسمك الذى طوقت به حملة العرش حين حملتهم، وأسألك باسمك الذى به احطت الارض فانه اسمك، يا الله يا رب يا رب يا رب، أسألك باسمك الذى خلقت به الملائكة الخارجين من الاقطار، فانك خلقتهم باسمك العزيز، يا قريب يا مجيب يا باعث يا وارث. أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد 1، وان تفرج عنى كل هم وغم وكرب وضر وضيق انا فيه، وان تستنقذنى من ورطتي 2، وتخلصني من محنتي، وان تبلغني املى سريعا عاجلا، برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم يا الله يا قديم الاحسان، يا دائم المعروف، يامن لا يشغله سمع عن سمع، ولا يغلطه ولا يضجره الحاح الملحين، ولا يشغله شأن عن شأن، ولا يتعاظمه الحوائج، يا مطلق الاطلاق، يامدر الارزاق، يا فتاح الاغلاق، يا منقذ من في الوثاق 3، يا واحد يا رازق 4 صل على محمد وآل محمد واقض لى جميع حوائجى واكشف ضرى، فانه لا يكشفه احد سواك، يا ارحم الراحمين.


1 – الورطة: الهلكة وكل أمر تعسر النجاء منه. 2 – وآل محمد (خ ل). 3 – الوثاق: ما يشد به. 4 – رزاق (خ ل).

[ 213 ]

اللهم قد 1 اكدى 2 الطلب واعيت الحيل الا عندك، وسدت المذاهب وضاقت الطرق الا اليك 3، واختلف الظن الا بك، وتصرمت 4 الاشياء وكذبت العداة الا عدتك. اللهم وانى اجد سبل المطالب اليك مشرعة 5، ومناهل 6 الرجاء اليك مترعة 7، والاستعانة بفضلك لمن ائتم بك مباحة، وابواب الدعاء لمن دعاك مفتحة، واعلم انك لداعيك بموضع اجابة، وللصارخ اليك بمرصد 8 اغاثة، وان القاصد اليك قريب المسافة، ومناجاة الراحل اليك غير محجوبة عن اسماعك، وان اللهف 9 الى جودك والرضا بعدتك والاستغاثة بفضلك عوض عن منع الباخلين، وخلف من ختل 10 الوارثين. اللهم وانى اقصدك بطلبتى واتوجه اليك بمسألتي واحضرك رغبتي، واجعل بك استغاثتى، وبدعائك تحرمي 11، من غير استحقاق منى لاستماعك ولا استيجاب لاجابتك، عن بسط يد الى طاعتك، أو قبض يدمن معاصيتك، ولا اتعاظ منى لزجرك، ولا احجام 12 عن نهيك الا لجاء الى توحيدك ومعرفتك، بمعرفتي 13 ان لا رب لى غيرك، ولا قوة ولاستعانة الا بك.


1 – وقد (خ ل). 2 – كدى الرجل: عجز ولم ينفع. 3 – زيادة: وخابت الثقة (خ ل). 4 – تصرمت الاشياء: تقطعت. 5 – الشارع: الطريق الاعظم، والشريعة: مورد الابل على الماء الجارى. 6 – المنهل: المورد، موضع الشرب في الطريق. 7 – ترع الحوض: امتلأ. 8 – المرصد: موضع الترصد والترقيب. 9 – اللاهف: المظلوم المضطر. 10 – ختله: خدعه. 11 – تحرمي: استجارتي وامتناعي من البلايا. 12 – احجام منى (خ ل)، أقول: أحجم عن الشئ: كف، نكص هيبة. 13 – بمعرفة منى (خ ل).

[ 214 ]

إذ تقول يا الهي وسيدي ونولاى لمسرفي عبادك: (لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) 1، وتقول لهم افهاما وموعظة وتكرارا: (ومن يغفر الذنوب الا الله) 2، فارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين، واكشف ضرى ونحيبي اليك، انك السميع العليم. اللهم يا رب تكذيبا لمن اشرك بك، وردا على من جعل الحمد لغيرك، تباركت وتعاليت علوا كبيرا، بل انت الله لك الحمد رب العالمين، انت الله العزيز الحكيم، انت الله العليم الحليم، انت الله الغفور الرحيم، انت الله ملك يوم الدين. انت الله خالق كل شئ واليك يعود، انت الله الذى لا اله الا انت، انت الله الخالق عالم السر واخفى، لا الا الا انت الواحد الاحد، الفرد الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن له كفوا احد. اللهم انك حى لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تقهر، وبدى لا تتغير، وقريب لا تبعد وقادر لاتضاد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومجيب لا تسأم، وجبار لا تكلم، وعظيم لا ترام. وعالم لا تعلم، وقوى لا تضعف، ووفى لاتخلف، وعدل لا تحيف، وغنى لا تفتقر، وكبير لا تغادر 3، وحكيم لا تجور، وممتنع لا تمانع 4، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تخفى، وغالب لا تغلب، وبر لا تستأمر 5، وفرد لا تشاور،


1 – الزمر: 53. 2 – آل عمران: 135. 3 – المغادرة: الترك، أي لا تترك شيئا الا احصيته وجازيت عليه. 4 – لا تمانع: لا يمتنع منك أحد. 5 – لا تستأمر: لا تستشير أحدا في البر والاحسان.

[ 215 ]

ووهاب لا تمل 1، وواسع لا تذهل 2. وجواد لا تبخل، وعزيز لا تغلب، وحافظ لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا تزول، ودائم لا تفنى، وباق لا تبلى، وواحد لا شبيه لك، ومقتدر لا تنازع. اللهم انى أسألك بان لك الحمد لا اله الا انت الحنان المنان، بديع السماوات والارض، ذو الجلال والاكرام، ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تبلغني غاية املى وابعد امنيتي، وأقصى ارجائي وتكشف ضرى، فانه لا تكشفه احد سواك برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم انى أسألك يا نور السماوات والأرضين، ويا عماد 3 السماوات والأرضين ويا قيوم السماوات والارضيين، ويا جمال 4 السماوات والارضين، ويازين السماوات والارضين، ويا بديع السماوات والارضين، وياذا الجلال والاكرام، يا صريخ 5 المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا منتهى رغبة العابدين، يا منفس 6 عن المكروبين. يا مفرج عن المغضوبين، يا كاشف الضر، يا مجيب دعوة المضطرين، يا ارحم الراحمين، يا اله العالمين، منزول بك كل حاجة، يا حنان يا منان يا ذا الجلال والاكرام، يا نور السماوات والارضين وما بينهن، ورب العرش العظيم، يا رب يا رب يا رب. اللهم انى أسألك بوجهك الكريم النور المشرق، الحى الباقي الدائم، وبوجهك القدوس الذى اشرقت له السماوات والارضون، وانفلقت 7 به


1 – لا تمل: لا تسأم من الهبة والعطاء ولو من كثرة السؤال. 2 – لا تذهل: أي لا تفعل. 3 – العماد: ما يعتمد عليه. 4 – الجمال: الحسن. 5 – الصريخ: المغيث. 6 – نفس الله عنه كربته: فرجها. 7 – انفلقت: انشقت.

[ 216 ]

الظلمات ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفرج عنى كل هم وغم وكرب وضر وضيق انا فيه، وان ترحمني وترحم والدى وما ولدا، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والاموات، انك على كل شئ قدير يا ارحم الراحمين. اللهم انى أسألك يامن لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا تصفه الواصفون، ولا تعتريه الحوادث ولا تغشاه الدوائر 1، تعلم مثاقيل الجبال ومكائيل البحار، وعدد قطر الامطار وورق الاشجار، ولا ارض ارضا، ولا جبل ما في وعره 2 ولا بحر ما في قعره، ان تجعل خير عمرى آخره، وخير عملي خواتمه، وخير ايامي يوم القاك، انك على كل شئ قدير. اللهم فل 3 عنى حد من نصب لى حده، واطف عنى نار من شب 4 لى ناره، واكفنى هم من ادخل على همه، واعصمني بالسكينة 5 والوقار 6، وادخلني في درعك الحصينة، وادخلني برحمتك في سترك الواقى، يامن لا يكفي منه شئ اكفني ما اهمني من امر دنياى وآخرتي يا ارحم الراحمين. يا حقيق يا شفيق، ياركنى الوثيق، اخرجني من حلق المضيق، الى فرج منك قريب، ولا تحملني يا عزيز بحق عزك مالا اطيق، انت الله سيدى ومولاى الملك الحق الحقيق، يا مشرق البرهان، ياقوى الاركان، يامن وجهه في هذا المكان، احرسني بعينك التى لا تنام، واكفنى بكفايتك التى


1 – الدوائر جمع الدائرة: وهى الدولة بالغلبة والنصرة. 2 – وغده (خ ل)، أقول: الوعر: المكان الصلب، المكان المخيف الوحش. 3 – فل السيف: ثلمه، الفلة: الثلمة في حد السيف. 4 – شبب (خ ل)، أقول: شب النار: أوقدها. 5 – السكينة: اطمينان القلب بذكر الله. 6 – الوقار: كون الجوارح مشغولة بطاعة الله. (*)

[ 217 ]

لا ترام 1، اللهم لا املك وانت الرجاء، فارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم رب النور العظيم، ورب الشفع والوتر، ورب البحر المسجور 2، والبيت المعمور، ورب التوراة والانجيل 3، ورب القرآن 4 العظيم. انت الله اله من في السماوات والارضين، لا اله فيهما غيرك ولا معبود سواك، وانت جبار من في السماوات وجبار من في الارض لا جبار فيهما غيرك، وانت ملك من في السماوات 5 وملك من في الارض، لا ملك فيهما غيرك. أسألك باسمك العظيم وملكك القديم، وباسمك الذى صلح به الاولون، وبه صلح الاخرون، ياحى قبل كل حى، ياحى لا اله الا انت. أسألك ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تصلح لى شأني كله، وان تجعل عملي في المرفوع المتقبل، وهب لى ما وهبت لاوليائك واهل طاعتك، فانى مؤمن بك، متوكل عليك، منيب اليك مصيري اليك. انت الحنان المنان تعطى الخير من تشاء وتصرفه عمن تشاء، فتوفنى على دين محمد وسنته، وهب لى ما وهبت لعبادك الصالحين يا ارحم الراحمين. اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما، تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير.


1 – لاترام: أي لا تقصد بسوء وممانعة. 2 – المسجور: المملو أو المتقد نارا في القيامة. 3 – والزبور (خ ل). 4 – الفرقان (خ ل). 5 – السماء (خ ل).

[ 218 ]

اللهم انى اعوذ بك من الجوع ضجيعا 1، ومن الشر ولوعا 2 اللهم انى اعوذ بك من النار فانها بئس المصير واعوذ بك من الفقر فانه بئس الضجيع واعوذ بك من الشيطان فانه بئس القرين، واصبحت وربى محمود، اصبحت لا ادعو مع الله الها، ولا اتخذ من دونه وليا، ولا اشرك به شيئا. اللهم يا نور السماوات والارض، ويا جمال السماوات وياذا الجلال والاكرام، ويا صريخ المستصرخين، ويامروح عن المكروبين، ويا ارحم الراحمين ويا كاشف السوء ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا اله العالمين، منزول بك كل حاجة، انزلت بك اليوم حاجتى. اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن امتك وفى قبضك، ناصيتى بيدك، عدل في حكمك، ماض في فضاؤك، فأسألك بحقك على خلقك وبكل حق هو لك، وبكل اسم سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته احدا من خلقك أو استأثرت 3 به في علم الغيب عندك، وان تجعل القرآن ربيع قلبى 4 ونور بصرى وجلاء حزنى وذهاب همى وغمى، وان تقضى لى كل حاجة من حوائج الدنيا والاخرة برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم اغفر لى ذنوبي واسرافي في امرى وقنى عذاب القبر، اللهم يسرنى لليسرى وجنبني العسرى. اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم اعذني من عذاب القبر، اللهم امرتني ان ادعوك، فانى ادعوك ان يغفر لي وترحمني وتقيني


1 – الضجيع المضطجع على جنبه. 2 – ولعت بالشئ: أولع به ولعا. 3 – استأثرت به: تفردت واستبددت به ولم تعلمه احدا من خلقك. 4 – في النهاية: في الحديث: اللهم اجعل القرآن ربيع قلبى، جعله ربيعا لهه لأن الا نسان يرتاح قلبه في الربيع من الازمان ويميل إليه.

[ 219 ]

عذاب 1 النار، اللهم انى اعوذ بك من فتنة المحيا والممات وعذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال 2. اللهم انى أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو انزلته في كتبك، أو علمته احدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأسألك بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات، وصلح به امر الدنيا والاخرة. وأسألك يا الله الذى لا اله الا انت، بأنك انت الله الذى لا اله الا انت الواحد الاحد، الفرد الصمد، الذى لم تلد ولم تولد ولم تتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن لك كفوا احد، وأسألك بان لك الحمد لا اله الا انت المنان بديع السماوات والارضين، ذو الجلال والاكرام. وأسألك باسمك العظيم الاعظم الذى لا شئ اعظم منه ولا اجل منه ولا اكبر منه، ان تصلى على محمد وآل محمد في الاولين والاخرين، وان تعطى محمدا الوسيلة، وان تجزى محمدا عن امته احسن ما تجزى نبيا عن امته، وان تجعلنا في زمرته، وان تسقينا بكأسه، انك ولى ذلك والقادر عليه. اللهم عافني ابدا ما ابقيتني وآتني في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنى برحمتك عذاب النار يا ارحم الراحمين، آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل 3. وإذا نهضت من مصلاك لتنصرف فقل: الله اكبر الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر الله اكبر، ولله الحمد.


1 – من عذاب (خ ل). 2 – فتنة المسيح الدجال، سمى الدجال مسيحا لأن احدى عينيه ممسوحة، أو المراد به ا لمسيح الكذاب الذى يخرج قبيل ظهور المسيح الصادق عليه السلام. 3 – عنه البحار 91: 69 – 76.

[ 220 ]

وإذا انصرفت الى منزلك ودخلته تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، الله اكبر الله اكبر، لا اله الا الله والله اكبر، الله اكبر ولله الحمد، اللهم انى أسألك بأسمائك الرفيعة الجليلة الكريمة، الحسنة الجميلة، يا حميد يا الله يا الله، يا جليل يا عظيم، يا كريم يا قادر، يا وارث يا عزيز، يا فرد ياوتر، يا الله يا رحمن يا رحيم، يا الله يا الله يا الله. اسألك بأسمائك ومنتهاها التى محلها في نفسك مما لم تسم به احدا غيرك، وأسألك بما لا يراه ولا يعلمه من اسمائك غيرك، يا الله، وأسألك بكل ما نسبت إليه نفسك مما تحبه يا الله. وأسألك بجملة مسائلك يا الله، وأسألك بكل مسألة اوجبتها حتى انتهى بها الى اسمك العظيم الاعظم يا الله، وأسألك بأسمائك الحسنى كلها يا الله، واسألك بكل اسم اوجبته حتى انتهى الى اسمك العظيم الاعظم، الكبير الاكبر، العلى الاعلى، يا الله. وأسألك باسمك الكامل الذى فضلته على جميع من يسمى به احد غيرك، الذى هو في علم الغيب عندك، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله يا الله، يا صمد يا رحمان، ادعوك وأسألك بكل ما انت فيه مما لا اعلمه، فأسألك به يا الله. وأسألك بحق هذه الاسماء، وبحق تفسيرها فانه لا يعلم تفسيرها غيرك، يا الله، وأسألك بما لا اعلم به وبما لو علمته لسألتك به، وبكل اسم استأثرت به في علم الغيب عندك يا الله، ان تصلى على محمد عبدك ورسولك، وان تغفر لنا وترحمنا وتوجب لنا رضوانك والجنة وترزقنا من فضلك الكثير الواسع، وتجعل لنا من امرنا فرجا، انك على كل شئ قدير. اللهم لك الحمد لا هادى لمن اضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا مانع لما اعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا مؤخر لما قدمت، ولا مقدم لما اخرت،


[ 221 ]

ولا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت 1. اللهم انى أسألك الغنى يوم العلية، والامن يوم الخوف، وأسألك النعيم المقيم الذى لا يزول ولا يحول 2. اللهم انى أسألك بما سألك به محمد عبدك ورسولك من الخير كله، واستجير بك مما استجار بك منه محمد عبدك ورسولك من الشر كله، اللهم انت ربى فيسر لى امرى، ووفقني في يسر منك وعافية، وادفع عنى السوء كله، واكفنا شر كل ذى شر، آمين رب العالمين. اللهم انى أسألك باسمك العظيم الذى به قوام الدين، وباسمك الذى قامت به السماوات والارضون، وباسمك الذى تحيى به الموتى، وباسمك الذى إذا دعيت به اجبت وإذا سئلت به اعطيت، وبالتوراة والانجيل 3 والقرآن العظيم، رب جبرئيل وميكائيل واسرافيل، ان تعتقني من النار عتقا ثابتا لا اعود لاثم بعده ابدا. اللهم اذكرني برحمتك ولا تدركني 4 بخطيئتي، وزدنى من فضلك انى اليك راغب، واجعل دعائي وعملى خالصا (لك) 5، واجعل ثواب منطقى ومجلسي رضاك عنى، واجعل ثوابي من ذلك الجنة بقدرتك، وزدنى من فضلك انى اليك راغب. اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت 6، وما اعلنت وما اسررت، وما انت اعلم به منى انك على كل شئ قدير، اللهم وما كان من خير فارزقني المداومة عليه والزيادة منه، حتى تبلغني بذلك جسيم الخير عندك، وتجعله لكل خير


1 – في البحار زيادة: اللهم ابسط علينا بركاتك وفضلك ورحمتك ورزقك. 2 – لا يحول: لا يتغير. 3 – في البحار زيادة: والزبور. 4 – في البحار: لا تذكرني. 5 – من البحار. 6 – ما قدمت، أي ما فعلته في حياتي، وما أخرت أي ما أوصيت به بعد وفاتي.

[ 222 ]

تبعا 1 ونجاة من كل تبعة. اللهم ارزقني الصوم والصلاة والحج والعمرة وصلت الرحم، وعظم ووسع رزقي ورزق عيالي، انت الله قبل كل شئ، وانت الله بعد كل شئ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. اللهم انى ادعوك دعاء عبد اشتدت 3 فاقته، وضعفت قوته، دعاء من ليس له رب غيرك، ولا اله الا انت، ولا مفزع الا اليك، ولا مستغاث الا بك، ولا ثقة له غيرك، ولا حول له ولا قوة الا بك. ادعوك (يا خير من دعى و) 4 ياخير من اجاب، ويا خير من تضرع إليه، (ويا خير من سئل ويا خير من اعطى ويا خير من رغب إليه) 5. ادعوك ياخير من رفعت إليه الايدى، وادعوك يا ذا القوة والقدرة 6، وادعوك يا ذا العزة والجلال، وادعوك يا ذا البهجة والجمال، وادعوك يا ذا الملك 7 والسلطان، وادعوك يا رب الارباب. وادعوك يا سيد السادات، وادعوك بلا اله الا انت. وادعوك يا احكم الحاكمين، ويا ديان الدين 8، ويا قائما بالقسط 9،


1 – التبع بالتحريك التابع. 2 – الجهد: المشقة. 3 – في البحار: قد اشتدت. 4 و 5 – من البحار. 6 – المغفرة (خ ل). 7 – ذا العزة (خ ل). 8 – ديان الدين: معطى الجزاء أو الحاكم يوم الجزاء. 9 – القسط: العدل.

[ 223 ]

يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا ارحم الراحمين، ويا اسمع السامعين ويا ابصر الناظرين يا قريب يا مجيب. أسألك بحق حملة عرشك وبحق الملائكة، وبحق الراكعين والساجدين لك، وبحق النبيين والشهداء والصديقين والصالحين، وبحق السائلين والمحرومين 1 وبحقك العظيم 2، وبحقك على خلقك اجمعين. وبأنك انت الله لا اله الا انت عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم، ان تصلى على محمد وآل محمد، وان تعتقني من النار، وتغفر لي وترحمني يا رحمان، وتفرج عنى وهمى وغمى وكربي وضيق صدري، وتكشف ضرى وتيسر لى امرى، وتبلغنى غاية املى سريعا عاجلا، انك قريب مجيب. اللهم اننى اذكر ذنوبي واعترف بخطاياى وسوء عملي واسرافي على نفسي وظلمي قبل اللقاء، وقبل ان يؤخذ بكظمى 3، واعترفت انى مأخوذ بذنوبى وبخطاياى، ومجازي بكسبي ومحاسب بعلى، فاستعفت 4 منهن نفسي، ووجلت منهم قلبى، ووهن منهن عظمي، وسهرت منهن عينى، وبكت حتى بل الدموع خدى وضاقت على الارض بما رحبت. رب فأوسع على ذنوبي برحمتك، وعلى خطاياى بمغفرتك، وعلى سوء عملي بعفوك، وعلى اساءتي بحلمك، وعلى اسرافي على نفسي وظلمي بها تجاوزك، اللهم تفضل على بحلمك، وعد على بعفوك. وارزقني من فضلك، واستعملني بمحابك من الاعمال الصالحة التى تحب وترضى، وتقبلها فيها يرفع اليك من الاعمال الصالحة التى ترضيك


1 – بحق السائلين والمحرومين: أي الفقراء الذين يسألون والذين لا يسألون فيحسبهم الناس اغنياء فيحرمون. 2 – بحقك العظيم على (خ ل). 3 – اخذ بكظمه: كربه وغمه. 4 – اعفنى عن الخروج معك: دعني منه.

[ 224 ]

عنى حتى تجعلني رفيقا لابراهيم واسحاق ويعقوب ونبينا محمد صلى الله عليه واله وجميع 1 النبيين والمرسلين والشهداء والصالحين والائمة الصادقين، رب قد امنت نفسي من عذابك، ورضيت من ثوابك، واطمأنت الى دارك دار السلام التى لا يمسني فيها نصب ولا لغوب 2. اللهم لا تنسى ذكرك، ولا تؤمنى مكرك ولا تصرف عنى وجهك، ولا تزل عنى خيرك، ولا تكشف عنى سترك، ولا تلهنى عن ذكرك، ولا تجعل عبادتي لغيرك، ولا تحرمنى ثوابك ولا تحل بينى وبين المساجد التى يذكر فيها اسمك، ولا تجعلني من الغافلين عن ذكرك وشكرك 3. ولا تحرمنى العمل بطاعتك، واجعلني وجلا من عذابك، خائفا من عقابك، واجعل عينى باكية لخشيتك، واجعلني احبك واحب من يحبك، واجعلني اسجد في مواطن صدق ترضيك عنى، انك على كل شئ قدير. اللهم انى اعوذ بك من شر نفسي ومن سيئات عملي، ومن الندم والسدم 4، ومن الحرق والغرق، وكآبة المرض، ومن سوء المنقلب 6، ومن الاصرار على الفواحش، ما ظهر منها وما بطن 7، ومن جهد البلاء، ومن عمل لا تحب ولا ترضى، وأسألك الهدى واعوذ بك من الضلالة والردى 8. اللهم انى كنت عميا 9 فبصرتني، وضعيفا فقويتني، وجاهلا فعلمتني،


1 – وعلى جميع النبيين (خ ل). 2 – النصب، العناء، تعب واعيا اشد الاعياء. 3 – اسمك (خ ل). 4 – السدم: الهم أو مع ندم أو غيظ مع حزن. 5 – وعث الطريق: تعسر سلوكه. 6 – سوء المنقلب: أي الانقلاب الى الاخرة أو الى الوطن. 7 – ما ظهر منها وما بطنن: أي افعال الجوارح والقلوب. 8 – الردى: الهلاك. 9 – رجل عمى القلب: جاهل – الصاح.

[ 225 ]

عائلا فآويتني، ويتيما فكفلتني، وفقيرا فأغنيتني، ووحيدا فكثرتني، ثم علمتني القرآن وهديتني للصلاة والصيام، فلك الحمد على نعمائك عندي، فاسألك يا رب ان تداركني سعة رحمتك التى سبقت غضبك، وحلمك وعفوك ومغفرتك ياخير الغافرين. اللهم اغفر لى ذنبي وطهر قلبى، واشرح صدري واعنى على ما علمتني، وفرج همى، واصرف عنى كل 1 مكروه، واصرف الاسواء والمكاره عنى، وتقبل منى حسناتي، وتجاوز عن سيئاتي في اصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون. وأسألك يا رب ان تحبب الى ما احببت وتبعض الى ما كرهت، وتحبب الى رضوانك، وتبغض الى مخالفتك وعصيانك، وتستعملني في الباقيات الصالحات التى هي خير ثوابا وخير مردا 2. اللهم الهمنى شكرك، وعلمني حكمك، وفقهنى في دينك، ووفقني لعبادتك، وهب لى حسن الظن بك، وارزقني اجتناب سخطك، والتسليم لقضائك، والمعرفة بحقك، والعمل بطاعتك، وتفويض اموري كلها اليك، والاعتصام بك، والتوكل عليك، والثقة والاستعانة بك، ولا حول ولا قوة الا بالله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. اللهم انى اشهدك واشهد الملائكة وحملة العرش وجميع خلقك، بأنك انت الله لا اله الا انت وحدك لا شريك لك، وان محمدا عبدك ورسولك، ولا حول ولا قوة الا بك، سبحان الله العلى الاعلى، سبحان الله وتعالى. اللهم صل على محمد النبي الامي، واعطه الوسيلة والرفعة والفضيلة، اللهم انفعنا بما علمتنا انك سميع الدعاء، اللهم اليك رفعت الايدى،


1 – واصرفني عن كل (خ ل). 2 – خير مردا: عاقبة ومنفعة.

[ 226 ]

وافضن القلوب 1، وخضعت الرقاب، وعنت 2 الوجوه، وخشعت الاصوات، ودعت الالسن. اللهم فانت الحليم فلا تجهل، (وانت الجواد فلا تبخل) 3، وانت العدل فلا تظلم، وانت الحكيم فلا تجوز، وانت المنيع فلا ترام، وانت الرفيع فلاترى، وانت العزيز فلا تستذل 4، وانت الغنى فلا تفتقر، وانت الدائم غير الغافل، احطت بكل شئ علما، واحصيت كل شئ عددا. وانت البديع قبل كل شئ، والدائم بعد كل شئ، وانت خالق ما يرى ومالايرى، علمت كل شئ بغير تعليم، وانت الاول فليس قبلك شئ، وانت الاخر فليس بعدك شئ، وانت الباطن فليس دونك شئ، وانت الظاهر فليس فوقك شئ. يامن هو اقرب الى من حبل الوريد 5، يامن هو بالمنظر الاعلى 6، يامن يفعل ما يريد، يا اسمع السامعين، ويا ابصر الناظرين ويا اسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين، بلا اله الا انت انك على كل شئ قدير، آمين. اصبحت راضيا بفطرة الاسلام 7، وكلمة الاخلاص، وسنة نبينا محمد وملة ابينا ابراهيم حنيفا وما انا من المشركين، رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا. اللهم انى أسألك باسمك بسم الله الرحمان الرحيم، وأسألك باسمك الذى لا اله الا هو الحى القيوم الذى لا تأخذه سنة ولا نوم، الذى لا تأخذه


1 – افضت القلوب: وصلت أو ابدت اسرارها لديك. 2 – عنت: خضعت وذلت. 3 – من البحار. 4 – فلا تذل (خ ل). 5 – قال الجوهرى: حبل الوريد عرق تزعم العرب انه من الوريد، وهما وريدان مكتنفا ضفتى العنق مما يلى مقدمه غليظان. 6 – بالمنظر الأعلى: أي في المرقب الأعلى يرقب عباده. 7 – فطرة الاسلام: أي الاسلام الذى فطرتني عليه.

[ 227 ]

سنة ولا نوم، الذى ملأ السماوات والارض. وأسألك باسمك الذى عنت له الوجوه وخشعت له الاصوات، وخضعت له الرقاب، وذلت له الخلائق، ووجلت من خشية القلوب، ان تغفر لي وترحمني وتدفع عنى كل سوء ومكروه، وان تصلى لى امرى كله، ولا تكلني الى نفسي في شئ من اموري، ولا الى احد من خلقك طرفة عين ابدا، ولا اقل من ذلك ولا اكثر. ولا تنزع منى صالحا اعطيتنيه، ولا تعدني في سوء استنقذتني منه، ولا تشمت بى عدوا ولا حاسدا، ولا تجعلني من المفسدين، واجعلني من اهل طاعتك واوليائك حتى تتوفانى الى جنتك ورحمتك. اللهم يا ذا النعماء السابغة، وياذا الحجج البالغة، وياذا الرحمة الواسعة، وياذا المغفرة النافعة، وياذا الكلمة الباقية، وياذا الحمد الفاضل، وياذا العطاء الجزيل، وياذا الفضل الجميل، وياذا الاحسان الجليل، يامن يدرك الابصار ولا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير. أسألك الأمن والايمان، والسلامة والاسلام، واليقين والشكر، والصبر والصدق، والعافية والمعافاة، والورع عن محارمك، والثقة بطولك برحمتك، يا ارحم الراحمين، انك على كل شئ قدير. اللهم انى أسألك الخير والعفة وحسن الخلق والرضا بالقضاء والقدر، سبحانك في السماء عرشك، وسبحانك في الارض سلطانك، وسبحانك في البر والبحر سبيلك، وسبحانك في الجنة رحمتك، وسبحانك في النار غضبك، وسبحانك في الجحيم سخطك. لا اله الا انت سبحانك لا شريك لك، لك ملك السماوات والارض، سبحانك انت الرب واليك المعاد، سبحانك يا ذا الملك والملكوت سبحانك يا ذا العزة والجبروت، سبحان الحى الذى لا يموت، سبحان الملك القدوس، سبحان رب الملائكة والروح.


[ 228 ]

سبحان ربى الاعلى، سبحانه وتعالى، سبحان الملك الجبار، سبحان الواحد القهار، سبحان العزيز الغفار، سبحان الكبير المتعال، سبحانك وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك. اللهم لك اسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، ولك خضعت، واليك خشعت، فاغفر لي ما قدمت من ذنوبي وما اخرت، وما اسررت وما اعلنت، انك انت الله الذى لا اله الا انت، اللهم لك الحمد وانت نور السماوات والارض ومن فيهن، انت الحق ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق والنار حق والساعة حق. اللهم رب السماوات السبع والارضين السبع، وما فيهن وما بينهن، ورب السبع المثانى 1 ورب القرآن العظيم، ورب جبرئيل وميكائيل واسرافيل 2، ورب محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله. اسألك بأسمائك التى بها قوم السماء، وبها تقوم الارض، وبها ترزق البهائم، وبها تفرق المجتمع، وتجمع المتفرق، وبها احصيت عدد الرمال، وورق الاشجار، وكيل البحار، وقطر الامطار، وما اظلم عليه الليل واشرق (عليه) 4 النها ر، أسألك بذلك كله ان ترحمني من النار يا ارحم الراحمين. اللهم انت العظيم تمن بالعظيم، وتعطى الجزيل وتعفو عن الكثير، وتضاعف القليل وتفعل ما تريد، اللهم انى اسألك ان تملأ قلبى من خشيتك وتلبس وجهى من نورك، وان تغمرني في رحمتك، وان تلقى على محبتك، وان تبلغ بى جسيم الخير عندك. واسألك باسمك الاعظم، واسألك بكل حرف انزلته على نبيك محمد،


1 – السبع المثانى: أي السورة الفاتحة لأنها سبع آيات. 2 – في الجار زيادة: وعزرائيل. 3 – في البحار: اللهم انى أسألك. 4 – من البحار.

[ 229 ]

وبكل حرف أنزلته على نبيك على نبيك عيسى وبكل حرف سبحك به ملك من ملائكتك، أو نبى من انبيائك، أو رسول من رسلك، واستجبت له دعوته، ان تفرج عنى همى وغمى وكربي وضيق صدري وما تخيرت به في امرى. يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا منتهى كل حاجة، ويا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية، ويا خليل ابراهيم ويا نجى 1 موسى ويا مصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ادعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته وقلت حيلته، وادعوك دعاء من لا يجد لكشف ما هو فيه غيرك ان تغفر لى. يا اسمع السامعين ويا ابصر الناظرين ويا اسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ويا اقرب المحبين، ويارؤوف يا رحيم، يا بديع السماوات والارضيين، اغفر لي ذنبي واعتقني من النار، يامن تلطف بى في صغير حوائجى وكبيرها، ان وكلتني فيها الى نفسي طرفة عين عجزت عنها، فادخلني الجنة برحمتك، يا الله، ولا تناقشني في الحساب. اللهم ماكان لأحد من خلقك عندي من مظلمة، في عرض أو مال أو غيره، فاغفر لى ذلك فيما بينى وبينك، وارض عبادك عنى بما شئت من فضلك وخزائنك. اللهم افتح لى باب الخير ويسر لى امره، اللهم افتح لى باب الامر الذى فيه الفرج والعافية، اللهم افتح لى بابه ويسر لى سبيله وسهل لى مخرجه. اللهم ايما احد من خلقك ارادني بسوء فانى ادرء 2 بك في نحره 3،


1 – النجى: المناجى، والمخاطب للانسان والمحدث له. 2 – درء يدرء: دفع. 3 – انما خص النحور لانه اسرع واقوى في الدفع والتمكن من المدفوع – قاله في النها ية.

[ 230 ]

واعوذ بك من شره، وسطوته وغضبه وبادرته 1، فخذوه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، وامنعه من ان يوصل الى ابدا سوء. اللهم اجعلني في حصنك وجوارك وكنفك 2، عز جارك وجل ثناؤك، ولا اله غيرك، اللهم انى اعوذ بك من كل سوء زحزح 3 بينى وبينك، أو باعد بينى وبينك، أو صرف به عنى وجهك الكريم، اللهم انى اعوذ بك من ان تحول خطيئتي وجرمي بينى وبينك. اللهم وفقني لكل شئ يرضيك عنى، ويقربني اليك، فارفع درجتي وعظم شأني واحسن مثواى وثبتنى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الاخرة، ووفقني لكل مقام محمود تحب ان تدعا فيه بأسمائك أو تسأل فيه من عطاياك، رب لا تكشف عنى سترك، ولا تبد عورتى 4 لاحد من خلقك. اللهم اجعل القين في قلبى، والنور في بصرى، والصحة في بدنى، والنصيحة 5 في صدري، وذكرك بالليل والنهار على لساني، واوسع على من فضلك، وارزقني من بركاتك 6، واستعملني بطاعتك، واجعل رغبتي اليك فيما 7 عندك وتوفنى على سنتك 8، ولا تكلني الى غيرك، ولا تزع قلبى 9 بعد إذ هديتني. يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرين، فرج همى وغمى


1 – البادرة: الحدة، بدرت منه بوادر غضب أي خطاء وسقطات عند ما احتد. 2 – الكنف: الجانب. 3 – زحزحته عن كذا: باعدته. 4 – تبد عورتى: عيويى. 5 – النصيحة: خلوص المحبة لله ولحججه ولسائر المؤمنين. 6 – البركات: الزيادات من المنافع والافاضات الدينويه والاخروية فيما عندك من ا لألطاف. 7 – وفيما (خ ل). 8 – سننك (خ ل). 9 – ولا تزع قلبى: أي لا تمله الى الباطل.

[ 231 ]

وحزني، كما كشفت عن رسولك همه وغمه وحزنه وكفيته هول عدوه، فاكفني كل هول وفتنة وسقم حتى تبلغني رحمتك. اللهم هذا مكان البائس 1 الفقير، والخائف المستجير، والهالك الفرق 2، والمشفق الوجل، ومن يقر بخطيئته ويعترف بذنبه ويتوب الى ربه، اللهم فقد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سرى واعلاني ولا يخفى عليك شئ من امرى. اسألك بأنك ولى التقدير وممضى المقادير، سؤال من اساء واقترف 3، واستكان 4 واعترف، واسألك ان تغفر لى ما مضى في علمك وشهدته حفظتك واحصته ملائكتك، واسالك ان تتجاوز عنى وترحمني برحمتك يا ارحم الراحمين، وتصلى على محمد النبي وعلى اهل بيته صلى الله عليهم وسلم. اللهم يا نور السماوات والارضين، ويازين السماوات والارضين، وياذا الجلال والاكرام، ويا مغيث المستغيثين، ويا صريخ المستصرخين، ويا منتهى رغبة العابدين، ويا مفرج عن المغضومين. ويا كاشف كرب المكروبين ويا خير الغافرين ويا ارحم الراحمين، ويا مجيب دعوة المضطرين ويا اله العالمين، اسألك بان لك الحمد لا اله الا انت يا حنان يا منان، يا بديع السماوات والارض، يا ذا الجلال والاكرام، ياحى يا قيوم، اسألك ان تعتقني من النار. اللهم افتح لى ابواب الخيرات ووفقنا لما يكسبنا الحسنات، وجنبنا السيئات وادفع عنا المكروهات، وقنا المخوفات، انك منتهى الرغبات،


1 – البائس: هو الذي اشتدت حاجته. 2 – الفرق: الخائف. 3 – اقترف: اكتسب الذنوب. 4 – استكان: خضع.

[ 232 ]

ومجيب الدعوات وقاضي الحاجات، وكاشف الكربات، وفارج الهم وكاشف الغم، ورحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما. اللهم اغفر لي ذنوبي 1، وارحمني في حياتي ومماتي، رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. اللهم انت ربى لا اله الا انت وانا عبدك، آمنت بك مخلصا لك دينى، اصبح وامسي على عهدك ووعدك ماستطعت، اسألك التوبة من سيئات عملي، واستغفرك لذنوبي التى لا يغفرها الا انت. اللهم انت بالمنظر الاعلى، ترى ولا ترى، اعوذ بك ان اضل فأشقى، أو اذل فأخزى، واعوذ بك ان اتى مالا ترضى، اللهم انى اسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الاعظم، وجدك الاعلى، وكلماتك التامات. اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء بيدك الخير، انك على كل شئ قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب. اسألك ان تصلى على محمد وعلى آل محمد، وان تغفر لى جميع ذنوبي، وتقضى لى جميع حوائجى، صغيرها وكبيرها، ما اسررت منها وما اعلنت، وتسهل لى محياى، وتيسر لى اموري، وتكشف ضرى وتكبت 2 اعدائي، وتكفيني 3 شر حسادي، وشر كل ذى شر وتؤتيني في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة، وتقيني برحمتك عذاب النار برحمتك، يا ارحم الراحمين.


1 – اغفر ذنوبي (خ ل). 2 – الكبت: الصرف والاذلال. 3 – تكفني (خ ل).

[ 233 ]

ويا اسمع السامعين، ويا مالك يوم الدين آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين 1، وسلم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوة لى ولا حيلة الا بالله العلى العظيم، وما شاء الله كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل 2. ومن الدعوات بعد عيد الأضحى دعاء الندبة، قدمناه في عيد الفطر. ومن الدعوات بعد دعائين ذكرناهما في تعقيب ظهر الجمعة احدهما اوله: يامن يرحم من لا يرحمه العباد، والاخر: اللهم ان هذا يوم مبارك والمسلمون فيه مجتمعون في اقطار ارضك 3. فصل (8) فيما نذكره من فضل الاضحية وتأكيدها في السنة المحمدية روينا ذلك باسنادها الى محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: الاضحية واجبة على من وجد، من صغير أو كبير، وهى سنة 4. روينا ذلك باسنادنا الى العلاء بن الفضيل عن أبى عبد الله عليه السلام عن رجل سأله عن الأضحى فقال: هو واجب على كل مسلم الا من لم يجد، فقال له السائل: فما ترى في العيال ؟ قال: ان شئت فعلت وان شئت لم تفعل، فاما انت فلا تدعه 5. وروينا عن محمد بن بابويه فيما ذكره عن ام سلمة رضى الله عنها، آنها جاءت الى النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يارسول الله تحضر الأضحى وليس عندي ثمن الاضحية فاستقرض وأضحى ؟ قال: فاستقرض فانه دين مقضى 6.


1 – الطيبين الطاهرين (خ ل). 2 – عنه البحار 91: 76 – 86. 3 – راجع جمال الاسبوع: 262. 4 – الفقيه 2: 488. 5 – الفقيه 2: 488. 6 – الفقيه 2: 489.

[ 234 ]

فصل (9) فيما نذكره من رواية عن كم تجزى الاضحية وما يقال عند الذبح روينا ذلك باسنادنا الى أبى جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال: وضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين ذبح واحدا بيده، وقال: اللهم هذا عنى وعن من لم يضح من اهل بيتى، وذبح الاخر فقال: اللهم هذا عنى وعن من لم يضح من امتى 1. قال محمد بن بابويه: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضحيت عن رسول الله صلى الله عليه وآله كل سنة بكبش، فيذبحه ويقول: بسم الله الرحمان الرحيم وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين، ان صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين، اللهم منك ولك. ثم تقول عليه السلام: هذا عن نبيك، ثم يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه 2. أقول: وروينا باسنادنا زيادة في الدعاء عند الذبح عن محمد بن يعقوب، باسناده الى صفوان ومحمد بن أبى عمير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة فانحره أو اذبحه وقل: وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين، ان صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين، اللهم منك ولك بسم الله والله اكبر، اللهم تقبل منى. ثم امر السكين ولا تنخعها حتى تموت 3.


1 – الفقيه 2: 489. 2 – الفقيه 2: 489. 3 – الكافي: 4: 489.

[ 235 ]

فصل (1) فيما نذكره من تعيين ايام وقت الاضاحي روينا ذلك باسنادنا الى جدى أبى جعفر الطوسى من تهذيب الاحكام، باسناده الى على بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الاضحى كم هو بمعنى ؟ فقال: اربعة ايام، وسألته عن الاضحى في غير منى ؟ فقال: ثلاثة ايام، قلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الاضحى بيومين، أله ان يضحى في اليوم الثالث ؟ قال: نعم 1. أقول: وقد روينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب وابن بابويه، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن النحر ؟ فقال: اما بمعنى فثلاثة ايام، واما في البلدان فيوم واحد 2. أقول: لعل هذا يراد به ان الافضل في البلدان ان يكون النحر في يوم الاضحى الواحد، على أجل الامكان، فلا يؤخر فيودى الى التهاون وحوائل الازمان. فصل (11) فيما نذكره من قسمة لحم الاضحية روينا ذلك باسنادنا الى محمد بن يعقوب باسناده الى ابى الصباح الكنانى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الاضاحي ؟ فقال: كان على بن الحسين وابو جعفر عليه السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم، وثلث على السؤال، وثلث يمسكانه لأهل البيت 3. أقول: ولتكن النية فيما يخرجه أو يمسكه عن الأضحية، امتثال أمر الله جل جلاله


1 – التهذيب 5: 203. 2 – الكافي 4: 486، الفقيه 2: 486. 3 – الكافي 4: 499.

[ 236 ]

واتباع السنة المحمدية والعبادية بذلك لله جل جلاله، لأنه اهل للعبادة. أقول: وقد تقدم في عيد الفطر مهمات يحتاج إليها في عيد الاضحى وزيادات، فلينظر من ذلك المكن، لئلا يتكرر ذكرها الان. فصل (12) فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الاضحى قدذكرنا في عدة مواقيت معظمات ما يختم زمان تلك الأوقات، فيعمل على ما ذكرنا، ونذكر هاهنا ما معناه: ان كل وقت اختص الله جل جلاله بخدمته به، وجعله محلا لبسط فراش رحمته واطلاق المواهب لأهل مسألته، للابتداء لمن لم يسأله من خليقته، فكل من اخرج من ذلك الوقت شيئا في غير العبادة وطلب السعادة، فكأنه قد سرق الوقت من مولاه وهتك الحرمة، وخرج عن رضاه ونازعه في ارادته وتعرض بما لا طاقة له به من نقمته، فأى انسان أو أي جنان يكون عارفا بما لك رقاب العبيد، ويقدم على المجاهرة والمكابرة في مقدس حضرته بما لا يريد. ومتى فعل عبد نحو هذا التبدر والتشريد 1 في يوم عيد، فقد صار عيده من ايام المصيبات، ومان جديرا ان يجلس في العزاء، على ما اقدم عليه من كسر حرمة مالك الاحياء والاموات وكسر حرمة رسوله ونوابه عليهم السلام الذين جاؤوا بشرائع الاسلام، ولأجل ما فاته من المواهب والانعام. ثم لينظر فيمن كان حاميه وخفيره 2 ومضيفه في اليوم المشار إليه، كما كنا ذكرناه في كتاب جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع، من ان لكل يوم خفيرا ومضيفا، اما النبي أو بعض الأئمة صلوات الله عليهم، فليرجع فيما جرى عليه إليهم ويسألهم استدراك أمره وجبر كسره، كما يرجع كل ضيف فيه الى مضيفه، وكل متشرف بخفير الى خفيرة ومشرفه.


1 – شرده: طرده ونفره. 2 – الخفير: الحامى والكفيل.

[ 237 ]

الباب الخامس فيما نذكره مما يختص بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره من عمل ليلة الغدير وجدنا فيها صلاة مذكورة في كتب العبادات، والصلاة خير موضوع وخير مسموع عام في سائر الصلوات. ذكر صفة هذه الصلاة في ليلة الغدير: وهى اثنتى عشرة ركعة، لا يسلم الا في اخراهن ويجلس بين كل ركعتين، ويقرء في كل ركعة الحمد (وقل هو الله احد) عشر مرات، وآية الكرسي مرة، فإذا اتيت الثانية عشر فاقرء فيها الحمد سبع مرات و (قل هو الله احد) سبع مرات، واقنت وقل: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيى، وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. وتركع وتسجد وتقول في سجودك عشر مرات: سبحان من احصى كل شئ علمه، سبحان من لا ينبغى التسبيح الا له، سبحان ذى المن والنعم، سبحان ذى الفضل والطول، سبحان ذى


[ 238 ]

العزة 1 والكرم. اسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وبالاسم الاعظم وكلماتك التامة ان تصلى على محمد رسولك واهل بيته الطيبين الطاهرين وان تفعل بى كذا كذا، انك سميع مجيب. دعاء ليلة الغدير: وجدناه في كتب الدعوات فقال ماهذا لفظه: وجد في كتاب الشريف الجليل أبى الحسين 2 زيد بن جعفر المحمدى بالكوفة، اخرج الى الشيخ أبو عبد الله الحسين عبيدالله اغضائري، جزءا عتيقا بخط الشيخ أبى غالب احمد بن محمد الزرارى فيه ادعية بغير اسانيد، من جملتها هذا الدعاء منسوبا الى ليلة الغدير، وهو: اللهم انك دعوتنا الى سبيل طاعتك وطاعة نبيك ووصيه وعترته، دعاء له نور وضياء، وبجهة واستنار، فدعانا نبيك لوصيه يوم غدير خم، فوفقتنا للاصابة وسددتنا للاجابة لدعائه، فانلنا اليك بالانابة، واسلمنا لنبيك قلوبنا، ولوصيه نفوسنا، ولما دعوتنا إليه عقولنا. فتم لنا نورك يا هادى المضلين، اخرج البغض والمنكر والغلو لامينك أمير المؤمنين والائمة من ولده، من قلوبنا ونفوسنا والسنتنا، وهمومنا، وزدنا من موالاته ومحبته ومودته له والائمة من بعده زيادات لا انقطاع لها، ومدة لا تناهى لها، واجعلنا نعادي لوليك من ناصبه، ونوالى من احبه ونأمل بذلك طاعتك، يا ارحم الراحمين. اللهم اجعل عذابك وسخطك على من ناصب وليك وجحد امامته وانكر ولايته وقدمته ايام فتنتك في كل عصر وزمان واوان، انك على كل شئ قدير. اللهم بحق محمد رسولك وعلى وليك والائمة من بعده حججك، فاثبت


1 – العز (خ ل). 2 – أبى الحسن (خ ل).

[ 239 ]

قلبى على دينك، وموالاة اوليائك ومعاداة اعدائك، مع خير الدنيا والاخرة، تجمعها لى ولاهلي وولدى واخواني المؤمنين، انك على كل شئ قدير. فصل (2) فيما نذكره من مختصر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف اعلم ان نص النبي صلوات الله عليه وآله على مولانا على بن أبى طالب صلوات الله عليه يوم الغدير بالامامة لا يحتاج الى كشف وبيان لأهل العلم والامانة والدراية، وانما نذكر تنبيها على بعض م رواه ليقصد من شاء ويقف على معناه. فمن ذلك ما صنفه أبو سعد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته، المتفق عند اهل المعرفة به على صحة ما يرويه لأهل البيت وأمانته، صنف كتابا سماه كتاب الدراية في حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزء، روى فيه حديث نص النبي عليه افضل السلام بتلك المناقب والمراتب على مولانا على بن أبى طالب عليه السلام عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة. ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية 1، روى فيه حديث يوم الغدير وما نص النبي على على عليه السلام بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقا. ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيدالله الحسكاني في كتابي سماه كتاب دعاء الهداة الى اداء حق الموالاة. ومن ذلك الذى لم يكن مثله في زمانه أبو العباس احمد بن سعيد بن عقدة الحافظ، الذى زكاة وشهد بعلمه الخطيب مصنف تاريخ بغداد 2، فانه صنف كتابا سماه حديث الولاية، وجدت هذا الكتاب بنسخة قد كتبت في زمان أبى العباس بن عقدة مصنفه، تاريخها، سنة ثلاثين وثلاثمائة صحيح النقل، عليه خط الطوسى وجماعة من شيوخ


1 – هم اتباع حرقوص بن زهير المعروف بذى الثدية. 2 – تاريخ بغداد:

[ 240 ]

الاسلام، لا يخفى صحة ما تضمنه على اهل الافهام، وقد روى فيه نص النبي صلوات الله عليه على مولانا على عليه السلام بالولاية من مائة وخمس طرق. وان عددت اسماء المصنفين من المسلمين في هذا الباب، طال ذلك على من يقف على هذا الكتاب، وجميع هذه التصانيف عندنا الان الا كتاب الطبري 1. فصل (3) في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبخيل اعلم ان ما نذكر في هذا الفصل ما رواه ايضا مخالفوا الشيعة المعتمد عليهم في النقل. فمن ذلك ما رواه عنهم مصنف كتاب الخالص، المسمى بالنسر والطى، وجعله حجة ظاهرة باتفاق العدو والولى، وحمل به نسخة الى الملك شاه مازندران رستم بن على لما حضرته بالرى، فقال فيما رواه عن رجالهم: فصل: وعن احمد بن محمد بن على المهلب، اخبرنا الشريف أبو القاسم على بن محمد بن على بن القاسم الشعرانى، عن أبيه، حدثنا سلمة بن الفضل الانصاري، عن أبى


1 – جدير بنا أن نذكر هنا بعض مصادر أهل السنة التى يذكر فيها حديث ولاية الكبرى: رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 2: 26، الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 303 الطحاوي في مشكل الاثار 2: 307، ابن كثير في البداية والنهاية 5: 211، ابن حجر في لسان الميزان 2: 379، وفى مطالب العالية 4: 65، ابن حسنوية في در ربحر المناقب: 92، ابن حجر في الاصابة 2: 414، الأمر تسرى في أرجح المطالب: 581، المتقى الهندي في كنز العمال 12: 258 و 15: 115، السيوطي في الحبائك في اخبار الملائك: 131، الخوارزمي في المناقب: 115، العاصمى في زين الفتى 1: 46، العسقلاني في الكاف الشاف: 96، الحاكم في المستدرك 3: 371، ابن حبان في مسنده 2: 179، البزاز في مسنده 1: 100، احمد بن حنبل في الفضائل: 290، الهيثمى في مجمع الزوائد 9: 17، السيوطي في تاريخ الخلفاء: 169، الكنجى في كفاية الطالب: 56، النسائي في الخصائص: 1، البدخشى في مفتاح النجاح: 58، الدولابى في الكنى والأسماء 2: 88، الرازي في نهاية العقول: 199، الحموينى في فرائد السمطين 1: 59، الحضرمي في وسيلة – المال على مافى الغدير – 1: 176، ابن قتيبة في الامامة والسياسة: 93، الكتاني في نظم المتناثر: 124، الترمذي في المناقب المرتضوية: 125، العينى الحيدر آبادى في المناقب: 37، الحسكاني في شواهد التنزيل 1: 173 القلندر هندي في رياض الأزهر: 10 0، النبهاني في فتح الكبير 2: 242، الخطيب في تاريخ بغداد 12: 343، مجدالدين الطبري في رياض النضرة 2: 203، الشوكاني في تفسيره 2: 57، السيوطي في جامع الصغير: 141، السمهودى في ينابيع المودة: 38، القرمانى في اخبار الدول: 102، ابن صباغ المالكى في فصول المهمة: 23. (*)

[ 241 ]

مريم، عن قيس بن حنان، عن عطية السعدى، قال: سألت حذيفة بن اليمان عن اقامة النبي صلى الله عليه وآله عليا يوم الغدير كيف كان ؟ فقال: ان الله تعالى انزل على نبيه صلى الله عليه وآله. أقول: لعله يعنى بالمدينة. (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) 1، فقالوا: يارسول الله ما هذه الولاية التى انتم بها احق بأنفسنا ؟ فقال عليه السلام: السمع والطاعة فيا احببتم وكرهتم، فقلنا: سمعنا واطعنا، فأنزل الله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا واطعنا) 2. فخرجنا الى مكة مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول: انصب عليا عليه السلام علما للناس، فبكى النبي صلى الله عليه وآله حتى اخضلت لحيته 3، وقال: يا جبرئيل ان قومي حديثوا عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لى فكيف إذا حملت على رقابهم غيرى، قال: فصعد جبرئيل. ثم قال صاحب كتاب النشر والطى: عن حذيفة: وقد كان النبي صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام الى اليمن فوافى مكة ونحن مع الرسول، ثم توجه على عليه السلام يوما نحو الكعبة يصلى، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمة، فانزل الله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) 4. فكبر رسول الله وقرأه علينا ثم قال: قوموا نطلب هذه الصفة التى وصف الله بها،


1 – الاحزاب: 6. 2 – المائدة: 7. 3 – خضل واخضل: ابتل. 4 – المائدة: 55.

[ 242 ]

فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل، فقال: من اين جئت ؟ فقال: من عند هذا المصلى تصدق على بهذه الحلقة وهو راكع. فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى نحو على فقال: يا على ما احدثت اليوم من خير ؟ فاخبره بما كان منه الى السائل، فكبر ثالثة. فنظر المنافقون بعضهم الى بعض وقالوا: ان افئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة له، فنسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبدله لنا، فاتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبروه بذلك، فانزل الله تعالى قرآنا وهو: (قل ما يكون لى ان ابدله من تلقاء نفسي – الاية) 1، فقال جبرئيل: يارسول الله اتمه، فقال حبيبي جبرئيل: قد سمعت ما تؤامروا به، فانصرف عن رسول الله الامين جبرئيل. ثم قال صاحب كتاب النشر والطى من غير حديث حذيفة: فكان من قول رسول الله في حجة الوداع بمنى: يا أيها الناس انى قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي اهل بيتى، وانه قد نبأنى اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين – وجمع بين سبابيته – ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك، الأهل بلغت ايها الناس ؟ قالوا: نعم، قال: اشهد. ثم قال صاحب كتاب النشر والطى: فلما كان في آخر يوم من ايام التشريق انزل الله عليه: (إذا جاء نصرالله والفتح الى آخرها) 2، فقال عليه السلام: نعيت الى نفسي، فجاء الى المسجد الخيف فدخله ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله واثنى عليه – وذكر خطبته عليه السلام. ثم قال فيها: ايها الناس انى تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به، والثقل الأصغر عترتي اهل بيتى، فانه نبأنى اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين – وجمع بين سبابتيه – ولا أقول كهاتين – وجمع بين سبابيته والوسطى – فتفضل هذه


1 – يونس: 15. 2 – الفتح: 1.

[ 243 ]

على هذه. قال مصنف كتاب النشر والطى: فاجتمع قوم وقالوا: يريد محمد ان يجعل الامامة في اهل بيته، فخرج منهم اربعة ودخلوا الى مكة، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم: ان أمات الله محمدا أو قتل لايرد هذا الأمر في أهل بيته، فانزل الله تعالى: (ام ابرموا امرا فانا مبرمون، ام يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) 1. أقول: فانظر هذا التدريج من النبي صلى الله عليه وآله، والتلطف من الله جل جلاله في نصه على مولانا على صلوات الله عليه، فاول امره بالمدينة قال سبحانه: (اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) 2، فنص على ان الاقرب الى النبي صلوات الله عليه أولى به من المؤمنين والمهاجرين، فعزل جل جلاله عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين، وخص بها اولى الارحام من سيد المرسلين. ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه عليه السلام الى مكة بالتعيين على على عليه السلام، فلما راجع النبي صلوات الله عليه واشفق على قومه من حسدهم لعلى عليه السلام، كيف عاد الله جل جلاله وأنزل: (انما وليكم الله ورسوله) 3، وكشف عن على عليه السلام بذلك الوصف، ثم انظر كيف مال النبي صلى الله عليه وآله الى التوطئة بذكر اهل بيته بمنى، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف. ثم ذكر صاحب كتاب النشر والطى توجههم الى المدينة ومراجعة رسول الله مرة بعد مرة لله جل جلاله، وما تكرر من الله تعالى الى رسول الله في ولاية على عليه السلام، قال حذيفة: واذن النبي صلى الله عليه وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا. ثم قال صاحب كتاب النشر والطى: فنزل جبرئيل على النبي عليهما السلام بضجنان 4 في حجة الوداع باعلان على عليه السلام.


1 – الزخرف: 79 – 80. 2 – الانفال: 15. 3 – المائدة: 55. 4 – الضجن: وادفى بلاد هذيل بتهامة، أسفله لكنانة، على ليلة من مكة.

[ 244 ]

ثم قال صاحب الكتاب: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزل الجحفة، فلما نزل القوم واخذوا منازلهم، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأمره ان يقوم بعلى عليه السلام وقال: يا رب ان قومي حديثوا عهد بالجاهلية فمتى افعل هذا يقولوا: فعل بابن عمه. أقول: وزاد في الجحفة، أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية، فقال باسناده من عدة طرق الى عبد الله بن عباس قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فنزل جحفة اتاه جبرئيل عليه السلام فأمره ان يقوم بعلى عليه السلام قال: ألستم تزعمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى يارسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، واحب من احب وابغض من ابغضه وانصر من نصره، وأعن من عانه، قال ابن عباس: وجببت والله في اعناق الناس. أقول: وسار النبي صلى الله عليه وآله من جحفة. قال مسعود السجستاني في كتاب الدراية باسناده الى عبد الله بن عباس ايضا قال: امر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبلغ ولاية على عليه السلام، فأنزل الله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.) 1 يقول رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس امده الله بعناياته وايده بكراماته: اعلم ان موسى نبى الله راجع الله تعالى في ابلاغ رسالته وقال في مراجعته: (انى قتلت منهم نفسا فاخاف ان يقتلون) 2، وانما كان قتل نفسا واحدة، واما على بن أبى طالب، فانه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلى كل واحد منهم. يحتمل مراجعة النبي صلى الله عليه وآله لله جل جلاله في تأخير ولاية مولانا على عليه السلام وترك اظهار عظيم فضله وشرف محله، وكان النبي شفيقا على امته كما


1 – المائدة: 67. 2 – القصص: 33.

[ 245 ]

وصفه الله جل جلاله، فاشفق عليهم من الامتحان باظهار ولاية على عليه السلام في اوان. ويحتمل ان يكون الله جل جلاله اذن للنبى عليه السلام في مراجعته لتظهر لامته انه ماآثره لمولانا على عليه السلام، وانما الله جل جلاله آثره كما قال: (ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) 1. قال صاحب كتاب النشر والطى في تمام حديثه ماهذا لفظه: فهبط جبرئيل فقال: اقرء: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك – الاية)، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الارض لانشوى 2، وانتهى الينا رسول الله فنادى: الصلاة جامعة، ولقد كان امر على عليه السلام اعظم عند الله مما يقدر، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار، فامرهم أن يعمدوا الى اصل شجرتين فيقموا 3 ما تحتهما فكسحوه 4، وامرهم ان يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمر بثوب فطرح عليه، ثم صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر ينظر يمنة ويسره ينتظر اجتماع الناس إليه. فلما اجتمعوا فقال: الحمدلله الذى علا في توحده ودنا في تفرده – الى ان قال: – اقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية واؤدى ما اوحى الى، حذر ان لم افعل ان تحل بى قارعة 5، أوحى الى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك – الاية). معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما انزله الله تبارك وتعالى، وانا أبين لكم سبب هذه الاية، ان جبرئيل هبط الى مرارا أمرنى عن السلام ان أقول في المشهد واعلم الأبيض والأسود، ان على بن أبى طالب أخى وخليفتي والامام بعدى. ايها الناس علمي بالمنافقين – الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه


1 – النجم: 3 – 4. 2 – شوى اللحم: عرضه للنار فنضج. 3 – قم البيت: كنسه. 4 – كسحت البيت: كنسته. 5 – القارعة: الداهية، النكبة المهلكة.

[ 246 ]

هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لى مرة سموني اذنا لكثرة ملازمته اياى واقبالي عليه، حتى انزل الله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن) 1 – محيط 2، ولو شئت ان اسمى القائلين بأسمائهم لسميت. واعلموا ان الله قد نصبه لكم وليا واماما، مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار وعلى التابعين وعلى البادى والحاضر، وعلى العجمي والعربي، وعلى الحر والمملوك، وعلى الكبير والصغير، وعلى الابيض والاسود، وعلى موحد، فهو ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه. معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا فوالله لا يوضح تفسيره الا الذى انا آخذ بيده ورافعها بيدى، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهو مولاه، وهو على. معاشر الناس ان عليا والطيبين من ولدى من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ولا يحل امرة المؤمنين لأحد بعدى غيره. ثم ضرب بيده على عضده، فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، فرفعه بيده وقال: ايها الناس من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: الله ورسوله، فقال: الأمن كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، انما اكمل الله لكم دينكم بولايته وامامته، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين الا بدأ به، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى الا له، ولا انزلها في غيره، ذرية كل نبى من صلبه وذريتي من صلب على، لا يبغض عليا الا شقى ولا يوالى عليا الا تقى، وفى على نزلت (والعصر)، وتفسيرها: ورب عصر القيامة، (ان الانسان لفى خسر) اعداء آل محمد، (الا الذين آمنوا) بولايتهم)، (وعملوا الصالحات) بمواساة اخوانهم، (وتواصوا


1 – التوبة: 61. 2 – خبر لقوله: علمي.

[ 247 ]

بالصبر) في غيبة غائبهم. معاشر الناس آمنوا بالله والنور الذى انزل، انزل الله النور في، ثم في على، ثم النسل منه الى المهدى، الذى يأخذ بحق الله، معاشر الناس انى رسول الله قد خلت من قبلى الرسل، الا ان عليا الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده من ولده من صلبه. معاشر الناس قد ضل من قبلكم اكثر الأولين، انا صراط الله المستقيم الذى امركم ان تسلكوا الهدى إليه، ثم على من بعدى، ثم ولدى من صلبه ائمة يهدون بالحق، انى قد بينت لكم وفهمتكم، هذا على يفهمكم بعدى، الا وانى بايعت لله وعلى بايع لى، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله، (فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما) 1. معاشر الناس انتم اكثر من ان تصافحوني بكف واحدة قد أمرنى الله ان آخذ من ألسنتكم الاقرار بما عقدتم الامرة لعلى بن أبى طالب، ومن جاء من بعده من الائمة منى منه، على ما أعلمتكم ان ذريتي من صلبه فليبلغ الحاضر الغائب، فقولوا: سامعين مطيعين راضين لما بلغت عن ربك، نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيا ونموت ونبعث، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب، اعطينا بذلك الله واياك، وعليا والحسن والحسين والائمة الذين ذكرت، كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا، ونحن لا نبتغى بذلك بدلا ونحن نؤدى ذلك الى كل من رأينا. فبادر الناس بنعم نعم، سمعنا واطعنا امر الله وامر رسوله آمنا به بقلوبنا وتداكوا 2 على رسول الله وعلى عليهما السلام بايديهم، الى ان صليت الظهر والعصر في وقت واحد، وباقى ذلك اليوم الى ان صليت العشاء آن في وقت واحد ورسول الله صل الله عليه وآله يقول كلما أتى فوج: (الحمد لله الذى فضلنا على العالمين.) 3


1 – الفتح: 10. 2 – تداك عليه القوم: ازدحموا. 3 – عنه بطوله البحار 37: 126 – 133.

[ 248 ]

فصل: واما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في صفة نص النبي صلى الله عليه وآله على مولانا على عليه السلام بالولاية، فانه مجلد اكثر من عشرين كراسا. واما الذى ذكره محمد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فانه مجلد، وكذلك ما ذكره أبو العباس بن عقدة وغيره من العلماء واهل الروايات فانها عدة مجلدات. فصل: واما ما جرى من اظهار بعض من حضر في يوم الغدير لكراهة نص النبي صلوات الله عليه على مولانا على صلوات الله عليه. فقد ذكر الثعلبي في تفسيره: ان الناس تنحوا عن النبي عليه السلام، فأمر عليا فجمعهم، فلما اجتمعوا قام وهو متوسد على يد على بن أبى طالب، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: ايها الناس انه قد كرهت تخلفكم عنى حتى خيل الى انه ليس شجرة ابغض اليكم من شجرة تليني، ثم قال: لكن على بن أبى طالب أنزله الله منى بمنزلتي منه، فرضى الله عنه كما أنا راض عنه، فانه لا يختار على قريى ومحبى شيئا، ثم رفع يديه فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فابتدر الناس الى رسول الله عليه وآله يبكون ويتضرعون ويقولون: يارسول الله ما تنحينا عنك الا كراهية ان نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط رسوله، فرضى رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم عند ذلك 1. فصل: وقال مصنف كتاب النشر والطى: قال أبو سعيد الخدرى: فلم ننصرف حتى نزلت هذه الاية: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) 2، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة ورضى الرب برسالتى وولاية على بن أبى طالب، ونزلت: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم – الاية) 3. قال صاحب الكتاب: فقال الصادق عليه السلام: يئس الكفرة وطمع الظلمة.


1 – عنه البحار 37: 134، رواه في الطرائف: 145، ذكره ابن المغازلى في مناقبه: 25، عنه العمدة: 53. 2 – 3 – المائذة: 3.

[ 249 ]

قلت انا: وقال مسلم في صحيحة باسناده الى طارق بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الاية: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)، نعلم اليوم الذى انزلت فيه لا تخذنا ذلك اليوم عيدا 1. وروى نزول هذه يوم الغدير جماعة من المخالفين ذكرناهم في الطرائف 2. وقال مصنف كتاب النشر والطى ماهذا لفظه: فصل: وروى ان الله تعالى عرض عليا على الاعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا اعداء، فشتان ما بينهما. وروى أبو سعيد السمان باسناده ان ابليس اتى رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة شيخ حسن السمت، فقال: يا محمد ما اقل من يبايعك على ما تقول في ابن عمك على ؟ فأنزل الله: (ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين) 3، فاجتمع جماعة من المنافقين الذين نكثوا عهده فقالوا: قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال، وقال هاهنا ما قال، فان رجع الى المدينة يأخذ البيعة له والرأى ان نقتل محمدا قبل ان يدخل المدينة. فلما كان في تلك الليلة قعد له عليه السلام اربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه – وهى عقبة بين الجحفة والايواء – فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله صلى وارتحل وتقدم اصحابه وكان صلى الله عليه وآله على ناقة ناجية، فلما صعد العقبة ناداه جبرئيل: يا محمد ان فلانا وفلانا – وسماهم كلهم وذكر صاحب الكتاب اسماء القوم المشار إليهم – ثم قال: قال جبرئيل: يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك 4. فنظر رسول الله الى من خلفه، فقال: من هذا خلفي ؟ فقال حذيفة بن اليمان: انا حذيفة يارسول الله، قال: سمعت، سمعناه ؟ قال: نعم، قال: اكتم، ثم دنا منهم فناداهم


1 – صحيح مسلم 4: 2313، عنه الطرائف: 147. 2 – الطرائف: 140 – 153. 3 – سبأ: 20. 4 – ليقتلوك (خ ل).

[ 250 ]

بأسمائهم واسماء آبائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله عليه وآله مروا ودخلوا في غمار الناس وتركوا رواحهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة، ولحق الناس برسول الله وانتهى رسول الله الى رواحلهم فعرفها. فلما نزل قال: ما بال اقوام تحالفوا في الكعبة: ان امات الله محمدا أو قتل لا نرد هذا الأمر الى أهل بيته، ثم هموا بما هموا به، فجاؤوا الى رسول الله يحلفون انهم لن يهموا بشئ من ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا الاية.) 2، 1 فصل: وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف، وهو ممن لايتهم عند اهل الخلاف، فقال في تفسير قوله تعالى: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور) 3 ماهذا لفظه: وعن ابن جريح: وقفوا لرسول الله ليلة الثنية على العقبة، وهم اثنا عشر رجلا، ليفتكوا به من قبل غزاة تبوك (وقلبوا لك الامور) ودبروا لك الحيل والمكائد ودوروا الاراء في ابطال امرك، وقرى: وقلبوا – بالتخفيف – حتى جاء الحق وظهر امر الله 4. ثم قال الزمحشرى ايضا في الكتاب في تفسير قوله جل جلاله: (وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينازلوا) 5 ماهذا لفظه: وهو الفتك برسول الله وذلك عند مرجعه من تبوك تواثق خمسة عشر منهم على ان يدفعوه عن راحلته الى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر رضى الله عنه بخطام راحلته يقودها، وحذيفة خلفه يسوقها، فبينا هو كذلك إذ سمع حذيفة توقع اخفاف الابل بقعقعة السلام، فالتفت قوم متلثمون فقال: اليكم اعداء الله، فهربوا 6. فصل: وبلغ أمر الحسد لمولانا على عليه السلام على ذلك المقام والانعام الى بعضهم


1 – التوبة: 74. 2 – عنه البحار 37: 134. 3 – التوبة: 48. 4 – الكشاف 2: 277. 5 – التوبة: 74. 6 – الكشاف 2: 291.

[ 251 ]

الهلاك والاصطلام 1. فروى الحاكم عبيدالله بن عبد الله الحسكاني في كتاب دعاء الهداة الى اداء حق الموالاة، وهو من اعيان رجال الجمهور، فقال: قرأت على أبى بكر محمد بن محمد الصيدلانى فأقربه، حدثكم أبو محمد عبد الله بن احمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمان بن الحسين الاسدي، حدثنا ابراهيم بن الحسين الكسائي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور بن ربعى، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى: من كنت مولاه فهذا على مولاه، قام النعمان بن المنذر الفهرى فقال: هذا شئ قتلته من عندك أو شئ أمرك به ربك ؟ قال: لا بل أمرنى به ربى، فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء، فما بلغ رحله حتى جاءه حجر فادماه 2 فخر ميتا، فأنزل الله تعالى: (سئل سائل بعذاب واقع) 3. أقول: وروى هذا الحديث الثعلبي في تفسيره للقرآن بأفضل وأكمل من هذه الرواية 4. وكذلك رواه صاحب كتاب النشر والطى قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد على فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، فشاع ذلك في كل بلد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهرى، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقة له، حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثم أتى النبي وهو في ملأ من اصحابه، فقال: يا محمد أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله، فقبلناه، وأمرتنا ان نصلى خمسا، فقبلناه، وأمرتنا بالحج، فقبلناه، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع 5 ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلى مولاه، أهذا شئ من عندك أم من الله ؟ فقال: والله الذى لا اله الا هو ان هذا من الله، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم ان كان ما يقوله محمد حقا فامطر علينا


1 – اصطلمه: استأصله. 2 – أدمى الرجل: أسال دمه. 3 – المعارج: 1. 4 – عنه الغدير 1: 240 وفى الطرائف: 153. ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل 2: 286. 5 – الضبع: وسط العضد، أ الابط.

[ 252 ]

حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته 1، وخرج من دبره فقتله 2. أقول: فإذا كان الحال كما ذكرناه من الحاسدين الكارهين لما انزل الله ولما أمر به رسوله صلوات الله عليه وآله من ولاية على بن أبى طالب على الاسلام والمسلمين، وكان ذلك في حياة النبي صلوات الله عليه وآله وهو يرجا ويخاف والوحى ينزل عليه، فكيف يستبعد ممن كان بهذه الصفات في الحسد والعدوات ان يعزلوا الولاية عن مولانا على عليه السلام بعد وفاة النبي صلوات الله عليه أو يكتموا كثير من النصوص عليه: باعوه بالأمل الضعيف سفاهة * وقت الحياة فكيف بعد وفاته خذلوه في وقت يخاف ويرتجى * أيراد منهم ان يفوا لمماته فصل (4) فيما نذكره من فضل الله جل جلاله بعيد الغدير على سائر الاعياد، وما فيه من المنة على العباد اعلم ان كل عيد جديد أطلق الله جل جلاله فيه شيئا من الجود لعبد سعيد، فانما يكون اطلاقه جل جلاله لذلك الاحسان لمن ظفر بمعرفة الله جل جلاله ومعرفة رسوله صلوات الله عليه وامام الزمان، وكان صحيح الايمان، فان النقل عن صاحب الشريعة النبوية ورد متظاهرا انه من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. وهذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذى الحجة، فيه كشف الله ورسوله عن واضح الحجة، ونص بها على من اختاره للامامة والحجة، وكل عبد علاقة عليه كالعبد الذى يخدم بين يديه ويتقرب إليه. واعلم ان المنة بكشفه والمحنة بلطفه، تكاد ان تزيد على الامتحان بصاحب النبوة العظيم الشأن، لأن الرسول المبعوث صلوات الله وسلامه عليه، بعث في اول امره بمكة الى قوم يعبدون احجارا واخشابا لا تدفع ولا تنفع ولا تسمع خطابا ولا ترد جوابا. قد شهدت عقول اهل الوجود بجهل من اتخذ آلهة من دون الله المعبود، ولم يكن


1 – الهامة: الرأس. 2 – عنه البحار 37: 136.

[ 253 ]

بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عداوة قبل رسالته، ولا بينهم وبينه قتل ولا دماء قد سفكها، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوته. واما مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام، الذى نص الله جل جلاله عليه على لسان رسوله عليه اعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير، فان اهل الاسلام كانوا قد اتسعت عليهم شبهات العقول والاحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل، وكان مولانا على عليه السلام قد عادى كثيرا في الله جل جلاله وفى طاعة الرسول الجليل، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم، وسار مع رسول الله عليه السلام سيرة واحدة في معاداة من عاداه من اول امره الى آخره، من غير مراعات لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل المقاماة. فحصل لامامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبايع، بأنه ما يسير الا سيرة واحدة من غير مداهات زيادة على ماكان عند بعثة النبي عليه افضل الصلوات، بلغ الأمر الى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات. فصل: ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل، وهو من المخالفين المعاندين، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا على بن أبى طالب عليه السلام فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انه اول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وآله في ابتداء أمر نبوته، ثم قال باسناده الى أبو الهيثم بن التيهان انه قام خطيبا بين يدى أمير المؤمنين على بن أبى طالب فقال: ان حسد قريش اياك على وجهين: اما خيارهم فتمنوا ان يكونوا مثلك منافسة 1 في الملأ وارتفاع الدرجة، واما شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال، وذلك انهم رأوا عليك نعمة قدمها اليك الحظ وأخرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا ان يلحقوا حتى طلبوا ان يسبقوك، فبعدت والله عليهم الغاية واسقط المضمار. فلما تقدمهم بالسبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت، وكنت والله احق


1 – نافس فلانا في أمر: فاخره وباراه فيه.

[ 254 ]

قريش بشكر قريش، نصرت نبيهم حيا وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم الا على انفسهم ولانكثوا الا بيعة الله، يد الله فوق ايديهم فيها، ونحن معاشر الانصار أيدينا وألسنتنا معك، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب. أقول: فهذا أبو الهيثم بن التيهان من اشرف الانصار، وقد حضر اول أمر النبوة وما جرت الحال عليه، وقوله حجة على قريش وغيرهم فيما اشار رحمه الله. فليكن تعظيم عيد اهل الشرايع على قد ما فيه من المنافع، وعلى قدر ما سلم الله جل جلاله الظافر بما فيه من الحوائل والقواطع، فان كل نعمة لله على عباده، على قدر ما سلمهم فيها من أخطار غضبه وابعاده، وعلى قدر مفارقتهم لأهل عناده وموافقتهم لمراده. فصل (5) فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند اهل العقول من طريق المنقول فمن ذلك ما اخبرني به الشيخ العالم حسين بن احمد السوراوى والشيخ الأوحد الملقب عماد الدين اسعد بن عبدالقاهر الاصفهانى، باسنادهما المقدم ذكره عن الشيخ السعيد المجيد أبى جعفر محمد بن محمد الحسن الطوسى قدس الله روحه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبى محمد هارون بن موسى التلعكبرى، قال: حدثنا أبو الحسن على بن احمد الخراساني الحاجب في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وثلاثمائمة، قال: حدثنا سعيد بن هارون ابو عمرو المروزى – وقد زاد على الثمانين سنة – قال: حدثنا الفياض بن محمد بن عمر الطوسى بطوس سنة تسع وخمسين ومأتين، وقد بلغ التسعين، انه شهد ابا الحسن على بن موسى الرضا عليهم السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتسبهم للافطار، وقد قدم الى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غير احوالهم واحوال حاشيته وجددت له الالة غير الا لة التى جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه، فكان من قوله عليه السلام: حدثنى الهادى أبى، قال: حدثنى جدى الصادق، قال: حدثنى الباقر، قال: حدثنى سيد العابدين، قال: حدثنى أبى الحسين، قال:


[ 255 ]

اتفق في بعض سنى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله حمدا لم يسمع بمثله، وأثنى عليه بما لا يتوجه الى غيره، فكان ما حفظ من ذلك: الحمد لله الذى جعل الحمد من غير حاجة منه الى حامديه، وطريقا من طرق الاعتراف بلا هويته وصمدانيته وفردانيته، وسببا الى المزيد من رحمته، ومحجة للطالب من فضله، وكمن في ابطان حقيقة الاعتراف له بانه المنعم على كل حمد باللفظ وان عظم. واشهد ان لا اله الا الله، وحده لا شريك له، شهادة نزعت عن اخلاص الطوى ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفى، انه الخالق الباري المصور له الاسماء الحسنى، ليس كمثله شئ، إذ كان الشئ من مشيته وكان لا يشبهه مكونه. واشهد ان محمدا عبده ورسوله، استخلصه في القدم على سائر الامم، على علم منه، بانه انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس، وانتجبه آمرا وناهيا عنه، اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه، إذ كان لا تدركه الابصار ولا تحويه خواطر الافكار، ولا تمثله غوامض الظنون في الاسرار. لا اله الا هو الملك الجبار، قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلا هويته، واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريته، فهو اهل ذلك بخاصته وخلته، إذ لا يختص من يشوبه التغير، ولايخالل من يلحقه التظنين، وأمر بالصلاة عليه، مزيدا في تكرمته، وطريقا للداعى الى اجابته، فصلى الله عليه وكرم وشرف وعظم، مزيدا لا تلحقه التفنية ولا ينقطع على التأكيد. وان الله تعالى اختص لنفسه بعد نبيه صلى الله عليه وآله بريته خاصة، علاهم بتعليته، وسمى بهم الى رتبته بهم الى رتبته، وجعلهم الدعاة بالحق إليه، والاداء بالارشاد عليه، لقرن قرن، وزمن وزمن، انشأهم في القدم قبل كل مذر ومبر، وانورا انطقها بتحميده وألهمها على شكره وتمجيده. وجعلها الحجج على كل معترف له بملكوت الربوبيته، وسلطان العبودية، واستنطق


[ 256 ]

بها الخرسات بانواع اللغات، بخوعا 1 له بانه فاطر الارضين والسماوات، واستشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من أمره. جعلهم تراجم مشيته وألسن ارادته، عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون الالمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون، يحكمون باحكامه ويستنون بسنته، ويعتمدون حدوده، ويؤدون فرضه. ولم يدع الخلق في بهم صما ولا في عمى بكما، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم، وتفرقت في هياكلهم، حققها في نفوسهم واستعد لها حواسهم، فقرر بها على اسماع ونواظر وافكار وخواطر، الزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهدته بألسن ذرية بما قام فيها من قدرته وحكمته، وبين عندهم بها (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) 2، وان الله لسميع عليم، بصير شاهد خبير. وان الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، لا يقوم احدهما الا بصاحبه، ليكمل لكم عندكم، جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلك بكم منهاج قصده، ويوفر عليكم هنيى رفده. فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه 3 لتطهير ماكان قبله، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله الى مثله، وذكرى للمؤمنين وتبيان خشية المتقين، ووهب لأهل طاعته في الايام قبله وجعله لا يتم الا بالايتمار لما امر به، والانتهاء عما نهى عنه، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه، ولا يقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه صلى الله عليه وآله بنبوته، ولا يقبل دينا الا بولاية من أمر بولايته، ولا ينتظم أسباب طاعته الا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته. فانزل على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح مابين فيه عن ارادته في خلصائه


1 – بخع: أقر به وأذعن. 2 – الانفال: 42. 3 – ندب للأمر أولى الأمر: دعاه ورشحه للقيام به.

[ 257 ]

وذوى اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته منهم وكشف عن خبايا أهل الريب وضمائر أهل الارتداد مارمز فيه. فعقله المؤمن والمنافق فاذعن مذعن وثبت على الحق ثابت، وازدادت جهالة المنافق، وحمية المارق 1، ووقع العض على النواخذ 2 والعمر على السواعد، ونطق ناطق، ونعق ناعق، ونشق ناشق، واستمر على مارقته مارق، ووقع الاذعان من طائفة باللسان دون حقائق الايمان، ومن طائفة باللسان وصدق الايمان. واكمل الله دينه، واقر عين نبيه والمؤمنين والمتابعين، وكان ما قد شهده بعضكم وبلغ بعضكم، وتمت كلمة الله الحسنى على الصابرين، ودمر 3 الله ما صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وما كانوا يعرشون 4، وبقيت حثالة 5 من الضلال، لا يألون الناس خبالا 6. فيقصدهم الله في ديارهم، ويمحوا آثارهم، ويبيد معالمهم، ويعقبهم عن قرب الحسرات، ويلحقهم عن بسط أكفهم، ومد أعناقهم، ومكنهم من دين الله حتى بدلوه ومن حكمه حتى غيروه، وسيأتى نصرالله على عدوه لحينه، والله لطيف خبير وفى دون ما سمعتم كفاية وبلاغ. فتأملوا رحمكم الله ما ندبكم الله اليكم، وحثكم عليه، واقصدوا شرعه، واسلكوا نخجه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. هذا يوم عظيم الشأن فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الايضاح والافصاح عن المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم


1 – المارق: من مرق من الدين، أي خرج من الدين بضلالة أو بدعة. 2 – عض الشئ: لزمه واستمسك به، الناجذ: واحد النواجذ أي الأضراس، يقال: عض على ناجذه: بلغ اشده لان النواجذ تنبت بعد البلوغ وكمال العقل. 3 – الدمار: الهلاك. 4 – عرش البيت: بناه. 5 – حثالة: ما يسقط من قشر الشعير، حثالة الناس: رذالتهم. 6 – الخبال: الفساد.

[ 258 ]

الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الايمان، ويوم دحر 1 الشيطان، ويوم البرهان. هذا يوم الفصل الذى كنتم به توعدون، هذا يوم الملأ الأعلى الذى انتم عنه معرضون، هذا يوم الارشاد، ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الرواد، هذا يوم ابداء خفايا الصدور، ومضمرات الاموم، هذا يوم النصوص على أهل المخصوص. هذا يوم شيث، هذا يوم ادريس، هذا يوم اظهار يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن المأمون، هذا يوم اظهار المصون من المكنون، هذا يوم ابداء السرائر. فلم يزل عليه السلام يقول: هذا يوم هذا يوم، فراقبوا الله واتقوه، واسمعوا له واطيعوه، واحذروا المكر ولا تخادعوه، وفتشوا ضمائركم، ولاتواربوه، وتقربوا الى الله بتوحيده، وطاعة من أمركم ان تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر. ولا ينجح 2 بكم الغى فتضلوا عن سبيل الرشاد، باتباع اولئك الذين ضلوا واضلوا، قال الله تعالى عز من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه: (انا اطعنا سادتنا وكبر اءنا فاضلونا السبيلا * ربا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) 3، وقال الله تعالى: (واذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للدين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ، قالوا لو هدينا الله لهدينا) 4، أفتدرون استكبار ما هو، ترك الطاعة لمن أمر الله بطاعته والترفع عمن ندبوا الى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، ان تدبره متدبر زجره ووعظه. واعلموا ايها المؤمنون ان الله عز وجل قال: (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) 5، أتدرون ما سبيل الله ومن سبيله ومن صراط الله ومن طريقه.


1 – دحر: طرد. 2 – جنح: مال. 3 – الاحزاب: 67. 4 – ابراهيم: 21. 5 – الصف: 4.

[ 259 ]

انا صراط الذى من لا يسلكه بطاعة الله فيه هوى به 1 الى النار، انا سبيله الذى نصبي للاتباع بعد نبيه صلى الله عليه وآله، أنا قسيم النار، أنا حجة الله على الفجار، أنا نور الأنوار. فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا الى مغفرة من ربكم قبل ان يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم، وتضجون فلا يحفل 2 بضجبجكم، وئقبل ان تستغيثوا فلا تغاثوا، سارعوا الى الطاعات قبل فوات الاوقات، فكان قد جاء هادم اللذات فلا مناص نجات ولا محيص تخليص. عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبر باخوانكم، والشكر لله عز وجل على ما منحكم، واجمعوا يجمع الله شملكم، وتباروا يصل الله ألفتكم، وتهانوا نعمة الله كما هناكم بالصواب فيه على أضعاف الاعياد قبله وبعده الا في مثله، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضى رحمة الله وعطفه، وهبوا لاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم. واحمدوا الله على ما منحكم وعودوا بالمزيد على أهل التأميل لكم، وساووا بكم ضعفاء كم ومن ملككم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب امكانكم، فالدرهم فيه بمأتى ألف درهم والمزيد من الله عز وجل. وصوم هذا يوم مما ندب الله إليه، وجعل العظيم كفالة عنه، حتى لو تعبد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا الى تقضيها 3 صائما نهارها قائما ليلها، إذا خلص المخلص في صومه لقصرت ايام الدنيا عن كفايته، ومن اضف فيه أخاه مبتدئا وبره راغبا، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليلة، ومن فطر مؤمنا في ليلة فكأنما فطر


1 – هوى الشئ: ألقاه من فوق. 2 – حفل: بالى واهتم. 3 – تقضى الشئ: انصرم وفنى.

[ 260 ]

فئاما 1 فئاما، يعدها بيده عشرة. فنهض ناهض فقال: يا امير المؤمنين وماالفئام ؟ قال: مأتى ألف نبى وصديق وشهيد، فكيف بمن يكفل عددا من المؤمنين والمؤمنات، فانا ضمينه على الله تعالى الامان من الكفر والفقر. وان مات في ليلته أو بعده الى مثله، من غير ارتكاب كبيرة، فأجره على الله، ومن استدان لاخوانه واعانهم، فأنا الضامن على الله ان أبقاه وان قبضه حمله عنه، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بألسنتكم وتهانوا بالنعمة في هذا اليوم، وليبلغ الحاضر الغائب والشاهد البائن، وليعد الغنى على الفقير والقوى على الضعيف، أمرنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك. ثم اخذ صلوات الله عليه في خطبته الجمعة، وجعل صلاته جمعة صلاة عيد، وانصرف بولده وشيعته الى منزل أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام، بما اعد له من طعامه، وانصرف غنيهم وفقيرهمه برفده الى عياله 2. فصل (6) فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطى رواه عن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة زفت اربعة ايام الى الله كما تزف العروس الى خدرها، قيل: ما هذه الايام ؟ قال: يوم الاضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير، وان يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب، وهو اليوم الذى نجا فيه ابراهيم الخليل من النار، فصامه شكرا لله، وهو اليوم الذى اكمل الله به الدين في اقامة النبي عليه ا لسلام عليا أمير المؤمنين علما وابان فضيلته ووصايته، فصام ذلك اليوم، وانه اليوم الكمال ويوم مرغمة الشيطان، ويوم تقبل اعمال الشيعة ومحبى آل محمد، وهو اليوم الذى يعمد الله


1 – الفئام: الجماعة من الناس. 2 – رواه الشيخ في مصباحه: 752، عنه الوسائل 10: 444.

[ 261 ]

فيه الى ما عمله المخالفون فيجعله هباء منثورا. وهو اليوم الذى يأمر جبرئيل عليه السلام ان ينصب كرسى كرامة الله بازاء بيت المعمور ويصعده جبرئيل عليه السلام وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون على محمد ويستغفرون لشيعة أمير المؤمنين والائمة عليه السلام ومحبيهم من ولد آدم عليه السلام، وهو اليوم الذى يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبى أهل البيت وشيعتهم ثلاثة ايام من يوم الغدير، ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لمحمد وعلى والائمة. وهو اليوم الذى جعله الله لمحمد وآله وذوى رحمه، وهو اليوم الذى يزيد الله في حال من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه واخوانه ويعتقه الله من النار، وهو اليوم الذى يجعل الله فيه سعى الشيعة مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا. وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تحطيط الوزر ويوم الحباء والعطية ويوم نشر العلم ويوم البشارة والعيد الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، ويوم الموقف العظيم، ويوم لبس الثياب ونزع السواد، ويوم الشرط المشروط ويوم نفى الهموم ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أميرا لمؤمنين. وهو يوم السبقة، ويوم اكثار الصلاة على محمد وآل محمد، ويوم الرضا، ويوم عيد اهل بيت محمد، ويوم قبول الاعمال، ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم المتاجرة، ويوم التودد، ويوم الوصول الى رحمة الله، ويوم التزكية، ويوم ترك الكبائر والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين، فمن فطر فيه صائما مؤمنا كان كمن اطعم فئاما وفئاما – الى ان عد عشرا، ثم قال: أو تدرى ما الفيام ؟ قال: لا، قال: مائة ألف. وهو يوم التهنئة، يعنى بعضكم بعضا، فإذا لقى المؤمن أخاه يقول: الحمدلله الذى جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والائمة عليهم السلام، وهو يوم التبسم في وجوه الناس من اهل الايمان، فمن تبسم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة وقضى له الف حاجة، وبنى له قطرا في الجنة من درة بيضاء، ونضر وجهه 1.


1 – نضر الوجه: نعم وحسن وكان جميلا.

[ 262 ]

وهو يوم الزينة، فمن تزين ليوم الغدير غفر الله له كل خطيئة عملها، صغيرة أو كبيرة، وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرجعون له الدرجات الى قابل مثل ذلك اليوم، فان مات مات شهيدا وان عاش عاش سعيدا، ومن اطعم مؤمنا كان كمن اطعم جميع الأنبياء والصديقين، ومن زار فيه مؤمنا ادخل الله قبره سبعين نورا ووسع في قبره ويزور قبره كل يوم سبعون ألف ملك ويبشرون بالجنة. وفى يوم الغدير عرض الله لولاية على اهل السماوات السبع فسبق إليها اهل السماء السابغة فزين بها العرش، ثم سبق إليها اهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبق إليها أهل السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الارضين فسبفت مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد صلى الله عليه وآله، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بأمير المؤمنين عليه السلام، وعرضها على الجبال فاول جبل اقر بذلك ثلاثة جبال: جبل العتيق وجبل الفيروزج وجبل الياقوت، فصارت هذه الجبال جبالهن وافضل الجواهر، ثم سبقت إليها جبال اخر، فصارت معادن الذهب والفضة، وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا. وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار ملحا اجاجا، وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلوا طيبا، وما لم يقبل صار مرا، ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أخرس مثل اللكن، ومثل المؤمنين في قلوبهم ولاء امير المؤمنين في يوم غدير خم كمثل الملائكة في سجودهم لادم، ومثل من أبى ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل ابليس، وفى هذا اليوم انزلت هذه الاية: (اليوم اكملت لكم دينكم) 1، وما بعث الله نبيا الا وكان يوم بعثه مثل يوم الغدير عنده وعرف حرمته إذ نصب لامته وصيا وخليفة من بعده في ذلك اليوم.


1 – المائدة: 68. (*)

[ 263 ]

فصل (7) فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير، برواية جماعة من ذوى الفضل الكثير، وهى قطرة من بحر غزير فمن هؤلاء ما رواه محمد بن يعقوب الكليني باسناده الى عبد الرحمان بن سالم، عن ابيه قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر ؟ قال: نعم اعظمها حرمة، قلت: وأى عيد هو جعلت فداك ؟ قال: اليوم الذى نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين عليه السلام، وقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، قلت: وأى يوم هو ؟ قال: ما تصنع باليوم، ان السنة تدور ولكنه يوم ثمانى عشر من ذى الحجة. فقلت: وما ينبغى لنا ان نفعل في ذلك اليوم ؟ قال: تذكرون الله فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد صلى الله عليهم، وأوصى رسوللله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين ان يتخذ ذلك اليوم عيدا، وكذلك كانت الانبياء تفعل، كانوا يوصون أوصيائهم بذلك فيتخذونه عيدا 1. ومن اولئك ما رواه على بن الحسن بن فضال في كتاب الصيام، باسناده الى الحسن بن راشد قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد سوى الفطر والأضحى ؟ فقال: نعم أعظمها وأشرفهما، قال: قلت: أي يوم هو ؟ قال: يوم نصب رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين للناس فدعاهم الى ولايته، قال: قلت: في أي يوم ذلك ؟ قال: يوم ثمانية عشر من ذى الحجة. قال: قلت: فما ينبغى فيه وما يستجيب فيه ؟ قال: الصيام والتقرب الى الله عز وجل فيه باعمال الخير، قال: قلت: فمالن صامه ؟ قال: يحسب له بصيام ستين شهرا. 2


1 – رواه الكليني في الكافي 4: 149، عنه الوسائل 10: 44، أورده الشيخ في مصباحه 2: 679. 2 – رواه مع اختلاف الكليني في الكافي 4: 148، والصدوق في الفقيه 2: 90، ثواب الأ عمال: 99، والشيخ في التهذيب 4: 305، مصباح المتهجد: 680، عنهم الوسائل 10: 441، رواه في العدد القوية: 168، عنه البحار 98: 322.

[ 264 ]

ومن اولئك ما رواه الشيوخ المعظمون أبو جعفر محمد بن بابويه والمفيد محمد بن محمد بن النعمان وابو جعفر محمد بن الحسن الطوسى، باسنادهم جميعا عن الصادق عليه السلام ان العمل في يوم الغدير ثامن عشر ذى الحجة يعدل العمل في ثمانين شهرا 1. وفى حديث آخر باسنادهم آخر جميعا عن أبى عبد الله عليه السلام قال: صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة 2. ومن اولئك مصنف كتاب النشر والطى قال باسناده الى الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي الكوفى، حدثنا فرات بن ابراهيم الكوفى، حدثنا محمد بن ظهير، حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال النبي صلى الله عليه وآله: يوم غدير خم أفضل اعياد امتى هو اليوم الذى أمرنى الله فيه بنصب أخى على بن أبى طالب فيه علما لامتي يهتدون به بعدى، وهو اليوم الذى أكمل الله فيه الدين واتم على امتى فيه النعمة ورضى لهم الاسلام دينا، ثم قال: معاشر الناس ان عليا منى وأنا من على خلق من طينتي وهو بعدى يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتى، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين وخير الوصيين وزوج سيدة نساء العالمين وابو الائمة المهديين. ومن اولئك ما رواه محمد بن على بن محمد الطرازى في كتابه، باسناده المتصل الى المفضل بن عمر قال: قال لى أبو عبد الله عليه السلام: إذا كان يوم القيامة زفت اربعة ايام الى الله عز وجل كما تزف العروس الى خدرها: يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة ويوم غدير خم، ويوم غدير خم بين الفطر والأضحى يوم الجمعة كالقمر بين الكواكب، وان الله ليوكل بغدير خم ملائكته المقربين، وسيدهم يومئذ جبرئيل عليه السلام، وانبياء الله المرسلين وسيدهم يومئذ


1 – ثواب الاعمال: 100. 2 – ثواب الاعمال: 100، التهذيب 4: 305، الفقيه 2: 90 الخصال: 264، عنهم الوسائل 10: 442، رواه الشيخ في مصباحه: 736.

[ 265 ]

محمد صلى الله عليه وآله، واوصياء الله المنتخبين، وسيدهم يومئذ امير المؤمنين، واولياء الله، وساداتهم يومئذ سلمان وابوذر والمقداد وعمار، حتى يورده الجنان كما يورد الراعى بغنمه الماء والكلاء. قال المفضل: سيدى تأمرني بصيامه ؟ قال لى: أي والله أي والله أي والله انه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم عليه السلام فصام شكرا لله، على ذلك اليوم، وانه اليوم الذى نحبى الله تعالى فيه ابراهيم عليه السلام من النار فصام شكرا لله تعالى على ذلك اليوم، وانه ليوم الذى أظهر عيسى عليه السلام وصيه شمعون الصفا فصام شكرا لله عز وجل على ذلك اليوم. وانه اليوم الذى أقام رسول الله صلى الله عليه وآله عليا للناس علما وأبان فيه فضله ووصيه، فصام شكرا لله تبارك وتعالى ذلك اليوم، وانه ليوم صيام وقيام واطعام وصلة الاخوان وفيه مرضاة الرحمان ومرغمة الشيطان 1. فصل (8) فيما نذكره من جواب من سأل عمافى يوم الغدير من الفضل، وقصر فهمه عما ذكرناه في ذلك من الفضل اعلم ان من التنبيه على ان فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده ولا قبله لأحد من الأوصياء والاعيان فيما مضى من الازمان وجوه: منها: ان الله جل جلاله جعل نفس على عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله في آية المبالهة، فقال تعالى: (فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءناو نساءكم وانفسنا وانفسكم) 2. وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف ان الابناء الحسن والحسين، والنساء فاطمة،


1 – عنه الوسائل 10: 445، رواه في العدد القوية: 168، عنه البحار 98: 32 3. 2 – آل عمران: 61.

[ 266 ]

وأنفسنا على بن أبى طالب صلوات الله عليهم 1، فمنها جرى من التعظيم لنفس رسول الله، فمولانا على عليه السلام داخل فيما يمكن فيه من ذلك المقام، ولو اقتصرنا على هذا الوجه الكبير لكفى في تعظيم يوم الغدير. ومنها: اننا روينا في الطرائف ايضا عن المخالف، ان نور على من نور النبي صلى الله عليه وآله في اصل خلقتها، وان ذلك ينبه على تعظيم منزلتهما 2. ومنها: ان مولانا عليا صلوات الله عليه في امته. ومنها: ان كلما عصمت حرمة المنصوص عليه بالخلافة كان ذلك تعظيما لمن كان عنه، ومولانا على عليه السلام نائب عن الله ورسوله في كل رحمة ورأفة وامانا من مخافة. ومنها: ان الله جل جلاله قال: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) 3، فيكون على عليه السلام بمقتضى هذا الوصف الذى لا يجحد ولا ينكر، الرئيس من الله ورسوله صلى الله عليه وآله على هذه الامة، التى هي خير الامم اعظم من كل رئيس في شرف القدم وعلو الهمم وكمال القسم. ومنها: ان الامتحان بنص الله جل جلاله ورسوله صلوات الله عليه على مولانا على بن أبى طالب عليه السلام، وجدناه اعظم من كل امتحان عرفناه للأوصياء لأجل ما اتفق لمولانا على صلوات الله عليه من كثرة الحاسدين واعداء الدين، الذين عاداهم وجاهدهم في الله رب العالمين وفى نصرة سيد المرسلين، وقد شهدت عدالة الالباب ان المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب. ومنها: ان مولانا عليا عليه السلام وقى النبي صلى الله عليه وآله وحفظ الاسلام والمسلمين في عدة مقامات، عجز عنها كثير من قوة العالمين، فجازاه جل جلاله ورسوله


1 – الطرائف: 129، رواه الطبري في تفسيره 22: 7، الحسكاني في شواهد التى نزيل 2: 16 و 17، مسلم في صحيحه 4: 1871، النسائي في الخصائص: 4، القندوزى في ينابع المودة: 107 – 109، الخوارزمي في المناقب: 22 – 25. 2 – الطرائف: 15، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 205 – على مافى احقاق الحق 5: 243 -، كتاب الفردوس في باب الخاء – على مافى الاحقاق 4: 92 – المناقب لابن المغازلى: 79، العمدة: 44. 3 – آل عمران: 110.

[ 267 ]

صلوات الله عليه شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين مثل انه بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة، وقد عجز عنها كل من قرب منه وكانوا بين هارب أو عاجز عنه فكلما جرى بلمهاجرة من الشهادة في الدنيا والاخرة، فمولانا حيث فداه بمهجته اصل الفوائد بنبوته 1. ومنها: اداؤه سورة برائة ونبذ عهود المشركين، لما نزل الى خاتم النبيين انه لا يؤديها الا أنت أو رجل منك، فكان القائم مقام النبوة مولانا على أمير المؤمنين عليه السلام 2. ومنها: مقامات مولانا على عليه السلام في بدر وخبير وحنين وفى احد، وفى كل موقف كان يمكن أن يخذل الوالد للولد 3. ومنها: قتل مولانا على صلوات الله عليه لعمروبن عبدود، العظيم الشأن، وقد روينا في الطرائف عن المخالف ان النبي صلى الله عليه وآله قال: لضربة على لعمروبن عبدود أفضل من عمل امتى الى يوم القيامة 4، وكذلك قال النبي صلوات الله عليه لما برز مولانا على إليه: برز الاسلام كله الى الكفر كله، فما ظنك برجل يرى النبي صلوات الله عليه انه هو الاسلام كله، وكيف يدرك بالبيان والتيبان فضله، ولله در القائل: يفنى الكلام ولا يحيط بوصفه * أيحيط ما يفنى بمالا ينفد ومنها: ان الله جل جلاله جعل النص منه جل جلاله ومن رسوله صلوات الله عليه بالخلافة لعلى صلوات الله عليه يقوم مقام جميع فضل الرسالة، وهذا مقام لا يبلغ وصفى حقيقته، فقال جل جلاله: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) 5، وقد ذكرنا في الطرائف عن المخالف وفى هذا الكتاب ان المراد


1 – راجع الطرائف: 36، مسند احمد بن حنبل 1: 331، عنه البحار 36: 41 والعمدة: 123، الحقاق الحق 6: 476 عن الثعلبي. 2 – راجع الطرائف: 38، عن مسند احمد بن حنبل 3: 283، احقاق الحق عن الفاضل لأحمد بن حنبل 3: 428، ذخائر العقبى: 69، تفسير ابن كثير 2: 322 صحيح بخارى 5: 202، احقاق الحق 3: 430 عن تفسير الثعلبي. 3 – راجع الطرائف: 55 – 59، صحيح بخارى 5: 76 – 77، صحيح مسلم 4: 187، مسند احمد 5: 333، صحيح ترمذى 13: 171. 4 – الطرائف: 60، عن مناقب الخوارزمي: 58، وفيه لمبارزة على. 5 – المائدة: 67.

[ 268 ]

بهذه الاية ولاية على صلوات الله عليه يوم الغدير من غير ارتياب 1. ومنها: ان عناية الله جل جلاله بمولانا على عليه السلام بلغت بتكرار الايات والمعجزات والكرامات الى ان ادعى فيه خلق عظيم باقون الى هذه الاوقات ما ادعى بعض النصارى في عيسى صلوات الله عليه، وانه رب العالمين الذى يجب ان توجه العبادات إليه. ومنها: ان مولانا عليا عليه السلام عذب الذين ادعوا فيه الالية كما امره صاحب النبوة الربانية، ولم يزدهم تعذيبه لهم الا ملزما بانه رب العالمين وما عرفنا ان معبودا عذب من يعبده بمثل ذلك العذاب، وهو مقيم على عبادته بالجد والاجتهاد، فكان ذلك تنبيها على ان ظهور فضله خرق العقول والبصائر حتى بلغ الى هذا الأمر الباهر. وما يقدر على شرح فضائل مولانا على عليه السلام على التفضيل، وقد ذكرنا في الطرائف وجوها دالة على مقامه الجليل، وقد نطق القرآن الشريف بنعم الله تعالى على عباده مطلقا على التجميل، فقال تعالى: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) 2، فهذا يكون من تلك النعم التى لا تحصى لأنه عليه السلام رئيس القوم الذين ظهروا بها وحصلوها. فصل (9) فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه السلام في ذلك الميقات روينا باسنادنا الذى ذكرناه قبل هذا الفصل الى الشيخ الموثوق بروايته محمد بن احمد بن داود، في كتاب كامل الزيارات، قال: أخبرنا أبو على احمد بن محمد بن عمار الكوفى، قال: حدثنا أبى، قال: حدثنا على بن الحسن بن على بن فضال، عن محمد بن عبد الله زرارة، عن احمد بن محمد بن أبى نصر، قال:


1 – راجع الطرائف: 145 – 153. 2 – ابراهيم: 34.

[ 269 ]

كنا عند الرضا عليه السلام والمجلس غاص بأهله 1 فتذاكوا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس، فقال الرضا عليه السلام: حدثنى أبى، عن أبيه عليهما السلام قال: ان يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، ان لله عز وجل في الفردوس الأعلى قصرا، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فيه مائة ألف قبة من ياقوته حمراء ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر، ترابه المسك والعنبر فيه اربعة انهار: نهر من خمر ونهر من ماء ونهر من لبن ونهر من عسل، حواليه اشجار جميع الفواكه، عليه طيور ابدانها من لؤلؤ واجنحتها من ياقوت تصوت بألوان الأصوات. فإذا كان يوم الغدير ورد الى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون الله ويقدسونه ويهللونه، فتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرغ 2 على ذلك المسلك والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة طارت تلك الطيور فتنفض 3 ذلك، وانهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة عليها السلام فإذا كان آخر اليوم نودوا: انصرفوا الى مراتبكم فقد امنتم من الخطأ والزلل الى قابل في مثل هذا اليوم تكرمة لمحمد وعلى عليه السلام. ثم التفت فقال لى: يا ابن أبى نصر اين ماكنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام، فان الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما اعتق من شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر ولدرهم فيه بألف درهم لاخوانك العارفين وأفضل على اخوانك في هذا اليوم وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال: يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا وانكم لمن امتحن الله قلبه للايمان، مستذلون مقهورون ممتحنون يصب البلاء عليهم صبا، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، ولولا انى أكره التطويل لذكت فضل هذا اليوم وما اعطاه الله لمن عرفه


1 – عض المكان بهم: امتلأ وضاق عليهم. 2 – تمرغ في التراب: تقلب. 3 – الفض: النفر المتفرقون.

[ 270 ]

مال لا يحصى بعدد. قال على ين الحسن بن فضال: قال لى محمد بن عبد الله: لقد ترددت الى أحمد بن محمد أنا وأبوك والحسن بن جهم أكثر من خمسين مرة سمعناه منه 1. فصل (10) فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين اعلم ان كل ميت كان قبره مشهورا أو مستورا، فان أهل بيته والمخصوصون بمصيبته والموصوفون بشيعته وخاصته، يكونون اعرف بموضع دفنه وقبره، وهذا اعتبار صحيح لا يجحده الا مكابر وضعيف في عقله أو حقير في قدره. وقد علم اعيان أهل الاسلام ان عترة مولانا على عليه السلام وشيعته الذين لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلدة، مطبقون متفقون على ان هذا الضريح الشريف الذى يزور أهل الحقائق من المغارب والمشارق، هو قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فمن العجب ان كل انسان وقف دارس 2 وقال: هذا قبر أبى أو جدى حكم الحاضرون بتصديقه ولم ينازعوه في تحقيقه، ويكون قبر مولانا على عليه السلام لا يقبل فيه قول أولاده الذين لا يحصيهم الا الله جل جلاله. ومن العجب ان يكون اصحاب كل ملة وعقيدة يرجع في معرفة قبور رؤسائهم إليهم، ولا يرجع في قبر أمير المؤمنين عليه السلام الى أصحابه وشيعته وخاصته، وانما بعض المخالفين ذكر انهم لا يعرفون ان هذا موضع قبره الان، وربما روى بعضهم ان قبره في غير هذا المكان. واعلم ان قبر مولانا على عليه السلام انما ستره ذريته وشيعته عن المخالفين عليه، ولقد صدق المخالف إذا لم يعرفه فان ستره انما كان منه ومن أمثاله فكيف يطلع على حاله.


1 – عنه البحار 100: 359، رواه الشيخ في مصاحبه مختصرا: 737. 2 – درس الرسم: عفا وانمحى.

[ 271 ]

فصل (11) فيما نذكره من الاشارة الى من زارة من الأئمة من ذريته عليه وعليهم أفضل السلام، وغيرهم من عترته من ملوك الاسلام فأقول: قد روينا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارة مولانا على بن الحسين عليه السلام لمولانا على صلوات الله عليه أيام التقية من بنى امية، وروينا من كتاب المسرة من كتاب ابن أبى قرة زيارة زين العابدين وولده محمد بن على الباقر عليهما عليه السلام له في هذا القبر الشريف، وزيارة مولانا على بن محمد الهادى عليه السلام. فهؤلاء اربعة من أئمة الاسلام ومن اعيان ذريته عليه وعليهم افضل السلام قد نصوا على ان هذا موضع ضريحه وزاروه فيه وشهدوا بتصحيحه ومثلهم لاترد شهادتهم في شئ من احكام المسلمين، فكيف ترد في معرفة قبر جدهم أمير المؤمنين سلام الله جل جلاله عليهم. واما الخلفاء من بنى العباس والملوك من الناس، فاول زاره الرشد وجماعة من بنى هاشم، ثم المقتفى، ثم الناصر مرارا واطلق عنده صدقات ومبارا، ثم المستنصر وجعله شيخه في الفتوة، ثم المعتصم. واما العلماء والعقلاء والملوك والوزراء، فلا يحصى عددهم بما نذكره من قلم أو لسان، وقبورهم شاهدة بذلك ومدافنهم الى الان. فصل (12) فيما نذكره من آيات رأيتها انا عند ضريحة الشريف غير مارويناه وسمعنا به، من آياته التى تحتاج الى مجلدات وتصانيف اعلم ان كل نذر يحمل إليه مذ ظهر مقدس قبره بعد هلاك بنى امية والى الان، فان تصديق الله جل جلاله لأهل النذر، كالاية والمعجز والبرهان على ان قبره


[ 272 ]

الشريف بذلك المكان، وهذه النذور احد من اهل الدهور، واما انا فاشهد بالله وفى الله جل جلاله اننى كنت يوما قد ذكرت تاريخه في كتاب البشارات بين يدى ضريحه المقدس، واقسمت عليه في شئ وسألت جوابه باقى النهار وانفصلت، فما استقررت بمشهده في الدار حتى عرفت في الحال من رآه في المنام بجواب ما فهمته به من الكلام. أقول: واعرف اننى كنت يوما وراء ظهر ضريحه الشريف، واخى الرضى محمد بن محمد بن الاوى حاضر معى، وأنا أقسم على أمير المؤمنين عليه السلام في اذلال بعض من كان يتجرأ على الله وعلى رسوله وعلى مولانا أمير المؤمنين على عليه السلام وعلينا بالاقوال والاعمال. فقلت للقاضى الاوى محمد بن محمد: يا اخي قد وقع في خاطري ان قد حصل ما سألته، وان اليوم الثالث من هذا اليوم يصل قاصد من عند القوم المذكورين بالذل والسؤال لنا على اضعف سؤال السائلين، فلما كان اليوم الثالث من يوم قلت له وصل قاصد من عندهم على فرس عاجل بمثل ما ذكرناه من الذل الهائل. أقول: واعرف اننى دخلت حضرته الشريفة كم مرة في امور هائلة لى وتارة لأولادى وتارة لأهل ودادى، فبعضها زالت وانا بحضرته، وبعضها زالت باقى نهار مخاطبته، وبعضها زالت بعد ايام في جواب زيارته، ولو ذكرتها احتاجت الى مجلد كبير، وقد صنف أبو عبد الله محمد بن على بن الحسن بن عبد الرحمان الحسنى مصنفا في ذلك متضمنا للاسانيد والروايات، لو أردنا تصنيف مثله وأمثاله كان ذلك أسهل المرادات، ولكنا وجدنا من الايات الباهرات ما يغنى عن الروايات. فصل (13) فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا على صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار إليه اعليم اننا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر عدة روايات مطولات يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات، لأن يوم الغدير يختص بيومه زياراة في كتاب المسرة


[ 273 ]

من كتاب مزار ابن أبى قرة، وهى زياراة يوم الغدير. رويناها عن جماعة إليه رحمة الله عليه قال: اخبرنا محمد بن عبد الله، قال: اخبرنا أبى، قال: أخبرنا الحسن بن يوسف عميرة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبى جعفر محمد بن على عليهما السلام قال: كان أبى على بن الحسين عليهما السلام قد اتخذ منزلة من بعد مقتل ابيه الحسين بن على عليهما السلام بيتا من شعر واقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطته الناس وملابستهم وكان يسير من البادية بمقامه بها الى العراق زائرا لأبيه وجده عليهما السلام، ولا يشعر بذلك من فعله. قال محمد بن على: فخرج سلام الله عليه متوجها الى العراق لزيارة امير المؤمنين عليه السلام وأنا معه، وليس معنا ذو روح الا الناقتين، فلما انتهى الى النجف من بلاد الكوفة، وصار الى مكانه منه، فبكا حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا امين الله في ارضه وحجته، اشهد لقد جاهدت يا امير المؤمنين في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه صلى الله عليه وآله، حتى دعاك الله الى جواره، فقبضك إليه باختياره لك كريم ثوابه، والزم اعداءك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه. اللهم صل على محمد وآله واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة 1 بذكرك ودعائك، محبة لصفوة 2 اوليائك، محبوبة في ارضك وسمائك، صابرة على نزول 3 بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك 4، مشتاقة الى فرحة لقائك، متزودة التقوى ليوم جزائك، مستنة


1 – المولعة: المتعلقة. 2 – الصفوة: الخالصة. 3 – عند نزول (خ ل). 4 – لسابغ آلائك (خ ل).

[ 274 ]

بسنن اوليائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك. ثم وضع خده على القبر وقال: اللهم ان قلوب المخبتين 1 اليك والهة 2، وسبل الراغبين 3 اليك شارعة، واعلام القاصدين اليك واضحة، وافئدة الوافدين اليك فازعة 4، واصوات الداعين اليك صاعدة، وابواب الاجابة لهم مفتحة، ودعوة من ناجاك مستجابة، وتوبة من اناب اليك مقبولة، وعبرة من بكا من خوفك مرحومة. والاستغاثة لمن استغاث بك موجودة، والاعانة لمن استعان بك مبذولة، وعداتك 5 لعبادك منجزة 6، وزلات من استقالك 7 مقالة، واعمال العاملين لديك محفوظة، وارزاق الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد متواترة 8، وموائد المستطعمين معدة، ومناهل الظماء مترعة 9. اللهم فاستجب دعائي، واقبل ثنائي، واجمع بينى وبين اوليائي واحبائي، بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين آبائى، انك ولى نعمائي ومنتهى مناى وغاية رجائي في منقلبي ومثواى. قال جابر: قال لى الباقر عليه السلام: ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر امير المؤمنين عليه السلام، أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم السلام الا رفع دعاؤه في درج 10 من نور وطبع عليه بخاتم محمد صلى الله عليه وآله، وكان محفوظا


1 – المخبتين: الخاشعين. 2 – والهة: متحيرة من شدة الوجد. 3 – الراغبين: المتهلين. 4 – فارغة (خ ل). 5 – عداتك: وعودك. 6 – متنجزة (خ ل). 7 – استقالك: طلب صفحك. 8 – متواترة: متتابعة. 9 – ترع الحوض: امتلأ. 10 – الدرج – بالفتح – الذى يكتب فيه.

[ 275 ]

كذلك حتى يسلم الى قائم آل محمد عليهم السلام، فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة ان شاء الله. قال جابر: حدثت به ابا عبد الله جعفر بن محمد بن محمد عليهما السلام وقال لى: زد فيه إذا ودعت احدا منهم فقل: السلام عليك ايها الامام ورحمة الله وبركاته، استودعك الله وعليك السلام ورحمة الله، آمنا بالرسول وبما جئتم به وبما دعوتم إليه 1، اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي وليك، اللهم لا تحرمنى ثواب مزاره الذى اوجبت له ويسر لنا العود إليه ان شاء الله 2. أقول: وقد رواه مولانا الصادق بنحو هذه الألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف الاطاعة. أقول: وروى جدى أبو جعفر الطوسى هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجعفر عن الباقر عليه السلام ان مولانا على بن الحسين صلوات الله عليه زاره بها فيه، وفى ألفاظها خلاف، ولم يذكر فيها وداعا 3. فصل (14) فيما نذكره من عوذة تعوذ بها النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير فتعوذ بها انت ايضا قبل شروعك في عمل اليوم المذكور ليكون حرزا لك من المحذور، وهى: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الاخرة والاولى، ورب الارض والسماء، الذى لا يضر مع اسمه كيد الاعداء، وبها


1 – ودعوتم إليه (خ ل). 2 – رواه في كامل الزيارات: 39، عنه البحار 100: 264، المزار الكبير: 112، مصباح الزائر: 583، مزار الشهيد: 95، البلد الامين: 295، ومصباح الكفعمي: 480، فرحة الغرى: 40، عنه الوسائل 10: 306، البحار 100: 264 و 102: 176، وفى الصحيفة السجادية الجامعة: 595، الدعاء: 255. 3 – مصباح المتحجد: 681.

[ 276 ]

تدفع كل الاسواء، وبالقسم بها يكفى من استكفى. اللهم انت رب كل شئ وخالقه، وبارى كل مخلوق ورازقه، ومحصى كل شئ وعالمه، وكافى كل جبار وقاصمه، ومعين كل متوكل عليه وعاصمة، وبر كل مخلوق وراحمه، ليس لك ضد فيعاندك، ولاند فيقاومك، ولا شبيه فيعادلك، تعاليت عن ذلك عن ذلك علوا كبيرا. اللهم بك اعتصمت واسقمت توجهت وعليك اعتمدت، يا خير عاصم واكرم راحم واحكم واعلم عالم، من اعتصم بك عصمته، ومن استرحمك رحمته، ومن استكفاك كفيته، ومن توكل عليك امنته 1 وهديته، سمعا لقولك يا رب وطاعة لامرك. اللهم اقول وبتوفيقك اقول، وعلى كفايتك اعول، وبقدرتك اطول، وبك استكفى واصول، فاكفني اللهم وانقذني وتولنى واعصمني وعافنى، وامنع منى وخذ لى وكن لى بعينك ولا تكن على، اللهم انت ربى عليك توكلت واليك انبت واليك المصير وانت على كل شئ قدير. فصل (15) فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد، مما رويناه بصحيح الاسناد فمن ذلك بالاسانيد المتصلة مما ذكره ورواه محمد بن على الطرازى في كتابه، عن محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقى، عن عمارة بن جوين أبى هارون العبدى، ورويناه بأسنادنا أيضا الى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، فيما رواه عن عمارة بن جوين أبى هارون العبدى أيضا قال: دخلت على أبى عبد الله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذى الحجة، فوجدته صائما فقال: ان هذا اليوم يوم عظم الله حرمته على المؤمنين، إذ أكمل الله لهم فيه


1 – توكل امنته (خ ل).

[ 277 ]

الذين وتمم عليهم النعمة، وجدد لهم ما أخذ عليهم من الميثاق والعهد في الخلق الأول، إذ أنساهم الله ذلك الموقف، ووفقهم للقبول منه، ولم يجعلهم من أهل الانكار الذين جحدوا. فقلت له: جعلت فداك فما صواب صوم هذا اليوم ؟ فقال: انه يوم عيد وفرح وسرور وصوم شكرا لله عز وجل، فان صومه يعدل ستين شهرا من الأشهر الحرم، ومن صلى فيه ركعتين أي وقت شاء، وأفضل ذلك قرب الزوال، وهى الساعة التى اقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خم علما للناس، وذلك أنهم كانوا قربوا من المنزل في ذلك الوقت. فمن صلى ركعتين، ثم سجد وشكر الله عز وجل مائة مرة، ودعا بهذا الدعاء بعد رفع رأسه من السجود، الدعاء: اللهم انى أسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك له، وأنك واحد أحد صمد، ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأن محمدا عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله. يامن هو كل يوم في شأن، كما كان من شأنك أن تفضلت على بأن جعلتني من أهل اجابتك وأهل دينك وأهل دعوتك، ووفقتني لذلك في مبتدء 1 خلقي تفضلا منك وكرما وجودا، ثم أردفت الفضل فضلا، والجود جودا، والكرم كرما، رأفة منك ورحمة الى أن جددت ذلك العهد لى تجديدا بعد تجديدك خلقي، وكنت نسيا منسيا ناسيا ساهيا غافلا. فأقمت نعمتك بأن ذكرتني ذلك ومننت به على وهديتني له فليكن من شأنك يا الهي وسيدي ومولاى، أن تتم لى ذلك ولا تسلبنيه حتى تتوفانى على ذلك، وأنت عنى راض، فانك أحق المنعمين أن تتم نعمتك على. اللهم سمعنا وأجبنا داعيك بمنك فلك الحمد، غفرانك ربنا


1 – مبدء (خ ل).

[ 278 ]

واليك المصير، آمنا بالله وحده لا شريك له، وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله وصدقنا وأجبنا داعى الله واتبعنا الرسول في موالاة مولانا ومولى المؤمنين، أمير المؤمنين على بن أبى طالب عبد الله وأخى رسوله، والصديق الأكبر، والحجة على بريته، المؤيد به نبيه ودينه الحق المبين، علما لدين الله، وخازنا لعلمه، وعيبة غيب الله، وموضع سر الله، وأمين الله على خلقه، وشاهده في بريته. اللهم اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم، فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لاتخلف الميعاد. فانا يا ربنا بمنك ولطفك أجبنا داعيك، واتبعنا الرسول وصدقناه وصدقنا مولى المؤمنين، وكفرنا بالجبت والطاغوت، فولنا ما تولينا، واحشرنا مع أئمتنا فانا بهم مؤمنون موقنون ولهم مسلمون. آمنا بسرهم وعلانيتهم، وشاهدهم وغائبهم، وحيهم، ورضينا بهم أئمة وقادة وسادة، وحسابنا بهم بيننا وبين الله دون خلقه لانبتغى بهم بدلا، ولانتخذ من دونهم وليجة 1، وبرئنا الى الله من كل من نصب لهم حربا من الجن والانس من الأولين والاخرين، وكفرنا بالجبت والطاغوت والأوثان الأربعة وأشياعهم وأتبائهم وكل من والاهم من الجن والانس من أول الدهر الى آخره. اللهم انا نشهدك أنا ندين بمادان به محمد وآل محمد، صلى الله عليه وعليهم وقولنا ما قالوا، وديننا ما دانوا به، ما قالوا به قلنا، ومادانو به دنا، وما أنكروا أنكرنا، ومن والوا والينا، ومن عادوا عادينا، ومن لعنوا لعنا، ومن تبرؤا منه تبرأنا منه، ومن ترحموا عليه، آمنا وسلمنا ورضينا


1 – الوليجة: الدخيلة وخاصتك من الرجال أو من تتخذه معقدا عليه.

[ 279 ]

واتبعنا موالينا صلوات الله عليهم. اللهم فتمم لنا ذلك ولا تسلبناه، واجعله مستقرا ثابتا عندنا، ولا تجعله مستعارا، وأحينا ما أحييتنا عليه وامتنا إذا أمتنا عليه، آل محمد أئمتنا، فبهم نأتم واياهم نوالى، وعدوهم عدو الله نعادي، فاجعلنا معهم في الدنيا والاخرة ومن المقربين، فانا بذلك راضون يا أرحم الراحمين. ثم تسجد وتمحدالله مائة مرة وتشكر الله عز وجل مائة مرة وأنت ساجد، فانه من فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم وبايع رسول الله صلى الله عليه وآله على ذلك، وكانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا الله ورسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم، وكان كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلى الله عليه ومع الحسن والحسين صلى الله عليهما، وكمن يكون تحت راية القائم صلى الله عليه وفى فسطاطه من النجباء والنقباء 1. ومن الدعوات في يوم عيد الغدير ما ذكرناه محمد بن على الطرازى في كتابه رويناه باسنادنا الى عبد الله بن جعفر الحميرى قال: حدثنا هارون بن مسلم، عن أبى الحسن الليثى، عن أبى عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته. أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا ؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا ؟ قال: لا، قالوا: أفيوم الأضحى هو ؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذى الحجة، وان رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع وصار بغدير خم أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام أن يهبط على النبي صلى الله عليه وآله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه


1 – عنه البحار 98: 298، عنه صدره الوسائل 8: 90، 10: 444، وفى مصباح المتهجد: 737.

[ 280 ]

السلام وأن ينصبه علما للناس بعده، وأن يستخلفه في امته. فهبط إليه وقال له: حبيبي محمد ان الله يقرئك السلام، ويقول لك: قم في هذا اليوم بولاية على صلى الله عليه وآله ليكون علما لامتك بعدك، يرجعون إليه، ويكون لهم كأنت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: حبيبي جبرئيل انى أخاف تغير أصحابي لما قد وتروه وأن يبدوا ما يضمرون فيه. فعرج، وما لبث أن هبط بأمر الله فقال له: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) 1. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ذعرا 2 مرعوبا خائفا من شدة الرمضاء 3 وقدماه تشويان، وأمر بأن ينظف الموضع ويقم 4 ما تحت الدوح 5 من الشوك وغيره، فغفل ذلك، ثم نادى بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون وفيمن اجتمع أبو بكر وعمرو عثمان وسائر المهاجرين والأنصار. ثم قام خطيبا وذكر بعده الولاية، فألزمها للناس جميعا فأعلمهم أمر الله بذلك فقال قوم ما قالوا وتناجوا بما أسروا. فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره، وأن يلبس المؤمن أنظف ثيابه وأفخرها ويتطيب امكانه وانبساط يده ثم يقول: اللهم ان هذا اليوم شرفتنا فيه بولاية وليك على صلوات الله عليه وجعلته أمير المؤمنين وأمرتنا بموالاته وطاعته وأن نتمسك بما يقربنا اليك، ويزلفنا لديك أمره ونهيه. اللهم قد قبلنا أمرك ونهيك، وسمعنا وأطعنا لنبيك، وسلمنا ورضينا، فنحن موالى على صلوات الله عليه، وأولياؤه كما أمرت، نواليه ونعادى من


1 – المائدة: 67. 2 – ذعره: افزعه. 3 – الرمضاء: شدة الحر، الأرض الحامية من شدة حر الشمس. 4 – قم البيت: كسحه. 5 – الدوحة ج دوح: الشجرة العظيمة المتسعة.

[ 281 ]

يعاديه، ونبرء ممن تبرء منه، ونبعض من أبغضه، ونحب من أحبه، وعلى صلى الله عليه مولانا كما قلت، وامامنا بعد نبينا صلى الله عليه وآله كما أمرت. فإذا كان وقت الزوال أخذت مجلسك بهدوء 1 وسكون ووقار وهيبة واخبات 2 وتقول: الحمد لله رب العالمين كما فضلنا في دينه على من جحد وعند 3، وفى نعيم الدنيا على كثير ممن عمد 4، وهدانا بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله، وشرفنا بوصيه وخليفته في حياته وبعد مماته، أمير المؤمنين صلى الله عليه. اللهمان محمدا صلى الله عليه وآله نبينا كما أمرت، وعليا صلى الله عليه مولانا كما أقمت، ونحن مواليه وأولياؤه. ثم تقوم وتصلى شكرا لله تعالى ركعتين، تقرء في الاولى الحمد، و (انا انزلناه في ليلة القدر)، (قل هو الله أحد) كما انزلتا لا كما نقصتا، ثم تقنت وتركع وتتم الصلاة وتسلم وتخر ساجدا، وتقول في سجودك: اللهم اياك نعبد ولك نخضع ولك نسجد، على ملة ابراهيم ودين محمد وولاية على صلواتك عليهم أجمعين، حنفاء مسلمين وما نحن من المشركين ولا من الجاحدين.


1 – هدء هدوء: سكن. 2 – اخبت الى الله: اطمأن إليه تعالى وتخشع امامه. 3 – عند الرجل: خالف الحق وهو عارف به. 4 – عمد الشئ: اسقطه، عمد فلان: وجع. (*)

[ 282 ]

اللهم العن الجاحدين المعاندين المخالفين لأمرك وأمر رسولك صلى الله عليه وآله، اللهم العن المتغضين لهم لعن لعنا كثيرا، لا ينقطع أوله ولا ينفذ آخره. اللهم صل على محمد وآله، وثبتنا على موالاتك وموالاة رسولك وآل رسولك وموالاة أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وأحسن منقلبنا يا سيدنا ومولانا. ثم كل واشرب وأظهر السرور وأطعم اخوانك، وأكثر برهم واقض حوائج اخوانك، اعظاما ليومك، وخلافا على أظهر فيه الاغتمام والحزن ضاعف الله حزنه وغمه 1. ومن الدعوات في يوم الغدير ما نقلناه من كتاب محمد بن على الطرازى أيضا باسناده الى أبى الحسن عبدالقاهر بواب مولانا أبى ابراهيم موسى بن جعفر وأبى جعفر محمد بن على عليهما السلام قال: حدثنا أبو الحسن على بن حسان الواسطي بواسط في سنة ثلاثمائة قال: حدثنى على بن الحسن العبدى قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة والسلام وعلى آبائه وأبنائه يقول: صوم يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش انسان عمر الدنيا، ثم لو صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك وصيامه يعدل عند الله عز وجل مائة حجة ومائة عمرة، وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيا الا وتبعيد في هذا اليوم، وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفى الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود. ومن صلى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة شكرا لله عز وجل، ويقرء في كل ركعة سورة الحمد عشراو (قل هو الله أحد) عشرا، و (انا انزلناه في ليلة القدر)


1 – عنه البحار 98: 300.

[ 283 ]

عشرا، وآية الكرسي عشرا، عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة. وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والاخرة كائنة ما كانت الا أتى الله عز وجل على قضائها في يسر وعافية، ومن فطر مؤمنا كان له ثواب من أطعم بعددهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في حرم الله عز وجل وسقاهم في يوم ذى مسغبة 1، والدرهم فيه بمائة ألف درهم، ثم قال: لعلك ترى أن الله عزوجل خلق يوما أعظم حرمة منه ؟ لا والله، لا والله، لا والله، ثم قال: وليكن من قولك إذا لقيت أخاك المؤمن: الحمدلله الذى أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من المؤمنين، وجعلنا من الموفين بعهده الذى عهده الينا، وميثاقه الذى واثقنا به من ولاية ولاة أمره، والقوام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين. ثم قال: وليكن من دعائك في دبر الركعتين أن تقول: ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لاتخلف الميعاد. اللهم انى اشهدك وكفى بك شهيدا، واشهد ملائكتك وحملة عرشك وسكان سماواتك وأرضك بأنك أنت الله لا اله الا أنت، المعبود الذى ليس وجهك الكريم، لا اله الا أنت المعبود لا معبود سواك، تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ووليهم


1 – سغب: جاع.

[ 284 ]

ومولاهم ومولاى، ربنا سمعنا النداء، وصدقنا المنادى، رسولك صلى الله عليه وآله، إذ نادى نداء عنك بالذى أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه من موالاة ولى المؤمنين وحذرته وأنذرته ان لم يبلغ أن تسخط عليه، وأنه إذا بلغ رسالاتك 1 عصمته من الناس. فنادى مبلغا وحيك ورسالاتك: الأمن كنت مولاه فعلى مولاه، ومن كنت وليه فعلى وليه، ومن كنت نبيه فعلى أميره. ربنا قد أجبنا داعيك النذير المنذر محمدا عبدك الذى أنعمت عليه، وجعلته مثلا لبنى اسرائيل، ربنا آمنا واتبعنا مولانا وولينا وهادينا وداعينا وداعي الأنام وصراطك السوى المستقيم، محجتك البيضاء، وسبيلك الداعي اليك على بصيرة هو ومن اتبعه، وسبحان الله عما يشركون بولايته وبأمره ربهم باتخاذ الولايج من دونه. فأشهد يا الهي أن الامام الهادى المرشد الرشيد على بن أبى طالب صلوات الله عليه أمير المؤمنين، الذى ذكرته في كتابك فقلت: (وانه في ام الكتاب لدينا لعلى حكيم) 2. اللهم فانا نشهد بأنه عبدك الهادى من بعد نبيك النذير المنذر، والصراط المستقيم وامام المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وحجتك البالغة، ولسانك المعبر عنك في خلقك، والقائم بالقسط بعد نبيك، وديان دينك، وخازن علمك، وعيبة وحيك، وعبدك وأمينك، المأمون المأخوذ ميثاقه مع ميثاقك وميثاق رسلك من خلقك وبريتك بالشهادة والاخلاص بالوحدانية. بأنك أنت الله لا اله الا أنت، ومحمد عبدك ورسولك وعلى أمير المؤمنين، وجعلت الاقرار بولايته تمام توحيدك والاخلاص لك بوحدانيتك واكمال دينك وتمام نعمتك على جميع خلقك، فقلت وقولك


1 – رسالتك (خ ل). 2 – الزخرف: 4.

[ 285 ]

الحق: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) 1. فلك الحمد على ما مننت به علينا من الاخلاص لك بوحدانيتك، وجدت علينا بموالاة وليك الهادى من بعد نبيك النذير المنذر، ورضيت لنا الاسلام دينا بمولانا وأتممت علينا نعمتك بالذى جددت لنا عهدك وميثاقك، وذكرتنا ذلك. وجعلتنا من أهل الاخلاص والتصديق لعهدك وميثاقك، ومن أهل الوفاء بذلك، ولم تجعلنا من الناكثين والمكذبين بيوم الدين 2، ولم تجعلنا من المغيرين والمبدلين والمحرفين والمبتكين 3 آذان الأنعام، والمغيرين خلق الله، ومن الذين استحوذ 4 عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وصدهم عن السبيل والصراط المستقيم. وأكثر من قولك: اللهم العن الجاحدين والناكثين والمغيرين والمبدلين والمكذبين، الذين يكذبون بيوم الدين من الأولين والاخرين. ثم قل: اللهم لك الحمد على نعمتك علينا بالذى هديتنا الى موالاة ولاة أمرك من بعد نبيك، والأئمة الهادين الذين جعلتهم أركانا لتوحيدك، وأعلام الهدى ومنار التقوى، والعروة الوثقى، وكمال دينك، وتمام نعمتك، ومن بهم وبموالاتهم رضيت لنا الاسلام دينا، ربنا فلك الحمد. آمنا بك وصدقنا بنبيك الرسول النذير المنذر، واتبعنا الهادى من بعد النذير المنذر، ووالينا وليهم وعادينا عدوهم، وبرئنا من الجاحدين


1 – المائدة: 3. 2 – والجاحدين بيوم الدين (خ ل). 3 – بتكه: قطعه. 4 – استحوذ عليه: غلبه واستولى عليه.

[ 286 ]

والناكثين والمكذبين بيوم الدين. اللهم فكما كان من شأنك يا صادق الوعد، يامن لا يخلف الميعاد، يامن هو كل يوم في شأن، أن أتممت علينا نعمتك بموالاة أوليائك، المسؤول عنهم عبادك، فانك قلت: (ولتسئلن يومئذ عن النعيم) 1، وقلت: (وقفوهم انهم مسؤولون) 2. ومننت بشهادة الاخلاص لك بولاية أوليائك الهداة من بعد النذير المنذر، السراج المنير، وأكملت لنا الدين بموالاتهم والبراءة من عدوهم 3، وأتممت علينا النعم بالذى جددت لنا عهدك، وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبتدء 4 خلقك ايانا. وجعلتنا من أهل الاجابة، وذكرتنا العهد والميثاق، ولم تنسنا ذكرك، فانك قلت: (واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) 5. شهدنا بمنك بأنك أنت الله لا اله الا أنت ربنا وأن محمدا عبدك ورسولك نبينا، وأن عليا أمير المؤمنين ولينا ومولانا، وشهدنا بالولاية لولينا ومولانا من ذرية نبيك من صلب ولينا ومولانا على بن أبى طالب أمير المؤمنين عبدك الذى أنعمت عليه. وجعلته في ام الكتاب لديك عليا حكيما، وجعلته آية لنبيك وآية من آياتك الكبرى، والنبأ العظيم الذى هم فيه مختلفون، والنباء العظيم الذى هم عنه معرضون، وعنه يوم القيامة مسؤولون، وتمام نعمتك التى عنها يسأل عبادك إذ هم موقوفون، وعن النعيم مسؤولون.


1 – التكاثر: 7. 2 – الصافات: 24. 3 – في البحار: اعدائهم. 4 – ابتداء (خ ل). 5 – الاعراف: 172.

[ 287 ]

اللهم وكما كان من شأنك ما أنعمت علينا بالهداية الى معرفتهم، فليكن من شأنك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تبارك لنا في يومنا هذا الذى ذكرتنا فيه عهدك وميثاقك، وأكملت لنا ديننا وأتممت علينا نعمتك، وجعلتنا بنعمتك من أهل الاجابة والاخلاص بوحدانيتك، ومن أهل الايمان والتصديق بولاية أوليائك والبراءة من أعدائك وأعداء أوليائك الجاحدين المكذبين بيوم الدين. فأسألك يا رب تمام ما أنعمت علينا ولا تجعلنا من المعاندين، ولا تلحقنا بالمكذبين بيوم الدين، واجعل لنا قدم صدق مع المتقين. واجعل لنا من لدنك رحمة واجعل لنا من المتقين اماما الى يوم الدين، يوم يدعى كل أناس بامامهم، واجعلنا في ظل القوم المتقين الهداة بعد النذير المنذر والبشير، الأئمة الدعاة الى الهدى، ولا تجعلنا من المكذبين الدعاة الى النار، وهم يوم القيامة وأولياؤهم من المقبوحين. ربنا فاحشرنا في زمرة الهادى المهدى وأحينا ما أحييتنا على الوفاء بعهدك وميثاقك المأخوذ منا على موالاة أوليائك، والبراءة من أعدائك المكذبين بيوم الدين، والناكثين بميثاقك، وتوفنا على ذلك، واجعل لنامع الرسول سبيلا، اثبت لنا قدم صدق في الهجرة إليهم. واجعل محيانا خير المحيا ومماتنا خير الممات ومنقلبنا خير المنقلب، على موالاة أوليائك والبراءة من أعدائك، حتى تتوفانا وأنت عنا راض، قد أو جبت لنا الخلود في جنتك برحمتك والمثوى في جوارك والانابة الى دار المقامة من فضلك، لا يمسنا فيها نصب 1 ولا يمسنا فيها لغوب 2. ربنا انك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك، وأمرتنا أن نكون مع الصادقين،


1 – نصب: تعب واعيا. 2 – لغب: تعب واعيا اشد الاعياء.

[ 288 ]

فقلت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الأمر منكم) 1، وقلت: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) 2. ربنا سمعنا وأطعنا ربنا ثبت أقدامنا وتوفنا مع الأبرار، مسلمين مسلمين مصدقين لأوليائك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب، ربنا آمنا بك وصدقنا نبيك، ووالينا وليك والأولياء من بعد نبيك، ووليك مولى المؤمنين على بن أبى طالب صلوات الله عليه، والامام الهادى من بعد الرسول النذير المنذر والسراج المنير. ربنا فكما كان من شأنك أن جعلتنا من أهل الوفاء بعهدك بمنك علينا ولطفك لنا، فليكن من شأنك أن تغفر لنا ذنوبنا وتكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لاتخلف الميعاد. ربنا آمنا بك، ووفينا بعهدك، وصدقنا رسلك، واتبعنا ولاة الأمر من بعد رسلك، ووالينا أوليائك، وعادينا أعداءك فاكتبنا مع الشاهدين، واحشرنا مع الأئمة الهداة من آل محمد الرسول البشير النذير. آمنا يا رب بسرهم وعلانيتهم، وشاهدهم وغائبهم، وبحيهم وميتهم، ورضينا بهم أئمة وسادة وقادة لا نبتغى بهم بدلا ولا نتخذ من دونهم ولائج أبدا. ربنا فأحينا ما أحييتنا على موالاتهم، والبراءة من أعدائهم، والتسليم لهم والرد إليهم، وتوفنا إذا توفيتنا على الوفاء لك ولهم بالعهد والميثاق، والموالاة لهم والتصديق والتسليم لهم، غير جاحدين ولا ناكثين ولا مكذبين. اللهم انى أسألك بالحق الذى جعلته عندهم، وبالذي فضلتهم على العالمين جميعا، أن تبارك لنا في يومنا هذا الذى أكرمتنا فيه بالوفاء


1 – النساء: 59. 2 – التوبة: 119.

[ 289 ]

لعهدك، الذى عهدت الينا والميثاق الذى واثقتنا به من موالاة أوليائك وتمن علينا بنعمتك، وتجعله عندنا مستقرا ثابتا ولا تسلبناه أبدا، ولا تجعله عندنا مستودعا فانك قلت: (فمستقر ومستودع) 1، فاجعله مستقرا ثابتا. وارزقنا نصر دينك مع ولى هاد من أهل بيت نبيك قائما رشيدا هاديا مهديا من الضلالة الى الهديا واجعلنا تحت رايته وفى زمرته شهداء صادقين، مقتولين في سبيلك وعلى نصرة دينك. ثم سل بعد ذلك حوائجك للاخرة والدنيا، فانها والله والله والله مقضية في هذا اليوم، ولا تقعد عن الخير، وسارع الى ذلك ان شاء الله تعالى 2. ومن الدعوات في يوم الغدير ما وجدناه في نسخة عتيقة من كتب العبادات: اللهم رب السماوات والأرض، ورب النور العظيم، ورب البحر المسجور 3، ورب الشفع الكبير، ورب الوتر الرفيع، سبحانك منزل التوراة والانجيل والزبور والقرآن العظيم، اله من في السماوات السبع، واله من في الأرض لا اله فيهما غيرك، جبار من في السماوات والأرض، لا جبار فيهما غيرك، ملك من في السماوات والأرض 4 لا ملك فيهما غيرك. أسألك باسمك العظيم وبنور وجهك الكريم، وبملك القديم، وباسمك الذى أشرقت له السماات والأرضون، وباسمك الذى أصلحت به امور الأولين والاخرين. ياحى قبل كل حى، ياحى بعد كل حى، ياحى حين لا حى الا أنت،


1 – الانعام: 98. 2 – عنه البحار 98: 302 – 307، روى مثله مع اختلاف في التهذيب 3: 143، اخرج منه قطعات في الوسائل 5: 224 و 8: 89 البحار 35: 318، اثبات الهداة 3: 303، غاية المرام: 101، اللوامع: 374، جامع الاحاديث 7: 398، مصباح المتجد 2: 691. 3 – سجر البحر: فاض. 4 – ملك من في السماوات وملك من في الأرض (خ ل).

[ 290 ]

ياحى يا قيوم، يا أحد يا صمد يا فرد ياوتر يا رحمان يا رحيم، اغفر لنا ذنوبنا، واجعل لنا من امورنا فرجا من امورنا فرجا ومخرجا، واستقبلنا على هدى نبيك محمد صلى الله عليه وآله، واجعل عملنا في المرفوع المتقبل. وهب لنا ما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك وعبادك الصالحين من خلقك، فانا بك مؤمنون، وعليك متوكلون، ومصيرنا اليك، واجمع لنا الخير كله بحولك وقوتك، واصرف عنا الشر كله بمنك ورحمتك. يا حنان يا منان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والاكرام، تعطى الخير من تشاء، وتصرف الشر عمن تشاء، أعطنا جميع ما سألناك من الخير، وامنن به علينا برحمتك يا أرحم الراحمين، انا اليك راغبون، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم. اللهم اشرح بالقرآن صدري، وأنطق بالقرآن لساني، ونور بالقرآن بصرى واستعمل بالقرآن بدنى، وأعنى عليه أبدا ما أبقيتنى، فانه لا حول ولا قوة الا بك. اللهم يا داحي المدحوات 1، وياباني المبنيات ويا مرسى المرسيات 2، ويا جبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، ويا باسط الرحمة للمتقين، اجعل شرائف صلواتك ونوامس بركاتك ورأفتك، وتحيتك ورحمتك، على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما انغلق، والخاتم لما سبق، وفاتح الحق بالحق، ودافع جيشات الأباطيل. كما حملته فاضطلع 3 بأمرك مستبصرا في رضوانك، غير ناكل 4 عن قدم، ولا منثن عن كرم، حافظا لعهدك، قاضيا لنفاذ أمرك، فهو أمينك المأمون،


1 – المدحيات (خ ل)، أقول: دحى الأرض: بسطها. 2 – رسى: ثبت ورسخ. 3 – اضطلغ: قوى، اضطلع بحمله: نهض به وقوى عليه. 4 – نكل عن كذا: نكص وجبن. (*)

[ 291 ]

وشهيدك يوم الدين، وبعيثك رحمة للعالمين. اللهم فافسخ له مفسحا عندك، وأعطه من بعد رضاه الرضا، من نور ثوابك المحلول وعطاء جزائك المعلول، اللهم أتمم له وعده بانبعاثك اياه مقبول الشفاعة عندك مرضى المقالة، ذا منطق عدل، وخطبة فصل، وحجة وبرهان عظيم. اللهم اجعلنا سامعين مطيعين وأولياء مخلصين، ورفقاء مصاحبين. اللهم أبلغه منا السلام، واردد علينا منه السلام، اللهم انى ضعيف فقول في رضاك ضعفى وخذ الى الخير بناصيتى، واجعل الاسلام منتهى رضاك، اللهم انى ضعيف فقوتي، وانى ذليل فأعزني، وانى فقير فارزقني. ثم تقول مائة مرة: اللهم انى أسألك الجنة، اللهم انى أعوذ بك من النار. ثم تقول: اللهم انى أسألك بأنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، وبأنك أرحم الراحمين، وأسألك بأنك أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، أن تغفر لى ذنوبي كلها، صغيرها وكبيرها، مغفرة تامة يا أرحم الراحمين. ثم تقول أربع مرات: اللهم انى أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنى أشهد أنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، واومن بك وأتوكل عليك، وأستغفرك وأتوب اليك. ثم تقول: اللهم أصبحت في دينى وأمانتي ونفسي وولدى ومالى وجميع أهل عنايتي في حماك الذى ال يستباح، وفى عزك الذى لا يرام، وفى سلطانك الذى لا يستضام، وفى ملكك الذى لايبلى، وفى نعمك التى لا تحصى،


[ 292 ]

وفى ذمتك التى لا تخفر، وفى رحمتك التى وسعت كل شئ، وجار الله آمن محفوظ. ولا حول ولا قوة الا بالله، لا اله الا الله والله أكبر، وسبحان الله، رب صل على محمد وآل محمد، واغفر لى ذنوبي كلها برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم افتح لنا بطاعتك، واختم لنا برضوانك، وأعذنا من الشيطان الرجيم، السلام على الحافظين الكرام الكاتبين، أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله، ان صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين، لا شريم له وبذلك امرت وأنا من المسلمين. اللهم انى أسألك خير يومى هذا، وخير ما فيه، وخير ما أمرت به وخير ما قبله، وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر يومى هذا وشر ما فيه وشر ما قبله وشر ما بعده. اللهم انى أسألك فتحه ونصره ونوره وهداه، اللهم افتح لى بخير واختم لى بخير، واختمه على بخير، اللهم افتحه على برحمتك، واختمه على برضوانك، اللهم من كادنى في يومى هذا بسوء فاكفينيه، وقنى شره، واردد كيده في نحره. اللهم ما أنزلت في يومى هذا من خير أو رحمة أو شفاء، أو فرج أو عافية أو رزق، فاجعل لى فيه نصيبا وافرا حسنا، وما أنزلت فيه من محذور أو مكروه أو بلية أو شقاء فاصرفه عنى. اللهم انى أسألك أن تجعل بدو يومى هذا فلاحا وأوسطه صلاحا وآخره نجاحا، وأعوذ بك من شر يوم أوله فزع، وأوسطه جزع، وآخره وجع، اللهم برأفتك أرجو رحمتك، وبرحمتك أرجو رضوانك، وبرضوانك أرجو الجنة فلا تؤاخذني بذنبى، ولا تعاقبني بسوء عملي.


[ 293 ]

اللهم اجعل ما احييتنى زيادة لى في كل خير، واجعل وفاتي إذا توفيتنى راحة من كل شر، ونجاة لى من كل سوء، اللهم اجعلني أخشاك كأنى أراك، وأرجوك ولا أرجو غيرك وأذكرك ولا أنساك. اللهم اغفر لي كل ذنب سلف منى في الليل والنهار منذ خلقتني وكفره عنى وأبدلني به حسنات وتقبل منى كل خير عملته لك في الليل والنهار منذك خلقتني، وارفعه لى عندك في الرفيع الأعلى، وأعطني عليه الثواب الكثير برحمتك انك جواد لا يبخل. اللهم انى أصبحت متوكلا عليك فاكفني، وأصبحت فقيرا اليك فأغننى، وأصبحت لا أعرف ربا غيرك فاغفر لي، وأصبحت مقرا لك بالربوبية معترفا لك بالعبودية. وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، الها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولاولدا، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ رسالاته ونصح لامته، وجاهد في الله حق جهاده، وعبده حتى أتاه اليقين. وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الجنة حق والنار حق والبعث حق وأنى اؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وبملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله. اللهم فاكتب لى هذه الشهادة عندك، ولقنيها عند حاجتى إليها وأحينى عليها وابعثني عليها واحشرني عليها واجزني جزاء من لقيك بها مخلصا، غير شاك فيها ولا مرتد عنها ولا مبدل لها آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأخيار وسلم كثيرا، سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر واستغفر الله الذى لا اله الا هو، غفار الذنوب وأتوب إليه. وأسأله أن يتوب على، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم، الأول


[ 294 ]

فليس قبله شئ، والاخر فليس بعده شئ، والظاهر فليس فوقه شئ، والباطن فليس دونه شئ، يحيى ويميت، وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. الحمد لله الذى لا تبديل لقوله، ولا معادل لحكمه، ولا راد لقضائه، الحمد لله الأول قبل كل شئ، والخالق له، والاخر بعد كل شئ، والوارث له. والظاهر على كل شئ والوكيل عليه، والباطن دون كل شئ والمحيط به، الذى علا فقهر، وملك فقدر، وبطن فخبر، ديان الدين رب العالمين، الحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته. اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، وفى النهار إذا تجلى، ولك الحمد في الاخرة والاولى، ولك الحمد كما حمدت نفسك وكما أنت أهله وكما حمدك الحامدون، ولك الحمد عدد ما أحصى كتابك وأحاط به علمك، ولك الحمد زنة عرشك ومداد كلماتك، ولك الحمد كما ينبغى لكرم وجهك وعز جلالك، وعظم سلطانك. اللهم لك الحمد حمدا خالدا بخلودك، ولك الحمد حمدا دائما بداومك، ولك الحمد حمدا لاأمدا له دون بلوغ مشيتك، ولك الحمد حمدا لا يتناهى دون منتهى علمك، ولك الحمد حمدا يبلغ رضاك ويوجب مزيدك، ويؤمن من غيرك، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. سبحان الدائم القائم، سبحان الملك الحق، سبحان العلى الأعلى،


[ 295 ]

سبحانه وتعالى، سبحان الله وبحمده، سبحان الله الحى القيوم، سبحان الله الذى لا تأخذه سنة ولانوم، سبحان من تواضع كل شئ لعظمته، سبحان من ذل كل شئ لعزته، سبحان من خضع كل شئ لملكته، سبحان من استسلم كل شئ لقدرته، سبحان من انقادت له الامور بأزمتها، سبحانه وبحمده. لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا اله الا الله الحليم الكريم، لا اله الا الله العلى العظيم، لا اله الا الله السميع العليم، لا اله الا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. لا اله الا الله الها واحدا أحدا فردا صمدا، لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له كفوا أحد، لا اله الا الله الأول قبل كل شئ، والباقى بعد كل شئ، والقادر عليه والمحيط بكل شئ. لا تداركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحين الغفور. اللهم انى أسألك وأدعوك وأنت قلت: (قل ادعو الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) 1، انك أمرتنى بدعائك ووعدت اجابتك ولا خلف لوعدك، فانى أدعوك كما أمرتنى فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك بكل اسم هو لك، كما سميت به نفسك، أو ذكرته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، يا الله يا الله يا الله، يا رحمان يا رحيم، يابدئ لا بدء لك، يا دائم لانفاد لك، ياحى يا قيوم 2 يا محيى يا مميت، يا قائما على كل نفس بما كسبت.


1 – الاسراء: 110. 2 – ياحى يا قديم يا قيوم (خ ل).

[ 296 ]

يا أحد ياوتر يا فرد يا صمد، يامن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذلك من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير. يا حنان يا منان، يا ذا الجلال والاكرام، يا رب الأرضين وما أقلت، والسماوات وما أظلت، والرياح وما ذرت، يا خالق كل شئ، يا زين السماوات والأرضين يا عماد السماوات والأرضين يا قيوم الدنيا والاخرة. ويا غياث المستغيثين، ويا صريخ المستصرخين، ويا معاذ العائذين ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا منفسا عن المكروبين، ويا مفرجا عن المغمومين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا مجيب دعوة الداعين، ويا أرحم الراحمين، ويا أول الأولين ويا آخر الاخرين. أسألك باسمك الأجل الأعز الأكرم، الظاهر الباطن الطاهر المطهر المقدس الأحد الصمد الفرد، الذى ملأ الأركان كلها، الذى إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت أن تصلى على محمد وآل محمد كأفضل وأكرم، وأعلى وأكمل، وأعز وأعظم، وأشرف وأزكى، وأنمى وأطيب، ما صليت على أحد من أنبيائك المصطفين وملائكتك المقربين وعبادك الصالحين. اللهم شرف بنيانه، وعظم برهانه، وثقل ميزانه، وابعثه المقام المحمود الذى وعدته، وتقبل شفاعته، واجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن امته، اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، انك حميد مجيد. اللهم صل على أنبيائك المرسلين، وملائكتك المقربين، وعبادك الصالحين وصل علينا معهم انك أرحم الراحمين. اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، حيهم وميتهم، شاهدهم وغائبهم، انك تعلم منقلبهم ومثواهم،


[ 297 ]

اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم. اللهم أصلح لنا أئمتنا وقضاتنا وولاة امورنا وجماعتنا وديننا الذى ارتضيت لنا، اللهم أعز الاسلام وأهله، وأذل الشرك وأهله. اللهم انى من عبادك الذين ظلموا أنفسهم وأسرفوا عليها واستوجبوا العذاب بالحجج اللازمة، والذنوب الموبقة 1، والخطايا المحيطة بهم، وقد قلت: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا 2 من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) 3، لا خلف لوعدك، ولا مبدل لقولك. اللهم لا تقنطي من رحمتك، ولا تؤيسنى من عفوك ومغفرتك، واجعلني من عبادك الذين تغفر لهم ذنوبهم، وتكفر عنهم سيئاتهم، وتب على انك أنت التواب الرحيم، وخذ بسمعي وبصرى وقلبي وجوارحي كلها الى طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه واله، والى أحب الأعمال اليك. وارزقني توبة نصوحا أستوجب بها محبتك، وأستحق معها جنتك، وتوقينى من عذابك، فانه لا حول ولا قوة الابك، واجعلني من أوليائك وأنصارك الذين تعز بهم دينك، وتنتقم بهم من عدوك، وتختم لهم بالسعادة والشهادة، تحييهم حياة طيبة، وتقلبهم منقلبا كريما وتؤتيهم في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وتقيهم عذاب النار. اللهم ان ذنوبي عظيمة كثيرة، ورحمتك وعفوك وفضلك أعظم منها وأكثر وأوسع، فانشر على من سعة رحمتك وعظم عفوك ومغفرتك ما تنجيني به من النار وتدخلني به الجنة.


1 – الموبق: المهلك. 2 – قنط: يئس. 3 – الزمر: 53.

[ 298 ]

اللهم برحمتك استغثت من ذنوبي واستجرت فأغثنى، وأجرني من ذنوبي، وامنن على بمغفرتك وعفوك عما ظلمت به نفسي خاصة، يا الهي، وخلصني ممن له حق قبلى، واستوهبني منه واغفر لي وعوضه من فضلك وطولك وجزيل ثوابك على وعليه بذلك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل ما مضى من حسن عملي مقبولا وما فرط منى من سيئة مغفورا، وما أستأنف من عمرى أوله صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا، اللهم انى أعوذ بك من جهد البلاء وسوء القضاء وشر العمل ودرك الشقاء وشماته الأعداء وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم انى أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعمل لا ينفع ودعاء لا يسمع، اللهم سلمني وسلم منى، وعافنى واعف عنى، ولا تؤاخذني بذنوبى، ولا تقاسيني بعملي، ولا تفضحني بسريرتي، وأدخلني الجنة برحمتك وعافنى من النار بقدرتك. اللهم أقلنى عثرتي، واستر عورتى وآمن روعتي، اللهم انى أسألك الهدى والتقى والعفاف والكفاف والغنى، والعمل بما تحب وترضى، اللهم انى أعوذ بك أن اشرك بك وأنا أعلم أو لا أعلم، وأستغفرك لما أعلم ولما لا أعلم. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همى ولا تجعل مصيبتي في حد، ولا تسلط على من لا يرحمنى، ولا تسلطنى على أحد بظلم فتهلكني، اللهم اجعل حياتي زيادة لى في كل خير، واجعل وفاتي راحة لى من كل سوء. اللهم ان ذلى أصبح وأمسى مستجيرا بعزتك وفقرى مستجيرا بغنائك، وذنوبي مستجيرة برحمتك، ووجهى البالى الفاني مستجيرة بوجهك الباقي الدائم الكريم، فكن لى جارا من كل سوء برحمتك. اللهم ما أعطيتني من عطاء أو قضيت على من قضاء، فاجعل الخيرة لى في بدئه وعاقبته، وارزقني العافية والسلامة برحمتك يا أرحم الراحمين.


[ 299 ]

اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم، وصلى الله على ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين وعلى محمد خاتم النبيين، ورسول رب العالمين وامام المتقين، وسيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما. اللهم انى أسألك يا رب حسن الظن بك، والصدق في التوكل عليك، وأعوذ بك أن تدخلني النار، وأعوذ بك رب 1 أن تبتليني ببلية تحملني ضرورتها على التعرض بشئ من معاصيك، وأعوذ بك أن تدخلني في حال كنت أو أكون فيها في يسر أو عسر ظن أن معاصيك أنجح لى من طاعتك. وأعوذ بك أن أقول قولا من طاعتك ألتمس به رضا سواك، وأعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما آتيتني منى، وأعوذ بك أن أتكلف طلب ما ليس لى وما لم تقسمه لى، وما قسمت لى من قسم أو رزقتني من رزق فأتني به في يسر منك وعافية حلالا طيبا. وأعوذ بك من كل شئ زحزح 2 بينى وبينك، أو باعد بينى وبينك أو تصرف به حظى أو صرف وجهك الكريم عنى، واعوذ بك أن تحول خطيئتي أو ظلمي أو جرمى أو اسرافي على نفسي أو اتباعى هواى أو استعمالي شهوتي دون مغفرتك وثوابك ورضوانك ونائلك، وبركاتك وموعدك الحسن الجميل. اللهم انى أعوذ بك من الضرر في المعيشة، وأعوذ بك أن تبتليني ببلاء لا طاقة لى به، أو تسلط على طاغيا أو تهتك لى سترا، أو تبدى لى عورة، أو تحاسبني يوم القيامة مناقشة أحوج ما أكون الى تجاوزك وعفوك عنى. وأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامات أن تصلى على محمد وعلى آل محمد، وتعطى محمدا وآل محمد أفضل ما سألك وأفضل ما سئلت له وأفضل


1 – يا رب (خ ل). 2 – زحزحه عن مكانه: باعده، الزحزح: البعد.

[ 300 ]

ما أنزلت مسؤول له، وأسألك أن تجعلني من عتقائك وطلقائك من النار. يا أرحم الراحمين، ويا أجود الأجودين، ويا اله العالمين، وياسيد السادات، ويا جبار الجبابرة، ويا أفضل من سئل و 1 أكرم من أعطى وأحق من تجاوز وعفى ورحم وتفضل باحسانه القديم، ولاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم. لا اله الا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك الله رب العرش العظيم، الحمدلله رب العالمين، لا اله الا أنت أفلح سائلك، وتعالى جدك 2، وامتنع عائذك، أعذني برحمتك من شر ماخلقت وذرأت وبرأت، حسبى الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى. اللهم أنت ربى ورب من كادنى وبغى على، من الجن والانس، ناصيتى وناصيته بيدك، فادفع في نحره وأعذني من شره، بعزتك التى لا ترام وبقدرتك التى لا يمتنع منها بر ولا فاجر، وبكلماتك الحسنى. الحمد لله الذى خلقتني ولم أك شيئا، اللهم أعنى على هول الدنيا وبوائق 3 الاخرة، ومصيبات الليالى والأيام، اللهم اصحبني في سفري واخلفني في أهلى 4 وبارك لى فيما رزقتني، ولك فذللنى وعلى خلق حسن صالح فقومني، واليك فحببني والى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين. وأنت ربى أعوذ بوجهك الكريم الذى أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والاخرين، أن ينزل بى سخطك، أو يحل على غضبك ومن زوال نعمتك ومن جميع سخطك، لك


1 – ويا (خ ل). 2 – الجد: الحظ، الحظوة: يقال: تعس جده: خسر أو هلك. 3 – البائقة: الشر، الداهية. 4 – ومالى (خ ل).

[ 301 ]

العتبى عندي فيما استطعت، ولا حول ولا قوة الا بك. اللهم انك لست برب استحدثناك، ولا كان معك اله أعانك (تعالى الله ع) 1 – ما ما يقول القائلون، صل على محمد وعلى آل محمد وبارك لى في الموت إذا نزل بى، واجعل لى فيه راحة وفرجا، اللهم فكما 2 حسنت خلقي فحسن خلقي، اللهم انى ضعيف فقو في رضاك ضعفى، وخذ الى الخير بناصيتى، واجعل الاسلام منتهى رضاى. اللهم انى اشهدك واشهد ملائكتك وكفى بك شهيدا، أنك أنت الله لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك، وأن كل معبود من دون عرشك الى قرار أرضك السابغة باطل ماخل وجهك الكريم، الدائم الذى لا يزول، فصل على محمد وعلى آل محمد، واكشف مابى من ضر، وحوله عنى يا أرحم الراحمين، انك سميع الدعاء، وانك تفعل ما تشاء وان ميسور العسير عليك يسير. اللهم يسر من أمرى ما عسر، وسهل ما صعب، ولين ما غلظ، وفرج ما لا يفرجه أحد غيرك، بنور وجهك الكريم الدائم التام، وبحق محمد عبدك ورسولك، وبحق الروحانيين الذين لا يفترون الا بتعظيم عز جلالك، وبالثناء عليك، ولا يبلغون ما أنت مستحقه من عظيم عزك وعلو شأنك. اللهم انى أسألك باسمك الذى تجليت به للجبل فجعله دكا وخر موسى صعقا، وبالاسم المخزون المكنون، وباسمك الذى فقلت 3 به البحر لموسى بن عمران فصار كل فرق كالطود 4 العظيم، وباسمك الذى ذل له كل جبار عنيد.


1 – هو الظاهر. 2 – كما (خ ل). 3 – فلق الشئ: شقه. 4 – الطود: الجبل العظيم.

[ 302 ]

وباسمك الذى وضعته على النهار فأضاء وعلى الليل فأظلم أن تصلى على محمد وعلى آل محمد، وأن تجعلني من التوابين المتطهرين وتغفر لي خطيئتي يوم الدين، وتغفر لوالدي كما ربياني صغيرا، وعلماني كتابك وسنة نبيك، وتدخل عليهما رأفة منك ورحمة، وبدل سيئاتهم حسنات وتقبل منهما ما أحسنا، وتجاوز عنهما ما أساءا، فانك أولى بالجود، واجعلهما من الذين رضيت عنهم، وأسكنتهم جناتك النعيم برحمتك لا بأعمالهم، تفضلا منك عليهم بجودك وكرمك وعزتك وسلطانك. يامن له الحمد ولا ينبغى الحمد الا له، يا كريم الاحسان، يامن يبقى ويفنى كل شئ، يامن يرى ولا يرى وهو بالمنظر الأعلى،، ومن هو على كل شئ رقيب، وبكل شئ رؤوف وعلى كل شئ قابل شهيد، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك. وأسألك بالاسم الذى وضعت به الجبال على الأرض فاستقرت، وبالاسم الذى وضعته على السماوات فاستقلت، أن تنجيني من النار، وتجيزنى الصراط بقدرتك، ووالدى وحامتى 1 وقرابتي 2 وجيراني ومن أحبنى، وكل ذى رحم في الاسلام دخل الى، بنورك الذى لا يطفأ، وبعزتك التى لا ترام، واكفنى مالا يكفينه أحد سواك، وما أنت أعلم به منى، واسترنى بسترك الجميل، وعافنى بقدرتك من عذابك وعقابك. اللهم انك عالم غير متعلم، وأنت عالم بحالى وأمري، فاجعل لى في كل خير نصيبا والى كل خير سبيلا، اللهم واجعل لى سهما في دعاء من دعاك رجاء الثواب منك في مشارق الأرض ومغاربها من المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وتقبل دعاءهم وأعنهم على عدوك وعدوهم، فانك تقدر ولا يقدر عليك، ولا يدفع البلاء غيرك.


1 – الحامة: خاصة الرجل من أهله وولده الذين يهتم لهم. 2 – قراباتى (خ ل).

[ 303 ]

يا معروفا بالاحسان والرأفة والرحمة أنت مقلب القلوب، ثبت قلبى على دينك، وأنت مدبر الامور وأنت تختار لعبادك، فاجعلني ممن اخترته لطاعتك، وأمنته من عذابك يوم يخسر المبطلون، وتب على انك أنت التواب الرحيم. واخترنى واختر ولدى فقد خلقتهم فأحسنت، ورزقت فأفضلت، فتمم نعمتك على وعلى والدى وأهل عنايتي، وأوسع علينا في رزقك، ولا تشمت 1 بنا عدوا ولا حاسدا، ولا باغياولا طاغيا، واحرسنا بعينك التى لا تنام. اللهم هذا الدعاء وعليك الاجابة، وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة الا بك وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل 2. ومن الدعوات في يوم الغدير من رواية اخرى: اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغيت، وقلت وقولك الحق: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) 3، وقلت: (ما يعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم) 4، وقلت: (وإذا سألك عبادي عنى فانى قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان) 5. اللهم فانى أسألك وأشهدك واشهد ملائكتك أنك ربى لا اله الا أنت عليك توكلت، وأن محمدا عبدك ورسولك نبيى صلى الله عليه وآله، وأن عليا أمير المؤمنين مولاى ووليى عليه وآله السلام، أسألك أن تغفر لى في هذا اليوم، وفى هذا الوقت، ما سلف من ذنوبي وتصلحني فيما بقى من عمرى.


1 – شمت بفلان: فرح ببليته. 2 – عنه البحار 98: 308 – 318. 3 – النساء: 64. 4 – الفرقان: 77. 5 – البقرة: 186.

[ 304 ]

اللهم ايمانا بك وتصديقا بوعدك، حتى أكون على النهج الذى ترضاه، والطريق الذى تحبه، فانك عدتي عند شدتي وولى نعمتي. اللهم انى أسألك نفحة من نفحاتك كريمة تلم بها شعثى 1، وتصلح بها شأني، وتوسع بها رزقي، وتقضى بها دينى، وتعينني بها على جميع اموري، فانك عند شدتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلى على محمدو آل محمد، وأن تصلح لى أحوال الدنيا والاخرة. اللهم انى أسألك ولم يسأل السائلون أكرم منك، وأطلب اليك ولم يطلب الطالبون الى أحد أجود منك، أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تبلغني في هذا اليوم امنية الدنيا والاخرة، اللهم فارج الغم ومجيب دعوة المظطرين، اللهم فارج الغم انى مغموم ففرج عنى، اللهم انى مهموم فاكشف همى. اللهم انى مضطر فسهل لى، اللهم انى مديون فاقض دينى، الله انى ضعيف فقو ضعفى، اللهم انى أسألك من رزقك رزقا واسعا حلالا طيبا، أستعين به وأعيش به بين خلقك، رزقا من عندك لا أبذل فيه وجهى لأحد من عبادك، أنت حسبى ونعم الوكيل. اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وأهل قرابتي واخواني من عرفت ومن لم أعرف، اللهم اجزهم بأحسن أعمالهم وأوصل إليهم الرحمة والسرور، واحشرهم مع رسولك وأمير المؤمنين وأوليائهم انك على كل شئ قدير. اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، وصلى الله على محمد وأهل بيته وسلم 2. ومن الدعوات في يوم الغدير مارويناه باسنادنا عن الشيخ المفيد رضوان الله عليه:


1 – الشعث: انتشار الأمر وخلله، يقال: لم الله شعثهم: جمع أمرهم. 2 – عنه البحار 98: 319.

[ 305 ]

اللهم انى أسألك بحق محمد نبيك وعلى وليك، والشأن والقدر الذى خصصتهما به دون خلقك، أن تصلى على محمد وعلى وأن تبدأ بهما في كل خير عاجل، اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة القادة، والدعاة السادة، والنجوم الزاهرة، والأعلام الباهرة، وساسة العباد، وأركان البلاد، والناقة المرسلة، والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة 1. اللهم صل على محمد وآل محمد، خزان علمك وأركان توحيدك، ودعائم دينك، ومعادن كرامتك وصفوتك من بريتك، وخيرتك من خلقك، الأتقياء النجباء الأبرار، والباب المبتلى به الناس، من أتاه نجى ومن أباه هوى. اللهم صل على محمد وآل محمد، أهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم، وذوى القربى الذين أمرت بمودتهم، وفرضت حقهم، وجعلت الجنة معاد من اقتفى 2 آثارهم، اللهم صل على محمد وآل محمد كما أمروا بطاعتك، ونهوا عن معصيتك، ودلوا عبادك على وحدانيتك. اللهم انى أسألك بحق محمد نبيك ونجيبك 3 وصفوتك وأمينك ورسولك الى خلقك، وبحق أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، الوصي الوفى، والصديق الأكبر، والفاروق بين الحق والباطل والشاهد لك، والدال عليك، والصادع بأمرك، والمجاهد في سبيلك، لم تأخذه فيك لومة لائم. أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تجعلني في هذا اليوم الذى عقدت فيه لوليك العهد في أعناق خلقك وأكملت لهم الدين من العارفين بحرمته والمقرين بفضله، من عتقائك وطلقائك من النار، ولا تشمت بى


1 – اللجة: معظم الماء، غمر الماء: علاه وغطاه. 2 – اقتص (خ ل)، اقول: اقتفى الشئ: اختاره، اقتص اثره: اتبعه. 3 – نجيك (خ ل).

[ 306 ]

حاسدى النعم. اللهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء يوم العهد المعهود، وفى الأرض يوم الميثاق المأخوذ، والجمع المسؤول، صل على محمد وآل محمد، وأقرر به عيوننا، واجمع به شملنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا 1، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين يا أرحم الراحمين. الحمد لله الذى عرفنا فضل هذا اليوم، وبصرنا حرمته، وكرمنا به، وشرفنا بمعرفته، وهدانا بنوره، يارسول الله يا أمير المؤمنين عليكما وعلى عترتكما وعلى محبيكما منى أفضل السلام، ما بقى الليل والنهار، وبكما أتوجه الى الله ربى وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجى وتيسير اموري. اللهم انى أسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلى على محمد وآل محمد، وأن تلعن من جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته، فصد عن سبيلك لاطفاء نورك، فأبى الله الا أن يتم نوره. اللهم فرج عن أهل بيت محمد نبيك، واكشف عنهم وبهم عن المؤمنين الكربات، اللهم املاء الأرض بهم عدلا كما ملأت ظلما وجورا، وأنجز لهم ما وعدتهم انك لا تخلف الميعاد 2. فصل (16) فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد، من قريب أو بعيد روى عدة من شيوخنا عن أبى عبد الله محمد بن أحمد الصفوانى من كتابه باسناده عن أبى عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت في يوم الغدير في مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فادن من


1 – وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب (خ ل). 2 – عنه البحار 98: 320.

[ 307 ]

قبره بعد الصلاة والدعاء، وان كنت في بعد فأوم إليه بعد الصلاة، وهذا الدعاء: اللهم صل على وليك واخى نبيك، ووزيرة وحبيبة، وخليله وموضع سره، وخيرته من اسرته، ووصيه وصفوته، وخالصته وامينه ووليه واشرف عترته، الذين آمنوا به، وابى ذريته وباب حكمته، والناطق بحجته، والداعى الى شريعته والماضي على سنته 1، وخليفته على امته، سيد المرسلين، وامير المؤمنين وقائد الغر المحجلين، افضل ما صليت على احد من خلقك واصفيائك واوصياء انبياءك. اللهم انى اشهد انه قد بلغ عن نبيك ما حمل، ورعى ما استحفظ، وحفظ ما استودع، وحلل حرامك، وحرم حرامك، واقام احكامك، ودعى الى سبيلك، ووالى اولياءك، وعادى اعداءك، وجاهد الناكثين 2 عن سبيلك والقاسطين والمارقين عن امرك، صابرا محتسبا غير مدبر، لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى بلغ في ذلك الرضاء سلم اليك القضاء، وعبدك مخلصا، ونصح لك مجتهدا، حتى اتاه اليقين. فقبضته اليك شهيدا سعيدا، وليا تقيا رضيا زكيا، هاديا مهديا، اللهم صل على محمد وعليه، افضل ما صليت على احد من انبيائك واصفيائك يا رب العالمين. فصل (17) فيما نذكره مما ينبغى أن يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد في اليوم المعظم المشار إليه اعلم اننا قد ذكرنا في عيد الفطر وعيد الأضحى وغير هما فيما مضى، ما يكون


1 – سننه (خ ل). 2 – نكث العهد: نقضه ونبذه. 3 – عنه البحار 100: 273.

[ 308 ]

الانسان عليه مع الله جل جلاله في تحصيل كمال العفو والرضا، وإذا عرفت كما قدمناه فضل عيد الغدير على كل وقت ذكرناه. فينبغي ان تكون في هذا العيد على قدر فضله على كل يوم عيد، فتكون عند المجالسة لشرف تلك الاوقات، كما جالست مماليك سلطان معظمين في الحرمات والمقامات، وتكون في عيد الغدير كما لو جالست سلطان اولئك المماليك المعظمين، وصاحبت مولاهم الذى هم علاقة عليه في امور الدنيا والدين. فاجتهد في احترام ساعاته والتزام حق حرمانه وصحبته لشكر الله جل جلاله على تشريفك بمعرفته وتأهليك لكرامته، وتجميلك بتجديد نعمته. وقد قدمنا في اخبار فضله آدابا واسبابا يعملها المسعودون في ذلك اليوم، فاعمل عليها، فانها من تدبير العارفين. فصل (18) فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه أقول: قد قدمنا فيه مضى من الفصول فضلا عظيما لمن فطر صائما ليوم الغدير، وأوضحنا ذلك بالمنقول، فنذكر هاهنا زيادة من طريق المعقول، فنقول: إذا كان لكل صائم في ذلك العيد ما ذكرناه من الحظ السعيد، فإذا قمت بافطارهم ومسارهم وحفظ القوة التى بذلوها لله جل جلاله في نهارهم، فكانك قد ملكتها عليهم، أو صرت شريكا لهم في كل ما وصل من الله جل جلاله إليهم بالمقدار اليسير الذى تخرجه في فطور الصائم. وقد شهد العقل ان من قدر على الفطر بالغنائم وبالمماليك وبالسعادات وبالعنايات بقوت يوم واحد لبعض اهل الضرورات، فانه يغتنم ذلك بأبلغ الامكان ولا يسامح نفسه بالتهوين لهذا المطلب العظيم الشأن، وكفاك انك تعظم بذلك ما عظم مولاك ومالك دنياك واخراك، وياطوباك ان يبلغ خير خلق الله جل جلاله محمدا صلوات الله عليه ومولاك امير المؤمنين صلوات الله عليه ومن يكون حديثك بعدهما إليه انك عظمت يوما


[ 309 ]

عزيزا عليهم، واكرمت كريما لديهم ورفعت رايات معالمهم المذكورة، وقطعت شبهات من سعى في تعظيم آيات مواسمهم المشهورة، فتكون كمن كان صدقت محبته وتعطرت فضائله وظهرت دلائله: وتهتز للمعروف في طلب العلى 1 * لتذكر يوما عند ليلى شمائله فصل (19) فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الغدير اعلم انا قد عرفناك بعض ما عرفناه من شرف هذا اليوم وتعظيمه عند الله جل جلاله وعند من اتبع رضاه، فكن عند أواخر نهاره ذاكرا لمعرفة قدره، متأسفا على ابعاده، تأسف المغرم 2 بفراق اهل وداده، متلهفا ان يؤهلك الله جل جلاله ليوم اظهار اسراره، وان يجعلك من اعوان المولى المذخور لرفع مناره، ويشرفك بان يكتب اسمك في ديوان انصاره، ويضم مثل ما عملت في اليوم المذكور السعيد بلسان الحال، كما يفعل المؤدب من العبيد. وتعرضه على من كنت ضيفا له من نواب الله جل جلاله وخاصته، الذين هم الوسائل بينك وبين رحمة وحفظ نعمته، وتسأل ان يتموا ما فيه من نقصان، ويربحوا ما تخاف على علمك من خسران، وان يسلموه من يد لسان حالهم الى الملكين الحافظين الكاتبين بجميع اعمالك في ذلك النهار، أو يعرضوه على مزيد كمالهم على وجه الله جل جلاله، عرضا يليق بالثابت المكمل في صفات الابرار على مولى الممالك المطلع على الاسرار. فتكون قد أديت الامانة في يومك وفى عملك، واجتهدت في حفظ حرمته ومحله، وسلمت كل تعويض وتسليم الى اهله.


1 – اهتز: تحرك. 2 – اغرم بالشئ: اولع به فهو مغرم.

[ 310 ]

الباب السادس فيما يتعلق بمباهلة سيد أهل الوجود لذوى الجحود، الذى لا يساوى ولا يجازى، وظهور حجته على النصارى والحبارى وان في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم، ونذكر ما يعمل من المراسم وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره من انفاذ النبي صلى الله عليه وآله لرسله الى نصارى نجران ودعائهم الى الاسلام والايمان، ومناظرتهم فيما بينهم، وظهور تصديقه فيما دعا إليه روينا ذلك بالاسانيد الصحيحة والروايات الصريحة الى أبى المفضل محمد بن المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب المباهلة، ومن أصل كتاب الحسن بن اسماعيل بن اشناس من كتاب عمل ذى الحجة، فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوى الهمم الصالحة، لا حاجة الى ذكر اسمائهم، لأن المقصود ذكر كلامهم، قالوا: لما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة، وانقادت له العرب، وارسل رسله ودعائه الى الامم، وكاتب الملكين، كسرى وقيصر، يدعوهما الى الاسلام، والا أقرا بالجزية والصغار، والا أذنا بالحرب العوان 1، أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم من بنى


1 – الحرب العوان: الحرب التى قوتل فيها مرة بعد الاخرى، وهى أشد الحروب.

[ 311 ]

عبدالمدان وجميع بنى الحارث بن كعب، ومن ضوى إليهم 1، ونزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الا روسية والسالوسية واصحاب دين الملك والمارونية والعباد والنسطورية، واملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا، فانهم كذلك من شأنهم. إذا وردت عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه، وهم عتبة بن غزوان وعبد الله بن أبى امية والهدير بن عبد الله اخو تيم بن مرة وصهيب بن سنان اخو النمر بن قاسط، يدعوهم الى الاسلام، فان اجابوا فاخوان، وان ابوا واستكبروا فالى الخطة 3 المخزنية 4 الى اداء الجزية عن يد، فان رغبوا عما دعاهم إليه من احد المنزلين 5 وعندوا فقد آذانهم على سواء، وكان في كتابه صلى الله عليه وآله: (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله، فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) 6. قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل قوما حتى يدعوهم، فازداد القوم لورود رسل نبى الله صلى الله عليه وآله وكتابه نفورا وامتزاجا، ففزعوا لذلك الى بيعتهم العظمى وامروا، ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج، ورفعوا الصليب الأعظم، وكان من ذهب مرصع، انفذه إليهم قيصر الأكبر، وحضر ذلك بنى الحارث بن كعب، وكانوا ليوث الحرب فرسان الناس، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم ايامهم في الجاهلية. فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في امورهم، واسرعت إليهم القبائل من مذحج، وعك وحمير وانمار، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبا، وكلهم قد ورم انفه غضبا


1 – ضويت إليه: إذا اديت إليه. 2 – دهماء الناس: جماعتهم. 3 – الخطة: الأمر والقصة. 4 – المخوفة (خ ل). 5 – المنزلين (خ ل). 6 – آل عمران: 67.

[ 312 ]

لقومهم، ونكص 1 من تكلم منهم بالاسلام ارتدادا. فخاضوا وافاضوا في ذكر المسير بنفسهم وجمعهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله والنزول به بيثرب لمناجزته 2، فلما رأى أبو حامد حصين بن علقمة – اسقفهم الأول وصاحب مدارسهم وعلامهم، وكان رجلا من بنى بكربن وائل – ما ازمع 3 القوم عليه من اطلاق الحرب، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه، وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة. ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصى وكانت فيه بقية وله رأى وروية وكان موحدا يؤمن بالمسيح وبالبنى عليهما السلام ويكتم ذلك من كفرة قومه واصحابه. فقال: مهلا بنى عبدالمدان مهلا، استديموا العافية والسعادة، فانهما مطويان في الهوادة 4، دبوا 5 الى قوم في هذا الأمر دبيب الزور، واياكم والسورة العجلى، فان البديهة بها لا يبجب 6، انكم والله على فعل ما لم تفعلوا اقدر منكم على رد ما فعلتم، الا ان النجاة مقرونة بالاناة، الارب احجام 7 افضل من اقدام، وكائن من قول ابلغ من وصوله. ثم امسك، فأقبل عليه كرزبن سبرة الحارثى، وكان يومئذ زعيم بنى الحارث بن كعب، وفى بيت شرفهم، والمعصب فيهم وأمير حروبهم، فقال: لقد انتفخ 8 سحرك واستطير قلبك ابا حارثة، فضلت كالمسبوع النزاعة الهلوع 9، تضرب لنا الأمثال وتخوفنا النزال 10، لقد علمت وحق المنان بفضيلة الحفاظ بالنوء باللعب، وهو عظيم، وتلقح 11 الحرب وهى عقيم تثقف اورد الملك الجبار ولنحن اركان الرايس وذى المنار الذين


1 – نكص عن الأمر: احجم عنه. 2 – ناجزه: بارزه وقاتله. 3 – ازمعت على أمر: أثبت عليه. 4 – الهوادة: الصلح. 5 – دب: مشى كالحيلة أو على اليدين والرجلين كالطفل. 6 – نجب: حمد في نظره أو قوله أو فعله. 7 – حجم عن الشئ: منع. 8 – انتفخ: علا. 9 – الهلوع: من يفزع من الشر. 10 – النزال: الحرب. 11 – لقح الحرب: هاجت بعد سكون.

[ 313 ]

شددنا ملكهما وامرنا مليكهما، فأى ايامنا ينكرام لايهما ويك تلمز 1، فما اتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وغضبا وهو لايشعر. فلما امسك كرزبن سبرة أقبل عليه العاقب، واسمه عبدالمسيح بن شرحبيل، وهو يومئذ عميد القوم وامير رأيهم وصاحب مشورتهم، الذى لا يصدرون جميعا الا عن قوله، فقال له: افلح وجهك وانس ربعك 2 وعز جارك وامتنع ذمارك 3، ذكرت وحق مغبرة الجباه 4 حسبا صميما، وعيصا 5 كريما وعزا قديما، ولكن ابا سبرة لكل مقام مقال، ولكل عصر رجال، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه، وهى الأيام تهلك جبلا، وتديل قبيلا، والعافية أفضل جلباب، وللافات اسباب، فمن أوكد اسبابها لتعرض لأبوابها، ثم صمت العاقب مطرقا. فأقبل عليه السيد واسمه اهتم بن النعمان، وهو يومئذ اسقف نجران، وكان نظير العاقب في علو المنزلة، وهو رجل من عاملة وعداده في لخم 6، فقال له سعد: جدك وسما جدك ابا وائلة، ان لكل لامعة ضياء، وعلى كل صواب نورا، ولكن لا يدركه وحق واهب العقل الا من كان بصيرا، انك افضيت وهذان فيما تصرف بكما الكلم الى سبيلى حزن وسهل، ولكل على تفاوتكم حظ من الرأى الربيق 7 والأمر الوثيق إذا اصيب به مواضعه، ثم ان اخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا 8، أبخوع 9 واقرار ام نزوع 10.


1 – اللمز: العيب. 2 – الربع: الدار، المنزلة، جماعة الناس. 3 – الذمار: ما يلزمك حفظه. 4 – أي الجباه المغبرة. 5 – أي نسبا. 6 – أي من قبيلة لخم. 7 – الرأى الربيق: الذى عليه العزم كأنه كناية عن الشديد. 8 – نجز الحاجة: قضاها. 9 – البخوع: الطاعة والخضوع. 10 – أي انتهاء عنه.

[ 314 ]

قال عتبة والهدير والنفر من اهل نجران، فعاد كرزبن سبرة لكلامه وكان كميا 1 ابيا، فقال: أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك الناس ثم العرب ذلك منا، أنتهالك 2 الى ذلك أم نقرب الجزية وهى الخزية حقا، لا والله حتى نجرد البواتر 3 من أغمادها، ونذهل الحلائل 4 عن أولادها، أو تشرق 5 نحن محمد بدمائنا، ثم يديل 6 الله عز وجل بنصره من يشاء. قال له السيد: اربع 7 على نفسك وعلينا أباسبرة، فان سل السيف يسل السيف، وان محمدا قد بخعت 8 له العرب، وأعطته طاعتها وملك رجالها واعنتها، وجرت أحكامه في أهل الوبر 9 منهم والمدر 10، ورمقه 11 الملكان العظيمان كسرى وقيصر، فلا أراكم والروح لو نهد 12 لكم، الا وقد تصدع عنكم من خف معكم من هذه القبائل، فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم 13. وكان فيهم رجل يقال له: جهير بن سراقة البارقى من زنادقة نصارى العرب، وكان له منزلة من ملوك النصرانية، وكان مثواه بنجران، فقال له اباسعاد 14: قل في أمرنا وانجدنا برأيك، فهذا مجلس له ما بعده. فقال: فانى أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم،


1 – كم: إذا قتل الشجعان. 2 – تهالك في الأمر أو العدو: جدفيه مستعجلا. 3 – البواتر: السيوف. 4 – الحليل ج حلائل: الزوج لانه يحل امرأته وتحل معه. 5 – تشرق: تظهر. 6 – يديل: ينصر. 7 – اربع: ارفق. 8 – بخعت: اطاعت. 9 – الوبر، هو للابل كالصوف للغنم، أهل الوبر: أهل البدو. 10 – المدر: الطين، أهل المدر: أهل المدن والقرى لأن بنيانها غالبا من المدر. 11 – رمقه: نظر إليه. 12 – نهد: نهض. 13 – الوضم: كل شئ يجعل عليه اللحم من خشب. 14 – سعد (خ ل).

[ 315 ]

ولينطلق وفودكم الى ملوك اهل ملتكم الى الملك الأكبر بالروم قيصر، والى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة، يعنى ملوك السودان، ملك النوبة وملك الحبشة وملك علوه وملك الرعا 1 وملك الراحات ومريس والقبط، وكل هؤلاء كانوا نصارى. قال: وكذلك من ضوى 2 الى الشام وحل بها من ملوك غسان ولخم وجذام وقضاعة، وغيرهم، من ذوى يمنكم فهم لكم عشيرة وموالى واعوان وفى الدين اخوان، يعنى انهم نصارى، وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم، فقد صبت الى دينهم قبائل تغلب بنت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار، لتسير وفودكم. ثم لتخرق إليهم البلاد اغذاذا 3، فيستصرخونهم لدينكم فيستنجدكم 4 الروم وتسير اليكم الاساودة 5 مسير اصحاب الفيل، وتقبل اليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن. فإذا وصلت الامداد واردة، سرتم انتم في قبائلكم وسائر من ظاهركم وبذل نصره وموازرته لكم، حتى تضاهئون 6 من انجدكم 7 واصرخكم، من الاجناس، والقبائل الواردة عليكم، فاموا 8 محمدا حتى تنجوا به جميعا، فسيعتق اليكم وافدا لكم من صبا 9 إليه، مغلوبا مقهورا، وينعتق به من كان منهم في مدرته 10 مكثورا 11، فيوشك ان تصطلموا 12 حوزته وتطفؤوا جمرته. ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس، فلا تتمالك العرب حيئنذ حتى


1 – ملك حبشة، ملك عليه، ملك الرعانة (خ ل). 2 – ضوى إليه: انضم ولجأ. 3 – اغذاذا: سريعا. 4 – استنجد: استعان وقوى بعد الضعف. 5 – الاساودة: جماعة سودان. 6 – ضاهاه: شاكله. 7 – نجده: اعانه. 8 – امة: قصده. 9 – صبا: مال. 10 – مدرته: بلده. 11 – مكثورا: المغلوب بالكثرة. 12 – الاصطلاء: الاستيصال.

[ 316 ]

تتهافت دخولا في دينكم، ثم لتعظمن بيعتكم هذه، ولتشرفن، حتى تصير كالكعبة المحجوجة 1 بتهامة، هذا الرأى فانتهزوه 2، فلا رأى لكم بعده. فاعجب القوم كلام جهيربن سراقة، ووقع منهم كل موقع، فكاد أن يتفرقوا على العمل به، وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بنى قيس بن ثعلبة، يدعى حارثة بن اثال على دين المسيح عليه السلام، فقام حارثة على قدميه واقبل على جهير، وقال متمثلا: متى ماتقد بالباطل الحق بابه * وان قلت بالحق الرواسى ينقد إذا ما أتيت الأمر من غير بابه * ضللت وان تقصد الى الباب تهتد ثم استقبل السيد والعاقب والقسيسين والرهبان وكافة نصارى نجران بوجهه لم تخلط معهم غيرهم، فقال 3: سمعا سمعا يا ابناء الحكمة وبقايا حملة الحجة، ان السعيد والله من نفعته الموعظة ولم يعش 4 عن التذكرة، ألا وانى أنذركم واذكركم قول مسيح الله عز وجل – ثم شرح وصيته ونصه على وصيه شمعون بن يوحنا وما يحدث على امته من الافتراق. ثم ذكر عيسى عليه السلام وقال: ان الله جل جلاله أوحى إليه: فخذ يابن امتى كتابي بقوة ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم، واخبرهم انى انا الله لا اله الا انا، الحى القيوم البديع الدائم الذى لا أحول ولا أزول، انى بعثت رسلي ونزلت كتبي رحمة ونورا عصمة لخلقي، ثم انى باعث بذلك نجيب رسالتي، احمد صفوتي من بريتى البار قليطا عبدى ارسله في خلو من الزمان، ابعثه بمولده فاران من مقام أبيه ابراهيم عليه السلام، انزل عليه توراة حديثة، افتح بها أعينا عميا، واذنا صما، وقلوبا غلفا 5، طوبى لمن شهد ايامه وسمع كلامه، فامن به واتبع النور الذى جاء به، فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي


1 – حج: قصد. 2 – انتهزوه: اغتنموه. 3 – يعنى حارثة. 4 – عشوت الى النار: إذا استدللت إليها بسير ضعيف، وإذا صدرت عنه الى غيره قلت: عشوت عنه. 5 – الاغلف ج غلف: الذى لا يعى شيئا.

[ 317 ]

فصل عليه فانى وملائكتي نصلى عليه. قال: فما أتى حارثة بن اثال على قوله هذا حتى اظلم بالسيد والعاقب مكانهما، وكرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما اخبر وقدم من ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهما كانا قد أصابا بمواضعهما من دينهما شرفا بنجران ووجها عند ملوك النصرانية جميعا، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد، فاشفقا ان يكون ذلك سببا لا نصراف قومها عن طاعتهما لدينهما وفسخا لمنزلتهما في الناس. فأقبل العاقب على حارث فقال: امسك عليك ياحار، فان راد هذا الكلام عليك اكثر من قابله، ورب قول يكون بلية على قائله، وللقلوب نفرات عند الاصداع 1 بمظنون الحكمة، فاتق نفورها، فلكل نبأ اهل، ولكل خطب محل، وانما الدرك 2 ما اخذ لك بمواضى النجاة، وألبسك جنة السلامة، فلا تعدلن بهما حظا، فانى لم آلك لا أبا لك نصحا ثم ارم 3. فأونحب السيد ان يشرك العاقب في كلامه، فأقبل على حارثة فقال: انى لم أزل أتعرف لك فضلا تميل اليك الالباب، فاياك ان تقعد مطية اللجاج، وان توجف الى السراب 4، فمن عذر بذلك فلست فيه ايها المرء بمعذور، وقد اغفلك أبو واثلة، وهو ولى أمرنا وسيد حضرنا عتابا فأوله 5 اعتبارا 6. ثم تعلم ان ناجم 7 قريش يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله يكون رزؤه 8 قليلا، ثم ينقطع ويخلو، ان بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبي المبعوث بالحكمة والبيان والسيف والسلطان، يملك ملكا مؤجلا، تطبق فيه امته المشارق والمغارب، ومن ذريته الأمير


1 – الصدع: الشق، صدع بالأمر: تظلم به جهارا. 2 – الدرك: اللحاق والوصول. 3 – ارم القوم: سكتوا. 4 – الال والسراب (خ ل)، الال الذى تراه اول النهار وآخره يرفع الشخوص وليس بالسراب. 5 – اوله: اعطه. 6 – اعتابا (خ ل). 7 – ناجم قريش أي الرجل الظاهر منهم، من نجم الشئ إذا اظهر. 8 – الرزء: المصيبة.

[ 318 ]

الظاهر يظهر على جميع الملكات والأديان، ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار، وذلك ياحار أمل من ورائه أمد ومن دونه أجل، فتمسك من دينك بما تعلم وتمنع لله أبوك من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان، فانما نحن ليومن ولغد أهله. فأجابه حارثة بن اثال فقال: ايها 1 عليك ابا قرة، فانه لا حظ في يومه لمن لادرك له في غده، واتق الله تجد الله جل وتعالى بحيث لا مفزع الا إليه، وعرضت مشيدا بذكر أبى واثلة، فهو العزيز المطاع الرحب الباع، واليكما معا ملقى 2 الرحال، فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبزين 3 فضل لكنتماه، لكنها ابكارا لكلام 4 تهدى لأربابها، ونصيحة كنتما أحق من أصغى بها، انكما مليكا ثمرات قلوبنا، ووليا طاعتنا في ديننا. فالكيس الكيس يا أيها المعظمان عليكما به، أريا مقاما يذهكما نواحيه واهجر سنته التسويف 5 فيما انتما بعرضة، آثر الله فيما كان يؤثركما بالمزيد من فضله، ولا تخلدا فيما اظلكما الى الونيه 6، فانه من اطال 7 عنان الأمر اهلكته الغرة، ومن اقتعد مطية الحذر كان سبيل أمن من المتألف، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لابه، ومن نصح لله عز وجل انسه الله جل وتعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب. ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال: وزعمت أبا واثلة ان راد ما قلت اكثر من قائله، وانت لعمرو الله حرى الا يؤثر هذا عنك، فقد علمت وعلمنا امة الانجيل معا بسيرة ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه، ومن آمن له من قومه، وهذه منك فقة 8 لا يد حضها 9 الا التوبة والاقرار بما سبق به الانكار.


1 – ايها – بالكسر منونا وغير منون – يقال تسكينا لمن استزاد في كلامه يراد بذلك كفه عن الكلام. 2 – يلقى (خ ل). 3 – بزز الرجل: فاق على اصحابه. 4 – ابكار الكلم، ابكارا لكلمه (خ ل). 5 – ار مقاما بذهكما بواحيه واهجر التسويف (خ ل). 6 – ونيت في الأمر: خففت. 7 – اطاع (خ ل). 8 – فهة: السقط. 9 – الدحض: غسل الثوب والجسد. (*)

[ 319 ]

فلما أتى على هذا الكلام صرف الى السيد وجهه فقال: لا سيف الا ذو نبوة ولا عليم الا ذو هفوة، فمن نزع عن وهلة واقلع فهو السعيد الرشيد، وانما الافة في الاصرار، واعرضت 1 بذكر نبيين يخلقان زعمت 2 بعد ابن البتول، فأين يذهب بك عما خلد في الصحف من ذكرى ذلك، ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في نبى اسرائيل، وقوله لهم: كيف بكم إذا ذهب بى الى أبى وأبيكم وخلف بعد أعصار يخلو من بعدى وبعدكم صادق وكاذب ؟ قالوا: ومن هما يا مسيح الله ؟، قال: نبى من ذرية اسماعيل عليهما السلام صادق ومتنبى ممن بنى اسرائيل كاذب، فالصادق منبعث منهما برحمة وملحمة، يكون له الملك والسلطان مادامت الدنيا، واما الكاذب، فله نبذ يذكر به المسيح الدجال، يملك فواقا 3 ثم يقتله الله بيدى إذا رجع بى. قال حارثة: واحذركم يا قوم ان يكون من قبلكم من اليهود اسوة لكم، انهم انذروا بمسيحين: مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال واقبلوا على انتظاره، واضربوا في الفتنة وركبوا نتجها 4، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم، والزمهم الذلة والصغار، وجعل منقلبهم الى النار. قال العاقب: فما أشعرك ياحار ان يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن 5 يثرب، ولعله ابن عمك صاحب اليمامة، فانه يذكر من النبوة ما يذكر منها اخو قريش، وكلاهما من ذرية اسماعيل ولجميعهما اتباع واصحاب، يشهدون بنبوته ويقرون له برسالته، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها ؟


1 – عرضته (خ ل). 2 – زعمته (خ ل). 3 – الفواق: مابين الحلبتين من الوقت، الزمن اليسير. 4 – نتج بمعنى نتج، ويقال إذا تكسب من عمله. 5 – قطن بمكان: اقام فيه.

[ 320 ]

قال حارثة: أجل والله أجدها، والله أكبر وأبعد مما بين السحاب والتراب، وهى الاسباب التى بها وبمثلها تثبيت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وانبيائه، واما صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما اخبركم به سفرائكم وغيركم والمنتجعة 1 منكم ارضه ومن قدم من أهل اليمامة عليكم، ألم يخبركم جميعا عن رواد 2 مسيلمة وسماعيه، ومن أوفده 3 صاحبهم 4 الى احمد بيثرب وبئارنا ثماد 6 ومياهنا ملحة، وكنا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب، فبصق في بعضها ومج 7 في بعض، فعادت عذابا محلولية وجاش 8 منها ماكان ماؤها ثمادا فحار 9 بحرا. قالوا: وتفل محمد في عيون رجال ذوى رمد وعلى كلوم 10 رجال ذوى جراح، فبرأت لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحاتهم فما ألموها في كثير مما ادوا، ونبؤوا عن محمد صلى الله عليه وآله من دلالة وآية، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك، فأنعم لهم كارها وأقبل بهم الى بعض بئارهم فمج فيها وكانت الركى معذوبة، فصارت ملحا لا يستطاع شرابه، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا 11 فعادت فلم تبض بقطرة من ماء، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت، وعلى جراح – أو قالوا: جراح آخر – فاكتسى جلده برصا. فقالوا لمسيلمة فيما ابصروا في ذلك منه واستبرؤوه، فقال: ويحكم بئس الامة انتم


1 – النجعة: طلب الكلام في موضعه، يقال: انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفا. 2 – الرواد: الجواسيس. 3 – أوفده: أرسله. 4 – أي مسيلمة. 5 – أي الانصار. 6 – الثماد: الماء لامادة له. 7 – مج من فمه: رمى به. 8 – جاش الوادي: كثر ماؤه. 9 – حار المكان بالماء: امتلأ. 10 – الكلوم: الجراحات. 11 – وشلا: قليل الماء.

[ 321 ]

لنبيكم والعشيرة لابن عمكم، انكم كلفتموني يا هؤلاء من قبل ان يوحى الى في شئ مما سألتم، والان فقد اذن لى في اجسادكم واشعاركم دون بئاركم ومياهكم، هذا لمن كان منكم بى مؤمنا، واما من كان مرتابا فانه لا يزيده تفلتي عليه الا بلاء، فمن شاء الان منكم فليأت لا تفل في عينه وعلى جلده، قالوا: ما فينا وابيك احد يشاء ذلك، انا نخاف ان يشمت بك اهل يثرب اضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم. فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما، وقالا: ما النور والظلام، والحق والباطل بأشد تباينا وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا وكذبا. قالوا: وكان العاقب احب مع ما تبين من ذلك ان يشيد ما فرط من تفريط مسيلمة ويؤهل منزلته، ليجعله لرسول الله صلى الله عليه وآله كفا، استظهارا بذلك في بقاء عزته وما طار له من السمو في أهل ملته، فقال: ولان فخر اخو بنى حنيفة 1 في زعمه ان الله عز وجل أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد بر 2 في ان نقل قومه من عبادة الأوثان الى الايمان بالرحمان. قال حارثه: انشدك بالله الذى دحاها 3 واشرق باسمه قمراها، هل تجد فيما انزل الله عز وجل في الكتب السالفة، يقول الله عز وجل: انا الله لا اله الا أنا، ديان يوم الدين أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريتى وأرضى كالنجوم الدرارى في سمائي، يهدون بوحيى وامري، من أطاعهم أطاعنى ومن عصاهم فقد عصاني، وانى لعنت وملائكتي في سمائي وارضى واللاعنون من خلقي من جحد ربوبيتي أو عدل بى شيئا من بريتى، أو كذب بأحد من أنبيائي ورسلي – أو قال: أوحى الى ولم يوح إليه شئ – أو غمص 4 سلطاني أو تقمصه 5 متبريا، أو أكمله عبادي وأضلهم عنى، الا وانما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي من خلقي، فمن


1 – يعنى المسيلة. 2 – بر: أحسن. 3 – أي دحى الأرض. 4 – غمص: احتقر ونقص. 5 – أي لبسه قميصا يعنى ادعاه بالباطل.

[ 322 ]

لم يقصد الى من السبيل التى نهجتها برسلى لم يزدد في عبادته منى الا بعدا. قال العاقب: رويدك 1 فاشهد لقد نبأت حقا، قال حارثة: فما دون الحق من مقنع وما بعده لامرى مفزع، ولذلك قلت الذى قلت، فاعترضه السيد وكان ذا محال 2 وجدال شديد، فقال: ما احرى 3 وما أرى أخا قريش 4 مرسلا الا الى قومه بنى اسماعيل دينه، وهو مع ذلك يزعم ان الله عز وجل ارسله الى الناس جميعا. قال حارثة: أفتعلم أنت يا ابا قرة ان محمدا مرسل من ربه الى قومه خاصة ؟ قال: أجل، قال: أتشهد له بذلك ؟ قال: ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد، نعم اشهد غير مرتاب بذلك، وبذلك شهدت له الصحف الدراسة والأنباء الخالية. فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبابته، قال السيد: ما يضحك يابن اثال ؟ قال: عجبت فضحكت، قال: أو عجب ما تسمع ؟ قال: نعم العجب أجمع، أليس بالاله بعجيب من رجل أوتى اثرة من علم وحكمة، يزعم ان الله عز وجل اصطفى لنبوته واختص برسالته وأيد بروحه وحكمته رجلا خراصا يكذب عليه ويقول: أوحى الى ولم يوح إليه، فيخلط كالكاهن كذبا بصدق وباطلا بحق. فارتدع السيد وعلم انه قد وهل 5 فأمسك محجوبا قالوا: وكان حارثة بنجران حثيثا 6، فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط الى السيد من قوله، فقال له: عليك 7 اخا بنى قيس بن ثعلبة، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستحم 8 لنا من مثابة سفهك، فرب كلمة (يرفع صاحبها بها رأسا، قد القته في قعر مظلمة، ورب كلمة لامت 9


1 – رويدك: أمهل. 2 – المحال الكيد والمكر. 3 – الاحرى: الأولى والأجدر. 4 – أي محمد صلى الله عليه وآله. 5 – وهل: فزع. 6 – حثيثا: غريبا – كذا في هامش الأصل. 7 – أي امسك. 8 – حم البئر والبيت: كبسها. 9 – لامت: اصلحت.

[ 323 ]

ورأبت قلوبا نغلة 1، فدع عنك ما يسبق الى القلوب انكاره، وان كان عندك ما يبين اعتذاره. ثم اعلم ان لكل شئ صورة، وصورة الانسان العقل، وصورة العقل الأدب، والأدب ادبان: طباعي ومرتاضى، فأفضلها ادب الله جل جلاله، ومن ادب الله سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه، لأنه الحبل بين الله وبين عباده، والسلطان اثنان: سلطان ملكة وقهر، وسلطان حكمة وشرع، فاعلاهما فوقا سلطان الحكمة قد ترى يا هذا ان الله عز وجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما وقواما على ملوك ملتنا من بعدهم من حشوتهم 2 واطرافهم، فاعرف لذى الحق حقه، ايها المرء وخلاك ذم 3 ثم قال: وذكرت اخا قريش وما جاء به من الايات والنذر، فأطلت وأعرضت ولقد برزت، فنحن بمحمد وبه جدا موقنون، شهدت لقد انتظمت له الايات والبينات، سالفها وآنفها، الا انه هي اشفاها 4 واشرفها، وانما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للجسد، فما حال جسد لا رأس له، فأمهل رويدا، نتجسس الاخبار ونعتبر الاثار ولنستشف ما الفينا مما افضى الينا، فان انسنا الاية الجامعة لديه، فنحن إليه أسرع وله اطوع، والا فاعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذى لا تفاوت في أمره ولا تغاير في حكمه. قال له حارثة: قد ناديت فاسمعت، وفزعت فصدعت، وسمعت واطعت، فما هذه الاية التى اوحش بعد الانسة فقدها، واعقب الشك بعد البينة عدمها، وقال له العاقب: قد اثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب وجاورتها فاطلت في غير ما طائل وحاورتنا 5، قال حارثة، الى ذلك فجلها الان لى فداك ألى وامى.


1 – نغلة: فاسدة. 2 – حشوتهم: رذالهم. 3 – أي اعذرت وسقط عنك الغم. 4 – اثفاها، اسفاها (خ ل). 5 – حاورتنا فاطلت في غير ما طائل وجوازنا (خ ل). (*)

[ 324 ]

قال العاقب: افلح من سلم للحق وصدع به ولم يرغب عنه وقد احاط به علما، فقد علمنا وعلمت من ابناء الكتب المستودعة علم القرون وما كان وما يكون، فانها استهلت بلسان كل امة منهم معربة مبشرة ومنذرة بأحمد النبي، العاقب الذى تطبق امته المشارق والمغارب يملك وشيعته من بعده ملكا مؤجلا يستأثر 1 مقتبلهم 2 ملكا على الاحم 3 منهم بذلك النبي وتباعة وسيما، ويوسع من بعدهم امتهم عدوانا وهضما، فيملكون بذلك سبتا 4 طويلا حتى لا يبقى تجزيرة العرب بيت الا وهو راغب إليهم أو راهب لهم. ثم بدال بعد لأى منهم ويشعث 5 سلطانهم حدا حدا وبيتا فبيتا، حتى تجيى امثال النعف 6 من الاقوام فيهم، ثم يملك أمرهم عليهم عبداؤهم وقنهم، يملكون جيلا فجيلا، يسيرون في الناس بالقعسرية 7 خبطا 8 خبطا، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا، فتنقص الأرض حينئذ من اطرافها ويشتد البلاء وتشتمل الافات حتى يكون الموت اعز من الحياة الحمراء 9، أو احب حينئذ الى احدهم من الحياة 10، وما ذلك الا لما يدهنون به من الضر والضراء والفتنة العشواء وقوام الدين يومئذ وزعماؤهم يومئذ اناس ليسوا من أهله، فمج 11 الدين بهم وتعفو آياته ويدبر توليا وامحاقا، فلا يبقى منه الا اسمه حتى ينعاه ناعيه والمؤمن يومئذ غريب والديانون قليل ماهم، حتى يستأنس الناس من روح الله وفرجه الا اقلهم، وتظن اقوام ان لن ينصر الله رسله ويحق وعده.


1 – الاستيثار: الاستبداد. 2 – اقتبل امره: استأنفه، اقتبل الخطبة: ارتجلها. 3 – أي اقربهم. 4 – سبتا: دهرا. 5 – يشعث: يتفرق. 6 – النعف: الدود الذى في انوف الابل والغنم. 7 – بالقهرية (خ ل)، اقول: القعسرية: الصلابة. 8 – الخبط: الجماعة. 9 – الحمراء: الشديدة. 10 – من الحبوة الى المعافاة السليم، حبوة التسليم (خ ل). 12 – فمج (خ ل).

[ 325 ]

فإذا بهم الشصائب 1 والنقم واخذ من جميعهم بالكظم تلافى الله دينه وراش 2 عباده من بعدما قنطوا برجل من ذرية نبيهم احمد ونجله، يأتي الله عز وجل به من حيث لا يشعرون، وتصلى عليه السماوات وسكانها وتفرح به الأرض وما عليها من سوام 3 وطائر وانام، وتخرج له امكم – يعنى الأرض – بركتها وزينتها وتلقى إليه كنوزها وافلاذ كبدها، حتى تعود كهيئتها على عهد آدم عليه السلام، وترفع عنهم المسكنة والعاهات في عهده والنقمات التى كانت تضرب بها الامم من قبل، وتلقى في البلاد الامنة وتنزع حمة كل ذات حمة، ومخلب كل ذى مخلب، وناب كل ذى ناب، حتى ان الجويرية اللكاع لتعب بالافعوان 4، فلا يضرها شيئا، وحتى يكون الاسد في الباقر 5 كأنه راعيها، والذئب في البهم 6 كأنه ربها. ويظهر الله عبده على الدين كله فيملك مقاليد الاقاليم الى بيضاء الصين 7، حتى لا يكون على عهده في الأرض أجمعها الا دين الله الحق ارتضاه لعباده وبعث به آدم بديع فطرته واحمد خاتم رسالته ومن بينهما من أنبيائه ورسله. فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال: اشهد بالله البديع يا ايها النبيه الخطير والعليم الأثير لقد ابتسم الحق بقلبك واشرق الجنان بعدل منطقك وتنزلت كتب الله التى جعلها نورا في بلاده وشاهدة على عباده بما اقتصصت من سطورها حقا، فلم يخالف طرس 8 منها طرسا ولا رسم من آياتها رسما فما بعد هذا. قال العاقب: فانك زعمت زعمة اخا قريش 9 فكنت بما تأثر من هذا حق غالط،


1 – الشصائب: الشدائد. 2 – أي أصلح. 3 – السوام: الوحوش. 4 – الافعوان: ذكور الأفاعى. 5 – الباقر: جماعة البقر. 6 – البهم: الولاد الضأن. 7 – بيضاء الصين: كورة بالمغرب. 8 – الطرس: الصحيفة. 9 – زعمت اخا قريش (خ ل).

[ 326 ]

قال: وبم، ألم تعترف له بنبوته ورسالته الشواهد ؟ قال العاقب: بلى لعمروالله ولكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله عز وجل وبين الساعة، اشتق اسم احدهما من صاحبه محمد واحمد، بشر بأولهما موسى عليه السلام وثانيهما عيسى عليه السلام، فأخو قريش هذا مرسل الى قومه ويقفوه من بعده، ذو الملك الشديد والأكل الطويل، يبعثه الله عز وجل خاتما للدين وحجة على الخلائق اجمعين، ثم تأتى من بعده فترة تتزايل فيها القواعد من مراسيها فيعيدها الله عز وجل ويظهره على الدين كله، فيملك هو والملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه الليل والنهار من أرض وجبل وبر وبحر، يرثون أرض الله عز وجل ملكا كما ورثهما أو ملكهما الابوان آدم ونوح عليهما السلام، يلقون وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة. فاولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد الله وبلاده الا بهم، وعليهم ينزل عيسى بن البكر عليه السلام على آخرهم، بعد مكث طويل وملك شديد، لا خير في العيش بعدهم، وتردفهم رجرجة 1 طغام 2 في مثل أحلام العصافير وعليهم يقوم الساعة، وانما تقوم على شرار الناس واخابثهم، فذلك الوعد الذى صلى 3 به الله عز وجل على أحدكما صلى به خليله ابراهيم عليه السلام في كثير مما لأحمد صلى الله عليه من البراهين والتأكيد الذى خبرت به كتب الله الاولى. قال حارثة: فمن الاثر المستقر عندك ابا واثلة في هذين الاسمين انهما لشخصين لنبيين مرسلين في عصرين مختلفين، قال العاقب: أجل، قال: فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ظن ؟ قال العاقب: كلا والمعبود ان هذا لاجلي من بوح 4، واشار له الى جرم الشمس المستدير، فاكب حارثة مطرقا وجعل ينكث في الارض عجبا، ثم قال: انما الافة ايها الزعيم المطاع ان يكون المال عند من يخزنه لامن ينفقه


1 – الرحرجة: من لا عقل له، الجماعة الكثيرة في الحرب. 2 – الطغام: رذال الناس. 3 – أي جعله صلة. 4 – بالياء والباء المضومة كلاهما اسم للشمس.

[ 327 ]

والسلاح عند من يتزين به لامن يقاتل به والرأى عند من يملكه 1 لامن ينصره. قال العاقب: لقد اسمعت يا حويرث فاقذعت 2 وطفقت فاقدمت فيه ؟ قال: 3 اقسم بالذى قامت به السماوات والارضون باذنه وغلبت الجبابرة بأمره انهما اسمان مشتقان لنفس واحدة، واحد لنبى وواحد رسول، واحد انذر به موسى بن عمران وبشر به عيسى بن مريم ومن قبلهما اشار به صحف ابراهيم عليه السلام، فتضاحك السيد، يرى قومه ومن حضرهم ان ضحكه هزؤ من حارثة وتعجب وانتشط العاقب من ذلك، فأقبل على حارثة مؤنبا 4، فقال: لا يغررك باطل أبى قرة فانه وان ضحك لك فانما يضحك منك. قال حارثة: لئن فعلها لأنها لاحدى الدهارس 5 أو سوء أفلم تتعرفا راجع الله بكما من موروث الحكمة لا ينبغى للحكيم ان يكون عباسا في غير ادب ولا ضحاكا في غير عجب أو لم يبلغكما عن سيد كما المسيح عليه السلام، قال: فضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكره ألهته عما في غده. قال السيد: يا حارثة انه لا يعيش والله احد بعقله حتى يعيش بظنه 6، وإذا أنا لم أعلم الا ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك انت عن سيدنا المسيح علينا سلامه ان لله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربهم وبكوا سرا من خفية ربهم ؟ قال: إذا كان هذا فنعم، قال: فماهنا فليكن مراجم ظنونك بعباد ربك، وعدبنا الى ما نحن بسبيله، فقد طال التنازع والخصام بيننا يا حارثة، قالوا: وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم.


1 – يهلكه (خ ل). 2 – اقذعه: رماه بافحش وسوء القول. 3 – يعنى حارثة. 4 – انبه: عنفه ولامه. 5 – دهرس: الداهية والحنفة والنشاط. 6 – أي التعيش بالظنون الفاسدة اكثر من التعيش بالعقل، وهذا كناية ان هكذا الكلام صادر من الظن الفاسد، ومراده ان ضحكه لم يكن عبثا.

[ 328 ]

فقال السيد: يا حارثة ألم ينبؤك أبو واثلة بأفضح لفظ اخترق 1 اذنا ودعا ذلك بمثله مخبرا، فالقاك مع غرمانك 2 بموارده حجرا وهاجما أنا ذا آكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث، فانشهدك الله وما أنزل الى كلمته من كلماته، هل تجد في الزجرة المنقولة من لسان اهل سوريا الى لسان العرب يعنى صحيفة شمعون بن حمون الصفا التى توارثها عنه اهل النجران ؟ قال اسيد: ألم يقل بعد نبذ طويل من كلام فإذا طبقت وقطعت الارحام وعفت 3 الاعلام بعث الله عبده الفارقليطا بالرحمة والمعدلة، قالوا: وما الفار قليطا يا مسيح الله ؟ قال: احمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذى يصلى عليه حيا ويصلى عليه بعدما يقبضه إليه بابنه الطاهر الخاير، ينشره الله في آخر الزمان بعدما انقضت 5 عرى الدين وخبت مصابيح الناموس، وافلت 6 نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح الا امما حتى يعود الدين به كما بدء، ويقر الله عز وجل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه وينشر منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب. قال حارثة: كلما قد انشدتما حق لا وحشة مع الحق ولا انس في غيره، فمه ؟ قال السيد: فان من الحق ان لا حظ في هذه الا كرومة للابتر، قال حارثة: انه لكذلك أليس بمحمد ؟ قال السيد: انك ما عملت الا لدا 7 ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا فيما تجسسنا من خبره ان ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا 8 وغودر 9 محمد كقرن الاغصب 10 موف


1 – احرق (خ ل). 2 – عرفائك (خ ل). 3 – علقت (خ ل). 4 – يا روح الله (خ ل). 5 – انغمضت، انفصمت (خ ل). 6 – فافلقت (خ ل). 7 – لدا: خصومته شديدة. 8 – بادا: هلكا. 9 – غودر: ترك. 10 – أي غنم مكسور القرن. (*)

[ 329 ]

على ضريحه 1، فلو كان له بقية كان لك بذلك مقالا إذا ولت انباؤه الذى تذكر. قال حارثة: العبر لعمرو الله كثيرة والاعتبار بها قليل، والدليل موف على سنن السبيل ان لم يعش عنه ناظر وكما ان ابصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها 2، فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها، الا ومن كان كذلك فلستماه – واشار الى السيد والعاقب – انكما ويمين الله لمحجوجان بما أتاكما الله عزوجل من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنز لة في الناس، فقد جعل الله عز وجل من أتاه سلطانا ملوكا للناس واربابا وجعلكما حكما وقواما على ملوك ملتنا وذادة 3 لهم يفزعون اليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم وتامرانهم فيأتمرون لكما وحق لكل ملك أو مؤطأ الاكناف ان يتواضع لله عز وجل إذ رفعه، وان ينصح لله عز وجل في عباده ولا يدهن في امره وذكرتما محمدا بما حكمت له بالشهادات الصادقة وبينة فيه الاسفار المستحفظة، ورأيتماه مع ذلك مرسلا الى قومه لا الى الناس جميعا وان ليس بالخاتم الحاشر 4 ولا الوارث العاقب النكما زعمتماه ابترأ ليس كذلك ؟ قالا: نعم. قال: أرأيتكما لو كان به بقية وعقب هل كنتما ممتريان لما تجدان وبما تكذبان 5 من الواراثة والظهور على النواميس انه النبي الخاتم والمرسل الى كافة البشر ؟ قالا: لا، قال: أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللوائم والخصائم عندكما مستقرا ؟ قالا: أجل، قال: الله أكبر، قالا: كبرت كبيرا فما دعاك الى ذلك ؟ قال حارثة: الحق أبلج والباطل لجلج، ولنقل ماء البحر ولشق الضحر أهون من اماتة ما أحياه الله عزوجل واحياء ما أماته الان، فاعلما ان محمدا غير أبتر وانه الخاتم الوارث والعاقب الحاشر حقا، فلا نبى بعده وعلى امته تقوم الساعة، ويرث الله الأرض ومن عليها وان من ذريته الأمير الصالح


1 – موف على ضريحه: مشرف على الموت. 2 – بسقمها (خ ل). 3 – زادة (خ ل)، ذاده: منعه. 4 – الحاشر من اسماء النبي صلى الله عليه وآله لانه يحشر الناس ممن على دينه خلفه. 5 – تمتريان لما تجدان وبما تذكران (خ ل).

[ 330 ]

الذى بينتما ونبأتما انه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره الله عز وجل بالحنيفة الابراهيمية على النواميس كلها ؟ قالا: اولى لك يا حارثة لقد اغفلناك 1 وتأبى الا مراوغة كالثعالبة فما تسأم المنازعة ولا تمل من المراجعة، ولقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك به ؟ قال: اما وجدكما لانبئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفى به جوى 2 الصدور. ثم أقبل على أبى حارثة حصين بن علقمة شيخهم واسقفهم الأول، فقال: ان رأيت أيها الاب الاثير ان تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا باحضار الجامعة والزاجرة، قالوا: وكان هذا المجلس الرابع من اليوم وذلك لما خلقت 3 الأرض وركدت الشمس وفى زمن قيظ 4 شديد، فاقبلا على حارثة، فقالا: ارج هذا الى غد فقد بلغت القلوب منا الصدور فتفرقوا على احضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراان منهما. فلما كان من الغد صار أهل نجران الى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبينه من الجامعة، ولما رأى السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما 5 لعلمها 6 بصوا قول حارثة واعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس وكانا من شياطين الانس. فقال السيد: انك قد أكثرت وأمللت قض الحديث لنا مع قصه 7 ودعنا من تبينانه، فقال حارثة: وهل هذا الا منك وصاحبك، فمن الان فقولا ما شئتما، فقال العاقب: مامن مقال الاقلنا وسنعود فنخبر بعض ذلك تخبيرا غير كاتمين لله عز وجل من حجة ولا جاحدين له آية ولا مفترين مع ذلك على الله عزوجل لعبد انه مرسل منه وليس


1 – اغفلني فلان: اعيانى أمره. 2 – الجوى: الضيق الصدر. 3 – تخليق الشمس: ارتفاعها. 4 – قاظ اليوم: اشتد حرها. 5 – قطع بفلان: عجز عن سفره من نفقة الذهاب أو فات راحلته. 6 – بعلمهما (خ ل). 7 – فض عنا: تترك الكلام، قض عنا: من قض الجناح انقطع الحديث والكلام.

[ 331 ]

برسوله، فنحن نعترف يا هذا بمحمد صلى الله عليه وآله انه رسول من الله عزوجل الى قومه من بنى اسماعيل عليهم السلام في غير ان تجب له بذلك على غيرهم من عرب الناس ولا اعاجهم تباعة ولا طاعة بخروج له عن ملة ولا دخول معه في ملة الا الاقرار له بالنبوة والرسالة الى اعيان قومه ودينه. قال حارثة: وبم شهدتما له بالنبوة والأمر ؟ قالا: حيث جائتنا فيه البينة من تباشير الأناجيل والكتب الخالية، فقال: منذ وجب هذا لمحمد صلى الله عليه وآله عليكما في طويل الكلام وقصيره وبدئه وعوده، فمن أين زعمتها انه ليس بالوارث الحاشر ولا المرسل الى كافة البشر ؟ قالا: لقد علمت وعلمنا فمانترى بان حجة الله عزوجل لم ينته 1 أمرها وآنهاكلمة الله 2 جارية في الاعقاب مااعتقب الليل والنهار وما بقى من الناس شخصان وقد ظننا من قبل ان محمدا صلى الله عليه وآله ربها وانه القائد بزمامها، فلما اعقمه وجل الباقية ونبيه الخاتم بشهادة كتب الله عزوجل المنزلة ليس بأبتر، فإذا هو نبى يأتي ويخلد بعد محمد صلى الله عليه وآله اشتق اسمه من اسم محمد وهو احمد الذى نبأ المسيح عليه السلام باسمه وبنبوته ورسالاته الخاتمة ويملك ابنه القاهرة الجامعة للناس جميعا على ناموس الله عزو جل الأعظم ليس بمظهرة دينه ولكنه من ذريته وعقبه يملك قرى الأرض وما بينهما من لوب 3 وسهل وصخر وبحر ملكا مورثا موطا 4 وهذا نبأ احاطت سفرة الاناجيل 5 به علما وقد أوسعناك بهذا القيل سمعا وعدنا لك به انفة بعد سالفة فما اربك 6 الى تكراره.


1 – لن ينتهى (خ ل). 2 – كلمة لله (خ ل). 3 – لوب – جمع لابه، هو الحرة من الأرض ذات أجمر سود. 4 – موطا: مهيا. 5 – سفرة الاناجيل: كتب الأناجيل. 6 – اربك: حاجتك.

[ 332 ]

قال حارثة: قد اعلم انا واياكما في رجع من القول منذ 1 ثلاث وما ذاك الا ليذكر ناس ويرجع فارط 2 وتظهر لنا الكلم 3 وذكرتما نبيين يبعثان يعتقبان بين مسيح الله عز وجل والساعة قلتما وكلاهما من بنى اسماعيل، أولهم محمد بيثرب وثانيهما احمد العاقب، واما محمد صلى الله عليه وآله اخو قريش هذا القاطن بيثرب فآياته حق مؤمن أجل وهو والمعبود احمد الذى نبأت به كتب الله عز وجل ودلت عليه آياته وهو حجة الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله الخاتم الوارث حقا ولا نبوة ولا رسول الله عزوجل ولا حجة بين ابن البتول والساعة غيره، بلى وم كان منه من ابنته البتولة البهلولة 4 الصديقة فامنتما 5 ببلاغ الله لكنكما من نبوة محمد صلى الله عليه وآله في أمر مستقر، ولولا انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به انه السابق العاقب ؟ قالا: أجل ان ذلك لمن أكبر اماراته عندنا. قال: فأتنما والله فيما تزعمان من نبى ثان من بعده في أمر ملتبس والجامعة يحكم في ذلك بيننا، فتنادى الناس من كل ناحية وقالوا: الجامعة يا ابا حارثة الجامعة، وذلك لما مسهم في طول تحاور الثلاثة من السأمة والملل، وظن القوم مع ذلك ان الفلج 6 لصاحبيهما لما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك، فأقبل أبو حارثة الى علج 7 واقف منه فقال: امض يا غلام فات بهما، فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتماسك بها الثقلها. قال: فحدثني رجل صدق من النجزانية ممن كان يلزم السيد والعاقب ويخف لهما في بعض امورهما ويطلع على كثير من شأنهما، قال: لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من


1 – منك (خ ل). 2 – فارط: مقصر. 3 – يطمئن لنا الكلم، تطهر لنا الكلام (خ ل). 4 – البهلولة (خ ل)، أقول: البهلول: السيد الجامع لكل خير. 5 – فانتما (خ ل). 6 – أفلج الله حجته: أظهرها. 7 – العلج: رجل من كفار عجم، قيل من مطلق الكفار.

[ 333 ]

السيد والعاقب كل مبلغ لعلمهما بما يهحمان عليه في تصفحهما من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وذكر أهل بيته وازواجه وذريته وما يحدث في امته واصحابه من بوائق الأمور من بعده الى فناء الدنيا وانقطاعها. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه، لقد شهدته اجسامنا وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا ولقل ما شهد سفهاء قوم مجمعة الا كانت لهم الغلبة، قال الاخر: فهم شر غالب لمن ان احدهم ليفيق بأدنى كلمة ويفسد في بعض ساعة مالا يستطيع الاسى الحليم له رتقا ولا الخولى 1 النفيس اصلاحا له في حول محرم له ذلك، لان السفيه هادم والحليم بان وشتان بين البناء والهدم. قال: فانتهز حارثة الفرصة فارسل في خيفة 2 وسر الى النفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم، فحضروا فلم يستطيع الرجلان فض ذلك المجلس ولا ارجاؤه، وذلك لما بينا من تطلع عامتها من نصارى نجران الى معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وانبعاث له مع حضور رسل رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك وتأليب 3 حارثة عليهما فيه وصفو 4 أبى حارثة شيخهم إليه. قال: قال لى ذلك الرجل النجرانى، فكان الرأى عندهما ان ينقادا لما يدهمهما من هذا الخطب ولا يظهران شماسا 5 منه ولا نفورا، حذار ان يطرقا الظنة فيه اليهما وان يكونا ايضا اول معتبر للجامعة ومستحث لهما لئلا يفتات 6 في شئ من ذك المقام والمنزلة عليهما ثم يستبين ان الصواب في الحال ويستنجد انه ليأخذان بموجبه فتقدما لما تقدم في أنفسهما من ذلك الى الجامعة وهى بين يدى أبى حارثة وحاذاهما حارثة بن اثال


1 – الخولى: الراعى الحسن القيان على المال. 2 – خفية (خ ل). 3 – التأليب: التحريض. 4 – الصفو: الميل. 5 – شماسا: منعا. 6 – يفتات: من الفت وهو التكسر والتفريق والانهدام.

[ 334 ]

وتطاولت اليهما فيه الاعناق، وحفت رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بهم، فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت الله عزو جل جلاله وما ذرء وما برء في ارضه وسمائه وما وصلهما جل جلاله من ذكر عالميه، وهى الصحيفة التى ورثها شيث من ابيه آدم عليه السلام عما دعا من الذكر المحفوظ. فقرء القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة تصلبا لما تنازعوا فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم مضجون 1 مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك، فألفوا في المسباح 2 الثاني من فواصلهما: بسم الله الرحمن الرحيم انا الله لا اله الا أنا الحى القيوم، معقب الدهور وفاصل الامور، سبقت بمشيتي الاسباب وذللت بقدرتي الصعاب، فانا العزيز الحكيم الرحمان الرحيم، ارحم ترحم، سبقت رحمتى غضبى وعفوي عقوبتي، خلقت عبادي لعبادتي وألزمتهم حجتى، الا انى باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي، ابرم ذلك من لدن اول مذكور من بشر الى احمد نبيى وخاتم رسلي، ذاك الذى اجعل عليه صلواتي واسلك في قلبه بركاتي وبه أكمل انبيائي ونذرى. قال آدم عليه السلام: الهى من هؤلاء الرسل ومن احمد هذا الذى رفعت وشرفت ؟ قال: كل من ذريتك واحمد عاقبهم، قال: رب بما أنت باعثهم ومرسلهم ؟ قال: بتوحيدي، ثم اقفى ذلك بثلثمائة وثلاثين شريعة، انظمها وأكملها لاحمد جميعا فاذنت لمن جاءني بشريعة منها مع الايمان بى وبرسلي ان ادخله الجنة، ثم ذكر ما جملته: ان الله تعالى عرض على آدم عليه السلام معرفة الانبياء عليهم السلام وذريتهم ونظرهم آدم. ثم قال ماهذا لفظه: ثم نظر آدم عليه السلام الى نور قد لمع فسد الجو المنخرق، فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب ثم سمى حتى بلغ ملكوت السماء، فنظر فإذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا الاكناف به قد


1 – مصيحون (خ ل). 2 – المصباح (خ ل).

[ 335 ]

تضوعت طيبا 1 وإذا انوار اربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وامامه اشبه شئ به ارجا 2 ونورا ويتلوها انوار من بعدها تستمد منها، وإذا هي شبيه بها في ضيا ئها وعظمها ونشرها، ثم دنت منها فتكللت 3 عليها وحفت بها ونظر، فإذا انوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب ودون منازل الاوائل جدا جدا، وبعض هذه اضوء من بعض وهى في ذلك متفاوتون جدا، ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كل وجهة وارب، فاقبلوا كذلك حتى ملؤوا القاع 4 والاكم 5 فإذا هم أقبح شئ صورا وهيئة وانتنه ريحا. فبهر 6 آدم عليه السلام ما رأى من ذلك وقال: يا عالم الغيوب وغافر الذنوب وياذا القدرة القاهرة والمشية الغالبة من هذا الخلق السعيد الذى كرمت ورفعت على العالمين ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له ؟ فأوحى الله عزو جل إليه: يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من اسعدت من خلقي، هؤلاء السابقون المقربون والشافعون المشفعون، وهذا احمد سيدهم وسيد بريتى، اخترته بعلمي واشتققت اسمه من اسمى، فانا المحمود وهو محمد، وهذا صنوه 7 ووصيه، آزرته به وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه، وهذه سيدة امائى والبقية في علمي من احمد نبيى، وهذان السبطان والخلفان لهم، وهذه الاعيان المضارع نورها انوارهم بقية منهم، الا ان كلا اصطفيت وطهرت وعلى كل باركت وترحمت، فكلا بعلمي جعلت قدوة عبادي ونور بلادي. ونظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح 8 كما يزهر كوكب الصبح لأهل


1 – ضوع المسك: انتشرت رائحته. 2 – ارجا: طيبا. 3 – تكللت: احاطت. 4 – القاع: المستوى من الأرض. 5 – الاكم: التلال. 6 – بهره: قهره. 7 – صنوه: اخوه. 8 – الصفيح: السماء ووجه كل شئ عريض.

[ 336 ]

الدنيا، فقال الله تبارك وتعالى: وبعبدي هذا السعيد افك عن عبادي الاغلال واضع عنهم الاصار 1 ارضى به حنانا ورأفة وعدلا كما مئلت من قبله قسوة وقشعرية وجورا. قال آدم عليه السلام: رب ان الكريم من كرمت وان الشريف من شرفت، وحق يا الهي لمن رفعت واعليت ان يكون كذلك، فياذا النعم التى لا تنقطع والاحسان الذى لا يجازى ولا ينفد، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك وعظيم فضلك وحبائك، وكذلك من كرمت من عبادك المرسلين ؟ قال الله تبارك وتعالى: انى أنا الله لا اله الا أنا الرحمان الرحيم العزيز الحكيم عالم الغيوب ومضمرات القلوب، اعلم ما لم يكن مما يكون كيف يكون، وما لا يكون كيف لو كان يكون، وانى اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي فلم أر فيهم اطوع لى ولا انصح لخلقي من انبيائي ورسلي، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي والزمتهم عبء حجتى واصطفيتهم على البرايا برسالتى وولى، ثم القيت بمكانتهم تلك في منازلهم حوامهم 2 واوصيائهم من بعدى ودائع حجتى والسادة في بريتى، لأجبر بهم كسر عبادي واقيم بهم اودهم ذلك، انى بهم وبقلوبهم لطيف خبير، ثم اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي، فلم اجد فيهم اطوع ولا انصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي، فاخترته على علم ورفعت ذكره الى ذكرى، ثم وجدت قلوب حامته 3 اللاتى من بعده على صبغة قلبه فألحقهم به وجعلتهم ورثة كتابي ووحيى وأوكار حكمتي ونورى، وآليت 4 بى الا اعذب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي وجعل مودتهم ابدا. ثم امرهم أبو حارثة ان يصيروا الى صحيفة شيث الكبرى التى انتهى ميراثها الى ادريس النبي عليه السلام، قال: وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم، وهو الذى كتب


1 – الاصار: الذنوب. 2 – حوامهم: اقربائهم. 3 – حامته: أقربائه. 4 – آليت: حلفت.

[ 337 ]

به من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهاطلة 1 وهم النمادرة، قال: فاقتص القوم الصحيفة وافضوا منها الى هذا الرسم. قال: اجتمع الى ادريس عليه السلام قومه وصحابته، وهو يومئذ في بيت عبادته من ارض كوفان، فخبرهم فيما اقتص عليهم، قال: ان بنى ابيكم آدم عليه السلام الصلبية وبنى بنيه اختصموا فيما بينهم وقالوا: أي الخلق عندكم اكرم على الله عزوجل وارفع لديه مكانه واقرب منه منزلة ؟ فقال بعضهم: ابوكم آدم عليه السلام خلقه الله عز وجل بيده واسجد له ملائكته وجعله الخليفة في ارضه وسخر له جميع خلقه، وقال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عز وجل، وقال بعضهم: لا بل امين الله جبرئيل عليه السلام. فانطلقوا الى آدم عليه السلام فذكروا الذى قالوا واختلفوا فيه، فقال: يا بنى أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عزوجل، انه والله لما ان نفخ في الروح حتى استويت جالسا فبرق لى العرش العظيم، فنظرت فيه فإذا فيه: لا اله الا الله محمد رسول الله، فلان صفوة الله فلان امين الله فلان خيرة الله عزوجل، فذكر عدة اسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه وآله. قال آدم: ثم لم أر في السماء موضع اديم – أو قال: صفيح – منها، الا وفيه مكتوب: لا اله الا الله، وما من موضع مكتوب فيه: لا اله الا الله وفيه مكتوب خلقا لا خطا: محمد رسول الله، وما من موضع في مكتوب: محمد رسول الله، الا ومكتوب: فلان خيرة الله فلان صفوة الله فلان امين الله عزوجل، فذكر عدة اسماء تنتظم حساب المعدود، قال آدم عليه السلام: فمحمد صلى الله عليه وآله يا بنى ومن خط من تلك الأسماء معه اكرم الخلائق على الله تعالى جميعا. ثم ذكر ان ابا حارثة سأل السيد والعاقب ان يقفا على صلوات ابراهيم عليه السلام


1 – الهيطل – كحيدر – جنس من الترك والهند كانت لهم شوكة.

[ 338 ]

الذى جاء بها الاملاك من عند الله عزوجل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة، قال أبو حارثة: لا بل شارفوها 1 بأجمعها واسبروها 2، فانه أصرم 3 للمعذور وارفع لحكة 4 الصدور، وأجدر الا ترتابوا في الأمر من بعد، فلم يجد من المصير الى قوله من بد، فعمد القوم الى تابوت ابراهيم عليه السلام قال: وكان الله عزوجل بفضله على من يشاء من خلقه، قد اصطفى ابراهيم عليه بخلته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة واماما لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والامامة والكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن اول وورثه تابوت آدم عليه السلام المتضمن للحكمة والعلم الذى فضله الله عز وجل به على الملائكة طرا. فنظر ابراهيم عليه السلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوى العزم من الانبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه: هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر، فقال ابراهيم عليه السلام، الهى وسيدي من هذا الخلق الشريف ؟ فأوحى الله عزو جل: هذا عبدى وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا الوارث، قال: رب ما الفاتح الخاتم ؟ قال: هذا محمد خيرتي وبكر فطرني 5 وحجتي الكبرى في بريتى، نبئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد، ثم انى باعثه عند انقطاع الزمان لتكلمة دينى وخاتم به رسالاتي ونذرى، وهذا على اخوه وصديقه الأكبر، آخيت بينهما واخترتهما وصليت وباركت عليهما وطهرتهما واخلصتهما والابرار منهما وذريتهما قبل ان اخلق سمائي وارضى وما فيهما من خلقي، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انى بعبادي عليهم خبير. قال: ونظر ابراهيم عليه السلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ اشكالهم لحسنهما 6 نورا،


1 – شارفه وعليه: اطلع من فوقه. 2 – السبر: امتحان غور الشئ. 3 – اصرم: اقطع. 4 – لحسكة (خ ل)، أقول: حكة الصدر: خلجان الشبهة فيها، الحسكة: نبات تعلق ثمرته بالصوف، والحقد والعداوة. 5 – بكر فطرتي: اول خلقي. 6 – بحسنها (خ ل).

[ 339 ]

فسأل ربه عزوجل وتعالى فقال: رب نبئنى بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد ووصيه وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه عليهم السلام، فأوحى الله عزوجل إليه: هذه امتى والبقية من بنيى فاطمة الصديقة الزهراء وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيى، هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان وهذا كلمتي التى انشر به رحمتى في بلادي وبه انتاش دينى وعبادي ذلك بعد اياس منهم وقنوط منهم من غياثي، فإذا ذكرت محمدا نبيى لصلواتك فصل عليهم معه يا ابراهيم 1. قال: فعندها صلى عليهم ابراهيم عليه السلام فقال: رب صل على محمد وآل محمد كما اجتبيتهم واخلصتهم اخلاصا، فأوحى الله عز وجل لتهنك كرامتي وفضلي عليك فانى صائر بسلالة محمد صلى الله عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم الى قناة 2 صلبك ومخرجهم منك ثم من بكرك 3 اسماعيل عليه السلام، فابشر يا ابراهيم فانى واصل صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحمي عليك وعليهم وجاعل حناني 4 وحجتي الى الأمد المعدود واليوم الموعود الذى ارث فيه سمائي وارضى وابعث له خلقي لفصل قضائي وافاضة رحمتى وعدلي. قال: فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما افضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة والصحف الدراسة من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفة اهل بيته المذكورين معه بما هم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك يقينا وايمانا واستطيروا 5 له فرحا. قال: ثم صار القوم الى ما نزل على موسى صلى الله عليه وآله فالفوا في السفر الثاني من التوراة انى باعث في الاميين من ولد اسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وابعثه


1 – معهم (خ ل). 2 – قناة: الظهر التى تنتظم الفقار. 3 – البكر: اول كل شئ وأول ولد الأبوين. 4 – الحنان: الرحمة والبركة. 5 – استطير: طير.

[ 340 ]

بالشريعة القيمة الى جميع خلقي، اوتيته حكمتي وايدته بملائكتي وجنودي يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لهما كاسماعيل واسحاق، اصلين لشعبتين عظيمتين اكثرهم جدا جدا، يكون منهم اثنى عشر فيما اكمل بمحمد صلى الله عليه وآله وبما ارسله به من بلاغ وحكمة دينى واختم به انبيائي ورسلي فعلى محمد صلى الله عليه وآله وامته تقوم الساعة. فقال حارثة: الان اسفر الصبح لذى عينين ووضح الحق لمن رضى به دينا، فهل في انفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا، فقال أبو حارثة: اعتبروا الامارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام فصار الى الكتب والاناجيل التى جاء بها عيسى عليه السلام، فالفوا في المفتاح الرابع من الوحى الى المسيح عليه السلام: يا عيسى بن الطاهرة البتول اسمع قولى وجد في أمرى، انى خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين، فاياى فاعبد وعلى فتوكل، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل سوريا واخبره انى أنا الله لا اله الا أنا الحى القيوم الذى لا أحول ولا أزول، فآمنوا بى وبرسولي النبي الامي الذى يكون في آخر الزمان نبى الرحمة والملحمة الاول والاخر، قال: اول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا، ذلك العاقب الحاشر فبشر به بنى اسرائيل. قال عيسى عليه السلام: يا مالك الدهور وعلام الغيوب من هذا العبد الصالح الذى قد احبه قلبى ولم تره عينى، قال: ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلى يوافق قوله فعله وسريرته علانيته انزل عليه توراة 1 حديثة، افتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب وطوباه طوبى امته. قال: رب ما اسمه وعلامته وما أكمل امته – يقول: ملك امته 2 – وهل له من بقية – يعنى ذرية ؟ قال: سأنبئك بما سألت، اسمه احمد صلى الله عليه وآله منتخب من ذرية ابراهيم ومصطفى من سلالة اسماعيل عليه السلام، ذو الوجه الاقمر والجبين الأزهر راكب الجمل، تنام عيناه ولا ينام قلبه، يبعثه الله في امة امية ما بقى الليل والنهار مولده


1 – نورا (خ ل). 2 – أي المراد من أكل امته ملك امته.

[ 341 ]

في بلد ابيه اسماعيل – يعنى مكة – كثير الازواح قليل الاولاد نسله من مباركة صديقة، يكون له منها ابنة، لها فرحان سيدان يستشهدان، اجعل نسل احمد منهما، فطوباهما ولمن احبهما وشهد ايامهما فنصرهما. قال عيسى عليه السلام، الهى وما طوبى ؟ قال: شجرة في الجنة ساقها واغصانها من ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الابكار، احلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من تسنيم لو ان غرابا طار وهو فرخ لا دركه الهرم من قبل ان يقطعها، وليس منزل من منازل اهل الجنة الا وظلاله 1 فنن 2 من تلك الشجرة، قال: فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عز وجل الى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وملك امته وذكر ذريته واهل بيته، امسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك. قال: فلما فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه بينوه في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قدروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا 3 على الناس في تأويلهما امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انهما قد اخطأ سبيل الصواب فصار الى معبدهم 4 آسفين 5 لينظرا ويرتئيا 6، وفزع اليهما نصارى نجران، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما، فقالا: ما معناه تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير الى بنى قريش الى يثرب وننظر الى ما جاء به والى ما يدعوا إليه. قال: فلما تجهز السيد والعاقب للمسير الى رسول الله بالمدينة انتدب 7 معهما اربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من اكابرهم فضلا وعلما في انفسهم وسبعون رجلا


1 – فظلاله (خ ل). 2 – الفنن: الاغصان. 3 – ان يلبسا (خ ل). 4 – بيعتهم (خ ل). 5 – الاسف: اشد الحزن. 6 – ارتأى: افتعال من الرأى. 7 – ندبه الأمر فانتدب له: دعاه فأجابه. (*)

[ 342 ]

من اشراف بنى الحارث بن كعب وسادتهم، قال: وكان قيس بن الحصين ذو الغصة ويزيد بن عبدالمدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على بقية مسير قومهم فشخصا معهم، فاغترز 1 القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم واقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة، قال: ولما استرات 2 رسول الله صلى الله عليه وآله خبر اصحابه انفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة امرهم، فالفوهم وهم عامدون الى رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: ولما دنوا من المدينة احب السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين واهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم، فقالا: لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الارض فالقيتم عنكم تفثكم 3 وثياب سفركم، وشننتم 4 عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا 5 من شعثهم والقوا عنهم ثياب بذلتم 6 ولبسوا ثياب صونهم من الاتحميات 7 والحرير، وذروا 8 المسك في لممهم 9 ومفارقهم، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج 10 خيلهم واقبلوا يسيرون رذقا 11 واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا واتمهم اجساما وخلقا. فلما تشرفهم الناس اقبلوا نحوهم فقالوا: ما رأينا وفدا اجمل من هؤلاء، فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده وحانت 12 وقت صلاتهم، فقاموا


(1) اغترز القوم: ركب القوم. 2 – الاسترائة: الاستبطاء. 3 – التفث: الشعث والكثافات. 4 – شن الماء: صبه وفرقه. 5 – اماط: أبعد. 6 – البذلة: مالا يصان من الثياب. 7 – الاتحمية: نوع من البرد. 8 – ذر الملح والطيب: نثره وفرقه. 9 – اللم جمع اللمة، وهو الشعر يجاوز شحمة الاذن. 11 – الرزدق: الصف من الناس. 12 – حانت: قربت.

[ 343 ]

يصلون الى المشرق، فاراد الناس ان ينهوهم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم امهلهم وامهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا الى هديه ويعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته. فلما كان بعد ثالثة دعاهم صلى الله عليه وآله الى الاسلام فقالوا: يا ابا القاسم ما اخبرتنا كتب الله عزوجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام الا وقد تعرفناه فيك الا خلة هي اعظم الخلال آية ومنزلة واجلاها امارة ودلالة. قال صلى الله عليه وآله: وما هي ؟ قالوا: انا نجد في الانجيل من صفة النبي الغابر 1 من بعد المسيح انه يصدق به ويؤمن به وانت تسبه وتكذب به وتزعم انه عبد، قال: فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبى صلى الله عليه وآله الا في عيسى عليه السلام. فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا، بل اصدقه واصدق به وأؤمن به واشهد انه النبي المرسل من ربه عز وجل واقول: انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، قالوا: وهل يستطيع العبد ان يفعل ماكان يفعل وهل جائت الانبياء بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيى الموتى ويبرى الأكمه والابرص وينبئهم بما يكنون 2 في صدورهم وما يدخرون في بيوتهم، فهل يستطيع هذا الا الله عزو جل أو ابن الله، وقالوا في الغلو فيه واكثروا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ؟ فقال صلى الله عليه وآله: قد كان عيسى اخى كما قلتم يحيى الموتى ويبرى الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدخرون في بيوتهم، وكل ذلك باذن الله عز وجل وهو لله عز وجل عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وامشاجا 3 يأكل الطعام ويظمى وينصب باربه 4 وربه


1 – الغابر: الماضي والباقى. 2 – كننت الشئ: استرته، واكننته في نفس: اسررته. 3 – المشاج: الاخلاط. 4 – ينصب باربه: يتعقب بسبب حاجته، ويمكن ان يكون كناية عن الذهاب الى الخلاء.

[ 344 ]

الاحد الحق الذى ليس كمثله شئ وليس له ند، فارنا مثله من جاء من غير فحل ولا اب ؟ قال: هذا آدم عليه السلام اعجب منه خلقا، جاء من غير اب ولا ام وليس شئ من الخلق بأهون على الله عزوجل في قدرته من شئ ولا اصعب، (انما أمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون) 1، وتلا عليهم: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) 2، قالا: فما نزداد منك في امر صاحبنا الا تباينا وهذا الأمر الذى لانقر لك فهلم فلنلاعنك اينا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فانها مثلة وآية معجلة. فأنزل الله عز وجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله: (فمن حاجك فيه بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابناءكم ونساءكم وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) 3، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه في ذلك من القرآن، فقال صلى الله عليه وآله: ان الله قد امرني اصير الى ملتمسكم وامرني بمباهلتكم ان اقمتم واصررتم على قولكم، قالا: وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غدا باهلناك. ثم قاما واصحابهما من النصارى معهما فلما ابعدا وقد كانوا انزلوا بالحرة 4 اقبل بعضهم على بعض فقالوا: قد جاءكم هذا بالفصل من امره وامركم فانظروا اولا بمن يباهلكم ابكافة اتباعه، أم بأهل الكتاب من اصحابه، أو بذوى التخشع والتمسك 5 والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا، فان جاءكم بالكثرة وذوى الشدة منهم، فانما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك، فالفج 6 إذا لكم دونه، وان اتاكم بنفر قليل من


1 – يس: 82. 2 – آل عمران: 59. 3 – آل عمران: 61. 4 – الحرة: موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبين المدينة والعتيق وقبلي المدينة. 5 – الامساك: عند الرهبان التقتير في العيش والامتناع عن بعض الماكل تنسكا وتعبد ا. 6 – أفلج الله حجته: اظهرها.

[ 345 ]

ذوى تخشع، فهؤلاء سجية الانبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم، فاياكم والاقدام إذا على مباهلتهم، فهذه لكم امارة، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه، فقد اعذار من انذر. فامر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح 1 ما بينهما، وامهل حتى إذا كان من الغد امر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين، فلما ابصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بنى الحرث بن الكعب في احسن هيئة، واقبل الناس من اهل المدينة مز المهاجرين والانصار وغير هم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم والويتهم واحسن شارتهم 2 وهيئتهم، لينظروا ما يكون من الأمر. ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرته حتى متع 3 النهار، ثم خرج آخذا بيد على والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم السلام من خلفهم، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التى خرج بها من حجرته، فأرسل اليهما يدعوهما الى ما دعاه إليه من المباهلة. فاقبلا إليه فقالا: بمن تباهلنا يا ابا القاسم ؟ قال: بخير اهل الأرض واكرمهم على الله عزوجل، بهؤلاء واشار لهما الى على وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولامن الكثر ولا اهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك، وما نرى هاهنا معك الا هذا الشاب المرأة والصبيين، أفبهؤلاء تباهلنا ؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم، أو لم أخبركم بذلك آنفا، نعم بهؤلاء امرت والذى بعثنى بالحق ان اباهلكم. فاصفارت حينئذ ألوانهما وكرا وعادا الى أصحابنا وموقفهما، فلما رأى اصحابهما ما بهما وما دخلهما، قالوا: ما خطبكما ؟ فتماسكا، وقالا ماكان ثمة من خطب، فنخبركم


1 – كسح: كنس. 2 – الشارة: اللباس والهيئة. 3 – متع النهار: ارتفع.

[ 346 ]

وأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتى فيهم علما، فقال: ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فوالله انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق وانما عهدكم باخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير، فعلموا انه قد نصح لهم فأمسكوا. قال: وكان للمنذرين علقمة اخى اسقفهم أبى حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحا 1 عن نجران في وقت تنازعهم، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة الى رسول الله صلى الله عليه وآله، فشخص معهم، فلما رأى المنذر انتشار امر القوم يومئذ وترددهم في رأيهم اخذ بيد السيد والعاقب على اصحابه فقال: اخلوني وهذين، فاعتزل بهما. ثم أقبل عليهما فقال: ان الرائد 2 لا يكذب أهله وأنا لكما جد شفيق، فان نظرتما لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما، قالا: انت الناصح حبيبا 3 المأمون عيبا فهات، قال: أتعلمان انه ما باهل يوم نبيا قط الا كان مهلكم ان محمدا ابا القاسم هذا هو الرسول الذى بشرت به الانبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم واهل بيتهم الامناء، واخرى انذركما بها فلا تعشوا عنها، قالا: وما هي يا ابا المثنا ؟ قال: انظرا الى النجم قد استطلع الى الأرض والى خشوع الشجر وتساقط الطير بازائكما 5 لوجوههما قد نشرت على الأرض اجتحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عز وجل من تبعة، ليس ذلك الا ما قد اظل من العذاب وانظر الى اقشعرار الجبال والى الدخان المنتشر وقزع 6 السحاب، هذا ونحن في حمارة 7 القيظ وابان الهجير 8، وانظروا


1 – نازحا: بعيدا. 2 – الرائد: الجاسوس. 3 – رجل ناصح الحبيب: امين. 4 – ارب: عقل وصار بصيرا. 5 – بارائكما (خ ل). 6 – القزع: قطع من السحاب رقيقة. 7 – حمارة القيظ: شدته. 8 – الهجير والهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر.

[ 347 ]

الى محمد صلى الله عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه انما ينتظر ماتحبيبان به، ثم اعلموا انه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع الى اهل ولامال. فنظرا فابصرا امرا عظيما فايقنا انه الحق من الله تعالى، فزلزت اقدامها وكادت ان تطيش عقولهما واستعشرا ان العذاب واقع بهما، فلما ابصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما: انكما ان اسلمتها له سلمتها في عاجله وآجله وان آثرتما دينكما وغضارة 1 ملتكما وشححتما 2 بمنزلتكم من الشرف في قومكما، فلست احجر 3 عليكما الضنين 4 بما نلتما من ذلك، ولكنكما بدهتما 5 محمدا صلى الله عليه وآله بتطلب المباهلة وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران، وذلك من تاليكما 6، فأسرع محمد صلى الله عليه وآله الى ما بغيتما منه والانبياء إذا اظهرت بامر لم نرجع الا بقضائه وفعله، فإذ نكلتما 7 عن ذلك واذ هلتكما مخافة ماتريان فالحظ في النكول لكما، فالوحا 8 يا اخوتى الوحا صالحا محمدا صلى الله عليه وآله وارضياه ولا ترجيا 9 ذلك، فانكما وانا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب. قالا: فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذى تلقى محمدا صلى الله عليه وآله بكفالة ما يبتغيه 10 لدينا والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذى يبرم الأمر بيننا وبينه، فانه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئن به ما ترجع الينا به. وانطلق المنذر الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يارسول الله


1 – الغضارة: طيب العيش. 2 – الشح: البخل مع حرص. 3 – احجر: امنع. 4 – الضن: البخل. 5 – بدهه بأمر: استقبله به. 6 – التالى: التقصير والحلف. 7 – نكله عن الشئ: صرفه. 8 – الوحى: السرعة، الوحا الوحا: البدار البدار. 9 – برجيا: تؤخرا. 10 – ابتغى الشئ: طلبه.

[ 348 ]

اشهد ان لا اله الا الله الذى ابتعثك وانك وعيسى عبدان لله عز وجل مرسلان، فأسلم وبلغه ما جاء له، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام مصالحة القوم، فقال على عليه السلام: بأبى أنت على ما أصحالهم ؟ فقال له: رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم معه رأيى، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجا في كل عام يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب. فصار على عليه السلام بهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله ذليلين صاغرين واخبره بما صالحهما عليه واقرا له بالخرج والصغار، فقال له رسول صلى الله عليه وآله: قد قبلت ذلك منكم اما انكم لو باهلتمونى بمن تحت الكساء لأضرم 1 الله عليكم الوادي نارا تأجج 2 ثم لساقها الله عز وجل الى من ورائكم في أسرع من طرف العين، فحرقهم تأججا. فلما رجع النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته وصار الى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول: ان عبدى موسى عليه السلام باهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن آزره من قومه، وبعزتي أقسم وبجلالي، يا احمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا 3 والجبال زبرا ولساخت 4 الأرض فلم تستقر ابدا، الا ان اشاء ذلك. فسجد النبي صلى الله عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين للناس عفرة ابطيه 5 فقال: شكرا للمنعم – قالها ثلاثا، فسئل النبي صلى الله عليه وآله عن سجدتته ومما رأى من تباشير السرور في وجهه، فقال: شكرا لله عز وجل لما ابلانى من الكرامة في اهل بيتى، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام.


1 – ضرم النار: اشتعل. 2 – تأجج النار: اشتد حرها. 3 – الكسف: القطع، وكذا الزبر. 4 – ساخت قوائمه في الأرض: دخلت وغابت. 5 – العفرة: البياض ليس بالشديد.

[ 349 ]

فصل (2) فيما نذكره من زيادة في فضل أهل المباهلة والسعادة اعلم ان شهادة اهل الخلاف لأهل المباهلة بشرف الأوصاف، مع ما يعاملونهم به من الانحراف أبلغ من شهادة شيعتهم وأظهر في أنوار حجتهم. فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة ان الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله على وفاطمة والحسن والحسين 1. ورواه أيضا الثعلبي ومقاتل والكلبي والحافظ ابن مردويه وعبد الله بن عباس وجابربن عبد الله الأنصاري والحسن البصري والشعبى والسدى وغيرهم ممن لا يحضرني ذكر اسمائهم 2. ورواه ايضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم ونساءكم ونساءنا ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين.) 3. فقال الزمخشري ماهذا لفظه: انه لما دعاهم الى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولانبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فان أبيتم الا ألف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا. فاتوا رسول الله عليه وآله وقد غدا محتضنا للحسين، آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشى خلفه، وعلى خلفهما، وهو يقول: إذ أنا دعوت فامنوا، فقال اسقف


1 – صحيح مسلم 4: 1871. 2 – ذخائر العقبى: 25، الجامع للترمذي: 4: 82، المستدرك للحاكم 3: 150، المسند لاحمد بن حنبل 1: 185، العمدة: 95 عن تفسير الثعلبي، التفسير لفخر الرازي 8: 85، المناقب لابن المغازلى: 263، در المنثور 4: 38. 3 – آل عمران: 61.

[ 350 ]

نجران: يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا عن مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولم يبق على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا اننا لانباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا. قال: فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فانى أنا جزكم 1، فقالوا: مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخفينا ولا تردنا عن ديننا، على ان نؤدى اليك في كل عام ألفى حلة، ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد. فصالحهم على ذلك وقال: والذى نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولا ضطرم الوادي عليهم نارا، ولأستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا. وعن عائشة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط مرحل 2 من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم على، ثم قال: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) 3. فان قلت: كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرء على تعريض اعزته وافلاذ كبده، واحب الناس إليه بذلك، ولم ينتصر على تعرض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلكه مع احبته واعزته، هلاك الاستيصال، ان تمت المباهلة، وخص الابناء والنساء، لأنهم اعز الأهل والصقهم بالقلوب، وربما بدأهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق،


1 – ناجزه: بارزه وقاتله. 2 – المرط: كساء من صوف أو خز، المرحل – بالحاء المهملة – ما ينقش عليه صورة رحل الابل. 3 – الاحزاب: 33.

[ 351 ]

وقدمهم في الذكر على انفسهم، لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مقدمون بها، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل اصحاب الكساء عليهم السلام، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه لم يرو احد من موافق ولا مخالف انهم اجابوا الى ذلك – هذا آخر كلام الزمخشري.) 1. فصل (3) فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول اعلم ان يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن اشتمل على عدة آيات وكرامات: فمن آياته: انه كان اول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة، في هذه الملة الفاضلة، عند جحود حججه وبيناته. ومن آياته: انه اول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة، بالزام اهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته. ومن آياته: انه اول يوم احاطت فيه سرادقات القوة الالهية والقدرة النبوته، بمن كان يحتج عليه بالمعقول. ومن آياته: انه يوم الظهر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلو مقاماتهم. ومن آياته: انه يوم كشف الله جل جلاله لعباده، ان الحسن والحسين عليهما أفضل السلام، مع ما كانا عليه من صغر السن، احق بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.


1 – الكشاف 1: 368 – 370، عنه الطرائف: 43.

[ 352 ]

ومن آياته: انه يوم اظهر الله جل جلاله فيه ان ابنته المعظمة، فاطمة صلوات الله عليها، ارجح في مقام المباهلة، من اتباعه وذوى الصلاح من رجاله واهل عناياته. ومن آياته: انه يوم اظهر الله جل جلاله فيه ان مولانا على بن أبى طالب عليه السلام نفس رسول الله صلوات الله عليهما، وانه من معدن ذاته وصفاته، وان مراده من مراداته، وان افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته. ومن آياته: انه يوم وسم كل من تأخر عن مقام المباهلة بوسم، يقتضى انه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عز وجل ونشر علاماته. ومن آياته: انه يوم لم يجر مثله قبل الاسلام، فيما عرفنا من صحيح النقل ورواياته. ومن آياته: انه يوم اخرس السنة الدعوى وعرس في مجلس منطق الفتوى، بان اهل المباهلة اكرم على الله جل جلاله من كل من لم يصلح لما صلحوا له من المتقربين بطاعاته وعباداته. ومن آياته: ان يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين، الذين أمر الله جل جلاله باتباعهم في مقدس قرآنه وآياته. ومن آياته: ان يوم المباهلة ابلغ في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدي بالقرآن، وأظهر في الدلالة الذين تحداهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا: (لو نشاء لقلنا مثل هذا) 1، وان كان قولهم في مقام البهتان ويوم المباهلة، فما اقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلة لظهورهم حجته وعلاماته. ومن آياته: ان يوم المباهلة اطفأ الله به نار الحرب وصان وجوه المسلمين من الجهاد ومن الكرب، وخلصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس، وعتقها من رق الغزو والبؤس، لشرف اهل الموصوفين فيها بصفاته.


1 – الانفال: 31.

[ 353 ]

ومن آياته: ان البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن شرح كمال كراماته. فصل (4) فيما نذكره مما ينبغى ان يكون اهل المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم الله جل جلاله الشاملة اعلم ان يوم المباهلة اعظم مما اشرنا إليه، وانما ذكرنا من فضله بحسب ما دلنا الله جل جلاله عليه. وكن انت مفكرا في ان الله جل جلاله اختار لنا في الأزل، من غير وسيلة منا ولا فضيلة صدرت عنا، انورا تباهل بها جاحدين كفارا، وشموسا تكشف بنورها دعوى اليهود والنصارى، وتمحو آثار استمرار شرعهم وشموسهم، ويخسف ببدورها دعوى الجاهلية بعبادة اصنامهم وتخليطهم 1 بها من نحوسهم، وتخلع به خلع التشريف بالتكليف للتراب، ويحيى بهدايتها موات الألباب، وتعم لأجلها دوام نعيم دار الثواب، ويأتى بها الى نار، قد علا لهبها وسعيرها، وحروب قد اشتد كلبها 2 وزفيرها، فخفف بها عنا وعن سائر البشر هول ذلك الخطر والضرر، واطفاء شررها بمباهلة ساعة بأهل الطاعة، وقرب جموعها وهدم ربوعها، بثبوت اقدام ارباب المباهلة، ورايات اخلاصهم، وحمى حوزة الاسلام والمسلمين بتلك المباهلة الصادرة عن امر رب العالمين. فلهذا اليوم المباهلة من حق التشريف وتعظيم اهل المقام الشريف، وتخفيف المالك اللطيف، يقتضى ان يكون هذا اليوم من اعظم ايام البشارات واكرم ايام السعادات، معمور المجالس والمحافل بالثناء على الله جل جلاله، وذكر ما فيه من الفضائل، معروفا به جل جلاله حقوق ملوك اهل المباهلة وما دفع الله جل جلاله بهم من الأمور الهائلة، وما نفع بمباهلتهم في العاجلة والاجلة، وان يتوجه بهم فيه الى كشاف الكربات وواهب ألطاف الكرامات، فيما يكون العبد محتاجا إليه، وعلى قدر تعظيم اليوم المذكور وعزة أهله عليه.


1 – تخليطهم (خ ل). 2 – كلب الزمان: اشتد.

[ 354 ]

فصل (5) فيما نذكره من عمل يوم باهل الله فيه باهل السعادات وندب الى صوم أو صلوات أو دعوات روينا ذلك أبى الفرج محمد بن على بن أبى قرة، باسناده الى على بن محمد القمى رفعه في خبر المباهلة، وهى يوم اربع وعشرين من ذى الحجة، وقد قيل: يوم احدى وعشرين، وقيل: يوم سبعة وعشرين، واصح الروايات يوم اربعة وعشرين، والزيارة فيه قال: إذا اردت ذلك فابدء بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى، واغتسل والبس أنظف ثيابك، وتطيب بما قدرت عليه، وعليك السكينة والوقار، والذى يعمله من يزور أن يمضى الى مشهد ولى من أولياء الله، أو موضع خال، أو جبل عال، أو واد خضر، وعليه الا يقيم في منزله، ويخرج بعد ان يغتسل، ويلبس أحسن ثيابه. فإذا وصل الى المقام الذى يريد فيه اداء الحق وطلب الحاجة والمسألة بهم صلى ساعة يدخل ركعتين بقراءة وتسبيح، فإذا جلس في التشهد وسلم استغفر الله سبعين مرة، ثم يقوم قائما ويرفع يديه ويرم طرفه 1 نحو الهواء، ويقول: الحمد لله الذى عرفني ماكنت به جاهلا، ولولا تعريفك اياى لكنت من الهالكين، إذ قلت وقولك الحق: (قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى) 2، فبينت لى القرابة، وقلت: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) 3، فبينت لى البيت بعد القرابة.


1 – الطرف: العين. 2 – الشورى: 23. 3 – الاحزاب: 33.

[ 355 ]

ثم قلت وقولك الحق بتفضلك على خلقك واردت معرفتهم بالبيت والقرابة، فقلت وقولك الحق: (قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) 1. فلك الشكر يا رب ولك المن حيث هديتني وارشدتني، حتى لم يخف على الأهل والبيت والقرابة، حتى عرفتني نسائهم واولادهم ورجالهم. اللهم انى أتقرب اليك بذلك المقام الذى لا يكون اعظم فضلا منه للمؤمنين ولا اكثر رحمة بمعرفتك اياهم 2، فلولا هذا المقام المحمود الذى انقذتنا، ودللتنا الى اتباع المحققين من اهل بيت نبيك وعترته، فلك الحمد والمن والشكر على نعمائك واياديك. اللهم فصل على محمد وآل محمد، الذين افترضت علينا طاعتهم، وثبتنا بالقول الذى عرفونا، واجز محمدا وآله عليهم السلام منا افضل الجزاء، وادخلنا في شفاعتهم دار كرامتك، يا ارحم الراحمين. اللهم هؤلاء اهل الكساء والعباء يوم المباهلة، ومن دخل من الانس والملائكة المقربين، اجعلهم شفعاءنا، اسألك بحق ذلك المقام ان تغفر لى وترحمني وتتوب على، انك انت التواب الرحيم. اللهم انى اشهدك ان ارواحهم وطينتهم واحدة، وهم الشجرة التى طاب اصلها واغصانها واوراقها. اللهم فارحمنا بحقهم، فانك اقمتهم حججا على خلقك، ودلائل على ما يستدل بوحدانيتك، وبابا الى المعجزات بعلمك الذى يعجز عنه الخلق غيرهم، وانت المتفضل عليهم حيث اقمتهم من بين خلقك ونقلتهم من عبادك. فجعلتهم مطهرين اصولا وفروعا ومنبتا، ثم اكرمتهم بنورك، حتى


1 – آل عمران: 61. 2 – اخراجهم عن الشبهات (خ ل).

[ 356 ]

فضلتهم من بين اهل زمانهم والاقربين إليهم، فخصصتهم بوحيك، وانزلت عليهم كتابك، وامرتنا بالتمسك بهما. اللهم فانا قد تمسكنا بكتابك وبعترة نبيك، الذين اقمتهم لنا دليلا وعلما، وامرتنا باتباعهم، اللهم انا قد تمسكنا فارزقنا شفاعتهم، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، آمين رب العالمين. ثم تصلى عندكل دعاء ركعتين وتقيم الى انتصاف النهار، أو زوال الشمس، وقد قيل الى اصفرار الشمس، وكل ذلك حسن. وهذا ما جاء من الروايات في انصراف القوم عن مقامهم في يوم المباهلة. ومن الدعاء في يوم المباهلة دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله: رويناه باسنادنا الى الشيخ أبى الفرج محمد بن على بن أبى قرة، باسناده الى محمد بن سليمان الدتيمى، عن الحسين بن خالد، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام. لو قلت ان في هذا الدعاء الاسم الأكبر لصدقت، ولو علم الناس ما فيه من الاجابة لا ضطربوا على تعليمه بالأيدى، وانا لا قدمه بين يدى حوائجى فينجح، وهو دعاء المباهلة من قول الله تعالى: (قل تعالوا أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم – ثم الى آخر الاية) 2، وان جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بهذا الدعاء، قال: تخرج انت ووصيك وسبطانك وابنتك وباهل القوم وادعوا به. قال أبو عبد الله عليه السلام: فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء، فان ما عند الله خير وأبقى، من كنوز العلم، فاشفعوا به واكتموه من غير أهله السفهاء والمنافقين، الدعاء:


1 – الشعراء: 100 – 101. 2 – آل عمران: 61.

[ 357 ]

اللهم انى أسألك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهى، اللهم انى أسألك ببهائك كله، اللهم انى أسألك من جلالك باجله وكل جلالك جليل، اللهم انى أسألك بجلالك كله، اللهم انى أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل اللهم انى أسألك بجمالك كله، اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من عظمتك بأعظمها وكل عظمتك عظيمة، اللهم انى أسألك بعظمتك كلها، اللهم انى أسألك من نورك بانوره وكل نورك نير، اللهم انى أسألك بنورك كله، اللهم انى أسألك من رحمتك بأوسعها وكل رحمتك واسعة، اللهم انى أسألك برحمتك كلها، اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من كمالك بأكمله وكل كمالك كامل، اللهم انى أسألك بكمالك كله، اللهم انى أسألك من كلماتك باتمها وكل كلماتك تامة، اللهم انى أسألك بكلماتك كلها، اللهم انى أسألك من أسمائك بأكبرها، وكل أسمائك كبيرة، اللهم انى أسألك باسمائك كلها اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من عزتك بأعزها، وكل عزتك عزيزة، اللهم انى أسألك بعزتك كلها، اللهم انى أسألك من مشيتك بامضاها، وكل مشيتك ماضية، اللهم انى أسألك بمشيتك كلها، اللهم انى أسألك بقدرتك التى استطلت بها على كل شئ، وكل قدرتك مستطيلة، اللهم انى أسألك بقدرتك كلها، اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من علمك بأنفذه وكل علمك نافذ، اللهم انى أسألك بعلمك كله، اللهم انى أسألك من قولك بارضاه وكل قولك رضى، اللهم انى أسألك بقولك كله، اللهم انى أسألك من مسائلك باحبها اليك وكل


[ 358 ]

مسائلك 1 اليك حبيبة، اللهم انى أسألك بمسائلك كلها، اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من شرفك باشرفه وكل شرفك شريف، اللهم انى أسألك بشرفك كله، اللهم انى أسألك من سلطانك بادومه وكل سلطانك دائم، اللهم انى أسألك بسلطانك كله، اللهم انى أسألك من ملكك بافخره وكل ملكك فاخر، اللهم انى أسألك بملكك كله، اللهم انى أدعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك من علائك باعلاه وكل علائك عال، اللهم انى أسألك بعلائك كله، اللهم انى أسألك من آياتك باعجبها وكل آياتك عجيبة، اللهم انى أسألك باياتك كلها، اللهم انى أسألك من منك باقدمه، وكل منك قديم، اللهم انى أسألك بمنك كله، اللهم انى ادعوك كما امرتني فاستجب لى كما وعدتني. اللهم انى أسألك بما انت فيه من الشؤون والجبروت، اللهم وانى أسألك بكل شأن وكل جبروت لك. اللهم وانى أسألك بما تجيبني به حين أسألك يا الله يالا اله الا انت، اسألك ببهاء لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بجلال لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بجمال لا اله الا انت يا لا اله الا انت. اسألك بعظمة لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بكمال لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بقول لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بشرف لا اله الا انت يا لا اله الا انت. أسألك بعلاء لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بكلماتك لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك بعزة لا اله الا انت يا لا اله الا انت، اسألك


1 – كلها (خ ل).

[ 359 ]

بلا اله الا انت، يا الله يا رباه، حتى ينقطع النفس. وتقول: اسالك سيدى فليس مثلك شئ، واسألك بكل دعوة دعاك بها نبى مرسل، أو ملك مقرب أو مؤمن امتحنت قلبه للايمان استجبت دعوته منه، واتوجه اليك بمحمد نبيك نبى الرحمة، واتقدم بين يدى حوائجى بمحمد. يا محمد يارسول الله، بابى انت وامى اتوجه الى ربك وربى واقدمك بين يدى حاجتى، يا رباه يا الله يا رباه، اسألك بك فليس كمثلك شئ، واتوجه اليك بمحمد خليلك ونبيك نبى الرحمة وبعترته واقدمهم بين يدى حوائجى. وأسألك بحياتك التى لا تموت، وبنور وجهك الذى لا يطفأ، وبالعين التى لا تنام، اسألك ان تصلى على محمد وآل محمد قبل كل شئ، ثم تسأل حاجتك، تقضى انشاء الله 1. ومن دعاء في يوم المباهلة ما وجدناه في كتب الدعوات فقال ماهذا لفظه: دعاء المباهلة والانابة والتضرع والمسألة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولانوم له مافى السماوات وما في الأرض، من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه، يعلم مابين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم. شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة، واولوا العلم قائما بالقسط، لا اله الاهو العزيز الحكيم. قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء ويذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير، تولج


1 – رواه الشيخ في مصباحه: 759 مع اختلافات.

[ 360 ]

الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب. لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، هو الله الذى لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق الباري المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض، وهو العزيز الحكيم. هو الله الذى لا يعرف له سمى وهو الله الرجاء والمرتجى، واللجاء والملتجى، واليه المشتكى ومنه الفرج والرخاء وهو سميع الدعاء. اللهم انى أسألك يا الله، بحق الاسم الرفيع عندك العالي المنيع، الذى اخترته لنفسك، واختصصته لذكرك، ومنعته جميع خلقك، وافردته عن كل شئ دونك، وجعلته دليلا عليك، وسببا اليك، وهو اعظم الأسماء، واجل الاقسام، وافخر الاشياء، واكبر الغنائم، واوفق الدعائم، لا تخيب راجيه، ولا ترد داعيه، ولا يضعف من اعتمد عليه ولجأ إليه. واسألك يا الله بالربوبية التى تفردت بها ان تقيني من النار بقدرتك، وتدخلني الجنة برحمتك، يا نور انت نور السماوات والارش، قد استضاء بنورك اهل سماواتك وارضك. فاسألك ان تجعل لى نورا في سمعي وبصرى، استضيى في الدنيا والاخرة، يا عظيم انت رب العرش العظيم، بعظمتك استعنت فارفعني والحقني درجة الصالحين. يا كريم بكرمك تعرضت، وبه تمسكت، وعليه توكلت، واعتمدت فأكرمني بكرامتك، وانزل على رحمتك وبركاتك، وقربني من جوارك، والبسنى من مهابتك وبهاءك، وانلني من رحمتك وجزيل عطائك، يا كبير لا تصعر خدى، ولا تسلط على من لا يرحمنى، وارفع ذكرى، وشرف مقامي،


[ 361 ]

واعل في عليين درجتي. يا متعال 1 اسألك بعلوك ان ترفعني ولا تضعنى، ولا تذلني بمن هو ارفع منى، ولا تسلط على من هو دوني، واسكن خوفك قلبى، ياحى، اسألك بحياتك التى لا تموت ان تهون على الموت وان تحيينى حياة طيبة وتوفنى مع الابرار. يا قيوم انت القائم على كل نفس 2، والمقيم بكل شئ، اجعلني ممن يطيعك، ويقوم بامرك وحقك، ولا يغفل عن ذكرك، يا رحمان ارحمنى برحمتك، وجد على بفضلك وجودك، ونجنى من عقابك، واجرني من عذابك. يا رحيم تعطف على ضرى برحمتك وجد على بجودك ورأفتك، وخلصني من عظيم جرمى برحمتك، فانك الشفيق الرفيق، ومن لجأ اليك فقد استمسك بالعروة الوثقى والرن الوثيق. يا مالك من ملكك اطلب، ومن خزائنك التى لا تنفد اسأل، فأعطني ملك الدنيا والاخرة فانه لا يعجزك ولا ينقصك شئ ولا يؤثر فيما عندك. يا قدوس انت الطاهر المقدس، فطهر قلبى، وفرغنى لذكرك، وعلمني ما ينفعني، وزدنى علما الى ما علمتني، يا جبار بقوتك اعني على الجبارين واجبرني يا جابر العضم الكسير، وكل جبار خاضع لك. يا متكبر اكنفني بركنك وحل بينى وبين البغاة 3، ولا تبتليني بالمعاصى فاهون عندك وعند خلقك، يا حليم عدعلى بحلمك، واسترنى بعفوك، واجعلني مؤديا لحقك، ولا تفضحني يوم الوقوف بين يديك. يا عليم انت العالم بحالى وسرى وجهرى وخطاياى وعمدي، فاصفح لى


1 – متعالى (خ ل). 2 – بما كسبت (خ ل). 3 – من خلقك بكبريائك يا عزيز اعزني بطاعتك ولا تذلني (خ ل).

[ 362 ]

عما خفى عن خلقك من امرى، يا حكيم اسألك بما احكمت به الاشياء فاتقنتها ان تحكم لى بالاجابة فيما اسألك وارغب فيه اليك. يا سلام سلمني من مظالم العباد ومن عذاب القبر واهوال يوم القيامة، يا مؤمن آمنى من كل خوف وارحم ضرى وذل مقامي واكفنى ما اهمني من امر دنياى وآخرتي، يا مهيمن خذ بناصيتى الى رضاك واجعلني عاملا بطاعتك معصوما عن طاعة من سواك، يا بارى الاشياء على خير مثال، اسألك ان تجعلني من الصادقين المبرورين عندك. يا مصور صورننى فاحسنت صورتي وخلقتني فاكملت خلقي، فتمم احسن ما انعمت به على ولا تشوة خلقي يوم القيامة، يا قدير بقدرتك قدرت وقدرتني على الاشياء فاسألك ان تحسن على امور الدنيا والاخرة معونتي، وتنجينى من سوء اقدارك. يا غنى اغنني بغنائك، واوسع على عطاءك 1، واشفني بشفائك، ولا تبعدني من سلامتك، يا حميد لك الحمد كله، وبيدك الامر كله ومنك الخير كله، اللهم الهمنى الشكر على ما اعطيتني، يا مجيد انت المجيد وحدك لا يفوتك شئ ولا يؤودك شئ، فاجعلني ممن يقدسك ويمجدك ويثنى عليك. يا احد انت الله الفرد الاحد الصمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا احد، فكن لى اللهم جارا ومونسا وحصنا منيعا، ياوتر انت وتر كل شئ ولا يعدلك شئ فاجعل عاقبة امرى الى خير واجعل خير ايامي يوم القاك. يا صمد يامن لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يخفى عليه خافية في ظلمات البر والبحر، احفظني في تقلبى 2 ونومى ويقظتي، يا سميع اسمع صوتي، وارحم صرختي.


1 – في عطائك (خ ل). 2 – تخيلي (خ ل).

[ 363 ]

يا سميع يا مجيب يا بصير قد احاط بكل شئ علمك، ونفذ فيه علمك وكله بعينك، فانظر الى برحمتك ولا تعرض عنى بوجهك، يا رؤوف انت ارأف بى من ابى وامى ولولا رأفتك لما عطفا على، فتمم نعمتك على ولا تنغصني ما اعطيتني. يالطيف الطف بى بلطفك الخفى، من حيث اعلم ومن حيث لااعلم، انك انت علام الغيوب، يا حفيظ احفظني في نفسي واهلى ومالى وولدى، وما حضرته ووعيته، وغبت عنه من امرى بما حفظت به السماوات والارضين وما بينهما، انك على كل شئ قدير. يا غفور اغفر لي ذنوبي واستر عيوبي، ولا تفضحني بسرائري انك ارحم الراحمين، ويا ودود اجعل لى منك مودة ورحمة في الدنيا والاخرة، واجعل لى ذلك في صدور المؤمنين، يا ذا العرش المجيد اجعلني من المسبحين الممجدين لك في آناء الليل واطراف النهار وبالغدو والاصال، واعنى على ذلك. يا مبدى انت بدأت الاشياء كما تريد وانت المبدى المعيد الفعال لما تريد، فاجعل لى الخيرة في البدء والعاقبة في الامور، يا معيد انت تعيد الاشياء كما بدأتما اول مرة، اسألك اعادة الصحة والمال وجليل الاحوال الى والتفضل بذلك. يا رقيب احرسني برقبتك واعنى بحفظك واكنفنى بفضلك ولا تكلني الى غيرك، يا شكور انت المشكور على مارعيت وغذيت ووهبت واعطيت واغنيت، فاجعلني لك من الشاكرين ولالائك من الحامدين. يا باعث ابعثنى شهيدا صديقا رضيا عزيزا حميدا مغتبطا مسرورا مشكورا محبورا، يا وارث ترث الارض ومن عليها والسماوات وسكانها وجميع ما خلقت، فورثني حلما وعلما انك خير الوارثين. يا محيى احينى حياة طيبة بجودك، والهمنى شكرك ابدا ما ابقيتني،


[ 364 ]

وآتني في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنى عذاب النار، يا محسن عد على اللهم باحسانك وضاعف عندي نعمتك وجميل بلائك. يا مميت هون على سكرات الموت وغصصه، وبارك لى فيه عند نزوله، ولا تجعلني ما رزقتني ولا تحرمنى ما وعدتني وجملتني بطاعتك. يا منعم تمم نعمتك على وآنسني بها واجعلني من الشاكرين لك عليها، يا مفضل بفضلك اعيش ولك ارجو وعليك اعتمد فأوسع على من فضلك وارزقني من حلال رزقك. انت الاول والاخر والظاهر والباطن، وانت على كل شئ قدير، فاجعلني اول التائبين وممن يروى من حوض نبيك يوم القيامة، يا آخر انت الاخر وكل شئ هالك الا وجهك تعاليت علوا كبيرا. يا ظاهر انت الظاهر على كل شئ مكنون والعالم بكل شئ مكتوم، فاسألك ان تظهر من اموري احبها اليك، يا باطن انت تبطن في الاشياء مثل ما تظهره فيها وانت علام الغيوب، فاسألك اللهم ان تصلح ظاهري وباطنى بقدرتك. يا قاهر انت الذى قهرت الاشياء بقدرتك، فكل جبار دونك ونواصى الخلق كلهم بيدك، وكلهم واقف بين يديك وخاضع لك، يا وهاب هب لى من لدنك رحمة وعلما ومالا وولدا طيبا انك انت الوهاب. يا فتاح افتح لى ابواب رحمتك، وادخلني فيها، واعذنى من الشيطان الرجيم، وافتح لى من فضلك، يا رزاق ارزقني من فضلك، وزدنى من عطائك، وسعة ما عندك، واغنني عن خلقك، يا خلاق انت خلقت الاشياء بغير نصب ولا لغوب 1، خلقتني خلقا سويا حسنا جميلا، وفضلتني على كثير


1 – نصب: تعب واعيا، لغب: تعب واعيا اشد الاعياء.

[ 365 ]

ممن خلقت تفضيلا. يا قاضى انت تقضى في خلقك بما تريد، فاقض لى بالحسنى وجنبني الردى واختم لى بالحسنى في الاخرة والاولى، يا حنان تحنن على برأفتك، وتفضل على برزقك، ورحمتك، واقبض عنى يد كل جبار عنيد وشيطان مريد، واخرجني بعزتك من حلق المضيق الى فرجك القريب. يا منان امنن على بالعافية في الدنيا والاخرة ولا تسلبنيها ابدا ما ابقيتني يا ذا الجلال والاكرام، اغفر لى بجلالك وكرمك مغفرة تحل بها عنى قيود ذنوبي وتغفر لى سيئاتي انك على كل شئ قدير. يا جواد انت الجواد الكريم الذى لا تبخل، والمعطى الذى لا تنكل 1، فجد على بكرمك واجعلني شاكرا لانعامك، ياقوى خلقت السماوات وما في الارض وما بينهما وما فيهما وحدك لا شريك لك بغير نصب ولا لغوب، فقونى على امرى بقوتك. يا شديد اشدد ازرى واعنى على امرى وكن لى من كل خاصة قاضيا، يا غالب غلبت كل غلاب بقدرتك فاغلب بالى وهواى حتى تردهما الى طاعتك واغلب بعزتك من بغى على ورام حربى. ياديان انت تحشر الخلق وعليك العرض وكل يدين لك ويقر لك بالربوبية فاغفر لى الذنوب بعزتك، يا ذكور اذكرني في الأولين والشهداء والصالحين وعند كل خير تقسمه. يا خفى انت تعلم السر واخفى وهو ظاهر عندك فاغفر لي ما خفى على الناس من امرى، ولا تهلكني يوم القيامة على رؤوس الاشهاد، يا جليل جللت عن الاشياء، فكلها صغيرة عندك فاعطني من جلائل نعمتك، ولا تحرمنى من فضلك.


1 – نكله عن الشئ: صرفه، نكل عن كذا: نكص وجبن.

[ 366 ]

يا منقذ انقذني من الهلاك واكشف عنى غماء الضلالات، وخلصني من كل موبقة، وفرج عنى كل ملمة، يا رفيع ارتفعت عن ان يبلغك وصف أو يدرك نعت أو يقاس بك قياس بك قياس فارفعني في عليين. يا قابض كل شئ في قبضك محيط به قدرتك، فاجعلني في ضمانك وحفظك ولا تقبض يدى عن كل خير افعله، يا باسط ابسط يدى بالخيرات، واعطني بقدرتك اعلى الدرجات. يا واسع وسعت كل شئ رحمة وعلما، فوسع على في رزقي، يا شفيق انت اشفق على خلقك من آبائهم وامهاتهم وارأف بهم، فاجعلني شفيقا رفيقا وكن بى شفيقا برحمتك. يا رفيق ارفق بى إذا اخصأت وتجاوز عنى إذا اسأت وأمر ملك الموت واعوانه عليهم السلام ان يرفقوا بروحى إذا اخرجوها عن جسدي ولا تعذبني بالنار. يا منشى انشأت كل شئ كما اردت وخلقت ما احببت، فبتلك القدرة انشأني سعيدا مسعودا في الدنيا والاخرة، وانشأت ذريتي وما ذرعت وبذرت في ارضك، وانشأ معاشى ورزقي وبارك لى فيهما برحمتك. يا بديع انت بديع السماوات والارض ومبدعهما وليس لك شبه 1 ولا يلحقك وصف، ولا يحيط بك فهم، يا منيع لا تمنعى ما اطلب من رحمتك وفضلك وامنع عنى كل محذور ومخوف، ياتواب اقبل توبتي وارحم عبرتي واصفح عن خطيئتي ولا تحرمنى ثواب عملي. يا قريب قربنى من جوارك واجعلني في حفظك وكنفك، ولا تعذبني عنك برحمتك، يا مجيب اجب دعائي وتقبله منى ولا تحرمنى الثواب كما وعدتني.


1 – شبيه (خ ل).

[ 367 ]

يا منعم بدأت بالنعم قبل استحقاقها وقبل السؤال بها فكذلك اتمامها بالكمال والزيادة من فضلك يا ذا الافضال 1، يا مفضل لولا فضلك هلكنا فلا تقصر عنا فضلك، يا منان فامنن علينا بالدوام يا ذا الاحسان. يا معروف انت المعروف الذى لا يجهل، ومعروفك ظاهر لا ينكل، فلا تسلبنا ما اودعتناه من معروفك برحمتك، يا خبير خبرت الاشياء قبل كونها وخلقتها على علم منك بها، فانت اولها وآخرها، فزدني خيرا بها الهمتنيه من شكرك وبصيرة. يا معطى اعطني من جليل عطاءك، وبارك لى في قضائك، واسكني برحمتك في جوارك، يا معين اعني على امور الدنيا والاخرة بقوتك، ولا تكلني في شئ الى غيرك، يا ستار استر عيوبي واغفر ذنوبي واحفظنى في مشهدى ومغيبي. يا شهيد اشهدك اللهم وجميع خلقك وملائكتك، انه لا اله الا انت وحدك لا شريك لك، فاكتب هذه الشهادة عندك ونجنى بها من عذابك، يا فاطر انت فاطر السماوات والارض وما بينهما وما فيهما فكن لى في الدنيا والاخرة، وتوفنى مسلما، والحقني بالصالحين. يا مرشد ارشدني الى الخير بعزتك وجنبني السيئات بعصمتك ولا تخزني يوم القيامة، يا سيد السادات مولى الموالى، اليك مصير كل شئ فانظر الى بعين عفوك. يا سيد انت سيدى وعمادي ومعتمدى، وذخري وذخيرتي وكهفي فلا تخذلني، يا محيط احاط بكل شئ علمك، ووسعت كل شئ رحمتك، فاجعلني في ضمانك، وحطنى من كل سوء بقدرتك. يا مجير اجرني من عقابك وامنى من عذابك، اللهم انى خائف وانى


1 – يا ذا الفضل (خ ل).

[ 368 ]

مستجير بك فاجرني من النار برحمتك، يا اهل التقوى واهل المغفرة. يا عدل انت اعدل الحاكمين وارحم الراحمين، فالطف لنا برحمتك، واتنا شيئا بقدرتك، ووفقنا لطاعتك، ولا تبتلنا بما لا طاقة لنا به، وخلصنا من مظالم العباد، واجرنا من ظلم الظالمين وغشم 1 الغاشمين بقدرتك، انك على كل شئ قدير. اللهم اسمع دعائي، واقبل ثنائي، وعجل اجابتي، وآتني في الدنيا حسنة، وفى الاخرة حسنة، وقنى برحمتك عذاب النار، وصلى الله على خيرته من خلقه محمد وعترته الطاهرين. فصل (6) فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذى الحجة ايضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا على عليه السلام بالخاتم اعلم ان في مثل هذا يوم المباهلة، اطلق الله جل جلاله مواهب ومراتب فاضلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فينبغي ان يعرف منهاما يبلغ جهد الناظر إليه. منها: انه يوم تصدق فيه مولانا على عليه السلام على السائل بخاتمه وهو راكع، حتى انزل جل جلاله على رسوله محمد صلوات الله عليه وسلامه: (يا ايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون.) 2 فكانت هذه الايات بما اشتملت عليه من الصفات، نصا من الله جل جلاله صريحا على مولانا على بن ابى طالب عليه السلام بالولاية من رب العالمين وعن سيد المرسلين


1 – الغشم: الظلم. 2 – المائدة: 54 – 57.

[ 369 ]

وانه أمير المؤمنين. فمن الصفات فيها قوله جل جلاله: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه). وقد شهد من روى هذه الايات من المخالف والمؤالف ان النبي صلى الله عليه وآله قال لمولانا على عليه السلام لم انهزم المسلمون في خيبر: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه) 1، وقال النبي عليه السلام في حديث الطائر: (اللهم ائتنى بأحب خلقك اليك يأكل معى من هذا الطائر) 2. فكان مولانا على سلام الله عليه هو المشهود له بهذه المحبة الباهرة والصفة الظاهرة. ومن الصفات قوله جل جلاله: (اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين). ولم يجمع هاتان الصفتان المتضاديان في احد من القرابة والصحابة الا في مولانا على صلوات الله عليه، فانه عليه السلام كان في حال التفرغ من الحروب على الصفات المكملة من الذل لعلام الغيوب وحسن صحابة المؤمنين والرحمة للضعفاء والمساكين، وكان في حال الحرب على ما هو معلوم من الشدة على الكافرين، والاقدام على كل هول في ملاقات الابطال والظالمين، حتى ان من يراه في حال احتمال اهوال الجهاد يكاد ان يقول: هذا الذى رأيناه من قبل من اذل العباد والزهاد. ومن الصفات قوله جل جلاله: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). وما عرفنا ابدا ان احدا من القرابة الذى نازعوه في امامته ورياسته، الا وكان له في الامور العظائم موقف اقدام وموقف احجام الا مولانا على صلوات الله عليه، فانه كان على صفة واحدة في الاقدام عند العظائم، لا يخاف لومة لائم منذ بعث النبي صلوات الله عليه الى العباد والى حين انتقل مولانا على عليه السلام الى سلطان المعاد. ومن الصفات وصف الله جل جلاله: (اولئك الذين يجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة


1 – راجع الطرائف: 55 – 59. راجع الطرائف: 71 – 72. (*)

[ 370 ]

لائم) بالاية التى بعدها بغير فصل بلفظ خاص كشف فيه مراده جل جلاله لأهل البصائر والمعالم، فقال: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). فبدء بولاية الله جل جلاله التى هي شاملة على جميع الخلائق، ثم بولاية رسوله صلوات الله عليه على ذلك الوصف السابق، ثم بولاية الذى تصدق بخاتمه وهو راكع، على الوصف الواضح اللاحق، فكيف يحسن المكابرة بعد هذا الكشف لأهل الحقائق بمحكم القرآن الناطق. ومن الصفات قوله جل جلاله: (ومن يتول الله ورسوله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون). وهذا اطلاق لهؤلاء الموصوفين بالغلبة العامة والحجة التامة، وهى صفة من يكون معصوما في المسالك والمذاهب، ولم يدع عصمة واجبة لأحد نازع مولانا على عليه السلام في شئ من المراتب والمناصب، فكانت هذه الايات دالة على ان مولانا عليا صلوات الله عليه المراد بها فيما تضمنته من الولايات. فصل (7) فيما نذكره من الاشارة الى بعض من روى ان هذه الاية: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) 1 نزلت في مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام من طرق اهل الخلاف اعلم اننا ذكرنا في كتاب الطرائف بعض من روى هذا من طرق المخالف، وانا أذكر في هذا المكان من يحضرني اسماؤهم منهم لئلا يطول الكلام بذكر اخبارهم على التفصيل والبيان: فممن روى ذلك من اهل الخلاف مصنف كتاب الجمع بين الصحاح الستة، من الجزء الثالث من اجزاء الثلاثة، ورواه الثعلبي في كتابه في تفسير القرآن عن السدى


1 – المائدة: 55.

[ 371 ]

وعبتة بن أبى حكيم، ورواه ايضا عن عبابة بن الربعي وعن ابن عباس وعن أبى ذر، ورواه ايضا الشافعي ابن المغازلى من خمس طرق، ورواه ايضا على بن عابس وعبد الله بن عطاء، ورواه الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير القرآن، واجمع اهل البيت الذين وصفهم النبي صلوات الله عليه وآله انهم لا يفارقون كتابه حتى يردوا عليه الحوض ان هذه الاية نزلت في مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه واطبق على ذلك الشيعة الذين تثبت الحجة بما اطبقوا عليه 1. فصل (8) فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن روينا ذلك عن جماعة من الاعيان والاخوان، احدهم جدى أبو جعفر الطوسى فيما يذكره في المصباح في اليوم الرابع والعشرين من ذى الحجة، فقال ماهذا لفظه: في هذا اليوم تصدق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمه وهو راكع للصلاة فيه، روى عن الصادق عليه السلام انه قال: من صلى في هذا اليوم ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة، شكرا لله على مامن به عليه وخصه به، يقرأ في كل ركعة ام الكتاب مرة واحدة، وعشر مرات (قل هو الله)، وعشر مرات آية الكرسي الى قوله تعالى: (هم فيها خالدون)، وعشر مرات (انا انزلناه في ليلة القدر)، عدلت عند الله مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ولم يسأل، الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا والاخرة الا قضاها له، كائنة ما كانت انشاء الله، وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير) 2. أقول: فإذا عملت ما أشرنا إليه فاعلم، ان من العمل الزائد الذى يعتمد عليه، ان تجعل هذا اليوم محلا لبذل الصدقات على اهل الضرورات، اقتداء بمن يعتدى به صلوات الله عليه، ومبادرة، واغتناما لهذا الموسم الذى كانت الصدقة فيه مفتاحا لما


1 – رواه الزمخشري في الكشاف 1: 624، الثعلبي في تفسيره عنه احقاق الحق 2: 402 و 4: 59 والبحار 35: 195، وفى ذخائر العقبى: 102، ينابيع المودة: 218، المناقب لابن المغازلى: 321، الطرائف: 4 7. 2 – مصباح المتهجد: 758.

[ 372 ]

لم تبلغ الامال إليه، فعسى يأتيك من فضل الله جل جلاله عند صدقاتك ما لم يبلغ املك إليه من سعاداتك. فان لأوقات القبول اسرارا لله جل جلاله ما تعرف نص القرآن العظيم والرسول الكريم ان هذا اليوم فيه كان بذل العطاء الجزيل بالتصديق بالقليل، ولتكن نيتك مجردة العبادة لله جل جلاله هذه الحال، لأنه جل جلاله أهل أن يعبد بما يريده من صواب الأعمال. فصل (9) فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم كل وقت عند العارفين بقدر ما تفضل الله جل جلاله على أوليائه المعظمين وعلى المسلمين وإذا كان الله جل جلاله قد جعله للنص على من يقوم مقام صاحب الرسالة، فقد بالغ جل جلاله في تعظيمه بما دل عليه من الجلالة، فليكن العارف بهذا المقدار مشغولا بحمدالله جل جلاله، على ما وهب من المسار ودفع من الاخطار، وعلى قدر ما اضاء بهذا اليوم من ظلمات الجهالات، بما أنا فيه من الدلالات، وعلى قدر ما اوضح فيه من السبيل الى النعيم المقيم الجليل. أقول: واما يختم به آخر هذا اليوم الراجح من العمل الصالح: فاعلم اننا قد قدمناه في عدة مقامات ما يختم به ساعات تلك الاوقات، فان ظفرت بشئ مما قدمناه فاعمل في ذلك بما يقربك الى الله جل جلاله والظفر برضاه، ونذكر هاهنا ان تكون خاتمة نهار يوم الابتهال ويوم نص الله جل جلاله على مولانا على عليه السلام بصريح مقال بعدما ذكرناه من الاعمال. من ان تنظر الى جميعما عملت فيه، من طاعة الله جل جلاله ومراضيه، بعين الاعتراف لله جل جلاله ولأهل تلك المقامات الكاملة بالمنة العظيمة الفاضلة، فان اعمالك، وان كثرت في المقدار، فانها لا تقوم بحق الله جل جلاله وحقوق القوم الاطهار، بل هي من مكاسبهم ومعدودة من مناقبهم، إذ كانوا الفاتحين لأبوابها والهادين


[ 373 ]

الى صوابها. وان تجمع بلسان الحال اطراف عباداتك وتضمها بين يدى الذين جعلهم الله جل جلاله من اسباب حياتك وابواب نجاتك، وتتوجه إليهم بالله جل جلاله، وبكل من بعز عليهم، وتتوجه الى لله جل جلاله بهم في ان يأذن لهم في تسليم اعمالك إليهم ليصلحوا منها ماكان قاصرا ويربحوا فيها ماكان خاسرا، ويعوضوها بيد قبولهم، ويدخلوها في سعة قبول الله جل جلاله لأعمالهم وبلوغ آمالهم.


[ 374 ]

الباب السابع فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين من ذى الحجة ويومها وفيه فصول: فصل (1) فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما في هذه الليلة على المسكين واليتيم والاسير روينا ذلك بعدة طرق، منها ما ذكره جدى أبو جعفر الطوسى في كتاب المصباح، فقال: (وفى ليلة خمس وعشرين سنة – يعنى من ذى الحجة – تصدق أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام، وفى اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفى الحسن والحسين عليهما السلام سورة هل أتى) 1. لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه ابو بكر وعمروعاد هما عامة العرب، فقال: يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشئ، فقال على عليه السلام: ان براءا ولداى: مما بهما صمت ثلاثة ايام شكرا لله عزوجل، وقالت فاطمة وجاريتهم فضة مثل ذلك، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق على عليه السلام الى شمعون بن


1 – مصباح المتهجد: 767.

[ 375 ]

حاريا الخيبرى فاقترض منه ثلاثة اصوع من شعير. أقول: ورويت ببعض اسانيدى، ان صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما على المكين واليتيم والاسير كانت في ثلاث ليال، فيمكن ان يكون اول الثلاثة ليلة خمس وعشرين من ذى الحجة. فمن الرواية في ذلك قال: فانطلق على عليه السلام الى جار له من اليهود يعالج الصوف، يقال له: شمعون بن حاريا، فقال له: هل لك ان تعطيني جزة من الصوف تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة اصوع من شعير ؟ فقال: نعم، فاعطاه فجاء بالصوف وبالشعير، فأخبر عليه السلام فاطمة عليها السلام بذلك، فقبلت واطاعت. قالوا: فقامت فاطمة عليها السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراض، لكل واحد منهم قرص وصلى على مع النبي صلوات الله عليهما المغرب وأتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة، فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه. فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السلام الى صاع فطحنته واختبزته وصلى على مع النبي عليهما السلام، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال: السلام عليكم اهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدى يوم العقبة، اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه. ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح، فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام الى الصاع الثالث فطحنته وصلى على مع النبي صلى الله عليه وآله ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال: السلام عليكم اهل بيت محمد، تأسرونا ولا تطعمونا، فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة ايام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح. فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم، أخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى


[ 376 ]

الحسين، واقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال: يا ابا الحسن ما اشد ما اراه بكم، فانطلق بنا الى منزل فاطمة. فانطلقوا إليها وهى في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله قال: واغوثاه يا الله اهل بيت محمد يموتون جوعا، فهبط جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد خذ ما هناك الله في اهل بيتك، فقال: ما أخذ يا جبرئيل، فاقرأه عليه: (هل اتى على الانسان حين من الدهر – الى قوله: انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا – الى آخر السورة.) 1 أقول: وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة: انهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة ايام. أقول: وروى حديث نزول المائدة عليهم ايضا موفق، أي احمد المكى الخوارزمي 2. أقول: وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ولكنه لم يذكر نزولها في الوقت الذى ذكرناه، فقال ماهذا لفظه: وعن النبي صلى الله عليه وآله انه جاع في زمن قحط، فاهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين وبضعة لحم، اثرته بها، فرجع بها إليها فقال: هلمى يا بنية وكشفت عن الطبق، فإذا هو مملو خبزا ولحما، فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله، فقال لها صلوات الله عليه: أنى لك هذا ؟ قال: هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال عليه السلام: الحمدلله الذى جعلك شبيه سيدة نساء بنى اسرائيل، ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله على بن أبى طالب والحسن والحسين وجميع اهل بيته حتى شبعواوبقى الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرآنها 3.


1 – نقله بتفصيله في الطرائف: 107 الى 109 عن الثعلبي عن ابن عباس. 2 – المناقب للخوارزمي: 188. 3 – الكشاف 1: 358.

[ 377 ]

أقول: وروى حديث نزول هذه الايات من هل أتى في مدح مولانا على وفاطمة والحسن والحسين، على بن احمد الواحدى النيشابوري المخالف لأهل البيت في كتاب اسباب النزول 1. فصل (2) فيما نذكره من العبادات لرب العالمين في هذه ليلة خمس ليلة خمس وعشرين اعلم ان اوقات العبادات والمراد منها لله جل جلاله في تلك الأوقات مرجعه الى العالم بمصالح العباد، وما يكون أنفع لهم في الدنيا والمعاد، لما عرفنا ان صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما في هذه الليلة بالمقدار اليسير بلغ بهم الى المقام الكبير والثناء عليهم بلفظ الكتاب المجيد وما وهب لهم من المزيد، وكانوا قدوة لمن اقتدى بآثارهم واهتدى بأنوارهم. اقتضى ذلك بلسان الحال ان يكون في هذه الليلة من جملة ثواب الاعمال التصدق على الفقراء والاسراء والايتام والمساكين والايثار على النفس والاقربين، موافقة لأهل الايثار، ومتابعة للاطهار، وترضا لنفحات مالك المراحم والمكارم والمبار، ودخول فيما فتحه الله جل جلاله في تلك الليلة من الانوار والاسرار. فصل (3) فيما نذكره مما يعمل يوم خامس من ذى الحجة اعلم ان هذا يوم عظيم الشأن اثنى الله جل جلاله على خاصته ببيان لفظ مقدس القرآن، فهو يوم يحسن ان يقرب فيه الى الله جل جلاله بصلوات الشكر، على ما وهب لأهل الذكر وولاة الأمر، ويبالغ العبد فيه الحق الاعتراف والانعام والاسعاف. روينا باسنادنا الى شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف الله جل جلاله


1 – راجع اسباب النزول للواحدي: 331، المناقب لابن المغازلى: 272، شواهد التنزيل 2: 303، كفاية الطالب: 201، ينابيع المودة: 93، البحار 35: 248.

[ 378 ]

له تحف الرضوان، فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض وزهرة المرتاض وزهرة المرتاض عند ذكر شهر ذى الحجة فقال ماهذا لفظه: وفى يوم الخامس والعشرين منه نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام سورة هل أتى، ويستحب صيامه على ما أظهره الله تعالى ذكره من فضل صفوته وعترة رسوله حجته على خلقه. أقول: واما صحبة هذا اليوم بحفظ حرمته والعمل في خاتمه، فقد قدمنا في الايام المعظمات ما يغنى عن تكراره لمن عرفه. أقول: وفى السادس والعشرين من ذى الحجة قتل عدو لأهل بيت النبوة عليهم السلام، وفى اليوم السابع والعشرين منه كان قتل مروان وزوال دولة بنى امية بالكلية، فهذا يقتضى ان يكونا يومى سرور وصوم وصلاة شكر وصدقات عند ذوى البصائر والابصار والعنايات، وهو مذكور وصفة في غير هذه الروايات.


[ 379 ]

الباب الثامن فيما نذكره مما يتعلق باليوم التاسع والعشرين من ذى الحجة وما يستحب فيه لأهل الظفر بصواب المحجة روينا ذلك باسنادنا الى شيخنا المفيد رضوان الله جل جلاله عليه من كتاب حدائق الرياض المشار إليه عند ذكر اليوم التاسع والعشرين من ذى الحجة فقال ماهذا لفظه: ويستجيب صيامه شكرا لله تعالى لتفريحه عن اوليائه بموت عدوه وعدو رسوله. أقول: وإذا كان هذا اليوم كما اشار إليه المفيد رحمه الله، فينبغي ان يكون السرور فيه والعمل لله جل جلاله بمراضيه، والشكر له سبحانه والثناء على بره، على قدر نعمة هلاك عدوه الذى اشار الى ذكره، فان كان عدوا عظيما، فليكن ما يفعله العبد في مقابلته عظيما جليلا، ويكون الشكر لله جل جلاله جسيما جميلا. أقول: وما اصحبه هذا اليوم بما يليق به من الاعتراف لله جل جلاله بمنته وكمال الأوصاف عند خاتمه، فهو ان يكون عدواتك لمن عاد الله جل جلاله لأجله ولمن عادى رسوله صلوات الله عليه، على قدر ما وضع من محلة، ولمن عدواتك لدنيا فانية ولا لاغراض واهية، وإذا كان آخر نهار اليوم المذكور فاختمه بالاداب التى قدمناها في ايام السرور.


[ 380 ]

الباب التاسع فيما نذكره من عمل آخر يوم ذى الحجة يصلى ركعتين بفاتحة الكتاب، وعشر دفعات سورة (قل هو الله احد) وعشر دفعات آية الكرسي، ثم تدعوا وتقول: اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل، نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، ودعوتني الى التوبة بعد اجترائي عليك، اللهم فانى استغفرك منه فاغفر لي، وما عملت من عمل يقربني اليك فاقبله منى، ولا تقطع رجائي منك يا كريم. قال: فإذا قلت هذا قال الشيطان: يا ويله ما تعبت فيه هذه السنة هدمه اجمع بهذه الكلامات وشهدت له السنة له السنة الماضية انه قد ختمها بخير 1. أقول: ووجدت في بعض الكتب لفظ آخر بعد الصلاة في هذا اليوم وهوان يقول: اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل صالح ووعدتني ان تعطيني عليه الثواب، فتقبله منى بفضلك وسعة رحمتك، ولا تقطع رجائي، ولا تخيب دعائي، اللهم وما عملت في هذه السنة مما نهيتني عنه، وتجرأت عليه، فانى استغفرك لذلك كله فاغفر لى يا غفور.


1 – عنه المستدرك 6: 397.

[ 381 ]

وهذه الرواية دلت على ان اول السنة المحرم، وسوف نذكر ما نرويه في هذه الاسباب في اول الجزء الثاني من هذا الكتاب ونجمع بين الروايتين على وجه الثواب ان شاء الله تعالى. يقول السيد الامام العالم الفقيه العلامة الفاضل البارع الزاهد العابد، أوحد دهره وفريد عصره، رضى الدين ركن الاسلام والمسلمين جمال العارفين افضل السادات عند الطائفة، ذوالحسين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس الحسنى


1 – عنه المستدرك 6: 397.

[ 381 ]

وهذه الرواية دلت على ان اول السنة المحرم، وسوف نذكر ما نرويه في هذه الاسباب في اول الجزء الثاني من هذا الكتاب ونجمع بين الروايتين على وجه الثواب ان شاء الله تعالى. يقول السيد الامام العالم الفقيه العلامة الفاضل البارع الزاهد العابد، أوحد دهره وفريد عصره، رضى الدين ركن الاسلام والمسلمين جمال العارفين افضل السادات عند الطائفة، ذوالحسين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس الحسنى قدس الله روحه ونور ضريحه: وحيث رأينا ان قد وصل آخر عمل شهر ذى الحجة الى هذا المقدار من التصنيف، ومتى جعلنا كتاب الاقبال جزءا واحدا اضجر بنقل التأليف، جعلنا آخر هذا الجزء شهر ذى الحجة شهر المسرات والمبرات والبشارات. ويكون اول الجزء الاخر شهر محرم شهر تشريف أهل السعادة بتأهليله للشهادة والاظهار للابرار، ان بذل النفوس والرؤوس عن حمى المالك الجبار من صفات الاخيار الذين جادوا بالنفوس لواهبها وبالرؤوس في اليقين وايثار رب العالمين بما وهبك وسلمه اليك قبل ان يخرج عن يديك وتحالب عليه ويفوتك الشرف الذى وصل إليه الباذلون لما اعطاهم المسعودون في دنياهم واخراهم. وهذا آخر ما اجراه الله جل جلاله على خاطري ان أذكره في الجزء الأول من كتاب الاقبال، ولم يكن له عندي مسودة، بل كنت أملى ما يكون صادرا عن مالك سرائري في رقاع أو بلساني، وينقله الناسخ في الحال، وما يكون منقولا من الروايات والكتب المصنفات، تارة امليه من الكتاب الذى هو فيه، وتارة يكتبه الناسخ من الأصل بألفاظه ومعانيه، والحمد لله جل جلاله كما يريد منا وكما ترضى به عنا

اترك تعليقاً