الكافي

الشيخ الكليني ج 8


[ 1 ]

الروضة من الكافي تأليف ثقة الاسلام ابى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي (رحمه الله) المتوفي سنة 328 / 329 ه‍ مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح صححه وقابله وعلق عليه على اكبر الغفاري عنى بنشره الشيخ محمد الآخوندى مؤسس دار الكتب الاسلامية ” طهران – بازار سلطاني ” حقوق الطبع والتقليد بهذه الصورة المزدانة بالتعاليق والحواشي محفوظة للناشر الطبعة الثانية 1389 ه‍ ق 1348 ه‍ ش الجزء الثامن


[ 2 ]

كتاب الروضة بسم الله الرحمن الرحيم 1 – محمد بن يعقوب الكليني (1) قال: حدثني على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن محمد بن اسماعيل بن بزيع (2)، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبى عبد الله (عليه السلام) أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها. قال: وحدثني (3) الحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن إسماعيل بن مخلد السراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا ربكم العافية وعليكم بالدعة (4) والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم (5) دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التى أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم


(1) هذا قول احد رواة الكافي، النعماني أو الصفواني أو غيرهما. (2) معطوف على ابن فضال لان ابراهيم بن هاشم من رواته. (آت). (3) اي قال ابراهيم بن هاشم: وحدثني… الخ. (4) الدعة: الخفض والطمأنينة. (5) المجاملة: المعاملة بالجميل. والضيم: الظلم. والمماظة – بالمعجمة -: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم. وقوله: ” بالتقية ” متعلق ” بدينوا ” وما بينهما معترض. (في)

[ 3 ]

بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر ولو لا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم (1) وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شئ (2) وحيلهم وسواس بعضهم إلى بعض فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق، فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم إلا من خير. وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم (3) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به فإن زلق اللسان فيما يكره الله وما [ ي‍ ] نهى عنه مرداة (4) للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمي وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله: ” صم بكم عمي فهم لا يرجعون (5) ” يعني لا ينطقون ” ولا يؤذن لهم فيعتذرون ” (6).


(1) السطو: القهر اي وثبوا عليكم وقهروكم. (2) قال العلامة المجلسي – رحمه الله -: اعلم انه يظهر من بعض النسخ المصححة انه قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات وتاخير بعضها وفيها قوله: ” ولا صبر لهم ” متصل بقوله فيما بعد: ” من اموركم ” هكذا: ” ولا صبر لهم على شئ من اموركم تدفعون انتم السيئة – إلى آخر ما سيأتي – ” وهو الصواب وسيظهر لك مما سنشير إليه في كل موضع من مواضع الاختلاف صحة تلك النسخة واختلال النسخ المشهورة اه‍. اقول: نقل هذه الرسالة صاحب الوافي – رحمه الله – عن الكافي في روضة الوافي عن مثل تلك النسخة التي اشار إليها العلامة المجلسي ولكن لم نعثر عليها مع كثرة ما لدينا من النسخ ولا يسعنا تغييرها عن هذه الصورة المشوشة فاثبتناها هكذا واوردناها بتمامها عن الوافي في آخر هذا المجلد مشفوعة بتفسير غريبها وتوضيح مشكلها. (3) ” ان تزلقوا ” بالزاي المعجمة – بمعنى النصر والفرح. وفي بعض النسخ بالذال المعجمة اخت الدال والمعنى ظاهر. (4) في بعض النسخ [ وفيما ينهى ] والمرداة بغير الهمزة مفعلة من الردى بمعنى الهلاك. (5) في بعض النسخ [ لا يعقلون ] وكلاهما في سورة البقرة: 18 و 171. (6) المرسلات: 36.

[ 4 ]

وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التى تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها، وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة [ له ] فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله وإياكم أن تشره أنفسكم (1) إلى شئ مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الآبدين. واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها، ويل لاولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجيركم (2) في مثالهم ابدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلا به. فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به (3) فإنه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم


(1) في بعض النسخ [ لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله الخ ]. وشره – كفرح -: غلبه حرصه. (2) اي استعيذوا بالله من ان يكون اجارته تعالى اياكم على مثال اجارته لهم فانه لا يجيرهم من عذابه في الاخرة وانما اجارهم في الدنيا. وفي بعض النسخ [ ان يجريكم ] وفي بعضها [ من مثالهم ] فالمراد استجيروا بالله لان يجيركم من مثالهم اي من ان تكونوا مثلهم. (آت). (3) لعل المراد: اتقوا الله ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند ارادة الله اتمام ما أعطاكم من دين الحق، ثم بين (عليه السلام) الاتمام بانه انما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم. فالمراد الامر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن وذكر فائدة الابتلاء بانه سبب لتمام الايمان فلذا يبتليكم. (آت).

[ 5 ]

وأموالكم وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا (1) بجنوبكم وحتى يستذلوكم ويبغضوكم وحتى يحملوا [ عليكم ] الضيم فتحملوا منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله عز وجل يجترمونه (2) إليكم وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل (عليه السلام) على نبيكم (صلى الله عليه وآله) سمعتم قول الله عز وجل لنبيكم (صلى الله عليه وآله): ” فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم (3) ” ثم قال: ” وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا (4) ” فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق فإن سركم أمر الله (5) فيهم الذي خلقهم له في الاصل – أصل الخلق – من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الاصل ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: ” وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ” (6) فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار. وقال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقائيس أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم


(1) يقال: عرك الاذى بجنبه اي احتمله. (2) في القاموس: اجترم عليهم واليهم جريمة: جنى جناية. (3) الاحقاف: 35. (4) الانعام: 34. وفيها ” ولقد كذبت.. الخ “. (5) في النسخة المصححة التي اومأنا إليها قوله: ” أن سركم ” متصل بما سيأتي في آخر الرسالة: ” أن تكونوا مع نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) ” إلى آخر الرسالة وهو الاصوب. (آت) (6) القصص: 41. وفيها ” وجعلناهم ائمة يدعون… الخ “.

[ 6 ]

بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم وهم الذين من سألهم – وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم – أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذى أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة (1) فاولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الامر حراما وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد إليهم رسول الله (صلى عليه وآله) قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأى الناس بعدما قبض الله عز وجل رسوله (صلى الله عليه وآله) وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) وبعد موته هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد (صلى الله عليه وآله) أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه؟ فإن قال: نعم، فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا وإن قال: لا، لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله وقوله الحق: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (2) ” وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) وبعد قبض الله محمدا (صلى الله عليه وآله) وكما لم يكن لاحد من الناس مع محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمد (صلى الله عليه وآله) فكذلك لم يكن لاحد من الناس بعد محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه.


(1) اي عالم الارواح. (آت). (2) آل عمران: 144.

[ 7 ]

وقال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة (1) إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فإن الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن الله لا يدرك شئ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق: ” وذروا ظاهر الاثم وباطنه (2) ” واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول الله (صلى عليه وآله) وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم فإن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا (3) مع ذلك طاعة ربكم. وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو؟ إنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب


(1) اعلم ان رفع اليدين في تكبير الافتتاح لا خلاف في انه مطلوب للشارع بين العامة والخاصة والمشهور بين الاصحاب الاستحباب وذهب السيد – ره – من علمائنا إلى الوجوب واما الرفع في سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين ايضا استحبابه وقال الثوري وابو حنيفة وابراهيم النخعي: لا رفع الا عند الافتتاح وذهب السيد – ره – إلى الوجوب في جميع التكبيرات ولما كان في زمانه (عليه السلام) عدم استحباب الرفع اشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك يشهروا بذلك فيعرفونهم. (آت). (2) الانعام: 120. (3) جواب للامر اي انكم إذا جاملتم الناس عشتم مع الامن وعدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما امركم به من التقية. وفي بعض النسخ [ تجمعون ] فيكون حالا عن ضميري الخطاب اي ان اجمعوا طاعة الله مع المجاملة، لا بأن تتابعوهم في المعاصي وتشاركوهم في دينهم بل بالعمل بالتقية فيما أمركم الله فيه بالتقية. (آت).

[ 8 ]

الله ومن أظلم عند الله ممن أستسب لله ولاولياء الله، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وآثار الائمه الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لانهم هم الذين امر الله بطاعتهم و ولايتهم وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الاهواء، ألا إن اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار ولن ينال شئ من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا لان الصبر والرضا من طاعة الله، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره، وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم (1)، وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمرني ربي بحب المساكين المسلمين [ منهم ]، واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد مقتا، قاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن الله أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين. وإياكم والعظمة والكبر فإن الكبر رداء الله عز وجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة، وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله، وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد، و إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم فإن أبانا رسول الله


(1) (إياكم) عطف على المؤمنين.

[ 9 ]

(صلى الله عليه وآله) كان يقول: إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة، وليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم الملسمين أن تعسروه (1) بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما ومن أنظر معسرا أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل، وإنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب الله لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الاضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولا كنه فضلها إلا الله رب العالمين. وقال: اتقوا الله أيتها العصابة وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج الامام فإن محرج الامام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الامام، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين لحرمته، واعلموا أنه من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج الامام، فإذا فعل ذلك عند الامام أحرج الامام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لاحراج أعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسله على اولئك (2).


(1) عسر الغريم يعسره: طلب منه على عسرته كاعسره. (القاموس). (2) ” محرج الامام ” في الصحاح: أحرجه إليه ألجأه. وفيه: سعى به إلى الوالي إذا وشى به يعني نمه وذمه عنده. أقول: الظاهر ان المراد لا تكونوا محرج الامام اي بان تجعلوه مضطرا إلى شئ لا يرضى به، ثم بين (عليه السلام) بان المحرج هو الذي يذم اهل الصلاح عند الامام ويشهد عليهم بفساد وهو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الامام فيلزم الامام ان يلعنهم فإذا لعنهم وهم غير مستحقين لذلك تصير اللعنة عليهم رحمة وترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الامام إلى ذلك. أو المراد انه ينسب الواشي إلى اهل الصلاح عند الامام شيئا بمحضر جماعة يتقى منهم الامام فيضطر الامام إلى ان يلعن من نسب إليه ذلك تقية. ويحتمل ان يكون المراد ان ” بقية الحاشية في الصفحة الآتية “

[ 10 ]

واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل. وقال: من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون قال: ” اولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين و حسن اولئك رفيقا (1) ” فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الائمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره ان يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا وإجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن فلم يبق شئ مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله (2)، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا، وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن و بطنه وقد قال الله تعالى: ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (3) ” (إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع (4)) يعنى المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله: ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون “.


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” محرج الامام هو من يسعى باهل الصلاح إلى ائمة الجور ويجعلهم معروفين عند ائمة الجور بالتشيع فيلزم ائمة الحق لرفع الضرر عن انفسهم وعن اهل الصلاح ان يلعنوهم ويتبرؤوا منهم فيصير اللعنة إلى الساعين وائمة الجور معا وعلى هذا المراد باعداء الله ائمة الجور وقوله: ” إذا فعل ذلك عند الامام ” يؤيد المعنى الاول. هذه من الوجوه التي خطر بالبال والله اعلم ومن صدر عنه (صلوات الله عليه). (آت). (1) النساء: 69. (2) اي في الفواحش، فقوله تعالى اجتناب الفواحش يشمل اجتناب جميع المحرمات. وقوله: ” فمن دان الله ” اي عبد الله فيما بينه وبين ربه اي مختفيا ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى من سواه. (3) آل عمران: 135. (4) اي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص واسماعيل.

[ 11 ]

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شئ من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار. واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله (1)، إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا ولا قوة إلا بالله. وقال: وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم. واعلموا أن الاسلام هو التسليم والتسليم هو الاسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الاحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الاحسان. وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة إلى نفسه وليس بين الاحسان والاساءة منزلة، فلاهل الاحسان عند ربهم الجنة ولاهل الاساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه، واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد (صلوات الله عليهم) ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر. واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله عز وجل قال للمنافقين وقوله الحق: ” إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (2) ” ولا يفرقن (3) أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ممن أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الانس والجن وإن لشياطين الانس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق


(1) في بعض النسخ [ فجدوا ] وفي بعضها [ فخذوا ]. (2) النساء: 145. (3) الفرق: الخوف. اي ولا يخافن. وفي بعض النسخ [ لا يعرفن ].

[ 12 ]

في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواءا كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله: ” ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءا (1) ” ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الانس ومكرهم من اموركم تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم لا يحل لكم أن تظهروهم على اصول دين الله فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجهدوا على هلاككم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فإنه لا ينبغي لاهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزله أهل الباطل لان الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول: ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار (2) ” أكرموا أنفكسم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى – وله المثل الاعلى – وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لاهل الباطل (3) فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا، فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمة، أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغا [ ل‍ ] كم الغوائل، هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به وإياكم والتجبر على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم إلا بالله. وقال (عليه السلام): إن العبد إذا كان خلقه الله في الاصل – أصل الخلق – مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه (4) عافاه الله من الكبر


(1) النساء: 88. (2) ص: 28. (3) العرضة: الحيلة. (4) في بعض النسخ [ منه ] في الموضعين.

[ 13 ]

أن يدخله والجبرية، فلانت عريكته (1) وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ، وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل – أصل الخلق – كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر. سلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته فإن الله أمر بولاية الائمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله: ” وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا (2) ” وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الائمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله (صلى الله عليه وآله) ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به انبياءه وأتباعهم المؤمنين، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم، وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم. واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام: فإذا أعطاه ذلك أنطق


(1) الجبرية – بكسر الجيم والراء وسكون الباء وبكسر الباء ايضا وبفتح الجيم وسكون الباء -: التكبر. والعريكة الطبيعة. (2) الانبياء: 73.

[ 14 ]

لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا، وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذى لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة، فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفيكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين. ومن سره ان يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) قل: ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم (1) “؟ والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين. (صحيفة علي بن الحسين عليهما السلام) * (وكلامه في الزهد) * 2 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبى حمزة قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين (عليهما السلام) إلا ما بلغني من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال أبو حمزة: كان الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته، قال أبو حمزة و قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين (عليهما السلام) وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان ما فيها:


(1) آل عمران: 31.

[ 15 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين، أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها، المفتتنون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد (1) غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، والله إن لكم مما فيها عليها [ ل‍ ] دليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها (2) وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل (3) وتضع الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه، إن الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن (4) وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب (5) عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله، فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد و سلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة (6) مع القوم الظالمين، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر (7) وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة، فلقد لعمري استدبرتم الامور الماضية في الايام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك (8) فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الارض بغير الحق، فاستعينوا بالله و ارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فاطيع.


(1) الحطام: ما يكسر من اليبس، والهامد: البالي المسود المتغير، واليابس من النبات والهشيم من النبات: اليابس المتكسر. والبائد: الذاهب المنقطع أو الهالك. (2) المثلات: العقوبات. (3) الخامل: الساقط الذي لا نباهة له. (4) في بعض النسخ [ ملمات ]. (5) التثبيط: التعويق والشغل عن المراد. (6) الشناءة: البغض وشنأه: أبغضه. (7) في بعض النسخ [ حديدة النظر ]. (8) الانهماك: التمادي في الشئ واللجاج فيه.

[ 16 ]

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان (1) فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن ارباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له و رغبوا إليه وقد قال الله: ” إنما يخشى الله من عباده العلماء (2) ” فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجا للنجاة فقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الامر منكم. واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمسائلة والعرض على رب العالمين يومئذ لا تكلم نفس إلا باذنه. وأعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور، له الحجة على خلقه بالرسل والاوصياء بعد الرسل فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة الله (3) وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالامس في جنب الله وضيع من حقوق الله واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة ويعفوا عن السيئة ويعلم ما تفعلون وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم (4) واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولى الله كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض (5) حر النار


(1) الالف: الاليف. (2) فاطر: 28. (3) في بعض النسخ [ في اصلاح انفسكم في طاعة الله ]. (4) الساحة: الناحية. (5) (مضض) كفرح: الم. والمضض – محركة – وجع المصيبة.

[ 17 ]

واعتبروا يا أولي الابصار وأحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين. 3 – أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي، عن عبد الواحد بن الصواف، عن محمد ابن اسماعيل الهمداني، عن أبى الحسن موسى (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الطالب الراجي وثقة الهارب اللاجي واستشعروا التقوى شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة و تسلكوا به طريق النجاة، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي (1) الساكن وتفجع المترف الآمن من لا يرجى منها ما تولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر، وصل البلاء منها بالرخاء والبقاء منها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن، فهى كروضة اعتم مرعاها (2) واعجبت من يراها، عذب شربها، طيب تربها، تمج عروقها الثرى (3) و تنطف فروعها الندى، حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه (4) هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق فأصبحت كما قال الله: ” هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا (5) “، انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم.


(1) الثاوي: القائم. والمترف الطاغى، اترفته النعمة: اطغته. (2) اعتم النبت اي اكتهل واكتهل النبات اي تم طوله وظهر نوره. (3) في المصباح: مج الرجل الماء من فيه من باب قتل: رمى به. وقال: الثرى – وزان الحصا: ندى الارض انتهى. ونطف الماء ينطف – بكسر وضم -: إذا قطر قليل قليل. (4) العشب: الكلاء الرطب: وإبان الشئ حينه أو أوله. (5) الكهف: 46.

[ 18 ]

(خطبة لامير المؤمنين (عليه السلام)) * (وهي خطبة الوسيلة) * 4 – محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت على أبى جعفر (عليه السلام) فقلت: يا ابن رسول الله قد أرمضني (1) اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال: يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في أيامه، يا جابر اسمع وع، قلت: إذا شئت (2)، قال: إسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك حين فرغ من جمع القرآن، وتأليفه فقال: الحمد لله الذي منع الاوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبة والتشاكل بل هو الذى لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الاشياء لا على اختلاف الاماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه، إن قيل: كان، فعلى تأويل أزلية الوجود وإن قيل: لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا. نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان


(1) ارمضني اي احرقني واوجعني. (2) اي إذا شئت يا ابن رسول الله سمعت منك ووعيت وما اخبرت احدا من الناس، فحسب جابر ان مراد الامام (عليه السلام) بقوله: (وع) يعني لا تخبر احدا من الناس فاجابه (عليه السلام) بان قال: اسمع وع إلى ان تبلغ بلادك فإذا انتهت بك راحلتك إلى بلادك فبلغ شيعتنا.

[ 19 ]

العمل، خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيكم ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” (صلى الله عليه وآله) وسلم تسليما. أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة ولا كنز أغنى من القنوع ومن أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوء خفض الدعة (1) والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم (2) في الذنوب وهو داعي الحرمان و البغي سائق إلى الحين والشره (3) جامع لمساوي العيوب، رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تؤول إلى الخسران، ألا ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب (4) وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن. أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذب (5)، ولا حافظ أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت. أيها الناس [ إنه ] من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لاخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشف عورات بيته (6) ومن نسي زلله استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل


(1) اي تمكن واستقر في متسع الراحة. والاحتكار: الجمع والامساك. (في) (2) التقحم: الدخول في الامر من غير روية. (3) الحين – بالفتح -: الهلاك والشره: الحرص. (4) في بعض النسخ [ مفظعات ]. (5) السوءة: الخصلة القبيحة. (6) في بعض النسخ [ انهتك حجاب بيته ].

[ 20 ]

ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط الانذال حقر (1)، ومن حمل ما لا يطيق عجز. أيها الناس إنه لا مال [ هو ] أعود من العقل (2)، ولا فقر [ هو ] أشد من الجهل، ولا واعظ [ هو ] أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت. أيها الناس في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير، حاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع يدرك به الحاجة، وواصف يعرف به الاشياء، وأمير يأمر بالحسن، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعز تسكن به الاحزان (3) وحاضر تجلى به الضغائن (4)، ومونق تلتذ به الاسماع. أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم (5) كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لا يوقر يتوبخ (6)، ومن يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم (7) ومن لم يعط قاعدا منع قائما (8)، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.


(1) الانذال: السفهاء والاخساء. (2) الاعود: الانفع. (3) ” معز ” من التعزية بمعنى التسلية. (4) في تحف العقول ” وحامد تجلى به الضغائن ” والضغينة: الحقد والمونق: المعجب وفي بعض النسخ [ تلهى به الاسماع ] وفي بعضها [ يلهى الاسماع ]. (5) الحكم – بالضم -: الحكمة. (6) في بعض النسخ ” ومن يتق ينج ” موضع ” ومن لا يوقر يتوبخ “. (7) يعني من لا يدع الشر وما لا ينبغي على اختيار يدعه على اضطرار. (في) (8) يعني ان الرزق قد قسمه الله فمن لم يرزق قاعدا لم يجد له القيام والحركة. (في).

[ 21 ]

أيها الناس إن المنية قبل الدنية والتجلد قبل التبلد (1)، والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر، وغض البصر (2) خير من كثير من النظر، والدهر يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر (3) وإذا كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن (4). – وفي نسخة وكلاهما سيختبر -. أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الاسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن اسعد بالرضى نسي التحفظ (5)، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الامن استلبته العزة (6) – وفي نسخة أخذته العزة، – وإن جددت له نعمة أخذته العزة، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء (7) – وفي نسخة جهده البكاء – وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة (8)، فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد. أيها الناس إنه من فل ذل (9)، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس ومن كثر حلمه


(1) يعني ان الموت خير من الذلة فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف وفي نهج البلاغة: ” المنية ولا الدنية والتقلل ولا التوسل ” وهو أوضح وعلى هذا يكون معنى ” والحساب قبل العقاب ” أن محاسبة النفس في الدنيا خير من التعرض للعقاب في الاخرى والتجلد: تكلف الشدة والقوة والتبلد ضده. (في). (2) في بعض النسخ [ عمى البصر ] ولعله اظهر. (آت). (3) البطر: شدة الفرح. (4) في بعض النسخ [ سيخسر ] وفي بعضها [ سيحسر ] – بالمهملات – بمعنى الكشف. (5) لعل المراد انه إذا اعين بالرضا وسر لم يتحفظ عما يوجب شينه من قول وفعل. (في). (6) كأنها بالاهمال والزاى ويحتمل الاعجام والراء وكذا في اختها الا انه ينبغي ان تكون الثالثة على خلاف الاوليين أو احداهما. (في). (7) عضه: امسكه باسنانه. (8) اي ملاءته حتى لا يطيق النفس. (9) فل – بالفاء – اي كسر (في). وفى بعض النسخ بالقاف اي من قل في الاحسان والجود في كل ما هو كمال إما في الاخرة أو في الدنيا فهو ذليل أو من أعوانه ذل. (ماخوذ من آت).

[ 22 ]

نبل، ومن أفكر في ذات الله تزندق (1)، ومن أكثر من شئ عرف به ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لاقلاله. أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الابلج واللئيم الملهوج (2). أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الانفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم (3) للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف، والاعتبار يقود إلى الرشاد، وكفاك أدبا لنفسك (اجتناب) ما تكرهه لغيرك، وعليك لاخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبر (4) قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ (5) ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول (6)، ومن حصن


(1) النبالة: الفضل والشرف والفعل بضم الباء. وقوله: ” أفكر ” أفكر في الشئ وفكر وتفكر بمعنى واحد. وتزندق اي صار زنديقا. (آت). (2) الملهوج هو الحريص – مفعول بمعنى الفاعل – كمسعود ووجه اشترائهما الموت رضائهما به لان الكريم إذا اشتهر توجه الناس إليه بما عجز عن قدر اشتهاره وعلو همته وخجل مما نسب إليه فرضى بالموت. واما الحريص فلانه لم يبلغ ما حرص عليه فلا يزال يتعب نفسه ويزيد حرصه فيتمنى بذلك الموت. (في) وقال العلامة مجلسي (ره): الكريم يتمنى الموت لشدة حرصه في الكرم وقلة بضاعته واللئيم يشتراه لانه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه وينقص من ماله شئ بالضرورة وهو مخالف لسجيته ويرى الناس في نعمة فيحسدهم عليها فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه. (3) في الوافى [ وتفطنه الفهم ] وقال الفيض – رحمه الله – تذكير البارز باعتبار المرء وما يدعو بدل من المواعظ. (4) في بعض النسخ [ والتدبير ]. (5) استقبال وجوه الاراء ملاحظتها واحدا واحدا. (في). (6) عدلت من التعديل ويحتمل ان يكون بالتخفيف بمعنى المعادلة أي بمفرده يعدله ساير العقول. (في) وفي بعض النسخ [ ومن حصر شهوته ].

[ 23 ]

شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، وفي تقلب الاحوال علم جواهر الرجال، والايام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة (1) ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم (2) خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه (3)، وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان (4) ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، وقل ما تصدقك الامنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الاخلاق كنوز الارزاق، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره (5) ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه، وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤون (6) وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد، ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل اكلة غصصا، لا تنال نعمة إلا بزوال اخرى، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل وأنت قوت الموت. أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الارض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار يتنازعان وفي نسخة اخرى يتسارعان (7) في هدم الاعمار.


(1) لعل المراد انه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ وتستضيئ دائما بانوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات ويحتمل ان يكون المراد لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب. (آت). (2) بفتح الواو أي البار والمعدم: الفقير لانه اعدم المال كما أن المكثر أكثره. (في). (3) اي من اطلق عينه ونظره كثر اسفه لانه ربما يتعلق بقلبه مما نظر إليه ما يلهيه عن المهمات أو يوقعه في الافات. (في). (4) يعني يحملك في الاكثر على المبالغة والزيادة في القول. (في). (5) يعني وهو في آخر عمره ولا يدرى به والغرض منه الترغيب في الانتهاء عن الذنب و المبادرة إلى التوبة منه. (في). (6) اي اقصد الوسط العدل من القول وجانب التعدي والافراط والتفريط ليخف عليك المؤون فان من قال جورا أو ادعى امرا باطلا يشتد عليه الامر لعدم امكانه اثباته. (آت). (7) في بعض النسخ [ والليل والنهار يتسارعان – وفي نسخة اخرى – يتنازعان في هدم الاعمار ].

[ 24 ]

يا أيها الناس كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام، إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب، لا ترغب فيمن زهد فيك، رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار، ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل، استر عورة أخيك كما تعلمها فيك (1)، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر على ضره طال حزنه وعذب نفسه، من خاف ربه كف ظلمه – وفي نسخة من خاف ربه كفي عذابه – ومن لم يزغ (2) في كلامه أظهر فخره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة، إن من الفساد إضاعة الزاد، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم وما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر، تصفية العمل أشد من العمل وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد، هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب (3). أيها الناس إن الله تعالى وعد نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) الوسيلة ووعده الحق ولن يخلف الله وعده، ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة (4) ونهاية غاية الامنية، لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام (5) وهو ما بين مرقاة درة


(1) في بعض النسخ [ لما تعلمها ]. والمقيل من القيلولة. (2) اي من لم يمل في كلامه عن الحق. وفي بعض النسخ بالمهملة من رعى يرعى اي عدم الرعاية في الكلام يوجب اظهار الفخر ويمكن ان يكون بضم الراء من الروع بمعنى الخوف وفي بعض النسخ بالمعجمة يقال: كلام مرغ إذا لم يفصح عن المعنى فالمراد ان انتظام الكلام والفصاحة فيه اظهار للفخر والكمال فيكون مدحا لازما وفي امالي الصدوق [ والفقيه ] ومن لم يرع في كلامه اظهر هجره والهجر: الفحش وكثرة الكلام في ما لا ينبغي ولعله اظهر. (ماخوذ من آت). (3) الدهاء: جودة الرأي والفطنة. (4) اي اعلاها والزلفة: القرب ولا يخفى لطف الاستعارة. (في). (5) حضر الفرس – بالضم – عدوه. وزاد في بعض النسخ [ وفي نسخة الف عام ].

[ 25 ]

إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوته، إلى مرقاة زمردة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج (1)، إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور (2) قد أنافت على كل الجنان ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ قاعد عليها، مرتد بريطتين (3) ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة (4) قد أشرق بنوره الموقف وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهى دون درجته وعلي ريطتان ريطة من أرجوان النور (5) وريطة من كافور والرسل والانبياء قد وقفوا على المراقي، وأعلام الازمنة وحجج الدهور (6) عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول (صلى الله عليه وآله) غمامة بسطة البصر (7) يأتي منها النداء: يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الامي العربي ومن كفر فالنار موعده وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول (صلى الله عليه وآله) ظلة (8) يأتي منها النداء: يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الامي والذي له الملك الاعلى، لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقى خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الازمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءا بما كنتم تعملون وما من رسول سلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا امته بالمرسل الوارد من بعده ومبشرا برسول الله


(1) يلنجوج: عود البخور. (2) تشبيه المراقي بالجواهر إشارة إلى اختلاف الدرجات في الشرف والفضل. (في). وقوله: ” قد انافت ” اي ارتفعت واشرفت. (3) الريطة: كل ثوب رقيق لين. (4) الاكليل: التاج. (5) اي ثياب حمر وشجر له ورد. (6) اي الاوصياء وسائر الائمة (عليهم السلام). (7) اي قدر مد البصر. (8) في بعض النسخ [ ظلمة ].

[ 26 ]

(صلى الله عليه وآله) وموصيا قومه باتباعه ومحليه عند قومه ليعرفوه بصفته وليتبعوه على شريعته ولئلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك [ أ ] وضل بعد وقوع الاعذار والانذار عن بينة وتعيين حجة، فكانت الامم في رجاء من الرسل وورود من الانبياء ولئن اصيبت بفقد نبي بعد نبى على عظم مصائبهم وفجائعها بهم (1) فقد كانت على سعة من الامل ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله) لان الله ختم به الانذار (2) و الاعذار وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ومهيمنه (3) الذي لا يقبل إلا به ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال: في محكم كتابه: ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (4) ” فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه وشاهدا له على من اتبعه وعصاه وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم (5) ” فاتباعه (صلى الله عليه وآله) محبة الله ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة وفى التولي عنه والاعراض محادة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار و ذلك قوله: ” ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده (6) ” يعني الجحود به والعصيان له فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي أضداده وأفنى بسيفي جحاده و جعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على المجرمين وشد بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في امته فقال (صلى الله عليه وآله) وقد حشده (7) المهاجرون والانصار وانغصت (8) بهم المحافل: أيها الناس إن عليا مني كهارون (9) من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون


(1) في بعض النسخ [ وفجايعهم ]. (2) في بعض النسخ [ حسم ] اي قطع. (3) المهيمن: القائم الحافظ والمشاهد والمؤتمن. (4) النساء: 80. (5) آل عمران: 31. (6) هود: 17. (7) حشد القوم اي اجتمعوا. (8) اي تضيقت بهم المحافل. (9) في بعض النسخ [ بمنزلة هارون ].

[ 27 ]

عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لابيه وامه كما كان هارون أخا موسى لابيه وامه ولا كنت نبيا فاقتضى نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون (عليهما السلام) حيث يقول: ” اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين (1) ” وقوله (صلى الله عليه وآله) حين تكلمت طائفة فقالت: ” نحن موالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى حجة الوادع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله ” من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه و عاد من عاداه ” فكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله. وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (2) ” فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصا لي وتكرما نحلنيه وإعظاما وتفضيلا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) منحنيه (3) وهو قوله تعالى: ” ثم ردوا إلى الله موليهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (4) ” في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الاشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهاله فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لانفسهما مهدا، يتلاعنان (5) في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا إلتقيا: ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، فيجيبة الاشقى على رثوثة (6): يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد


(1) الاعراف: 142. (2) المائدة: 3. (3) قوله (عليه السلام): ” انزل الله تعالى اختصاصا لي وتكريما نحلنيه ” لعل مراده (عليه السلام) ان الله سبحانه سمى نفسه بمولى الناس وكذلك سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه به، ثم نحلاني ومنحاني واختصاني من بين الامة بهذه التسمية تكريما منهما لي وتفضيلا وإعظاما. أو أراد (عليه السلام) أن رد الامة إليه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رد إلى الله عز وجل وان هذه الاية انما نزلت بهذا المعنى كما نبه عليه بقوله: ” وكانت على ولايتي ولاية الله ” وذلك لانه به كمل الدين وتمت النعمة ودام من رجع إليه من الامة واحدا بعد واحد إلى يوم القيامة. أو اراد (عليه السلام) ان المراد بالمولى في هذه الاية نفسه (عليه السلام) وانه مولاهم الحق لان ردهم إليه رد إلى الله تعالى. (في). (4) الانعام: 62. (5) ظاهر الفقرات ان هذه الخطبة كانت بعد انقضاء دولتهما وهو ينافي ما مر في اول الخبر من انها كانت بعد سبعة ايام من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ولعله اخبار عما سيكون. (6) الرثاثة: البذاذة ومن اللباس: البالي. وفي الوافي ” على وثوبه “.

[ 28 ]

اضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا، فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب، ولئن رتعا في الحطام المنصرم (1) والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود، في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة (2)، مالهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة، إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك و ينصبون لها العتائر ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ويستقسمون بالازلام (3) عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى البعاد (4)، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة (5) فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة واسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة والكثرة بعد القلة وهابتهم القلوب والابصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كوف (6) وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان وأولجناهم (7) باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الايمان وفلجوا بنا في العالمين وابدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل


(1) الرتع: التنعم. والحطام: الهشيم ومن الدنيا كل ما فيها يفنى ويبقى. والمنصرم: المنقطع. (2) نعق بغنمه: صاح. (3) العتائر: جمع العتيرة وهي شاة كانوا يذبحونها في رجب لالهتهم. والبحيرة والسائبة: ناقتان مخصوصتان كانوا يحرمون الانتفاع بهما. والوصيلة: شاة مخصوصة يذبحونها على بعض الوجوه ويحرمونها على بعض. والحام: الفحل من الابل الذي طال مكثه عندهم فلا يركب ولا يمنع من كلاء وماء. والاستقسام بالازلام: طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم بالاقداح. والعمه: التحير والتردد. (في). (4) المندوحة: السعة. والاهطاع: الاسراع. وفي بعض النسخ [ جائزين عن الرشاد ]. و الاستحواذ: الاستيلاء. (5) في بعض النسخ [ رضعوا جهالة وانفطموا ضلالة ]. والانفطام: الفصل عن الرضاع اي كانوا في صغرهم وكبرهم في الجهالة والضلالة وفي بعض النسخ [ وانتظموها ضلالة ] فالضمير راجع إلى الجهالة اي انتظموها مع الجهالة في سلك ولعله تصحيف. (آت). (6) اي تفرق وتقطع. وفي بعض النسخ [ حوب ]. وهو الوحشة والحزن. (7) أي ادخلناهم.

[ 29 ]

قانت ومعتكف زاهد، يظهرون الامانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة (1) أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الاعقاب وانتكصوا على الادبار وطلبوا بالاوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا (2) الديار وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بسمتخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممن اختار رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الانصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الاسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مضى ولم يستخلف فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الاسلام وعن قليل يجدون غب ما يعملون وسيجد التالون غب ما أسسه الاولون (3) ولئن كانوا في مندوحة من المهل (4) وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الامل فقد أمهل الله عز و جل شداد بن عاد وثمود بن عبود (5) وبلعم بن باعور وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة وأمدهم بالاموال والاعمار وأتتهم الارض ببركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الاهابة له (6) والانابة إليه ولينتهوا عن الاستكبار فلما بلغوا المدة واستتموا الاكلة أخذهم


(1) الفلج: الفوز والظفر. والمثابة: موضع الثواب ومجتمع الناس بعد تفرقهم. والخفقة: النعاس. والوميض: اللمع الخفي. (2) والانتكاس: الرجوع. والردم: السد. و ” فلوا ” بالفاء واللام المشددة اي كسروا ولعله كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم وبذل الجهد في خذلانهم وفي بعض النسخ (وقلوا) بالقاف اي ابغضوا داره واظهروا عداوة البيت. (آت). (3) الغب – بتشديد الباء -: العاقبة. (4) اي كانوا في سعة من المهلة. والشفا – مقصورا -: الطرف. اراد (عليه السلام) به طول العمر فكأنهم في طرف والاجل في طرف آخر. (في). (5) ثمود بن عبود كتنور وثمود: اسم قوم صالح النبي (عليه السلام). (آت). (6) في بعض النسخ [ ليعترفوا الاهابة له ] وفي بعضها [ ليقترفوا ] والاهابة بمعنى الزجر يقال: اهاب اهابة الراعي بغنمه: صاح لتقف أو لترجع بالابل وايضا زجرها بقوله: ” هاب “.

[ 30 ]

الله عز وجل واصطلمهم (1) فمنهم من حصب (2) ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أحرقته الظلة (3) ومنهم من أودته الرجفة (4) ومنهم من أردته الخسفة (5) ” وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ” ألا وإن لكل أجل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون وآل إليه الاخسرون لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون، ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون وكباب حطة في بني إسرائيل وكسفينة نوح في قوم نوح، إني النبأ العظيم والصديق الاكبر وعن قليل ستعلمون ما توعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب (6) وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات (7) خزيا في الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون فما جزاء من تنكب محجته؟ وأنكر حجته، وخالف هداته وحاد عن نوره واقتحم في ظلمه واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب وبالفوز الشقاء وبالسراء الضراء وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه (8) وسوء خلافه فليوقنوا بالوعد على حقيقته وليستيقنوا بما يوعدون، ” يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج * إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الارض عنهم سراعا – إلى آخر السورة – (9).


(1) الاصطلام: الاستيصال. (2) على بناء المفعول اي رمي بالحصباء وهي الحصا من السماء. (3) الظلة: السحاب. وفي بعض النسخ [ الظلمة ]. (4) اي اهلكته الزلزلة. (5) اي اهلكته الخسف والسوخ في الارض كقارون. (آت). (6) اللعقة – بضم اللام – مصدر: ما تأخذ باصبعك أو في الملعقة وأيضا: القليل مما يلعق. وبالفتح: المرة. والوسنان: من اخذته السنة وهو النائم الذي لم يستغرق في النوم. (7) المعرة: الاثم والغرم والاذى. ومكان ” خزيا ” في بعض النسخ [ جزاءا ]. (8) استثناء من النفي المفهوم من قوله: ” فما جزاء “. (آت). (9) سورة ق وفيها: ” يوم يسمعون الصيحة بالحق ” وتمام السورة ” يوم تشقق الارض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير. نحن اعلم بما يقولون وما انت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد “.

[ 31 ]

{ خطبة الطالوتية } 5 – محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي قال: حدثنا عبد الله بن أيوب الاشعري عن عمر والاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلا هو، كان حيا بلا كيف (1) ولم يكن له كان، ولا كان لكانه كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شئ، ولا كان على شئ ولا ابتدع لكانه مكانا، ولا قوي بعد ما كون شيئا، ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، ولا يشبه شيئا، ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه، كان إلها حيا بلا حياة، ومالكا قبل أن ينشئ شيئا، ومالكا بعد إنشائه للكون، وليس يكون لله كيف ولا أين ولا حد يعرف، ولا شئ يشبهه، ولا يهرم لطول بقائه، ولا يضعف لذعرة (2)، ولا يخاف كما تخاف خليقته من شئ ولكن سميع بغير سمع، وبصير بغير بصر، وقوي بغير قوة من خلقه، لا تدركه حدق الناظرين ولا يحيط بسمعه سمع السامعين، إذا أراد شيئا كان بلا مشورة ولا مظاهرة ولا مخابرة ولا يسأل أحدا عن شئ من خلقه أراده، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ الرسالة وأنهج الدلالة (صلى الله عليه وآله).


(1) أي بلا حياة زائدة يتكيف بها ولا كيفية من الكيفيات التي تتبع الحياة في المخلوقين، بل حياته علمه وقدرته وهما غير زائدتين على ذاته. وقوله: ” ولم يكن له كان ” الظاهر ان ” كان ” اسم ” لم يكن ” لانه لما قال (عليه السلام): ” كان ” أوهم العبارة زمانا، فنفى (عليه السلام) ذلك بانه كان بلا زمان. أو لان الكون يتبادر منه الحدوث عرفا ويخترع الوهم للكون مبدءا فنفى (عليه السلام) ذلك بان وجوده تعالى أزلي لا يمكن ان يقال: حدث في ذلك الزمان فالمراد: ب‍ ” كان ” على التقديرين ما يفهم ويتبادر أو يتوهم منه. (2) في بعض النسخ [ لا يصعق ]. والذعرة – بالضم -: الخوف وبالتحريك: الدهش.

[ 32 ]

ايها الامة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه (1) والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت (2) بكم السبل وبدت لكم الاعلام وأضاء لكم الاسلام فأكلتم رغدا (3) وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها (4) وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الائمه فتركوكم، فأصبحتم تحكمون باهوائكم إذا ذكر الامر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه؟ (5) رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم (6) وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالامم قبلكم وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم، معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غدا تصيرون، أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق و آخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وانت خير الحاكمين.


(1) في بعض النسخ [ صدعت ]. (2) في بعض النسخ [ لتنهجت ] وفي بعضها [ لابتهجت ]. والابتهاج: السرور ونهج اي وضح وتنهج قريب منه. (3) اي واسعة طيبة. (4) الرحب – بالضم -: السعة، اي مع سعتها. (5) اي كيف ينفعكم هذا الاقرار والاذعان وقد تركتم متابعة قائله أو كيف تقولون هذا مع انه مخالف لافعالكم. (آت). (6) الاجترام: الاكتساب. والاجتلاب: جلب الشئ إلى النفس. وفي بعض النسخ [ اجتنيتم ] من اجتناء الثمرة أو بمعنى كسب الجرم.

[ 33 ]

قال ثم خرج من المسجد فمر بصيرة (1) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لازلت أبن أكلة الذبان (2) عن ملكه. قال: فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): اغدوا بنا إلى أحجار الزيت (3) محلقين، وحلق أمير المؤمنين (عليه السلام) فما وافى من القوم محلقا إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في آخر القوم، فرفع يده إلى السماء فقال: اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون، اللهم فإنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى عليك شئ في الارض ولا في السماء، توفني مسلما وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي (4) إلى البيت وفي نسخة والمزدلفة والخفاف إلى التجمير لو لا عهد عهده إلي النبي الامي (صلى الله عليه وآله) لاوردت المخالفين خليج المنية ولارسلت عليهم شآبيب (5) صواعق الموت وعن قليل سيعلمون. 6 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه أبو بصير وقد خفره النفس (6) فلما أخذ مجلسه قاله له أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا محمد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟! قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟! فقال، يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم


(1) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة واغصان الشجرة للغنم والبقر. (2) الذبان – بالكسر والتشديد -: جمع ذباب وكنى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فانهم كانوا في الجاهلية ياكلون من كل خبيث نالوه. (في). (3) احجار الزيت: موضع داخل المدينة. (4) المفضى إلى البيت: ماسه بيده. والخفاف: سرعة الحركة. ولعل المراد بالتجمير رمى الجمار. والخليج: النهر. (في). (5) شآبيب: جمع شؤبوب – بالضم مهموزا – وهو الدفعة من المطر. (آت). (6) الخفر: الحث والاعجال.

[ 34 ]

ويستحيي من الكهول؟ قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لاهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم، قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا (1) انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): الرافضة؟ قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به (2) أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى (عليه السلام) لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لانهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما (عليهما السلام) فأوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى (عليه السلام) الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم (صلى الله عليه وآله) وذهبتم حيث ذهبوا و اخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم ابشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عز وجل بما انتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل: ” الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم… ويستغفرون للذين آمنوا (3) ” استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا


(1) النبز – بالتحريك -: اللقب. (2) في بعض النسخ [ بل الله سماكم به ]. (3) المؤمن: 7.

[ 35 ]

الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (1) ” إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره: ” وما وجدنا لاكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (2) ” يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: ” إخوانا على سرر متقابلين (3) ” والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد ” الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (4) ” والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه فقال عز وجل: ” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الالباب (5) ” فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون و شيعتنا هم أولوا الالباب، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدنى، فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عز وجل بأحد من أوصياء الانبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق: ” يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله (6) ” يعني بذلك عليا (عليه السلام) وشيعته، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول: ” يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (7) ” والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: ” إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (8) ” والله ما أراد بهذا إلا الائمة (عليهم السلام) وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: ” فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن


(1) الاحزاب: 23. (2) الاعراف: 102. (3) الحجر: 47. (4) الزخرف: 67. (5) الزمر: 9. (6) الدخان 42 و 43. (7) الزمر: 53. (8) الحجر: 42.

[ 36 ]

اولئك رفيقا (1) ” فرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله: ” وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار * إتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار (2) ” والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون (3) وفى النار تطلبون يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك، زدني، فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك براء (4) يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية اخرى فقال: حسبي. (حديث أبي عبد الله (عليه السلام)) * (مع المنصور في موكبه) * 7 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير جميعا، عن محمد بن ابي حمزة، عن حمران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) و ذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال: إني سرت مع أبي جعفر المنصور (5) وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا أبا عبد الله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز


(1) النساء: 69. (2) ص: 62 و 63. (3) اي تكرمون وتنعمون وتسرون. (4) براء – ككرام – وفي بعض النسخ (براء) كفقهاء وكلاهما جمع بريئ. (5) يعني الدوانيقي.

[ 37 ]

ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الامر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم (1)، قال: فقلت: ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال: لي أتحلف على ما تقول؟ فقلت: إن الناس سحرة (2) يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي: تذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل الله عز وجل أن يكفيك (3) فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني، فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الامر الذي يقتدي به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الانبياء ويسفك الدماء في الارض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك شك حتى خفت على دينى ونفسي، قال: فقلت: لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكه لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال: الآن سكن قلبي، ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أن لكل شئ مدة؟ قال: بلى فقلت: هل ينفعك علمك أن هذا الامر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا ولو جهدت أو جهد أهل الارض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الاثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان (4) فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ألا تعلم أن من أنتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الاذى والخوف هو غدا في زمرتنا فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق واحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الاهواء، ورأيت الدين قد انكفى كما ينكفي


(1) ” تغرينا ” في بعض النسخ [ تعزينا ] والاغراء: التحريض على الشر. (2) في بعض النسخ [ شجرة ] ولعله تصحيف. والسحر في كلامهم صرف الشئ عن وجهه. (3) اي يصونك من ان يقع منك هذا الامر. (4) اي لا يستخفنك الشيطان.

[ 38 ]

الماء (1)، ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته (2)، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الارحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله، ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر (3) ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في االارض من الفساد (4)، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا، ورأيت اصحاب الايات يحتقرون ويحتقر من يحبهم (5)، ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا، ورأيت بيت الله قد عطل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتسمنون (6) للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها واعطوا


(1) اي انقلب، كفأت الاناء اي قلبته. (2) الفرية: الكذب والبهتان. (3) في بعض النسخ [ رايت البناء قد كثر ]. (4) المرح – بالتحريك -: شدة الفرح والنشاط. (5) اصحاب الايات اي اصحاب العلامات والمعجزات أو الذين نزلت فيهم الايات وهم الائمة أو المفسرون. وفى بعض النسخ [ اصحاب الاثار ] وهم المحدثون. (آت). (6) اي يستعملون الاغذية والادوية للسمن ليعمل معهم القبيح، قال في النهاية: فيه: ” يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون ” اي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف، وقيل: اراد جمعهم الاموال، وقيل: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي اسباب السمن، ومنه الحديث الاخر ” ويظهر فيهم السمن ” وفيه: ” ويل للمسمنات يوم القيامة من فترة في العظام ” اي اللاتي يستعملن السمنة وهو دواء يتسمن به النساء انتهى. (آت).

[ 39 ]

الرجال الاموال على فروجهم وتنوفس في الرجل (1) وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكان الربا ظاهرا لا يعير، وكان الزنى تمتدح به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها (2) على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، ورأيت البدع والزنى قد ظهر، ورأيت الناس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلل ورأيت الحلال يحرم، ورأيت الدين بالرأى وعطل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله (3)، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل، ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت ذوات الارحام ينكحن ويكتفى بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و ماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب، ورأيت الايمان بالله عز وجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لاهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها، لا يمنها أحد أحدا ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذله الذى يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع


(1) اي فروج نسائهم للدياثة ويمكن ان يقرء الرجال بالرفع واعطوا على المعلوم أو المجهول من باب اكلوني البراغيث والاول اظهر. والتنافس: الرغبة في الشئ والافراد به والمنافسة: المغالبة على الشئ وهي المراد ههنا. (آت) وفي بعض النسخ [ وتغار عليه الرجال ]. (2) المصانعة: الرشوة والمداهنة. (3) اي لا ينتظرون دخول الليل ليستروا به المعاصي بل يعملونها في النهار علانية. (آت).

[ 40 ]

الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه، ورأيت الحدود قد عطلت وعمل فيها بالاهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح (1) و يبشر بها الناس بعضهم بعضا، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أديل من العمران (2)، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الامور، ورأيت الصلاة قد استخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه، ورأيت الميت ينبش من قبره (3) ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمشي نشوان (4) ويصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضا ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شئ من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلى ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله، لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ورايت المعازف ظاهرة في الحرمين، ورأيت الرجل يتكلم بشئ من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الاغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون (5) كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من


(1) استملحه أي عده مليحا. (2) الادالة: الغلبة. (3) في بعض النسخ [ ينشر من قبره ]. (4) نشوان أي سكران. (5) السفاد: نزو الذكر على الانثى. اي جهرة في الطرق والشوارع.

[ 41 ]

الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله، ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوء الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفتري عليهما، ورأيت النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة (1) من عمره، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين (2) وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الاذان بالاجر والصلاة بالاجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان (3) بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك، لا يعاقب ويعذر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لاهل الفسوق والجرأة على الله (4)، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة (5) لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس، ورأيت


(1) اي خسران ونقص. (2) تطلق الريح على الغلبة والقوة والرحمة والنصرة والدولة والنفس والكل محتمل و الاخير اظهر. (آت). (3) من الشين اي العيب. (4) اي ميراث اليتيم بان يولوا عليها خائنا يأكل بعضها ويعطيهم بعضها. أو يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما ياخذون منه من الرشوة. (آت). (5) اي لا يتصدقون الا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا لوجه الله. أو يعطون لطلب الناس وإبرامهم. (آت).

[ 42 ]

الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عز وجل النجاة وأعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لامر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل وأعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين وأن رحمة الله قريب من المحسنين. (حديث موسى عليه السلام) 8 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى رفعه قال (1): إن موسى (عليه السلام) ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد. يا موسى كن كمسرتي فيك (2) فإن مسرتي أن أطاع فلا اعصى، فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب (3) جديد القلب تخفى على أهل الارض وتعرف في أهل السماء، حلس البيوت (4) مصباح الليل واقنت بين يدي قنوت الصابرين وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه واستعن بي على ذلك فإني نعم العون ونعم المستعان. يا موسى إني أنا الله فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون (5) فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين.


(1) كذا مرفوعا، مجهولا، موقوفا. (2) هذا تشبيه للمبالغة وحاصله: كن على حال أكون مسرورا بفعالك فكانك تكون مسرورا. (3) الخلق – محركة -: البالي. (4) الحلس: بساط يبسط في البيت. (5) اي صاغرون، عاجزون.

[ 43 ]

يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين. يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون (1) واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في الاولين وبما هو كائن في الآخرين. اوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الاتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب (2) ومن بعده بصاحب الجمل الاحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن (3) على الكتب كلها وأنه راكع ساجد، راغب، راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون (4) ويكون في زمانه أزل وزلزال (5) وقتل، وقلة من المال، اسمه أحمد، محمد الامين من الباقين من ثلة الاولين الماضين، يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالاخلاص لجميع النبيين امته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه، لهم ساعات مؤقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته، فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك. يا موسى إنه أمي وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته، وبه أفتح الساعة وبامته أختم مفاتيح الدنيا (6) فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون، وحبه لي حسنة، فأنا معه


(1) التشاجر: التنازع والتخاصم. (2) الاتان – بالفتح -: الحمارة. والبرنس – بالضم -: قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الاسلام. والمراد بالزيتون والزيت: التمرة المعروفة ودهنها لانه (عليه السلام) كان يأكلهما أو نزلتا له في المائدة من السماء أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروز آبادى اي اعطاه الله بلاد الشام. وبالزيت الدهن الذي روى انه كان في بنى اسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة. والمحراب لزومه وكثرة العبادة فيه. (آت). (3) المهيمن هنا: المشاهد والمؤتمن. (4) اي ليسوا من قومه وعشيرته. (5) الازل: الضيق والشدة. (6) ” به افتح ” الباء للملابسة والغرض اتصال امته ودولته ونبوته بقيام الساعة. (آت).

[ 44 ]

وأنا من حزبه (1) وهو من حزبي وحزبهم الغالبون، فتمت كلماتي لاظهرن دينه على الاديان كلها ولاعبدن بكل مكان ولانزلن عليه قرآنا فرقانا شفاءا لما في الصدور من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي. يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك، لا تستذل الحقير الفقير ولا تغبط الغني بشئ يسير وكن عند ذكري خاشعا وعند تلاوته برحمتي طامعا واسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين، اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن إلي واعبدني ولا تشرك بي شيئا وتحر مسرتي (2) إني أنا السيد الكبير، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين (3)، من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة (4) فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي وتقدس صنيعي (5)، ليس كمثلي شئ وأنا الحي الدائم لا أزول. يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا، عفر وجهك لي في التراب واسجد لي بمكارم بدنك واقنت بين يدي في القيام وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل واحي بتوراتي أيام الحياة وعلم الجهال محامدي وذكرهم آلائي ونعمتي وقل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه، فإن أخذي أليم شديد. يا موسى إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير، ذم نفسك فهي أولى بالذم ولا تتطاول بكتابي على بني اسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا وهو كلام رب العالمين جل وتعالى. يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك، السماء تسبح لي وجلا والملائكة من مخافتي مشفقون والارض تسبح لي طمعا وكل الخلق


(1) أي أنصره وأعينه. (آت). (2) التحري: الطلب. (3) المهين: الحقير والقليل والضعيف. (4) اي مخلوطة من انواع والمراد: اني خلقتك من نطفة واصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الارض وهو آدم (عليه السلام) واخذت طينته من جميع وجه الارض المشتملة على ألوان وأنواع مختلفة. (آت). (5) في بعض النسخ [ صنعى ].

[ 45 ]

يسبحون لي داخرون (1) ثم عليك بالصلاة، الصلاة فإنها مني بمكان ولها عندي عهد وثيق وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي. واقرن مع ذلك صلة الارحام فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ولها عندي سلطان في معاد الآخرة وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك أفعل بمن ضيع أمري. يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان، ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مؤاساتك فيما خولتك (2)؟ واخشع لي بالتضرع واهتف لي بولولة الكتاب (3) واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الاولين. يا موسى لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب، الارض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة وعصياني شقاء الثقلين وانا الرحمن الرحيم، رحمن كل زمان، آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم قائم لا يزول ولا يخفى علي شئ في الارض ولا في السماء وكيف يخفى علي ما مني مبتداه وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة. يا موسى اجعلني حرزك وضع عندي كنزك من الصالحات وخفني ولا تخف غيري إلي المصير. يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.


(1) في بعض النسخ [ داخرين ] وهو حال عن الضمير في يسبحون. (2) التخويل: التمليك. (3) الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة، ورفع الصوت بالبكاء والصياح.

[ 46 ]

يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي فقربا قربانا ولا أقبل إلا من المتقين، فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الاخ والوزير. يا موسى ضع الكبر ودع الفخر واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات. يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ولا ترج غيري، اتخذني جنة للشدائد وحصنا لملمات الامور. يا موسى كيف تخشع لى خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين. يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه ودع الشر لكل مفتون. يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ولا تتبع الخطايا فتندم فإن الخطايا موعدها النار (1). يا موسى أطب الكلام لاهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك (2). يا موسى الموت يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين. يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك: الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف ومسؤول وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شئ فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك (3) يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر المبطلون. يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين.


(1) يعني إذا اردت الكلام فابدأ باستعمال قلبك وعقلك. (2) في بعض النسخ [ يجودون معك ]. (3) الارتياد: الطلب.

[ 47 ]

يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي، لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى. يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها مالك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار. يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع، خذ حقائق التوراة إلى صدرك و تيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير (1). يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه والمؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فادلجته بالاسحار (2) كفعل الراكب السائق إلى غايته يظل كئيبا ويمسى حزينا (3) فطوبى له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور. يا موسى الدنيا نطفة (4) ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم (5) وكذلك فكن كما أمرتك وكل أمري رشاد.


(1) الوكر والوكرة: عش الطائر. (2) الادلاج: السير بالليل وظاهر العبارة انه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل ولم يات فيما عندنا من كتب اللغة قال الفيروز آبادي: الدلج – محركة – والدلجة – بالضم والفتح -: السير من أول الليل وقد أدلجوا، فان ساروا من آخره فادلجوا – بالتشديد – انتهى ويمكن ان يكون على الحذف والايصال ان ادلجت الشهوة معه وسيرته بالاسحار كالراكب الذي يسابق قرينه إلى الغاية التي يتسابقان إليها والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال أو الموت وهو الاظهر. (آت) وقال الفيض – رحمه الله -: هو كناية عن عبادته واجتهاده. (3) الكابة: الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن والمعنى انه يكون في نهاره مغموما وفي ليله محزونا لطلب الاخرة ولكن لو كشف الغطاء حتى يرى ما له في الاخرة يحصل له السرور ما لا يخفى. (آت). (4) النطفة: ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء، كنى بها عن قلتها. (في). (5) اللعقة: القليل مما يلعق واللعس بالفتح: العض والمراد هنا ما يقطعه باسنانه وفي بعض النسخ [ بلعقة لم تبق وبلعة لم تدم ].

[ 48 ]

يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت لي عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين ولا تكن جبارا ظلوما ولا تكن للظالمين قرينا. يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره وما ضرك ما زوى عنك إذا حمدت مغبته (1) يا موسى صرخ الكتاب إليك صرخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون أم كيف يجد قوم لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة ومن دون هذا يجزع الصديقون. يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين، مجيب المضطرين وأكشف السوء وابدل الزمان وآتي بالرخاء وأشكر اليسير واثيب الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم العزيز القدير، فمن لجأ إليك وانضوى إليك (2) من الخاطئين فقل: أهلا وسهلا، يا رحب (3) الفناء بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله وقل لهم فليسألوني من فضلي ورحمتي فإنه لا يمكلها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم. طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين، إنك مني بالمكان الرضي فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق وكن كما أمرتك أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتداه وتقرب إلي فإني منك قريب فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني فأعطيك وان تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله وعلي تمام تنزيله. يا موسى انظر إلى الارض فإنها عن قريب قبرك وارفع عينك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما وابك على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب (4) و


(1) زوى عنك اي بعد عنك: والمغبة: العاقبة. (2) انضوى إليه: انضم، وفي بعض النسخ [ وانطوى ]. (3) الرحب – بالضم -: السعة. و – بالفتح -: الواسع. ولعل المراد ان من لجأ اليك يا موسى من عبادي الخاطئين لتستغفر له وتدخله باستشفاعك في زمرة الساكنين في جوار قبولي فلا ترد مسألته فان رحمتي قد سبقت غضبي، فقل له: اهلا وسهلا ومرحبا فانك رحب الفناء بسبب كونك في فناء قبولي ورحمتي الواسعة، فآمنه من سخطي وأسكنه باستغفارك وشفاعتك المقبولة في فناء فضلي ومغفرتي. (كذا وجدته في هامش بعض النسخ المخطوطة) وقد يقرء في بعض نسخ الحديث ” بأرحب الفناء ” والظاهر هو الاصح. (4) العطب – بالتحريك -: الهلاك.

[ 49 ]

المهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد (1) حتى اديل منه المظلوم. يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك، لا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي، قارب وسدد (2) وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم على ما قدمت يداه، فإن سواد الليل يمحوه النهار وكذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة (3) الليل تأتي على ضوء النهار وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها. 9 – علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن الحسين، وحميد بن زياد، عن الحسن ابن محمد الكندي جميعا، عن أحمد بن الحسن الهيثمي، عن رجل من أصحابه قال: قرأت جوابا من أبي عبد الله (عليه السلام) إلى رجل من أصحابه، أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه فإن الله عز وجل لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله. 10 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن عيثم بن أشيم (4) عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وهو مستبشر يضحك سرورا فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سرورا فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال: يا محمد إن الله عز وجل اختار من بني هاشم سبعة، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا رسول الله سيد النبيين وعلي بن أبي طالب وصيك سيد


(1) أي رقيب، منتظر لجزائه وفي تحف العقول [ بمرصد ] واديل أي اغلب المظلوم عليه. (آت). (2) ” قارب وسدد ” قال في النهاية: وفيه سددوا وقاربوا اي اقتصدوا في الامور كلها واتركوا العلو فيها والتقصير، يقال: قارب فلان في الامور إذا اقتصد. وقال في السين والدال: فيه: قاربوا وسددوا أي اطلبوا باعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الامر والعدل فيه. (آت). (3) عشوة الليل: ظلمته. (4) في بعض النسخ [ عثيم ] ولعله الاظهر.

[ 50 ]

الوصيين والحسن والحسين سبطاك سيد الاسباط وحمزة عمك سيد الشهداء وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الارض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسين (عليهم السلام). 11 – سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي المصري (1)، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له قول الله عز وجل: ” هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ” (2) قال: فقال: إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الناطق بالكتاب قال الله عز وجل: ” هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ” قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) ولكنه فيما حرف من كتاب الله. 12 – جماعة، عن سهل، عن محمد، عن أبيه [ عن أبي محمد ]، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” والشمس وضحيها (3) ” قال: الشمس رسول الله (صلى الله عليه وآله) به أوضح الله عز وجل للناس دينهم، قال: قلت: ” القمر إذا تليها “؟ قال: ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونفثه بالعلم نفثا، قال: قلت: ” والليل إذا يغشيها “؟ قال: ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالامر دون آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال: ” والليل إذا يغشيها “: قال: قلت: ” والنهار إذا جليها “؟ قال: ذلك الامام من ذرية فاطمة (عليها السلام) يسأل عن دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجليه لمن سأله فحكى الله عز وجل قوله فقال: ” والنهار إذا جليها “. 13 – سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: ” هل أتيك حديث الغاشية “؟ قال: يغشاهم القائم بالسيف، قال: قلت: ” وجوه يومئذ خاشعة “؟ قال: خاضعة لا تطيق الامتناع، قال: قلت: ” عاملة “؟ قال: عملت بغير ما أنزل الله، قال: قلت: ” ناصبة “؟ قال: نصبت غير ولاة الامر، قال: قلت: ” تصلى نارا حامية “؟ قال: تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم. 14 – سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قلت: لابي عبد الله (عليه السلام)


(1) في رجال الشيخ ” البصري ” وذكر ابن داود ” النصري ” بالنون. (آت). (2) الجاثية: 28. (3) الشمس: 1 إلى 4.

[ 51 ]

قوله تبارك وتعالى: ” وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (1) “؟ قال: فقال لى: يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال: قلت: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله لا يبعث الموتى قال: فقال: تبا لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه قال: فقال لي: يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم (2) على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال: فحكى الله قولهم فقال: ” وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت “. 15 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر ابن الخليل الاسدي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله عز وجل: ” فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون (3) ” قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني امية بالشام [ ف‍ ] هربوا إلى الروم


(1) النحل: 41. (2) قبيعة السيف: ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد. (3) الانبياء: 12. اي فلما ادركوا شدة عذابنا ادراك المشاهد المحسوس إذا هم منها يركضون اي يهربون مسرعين، راكضين دوابهم ومشبهين بهم من فرط اسراعهم. ” لا تركضوا ” على ارادة القول اي قيل لهم استهزاءا: لا تركضوا اما بلسان الحال أو المقال والقائل ملك أو من مضى من المؤمنين، ” وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ” من التنعم والتلذذ أو الاتراف إبطار النعمة، ” ومساكنكم “. التي كانت لكم. ” لعلكم تسألون ” غدا عن اعمالكم أو تعذبون فان السؤال من مقدمات العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم ” فما زالت تلك دعواهم ” فما زالوا يرددون ذلك وانما سماه دعوى لان المولول كانه يدعو الويل ويقول: يا ويل تعال فهذا أوانك. وكل من ” تلك ” و ” دعواهم ” يحتمل الاسمية والخبرية ” حتى جعلناهم حصيدا ” مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع. ” خامدين ” ميتين من خمدت النار وهو مع ” حصيدا ” بمنزلة المفعول الثاني كقولك: جعلته حلوا حامضا إذ المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره (آت عن البيضاوي).

[ 52 ]

فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الامان والصلح فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا، قال: فيدفعونهم إليهم فذلك قوله: ” لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ” قال: يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال: فيقولون ” يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعويهم حتى جلعناهم حصيدا خامدين (1) ” بالسيف. (رسالة أبي جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير (2)) 16 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، والحسين بن محمد الاشعري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الله، عمن حدثه قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله (3) ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة و صالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب (4) من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما


(1) الانبياء: 14 و 15. (2) في هامش غير واحد من النسخ: ” وهو سعد بن عبد الملك الاموي صاحب نهر السعيد بالرحبة ” وكانه من المؤلف – رحمه الله – كما يظهر من بعض النسخ حيث جعلها في المتن قبل ذكر الرسالة. (3) عزب اي بعد، وفي بعض النسخ [ نفي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ]. (4) العصب: جمع العصبة أو هي من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى الاربعين. (آت).

[ 53 ]

يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه وذلك من علم اليقين وعلم التقوى وكل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون (1) فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا (2) فالامة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله (3) وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله فأصبحت الامة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إن نبيا من الانبياء كان يستكمل الطاعة (4)، ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة (5) وينبذ به في بطن


(1) اي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه وجعلوهم رؤساء على انفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها. (آت). (2) اي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل أو صبي غير عاقل وقوله: ” بعد امر الله ” اي صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه، والورود والصدور كنايتان عن الاتيان للسؤال والاخذ والرجوع بالقبول. (آت). (3) ” ولاية الناس ” هو المخصوص بالذم. (4) اشار به إلى يونس (عليه السلام). والمراد بعصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير اذن ربه، روى انه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى. واعلم ان العصيان هنا ترك الافضل والاولى وذلك لانه لم يكن هناك امر من الله تعالى حتى عصاه بترك الاتيان به أو نهى منه حتى خالفه بارتكابه فاطلاق لفظ العصيان مجاز عن ترك الاولى والافضل وذلك بالنسبة إلى درجات كمالهم بمنزلة العصيان. (5) اطلاق الجنة على الدنيا لعل بالاضافة إلى بطن الحوت. كما قاله الفيض – رحمه الله -.

[ 54 ]

الحوت، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة، فاعرف أشباه الاحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ثم أعرف أشباههم من هذه الامة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده (1) فهم مع السادة والكبرة (2) فإذا تفرقت قادة الاهواء كانوا مع أكثرهم دنيا وذلك مبلغهم من العلم (3)، لا يزالون كذلك في طبع وطمع، لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الاذى و التعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف (4) والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه، فبئس ما يصنعون لان الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروا به وان ينهوا عما نهوا عنه وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الاثم والعدوان، فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا: طغت وإن علموا الحق (5) الذي تركوا قالوا: خالفت وإن اعتزلوهم قالوا: فارقت وإن قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا: نافقت وإن أطاعوهم قالوا: عصيت الله عز وجل فهلك جهال فيما لا يعلمون، اميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف (6) ويكذبون به عند التحريف، فلا ينكرون، اولئك أشباه الاحبار والرهبان قادة في الهوى، سادة في الردى وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الاخرى، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا تركهم رسول الله


(1) انما شبه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحطام بالاحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالاخرة بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها واكلهم اموال الناس بالباطل وصدهم عن سبيل الله كما انهم كانوا كذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدة مواضع والمراد بالسادة والكثرة السلاطين والحكام واعوانهم الظلمة. (في). (2) في بعض النسخ [ والكثرة ]. (3) اشارة إلى الاية 31 من سورة النجم. والطبع – بالتحريك -: الرين و – بالسكون: – الختم. (4) ” منهم ” اي من اشباه الاحبار والرهبان ” العلماء ” يعني العلماء بالله الربانيين. ” بالتكليف ” يعني تكليفهم بالحق (في). (5) في بعض النسخ [ عملوا الحق ]. (6) في بعض النسخ [ عند التحريف ].

[ 55 ]

(صلى الله عليه وآله) على البيضاء (1) ليلها من نهارها، لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم، صاروا إمامين داع إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه و كثر خيله ورجله (2) وشارك في المال والولد من أشركه فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة ونطق أولياء الله بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل (3) وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه فاعرف هذا الصنف وصنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء (4) وألزمهم حتى ترد اهلك، فإن الخاسرين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين. إلى ههنا رواية الحسين وفي رواية محمد بن يحيى زيادة: لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن كان دونهم (5) عسف من أهل العسف وخسف (6) ودونهم بلايا تنقضي، ثم تصير إلى رخاء ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولولا أن تذهب بك الظنون عني (7) لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ولكني أتقيك وأستبقيك وليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوى والحلم لباس العالم فلا تعرين منه والسلام.


(1) يعني الشريعة الواضح مجهولها عن معلومها وعالمها عن جاهلها. (2) الخيل: جماعة الفرسان والرجل: جماعة المشاة اي اعوانه القوية والضعيفة. (آت). (3) اي تركوا نصرة الحق. وفي بعض النسخ [ تخادن ] من الخدن وهو الصديق. وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة وفي بعض النسخ [ تهاون ] اي عن نصرة الحق وهذا انسب بالتخاذل كما أن التهادن انسب بالتخادن. (آت). (4) بالنون والجيم والباء الموحدة وفي بعض النسخ [ تحيا ] من الحياة. (في). (5) في بعض النسخ [ إليه فان دونهم ] وهو الصواب اي فلا ينظرون إلى البلاء لانه ينقضى ولا يبقى. (6) العسف: الجور والظلم وهو في الاصل ان ياخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم وقيل: هو ركوب الامر من غير روية. والخسف: النقصان والهوان. وقوله: ” ينقضى ” جزاء الشرط. (في). (7) أي يصير ظنك السيئ بى سببا لانحرافك عني وعدم اصغائك الي بعد ذلك. (آت).

[ 56 ]

(رسالة منه (عليه السلام) إليه أيضا) 17 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة ابن بزيع قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه وطاعة من رضى الله رضاه، فقلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته تعجب (1) إن رضى الله وطاعته ونصيحته لا تقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء، أخلاء من الناس قد اتخذهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات وكان يقال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار (2) ولو لا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب الله – واعيذك بالله وإيانا من ذلك – لقربت على بعد منزلتك. واعلم رحمك الله أنه لا تنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس ولا ولايته إلا بمعاداتهم وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون. يا أخي إن الله عز وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون معهم على الاذى، يجيبون داعي الله ويدعون إلى الله فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة أنهم يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرن بنور الله من العمى، كم من قتيل لابليس قد أحيوه وكم من تائه ضال


(1) في بعض النسخ [ فعجب ]. (2) المستفاد من قوله (عليه السلام): ” تذكر فيه – إلى آخره – ” ان سعدا ذكر في كتابه انه عرف كذا وانه قبل منه لنفسه كذا وانه تعجب من كذا بأن يكون إلى قوله: ” ومن جيفة الحمار ” من كلام سعد ويحتمل ان يكون فعجب أو تعجب على اختلاف النسختين من كلام الامام (عليه السلام). (في) وقوله: ” اخلاء “. جمع خلو – بالكسر – وهو الخالى عن الشئ ويكون بمعنى المنفرد ويقال: اخلاء إذا انفرد اي هم اخلاء عن اخلاق عامة الناس واطوارهم الباطلة أو منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم. (آت).

[ 57 ]

قد هدوه، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد وما أحسن أثرهم على العباد وأقبح آثار العباد عليهم. 18 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن فيك شبها من عيسى بن مريم (1) ولو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال: فغضب الاعرابيان و المغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى ابن مريم فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله) فقال: ” ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالواء آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم (يعني من بني هاشم) ملائكة في الارض يخلفون (2) ” قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك إن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فأنزل الله عليه مقالة الحارث ونزلت هذه الآية ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (3) ” ثم قال له: يا بن عمرو إما تبت وإما رحلت؟ فقال: يا محمد بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ليس ذلك إلي ذلك إلى الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة ولكن ارحل عنك فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة (4) فرضخت هامته ثم أتى الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ” سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين (بولاية علي) (5) ليس له دافع *


(1) اي لزهده وعبادته وافتراق الناس فيه ثلاث فرق. (آت). (2) الزخرف: 56 الى 59. (3) الانفال: 33. (4) الجندل – كجعفر -: ما يعمله الرجل من الحجارة ” فرضخت ” اي كسرت وفي بعض النسخ [ فرضت ] اي دقت. والهامة: وسط الرأس. (5) ليست جملة ” بولاية علي ” في بعض النسخ في المتن بل تكون في الهامش.

[ 58 ]

من الله ذي المعارج (1) ” قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة (عليها السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به قال الله عز و جل: ” واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد (2) “. 19 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن النعمان، عن أبن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عز وجل: ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس (3) ” قال: ذاك والله حين قالت الانصار: ” منا أمير ومنكم أمير “. 20 – وعنه وعن محمد بن علي، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: قول الله عز وجل: ” ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها (4) ” قال: فقال: يا ميسر إن الارض كانت فاسدة فأصلحها الله عز وجل بنبيه (صلى الله عليه وآله) فقال: ” ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها “. (خطبة لامير المؤمنين عليه السلام) 21 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان (5): اتباع الهوى وطول الامل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الامل فينسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكن واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله يتولى فيها رجال رجالا، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى (6) لكنه يؤخذ


(1) المعارج: 1 إلى 3. (2) ابراهيم: 15. (3) الروم: 41. (4) الاعراف 55 و 84. (5) اي خصلتان. (6) الحجى – بالكسر -: العقل.

[ 59 ]

من هذا ضغث ومن هذا ضغث (1) فيمزجان فيجللان (2) معا فهنالك يستولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كيف أنتم إذا لبستم فتنة يربو فيها الصغير (3) ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة فإذا غير منها شئ قيل: قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا ثم تشتد البلية وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحا بثفالها (4) ويتفقهون لغير الله ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة. ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (عليه السلام) (5) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (عليها السلام) (6) و رددت صاع رسول (صلى الله عليه وآله) كما كان (7)، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله (صلى الله عليه وآله)


(1) الضغث – بالكسر -: قبضة من حشيش مخالطة الرطب باليابس. (2) جللت الشئ: إذا غطيته. وفي بعض النسخ [ فيجتمعان ] وفي بعضها [ فيجلبان ]. (3) اي يكبر وهو كناية عن امتدادها. (4) بالمثلثة والفاء في النهاية: في حديث على (عليه السلام): ” وتدقهم الفتن دق الرحا بثفالها ” الثفال – بالكسر -: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق، ويسمى الحجر الاسفل: ثفالا بها والمعنى انها تدقهم دق الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل الا عند الطحن. (5) اشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى موضع كان فيه في الجاهلية رواه الخاصة والعامة. راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الجليل سماحة السيد شرف الدين العاملي – مد ظله -. (6) قصة فدك مشهورة لا تحتاج إلى البيان. (7) الصاع في النهاية هو مكيال يسع اربعة امداد والمد عند الشافعي وفقهاء الحجاز رطل و ثلث بالعراقي وعند أبو حنيفة المد رطلان وبه اخذ فقهاء العراق فيكون الصاع خمسة ارطلان وثلثا أو ثمانية ارطال وعند الشيعة على ما في كتاب الخلاف في حديث زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول (صلى الله عليه وسلم) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة ارطال يعني رطل المدينة ا ه‍. وهو تسعة بالعراقي.

[ 60 ]

لاقوام لم تمض لهم ولم تنفذ (1)، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد (2) ورددت قضايا من الجور قضي بها (3)، ونزعت نساءا تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن (4) واستقبلت بهن الحكم في الفروج والارحام، وسبيت ذراري بني تغلب (5)، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا (6) وأعطيت كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7)


(1) القطيعة: طائفة من ارض الخراج ” اقطعها ” اي عينها وعزلها. (في). (2) كأنهم غصبوها وادخلوها في المسجد. (في). (3) ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الارث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما امر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومنعه من بيع امهات الاولاد وان مات الولد وقال: هذا رأى رأيته فأمضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الاخرين. (في). (4) كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما ابدعوه ونفذوه وغير ذلك. (في) (5) لان عمر رفع عنهم الجزية فيهم ليسوا باهل ذمة فيحل سبى ذراريهم كما روى عن الرضا (عليه السلام) انه قال: ان بنى تغلب من نصارى العرب انفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر ان يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا فخشى أن يلحقوا بالروم فصالحهم على ان صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك وقال محيي السنة (البغوي) روي ان عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر: هذا فرض الله على المسلمين قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على ان ضعف عليهم الصدقة. (آت). (6) أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات و الصناعات والتجارات لاهل العلم واصحاب الولايات والرئاسات والجند وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة ودون دواوين واثبت فيها اسماء هؤلاء واسماء هؤلاء واثبت لكل رجل من الاصناف الاربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الاصناف الثلاثة وفضل في الاعطاء بعضهم على بعض ووضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان واثبت له أجرة من ذلك الخراج وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكامهم إلى الان ولم يكن شئ من ذلك على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا على عهد ابي بكر وانما الخراج للامام فيما يختص به من الاراضي خاصة يصنع به ما يشاء. (في). (7) اي لا اجعله لقوم دون قوم حتى يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء.

[ 61 ]

يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الاغنياء وألقيت المساحة (1)، وسويت بين المناكح (2) وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه (3) ورددت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ما كان عليه (4)، وسددت ما فتح فيه من الابواب، وفتحت ما سد منه، وحرمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ (5) وأمرت باحلال المتعتين (6) وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات (7) وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (8)


(1) اشارة إلى ما عده الخاصة والعامة من بدع عمر انه قال: ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من ارباب الاملاك فبعث إلى البلدان من مسح على اهلها فالزمهم الخراج فأخذ من العراق يوما يليها ما كان اخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا وقفيزا من اصناف الحبوب واخذ من مصر ونواحيها دينارا وإردبا عن مساحة جريب كما كان ياخذ منهم ملوك الاسكندرية وقد روى محيى السنة وغيره عن علمائهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: ” منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها ” والاردب لاهل مصر اربعة وستون منا وفسره اكثرهم بانه قد محى ذلك شريعة الاسلام وكان اول بلد مسحه عمر بلد الكوفة وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونها اصحابنا لذلك كالشافي للسيد المرتضى. (آت). (2) بان يزوج الشريف والوضيع كما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوج بنت عمه مقدادا (آت). أو اشارة إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش ان يتزوج في قريش ومنعه العجم من التزويج في العرب. (في). (3) اشارة إلى منع عمر اهل البيت خمسهم كما ياتي بيأنه في آخر هذه الخطبة. (في). (4) يعني اخرجت منه ما زادوه فيه. ” وسددت ما فتح فيه من الابواب ” اشارة إلى ما نزل به جبرئيل (عليه السلام) من الله سبحانه من أمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسد الابواب من مسجده الا باب علي وكانهم قد عكسوا الامر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (في). (5) اشارة إلى ما ابتدعه عمر من اجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وقد روت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ” اشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره “. ” وحددت على النبيذ ” وذلك انهم استحلوه. (في). (6) يعني متعة النساء ومتعة الحج، قال عمر: ” متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانا احرمهما واعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج “. (في). (7) وذلك ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يكبر على الجنائز خمسا، لكن الخليفة الثاني راقه ان يكون التكبير في الصلاة عليها اربعا فجمع الناس على الاربع، نص على ذلك جماعة من اعلام الامة كالسيوطي (نقلا عن العسكري) حيث ذكر اوليات عمر من كتابه (تاريخ الخلفاء) وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة 23 من كتابه (روضة المناظر) المطبوع في هامش تاريخ ابن الاثير وغيرهما من اثبات المتتبعين. (نقل عن كتاب النص والاجتهاد ص 152). (8) وذلك انهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة. (في).

[ 62 ]

وأخرجت من أدخل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده ممن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرجه، وأدخلت من اخرج بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدخله (1) وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة (2)، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها (3)، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها (4)، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (5)، ورددت سبايا فارس وسائر الامم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في


(1) لعل المراد اخراجهما حيث دفنا والمراد باخراج الرسول اياهما سد بابهما عن المسجد. ” وادخلت من اخرج ” لعل المراد به نفسه (عليه السلام) وباخراجه سد بابه وبادخاله فتحه. (في). (2) وذلك انهم خالفوا القرآن في كثير من الاحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فانهم عكسوا الامر في ذلك وابطلوا عدة من احكام الطلاق وابدعوا فيه بارائهم. (في) (3) اي اخذتها من اجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والغنم والبقر فانهم أوجبوها في غير ذلك وتفصيل الكلام توجد في كتب القوم. وقوله (عليه السلام): ” وحدودها ” اي نصابها. (4) ذلك انهم خالفوا في كثير منها كابداعهم في الوضوء مسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر وأكل ما مسته النار وغير ذلك مما لا ينقضه وكابداعهم الوضوء مع غسل الجنابة واسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير انزال واسقاطهم من الاذان ” حي على خير العمل ” وزيادتهم فيه ” الصلاة خير من النوم ” وتقديمهم التسليم على التشهد الاول في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها وابداعهم وضع اليمين على الشمال فيها وحملهم الناس على الجماعة في النافلة وعلى صلاة الضحى وغير ذلك. (في) اقول: راجع في اثبات كل ذلك كتاب الشافي للسيد المرتضى – رحمه الله – وكتاب النص والاجتهاد للعلامة العاملي. (5) نجران – بالفتح ثم السكون وآخره نون – وهو في عدة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الاخدود واليها تنسب كعبة نجران وكانت لربيعة بها اساقفة مقيمون منهم السيد والعاقب اللذين جاءا إلى النبي (عليه السلام) في اصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى اجلاهم عمر ونجران ايضا موضع على يومين من الكوفة – إلى آخر ما قاله الحموي في مراصد الاطلاع ج 3 ص 1359 – وفي كيفية اجلاء عمر إياهم وسببه راجع فتوح البلدان للبلاذري ص 70 إلى ص 75.

[ 63 ]

فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري (1) ما لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. وأعطيت (2) من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: ” إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان (3) ” فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله (صلى الله عليه وآله) (4) فقال تعالى: ” فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (فينا خاصة) كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله (في ظلم آل محمد) إن الله شديد العقاب (5) ” لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه (صلى الله عليه وآله) ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله رسوله (صلى الله عليه وآله) وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا، ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (خطبة لامير المؤمنين (عليه السلام)) 22 – أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبد الله، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى


(1) يثوروا أي يهيجوا: وقوله: ” ما لقيت من هذه الامة ” كلام مستأنف للتعجب. (2) رجوع إلى الكلام السابق ولعل التأخير من الرواة. (آت). (3) الانفال: 41. وصدر الاية: ” فاعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم.. الخ “. (4) لان سهمهم دائم قادم لهم إلى يوم القيامة كما كان لله ولرسوله واما اليتيم إذا انقطع يتمه ليس له سهم وكذلك أخويه. (5) الحشر: 7. وصدر الاية ” ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول.. إلخ “.

[ 64 ]

لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر كسر عظم من الامم إلا بعد أزل وبلاء (1)، أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر (2) وما كل ذي قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله! أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه (3)، ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه (4)، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزرع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والامر والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله عاقبة الامور. فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون (5) أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا وكل امرئ منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ، لا ينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل، انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الامي (صلى الله عليه وآله) ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والارض أهل حسرات وكهوف شبهات (6) وأهل عشوات وضلالة وريبة، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها ووا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا، المتشتة غدا عن الاصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ [ منه ] بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله – وله الحمد – سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني امية كما يجمع


(1) الازل: الشدة والضيق. (2) الخطب: الشأن والامر. وفي بعض النسخ [ ما استقبلتم من خطب واستدبرتم من خطب ]. (3) اي فيما يهمكم. وفي بعض النسخ باعجام الغين وهو تصحيف. (في). (4) من القود فانهم قد اصابوا دماءا بغير حق. (في). (5) في بعض النسخ [ لا يقتفون ] وهو بمعناه. (6) في بعض النسخ [ أهل خسران وكفر وشبهات ]. والعشوة – بالتثليث: ركوب الامر على غير بيان.

[ 65 ]

قزع الخريف (1) يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب (2)، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم (3) كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الارض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني امية (4) ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون (5) فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك وكأني


(1) القزع بالقاف والزاي ثم العين المهملة: قطع السحاب المتفرقة وانما خص الخريف لانه أول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك (كذا في النهاية). (2) الركام: المتراكب بعضه فوق بعض ونسبة هذا التأليف إليه تعالى مع انه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من اسبابه وتركهم واختيارهم بتأليفهم وحثهم عليه ومثل هذا كثير في الايات والاخبار. (آت) (3) أي محل انبعاثهم وتهييجهم وكانه أشار (عليه السلام) بذلك إلى فتن ابي مسلم المروزى و استئصالهم لبني امية وانما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد واهلها الذين كانوا في خفض و دعة واريد بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم وجماعة عن شمالها، روى انها كانت اخصب البلاد واطيبها، لم تكن فيها عاهة ولا هامة. وفسر العرم تارة بالصعب واخرى بالمطر الشديد واخرى بالجرذ واخرى بالوادي واخرى بالاحباس التي تبنى في الاودية. ومنه قيل: انه اصطرخ اهل سبأ، قيل: انما اضيف السيل إلى الجرذ لانه نقب عليهم سدا ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء وتركت فيه ثقبا على مقدار ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سدا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وكان ذلك بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله). (في). (4) الاكمة: التل. والرض: الدق الجريش. والطود: الجبل. وفي بعض النسخ [ رص طود ] بالصاد المهملة فيكون بمعنى الالزاق والضم والشد ولعله الصواب والمجرور في ” سننه ” يرجع إلى السيل أو إلى الله تعالى. والذعذعة – بالذالين المعجمتين والعينين المهملتين -: التفريق. والتشريد: التنفير. (في). وفي بعض النسخ [ يدغدغهم ]. (5) التضعضع: الهدم. والجنادل جمع جندل وهو الصخر العظيم اي ينقض الله ويكسر بهم البنيان التي طويت وبنيت بالجنادل والاحجار من بلاد إرم وهي دمشق والشام إذ كان مستقر ملكهم في أكثر الازمان تلك البلاد لا سيما زمانه (صلى الله عليه وآله) (قاله المجلسي – رحمه الله -) والمراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام أو بلد بالصين كما في القاموس.

[ 66 ]

أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم (1) وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار (2) من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج (3) ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا. أيها الناس إن المنتحلين للامامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع (4) عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها (5) لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [ بن عمران ] (عليه السلام) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني امية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الادنى من أهل بدر ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول (صلى الله عليه وآله) فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح (6) عن الاعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون “.


(1) الصهيل – كامير -: صوت الفرس. والطمطمة في الكلام ان يكون فيه عجمة. (في). (2) الالية: الشحمة. (3) اي يرجع من مات. (في) وفي بعض النسخ [ يقضى ]. (4) في بعض النسخ [ يتجشع ]. (5) الازواء: الصرف. (6) اي طريق الديون المثقلة ومظالم العباد أو طاعة أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم وقوله: ” ولا يبعد الله ” اي في ذلك الزمان أو مطلقا. (آت) والفادح: الصعب المثقل.

[ 67 ]

(خطبة لامير المؤمنين (عليه السلام) 23 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، ويعقوب السراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدقا للرسل الاولين وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله. أما بعد أيها الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم وأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا [ من الارض ] في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين (1) فسلط الله عز وجل عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان وأهلك فرعون وقد قتل عثمان، ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر (2) حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة (3) ولا كذبت كذبه ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس (4) حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا


(1) المنجل – كمنبر -: ما يحصد به. (2) لتبلبلن اي لتخلطن، تبلبلت الالسن اي اختلطت والبلبلة أيضا الهم والحزن ووسوسة الصدر. ولتغربلن من الغربال الذي يغربل به الدقيق والغربلة أيضا: القتل. والسوط: التخليط والمسوط والمسواط: خشبة يحرك بها ما في القدر ليختلط. (3) الوشمة: المرة، يقال: ما عصيت فلانا وشمة أي طرفة عين وفي بعض النسخ بالمهملة وهي العلامة. (4) خيل الشمس – بالضم – جمع شموس وهي الدابة التي تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها و هو مقابل الذلول.

[ 68 ]

أزمتها فأوردتهم الجنة وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: ” ادخلوها بسلام آمنين “، ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة (1) إلا بنبي يبعث، ألا ولا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم. حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديما فعل (2) ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء وما علي إلا الجهد وإني لاخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت: عفا الله عما سلف، سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة والنار أمامه، ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله بضبعيه (3) وساع مجتهد وطالب يرجوا ومقصر في النار، اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها يأتي (7) الكتاب وآثار النبوة، هلك من ادعى وخاب من افترى إن الله أدب هذه الامة بالسيف والسوط وليس لاحد عند الامام فيهما هوادة (4) فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك (5). * (حديث علي بن الحسين عليهما السلام) * 24 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هلال ابن عطية (6) عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: كان يقول: إن أحبكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملا وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة


(1) في بعض النسخ [ توبة ]. (2) أمر – كفرح – أمرا وأمرة: كثر. (3) أي عضديه: يعني ان عباد الله المكلفين على خمسة اقسام: ملك يطير… الخ. (4) الهوادة: السكون والرخصة والمحاباة. (5) صفحة كل شئ وجهه، يعني من كاشف الحق مخاصما له هلك هلاكا اخرويا وهي كلمة جارية مجرى المثل. (في). (6) في الفقيه ” مالك بن عطية ” وهو الظاهر. (آت). (7) في بعض النسخ [ باقي الكتاب ] وفي بعضها [ ما في الكتاب ]

[ 69 ]

وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله. 25 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن عمر الصيقل، عن أبي شعيب المحاملي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) [ قال: ] قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ليأتين على الناس زمان يظرف فيه الفاجر ويقرب فيه الماجن (1) ويضعف فيه المنصف، قال: فقيل له: متى ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إذا اتخذت الامانة مغنما. والزكاة مغرما. والعبادة استطالة. والصلة منا، قال: فقيل: متى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إذا تسلطن النساء وسلطن الاماء وأمر الصبيان. 26 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جعفر العقبى رفعه قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الاسود والاحمر، فقال مروان لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما، قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الانصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الانصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالامس تجعلني وإياه سواءا؟ فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا. * (حديث النبي (صلى الله عليه وآله) حين عرضت عليه الخيل) * 27 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن أحمد بن النضر، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أبي القاسم، عن الحسين بن أبي قتاده جميعا، عن عمرو بن


(1) ” يظرف ” في بعض النسخ بالمهملة وكذا في بعض نسخ النهج والطريف ضد التالد وهو الامر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لانهم يرغبون إلى الامور المحدثة والظريف من الظرافة بمعنى الفطنة والكياسة. والمجون أن لا يبالي الانسان ما صنع وقد مجن يمجن فهو ماجن. (مأخوذ من آت).

[ 70 ]

شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعرض الخيل فمر بقبر أبي احيحة (1) فقال أبو بكر: لعن الله صاحب هذا القبر فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: خالد إبنه بل لعن الله أبا قحافة فوالله ما كان يقري الضيف (2) ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطام راحلته (3) على غاربها ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال: عيينة وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال: عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم (4) ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الايمان يماني والحكمة يمانية (5) ولولا الهجرة لكنت امرءا من أهل اليمن، الجفا والقسوة في الفدادين (6) أصحاب الوبر، ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس (7) ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة – و


(1) بضم الهمزة والمهملتين بينهما مثناة تحتانية مصغر يسمى بها ويكنى (في). (2) اقراء الضيف: إكرامه. (3) – بالخاء المعجمة المكسورة – زمام البعير. والغارب ما بين السنام والعنق. (4) في النهاية: الكواثب جمع كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه فدام السرج. (5) في النهاية: الايمان يمان، الحكمة يمانية، انما قال (عليه السلام) ذلك لان الايمان بدا من مكة وهي من تهامة من ارض اليمن ولهذا يقال: الكعبة اليمانية. (6) في النهاية. ان الجفاء والقسوة في الفدادين، الفدادون – بالتشديد -: الذين تعلوا اصواتهم في حروثهم ومواشيهم واحدهم فداد، يقال: فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وقيل: هم المكثرون من الابل وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان وقيل: انما هم الفدادين مخففا واحدها فدان مشددا وهي البقر التي يحرث بها واهلها اهل جفاء وقسوة. (انتهى) واصحاب الوبر هم الذين يتخذون بيوتهم منه. (7) قال الجوهري: قرن الشمس: اعلاها واول ما يبدو منها في الطلوع لعل المراد أهل البوادي من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس اي في شرقي المدينة. (آت). وربيعة ومضر أبوا قبيلتين وكانا اخوين. ومذحج بالمعجمة ثم المهملة ثم الجيم على وزن مسجد أبو قبيلة باليمن. و حضرموت اسم قبيلة اسمان جعلا واحدا وقد جاء اسم بلد ايضا. (في).

[ 71 ]

روى بعضهم خير من الحارث بن معاوية – وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان (1) فلا أبالي ثم قال: لعن الله الملوك الاربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة واختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له (2) ومن يوالي غير مواليه ومن ادعي نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومن أحدث حدثا في الاسلام أو آوى محدثا ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل: يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال: نعم، يلعن آباء الرجال وامهاتهم فيلعنون أبويه لعن


(1) في القاموس بجيلة كسفينة: حي باليمن من معد. ورعل وذكوان قبيلتان من سليم ا ه‍. ولحيان أبو قبيلة وهو لحيان بن هذيل بن مدركة. (الصحاح)، وفي الوافي [ ان يهلك الحيان ] وقال الفيض – رحمه الله – في بيانه: الحيان تثنية الحي يعني القبيلتين المذكورتين وحيان أبو قبيلة أيضا. (2) في القاموس: مخوس – كمنبر – ومشرح وجمد وأبضعة: بنو معد يكرب الملوك الاربعة الذين لعنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعن اختهم العمردة وفدوا مع الاشعث فاسلموا ثم ارتدوا فقتلوا يوم النجير. في النهاية: لعن الله المحلل والمحلل له وفي رواية المحل والمحل له وفي حديث بعض الصحابة لا اوتي بحال ولا محلل الا رجمتها، جعل الزمخشري هذا الاخير حديثا لا أثرا وفي هذه اللفظة ثلاث لغات: حللت – بتشديد اللام – واحللت وحللت – مخففا – فعلى الاولى جاء الحديث الاول يقال: حلل فهو محلل ومحلل له وعلى الثانية جاء الثاني تقول: أحل فهو محل له وعلى الثالثة جاء الثالث تقول: حللت فانا حال وهو محلول له، وقيل: اراد بقوله: ” لا أوتى بحال ” اي بذي إحلال مثل قولهم: ريح لاقح أي ذات القاح والمعنى في الجميع هو ان يطلق الرجل امراته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة ان يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الاول، وقيل: سمى محللا بقصده إلى التحليل كما يسمى مشتريا إذا قصد الشراء انتهى. وقال المجلسي – ره -: يمكن ان يكون المراد: النسئ في الاشهر الحرم قال الزمخشري كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته: ان آلهتكم قد احلت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في القابل فيقول: ان آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه. وقال علي بن ابراهيم: كان رجل من بني كنانة يقف في الموسم فيقول: قد احللت دماء المحللين طي وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فإذا كان العام المقبل يقول: قد احللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم انتهى. ولعل هذا أوفق بروايات أصحابنا واصولهم. ويحتمل أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله انتهى.

[ 72 ]

الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان (1) وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الاسنان وابني مليكة بن جزيم (2) ومروان وهوذة وهونة. 28 – علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن مولى لامير المؤمنين (عليه السلام) سأله مالا فقال: يخرج عطائي فاقاسمك هو، فقال: لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام): أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد (3) له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله وثق لم بقي برزق الله. (كلام علي بن الحسين عليهما السلام) 29 – حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الاسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظ عنه وكتب كان يقول: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه، ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه.


(1) ” عضلا ” – بالتحريك -: أبو قبيلة. ” والمجذمين ” لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة ولعل اسدا وغطفان كلاهما منسوبتان إليها. قال الجوهرى: جذيمة: قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمى – بالتحريك – وكذلك إلى جذيمة اسد. وقال الفيروز آبادى: غطفان – محركة -: حي من قيس. وشهبلا – بالشين المعجمة والباء الموحدة وفي بعض النسخ – بالسين المهملة والياء المثناة ولعله اسم رجل وكذا ما ذكر بعده إلى آخر الخبر. (آت). (2) في بعض النسخ [ جريم… الخ ] وفي بعضها [ وهودة ]. (3) اي لا تثبت له وزرا على ظهرك. (آت) وفي النهج [ تحمل ] وفي بعض نسخه [ تحتمل ].

[ 73 ]

يا ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك (1) ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمسائلتك وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته، فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمسائلة والاختبار فإن تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك (2) بالصواب وأحسنت الجواب وبشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب (3) وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم. واعلم يا ابن آدم إن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله عز وجل فيه الاولين والآخرين ذلك يوم ينفخ في الصور وتبعثر فيه القبور (4) وذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وذلك يوم لا تقال فيه عثرة (5) ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من


(1) أي مسرعا، حريصا. (2) في بعض النسخ [ انطلق لسانك ]. (3) التلجلج: التردد في الكلام. ودحضت حجته دحوضا اي بطلت. وعييت عن الجواب أي عجزت عنه. (4) بعثرت الشئ إذا استخرجته وكشفته وبعثرت حوضي اي هدمته وجعلت اسفله اعلاه وسميت القيامة بالازفة لازوفتها اي لقربها إذا القلوب لدى الحناجر فانها ترتفع عن اماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود، فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا. (آت). (5) من الاقالة وهي نقض البيع. والعثرة: الزلة.

[ 74 ]

المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول: ” إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (1) ” وأشعروا قلوبكم خوف الله (2) وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه: ” أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف (3) ” فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنواأن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: ” وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ” وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول: ” وأنشأنا بعدها قوما آخرين ” فقال عز وجل: ” فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * (يعني يهربون قال:) لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * (فلما أتاهم العذاب) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين (4) ” وأيم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل:


(1) الاعراف: 201، أي لمم من الشيطان وطائف فاعل منه، يقال طاف يطيف طيفا فهو طائف. (2) اي اجعلوا خوف الله شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها. (3) النحل: 44 إلى 47. و ” تخوف ” اي تنقص. (4) الانبياء: 11 إلى 15. ومضى بيان ما فيه ص 51 من هذا المجلد.

[ 75 ]

ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين (1) ” فإن قلتم: أيها الناس إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول: ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (2) “. إعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لاهل الاسلام. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لاحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الامثال وصرف الآيات لقوم يعقلون ولا قوة إلا بالله. فازهدوا فيما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق: ” إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (3) ” فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد (صلى الله عليه وآله): ” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار (4) ” ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة (5) ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الاذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى


(1) الانبياء: 46. والنفحة: الدفعة من الشئ دون معظمه. (2) الانبياء: 47. (3) يونس: 24. واخذت الارض زخرفها اي زينتها بالنبات. (4) هود: 113. اي تطمئنوا إليهم وتسكنوا إلى قولهم. (5) أي ليس بمستوطن.

[ 76 ]

والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام) 30 – محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار قال: حدثني رجل من أصحابنا، عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكؤ على عنزة له (1) حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك با ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لاحبكم وأحب من يحبكم ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا [ والله ] إني لابغض عدوكم وأبرأ منه ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان (2) بيني وبينه والله إني لاحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن و الحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا – وأهوى بيده إلى حلقه – وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الاعلى، [ ف‍ ] قال الشيخ: كيف قلت: يا


(1) العنزة عصا في رأسها حديد. وهي بالتحريك اطول من العصا وأقصر من الرمح. (2) الوتر: الذحل وهو: الحقد والعداوة. وأيضا: الجناية.

[ 77 ]

أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى؟!! ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج (1) هاهاها حتى لصق بالارض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها (2)، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لابي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عيينه وخده، ثم حسر عن بطنه (3) وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فقال: الحكم بن عتيبة لم أر ماتما قط يشبه ذلك المجلس. (قصة صاحب الزيت) 31 – عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبا شديدا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول


(1) النحب والنحيب والانتحاب: البكاء بصوت طويل. والنشج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره. (النهاية). (2) حملاق العين – بالكسر والضم – وكعصور: باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة أو ما غطته الاجفان من بياض المقلة أو باطن الجفن الاحمر الذي إذا قلب للكحل رايت حمرته أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن جمع حماليق. (القاموس). (3) اي كشف.

[ 78 ]

الله (صلى الله عليه وآله) حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال: مالك فعلت اليوم شيئا لم تكن تفعله قبل ذلك؟ فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشى قلبي شئ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته فقيل: يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي؟ قالوا: كان يرهق (1) – يعنون يتبع النساء – فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحمه الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا (2) لغفر الله له. 32 – علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن ميسر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: كيف أصحابك؟ فقلت: جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، قال: وكان متكئا فاستوى جالسا، ثم قال: كيف قلت؟ قلت والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقال: ” أما والله لا تدخل النار منكم إثنان لا والله ولا واحد، والله إنكم الذين قال الله عز وجل: ” وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار * اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار (3) ” ثم قال: طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا.


(1) الرهق – محركة -: ركوب الشر والظلم وغشيان المحارم. (2) لعل المراد من يبيع الاحرار عمدا. (آت). (3) ص: 61 إلى 64.

[ 79 ]

(وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام)) 33 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال: اللهم أعنه، أما الاولى: فالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا. والثانية: والورع ولا تجترئ على خيانة أبدا. والثالثة: الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه. والرابعة: كثرة البكاء من خشية الله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة. والخامسة: بذلك مالك ودمك دون دينك. و السادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة و أما الصيام فثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أوله والاربعاء في وسطه والخميس في آخره وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف، وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بتلاوة القرآن على كل حال وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما، وعليك بالسواك عند كل وضوء وعليك بمحاسن الاخلاق فاركبها ومساوي الاخلاق فاجتنبها فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك. 34 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن المغيرة قال: حدثني جعفر بن إبراهيم [ بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار ]، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسب المرء دينه ومروءته وعقله وشرفه وجماله، وكرمه تقواه. 35 – عنهم، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، وثعلبة بن ميمون، وغالب بن عثمان، وهارون بن مسلم، عن بريد بن معاوية قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في فسطاط له بمنى فنظر إلى زياد الاسود منقلع الرجل


[ 80 ]

فرثا له (1) فقال له: ما لرجليك هكذا؟ قال: جئت على بكر لي نضو فكنت (2) أمشي عنه عامة الطريق، فرثا له وقال له عند ذلك زياد: إني الم بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة وتجلى عني فقال أبو جعفر (عليه السلام): وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى: ” حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم (3) ” وقال: ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (4) ” وقال: ” يحبون من هاجر إليهم (5) ” إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي (6) وأحب الصوامين ولا أصوم؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت وقال: ما تبغون وما تريدون أما إنها لو كان فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلينا. 36 – سهل، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، وعبد الله بن بكير، عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الحمد الله صارت فرقة مرجئه وصارت فرقة حرورية وصارت فرقة قدرية وسميتم الترابية وشيعة علي، أما والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له ورسوله (صلى الله عليه وآله) وآل رسول الله (عليهم السلام) وشيعة آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما الناس إلا هم، كان علي (عليه السلام) أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأولى الناس بالناس – حتى قالها ثلاثا -. 37 – عنه، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا أنتظارا لهذا الامر حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده؟ فقال: يا [ أبا ] عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا، قلت: أصلحك الله إن هؤلاء المرجئه يقولون ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه


(1) انقلع المال إلى مالكه: وصل إليه من يد المستعير وانقلع البعير: انخرع أي كان صحيحا فوقع ميتا. وفي بعض النسخ [ منقطع الرجلين ]. وقوله: ” رثا له ” أي رق وتوجع. (2) النضو: الدابة التي هزلتها الاسفار. (3) الحجرات: 7. (4) آل عمران: 31. (5) الحشر: 9. (6) المراد بها النوافل وكذ في اختها المراد بها التطوع كما يشعر بها لفظة ” الصوامين “.

[ 81 ]

حتى إذا جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء؟ فقال: يا عبد الحميد صدقوا من تاب تاب الله عليه ومن أسر نفاقا فلا يرغم الله إلا بأنفه ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه (1) يذبحهم الله على الاسلام كما يذبح القصاب شاته، قال: قلت: فنحن يومئذ والناس فيه سواء؟ قال: لا أنتم يومئذ سنام الارض وحكامها (2) لا يسعنا في ديننا إلا ذلك، قلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم (عليه السلام)؟ قال: إن القائل منكم إذا قال: إن أدركت قائم آل محمد نصرته كالمقارع (3) معه بسيفه والشهادة (4) معه شهادتان. 38 – عنه، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن الوليد الكندي قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) في زمن مروان فقال: من أنتم؟ فقلنا: من أهل الكوفة، فقال: ما من بلدة من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ولا سيما هذه العصابة، إن الله جل ذكره هداكم لامر جهله الناس وأحببتمونا وأبغضنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس و صدقتمونا وكذبنا الناس فأحياكم الله محيانا وأماتكم [ الله ] مماتنا فأشهد على أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم وبين أن يرى ما يقر الله به عينه وأن يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه وأهوى بيده إلى حلقه وقد قال الله عز وجل في كتابه: ” ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية (5) ” فنحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله). 39 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن عديس، عن أبان عن عثمان، عن أبي الصباح قال: سمعت كلاما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن علي (عليه السلام) وعن ابن مسعود فعرضته على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: هذا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعرفه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره وأكيس الكيس التقي وأحمق الحمق الفجور وشر الروي روي الكذب (6) وشر الامور محدثاتها واعمى العمى


(1) كذا. (2) أي مرتفع الارض والمراد هنا عزتهم ورفعتهم ودولتهم. (3) قارع وتقارع القوم بعضهم بعضا: ضاربوا، وبالرماح: تطاعنوا. (4) اي لمتمنى الشهادة معه أجر شهيد وللشهادة معه أجر شهيدين. (5) الرعد: 38. (6) رواه الصدوق في الفقيه والامالي بسند حسن وفيهما ” وشر الرواية رواية الكذب ” و الروى من الروية وهو النظر والتفكر في الامور، أو من الرواية أو من روى الماء والثاني اظهر.

[ 82 ]

عمى القلب وشر الندامة ندامة يوم القيامة وأعظم الخطايا عند الله لسان الكذاب وشر الكسب كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم وأحسن الزينة زينة الرجل (1) هدي حسن مع إيمان وأملك أمره به وقوام خواتيمه ومن يتبع السمعة يسمع الله به (2) الكذبة ومن يتول الدنيا يعجز عنها ومن يعرف البلاء يصبر عليه ومن لا يعرفه ينكل (3) و الريب كفر ومن يستكبر يضعه الله ومن يطع الشيطان يعص الله ومن يعص الله يعذبه الله ومن يشكر يزيده الله ومن يصبر على الرزية يعنه الله ومن يتوكل على الله فحسبه الله، لا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه ولا تقربوا إلى أحد من الخلق تتباعدوا من الله فإن الله عز وجل ليس بينه وبين أحد من الخلق شئ يعطيه به خيرا ولا يدفع به عنه شرا إلا بطاعته واتباع مرضاته، وإن طاعة الله نجاح من كل خير يبتغى ونجاة من كل شر يتقى وإن الله عز ذكره يعصم من أطاعه ولا يعتصم به من عصاه ولا يجد الهارب من الله عز وجل مهربا وإن أمر الله نازل ولو كره الخلائق وكل ما هو آت قريب، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. 40 – وبهذا الاسناد، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” كان الناس أمة واحدة (4) ” فقال: كان الناس قبل نوح امة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين وليس كما يقولون: لم يزل (5) وكذبوا، يفرق الله في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء الله عز وجل أن يقدر إلى مثلها من قابل.


(1) ” زينة الرجل ” عطف بيان أو بدل للزينة و ” أملك امره به ” معطوف على أحسن الزينة. (2) اي اظهره وفي بعض النسخ [ يبتغ ] وهو الاصوب. (3) النكول: الجبن والامتناع وفي الكتابين ” ينكر “. (4) البقرة: 213. (5) اي ليس كما يقولون: ” ان الله تعالى قدر الامر في الازل وقد فرغ منها فلا يتغير تقديراته تعالى “. بل لله البداء فيما كتب في لوح المحو والاثبات. (آت).

[ 83 ]

(حديث البحر مع الشمس) 41 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستورد (1)، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن من الاقوات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه الله عز وجل بين السماء والارض، قال: وإن الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك كله على الفلك، ثم وكل بالفلك ملكا ومعه سبعون ألف ملك، فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله عز وجل فيها ليومها وليلتها فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله تبارك وتعالى أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذى عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيأمر الملك اولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه قال: فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك قال: فيطمس ضوءها ويتغير لونها فإذا أراد الله عز وجل أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف خلقه بالآية قال: وذلك عند انكساف الشمس، قال: وكذلك يفعل بالقمر، قال: فإذا أراد الله أن يجليها أو يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك إلى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها، قال: فتخرج من الماء وهي كدرة، قال: والقمر مثل ذلك قال: ثم قال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما إنه لا يفزع لهما ولا يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا فإذا كان كذلك فافزعوا إلى الله عز وجل ثم ارجعوا إليه. 42 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن سليمان، عن الفضل بن إسماعيل الهاشمي، عن أبيه قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ما ألقى من أهل بيتي من


(1) هذا الخبر مجهول بحكم بن مستورد ولم اظفر في المعاجم بهذا العنوان الا ان صاحب جامع الرواة ذكره بعنوان حكم بن مستور وقال: معروف بن خربوذ عنه عن على بن الحسين (عليهما السلام) في حديث البحر مع الشمس في الروضة من الكافي.

[ 84 ]

استخفافهم بالدين فقال: يا إسماعيل لا تنكر ذلك من أهل بيتك فإن الله تبارك وتعالى جعل لكم أهل بيت حجة يحتج بها على أهل بيته في القيامة فيقال لهم: ألم تروا فلانا فيكم، ألم تروا هديه فيكم، ألم تروا صلاته فيكم (1)، ألم تروا دينه، فهلا اقتديتم به، فيكون حجة عليهم في القيامة. 43 – عنه، عن أبيه عن محمد بن عثيم النخاس (2)، عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الرجل منكم ليكون في المحلة فيحتج الله عز وجل يوم القيامة على جيرانه [ به ] فيقال لهم: ألم يكن فلانا بينكم، ألم تسمعوا كلامه، ألم تسمعوا بكاءه في الليل، فيكون حجة الله عليهم (3). 44 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل (4) ” قال: كان طير ساف (5) جاءهم من قبل البحر، رؤوسها كأمثال رؤوس السباع وأظفارها كأظفار السباع من الطير، مع كل طائر ثلاثة أحجار: في رجليه حجران وفي منقاره حجر، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها وما كان قبل ذلك رئي شئ من الجدري (6) ولا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده، قال: ومن أفلت (7) منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت و هو واد دون اليمن، أرسل الله عليهم سيلا فغرقهم أجمعين، قال: وما رئي في ذلك الوادي ماء قط قبل ذلك اليوم بخمسة عشر سنة، قال: فلذلك سمى حضرموت حين ماتوا فيه. 45 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن عبد الله بن بكير، وثعلبة بن ميمون، وعلي بن عقبة، عن زرارة، عن عبد الملك قال وقع بين


(1) الهدى: الطريقة. (2) في بعض النسخ [ النحاس ]. (3) في بعض النسخ [ عليكم ]. (4) الفيل، 3 و 4. (5) سف الطائر: إذا دنا من الارض. (6) الجدر – بالضم والفتح وفتح الدال في كلاهما -: البثور الناتئة على الجسم. وايضا آثار ضرب أو جرح مرتفعة على الجلد. (7) اي هرب.

[ 85 ]

أبي جعفر وبين ولد الحسن (عليهما السلام) كلام فبلغني ذلك فدخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فذهبت أتكلم فقال لي: مه، لا تدخل فيما بيننا فإنما مثلنا ومثل بني عمنا كمثل رجل كان في بني إسرائيل، كانت له ابنتان فزوج إحداهما من رجل زراع وزوج الاخرى من رجل فخار، ثم زارهما فبدأ بامرأة الزراع فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد زرع زوجي زرعا كثير فإن أرسل الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالا، ثم مضى إلى امرأة الفخار فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد عمل زوجي فخارا كثيرا فإن أمسك الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالا، فانصرف وهو يقول: اللهم أنت لهما، وكذلك نحن (1). 46 – محمد، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ذريح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يعوذ بعض ولده ويقول: ” عزمت عليك (2) يا ريح ويا وجع، كائنا ما كنت بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جن وادي الصبرة (3) فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة “.


(1) ” انت لهما ” اي المقدر لهما، تختار لكل منهما ما يصلحها ولا اشفع لاحدهما لانك اعلم بصلاحهما أو لا ارجح احدهما على الاخر. وقوله: ” وكذلك نحن ” اي ليس لكم ان تحاكموا بيننا لان الخصمين كلاهما من اولاد الرسول ويلزمكما احترامهما لذلك. (آت). (2) قال الجوهري: ” عزمت عليك ” اي اقسمت عليك. (3) كذا. ولعل هذا اشارة إلى ما رواه الشيخ المفيد (ره) في ارشاده باسناده عن ابن عباس قال: لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بني المصطلق جنب عن الطريق فادركه الليل ونزل بقرب واد وعر فلما كان في آخر الليل هبط جبرئيل عليه يخبره ان طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده (عليه السلام) وايقاع الشر باصحابه عند سلوكهم اياه فدعا امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من اعداء الله الجن من يريدك فادفعه بالقوة التي اعطاك الله عز وجل اياها وتحصن منهم باسماء الله عز وجل التي خصك بها وبعلمها وانفذ معه مائة رجل من اخلاط الناس وقال لهم: كونوا معه وامتثلوا أمره، فتوجه امير المؤمنين (عليه السلام) إلى الوادي فلما قرب من شفيره أمر المائة الذين صحبوا ان يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من اعدائه وسمى الله عز اسمه وأومأ إلى القوم الذين اتبعوه ان يقربوا منه وكان بينه وبينم فرجة مسافتها غلوة ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد ان تقع القوم على وجوههم (بقية الحاشية في الصفحة الاتية)

[ 86 ]

47 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبن فضال، عن أبن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يتفقد يفقد ومن لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز، ومن قرض الناس قرضوه (1) ومن تركهم لم يتركوه، قيل: فاصنع ماذا يا رسول الله؟ قال: أقرضهم من عرضك ليوم فقرك. 48 – عنه (2)، عن أحمد، عن البرقي، عن محمد بن يحيى، عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” لشدتها ولم تثبت اقدامهم على الارض من هول الخصم ومن هول ما لحقهم، فصاح أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا علي بن ابي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن عمه، اثبتوا ان شئتم فظهر للقوم أشخاص على صور الزط يخيل في أيديهم شعل النيران قد اطمأنوا واطافوا بجنبات الوادي فتوغل أمير المؤمنين (عليه السلام) بطن الوادي وهو يتلوا القرآن ويومي بسيفه يمينا وشمالا فما لبثت الاشخاص حتى صارت كالدخان الاسود وكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم صعد من حيث هبط فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى اسفر الموضع عما اعتراه فقال له اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما لقيت يا ابا الحسن فلقد كدنا ان نهلك خوفا واشفقنا عليك اكثر مما لحقنا؟ فقال (عليه السلام) لهم: انه لما تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله تعالى فتضائلوا وعلمت ما حل بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم ولو بقوا على هيئاتهم لاتيت على آخرهم وقد كفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرهم وستسبقني بقيتهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤمنون به وانصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) بمن معه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له: قد سبقك يا علي إلى من أخافه الله بك فاسلم وقبلت اسلامه، ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة ولم يتناكروا شيئا. انتهى (آت). (1) قال الجزري: في حديث ابي الدرداء: ” من يتفقد يفقد ” اي من يتفقد احوال الناس ويتعرفها فانه لا يجد ما يرضيه لان الخير في الناس قليل. وقال وفيه أيضا: ان قارضت الناس قارضوك أي إن ساببتهم ونلت منهم سبوك ونالوا منك ومنه الحديث الاخر: ” اقرض من عرضك ليوم فقرك ” اي إذا نال احد من عرضك فلا تجازه ولكن اجعله قرضا في ذمته لتأخذه منه يوم حاجتك إليه، يعني يوم القيامة. (2) اي عن محمد بن يحيى العطار والاتي هو محمد بن يحيى الصيرفي الذي روى عنه أبو عبد الله البرقي و العباس بن معرف وعلى بن اسماعيل وعبد الله جبلة وأيوب بن نوح ومحمد بن عمرو بن سعيد وروى عن حماد بن عثمان ومحمد بن سفيان كما في جامع الرواة.

[ 87 ]

(عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة فثنى أبو الحسن (عليه السلام) رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال أبو الحسن (عليه السلام): كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي وأما البغلة فانا اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت (1). 49 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن مرازم، عن أبيه قال: خرجنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) حيث خرج من عند أبي جعفر المنصور من الحيرة فخرج ساعة أذن له و انتهى إلى السالحين في أول الليل فعرض له عاشر كان يكون في السالحين (2) في أول الليل فقال له: لا أدعك أن تجوز فألح عليه وطلب إليه، فأبى إباءا وأنا ومصادف معه فقال له مصادف: جعلت فداك إنما هذا كلب قد آذاك وأخاف أن يردك وما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر (3) و أنا ومرازم (4) أتأذن لنا أن نضرب عنقه، ثم نطرحه في النهر فقال: كف (5) يا مصادف، فلم يزل يطلب إليه حتى ذهب من الليل أكثره فأذن له فمضى فقال: يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه؟ قلت: هذا جعلت فداك، فقال: إن الرجل يخرج من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير. 50 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن حفص بن أبي عائشة قال: بعث أبو عبد الله (عليه السلام) غلاما في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) على أثره لما أبطأ عليه فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتى انتبه فلما انتبه قال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا فلان والله ما ذاك لك تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار. 51 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن حسان [ عن ] أبي علي (6)


(1) لعله (عليه السلام) سلم البغلة مع علمه بكذب المدعى اما صونا لعرضه عن الترافع إلى الوالى أو دفعا لليمين أو تعليما ليتأسى به الناس فيما لم يعلموا كذب المدعى احتياطا واستحبابا. (آت). (2) السالحون موضع على اربع فراسخ من بغداد إلى المغرب. (كذا في المغرب). (3) اي المنصور. (4) اي نكون معك. (5) في بعض النسخ [ كيف ]. (6) كذا في غير واحد من النسخ والظاهر انه حسان بن المعلم، من اصحاب الصادق (عليه السلام) لرواية على بن الحكم عنه وابو على. لم نقف عليه في احد من المعاجم وفي بعض النسخ [ عن حسان بن ابي على ] ولعله هو كنية لمعلم ابي حسان أو لحسان كما في بعض النسخ [ حسان ابى على ].

[ 88 ]

قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تذكروا سرنا بخلاف علانيتنا ولا علانيتنا بخلاف سرنا، حسبكم أن تقولوا ما نقول وتصمتوا عما نصمت، إنكم قد رأيتم أن الله عز و جل لم يجعل لاحد من الناس في خلافنا خيرا، إن الله عز وجل يقول: ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (1) “. (حديث الطبيب) 52 – محمد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال موسى (عليه السلام): يا رب من أين الداء؟ قال: مني، قال: فالشفاء؟ قال: مني، قال: فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال: يطيب بأنفسهم فيومئذ سمى المعالج الطبيب (2). 53 – عنه، عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من داء إلا وهو سارع إلى الجسد (3) ينتظر متى يؤمر به فيأخذه. وفي رواية أخرى إلا الحمى فإنها ترد ورودا. 54 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن زربي قال: مرضت بالمدينة مرضا شديدا فبلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فكتب إلي: قد بلغني علتك فاشتر صاعا من بر ثم استلق على قفاك (4) وانثره على صدرك كيفما انتثر وقل: ” اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سألك به المضطر كشفت ما به من ضر ومكنت له في الارض وجعلته خليفتك على خلقك أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته (5)


(1) النور: 63. (2) الطبيب في الاصل الحاذق بالامور والعارف بها. (النهاية). (3) أي له طريق إليه والمراد ان غالب الادواء لها مادة في الجسد تشتد ذلك حتى ترد عليه باذن الله. (آت) وفي بعض النسخ [ يسارع ]. (4) اي نم على قفاك. (5) قد مضى في كتاب الدعاء من المجلد الثاني ص 564 وفيه. [ أن تصلي على محمد وآل محمد ].

[ 89 ]

وأن تعافيني من علتي ” ثم استو جالسا واجمع البر من حولك وقل مثل ذلك وأقسمه مدا مدا لكل مسكين وقل مثل ذلك، قال داود: ففعلت مثل ذلك فكأنما نشطت من عقال (1) وقد فعله غير واحد فانتفع به. (حديث الحوت على أي شئ هو) 55 – محمد، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الارض على أي شئ هي؟ قال: هي على حوت، قلت: فالحوت على أي شئ هو؟ قال: على الماء، قلت: فالماء على أي شئ هو؟ قال: على صخرة، قلت: فعلى أي شئ الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس (2)، قلت: فعلى أي شئ الثور؟ قال: على الثرى، قلت: فعلى أي شئ الثرى؟ فقال: هيهات عند ذلك ضل علم العلماء (3). 56 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الله عز وجل خلق الارض ثم أرسل عليها الماء المالح أربعين صباحا والماء العذب أربعين صباحا حتى إذا التقت واختلطت أخذ بيده قبضة فعركها عركا شديدا جميعا ثم فرقها فرقتين، فخرج من كل واحدة منهما عنق مثل (4) عنق الذر فأخذ عنق إلى الجنة وعنق إلى النار.


(1) نشط الدلو: نزعها وانشطته اي حللته، يقال: كما أنشط من عقال وانتشطت الحبل اي مددته حتى ينحل. (2) اي صحيح الظهر. (3) في هذا الحديث رموز انما يحلها من كان من اهلها. (في) وذلك لان حديثهم صعب مستصعب. (4) العنق: الجماعة من الناس.

[ 90 ]

(حديث الاحلام والحجة على أهل ذلك الزمان) 57 – بعض أصحابنا، عن علي بن العباس (1)، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إن الاحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت فقلت: وما العلة في ذلك؟ فقال: إن الله عز ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا فوالله ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزنا عشيرة: فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟ فقال: إذا متم فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا، فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا فأحدث الله عز وجل فيهم الاحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الارواح إلى عقاب حتى تبعث الابدان. 58 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: رأى المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءا من أجزاء النبوة. 59 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أصبح قال: لاصحابه: هل من مبشرات. يعني به الرؤيا. 60 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): في قول الله عز وجل: ” لهم البشرى في الحياة الدنيا (2) ” قال: هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه. 61 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام.


(1) رمى بالغلو وغمز عليه، ضعيف جدا (صه، جش). (2) يونس: 65.

[ 91 ]

62 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن درست بن أبي منصور، عن أبي بصير قال: قلت: لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: صدقت أما الكاذبة [ ال‍ ] مختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة وإنما هي شئ يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل السحر فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله إلا أن يكون جنبا أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره فإنها تختلف وتبطئ على صاحبها. (حديث الرياح) 63 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، وهشام بن سالم، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن الرياح الاربع الشمال والجنوب والصبا والدبور وقلت: إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة و الجنوب من النار؟ فقال: إن لله عز وجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ولكل ريح منها ملك موكل بها فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها قال: فيأمرها الملك فيهيج كما يهيج الاسد المغضب، قال: ولكل ريح منهن اسم أما تسمع قوله تعالى: ” كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر (1) ” وقال: ” الريح العقيم (2) ” وقال: ” ريح فيها عذاب أليم (3) ” وقال: ” فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت (4) ” وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه، قال: ولله عز ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ينشرها بين يدي رحمته منها ما يهيج السحاب للمطر، ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والارض، و


(1) القمر: 18 و 19. (2) الذاريات: 41. (3) الاحقاف: 24. (4) البقرة: 266.

[ 92 ]

رياح تعصر السحاب فتمطره بإذن الله، ومنها رياح مما عدد الله في الكتاب فأما الرياح الاربع: الشمال والجنوب والصبا والدبور فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها فإذا أراد الله أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر وإذ أراد الله أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي أسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله وإذا أراد الله أن يبعث ريح الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقال على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله جل وعز في البر والبحر وإذا أراد الله أن يبعث دبورا أمر الملك الذي أسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أما تسمع لقوله (1): ريح الشمال وريح الجنوب وريح الدبور وريح الصبا، إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها. 64 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل رياح رحمة ورياح عذاب فإن شاء الله أن يجعل العذاب من الرياح رحمة (2) فعل، قال: ولن يجعل الرحمة من الريح عذابا قال: وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم عن طاعته (3) قال: وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم الله بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم وذلك لما آمنوا به وتضرعوا إليه، قال: وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الارحام ولا شيئا من النبات وهي ريح تخرج من تحت الارضين السبع وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم، قال: فعتت (4) على الخزان فخرج


(1) أي لقول القائل. (2) في بعض النسخ [ أن يجعل الرياح من العذاب رحمة ]. (3) كذا. (4) في بعض النسخ [ فعلت على الخزان ] من على يعلو اي ترفعت وما في المتن اظهر.

[ 93 ]

منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد، قال: فضج الخزان إلى الله عز وجل من ذلك فقالوا: ربنا إنها قد عتت عن أمرنا إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك، قال: فبعث الله عز وجل إليها جبرئيل (عليه السلام) فاستقبلها بجناحيه فردها إلى موضعها وقال لها: اخرجي على ما أمرت به، قال: فخرجت على ما أمرت به و أهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم. 65 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر ” الحمد لله ” ومن كثرت همومه فعليه: بالاستغفار ومن ألح عليه الفقر فليكثر من قول: ” لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ” ينفي عنه الفقر، وقال: فقد النبي (صلى الله عليه وآله) رجلا من الانصار، فقال: ما غيبك عنا؟ فقال: الفقر يا رسول الله وطول السقم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أعلمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم؟ فقال: بلى يا رسول الله، فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: ” لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (1)، فقال الرجل: فوالله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني الفقر والسقم. 66 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن إسماعيل ابن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي جعفر الاحول وأنا أسمع: أتيت البصرة؟ فقال: نعم، قال: كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الامر و دخولهم فيه؟ قال: والله إنهم لقليل ولقد فعلوا وإن ذلك لقليل، فقال: عليك بالاحداث فإنهم أسرع إلى كل خير، ثم قال: ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: ” قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (2) “؟ قلت: جعلت فداك إنهم يقولون: إنها لاقارب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (عليهم السلام).


(1) لا يبعد ان يكون في الاصل ” وأكبره تكبيرا “. (آت). (2) الشورى: 23.

[ 94 ]

(حديث أهل الشام) 67 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن داود، عن محمد بن عطية قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) من أهل الشام من علمائهم فقال: يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ما ذاك؟ قال: فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه فإن بعض من سألته قال: القدر وقال بعضهم: القلم وقال بعضهم: الروح فقال أبو جعفر (عليه السلام): ما قالوا شيئا، اخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا، ولا أحد كان: قبل عزه وذلك قوله: ” سبحان ربك رب العزة عما يصفون (1) ” وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشئ من الشئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شئ ليس هو يتقدمه ولكنه كان إذ لا شئ غيره وخلق الشئ الذى جميع الاشياء منه وهو الماء الذي خلق الاشياء منه فجعل نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور (2) فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع (3) ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثم طواها (4) فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماءا صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله: ” والسماء بناها * رفع سمكها فسويها * و اغطش ليلها واخرج ضحيها (5) ” قال: ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب، ثم طواها


(1) الصافات: 180. (2) ثار يثور ثورا: هاج ومنه ثارت الفتنة بينهم. وثارت الدخان أو الغبار: ارتفع. (3) الصدع: الشق. وفي بعض النسخ [ نقب ] مكان ” ثقب ” وكذا ما يأتي. (4) طواها أي جمعها. (5) النازعات: 27 إلى 29. وفيها ” ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها “.

[ 95 ]

فوضعها فوق الارض ثم نسب الخليقتين (1) فرفع السماء فذلك قوله عز ذكره. ” والارض بعد ذلك دحيها ” يقول: بسطها، فقال له الشامي:: يا أبا جعفر قول الله تعالى: ” أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما (2) ” فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الاخرى؟ فقال: نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام): استغفر ربك فإن قول الله عز وجل: ” كانتا رتقا ” يقول: كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الارض رتقا لا تنبت الحب فما خلق الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة فتق السماء بالمطر والارض بنبات الحب، فقال الشامي أشهد أنك من ولد الانبياء وأن علمك علمهم. 68 – محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، والحجال، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): كان كل شئ ماءا وكان عرشه على الماء فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نار (3) ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السماوات من ذلك الدخان وخلق الارض من الرماد ثم اختصم الماء والنار والريح فقال: الماء أنا جند الله الاكبر وقالت الريح: أنا جند الله الاكبر، وقالت النار أنا جند الله الاكبر، فأوحى الله عز وجل إلى الريح أنت جندي الاكبر. (حديث الجنان والنوق) 69 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمد بن إسحاق المدني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن قول الله عز وجل: ” يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (4) ” فقال: يا علي إن الوفد لا يكون إلا ركبانا اولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي أعمالهم فسماهم المتقين، ثم قال له: يا علي أما والذي فلق


(1) في بعض النسخ [ الخلقتين ]. (2) الانبياء: 29. (3) اضطرمت النار وتضرمت: اشتعلت. (4) مريم: 85.

[ 96 ]

الحبة وبرأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت (1) وجلائلها الاستبرق والسندس وخطمها جدل الارجوان، تطير بهم إلى المحشر (2) مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى (3) ينتهوا بهم إلى باب الجنة الاعظم وعلى باب الجنة شجرة إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال: فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر (4) وذلك قول الله عز وجل: ” وسقاهم ربهم شرابا طهورا (5) ” من تلك العين المطهرة، قال: ثم ينصرفون إلى عين اخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبدا، قال: ثم يوقف بهم قدام العرش (6) وقد سلموا من الآفات والاسقام والحر والبرد أبدا، قال: فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم: احشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم وكيف اريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات، قال: فتسوقهم الملائكة إلى الجنة، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الاعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا (7) يبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عز وجل لاوليائه في الجنان فيتباشرون بهم إذا سمعوا صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض: قد جاءنا أولياء الله، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن:


(1) ” مكللة ” اي محفوفة، مزينة. وقوله: ” جلائلها ” كذا في جميع النسخ التي بأيدينا وفي تفسير علي بن ابراهيم ” جلالها ” وهو – بالكسر -: جمع جل – بالضم – وهو للدابة كالثوب للانسان تصان به جمعه جلال وأجلال. (2) استبرق: الديباج الغليظ والسندس الديباج الرقيق، والخطم: اللجام: والجذل – بالكسر و الفتح -: اصل الشجرة يقطع وقد يجعل العود جذلا. والارجوان معرب ارغوان. (3) اي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس زوجها، أو يسرعون بهم. (آت). (4) جمع بشرة. (5) الانسان: 21. (6) ظاهره أنهم يردون اولا باب الجنة ثم إلى الموقف ثم يرجعون إلى الجنة. (آت). (7) صر يصر صرا وصريرا: صوت وصاح شديدا.

[ 97 ]

مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك، فقال علي (عليه السلام): يا ر سول الله أخبرنا عن قول الله عز وجل: ” غرف مبنية من فوقها غرف (1) ” بماذا بنيت يا رسول الله؟ فقال: يا علي تلك غرف بناها الله عز وجل لاوليائه بالدر والياقوت والزبرجد، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة (2) لكل غرفة منها ألف باب من ذهب، على كل باب منها ملك موكل به، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير و الديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والكافور والعنبر وذلك قول الله عز وجل: ” وفرش مرفوعة (3) ” إذا ادخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الاكليل (4) تحت التاج، قال: وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الاحمر فذلك قوله عز وجل: ” يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير (5) ” فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقر لولي الله عز وجل منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف (6): مكانك فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته (7) وزوجته الحوراء تهيأ له فاصبر لولي الله، قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشى مقبله وحولها وصائفها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ، شراكها ياقوت أحمر، فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم إليها شوقا فتقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم


(1) الزمر: 20. وفيها ” غرف من فوقها غرف مبنية “. (2) الحبك: الشد والاحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب. والتحبيك: التوثيق والتخطيط. (3) الواقعة: 34. (4) الاكليل: التاج وشبه العصابة تزين بالجواهر. (5) الحج: 22. (6) الوصفاء جمع الوصيف وهو كامير: الخادم والخادمة. (7) الاريكة – كسفينة -: السرير.

[ 98 ]

أنا لك وأنت لي، قال: فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله، قال، فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها: أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك، إليك تناهت نفسي وإلي تناهت نفسك، ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء، قال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه: استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه، فيقول لهم الملك: حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم قال: فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب: إن على باب العرصة (1) ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله وقد سألوني أن آذن لهم عليه فيقول الحاجب: إنه ليعظم علي أن أستأذن لاحد على ولي الله وهو مع زوجته الحوراء، قال: وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان، قال: فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له: إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم فيتقدم القيم إلى الخدام فيقول لهم: إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه مكانهم قال: فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال: فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة قال: فيبلغونه رسالة الجبار جل و عز وذلك قول الله تعالى: ” والملائكة يدخلون عليهم كل باب (من أبواب الغرفة) سلام عليكم – إلى آخر الآية – (2) ” قال: وذلك قوله عز وجل: ” وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا (3) ” يعنى بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير، إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون [ في الدخول ] عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه فلذلك الملك العظيم الكبير، قال: والانهار تجري من تحت مساكنهم وذلك


(1) العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شئ من بناء. (2) الرعد: 23. (3) الانسان: 20.

[ 99 ]

قول الله عز وجل: ” تجري من تحتهم الانهار (1) ” والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل: ” ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا (2) ” من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكئ وإن الانواع من الفاكهة ليقلن لولي الله: يا ولي الله كلني قبل أن تأكل هذا قبلي، قال: وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات وأنهار من خمر وأنهار من ماء وأنهار من لبن وأنهار من عسل فإذا دعا ولي الله بغذائه اتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمى شهوته قال: ثم يتخلى مع إخوانه ويزور بعضهم بعضا ويتنعمون في جناتهم في ظل ممدود في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وأطيب من ذلك لكل مؤمن سبعون زوجة حوراء و أربع نسوة من الآدميين والمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع الآدمية وساعة يخلو بنفسه على الارائك متكئا ينظر بعضهم إلى بعض وإن المؤمن ليغشاه شعاع نور و هو على أريكته ويقول لخدامه: ما هذا الشعاع اللامع لعل الجبار لحظني (3) ” فيقول له خدامه: قدوس قدوس جل جلال الله بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد قد أشرفت عليك من خيمتها شوقا إليك وقد تعرضت لك وأحبت لقاءك فلما أن رأتك متكئا على سريرك تبسمت نحوك شوقا إليك فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غشيك هو من بياض ثغرها (4) وصفائه ونقائه ورقته، قال: فيقول ولي الله: ائذنوا لها فتنزل إلي فيبتدر إليها ألف وصيف وألف وصيفة يبشرونها بذلك فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلة منسوجة بالذهب والفضة، مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، صبغهن المسك والعنبر بألوان مختلفة، يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة طولها سبعون ذراعا وعرض ما بين منكبيها عشرة أذرع فإذا دنت من ولي الله أقبل الخدام بصحائف


(1) الكهف: 31. (2) الانسان: 14. (3) لعل مراده أنه أفاض على من أنواره فتقدس الخدام لما يوهمه ظاهر كلامه، أو أنه أراد نوعا من اللحظ المعنوي لا يناسب رفعة شأنه تعالى. (آت). (4) الثغر: مقدم الاسنان.

[ 100 ]

الذهب والفضة، فيها الدر والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ثم يعانقها وتعانقه فلا يمل ولا تمل. قال: ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أما الجنان المذكورة في الكتاب فإنهن جنة عدن وجنة الفردوس وجنة نعيم وجنة المأوى، قال: وإن لله عز وجل جنانا محفوفة بهذه الجنان وإن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب واشتهى، يتنعم فيهن كيف [ ي‍ ] شاء وإذا أراد المؤمن شيئا أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد أن يقول: ” سبحانك اللهم ” فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به، وذلك قول الله عز وجل: ” دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام (1) ” يعني الخدام قال: ” وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (1) ” يعنى بذلك عندما يقضون من لذاتهم من الجماع والطعام والشراب، يحمدون الله عز وجل عند فراغتهم وأما قوله: ” اولئك لهم رزق معلوم (2) ” قال: يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله عز وجل: ” فواكه وهم مكرمون (3) ” قال: فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به. 70 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: قيل لابي جعفر (عليه السلام): وأنا عنده إن سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أنك تكلم على سبعين وجهها لك منها المخرج؟ فقال: ما يريد سالم مني أيريد أن أجيئ بالملائكة والله ما جاءت بهذا النبيون ولقد قال إبراهيم (عليه السلام): ” إني سقيم (4) ” وما كان سقيما وما كذب، ولقد قال إبراهيم (عليه السلام): ” بل فعله كبيرهم هذا (5) ” وما فعله وما كذب، ولقد قال يوسف (عليه السلام): ” أيتها العير إنكم لسارقون (6) ” والله ما كانوا سارقين وما كذب.


(1) يونس: 11. (2) الصافات: 41. (3) الصافات: 42. (4) الصافات: 88. (5) الانبياء: 63. (6) يوسف: 70.

[ 101 ]

(حديث أبي بصير مع المرأة) 71 – أبان، عن أبي بصير قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيسرك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها، قال: وأجلسني معه على الطنفسه (1) قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما، فقال لها: توليهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما، قال: نعم، قال فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النوا يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحب إليك؟ قال: هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه، إن هذا تخاصم فيقول: ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (2) ” ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الظالمون (3) ” ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون ” (4). 72 – محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الوابشي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إن لنا جار ينتهك المحارم كلها حتى أنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها؟ فقال سبحان الله وأعظم ذلك ألا أخبركم بمن هو شر منه؟ قلت: بلى قال: الناصب لنا شر منه، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها، إلا أن يجئ بذنب يخرجه من الايمان وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وإن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة، فيقول: يا رب جاري كان يكف عني الاذى فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالى: ” أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة وما له من حسنة وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول؟ أهل النار: ” فما لنا من شافعين ولا صديق حميم (5) “.


(1) في النهاية الطنفسة هي – بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء -: البساط الذي له خمل رقيق. (2) المائدة: 44. (3) المائدة: 45. (4) المائدة: 47. (5) الشعراء: 100 و 101.

[ 102 ]

73 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، أبي هارون عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” قال لنفر عنده وأنا حاضر: ما لكم تستخفون بنا؟ قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال: معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشئ من أمرك (1) فقال: بلى إنك أحد من استخف بي، فقال: معاذ لوجه الله أن أستخف بك، فقال له: ويحك أو لم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك: احملني قدر ميل فقد والله أعييت، والله ما رفعت به رأسا ولقد استخففت به ومن استخف بمؤمن فينا استخف وضيع حرمة الله عز وجل. 74 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل من علينا بأن عرفنا توحيده، ثم من علينا بأن أقررنا بمحمد (صلى الله عليه وآله) بالرسالة ثم اختصنا بحبكم أهل البيت نتولاكم ونتبرأ من عدوكم وإنما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار، قال: ورققت فبكيت، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سلني فوالله لا تسألني عن شئ إلا أخبرتك به، قال: فقال له عبد الملك بن أعين: ما سمعته قالها لمخلوق قبلك، قال: قلت: خبرني عن الرجلين؟ قال: ظلمانا حقنا في كتاب الله عز وجل ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها وجرى ظلمهما إلى اليوم، قال – وأشار إلى خلفه – ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما. 75 – وبهذا الاسناد، عن أبان، عن عقبة بن بشير الاسدي، عن الكميت بن زيد الاسدي قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: والله يا كميت لو كان عندنا مال لاعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحسان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا (2)، قال: قلت: خبرني عن الرجلين قال: فأخذ الوسادة فكسرها


(1) ” معاذ لوجه الله “: المعاذ – بفتح الميم -: مصدر بمعنى التعوذ والالتجاء أي أمرنا وشأننا تعوذ بالله من هذا فاللام بمعنى الباء ويحتمل ان يكون في الكلام تقدير اي نتعوذ بالله خالصا لوجهه من أن نستخف بك. (آت). (2) اي رفعت بمدحك عنا استخفاف الجاحدين وفيه اشعار برجوع حسان عن ذلك كما نقل عنه. (آت).

[ 103 ]

في صدره ثم قال: والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حله ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما. 76 – وبهذا الاسناد، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي العباس المكي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن عمر لقى عليا صلوات الله عليه فقال له: أنت الذي تقرأ هذه الآية ” بأيكم المفتون (1) ” وتعرض بي وبصاحبي؟ قال: فقال له: أفلا اخبرك بآية نزلت في بني أمية: ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض و تقطعوا أرحامكم (2) ” فقال: كذبت، بنو أمية أوصل للرحم منك ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أميه. 77 – وبهذا الاسناد، عن أبان بن عثمان، عن الحرث النصري قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” الذين بدلوا نعمة الله كفرا (3) ” قال: ما تقولون في ذلك؟ قلت: نقول: هم الافجران من قريش بنو امية وبنو المغيرة، قال: ثم قال: هي والله قريش قاطبة إن الله تبارك وتعالى خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله): فقال إنى فضلت قريشا على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم رسولي فبدلوا نعمتي كفرا وأحلوا قومهم دار البوار (4). 78 – وبهذا الاسناد، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا: إن الناس لما كذبوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الارض إلا عليا فما سواه بقوله: ” فتول عنهم فما أنت بملوم (5) ” ثم بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): ” وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (6) “.


(1) القلم: 8 و ” المفتون ” بمعنى الفتنة كما تقول: ليس له معقول اي عقل وقوله تعالى: ” بايكم المفتون ” أي بأي الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو الكافرين، وتعريضه (عليه السلام) بهما لنزول الاية فيهما حيث نسبا النبي (صلى الله عليه وآله) الى الجنون كما ذكروه في نزول الاية. فراجع. (2) محمد: 22. (3) إبراهيم: 28. (4) البوار: الهلاك. (5) الذاريات: 54. (6) الذاريات: 55.

[ 104 ]

79 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يحدث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: حدثني أبي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحدث الناس قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى الناس من حفرهم عزلا بهما، جردا مردا في صعيد واحد (1) يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها فيمنعون من المضي، فتشتد أنفاسهم ويكثر عرقهم وتضيق بهم امورهم ويشتد ضجيجهم (2) وترتفع أصواتهم قال: وهو أول هول من أهوال يوم القيامة، قال فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة (3) فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم: يا معشر الخلائق انصتوا و استمعوا منادي الجبار، قال فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم قال: فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم (4) وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحيه الصوت ” مهطعين إلى الداع (5) ” قال: فعند ذلك يقول الكافر: ” هذا يوم عسر (6) “


(1) عزلا: لا سلاح لهم – بضم العين وسكون الزاي – جمع اعزل وكذلك أخواته، ” بهما ” أي ليس معهم شئ وقيل: يعني اصحاء لا آفة بهم ولا عاهة وليس بشئ، ” جردا ” لا ثياب لهم، ” مردا ” ليس لهم لحية وهذه كلها كناية عن تجردهم عما يباينهم ويغطيهم ويخفى حقائقهم مما كان معهم في الدنيا، ” يسوقهم النور ” اي نور الايمان والشرع فانه سبب ترقيهم طورا بعد طور وفي بعض النسخ [ بالنار ] أي نار التكاليف فان التكليف بالنسبة إلى بعض المكلفين نار وبالاضافة إلى آخرين نور ” يجمعهم الظلمة ” أي ما يمنعهم من تمام النور والايقان فانه سبب تباينهم الموجب لكثرتهم التي يتفرع عليها الجمعية ويحتمل ان يكون المراد كلما اضاء لهم مشوا فيه وإذا اظلم عليهم قاموا و المعنيان متقاربان. وهذا كلام الفيض – رحمه الله – في الوافى. والله العالم بحقائق الامور. (2) أي صياحهم واصواتهم. (3) يمكن ان يكون اشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم فالاشراف في حقه مجاز وفي المالائكة حقيقة. (آت). (4) أي أوداج أعناقهم، قال الفيروز آبادي: الفريص: أوداج العنق والفريصة واحدته و اللحمة بين الجنب والكتف التي لا تزال ترعد. (5) اي يمدون اعناقهم لسماع صوته. مهطعين أي مسرعين. واهطع؟ إذا مد عنقه. (6) القمر: 8.

[ 105 ]

قال: فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم فيقول: أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي لا يظلم اليوم عندي أحد، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات واثيب على الهبات (1) ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ولا حد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها صاحبها واثيبه عليها وآخذ له بها عند الحساب، فتلازموا أيها الخلائق واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا وأنا شاهد لكم عليهم وكفى بي شهيدا. قال: فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها، قال: فيمكثون ما شاء الله فيشتد حالهم ويكثر عرقهم (2) ويشتد غمهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد، فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لاهلها قال: ويطلع الله عز وجل على جهدهم (3) فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى – يسمع آخرهم كما يسمع أولهم -: يا معشر الخلائق أنصتوا لداعي الله تبارك وتعالى واسمعوا إن الله تبارك وتعالى يقول [ لكم ]: أنا الوهاب إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم قال: فيفرحون بذلك لشدة جهدهم وضيق مسلكهم وتزاحمهم قال: فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلصوا مما هم فيه ويبقى بعضهم قيقول: يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها قال: فينادي مناد من تلقاء العرش أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس قال: فيأمره الله عز وجل أن يطلع (4) من الفردوس قصرا من فضة بما فيه من الابنية (5) والخدم، قال: فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصائف والخدم (6) قال: فينادي مناد من عند الله تبارك


(1) أي هبات المظالم وابراء الذمم. (في). (2) لما رأوا من شغل ذممهم بالمظالم وترددهم في ابراء خصمائهم من مظالمهم أو أخذهم بها لجهلهم. (في). (3) يعني أنهم يطلعون وقتئذ على اطلاع الله على مشقتهم وإلا فان الله سبحانه لم يزل مطلعا على السرائر والعلن. (في) (4) من باب الافعال اي يظهره لهم. (5) في غير واحد من النسخ [ من الانية ]. (6) ” حفافة القصر ” أي جوانبه. والوصائف والخدم من باب عطف أحد المترادفين على الاخر والخدم أعم من الاثاث. (في).

[ 106 ]

وتعالى: يا معشر الخلائق ارفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا القصر، قال: فيرفعون رؤوسهم فكلهم يتمناه، قال: فينادي مناد من عند الله تعالى: يا معشر الخلائق هذا لكل من عفا عن مؤمن، قال: فيعفون كلهم إلا القليل، قال: فيقولن الله عزو جل لا يجوز إلى جنتي اليوم ظالم ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ولاحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب، أيها الخلائق استعدوا للحساب، قال: ثم يخلى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يكرد بعضهم بعضا (1) حتى ينتهوا إلى العرصة والجبار تبارك وتعالى على العرش (2) قد نشرت الدواوين ونصبت الموازين واحضر النبيون والشهداء وهم الائمة يشهد كل إمام على أهل عالمه بأنه قد قام فيهم بأمر الله عز وجل ودعاهم إلى سبيل الله قال: فقال له رجل من قريش يا ابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة أي شئ يأخذ من الكافر وهو من أهل النار؟ قال: فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة. قال: فقال له القرشي: فإذا كانت المظلمه للمسلم عند مسلم كيف تؤخذ مظلمته من المسلم؟ قال: يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم، قال: فقال: له القرشي: فإن لم يكن للظالم حسنات؟ قال: إن لم يكن للظالم حسنات فإن للمظلوم سيئات يؤخذ من سيئات المظلوم فتزاد على سيئات الظالم. 80 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي امية يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنهم قالوا حين دخلوا عليه: إنما أحببناكم لقرابتكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولما أوجب الله عز وجل من حقكم، ما أحببناكم للدنيا نصيبها منكم إلا لوجه الله والدار الآخرة وليصلح لامرء منا دينه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): صدقتم صدقتم، ثم قال: من أحبنا كان معنا


(1) الكرد: الطرد والدفع. (2) أي مستولى على العرش يأتي أمره من قبل العرش. (آت).

[ 107 ]

أو جاء معنا (1) يوم القيامة هكذا ثم جمع بين السبابتين ثم قال: والله لو أن رجلا صام النهار وقام الليل ثم لقى الله عز وجل بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط (1) عليه، ثم قال: وذلك قول الله عز وجل: ” وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلوة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون * فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (2) ” ثم قال: وكذلك الايمان لا يضر معه العمل وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل ثم قال: إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له وكان أول من استجاب له علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي “. 81 – علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس (3) قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام) لعباد بن كثير البصري الصوفي: ويحك يا عباد غرك أن عف بطنك و فرجك إن الله عز وجل يقول في كتابه: ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم (4) ” إعلم أنه لا يتقبل الله منك شيئا حتى تقول قولا عدلا. 82 – يونس، عن علي بن شجرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لله عز وجل في بلاده خمس حرم (5): حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحرمة آل رسول الله صلى الله عليهم وحرمة كتاب الله عز وجل وحرمة كعبة الله وحرمة المؤمن. 83 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نجران، عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إذا بلغ المؤمن (6) أربعين سنة آمنه الله من الادواء الثلاثة: البرص والجذام والجنون، فإذا بلغ الخمسين خفف


(1) الترديد من الراوي. (آت). (2) التوبة: 54 و 55. وقوله: ” تزهق انفسهم ” أي تهلك وتبطل. (3) الظاهر أنه يونس بن عبد الرحمن ولم تعهد روايته عن الصادق (عليه السلام) ويحتمل على بعد ان يكون ابن يعقوب فيكون الخبر موثقا لكن رواية محمد بن عيسى عنه غير معهود. (آت). (4) الاحزاب: 70 و 71. (5) الحرمة ما يجب احترامه واكرامه على الخلق لوجهه تعالى. (آت). (6) محمول على الغالب أو مخصوص بالمؤمن الكامل. (آت).

[ 108 ]

الله عز وجل حسابه، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الانابة، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين أمر الله عز وجل بإثبات حسناته وإلقاء سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله تبارك وتعالى له ما تقدم وما تأخر (1) وكتب أسير الله في أرضه، وفي رواية أخرى فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر. 84 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن، علي بن الحكم، عن داود، عن سيف، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن العبد لفي فسحة من أمره (2) ما بينه وبين أربعين سنة فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عز وجل إلى ملكيه قد عمرت عبدي هذا عمرا فغلظا وشددا وتحفظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره. 85 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية اخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره قال: لا بأس إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو (3) فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن يخلو مراكزهم. 86 – علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي مالك الحضرمي، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق (4) والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده.


(1) أي القديم والحديث لا ما يأتي لانه ينافي الغفران الذي هو بمعنى التجافي عن الذنب فإذا لم يذنب العبد ذنبا فلا مورد للغفران. والدليل على ان المراد بهما القديم والحديث قوله تعالى: ” إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الانسان يومئذ بما قدم وأخر “. ويمكن ان يكون الغفران بمعنى ان الله يصونه من ان يمسه العذاب. (2) أي في سعة من عفو الله وغفرانه. (3) ربيئة على وزن فعيلة بالهمز وهي العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو. آت. (4) الظاهر أن المراد التفكر فيما يحصل في نفس الانسان من الوساوس في خالق الاشياء و كيفية خلقها وخلق أعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس وحصول شك بسببها كما رواه المؤلف عن محمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله عن الوسوسة فقال: لا شئ فيها تقول: لا إله الا الله. (آت).

[ 109 ]

87 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قال لي: إني لموعوك (1) منذ سبعة أشهر ولقد وعك أبني إثنى عشر شهرا وهي تضاعف علينا أشعرت (2) أنها لا تأخذ في الجسد كله ربما أخذت في أعلى الجسد ولم تأخذ في أسفله وربما أخذت في أسفله ولم تأخذ في أعلى الجسد كله؟ قلت: جعلت فداك إن أذنت لي حدثتك بحديث عن أبي بصير، عن جدك، أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان: ثوب في الماء البارد وثوب على جسده يراوح بينهما ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار (3) يا فاطمة بنت محمد، فقال: صدقت، قلت: جعلت فداك فما وجدتم للحمى عندكم دواء؟ فقال: ما وجدنا لها عندنا دواء إلا الدعاء والماء البارد إني أشتكيت فأرسل إلي محمد بن إبراهيم بطبيب له فجاءني بدواء فيه قي فأبيت أن أشربه لاني إذا قييت زال كل مفصل مني. 88 – الحسين بن محمد الاشعري، عن محمد بن إسحاق الاشعري، عن بكر بن محمد الازدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): حم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فعوذه فقال: بسم الله أرقيك يا محمد، وبسم الله أشفيك، وبسم الله من كل داء يعييك، بسم الله والله شافيك، بسم الله خذها فلتهنيك، بسم الله الرحمن الرحيم فلا أقسم بمواقع النجوم لتبرأن بإذن الله، قال بكر: وسألته عن رقية الحمى فحدثني بهذا. 89 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال: ” بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ” ثلاث مرات كفاه الله عز وجل تسعة وتسعين نوعا من أنواع البلاء أيسرهن الخنق.


(1) الوعك: الحمى. (2) أشعرت على البناء للمجهول أو على صيغة الخطاب المعلوم مع همزة الاستفهام أي هل احسست بذلك ولعل مراده (عليه السلام): أن الحرارة قد تظهر آثارها في أعالي الجسد وقد تظهر في أسافلها. (آت). (3) لعل نداؤه كان للاستشفاء بها. (آت).

[ 110 ]

90 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان عثمان، عن نعمان الرازي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب غضبا شديدا، قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال: فنظر فإذا علي (عليه السلام) إلى جنبه فقال: له إلحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله، فقال: يارسول الله لي بك أسوة قال: فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقى (1) منهم، فقال: جبرئيل (عليه السلام) إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما يا محمد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل (عليه السلام) على كرسي من ذهب بين السماء والارض وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. 91 – حميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد بن عيسى بياع السابري، عن أبان بن عثمان قال: حدثني فضيل


(1) مضمون تلك الرواية من المشهورات بين الخاصة والعامة قال ابن ابي الحديد: روى أبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب ورواه ايضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله لما فر معظم اصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة ثم من بني عبد مناف بن كنانة فيها بنو سفيان بن عوف وهم عوف خالد بن ثعلب وأبو الشعثاء بن سفيان وأبو الحمراء بن سفيان وغراب بن سفيان فقال رسول الله: يا علي اكفني هذه الكتيبة فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارسا وهو (عليه السلام) راجل فما زال يضربها بالسيف فتفرق عنه ثم تجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عوف الاربعة وتمام العشرة منها ممن لا يعرف باسمائهم، فقال جبرئيل (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ان هذه للمؤاساة لقد عجبت الملائكة من مؤاساة هذا الفتى فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما يمنعه وهو مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام) وأنا منكما، قال: وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به، ينادي مرارا ” لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي ” فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه فقال: جبرئيل (عليه السلام)، قلت: وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الاخبار المشهورة ووقفت عليه عن بعض مغازي محمد بن إسحاق ورأيت بعضها خاليا عنه وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر فقال: خبر صحيح، فقلت له: فما بال الصحاح لم يشتمل عليه؟ قال: وكلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح، كم قد اهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة انتهى كلامه. (آت).

[ 111 ]

البرجمي قال: كنت بمكة وخالد بن عبد الله أمير وكان في المسجد عند زمزم فقال: ادعوا لي قتادة (1) قال: فجاء شيخ أحمر الرأس واللحية فدنوت لاسمع، فقال خالد: يا قتادة أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب، فقال: أصلح الله الامير أخبرك بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب واحدة، قال خالد: ويحك واحدة! قال: نعم أصلح الله الامير، قال: أخبرني؟ قال: بدر، قال: وكيف ذا؟ قال: إن بدرا أكرم وقعة كانت في العرب بها أكرم الله عزو جل الاسلام وأهله وهي أعز وقعة كانت في العرب، بها أعز الله الاسلام وأهله وهي أذل وقعة كانت في العرب، فلما قتلت قريش يومئذ ذلت العرب، فقال له خالد: كذبت لعمر الله إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم (2) ويلك يا قتادة أخبرني ببعض أشعارهم؟ قال: خرج أبو جهل يومئذ وقد اعلم ليرى مكانه (3) وعليه عمامة حمراء وبيده ترس مذهب وهو يقول: ما تنقم الحرب الشموس مني * بازل عامين حديث السن لمثل هذا ولدتني أمي (4)


(1) قتادة هو من اكابر محدثي العامة، من تابعي العامة في البصرة، روى عن أنس وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب والحسن البصري. (آت). (2) لعله لعنه الله حملته الحمية والكفر على أن يتعصب للمشركين بأنهم لم يذلوا بقتل هؤلاء بل كان فيهم أعز منهم أو عرضه الحمية لابي سفيان وسائر بني امية وخالد بن الوليد فانهم كانوا يومئذ بين المشركين ويحتمل أن يكون مراده أن غلبة رسول الله وهو سيد العرب كان يكفي لعزهم ولم يذلوا بفقد هؤلاء. (3) أعلم الفرس أي علق عليه صوفا ملونا في الحرب، ونفسه: وسمها بسيماء الحرب. لعلمها (القاموس) وقال الجوهري: أعلم الفارس: جعل لنفسه علامة الشجعان. (4) ” ما تنقم ” قال الجوهري: نقمت على الرجل أنقم – بالكسر – فأنا ناقم إذا عتبت عليه، يقال: ما نقمت منه الا الاحسان. وقال الكسائي: نقمت – بالكسر – لغة ونقمت الامر أيضا ونقمته إذا كرهته وانتقم الله منه أي عاقبه. وقال: شمس الفرس شموسا وشماسا أي منع ظهره وهو فرس شموس و به شماس ورجل شموس: صعب الخلق وقال الفيروز آبادي: نقم منه – كضرب وعلم – وانتقم ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 112 ]

فقال: كذب عدو الله إن كان ابن أخي لا فرس منه يعني خالد بن الوليد وكانت أمه قشيرية (1) ويلك يا قتادة من الذي يقول: ” أوفي بميعادي وأحمي عن حسب “؟ فقال: أصلح الله الامير ليس هذا يومئذ، هذا يوم احد خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادي من يبارز فلم يخرج إليه أحد، فقال: إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار (2) ونحن نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فليبرزن إلي رجل يجهزني بسيفه إلى النار وأجهزه بسيفي إلى الجنة، فخرج إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقول: أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب * وهاشم المطعم في العام السغب (3) أوفي بميعادي وأحمي عن حسب (4)


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” عاقبه. اقول: الظاهر ان كلمة ” ما ” للاستفهام ويحتمل على بعد أن تكون نافية ومآلهما واحد أي لا يقدر الحرب التي لا يقدر عليها بسهولة ولا تطيع المرء فيما يريد منها أن تنتقم مني أو أن تعيبني أو تظهر عيبي قوله: ” بازل عامين حديث السن ” الظاهر انهما حالان عن الضمير المجرور في قوله: ” منى ” وقد روى هذا عن امير المؤمنين (عليه السلام) ايضا هكذا: قد عرف الحرب العوان أني * بازل عامين حديث السن سنحنح الليل كأني جنى * استقبل الحرب بكل فن معي سلاحي ومعي مجنى * وصارم يذهب كل ضغن امض به كل عدو عنى * لمثل هذا ولدتني امى قال الجزري: ومنه حديث على بن اي طالب ” بازل عامين حديث السن ” البازل من الابل الذي تم لها ثمان سنين ودخل في التاسعة وحينئد يطلع نابه وتكمل قوته ثم يقال له بعد ذلك: بازل عام وبازل عامين يقول: أنا مستجمع الشباب، مستكمل القوة. (آت). (1) أي لذلك يقال ابن اخي لان خالدا كانت امه من قبيلته والاصوب ما في بعض النسخ قسرية لان خالد بن عبد الله مشهور بالقسري. (آت). (2) التجهير اعداد ما يحتاج إليه المسافر أو العروس أو الميت ويحتمل أن يكون من قولهم: أجهز على الجريح أي أثبت قتله وأسرعه وتم عليه. (3) ” ابن ذي الحوضين ” أي اللتين صنعهما عبد المطلب عند زمزم لسقاية الحاج. و ” العام السغب ” الظاهر أنه بكسر الغين أي عام القحط والمجاعة. (آت). (4) أي مع الرسول في نصره. و ” أحمى ” أي أدفع العار عن أحسابي وأحساب آبائي ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر السين أي عن ذي حسب هو الرسول (صلى الله عليه وآله). (آت).

[ 113 ]

فقال خالد لعنه الله: كذب لعمري والله أبو تراب ما كان كذلك، فقال الشيخ: أيها الامير إئذن لي في الانصراف، قال: فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول: زنديق ورب الكعبة، زنديق ورب الكعبة. (حديث آدم (عليه السلام) مع الشجرة) 92 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم (عليه السلام) أن لا يقرب هذه الشجرة فلما بلغ الوقت الذى كان في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها وهو قول الله عز وجل ” ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (1) ” فلما أكل آدم (عليه السلام) من الشجرة أهبط إلى الارض فولد له هابيل وأخته توأم وولد له قابيل وأخته توأم، ثم إن آدم (عليه السلام) أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا من أفاضل غنمه وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول الله عز وجل: ” واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر – إلى آخر الآية – (2) ” وكان القربان تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا وهو أول من بنى بيوت النار فقال: لاعبدن هذه النار حتى تتقبل مني قرباني، ثم إن إبليس لعنه الله أتاه – وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق – فقال له: يا قابيل قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك وإنك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه فاقتله كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك فقتله فلما رجع قابيل إلى آدم (عليه السلام) قال


(1) طه: 115، والنهي ارشادي وليس بتحريمي ومعنى النسيان في الاية الترك كما ذكره جماعة من المفسرين وقد ورد في كثير من الاخبار منها ما رواه علي بن ابراهيم باسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” ولقد عهدنا إلى آدم – الاية – ” قال عهد إليه في محمد والائمة من بعده فترك ولم يكن له عزم الخ. ولا يخفى أن محمد بن الفضيل يرمى بالغلو وضعفه غير واحد من الاصحاب. (2) المائدة: 27.

[ 114 ]

له: يا قابيل أين هابيل؟ فقال: اطلبه حيث قربنا القربان فانطلق آدم (عليه السلام) فوجد هابيل قتيلا فقال آدم (عليه السلام): لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل وبكى آدم (عليه السلام) على هابيل أربعين ليلة ثم إن آدم سأل ربه ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله لان الله عز وجل وهبه له وأخته توأم. فلما انقضت نبوة آدم (عليه السلام) واستكمل أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا آدم قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الارض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح وبشر آدم بنوح (عليه السلام) فقال: إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو إلى الله عز ذكره ويكذبه قومه، فيهلكهم الله بالطوفان وكان بين آدم وبين نوح (عليهما السلام) عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلهم وأوصى آدم (عليه السلام) إلى هبة الله أن من أدركه منكم فليؤمن له وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق، ثم إن آدم (عليه السلام) مرض المرضة التي مات فيها فأرسل هبة الله وقال له: إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فاقرأه مني السلام وقل له: يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة، فقال له جبرئيل: يا هبة الله إن أباك قد قبض وإنا نزلنا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد آدم (عليه السلام) قد قبض فأراه جبرئيل كيف يغسله فغسله حتى إذا بلغ الصلاة عليه، قال هبة الله: يا جبرئيل تقدم فصل على آدم فقال له جبرئيل: إن الله عز وجل أمرنا أن نسجد لابيك آدم وهو في الجنة فليس لنا أن نؤم شيئا من ولده، فتقدم هبة الله فصلى على أبيه وجبرئيل خلفه وجنود الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة فأمر جبرئيل (عليه السلام) فرفع خمسا وعشرين تكبيرة – والسنة اليوم فينا خمس تكبيرات، و قد كان يكبر على أهل بدر تسعا وسبعا – ثم إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال: يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون: نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به


[ 115 ]

أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث النبوة وآثار علم النبوة حتى بعث الله نوحا (عليه السلام) وظهرت وصية هبه الله حين نظروا في وصية آدم (عليه السلام) فوجدوا نوحا (عليه السلام) نبيا قد بشر به آدم (عليه السلام) فآمنوا به واتبعوه وصدقوه وقد كان آدم (عليه السلام) وصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيدهم فيتعاهدون نوحا وزمانه الذي يخرج فيه وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول الله عز وجل: ” ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه – إلى آخر الآية – (1) ” وكان من بين آدم ونوح من الانبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين وهو قول الله عز وجل: ” ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك (2) ” يعني لم أسم المستخفين كما سميت المستعلنين من الانبياء (عليهم السلام). فمكث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للانبياء (عليهم السلام) الذين كانوا بينه وبين آدم (عليه السلام) وذلك قول الله عز وجل: ” كذبت قوم نوح المرسلين (3) ” يعني من كان بينه وبين آدم (عليه السلام) إلى أن انتهى إلى قوله عز وجل: ” وإن ربك لهو العزيز الرحيم (4) ” ثم إن نوحا (عليه السلام) لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا نوح قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك، فإني لن أقطعهما كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء (عليهم السلام) التي بينك وبين آدم (عليه السلام) ولن أدع الارض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر وبشر نوح ساما بهود (عليه السلام) وكان فيما بين نوح وهود من الانبياء (عليهم السلام) (5) وقال نوح: إن الله باعث نبيا يقال له: هود وإنه يدعو قومه إلى الله عز وجل فيكذبونه


(1) الاعراف: 58. هود: 25. العنكبوت: 14. (2) النساء: 163. (3) الشعراء: 105. (4) الشعراء: 191. (5) أي كثير منهم أو جماعة منهم. (آت).

[ 116 ]

والله عز وجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن الله عز وجل ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح (عليه السلام) ابنه ساما أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذ عيدا لهم، فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر ومواريث العلم وآثار النبوة فوجدوا هودا نبيا (عليه السلام) وقد بشر به أبوهم نوح (عليه السلام) فآمنوا به واتبعوه وصدقوه فنجوا من عذاب الريح وهو قول الله عز وجل: ” وإلى عاد أخاهم هودا ” (1) وقوله عز وجل: ” كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون (2) ” وقال تبارك وتعالى: ” ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب (3) ” وقوله: ” ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا (لنجعلها في أهل بيته) ونوحا هدينا من قبل (4) ” لنجعلها في أهل بيته وأمر العقب (5) من ذرية الانبياء (عليهم السلام) من كان قبل إبراهيم لابراهيم (عليه السلام) وكان بين إبراهيم وهود من الانبياء صلوات الله عليهم وهو قول الله عز و جل وما قوم لوط منكم ببعيد (6) ” وقوله عز ذكره: ” فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي (7) ” وقوله: عز وجل ” وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم [ إن كنتم تعلمون ] (8) ” فجرى بين كل نبيين عشرة أنبياء وتسعة وثمانية أنبياء كلهم أنبياء وجرى لكل نبي ما جرى لنوح صلى الله عليه وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم صلوات الله عليهم حتى انتهت إلى يوسف بن يعقوب (عليهما السلام)، ثم صارت من بعد يوسف في أسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى (عليه السلام) فكان بين يوسف وبين موسى من الانبياء (عليهم السلام) فأرسل الله موسى وهارون (عليهما السلام) إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل الرسل تترى (9): ” كلما جاء امة رسولهم كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث (10) ” وكانت بنو إسرائيل تقتل نبيا واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتى أنه كان ربما قتلوا في اليوم


(1) الاعراف: 64. (2) الشعراء: 123 و 124. (3) البقرة: 132. (4) الانعام: 84. (5) في بعض النسخ [ أمن ]. (6) هود: 89. (7) العنكبوت: 26. (8) العنكبوت: 16. (9) أي متواترا. (10) المؤمنون: 45 وفيها ” رسولها “.

[ 117 ]

الواحد سبعين نبيا ويقوم سوق قتلهم (1) آخر النهار فلما نزلت التوراة على موسى (عليه السلام) بشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكان بين يوسف وموسى من الانبياء وكان وصي موسى يوشع بن نون (عليه السلام) وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه، فلم تزل الانبياء تبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى ابن مريم فبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله تعالى: ” يجدونه (يعني اليهود والنصارى) مكتوبا (يعني صفة محمد (صلى الله عليه وآله) عندهم (يعني) في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر (2) ” وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى: ” ومبشرا برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد (3) وبشر موسى وعيسى بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما بشر الانبياء (عليهم السلام) بعضهم ببعض حتى بلغت محمدا (صلى الله عليه وآله)، فلما قضى محمد (صلى الله عليه وآله) نبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإني لم أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قوله الله تبارك وتعالى: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (4) ” وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا (5) ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل


(1) الظاهر ” سوق بقلهم ” كما روى في غيره اي كانوا لا يبالون بذلك بحيث كان يقوم بعد قتل سبعين نبيا جميع أسواقهم حتى سوق بقلهم إلى آخر النهار لعدم اعتنائهم بذلك أو المراد أنه ربما كان يمتد زمان قتلهم إلى آخر النهار أو ربما يأخذون في قتلهم آخر النهار فيقتلون في هذا الزمان القليل مثل هذا العدد الكثير وعلى آخرين يكون سوق القتل كناية عن المعركة التي أقاموها لقتلهم ولا يخفى بعدهما. (آت). (2) الاعراف: 156. (3) الصف: 6. (4) آل عمران: 33 و 34. (5) أي لم يجعل العلم مبنيا على الجهل بأن يكون أمر الحجة مجهولا، لا يعلمه الناس ولا بينة لهم. أو لم يجعل العلم مخلوطا بالجهل بل لا بد أن يكون العالم عالما بجميع ما يحتاج إليه الخلق ولا يكون اختيار مثله الا منه تعالى. (آت).

[ 118 ]

ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له: قل كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقص إليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الانبياء والاخوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله عز وجل: ” فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (1) ” فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الانبياء من الصفوة وأما الملك العظيم فهم الائمة [ الهداة ] من الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة (2) وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء، ولولاة الامر استنباط العلم وللهداة (3) فهذا شأن الفضل (4) من الصفوة والرسل والانبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عز وجل واستنباط علم الله وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الانبياء (عليهم السلام) من الآباء والاخوان والذرية من الانبياء، فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر الله عز وجل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الانبياء (عليهم السلام) فقد خالف أمر


(1) النساء: 54. وفيها ” فقد آتينا آل ابراهيم ” ولعله من النساخ. (2) أي بقية علوم الانبياء وآثارهم ويحتمل أن يكون إشارة إلى قوله تعالى: ” بقية الله خير لكم ” وفسرت في الاخبار الكثيرة بالائمة (عليهم السلام). قوله: وفيهم العاقبة كما قال: ” والعاقبة للمتقين “. (آت). وفي هامش بعض النسخ بقوله (عليه السلام): ” جعل الله فيهم البقية ” لعل المراد بالبقية بقية احكام الدين التي يستنبطها الائمة (عليهم السلام) من الايات الفرقانية وما وصل إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الاصول الكلية وبالعاقبة النجاة فان شيعة الائمة الاثني عشرية (عليهم السلام) والعارفين لحقهم من الامة هم الناجون لا غير بالروايات المتفق عليها الجمع على صحتها بين اكثر الامة من المؤالف والمخالف مثل قوله (صلى الله عليه وآله): ” خلفائي اثني عشر “. و ” بحفظ الميثاق “: هو عبادة العباد لله عز وجل حيث عاهد بحكم قابليتهم الفطرية لعبادة خالقهم وربهم ان يقبلوا تكليفه وإطاعته والسعي إلى مراضيه ولا يحفظ هذا العهد والميثاق إلا بمعرفة النبي (صلى الله عليه وآله) ومعرفة حفظة دينه وعلمه وإطاعتهم كما قال: ” اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم “. انتهى. (3) قوله: ” والعلماء ” معطوف على العاقبة وقوله: ” للهداة ” معطوف على قوله: ” لولاة الامر “. (ماخوذ من آت). (4) بضم الفاء وتشديد الضاد المفتوحة جمع فاضل كخلص وغيب. (آت).

[ 119 ]

الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى (1) من الله عز وجل وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه (عليه السلام) وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة إنما الحجة في آل إبراهيم (عليه السلام) لقول الله عز وجل: ” ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما (2) ” فالحجة الانبياء (عليهم السلام) وأهل بيوتات الانبياء (عليهم السلام) حتى تقوم الساعة لان كتاب الله ينطق بذلك، وصية الله بعضها من بعض التي وضعها على الناس فقال: عز وجل: ” في بيوت أذن الله أن ترفع (3) ” وهي بيو [ تا ] ت الانبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى فهذا بنيان عروة الايمان التي نجا بها من نجا قبلكم وبها ينجو من يتبع الائمة وقال الله عز وجل في كتابه: ” ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وأسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم وإجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم… اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين (4) ” فإنه وكل بالفضل (5) من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قول الله تبارك وتعالى: إن تكفر به امتك (6) فقد وكلت أهل بيتك بالايمان الذى ارسلتك به فلا يكفرون به أبدا ولا أضيع الايمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء امتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا زور ولا بطر ولا رياء فهذا بنيان ما ينتهي إليه أمر هذه


(1) ” متكلفين ” عطف على الجهال اي جعل المتكلفين ولاة أمر الله (آت). (2) مضمون مأخوذ من القرآن. (3) النور: 36. (3) أي هذه الامور المذكورة سابقا وصية من الله أخذها كل امام ونبي عمن قبله ووجب على الناس قبولها. (آت). (4) الانعام: 84 إلى 87. (5) لعل الباء زائد من النساخ. (آت). (6) اشارة إلى قوله تعالى: ” إن تكفروا فان الله غني عن العالمين ” سورة الزمر: 7.

[ 120 ]

الامة، إن الله عز وجل طهر أهل بيت نبيه (عليهم السلام) وسألهم (1) أجر المودة وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحباءه ثابتة بعده في امته، فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع الله عز وجل ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه فاياه فتقبلوا وبه فاستمسكوا تنجوا به وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم (2) جل وعز ولا تصل ولاية إلى الله عز وجل إلا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه ومن يأت الله عز وجل بغير ما أمره كان حقا على الله عز وجل أن يذله وأن يعذبه. 93 – عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبى حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبو منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر (عليه السلام) في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (3) فنظر نافع إلى أبي جعفر (عليه السلام) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس (4) فقال: هذا نبي أهل الكوفة هذا محمد بن علي، فقال: أشهد لآتينه فلاسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال: فرفع أبو جعفر (عليه السلام) رأسه فقال: سل عما بدا لك، فقال: اخبرني كم بين، عيسى وبين محمد (صلى الله عليه وآله) من سنة قال: اخبرك بقولي أو بقولك؟ قال: أخبرني بالقولين جميعا، قال:


(1) كان فيه حذفا وإيصالا أي سأل لهم. (آت). (2) كان معطوف على الحجة أي يكون لكم طريق إلى ربكم في الدنيا أو الطريق الموصل إلى الجنة في الاخرة ويحتمل أن يكون خبر مبتدا محذوف أي هم طريق ربكم. (آت). (3) هو نافع بن سرجس مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب كان ذميا وهو من التابعين المدنيين و العامة رووا عنه اخبارا كثيرة ومعظم رواياته عن ابن عمر وهو من الثقات عندهم وكان ناصبيا خبيثا معاندا لاهل البيت (عليهم السلام) ويظهر من اخبارنا أنه كان يميل إلى رأي الخوارج كما يدل عليه هذا الخبر (آت). (4) اي ازدحموا عليه.

[ 121 ]

أما في قولي فخمسمائة سنة (1) وأما في قولك فستمائة سنة قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبية: ” واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون (2) ” من الذي سأل محمد (صلى الله عليه وآله) وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال: فتلا أبو جعفر (عليه السلام) هذه الآية: ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنرية من آياتنا (3) ” فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل (عليه السلام) فأذن شفعا وأقام شفعا وقال في أذانه: حي على خير العمل، ثم تقدم محمد (صلى الله عليه وآله) فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: ” أ ولم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما (4) “؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الارض وكانت السماوات رتقا لا تمطر شيئا وكانت الارض رتقا لا تنبت شيئا فلما أن تاب الله عز وجل على آدم (عليه السلام) أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها (5) ثم أمر الارض فأنبتت الاشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالانهار (6) فكان ذلك رتقها وهذا فتقها، قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: ” يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات (7) ” أي أرض تبدل يومئذ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): أرض تبقى خبزة (8) يأكلون منها


(1) هو الذي دلت عليه اخبارنا في قدر زمان الفترة وقد روى الصدوق – رحمه الله – في كتاب كمال الدين باسناده عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بين عيسى وبين محمد (صلى الله عليه وآله) خمسمائة عام وهذا هو الصحيح. (آت). (2) الزخرف: 45. وفيها ” من قبلك “. (3) الاسراء: 2. (4) الانبياء: 30. (5) العزالي جمع العزلاء وهو فم المزادة. (6) فهق الاناء – كفرج – فهقا: امتلاء. وفي اكثر النسخ تفيهت أي انها فتحت افواهها ولكن كان القياس تفوهت ويحتمل كونه [ تفتقت ] فصحف. (7) ابراهيم: 48. (8) رواه علي ابن ابراهيم في تفسيره وفيه فقال أبو جعفر (عليه السلام): ” بخبزة بيضاء يأكلون منها حتى يفرغ الله من حساب الخلائق “.

[ 122 ]

حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب، فقال نافع: إنهم عن الاكل لمشغولون؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فاطعموا الزقوم ودعوا بالشراب فسقوا الحميم، قال: صدقت يا ابن رسول الله ولقد بقيت مسألة واحدة، قال: وما هي؟ قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟ قال: ويلك متى لم يكن حتى اخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه، قال: وما هو؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان فإن قلت: إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت (1) وإن قلت: إنه قتلهم باطلا فقد كفرت، قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقا حقا، فأتى هشاما فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك هذا والله أعلم الناس حقا حقا وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حقا ويحق لاصحابه أن يتخذوه نبيا. (حديث نصراني الشام مع الباقر (عليه السلام) 94 – عنه، عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن عبد الله الثقفي قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى الشام فأنزله منه وكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال: ما لهؤلاء؟ ألهم عيد اليوم؟ فقالوا: لا يا ابن رسول الله ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه فيسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم فقال أبو جعفر (عليه السلام): وله علم؟ فقالوا: هو من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (عليه السلام) قال: فهل نذهب إليه؟ قالوا: ذاك إليك يا ابن رسول الله، قال: فقنع أبو جعفر (عليه السلام) رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل فقعد أبو جعفر (عليه السلام) وسط النصارى هو وأصحابه وأخرج النصارى بساطا، ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا فأخرجوه ثم ربطوا عينيه، فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ثم قصد


(1) اي ارتددت ورجعت عن مذهبك. اراد (عليه السلام) الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج.

[ 123 ]

إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا شيخ أمنا أنت أم من الامه المرحومة؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): بل من الامة المرحومة، فقال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ فقال: لست من جهالهم فقال: النصراني أسألك أم تسألني؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): سلني، فقال النصراني: يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول: سلني إن هذا لملئ (1) بالمسائل ثم قال: يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أي ساعة هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فقال النصراني: فإذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا (2)، فقال النصراني: فأسألك أم تسألني؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): سلني، فقال النصراني: يا معشر النصارى إن هذا لملئ بالمسائل، أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثلهم في الدنيا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا الجنين، في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط، فقال النصراني: ألم تقل: ما أنا من علمائهم؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنما قلت لك: ما أنا من جهالهم، فقال النصراني: فأسألك أو تسألني، فقال أبو جعفر (عليه السلام): سلني، فقال: يا معشر النصارى والله لاسألنه عن مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل (3)، فقال له، سل، فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة وولدتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في قبر واحد عاش أحدهما خمسين ومائة سنه وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): عزير وعزرة كانا حملت أمهما بهما على ما وصفت ووضعتهما على ما وصفت وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة ثم أمات الله تبارك وتعالى عزيرا مائة سنة ثم بعث وعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة وماتا كلاهما في ساعة واحدة فقال: النصراني يا معشر النصارى: ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني، قال: فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر (عليه السلام).


(1) أي جدير بان يسأل عنه. (2) أفاق من مرضه: رجعت الصحة إليه. (3) رطمته في الوحل فارتطم هو أي ارتبك فيه ولم يكد يتخلص.

[ 124 ]

(حديث ابي الحسن موسى عليه السلام) 95 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن علي بن سويد، والحسن بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور، عن علي بن سويد قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي أشهر ثم أجابني بجواب هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الارض إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة والاديان المتضادة، فمصيب ومخطئ، وضال ومهتدي، وسميع وأصم وبصير وأعمى حيران، فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه محمد (صلى الله عليه وآله) أما بعد فإنك أمرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما استرعاك من دينه وما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم وبردك الامور إليهم، كتبت تسألني عن امور كنت منها في تقية ومن كتمانها في سعة فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم رأيت أن افسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم، فاتق الله عز ذكره وخص بذلك الامر أهله واحذر أن تكون سبب بلية على الاوصياء أو حارشا عليهم (1) بإفشاء ما استودعتك وإظهار ما استكتمتك ولن تفعل إن شاء الله، إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قد قضى الله عز وجل وحتم فاستمسك بعروة الدين، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي والمسالمة لهم والرضا بما قالوا ولا تلتمس دين من


(1) التحريش بين البهائم هو الاغراء وتهيج بعضها على بعض. (النهاية).

[ 125 ]

ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم وتدري ما خانوا أماناتهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وسألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه على الفقراء والمساكين وابناء السبيل وفي سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إياه كرها فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفرا؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عز وجل كلامه وهزئا برسوله (صلى الله عليه وآله) وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والله ما دخل قلب أحد منهما شئ من الايمان منذ خروجهما من حالتيها وما ازدادا إلا شكا، كانا خداعين، مرتابين، منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام، وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر فاولئك أهل الردة الاولى من هذه الامة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه ماض وغابر وحادث فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور (1) وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وسألت عن امهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم فأما امهات أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي وطلاق في غير عدة وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لانا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف، وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والاقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيما (2) فلا وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء (3) ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه


(1) في بعض النسخ [ فمرموز ]. (2) الضيم: الظلم. (3) في بعض النسخ [ ولا تحضر حصن زنا ].

[ 126 ]

فإنك لا تدري لما قلناه وعلى أي وجه وصفناه، آمن بما اخبرك و، لا تفش ما استكتمناك من خبرك، إن واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لامر دنياه وآخرته ولا تحقد عليه وإن أساء وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس و إن كان أقرب إليه منك وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الاذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الامر به (1) فإذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل (2) جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا مجملا و (صلى الله على محمد وآله) الاخيار. (حديث نادر) 96 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن أيوب، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني قد اجتويت المدينة (3) أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى مزينة فنكون بها؟ فقال: إني أخشى أن يغير (4) عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا (5) فتقوم بين يدي متكئا على عصاك فتقول: قتل ابن أخي وأخذ السرح (6) فقال: يارسول الله بل لا يكون إلا خير إن شاء الله (7) فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبث هنا إلا يسيرا حتى غارت خيل لبني فزارة فيها عيينة بن حصن فاخذت السرج وقتل


(1) في بعض النسخ [ أمر به ]. (2) كجعفر: الجيش الكبير والرجل العظيم والسيد الكريم وكأنه اشارة إلى جيش السفياني وفتنته. (3) اي كرهت المقام فيها. (4) من الغارة. (5) الشعث – محركة -: انتشار الامر. (6) السرح – بالفتح – الماشية. والمال السايم من الغنم والبقر وغير ذلك. (7) لعله (صلى الله عليه وآله) لم ينهه عن الخروج وانما اخبره بوقوع ذلك.

[ 127 ]

ابن أخيه واخذت امرأته من بني غفار وأقبل أبو ذر يشتد حيت وقف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبه طعنة جائفة (1) فاعتمد على عصاه وقال: صدق الله ورسوله اخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي فصاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح وقتلوا نفرا من المشركين. 97 – أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه فرآه رجل من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمدا فجاء وشد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، ثم قال: من ينجيك مني يا محمد؟ فقال: ربي وربك فنسفه (2) جبرئيل (عليه السلام) عن فرسه فسقط على ظهره، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ السيف وجلس على صدره وقال: من ينجيك مني يا غورث فقال جودك وكرمك يا محمد، فتركه فقال وهو يقول: والله لانت خير مني وأكرم (3).


(1) الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف. (2) نسف البناء: قلعه من أصله. (3) رواه الواقدي في تفسير قوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ان يبسطوا إليكم ايديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ” إن رسول الله غزا جمعا من بني ذبيان ومحارب بذي إمر فتحصنوا برؤوس الجبال ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحيث يراهم فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على شجرة واضطجع تحته والاعراب ينظرون إليه فجاء سيدهم دعثور بن الحرث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال: الله، فدفع جبرئيل (عليه السلام) في صدره ووقع السيف من يده فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام على رأسه وقال: من يمنعك مني اليوم؟ فقال: لا أحد وأنا أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فنزلت الاية. وروى ابن شهر آشوب عن الثمالي نحوا من ذلك وقال في آخره: فسئل بعد انصرافه عن حاله فقال: نظرت إلى رجل طويل ابيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك ويقال: إنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى الاسلام. (آت).

[ 128 ]

98 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد [ وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد ] عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا وما عليك أن لم يثن الناس عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لاحد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر به عورته وما أكن به رأسه وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم (1) من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل حيث يقول: ” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة (2) ” ما الذي أتوا به أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من أصابة الدين، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا. ثم قال: إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن. ثم قال: نعم صومعة المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه، إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت له: إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي؟ فقال: هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب أما تلوت قصة سحرة موسى (عليه السلام) ثم قال: كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه ثم قال: إني لارجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الامة إلا لاحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.


(1) أي هم راضون بما قدر لهم من التقية في الدنيا ولا يريدون أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم. (آت). (2) المؤمنون: 60.

[ 129 ]

ثم تلا: ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (1) ” ثم قال: يا حفص الحب أفضل من الخوف، ثم قال: والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى، فبكى رجل فقال: أتبكي لو أن أهل السماوات والارض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك [ ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس لله عز وجل في تلك الحال ] ثم قال له: يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا، يا حفص قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من خاف الله كل لسانه. ثم قال: بينا موسى بن عمران (عليه السلام) يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى قل له: لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك. ثم قال: مر موسى بن عمران (عليه السلام) برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله فقال له موسى (عليه السلام): لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك، فأوحى الله عز جل إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب. (حديث رسول الله صلى الله عليه وآله) 99 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما كان شئ أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أن يظل (2) جائعا خائفا في الله. 100 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار جميعا، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ذات يوم وهو يأكل متكئا (3) قال: وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال: يا محمد لعلك ترى


(1) آل عمران: 31. (2) في بعض النسخ [ يصل ]. (3) لعله كان فعله (عليه السلام) لبيان الجواز أو لعذر الضعف. (آت).

[ 130 ]

أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه، قال: ثم رد على نفسه فقال: لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم قال: يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيلام متوالية من أن بعثه الله إلى أن قبضه، ثم رد على نفسه ثم قال: لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى ان قبضه، أما إني لا أقول: إنه كان لا يجد لقد كان يجيز الرجل (1) الواحد بالمائة من الابل فلو أراد أن يأكل لاكل ولقد أتاه جبرئيل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن الارض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لربه عز وجل وما سئل شيئا قط فيقول: لا إن كان أعطى وإن لم يكن قال: يكون (2) وما أعطى على الله شيئا قط إلا سلم ذلك إليه حتى أن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له، ثم تناولني بيده (3) وقال: وإن كان صاحبكم (4) ليجلس جلسة العبد ويأكل أكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه خيرهما، (5) ثم يلبس الباقي فإذا جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه ولقد ولى الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لاهله بها خادما وما أطاق أحد عمله وإن كان


(1) من الجائزة بمعنى العطية (آت). (2) أي يحصل بعد ذلك فنعطيك وقوله: ” ما أعطى على الله ” أي معتمدا ومتوكلا على الله و يحتمل ان يكون ” على ” بمعنى ” عن ” أي عنه ومن قبله تعالى. (آت) (3) في كثير من النسخ [ من يناوله بيده ] فلعله بيان وتفسير أو بدل لقوله ذلك أو الباء السببية فيه مقدرة أي يسلم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده ولعله تصحيف. (آت). (4) ” وإن كان صاحبكم ” يعني أمير المؤمنين و ” ان ” مخففة. (آت). (5) ” القميص السنبلاني ” قال الفيروز آبادي قميص سنبلاني: سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم وفي أمالي الصدوق: ” القميصين سنبلانيين “.

[ 131 ]

علي بن الحسين (عليهما السلام) لينظر في الكتاب من كتب علي (عليه السلام) فيضرب به الارض ويقول: من يطيق هذا. 101 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان قال: حدثني علي بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن جبرئيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخيره وأشار عليه بالتواضع وكان له ناصحا، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعا لله تبارك وتعالى، ثم أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا فقال: هذه مفاتيح خزائن الدنيا، بعث بها إليك ربك ليكون لك ما أقلت الارض (1) من غير أن ينقصك شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في الرفيق الاعلى. 102 – سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عبد المؤمن، الانصاري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عرضت علي بطحاء مكة ذهبا فقلت: يا رب لا ولكن اشبع يوما وأجوع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت دعوتك وذكرتك. (حديث عيسى ابن مريم عليهما السلام) 103 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط عنهم (عليهم السلام) قال: فيما وعظ الله عز وجل به عيسى (عليه السلام): يا عيسى أنا ربك ورب آبائك، إسمي واحد وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شئ وكل شئ من صنعي وكل إلي راجعون. يا عيسى أنت المسيح بأمري وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وأنت تحيي الموتى بكلامي فكن إلي راغبا ومني راهبا ولن تجد مني ملجأ إلا إلي. يا عيسى اوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة (2) حتى حقت لك مني الولاية


(1) أي حملت الارض. (2) المتحنن: المترحم.

[ 132 ]

بتحريك مني المسرة (1) فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت، اشهد أنك عبدي، ابن أمتي أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك وتقرب إلي بالنوافل وتوكل علي أكفك ولا توكل على غيري فآخذ لك. يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى. يا عيسى أحي ذكري بلسانك وليكن ودي في قلبك. يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة واحكم لي لطيف الحكمة. يا عيسى كن راغبا راهبا وأمت قلبك بالخشية. يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي يا عيسى نافس في الخير جهدك تعرف بالخير حيثما توجهت. يا عيسى احكم في عبادي بنصحي وقم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاءا لما في الصدور من مرض الشيطان. يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون. يا عيسى حقا أقول: ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي فأشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي. يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من ودع الاهل وقلى الدنيا (2) وتركها لاهلها وصارت رغبته فيما عند إلهه. يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام وتفشي السلام، يقظان إذا نامت عيون الابرار، حذرا للمعاد والزلازل الشداد وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال. يا عيسى اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون. يا عيسى كن خاشعا صابرا، فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون. يا عيسى رح من الدنيا يوما فيوما وذق لما قد ذهب طعمه، فحقا أقول: ما أنت


(1) التحري: الطلب. (2) أي ابغضها.

[ 133 ]

إلا بساعتك ويومك، فرح من الدنيا ببلغة وليكفيك الخشن الجشب (1) فقد رأيت إلى ما تصير ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت. يا عيسى إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم. يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات (2) واسمعني لذاذة نطقك بذكري فإن صنيعي إليك حسن. يا عيسى كم من امة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها. يا عيسى ارفق بالضعيف وارفع طرفك الكليل إلى السماء (3) وادعني فإني منك قريب ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هما واحدا فإنك متى تدعني كذلك اجبك. يا عيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ولا عقابا لمن انتقمت منه. يا عيسى إنك تفني وأنا أبقى ومني رزقك وعندي ميقات أجلك وإلي إيابك وعلي حسابك فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة. يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر، الاشجار كثيرة وطيبها قليل، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها. يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري ثم يدعوني عند الكرب فاجيبه ثم يرجع إلى ما كان عليه فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض، فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجا ولا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم والاصنام في بيوتكم (4)، فإني آليت أن اجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.


(1) الجشب: الغليظ. (2) أي مواضعها وفي الامالي مواضع الصلوات. (آت) (3) الكليل: الكال: يقال: ” بصر كليل ” أي ضعيف و ” سيف كليل ” أي لا يقطع والجمع كلال. (4) الاحضان جمع الحضن وهو ما دون الابط إلى الكشح. وهو كناية عن ضبط الحرام وحفظه وعدم رده إلى أهله. (آت) وقوله: ” آليت ” أي حلفت.

[ 134 ]

يا عيسى كم أطيل النظر وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم، لا تعيها قلوبهم، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين (1). يا عيسى ليكن في السر والعلانية واحدا وكذلك فليكن قلبك وبصرك واطو قلبك ولسانك عن المحارم وكف بصرك عما لا خير فيه فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة ووردت به موارد حياض الهلكة. يا عيسى كن رحيما مترحما وكن كما تشاء أن يكون العباد لك وأكثر ذكر [ ك ] الموت ومفارقة الاهلين ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد واذكرني بالصالحات حتى أذكرك. يا عيسى تب إلي بعد الذنب وذكر بي الاوابين وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ومرهم يدعوني معك وإياك ودعوة المظلوم فإني آليت على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول وان أجيبه ولو بعد حين. يا عيسى اعلم أن صاحب السوء يعدي وقرين السوء يردي، واعلم من تقارن و اختر لنفسك إخوانا من المؤمنين. يا عيسى تب إلي فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون فيه اجزي بالحسنة أضعافها وإن السيئه توبق صاحبها (2) فامهد لنفسك في مهلة ونافس في العمل الصالح، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار. يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع وطأ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم هل تحس منهم من أحد وخذ موعظتك منهم، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين. يا عيسى قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالادهان (3) ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين (4) طوبى لك يا ابن مريم، ثم طوبى لك إن أخذت


(1) في بعض النسخ [ يتحببون بي إلى المؤمنين ]. (2) أوبقه أي أهلكه. (3) من المداهنة. وهي اظهار خلاف ما تضمر. (4) اصطلمه اي استاصله.

[ 135 ]

بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحما (1) وبدأ النعم منه تكرما وكان لك في الشدائد. لا تعصيه يا عيسى فإنه لا يحل لك عصيانه قد عهدت إليكم ما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين. يا عيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني (2) ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي. يا عيسى اغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن فإنك إلي راجع. يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من الهالكين (3). يا عيسى تزين بالدين (4) وحب المساكين وامش على الارض هونا وصل على البقاع فكلها طاهر (5). يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب (6) واقرأ كتابي وأنت طاهر واسمعني منك صوتا حزينا. يا عيسى لا خير في لذاذة لا تدوم وعيش من صاحبه يزول، يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه، فليس كدار


(1) الحنان: الرحمة. (2) أي بشئ مثل ديني وضمير ” عليها ” راجع إلى الخليقة. (آت). (3) قوله تعالى: ” فيضا ” اي كثيرا واسعا وفيه استعارة مكنية والتكدير الترشيح إذ الفيض يطلق على كثرة الماء وسيلانه والظاهر ان الغرض بهذا الخطاب امة عيسى (عليه السلام) كما ورد في القرآن آيات كثيرة المخاطب بها الرسول والمراد بها امته كقوله تعالى: ” ولئن اشركت ليحبطن عملك ” وأضرابها. (آت). (4) أي بآثاره وأعماله وأخلاقه فانها زينة المتقين ومن أحسن زينتهم حب المساكين والمعاشرة معهم. وقوله: ” هونا ” قال الجوهري: الهون: الوقار والسكينة وفلان يمشي على الارض هونا. (آت). (5) هذا خلاف المشهور من أن جواز الصلاة في كل البقاع من خصائص نبينا (صلى الله عليه وآله) بل كان يلزمهم الصلاة في بيعهم وكنايسهم فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم مختصا بالفرائض. (آت) (6) ” شمر ” أي هيئ.

[ 136 ]

الآخرة دار تجاور فيها الطيبون ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها. يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين فإنها أمنية المتمنين، حسنة المنظر، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي لها بدلا ولا تحويلا كذلك أفعل بالمتقين. يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ونار ذات أغلال وأنكال (1) لا يدخلها روح، ولا يخرج منها غم أبدا، قطع كقطع الليل المظلم من ينج منها يفز ولن ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكل فظ غليظ وكل مختال فخور. يا عيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا. يا عيسى كن حيث ما كنت مراقبا لي واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي وأني صورتك وإلى الارض أهبطتك. يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد وكذلك الاذهان. يا عيسى لا تستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا (2) وأفطم نفسك عن الشهوات الموبقات وكل شهوة تباعدك منى فاهجرها، واعلم أنك مني بمكان الرسول الامين فكن مني على حذر واعلم أن دنياك مؤديتك إلي وأني آخذك بعلمي فكن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني، يقظانا عند نوم الغافلين. يا عيسى هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك فخذها منى وإني رب العالمين. يا عيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي وكنت عنده حين يدعوني وكفا بي منتقما ممن عصاني، أين يهرب مني الظالمون.


(1) النكل: القيد الشديد والجمع أنكال أو قيد من نار. (القاموس). (2) ” عاصيا ” نصب على الحال وكذا ” لاهيا ” وفي بعض النسخ [ ولا تسترحن لاهيا ] وقوله: ” افطم ” أي اقطع. والموبقات: المهلكات.

[ 137 ]

يا عيسى أطب الكلام وكن حيثما كنت عالما متعلما. يا عيسى أفض بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاءا للقلوب. يا عيسى لا تأمن إذا مكرت مكري ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري. يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون اولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين. يا عيسى كنت خلقا بكلامي (1) ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل الامين من ملائكتي حتى قمت على الارض حيا تمشي، كل ذلك في سابق علمي. يا عيسى زكريا بمنزلة ابيك وكفيل أمك إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقا ونظيرك يحيى (2) من خلقي وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني ويظهر فيك قدرتي، أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم خوفا مني. يا عيسى تيقظ ولا تيأس من روحي وسبحني مع من يسبحني وبطيب الكلام فقدسني. يا عيسى كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي وتقلبهم في أرضي، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي وكذلك يهلك الكافرون. يا عيسى إن الدنيا سجن منتن الريح وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون (3) وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل. يا عيسى إبغني عند وسادك (4) تجدني وادعني وأنت لي محب فإني أسمع السامعين أستجيب للداعين إذا دعوني.


(1) أي بلفظ ” كن ” من غير والد. (آت). (2) أي في الزهد والعبادة وسائر الكمالات. (آت). (3) ” حسن فيها ” أي زين للناس فيها ما قد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون وذبح بعضهم بعضا لاجلها. (آت). (4) أي اطلبني وتقرب بي عندما تتكئ عند وسادك للنوم بذكرى تجدني لك حافظا في نومك مجيبا في تلك الحال أيضا. (آت).

[ 138 ]

يا عيسى خفني وخوف بي عبادي، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون (1). يا عيسى ارهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه فكل هذا أنا خلقته فإياي فارهبون. يا عيسى إن الملك لي وبيدي وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين. يا عيسى إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين. يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي (2) واذكرني في ملائك أذكرك في ملاء خير من ملاء الآدميين. يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث. يا عيسى لا تحلف بي كاذبا فيهتز عرشي غضبا، الدنيا قصيرة العمر طويلة الامل وعندي دار خير مما تجمعون. يا عيسى كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين. يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغترون أم علي تجترئون، تطيبون بالطيب لاهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون. يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا وأقبلوا علي بقلوبكم فإني لست أريد صوركم. يا عيسى افرح بالحسنة فإنها لي رضى وابك على السيئة فإنها شين وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك وإن لطم خدك الايمن فأعطه الايسر وتقرب إلي بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين.


(1) اي إن هلكوا وضلوا وأصروا على المعاصي يكون بعد اتمام الحجة عليهم. (آت). (2) أي أفيض عليك من رحماتي الخاصة من غير أن يطلع عليها غيري. (آت).

[ 139 ]

يا عيسى ذل لاهل الحسنة وشاركهم فيها وكن عليهم شهيدا وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء (1) والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير. يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقا مني (2) وأنتم بالضحك تهجرون، أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تعرضون لعقوبتي، فبي حلفت لاتركنكم مثلا للغابرين. ثم اوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الاحمر والوجه الاقمر، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس الحيي المتكرم، فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين علي وأقرب المرسلين مني، العربي الامين، الديان بديني، الصابر في ذاتي، المجاهد المشركين بيده عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعون وأن ينصروه. قال عيسى (عليه السلام): إلهي من هو حتى ارضيه؟ فلك الرضا قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة أقربهم مني منزلة وأحضرهم شفاعة، طوبى له من نبي وطوبى لامته إن هم (3) لقوني على سبيله، يحمده أهل الارض ويستغفر له أهل السماء، أمين ميمون طيب مطيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها (4) وأخرجت الارض زهرتها حتى يروا البركة وابارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الازواج، قليل الاولاد، يسكن بكة موضع أساس إبراهيم. يا عيسى دينه الحنيفية وقبلته يمانية وهو من حزبي وأنا معه فطوبى له ثم طوبى له، له الكوثر والمقام الاكبر في جنات عدن يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيدا، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء وأكواب مثل مدر الارض عذب فيه من كل شراب وطعم كل ثمار في الجنة، من شرب


(1) الخدن والخدين: الصديق. وفي بعض النسخ [ إخوان ]. (2) الفرق – بالتحريك -: الخوف. (3) في بعض النسخ [ إذ هم ]. (4) العزالى جمع العزل وهو فم المزادة.

[ 140 ]

منه شربة لم يظمأ أبدا وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة بينك وبينة، يوافق سره علانيته وقوله فعله، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به، دينه الجهاد في عسر ويسر تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم يسمى عند الطعام (1) و يفشي السلام ويصلي والناس نيام، له كل يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ويخشع لي قلبه ورأسه، النور في صدره والحق على لسانه وهو على الحق حيثما كان أصله يتيم ضال برهة من زمانه عما يراد به (2)، تنام عيناه ولا ينام قلبه له الشفاعة وعلى امته تقوم الساعة، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ولا يحرفوا سنته وأن يقرؤوه السلام فإن له في المقام شأنا من الشأن. يا عيسى كلما يقربك مني فقد دللتك عليه وكلما يباعدك منى فقد نهيتك عنه فارتد (3) لنفسك. يا عيسى إن الدنيا حلوة وإنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذرتك وخذ منها ما أعطيتك عفوا (4). يا عيسى انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب، كن فيها زاهدا ولا ترغب فيها فتعطب. يا عيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الارض كيف كان عاقبة الظالمين. يا عيسى كل وصفي لك نصيحة وكل قولي لك حق وأنا الحق المبين فحقا أقول: لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك، ما لك من دوني ولي ولا نصير. يا عيسى أذل قلبك بالخشية وانظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو


(1) اي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. (2) ” يتيم ” أي بلا أب أو بلا نظير أو متفرد عن الخلق ” ضال برهة ” أي طائفة من زمانه عما يراد به أي الوحي والبعثة أو ضال بين قومه لا يعرفونه بالنبوة فكأنه ضل عنهم ثم وجدوه. (آت). (3) أي فاطلب. (4) أي فضلا وإحسانا، أو حلالا طيبا. (آت).

[ 141 ]

فوقك واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها. يا عيسى أطب لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي، كن في ذلك حيا ولا تكن ميتا. يا عيسى لا تشرك بي شيئا وكن مني على حذر ولا تغتر بالصحة (1) وتغبط نفسك فإن الدنيا كفيئ زائل وما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك وكن مع الحق حيثما كان وإن قطعت واحرقت بالنار، فلا تكفر بي بعد المعرفة فلا تكونن من الجاهلين، فإن الشئ يكون مع الشئ. يا عيسى صب لي الدموع من عينيك واخشع لي بقلبك. يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فإني اغيث المكروبين واجيب المضطرين وأنا أرحم الراحمين. 104 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن منصور بن يونس، عن عنبسة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم أحدا، فيقول بعضهم لبعض: ” ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار * اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار (2) ” قال: وذلك قول الله عز وجل: ” إن ذلك لحق تخاصم أهل النار (3) ” يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا. (حديث ابليس) 105 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): من أشد الناس عليكم؟ قال: قلت: جعلت فداك كل، قال: أتدري مم ذاك يا يعقوب؟ قال: قلت: لا أدري جعلت فداك: قال إن إبليس دعاهم فأجابوه وأمرهم فأطاعوه ودعاكم فلم تجيبوه وأمركم فلم تطيعوه فاغرى بكم الناس (4).


(1) في بعض النسخ [ بالنصيحة ]. (2) ص: 61 و 62. (3) ص: 63. (4) اغريت الكلب بالصيد وغرى به اي أولع به.

[ 142 ]

106 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رأى الرجل ما يكره في منامه فليتحول عن شقه الذى كان عليه نائما وليقل: ” إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا (1) إلا بإذن الله ” ثم ليقل: ” عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم “. 107 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن هارون بن منصور العبدي، عن أبي الورد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) في رؤياها التي رأتها (2): قولي: ” أعوذ بما عاذت به


(1) المجادلة: 9. (2) إشارة إلى ما رواه على بن ابراهيم في تفسيره باسناده عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سبب نزول هذه الاية أن فاطمة (عليها السلام) رأت في منامها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة كنزا وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك فلما اصبحت جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمار معه فاركب عليه فاطمة (عليها السلام) وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) إلى المدينة كما رأت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة كنزا كما رات فاطمة فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة ان يموتوا طلبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقع عليها وهي تبكي فقال: ما شأنك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله اني رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وفعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل جبرئيل فقال: يا رسول الله هذا شيطان يقال له: الزها [ الدهان ] وهو الذي أرى فاطمة هذا الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به فأمر جبرئيل فجاء به إلى رسول الله فقال له: انت الذي ارى فاطمة هذه الرؤيا قال: نعم يا محمد فبصق عليه ثلاث بصقات فشجه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل: قل يا رسول الله إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: ” أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وانبياءه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي ” وتقرأ الحمد لله و المعوذتين وقل هو الله أحد وتتفل عن يسارك ثلاث تفلات فانه لا يضره ما رأى، فانزل الله على رسوله ” إنما النجوى من الشيطان “. (آت).

[ 143 ]

ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت في ليلتي هذه أن يصيبني منه سوء أو شئ أكرهه ثم انقلبي عن يسارك ثلاث مرات (1). (حديث محاسبة النفس) 108 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز ذكره، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فإن للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقداره ألف سنة ثم تلا: ” في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون “. (2) 109 – وبهذا الاسناد، عن حفص (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو أن أن حجرا زال عن جبل يوم السبت لرده الله عز ذكره إلى موضعه ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود (عليه السلام). 110 – وبهذا الاسناد، عن حفص، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل السهم في القرب ليس له من الارض إلا موضع قدمه كالسهم في الكنانة (4) لا يقدر أن يزول ههنا ولا ههنا. 111 – وبهذا الاسناد، عن حفص قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات، ثم قال: يا [ أبا ] حفص إنها والله النخلة التي


(1) استظهر المجلسي – رحمه الله – أنه ” ثم اتفلى عن يسارك ثلاث مرات ” كما يدل عليه خبر رؤيا فاطمة (عليها السلام). (2) التنزيل: 7. (3) حفص بن غياث كان عاميا. (4) الكنانة: * جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس. (القاموس).

[ 144 ]

قال الله عز وجل لمريم (عليها السلام): ” وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (1) ” 112 – حفص، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال عيسى (عليه السلام): اشتدت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة أما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شئ منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليها وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا يعينونك عليها. 113 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما مؤمن شكا حاجته وضره إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه فكأنما شكا الله عز وجل إلى عدو من أعداء الله وأيما رجل مؤمن شكا حاجته وضره إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى الله عز وجل. 114 – ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود (عليهما السلام) أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها: الخرنوبة (2)، قال: فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة، قال: فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته، قال: فجعلت الجن والانس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنون أنه حي لم يمت، يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الارضة من عصاه فأكلت منسأته (3) فانكسرت وحز سليمان إلى الارض أفلا تسمع لقوله عز وجل: ” فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (4) “. 115 – ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى رأسه بثوبه لا يراه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله عز وجل: ” ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون (5) “.


(1) مريم: 25. (2) الخرنوب: نبت. (2) المنسأة: العصا. والارضة: دويبة معروفة. (4) سبأ: 14. (5) هود: 5.

[ 145 ]

116 – ابن محبوب، عن أبي جعفر الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلق النار وخلق الطاعة (1) قبل أن يخلق المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشر وخلق الارض قبل السماء وخلق الحياة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة. 117 – عنه، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله خلق الخير يوم الاحد وما كان ليخلق الشر قبل الخير وفي يوم الاحد والاثنين خلق الارضين وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء وخلق السماوات يوم الاربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها يوم الجمعة وذلك قوله عز وجل: ” خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ” (2). 118 – ابن محبوب، عن حنان، وعلي بن رئاب، عن زرارة قال: قلت له: قوله عز وجل: ” لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (3) ” قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا زرارة إنه إنما صمد لك (4) ولاصحابك فأما الآخرون فقد فرغ منهم. 119 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن بدر بن الوليد الخثعمي قال: دخل يحيى بن سابور على أبي عبد الله (عليه السلام) ليودعه فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أما والله إنكم لعلى الحق وإن من خالفكم لعلى غير الحق، والله ما أشك لكم في الجنة وإني لارجو أن يقر الله لاعينكم عن قريب (5).


(1) ” وخلق الطاعة ” أي قدرها قبل المعصية وتقديرها وكذا في الفقرتين بعدها والخلق بمعنى التقدير شائع ولعل المراد بخلق الشر خلف ما يترتب عليه شر وإن كان ايجاده خيرا وصلاحا. (آت). (2) السجدة: 4. (3) الاعراف: 17. وقوله: ” لاقعدن ” أي لاحبسن. ونصب الصراط على الطرف. (4) أي معظم ترصده إنما هو لمن تبع دين الحق لعلمه بأنهم ينتفعون باعمالهم وأديانهم فيريد أن يضلهم إما عن دينهم وإما عن أعمالهم فاما الاخرون أي المخالفون فلا ترصد لهم لانه أضلهم عن دينهم فقد فرغ عن أمرهم لانهم لضلالتهم لا ينتفعون بما يعملون من الطاعات بل هي موجبة لشدة نصبهم وتعبهم في الدنيا ووفور عذابهم في الاخرة. (آت). (5) في بعض النسخ [ بأعينكم إلى قريب ].

[ 146 ]

120 – يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت: جعلت فداك أرأيت الراد علي هذا الامر فهو كالراد عليكم؟ فقال: يا أبا محمد من رد عليك هذا الامر فهو كالراد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الله تبارك وتعالى، يا أبا محمد إن الميت [ منكم ] على هذا الامر شهيد، قال: قلت: وإن مات على فراشه؟ قال: إي والله وإن مات على فراشه حي عند ربه يرزق. 121 – يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن حبيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أما والله ما أحد من الناس أحب إلي منكم وإن الناس سلكوا سبلا شتى فمنهم من أخذ برأيه ومنهم من اتبع هواه ومنهم من اتبع الرواية وإنكم اخذتم بأمر له أصل فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة أما يستحيى الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره. 122 – عنه، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا (1) وتدخلوا الجنة؟ يا مالك إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم، يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الامر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله. 123 – يحيى الحلبي، عن بشير الكناسي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وصلتم وقطع الناس وأحببتم وأبغض الناس وعرفتم وأنكر الناس وهو الحق إن الله اتخذ محمدا (صلى الله عليه وآله) عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن عليا (عليه السلام) كان عبدا ناصحا لله عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا في كتاب الله بين، لنا صفو الاموال ولنا الانفال وإنا قوم فرض الله عز وجل طاعتنا وإنكم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، عليكم بالطاعة فقد رأيتم أصحاب علي (عليه السلام)، ثم قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي توفي فيه:


(1) اي عن المعاصي أو عن الناس بالتقية. (آت).

[ 147 ]

أدعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما جاءا أعرض بوجهه، قال: ادعوا لي خليلي فقالا: قد رآنا لو أرادنا لكلمنا، فأرسلتا إلى علي (عليه السلام) فلما جاء أكب عليه يحدثه ويحدثه حتى إذا فرغ لقياه فقالا: ما حدثك؟ فقال: حدثني بالف باب من العلم يفتح كل باب إلى ألف باب (1). 124 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن موسى بن عمر بن بزيع قال: قلت للرضا (عليه السلام): إن الناس رووا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فهكذا كان يفعل؟ قال: فقال: نعم فأنا أفعله كثيرا فافعله، ثم قال لي: أما إنه أرزق لك. 125 – سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عنه الشئ الذي أكرهه فأساله عن ذلك فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة (2) وقال لك قولا فصدقة وكذبهم لا تذيعن عليه (3) شيئا تشينه (4) به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله في كتابه: ” إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم (5) “.


(1) أي ألف نوع أو الف قاعدة من القواعد الكلية التي تستنبط من كل قاعدة منها الف قاعدة اخرى والاول اظهر. (آت). (2) أي خمسون رجلا يشهدون ويقسمون عليه ولعل هذا مختص بما إذا كان فيما يتعلق بنفسه من غيبته أو الازراء به ونحو ذلك فإذا أنكرها واعتذر إليه يلزمه ان يقبل عذره ولا يؤاخذه بما بلغه عنه ويحتمل التعميم أيضا فان الثبوت عند الحاكم بعدلين أو أربعة وإجراء الحد عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم مكلفا باستتار ما ثبت عنده من أخيه من الفسوق التي كان مستترا بها. (آت). (3) الاذاعة: الافشاء. وفي بعض النسخ [ تدعين عليه ]. (4) الشين: العيب. (5) النور: 18.

[ 148 ]

(حديث من ولد في الاسلام) 126 – سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد ربه بن رافع، عن الحباب ابن موسى، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من ولد في الاسلام حرا فهو عربي ومن كان له عهد فخفر في عهده (1) فهو مولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن دخل في الاسلام طوعا فهو مهاجر (2). 127 – علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافا في بدنه آمنا في سربه (3) عنده قوت يومه فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الاسلام. 128 – عنه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) [ عن أبيه (عليه السلام) ] أنه قال لرجل وقد كلمه بكلام كثير فقال: أيها الرجل تحتقر الكلام وتستصغره، إعلم أن الله عز وجل لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولا فضة و لكن بعثها بالكلام وإنما عرف الله عز وجل نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والاعلام. 129 – وبهذا الاسناد قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله عز وجل خلقا إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت (4) وقالت: أي شئ يغلبني فخلق الارض فسطحها على ظهرها فذلت، ثم قال:


(1) يقال: خفر به خفرا وخفورا أي نقض عهده والخفر أيضا الاجارة والمنع وحفظ الامان و على التقديرين اقيم علة الجزاء هنا مقامه أي من كان له عهد وأمان وذمة من قبل أحد من المسلمين فروعي أمانه فقد روعى أمان حليف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي معتقه أو من آمنه لانه (صلى الله عليه وآله) حكم بحفظ أمانه وأعتقه من القتل فهو مولاه وإن نقض عهده فقد نقض عهد مولى الرسول (صلى الله عليه وآله) لانه مولاه. (آت). (2) أي في هذا الزمان الذي ارتفع حكم الهجرة. (آت). (3) في سربه – بالكسر – أي في نفسه. (4) زخر البحر أي مد وكثر ماؤه وارتفعت أمواجه.

[ 149 ]

إن الارض فخرت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد (1) بما عليها فذلت الارض واستقرت، ثم إن الجبال فخرت على الارض فشمخت (2) واستطالت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت، ثم إن الحديد فخرت على الجبال وقال: أي شئ يغلبني؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد، ثم إن النار زفرت وشهقت (3) وفخرت وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت، ثم إن الماء فخر وزخر وقال: أي شئ يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره (4) وحبسته عن مجاريه فذل الماء، ثم إن الريح فخرت وعصفت وأرخت أذيالها (5) وقالت: أي شئ يغلبني؟ فخلق الانسان فبنى واحتال واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح، ثم إن الانسان طغى وقال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره فذل الانسان، ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله عز وجل: لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار ثم لا احييك أبدا فترجى أو تخاف (6)، وقال: أيضا والحلم يغلب الغضب والرحمة تغلب السخط والصدقة تغلب الخطيئة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره. 130 – عنه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)


(1) ماد الشئ يميد ميدا: تحرك. (2) شمخ شموخا أي ارتفعت، وشمخ بأنفه تكبر. (3) الزفير: اغتراق النفس للشدة وأيضا أول صوت الحمار والشهيق آخره لان الزفير ادخال النفس والشهيق اخراجه. وزفر النار: سمع لتوقدها صوت. (4) أثارت أي هاجت. (5) عصفت أي اشتدت. وأرخت أي وسعت وفي بعض النسخ [ لوحت اذيالها ] أي رفعتها و حركتها تبخترا وتكبرا وهذا من أحسن الاستعارات. (آت) (6) أي لا احييك فتكون حياتك رجاءا لاهل النار وخوفا لاهل الجنة وذبح الموت لعل المراد به ذبح شئ مسمى بهذا الاسم ليعرف الفريقان رفع الموت عنهما على المشاهدة والعيان إن لم نقل بتجسم الاعراض في تلك النشأة لبعده عن طور العقل. (آت).

[ 150 ]

قال: إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: يارسول الله أوصني فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهل أنت مستوص (1) إن أنا اوصيتك حتى قال له ذلك ثلاثا وفي كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإني اوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فامضه وإن يك غيا فانته عنه. 131 – وبهذا الاسناد أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع في زمان جهال (2). 132 – وبهذا الاسناد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لاصحابه يوما: لا تطعنوا (3) في عيوب من أقبل إليكم بمودته ولا توقفوه على سيئة يخضع لها فإنها ليست من أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا من أخلاق أوليائه. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام) إن خير ما ورث الآباء لابنائهم الادب لا المال. فإن المال يذهب والادب يبقى، قال مسعدة: يعني بالادب العلم. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام) إن اجلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لادبك لتستعين به على يوم موتك، فقيل له: وما تلك الاستعانة؟ قال: تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه. قال: وكتب أبو عبد الله (عليه السلام) إلى رجل: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن


(1) أي متقبل وصيتي وعامل بها. (2) نظمه بعض شعراء الفرس واجاد بقوله: گفت پيغمبر كه رحم آريد بر * حال من كان غنيا فافتقر والذي كان عزيزا فاحتقر * أو صفيا عالما بين المضر أي مهان يعنى كه بر اين سه گروه * رحم آريد ار زسنگيد ار زكوه آنكه أو بعد از عزيزى خوار شد * وانكه بد با مال بى اموال شد وان سون آن عالمى كاندر جهان * مبتلا گشته ميان ابلهان. (3) أي لا تجسسوا عيوب من أقبل عليكم بمودته وأظهر محبته لكم ولا تفشوها، قال الجزري: فيه ” لا يكون المؤمن طعانا ” أي وقاعا في اعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما وهو فعال من طعن فيه وعليه بالقول يطعن – بالضم والفتح – إذا عابه ” ولا توقفوه ” أي لا تطلعوه على سيئة اطلعتم عليها منه فيعلم اطلاعكم عليها فيخضع ويذل لها. (آت).

[ 151 ]

المنافق لا يرغب فيما قد سعد به المؤمنون والسعيد يتعظ بموعظة التقوى وإن كان يراد بالموعظة غيره. 133 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط قال: أخبرني بعض أصحابنا عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا ابن مسلم الناس أهل رياء غيركم وذلكم أنكم أخفيتم ما يحب الله عز وجل وأظهرتم ما يحب الناس والناس أظهروا ما يسخط الله عز وجل وأخفوا ما يحبه الله (1)، يا ابن مسلم إن الله تبارك وتعالى رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكم عن الاشربة (2). 134 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن معمر بن خلاد قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): قال لي المأمون: يا أبا الحسن لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي قد فسدت علينا (3)، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين إن وفيت لي وفيت لك إنما دخلت في هذا الامر الذي دخلت فيه (4) على أن لا آمر ولا أنهي ولا أولي ولا أعزل وما زادني هذا الامر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة (5) وما بها أعز مني وما كان بها أحد منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له، قال: فقال لي: أفي لك. 135 – علي بن إبراهيم، عن ابيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله


(1) أي اخفوا ما يحب الله اظهاره. (2) أي كما أنهم يتلذذون بالفقاع والانبذة التي هم يستحلونها وانتم تحرمونها ولا تنتفعون بها فكذلك المتعة أنتم تتلذذون بها وهم لاعتقادهم حرمتها لا ينتفعون ولا يتلذذون بها وفي بعض النسخ صحف بالاسرية بالسين المهملة والياء المثناة من تحت جمع السرية أي انكم لفقركم لا تقدرون على التسرى فجعل الله لكم المتعة عوضا عنهن وفي سائر كتب الحديث كما ذكرنا أولا و هو الظاهر من وجوه كما لا يخفى. (آت). (3) ” لو كتبت ” للتمني. (4) أي ولاية العهد. (5) أي طرقها.

[ 152 ]

(عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): حق على المسلم إذا أراد السفر أن يعلم إخوانه وحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه. 136 – وبهذا الاسناد قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): خلتان (1) كثير من الناس فيهما مفتون: الصحة والفراغ. 137 – وبهذا الاسناد قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده 138 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن شاذان، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قال لي أبي: إن في الجنة نهرا يقال له: جعفر على شاطئه الايمن (2) درة بيضاء فيها ألف قصر في كل قصر ألف قصر لمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى شاطئه الايسر درة صفراء فيها ألف قصر في كل قصر ألف قصر لابراهيم وآل إبراهيم (عليهم السلام). 139 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام ابن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما التقت فئتان قط من أهل الباطل إلا كان النصر مع أحسنهما بقية على [ أهل ] الاسلام (3). 140 – عنه، عن أحمد، عن علي بن حديد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جبلت القلوب على حب من ينفعها وبغض من أضر بها (4). 141 – محمد بن أبي عبد الله (5)، عن موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن عيسى ابن عبد الله، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: أخذ أبي بيدي ثم قال: يا بني إن أبي محمد بن علي (عليه السلام) أخذ بيدي كما أخذت بيدك قال: إن أبي


(1) أي خصلتان. (2) شاطئ النهر: جانبه وطرفه. (3) اي أحسنهما رعاية وحفظا للاسلام. من قولك: أبقيت على فلان إذا رعيت عليه و رحمته. ومنه قوله تعالى: ” اولو بقية ينهون عن الفساد في الارض ” والحاصل أن رعاية الدين و الاسلام سبب للنصرة والغلبة. (آت). (4) الغرض التحريص على إيصال النفع إلى الناس لجلب مودتهم والتخدير عن الاضرار لدفع بغضهم. (آت). (5) هو محمد بن جعفر بن عون الاسدي كما يظهر من تتبع كتب الصدوق وغيرها. (آت).

[ 153 ]

علي بن الحسين (عليهما السلام) أخذ بيدي وقال: يا بني إفعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن من أهله كنت انت من أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره. 142 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، والحجال، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): كان كل شئ ماءا وكان عرشه على الماء فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نارا ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله عز وجل السماوات من ذلك الدخان وخلق الله عز وجل الارض من الرماد، ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء: أنا جند الله الاكبر وقالت النار: أنا جند الله الاكبر وقالت الريح: أنا جند الله الاكبر، فأوحى الله عز وجل إلى الريح أنت جندي الاكبر (1). (حديث زينب العطارة) 143 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صفوان، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وبناته وكانت تبيع منهن العطر فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) وهي عندهن فقال: إذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله، قال إذا بعت فأحسني ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى للمال، فقالت: يا رسول الله ما أتيت بشئ من بيعي وإنما أتيت أسألك عن عظمة الله عز وجل، فقال: جل جلال الله سأحدثك عن بعض ذلك، ثم قال: إن هذه الارض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي (2) وهاتان بمن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي والثالثة حتى إنتهى إلى السابعة وتلا هذه الآية ” خلق


(1) قد مر بعينه سندا ومتنا تحت رقم 68. (2) القى – بالكسر والتشديد – فعل من القواء وهي الارض القفر الخالية..

[ 154 ]

سبع سماوات ومن الارض مثلهن (1) ” والسبع الارضين بمن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي والديك له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب ورجلاه في التخوم السبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخره كحلقة ملقاة في فلاة قي والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت بمن فيه ومن عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء على الثرى كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الاية ” له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى (2) ” ثم انقطع الخبر عن الثرى، والسبع و الديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء الاولى كحلقة في فلاة قي وهذا كله وسماء الدنيا بمن عليها ومن فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي وهاتان السماءان ومن فيهما ومن عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قي وهذه الثلاث بمن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قي حتى انتهى إلى السابعة وهن ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الارض كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي وتلا هذه الآية: ” وينزل من السماء من جبال فيها من برد (3) ” و هذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية: ” وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم (4) ” وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد و الهواء وحجب النور والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة في وتلا هذه الآية: ” الرحمن


(1) الطلاق: 12. (2) طه: 6. والثرى: التراب الندى وهو الذي تحت ظاهر وجه الارض. (3) النور: 43. (4) البقرة: 255..

[ 155 ]

على العرش استوى (1) “. وفي رواية الحسن (2) الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب. (حديث الذي أضاف رسول الله) (صلى الله عليه وآله) بالطائف) 144 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن يزيد الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان نزل على رجل بالطائف قبل الاسلام فأكرمه فلما أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى الناس قيل للرجل: أتدري من الذي أرسله الله عز وجل إلى الناس؟ قال: لا، قالوا له: هو محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب وهو الذي كان نزل بك بالطائف يوم كذا وكذا فأكرمته، قال: فقدم الرجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلم عليه وأسلم، ثم قال له: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا رب المنزل الذى نزلت به بالطائف في الجاهلية يوم كذا و كذا فأكرمتك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): مرحبا بك سل حاجتك، فقال: أسألك مأتي شاة برعاتها، فأمر له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما سأل، ثم قال لاصحابه: ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل لموسى (عليه السلام) بما سأل، فقالوا: وما سألت عجوز بني إسرائيل لموسى؟ فقال: إن الله عز ذكره أوحى إلى موسى أن أحمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الارض المقدسة بالشام فسأل موسى عن قبر يوسف (عليه السلام) فجاءه شيخ فقال: إن كان أحد يعرف قبره ففلانة، فارسل موسى (عليه السلام) إليها فلما جاءته قال: تعلمين موضع قبر يوسف (عليه السلام)؟ قالت: نعم قال: فدليني عليه ولك ما سألت: قال: لا أدلك عليه إلا بحكمي، قال: فلك الجنة، قالت: لا إلا بحكمي عليك، فأوحى الله عز وجل إلى موسى لا يكبر عليك أن تجعل لها حكمها فقال: لها موسى فلك حكمك، قالت: فإن حكمي أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في الجنة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان على هذا لو سألني ما سألت عجوز بني إسرائيل.


(1) طه: 5. أي استولى. (2) لعله ابن محبوب، يعني ان هذا الخبر كان في كتابه كذلك. (آت).

[ 156 ]

145 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كانت أمرأة من الانصار تودنا أهل البيت وتكثر التعاهد لنا وإن عمر بن الخطاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا فقال لها: أين تذهبين يا عجوز الانصار؟ فقالت: أذهب إلى آل محمد اسلم عليهم وأجدد بهم عهدا وأقضي حقهم، فقال لها عمر: ويلك ليس لهم اليوم حق عليك ولا علينا إنما كان لهم حق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأما اليوم فليس لهم حق فانصرفي، فانصرفت حتى أتت أم سلمة فقالت لها أم سلمة: ماذا أبطأ بك عنا؟ فقالت: إني لقيت عمر بن الخطاب وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر، فقالت لها أم سلمة: كذب لا يزال حق آل محمد (صلى الله عليه وآله) واجبا على المسلمين إلى يوم القيامة. 146 – ابن محبوب، عن الحارث بن محمد بن النعمان، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1) ” قال: هم والله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنة واستقبلوا الكرامة من الله عز وجل، علموا واستيقنوا أنهم كانوا على الحق وعلى دين الله عز وجل واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. 147 – عنه، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” فيهن خيرات حسان (2) ” قال: هن صوالح المؤمنات العارفات، قال: قلت: ” حور مقصورات في الخيام (3) “؟ قال: الحور هن البيض المضمومات (4) المخدرات في خيام الدر والياقوت والمرجان، لكل خيمة أربعة


(1) آل عمران: 170. (2) الرحمن: 70. و ” خيرات ” يريد خيرات فخفف. (3) الرحمن: 72. (حور) جمع حوراء وهي الشديدة البياض بياض العين في شدة سوادها. والمقصورات: المخدرات. (4) المضمومات اي اللاتي ضممن إلى خدورهن لا يفارقنه وفي بعض النسخ [ المضمرات ] وقال الجزري: تضمير الخيل هو أن تضامر عليها بالعلف حتى تسمن. (آت)..

[ 157 ]

أبواب، على كل باب سبعون كاعبا (1) حجابا لهن ويأتيهن في كل يوم كرامة من الله عز ذكره [ ل‍ ] يبشر الله عز وجل بهن المؤمنين. 148 – علي بن إبراهيم، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن محمد ابن عيسى، عن يونس، عن أبي الصباح الكناني (2)، عن الاصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن للشمس ثلاثمائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، فتنزل كل يوم على برج منها فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وإن وجهها لاهل السماء وقفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحترقت الارض ومن عليها من شدة حرها ومعنى سجودها ما قال سبحانه وتعالى: ” ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ” (3). 149 – عدة من أصحابنا، عن صالح بن أبي حماد، عن إسماعيل بن مهران، عمن حدثه، عن جابر بن يزيد قال: حدثني محمد بن علي (عليهما السلام) سبعين حديثا لم احدث بها أحدا قط ولا احدث بها أحدا أبدا فلما مضى محمد بن علي (عليهما السلام) ثقلت على عنقي وضاق بها صدري فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك إن أباك حدثني سبعين حديثا لم يخرج مني شيئا منها ولا يخرج شئ منها إلى أحد وأمرني بسترها وقد ثقلت على عنقي وضاق بها صدري فما تأمرني؟ فقال: يا جابر إذا ضاق بك من ذلك شئ فأخرج إلى الجبانة (4) واحتفر حفيرة ثم دل رأسك فيها وقل: حدثني محمد بن علي بكذا وكذا ثم طمه (5) فإن الارض تستر عليك، قال: جابر ففعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده.


(1) الكاعب: الجارية حين تبدو ثديها للنبود اي الارتفاع عن الصدر. (2) رواية الكناني عن الاصبغ بلا واسطة بعيد. (3) الحج: 18. (4) الجبانة: الصحراء. (5) طم الاناء: ملاه، والركية يطمها ويطمها: دفنها وسواها.

[ 158 ]

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران مثله. 150 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث ابن المغيرة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لآخذن البرئ منكم بذنب السقيم (1) ولم لا أفعل ويبلغكم عن الرجل ما يشينكم ويشينني فتجالسونهم وتحدثونهم فيمر بكم المار فيقول: هؤلاء شر من هذا (2)، فلو أنكم إذا بلغكم عنه ما تكرهون زبرتموهم (3) ونهيتموهم كان أبر بكم وبي. 151 – سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن المغيرة، عن طلحة ابن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ” فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء (4) ” قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف أئتمروا وأمروا فنجوا وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرا وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا. 152 – عنه، عن علي بن أسباط، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: كتب أبو عبد الله (عليه السلام) إلى الشيعة: ليعطفن ذوو السن منكم والنهى على ذوي الجهل وطلاب الرئاسة أو لتصيبنكم لعنتي أجمعين (5). 153 – محمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن جميعا، عن صالح بن أبي حماد، عن أبي جعفر الكوفي، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل جعل الدين دولتين دولة لآدم (عليه السلام) ودولة لابليس فدولة آدم هي دولة الله عز وجل فإذا أراد الله عز وجل أن يعبد علانية أظهر دولة آدم وإذا أراد الله أن يعبد سرا كانت دولة إبليس، فالمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين (6).


(1) انما سمى (عليه السلام) تارك النهي عن المنكر بريئا بحسب ظنه أنه برئ من الذنب أو البراءة من الذنوب التي يرتكبها غيره. (2) أي هؤلاء الذين يجالسون هذا الفاسق ولا يزبرونه ولا ينهونه شر منه. (آت). (3) قال الجزري: فيه ” فلا عليك أن تزبره ” اي تنهره وتغلظه في القول. (4) الاعراف: 164. (5) ” ليعطفن ” من العطف بمعنى الميل والشفقة أي ليترحموا ويعطفوا على ذوى الجهل بأن ينهونهم عما ارتكبوه من المنكرات وفي بعض النسخ [ عن ذوي الجهل ] فالمراد هجرانهم واعراضه عنهم. (آت). (6) أي خارج عن كمال الدين.

[ 159 ]

(حديث الناس يوم القيامة) 154 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الاولين والآخرين لفصل الخطاب دعي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فيكسا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلة خضراء تضيئ ما بين المشرق والمغرب ويكسا علي (عليه السلام) مثلها ويكسا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلة وردية يضيئ لها مابين المشرق والمغرب ويكسا علي (عليه السلام) مثلها ثم يصعدان عندها ثم يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس فنحن والله ندخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يدعى بالنبيين (عليهم السلام) فيقامون صفين عند عرش الله عز وجل حتى نفرغ من حساب الناس، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بعث رب العزة عليا (عليه السلام) فأنزلهم منازلهم من الجنة وزوجهم فعلي والله الذي يزوج أهل الجنة في الجنة وما ذاك إلى أحد غيره، كرامة من الله عز ذكره وفضلا فضله الله به ومن به عليه وهو والله يدخل أهل النار النار وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوا فيها أبوابها لان أبواب الجنة إليه وأبواب النار إليه. 155 – على بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: خالطوا الناس فإنه إن لم ينفعكم حب علي وفاطمة (عليهما السلام) في السر لم ينفعكم في العلانية. 156 – جعفر، عن عنبسة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إياكم وذكر علي وفاطمة (عليهما السلام) (1) فإن الناس ليس شئ أبغض إليهم من ذكر علي وفاطمة (عليهما السلام). 157 – جعفر، عن عنبسة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز ذكره إذا أراد فناء دولة قوم أمر الفلك فأسرع السير فكانت على مقدار ما يريد (2). 158 – جعفر بن بشير، عن عمرو بن عثمان، عن أبي شبل قال: دخلت أنا و


(1) أي عند المخالفين النواصب. (آت). (2) لعل المراد تسبيب أسباب زوال دولتهم على الاستعارة التمثيلية. (آت).

[ 160 ]

سليمان بن خالد على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له سليمان بن خالد: إن الزيدية قوم قد عرفوا وجربوا وشهرهم الناس وما في الارض محمدي أحب إليهم منك فإن رأيت أن تدنيهم وتقربهم منك فافعل، فقال: يا سليمان بن خالد إن كان هؤلاء السفهاء يريدون أن يصدونا عن علمنا إلى جهلهم (1) فلا مرحبا بهم ولا أهلا وإن كانوا يسمعون قولنا وينتظرون أمرنا فلا بأس. 159 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انقطع شسع نعل أبي عبد الله (عليه السلام) وهو في جنازة فجاء رجل بشسعه ليناوله فقال: أمسك عليك شسعك فإن صاحب المصيبة (2) أولى بالصبر عليها. 160 – سهل بن زياد، عن ابن فضال، عمن ذكره، عن أبي عبد الله قال: الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كل داء إلا السام (3)، وشبر من الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه ثم قال: ههنا (4). 161 – محمد بن يحيى، أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أتدرى يا رفاعة لم سمي المؤمن مؤمنا؟ قال: قلت: لا أدري، قال: لانه يؤمن على الله عز وجل فيجيز [ الله ] له أمانه. 162 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن حنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لا يبالي الناصب صلى أم زنى (5) وهذه الآيه نزلت فيهم


(1) أي يريدون أن نتبعهم على جهالتهم بما يرون من الخروج بالسيف في غير أوانه. (آت). (2) المصيبة هنا انقطاع شسع النعل. (3) ” هي المغيثة ” يعني تغيث الانسان من الادواء. والسام: الموت. (آت). (4) ” وشبر من الحاجبين ” أي من منتهى الحاجبين من يمين الراس وشماله حتى انتهى الشبران إلى النقرة خلف الرأس أو من بين الحاجبين إلى حيث انتهت من مقدم الرأس كما رواه الصدوق باسناده عن ابي خديجة عن أبي عبد الله (4) قال: الحجامة على الرأس على شبر من طرف الانف وفتر من بين الحاجبين وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسميها بالمنقذة وفي حديث آخر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحتجم على رأسه ويسميه المغيثة أو المنقذة. (آت). (5) أذ هو معاقب بأعماله الباطلة لاخلاله بما هو من اعظم شروطها وهو الولاية فهو كمن صلى بغير وضوء. (آت).

[ 161 ]

” عاملة ناصبة تصلى نارا حامية (1) “. 163 – سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن مرازم، ويزيد بن حماد جميعا، عن عبد الله بن سنان فيما أظن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو أن غير ولي علي (عليه السلام) أتى الفرات وقال وقد أشرف ماؤه على جنبيه وهو يزخ زخيخا (2) فتناول بكفه وقال بسم الله فلما فرغ قال: الحمد لله كان دما مسفوحا أو لحم خنزير. 164 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل ذكره، عن سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف صنعتم بعمي زيد؟ قلت: إنهم كانوا يحرسونه فلما شف (3) الناس أخذنا جثته فدفناه في جرف على شاطئ الفرات (4) فما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه، فقال: أفلا أوقرتموه حديدا و وألقيتموه في الفرات، صلى الله عليه ولعن الله قاتله (5). 165 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن علي الوشاء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز ذكره أذن في هلاك بني أمية بعد إحراقهم زيدا بسبعة أيام (6).


(1) الغاشية: الظاهر انه (عليه السلام) فسر الناصبة بنصب العداوة لاهل البيت (عليه السلام) ويحتمل أن يكون (عليه السلام) فسر النصب بمعنى التعب اي يتعب في مشاق الاعمال ولا ينفعه. (آت) (2) بيان لوفور الماء وعدم احتياج الناس إليه وعدم توهم ضرر على احد في شربه ليظهر ان الحرمة عليه ليس الا لعقيدته الفاسدة وقد خلق الله تعالى نعم الدارين للمؤمنين وهما حرامان على الكافرين. ” وهو يزخ زخيخا ” اي يبرق بريقا لصفائه أو لوفوره أو يدفع ماءه إلى الساحل. و قال الفيروز آبادي: زخه: رفعه في وهدة. وزيد: اغتاظ ووثب. وببوله: رماه. والحادي: سار سيرا عنيفا وزخ الجمر يزخ رخا وزخيخا: برق. (آت). (3) اي رقوا ونقصوا. (4) الجرف: الجانب الذي اكله الماء من حاشية النهر. (5) يدل على جواز ترك الدفن والتثقيل والالقاء في البحر عند الضرورة. (آت). (6) لعل هذا العمل كان من متممات اسباب نزول النقمة والعذاب عليهم والا فهم فعلوا اشد واقبح من ذلك كقتل الحسن (عليه السلام) ويدل هذا الخبر كسابقه على كون زيد مشكورا في جهاده مأجورا ولم يكون مدعيا للخلافة والامامة بل كان غرضه طلب ثار الحسين (عليه السلام) ورد الحق إلى مستحقه كما يدل عليه أخبار كثيرة. (آت)

[ 162 ]

166 – سهل بن زياد عن منصور بن العباس عمن ذكره عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله جل ذكره ليحفظ من يحفظ صديقه. 167 – سهل بن زياد (1)، عن ابن سنان، عن ابن سعدان، عن سماعة قال: كنت قاعدا مع أبي الحسن الاول (عليه السلام) والناس في الطواف في جوف الليل فقال: يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك وما كان بينه وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوضهم الله عز وجل. 168 – سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن سليمان المسترق، عن صالح الاحول قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: آخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين سلمان وأبي ذر واشترط على أبي ذر أن لا يعصي سلمان 169 – سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن خطاب بن محمد، عن الحارث بن المغيرة قال لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق المدينة فقال: من ذا أحارث؟ قلت: نعم قال: أما لاحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم، ثم مضى فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت فقلت: لقيتني؟ فقلت لاحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم، فدخلني من ذلك أمر عظيم، قال: نعم ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم مما تكرهوا وما يدخل علينا به الاذى أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه (2) وتقولوا له قولا بليغا؟ فقلت [ له ]: جعلت فداك إذا لا يطيعونا ولا يقبلون منا؟ فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم (3). 170 – سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن سيابة بن أيوب، ومحمد بن الوليد، وعلي بن أسباط يرفعونه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن الله يعذب الستة


(1) سهل بن زياد ضعيف في الحديث غير معتمد عليه فيه وكان أحمد بن عيسى شهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها. (نقله العلامة في القسم الثاني من الخلاصة عن النجاشي). (2) التأنيب: المبالغة في التوبيخ والتعيف والعذل: الملامة. (3) يدل على وجوب النهي عن المنكر وعلى وجوب الهجران عن أهل المعاصي وترك مجالستهم إن لم يأتمروا ولم يتعظوا. (آت).

[ 163 ]

بالستة: العرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والامراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرساتيق بالجهل. 171 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما كان شئ أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أن يظل (1) خائفا جائعا في الله عز وجل. 172 – علي، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، وحفص بن البختري وسلمة بياع السابري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أخذ كتاب علي (عليه السلام) فنظر فيه قال: من يطيق هذا، من يطيق ذا؟ قال: ثم يعمل به وكان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه وما أطاق أحد عمل علي (عليه السلام) من ولده من بعده إلا علي بن الحسين (عليهم السلام). 173 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن ولي علي (عليه السلام) لا يأكل إلا الحلال (2) لان صاحبه كان كذلك وإن ولى عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما لان صاحبه كذلك، قال: ثم عاد إلى ذكر علي (عليه السلام) فقال: أما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما، قليلا ولا كثيرا حتى فارقها ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدهما على بدنه ولا نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) شديدة قط إلا وجهه فيها ثقة به ولا أطاق أحد من هذه الامة عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعده غيره ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله كل ذلك تحفى فيه يداه (3) وتعرق جبينه التماس وجه الله عز وجل والخلاص من النار وما كان قوته إلا الخل والزيت وحلواه التمر إذا وجده وملبوسه الكرابيس، فإذا


(1) أي يجعله في حفظه صباحا ومساءا. (2) يفهم منه أن من ياكل الحرام فهو ليس من أوليائه وشيعته (عليه السلام). (آت). (3) حفى من كثرة المشي حتى رقت قدمه من باب تعب. (المصباح) وتحفى في الشئ: اجتهد.

[ 164 ]

فضل عن ثيابه شئ دعا بالجلم فجزه (1). 174 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن سليمان بن خالد، عن عامل كان لمحمد بن راشد قال: حضرت عشاء جعفر بن محمد (عليه السلام) في الصيف فاتي بخوان عليه خبز واتي بجفنة فيها ثريد ولحم تفور فوضع يده فيها فوجدها حارة ثم رفعها وهو يقول: نستجير بالله من النار، نعوذ بالله من النار، نحن لا نقوى على هذا فكيف النار، وجعل يكرر هذا الكلام حتى أمكنت القصعة فوضع يده فيها ووضعنا أيدينا حين أمكنتنا فأكل وأكلنا معه، ثم إن الخوان رفع فقال: يا غلام ائتنا بشئ فاتي بتمر في طبق فمددت يدي فإذا هو تمر، فقلت: أصلحك الله هذا زمان الاعناب والفاكهة؟ قال: إنه تمر، ثم قال: ارفع هذا وائتنا بشئ فاتى بتمر فمددت يدي فقلت: هذا تمر؟ فقال: إنه طيب. 175 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متكئا منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قبضه تواضعا لله عز وجل وما رأى ركبتيه (2) أمام جليسه في مجلس قط ولا صافح رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل قط فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده ولا كافأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيئة قط قال الله تعالى له: ” إدفع بالتي هي أحسن السيئة (3) ” ففعل وما منع سائلا قط، إن كان عنده أعطى وإلا قال: يأتي الله به، ولا أعطى على الله عز وجل شيئا قط إلا أجازه الله إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله عز وجل له ذلك، قال: وكان أخوه من بعده (4) والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قط حتى خرج منها والله إن كان ليعرض له الامران كلاهما لله عز وجل طاعة فيأخذ بأشدهما


(1) الجلم: المقراض. (2) أي إن احتاج لعلة إلى كشف ركبتيه ليراه لم يفعل ذلك عند جليسه حياءا منه وفي بعض النسخ [ ارى ركبتيه ] اي لم يكشفها عند جليس وعلى النسختين يحتمل أن يكون المراد لم يكن يتقدمهم في الجلوس بأن تسبق ركبتاه إلى ركبهم. (آت) وفي بعض النسخ [ ما زوى ركبتيه ]. (3) المؤمنون: 96. (4) يعني امير المؤمنين (عليه السلام).

[ 165 ]

على بدنه، والله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عز وجل دبرت فيهم يداه (1) والله ما أطاق عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده أحد غيره، والله ما نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلة قط إلا قدمه فيها ثقة منه به وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبعثه برايته فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح الله عز وجل له. 176 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن زيد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان علي (عليه السلام) أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم، قال: وكان علي (عليه السلام) يستقي ويحتطب وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن و تعجن وتخبز وترقع وكانت من أحسن الناس وجها كأن وجنتيها وردتان (2) صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين. 177 – سهل بن زياد، عن الريان بن الصلت، عن يونس رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل لم يبعث نبيا قط إلا صاحب مرة سوداء صافية (3) وما بعث الله نبيا قط حتى يقر له بالبداء. 178 – سهل، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الحميد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما نفروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناقته قالت له الناقة: والله لا أزلت خفا عن خف ولو قطعت إربا إربا (4). 179 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب ابن يزيد جميعا، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)


(1) قال الجزرى: الدبر – بالتحريك -: الجرح الذي يكون في ظهر البعير. (2) الوجنة: ما ارتفع من الخدين. (3) لعله كناية عن شدة غضبهم فيما يسخط الله وتنمرهم في ذات الله وحدة ذهنهم وفهمهم، وتوصيفها بالصفاء لبيان خلوصها عما يلزم تلك المرة غالبا من الاخلاق الذميمة والخيالات الفاسدة (4) إشارة إلى ليلة العقبة وما فعله المنافقون في تلك الليلة.

[ 166 ]

أنه قال: يا ليتنا سيارة مثل آل يعقوب حتى يحكم الله بيننا وبين خلقه (1). 180 – سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن إسماعيل بن قتيبة، عن حفص بن عمر، عن إسماعيل بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يقول: إني لست كل كلام الحكيم أتقبل إنما أتقبل هواه وهمه فإن كان هواه وهمه في رضاي جعلت همه تقديسا وتسبيحا (2). 181 – سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن الطيار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الله عز وجل: ” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (3) ” قال: خسف ومسخ وقذف، قال: قلت: حتى يتبين لهم؟ قال: دع ذا ذاك قيام القائم. 182 – سهل، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، وابن سنان، وسماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طاعة علي ذل ومعصيته كفر بالله، قيل: يا رسول الله كيف تكون طاعة علي ذلا ومعصيته كفرا بالله؟ فقال: إن عليا يحملكم على الحق فإن أطعتموه ذللتم وإن عصيتموه كفرتم بالله. 183 – عنه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار أو غيره قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب وسائر الناس الاعراب. 184 – سهل، عن الحسن بن محبوب، عن حنان، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قريش وشيعتنا العرب وسائر الناس علوج الروم (4).


(1) ” يا ليتنا ” على الحذف والايصال أي يا ليت لنا. وفي بعض النسخ [ يا ليتنا سائرة ]. (2) ” هواه وهمه ” أي ما يحبه وعزم عليه من النيات الحسنة والحاصل أن الله تعالى لا يقبل كلام حكيم لا يعقد قلبه على نية صادقة في العمل بما يتكلم به وأما مع النية الحسنة واليقين الكامل فيكتب له ثواب التسبيح والتقديس وإن لم يأت بها. (آت). (3) فصلت: 53. (4) العلج: الرجل القوي الضخم والرجل من كفار العجم والاعلاج جمعه ويجمع على علوج أيضا. (النهاية)

[ 167 ]

185 – سهل، عن الحسن بن محبوب، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كأني بالقائم (عليه السلام) على منبر الكوفة عليه قباء فيخرج من وريان قبائه (1) كتابا مختوما بخاتم من ذهب فيفكه فيقرأه على الناس فيجفلون عنه إجفال الغنم (2) فلم يبق إلا النقباء فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتى يرجعوا إليه وإني لاعرف الكلام الذي يتكلم به. 186 – سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن ابن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجد أحدكم ضالته فليأخذها. 187 – سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد أو غيره، عن سليمان كاتب علي بن يقطين، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الاشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام) وابنته جعدة سمت الحسن (عليه السلام) ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (عليه السلام). 188 – علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن صباح الحذاء، عن أبي اسامة قال: زاملت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: فقال لي: إقرأ [ قال ]: فافتتحت سورة من القرآن فقرأتهما فرق وبكى، ثم قال: يا أبا اسامة ارعوا قلوبكم بذكر الله عز وجل (3) واحذروا النكت فإنه يأتي على القلب تارات أو ساعات الشك من صباح ليس فيه إيمان ولا كفر شبه الخرقه البالية أو العظم النخر (4). يا أبا اسامة أليس ربما تفقدت قلبك فلا تذكر به خيرا ولا شرا ولا تدري أين هو؟ قال: قلت له: بلى


(1) ” من وريان قبائه ” أي من جيبه كما ذكره المطرزى. (آت). (2) الجفل: النفر والشرد. واجفلوا أي هربوا مسرعين. وقوله: ” الا النقباء ” قال الجوهرى: النقيب: العريف وهو شاهد على القوم وضمينهم والجمع: النقباء. (3) من الرعاية أي احفظوها بذكره تعالى من وساوس الشيطان. والنكت ما يلقيه الشيطان في القلب من الوسواس والشبهات. (آت). (4) في القاموس: النخر – ككتف – والناخر: البالي المتفتت.

[ 168 ]

إنه ليصيبني وأراه يصيب الناس، قال أجل ليس يعرى منه أحد. قال: فإذا كان ذلك فاذكروا الله عز وجل واحذروا النكت فإنه إذا أراد بعبد خيرا نكت إيمانا وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك، قال: قلت: ما غير ذلك جعلت فداك [ ما هو ]؟ قال: إذا أراد كفرا نكت كفرا. 189 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن زيد الشحام، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين فأوصني بشئ آخذ به، قال: اوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والورع والاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك (1)، وكفى بما قال الله عز وجل لرسوله (صلى الله عليه وآله): ” فلا تعجبك أموالهم لا أولادهم (2) ” وقال الله عز وجل لرسوله: ” ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا (3) ” فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده السعف إذا وجده وإذا اصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الخلق لم يصابوا بمثله (عليه السلام) قط. 190 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن الحسن بن السري، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع (4) فوقف علينا فسلم فرددنا (عليه السلام)، ثم قال: ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكأن الحق في هذه


(1) طمح بصره إليه ارتفع. و ” أن تطمح نفسك ” أي ترفعها إلى حال من هو فوقك وتتمنى حاله. (2) التوبة: 55. (3) طه: 131. والزهرة: الزينة. والزهرة – بفتح الهاء والزاي – نور النبات والزهرة – بضم الزاي وفتح الهاء -: النجم وبنو زهرة باسكان الهاء. (4) قد ذكر السيد في باب الحكم من النهج بعض فقرات هذا الخبر مع اختلاف ونسبها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قالها حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك وقال في آخره: ” ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) “. ورواه على بن ابراهيم أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

[ 169 ]

الدنيا على غيرهم وجب وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الاموات قبلهم، سبيلهم سبيل قوم سفر (1) عما قليل إليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم، فيظنون أنهم مخلدون بعدهم (2) هيهات هيهات [ أ ] ما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة (3) وبوائق حادثة. طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس. طوبى لمن منع عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه. طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي (4) واتبع الاخيار من عترتي من بعدي و جانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف سنتي، العاملين بغير سيرتي. طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقة في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة. طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره. طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.


(1) السفر جمع مسافر فيحتمل ارجاع الضمير في قوله: ” سبيلهم ” إلى الاحياء وفي قوله: ” إليهم ” إلى الاموات أي هؤلاء الاحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور حتى يلحقوا بهؤلاء الاموات ويحتمل العكس في ارجاع الضميرين فالمراد أن سبيل هؤلاء الاموات عند هؤلاء الاحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم ويؤيده ما في النهج والتفسير: وكان الذي نرى من الاموات سفر عما قليل الينا راجعون. (2) الاجداث جمع الجدث وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلاء الاموات اجداثهم ومع ذلك يأكلون تراثهم أو يرون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقي في أيديهم ومع ذلك لا يتعظون ويظنون انهم مخلدون بعدهم. والتراث: ما يخلفه الرجل لورثته. والظاهر أنه وقع في نسخ الكتاب تصحيف والاظهر ما في النهج نبوئهم اجداثهم ونأكل تراثهم وفي التفسير: تنزلهم أجداثهم. (آت) (3) الفادحة: النازلة والبلية يثقل حملها. (4) في بعض النسخ [ عن نفسي ].

[ 170 ]

191 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد رفعه، عن بعض الحكماء (1) قال: إن أحق الناس أن يتمنى الغنى للناس أهل البخل لان الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم وإن أحق الناس أن يتمنى صلاح الناس أهل العيوب لان الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم وإن أحق الناس أن يتمنى حلم الناس أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس وأصبح أهل العيوب يتمنون فسقهم وأصبح أهل الذنوب يتمنون سفههم وفي الفقر الحاجة إلى البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب وفي السفه المكافأة بالذنوب. 192 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا حسن إذا نزلت بك نازله فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض إخوانك فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال: إما كفاية بمال وإما معونة بجاه أو دعوة فتستجاب أو مشورة برأي. (خطبة لامير المؤمنين عليه السلام) 193 – علي بن الحسين المودب وغيره، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل ابن مهران، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: الحمد لله الخافض الرافع، الضار النافع، الجواد الواسع، الجليل ثناؤه، الصادقة أسماؤه، المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب الذي جعل الموت بين خلقه عدلا وأنعم بالحياة عليهم فضلا، فأحيا وأمات وقدر الاقوات، أحكمها بعلمه تقديرا وأتقنها بحكمته تدبيرا إنه كان خبيرا بصيرا، هو الدائم بلا فناء والباقي إلى غير منتهى، يعلم ما في الارض وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى.


(1) أي الائمة إذ قد روى الصدوق في الامالى باسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) مع أنه ليس من دأبهم الرواية عن غير المعصوم. (آت).

[ 171 ]

أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به الملائكة والنبيون، حمدا لا يحصى له عدد ولا يتقدمه أمد (1) ولا يأتي بمثله أحد، أو من به وأتوكل عليه وأستهديه وأستكفيه وأستقضيه بخير وأسترضيه (2). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (صلى الله عليه وآله). أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار، إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا (3) ثم استقلوا فغدوا وراحوا، دخلوا خفافا وراحوا خفافا (4) لم يجدوا عن مضي نزوعا (5) ولا إلى ما تركوا رجوعا، جد بهم فجدوا وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا أخذ بكظمهم وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم (6) لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر، قل في الدنيا لبثهم وعجل إلى الآخرة بعثهم، فأصبحتم حلولا في ديارهم، ظاعنين على آثارهم والمطايا بكم تسير سيرا، ما فيه أين ولا تفتير، نهاركم بأنفسكم دؤوب وليلكم بأرواحكم ذهوب (7) فأصبحتم تحكون من حالهم حالا وتحتذون من مسلكهم


(1) في بعض النسخ [ أحد ] أي بالتقدم المعنوي بأن يحمد أفضل منه أو بالتقدم الزماني بأن يكون حمده أحد قبل ذلك. (آت). (2) ” استقصيه ” بالصاد المهملة من قولهم: استقصى في المسألة وتقصى إذا بلغ الغاية أو بالضاد المعجمة كما في بعض النسخ من قولهم: استقضى فلان أي طلب إليه أن يقضيه. وقوله: ” بخير ” أي بسبب طلب الخير. (آت). (3) الركب جمع راكب. والتعريس: نزول القوم في السفر في آخر الليل نزلة للنوم و الاستراحة. (آت). وقوله: ” اناخوا ” أي أقاموا. و ” استقلوا ” أي مضوا وارتحلوا. (4) أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفافا بلا زاد ولا مال وراحوا عند الموت كذلك ويحتمل أن يكون كناية عن الاسراع. (آت). (5) نزع عن الشئ نزوعا: كف وقلع عنه أي لم يقدروا على الكف عن المضى والظرفان متعلقان بالنزوع والرجوع. (آت). (6) أي جفت اقلام الناس عن كتابة آثارهم لبعد عهدهم ومحو ذكرهم. (آت). (7) ” حلولا ” جمع حال. و ” ظاعنين ” أي سائرين. والاين: الاعياء. ” ولا تفتير ” أي ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن عن السير زمانا و ” نهاركم بانفسكم دؤوب ” أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب انفسكم ليذهبها ويحتمل أن يكون الباء للتعدية أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء أجسادكم. (آت).

[ 172 ]

مثالا (1) فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما أنتم فيها سفر حلول (2)، الموت بكم نزول تنتضل فيكم مناياه (3) وتمضى بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء و الحساب. فرحم الله أمرءا راقب ربه وتنكب ذنبه (4) وكابر هواه وكذب مناه، امرءا زم نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها وقدعها عن المعصية بلجامها (5)، رافعا إلى المعاد طرفه (6) متوقعا في كل أوان حتفه (7) دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا (8) عن الدنيا سأما (9)، كدوحا لآخرته متحافظا، امرءا جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ودواء أجوائه، فاعتبر وقاس وترك الدنيا والناس، يتعلم للتفقه والسداد وقد وقر قلبه ذكر المعاد وطوى مهاده وهجر وساده (10)، منتصبا على أطرافه، داخلا في أعطافه، خاشعا لله عز وجل، يراوح بين الوجه والكفين (11) خشوع في السر لربه، لدمعه صبيب ولقلبه وجيب (12)، شديدة أسباله


(1) ” تحكون ” أي أحوالكم تحكي وتخبر عن أحوالهم. والاحتذاء: الاقتداء. (آت). (2) هما جمعان أي مسافرون حللتم بالدنيا والنزول – بفتح النون – اي نازل. (آت). (3) الانتضال: رمى السهام للسبق. والمنايا جمع المنية وهي الموت ولعل الضمير راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر أو بتشبيهها بالرجل الرامي أي ترمى إليكم المنايا في الدنيا سهاما فتهلككم والسهام الامراض والبلايا الموجبة للموت و يحتمل أن يكون فاعل تنتضل الضمير الراجع إلى الدنيا ويكون المرمى المنايا. (آت). (4) تنكب أي تجنب. وكابر اي خالف وغالب وفي بعض النسخ [ كابد ] ان قاساه وتحمل المشاق في فعله. (5) قدعه – كمنعه -: كفه. وفي بعض النسخ [ وقرعها ]. (6) طرفه أي عينه. (7) الحتف: الموت. (8) عزفت عن كذا أي زهدت فيه وانصرفت عنه. (9) أي ملولا. والكدح: السعي و الاهتمام. (10) ” طوى مهاده ” أي على أقدامه وأعطافه جمع عطاف وهو الرداء. (11) أي يضع جبهته تارة للسجود ويرفع بدنه تارة في الدعاء في أعمال كل واحد منهما راحة للاخرى. (آت). (12) أي هو صاب كثير الصب ولقلبه اضطراب. واسبال جمع سبل – بالتحريك -: المطر والدمع إذا اهطل.

[ 173 ]

ترتعد من خوف الله عز وجل أوصاله (1)، قد عظمت فيما عند الله رغبته واشتدت منه رهبته، راضيا بالكفاف من أمره (2) يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لابره أو دعا على أحد نصره الله، يسمع إذا ناجاه ويستجيب له إذا دعاه، جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لاهلها مأوى، دعاؤهم فيها أحسن الدعاء ” سبحانك اللهم ” دعاؤهم المولى على ما آتاهم ” وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين “. (خطبة لامير المؤمنين عليه السلام) 194 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان أو غيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر هذه الخطبة لامير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمعة. الحمد لله أهل الحمد ووليه ومنتهى الحمد ومحله، البدئ البديع، الاجل الاعظم، الاعز الاكرم، المتوحد بالكبرياء، والمتفرد بالآلاء، القاهر بعزه، والمسلط بقهره، الممتنع بقوته المهيمن بقدرته، والمتعالي فوق كل شئ بجبروته، المحمود بامتنانه وبإحسانه، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده، الموسع برزقه، المسبغ بنعمه، نحمده على الآئه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملاء قدر آلائه و كبريائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الذي كان في أوليته متقادما وفي ديموميته متسيطرا (3)، خضع الخلائق لوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته ودانوا لدوام أبديته (4). وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وخيرته من خلقه اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه وائتمنه على سره و ارتضاه لخلقه وانتدبه لعظيم أمره ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله


(1) الاوصال: المفاصل. (2) في الوافي زاد [ وإن أحسن طول عمره ]. (3) أي هو في دوامه مسلط على جميع خلقه. (4) أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته أو أطاعوا وخضعوا وذلوا لكونه دائم الابدية. (آت).

[ 174 ]

ومفتاح وحيه وسببا لباب رحمته، ابتعثه على حين فتره من الرسل وهدأة من العلم (1) واختلاف من الملل وضلال عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث والوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الامثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ويكون بلاغا لقوم عابدين فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين (صلى الله عليه وآله) تسليما كثيرا. أوصيكم عباد الله واوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدا بدأ الامور بعلمه وإليه يصير غدا ميعادها وبيده فناؤها وفناؤكم وتصرم أيامكم وفناء آجالم وانقطاع مدتكم فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها، لن تعدوا الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها، المطمئنين إليها، المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز وجل: ” كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام (2) – الآية – ” مع أنه لم يصب امرء منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة ولا يصبح فيها في جناح آمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة (3) أو تغير نعمة أو زوال عافية مع أن الموت من وراء ذلك وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت ” ليجزي الذين أساؤا بما علموا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى “. فاتقوا الله عز ذكره وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب مجيب، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه


(1) الهدأة – بفتح الهاء وسكون الدال -: السكون عن الحركات. (آت). (2) يونس: 24. (3) الجائحة: الافة التي تهلك الثمار والاموال. وكل مصيبة عظيمة.

[ 175 ]

ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل: ” وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (1) “. أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والعصر * إن الانسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (2) ” ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (3) ” اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وتحنن (4) على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعط محمد الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة، اللهم اجعل محمدا وآل محمد اعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة وأقربهم منك مقعدا وأوجههم عندك يوم القيامة جاها وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا، اللهم أعط محمدا أشرف المقام وحباء السلام (5) وشفاعة الاسلام، اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين (6) ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين. ثم جلس قليلا ثم قام فقال: الحمد لله أحق من خشي وحمد وأفضل من اتقي وعبد وأولى من عظم ومجد نحمده لعظيم غنائه، وجزيل عطائه، وتظاهر نعمائه، وحسن بلائه، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ولا يتمهد سناؤه (7) ولا يوهن عراه ونعوذ بالله من سوء كل الريب (8) وظلم الفتن ونستغفره من مكاسب الذنوب ونستعصمه من مساوي الاعمال ومكاره الآمال


(1) الاعراف: 203. (2) العصر: 1 إلى 3. (3) الاحزاب: 56. (4) التحنن: الترحم. (5) الحباء: العطاء أي أعطه عطية سلامتك بأن يكون سالما عن جميع ما يوجب نقصا أو خزيا. (آت). (6) في بعض النسخ [ ولا ناكثين ]. (7) في بعض النسخ [ لا يهد ] والسنا مقصورا ضوء البرق وممدودا: الرفعة. (8) أي من شر كل شك وشبهة يعترى في الدين. (آت).

[ 176 ]

والهجوم في الاهوال ومشاركة أهل الريب (1) والرضا بما يعمل الفجار في الارض بغير الحق، أللهم اغفر لنا وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء منهم والاموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك (صلى الله عليه وآله)، اللهم تقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان واغفر للاحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسولك وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك واقتدوا بنبيك وسنوا سنتك وأحلوا حلالك وحرموا حرامك وخافوا عقابك ورجوا ثوابك ووالوا أولياءك وعادوا أعداءك، اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين. 195 – الحسين بن محمد الاشعري عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن الفضيل. عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لكل مؤمن حافظ وسايب، قلت: ما الحافظ وما السايب يا أبا جعفر؟ قال: الحافظ من الله تبارك وتعالى حافظ من الولاية (2) يحفظ به المؤمن أينما كان وأما السايب فبشارة محمد (صلى الله عليه وآله) يبشر الله تبارك وتعالى بها المؤمن أينما كان وحيثما كان. 196 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجال، عن حماد، عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم (3).


(1) أي الذين يشكون ويرتابون في الدين أو الذين يريبون الناس فيهم بالخيانة والسرقة. (آت). (2) كلمة ” من ” إما تعليلية أي له حافط من البلايا بسبب ولاية ائمة الحق أوله حافظ بسبب الولاية لتحرس ولايته لئلا تضيع وتذهب بتشكيلات أهل الباطل أو صلة للحفظ إما بتقدير مضاف أي يحفظه من ضياع الولاية وذهابها أو بأن يكون المراد ولاية غير أئمة الحق أو بيانية أي الحافظ هي الولاية عن البلايا والفتن. قوله ” وأما السايب ” لعله من السيب بمعنى العطاء أو بمعنى الجريان أي جارية من الدهور أو من السايبة التي لا مالك لها بخصوصه أي سيب بجميع المؤمنين. ” قوله فبشارة محمد (صلى الله عليه وآله) ” أي البشارة عند الموت بالسعادة الابدية و يحتمل على بعد أن يكون المراد بالقرآن أو الرؤيا الحسنة. (آت). (3) قلى – كرضى -: أبغضه وكرهه غاية الكراهة. قال الجزري: في حديث أبي الدرداء ” وجدت الناس أخبر تقله ” القلى: البغض، يقال: قلاه يقيله قلى و قلى إذا أبغضه. وقال الجوهري: إذا فتحت مددت ويقلاه لغة طي، يقول: جرب الناس فانك إذا جربتهم قليتهم و تركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم، لفظه لفظ الامر ومعناه معنى الخبر أي جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم والهاء في ” تقله ” للسكت ومعنى نظم الحديث وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول انتهى. أقول: الظاهر أن الامر الوارد في هذا الخبر أيضا كذلك أي متى خالطت الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم فلا تخالطهم مخالطة شديدة تكون موجبة لقلاك لهم. (آت).

[ 177 ]

197 – سهل، عن بكر بن صالح رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الاسلام (1) أصل. 198 – سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله (عليه السلام) ببيت شعر لابن أبي عقب. وينحر بالزوراء منهم لدى الضحى * ثمانون ألفا مثل ما تنحر البدن وروي غيره: البزل. ثم قال لي: تعرف الزوراء؟ قال: قلت: جعلت فداك يقولون: إنها بغداد قال: لا، ثم قال (عليه السلام): دخلت الري؟ قلت: نعم، قال: أتيت سوق الدواب؟ قلت: نعم، قال: رأيت الجبل الاسود عن يمين الطريق؟ تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفا منهم ثمانون رجلا (2) من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة، قلت: ومن يقتلهم جعلت فداك؟ قال: يقتلهم أولاد العجم (3).


(1) روى العامة هذا الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا ” الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا تفقهوا ” ويحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد أن الناس مختلفون بحسب استعداداتهم وقابلياتهم وأخلاقهم وقولهم كاختلاف المعادن فان بعضها ذهب وبعضها فضة فمن كان في الجاهلية خيرا حسن الخلق عاقلا فهما ففي الاسلام أيضا يسرع إلى قبول الحق ويتصف بمعالى الاخلاق ويجتنب مساوي الاعمال بعد العلم بها والثاني أن يكون المراد أن الناس مختلفون في شرافة النسب والحسب كاختلاف المعادن فمن كان في الجاهلية من أهل بيت شرف ورفعة فهو في الاسلام أيضا يصير من أهل الشرف بمتابعة الدين وانقياد الحق والاتصاف بمكارم الاخلاق، فشبههم (عليه السلام) عند كونهم في الجاهلية بما يكون في المعدن قبل استخراجه وعند دخولهم في الاسلام بما يظهر من كمال ما يخرج من المعدن ونقصه بعد العمل فيه. (آت). (2) في بعض النسخ [ يقتل فيها ثمانون الفا من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة ]. (3) في القاموس: الزوراء ما كان لاحيحة والبئر البعيدة والقدح وإناء من فضة والقوس و دجلة وبغداد لان ابوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة، وموضع بالمدينة قرب المسجد و دار كانت بالحيرة والبعيدة من الاراضي وارض عند ذي خيم انتهى. واحتمل المجلسي – ره – أن يكون الزوراء في الخبر اسما لموضع بالري وأن يكون زوراء بغداد الجديد وقال: انما نفى (عليه السلام) بغداد القديم ولعله كان هناك موضع يسمى بالري ويكون إشارة إلى المقاتلة التي وقعت في زمان مأمون هناك وقتل فيها كثير من ولد العباس وعلى الاول يكون اشارة إلى واقعة تكون في زمن القائم (عليه السلام) أو في قريب منه وابن أبي عقب لعله كان سمع هذا من المعصوم فنظمه. (آت).

[ 178 ]

199 – علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن محمد بن زياد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا (1) “؟ قال: مستبصرين ليسوا بشكاك. 200 – عنه، عن علي، عن إسماعيل بن مهران (2)، عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله تبارك وتعالى: ” ولا يؤذن لهم فيعتذرون (3) ” فقال: الله أجل وأعدل [ وأعظم ] من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به، ولكنه فلج فلم يكن له عذر. (4) 201 – علي، عن علي بن الحسين، عن محمد الكناسي قال: حدثنا من رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز ذكره: ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب (5) ” قال: هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم (6) وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى


(1) قال الزمخشري: ليس بنفي للخرور وإنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى كما تقول: لا يلقاني زيد مسلما هو نفى للسلام لا للقاء والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها واقبلوا على المذكر بها وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها وهم كالصم العميان حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها كالمنافقين واشباههم. وقوله: ” مستبصرين ” أي أكبوا واقبلوا مستبصرين. (آت) والاية في سورة الفرقان: 73. (2) في بعض النسخ كذا [ عن علي عن اسماعيل ] وهو الظاهر وفي بعضها [ عن علي بن اسماعيل ] فهو مجهول. (آت). (3) المرسلات: 36. (4) يقال: فلج أصحابه وعلى أصحابه إذا غلبهم أي صار مغلوبا بالحجة فليس له عذر فالمراد أنه ليس لهم عذر حتى يؤذن لهم فيعتذروا قال البيضاوي: عطف فيعتذرون على يؤذن ليدل على نفي الاذن والاعتذار عقيبه مطلقا ولو جعله جوابا لدل على عدم اعتذارهم لعدم الاذن وأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه. (آت). (5) الطلاق: 3. (6) أي في القدرة والمال.

[ 179 ]

يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم فيعيه هؤلاء (1) وتضيعه هؤلاء، فاولئك الذين يجعل الله عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون. وفي قول الله عز وجل: ” هل أتيك حديث الغاشية (2) “؟ قال: الذين يغشون الامام إلى قوله عز وجل: ” لا يسمن ولا يغني من جوع ” قال: لا ينفعهم ولا يغنيهم لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود. 202 – عنه، عن علي بن الحسين، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم (3) ” قال: نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة الجراح و


(1) أي الفقراء والحاصل أن البدن كما يتقوى بالرزق الجسماني وتبقى حياته به فكذلك الروح يتقوى وتحيى بالاغذية الروحانية من العلم والايمان والهداية والحكمة وبدونها ميت في لباس الاحياء فمراده (عليه السلام) أن الاية كما تدل على أن التقوى سبب لتيسر الزرق الجسماني وحصوله من غير احتساب فكذلك تدل على انها تصير سببا لتيسر الرزق الروحاني الذي هو العلم والحكمة من غير احتساب وهي تشتملهما معا. (آت). (2) الغاشية: 2. وقال البيضاوي: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها يعني يوم القيامة أو النار من قوله: ” وتغشى وجوههم النار ” انتهى وقوله: ” الذين يغشون الامام ” فسرها (عليه السلام) بالجماعة فالمراد على هذا البطن الطعام الروحاني أي ليس غذاؤهم الروحاني الا الشكوك و الشبهات والاراء الفاسدة التي هي كالضريع في عدم النفع والاضرار بالروح. (آت). (3) من نجوى ثلاثة قال البيضاوي: ما يقع من تناجي ثلاثة ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول نجوى بمتناجين ويجعل ثلاثة صفة لها واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الارض فان السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه، ” الا وهو رابعهم ” إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركم في الاطلاع عليها والاستثناء من أعم الاحوال، ” ولا خمسة إلا هو سادسهم ” وتخصيص العددين اما لخصوص الواقعة فان الاية نزلت في تناجي المنافقين أو لان الله وتر يحب الوتر والثلاثة أول الاوتار أو لان التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما، ” ولا ادنى من ذلك ” ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين، ” ولا أكثر إلا هو معهم ” يعلم ما يجري بينهم ” اينما كانوا ” فان علمه بالاشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الامكنة ” ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ” تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء، ” إن الله بكل شئ عليم ” لان نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل سواء. انتهى. والاية في سورة المجادلة آية 7.

[ 180 ]

عبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا: لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبدا، فأنزل اآلله عز وجل فيهم هذه الآية، قال: قلت: قوله عز وجل: ” أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون * أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (1) ” قال: وهاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم، قال أبو عبد الله (عليه السلام): لعلك ترى أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين (عليه السلام) وهكذا كان في سابق علم الله عز وجل الذي أعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين وخرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كله. قلت: ” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل ” قال: الفئتان (2) إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة وهم أهل هذه الآية وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا و يرجعوا عن رأيهم لانهم بايعوا طائعين غير كارهين (3) وهي الفئة الباغية كما قال الله تعالى فكان الواجب على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم كما عدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة إنما من عليهم وعفا وكذلك صنع أمير المؤمنين (عليه السلام) بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل مكة حذو النعل بالنعل. قال: قلت: قوله عز وجل: ” والمؤتفكة أهوى (4) ” قال: هم أهل البصرة هي


(1) الزخرف: 79 و 80 وقوله: ” ابرموا ” أي احكموا. (2) الفئتان تفسير للطائفتين. (آت) والاية في سورة الحجرات: 9. وقوله: ” تفئ ” أي ترجع. (3) هذا لبيان كفرهم وبغيهم على جميع المذاهب فان مذهب المخالفين ان مدار وجوب الاطاعة على البيعة فهم بايعوا طائعين غير مكرهين فإذا نكثوا فهم على مذهبهم ايضا من الباغين. (آت). (4) النجم: 53. والمؤتفكة فسر بالقرى المخسوف بها وقوله: ” اهوى ” أي جعلها تهوى. وهي قرى قوم لوط وفسرها (عليه السلام) بالبصرة وقد ورد في اخبار الفريقين أنها إحدى المؤتفكات وفي تفسير علي بن ابراهيم أنها ائتفكت باهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة وفي النهاية: في حديث انس: ” البصرة إحدى المؤتفكات ” يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها انتهى. ولا استبعاد في حملها على الحقيقة. (من آت).

[ 181 ]

المؤتفكة، قلت: ” والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات ” (1)؟ قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم. 203 – علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن حنان قال: سمعت أبي يروي عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر ابن الخطاب: أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) هذا نسبي وهذا حسبي، قال: فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلمان رضي الله عنه يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر ابن الخطاب: من أنت وما أصلك وما حسبك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله) و كنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله) هذا نسبي وهذا حسبي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه (2) ومروءته خلقه وأصله عقله (3) وقال الله عز وجل: ” إنا خلقناكم من ذكر و انثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (4) ” ثم قال النبي


(1) التوبة: 70. (2) الحسب: الشرافة ويطلق غالبا على الشرافة الحاصلة من جهة الاباء. (آت). (3) المروءة مهموزة: الانسانية، مشتقة من المرء وقد تخفف بالقلب والادغام. (4) الحجرات: 11. وقوله تعالى ” من ذكر وانثى ” أي من آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب و يجوز أن يكون: تقريرا للاخوة المانعة عن الاغتياب، ” وجعلناكم شعوبا وقبائل ” الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العماير والعمارة تجمع البطون والبطن يجمع على الافخاذ والفخذ يجمع الفصائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ وعباس فصيلة، ” لتعارفوا ” أي ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالاباء والقبائل، ” إن أكرمكم عند الله اتقاكم ” فان التقوى بها تكمل النفوس ويتفاضل الاشخاص فمن اراد شرفا فليلتمس منها. (البيضاوى).

[ 182 ]

(صلى الله عليه وآله) لسلمان: ليس لاحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل. 204 – علي، عن أبيه، عن ابن عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن محمد ابن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما ولى علي (عليه السلام) صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما (1) ما قام لي عذق بيثرب فليصدقكم أنفسكم (2) أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم؟ قال: فقام إليه عقيل فقال له: والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواءا، فقال: اجلس أما كان ههنا أحد يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى. 205 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصفا فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم وإني شفيق عليكم وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله، لا تقولوا: إن محمدا منا وسندخل مدخله، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون، ألا فلا أعرفكم (3) يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة، ألا إني قد أعذرت إليكم (4) فيما بيني وبينكم وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم. 206 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: رأيت كأني


(1) قال الجوهري: يقال: ما رزأته ماله أي ما نقصته. انتهى. والفئ: الغنيمة والخراج. واليثرب مدينة الرسول أي ما انقصكم من غنائمكم وخراجكم ما بقي لي عذق – بالفتح – أي نخلة بالمدينة. (آت). (2) أي ارجعوا إلى انفسكم وانصفوا وليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك. (آت) (3) أي لا تكونوا كذلك حتى أعرفكم في ذلك اليوم هكذا وفي بعض النسخ [ أفلا اعرفكم ] استفهام انكاري أي بلى أعرفكم كذلك. (آت) (4) يقال: أعذر إليه أي أبدى عذره وأثبته. (آت).

[ 183 ]

على رأس جبل والناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء وجعل الناس يتساقطون عنه (1) من كل جانب حتى لم يبق منهم أحد إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس ويبقي تلك العصابة أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان (2) في تلك العصابة، قال: فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من خمس (3) حتى هلك. 207 – عنه (4)، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان قال: حدثني أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له: انطلق فصل على أبي جعفر (عليه السلام) فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر (عليه السلام) قد توفي. 208 – علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه (5)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله تعالى: ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (بمحمد) (6) ” هكذا والله نزل بها جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله). 209 – عنه، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (7) ” هكذا فاقرأها.


(1) لعله اشارة إلى الفتن التي حدثت بعده صلوات الله عليه في الشيعة فارتدوا. (آت). (2) رواه الكشي ص 158 من رجاله عن حمدويه بن نصير، عن محمد بن عيسى، عن النضر مثله إلا أن فيه ” أما إن ميسر بن عبد العزيز وعبد الله بن عجلان في تلك العصابة فما مكث بعد ذلك الا نحوا من سنتين حتى هلك صلوات الله عليه “. انتهى. وفي نسخة من الروضة [ ميسر وعبد الله بن عجلان ] وهو الصحيح. (3) في نسخة [ سنتين ] وهو الصواب. (4) ضمير ” عنه ” راجع إلى أحمد بن محمد بن خالد. (5) فيه إرسال ورواه العياشي عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه ولعلهما سقطا في هذا السند وفي بعض النسخ هكذا وهو الظاهر. (آت) ومحمد ين سليمان كان غاليا كذابا وكذا ابوه. (6) آل عمران: 103. وقوله تعالى: ” على شفا حفرة ” أي طرفها ومشرفا على السقوط فيها بسبب الكفر والمعاصي. قوله: ” بمحمد ” يعني انقذكم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله). وقوله: ” هكذا والله نزل بها جبرئيل ” أي بهذا المعنى. (7) كذا في أكثر النسخ وفي سورة آل عمران آية 92. ولعله في الحديث ” حتى تنفقوا ما تحبون ” كما يقرا في بعض النسخ أي جميع ما تحبون.

[ 184 ]

210 – عنه، عن أبيه، عن علي بن اسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم (وسلموا للامام تسليما) أو اخرجوا من دياركم (رضى له) ما فعلوه إلا قليل منهم ولو (أن أهل الخلاف) فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (1) ” وفي هذه الآية ” ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت (من أمر الوالي) ويسلموا (لله الطاعة) تسليما (2) “. 211 – علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبي جنادة الحصين بن المخارق ابن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم (3) (فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب (4) وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا (5) “. 212 – علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: تلا أبو جعفر (عليه السلام) ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم (6) ” فإن خفتم تنازعا في الامر فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الامر


(1) ” أن اقتلوا أنفسكم ” أي عرضوا أنفسكم للقتل بالجهاد أو اقتلوها كما قتل بنو اسرائيل وان مصدرية أو مفسرة لان كتبنا في معنى أمرنا. وقوله: ” وسلموا ” يحتمل أن يكون من كلامه (عليه السلام) إضافة للتفسير أي المراد بالقتل القتل الذي يكون في أمر التسليم للامام (عليه السلام) وكذا فيما يذكر بعد ذلك وقوله: ” رضى ” أي يكون خروجكم لرضا الامام أو على وفق رضاه. (آت). والاية في سورة النساء: 66. (2) اشارة إلى الاية الواردة في سورة النساء آية 64. وهذا أحد بطون الاية الكريمة. (3) النساء: 63. قوله: ” ما في قلوبهم ” أي من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب، ” فاعرص عنهم ” أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم كما قيل. (آت). (4) أوردهما (عليه السلام) للتفسير أي إنما أمر تعالى بالاعراض عنهم لسبق كلمة الشقاء عليهم أي علمه تعالى بشقائهم وسبق تقدير العذاب لهم لعلمه بانهم يصيرون اشقياء بسوء اختيارهم ولعل الامر بالاعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم والحزن على عدم قبولهم أو جبرهم على الاسلام. (آت). (5) في المصحف: ” وعظهم وقل لهم قولا بليغا ” وتركه في الخبر إما من النساخ أو لظهوره. (6) النساء: 59.

[ 185 ]

منكم (1) ثم قال: كيف يأمر بطاعتهم ويرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول “. (حديث قوم صالح (عليه السلام) 213 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل جبرئيل (عليه السلام) كيف كان مهلك قوم صالح (عليه السلام) فقال: يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة ولا يجيبونه إلى خير قال: وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عز وجل فلما رأى ذلك منهم قال: يا قوم بعثت إليكم وأنا ابن ست عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتمكم وسئمتموني (2)، قالوا: قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم (3) ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما أن فرغوا دعوه. فقالوا: يا صالح سل، فقال لكبيرهم (4): ما اسم هذا قالوا: فلان، فقال له صالح: يا فلان أجب فلم يجبه، فقال صالح: ما له لا يجيب؟ قالوا: ادع غيره، قال: فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شئ، فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها: ما لك لا تجيبين (5)، صالحا؟ فلم تجب فقالوا: تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة، ثم نحوا بسطهم وفرشهم و نحوا ثيابهم وتمرغوا على التراب (6) وطرحوا التراب على رؤوسهم وقالوا لاصنامهم:


(1) مأخوذ من تتمة الاية السابقة. والغرض أنه ليس المراد تنازع الرعية وأولى الامر كما ذهب إليه أكثر المفسرين بل هو خطاب للمأمورين الذين قيل لهم: ” اطيعوا الله ” أي إن اشتبه عليكم أمر وخضتم فيه تنازعا له لعدم علمكم فردوه إلى الله – الخ. (آت). (2) أي مللتكم ومللتموني. (3) أي إلى ظهر بلدهم. (آت) وفي بعض النسخ ” ظهورهم “. (4) أي لكبير الاصنام بناءا على زعمهم حيث يعدونها من ذوي العقول. (آت) (5) كذا وفي تفسير العياشي ” ما بالكن لا تجبن “. (6) تمرغ في التراب: تقلب.

[ 186 ]

لئن لم تجبن صالحا اليوم لتفضحن، قال: ثم دعوه فقالوا: يا صالح ادعها، فدعاها فلم تجبه، فقال لهم: يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له (1) منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور إليهم منهم، فقالوا: يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا، فقال لهم صالح (عليه السلام): سلوني ما شئتم، فقالوا: تقدم بنا إلى هذا الجبل وكان الجبل قريبا منهم فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء (2) بين جنبيها ميل، فقال لهم صالح: لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي عز وجل قال: فسأل الله تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا (3) كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم إلا رأسها (4) قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت (5) ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الارض فلما رأوا ذلك قالوا: يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك، ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها (6)، فسأل الله عز وجل ذلك فرمت به فدب حولها فقال لهم: يا قوم أبقي شئ؟ قالوا: لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك قال: فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة و ستون رجلا وقالوا: سحر وكذب، قالوا: فانتهوا إلى الجميع (7) فقال الستة: حق وقال الجميع: كذب وسحر، قال: فانصرفوا على ذلك، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها.


(1) قال الجوهري: ندبه للامر فانتدب له أي دعاه له فأجاب. (2) شقراء أي شديد الحمرة. وبراء أي كثيرة الوبر. عشراء أي أتى على حملها عشرة أشهر. وقوله: ” بين جنبيها ميل ” أي يكون عرضها قدر ميل. (آت). (3) أي انشق الجبل شقا. (4) أي لم يظهر لهم فجأة شئ الا رأسها. (آت). (5) الاجترار هو ما يفعله بعض الدواب من إخراجها ما في بطنها مضغة وابتلاعه ثانيا. (آت). (6) الفصيل: ولد الناقة. (7) قال الجوهري: الجميع ضد المتفرق، والجميع: الجيش، والجميع: الحي المجتمع. (آت).

[ 187 ]

قال ابن محبوب: فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له: سعيد بن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام قال: فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه وجبل آخر (1) بينه وبين هذا ميل. 214 – على بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبى بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ” كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشر منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر * أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر (2) ” قال: هذا بما كذبوا به صالحا وما أهلك الله عز وجل قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له: إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء، فأخرجها الله كما طلبوا منه. ثم أوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا صالح قل لهم: أن الله قد جعل لهذه الناقة [ من الماء ] شرب يوم (3) ولكم شرب يوم وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك فإذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم فمكثوا بذلك ما شاء الله.


(1) الحاصل أنه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض البعير وكان في كل من الجانبين أثر جنبها. وفي تفسير المجمع عن ابن محبوب عن الرجل الذي رأى أرض ثمود والجبلين أنه قال وجدته ثمانين ذراعا. (2) القمر: 24 إلى 26. وقوله: ” منا ” أي من جنسنا وجملتنا، لا فضل له علينا، وانتصابه بفعل يفسره ما بعده، واحدا منفردا لا تبع له من آحادهم دون اشرافهم، ” نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ” كأنهم عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له. وقيل: السعر: الجنون ومنه: ناقة مسعورة، ” أءلقى الذكر ” الكتاب والوحى عليه ” من بيننا ” وفينا من هو أحق منه بذلك ” بل هو كذاب أشر ” حمله بطره على الترفع علينا بادعائه. (آت). (3) الشرب – بالكسر -: النصيب من الماء.

[ 188 ]

ثم إنهم عتوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم، ثم قالوا من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحب، فجاءهم رجل أحمر، أشقر، أزرق (1) ولد زنا لا يعرف له أب يقال له: قدار، شقي من الاشقياء (2) مشؤوم عليهم فجعلوا له جعلا فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت الماء وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا فضربها ضربة أخرى فقتلها وخرت إلى الارض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغى ثلاث مرات (3) إلى السماء وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها فلما رأى ذلك صالحا أقبل إليهم فقال: يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم أعصيتم ربكم، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح (عليه السلام) أن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ولم يكن عليهم فيها ضرر وكان لهم منها أعظم المنفعة فقل لهم: إني مرسل عليكم عذابي إلى ثلاثة أيام فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث، فأتاهم صالح (عليه السلام) فقال يا قوم إني رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم: إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم، فلما قال لهم ذلك كانوا أعتا ما كانوا وأخبث وقالوا: ” يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (4) ” قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة واليوم الثاني وجوهكم محمرة واليوم الثالث وجوهكم مسودة فما أن كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح


(1) في القاموس: الاشقر من الناس من تعلو بياضه حمرة. (2) ” قدار ” قال الجوهري: قدار – بضم القاف وتخفيف الدال – يقال له: أحمر ثمود وعاقر ناقة صالح. (3) ” فرغى ” قال في القاموس: رغى البعير: صوت وضج. (4) الاعراف: 77، وفيها ” إن كنت من المرسلين ” ولعلها نقل بالمعنى، أو من النساخ، أو مأخوذة من الاية لا لفظها.

[ 189 ]

ولا نقبل قوله وإن كان عظيما، فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل (عليه السلام) فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الايام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شئ إلا أهلكه الله (1) فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم. 215 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل بن الزبير قال: حدثني فروة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذاكرته شيئا من أمرهما فقال: ضربوكم على دم عثمان ثمانين سنة (2) وهم يعلمون أنه كان ظالما فكيف يا فروة إذا ذكرتم صنميهم. 216 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن على بن النعمان عن عبد الله بن مسكان، عن سدير قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واستذلالهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): ومن كان بقي من


(1) النعيق وهو صوت الراعي بغنمه أي لم تبق منهم جماعة يتأتى منهم النعيق والرعي وفي بعض النسخ [ فلم يبق لهم ثاغية ولا راغية ] قال الجوهرى: الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلهما والثاغية: الشاة والراغية: البعير، وما بالدار ثاغ ولا راغ أي أحد وقال: قولهم: ما له ثاغية ولا راغية أي ماله شاة ولا ناقة انتهى. وهو الاظهر. وهو الموجود في روايات العامة أيضا في تلك القصة. (من آت). (2) لعله كان هذا الكلام في قرب وفاته (عليه السلام) إذ كان مقتل عثمان إلى وفاته صلوات الله عليه نحو من ثمانين سنة لانه كان وفاته (عليه السلام) سنة اربع عشر ومائة (آت).

[ 190 ]

بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالاسلام: عباس وعقيل وكانا من الطلقاء أما والله لو أن حمزة وجعفرا كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه ولو كانا شاهديهما لاتلفا نفسيهما (1). 217 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من اشتكى الواهنة أو كان به صداع أو غمرة بول (2) فليضع يده على ذلك الموضع وليقل: ” اسكن سكنتك بالذي سكن له ما في الليل والنهار وهو السميع العليم “. 218 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الحزم في القلب (4) والرحمة والغلظة في الكبد والحياء في الرية. وفي حديث آخر لابي جميلة العقل مسكنه في القلب. 219 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر قال اشتكى غلام إلى أبي الحسن (عليه السلام) فسأل عنه، فقيل: إنه به طحالا (5) فقال:


(1) أي لقتلاهما. (2) الواهنة: الضعف. والعضد. وفقرة في القفا. وريح تأخذ في المنكبين أو في العضد أو في الاخدعين و (هما عرقان) ويكون ذلك عند الكبر. واسفل الاضلاع يقال: إنه لشديد الواهنتين أي شديد الصدر (المنجد) وقوله: ” غمرة بول ” بالراء المهملة وفي بعضها [ بوله ]. وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة. وغمرة الشئ شدته ومزدحمه والغمز بالزاي: العصر وعلى تقادير الظاهر احتباس البول. (آت) وفي بعض النسخ [ غمرة تؤلمه ]. (3) أبو جميلة هو مفضل بن صالح الاسدي النخاس مولاهم ضعيف كذاب يضع الحديث روى عن ابي عبد الله وابى الحسن موسى (عليهما السلام) ومات في حياة الرضا (عليه السلام) (قاله العلامة في خلاصة). (4) الحزم: ضبط الامر والاخذ فيه بالثقة. (5) الطحال – بكسر الطاء -: غدة اسفنجية في يسار جوف الانسان وغيره من الحيوانات لازقة بالجنب والجمع: أطحله وطحل وطحالات. والطحال – بضم الطاء -: داء يصيب الطحال – بكسر الطاء -.

[ 191 ]

أطعموه الكراث ثلاثة أيام، فأطعمناه إياه (1) فقعد الدم ثم برأ. 220 – محمد بن يحيى، عن غير واحد، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عمرو بن إبراهيم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) وشكوت إليه ضعف معدتي، فقال: اشرب الحزاء بالماء البارد (2)، ففعلت فوجدت منه ما أحب. 221 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح قال: سمعت أبا الحسن الاول (عليه السلام) يقول: من الريح الشابكة والحام والابردة في المفاصل (3) تأخذ كف حلبة وكف تين يابس تغمرهما بالماء وتطبخهما في قدر نظيفة ثم تصفى ثم تبرد ثم تشربه يوما وتغب يوما حتى تشرب منه تمام أيامك قدر قدح روي. 222 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن نوح بن شعيب، عمن ذكره، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: من تغير عليه ماء الظهر (4) فلينقع له اللبن الحليب والعسل (5). 223 – الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد (6) عن محمد بن جمهور، عن حمران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): فيم يختلف الناس؟ قلت: يزعمون أن الحجامة في يوم الثلاثاء أصلح،


(1) في بعض النسخ [ فأطعموه إياه ]. وقوله: ” فقعد الدم ” أي سكن ولعله كان طحاله من غليان الدم فقد يكون منه نادرا أو انهم ظنوا أنه الطحال فاخطأوا ويحتمل أن يكون المراد أنه انفصل عنه الدم. (آت). (2) الحزاء نبت بالبادية يشبه الكرفس إلا أنه أعرض ورقا منه. (آت). (3) الريح الشابكة: لعل المراد الريح التي تحدث في الجلد فتشبك بين اللحم والجلد والحام لم نعرف له معنى ولعله من حام الطير على الشئ اي دوم أي الريح اللازمة (آت). والابردة – بكسر الهمزة والراء -: علة معروفة من غلبة البرد والرطوبة يفتر عن الجماع (الصحاح). والحلبة – بالضم -: نبت نافع للصدر والسعال والربو والبلغم والبواسير والظهر والكبد والمثانة والباءة. (القاموس) (4) أي لم ينعقد الولد من مائه ويحتمل أن يكون المراد قلة الباه. (آت). (5) اللبن الحليب هو الذي لم يغير ولم يصنع منه شئ آخر وإنما وصف به إذ قد يطلق اللبن على الماست (آت). (6) معلى بن محمد هذا أبو الحسن البصري مضطرب الحديث والمذهب (قاله العلامة في الخلاصة) وفي بعض النسخ [ عن علي بن محمد ].

[ 192 ]

قال: فقال لي: وإلى ما يذهبون في ذلك؟ قلت: يزعمون أنه يوم الدم، قال: فقال: صدقوا فأحرى أن لا يهيجوه في يومه أما علموا أن في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها لم يرق دمه حتى يموت أو ما شاء الله. 224 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن رجل من الكوفيين، عن أبي عروة أخي شعيب أو عن شعيب العقرقوفي قال: دخلت على أبي الحسن الاول (عليه السلام) وهو يحتجم يوم الاربعاء في الحبس فقلت له: إن هذا يوم يقول الناس: إن من احتجم فيه أصابه البرص، فقال: إنما يخاف ذلك على من حملته امه في حيضها. 225 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة (1)، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال فإن من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه. 226 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي (2)، عن أبي سلمة، عن معتب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الدواء أربعة: السعوط والحجامة والنورة والحقنة (3). 227 – علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: شكا رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) السعال وأنا حاضر، فقال له: خذ في راحلتك شيئا من كاشم (4)


(1) صالح بن عقبة يرمى بالغلو لا يلتفت إليه. على ما في الخلاصة. (2) هو الحسن بن على الوشاء وابو سلمة هو سالم بن المكرم أبو خديجة ثقة على ما ذكره النجاشي فعلى هذا فالسند صحيح لان معتب مولى ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) ثقة وهو من افضل مواليه وخيرهم. (3) أي معظم الادوية وغيرها لقلة نفعها ليست بدواء. (4) الكاشم: الانجدان الرومي. واعلم أن ما ورد في معالجة الامراض في الروايات ينبغي في استعماله مراعاة الاهوية والازمنة والامكنة والامزجة وغيرها قال الصدوق – رحمه الله – اعتقادنا في الاخبار الواردة في الطب أنها على وجوه منها ما قيل على هواء مكة والمدينة ولا يجوز استعماله في سائر الاهوية ومنها ما اخبر به العالم على ما عرف من طبع السائل ولم يعتبر بوصفه إذا كان اعرف بطبعه منه ومنها ما دلسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله ومنها ما حفظ بعضه ونسي بعضه وما روى في العسل أنه في شفاء من كل داء فهو صحيح ومعناه أنه شفاء من كل داء بارد وما روى في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير فان ذلك إذا كان بواسيره من الحرارة – الخ. راجع سفينة البحار ج 2 عنوان (طبب).

[ 193 ]

ومثله من سكر فاستفه يوما أو يومين، قال: ابن اذينة فلقيت الرجل بعد ذلك، فقال: ما فعلته إلا مرة واحدة حتى ذهب. 228 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن موسى بن عمران (عليه السلام) شكا إلى ربه تعالى البلة والرطوبة فأمر الله تعالى أن يأخذ الهليلج، والبليلج والاملج (1) فيعجنه بالعسل ويأخذه، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): هو الذي يسمونه عندكم الطريفل. 229 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن يحيى، عن أخيه العلاء، عن إسماعيل بن الحسن المتطبب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني رجل من العرب ولي بالطب بصر وطبي طب عربي ولست آخذ عليه صفدا؟ فقال: لا بأس، قلت: إنا نبط الجرح ونكوي بالنار؟ قال: لا بأس، قلت: و نسقي هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون؟ فقال: لا بأس، قلت: إنه ربما مات؟ قال وإن مات، قلت: نسقي عليه النبيذ؟ قال: ليس في حرام شفاء (5)، قد اشتكى


(1) الهليلج: ثمر منه أصفر ومنه أسود ومنه كابلى له نفع ويحفظ العقل ويزيل الصدع. و البليلج: – بكسر الباء واللام الاولى وفتح الثانية -: دواء هندي معروف يتداوى به (مجمع البحرين) والاملج ثمر شجر يكثر في الهند وهو نوع من الادوية يتداوى به ويسمونه الطريفل. (2) الصفد: العطاء. (3) البط: الشق، وبط الدمل والجرح والصرة ونحوهما: شقه. (4) ” الاسمحيقون ” قال المجلسي – رحمه الله -: لم نجده في كتب الطب واللغة والذي وجدته هو اسطمخيقون وهو حب مسهل للسوداء والبلغم ولعل ما في النسخ تصحيف هذا. وفي مجمع البحرين: الاسمحيقون – بالسين والحاء المهملتين بينهما ميم والقاف بعد الياء المثناة من تحتها كما صحت به النسخ ثم الواو والنون -: نوع من الادوية يتداوى به ومنه الحديث نسقى هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون. انتهى. (5) يدل على عدم جواز التداوى بالحرام مطلقا كما هو ظاهر اكثر الاخبار وإن كان خلاف المشهور وحمل على ما إذا لم يضطر إليه – ولا اضطرار إليه – وقوله (عليه السلام): ” قد اشتكى ” لعله استشهاد للتداوي بالدواء المر. (آت).

[ 194 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت له عائشة: بك ذات الجنب؟ فقال: أنا أكرم على الله عز وجل (1) من أن يبتليني بذات الجنب، قال: فأمر فلد بصبر (2). 230 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق وربما انتفع به، وربما قتله؟ قال: يقطع ويشرب (3). 231 – أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمد ابن عبد الحميد، عن الحكم بن مسكين، عن حمزة بن الطيار (4) قال: كنت عند أبي الحسن الاول (عليه السلام) فرآني أتأوه، فقال: مالك؟ قلت: ضرسي،، فقال: لو احتجمت (5) فاحتجمت فسكن فأعلمته فقال لي: ما تداوي الناس بشئ خير من مصة دم أو مزعة عسل (6)، قال: قلت: جعلت فداك ما المزعة عسل؟ قال: لعقة عسل (7). 232 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن سليمان ابن جعفر الجعفري قال: سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: دواء الضرس تأخذ حنظلة فتقشرها ثم تستخرج دهنها فإن كان الضرس مأكولا منحفرا تقطر فيه قطرات وتجعل منه في قطنة شيئا وتجعل في جوف الضرس وينام صاحبه مستلقيا يأخذه ثلاث ليال فإن كان الضرس لا أكل فيه وكانت ريحا قطر في الاذن التي تلي ذلك الضرس


(1) لعله لاستلزام ذلك المرض اختلال العقل وتشويش الدماغ غالبا. (آت) (2) في القاموس: اللدود – كصبور -: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم وقد لده لدا ولدودا ولده إياه ولدة وألده ولد فهو ملدود. (3) يدل على جواز التداوي بالادوية والاعمال خطيرة. (آت). (4) حمزة بن الطيار مات في حياة الصادق (عليه السلام) وترحم عليه فروايته عن ابي الحسن (عليه السلام) لعلها كانت في حياة ابيه (عليهما السلام). (5) ” لو ” للتمني. (6) ” مزعة عسل ” بالزاي المعجمة والعين المهملة قال الجوهري: المزعة – بالضم والكسر -: قطعة لحم يقال: ما عليه مزعة لحم وما في الاناء مزعة من الماء أي جرعة (آت). (7) اللعقة – بضم اللام – مصدر: ما تأخذه في الملعقة أو باصبعك، والقليل مما يلعق..

[ 195 ]

ليالي كل ليلة قطرتين، أو ثلاث قطرات يبرأ بأذن الله، قال: وسمعته يقول: لوجع الفم و الدم الذي يخرج من الاسنان والضربان والحمرة التي تقع في الفم تأخذ حنظلة رطبة قد اصفرت فتجعل عليها قالبا من طين (1) ثم تثقب راسها وتدخل سكينا جوفها فتحك جوانبها برفق ثم تصب عليها خل تمر (2) حامضا شديد الحموضة ثم تضعها على النار فتغليها غليانا شديدا ثم يأخذ صاحبه منه كلما احتمل ظفره فيدلك به فيه و يتمضمض بخل وإن أحب أن يحول ما في الحنظلة في زجاجة أو بستوقة (3) فعل وكلما فنى خله أعاد مكانه وكلما عتق كان خيرا له إن شاء الله (4). 233 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن الحسن ابن أسباط، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت لك الفداء إن الناس يقولون: إن النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شئ يضر بديني وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لاشتهيها وأشتهي النظر فيها؟ فقال: ليس كما يقولون، لا تضر بدينك، ثم قال: إنكم تنظرون في شئ منها كثيره لا يدرك وقليلة لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر، ثم قال أتدرى كم بين المشتري والزهرة من دقيقة؟ قلت: لا والله، قال: أفتدري كم بين الزهرة و بين القمر من دقيقة؟ قلت: لا، قال: أفتدري كم بين الشمس وبين السنبلة (5) من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط، قال: أفتدري كم بين السنبلة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من منجم قط، قال: ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون أو سبعون دقيقة، شك عبد الرحمن، ثم قال: يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف القصبة التي وسط الاجمة


(1) أي يطلى جميعها بالطين لئلا يفسدها النار إذا وضعت عليها ولا يخرج منها شئ إذا حصل خرق أو ثقب. (آت). (2) في بعض النسخ [ خل خمر ] أي صار بالعلاج خلا. (آت). (3) معرب بستو. (4) عتق الخمر قدمت وحسنت. (5) في بعض النسخ [ السكينة ] فتكون اسم كوكب غير معروف وهذا انسب بقوله: ” ما سمعته من منجم “. (آت).

[ 196 ]

وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما أمامها حتى لا يخفى عليه من قصب الاجمة واحدة. 234 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب قال: أخبرنا النضر بن قرواش الجمال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من إبلي مخافة أن يعديها جربها والدابة ربما صفرت (1) لها حتى تشرب الماء؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أعرابيا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني اصيب الشاة والبقرة والناقة بالثمن اليسير وبها جرب فاكره شراءها مخافة أن يعدي ذلك الجرب إبلي وغنمي؟ فقال له رسول الله (عليه السلام): يا أعرابي فمن أعدى الاول، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا شوم، ولا صفر، ولا رضاع بعد فصال ولا تعرب بعد هجرة، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك ولا يتم بعد إدراك (2).


(1) من الصفير. (2) قال الجزري: العدوى: اسم من الاعداء كالرعوى والبقوى من الارعاء والابقاء، يقال: اعداه الداء يعديه اعداءا وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا فتتقى مخالطته بابل اخرى حذار أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه وقد أبطله الاسلام لانهم كانوا يظنون إن المرض بنفسه يتعدى فاعلمهم النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ليس الامر كذلك وانما الله تعالى هو الذي يمرض وينزل الداء ولهذا قال في بعض الاحاديث ” فمن أعدى البعير الاول ” أي من أين صار فيه الجرب انتهى. أقول: يمكن أن يكون المراد نفي استقلال العدوى بدون مدخلية مشيئة الله تعالى بل مع الاستعاذة بالله يصرفه عنه فلا ينافي الامر بالفرار من المجذوم وأمثاله لعامة الناس الذين لضعف يقينهم لا يستعيذون به تعالى وتتأثر نفوسهم بأمثاله وقد روى أن على بن الحسين (عليهما السلام) أكل مع الجذومين ودعاهم إلى طعامه وشاركهم في الاكل. وقيل: الجذام مستثنى من هذه الكلية وقال الطيبي العدوى مجاوزة العلة أو الخلق إلى الغير وهو يزعم الطب في سبع: الجذام والجرب والجدري والحصبة والنجر والرمد والامراض الوبائية. ” فابطله الشرع ” أي لا تسري علة إلى شخص وقيل: بل نفى استقلال تأثيره بل هو متعلق بمشيئة الله ولذا منع مقاربته كمقاربة الجدار المائل و السفينة المعيبة وأجاب الاولون بأن النهي عنها للشفقة خشية أن يعتقد حقيته إن اتفق اصابة عاهة (بقية اللحاشية في الصفحة الاتية)

[ 197 ]

235 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو بن حريث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الطيرة، على ما تجعلها إن هونتها تهونت، وإن شددتها


(بقية الحاشية من الصفحة الماضية) وأرى هذا القول أولى لما فيه من التوفيق بين الاحاديث والاصول الطبية التي ورد الشرع باعتبار ها على وجه لا يناقض اصول التوحيد. وقوله: ” ولا طيرة ” هذا أيضا مثل السابق والمراد أنه لا يجوز التطير والتشؤم بالامور أو لا تأثير للطيرة على الاستقلال بل مع قوة النفس وعدم التاثر بها والتوكل على الله تعالى ترتفع تأثيرها ويؤيده ما ورد في بعض الاخبار من الدلالة على تأثيرها في الجملة وما ورد في بعض الادعية من الاستعاذة منها، قال الجزري: فيه لا عدوى ولا طيرة. الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد يسكن هي التشؤم بالشئ وهو مصدر تطير يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما و كان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وابطله ونهى عنه واخبر انه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضرر. قوله: ” ولا هامة ” قال الجزرى: فيه لا عدوى ولا هامة. الهامة: الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشأمون بها وهي من طير الليل وقيل: هي البومة وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثاره تصير هامة فتقول: أسفوني أسفوني فإذا أدرك بثأره طارت وقيل: كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل: روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى فنفاه الاسلام ونهاهم عنه وذكره الهروي في الهاء والواو وذكره الجوهري في الهاء والياء. قوله (صلى الله عليه وآله): ” ولا صفر ” قال الجزرى: فيه لا عدوى ولا هامة ولا صفر. كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر تصيب الانسان إذا جاع وتؤذيه وانها تعدى فأبطل الاسلام ذلك. وقيل: أراد به النسيئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله. انتهى. وقيل: هو الشهر المعروف زعموا انه يكثر فيه الدواهي والفتن فنفاه الشارع ويحتمل أن يكون المراد هنا النهي عن الصفير بقرينة أنه (عليه السلام) لم يذكر الجواب عنه وهو بعيد والظاهر أن الراوى ترك جواب الصفير ويظهر من بعض الاخبار كراهته. قوله: ” ولا رضاع بعد فصال ” أي لا حكم للرضاع بعد الزمان الذي يجب فيه قطع اللبن عن الولد اي بعد الحولين فلا ينشر الحرمة. قوله: ” ولا تعرب بعد هجرة ” أي لا يجوز اللحوق بالاعراب وترك الهجرة بعدها وعد في كثير من الاخبار من الكبائر. (بقية الحاشية في الصفحة الاتية)

[ 198 ]

تشددت وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا (1). 236 – على بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كفارة الطيرة التوكل. 237 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد وغيره، عن بعضهم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وبعضهم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم (2) ” فقال: إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا سبعين ألف بيت وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الاغنياء لقوتهم وبقي فيها الفقراء لضعفهم فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت ويقول الذين أقاموا: لو كنا خرجنا لقل فينا الموت قال: فاجتمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون فيهم وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء الله. ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم واطمأنوا بها قال الله عز وجل: موتوا جميعا فماتوا


(بقية الحاشية من الصفحة الماضية) قوله: ” ولا صمت يوما إلى الليل ” أي لا يجوز التعبد بصوم الصمت الذي كان في الامم السابقة فانه منسوخ في هذا الشرع. قوله: ” ولا طلاق قبل نكاح ” كان يقول: إذا تزوجت فلانة فهي طالق. فلا يتحقق هذا الطلاق وكذا قوله: ” لا عتق قبل ملك “. قوله (صلى الله عليه وآله): ” ولا يتم بعد ادراك ” أي يرفع حكم اليتيم من حجره وولاية الولى عليه وحرمة أكل ماله بغير اذن وليه وغيرها بعد بلوغه. (آت). (1) يدل على أن تأثير الطيرة ينتفى بعدم الاعتناء بالتوكل على الله تعالى. (آت). (2) البقرة: 243.

[ 199 ]

من ساعتهم وصاروا رميما يلوح (1) وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال: يا رب لو شئت لاحييتهم الساعة كما أمتهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك فأوحى الله تعالى إليه: أفتحب ذلك قال: نعم يا رب فاحيهم (2) قال: فأوحى الله عز وجل إليه أن قل كذاوكذا، فقال الذي أمره الله عز وجل أن يقوله – فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وهو الاسم الاعظم – فلما قال: حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياءا ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله عز ذكره ويكبرونه ويهللونه، فقال حزقيل عند ذلك: أشهد أن الله على كل شئ قدير. قال عمر بن يزيد: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فيهم نزلت هذه الآية. 238 – ابن محبوب، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب (عليه السلام) لبنيه: ” اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه (3) ” أكان يعلم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة، قال: نعم، قال: قلت: كيف علم؟ قال: إنه دعا في السحر وسأل الله عز وجل أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه بريال وهو ملك الموت، فقال له بريال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال أخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل أقبضها متفرقة روحا روحا، قال له: فأخبرني هل مر بك روح يوسف فيما مر بك؟ قال: لا فعلم يعقوب أنه حي فعند ذلك قال لولده: ” إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه “. 239 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحصين، عن خالد بن يزيد القمى، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)


(1) أي يظهر للناس عظامهم المندرسة من غير جلد ولحم. (آت). (2) في بعض النسخ [ فأحياهم الله ] فيكون قوله: ” فأوحى الله ” تفصيلا وتفسيرا للاحياء. (آت). (3) يوسف: 87. والتحسس: طلب الاحساس أي تعرفوا منها وتفحصوا عن حالهما. (آت).

[ 200 ]

في قول الله عز وجل ” وحسبوا ألا تكون فتنة (1) ” قال: حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله) بين أظهرهم ” فعموا وصموا ” حيث قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ” ثم تاب الله عليهم ” حيث قام أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” ثم عموا وصموا ” إلى الساعة. 240 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم (2) ” قال: الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى ابن مريم (عليه السلام) (3). 241 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قرأ رجل على أمير المؤمنين (عليه السلام): ” فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (4) ” فقال: بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة ” لا يكذبونك ” لا يأتون بباطل يكذبون به حقك. 242 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن


(1) المائدة: 71. وتمام الاية: ” وحسبوا الا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون “. والمشهور بين المفسرين أنها لبيان حال بنى اسرائيل أي حسبت بنو اسرائيل الا يصيبهم بلاء وعذاب بقتل الانبياء وتكذيبهم وعلى تفسيره (عليه السلام) المراد الفتنة التي حدثت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من غصب الخلافة وعماهم عن دين الحق وصممهم عن استماعه وقبوله. (آت). (2) المائدة: 78. (3) المشهور بين المفسرين والمؤرخين وظاهر الاية الكريمة بل صريحها حيث قال في قصة أصحاب السبت: ” فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين “. عكس ذلك وقد ورد في أكثر رواياتنا أيضا كذلك أي مسخهم قردة كان في زمان داود ومسخهم خنازير في زمان عيسى (عليهما السلام) ولعله من النساخ لكن في تفسيري العياشي وعلى بن ابراهيم في هذا المقام كما في الكتاب. (آت). (4) الانعام: 33. قال الطبرسي: قرأ نافع والكسائي والاعشى عن ابي بكر ” لا يكذبونك ” بالتخفيف وهو قراءة علي (عليه السلام) والمروى عن جعفر الصادق (عليهما السلام) والباقون: بفتح الكاف والتشديد.

[ 201 ]

ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ (1) ” قال نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر وهو من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة هدر دمه (2) وكان يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا أنزل الله عز وجل ” إن الله عزيز حكيم ” كتب ” إن الله عليم حكيم ” فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعها (3) فإن الله عليم حكيم وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إني لاقول من نفسي مثل ما يجئ به فما يغير علي فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل. 243 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن محمد ابن مسلم قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قول الله عز وجل: ” وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ” (4) فقال: لم يجئ تأويل هذه الآيه بعد، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص لهم (5) لحاجته وحاجة أصحابه فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم لكنهم يقتلون حتى يوحد الله عز وجل وحتى لا يكون شرك.


(1) الانعام: 93. (2) ذلك قبل ان يحاميه عثمان ويحسر على رسول الله في أخذ الامان له. (آت). (3) اي اتركها كما نزلت ولا تغيرها وان ما كتبت وان كان حقا لا يجوز تغيير ما نزل من القرآن فقوله: ” فما يغير على، اما افتراء منه على الرسول أو هو اشارة إلى ما جرى على لسانه ونزل الوحي مطابقا له. (آت). (4) الانفال: 39. قال الطبرسي – رحمه الله -: هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين أن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة اي شرك عن ابن عباس والحسن ومعناه حتى لا يكون كافرا بغير عهد لان الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزا في قومه ويدعو الناس إلى دينه فتكون الفتنة في الدين. وقيل: حتى لا يكون يفتن مؤمن عن دينه ويكون الدين كله لله أي ويجمع أهل الحق وأهل الباطل على الدين الحق فيما يعتقدونه ويعملون به فيكون الدين حينئذ كله لله باجتماع الناس عليه وروى زرارة وغيره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: لم يجئ تأويل هذه الاية ولو قد قام قائمنا بعد وسيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الاية وليبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الارض. (5) أي بقبول الجزية من اهل الكتاب والفداء من المشركين واظهار الاسلام من المنافقين مع علمه بكفرهم. (آت).

[ 202 ]

244 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول في هذه الآية: ” يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم (1) ” قال: نزلت في العباس وعقيل ونوفل وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم وأبو البختري فاسروا فأرسل عليا (عليه السلام) فقال: انظر من ههنا من بني هاشم قال: فمر علي (عليه السلام) على عقيل بن أبي طالب كرم الله وجهه فحاد عنه فقال له عقيل: يا ابن ام علي (2) أما والله لقد رأيت مكاني قال: فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: هذا أبو الفضل (3) في يد فلان وهذا عقيل في يد فلان وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهى إلى عقيل فقال: له: يا أبا يزيد قتل أبو جهل قال: إذا لا تنازعون في تهامة فقال: إن كنتم أثخنتم (4) القوم وإلا فاركبوا أكتافهم (5) فقال: فجيئ بالعباس فقيل له: افد نفسك وافد ابن أخيك (6) فقال: يا محمد تتركني أسأل قريشا في كفي فقال: أعط مما خلفت عند ام الفضل وقلت لها: إن أصابني في وجهي هذا شئ فانفقيه على ولدك ونفسك، فقال له: يا ابن أخي من أخبرك بهذا؟ فقال: أتاني به جبرئيل (عليه السلام) من عند الله عز وجل، فقال ومحلوفه (7): ما علم بهذا أحد إلا أنا وهي أشهد أنك رسول الله، قال: فرجع الاسرى كلهم مشركين إلا العباس وعقيل ونوفل كرم الله وجوههم وفيهم نزلت هذه الآية ” قل لمن في أيديكم من الاسرى (8) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا – إلى آخر الآية – “.


(1) الانفال: 70. (2) أي ارحم علي أو أقبل علي. (3) هو كنية عباس بن عبد المطلب. (4) ” فقال ” أي عقيل وقال الجوهري: أثخنه أي أوهنه بالجراحة وأضعفه. (آت). (5) أي اتبعوهم وشدوا خلفهم وإن اثخنتموهم فخلوهم. وقيل: القائل النبي (صلى الله عليه و آله) وركوب الاكتاف كناية عن شد وثاقهم أي إن ضعفوا بالجراحات فلا يقدرون على الهرب فخلوهم وإلا فشدوهم لئلا يهربوا وتكونوا راكبين على اكتافهم أي مسلطين عليهم. (آت). (6) في بعض النسخ [ ابني اخيك ] أي نوفلا وعقيلا. (7) أي بالذي حلف به. (8) قال الطبرسي – رحمه الله – انما ذكر الايدي لان من كان في وثاقهم فهو بمنزلة من يكون في أيديهم لاستيلائهم عليه، ” من الاسرى ” يعني اسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء، ” إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ” ” بقية الحاشية في الصفحة الا تية “

[ 203 ]

245 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل: ” أجعلتم سقاية الحاج


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” أي اسلاما واخلاصا أو رغبة في الايمان وصحة نية، ” يؤتكم خيرا ” أي يعطكم خيرا ” مما أخذ منكم ” من الفداء أما في الدنيا والاخرة وإما في الاخرة، ” ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ” روى عن العباس ابن عبد المطلب إنه قال: نزلت هذه الاية في وفي اصحابي كان معي عشرون اوقية ذهبا فاخذت مني فاعطاني الله مكانها عشرين عبدا كل منهم يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب أن لى بها جميع أموال أهل مكة وأنا انتظر المغفرة من ربي، قال قتاده: ذكر لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قدم عليه مال البحرين ثمانون الفا وقد توضأ لصلاة الظهر فما صلى يومئذ حتى فرقه وأمر العباس أن ياخذ منه يحثى فأخذ فكان العباس يقول: هذا خير مما اخذ مني وارجو المغفرة. انتهى. وابو البختري هو العاص بن هشام بن الحارث بن اسد ولم يقبل امان النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك اليوم وقتل فالضمير في قوله (عليه السلام): ” اسروا ” راجع إلى بني هاشم وابو البختري معطوف على أحد لانه لم يكن من بني هاشم وقد كان نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن قتله أيضا قال: ابن ابي الحديد قال: الواقدي نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قتل ابي البختري وكان قد لبس السلاح بمكة يوما قبل الهجرة في بعض ما كان ينال النبي (صلى الله عليه وآله) من الاذى وقال: لا يعرض اليوم أحد لمحمد باذى إلا وضعت فيه السلاح فشكر ذلك له النبي (صلى الله عليه وآله) وقال أبو داود المازني: فلحقته يوم بدر فقلت له: إن رسول لله نهى عن قتلك ان اعطيت بيدك قال: وما تريد إلى أن كان قد نهى عن قتلى فقد كنت ابليته ذلك فاما أن اعطى بيدى فواللات والعزى لقد علمت نسوة بمكة أني لا أعطي بيدي وقد عرفت انك لا تدعني فافعل الذي تريد فرماه أبو داود بسهم وقال: اللهم سهمك وابو البخترى عبدك فضعه في مقتله وأبو البختري دارع ففتق السهم الدرع فقتله قتال الواقدي: ويقال ان المجذر بن زياد قتل ابا البختري ولا يعرفه فقال المجذر في ذلك شعرا عرف منه انه قاتله. وفي رواية محمد بن اسحاق أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى يوم بدر عن قتل ابي البختري واسمه الوليد بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد الغزى لانه كان أكف الناس عن رسول الله بمكة كان لا يؤديه ولا يبلغه عني شئ يكرهه وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم فلقيه المجذر بن زياد البلوى حليف الانصار فقال له: إن رسول الله نهانا عن قتلك ومع أبي البخترى زميل له خرج معه من مكة يقال له: جنادة بن مليحة فقال أبوا لبخترى: وزميلي قال المجذر: والله ما نحن بتاركي زميلك ما نهانا رسول الله الا عنك وحدك قال: إذا والله لاموتن أنا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء أهل مكة إني تركت زميلي حرصا على الحياة فنازله المجذر وارتجز أبو البختري فقال: لن يسلم ابن حرة زميله * حتى يموت أو يرى سبيله ثم اقتتلا فقتله المجذر وجاء إلى رسول الله فاخبره وقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت أن يستأسر فأتيك به فأبى الا القتال فقاتلته فقتلته ثم قال: قال: محمد بن اسحاق: وقد كان رسول الله في أول الواقعة نهى أن يقتل أحد من بني هاشم وروى باسناده عن ابن عباس أنه قال: قال النبي لاصحابه: إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها لا حاجة لنا بقتلهم فمن لقى منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقى أبا البخترى فلا يقتله ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله فلا يقتله فانه انما اخرج مستكرها. (آت).

[ 204 ]

وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر (1) ” نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس وشيبة، إنهم فخروا بالسقاية والحجابة فأنزل الله عز وجل ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ” وكان علي وحمزة وجعفر صلوات الله عليهم الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله. 246 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ” وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه (2) ” قال: نزلت في أبي الفصيل إنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده ساحرا فكان إذا مسه الضر يعني السقم دعا ربه منيبا إليه يعني تائبا إليه من قوله في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يقول ” ثم إذا خوله نعمة منه (يعني العافية) نسي ما كان يدعوا إليه من قبل ” يعني نسي التوبة إلى الله عز وجل مما كان يقول في رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه ساحر ولذلك قال الله عز وجل: ” قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار (3) ” يعني إمرتك على الناس بغير حق من الله عز وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) ثم عطف القول من الله عز وجل في علي (عليه السلام) يخبر بحاله و فضله عند الله تبارك وتعالى فقال: ” أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر


(1) التوبة: 19. قال الطبرسي: قيل: إنها نزلت في على عليه السلام وعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه ولو اشاء بت فيه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي بن ابي طالب عليه السلام: لا ادري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، عن الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي. انتهى. (2) الزمر: 8. وقوله: ” منيبا ” أي لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه، ” ثم إذا خوله ” أي أعطاه من الخول وهو التعهد أو الخول وهو الافتخار، ” نعمة منه ” إي من الله ” نسي ” أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه أو ربه الذي كان يتضرع إليه. (البيضاوي) واعلم أن ما ذكره (عليه السلام) في معنى الاية هو التأويل كما صرح به. (3) الزمر: 8.

[ 205 ]

الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعلمون (أن محمد رسول الله) والذين لا يعلمون (أن محمدا رسول الله وأنه ساحر كذاب) إنما يتذكروا اولوا الالباب (1) ” قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا تأويله يا عمار. 247 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان قال: تلوت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ” ذوا عدل منكم (2) ” فقال ” ذو عدل منكم ” هذا مما أخطأت فيه الكتاب. 248 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) ” لا تسألوا عن أشياء (لم تبد لكم) إن تبد لكم تسؤكم (3) “. 249 – علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن محمد بن مروان قال: تلا أبو عبد الله (عليه السلام) ” وتمت كلمت ربك (الحسنى) صدقا


(1) الزمر: 9. (2) المائدة 95. وهذا ورد في جزاء الصيد حيث قال تعالى ” ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ” والمشهور بين المفسرين وما دلت عليه أخبار أهل البيت عليهم السلام وانعقد عليه إجماع الاصحاب هو أن المماثلة معتبرة في الخلقة، ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش شبه البقرة وفي الظبي شاة. وقال إبراهيم النخعي: يقوم الصيد قيمة عادلة ثم يشتري بثمنه مثله من النعم، ” يحكم به ذوا عدل منكم ” ذهب المفسرون إلى أن المراد أنه يحكم في التقويم والمماثلة في الخلقة العدلان لانهما يحتاجان إلى نظر واجتهاد، هذا مبني على القراءة المشهورة من لفظ التثنية وقد اشتهر بين المفسرين أن قراءة أهل البيت عليهم السلام بلفظ المفرد وقال الشيخ الطبرسي – رحمه الله -: قراءة محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: ” يحكم به ذو عدل منكم) وقال البيضاوي وقرئ ” ذو عدل ” على إرادة الجنس. والمعنى على هذه القراءة أنه يحكم بالمماثلة النبي أو الامام الموصوفان بالعدل والاستقامة في جميع الاقوال والافعال وقد حكموا بما ورد في أخبارهم من بيان المماثلة وعلى قراءة التثنية أيضا يحتمل أن يكون المعنى ذلك بأن يكون المراد النبي والامام عليهما السلام. (آت). (3) المائدة: 100 ” لم تبد لكم ” ذكره عليه السلام تفسيرا للاية الكريمة.

[ 206 ]

وعدلا ” فقلت: جعلت فداك إنما نقرؤها ” وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا (1) ” فقال إن فيها الحسنى. 250 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين (2) ” قال: قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وطعن الحسن (عليه السلام) ” ولتعلن علوا كبيرا ” قال: قتل الحسين (عليه السلام) ” فإذا جاء وعد أوليهما ” فإذا جاء نصر دم الحسين (عليه السلام): بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ” قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (عليه السلام) فلا يدعون وترا لآل محمد (3) إلا قتلوه ” وكان وعدا مفعولا ” خروج القائم (عليه السلام) ” ثم رددنا لكم الكرة عليهم ” خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان (4) المؤدون إلي الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان والحجة القائم بين أظهرهم فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين (عليه السلام) جاء الحجة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه و يحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام) (5) ولا يلي الوصي إلا الوصي. 251 – سهل، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن حفص التميمي قال: حدثني أبو جعفر الخثعمي (6) قال: قال لما سير عثمان أبا ذر إلى الربذة (7) شيعه أمير المؤمنين وعقيل و الحسن والحسين (عليهم السلام) وعمار بن ياسر رضى الله عنه فلما كان عند الوداع قال أمير المؤمنين


(1) الانعام: 115. ” فيها الحسنى ” أي تمت كلمته الحسنى وهو بيان الاية. (2) الاسراء: 4. وما ذكره عليه السلام هو التأويل. (3) الوتر – بالكسر -: الجناية أي صاحب وتر وجناية على آل محمد عليهم السلام. (آت). (4) لعل المراد انها صقلت وذهبت في موضعين: أمامها وخلفها. وقوله: ” المؤدون ” أي هم المؤدون. (آت). (5) إنما يغسله عليه السلام لانه من بين الائمة عليهم السلام شهيد في المعركة ولا يجب عليه الغسل وان مات بعد الرجعة. (آت). (6) الظاهر أنه محمد بن حكيم من أصحاب أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام والخبر مضمر أو موقوف. (7) هي مدفن أبي ذر قرب المدينة.

[ 207 ]

(عليه السلام): يا أبا ذر إنك إنما غضبت لله عز وجل فارج من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فارحلوك عن الفناء (1) وامتحنوك بالبلاء والله لو كانت السماوات والارض على عبد رتقا ثم اتقى الله عز وجل جعل له منها مخرجا فلا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل. ثم تكلم عقيل فقال: يا أبا ذر أنت تعلم أنا نحبك ونحن نعلم أنك تحبنا وأنت قد حفظت فينا ما ضيع الناس إلا القليل فثوابك على الله عز وجل ولذلك أخرجك المخرجون وسيرك المسيرون فثوابك على الله عز وجل فاتق الله واعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع واستبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس والجزع وقل: حسبي الله ونعم الوكيل. ثم تكلم الحسن (عليه السلام) فقال: يا عماه إن القوم قد أتوا إليك ما قد ترى وإن الله عز وجل بالمنظر الاعلى (2) فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها وشدة ما يرد عليك لرخاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض إن شاء الله. ثم تكلم الحسين (عليه السلام) فقال: يا عماه إن الله تبارك وتعالى قادر أن يغير ما ترى وهو كل يوم في شأن (3) إن القوم منعوك دنياهم ومنعتهم دينك فما أغناك عما منعوك وما أحوجهم إلى ما منعتهم، فعليك بالصبر فإن الخير في الصبر والصبر من الكرم ودع الجزع فإن الجزع لا يغنيك. ثم تكلم عمار رضي الله عنه فقال: يا أبا ذر أوحش الله من أوحشك وأخاف من أخافك إنه والله ما منع الناس أن يقولوا الحق إلا الركون إلى الدنيا والحب لها، ألا


(1) فناء الدار: ما امتد من جوانبها والمراد إما فناء دارهم أو دارك أو دار رسول الله (صلى الله عليه وآله). (آت) (2) أي مشرف على جميع الخلق وهو كناية عن علمه بما يصدر عنهم وانه لا يعزب عن علمه شئ من امورهم. (آت). (3) أي في خلق وتقدير وتغيير وقضاء حاجة ودفع كربة ورفع قوم ووضع آخرين ورزق و تربية وسائر ما يتعلق بقدرته وحكمته تعالى والغرض تسلية أبي ذر بأنه يمكن أن يتغير الحال. (آت).

[ 208 ]

إنما الطاعة مع الجماعة (1) والملك لمن غلب وإن هؤلاء القوم دعوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم إليها ووهبوا لهم دينهم فخسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. ثم تكلم أبو ذر رضي الله عنه فقال: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته بأبي وامي هذه الوجوه فإني إذا رأيتكم ذكرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكم ومالي بالمدينة شجن (2) لاسكن غيركم وإنه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام فآلى أن يسيرني إلى بلدة (3) فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة فزعم أنه يخاف أن أفسد على أخيه (4) الناس بالكوفة وآلى بالله ليسيرني إلى بلدة لا أرى فيها أنيسا ولا أسمع بها حسيسا (5) وإني والله ما أريد إلا الله عز وجل صاحبا وما لي مع الله وحشة، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين. 252 – أبو على الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، والحجال جميعا، عن ثعلبة، عن عبد الرحمن بن مسلمة الجريري قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) يوبخونا ويكذبونا إنا نقول: إن صيحتين تكونان (6)، يقولون: من أين تعرف المحقة من المبطلة إذا كانتا؟ قال: فماذا تردون عليهم؟ قلت: ما نرد عليهم شيئا، قال: قولوا: يصدق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل إن الله عز وجل يقول: ” أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون (7) “.


(1) أكثر الناس يتبعون الجماعات وإن كانوا على الباطل، على وفق الفقرة التالية. (آت). (2) الشجن – بالتحريك -: الحاجة. (3) ” فآلى ” أي حلف. (4) يعني الوليد بن عقبة أخا عثمان لامه وكان عثمان ولاه الكوفة وذكر الزمخشري وغيره أنه صلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا وقال: هل أزيدكم. (آت). (5) الحسيس: الصوت الخفي. (6) أي التي كانت في أول النهار وهي الحق والتي كانت في آخره وهي الباطل وذلك عند قيام القائم. (7) يونس: 35 وقوله: ” يهدي ” أصله يهتدي فادغمت التاء في الدال..

[ 209 ]

253 – عنه، عن محمد، عن ابن فضال، والحجال، عن داود بن فرقد قال: سمع رجل من العجلية هذا الحديث قوله (1): ينادي مناد ألا إن فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أول النهار وينادي آخر النهار ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي أول النهار منادي آخر النهار (2) فقال الرجل: فما يدرينا أيما الصادق من الكاذب؟ فقال: يصدقه (3) عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي، إن الله عز وجل يقول: ” أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى – الآية – “. 254 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان (4) فيما بينهم فإذا اختلفوا طمع الناس وتفرقت الكلمة وخرج السفياني. (حديث الصيحة) 255 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران وغيره، عن إسماعيل بن الصباح قال: سمعت شيخا يذكر عن سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه: يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب، قلت: يرويه أحد من الناس؟ قال: والذي نفسي بيده لسمعت اذني منه يقول: لا بد من مناد ينادي باسم رجل، قلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعت بمثله


(1) هذا الخبر مضمر أو موقوف وقوله: من العجلية كأنها نسبة إلى قبيلة، وفي بعض النسخ [ العجلية ]. (آت). (2) ” منادى آخر النهار ” بصيغة المجهول أي يخبر منادى أول النهار عن منادى آخر النهار ويقول: إنه شيطان فلا تتبعوه. (آت). (3) أي قال الامام أو الراوى الذي يناظر الرجل العجلى. (آت). (4) أي بنو العباس وهذا أحد أسباب خروج القائم عليه السلام وإن تأخر، قال الفاضل الاسترآبادي المراد أن بنى العباس لم يتفق الملوك على خليفة وهذا معنى تفرق الكلمة ثم تمضى بعد ذلك مدة مديدة إلى خروج السفياني ثم إلى ظهور القائم. (آت).

[ 210 ]

قط، فقال لي: يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه أما إنه أحد بني عمنا، قلت: أي بني عمكم؟ قال: رجل من ولد فاطمة (عليهما السلام)، ثم قال: يا سيف لو لا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله، ثم حدثني به أهل الارض ما قبلته منهم ولكنه محمد بن علي (عليهما السلام). 256 – على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) جالسا في المسجد إذا أقبل داود بن علي وسليمان بن خالد وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم: هذا محمد بن علي جالس، فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد (1) وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على أبي جعفر (عليه السلام) فقال لهم أبو جعفر (عليه السلام): ما منع جباركم من أن يأتيني فعذروه عنده (2) فقال عند ذلك أبو جعفر محمد بن علي (عليها السلام): أما والله لا تذهب الليالي والايام حتى يملك ما بين قطريها (3)، ثم ليطان الرجال عقبه ثم لتذلن له رقاب الرجال ثم ليملكن ملكا شديدا، فقال له داود بن علي: وإن ملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل سلطاننا، فقال له داود: أصلحك الله فهل له من مدة؟ فقال: نعم يا داود والله لا يملك بنو أمية يوما إلا ملكتم مثليه ولا سنة إلا ملكتم مثليها (4) وليتلقفها الصبيان منكم كما تلقف الصبيان الكرة،


(1) داود بن على هو عم السفاح وسليمان بن خالد في بعض النسخ [ سليمان بن مخالد ] وفي بعضها [ مجالد ] وفي بعضها [ مخلد ]. (2) بالتخفيف أي أظهروا عذره وبالتشديد أي ذكروا في العذر اشياء لا حقيقة لها فان المعذر – بالتشديد – هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة له في العذر كما ذكره الجوهري. (آت). (3) أي الارض المعلومة بقرينة المقام. (4) لعل المراد أصل الكثرة والزيادة لا الضعف الحقيقي كما يقال في كرتين ولبيك إذ كان ملكهم اضعاف ملك بني امية وفي هذا الابهام حكم كثيرة منها عدم طغيانهم ومنها عدم يأس أهل الحق. وتلقف الشئ: تناوله بسرعة أي يسهل لهم تناول الخلافة بحيث يتيسر لصبيانهم من غير منازع. (آت).

[ 211 ]

فقام داود بن علي من عند أبي جعفر (عليه السلام) فرحا يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك فلما نهضا جميعا هو وسليمان بن خالد ناداه أبو جعفر (عليه السلام) من خلفه يا سليمان بن خالد لا يزال القوم في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دما حراما – وأومأ بيده إلى صدره – فإذا أصابوا ذلك الدم فبطن الارض خير لهم من ظهرها فيومئذ لا يكون لهم في الارض ناصر ولا في السماء عاذر، ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق فجاء أبو الدوانيق إلى أبى جعفر (عليه السلام) فسلم عليه ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد، فقال له: نعم يا أبا جعفر دولتكم قبل دولتنا وسلطانكم قبل سلطاننا، سلطانكم شديد عسر لا يسر فيه. وله مدة طويلة والله لا يملك بنوامية يوما إلا ملكتم مثليه ولا سنة إلا ملكتم مثليها ليتلقفها صبيان منكم فضلا عن رجالكم كما يتلقف الصبيان الكرة أفهمت؟ ثم قال: لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ما لم تصيبوا منا دما حراما (1) فإاذ اصبتم ذلك الدم غضب الله عز وجل عليكم فذهب بملككم وسلطانكم وذهب بريحكم (2) وسلط الله عز وجل عليكم عبدا من عبيده أعور (3) – وليس بأعور من آل


(1) ” عنفوان ” – بضم العين والفاء – أي أوله. وقوله: ” ترغدون ” يقال: رغد أي واسعة طيبة. وقوله: ” ما لم تصيبوا منا دما حراما ” المراد قتل أهل البيت عليهم السلام ولو كان بالسم مجازا ويكون قتل الائمة عليهم السلام سببا لسرعة زوال ملك كل واحد منهم فعل ذلك أو قتل السادات الذين قتلوا في زمان ابي جعفر الدوانيقي وفي زمان الرشيد على ما ذكره الصدوق في العيون وكذا ما قتلوا في الفخ من السادات ويحتمل أن يكون إشارة إلى قتل رجل من العلويين قتلوه مقارنا لانقضاء دولتهم. (آت). (2) الريح قد تكون بمعنى الغلبة والقوة ومنه قوله تعالى: ” وتذهب ريحكم ” (الصحاح). (3) ” أعور ” أي الدني الاصل، السيئ الخلق وهو اشارة إلى هلاكوخان. قال الجزري: فيه: لما اعترض أبو لهب على النبي (صلى الله عليه وآله) عند إظهاره الدعوة قال له أبو طالب: يا أعور ما أنت وهذا لم يكن أبو لهب أعور لكن العرب تقول لمن ليس له أخ من أبيه وأمه: أعور و قيل: إنهم يقولون للردى من كل شئ من الامور والاخلاق: أعور وللمؤنث عوراء. وقوله: ” ليس بأعور من آل أبي سفيان ” أي ليس ذلك الاعور من آل أبي سفيان بل من طائفة الترك. (آت).

[ 212 ]

أبي سفيان – يكون استيصالكم على يديه وأيدي أصحابه ثم قطع الكلام. 257 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضل بن مزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له أيام عبد الله بن علي (1): قد اختلف هؤلاء فيما بينهم فقال: دع ذا عنك إنما يجيئ فساد أمرهم من حيث بدا صلاحهم (2). 258 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر بن الخليل الازدي قال: كنت جالسا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: آيتان تكونان قبل قيام القائم (عليه السلام) لم تكونا منذ هبط آدم إلى الارض: تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره فقال، رجل: يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف؟! فقال أبو جعفر (عليه السلام): إني أعلم ما تقول (3) ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام). 259 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خرجت أنا وأبي حتى إذا كنا بين القبر والمنبر إذا هو باناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال: إني والله لاحب رياحكم وأرواحكم (4) فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد (5) واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد


(1) لعل المراد عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ثاني خلفاء بني العباس نسب إلى جده. (آت). (2) أي كما أنه ظهرت دولتهم على يد رجل جاء من قبل المشرق وهو أبو مسلم المروزى كذلك يكون انقراض دولتهم على يد رجل يخرج من هذه الناحية وهو هلاكو. (آت) هذا من اخبار الغيب لان الكافي صنف في صدر الدولة العباسية. (3) أي أنت تقول: إن هذا خلاف المعهود وما يحكم به المنجمون ولقد قلت: انهما من الايات الغريبة التي لم يعهد وقوعها، وعلى مثل هذا حمل الصدوق – رحمه الله – ما ورد من ادخالهما في البحر عند الانكساف والانخساف. (آت) (4) الرياح جمع الريح والمراد هنا الريح الطيب والغلبة أو القوة أو النصرة أو الدولة. والارواح أما جمع الروح – بالضم – أو – بالفتح – بمعنى نسيم الريح والراحة. (آت). (5) أي على ما هو لازم الحب من الشفاعة. (آت)

[ 213 ]

ومن ائتم منكم بعبد فليعمل بعمله، أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الاولون والسابقون الآخرون والسابقون في الدنيا والسابقون في الآخرة إلى الجنة، قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله (1) عز وجل وضمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله ما على درجة الجنة أكثر أرواحا منكم فتنافسوا في فضايل الدرجات، أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء (2) وكل مؤمن صديق ولقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لقنبر: يا قنبر ابشر وبشر واستبشر (3) فوالله لقد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على امته ساخط إلا الشيعة. ألا وإن لكل شئ عزا وعز الاسلام الشيعة. ألا وإن لكل شئ دعامة ودعامة الاسلام الشيعة (4). ألا وإن لكل شئ ذروة وذروة الاسلام الشيعة (5). ألا وإن لكل شئ شرفا وشرف الاسلام الشيعة. ألا وإن لكل شئ سيدا وسيد المجالس مجالس الشيعة. ألا وإن لكل شئ إماما وإمام الارض أرض تسكنها الشيعة، والله لو لا ما في الارض منكم ما رأيت بعين عشبا أبدا والله لو ما في الارض منكم ما أنعم الله على أهل خلافكم ولا أصابوا الطيبات ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب، كل ناصب وإن تعبد واجتهد منسوب إلى هذه الآية ” عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية (6) ” فكل ناصب مجتهد فعمله هباء، شيعتنا ينطقون بنور الله عز وجل (7) ومن خالفهم ينطقون بتفلت (8)، والله ما من عبد من شيعتنا ينام إلا أصعد الله عز وجل روحه إلى السماء


(1) أي بسبب أن الله ضمن لكم الجنة أو ضمناها لكم من قبل الله وبأمره ويحتمل أن يكون الباء بمعنى مع. (آت) (2) أي في الجنة على صفة الحورية في الحسن والجمال. (آت). (3) أي خذ هذه البشارة و ” بشر ” أي غيرك و ” استبشر ” أي افرح وسر بذلك. (آت). (4) الدعامة – بالكسر -: عماد البيت. (5) الذروة من كل شئ اعلاه. (6) الغاشية: 3 و 4. (7) في بعض النسخ [ بامر الله عز وجل ]. (8) أي يصدر عنهم فلتة من غير تفكر وروية وأخذ عن صادق. (آت).

[ 214 ]

فيبارك عليها فإن كان قد أتى عليها أجلها جعلها في كنوز رحمته وفي رياض جنة وفي ظل عرشه وإن كان أجلها متأخرا بعث بها مع أمنته من الملائكة ليردوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكن فيه، والله إن حاجكم وعماركم لخاصة الله عز وجل وإن فقراءكم لاهل الغنى (1) وإن أغنياءكم لاهل القناعة وإنكم كلكم لاهل دعوته وأهل إجابته (2). 260 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله وزاد فيه ألا وإن لكل شئ جوهرا وجوهر ولد آدم محمد (صلى الله عليه وآله) (3) ونحن وشيعتنا بعدنا، حبذا شيعتنا ما أقربهم من عرش الله عز وجل وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة والله لولا أن يتعاظم الناس ذلك (4) أو يدخلهم زهو (5) لسلمت عليهم الملائكة قبلا والله ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائما إلا وله بكل حرف مائة حسنة ولا قرأ في صلوته جالسا إلا وله بكل حرف خمسون حسنة ولا في غير الصلاة إلا وله بكل حرف عشر حسنات وإن للصامت من شيعتنا لاجر من قرأ القرآن ممن خالفه (6) أنتم والله على فرشكم نيام لكم أجر المجاهدين (7) وأنتم والله في صلاتكم لكم أجر الصافين في سبيله، أنتم والله الذين قال الله عز وجل: ” ونزعنا ما في صدوهم من غل إخوانا على


(1) أي غنى النفس والاستغناء عن الخلق بتوكلهم على ربهم. (آت). (2) أي دعاكم الله إلى دينه وطاعته فأجبتموه إليها. (آت). (3) أي كما أن الجواهر ممتازة من سائر أجزاء الارض بالحسن والبهاء والنفاسة والندرة فكذا هم بالنسبة إلى سائر ولد آدم عليه السلام. (آت) (4) أي لولا أن يعدوه عظيما ويصير سببا لغلوهم فيهم. (آت) (5) والزهو. الكبر والفخر وقوله: ” قبلا ” أي عيانا ومقابلة. (6) أي أجره التقديري أي لو كان له أجر مع قطع النظر عما يتفضل به على الشيعة كانه له اجر واحد فهذا ثابت للساكت من الشيعة. (آت) (7) أي في سائر أحوالهم غير حالة المصافة مع العدد. (آت)

[ 215 ]

سرر متقابلين (1) ” إنما شيعتنا أصحاب الاربعة الاعين: عينان في الرأس وعينان في القلب ألا والخلائق كلهم كذلك، ألا إن الله عز وجل فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم. 261 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن منصور بن يونس، عن عنبسة بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أشكو إلى الله عز وجل وحدتي وتقلقلي (2) بين أهل المدينة حتى تقدموا وأراكم وآنس بكم فليت هذه الطاغية أذن لي فأتخذ قصرا في الطائف فسكنته وأسكنتكم معي وأضمن له أن لا يجئ من ناحيتنا مكروه أبدا. 262 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب قال: أنشد الكميت أبا عبد الله (عليه السلام) شعرا فقال: أخلص الله لي هواي فما اغرق نزعا ولا تطيش سهامي (3). فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تقل هكذا فما أغرق نزعا ولكن قل: فقد أغرق نزعا ولا تطيش سهامي (4). 263 – سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن أبي داود المسترق، عن سفيان بن


(1) الحجر: 47. والغل: العداوة والشحناء ويقال: الغل: الحسد. (2) التقلقل: التحرك والاضطراب وفي بعض النسخ [ تقلقي ] والقلق الانزعاج. (3) أي جعل الله محبتي خالصة لكم فصار تأييده تعالى سببا لان لا أخطئ الهدف واصيب كلما اريده من مدحكم وان لم ابالغ فيه. يقال: اغرق النازع في القوس إذا استوفى مدها ثم استعير لمن بالغ في كل شئ ويقال: طاش السهم عن الهدف أي عدل. (آت) (4) لعله عليه السلام نهاه عن ذلك لايهامه تقصير أو عدم اعتناء في مدحهم عليهم السلام وهذا لا يناسب مقام المدح، أو لان الاغراق في النزع لا مدخل له في اصابة الهدف بل الامر بالعكس مع ان فيما ذكره معنى لطيفا كاملا وهو ان المداحون إذا بالغوا في مدح ممدوحهم خرجوا عن الحق وكذبوا فيما أثبتوا للممدوح كما أن الرامى إذا أغرق نزعا أخطا الهدف، واني في مدحكم كلما ابالغ في المدح لا يخرج سهمي عن هدف الحق والصدق ويكون مطابقا للواقع. ويحتمل على بعد أن يكون غرضه عليه السلام مدحه وتحسينه بانك لا تقصر في مدحنا بل تبذل جهدك فيه. (آت)

[ 216 ]

مصعب العبدي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: قولوا لام فروة تجيئ (1) فتسمع ما صنع بجدها، قال: فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال: أنشدنا قال: فقلت: ” فرو جودي بدمعك المسكوب (2) ” قال: فصاحت وصحن النساء فقال: أبو عبد الله (عليه السلام) الباب الباب (3) فاجتمع أهل المدينة على الباب قال: فبعث إليهم أبو عبد الله (عليه السلام) صبي لنا غشي عليه فصحن النساء. 264 – سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخندق مروا بكدية (4) فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعول من يد أمير المؤمنين (عليه السلام) أو من يد سلمان رضي الله عنه (5) فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى (6).


(1) ام فروة هي كنية لام الصادق عليه السلام بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر ولبنته عليه السلام على ما ذكره الشيخ الطبرسي رحمه الله في اعلام الورى والمراد هنا الثانية والمراد بجدها الحسين ابن على عليهما السلام. (آت) (2) قوله: ” فرو جودي ” خطاب لام فروة فاختصر من أوله وآخره ضرورة وترخيما ويدل على عدم حرمة سماع صوت الرجال على النساء. (آت) (3) أي راقبوا الباب وواظبوه لئلا يطلع علينا المخالفون. (4) قال الجزرى: الكدية – بالضم -: قطعة غليظة صلبه لا يعمل فيه الفاس. (5) الترديد من الراوى ويحتمل ان يكون من الامام إشارة بذلك إلى اختلاف روايات العامة وهو بعيد. (آت) (6) خبر الصخرة من المتواترات قد رواه الخاصة والعامة بأسانيد كثيرة فقد روى الصدوق باسناده إلى البراء بن عازب قال. لما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفر الخندق عرض له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق لا تأخذ منها المعاول فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رآها وضع ثوبه وأخذ المعول قال: بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله أني لابصر قصورها الحمراء الساعة ثم ضرب الثانية فقال: بسم الله ففلق ثلثها ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 217 ]

265 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبى يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله تبارك وتعالى ريحا يقال لها: الازيب (1) لو أرسل منها مقدار منخر ثور (2) لاثارت ما بين السماء والارض وهي الجنوب. 266 – علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن رزيق أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى قوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إن بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله تبارك وتعالى يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا وأمر الناس أن يؤمنوا فلم يلبث أن هبط جبرئيل فقال: يا محمد أخبر الناس أن ربك قد وعدهم أن يمطروا يوم كذا وكذا وساعة كذا وكذا فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة حتى إذا كانت تلك الساعة أهاج الله عز وجل ريحا فأثارت سحابا وجللت السماء وأرخت عزاليها فجاء اولئك النفر بأعيانهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يارسول الله


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” آخر فقال: الله اكبر اعطيت مفاتيح فارس والله انى لابصر قصر المدائن الابيض، ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر وقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن والله لابصر أبواب الصنعاء مكاني هذا. وقال على بن ابراهيم: فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون يحفرون إذ عرض لهم جبل لم يعمل المعاول فيه فبعثوا جابر بن عبد الله الانصاري إلى رسول الله يعلمه ذلك قال جابر: فجئت إلى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداءه تحت رأسه وقد شد على بطنه حجرا فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لا يعمل المعاول فيه فقام مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء وغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب ومج ذلك الماء في فيه ثم صبه على ذلك الحجر ثم أخذ معولا فضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن ثم ضرب اخرى فبرقت برقة نطرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما انه سيفتح عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البر ثم انهاك عليها الجبل كما ينهاك الرمل. (آت) (1) في القاموس: الازيب – كاحمر -: الجنوب والنكباء تجري بينها وبين الصبا. (2) المنخر – بفتح الميم والخاء وبكسرهما وبضمتين وكمجلس -: الانف..

[ 218 ]

ادع الله لنا أن يكف السماء (1) عنا فإنا كدنا أن نغرق فاجتمع الناس ودعا النبي (صلى الله عليه وآله) وأمر الناس أن يؤمنوا على دعائه فقال له رجل من الناس: يا رسول الله أسمعنا فإن كل ما تقول ليس نسمع فقال: قولوا: اللهم حوالينا ولا علينا (2) اللهم صبها في بطون الاودية وفي نبات الشجر وحيث يرعى أهل الوبر (3)، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا. 267 – جعفر بن بشير، عن رزيق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أبرقت (4) قط في ظلمة ليل ولا ضوء نهار إلا وهي ماطرة. 268 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن العزرمي رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وسئل عن السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر على كثيب (5) على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته ووكل به ملائكة يضربون بالمخاريق (6) وهو البرق فيرتفع ثم


(1) أي يمنع المطر عنا. (2) قال الجزري: في حديث الاستسقاء: اللهم حوالينا ولا علينا يقال: رأيت الناس حوله و حواليه أي مطيفين من جوانبه، يريد اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات لا في مواضع الابنية. وقال الجوهري: يقال قعدوا حوله وحواله وحواليه وحوليه ولا تقل: حواليه – بكسر اللام -. (3) أي حيث يرعى سكان البادية انعامهم فانهم يسكنون في خيام الوبر لا بيوت المدر ولا يضرهم كثرة المطر. (آت) (4) أي أبرقت السماء وقال الفيروز آبادي: برقت السماء بروقا لمعت أو جاءت برق. والبرق بدا. والرجل تهدد وتوعد كأبرق. والحاصل أن البرق يلزمه المطر وإن لم يمطر في كل موضع يظهر فيه البرق. (آت) (5) ” على شجرة ” يحتمل أن يكون نوع من السحاب كذلك وأن يكون كناية عن انبعاثه عن البحر وحواليه. (آت) والكثيب: الرمل المستطيل، التل. (6) قال الجزري: في حديث علي عليه السلام: البرق مخاريق الملائكة. هي جمع مخراق وهو في الاصل ثوب يلف به الصبيان بعضهم بعضا أراد أنها آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ويفسره حديث ابن عباس: ” البرق سوط من نور تزجر بها الملائكة السحاب “. (آت)

[ 219 ]

قرأ هذه الآية: ” الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت – الآية – (1) ” والملك اسمه الرعد. 269 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنى الحناط، ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من صدق لسانه زكا عمله ومن حسنت نيته زاد الله عز وجل في رزقه ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره. 270 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن بن محمد الهاشمي قال: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى (2) قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول الله تبارك وتعالى لابن آدم: إن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق ولا تنظر وإن نازعك لسانك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق ولا تكلم وإن نازعك فرجك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق ولا تأت حراما. 271 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن مولى لبني هاشم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث من كن فيه فلا يرج خيره من لم يستح من العيب ويخشى الله بالغيب (3) ويرعو عند الشيب. 272 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحجال قال: قلت لجميل ابن دراج: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه، قال: نعم، قلت له:


(1) فاطر: 9. (2) استظهر المجلسي – رحمه الله – أنه زيد ” أحمد بن محمد بن عيسى ” هنا من النساخ. (3) أي متلبسا بالغيب أي غائبا عن الخلق أو بسبب الامر المغيب عنه من النار وبسبب ايمانه به باخبار الرسل والاول اظهر إذ اكثر الخلق يظهرون خشية الله بمحضر الناس رياءا ولا يبالون بارتكاب المحرمات في الخلوات قوله: ” يرعو عند الشيب ” قال الجزري: فيه شر الناس رجل يقرء كتاب الله لا يرعوى إلى شئ منه. أي لا ينكف ولا ينزجر من رعى يرعو إذا كف عن الامور وقد ارعوى عن القبيح يرعوى ارعواء، وقيل: الارعواء الندم على الشئ والانصراف عنه. (آت)

[ 220 ]

وما الشريف؟ قال: قد سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: الشريف من كان له مال (1) [ قال: ] قلت: فما الحسيب؟ قال: الذي يفعل الافعال الحسنة بماله وغير ماله قلت: فما الكرم قال: التقوى. 273 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أشد حزن النساء وأبعد فراق الموت (2) وأشد من ذلك كله فقر يتملق صاحبه ثم لا يعطى شيئا. (حديث يأجوج ومأجوج) 274 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن العباس بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الخلق فقال: خلق الله ألفا ومائتين في البر وألفا ومائتين في البحر وأجناس بني آدم سبعون جنسا والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج (3). 275 – الحسن بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن مثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [ إن ] الناس طبقات ثلاث: طبقة هم منا ونحن منهم وطبقة يتزينون بنا (4) وطبقة يأكل بعضهم بعضا [ بنا ] (5).


(1) أي بحسب الدنيا. (آت). (2) أي المفارقة الواقعة بالموت بعيدة عن المواصلة. (آت) (3) سند الخبر ضعيف ويدل على أن يأجوج ومأجوج ليسوا من ولد آدم عليه السلام وروى الصدوق باسناده عن عبد العظيم الحسني عن علي بن محمد العسكري أن جميع الترك والصقالبة و يأجوج ومأجوج والصين من ولد يافث والحديث كبير وهذا الخبر عندي اقوى سندا من خبر المتن فيمكن حمله على أن المراد أنهم ليسوا من الناس وان اقوى سندا من خبر المتن فيمكن حمله على ان المراد انهم ليسوا من الناس وان كان من ولد آدم. (آت) (4) أن يجعلون حبنا وما وصل إليهم من علومنا زينة لهم عند الناس ووسيلة لتحصيل الجاه و ليس توسلهم بالائمة عليهم السلام خالصا لوجه الله. (آت) (5) أي يأخذ بعضهم اموال بعضهم ويأكلونها باظهار مودتنا ومدحنا وعلومنا. (آت)

[ 221 ]

276 – عنه، عن معلى، عن الوشاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن عمار بن مروان، عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا رأيت الفاقة والحاجة قد كثرت وأنكر الناس بعضهم بعضا (1) فعند ذلك فانتظر أمر الله عز وجل (2) قلت: جعلت فداك هذه الفاقة والحاجة قد عرفتهما فما إنكار الناس بعضهم بعضا؟ قال: يأتي الرجل منكم أخاه فيسأله الحاجة فينظر إليه بغير الوجه الذي كان ينظر إليه ويكلمه بغير اللسان الذي كان يكلمه به. 277 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبيد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن الحسين، عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) وكل الرزق بالحمق ووكل الحرمان بالعقل ووكل البلاء بالصبر (4). 278 – عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحميد العطار، عن يونس بن يعقوب، عن عمر أخي عذافر قال: دفع إلي إنسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لابي عبد الله (عليه السلام) فكانت في جوالقي فلما انتهيت إلى الحفيرة (5) شق جوالقي وذهب بجميع ما فيه ووافقت (6) عامل المدينة بها فقال: أنت الذي شقت زاملتك (7) وذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم فقال: إذا قدمنا المدينة فأتنا حتى اعوضك قال: فلما انتهيت إلى المدينة دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك الله (8) خير مما أخذ منك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)


(1) الانكار استعمل هنا مقابل المعرفة. (آت). (2) أي خروج القائم (عليه السلام). (3) أي قال علي بن الحسين (عليه السلام): قال أمير المؤمنين ولعله ” قال: قال ” زيد من النساخ. (4) قوله: ” وكل الزرق بالحمق ” أي الاحمق في غالب احواله مرزوق موسع عليه والعاقل محروم مقتر عليه. (آت) (5) الحفيرة موضع بالعراق. (6) أي صادفت وفي بعض النسخ [ واقفت ] بتقديم القاف من المواقفة. (7) الزميل: الرفيق والزاملة: بعير يستظهر به الرجل، يحمل متاعه وطعامه عليه. (8) أي من دين الحق وولاية أهل البيت (عليهم السلام). (آت)

[ 222 ]

ضلت ناقتة (1) فقال الناس فيها: يخبرنا عن السماء ولا يخبرنا عن ناقته فهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد ناقتك في وادي كذا وكذا ملفوف خطامها بشجرة كذا وكذا قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس أكثرتم علي في ناقتي ألا وما أعطاني الله (2) خير مما أخذ منى، ألا وإن ناقتي في وادي كذا وكذا ملفوف خطامها بشجرة كذا وكذا، فابتدرها الناس (3) فوجدوها كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ثم قال: ائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك فإنما هو شئ دعاك الله إليه لم تطلبه منه (4). 279 – سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس، عن شعيب العقرقوقي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): شئ يروى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول: ثلاث يبغضها الناس وأنا احبها: أحب الموت واحب الفقر واحب البلاء؟ فقال: إن هذا ليس على ما يروون إنما عنى الموت في طاعة الله أحب إلي من الحياة في معصية الله والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله. 280 – سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس، عن على بن عيسى القماط، عن عمه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: هبط جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) كئيب حزين فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ فقال: إنى رأيت الليلة رؤيا قال: وما الذي رأيت؟ قال: رأيت بني امية يصعدون المنابر وينزلون منها قال: والذي بعثك بالحق نبيا ما علمت بشئ من هذا وصعد جبرئيل (عليه السلام) إلى السماء ثم أهبطه الله جل ذكره بآي من القرآن يعزيه (5) بها قوله: ” أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا


(1) هذه المعجزة من المعجزات المشهورات رواها الخاصة والعامة بطرق كثيرة. (2) أي من النبوة والقرب والكمال. (آت) (3) أي يسرعون إليه. (4) أي يسره الله لك من غير طلب. (آت) (5) أي يسليه.

[ 223 ]

يمتعون (1) ” وأنزل الله جل ذكره ” إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر (2) ” للقوم فجعل الله عز وجل ليلة القدر لرسوله خيرا من ألف شهر. 281 – سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس، عن عبد الاعلى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (3) ” قال: فتنة في دينه أو جراحة (4) لا يأجره الله عليها. 282 – سهل بن زياد، عن محمد، عن يونس، عن عبد الاعلى قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن شيعتك قد تباغضوا وشنئ بعضهم بعضا فلو نظرت جعلت فداك في أمرهم فقال: لقد هممت أن أكتب كتابا لا يختلف علي منهم إثنان، قال: فقلت: ما كنا قط أحوج إلى ذلك منا اليوم، قال: ثم قال: أني هذا ومروان وابن ذر قال: (5) فظننت أنه قد منعني ذلك، قال: فقمت من عنده فدخلت على إسماعيل فقلت: يا أبا محمد إنى ذكرت لابيك اختلاف شيعته وتباغضهم فقال: لقد هممت أن أكتب كتابا لا يختلف علي منهم إثنان، قال: فقال: (6) ما قال مروان وابن ذر، قلت: بلى قال: يا عبد


(1) الشعراء: 206 إلى 208. وقوله: ” ما كانوا يوعدون ” فسره الاكثر بقيام الساعة وفسر في أكثر اخبارنا بقيام القائم (عليه السلام) وهذا انسب بالتسلية. (آت). (2) القدر: 2 إلى 5. (3) النور: 63. (4) اما تفسير للفتنة ايضا أو للعذاب. (5) أي لا ينفع هذا في رفع منازعة مروان والمراد به أحد أصحابه (عليه السلام) وابن ذر رجل آخر من أصحابه ولعله كان بينهما منازعة شديدة لتفاوت درجتهما واختلاف فهمهما فافاد (عليه السلام) أن الكتاب لا يرفع النزاع الذي منشاؤه سوء الفهم واختلاف مراتب الفضل. ويحتمل أن يكون المراد بابن ذر عمر بن ذر القاضي العامي، وقد روى أنه دخل على الصادق (عليه السلام) وناظره فالمراد أن هذا لا يرفع النزاع بين الاصحاب والمخالفين بل يصير النزاع بذلك أشد ويصير سببا لتضرر الشيعة بذلك كما ورد في كثير من الاخبار ذلك لبيان سبب اختلاف الاخبار فظن عبد الاعلى عند سماع هذا الكلام أنه (عليه السلام) لا يجيبه إلى كتابه هذا الكتاب فآيس وقام ودخل على اسماعيل ابنه عليه السلام وذكر ما جرى بينه وبينه عليه السلام. (6) أي قال عبد الاعلى قال الصادق (عليه السلام) وذكر ما جرى بين مروان وابن ذر من المخاصمة فصدقه الراوى على ذلك قال: بلى جرى ذلك بينهم وهذا يحتمل ان يكون في وقت آخر أتاه عليه السلام أو في هذا الوقت الذي كان يتكلم اسماعيل سمع كلامه (عليه السلام) فأجابه. ويحتمل أن يكون فاعل ” فقال ” اسماعيل أي قال عبد الاعلى: قال اسماعيل عندما ذكرت بعض كلام أبيه عليه السلام مبادرا: ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 224 ]

الاعلى إن لكم علينا لحقا كحقنا عليكم والله ما أنتم إلينا بحقوقنا أسرع منا إليكم، ثم قال: سأنظر، ثم قال: يا عبد الاعلى ما على قوم إذا كان أمرهم أمرا واحدا متوجهين إلى رجل واحد يأخذون عنه ألا يختلفوا عليه ويسندوا أمرهم إليه، يا عبد الاعلى إنه ليس ينبغي للمؤمن وقد سبقه أخوه إلى درجة من درجات الجنة أن يجذبه عن مكانه الذي هو به ولا ينبغي لهذا الاخر الذي لم يبلغ أن يدفع في صدر الذي لم يلحق به ولكن يستلحق إليه ويستغفر الله. 283 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ” ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ” (1) قال: أما الذي فيه شركاء متشاكسون فلان الاول يجمع المتفرقون ولايته وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا ويبرأ بعضهم من بعض فأما رجل سلم رجل فإنه الاول حقا وشيعته ثم قال: إن اليهود تفرقوا من بعد موسى (عليه السلام) على إحدى وسبعين فرقة منها فرقة في الجنة و وسبعون فرقة في النار وتفرقت النصارى بعد عيسى (عليه السلام) على إثنين وسبعين فرقة، فرقة منها في الجنة وإحدى وسبعون في النار وتفرقت هذه الامة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله) على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة ومن الثلاث وسبعين فرقة ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا اثنتا عشرة فرقة منها في النار وفرقة في الجنة وستون فرقة من سائر الناس في النار. 284 – وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لم تزل دولة الباطل طويلة ودولة الحق قصيرة. 285 – وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال إذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” ما قال أبي في جوابك قصة مروان وابن ذر قال عبد الاعلى: بلى قال أبوك ذلك فيكون إلى آخر الخبر كلام اسماعيل حيث كان سمع من ابيه (عليه السلام) علة ذلك فأفاده وهذا أظهر لفظا والاول معنى. (آت). (1) الزمر: 30.

[ 225 ]

وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم وخلعت العرب أعنتها (1) ورفع كل ذي صيصية صيصيته (2) وظهر الشامي وأقبل اليماني وتحرك الحسني وخرج صاحب هذا الامر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقلت: ما تراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سيف رسول الله ودرعه وعمامته وبرده و قضيبه ورايته ولامته (3) وسرجه حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشر الراية والبردة والعمامة ويتناول القضيب بيده ويستأذن الله في ظهوره فيطلع على ذلك بعض مواليه فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدر الحسني إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي فيظهر عند ذلك صاحب هذا الامر فيبايعه الناس ويتبعونه. ويبعث الشامي عند ذلك جيشا إلى المدينة فيهلكهم الله عز وجل دونها (4) و يهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الامر. ويقبل صاحب هذا الامر نحو العراق ويبعث جيشا إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها (5). 286 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن بعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج إلينا أبو عبد الله (عليه السلام) وهو مغضب فقال: إني خرجت آنفا في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا


(1) العنان – ككتاب -: سير اللجام الذي يمسك به الدابة والجمع أعنة. (2) شوكة الحائك وكل شئ تحصن به فهو صيصية أي أظهر كل ذي قدرة قدرته وقوته. (3) اللامة – مهموزة – الدرع، وقيل: السلاح. (النهاية). (4) أي قبل الوصول إلى المدينة بالبيداء يخسف الله به وبجيشه الارض كما وردت به الاخبار المتظافرة. (آت) (5) أي يبذل القائم (عليه السلام) لاهل المدينة الامان فيرجعون إلى المدينة مستأمنين. (آت).

[ 226 ]

جعفر بن محمد لبيك، فرجعت عودي على بدئي (1) إلى منزلي خائفا ذعرا مما قال حتى سجدت في مسجدي لربي وعفرت له وجهي وذللت نفسي وبرئت إليه مما هتف بي ولو أن عيسى ابن مريم عدا ما قال الله فيه (2) إذا لصم صما لا يسمع بعده أبدا وعمي عمى لا يبصر بعده أبدا وخرس خرسا لا يتكلم بعد أبدا، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب و قتله بالحديد (3). 287 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جهم بن أبي جهيمة، عن بعض موالي أبي الحسن (عليه السلام) قال: كان عند أبي الحسن موسى (عليه السلام) رجل من قريش فجعل يذكر قريشا والعرب (4) فقال له أبو الحسن (عليه السلام) عند ذلك: دع هذا، الناس ثلاثة: عربي ومولى وعلج فنحن العرب وشيعتنا الموالي (5) ومن لم يكن على مثل ما نحن


(1) ” لبيك يا جعفر بن محمد ” الظاهر أن هذا الكافر من أصحاب أبي الخطاب [ محمد بن مقلاص الاسدي ] وكان يعتقد ربوبيته (عليه السلام) كاعتقاد أبي الخطاب فانه أثبت ذلك له (عليه السلام) وادعى النبوة من قبله (عليه السلام) على أهل الكوفة فناداه (عليه السلام) هذا الكافر بما ينادي به الله في الحج وقال ذلك على هذا الوجه، فذعر من ذلك لعظيم ما نسب إليه وسجد لربه وبرا نفسه عند الله مما قال ولعن أبا الخطاب لانه كان مخترع هذا المذهب الفاسد وقوله: ” رجعت عودي على بدئي ” قال الجوهري: رجع عودا على بدء وعوده على بدئه أي لم ينفع ذهابه حتى وصله برجوعه. (آت). (2) أي جاوز ما قال الله فيه. (3) هذا دعاء عليه واستجيب دعاءه (عليه السلام) فيه ذكر الكشي انه بعث عيسى بن موسى بن على ابن عبد الله بن العباس وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب وأصحابه لما بلغه أنهم قد اظهروا الاباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب فانهم مجتمعون في المسجد لزموا الاساطين يروون الناس انهم لزموها للجادة وبعث إليهم رجلا فقتلهم جميعا فلم يفلت منهم الا رجل واحد اصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال وروى أنهم كانوا سبعين رجلا. (آت). (4) أي كان يذكر فضائلهم ويفتخر بالانتساب بهم. (آت). (5) الموالي هنا غير العربي الصليب الذي صار حليفا لهم ودخل بينهم وصار في حكمهم و وليس منهم. (آت).

[ 227 ]

عليه فهو علج (1) فقال القرشي: تقول هذا يا أبا الحسن فأين أفخاذ قريش والعرب (2)؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): هو ما قلت لك. 288 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الاحول، عن سلام بن المستنير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث إذا قام القائم عرض الايمان على كل ناصب فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي الجزية (3) كما يؤديها اليوم أهل الذمة ويشد على وسطه الهميان ويخرجهم من الامصار إلى السواد (4). 289 – الحسين بن محمد الاشعري، عن علي بن محمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم ابن أبي سلمة (5)، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن محمد بن بنان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبي يوما وعنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ؟ قال: فكاع الناس كلهم ونكلوا (6)، فقمت وقلت: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت [ قال: ] وكررها ثلاثا، ثم قال: ما أكثر الوصف وأقل الفعل إن أهل الفعل قليل إن أهل الفعل قليل، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معا وما كان هذا منا


(1) أي رجل من كفار العجم وان كان صليبا كما مر. (2) مر معنى الفخذ ص 181 من هذا المجلد. (3) لعل هذا في أوائل زمانه (عليه السلام) والا فالظاهر من الاخبار انه لا يقبل منهم الا الايمان أو القتل. (آت) (4) الهميان – بالكسر -: التكة والمنطقة وكيس للنفقة. ولعله كناية عن علامة جعلها لهم ليعرفوا بها مثل الزنار. (5) الظاهر هو محمد بن سالم أبي سلمة الاتي تحت رقم 314 وقال الشيخ في الفهرست محمد بن سالم بن ابي سلمة، له كتاب، اخبرنا به ابن ابي جيد عن ابن الوليد عن علي بن محمد بن ابي سعيد القيرواني عن محمد بن سالم بن ابي سلمة السجستاني. انتهى أقول: محمد بن مسلم كان تصحيف محمد سالم وذلك نشأ من اختلاف الكتابة في سالم وسلم وعثمان وعثمن وسفيان وسفين ونظائرها وهذا كثير في كتب القدماء. وعلي بن محمد بن سعيد غير موجود في كتب الرجال والظاهر أنه علي بن محمد بن أبي سعيد المذكور ولكن ذكر الشيخ في الرجال على بن محمد بن سعد الاشعري وقال: له كتاب اخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن علي بن محمد عن رجاله. (6) كعت عنه اكيع إذا هبته وجبنت عنه. (القاموس).

[ 228 ]

تعاميا عليكم بل لنبلو أخباركم ونكتب آثاركم فقال: والله لكأنما مادت بهم الارض حياءا مما قال (1) حتى أني لانظر إلى الرجل منهم يرفض عرقا (2) ما يرفع عينيه من الارض فلما رأي ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خيرا، إن الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم. قال: فوالله لكانما نشطوا من عقال (3). 290 – وبهذا الاسناد، عن محمد بن سليمان (4)، عن إبراهيم بن عبد الله الصوفي قال: حدثني موسى بن بكر الواسطي قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة (5) ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ولو تمحصتهم (6) لما خلص من الالف واحد ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي إنهم طال ما اتكوا على الارائك، فقالوا: نحن شيعة علي، إنما شيعة علي من صدق قوله فعله 291 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن احمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان: عن عبد الاعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت فيجاء بمريم (عليها السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسناها فلم تفتتن ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت فيجاء بيوسف (عليه السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسناه فلم يفتتن ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت علي


(1) ماد الشئ يميد ميدا: تحرك ومادت الاغصان: تمايلت. (الصحاح) وهو كناية عن اضطرابهم وشدة حالهم. (2) أي جرى وسال عرقه. (النهاية) (3) أي حلت عقالهم. (4) في بعض النسخ [ محمد بن مسلم ] ولعله أظهر. (آت) (5) في بعض النسخ [ ما وجدتهم الا واصفة ]. (6) كذا. والمحص: التصفية والتخليص من الغش والتمحيص: الاختبار والابتلاء.

[ 229 ]

البلاء حتى افتتنت فيؤتى بأيوب (عليه السلام) فيقال: أبليتك أشد أو بلية هذا؟ قد ابتلى فلم يفتتن. 292 – وبهذا الاسناد، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل البصري (1) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تقعدون في المكان فتحدثون وتقولون ما شئتم وتتبرؤون ممن شئتم وتولون من شئتم؟ قلت: نعم، قال: وهل العيش إلا هكذا. 293 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن وهيب بن حفص، عن ابى بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون (2) محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا (3). 294 – وهيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة (4) ” قال: هي شفاعتهم (5) و رجاؤهم يخافون أن ترد عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا الله عز ذكره ويرجون أن يقبل منهم. 295 – وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من عبد يدعو إلى ضلالة إلا وجد من يتابعه.


(1) الظاهر انه إسماعيل بن الفضل. (آت). (2) ” لو يروون ” هذا على مذهب من لا يجزم ب‍ ” لو ” وإن دخلت على المضارع لغلبة دخولها على الماضي اي لو لم يغيروا كلامنا ولم يزيدوا فيها لكانوا بذلك اعز عند الناس اما لانهم كانوا يؤدون الكلام على وجه لا يترتب عليه فساد أو لان كلامهم لبلاغته يوجب حب الناس لهم وعلم الناس بفضلهم إذا لم يغير فيكون قوله: ” وما استطاع ” بيان فائدة اخرى لعدم التغيير يرجع إلى المعنى الاول وعلى الاول يكون تفسيرا للسابق. (آت). (3) أي ينزل عليها ويضم بعضها معها عشرا من عند نفسه فيفسد كلامنا ويصير ذلك سببا لاضرار الناس لهم. (آت) وفي بعض النسخ [ لها عشرا ]. (4) المؤمنون: 60. (5) لعل المراد دعاؤهم وتضرعهم كأنهم شفعوا لانفسهم أو طلب الشفاعة من غيرهم أو تضاعف حسناتهم ولعله تصحيف شفقتهم. (من آت)

[ 230 ]

296 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن الصلت، عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ (1) فقال: مه إن الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال. 297 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: طبايع الجسم على أربعة فمنها الهواء الذي لا تحيا النفس إلا به وبنسيمه و يخرج ما في الجسم من داء وعفونة، والارض (2) التي قد تولد اليبس والحرارة، والطعام (3) ومنه يتولد الدم ألا ترى أنه يصير إلى المعدة فتغذيه حتى يلين ثم يصفو فتأخذ الطبيعة صفوه دما ثم ينحدر الثفل والماء وهو يولد البلغم. 298 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسين ابن أعين أخو مالك بن أعين قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الرجل للرجل: جزاك الله خيرا، ما يعني به؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن خيرا نهر في الجنة (4) مخرجه من الكوثر والكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الاوصياء وشيعتهم على حافتي ذلك النهر جواري نابتات، كلما قلعت واحدة نبتت اخرى سمي (5) بذلك النهر وذلك قوله تعالى:


(1) ” لو ” للتمني. وقوله: ” عزلت ” أي جعلت لهم مائدة غير هذه. (2) أي الثانية منها الارض وهي تولد اليبس بطبعها والحرارة بانعكاس اشعة الشمس عنها فلها مدخل في تولد المرة الصفراء والسوداء. (آت) (3) أي الثالثة وانما نسب الدم فقط إليها لانها ادخل في دوام البدن من سائر الاخلاط مع عدم مدخلية الاشياء الخارجة كثيرا فيها. (آت) (4) يحتمل أن يكون أصل استعمال هذه الكلمة كان ممن عرف هذا المعنى وارادة من لا يعرف غيره لا ينافيه على أنه يحتمل أن يكون المراد أن الجزاء الخير هو هذا وينصرف واقعا إليه وإن لم يعرف ذلك من يتكلم بهذه الكلمة. (آت) (5) كذا في اكثر النسخ والظاهر سمين ويمكن ان يقرء على البناء للمعلوم اي سماهن الله بها في قوله: ” خيرات ” ويحتمل ان يكون المشار إليه النابت اي سمى النهر باسم ذلك النابت اي الجواري لان الله سماهن خيرات. (آت)

[ 231 ]

” فيهن خيرات حسان (1) ” فإذا قال الرجل لصاحبه: جزاك خيرا فإنما يعني بذلك تلك المنازل التي قد أعدها الله عز وجل لصفوته وخيرته من خلقه. 299 – وعنه، عن احمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في الجنة نهرا حافتاه حور نابتات فإذا مر المؤمن بإحديهن فأعجبته اقتلعها فأنبت الله عز وجل مكانها. (حديث القباب) 300 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) ليلة وأنا عنده ونظر إلى السماء فقال: يا أبا حمزة هذه قبة أبينا آدم (عليه السلام) وإن الله عز وجل سواها تسعة وثلاثين قبة فيها خلق ما عصوا الله طرفة عين. 301 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن عجلان أبي صالح قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك هذه قبة آدم (عليه السلام)؟ قال: نعم ولله قباب كثيرة، ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغربا أرضا بيضاء مملوة خلقا يستضيئون بنوره لم يعصوا الله عز وجل طرفة عين ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق، يبرؤون من فلان وفلان. 302 – علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من خصف نعله ورقع ثوبه وحمل سلعته (2) فقد برئ من الكبر. 303 – عنه، عن صالح، عن محمد بن اورمة، عن ابن سنان، عن المفضل بن عمر قال: كنت أنا والقاسم شريكي ونجم بن حطيم وصالح بن سهل بالمدينة فتناظرنا في


(1) الرحمن: 70. (2) السلعة – بكسر السين -: المتاع وما يشتري الانسان لاهله.

[ 232 ]

الربوبية، قال (1): فقال بعضنا لبعض: ما تصنعون بهذا نحن بالقرب منه (2) وليس منا في تقية قوموا بنا إليه، قال: فقمنا فوالله ما بلغنا الباب إلا وقد خرج علينا بلا حذاء ولا رداء قد قام كل شعرة من رأسه منه وهو يقول: لا لا يا مفضل ويا قاسم ويا نجم، لا لا بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. 304 – عنه، عن صالح، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لابليس عونا يقال له: تمريح إذا جاء الليل ملا ما بين الخافقين (3). 305 – عنه، عن صالح، عن الوشاء، عن كرام، عن عبد الله بن طلحة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوزغ فقال: رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل (4) فقال: إن أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال أبي للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ قال: لا علم لي بما يقول، قال: فإنه يقول: والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لاشتمن عليا حتى يقوم من ههنا، قال: وقال: أبي ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا، قال: وقال: إن عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت مسخ وزغا فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عنده ولده فلما أن فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون ثم اجتمع أمرهم على أن يأخذوا جذعا فيصنعوه كهيئة


(1) أي في ربوبية الصادق (عليه السلام) أو جميع الائمة (عليهم السلام) ولعله كان غرضهم ما نسب إليهم من انه تعالى لما خلق انوار الائمة (عليهم السلام) فوض إليهم أمر خلق العالم فهم خلقوا جميع العالم وقد نفوا (عليهم السلام) ذلك وتبرؤوا منه ولعنوا من قال به وقد وضعوا الغلاة اخبارا في ذلك ويحتمل ان يكونوا توهموا حلولا أو اتحادا كالنصارى في عيسى (عليه السلام). (2) يعني الصادق (عليه السلام). (3) اي لاضلال الناس واضرارهم أو للوساوس في المنام كما رواه الصدوق – رحمه الله – في اماليه عن ابيه باسناده عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ان لابليس شيطانا يقال له: هزع يملاء المشرق والمغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام ولعله هذا الخبر فسقط عنه بعض الكلمات في المتن والسند ووقع فيه بعض التصحيف. (آت) وفي بعض النسخ [ تمريخ ]. (4) المشهور بين الاصحاب استحباب ذلك الغسل. (آت).

[ 233 ]

الرجل قال: ففعلوا ذلك وألبسوا الجذع درع حديد (1) ثم لفوه في الاكفان فلم يطلع عليه أحد من الناس إلا أنا وولده. 306 – عنه، عن صالح، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن عبد الملك بن بشير، عن عثيم بن سليمان، عن معاوية ين عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية فإن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) رحمة ويبعث القائم نقمة (2). 307 – عنه، عن صالح، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الملك بن بشير، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: كان الحسن (عليه السلام) أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين رأسه إلى سرته وإن الحسين (عليه السلام) أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرته إلى قدمه. 308 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان (3) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كم كان طول آدم (عليه السلام) حيث هبط به إلى الارض وكم كان طول حواء؟ قال: وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن الله عز وجل لما أهبط آدم وزوجته حواء (عليهما السلام) إلى الارض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق السماء وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل (عليه السلام) أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فأغمزه غمزة وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه وأغمز حواء، غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها.


(1) لعلهم انما فعلوا ذلك ليصير ثقيلا أو لانه ان مسه احد فوق الكفن لا يحسس بانه خشب. (آت). (2) اي على الكافرين. (3) مقاتل بن سليمان رجل عامي ضعيف ضعفه الفريقان نقل بن داود في الباب الثاني من رجاله عن البرقي انه عامي وهو مذكور في الحاوي في فصل الضعفاء. وفي تنقيح المقال عن ملحقات الصراح في ذكر معارف اهل التفسير من التابعين ومن تبعهم: الامام أبو الحسن مقاتل بن سليمان تفسيره مجلدان، وقال: لما قيل: لابي حنيفة: قدم مقاتل بن سليمان قال: إذا يجيئك بكذب كثير. – إلى آخر ما قال – وقال ابن حجر: مقاتل بن سليمان بن بشير البجلي الازدي الخراساني أبو الحسن البلخي، نزيل مرو ويقال له: ابن دوال دوز البصري المفسر، عن مجاهد وضحاك وعنه على بن الجعد وابن عيينة، اجمعوا على تضعيفه (لسان الميزان ج 6 ص 728) فعلى هذا لم نتعرض لما قالوا ائمة الحديث في توجيه هذا الخبر لانه لم يثبت عندنا صدوره عنهم (عليهم السلام). (4) الثنية في الجبل كالعقبة فيه وقيل: هو الطريق العالي فيه وقيل: أعلى الميل في رأسه. (النهاية)

[ 234 ]

209 – عنه، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن الحارث بن المغيرة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب أباه سبي في الجاهلية فلم يعلم أنه كان أصاب أباه سبي في الجاهلية إلا بعد ما توالدته العبيد في الاسلام واعتق؟ قال: فقال: فلينسب إلى آبائه العبيد في الاسلام ثم هو يعد من القبيلة التي كان أبوه سبي فيها إن كان [ أبوه ] معروفا فيهم ويرثهم ويرثونه. 310 – ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عبد المؤمن الانصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا والآخرة والفلج في الدنيا والآخرة والمهابة في صدور الظالمين. 311 – ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث هن فخر المؤمن وزينه في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل ويأسه مما في أيدي الناس وولايته الامام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) قال: وثلاثة هم شرار الخلق ابتلى بهم خيار الخلق: أبو سفيان أحدهم قاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعاداه ومعاويه قاتل عليا (عليه السلام) وعاداه ويزيد بن معاوية لعنه الله قاتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وعاداه حتى قتله 312 – ابن محبوب، عن مالك بن عطية، بن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع ولا كرم إلا بتقوى ولا عمل إلا بالنية (1) ولا عبادة إلا بالتفقه، ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله. 313 – إبن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج (2) فبعث إلى رجل من


(1) اي لا يكون العمل مقبولا الا مع الاخلاص في النية وترك شوائب الرياء. (2) هذا غريب إذ المعروف بين اهل السير أن هذا الملعون بعد الخلافة لم يات المدينة بل لم يخرج من الشام حتى مات ودخل النار ولعل هذا كان من مسلم بن عقبة والى هذا الملعون حيث بعثه لقتل اهل المدينة فجرى منه ما في قتل الحرة ما جرى وقد نقل انه جرى بينه وبين علي بن الحسين (عليهما السلام) قريب من ذلك فاشتبه على بعض الرواة. (آت) هذا الاحتمال في غاية البعد فان مسلم بن عقبة لم يكن قرشيا. ثم ان المسعودي روى عكس ذلك قال ان مسلم بن عقبة لما نظر إلى على بن الحسين (عليه السلام) سقط في يديه وقام واعتذر منه، فقيل له في ذلك فقال قد ملا قلبي منه رعبا.

[ 235 ]

قريش فأتاه فقال له يزيد: اتقر لي أنك عبد لي، إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك فقال له الرجل: والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسبا ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والاسلام وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني فكيف أقر لك بما سألت؟ فقال له يزيد: إن لم تقر لي والله قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي (عليهما السلام) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمر به فقتل. (حديث على بن الحسين (عليهما السلام) مع يزيد لعنه الله) ثم أرسل إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: مثل مقالته للقرشي فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): أرأيت إن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالامس؟ فقال له يزيد لعنه الله: بلى فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع، فقال له يزيد لعنه الله: أولى لك (1) حقنت دمك ولم ينقصك ذلك من شرفك. 314 – الحسين بن محمد الاشعري، عن علي بن محمد بن سعيد (2)، عن محمد بن سالم بن أبي سلمة، عن محمد بن سعيد بن غزوان قال: حدثني عبد الله بن المغيرة قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): إن لي جارين أحدهما ناصب (3) والآخر زيدي ولا بد من معاشرتهما فمن أعاشر فقال: هما سيان (4)، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الاسلام وراء ظهره وهو المكذب بجميع القرآن والانبياء والمرسلين، قال: ثم قال: إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا. 315 – محمد بن سعيد قال: حدثني القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن


(1) أي الشر قريب بك، وفي المرآة ” قال الجوهري: قولهم: اولى لك تهدد ووعيد وقال الاصمعي: معناه قاربه ما يهلكه اي نزل له انتهى وهذا لا يناسب المقام وان يكون الملعون بعد في مقام التهديد ولم يرض بذلك عنه (عليه السلام) ويحتمل ان يكون مراده ان هذا أولى لك وأحرى مما صنع القرشي “. (2) كذا في أكثر النسخ وقال المجلسي – رحمه الله – الظاهر إما سعد أو علي بن محمد بن ابي سعيد. وقد مر الكلام فيه ص 227. تحت رقم 5 في الهامش. (3) لعل مراد الراوي بالناصب المخالف كما هو المصطلح في الاخبار وانهم لا يبغضون اهل البيت ولكنهم يبغضون من قال بامامتهم بخلاف الزيدية فانهم كانوا يعاندون اهل البيت ويحكمون بفسقهم لعدم خروجهم بالسيف. (آت) (4) أي مثلان.

[ 236 ]

أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الائمة يقدر على الانتصاف (1) فلم يفعل ألبسه الله عز وجل الذل في الدنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما من به عليه من معرفتنا. 316 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن إبراهيم ابن أخي أبي شبل، عن أبي شبل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ابتداءا منه أحببتمونا وأبغضنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس ووصلتمونا وجفانا الناس فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا (2) أما والله ما بين الرجل وبين أن يقر الله عينه (3) إلا أن تبلغ نفسه هذا المكان وأومأ بيده إلى حلقه فمد الجلدة، ثم أعاد ذلك فوالله ما رضي حتى حلف لي فقال: والله الذي لا إله إلا هو لحدثني أبي محمد بن علي (عليهما السلام) بذلك يا أبا شبل أما ترضون أن تصلوا ويصلوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تزكوا ويزكوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون ان تحجوا ويحجوا فيقبل الله جل ذكره منكم ولا يقبل منهم والله ما تقبل الصلاة إلا منكم ولا الزكاة إلا منكم ولا الحج إلا منكم فاتقوا الله عز وجل فإنكم في هدنة (4) وأدوا الامانة فإذا تميز الناس فعند ذلك ذهب كل قوم بهواهم وذهبتم بالحق ما أطعتمونا (5) أليس القضاة والامراء وأصحاب المسائل منهم؟ قلت: بلى، قال (عليه السلام): فاتقوا الله عز وجل فإنكم لا تطيقون الناس كلهم إن الناس أخذوا ههنا وههنا وإنكم أخذتم حيث أخذ الله عز وجل، إن الله عز وجل اختار من عباده محمدا (صلى الله عليه وآله) فاخترتم خيرة الله، فاتقوا الله وأدوا الامانات إلى الاسود والابيض وإن كان حروريا وإن كان شاميا (6).


(1) الانتصاف: الانتقام. (2) اي كمحيانا في التوفيق والهداية والرحمة ومماتكم كمماتنا في الوصول إلى السعادة الابدية. (آت). (3) برؤية مكانه في الجنة ومشاهدة النبي والائمة (صلوات الله عليهم) وسماع البشارات منهم رزقنا الله وسائر المؤمنين. (آت). (4) ” هدنة ” اي مصالحة مع المخالفين والمنافقين، لا يجوز لكم الان منازعتهم. (آت) (5) اي ما دمتم مطيعين لنا. (آت) (6) ” ان كان حروريا ” اي من خوارج العراق. ” وان كان شاميا ” اي من نواصب الشام.

[ 237 ]

317 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن إبراهيم بن أخي أبي شبل، عن أبي شبل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (1). 318 – سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن حماد بن أبي طلحة، عن معاذ بن كثير قال: نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير فدنوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت، له: إن أهل الموقف لكثير قال: فصرف ببصره فأداره فيهم ثم قال: ادن مني يا أبا عبد الله غثاء (2) يأتي به الموج من كل مكان، لا والله ما الحج إلا لكم، لا والله ما يتقبل الله إلا منكم. 319 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن على الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخلت عليه، أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيسرك أن تسمع كلامها فقلت: نعم فقال: أما الآن فأذن لها قال: وأجلسني معه على الطنفسة (3) ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما فقال لها: توليهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما قال: نعم، قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النوا يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحب إليك؟ قال: هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يخاصم فيقول: ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (4) ” ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (5) ” ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (6) “. 320 – عنه، عن المعلى، عن الحسن، عن أبان، عن أبي هاشم قال: لما أخرج


(1) رقمه المجلسي – رحمه الله – سهوا من قلمه الشريف ولا يكون لنا بد الا ان نرقمه لئلا نوقع في التكلف لدى التطبيق. (2) الغثاء – بالضم والمد -: ما يجئ فوق السيل مما يحتمله من الزبد والوسخ وغيره. (3) هي البساط الذي له حمل رقيق. (4) المائدة: 44. (5) المائدة: 45. (6) المائدة: 47 وقد مضى بعينه سندا ومتنا تحت رقم 71.

[ 238 ]

بعلي (عليه السلام) (1) خرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسها آخذة بيدي إبنيها فقالت: مالي ومالك يا أبا بكر تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي (2) والله لو لا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي، فقال رجل من القوم: ما تريد إلى (3) هذا ثم أخذت بيده فانطلقت به. 321 – أبان، عن علي بن عبد العزيز، عن عبد الحميد الطائي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله لو نشرت شعرها ماتوا طرا (4). 322 – أبان، عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن ولد الزنى يستعمل إن عمل خيرا جزئ به وإن عمل شرا جزئ به. 323 – أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه (5) فقال له: الوزغ ابن الوزغ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) فمن يومئذ يرون أن الوزغ يسمع الحديث. 324 – أبان، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لما ولد مروان عرضوا به لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يدعو له، فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له، فلما قربته منه قال: أخرجوا عني الوزغ ابن الزوغ، قال زرارة: ولا أعلم إلا أنه قال: ولعنه.


(1) مضمرا وموقوف. (2) المشهور في كتب اللغة ان الايتام ينسب إلى المرأة يقال: أيتمت المرأة أي صار أولادها يتامى. وقولها (عليها السلام): ” ترملني ” الارملة: المرأة التي لا زوج لها وقولها (سلام الله عليها): ” أن يكون سيئة ” أي مكافأة السيئة بالسيئة وليست من دأب الكرام فيكون اطلاق السيئة عليها مجازا أو المراد مطلق الاضرار ويحتمل أن يكون المراد المعصية أي فنهيت عن ذلك ولا يجوز لي فعله. (آت) أقول: اي لولا أن يكون هذا العمل سيئة لفعلت. (3) لعل فيه تضمين معنى القصد أي قال مخاطبا لابي بكر أو عمر: ما تريد بقصدك إلى هذا الفعل أتريد أن تنزل عذاب الله على هذه الامة. (آت) (4) ” طرا ” أي جميعا، نصبه على المصدر أو على الحال. (5) أي كانا يسترقان السمع ليسمعا ما يخبر به ويحكيه النبي (صلى الله عليه وآله) مع أهل بيته وازواجه ويخبرا به المنافقين وانما سماهما وزغا لما مر ان بني امية يمسخون بعد الموت وزغا لان الوزغ يستمع الحديث فشبههما لذلك به. (آت) أقول: لا يبعد كونهما جاسوسين مبعوثين من قبل حزبهم الاموي لذلك وقوله ” يرون ” أي يعلمون.

[ 239 ]

325 – أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي العباس المكي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن عمر لقى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أنت الذي تقرأ هذه الآية ” بأيكم المفتون (1) ” تعرضا بي وبصاحبي؟ قال: أفلا اخبرك بآية نزلت في بني امية ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم (2) ” فقال: كذبت، بنو امية أوصل للرحم منك ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وعدي وبني امية (3). 326 – علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) يقوم في المطر أول ما يمطر حتى يبتل رأسه و لحيته وثيابه، فقيل له: يا أمير المؤمنين الكن الكن (5) فقال: إن هذا ماء قريب عهد بالعرش. ثم أنشا يحدث فقال: إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات فإذا أراد الله عز ذكره أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى سماء الدنيا فيما أظن (6) فيلقيه إلى السحاب والسحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحى الله إلى الريح أن اطحنيه واذيبيه ذوبان الماء، ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فأمطري عليهم فيكون كذا وكذا عبابا (7) وغير ذلك فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك حتى يضعها موضعها ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود ووزن معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان


(1) القلم: 6. (2) محمد: 22. (3) قد مر بعينه تحت رقم. 76. (4) مسعدة ابن صدقة على ما ذكره الشيخ في رجاله رجل عامي بترى له كتاب. ضعفه غير واحد من الاعلام، وقال ابن الحجر بعد عنوانه في لسان الميزان: عن مالك وعنه سعيد بن عمرو، قال الدار قطني: متروك – إلى آخر ما قال -. (5) بالنصب أي أدخل الكن أو أطلبه. والكن – بالكسر -: وقاء كل شئ وما يستتر به من بناء ونحوه. (6) هذا كلام الراوي. (7) العباب: معظم السيل وارتفاعه.

[ 240 ]

على عهد نوح (عليه السلام) فإنه نزل ماء منهمر (1) بلا وزن ولا عدد. قال: وحدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي أبي (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل جعل السحاب غرابيل للمطر، هي تذيب البرد حتى يصير ماءا لكي لا يضر به شيئا يصيبه، الذي ترون فيه من البرد والصواعق نقمة من الله عز وجل يصيب بها من يشاء من عباده. ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تشيروا إلى المطر ولا إلى الهلال فإن الله يكره ذلك. 327 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط رفعه قال: كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابن عباس: أما بعد فقد يسر المرء ما لم يكن ليفوته ويحزنه ما لم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد فليكن سرورك بما قدمت من عمل صالح أو حكم (2) أو قول وليكن أسفك فيما فرطت فيه من ذلك ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر عليه حزنا وما أصابك منها فلا تنعم به سرورا (3) وليكن همك فيما بعد الموت والسلام. 328 – سهل بن زياد، عن الحسن بن علي، عن كرام، عن أبي الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مررت أنا وأبو جعفر (عليه السلام) على الشيعة وهم ما بين القبر والمنبر، فقلت لابي جعفر (عليه السلام): شيعتك ومواليك جعلني الله فداك، قال: أين هم؟ فقلت: أراهم ما بين القبر والمنبر، فقال: اذهب بي إليهم فذهب فسلم عليهم، ثم قال: والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم فأعينوا مع هذا بورع واجتهاد، إنه لا ينال ما عند الله إلا بورع و اجتهاد وإذا ائتممتم بعبد فاقتدوا به، أما والله إنكم لعلى ديني ودين آبائي إبراهيم و إسماعيل وإن كان هؤلاء على دين اولئك فأعينوا على هذا بورع واجتهاد (4). 329 – أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر،


(1) أي منصب سائل من غير تقاطر أو كثير من غير أن يعلم وزنها وعددها الملائكة. (آت) (2) أي حكمة أو قضاء حق قضى به على نفسه أو غيره. (آت) (3) أي لا تزد في السرور ولا تبالغ فيه. (4) قد مر مثله تحت رقم 259.

[ 241 ]

عن الربيع بن محمد المسلي، عن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى [ لا ] يكون بينهم وبين القائم بريد (1) يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه. 330 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى، عن هارون ابن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من استخار الله راضيا بما صنع الله له خار الله له حتما (2) 331 – سهل بن زياد، عن داود بن مهران، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن رجل، عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف (3) أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: يا جويرية إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم (4) ما جاء بك قلت: جئت أسألك عن ثلاث: عن الشرف وعن المروءة وعن العقل، قال: أما الشرف فمن شرفه السلطان شرف وأما المروءة فإصلاح المعيشة وأما العقل فمن اتقى الله عقل. 332 – سهل بن زياد (5)، عن علي بن حسان، عن علي بن أبي النوار، عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك لاي شئ صارت الشمس أشد حرارة من القمر؟ فقال: إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء، طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثم صارت أشد حرارة من القمر، قلت: جعلت فداك والقمر؟ قال: إن الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء، طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس.


(1) البريد: أربع فراسخ وفي بعض النسخ [ لا يكون ] فالمراد بالبريد الرسول أي يكلمهم في المسافات البعيدة بلا رسول وبريد. (آت). (2) أي طلب في كل أمر يريده ويأخذ فيه أن يتيسر الله له ما هو خير له في دنياه وآخرته ثم يكون راضيا بما صنع الله له يأت الله بخيره ألبتة. (آت) (3) الاشتداد والشد: العدو. (4) خفق النعل: صوتت. وخفق النعال: صوتها. (5) سهل بن زياد هو أبو سعيد الادمى الرازي كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه. (قاله النجاشي).

[ 242 ]

333 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن الهيثم، عن زيد أبي الحسن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من كانت له حقيقة ثابتة (1) لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى الغاية ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث وبأي شئ جهلتم ما أنكرتم (2) وبأي شئ عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين. 334 – عنه، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ليس من باطل يقوم بإزاء الحق إلا غلب الحق الباطل وذلك قوله: عز وجل: ” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق (3) “. 335 – عنه، عن أبيه مرسلا قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لا تتخذوا من دون الله وليجة (4) فلا تكونوا مؤمنين، فإن كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع مضمحل كما يضمحل الغبار (5) الذي يكون على الحجر الصلد إذا أصابه المطر الجود (6) إلا ما أثبته القرآن. 336 – علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نحن أصل كل خير ومن فروعنا كل بر، فمن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ والعفو عن المسئ ورحمة الفقير وتعهد


(1) أي حقيقة ثابتة من الايمان وهي خالصه ومحضه وما يحق أن يقال: أنه ايمان ثابت لا يتغير من الفتن والشبهات. وقوله: ” لم يقم على شبهة هامدة ” أي على أمر مشتبه باطل في دينه لم يعلم حقيقته بل يطلب اليقين حتى يصل إلى غاية ذلك الامر أو غاية امتداد ذلك الامر. (آت) (2) أي فارجعوا إلى انفسكم وتفكروا في أن ما جهلتموه لاي شئ جهلتموه، ليس جهلكم الا من تقصيركم في الرجوع إلى ائمتكم وفي أن ما عرفتموه لان كل شئ عرفتموه لم تعرفوه الا بما وصل اليكم عن علومهم إن كنتم مؤمنين بهم عرفتم ذلك. (آت) (3) الانبياء: 18. (4) وليجة الرجل: بطانته واخلاءه وخاصته. (5) في بعض النسخ [ كالغبار ]. (6) الجود – بالفتح -: المطر الواسع الغزير.

[ 243 ]

الجار والاقرار بالفضل لاهله وعدونا أصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم الكذب والبخل والنميمة والقطيعة وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقه و تعدي الحدود التي أمر الله وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن والزنى والسرقة وكل ما وافق ذلك من القبيح فكذب من زعم أنه معنا وهو متعلق بفروع غيرنا. 337 – عنه، وعن غيره، وعن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لرجل: اقنع بما قسم الله لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمن ما لست نائله فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع وخذ حظك من آخرتك. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنفع الاشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه وأشد شئ مؤونة إخفاء الفاقة وأقل الاشياء غناءا (1) النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص و أرواح الروح اليأس من الناس (2). وقال: لا تكن ضجرا ولا غلقا (3) وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ومن له الفضل عليك (4) فإنما أقررت بفضله لئلا تخالفه ومن لا يعرف لاحد الفضل فهو المعجب برأيه (5). وقال لرجل: إعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله تبارك وتعالى ولا رفعة لمن لم يتواضع لله عز وجل. وقال لرجل: أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم فإنما جعلت


(1) الغناء – بالفتح والمد -: النفع. (2) أي أكثر الاشياء راحة. (3) ” ضجرا ” أي تبرما عند البلايا. وقوله: ” غلقا ” – بكسر اللام -: أي سيئ الخلق قال الجزري: الغلق – بالتحريك -: ضيق الصدر وقلة الصبر. ورجل غلق أي: سيئ الخلق. (4) الظاهر أن المراد بمن خالفه من كان فوقه في العلم والكمال من الائمة عليهم السلام والعلماء من أتباعهم وما يأمرون به غالبا مخالف لشهوات الخلق فالمراد بالاحتمال قبول قولهم وترك الانكار لهم وإن خالف عقله وهواه ويمكن أن يكون المراد بمن خالفه سلاطين الجور وبمن له الفضل الائمة العدل فالمراد احتمال أذاهم ومخالفتهم. (آت). (5) ” المعجب ” بفتح الجيم أي عد رأيه حسنا ونفسه كاملا.

[ 244 ]

الدنيا شاهدا يعرف بها ما غاب عنها من الاخرة فاعرف الاخرة بها ولا تنظر إلى الدنيا إلا بالاعتبار (1). 338 – عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لحمران بن أعين: يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، اعلم أن العمل الدائم القليل على يقين أفضل عند الله جل ذكره من العمل الكثير على غير يقين. واعلم انه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله (2) والكف عن أذى المؤمنين و اغتيابهم ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ولا مال انفع من القنوع باليسير المجزي ولا جهل أضر من العجب (3). 339 – ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني إن كنت عالما عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟ فقال أمير المؤمنين (عليهما السلام): يا حسين أجب الرجل. فقال الحسين (عليه السلام): أما قولك: أخبرني عن الناس، فنحن الناس ولذلك قال الله تعالى ذكره في كتابه: ” ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس (4) ” فرسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أفاض بالناس.


(1) أي كما أن أهل الدنيا بذلوا جهدهم في تحصيل دنياهم الفانية فابذل انت جهدك في تعمير النشأة الباقية وانظر إلى نعم الدنيا ولذاتها واعرف بها فضل الاخرة التي ليس فيها شئ منها. (آت) (2) أي هذا الورع انفع من ورع من تجنب المكروهات والشبهات ولا يبالي بارتكاب المحرمات. (آت) (3) لانه ينشأ من الجهل بعيوب النفس وجهالاتها ونقائصها. (آت) (4) البقرة: 199.

[ 245 ]

وأما قولك: أشباه الناس، فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منا ولذلك قال إبراهيم (عليه السلام): ” فمن تبعني فإنه مني (1) “. وأما قولك: النسناس، فهم السواد الاعظم واشار بيده إلى جماعة الناس ثم قال: ” إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا (2) “. 340 – علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عنهما (3) فقال: يا أبا الفضل ما تسألني عنهما فوالله ما مات منا ميت قط إلا ساخطا عليهما وما منا اليوم إلا ساخطا عليهما يوصي بذلك الكبير منا الصغير، إنهما ظلمانا حقنا ومنعانا فيئنا وكانا أول من ركب أعناقنا وبثقا علينا بثقا (4) في الاسلام لا يسكر أبدا حتى يقوم قائمنا أو يتكلم متكلمنا (5). ثم قال: أما والله لو قد قام قائمنا [ أ ] وتكلم متكلمنا لابدى من امورهما ما كان يكتم ولكتم من امورهما ما كان يظهر والله ما أسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسسا أولها فعليمهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. 341 – حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) (6) إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف اناس بعد يسير وقال: هؤلاء الذين


(1) ابراهيم: 36. (2) الفرقان: 44. (3) هما رجلان معروفان عند الراوي. (4) بثق السيل موضع كذا يبثق بثقا – بفتح الباء – وبثقا – بكسرها – عن يعقوب أي خرقه وبثقه أي انفجر. (الصحاح) وقوله: ” لا يسكر ” أي لا يسد. (5) لعل كلمة ” أو ” بمعنى الواو كما يدل عليه ذكره ثانيا بالواو ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي ويحتمل ان يكون المراد بالقائم الامام الثاني عشر (عليه السلام) كما هو المتبادر وبالمتكلم من تصدى لذلك قبله (عليه السلام). (6) ” أهل رده ” – بالكسر – أي ارتداد.

[ 246 ]

دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع وذلك قول الله تعالى: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (1) “. 342 – حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوم فتح مكة فقال: أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم (عليه السلام) وآدم من طين، ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه، إن العربية ليست باب والد ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه (2)، ألا إن كان دم كان في الجاهلية أو إحنة – والاحنة الشحناء – فهى تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة. 343 – حنان عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال: لا ولكنهم كانوا أسباط أولاد الانبياء (3) ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وإن الشيخين (4) فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين (عليه السلام) فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. 344 – حنان، عن أبي الخطاب، عن عبد صالح (عليه السلام) قال: إن الناس أصابهم قحط شديد على عهد سليمان بن داود (عليهما السلام) فشكوا ذلك إليه وطلبوا إليه أن يستسقي لهم قال: فقال: لهم إذا صليت الغداة مضيت فلما صلى الغداة مضى ومضوا، فلما أن كان في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء واضعة قدميها إلى الارض وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، قال: فقال سليمان (عليه السلام): ارجعوا فقد سقيتم بغيركم، قال: فسقوا في ذلك العام ما لم يسقوا مثله قط. 345 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن


(1) آل عمران: 144. (2) في بعض النسخ [ لم يبلغ حسبه ]. (3) فيه رد على بعض المخالفين الذين قالوا بنبوتهم وما ورد في اخبارنا موافقا لهم محمول على التقية. (آت) (4) هما رجلان معلومان عند الراوي.

[ 247 ]

سعيد، عن خلف بن عيسى، عن أبي عبيد المدائني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لله تعالى ذكره عبادا ميامين مياسير، يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم (1) وهم في عباده بمنزلة القطر ولله عز وجل عباد ملاعين مناكير، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه (2). 346 – الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى [ جميعا ] عن محمد بن سالم بن أبي سلمة، عن الحسن (3) بن شاذان الواسطي قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أشكوا جفاء أهل واسط وحملهم علي وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني. فوقع بخطه: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك، فلو قد قام سيد الخلق (4) لقالوا: ” يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون (5) “. 347 – محمد بن سالم بن أبي سلمة، عن أحمد بن الريان، عن أبيه عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الاعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم ولنعموا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله. إن معرفة الله عز وجل أنس من كل وحشة وصاحب من كل وحدة ونور من كل ظلمة وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم. (هامش) * (1) الكنف: الجانب، الظل، جناح الطائر والجمع أكناف وكنف الانسان: حضنه أو العضدان والصدر ويقال: انت في كنف الله اي في حرزه ورحمته. قال المجلسي – رحمه الله -: الحاصل ان الناس مختلفون في اليمن واليسر والبركة ونفع الخلق وأضدادها فمنهم نفاعون كقطر المطر يوسع الله عليهم ويوسعون على الناس ويعيش الناس في ظل حمايتهم وحفظهم ونفعهم ومنهم من هو بضد ذلك ” ملاعين ” أي مبعدون من رحمة الله، ” مناكير ” جمع منكر أي لا يتأتى منهم المعروف. (2) قال الجوهري: أتى عليه أي أهلكه. (3) في بعض النسخ [ الحسين ]. (4) أي المهدى (عليه السلام). (5) يس: 51.


[ 248 ]

ثم قال (عليه السلام): وقد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الارض برحبها فما يردهم عما هم عليه (1) شئ مما هم فيه من غير ترة وتروا (2) من فعل ذلك بهم ولا أذى بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا ربكم درجاتهم واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم. 348 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما خلق الله عز وجل خلقا أصغر من البعوض (3) والجرجس أصغر من البعوض والذي نسميه نحن الولع أصغر من الجرجس (4) وما في الفيل شئ إلا وفيه مثله وفضل على الفيل بالجناحين. 349 – محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن زيد بن الوليد الخثعمي، عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم (5) “، قال: نزلت في ولاية علي (عليه السلام). قال: وسألته عن قول الله عز وجل: ” وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في


(1) ” مناشير ” جمع منشار: آلة ذات اسنان ينشر به الخشب. وقوله: ” عما هم عليه ” أي من دينهم الحق. (2) أي مكروه أو جناية أصابوا منهم قال الفيروز آبادي: وتر الرجل أفزعه وأدركه بمكروه ووتره ماله نقصه إياه وقال الجزري: الترة: النقص وقيل التبعة والهاء فيه عوض الواو المحذوفة. (آت). (3) لعل مراده (عليه السلام) أي من سائر انواعه ليستقيم. (آت) والجرجس – بالكسر -: البعوض الصغار. (4) يحتمل أن يكون الحصر في الاول اضافيا كما أن الظاهر أنه لا بد من تخصيصه بالطيور إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض الا أن يقال: يمكن أن يكون للبعوض انواع صغار ولا يكون شئ من الحيوان اصغر منها. والولع غير مذكور في كتب اللغة والظاهر انه أيضا من البعوض أي من سائر انواعه. (آت) (5) الانفال: 24.

[ 249 ]

ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (1) ” قال: فقال الورقة السقط و الحبة الولد وظلمات الارض الارحام والرطب ما يحيا من الناس واليابس ما يقبض و كل ذلك في إمام مبين (2). قال: وسألته عن قول الله عز وجل: ” قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم (3) ” فقال: عنى بذلك أي انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه. قال: فقلت: فقوله عز وجل: ” وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون (4) “؟ قال: تمرون عليهم في القرآن، إذا قرأتم القرآن، تقرأ ما قص الله عز وجل عليكم من خبرهم. 350 – عنه، عن ابن مسكان، عن رجل من أهل الجبل لم يسمه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): عليك بالتلاد (5) وإياك وكل محدث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمة ولا ميثاق وكن على حذر من أوثق الناس في نفسك فإن الناس أعداء النعم (6).


(1) الانعام: 59. (2) يعني في اللوح المحفوظ وهذا كقوله سبحانه: ” وكل شئ احصيناه في امام مبين ” وهو تفسير للكتاب المبين ولعله انما سمى بالامام لتقدمه على سائر الكتب وانما فسر السير في الارض بالنظر في القرآن لمشاركتها في كونهما طريقا إلى معرفة احوالهم. ” وانكم لتمرون عليهم مصبحين ” أي حين دخولكم في الصباح، نزلت في قوم لوط يعني إنكم يا أهل مكة لتمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام فان سدوم التي هي بلدتهم في طريقة. (في) (3) الروم: 42. وفيها ” كيف كان عاقبة الذين من قبل كان اكثرهم مشركين “. (4) الصافات: 137، 138. (5) بكسر التاء وقال الجوهري: التالد: المال القديم الاصلي الذي ولد عندك وهو نقيض الطارف وكذلك التلاد والاتلاد وأصل التاء فيه واو. أقول: الاظهر أن المراد عليك بمصاحبة الصاحب القديم الذي جربته وبينك وبينه ذمم وعهود واحذر عن مصاحبة كل صاحب محدث جديد لا عهد له معك ولم تعرف له أمانة ولم يحصل بينك وبينه ذمة وعهد وميثاق. (آت). (6) أي يريدون زوالها عن صاحبها حسدا أو يفعلون ما يوجب زوال النعمة وإن كان بجهالتهم. (آت)

[ 250 ]

351 – يحيى الحلبي، عن أبي المستهل (1)، عن سليمان بن خالد قال: سألني أبو عبد الله (عليه السلام) (2) فقال: ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه زيدا؟ قال: قلت:


(1) الظاهر أنه هو الكميت (آت). (2) انما سأله (عليه السلام) ذلك لانه كان خرج مع زيد ولم يخرج من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) معه غيره ولنذكر بعض أخبار زيد ليتضح مفاد هذا الخبر. روى السدى عن أشياخه أن زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن ابي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن العباس دخلوا على خالد بن عبد الله القسرى وهو وال على العراق فاكرمهم وأجازهم ورجعوا إلى المدينة فلما ولى يوسف عمر العراق وعزل خالد كتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بقدومهم على خالد وانه أحسن جوارهم وابتاع من زيد بن علي ارضا بعشرة الاف دينار ثم رد الارض إليه فكتب هشام إلى واليه بالمدينة ان يسرحهم إليه ففعل فلما دخلوا عليه سألهم عن القصة فقالوا: اما الجوائز فنعم واما الارض فلا فاحلفهم فحلفوا له فصدقهم وردهم مكرمين وقال وهب بن منبه: جرت بين زيد بن علي وبين عبد الله ابن الحسن بن الحسن خشونة تسابا فيها وذكرا امهات الاولاد فقدم زيد على هشام بهذا السبب فقال له هشام: بلغني انك تذكر الخلافة ولست هناك فقال: ولم؟ فقال: لانك ابن امة، فقال: قد كان اسماعيل (عليه السلام) ابن امة فضربه هشام ثمانين سوطا. وذكر ابن سعد عن الواقدي أن زيد بن قدم على هشام، رفع إليه دينا كثيرا وحوائج فلم يقض منها شيئا فاسمعه هشام كلاما غليظا فخرج من عند هشام وقال: ما أحب أحد الحياة إلا ذل ثم مضى إلى الكوفة وبها يوسف بن عمر عامل هشام. قال الواقدي: وكان دينه خمسمائة الاف درهم، فلما قتل قال هشام: ليتنا قضيناها وكان اهون مما صار إليه. قال الواقدي: وبلغ هشام بن عبد الملك مقام زيد بالكوفة فكتب إلى يوسف بن عمر أن أشخص زيدا إلى المدينة فاني أخاف ان يخرجه أهل الكوفة لانه حلو الكلام لسن مع ما فيه من قرابة رسول الله، فبعث يوسف بن عمر إلى زيد يأمره بالخروج إلى المدينة وهو يتعلل عليه والشيعة تتردد إليه فأقام زيد بالكوفة خمسة اشهر ويوسف بن عمر مقيم بالحيرة فبعث إليه يقول: لا بد من اشخاصك، فخرج زيد المدينة وتبعة الشيعة يقولون: اين تذهب ومعك منا مائة الف يضربون دونك بسيوفهم ولم يزالوا به حتى رجع إلى الكوفة فبايعه جماعة منهم سلمة بن كهيل ومنصور بن حزيمة في آخرين فقال له داود بن علي: يا ابن ام لا يغرنك هؤلاء من نفسك ففي أهل بيتك لك أتم العبرة وفي خذلانهم إياهم كفاية ولم يزل به حتى شخص إلى القادسية فتبعه جماعة يقولون له: ارجع فانت المهدي وداود يقول: لا تفعل فهؤلاء قتلوا أخاك واخوتك وفعلوا ما فعلوا فبايعه منهم خمسة عشر الفا على نصر كتاب الله وسنة رسوله وجهاد الظالمين ونصر المظلومين واعطاء المحرومين ونصرة ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 251 ]

خصال ثلاث أما إحداهن فقلة من تخلف معنا (1) إنما كنا ثمانية نفر وأما الاخرى فالذي تخوفنا من الصبح أن يفضحنا وأما الثالثة فإنه كان مضجعه الذي كان سبق إليه (2) فقال: كم إلى الفرات من الموضع الذي وضعتموه فيه؟ قلت: قذفة حجر، فقال: سبحان الله أفلا كنتم أوقرتموه حديدا وقذفتموه في الفرات وكان أفضل، فقلت: جعلت فداك لا والله ما طقنا لهذا (3) فقال: أي شئ كنتم يوم خرجتم مع زيد؟ قلت: مؤمنين قال: فما كان عدوكم؟ قلت: كفارا، قال: فإني أجد في كتاب الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا ” إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها (4) ” فابتدأتم أنتم بتخلية من


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” أهل البيت على عدوهم فاقام مختفيا على هذا سبعة عشر شهرا والناس يتناوبونه من الامصار والقرى ثم اذن للناس بالخروج فتقاعد عنه جماعة ممن بايعه وقالوا: ان الامام جعفر بن محمد بن علي فواعد من وافقه على الخروج في أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة فخرج فوفى إليه مائتا رجل وعشرين رجلا فقال: سبحان الله أين القوم؟ فقالوا: في المسجد محسورون وجاء يوسف بن عمر في جموع أهل الشام فاقتتلوا فهزمهم زيد ومن معه فجاء سهم في جبهته فوقع فادخلوه بيتا ونزعوا السهم من وجهه فمات وجاؤوا به إلى نهر فاسكروا الماء وحفروا له ودفنوه واجروا عليه الماء وتفرق الناس وتوارى ولده يحيى بن زيد فلما سكن الطلب خرج في نفر من الزيدية إلى الخراسان وجاء واحد ممن حضر دفن زيد إلى يوسف بن عمر فدله على قبره فنبشه وقطع رأسه وبعث إلى هشام فنصبه على باب دمشق ثم أعاده إلى المدينة فنصبه بها ونصب يوسف بدنه بالكوفة حتى مات هشام بن عبد الملك وقام الوليد فامر به فاحرق. وقيل: إن هشاما أحرقه فلما ظهر بنو العباس على بني امية نبش عبد الصمد ابن علي وقيل: عبد الله على هشام بن عبد الملك فوجده صحيحا فضربه ثمانين سوطا وأحرقه بالنار كما فعل بزيد وكان سنة يوم قتل اثنين وعشرين ومائة. وقال الواقدي: سنة ثلاث وعشرين ومائة يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر. وقيل: سنة عشرين وقيل: سنة إحدى وعشرين. (آت). (1) أي من أتباع زيد فان بعضهم قتل وبعضهم هرب. (آت) (2) أي كان نزل فيه أولا أو كان سبق في علم الله. (آت) (3) كذا في أكثر النسخ والظاهر أطقنا. (آت) (4) محمد: 4. ” يا أيها الذين آمنوا ” ليست من القرآن.

[ 252 ]

أسرتم (1) سبحان الله ما استطعتم أن تسيروا بالعدل ساعة. 352 – يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أعفى نبيكم (2) أن يلقى من امته ما لقيت الانبياء من أممها وجعل ذلك علينا 353 – يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن ضريس قال: تمارى الناس عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال بعضهم: حرب علي شر (3) من حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال بعضهم: حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شر من حرب علي (عليه السلام) قال: فسمعهم أبو جعفر (عليه السلام) فقال: ما تقولون؟ فقالوا: أصلحك الله تمارينا في حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي حرب علي (عليه السلام) فقال بعضنا: حرب علي (عليه السلام) شر من حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال بعضنا: حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شر من حرب علي (عليه السلام)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا بل حرب علي (عليه السلام) شر من حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت له: جعلت فداك أحرب علي (عليه السلام) شر من حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم وساخبرك عن ذلك، إن حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقروا بالاسلام وإن حرب علي (عليه السلام) أقروا بالاسلام ثم جحدوه. 354 – يحيى بن عمران، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قي قول الله عز وجل: ” وآتيناه أهله ومثلهم معهم (4) ” قلت: ولده كيف اوتي مثلهم معهم؟ قال: أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ. 355 – يحيى، عن الحلبي، عن المثني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول


(1) أي كان الحكم أن تقتلوا من أسرتم في أثناء الحرب فخليتموهم ولم تقتلوهم فإذا ظفروا عليكم فما استطعتم أن تسيروا بالعدل أي بالحق ساعة ويحتمل أن يكون غرضه بيان انهم لم يكونوا مستأهلين لجهلهم كما ورد في اخبار آخر. (آت) (2) أي وهب الله له العافية (آت) (3) أي محاربوه (عليه السلام). (4) الانبياء: 84. والضمير راجع إلى أيوب (عليه السلام).

[ 253 ]

الله عز وجل: ” كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما (1) ” قال: أما ترى البيت إذا كان الليل كان أشد سوادا من خارج فلذلك هم يزدادون سوادا. 356 – الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فلم يزل يسائله حتى قال: فهلك الناس إذا، قال: إي والله يا ابن أعين فهلك الناس أجمعون قلت: من في المشرق ومن في المغرب؟ قال: إنها فتحت بضلال إي والله لهلكوا إلا ثلاثة. 357 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إسحاق بن يزيد، عن مهران، عن أبان بن تغلب، وعدة قالوا: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوسا فقال (عليه السلام): لا يستحق عبد حقيقة الايمان حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة ويكون المرض أحب إليه من الصحة ويكون الفقر أحب إليه من الغنى فأنتم كذا فقالوا: لا والله جعلنا الله فداك وسقط في أيديهم (2) ووقع اليأس في قلوبهم فلما رأى ما داخلهم من ذلك قال: أيسر أحدكم أنه عمر ما عمر ثم يموت على غير هذا الامر أو يموت على ما هو عليه؟ قالوا: بل يموت على ما هو عليه الساعة قال: فأرى الموت أحب إليكم من الحياة. ثم قال: أيسر أحدكم أن بقي ما بقي لا يصيبه شئ من هذه الامراض والاوجاع حتى يموت على غير هذا الامر؟ قالوا: لا يا ابن رسول الله. قال: فأرى المرض أحب إليكم من الصحة. ثم قال: أيسر أحدكم أن له ما طلعت عليه الشمس وهو على غير هذا الامر؟ قالوا لا يا ابن رسول الله، قال: فأرى الفقر أحب إليكم من الغنى. 358 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن حماد اللحام،


(1) يونس: 28. ” قطعا ” جمع قطعة. (2) قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ” ولما سقط في ايديهم ” أي لما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادتهم العجل لان من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فيصير يده مسقوطا فيها لان فاه قد وقع فيها وسقط مسند إلى في ايديهم وهو من باب الكناية. (آت)

[ 254 ]

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أباه قال: يا بني إنك إن خالفتني في العمل لم تنزل معي غدا في المنزل ثم قال: أبى الله عز وجل أن يتولى قوم قوما يخالفونهم في أعمالهم ينزلون معهم يوم القيامة كلا ورب الكعبة. 359 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما أحد من هذه الامة يدين بدين إبراهيم (عليه السلام) إلا نحن وشيعتنا ولا هدي من هدي هذه الامة، إلا بنا ولا ضل من ضل من هذه الامة إلا بنا. 360 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عنده وسأله رجل عن رجل يجئ منه الشئ على حد الغضب يؤاخذه الله به؟ فقال: الله أكرم من أن يستغلق عبده (1). وفي نسخة أبي الحسن الاول (عليه السلام): يستقلق عبده (2) 361 – علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، وغير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لكم في حياتي خيرا وفي مماتي خيرا، قال: فقيل: يارسول الله أما حياتك فقد علمنا فما لنا في وفاتك؟ فقال: أما في حياتي فإن الله عز وجل قال: ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم (3) ” وأما في مماتي فتعرض علي أعمالكم فأستغفر لكم. 362 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن ممن ينتحل هذا الامر (4) ليكذب حتى أن الشيطان ليحتاج إلى كذبه (5).


(1) أي يكلفه ويجبره فيما لم يكن له فيه اختيار: قال الفيروز آبادى اسنغلقنى في بيعته: لم يجعل لى خيارا في رده. (آت). وفي تعض النسخ [ ان يستغلق عليه ]. (2) لعله كان الحديث في بعض كتب الاصول مرويا عن ابى الحسن (عليه السلام) وفيه كان يستقلق – بالقافين – من القلق بمعنى الانزعاج والاضطراب ويرجع إلى الاول بتكلف. (آت) (3) الانفال: 33. (4) أي يدعيه من يتصف به واقعا أو من يدعى الامامة بغير حق. (آت) (5) أي هم أعوان الشيطان بل هم أشد اضلالا منه. (آت)

[ 255 ]

363 – علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة قال: إن أول ما عرفت علي بن الحسين (عليه السلام) أني رأيت رجلا دخل من باب الفيل فصلى أربع ركعات (1) فتبعته حتى أتى بئر الزكاة وهي عند دار صالح ابن علي وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غلام أسود، فقلت له: من هذا؟ فقال: هذا علي بن الحسين (عليهما السلام) فدنوت إليه فسلمت عليه وقلت له: ما أقدمك بلادا قتل فيها أبوك وجدك؟ فقال: زرت أبي وصليت في هذا المسجد ثم قال: ها هو ذا وجهي صلى الله عليه (2). 364 – عنه، عن صالح، عن الحجال، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل (3) ” قال: نزلت في الحسين (عليه السلام)، لو قتل أهل الارض به ما كان سرفا. 365 – عنه، عن صالح (4)، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحوت الذي يحمل الارض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الارض بقوته فأرسل الله تعالى إليه حوبا أصغر من شبر وأكبر من فتر (5) فدخلت في خياشيمه فصعق، فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن الله عز وجل رؤف به ورحمه وخرج فإذا أراد الله عز وجل بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الارض. 366 – عنه، عن صالح، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي،


(1) كان هذا الباب مشتهرا بباب الثعبان لدخول ثعبان الذي كلم امير المؤمنين (عليه السلام) منه وحكايته مشهورة بين الخاصة والعامة مسطورة في كتب الفريقين ثم ان بني امية لعنهم الله لاخفاء معجزته (عليه السلام) ربطوا هناك فيلا فاشتهر بذلك. (آت). وفي بعض النسخ [ بئر الركوة ]. (2) الوجه مستقبل كل شئ أن أتوجه الساعة إلى المدينة ولا اقف هناك فلا تخف على. (آت) اقول: لعل المعنى أن هذا سبب قدومي. (3) الاسراء: 33. (4) قال النجاشي: انه كان ملتبسا يعرف وينكر وقال ابن الغضائري: ضعيف. (5) الفتر – بالكسر -: ما بين طرف الابهام وطرف السبابة إذا فتحها.

[ 256 ]

عن تميم بن حاتم قال: كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فاضطربت الارض فوحاها بيده (1) ثم قال لها: اسكني ما لك ثم التفت إلينا وقال: أما إنها لو كانت التي قال الله عز وجل لاجابتني (2) ولكن ليست بتلك. 367 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي اليسع، عن أبي شبل قال صفوان: ولا أعلم إلا أني قد سمعت من أبي شبل (3) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من أحبكم على ما أنتم عليه دخل الجنة وإن لم يقل كما تقولون. 368 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان أبي جعفر الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما انقضت القصة فيما بينه وبين طلحة والزبير وعائشة بالبصرة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا أيها الناس إن الدنيا حلوة خضرة (4) تفتن الناس بالشهوات وتزين لهم بعاجلها وأيم الله إنها لتغر من أملها وتخلف من رجاها وستورث أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ظلما و عدوانا وبغيا وأشرا وبطرا (5) وبالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم وتحويل عن طاعة الله والحادث من ذنوبهم وقلة محافظة وترك مراقبة الله عز وجل وتهاون بشكر نعمة الله لان الله عز وجل يقول في محكم كتابه: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال (6) ” ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله وحلول نقمه وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم، فاقلعوا و


(1) أي لو كانت زلزلة القيامة التي ذكرها الله في سورة الزلزال لاجابتني عندما سالت عنها ما لك لقوله تعالى: ” يومئذ تحدث أخبارها ” و (آت) (2) الوحي: الاشارة. (3) الظاهر أن أبا شبل هو عبد الله بن سعيد الثقة. (آت) (4) أي غضة ناعمة طرية. (5) الاشر: شدة الفرح والنشاط. والبطر: قلة احتمال النعمة والسعة. (6) الرعد: 11.

[ 257 ]

تابوا وفزعوا إلى الله جل ذكره بصدق من نياتهم وإقرار منهم بذنوبهم وإساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب وإذا لاقالهم كل عثرة ولرد عليهم كل كرامة نعمة، ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم ومما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم وأفسد عليهم. فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته، واستشعروا خوف الله جل ذكره، وأخلصوا اليقين (1)، وتوبوا إليه من قبيح ما استفزكم (2) الشيطان من قتال ولي الامر وأهل العلم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة وتشتت الامر وفساد صلاح ذات البين، إن الله عز وجل ” يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون “. 369 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان قال: حدثني أبو عبد الله المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار وهو نجم الانبياء والاوصياء وهو نجم أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل الجشب (3) وما خلق الله نجما أقرب إلى الله تعالى منه. 370 – الحسين بن أحمد بن هلال، (4) عن ياسر الخادم قال: قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): رأيت في النوم كان قفصا فيه سبعة عشر قارورة إذ وقع القفص فتكسرت القوارير، فقال: إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت. فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات (5). 371 – عنه، عن أحمد بن هلال، عن محمد بن سنان قال: قلت: لابي الحسن الرضا (عليه السلام) في أيام هارون: إنك قد شهرت نفسك بهذا الامر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر الدم، فقال جراني على هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أخذ أبو جهل من


(1) في بعض النسخ [ اخلصوا النفس ]. (2) أي استخفكم ووجدكم مسرعين إلى ما دعاكم إليه. (آت) (3) الجشب من الطعام ما غلظ ولا أدم معه. (4) الظاهر الصواب: الحسين عن احمد بن هلال كما في بعض النسخ وكما يدل عليه سند الخبر الذي بعده. والحسين هو ابن محمد الاشعري ويحتمل ابن احمد ايضا كما في المرآة. (5) أبو السرايا اسمه سرى بن منصور وكان من امراء المأمون ثم بايع محمد بن ابراهيم طباطبا ثم محمد بن محمد بن زيد ثم اسر وقتل. راجع مقاتل الطالبين 518 إلى 550. ط 1368 قاهرة.

[ 258 ]

رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بنبي وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام. 372 – عنه، عن أحمد، عن زرعة، عن سماعة قال: تعرض رجل (1) من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له: (2) إن هذا العمري قد آذاني فقال: لها عديه وأدخليه الدهليز فأدخلته فشد عليه (3) فقتله وألقاه في الطريق فاجتمع البكريون والعمريون والعثمانيون وقالوا: ما لصاحبنا كفو لن نقتل به إلا جعفر بن محمد وما قتل صاحبنا غيره وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم (4) عليه، فقال: دعهم، قال: فلما جاء ورأوه وثبوا عليه وقالوا: ما قتل صاحبنا أحد غيرك وما نقتل به أحدا غيرك، فقال: ليكلمني منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ، بأيديهم فأدخلهم المسجد فخرجوا وهم يقولون: شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا ولا يأمر به انصرفوا، قال: فمضيت معه فقلت: جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم، قال: نعم دعوتهم فقلت: امسكوا وإلا أخرجت الصحيفة، فقلت: وما هذه الصحيفة جعلني الله فداك؟ فقال: إن أم الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب فسطر بها نفيل (5) فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف فقالوا: يا أبا عبد الله ما تعمل ههنا؟ قال: جاريتي سطر بها نفيلكم فهرب منه إلى الشام وخرج الزبير في تجارة له إلى الشام فدخل على ملك الدومة (6) فقال له: يا أبا عبد الله لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك أيها الملك؟ فقال: رجل من أهلك قد أخذت ولده فاحب أن ترده عليه، قال: ليظهر لي حتى


(1) أي أراد الفجور معها ومراودتها. (آت) (2) الخبر موضوع جدا والواضع احمد بن هلال الملعون على لسان العسكري (عليه السلام). (3) أي حمل عليه وقد كان كمن له في الدهليز (آت) (4) أي قال سماعة: ذهبت إليه (عليه السلام) وأخبرته بالواقعة. (5) بالسين المهملة أي زخرف لها الكلام وخدعها. وفي بعض النسخ بالشين المعجمة [ شطر بها ] أي قصدها. (6) أي دومة الجندل وهي بالضم: حصن بين المدينة وبين الشام ومنهم من يفتح الدال. (آت)

[ 259 ]

أعرفه فلما أن كان من الغد دخل على الملك فلما رآه الملك ضحك: فقال: ما يضحكك أيها الملك؟ قال: ما أظن هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط، فقال: أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك فلما قدم الزبير، تحمل عليه ببطون قريش كلها (1) أن يدفع إليه ابنه فأبي، ثم تحمل عليه بعبد المطلب فقال: ما بيني وبينه عمل، أما علمتم ما فعل في ابني فلان ولكن امضوا أنتم إليه فقصدوه وكلموه فقال لهم الزبير: إن الشيطان له دولة وإن ابن هذا ابن الشيطان ولست آمن أن يترأس علينا ولكن ادخلوه من باب المسجد علي على أن أحمي له حديدة و أخط في وجهه خطوطا وأكتب عليه وعلى ابنه ألا يتصدر (2) في مجلس ولا يتأمر على أولادنا ولا يضرب معنا بسهم (3)، قال: ففعلوا وخط وجهه بالحديدة وكتب عليه الكتاب وذلك الكتاب عندنا فقلت لهم: إن أمسكتم وإلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فامسكوا. وتوفي مولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله (عليه السلام) وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي: الولاء لنا وقال أبو عبد الله (عليه السلام): بل الولاء لي فقال داود بن علي (4): إن أباك قاتل معاوية فقال: إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الاوفر (5)، ثم فر بخيانته وقال:


(1) أي كلفهم الشفاعة عند الزبير ليدفع إليه الخطاب ثم انه لما يئس من تأثير شفاعة قريش عنده ذهب إلى عبد المطلب ليتحمل على زبير بعبد المطلب مضافا إلى بطون قريش فقال عبد المطلب لنفيل: ما بيني وبينه عمل الا معاملة والفة وقوله: ” اما علمتم ” انه يعني زبيرا ما فعل بي في ابني فلان واشار بذلك إلى ما سيأتي من قصة العباس في آخر الخبر وقال: ولكن امضوا انتم يعني نفيلا مع بطون قريش إلى الزبير. (آت) (2) أي لا يجلس في صدر المجلس. (آت) (3) اي لا يشرك معنا في قسمة شئ لا ميراث ولا غيره. (آت) (4) داود بن علي من بني العباس عم السفاح والمنصور صار اميرا على الحجاز في صدر دولتهم سنة 132 وحج هشام بن عبد الملك الاموي سنة 106 وهذا من علامة كذب الخبر. (5) أي حظ جدك عبد الله بن العباس فيه الاوفر أي أخذ حظا وافرا من غنائم تلك الغزوة وكان من شركائنا واعوانه (عليه السلام) عليها. وقوله: ” ثم فر بخيانته ” اشارة إلى خيانة عبد الله في بيت مال البصرة كما رواه الكشي [ 40 ] باسناده عن الزهري قال: سمعت الحرث يقول: استعمل على (عليه السلام) على البصرة عبد الله بن عباس فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا (عليه السلام) وكان مبلغه الفي الف درهم فصعد علي (عليه السلام) المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال: هذا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه اللهم اني قد مللتهم فارحنى منهم واقبضني اليك غير عاجز ولا ملول. وفيه ما فيه

[ 260 ]

والله لاطوقنك غدا طوق الحمامة (1)، فقال له داود بن علي: كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الازرق، فقال: أما إنه واد ليس لك ولا لابيك فيه حق (2) قال: فقال هشام: إذا كان غدا جلست لكم فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد الله (عليه السلام) ومعه كتاب في كرباسة وجلس لهم هشام فوضع أبو عبد الله (عليه السلام) الكتاب بين يديه فلما أن قرأه قال: اعدوا لي جندل الخزاعي وعكاشة الضمري وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرما بالكتاب إليهما فقال: تعرفان هذه الخطوط؟ قالا: نعم هذا خط العاص بن امية وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش وهذا خط حرب بن امية، فقال هشام: يا أبا عبد الله أرى الخطوط أجدادي عندكم؟ فقال: نعم، قال: فقد قضيت بالولاء لك، قال: فخرج وهو يقول: إن عادت العقرب عدنا لها * وكانت النعل لها حاضرة قال: فقلت: ما هذا الكتاب جعلت فداك؟ قال: فإن نثيلة كانت أمة لام الزبير ولابي طالب وعبد الله فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا (3) فقال له الزبير: هذه الجارية ورثناها من امنا وابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه (4) ببطون قريش، قال: فقال: قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ولا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا وأشهد عليه فهو هذا الكتاب. 373 – الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن معاوية بن حكيم، عن بعض رجاله، عن عنبسة بن بجاد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” فأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين (5) ” فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): هم شيعتك فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم.


(1) أي طوقا لازما لا يفارقك عاره وشناره كما لا يفارق عنق الحمامة طوقها. (آت) (2) أي وإلا ادعيت بعرة ذلك الوادي واخذتها ولم تتركها ويحتمل ان يكون اسما لواد كان بينه (عليه السلام) وبينه فيه ايضا منازعة فأجاب (عليه السلام) عن سفهه بكلام حق مفيد في الحجاج (آت) (3) ” فأولدها فلانا ” يعني العباس. وهذا ايضا من علائم كذب الخبر حيث نسب الزنا إلى عبد المطلب. (4) أي عبد المطلب على الزبير. (آت) (5) الواقعة: 90، 91.

[ 261 ]

374 – حدثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن صفوان، عن محمد بن زياد بن عيسى، عن الحسين بن مصعب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كنت أبايع (1) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على العسر واليسر والبسط و والكره إلى إن كثر الاسلام وكثف (2) قال: وأخذ عليهم علي (عليه السلام) (3) أن يمنعوا محمدا وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم فأخذتها عليهم، نجا من نجا وهلك من هلك. 375 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من وراء اليمن واد يقال له: وادي برهوت ولا يجاوز ذلك الوادي إلا الحيات السود والبوم من الطيور، في ذلك الوادي بئر يقال لها: بلهوت يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين (4)، يسقون من ماء الصديد (5)، خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم: الذريح (6) لما أن بعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه فنادى فيهم يا آل الذريح – بصوت فصيح – أتى رجل بتهامة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله قالوا: لامر ما أنطق الله هذا العجل؟ قال: فنادى فيهم ثانية فعزموا على أن يبنوا سفينة فبنوها نزل فيها سبعة منهم وحملوا من الزاد ما قذف الله في قلوبهم ثم رفعوا شراعها وسيبوها (7) في البحر فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله): أنتم أهل الذريح نادى فيكم العجل؟ قالوا: نعم، قالوا: أعرض علينا يا رسول الله الدين والكتاب، فعرض عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدين والكتاب


(1) في بعض النسخ [ كنت أنا مع رسول الله ]. (2) الكثف: الجماعة والكثرة. (3) أي اخذ على الشيعة عند بيعتهم له فقوله: ” فأخذتها ” كلام الصادق (عليه السلام) اي وأنا ايضا اخذت على شيعتي هذا العهد. ولعله كان في الاصل: قال، خذ عليهم ان يمنعوا فصحف إلى ما ترى فقوله: ” فأخذتها ” من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) (آت) (4) أي إذا ماتوا يؤتى بارواحهم إلى ذلك البئر كل صباح ومساء وان ماتوا صباحا يؤتى بهم صباحا وان ماتوا مساءا يؤتى بهم مساءا ثم يكونون دائما في ذلك الوادي. (آت). (5) الصديد: ماء الجرح الرقيق. (6) ذريح: أبو حي. (القاموس) (7) أي أجروها، يقال: ساب الماء وانساب إذا جرى. وشراع السفينة: ما يرفع فوقها من ثوب لتدخل فيه الريح فتجريها.

[ 262 ]

والسنن والفرائض والشرائع كما جاء من عند الله عز وجل وولى عليهم رجلا من بني هاشم سيره معهم فما بينهم اختلاف حتى الساعة (1). 376 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حديد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) أصبح فقعد فحدثهم بذلك فقالوا له: صف لنا بيت المقدس؟ قال: فوصف لهم وإنما دخله ليلا فاشتبه على النعت فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: انظر ههنا فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ثم نعت لهم ما كان من عير لهم (2) فيما بينهم وبين الشام ثم قال: هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل أورق (3) أو أحمر، قال: وبعثت قريش رجلا على فرس ليردها، قال: وبلغ مع طلوع الشمس، قال قرطة بن عبد عمرو: يا لهفا ألا أكون لك جذعا حين تزعم أنك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك (4). 377 – حميد بن زياد، عن محمد بن أيوب، عن علي بن أسباط، عن الحكم بن مسكين، عن يوسف بن صهيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقبل يقول لابي بكر في الغار: اسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاله قال له: تريد أن اريك أصحابي من الانصار في مجالسهم يتحدثون فاريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال:


(1) لعل المراد من الخبر انه إذا كان الحكم في يد بني هاشم لما اختلف اثنان، وهذا الاختلاف الموجود بين الامة نشأ من جهل الحكام وعدم قابليتهم. (2) العير – بالكسر -: الابل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة. (3) الاورق: الاسمر يقال: جمل أورق وناقة ورقاء. وهو الذي في لونه بياض إلى السواد. والترديد من الراوي. (4) قال الجزري في حديث المبعث: ان ورقة بن نوقل قال: يا ليتني فيها جذعا. الضمير في قوله: ” فيها ” للنبوة أي ليتني كنت شابا عند ظهورها حتى ابالغ في نصرتها وحمايتها انتهى أقول: يحتمل أن يكون كلامه جاريا على سبيل الاستهزاء، ويكون مراده ليتني كنت شابا قويا على نصرتك حين ظهر انك اتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك ويحتمل أن يكون مراده: يا لهفا على ان كبرت وضعفت ولا اقدر على اضرارك حين سمعتك تقول هذا. (آت)

[ 263 ]

نعم، فمسح رسول الله (صلى الله عليه وآله): بيده على وجهه فنظر إلى الانصار يتحدثون ونظر إلى جعفر (عليه السلام) وأصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنه ساحر. 378 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما خرج من الغار متوجها إلى المدينة وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الابل، فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب فلحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم اكفني شر سراقة بما شئت فساخت (1) قوائم فرسه فثنى رجله ثم اشتد فقال: يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك فادع الله أن يطلق لي فرسي فلعمري إن لم يصبكم (2) مني خير لم يصبكم مني شر، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطلق الله عز وجل فرسه فعاد في طلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى فعل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يدعو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتأخذ الارض قوائم فرسه فلما أطلقه في الثالثة قال: يا محمد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه وهذا سهم من كنانتي علامة وأنا أرجع فأرد عنك الطلب، فقال: لا حاجة لنا فيما عندك. 379 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا ترون الذي تنتظرون حتى تكونوا كالمعزي (3) المواة التي لا يبالي الخابس أين يضع يده فيها (4)، ليس لكم شرف ترقونه ولا سناد تسندون إليه أمركم (5). 380 – وعنه، عن علي بن الحكم، عن ابن سنان، عن أبي الجارود مثله،


(1) في النهاية في حديث سراقة: ” فساخت يد فرسي ” أي غاصت في الارض. (2) في بعض النسخ [ يصيبك ]. (3) المعز خلاف الضأن. (4) في القاموس خبس الشئ بكفه أخذه، وفلانا حقه: ظلمه وغشمه والتبس الاسد كالخابس انتهى. أي حتى تكونوا في الذلة والصغار واستيلاء الظلمة عليكم كالمعز الميت التي لا يبالي الاسد من افتراس أي عضو من اعضائه أراد. وفي بعض النسخ [ الجاس ] من جسه بيده أي مسه وفي بعض النسخ [ أن يضع ]. (5) ترقونه أي تعلونه. والشرف: العلو والمكان العالي. والسناد ما يعتمد عليه.

[ 264 ]

قال: قلت لعلي بن الحكم: ما المواة من المعز؟ قال التي قد استوت لا يفضل بعضها على بعض. 381 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لانفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلا هو اعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيئ، بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها والله لو كانت لاحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الاخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت، فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لانفسكم، إن أتاكم آت منا (1) فانظروا على أي شئ تخرجون ولا تقولوا خرج زيد فإن زيدا كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) فنحن نشهدكم إنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والالوية أجدر أن لا يسمع منا إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير (2) وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم وكفاكم بالسفياني علامة. 382 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي رفعه، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: والله لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم (عليه السلام) إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به. 383 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن بكر بن محمد، عن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير ألزم بيتك وكن حلسا من


(1) أي خرج أحد من الهاشمين أو العلويين. (آت). (2) ظاهره أن خروج القائم (عليه السلام) في رجب ويحتمل أن يكون المراد أنه مبدأ ظهور علامات خروجه فاقبلوا إلى مكة في ذلك الشهر لتكونوا شاهدين هناك عند خروجه. (آت)

[ 265 ]

أحلاسه (1) واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك. 384 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن كامل ابن محمد، عن محمد بن إبراهيم الجعفي قال: حدثني أبي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: مالي أراك ساهم الوجه؟ فقلت: إن بي حمى الربع، فقال: ما [ ذا ] يمنعك من المبارك الطيب اسحق السكر ثم امخضه بالماء واشربه على الريق وعند المساء قال: ففعلت فما عادت إلي. 385 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن بعض أصحابنا قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) الوجع، فقال: إذا أويت إلى فراشك فكل سكرتين قال: ففعلت فبرأت وأخبرت به بعض المتطببين وكان أفره أهل (4) بلادنا فقال: من أين عرف أبو عبد الله (عليه السلام) هذا، هذا من مخزون علمنا، أما إنه صاحب كتب ينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه. 386 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن يحيى الخزاعي، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لرجل: بأي شئ تعالجون محمومكم إذا حم؟ قال: أصلحك الله بهذه الادوية المرة بسفايج والغافث (5) وما أشبهه، فقال: سبحان الله الذي يقدر أن يبرئ بالمر يقدر أن يبرئ بالحلو، ثم قال: إذا حم أحدكم فليأخذ إناء نظيف فيجعل فيه سكرة ونصفا، ثم يقرأ عليه ما حضر من القرآن ثم يضعها تحت النجوم ويجعل عليها حديدة فإذا كان في الغداة صب عليها الماء ومرسه (6) بيده ثم شربه فإذا كانت الليلة الثانية زاده سكرة اخرى فصارت سكرتين


(1) اي لا تبرح قال الجوهري: احلاس البيوت: ما يبسط تحت حر الثياب. (2) السهوم: العبوس، المتغير. (3) السكر معرب شكر والواحدة بهاء ورطب طيب، والظاهر هذا الاول بقرينة السحق. وامحضه أي حركه تحريكا شديدا. (4) يدل على انه كان معموله في ذلك الزمان مقدار صغير معلوم. والفاره: الحاذق. (5) في هامش بعض النسخ نقلا عن مجمع البحرين السفايج دواء معروف مسهل السوداء والغافث ايضا معروف عند الاطباء هو من الخشايش الشائكة له ورق كورق الشهد انج. (6) مرست التمر وغيره في الماء إذا أنقعته.

[ 266 ]

ونصفا فإذا كانت الليلة الثالثة زاده سكرة أخرى فصارت ثلاث سكرات ونصفا. 387 – أحمد بن محمد الكوفي (1)، عن علي بن الحسن بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن هارون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: كتموا بسم الله الرحمن الرحيم (2) فنعم والله الاسماء كتموها: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل إلى منزله و اجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته فتولى قريش فرارا فأنزل الله عز وجل في ذلك ” وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولو على أدبارهم نفورا (3) “. 388 – عنه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (4): كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: بأبي وامي وقومي وعشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها والله عز وجل يقول في كتابه: ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (5) ” فبرسول الله (صلى الله عليه وآله) أنقذوا. 389 – عنه، عن إبراهيم بن أبي بكر بن أبي سماك، عن داود بن فرقد، عن عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ” قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء (6) ” أليس قد آتى الله عز وجل بني امية الملك؟ قال: ليس حيث تذهب إليه إن الله عز وجل آتانا الملك وأخذته بنو امية بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر فليس هو للذي أخذه.


(1) الظاهر أنه العاصمي. وعلي بن الحسن هو ابن فضال وفي اكثر النسخ [ علي بن الحسين ] وهو تصحيف. (2) ” كتموا ” استفهام على التفريع والتوبيخ أو اخبار والمراد بكتمانها تركها في السور والقول بعدم جزئيتها لها. (آت). (3) الاسراء: 46. ” وحده ” أي واحدا وحده وهو مصدر وقع موقع الحال. (البيضاوي) (4) أي قال المكفوف: كان إلخ. (5) آل عمران: 103. وشفا الحفرة طرفها الذي يشرف على السقوط فيها من كان به. (6) آل عمران: 26. والتعليق على المشيئة في افعاله تعالى ليس معناه وقوع الفعل جزافا تعالى عن ذلك بل المراد عدم كونه تعالى مجبرا في فعله ملزما عليه فهو تعالى يفعل ما يفعل بمشيئته المطلقة من غير أن يجبره أحد أو يكرهه وان جرى فعله على المصلحة دائما. (الميزان في تفسير القرآن).

[ 267 ]

390 – محمد بن أحمد بن الصلت، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس، عن المفضل ابن صالح، عن محمد الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” اعلموا أن الله يحيي الارض بعد موتها (1) ” قال: العدل بعد الجور. 391 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن محمد بن أشيم (2)، عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ذي الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: نزل به جبرئيل (عليه السلام) من السماء وكانت حلقته فضة (3). (حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة) 392 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن محمد، عن جميل بن صالح، عن يوسف بن أبي سعيد (4) قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم فقال لي: إذا كان يوم القيامة وجمع الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح (صلى الله عليه) أول من يدعى به فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) قال: فيخرج نوح (عليه السلام) فيتخطا الناس حتى يجئ إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وهو على كثيب المسك (5) ومعه علي (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل: ” فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا (6) ” فيقول نوح لمحمد (صلى الله عليه وآله): يا محمد إن الله تبارك وتعالى سألني هل بلغت؟ فقلت: نعم فقال: من يشهد لك؟ فقلت: محمد (صلى الله عليه وآله) فيقول: يا جعفر يا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلغ. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فجعفر وحمزة هما الشاهدان للانبياء (عليهم السلام) بما بلغوا، فقلت: جعلت فداك فعلي (عليه السلام) أين هو؟ فقال: هو أعظم منزلة من ذلك.


(1) الحديد: 17. (2) كذا في أكثر النسخ والظاهر علي بن أحمد. (آت). (3) يدل على جواز كون حلقة السيف على ما في بعض النسخ وحليته على ما في بعضها من فضة. (آت) اقول يعني وصول السيف إلى علي (عليه السلام) كان بامر الله وتقديره لاتفاقهم ان السيف كان لعاص بن منبه. (4) يوسف بن ابى سعيد غير مذكور في كتب الرجال ولعله يوسف بن ثابت بن أبى سعد أو أبى سعيدة أبو امية الكوفى الثقة الذى روى عن أبي عبد الله (عليه السلام). (5) الكثيب: التل من الرمل. (6) الملك: 27، أي سائتها رؤيته (عليه السلام).

[ 268 ]

393 – حدثني محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم لحظاته بين اصحابه ينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسوية. 394 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) العباد بكنه عقله قط، قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم (1). 395 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني رجل من بجيلة وأنا أدين الله عز وجل بأنكم موالي وقد يسألني بعض من لا يعرفني فيقول لي: ممن الرجل؟ فأقول له: أنا رجل من العرب ثم من بجيلة، فعلي في هذا إثم حيث لم أقل: إني مولى لبني هاشم؟ فقال: لا أليس قلبك وهواك منعقدا (2) على أنك من موالينا؟ فقلت: بلى والله، فقال: ليس عليك في أن تقول: أنا من العرب، إنما أنت من العرب في النسب والعطاء والعدد (3) والحسب فأنت في الدين وما حوى الدين بما تدين الله عز وجل به من طاعتنا والاخذ به منا من موالينا ومنا وإلينا. 396 – حدثنا ابن محبوب، عن أبي يحيى كوكب الدم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حواري عيسى (عليه السلام) كانوا شيعته وإن شيعتنا حواريونا وما كان حواري عيسى بأطوع له من حوارينا لنا وإنما قال عيسى (عليه السلام) الحواريين: ” من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله (4) ” فلا والله ما نصروه من اليهود ولا قاتلوهم دونه وشيعتنا والله لم يزالوا منذ قبض الله عز ذكره رسوله (صلى الله عليه وآله) ينصرونا ويقاتلون دوننا ويحرقون ويعذبون ويشردون في البلدان، جزاهم الله عنا خيرا. وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لو ضربت خيشوم محبينا بالسيف ما أبغضونا،


(1) قد مر الحديث في المجلد الاول ص 21 من هذا الكتاب. (2) كذا. (3) أي أنت من عدادهم أو في الاعوان واتباع. (4) الصف: 14 و ” إلى الله ” أي متوجها إليه.

[ 269 ]

ووالله لو أدنيت إلى مبغضينا وحثوت لهم (1) من المال ما أحبونا. 397 – ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” الم * غلبت الروم في أدنى الارض (2) ” قال: فقال: يا أبا عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمد صلوات الله عليهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة و [ أ ] ظهر الاسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه إلى الاسلام وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الاسلام وبعثه إليه مع رسوله فأما ملك الروم فعظم كتاب رسول (صلى الله عليه وآله) وأكرم رسوله وأما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومزقه واستخف برسوله وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون (3) أن يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحيته أرجا منهم لملك فارس فلما غلب ملك فارس الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به فأنزل الله عز وجل بذلك كتابا قرآنا ” الم * غلبت الروم في أدنى الارض (يعني غلبتها فارس) في أدنى الارض (وهي الشامات وما حولها) وهم (يعني وفارس) من بعد غلبهم (الروم) سيغلبون * (يعني يغلبهم المسلمون) في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء ” عز وجل فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عز وجل قال: قلت: أليس الله عز وجل يقول: ” في بضع سنين (4) ” وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي إمارة


(1) كناية عن كثرة العطاء في القاموس: حثوت له أي أعطيته كثيرا. (2) سورة الروم من السور التي نزلت قبل الهجرة بالاتفاق والاخبار بغلبة الروم على فارس في مكة. (3) اي يحبون. وكتابه (صلى الله عليه وآله) إلى ملوك الارض كان بعد الهجرة وكان رجوع دحية من رسالته بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) (4) كل ما دون العشرة بضع إلى الثلاثة. وقال المفسرون: غلبت فارس الروم وظهروا عليهم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفرح بذلك كفار قريش من حيث أن أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب وساء ذلك المسلمين وكان بيت المقدس لاهل الروم كالكعبة للمسلمين فدفعهم فارس عنه في ادنى الارض من ارض العرب وقيل: من ارض الشام إلى ارض فارس يريد الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس وهم – يعني الروم – من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس وهذه الاية دالة على أن القرآن من عند الله تعالى لان فيه انباء ما سيكون. (مجمع البيان).

[ 270 ]

أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر فقال: ألم أقل لكم إن لهذا تأويلا وتفسيرا والقرآن – يا أبا عبيدة – ناسخ ومنسوخ. أما تسمع لقول الله عز وجل: ” لله الامر من قبل ومن بعد “؟ يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين فذلك قوله عز وجل: ” ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله [ ينصر من يشاء ] أي يوم يحتم القضاء بالنصر. 398 – ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله جل ذكره وما كان الله ليفتن امة محمد (صلى الله عليه وآله) من بعده؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): أو ما يقرؤون كتاب الله أ و ليس الله يقول: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (1) ” قال: فقلت له: إنهم يفسرون على وجه آخر، فقال: أو ليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الامم أنهم قد اختلفوا من بعدما جاءتهم البينات حيث قال: ” وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (2) ” وفي هذا ما يستدل له على أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر. 399 – عنه، عن هشام بن سالم، عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت مولى لابي عبد الله (عليه السلام) فملت إليه لاسأله عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) ساجدا فانتظرته طويلا فطال سجوده علي، فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت مولاه متى سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا فلما سمع، كلامي رفع رأسه ثم قال: أبا محمد! ادن مني فدنوت منه فسلمت عليه فسمع صوتا خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة، فقال: إن القوم يريدوني فقم بنا، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم: كفوا


(1) آل عمران: 144. ” ينقلب ” أي يرتدد. (2) البقرة: 253. في القاموس تقاتلوا واقتتلوا بمعنى.

[ 271 ]

أنفسكم عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان (1) فإني لست بمفت لكم ثم أخذ بيدي و تركهم ومضى فلما خرج من المسجد قال: لي يا أبا محمد والله لو أن إبليس سجد لله عز ذكره بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عز وجل أن يسجد له وكذلك هذه الامة العاصية المفتونة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله) وبعد تركهم الامام الذي نصبه نبيهم (صلى الله عليه وآله) لهم فلن يقبل الله تبارك وتعالى لهم عملا ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله عز وجل من حيث أمرهم ويتولوا الامام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم، يا أبا محمد إن الله افترض على امة محمد (صلى الله عليه وآله) خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الاربعة (2) ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة. 400 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي إسحاق الجرجاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل جعل لمن جعل له سلطانا أجلا ومدة من ليال وأيام وسنين وشهور فإن عدلوا في الناس أمر الله عز وجل صاحب الفلك أن يبطئ بادارته فطالت أيامهم ولياليهم وسنينهم وشهورهم وإن جاروا في الناس ولم يعدلوا أمر الله تبارك وتعالى صاحب الفلك فأسرع بادارته فقصرت لياليهم وايامهم وسنينهم وشهورهم وقد وفا لهم عز وجل بعدد الليالي والشهور (3). 401 – أبو علي الاشعري، عن بعض أصحابه، عن محمد بن الفضيل، عن العرزمي قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا في الحجر تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلا وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما تدري من أين تهب الريح، فلما أكثر عليه قال أبو عبد الله (عليه السلام): فهل تدري أنت؟ قال: لا ولكني أسمع الناس يقولون. فقلت أنا


(1) أي لا تجعلوني عرضة لايذاء الخليفة واضرارة باجتماعكم علي وسؤالكم عني. (آت) (2) كقصر الصلاة وتركها لفاقد الطهورين على القول به وللحائض والنفساء وترك كثير من اركانها في حال الضرورة والخوف والقتال وكترك الصيام في السفر والمرض والكبر وكترك الحج والزكاة مع عدم الاستطاعة والمال ولم يرخص في ترك الولاية في حال من الاحوال. (آت) (3) قد مر نحوه تحت رقم 157. ص مع توجيهه.

[ 272 ]

لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت من أين تهب الريح؟ فقال: إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي (1) فإذا أراد الله عز وجل أن يخرج منها شيئا أخرجه أما جنوب فجنوب وأما شمال فشمال وصبا فصبا ودبور فدبور ثم قال: من آية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركا أبدا في الشتاء والصيف والليل والنهار. 402 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم [ عن أبيه ] جميعا، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس خلق أكثر من الملائكة إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم و كذلك في كل يوم (2). 403 – حدثنا ابن محبوب، عن عبد الله بن طلحة رفعه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): الملائكة على ثلاثة أجزاء: جزء له جناحان وجزء له ثلاثة أجنحة وجزء له أربعة أجنحة 404 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن ميسرة، عن الحكم بن عتيبة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن في الجنة نهرا يغتمس فيه جبرئيل (عليه السلام) كل غداة ثم يخرج منه فينتفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة تقطر منه ملكا. 405 – عنه، عن بعض أصحابه، عن زياد القندي، عن، درست بن أبي منصور، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل ملكا ما بين شحمة اذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير (3). 406 – الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل ديكا رجلاه في الارض السابعة وعنقه مثبتة تحت العرش وجناحاه في الهوى إلذا كان في نصف الليل أو الثلث الثاني من آخر الليل


(1) يحتمل أن يكون كناية عن قيام الملائكة الذين بهم تهب تلك الرياح فوقه عند ارادة ذلك كما مر. (آت) أقول: هذا الخبر على فرض صحة صدوره عنهم (صلوات الله عليهم) من الاخبار التي امرنا أن نرد علمه إليهم (عليهم السلام). (2) الظاهر عدم تكررهم في كل يوم وكل ليلة كما يدل عليه أخبار اخر. (آت) (3) خفق الطائر خفوقا: طار.

[ 273 ]

ضرب بجناحيه وصاح ” سبوح قدوس ربنا الله الملك الحق المبين (1) فلا إله غيره رب الملائكة والروح ” فتضرب الديكة بأجنحتها وتصيح (2). 407 – محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عمار الساباطي قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يقول من قبلكم في الحجامة؟ قلت: يزعمون أنها على الريق أفضل منها على الطعام، قال: لا هي على الطعام أدر للعروق وأقوى للبدن (3). 408 – عنه، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اقرأ آية الكرسي واحتجم أي يوم شئت وتصدق واخرج أي يوم شئت. 409 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن معاوية بن حكيم قال: سمعت عثمان الاحول يقول: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ليس من دواء إلا وهو يهيج داءا وليس شئ في البدن أنفع من إمساك اليد إلا عما يحتاج إليه. 410 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحمى تخرج في ثلاث: في العرق والبطن والقئ. 411 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن حفص بن عاصم، عن سيف التمار، عن أبي المرهف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير (4) قلت: جعلت فداك وما المحاضير قال: المستعجلون أما إنهم لن يريدوا إلا من يعرض لهم، ثم قال: يا أبا المرهب أما إنهم لم يريدوكم بمجحفة (5) إلا عرض الله عز وجل لهم بشاغل، ثم نكت أبو جعفر (عليه السلام) في الارض ثم


(1) ” المبين ” أي مظهر الاشياء بخلقها والمعارف بافاضتها. (آت) (2) الديكة جمع الديك. (آت) (3) أي يمتلئ العروق ويخرج منها الدم أكثر مما إذا كان على الريق و (آت) (4) ” الغبرة على من أثارها ” الغبرة – بالضم وبالتحريك -: الغبار أي يعود ضرر الغبار على من اثاره وهذه تشبيه وتمثيل لبيان أن مثير الفتنة يعود ضررها إليه أكثر من غيره. وقوله: ” هلك المحاضير ” أي المستعجلون في ظهور دولة الحق قبل أوانها. (5) بتقديم الجيم أي الداهية.

[ 274 ]

قال: يا أبا المرهف! قلت: لبيك قال: أترى قوما حبسوا أنفسهم على الله عز ذكره لا يجعل الله لهم فرجا؟ بلى والله ليجعلن الله لهم فرجا. 412 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن الفضل الكاتب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه كتاب أبي مسلم فقال ليس لكتابك جواب اخرج عنا فجعلنا يسار بعضنا بعضا (1)، فقال: أي شئ تسارون يا فضل إن الله عز وجل ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولازالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقص أجله ثم: قال: إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الارض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا – يقولها ثلاثا – وهو من المحتوم. 413 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن حديد، عن جميل ابن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إبليس أكان من الملائكة أم كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ولا كرامة، فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكره وقال: وكيف لا يكون من الملائكة؟ والله عز وجل يقول: ” وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس (2) ” فدخل عليه الطيار فسأله وأنا عنده فقال له: جعلت فداك رأيت قوله عز وجل: ” يا أيها الذين آمنوا ” في غير مكان من مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذا المنافقون؟ قال: نعم يدخل في هذا ا لمنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة. 414 – عنه، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني اصلي فأجعل بعض صلاتي لك، فقال: ذلك خير لك فقال: يا رسول الله فأجعل نصف صلاتي لك، فقال: ذلك أفضل لك، فقال: يا رسول الله فإني أصلي فأجعل كل صلوتي لك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله كلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم


(1) سر الحديث: اصغاؤه وسار مسارة وسرارا. (2) الكهف: 49.

[ 275 ]

يكلفه أحدا من خلقه كلفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه ولم يكلف هذا أحدا من خلقه قبله ولا بعده، ثم تلا هذه الآية ” فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك (1) ” ثم قال: وجعل الله أن يأخذ له ما أخذ لنفسه (2) فقال عز وجل: ” من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (3) ” وجعلت الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعشر حسنات (4). 415 – عنه، علي بن حديد، عن منصور بن روح، عن فضيل الصايغ (5) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أنتم والله نور في ظلمات الارض والله إن أهل السماء لينظرون إليكم في ظلمات الارض كما تنظرون أنتم إلى الكوكب الدري في السماء وإن: بعضهم ليقول لبعض: يا فلان عجبا لفلان كيف أصاب هذا الامر وهو قول أبي (عليه السلام) والله: ما أعجب ممن هلك (6) كيف هلك ولكن أعجب ممن نجا كيف نجا. 416 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن أسباط، عن إبراهيم بن محمد بن حمران، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى (7).


(1) النساء: 83. (2) أي يأخذ بالعهد من الخلق في مضاعفة الاعمال له (صلى الله عليه وآله) مثل ما أخذ في المضاعفة لنفسه أو يأخذ العهد بتعظيمه مثل ما أخذ لنفسه. (3) الانعام: 159. (4) ” جعلت الصلاة ” يحتمل وجهين: الاول أن يكون المراد أنه جعل تعظيمه والصلاة عليه من طاعاته التي يضاعف لها الثواب عشرة أضعافها. والثاني أن يكونه المراد أنه ضاعف لنفسه الصلاة لكونها عبادة له عشرة اضعاف ثم ضاعفها له (صلى الله عليه وآله) لكونها متعلقة به لكل حسنة عشرة اضعافها فصارت للصلاة مائة حسنة. (آت) (5) استظهر الاردبيلي – رحمه الله – في جامع الرواة أنه هو فصل بن عثمان المرادي. (6) ذلك لكون اكثر الخلق كذلك ودواعي الهلاك والضلال كثيرة. (آت). (7) ذلك اي في بروجها أو محاذاة كواكبها. (آت)

[ 276 ]

417 – عنه، عن ابن فضال، عن عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحكم بن محمد بن القاسم أنه سمع عبد الله بن عطاء يقول: قال أبو جعفر (عليه السلام) قم فأسرج دابتين حمارا وبغلا فاسرجت حمارا وبغلا فقدمت إليه البغل ورأيت انه أحبهما إليه، فقال: من أمرك أن تقدم إلي هذا البغل؟ قلت: اخترته لك، قال: وأمرتك أن تختار لي، ثم قال: إن أحب المطايا إلي الحمر، قال: فقدمت إليه الحمار وأمسكت له بالركاب فركب فقال: الحمد لله الذي هدانا بالاسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد (صلى الله عليه وآله) الحمد الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (1) وإنا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين. وسار وسرت حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له: الصلاة جعلت فداك، فقال: هذا وادي النمل لا يصلى فيه (2)، حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له مثل ذلك، فقال: هذه الارض مالحة لا يصلى فيها قال: حتى نزل هو من قبل نفسه فقال: لي صليت أو تصلي سبحتك؟ (3) قلت: هذه صلاة تسميها أهل العراق الزوال فقال: أما هؤلاء الذين يصلون هم شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي صلاة الاوابين فصلى وصليت ثم أمسكت له بالركاب ثم قال: مثل ما قال في بدايته ثم قال: اللهم العن المرجئة فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة، فقلت له: ما ذكرك جعلت فداك المرجئة؟ فقال: خطروا على بالي. 418 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبن أبي عمير، وعلي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أرادت قريش قتل النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: كيف لنا بأبي لهب؟ فقالت ام جميل: أنا أكفيكموه أنا أقول له: إني احب أن تقعد اليوم في البيت نصطبح (4) فلما أن كان من الغد وتهيأ


(1) أي مطيقين من أقرن الشئ إذ أطاقه وأصله وجد قرينة إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف. وقوله: ” منقلبون ” أي راجعون. (آت) (2) يدل على كراهة الصلاة في الوادي التي تكون فيها قرى النمل كما ذكره الاصحاب وكذا يدل على كراهة الصلاة في الارض السبخة. (آت) (3) الترديد من الراوي. والسبحة: صلاة النافلة. (آت). (4) يقال: اصطبح الرجل اي شرب صبوحا.

[ 277 ]

المشركون للنبي (صلى الله عليه وآله) قعد أبو لهب وامرأته يشربان فدعا أبو طالب عليا (عليه السلام) فقال له: يا بني اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه فإن فتح لك فأدخل وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب واكسره وادخل عليه فإذا دخلت عليه فقل له: يقول لك أبي: إن امرءا عمه عينه في القوم (1) فليس بذليل، قال فذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجد الباب مغلقا فاستفتح فلم يفتح له فتحامل على الباب وكسره ودخل فلما رآه أبو لهب قال له: ما لك يا ابن أخي؟ فقال له: إن أبي يقول لك: إن امرءا عمه عينه في القوم ليس بذليل فقال له: صدق أبوك فما ذاك يا ابن أخي؟ فقال له: يقتل ابن أخيك وأنت تأكل وتشرب فوثب وأخذ سيفه فتعلقت به ام جميل فرفع يده ولطم وجهها لطمة ففقى عينها، فماتت وهي عوراء وخرج أبو لهب ومعه السيف فلما رأته قريش عرفت الغضب في وجهه، فقالت: ما لك يا أبا لهب؟ فقال: ابايعكم على ابن أخي (2) ثم تريدون قتله واللات والعزى لقد هممت أن أسلم، ثم تنظرون ما أصنع فاعتذورا إليه ورجع. 419 – عنه (3)، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار ويكثر الكفار في أعين المسلمين فشد عليه جبرئيل (عليه السلام) بالسيف فهرب منه وهو يقول: يا جيرئيل إني مؤجل، إني مؤجل حتى وقع في البحر قال زرارة: فقلت لابي جعفر (عليه السلام): لاي شئ كان يخاف وهو مؤجل قال: يقطع بعض أطرافه. 420 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن أبان بن عثمان، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قام رسول الله


(1) المراد بالعم أما أبو لهب أو نفسه والاول أظهر إذ الظاهر ان الغرض حمله على الحمية. والمراد بالعين السيد والرقيب والحافظ والحاصل ان من كان عمه مثلك سيد القوم وزعيمهم لا ينبغي ان يكون ذليلا بينهم. (آت) (2) أي على ايذائه وأنتم تفرطون في ذلك وتريدون قتله أو على محافظته وترك ايذائه والاول أظهر. (آت) (3) الضمير راجع إلى ابن ابي عمير.

[ 278 ]

(صلى الله عليه وآله) على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الاحزاب في ليلة ظلماء قرة (1) فقال: من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنة؟ فلم يقم أحد، ثم أعادها، فلم يقم أحد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بيده (2) وما أراد القوم؟! أرادوا أفضل من الجنة؟! ثم قال: من هذا؟ فقال: حذيفة، فقال: أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تكلم أقبرت فقام حذيفة و هو يقول: القر والضر (3) جعلني الله فداك منعني أن اجيبك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انطلق حتى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم فلما ذهب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة لا تحدث شيئا حتى تأتيني فأخذ سيفه وقوسه وحجفته (4) قال حذيفة: فخرجت وما بي من ضر ولا قر فمررت على باب الخندق وقد اعتراه المؤمنون (5) والكفار، فلما توجه حذيفة قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونادى: يا صريخ المكروبين (6) ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي قد ترى حالي وحال أصحابي، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك ودعاءك وقد أجابك وكفاك هول عدوك فجثا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه، ثم قال: شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد بعث الله عز وجل عليهم ريحا من السماء الدنيا فيها حصى وريحا من السماء الرابعة فيها جندل (7). قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم وأقبل جند الله الاول ريح فيها حصى فما تركت لهم نارا إلا أذرتها ولا خباءا إلا طرحته ولا رمحا إلا ألقته حتى جعلوا


(1) أي باردة. (2) أي أشار أو حرك يده على وجه التعجب. (آت) (3) ” أقبرت ” في بعض النسخ [ اقترب ] وقوله: ” القر ” – بالضم -: البرد. والضر: سوء الحال. (4) يقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عقب: حجفة ودرقة. (الصحاح) (5) عراه: اتاه واعتراه مثله. (6) أي أرسل ماءهما بالبكاء. (7) الجندل: الحجارة وهي أكبر من الحصى. (8) ذرت الحب والملح الدواء أذره ذرا: فرقته. وأذريت الشئ إذا ألقية كالقاءك الحب للزرع. والخباء واحد الاخبية من وبر أو صوف ولا يكون من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت. (الصحاح)

[ 279 ]

يتترسون (1) من الحصى فجعلنا نسمع وقع الحصى في الاترسه، فجلس حذيفة بين رجلين من المشركين فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين، فقال: أيها الناس إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذاب، ألا وإنه لن يفوتكم من أمره شئ (2) فإنه ليس سنة مقام قد هلك الخف والحافر فارجعوا ولينظر كل رجل منكم من جليسه (3) قال حذيفة: فنظرت عن يميني فضربت بيدي، فقلت: من أنت؟ فقال: معاوية فقلت للذي عن يساري: من أنت؟ فقال سهيل بن عمرو، قال حذيفة: وأقبل جند الله الاعظم فقام أبو سفيان إلى راحلته ثم صاح في قريش: النجاء النجاء (4) وقال طلحة الازدي: لقد زادكم محمد بشر (5)، ثم قام إلى راحلته وصاح في بني أشجع: النجاء النجاء وفعل عيينة ابن حصن مثلها، ثم فعل الحرث بن عوف المزني مثلها ثم فعل الاقرع بن حابس مثلها وذهب الاحزاب ورجع حذيفة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره الخبر وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه كان ليشبه يوم القيامة (6). 421 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام الخراساني، عن المفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس (7)


(1) الترس من جلد ويقال: لهذا الترس: الدرقة أيضا. (2) أي لا تيأسوا منه ولا تعجلوا في أمره فانه لن يفوتكم من أمر قتاله وقمعه واستيصاله شئ والوقت واسع. (آت) (3) إنما قال ذلك ليعلم القوم بعد السؤال هل بينهم عين فتنبه حذيفة وبادر إلى السؤال لكي يظنوا انه من اهلهم ولا يسأل عنه أحد. (آت) (4) أي أسرع أسرع، قال الجزري: فيه وانا النذير العريان فالنجاء النجاء أي انجوا بأنفسكم وهو مصدر منصوب بفعل مضمر أي انجوا النجاء وتكراره للتأكيد وقد تكرر في الحديث. والنجاء: السرعة، يقال: نجا ينجو نجاءا إذا اسرع ونجا من الامر إذا خلص وانجا غيره. (5) في بعض النسخ [ رادكم محمد بشر ] وراده أي طلبه. (6) أي ليلة الكفار من هبوب الرياح عليهم واضطرابهم وحيرتهم وخوفهم ويحتمل أن يكون الغرض بيان شدة حال المسلمين قبل نزول هذا الظفر من البرد والخوف والجوع. (آت) (7) يعني السفاح أول خلفاء بني العباس.

[ 280 ]

فلما انتهينا إلى الكناسة (1) قال: ههنا صلب عمي زيد رحمه الله ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين وهو آخر السراجين فنزل وقال: أنزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الاول الذي خطه آدم (عليه السلام) وأنا أكره أن أدخله راكبا قال: قلت: فمن غيره عن خطته؟ قال: أما أول ذلك الطوفان في زمن نوح (عليه السلام) ثم غيره أصحاب كسرى ونعمان (2) ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان، فقلت: وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح (عليه السلام) فقال لي: نعم يا مفضل وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة قال: وكان نوح (عليه السلام) رجلا نجارا فجعله الله عز وجل نبيا و انتجبه ونوح (عليه السلام) أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء، قال: ولبث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل فيهزؤون به ويسخرون منه، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال: ” رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (3) ” فأوحى الله عز وجل إلى نوح أن اصنع سفينة وأوسعها وعجل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده فاتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها. قال: المفضل ثم انقطع حديث أبي عبد الله (عليه السلام) عند زوال الشمس، فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فصلى الظهر والعصر، ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الداريين (4) وهو موضع دار ابن حكيم وذاك فرات اليوم، فقل لي: يا مفضل [ و ] ههنا نصبت أصنام قوم نوح (عليه السلام) ” يغوث ويعوق ونسرا ” ثم مضى حتى ركب دابته. فقلت: جعلت فداك في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها؟ قال: في دورين، قلت: وكم الدورين؟ قال: ثمانين سنة.


(1) هي – بالضم -: محلة بالكوفة مشهورة. (2) يعني النعمان بن المنذر أحد ملوك العرب. (آت) (3) نوح: 25 و 26، ” فاجرا ” أي مائلا عن الحق. (4) باليائين أي العطارين.

[ 281 ]

قلت: وإن العامة يقولون: عملها في خمسمائة عام، فقال: كلا كيف والله يقول: ” ووحينا (1) “. قال: قلت: فأخبرني عن قول الله عز وجل: ” حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور (2) فأين كان موضعه؟ وكيف كان؟ فقال: التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد، فقلت له: فإن ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم. ثم قلت له: وكان بدء خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: نعم إن الله عز وجل أحب أن يرى قوم نوح آية، ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا وفاض الفرات فيضا والعيون كلهن فيضا فغرقهم الله عز ذكره وأنجى نوحا ومن معه في السفينة. فقلت له: كم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء (3) وخرجوا منها؟ فقال: لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها وطافت بالبيت اسبوعا ثم استوت على الجودي وهو فرات الكوفة (4). فقلت له: إن مسجد الكوفة قديم؟ فقال: نعم وهو مصلى الانبياء (عليهم السلام) ولقد صلى فيه رسول (صلى الله عليه وآله) حين اسري به إلى السماء فقال له جبرئيل (عليه السلام): يا محمد هذا مسجد أبيك آدم (عليه السلام) ومصلى الانبياء (عليهم السلام) فأنزل فصل فيه، فنزل فصلى فيه، ثم إن جبرئيل (عليه السلام) عرج به إلى السماء. 422 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي رزين الاسدي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن نوحا (صلى الله عليه) لما فرغ من السفنية وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك


(1) هود: 36 ومؤمنون: 27. ولعل المراد أن ما أوحاه الله تعالى وأمره لا يناسب هذا التاخير. (2) هود: 39 ومؤمنون 27. (3) نضب الماء نضوبا أي غار في الارض. (4) لعل المراد قريب من الفرات ويحتمل أن يكون في الاصل قريب الكوفة فصحف إذا قد ورد في الاخبار انه نجف الكوفة. (آت)

[ 282 ]

قومه أن يفور التنور ففار فقالت امرأته: إن التنور قد فار فقام إليه فختمه فقام الماء (1) وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج، ثم جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول الله عز وجل: ” ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر (2) ” قال: وكان نجرها في وسط مسجدكم ولقد نقص عن (3) ذرعه سبعمائة ذراع. 423 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة نوح (عليه السلام) وهو يعمل السفينة فقال له: إن التنور قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه وختمه (4) بخاتمه فقام الماء (1) فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضه وكشف الطبق ففار الماء 424 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كانت شريعة نوح (عليه السلام) أن يعبد الله بالتوحيد والاخلاص وخلع الانداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وأخذ


(1) قام الماء: جمد. (2) القمر: 11 إلى 13 وقوله تعالى: ” ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر ” قال البيضاوي: منصب وهو مبالغة وتمثيل كثرة الامطار وشدة انصبابها وقرأ ابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الابواب ” وفجرنا الارض عيونا ” وجعلنا الارض كلها كأنها عيون منفجرة واصله وفجرنا عيون الارض فغير للمبالغة ” فالتقى الماء ” ماء السماء وماء الارض وقرئ الماآن لاختلاف النوعين والماوان بقلب الهمزة واوا ” على امر قد قدر ” على حال قدرها الله في الازل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما انزل على قدر ما اخرج أو على امر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان ” وحملناه على ذات الواح ” ذات اخشاب عريضة ” ودسر ” ومسامير جمع دسار من الدسر وهو الدفع الشديد وهي صفة للسفينة اقيمت مقامها من حيث انها شرح لها يؤدي مؤداها. (3) لعل الغرض رفع الاستبعاد عن عمل السفينة في المسجد مع ما اشتهر من عظمها أي نقصوا المسجد عما كان عليه في زمن نوح سبعمائة ذراع ويدل على اصل النقص أخبار اخر. (آت) (4) أي شيئا ينطبق عليه أو الطبق الذي يؤكل فيه أو الاجر. قال الفيروز آبادي: الطبق – محركة -: غطاء كل شئ والطبق أيضا من كل شئ ما ساواه والذي يؤكل عليه، والطابق كهاجر وصاحب الاجر الكبير. (آت)

[ 283 ]

الله ميثاقه على نوح (عليه السلام) وعلى النبيين (عليهم السلام) أن يعبدوا الله تبارك وتعالى ولا يشركوا به شيئا وأمر بالصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث فهذه شريعته فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم سرا وعلانية فلما أبوا وعتوا قال: ” رب إني مغلوب فانتصر (1) ” فأوحى الله عز وجل إليه ” أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ” فلا تبتئس بما كانوا يعملون (2) ” فلذلك قال نوح (عليه السلام): ” ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (3) ” فأوحى الله عز وجل إليه: ” أن اصنع الفلك (4) “. 425 – عنه، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن الحسن بن علي عن عمر بن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن نوحا (عليه السلام) لما غرس النوى مر عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون قد قعد غراسا (5) حتى إذا طال النخل وكان جبارا طوالا قطعه ثم (6) نحته فقالوا: قد قعد نجارا ثم ألفه فجعله سفينة فمروا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون: قد قعد ملاحا في فلاة من الارض حتى فرغ منها. 426 – علي، عن أبيه، عن أبن محبوب، عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان طول سفينة نوح (عليه السلام) ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانين [ ذراعا ] وسعت بين الصفا والمروة وطافت بالبيت سبعة أشواط ثم استوت على الجودي. 427 – محمد بن أبي عبد الله (7)، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل


(1) مأخوذ من سورة القمر: 10 أي فانتقم لي منهم. (2) هود: 36. وفي المصحف ” بما كانوا يفعلون ” وهو من النساخ. وقوله تعالى: ” فلا تبتئس ” أي لا تغتم ولا تحزن. (3) نوح: 27. ” فاجرا ” أي مائلا عن الحق. (4) مؤمنون: 26. (5) لعله بمعنى صار نحو قولهم: جدد شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت. (آت) (6) الجبار من النخل ما طال. والطوال – بالضم -: الطويل. (آت) ونحت العود: براه. والحجر سواه. (7) هو محمد بن جعفر الاسدي.

[ 284 ]

الجعفي، وعبد الكريم بن عمرو، وعبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حمل نوح (عليه السلام) في السفينة الازواج الثمانية (1) التي قال الله عز وجل: ” ثمانية أزواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين (2) ” فكان من الضان اثنين زوج داجنة يربيها الناس (3) والزوج الآخر الضان التي تكون في الجبال الوحشية احل لهم صيدها، ومن المعز اثنين زوج داجنة يربيها الناس والزوج الاخر الظبي التي تكون في المفاوز ومن الابل اثنين البخاتي والعراب (4) ومن البقر اثنين زوج داجنه للناس والزوج الآخر البقر الوحشية، وكل طير طيب وحشي [ أ ] وانسي ثم غرقت الارض. 428 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن داود بن أبي يزيد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ارتفع الماء على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعا. 429 – عدة من أصحابنا، عن أحمد عن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عاش نوح (عليه السلام) ألفي سنة وثلاثمائة سنة منها ثمانمائة وخمسين سنة (5) قبل أن يبعث وألف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصر الامصار وأسكن ولده والبلدان ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس فقال: السلام عليك فرد عليه نوح (عليه السلام) قال: ما جاء بك يا ملك الموت؟ قال: جئتك لاقبض روحك، قال، دعني أدخل من الشمس إلى الظل فقال له: نعم، فتحول ثم قال: يا ملك الموت كل ما مر بي من الدنيا مثل تحويلي (6) من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به فقبض روحه (عليه السلام).


(1) قال الله تعالى: ” قلنا احمل فيها من كل زوج اثنين ” وقرأ حفص ” من كل ” بالتنوين والباقون اضافوا وفسرهما المفسرون بالذكر والانثى وقالوا على قراءة الثانية: معناه احمل اثنين من كل زوجين اي كل صنف ذكر وصنف انثى ولا يخفى ان تفسيره (عليه السلام) ينطبق على القراءتين من غير تكلف. (آت) (2) انعام: 143. (3) أي مقيمة عند الناس أهلية غير وحشية. (4) البخاتي: الابل الخراساني والعراب خلافه والهيل العراب خلاف البراذين. (5) كذا. والظاهر خمسون. (6) في بعض النسخ [ مثل تحولي ].

[ 285 ]

430 – محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل ابن جابر، وعبد الكريم بن عمرو، وعبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عاش نوح (عليه السلام) بعد الطوفان خمسمائة سنة، ثم أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فانظر إلى الاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى إبنك سام فإني لا أترك الارض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويعرف به هداي (1) ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداع إلي وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الاشقياء. قال: فدفع نوح (عليه السلام) الاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة إلى سام وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به، قال: وبشرهم نوح (عليه السلام) بهود (عليه السلام) وأمرهم باتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم (2). 431 – علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم (3)؟ فقال لي: الكف عنهم أجمل، ثم قال: والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، قلت: كيف لي بالمخرج من هذا؟ فقال لي: يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدل عليه أن الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيئ ثم قال عز وجل: ” واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل (4) ” فنحن أصحاب الخمس


(1) في بعض النسخ [ هواى ] أي ما أهواه وأحبه من الطاعات. (آت) (2) رواه الصدوق في كتاب كمال الدين عن محمد بن على بن ماجيلويه ومحمد بن موسى بن المتوكل وأحمد بن محمد بن يحيى جميعا عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن اورمة عن محمد بن سنان عن اسماعيل وعبد الكريم معا عن عبد الحميد. (3) أي يقذفونهم بالزنا فأجاب (عليه السلام) بانه لا ينبغى لهم ترك التقية لكن لكلامهم محمل صدق. قوله: ” كيف لى بالمخرج ” أي بم أستدل وأحتج على من أنكر هذا. (آت) (4) الانفال: 40.

[ 286 ]

والفيئ وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شئ منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا ولو قد ظهر الحق لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد (1) حتى أن الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله (2) ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شئ من ذلك وقد أخرجونا وشيعتنا من حقنا ذلك بلا عذر ولا حق ولا حجة. قلت: قوله عز وجل: ” هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنين (3) ” قال: إما موت في طاعة الله أو أدرك ظهور إمام ونحن نتربص بهم مع ما نحن فيه من الشدة ” أن يصيبهم الله بعذاب من عنده ” قال: هو المسخ ” أو بأيدينا ” وهو القتل، قال الله عز وجل


(1) قال الفاضل الاسترابادي: المراد أن ما يؤخذ باسم الخراج أو المقاسمة أو الخمس أو الضريبة حرام على آخذيه ولو قد ظهر الحق لقد باع الرجل نفسه العزيزة عليه فيمن لا يريد – بالراء بدون نقطة – وفى ذكر ” لا ” هنا مبالغة لطيفة وفى اختيار لفظ بيع من باب التفعيل على باع مبالغة اخرى لطيفة انتهى. أقول: لعله قرأ ” الكريمة ” بالنصب ليكون مفعولا لبيع وجعل ” نفسه ” عطف بيان للكريمة أو بدلا عنها. والاظهر أن يقرأ ” بيع ” على بناء المجهول فالرجل مرفوع به ” الكريمة عليه نفسه ” صفة للرجل أي يبيع الامام أو من ياذن له الامام أو من أصحاب الخمس والخراج والغنائم المخالف الذى تولد من هذه الاموال مع كونه عزيزا في نفسه كريما وفى سوق المراد ولا يزيد أحد على ثمنه لهوانه وحقارته عندهم. هذا إذا قرئ بالزاء المعجمة كما في اكثر النسخ بالمهملة أيضا يؤول إلى هذا المعنى. (آت). (2) أي ليفك من قيد الرقية فلا يتيسر له ذلك إذ لا يقبل الامام منه ذلك. (آت) (3) التوبة: 52. ” تربصون ” أصله تتربصون حذفت احدى التائين أي تنتظرون وقوله: ” إلا احدى الحسنيين ” أي إلا إحدى العاقبتين اللتين كل منها حسنى العواقب وذكر المفسرون أن المراد النصرة والشهادة ولعل الخبر محمول على ان ظاهر الاية متوجه إلى هؤلاء وباطنها متوجه إلى الشيعة في زمان عدم استيلاء الحق فانهم ايضا بين احدى الحسنيين اما موت على دين الحق و في طاعة الله أو ادراك ظهور امام ويحتمل ان يكون المراد ان نظير مورد الاية وشبيهه جار في حال الشيعة وما يقاسون من الشدايد من المخالفين. قوله تعالى ” ونحن نتربص بكم ” أي نحن ننتطر فيكم احدى السوئين ان يصيبكم الله بعذاب من عنده أي بقارعة ونازلة من السماء وعلى تفسيره (عليه السلام) المسخ أو بعذاب بايدينا وهو القتل في زمن استيلاء الحق فتربصوا ما هو عاقبتنا انا معكم متربصون ما هو عاقبتكم. (آت) وفى المصحف ” ان يصيبكم الله “.

[ 287 ]

لنبيه (صلى الله عليه وآله): ” قل تربصوا فإنا معكم المتربصون ” والتربص انتظار وقوع البلاء بأعداءهم. 432 – وبهذا الاسناد، عن أبى جعفر (عليه السلام) في قوله عز وجل: ” قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين ” قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام) ” ولتعلمن نبأه بعد حين (1) ” قال: عند خروج القائم (عليه السلام). وفي قوله عز وجل: ” ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه (2) ” قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الامة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم. وأما قوله عز وجل: ” ولو لا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم (3) ” قال: لو لا ما تقدم فيهم من الله عز وجل ما أبقى القائم (عليه السلام) منهم واحدا (4). وفي قوله عز وجل: ” والذين يصدقون بيوم الدين (5) ” قال: بخروج القائم (عليه السلام). وقوله عز وجل: ” والله ربنا ما كنا مشركين (6) “؟ قال: يعنون بولاية علي (عليه السلام). وفي قوله عز وجل: ” وقل جاء الحق وزهق الباطل (7) ” قال: إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل.


(1) ص: 86 إلى 88. قوله: ” متكلفين ” أي متصنعين. (2) هود: 111. أي فآمن به قوم وكفر به قوم كما في القرآن. (3) الشورى: 21. (4) ” لولا ما تقدم فيهم ” أي بأنه سيجزيهم يوم القيامة أو يولد منهم أولاد مؤمنون لقتلهم القائم (عليه السلام) أجمعين ويحتمل أن يكون ” ما أبقى القائم (عليه السلام) ” بيانا لما تقدم فيهم أي لولا أن قدر الله أن يكون قتلهم على يد القائم (عليه السلام) لاهلكهم الله وعذبهم قبل ذلك ولم يمهلهم ولكن لا تخلو من بعد. (آت). (5) المعارج: 26. يوم الدين أي يوم الجزاء. (6) أنعام: 22. (7) الاسراء: 81. والزهوق: البطلان.

[ 288 ]

433 – عنه عن علي بن الحسن، عن منصور بن يونس، عن أبى بصير، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ” فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (1) “؟ فقال: يا أبا محمد يسلط والله من المؤمن على بدنه ولا يسلط على دينه، قد سلط على أيوب (عليه لاسلام) فشوه خلقه ولم يسلط على دينه وقد يسلط من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلط على دينهم قلت: قوله تعالى: ” إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (2) “؟ قال: الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم وعلى أديانهم. 434 – عنه، عن علي بن الحسن، عن منصور، عن حريز بن عبد الله، عن الفضيل قال: دخلت مع أبى جعفر (عليه السلام) المسجد الحرام وهو متكئ علي فنظر إلى الناس ونحن على باب بني شيبة فقال: يا فضيل هكذا كان يطوفون في الجاهلية لا يعرفون حقا ولا يدينون دينا، يا فضيل انظر إليهم مكبين على وجوههم لعنهم الله من خلق مسخور بهم مكبين على وجوههم (3)، ثم تلا هذه الآية: ” أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم (4) ” يعني والله عليا (عليه السلام) والاوصياء (عليهم السلام)، ثم تلا هذه الآية: ” فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون (5) أمير المؤمنين (عليه السلام) يا فضيل لم يتسم بهذا الاسم غير علي (عليه السلام) إلا مفتر كذاب إلى يوم البأس هذا، أما والله يا فضيل ما لله عز ذكره حاج غيركم ولا يغفر الذنوب إلا لكم ولا يتقبل إلا منكم وإنكم لاهل هذه الآية: ” إن تجتبنوا كبائر


(1) النحل: 98، 99. أي أنه لا يقدر على إكراه المؤمنين على الكفر والمعاصي. (2) النحل: 100. قيل: الضمير راجع إلى الرب وقيل: إلى الشيطان أي بسببه والاول أظهر. (آت) (3) ” مسخور بهم ” أي مسخرون كالبهائم، مستعمرون للاجانب ولا يدون ما بهم ولا يشعرون. ” مكبين على وجوههم ” أي يعثرون كل ساعة على وجوههم وهو كناية عن شدة تحيرهم وترددهم وغفلتهم وعدم ثباتهم، وفى بعض النسخ [ مسخوا بهم ]. (4) الملك: 23. ” سويا ” أي سالما من العثار. (5) الملك: 28 ” زلفة ” أي ذا زلفة وقرب.

[ 289 ]

ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (1) “. يا فضيل أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا ألسنتكم وتدخلوا الجنة، ثم قرأ ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكوة (2) ” أنتم والله أهل هذه الآية. 435 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمد بن سلمان الازدي، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ” وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل (بظلمه وسوء سيرته) والله لا يحب الفساد (3) “. 436 – سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) ” والذين كفروا أولياؤهم الطواغيت (4) “. 437 – علي بن إبراهيم. عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان (5)


(1) النساء 31: ” مدخلا ” اسم مكان أي الجنة أو مصدر أي إدخالا مع كرامة. (2) النساء 77. ” كفوا ” أي امسكوا عن قتال الكفار فانى لم آمر بقتالهم. (3) البقرة: ” 205 وفى بعض النسخ [ بظلمه وسوء سريرته ]. (4) البقرة: 257. وسهل بن زياد ضعيف ضعفه جماعة من الاصحاب. (5) محمد بن سنان أبو جعفر الزاهرى من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعى وكان أبو عبد الله بن عياش يقول: حدثنا أبو عيسى محمد بن أحمد بن سنان قال: هو محمد بن الحسن بن سنان مولى زاهر توفى أبوه الحسن وهو طفل وكفله جده سنان فنسب إليه وقال ابن الغضائري: أبو جعفر الهمداني مولاهم هذا أصح ما نسب إليه. وفى (صه) واختلف علماؤنا في شأنه فالمفيد – ره – قال: إنه ثقة واما الشيخ الطوسى – ره – ضعفه وكذا النجاشي وقال ابن الغضائري: انه ضعيف غال لا يلتفت إليه الخ وفي (جش) وذكر أبو عمرو في رجاله قال أبو الحسن على بن محمد بن قتيبة النيسابوري: قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان: لا احب لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان وذكر ايضا أنه وجد بخط أبى عبد الله الشاذانى إنى سمعت العاصمى يقول: إن عبد الله بن محمد بن عيسى الاسدي الملقب ببنان قال: كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل إذ دخل علينا محمد ابن سنان فقال صفوان: هذا ابن سنان لقد هم ان يطير غير مرة فقصصناه حتى ثبت معناه وهذا يدل على اضطراب كان وزال انتهى ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 290 ]

عن أبي جرير القمي – وهو محمد بن عبيدالله وفي نسخة عبد الله – عن أبي الحسن (عليه السلام): ” له ما في السموات وما في الارض (وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم) من ذا الذي يشفع عنده إلا باذنه “. 438 – محمد بن خالد، عن حمزة بن عبيد، عن إسماعيل بن عباد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ” وآخرها ” وهو العلي العظيم ” والحمد لله رب العالمين وآيتين بعدها (1). 439 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمد (2) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ ” وزلزلوا (ثم زلزلوا) حتى يقول الرسول (3) “. 440 – علي بن ابراهيم. عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” واتبعوا ما تتلوا الشياطين (بولاية الشياطين) على ملك سليمان (4) “. ويقرأ أيضا: ” سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة (فمنهم من آمن ومنهم


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” وقد مر أن ابن الغضائري قال: ” إنه ضعيف قال لا يلتفت إليه وفى (صه) والوجه عندي التوقف فيما يرويه فان الفضل بن شاذان رحمه الله تعالى قال في بعض كتبه: أن من الكذابين المشهورين ابن سنان وليس بعبدالله ودفع أيوب بن نوح إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان فقال: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا فانى كتبت عن محمد بن سنان ولكن لا أروى لكم عنه شيئا فانه قال قبل موته: كلما حدثتكم به لم يكن لى سماعا ولا رواية وإنما وجدته ونقل عنه أشياء أخر رديه ذكرناها في كتابنا الكبير ومات سنة عشرين ومائتين انتهى. (1) أي ذكر آيتين بعدها وعدهما من آية الكرسي فاطلاق آية الكرسي عليها على إرادة الجنس وتكون ثلاث آيات كما يدل عليه بعض الاخبار. (آت). (2) الظاهر أنه كان عن بكر بن محمد فزيد فيه ” أبى ” من النساخ (آت) والسند مجهول. (3) البقرة: 214. (4) البقرة: 102.

[ 291 ]

من حجد ومنهم من أقر ومنهم من بدل) ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب (1) “. 441 – محمد بن يحيى. عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حماد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن الفيض قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): يمرض منا المريض فيأمره المعالجون بالحمية (2) فقال: لكنا أهل بيت لا نحتمي إلا من التمر ونتداوى بالتفاح والماء البارد، قلت: ولم تحتمون من التمر؟ قال: لان نبي الله حمى عليا (عليه السلام) منه في مرضه. 442 – عنه عن أحمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب. عن الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تنفع الحمية لمريض بعد سبعة أيام. 443 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: ليس الحمية أن تدع الشئ أصلا لا تأكله ولكن الحمية أن تأكل من الشئ وتخفف. 444 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى. عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن المشي للمريض نكس، إن أبي (عليه السلام). كان إذا اعتل جعل في ثوب فحمل لحاجته يعني الوضوء وذاك أنه كان يقول: إن المشى للمريض نكس (3). 445 – علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة أن رجلا دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: رأيت كأن الشمس طالعة على رأسي دون جسدي فقال: تنال أمرا جسيما ونورا ساطعا ودينا شاملا فلو غطتك لا نغمست فيه ولكنها غطت رأسك أما قرأت ” فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي… فلما أفلت (4) “


(1) البقرة: 211، وقوله (عليه السلام)، ” فمنهم من آمن الخ ” ذكره توضيحا وتفسيرا للاية. (2) الحمية – بالكسر -: ما حمى من الشئ ومنع المريض عما يضره، يقال: المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء. (3) نكس المريض: عاوده المرض. (4) أنعام: 78. وبزغت الشمس بزغا وبزوغا: شرقت، وبازغة أي طالعة.

[ 292 ]

تبرأ منها إبراهيم (عليه السلام)، قال: قلت: جعلت فداك إنهم يقولون: إن الشمس خليفة أو ملك؟ فقال: ما أراك تنال الخلافة ولم يكن في آبائك وأجدادك ملك (1) وأي خلافة وملوكية أكبر من الدين والنور ترجو به دخول الجنة، إنهم يغلطون، قلت: صدقت جعلت فداك. 446 – عنه (2)، عن رجل رأى كأن الشمس طالعة على قدميه دون جسده، قال: ما يناله نبات من الارض من بر أو تمر يطأه بقدميه ويتسع فيه وهو حلال إلا أنه يكد فيه كما كد آدم (عليه السلام) (3). 447 – علي، عن أبيه، عن الحسن بن علي. عن أبي جعفر الصائغ، عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبو حنيفة فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال لي: يا ابن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، قال: فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيرا ونثرته علي، فتعجبت من هذه الرؤيا فقال: أبو حنيفة أنت رجل تخاصم و تجادل لئاما (4) في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): أصبت والله يا أبا حنيفة، قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال: يا ابن مسلم لا يسؤك الله، فما يواطى تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره، قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ، قال: فقلت له: فما تأوليها؟ قال: يا ابن مسلم إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثيابا جددا فإن القشر كسوة اللب، قال ابن مسلم: فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية


(1) يظهر منه أن تعبير الرؤيا يختلف باختلاف الاشخاص ويحتمل أن يكون الغرض بيان خطاء أصل تعبيرهم بان ذلك غير محتمل لا أن هذا غير مستقيم في خصوص تلك المادة. (آت) (2) الضمير راجع إلى ابن اذينة ويحتمل الارسال. (آت) (3) الكد: الشدة والالحاح والطلب. (4) في بعض النسخ [ أياما ].

[ 293 ]

فأعجبتني فأمرت غلامي فردها ثم أدخلها داري فتمتعت بها فأحست بى وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيت أنا فمزقت علي ثيابا جددا كنت ألبسها في الاعياد. وجاء موسى الزوار العطار (1) إلى أبى عبد الله (عليه السلام) فقال له: يا ابن رسول الله رأيت رؤيا هالتني، رأيت صهرا لي ميتا وقد عانقني، وقد خفت أن يكون الاجل قد اقترب، فقال: يا موسى: توقع الموت صباحا ومساءا فإنه ملاقينا ومعانقة الاموات للاحياء أطول لاعمارهم فما كان اسم صهرك؟ قال: حسين فقال: أما إن رؤياك تدل على بقائك وزيارتك أبا عبد الله (عليه السلام) فإن كل من عانق سمي الحسين يزوره إن شاء الله 448 – إسماعيل بن عبد الله القرشي قال: أتى إلى أبي عبد الله (عليه السلام) رجل فقال له: يا ابن رسول الله رأيت في منامي كأني خارج من مدينة الكوفة في موضع أعرفه وكان شبحا من خشب أو رجلا منحوتا (2) من خشب على فرس من خشب يلوح بسيفه (3) وأنا [ أ ] شاهده، فزعا مرعوبا، فقال له (عليه السلام): أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته (4)، فاتق الله الذي خلقك ثم يميتك فقال الرجل: أشهد أنك قد أوتيت علما واستنبطته من معدنه، اخبرك يا ابن رسول الله عما [ قد ] فسرت لي أن رجلا من جيراني جاءني وعرض علي ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير (5) لما عرفت أنه ليس لها طالب غيري، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وصاحبك يتولانا ويبرأ من عدونا؟ فقال: نعم يا ابن رسول الله رجل جيد البصيرة، مستحكم الدين وأنا تائب إلى الله عز وجل و إليك مما هممت به ونويته، فأخبرني يا ابن رسول الله لو كان ناصبا حل لي اغيتاله؟ فقال: أد الامانة لمن ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين (عليه السلام).


(1) الظاهر أنه ايضا من كلام محمد بن مسلم وكأن الزوار كان لقب موسى (آت) (2) الترديد من الراوي. (آت) وقوله: ” رجلا منحوتا ” من النحت يعنى تراشيده شده أز چوب. (3) يقال: لوح بسيفه – على بناء التفعيل – أي لمع به. (آت) (4) أي إهلاكه خدعة بسبب سلب معيشته. (5) الوكس – كالوعد -: النقصان.

[ 294 ]

449 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب. عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي، عن عبد الملك بن أعين قال: قمت من عند أبي جعفر (عليه السلام) فاعتمدت على يدي فبكيت، فقال: ما لك؟ فقلت: كنت أرجو أن أدرك هذا الامر وبي قوة، فقال: أما ترضون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضا وأنتم آمنون في بيوتكم. إنه لو قد كان ذلك أعطى الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعلت قلوبكم كزبر الحديد (1)، لو قذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الارض وخزانها (2). 450 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سفيان الجريري، عن أبي مريم الانصاري، عن هارون ابن عنترة، عن أبيه قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) مرة بعد مرة وهو يقول وشبك أصابعه بعضها في بعض ثم قال: تفرجي تضيقي وتضيقى تفرجي (3)، ثم قال: هلكت المحاضير ونجى المقربون وثبت الحصى على أوتادهم، أقسم بالله قسما حقا إن بعد الغم فتحا عجبا.


(1) قال الجوهري: الزبرة: القطعة من الحديد والجمع زبر – بالضم – (2) ” قوام الخلق ” أي القائمين بامور الخلق والحكام عليهم في الارض، وقوله: ” وخزانها ” أي يجعل الامام ضبط أموال المسلمين في أيديكم. وفى بعض النسخ [ وجيرانها ] أي تجيرون الناس من الظلم وتنصرونهم. (آت). (3) ” وشبك بين أصابعه ” بأن أدخل أصابع إحدى اليدين في الاخر وكان يدخلها إلى أصول الاصباغ تم يخرجها إلى رؤوسها تشبيها لتضيق الدنيا وتفرجها بهاتين الحالتين (آت). وقوله (عليه السلام): ” تفرجى تضيقي وتضيقى تفرجى ” يعنى من كان في الدنيا يختلف عليه الاحوال فربما يكون في فرج وربما يكون في ضيق قال الله سحبانه: ” فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ” فالحزم أن لا يستعجل الفرج من كان في الضيق بل يصير حتى يأتي الله له بالفرج لانه في الضيق يتوقع الفرج وفى الفرج يخاف الضيق. قوله: ” والمقربون ” على صيغة الفاعل من التقريب هم الذين يعدون الفرج قريبا كما قال الله سبحانه: ” إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ” وإنما نجوا لتيقنهم بمجيئه وانشراح صدورهم بنور اليقين وقوله ” وثبت الحصى على أوتادهم ” كأنه كناية عن استقامة امرهم وثباته. (في) وقوله: ” هلكت المحاضير ” أي المستعجلون للفرج قبل أوانه وقد مر تفسيره. (آت).

[ 295 ]

451 – محمد بن يحيى. عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا ميسر كم بينكم وبين قرقيسا (1)؟ قلت: هي قريب على شاطئ الفرات فقال: أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والارض ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والارض مأدبة للطير (2) تشبع منها سباع الارض وطيور السماء يهلك فيها قيس ولا يدعى لها داعية (3) قال: وروي غير واحد وزاد فيه وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين (4). 452 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد. عن حماد بن عيسى. عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل. 453 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم. عن هشام بن سالم، عن شهاب بن عبد ربه قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا شهاب يكثر القتل في أهل بيت من قريش حتى يدعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها، ثم قال: يا شهاب ولا تقل: إني عنيت بني عمي (5) هؤلاء، قال شهاب: أشهد أنه قد عناهم. 454 – حميد بن زياد. عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد. عن أبان بن عثمان، عن الفضيل عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن يدعو إلى نفسه إلا نظرا للناس و


(1) في البعض النسخ [ قرقيسيا ]. (2) أي تكون هذه البلدة لكثرة لحوم القتلى فيها مأدبة للطيور. (3) ” يهلك فيها قيس ” أي قبيلة بنى قيس وهى بطن من أسد. ” ولا تدعى ” على بناء المجهول أي لا يدعو احد لنصر تلك القبيلة نفسا أو فئة تدعو الناس إلى نصرهم أو تشفع عند القاتلين وتدعوهم إلى رفع القتل عنهم. ويمكن أن يقرء بتشديد الدال على بناء. المعلوم أي لا تدعى بعد قتلهم فئة تقوم وتطلب ثارهم وتدعوا الناس إلى ذلك. (آت). (4) هلموا نداء للطيور والسباع. (آت) (5) أي بنى الحسن أو بنى العباس وما حمل شهاب كلامه عليه من التقية يؤيد الثاني ولكن ما ذكره (عليه السلام) من كثرة القتل كان في بنى الحسن أظهر وإن كان وقع في بنى العباس أيضا في أواخر دولتهم (آت)

[ 296 ]

تخوفا عليهم أن يرتدوا عن الاسلام (1) فيعبدوا الاوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان الاحب إليه أن يقرهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن جميع الاسلام وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا. فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لامير المؤمنين (عليه السلام) فإن ذلك لا يكفره ولا يخرجه من الاسلام ولذلك كتم علي (عليه السلام) أمره وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا. 455 – حدثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى. عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن عبد الرحيم القصير قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام) إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال: يا عبد الرحيم إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل جاهلية، إن الانصار اعتزلت فلم تعتزل بخير (2) جعلوا يبايعون سعدا وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية (3)، يا سعد أنت المرجاء وشعرك المرجل وفحلك المرجم. 456 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد من أصحابه عن أبان بن عثمان، عن أبي جعفر الاحول: والفضيل بن يسار، عن زكريا النقاض (4). عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الناس صاروا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة من اتبع هارون (عليه السلام) ومن اتبع العجل وإن أبا بكر دعا فأبى علي (عليه السلام) (5) إلا القرآن


(1) أي عن ظاهر الاسلام والتكلم بالشهادتين فابقاؤهم على ظاهر الاسلام كان صلاحا للامة ليكون لهم طريق إلى قبول الحق وإلى الدخول في الايمان. (آت) (2) أي لم يكن اعتزالهم لاختيار الحق أو لترك الباطل بل اختاروا باطلا مكان باطل آخر للحمية والعصبية. (آت) (3) قال الفيروز آبادى: الرجز – بالتحريك -: ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرأت سمى به لتقارب أجزائه وقلة حروفه وزعم الخليل أنه ليس بشعر وانما هو أنصاف ابيات وأثلاث، و قوله: ” انت المرجاء ” – بالتشديد – من الرجاء. قوله: ” وفحلك المرجم ” أي خصمك مرجوم مطرود. (آت) (4) هو زكريا بن عبد الله النقاض أبو يحيى (5) كذا. أي أي دعا عليا (عليه السلام) إلى موافقته أو جميع الناس إلى بيعته ومتابعته وموافقته فلم يعمل أمير المؤمنين في زمانه الا بالقرآن ولم يوافقه. (آت)

[ 297 ]

وإن عمر دعا فأبى علي (عليه السلام) إلا القرآن وإن عثمان دعا فأبى علي (عليه السلام) إلا القرآن وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلال [ – ة ] فصاحبها طاغوت. (حديث ابى ذر رضى الله عنه) 457 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن عبد الله بن محمد، عن سلمة اللؤلوئي، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ألا اخبركم كيف كان إسلام سلمان و أبي ذر فقال الرجل وأخطأ: أما إسلام سلمان فقد عرفته فأخبرني باسلام أبي ذر فقال: إن أبا ذر كان في بطن مر (1) يرعا غنما له فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ثم قال له أبو ذر: ما رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا، فقال له الذئب: شر والله مني أهل مكة بعث الله عز وجل إليهم نبيا فكذبوه وشتموه فوقع في اذن أبي ذر. فقال لامرأته: هلمي مزودي (2) وأداوتي وعصاي، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلوا فخرج لبن فقال في نفسه: هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي (صلى الله عليه وآله) كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه، قال: فكفوا فما زال يحدثهم ويكلمهم حتى كان آخر النهار، ثم قام وقمت على أثره فالتفت إلي فقال: اذكر حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما تصنع به؟ قلت: أو من


(1) ” بطن مر ” هو – بفتح الميم وتشديد الراء – موضع على مرحلة من مكة. (آت) (2) هلم بمعنى تعال ويستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وأهل نجد يصرفونها فتقولون: هلما وهلموا وهلمي. والمزود: ما يجعل فيه الزاد. (القاموس)

[ 298 ]

به واصدقه واعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: وتفعل؟ فقلت: نعم قال: فتعال غدا في هذا الوقت إلي حتى أدفعك إليه، قال: بت تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم فما زالوا في ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب فلما رأوه قال بعضهم لبعض: أمسكوا فقد جاء عمه، فأمسكوا فما زال يحدثهم حتى قام فتبعته فسلمت عليه فقال: اذكر حاجتك؟ فقلت: النبي المبعوث فيكم قال: وما تصنع به؟ فقلت: أو من به واصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، قال: وتفعل؟ قلت: نعم، فقال: قم معي، فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة (عليه السلام) فسلمت عليه وجلست فقال: لي ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم فقال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أو من به واصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فشهدت قال: فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر (عليه السلام) فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر (عليه السلام): ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه؟ فقلت: أو من به واصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، قال: فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي (عليه السلام) فسلمت وجلست، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم قال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أو من به واصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمت وجلست، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما حاجتك؟ قلت: النبي المبعوث فيكم، قال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أو من به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا، قال: فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي الله عنه وأما حديث


[ 299 ]

سلمان (1) فقد سمعته فقال: جعلت فداك حدثني بحديث سلمان، فقال: قد سمعته، ولم يحدثه لسوء أدبه. 458 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن ثمامة بن أثال (2) أسرته خيل النبي (صلى الله عليه وآله) وقد


(1) حديث اسلام سلمان – رضي الله عنه – رواه الصدوق – رحمه الله – في كتاب كمال الدين مفصلا عن موسى بن جعفر (عليه السلام) واورده صاحب الوافي في روضة الوافي ابواب القصص باب قصة سلمان – رضي الله عنه – فليراجع. (2) قال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب: ثمامة بن اثال الحنفي سيد أهل اليمامة روى حديثه أبو هريرة، ذكره عبد الزراق عن عبيد الله ابني عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن ثمامة الحنفي اسر، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ما عندك يا ثمامة؟ قال: ان تقتل تقتل ذا دم وان تمنن تمنن على شاكر وان ترد المال تعط ما شئت، قال: فغدا عليه يوما فقال له مثل ذلك وأسلم فأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يغتسل، وروى عمارة بن غزية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: خرج ثمامة بن أثال الحنفي معتمرا فظفرت به خيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنجد فجاؤوا به فاصبح مربوطا باسطوانة عند باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرآه فعرفه فقال: ما تقول يا ثمام؟ قال: إن تسأل مالا تعطه وإن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر فمضى عنه وهو يقول: اللهم إن أكلة من لحم جزور أحب إلي من دم ثمامة ثم كر عليه فقال ما تقول يا ثمام؟ فقال ان تسأل مالا تعطه وان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر فدخل النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: اللهم إن أكلة من لحم جزور أحب إلى من دم ثمامة، ثم خرج فقال: ما تقول يا ثمام؟ قال: ان تسأل مالا تعطه وان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر قال اللهم ان أكلة من لحم جزور أحب إلى من دم ثمامة، ثم أمر به فأطلق فذهب ثمامة إلى المصانع فغسل ثيابه واغتسل، ثم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأسلم وشهد شهادة الحق وقال: يا رسول الله ان خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فمر من يسيرني إلى الطريق فأمر من يسيره فخرج حتى إذا قدم مكة فلما سمع به المشركون جاؤوه فقالوا: يا ثمامة صبوت وتركت دين آبائك؟ قال لا ادري ما تقولون الا أني أقسمت برب هذه البينة لا يصل اليكم من اليمامة شئ مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم قال: وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة، ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من ميرتهم ومنافعهم فلما اضر بهم كتبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) ان عهدنا بك وانت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها وان ثمامة قد قطع عنا ميرتنا و أضر بنا فان رايت ان تكتب إليه ان يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 300 ]

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم أمكني من ثمامة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني مخيرك واحدة من ثلاث: أقتلك، قال: إذا تقتل عظيما أو أفاديك، قال: إذا تجدني غاليا، أو أمن عليك قال: إذا تجدني شاكرا، قال: فإني قد مننت عليك قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله وقد والله أنك رسول الله حيث رأيتك وما كنت لاشهد بها وأنا في الوثاق. 459 – عنه، عن أبيه، عن أحمد بن محمد، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما ولد النبي (صلى الله عليه وآله) جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملا من قريش فيهم هشام بن المغيرة والوليد بن المغيرة والعاص بن هشام وأبو وجزة بن أبي عمرو بن امية وعتبة بن ربيعة فقال:


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” وسلم) أن خل بين قومي وبين ميرتهم. وكان ثمامة حين أسلم قال: يا رسول الله والله لقد قدمت عليك وما على الارض وجه أبغض الي من وجهك ولا دين أبغض إلى من دينك ولا بلد أبغض إلى من بلدك وما اصبح على الارض وجه أحب الي من وجهك ولا دين أحب إلى من دينك ولا بلد أحب الي من بلدك، وقال محمد بن اسحاق ارتد اهل اليمامة عن الاسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه فكان مقيما باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه ويقول إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وانه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة فلما عصوه ورأى انهم قد اصفقوا على اتباع مسيلمة عزم على مفارقتهم ومر العلاء بن الحضرمي ومن معه على جانب اليمامة فلما بلغه ذلك قال لاصحابه من المسلمين: اني والله ما أرى أن اقيم مع هؤلاء مع ما قد احدثوا وان الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون وما نرى انت نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون وقد عرفنا الذي يريدون وقد مروا قريبا ولا أرى الا الخروج إليهم فمن أراد الخروج منكم فليخرج فخرج ممدا للعلاء بن الحضرمي ومعه اصحابه من المسلمين فكان ذلك قد فت في اعضاد عدوهم حين بلغهم مدد بني حنيفة وقال ثمامة بن أثال في ذلك: دعانا إلى ترك الديانة والهدى * مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع فيا عجبا من معشر قد تتابعوا * له في سبيل الغي والغي اشنع في ابيات كثيرة ذكرها ابن اسحق في الردة وآخرها: وفي البعد عن دار وقد ضل أهلها * هدى واجتماع كل ذلك مهيع وروى ابن عيينة عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن ابي هريرة نحو حديث عمارة بن غزية ولم يذكر الشعر وبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرات بن حيان إلى ثمامة بن أثال في قتال مسيلمة وقتله. انتهى.

[ 301 ]

أولد فيكم مولود الليلة؟ فقالوا: لا، قال: فولد إذا بفلسطين (1) غلام اسمه أحمد به شامة كلون الخز الادكن (2) ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه قد أخطاكم والله يا معشر قريش (3) فتفرقوا وسألوا فاخبروا أنه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فطلبوا الرجل فلقوه، فقالوا: إنه قد ولد فينا والله غلام قال: قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم؟ قالوا: قبل أن تقول لنا، قال: فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه، فانطلقوا حتى أتوا امه فقالوا: اخرجي ابنك حتى ننظر إليه، فقالت: إن ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان لقد اتقى الارض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى (4) وسمعت هاتفا في الجو يقول: لقد ولدتيه سيد الامة فإذا وضعتيه فقولي: اعيذه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا، قال الرجل: فأخرجيه فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخر مغشيا عليه فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى امه وقالوا: بارك الله لك فيه، فلما خرجوا أفاق فقالوا له: ما لك ويلك؟ قال: ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة هذا والله من يبيرهم (5) ففرحت قريش بذلك فلما رآهم قد فرحوا قال [ قد ]: فرحتم أما والله ليسطون بكم سطوة (6) يتحدث بها أهل المشرق و المغرب وكان أبو سفيان يقول: يسطو بمصره (7).


(1) فلسطين: كورة بالشام وقرية بالعراق، (القاموس) (2) ” شامة ” أي خال وعلامة و المراد خاتم النبوة. وقوله ” كلون الخز الادكن ” قال الجوهري: الدكنة: لون يضرب إلى السواد والشئ أدكن. (3) الظاهر: اخطأتم كما في تفسير على بن ابراهيم وعلى ما في اكثر نسخ الكتاب يمكن ان يقرأ بالهمزة وغيره وعلى التقديرين يكون المراد جاوزكم خبره ولم يصل بعد إليكم أو جاوزكم أمره ولا محيص لكم عنه. (آت) (4) بصرى – بالضم والقصر -: بلد بالشام وهي التي وصل إليها النبي (صلى الله عليه وآله) للتجارة وهي المشهورة عند العرب والاخرى قرية من قرى بغداد قرب عكبر. (المراصد) (5) أباره: اهلكه. (6) السطو: القهر بالبطش، يقال: سطا به، والسطوة المرة الواحدة قوله: ” يسطو بمصره ” الظاهر انه قاله على الهزء والانكار أي كيف يقدر على أن يسطو بمصره أو كيف يسطو بقومه وعشيرته. (آت) (7) في خرائج الراوندي وبعض نسخ الكتاب [ يسطو بمضره ].

[ 302 ]

460 – حميد بن زياد، عن محمد بن أيوب، عن محمد بن زياد، عن أسباط بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان حيث طلقت آمنة (1) بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي (صلى الله عليه وآله) حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت فقالت، إحداهما للاخرى: هل ترين ما أرى؟ فقالت: وما ترين؟ قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب فبينما هما كذلك إذا دخل عليهما أبو طالب فقال لهما: ما لكما من أي شئ تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال: لها أبو طالب: ألا ابشرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود (2). 461 – محمد بن أحمد (3)، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس، وعن عبد العزيز بن المهتدي، عن رجل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) في قوله تعالى: ” من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم (4) ” قال: صلة الامام في دولة الفسقة (5). 462 – يونس، عن سنان بن طريف قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينبغي للمؤمن أن يخاف الله تبارك وتعالى خوفا كأنه مشرف على النار ويرجوه رجاءا كأنه من أهل الجنة ثم قال: إن الله عز وجل عند ظن عبده إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. 463 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة إذ جاءه رسول من المدينة فقال له: من صحبت؟ قال: ما صحبت أحدا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كنت تقدمت إليك (6) لاحسنت أدبك؟ ثم قال: واحد شيطان واثنان شيطانان وثلاث صحب وأربعة رفقاء.


(1) طلقت – بكسر اللام -: أي اخذها الطلق وهو وجع المخاض. (2) روى الصدوق باسناده عن عبد الله بنت مسكان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ان فاطمة بنت اسد جاءت إلى ابي طالب تبشره بمولد النبي فقال لها أبو طالب: اصبري لي سبتا اتيك بمثله الا النبوة وقال: السبت ثلاثون سنة وكان بين رسول الله وامير المؤمنين ثلاثون سنة. (آت) (3) الظاهر أنه محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي روى عن عبد الله بن الصلت كما مر ويأتي. (4) الحديد: 11. (5) أي هي افضل افراده ويحتمل اختصاصه بها. (آت) (6) أي لو كنت ادركتك عند خروجك من المدينة لعلمتك أن لا تفعل ما فعلت، أو المراد لو كنت نصحتك واوصيت اليك قبل هذا وعلمت انه لا ينبغي ذلك ثم فعلت ما فعلت لضربتك وأدبتك. (آت)

[ 303 ]

464 – عنه، عن أحمد، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه قال: حدثني محمد بن المثنى قال: حدثني رجل من بني نوفل بن عبد المطلب قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحب الصحابة إلى الله أربعة وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم (1). 465 – عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عمن ذكره، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده (عليهما السلام) في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد يا علي إن الرجل إذا سافر وحده فهو غاو (2) والاثنان غاويان والثلاثة نفر، قال: وروي بعضهم سفر. 466 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد بن وعلي بن محمد القاساني عن سليمان بن داود، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في وصية لقمان لابنه: يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وخبائك وسقائك وأبرتك وخيوطك ومخرزك (3) وتزود معك من الادوية ما تنتفع بها أنت ومن معك وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل. 467 – علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفره. 468 – علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا سافر إلى الحج والعمرة تزود من أطيب الزاد، من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلى.


(1) اللغط: صوت وضجة لا يفهم معناه. (النهاية). (2) أي ضال عن طريق الحق أو يضل في سفره والاول أظهر وقوله: ” والثلاثة نفر ” أي جماعة يصح أن يجتزى بهم في السفر ثم اعلم أن ظاهر بعض الاخبار أن المراد رفيق الزاد وظاهر بعضها رفيق السير فلا تغفل. (آت) (3) ” وخبائك ” هي – ككتاب -: الخيمة والمخرز: ما يخرز به الخف ونحوه. (آت)

[ 304 ]

469 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: دخلت عليه يوما فألفى إلى ثيابا وقال: يا وليد ردها على مطاويها فقمت بين يديه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): رحم الله المعلى بن خنيس، فظننت أنه شبه قيامي بن يديه بقيام المعلى بين يديه، ثم قال: اف للدنيا اف للدنيا إنما الدنيا دار بلاء يسلط الله فيها عدوه على وليه وإن بعدها دارا ليست هكذا، فقلت: جعلت فداك وأين تلك الدار؟ فقال: ههنا وأشار بيده إلى الارض (1). 470 – محمد بن أحمد، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس عمن ذكره، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب (2). عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل: ” يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا (3) ” والله ما أراد بهذا غيركم. 471 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن عمر بن اذينه، عن زرارة قال: حدثني أبو الخطاب في أحسن ما يكون حالا قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ” فقال: وإذا ذكر الله وحده (بطاعة من أمر الله بطاعته من آل محمد) اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين لم يأمر الله بطاعتهم إذا هم يستبشرون (4) “. 472 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم صاحب الشعير، عن كثير بن كلثمة، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل: ” فتلقى آدم من ربه كلمات (5) ” قال: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سواء وظلمت


(1) أي القبر أو الجنة الدنيا ونارها اللتان تكون فيهما ارواح المؤمنين والكفار في البرزخ أو الارض في زمن القائم أو ارض القيامة ولا يخفى بعد الاولين. (آت) (2) أي بالاستغفار لهم كما يشهد به استشهاده بالاية. (آت) (3) المؤمن: 7. (4) الزمر: 45. لما كان ترك طاعة من أمر الله تعالى بطاعته بمنزلة الشرك بالله حيث لم يطع الله في ذلك وأطاع شياطين الجن والانس فلذا عبر عن طاعة أولى الامر بذكر الله وحده، أو لان توحيده تعالى لما لم يعلم الا بالاخذ عنهم سمى ولايتهم توحيدا. والاشمئزاز: الانقباض والانكار (آت) (5) البقرة: 37.

[ 305 ]

نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم وفي رواية أخرى في قوله عز وجل: ” فتلقى آدم من ربه كلمات ” قال: سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (صلى الله عليهم). 473 – محمد بن يحيى، بن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي ايوب الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال لما رأى إبراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات والارض (1) التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله عز ذكره إليه يا إبراهيم إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فانى لو شئت لم أخلقهم، إنى خلقت خلقي على ثلاثة اصناف عبدا يعبدني لا يشرك بى شيئا فاثيبه وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني وعبدا عبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني، ثم التفت فراى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر تجيئ سباع البحر فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجيئ سباع البر فتأكل منها فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب ابراهيم (عليه السلام) مما رأى وقال: ” رب أرنى كيف تحيي الموتى (2) ” قال: كيف تخرج ما تناسل التي أكل بعضها بعضا (3)؟ ” قال أ ولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ” يعني حتى أرى هذا كما رأيت الاشياء كلها ” قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ” فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في السباع التي أكل بعضها بعضا، فخلط ” ثم [ ا ] جعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا ” فلما دعاهن أجبنه وكانت الجبال عشرة


(1) اشارة الى قوله تعالى: ” وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين ” والملكوت هو الملك والتاء للمبالغة كالرغبوت من الرغبة والرهبوت من الرهبة. والاية في سورة الانعام: 75. (2) البقرة: 260. (3) هذا تفسير لقوله: ” كيف تحيى الموتى “.

[ 306 ]

474 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن الحر والبرد مما يكونان؟ فقال لي: يا أبا أيوب (1) إن المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف وأول الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل وذلك في أول الشتاء وآخر الخريف فلذلك يشتد البرد وكلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر وإذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس هذا تقدير العزيز العليم وأنا عبد رب العالمين (2). 475 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي من أحبك ثم مات فقد قضى نحبه ومن (3) أحبك ولم يمت فهو ينتظر وما طلعت شمس ولا غربت إلا طلعت عليه برزق وإيمان – وفي نسخة نور -. 476 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على امتي زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا ولا يريدون به ما عند الله ربهم، يكون دينهم رياءا، لا


(1) لم يكن سليمان معروفا بهذه الكنية في كتب الرجال بل يكنى بابي الربيع. (2) لعله كان في المجلس من يذهب مذهب الغلاة أو علم (عليه السلام) أن في قلب الراوي شيئا من ذلك فنفاه واذعن بعبودية نفسه وأن الله رب العالمين. (آت). ولا ينافي هذا الحديث حدوث الحرارة في الصيف بارتفاع الشمس والبرودة في الشتاء بانخفاضها لجواز أن يكون لكلا الامرين مدخل في ذلك احدهما يكون خفيا والاخر جليا. (في) (3) اشارة إلى قوله تعالى في سورة الاحزاب: ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا “. وقال الطبرسي: ” من قضى نحبه ” أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب وقيل: ” قضى نحبه ” أي فرغ من عمله ورجع إلى ربه.

[ 307 ]

يخالطهم خوف يعمهم الله (1) منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم. (حديث الفقهاء والعلماء) 477 – عنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كانت الفقهاء والعلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهن رابعة: من كانت همته آخرته كفاه الله همه من الدنيا ومن أصلح سريرته (2) أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله تبارك وتعالى فيما بينه وبين الناس. 478 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن سعدان بن مسلم، عن بعض اصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال. كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال: اللهم آنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا، فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم عليه وقال له: من أنت يا عبد الله فقال: أنا أبو ذر، فقال الرجل: الله أكبر الله أكبر، فقال أبو ذر: ولم تكبر يا عبد الله؟ فقال: إني دخلت المسجد فدعوت الله عز وجل أن يؤنس وحشتي وأن يصل وحدتي وأن يرزقني جليسا صالحا، فقال له أبو ذر: أنا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا وأنتم على ترعة يوم القيامة (3) حتى يفرغ الناس من الحساب قم يا عبد الله فقد نهى السلطان (4) عن مجالستي. 49 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله


(1) كاستيلاء الظلمة واهل الجور وغير ذلك مما ابتلى به الناس. (2) أي قلبه ونيته. (3) الترعة: الباب، يقال: ” فتح ترعة الدار ” والروضة ومسيل الماء إلى الروضة ونهر عميق مصنوع بين نهرين أو بحرين أو قطع أخرى من الماء، جمع ترع. وقال: ذلك مخاطبا لقوم كان أبو ذر فيهم وانما ذكر ذلك لتأييد كلام الرجل. (4) أراد بالسلطان عثمان بن عفان.

[ 308 ]

(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الاسلام إلا اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود. 480 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن محمد بن الحسين بن يزيد قال: سمعت الرضا (عليه السلام) بخراسان وهو يقول: إنا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب وورثنا الشكر من آل داود – وزعم أنه كان كلمة اخرى و نسيها محمد، فقلت: له: لعله وورثنا الصبر من آل أيوب؟ فقال: ينبغي. قال علي بن أسباط: وإنما قلت ذلك لاني سمعت يعقوب بن يقطين يحدث عن بعض رجاله قال: لما قدم أبو جعفر المنصور المدينة سنة قتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله ابن الحسن التفت إليه عمه عيسى بن علي فقال له: يا أبا العباس إن أمير المؤمنين قد رأى أن يعضد شجر المدينة (1) وأن يعور عيونها وأن يجعل أعلاها أسفلها، فقال له: يا أمير المؤمنين هذا ابن عمك جعفر بن محمد بالحضرة فابعث إليه فسله عن هذا الرأي، قال: فبعث إليه فأعلمه عيسى فأقبل عليه فقال له: يا أمير المؤمنين إن داود (عليه السلام) اعطى فشكر وإن أيوب (عليه السلام) ابتلى فصبر وإن يوسف (عليه السلام) عفا بعد ما قدر، فاعف فإنك من نسل اولئك. 481 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن زرعة بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا (2) ” فقال: كانت اليهود تجد في كتبها


(1) أراد بامير المؤمنين نفسه الخبيثة ويريد بقوله: ” يعضد شجر المدينة ” قطعها وبقوله: ” يعور عيونها ” سد أعينها التي ينبع منها الماء. (آت) (2) البقرة: 89. وقوله: ” يستفتحون ” في المجمع عن ابن عباس والعياشي كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الاوس والخزرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل مبعثه فلما بعثه الله تعالى من العرب ولم يكن من بني اسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء: يا معشر اليهود اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد (صلى الله عليه وآله) ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرونه أنه مبعوث فقال سلام بن مثكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشئ نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فانزل الله تبارك وتعالى هذه الاية.

[ 309 ]

أن مهاجر محمد (صلى الله عليه وآله) ما بين عير واحد (1) فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى حداد فقالوا: حداد (2) وأحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا (3) منه وقال لهم: أمر بكم ما بين عير واحد، فقال له: إذا مررت بهما فآذنا بهما، فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم: ذاك عير وهذا احد فنزلوا عن ظهر إبله، وقالوا: قد أصبنا بغيتنا (4) فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر: أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا، كتبوا إليهم: أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الاموال وما أقربنا منكم فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الاموال فلما كثر أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع (5) فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم فنزلوا إليه فقال لهم: إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له: إنه ليس ذاك لك، إنها مهاجر نبي وليس ذلك لاحد (6) حتى يكون ذلك، فقال لهم: إني مخلف فيكم من اسرتي (7) من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلف حيين الاوس والخزرج فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم: أما لو قد بعث محمد ليخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله عز وجل محمدا (صلى الله عليه وآله) آمنت به الانصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل: ” وكانوا


(1) عير: جبل بالمدينة. (الصحاح) (2) حدد – محركة -: جبل بتيماء وتيماء اسم موضع قريب من المدينة (القاموس) وقال المجلسي – رحمه الله -: لعله زيد الف حداد من النساخ أو كان جبل يسمى بكل منها. (3) من الكراء أي استأجروا منه. (4) أي حاجتنا. ومطلوبنا. (5) ” تبع ” – كسكر -: واحد التبايعة من ملوك حمير سمى تبعا لكثرة اتباعه وقيل: سموا تبابعة لان الاخير يتبع الاول في الملك وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الارض ومن فيها من العرب والعجم. (مجمع البحرين). (6) أي السلطنة في المدينة لان نزوله فيها كان على جهة السلطنة. (آت) (7) الاسرة بالضم من الرجل: الرهط الادنون (القاموس)

[ 310 ]

من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ” 482 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: ” وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ” قال: كان قوم فيما بين محمد وعيسى (صلى الله عليهما) وكانوا يتوعدون أهل الاصنام بالنبي (صلى الله عليه وآله) ويقولون: ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم [ وليفعلن ] فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفروا به. 483 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخزاز، عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة (1) والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني، فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية ” إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (2) ” فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل (3). 484 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن عليا وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي مناد [ في ] آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون (4).


(1) أي النداء الذي يأتي ذكره في الخبر الاتي. والخسف هي خسف جيش السفياني بالبيداء. (آت) (2) الشعراء: 4 اي منزل من السماء علامة تلجئهم وتضطرهم إلى الايمان. ” فظلت اعناقهم ” اي جماعاتهم ورؤساؤهم كما تقول: أتاني عنق من الناس، أي جماعة ويقال: ظلت اعناقهم أضاف الاعناق إليهم، يريد الرقاب ثم جعل الخبر عنهم لان خضوعهم بخضوع الاعناق. وقيل: أصله فظلوا خاضعين فاقحمت الاعناق لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله. (3) الظاهر أنه (عليه السلام) قرره على أن المراد بها الصيحة وبين أن الصيحة تصير سببا لخضوع اعناق أعداء الله. (آت) (4) قد مر مثله مع بيانه.

[ 311 ]

485 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة (1) على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: هكذا يزعمون فقال أبو جعفر (عليه السلام): بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم، فقال له أبو جعفر (عليه السلام) بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا بعلم، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت (2) وأنا أسألك؟ قال قتادة: سل قال: أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ: ” وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين (3) ” فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر (عليه السلام): نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ (4) قال قتادة: اللهم نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل: ” واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (5) ” ولم يعن البيت


(1) هو من مشاهير محدثي العامة ومفسريهم روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب والحسن البصري. (آت) (2) أي فأنت العالم المتوحد الذي لا يحتاج إلى المدح والوصف وينبغي أن يرجع اليك في العلوم. (آت) (3) 18. واعلم أن المشهور بين المفسرين أن هذه الاية لبيان حال تلك القرى في زمان قوم سبأ أي قدرنا سيرهم في القرى على قدر مقيلهم ومبيتهم لا يحتاجون إلى ماء ولا زاد لقرب المنازل والامر في قوله: ” سيروا ” متوجه إليهم على ارادة القول بلسان الحال أو المقال ويظهر من كثير من أخبارنا أن الامر متوجه إلى هذه الامة أو خطاب عام يشملهم أيضا. (آت) (4) الاجتياح: الاهلاك. (5) ابراهيم: 37 ” تهوى إليهم ” – بكسر الواو – أي تقصدهم وتهوى إليهم – بفتح الواو – على قراءة أمير المؤمنين وأبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد (عليهم السلام) بمعنى يحبهم ويهواهم ويميل إليهم. من هويت الشئ إذا أحببته وجاء تعديته بالى لان معنى هويت: ملت إليه.

[ 312 ]

فيقول: إليه، فنحن والله دعوة إبراهيم (عليه السلام) التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به. 486 – علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): أخبرني الروح الامين أن الله لا إله غيره إذا وقف الخلائق وجمع الاولين والآخرين اتي بجهنم تقاد بألف زمام، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ولها هدة وتحطم (1) وزفير وشهيق، وإنها لتزفر الزفرة فلولا أن الله عز وجل أخرها إلى الحساب لاهلكت الجميع، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فما خلق الله عبدا من عباده ملك ولا نبي إلا وينادي يا رب نفسي نفسي وأنت تقول: يا رب امتي أمتي، ثم يوضع عليها صراط أدق من الشعر وأحد من السيف، عليه ثلاث قناطر: الاولى عليها الامانة والرحمة (2) والثانية عليها الصلاة والثالثة عليها رب العالمين (3) لا إله غيره، فيكفلون الممر عليها فتحبسهم الرحمة والامانة فإن نجوا منها حبستهم الصلاة فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جل ذكره وهو قول الله تبارك وتعالى: ” وإن ربك لبالمرصاد (4) ” والناس على الصراط فمتعلق تزل قدمه وتثبت قدمه والملائكة حولها ينادون يا كريم يا حليم اعف واصفح وعد بفضلك وسلم، والناس يتهافتون (5) فيها كالفراش


(1) الهدة: صوت وقع الحائط ونحوه والتحطم: التلظي، ويقال: تحطم الرجل غيظا أي تلظى. (2) رواه علي بن ابراهيم في التفسير والصدوق في الامالى وفيهما ” الامانة والرحم ” والرحمة هنا بمعني الرحم وترك ظلم العباد وعلى روايتي الصدوق وعلي بن ابراهيم يمكن ان يقرء ” الرحم ” – بكسر الحاء – بمعنى صلة الرحم. (3) كذا في التفسير ولكن في الامالى ” عليها عدل رب العاملين “. (4) الفجر: 14. والمرصاد: الطريق والمكان يرصد فيه العدو. (5) التهافت: التساقط قطعة قطعة.

[ 313 ]

فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك وتعالى نظر إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد يأس بفضله ومنه إن ربنا لغفور شكور. 487 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا (1) ” قال: الخيرات الولاية وقوله تبارك وتعالى: ” أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ” يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا، قال: وهم والله الامة المعدودة قال: يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف (2). 488 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منذر بن جيفر، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: سيروا البردين (3)؟ قلت: إنا نتخوف من الهوام، فقال: إن أصابكم شئ فهو خير لكم مع أنكم مضمونون (4).


(1) البقرة: 148. (2) ” الامة المعدودة ” أي الذين ذكرهم الله في قوله: ” ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ” وقال الطبرسي – رحمه الله – معناه ولئن اخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب استيصال إلى أجل مسمى ووقت معلوم. والامة: الحين وقيل: إلى امة أي إلى جماعة يتعاقبون فيصيرون على الكفر ولا يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح وقيل: معناه إلى امة بعد هؤلاء نكلفهم فيعصون فيقتضى الحكمة اهلاكهم واقامة القيامة وقيل: ان الامة المعدودة هم اصحاب المهدي في آخر الزمان ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخزيف وهو المروى عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام). انتهى، وقزع الخريف أي قطع السحاب المتفرقة وانما خص الخريف لانه اول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك. (آت) (3) أي الغداة والعشي. وقوله: ” انا نتخوف الهوام ” هي جمع هامة وهي الدابة أو كل ذات سم يقتل والاول اظهر ويمكن أن يقرء بتشديد الواو وتخفيف الميم قال الفيروز آبادي: الهوام – كشداد -: الاسد (4) أي انتم معشر الشيعة ضمن الله لكم حفظكم، أي غالبا أو مع التوكل والتفويض التام. (آت) ويحتمل أن يكون المراد ما في قوله تعالى: ” هو الذي يسيركم في البر والبحر “.

[ 314 ]

489 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالسفر بالليل فإن الارض تطوى بالليل (1). 490 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن بشير النبال، عن حمران بن أعين قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): يقول الناس: تطوى لنا الارض بالليل كيف تطوى؟ قال: هكذا – ثم عطف ثوبه – (2). 491 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الارض تطوى في آخر الليل (3). 492 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز قال: أردنا أن نخرج فجئنا نسلم على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: كأنكم طلبتم بركة الاثنين؟ فقلنا: نعم فقال: وأي يوم أعظم شوما من يوم الاثنين يوم فقدنا فيه نبينا وارتفع الوحي عنا لا تخرجوا واخرجوا يوم الثلثاء. 493 – عنه، عن بكر بن صالح (4)، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: الشوم (5) للمسافر في طريقه خمسة أشياء (6): الغراب الناعق، عن يمينه، والناشر لذنبه (7)، والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو مقع على


(1) هذا كناية عن سهولة السير. (2) قال الجزري: في حديث السفر: أطو لنا الارض أي قربها وسهل السير فيها حتى لا تطول علينا فكأنها قد طويت ومنه الحديث أن الارض لتطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار أي يقطع مسافتها لان الانسان فية أنشط من النهار وأقدر على المشي والسير لعدم الحر وغيره. (3) يدل على أن السير في آخر الليل أسهل من سائره. (آت) (4) هو بكر بن صالح الرازي الضبي مولى بني ضبة روى عن ابي الحسن الكاظم (عليه السلام) ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب. (صه عن جش) (5) أي ما يتشأم به الناس وربما تؤثر بتأثر النفس بها ويرتفع تأثيرها بالتوكل وبالدعاء المذكور في هذا الخبر وغيره. (آت) (6) الظاهر سبعة كما في بعض نسخ الفقيه وفي بعضها ستة. ولكن في المحاسن كما في الكتاب (7) في الفقيه ” الكلب الناشر لذنبه ” وفي الخصال ” الناشر ” وكذا في المحاسن بدون الواو والمعنى الغراب الناشر لذنبه.

[ 315 ]

ذنبه يعوي (1) ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، والظبي السانح من يمين إلى شمال، والبومة الصارخة، والمرأة الشمطاء تلقاء فرجها (2)، والاتان العضباء يعني الجدعاء فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: ” اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي ” قال: فيعصم من ذلك. 494 – محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد الله (3)، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى زين شيعتنا بالحلم وغشاهم بالعلم لعلمه بهم قبل أن يخلق آدم (عليه السلام). 495 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عمر بن أبان، عن الصباح ابن سيابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الرجل ليحبكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله عز وجل الجنة وإن الرجل ليبغضكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله عز وجل النار وإن الرجل منكم لتملا صحيفته من غير عمل، قلت: وكيف يكون ذلك؟ قال: يمر بالقوم ينالون منا (4) فإذا رأوه قال: بعضهم لبعض كفوا فإن هذا الرجل من شيعتهم ويمر بهم الرجل من شيعتنا فيهمزونه (5) ويقولون فيه فيكتب الله له بذلك حسنات حتى يملاء صحيفته من غير عمل. 496 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كم بينك وبين البصرة؟ قلت: في الماء خمس إذا طابت الريح وعلى الظهر ثمان ونحو ذلك، فقال: ما أقرب هذا تزاوروا


(1) اقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه. (2) السانح ما مر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك. والشمطاء: قال الجوهرى: الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده والرجل أشمط والمرأة شمطاء. وقوله: ” تلقاء فرجها ” كذا في الاربعة ولعله تصحيف ” تلقاء وجهها ” أي شعر ناصيتها بياض مخلوط بالسواد وقيل: الظاهر أنه كناية عن استقبالها اياك ومجيئها من قبل وجهك فان فرجها من قدامها وقيل فيه وجوه أخر لا يخلو الجميع عن الركاكة. وقوله: ” والاتان العضباء ” أي المقطوعة الاذن وقال المجلسي – رحمه الله -: فسره بالجدعاء لئلا يتوهم أن المراد المشقوقة الاذن. (3) كذا. ولعله هو عبد الله بن الصلت. (4) أي يسبوننا ويعادوننا. (5) أي يعيبونه.

[ 316 ]

ويتعاهد بعضكم بعضا فإنه لا بد يوم القيامة من أن يأتي كل إنسان بشاهد يشهد له على دينه. وقال إن المسلم إذا رأى أخاه كان حياة لدينه إذا ذكر الله عز وجل. 497 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: والله لا يحبنا من العرب والعجم إلا أهل البيوتات والشرف والمعدن (1) ولا يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء إلا كل دنس ملصق (2). 498 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسن بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ” قال: لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة، قال: ” إن الله اصطفاه عليكم ” وقال: ” إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ” فجاءت به الملائكة تحمله وقال الله جل ذكره: ” إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ” فشربوا منه إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب فلما برزوا قال الذين اغترفوا: ” لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ” وقال الذين لم يغترفوا: ” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين “.


(1) ” أهل البيوتات ” أي ذوي الانساب والاحساب الشريفة والبيت يكون بمعنى الشرف و ” المعدن ” قال الجزري: المعدن مركز كل شئ ومنه الحديث: ” فعن معادن العرب تسألوني قالوا: نعم ” أي اصولها التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها. (آت) (2) ” من هؤلاء وهؤلاء ” أي العرب والعجم. والدنس – محركة -: الوسخ وينسب إلى الثوب والعرض والنسب والخلق أي ذى النسب أو الاخلاق. و ” الملصق ” – بتشديد الصاد ويخفف – الدعي المتهم في نسبه والرجل المقيم في الحي وليس منهم بنسب ووردت الاخبار المتواترة على أن حب أهل البيت علامة طيب الولادة وبغضهم علامة خبثها. (آت) (3) الايات في سورة البقرة: 246 إلى 249.

[ 317 ]

499 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قرأ ” أن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة “؟ قال: كانت تحمله في صورة البقرة. 500 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: ” يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ” قال: رضراض الالواح فيها العلم والحكمة (1). 501 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن ظريف، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال [ لي ] أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: فأي شئ إحتججتم عليهم؟. قلت: احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى ابن مريم (عليهما السلام): ” ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى (2) ” فجعل عيسى ابن مريم من ذرية نوح (عليه السلام). قال: فأي شئ قالوا لكم؟. قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فأي شئ احتججتم عليهم؟. قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله): ” قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفكسم (3) “.


(1) الرضراض: مادق من الحصى وفي بعض النسخ [ رضاض ] وهو – بالضم -: فتاته، و المراد اجزاؤها المنكسرة بعد أن ألقاها موسى (عليه السلام) وضمير فيها راجع إلى الالواح (آت). (2) انعام: 84 و 85. (3) آل عمران: 61.

[ 318 ]

قال: فأي شئ قالوا؟. قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول: ابناؤنا. قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود لاعطينكها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يردها إلا الكافر. قلت: وأين ذلك جعلت فداك؟. قال: من حيث قال الله تعالى: ” حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ” الآية إلى أن انتهى إلى قوله تبارك تعالى: ” وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم (1) ” فسلهم يا ابا الجارود هل كان يحل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا: نعم كذبوا وفجروا وإن قالوا: لا فهما ابناه لصلبه. 502 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين أبي العلاء الخفاف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما انهزم الناس يوم احد عن النبي (صلى الله عليه وآله) انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: أنا محمد أنا رسول الله لم أقتل ولم أمت، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وبقي معه علي (عليه السلام) وسماك بن خرشة أبو دجانة رحمه الله (2) فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا ابا دجانة انصرف وأنت في حل من


(1) النساء: 23. (2) ظاهر اكثر الاخبار يدل على انه لم يثبت مع النبي (صلى الله عليه وآله) يومئذ إلا علي (عليه السلام) وابو دجانة ولا خلاف بين العامة في أن عثمان كان من الفارين واختلفوا في عمر وروى كثير منهم انه فر وذهب أكثرهم إلى أن أبا بكر لم يفر قال ابن ابي الحديد: قال الواقدي: حدثني موسى بن يعقوب عن عمته عن امها عن المقداد قال: لما تصاف القوم للقتال يوم أحد جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت راية مصعب بن عمير فلما قتل اصحاب اللواء وهزم المشركون الهزيمة الاولى وأغار المسلمون على معسكرهم ينهبونه ثم كر المشركون على المسلمين فاتوهم من خلفهم فتفرق الناس ونادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اصحاب الالوية فقتل مصعب بن عمير حامل لوائه (صلى الله عليه وآله) واخذ راية الخزرج سعد بن عبادة فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحتها و أصحابه محدقون به ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الردم أحد بني عبد الدار آخر نهار ذلك اليوم و ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 319 ]

بيعتك، فأما علي فأنا هو وهو أنا فتحول وجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وبكى وقال: لا والله ورفع رأسه إلى السماء وقال: لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك فإلى من أنصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب ومال يفنى


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” نظرت إلى لواء الاوس مع أسيد بن حضير فناوشوا المشركين ساعة واقتتلوا على اختلاط الصفوف ونادى المشركون بشعارهم يا للعزى يا لهبل فاوجعوا والله فينا قتلا ذريعا ونالوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نالوا لا والذي بعثه بالحق ما زال شبرا واحدا انه لفي وجه العدو وتثوب إليه طائفة من اصحابه مرة وتتفرق عنه مرة، [ فربما رأيته قائما يرمى عن قوسه أو يرمى بالحجر حتى تحاجزوا ]، وكانت العصابة التي ثبتت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين وسبعة من الانصار، فاما المهاجرون فعلي (عليه السلام) وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص وطلحة بن عبيد الله وابو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام، واما الانصار فالحباب ابن المنذر وابو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ واسيد بن حضير، قال الواقدي: وقد روى أن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة ثبتا يومئذ ولم يفرا ومن روى ذلك جعلهما مكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير. قال الواقدي: وبايعه يومئذ على الموت ثمانية ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الانصار اما المهاجرون فعلي (عليه السلام) وطلحة والزبير واما الانصار فابو دجانة والحارث بن الصمة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل ابن حنيف، قال: ولم يقتل منهم ذلك اليوم أحد وأما باقي المسلمين ففروا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعوهم في اخراهم حتى انتهى من انتهى منهم إلى قريب من المهراس، قال الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة عن يعقوب بن عمير بن قتادة قال: ثبت يومئذ بين يديه ثلاثون رجلا كلهم يقول: وجهي دون وجهك، نفسي دون نفسك وعليك السلام غير مودع، قلت: قد اختلف في عمر ابن الخطاب هل ثبت يومئذ ام لا مع اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت فالواقدي ذكر انه لم يثبت وأما محمد بن اسحاق والبلاذري فجعلاه مع من ثبت ولم يفر ولم يختلف الرواة من أهل الحديث: ان أبا بكر لم يفر يومئذ وانه ثبت فيمن ثبت وان لم يكن نقل عنه قتل أو قتال والثبوت جهاد وفيه وحده كفاية واما رواة الشيعة فانهم يروون انه لم يثبت الا علي وطلحة والزبير وابو دجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت منهم من يروى أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرين والانصار ولا يعدون ابا بكر وعمر منهم، روى كثير من اصحاب الحديث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله إلى أين انتهيت؟ فقال: إلى الاعوص فقال: لقد ذهب ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 320 ]

وأجل قد اقترب، فرق له النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة (1) وهو في وجه وعلي (عليه السلام) في وجه فلما أسقط احتمله علي (عليه السلام) فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله اوفيت ببيعتي؟ قال: نعم، وقال له النبي (صلى الله عليه وآله) خيرا، وكان الناس يحملون على النبي (صلى الله عليه وآله) الميمنة فيكشفهم علي (عليه السلام) فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فطرحه بين يديه وقال: هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) ذا الفقار ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) اختلاج (2) ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال:


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” فيها عريضة. (إلى هنا كلام ابن ابي الحديد والعجب منه انه نقل هنا اتفاق الرواة على أنه ثبت ابو بكر وقال عند ذكر اجوبة شيخه ابي جعفر الاسكافي عما ذكره الجاحظ في فضل إسلام ابي بكر على إسلام علي (عليه السلام): قال الجاحظ: وقد ثبت أبو بكر مع النبي يوم أحد كما ثبت علي فلا فخر لاحدهما على صاحبه في ذلك اليوم، قال شيخنا أبو جعفر: اما ثباته يوم أحد فأكثر المؤرخين وأرباب السيرة ينكرونه وجمهورهم يروي أنه لم يبق مع النبي الا علي وطلحة والزبير وأبو دجانة وقد روى عن ابن عباس انه قال ولهم خامس وهو عبد الله بن مسعود ومنهم من أثبت سادسا وهو المقداد بن عمر وروى يحيى بن سلمة بن كهيل قال: قلت لابي: كم ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد كل منهم يدعيه؟ فقال: إثنان، قلت: من هما؟ قال: علي وأبو دجانة. انتهى فقد ظهر أنه ليس ثبات أبي بكر أيضا مما اجمعت عليه رواتهم مع اتفاق روايات الشيعة على عدمه وهي محفوفة بالقرائن الظاهرة إذ من المعلوم أنه مع ثباته لا بد أن ينقل منه اما ضرب أو طعن والعجب منه أنه حيث لم يكن من الطاعنين كيف لم يصر من المطعونين ولما لم يكن من الجارحين لم لم يكن من المجروحين وان لم يتحرك لقتال فلم لم يذكر في المقتولين، بل يمكن أن يقال: لو كان حضر ميت تلك الواقعة مكان يذكر منه بعض ما ينسب إلى الاحياء. وأما الاخبار الدالة من طرق الشيعة على كون الثلاثة من المنهزمين فقد أوردناها في كتاب بحار الانوار وذكرها ههنا يوجب الاكثار. (آت) أقول: هذا الاعتراض منه – رحمه الله – على ابن ابي الحديد مبني على ادعائه اتفاق الرواة على عدم انهزام ابي بكر بقوله: ” ولم يختلف الرواة من أهل الحديث الخ ” ولكن العبارة في النسخ التي رأيناها هكذا ” قال الرواة من أهل الحديث ” ولا يخفى أنها في قوة ذلك. (1) ” اثخنته الجراحة “: أوهنته وأثرت فيه. وقوله: ” فلما اسقط ” هذا لا يدل على انه قتل في تلك الواقعة فلا ينافي ما هو المشهور بين ارباب السير والاخبار انه بقي بعد النبي (صلى الله عليه وآله). (آت) (2) خلج – كعلم -: اشتكى عظامه من مشى أو تعب.

[ 321 ]

يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك (1) فأقبل علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أسمع دويا شديدا وأسمع أقدم حيزوم (2) وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه؟ فقال هذا جبرئيل وميكائيل و إسرافيل في الملائكة ثم جاء جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة فقال: إن عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما، ثم انهزم الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي أمض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص (3) وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلي (عليه السلام): يا علي ما تريد هوذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك فأتبعهم جبرئيل (عليه السلام) فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هوذا عسكر محمد قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر وجاء الرعاة و الحطابون فدخلوا مكة فقالوا: رأينا عسكر محمد (4) كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر (5) يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه ورحل النبي (صلى الله عليه وآله) والراية مع علي (عليه السلام) وهو بين يديه فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي (عليه السلام) أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل، فقال صاحب الكلام الذي قال: ” الآن يسخر بنا وقد هزمنا “: هذا علي والراية بيده حتى هجم عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم وخرج الرجال إليه يلوذون به و


(1) العى: العجز وعى بشأنها أي يعجز عنها وأشكل عليه أمرها. (2) أراد أقدم يا حيزوم فحذف حرف النداء وحيزوم اسم فرس جبرئيل (عليه السلام). (3) القلايص جمع قلوص وهي الناقة الشابة ويجمع على قلاص وقلص أيضا. (النهاية) (4) إنما قالوا ذلك لما رأووا من عسكر الملائكة المتمثلين بصور المسلمين وكان تعيين أهل مكة لابي سفيان لهربه عن ذلك العسكر. (آت) (5) قال الجوهري: الشقرة في الخيل: حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب قال: فان كان أسود فهو الكميت.

[ 322 ]

يثوبون إليه (1) والنساء نساء الانصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور وجززن النواصي وخرقن الجيوب وحرمن البطون على النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رأينه قال لهن خيرا وأمرهن أن يستترن ويدخلن منازلهن وقال: إن الله عز وجل وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها وأنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله): ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا – الآية – (2) “. 503 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وغيره، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة فلما انتهى إلى المكان الذي أحرم فيه أحرموا ولبسوا السلاح فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده قال: ابغوني (3) رجلا يأخذني على غير هذا الطريق فأتي برجل من مزينة أو من جهينة (4) فسأله فلم يوافقه فقال: ابغوني رجلا غيره فأتى برجل آخر إما من مزينة وإما من جهينة، قال: فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة، فقال: من يصعدها حط الله عنه كما حط الله عن بني إسرائيل، فقال لهم: ” ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم ” قال: فابتدرها خيل الانصار: الاوس والخزرج، قال: وكانوا ألفا: وثمانمائة، فلما هبطوا إلى الحديبية (5) إذا امرأة معها ابنها على القليب فسعى ابنها هاربا فلما أثبتت أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صرخت به هؤلاء الصابئون (6) ليس عليك منهم بأس فأتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمرها فاستقت دلوا من ماء


(1) في اكثر النسخ [ يثوبون ] أي يرجعون وفي بعضها [ يتوبون ] أي يعتذرون من الهزيمة وترك القتال. (آت) (2) آل عمران: 144. (3) قال الجزري: يقال: ابغني كذا – بهمزة الوصل – أي أطلب لي. وأبغني – بهمزة القطع -: اي أعني عن الطلب. (4) الترديد من الراوي ومزينة – بضم الميم -: قبيلة من مضر. وجهينة أيضا – بالضم -: اسم قبيلة. (آت) (5) بضم الحاء وفتح الدال والياء الساكنة والباء والياء مخففا قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة. (6) قال الجزري: صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره.

[ 323 ]

فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشرب وغسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة (1). وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل (2) فكان بإزائه، ثم أرسلوا الحليس (3) فرأى البدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض (4) فرجع ولم يأت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لابي سفيان: يا أبا سفيان أما والله ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدي عن محله (5). فقال: اسكت فإنما أنت أعرابي، فقال: أما والله لتخلين عن محمد وما أراد أو لانفردن في الاحابيش (6). فقال: اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا (7). فأرسلوا إليه عروة بن مسعود وقد كان جاء (8) إلى قريش في القوم الذين أصابهم


(1) أي لم يزل الماء من تلك البئر. وقد نقل هذا الاعجاز في روايات كثيرة على وجه آخر. (آت) (2) ذكر أكثر المؤرخون مكانه بديل بن ورقاء الخزاغي ولا عبرة بقولهم في مقابلة الخبر المعتبر. (آت) (3) هو حليس بن علقمة أو ابن زبان وكان يومئذ سيد الاحابيش وهو أحد بني الحارث بن عبد المناة بن كنانة. (4) كناية عن كثرتها وازدحامها واجتماعها وانما قدم (صلى الله عليه وآله) البدن ليعلموا انه لا يريد القتال بل يريد النسك. (آت) (5) ” حالفناكم ” أي عاهدناكم وحلفنا على الوفاء به. وقوله: ” على ان تردوا الهدي ” بدل أو عطف بيان لقوله: ” على هذا حالفناكم “. (آت) (6) في القاموس حبشي – بالضم -: جبل باسفل مكة ومنه أحابيش قريش لانهم تحالفوا بالله انهم ليد على غيرهم ما سجى ليل ووضح نهار وما رسى حبشي انتهى. أي أعتزل معهم عنكم وامنعهم عن معاونتكم. (آت) (7) الولث: العهد بين القوم يقع من غير قصد أو يكون غير مؤكد (الصحاح). وفي بعض النسخ [ وليا ]. (8) هذه القصة على ما ذكره الواقدي أنه ذهب مع ثلاثة عشر رجلا من بني مالك إلى مقوقس سلطان الاسكندرية وفضل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء فلما رجعوا وكانوا في الطريق شرب بنو مالك ذات ليلة خمرا وسكروا فقتلهم المغيرة حسدا وأخذ أموالهم وأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبل (صلى الله عليه وآله) اسلامه ولم يقبل من ماله شيئا ولم يأخذ منه الخمس لغدره فلما بلغ ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 324 ]

المغيرة بن شعبة كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجارا فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقبلها وقال: هذا غدر ولا حاجة لنا فيه. فأرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظم البدن، قال: فأقيموها، فأقاموها. فقال: يا محمد مجيئ من جئت؟ قال: جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الابل واخلي عنكم عن لحمانها (1). قال: لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له (2) إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم يغير إذنهم وأن تقطع أرحامهم وأن تجري عليهم عدوهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا بفاعل حتى أدخلها. قال وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تناول لحيته (3) والمغيرة قائم على رأسه فضرب بيده.


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” ذلك أبا سفيان أخبر عروة بذلك فأتى عروة رئيس بني مالك وهو مسعود بن عمرة وكلمه في أن يرضى بالدية فلم يرض بنو مالك بذلك وطلبوا القصاص من عشائر المغيرة واشتعلت بينهم نائرة الحرب فاطفأها عروة بلطائف حيله وضمن دية الجماعة من ماله والاشارة إلى هذه القصة ههنا لتمهيد ما سيذكر بعد ذلك من قوله: ” والله ما جئت الا في غسل سلحتك ” فقوله: ” جاء إلى قريش ” أي عروة وقوله: ” وفي القوم ” أي لان يتكلم ويشفع في أمر المقتولين. وقوله: ” كان خرج ” أي المغيرة. (آت) (1) بكسر اللام جمع اللحم. وفي بعض النسخ [ لحمامها ]. (2) قال هذا على سبيل التعجب أي كيف يكون مثلك في الشرافة وعظم الشأن مرددا عن مثل هذا المقصد الذي لا يصلح أن يرد عنه أحد والحاصل أنك في جلالتك ينبغي أن لا ترد عن أي مقصد قصدته ومقصدك في الخيرية بحيث لا ينبغي أن يمنع عنه أحد ومع اجتماعهما يريد قومك أن يصدوك عن ذلك. (آت) (3) أي لحية الرسول (صلى الله عليه وآله) وكانت عادتهم ذلك فيما بينهم عند مكالمتهم ولجهله بشأنه (صلى الله عليه وآله) وعدم إيمانه لم يعرف أن ذلك لا يليق بجنابه. (آت)

[ 325 ]

فقال: من هذا يا محمد؟. فقال: هذا، ابن أخيك المغيرة. فقال: يا غدر (1) والله ما جئت إلا في غسل سلحتك (2). قال: فرجع إليهم فقال لابي سفيان وأصحابه: لا والله ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأثيرت في وجوههم البدن فقالا: مجيئ من جئت؟ قال: جئت لاطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر البدن واخلي بينكم وبين لحمانها. فقالا: إن قومك يناشدونك الله والرحم (3) أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وتقطع أرحامهم وتجري عليهم عدوهم، قال: فأبى عليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن يدخلها. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أن يبعث عمر، فقال: يا رسول الله إن عشيرتي قليل وإني فيهم على ما تعلم ولكني أدلك على عثمان بن عفان، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة فلما انطلق عثمان لقى أبان بن سعيد فتأخر عن السرح (4) فحمل عثمان بين يديه ودخل عثمان فأعلمهم وكانت المناوشة (5) فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس عثمان في عسكر المشركين وبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسلمين وضرب بإحدى يديه على الاخرى


(1) قال الجزري: في حديث الحديبية: قال عروة بن مسعود للمغيرة: يا غدر هل غسلت غدرتك الا بالامس. غدر معدول غادر للمبالغة يقال للذكر: غدر – [ بضم الغين وفتح الدال ] – وللانثى: غدار – كقطام وهما مختصان بالنداء في الغالب. (2) في المغرب: السلح: التغوط. (3) أي يقسمون عليك بالله وبالرحم التي بينك وبينهم في أن تدخل عليهم أي في تركه. (آت) (4) السرح والسارح والسارحة سواء: الماشية. (5) المناوشة: المناولة في القتال أي كان المشركون في تهيئة القتال أي عند ذلك وقع بين المسلمين وبينهم محاربة كما نقل. (آت)

[ 326 ]

لعثمان (1) وقال المسلمون: طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان ليفعل فلما جاء عثمان قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطفت بالبيت؟ فقال: ما كنت لاطوف بالبيت ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يطف به ثم ذكر القصة (2) وما كان فيها. فقال لعلي (عليه السلام): أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: ما أدري ما الرحمن الرحيم إلا أني أظن هذا الذي باليمامة (3) ولكن اكتب كما نكتب بسمك اللهم. قال: واكتب: هذا ما قاضى [ عليه ] (4) رسول الله سهيل بن عمرو. فقال: سهيل: فعلى ما نقاتلك يا محمد؟!. فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله. فقال الناس: أنت رسول الله. قال: اكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقال الناس: أنت رسول الله وكان في القضية أن من كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا ورسول الله غير مستكره عن دينه ومن جاء إلينا منكم لم نرده إليكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا حاجة لنا فيهم وعلى أن يعبد الله فيكم علانية (5) غير سر وإن كانوا ليتهادون السيور (6) في المدينة إلى مكة وما كانت قضية أعظم بركة منها


(1) ذلك ليتأكد عليه الحجة والعهد والميثاق فيستوجب بنكثه أشد العذاب. (آت) (2) أي ما جرى بينه وبين قريش من حبسه ومنعه عن الرجوع أو من طلبهم للصلح أو اصرارهم على عدم دخوله في هذه السنة. وقيل: هذا كلام الراوي أي ثم ذكر الصادق (عليه السلام) القصة وما جرى فيها وترك الراوي ذكرها اختصارا. (آت) (3) كانوا يقولون لمسيلمة الكذاب: رحمن اليمامة. (آت) (4) ” هذا ما قاضى ” هو فاعل من القضاء الفصل والحكم لانه كان بينه وبين أهل مكة. (النهاية) (5) أي وعلى أن يعبد الله علانية من غير تقية. (6) السير – بالفتح -: الذي يعد من الجلد الجمع السيور وفي بعض النسخ [ الستور ] وهي جمع الستر المعلق على الابواب وعلى التقادير هذا كلام الصادق (عليه السلام) لبيان ثمرة هذه المصالحة وكثرة فوائدها بأنها صارت موجبة لامن المسلمين بحيث كانوا يبعثون الهدايا من المدينة إلى مكة من غير منع وخوف ورغب أهل مكة في الاسلام وأسلم جم غفير منهم من غير حرب.

[ 327 ]

لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الاسلام. فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه (1). فقال: أول ما قاضينا عليه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهل قاضيت على شئ؟. فقال: يا محمد ما كنت بغدار. قال: فذهب بأبي جندل، فقال: يا رسول الله تدفعني إليه؟. قال: ولم أشترط لك، قال: وقال: اللهم اجعل لابي جندل مخرجا. 504 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم (2) ” قال: نزلت في بني مدلج لانهم جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد إنك رسول الله فلسنا معك ولا مع قومنا عليك، قال: قلت: كيف صنع بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: واعدهم إلى أن يفرغ (3) من العرب ثم يدعوهم فإن أجابوا وإلا قاتلهم. 505 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن داود بن


(1) قال الطبرسي: فقال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من جاءهم منا فابعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فمن علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا – إلى أن قال -: فبيناهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين اظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما اقاضيك عليه أن ترده فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إنا لم نقض بالكتاب بعد، قال: والله إذا لا أصالحك على شئ أبدا فقال النبي (صلى الله عليه وآله) فاجره لي قال: ما انا بمجيره لك، قال: بلى فافعل، قال وما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجرناه قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا. (مجمع البيان) (2) النساء: 90. الحصر: الضيق والانقباض. (3) في بعض النسخ [ أدعهم حتى أن يفرع ].

[ 328 ]

أبي يزيد وهو فرقد، عن أبي يزيد الحمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل (عليهم السلام) فمروا بإبراهيم (عليه السلام) وهم معتمون فسلموا عليه فلم يعرفهم ورأى هيئة حسنة فقال: لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي وكان صاحب أضياف (1) فشوى لهم عجلا سمينا حتى انضجه ثم قربه إليهم فلما وضعه بين أيديهم ” رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة (2) ” فلما رأى ذلك جبرئيل (عليه السلام) حسر العمامة (3) عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم (عليه السلام) فقال: أنت هو؟ فقال: نعم ومرت امرأته سارة فبشرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فقالت ما قال الله عز وجل؟ فأجابوا بما في الكتاب العزيز (4) فقال إبراهيم (عليه السلام) لهم: فيماذا جئتم؟ قالوا له: في إهلاك قوم لوط، فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين تهلكونهم؟ فقال جبرئيل (عليه السلام): لا، قال: فإن كانوا خمسين؟ قال: لا، قال: فان كانوا ثلاثين؟ قال: لا، قال: فإن كانوا عشرين؟ قال: لا، قال: فإن كانوا عشرة؟ قال: لا، قال: فإن كانوا خمسة؟ قال: لا، قال: فإن كانوا واحدا؟ قال: لا، قال: إن فيها لوطا قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ثم مضوا وقال الحسن العسكري أبو محمد (5) لا أعلم ذا القول إلا وهو يستبقيهم. وهو قول الله عز وجل: ” يجادلنا في قوم لوط (6) ” فأتوا لوطا وهو في زراعة له قرب المدينة


(1) أي يدعوهم كثيرا ويحبهم ويكرمهم. (2) أي أنكرهم وقوله: ” أوجس ” الايجاس الاحساس اي اضمر منهم خوفا والاية في سورة هود: 70. (3) أي كشفها. (4) أي ” قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشئ عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد “. (5) لعل العسكري من طغيان القلم وأبو محمد كنية للحسن بن علي بن فضال ويحتمل أن يكون كلام محمد بن يحيى ووقع في اثناء الحديث وقد مضى هذا الخبر فيما سبق من كتاب الطلاق وفيه ” قال الحسن بن علي ” بدون أبو محمد فيمكن أن يكون من كلام الصادق (عليه السلام) والمراد الحسن بن علي (عليهما السلام). (من آت) (6) هود: 74.

[ 329 ]

فسلموا عليه وهم معتمون فلما رآهم رأى هيئة حسنة عليهم عمائم بيض وثياب بيض فقال لهم: المنزل (1) فقالوا: نعم فتقدمهم ومشوا خلفه فندم على عرضه عليهم المنزل و قال: أي شئ صنعت آتي بهم قومي وأنا أعرفهم فالتفت إليهم فقال: إنكم تأتون شرار خلق الله وقد قال جبرئيل (عليه السلام): لا نعجل عليهم حتى يشهد ثلاث شهادات، فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه واحدة، ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم فقال: إنكم تأتون شرار خلق الله، فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه اثنتان، ثم مضى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال: إنكم تأتون شرار خلق الله، فقال جبرئيل (عليه السلام): هذه ثالثة ثم دخل ودخلوا معه فلما رأتهم أمرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح وصعقت فلم يسمعوا (2) فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون إلى الباب فنزلت إليهم فقالت: عنده قوم ما رأيت قط أحسن منهم هيئة، فجاؤوا إلى الباب ليدخلوها فلما رآهم لوط قام إليهم فقال: يا قوم اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد فقال: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فدعاهم إلى الحلال فقالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، فقال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (3) فقال جبرئيل (عليه السلام): لو يعلم أي قوة له. فكاثروه حتى دخلوا البيت قال: فصاح به جبرئيل يا لوط دعهم يدخلون فلما دخلوا أهوى جبرئيل باصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قوله: ” فطمسنا أعينهم (4) ” ثم نادى جبرئيل فقال: ” إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل ” وقال له جبرئيل: إنا بعثنا في إهلاكهم فقال: يا جبرئيل عجل فقال: ” إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب “، قال: فأمره فتحمل ومن معه إلا امرأته، قال: ثم اقتلعها جبرئيل بجناحيه


(1) أي عرض لهم المنزل والتمس منهم النزول. (آت) (2) الصعق: شدة الصوت وفي بعض النسخ [ صفقت ] والصفق: الضرب الذي يسمع له الصوت كالتصفيق أي ضربت احدى يديها على الاخرى وقوله: ” يهرعون ” أي يسرعون. (3) مضمون مأخوذ من الايات التي كانت في سورة هود. (4) تمام الاية في سورة القمر آية 37: ” ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر “.

[ 330 ]

من سبع أرضين ثم رفعها حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة (1) ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجيل (2). 506 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح ابن عبد الحميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله للذي صنعه الحسن ابن علي (عليهما السلام) (3) كان خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس والله لقد نزلت هذه الآية ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة (4) ” إنما هي طاعة الامام (5) وطلبوا القتال فلما كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام) قالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل (6) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام). 507 – محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (7) جميعا، عن علي بن حسان، عن علي بن عطية الزيات، عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النجوم أحق هي؟ فقال: نعم إن الله عز وجل بعث المشتري إلى الارض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن انه قد بلغ ثم قال له: انظر أين المشتري، فقال: ما أراه في الفلك وما أدري أين هو، قال: فنحاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ وقال: انظر إلى المشتري أين هو، فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري، قال: وشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك. 508 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عمن


(1) الديكة: جمع الديك. (2) ” السجيل ” قال الزمخشري: قيل: هي كلمة معربة عن (سنك وگل). (3) أي صلحه مع معاوية. (4) النساء: 77. (5) أي الغرض والمقصود في الاية طاعة الامام الذي ينهى عن القتال لعدم كونه مأمورا به ويأمر بالصلاة والزكاة وسائر أبواب البر والحال ان اصحاب الحسن كانوا بهذه الاية مأمورين باطاعة امامهم في ترك القتال فلم يرضوا به وطلبوا القتال. (آت) (6) مأخوذ من الاية السبعة والسبعين في سورة النساء والاية الاربعة والاربعين في سورة ابراهيم. (7) قد مر أن سهل بن زياد ضعيف غير معتمد على ما تفرد وسلمة بن الخطاب أيضا كان ضعيفا في حديثه ضعفه النجاشي وابن الغضائري والعلامة وغيرهم والحديث مجعول بلا شبهة.

[ 331 ]

أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن النجوم قال: ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند. 509 – حميد بن زياد، عن أبي العباس عبيد الله بن أحمد الدهقان (1)، عن علي ابن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن صباح بن سيابة عن المعلى بن خنيس قال: ذهبت بكتاب (2) عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الامر إليك فما ترى (3)؟ قال: فضرب بالكتب الارض ثم قال: أف أف ما أنا لهؤلاء بإمام (4) أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني. 510 – أبان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل ” في بيوت أذن الله أن ترفع (5) ” قال: هي بيوت النبي (صلى الله عليه وآله). 511 – أبان، عن يحيى بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدمها وحلقتان من ورق في مؤخرها وقال: لبسها علي (عليه السلام) يوم الجمل. 512 – أبان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شد علي (عليه السلام) على بطنه يوم الجمل بعقال أبرق (6) نزل به جبرئيل (عليه السلام) من السماء وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشد به على بطنه إذا لبس الدرع. 513 – أبان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن عثمان قال للمقداد: أما والله لتنتهين أو لاردنك إلى ربك الاول (7)، قال: فلما حضرت المقداد الوفاة قال لعمار: أبلغ عثمان عني أني قد رددت إلى ربي الاول.


(1) الظاهر انه ابن نهيك. (2) في بعض النسخ [ ذهب ]. (3) أي أمر الخلافة الاسلامية والمسودة: أصحاب أبي مسلم المروزي. (4) اي أنهم لاستعجالهم وعدم التسليم لامامهم خارجون عن شيعته والمقتدين به. (5) النور: 36. (6): الحبل الذي فيه لونان، وكل شئ اجتمع فيه سواد وبياض فهو ابرق (الصحاح) (7) هذا تهديد له بالقتل.

[ 332 ]

514 – أبان، عن فضيل وعبيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضر محمد بن اسامة الموت دخلت عليه بنو هاشم فقال لهم: قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعلي دين فاحب أن تضمنوه عني، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما والله ثلث دينك علي، ثم سكت وسكتوا، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) علي دينك كله، ثم قال: علي بن الحسين (عليهما السلام): أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهية أن يقولوا: سبقنا. 515 – أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كانت ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) القصواء إذا نزل عنها علق عليها زمامها قال: فتخرج فتأتي المسلمين قال: فيناولها الرجل الشئ ويناوله هذا الشئ فلا تلبث أن تشبع، قال: فأدخلت رأسها في خباء سمرة بن جندب فتناول عنزة فضرب بها على رأسها فشجها فخرجت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكته (1). 516 – أبان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن مريم (عليها السلام) حملت بعيسى (عليه السلام) تسع ساعات كل ساعة شهرا 517 – أبان، عن عمر بن يزيد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن المغيرية (2) يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة؟ فقال: كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية إن أهل بطن نخلة حيث (3) رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام.


(1) اما باللسان أو بالاشارات وعلى التقديرين فهو من معجزاته. (آت) (2) أاي أتباع المغيرة بن سعيد البجلي. (3) إشارة إلى ما ذكره المؤرخون أن النبي بعث عبد الله بن جحش معه ثمانية رهط من المهاجرين وقيل: اثني عشر وأمره أن ينزل نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشا ويعلم أخبارهم فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في غير تجارة قريش في آخر يوم جمادى الاخرة وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: هذه غرة من عدو و غنم رزقتموه فلا ندري أمن شهر الحرام هذا اليوم أم لا فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم الا من الشهر الحرام ولا نرى ان تستحلوه لطمع اشفيتم عليه، فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموه عيره فبلغ ذلك كفار قريش فركب وفدهم حتى قدموا على النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا ايحل القتال في الشهر الحرام؟ فانزل الله تعالى: ” يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الاية ” ويظهر من بعض السير أنهم انما فعلوا ذلك بعد علمهم كونه من شهر رجب بان رأوا الهلال واستشهاده (عليه السلام) بان أصحابه حكموا بعد رؤية الهلال بدخول رجب فالليل السابق على النهار ويحسب معه يوما. (آت)

[ 333 ]

518 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سلار أبي عمرة، عن أبي مر [ يم ] الثقفي: عن عمار بن ياسر قال: بينا أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الشيعة الخاصة الخالصة (1) منا أهل البيت فقال عمر: يا رسول الله عرفناهم حتى نعرفهم، فقال رسول (صلى الله عليه وآله): ما قلت لكم إلا وأنا أريد أن أخبركم ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا الدليل على الله عز وجل وعلي نصر الدين ومناره أهل البيت وهم المصابيح الذين يستضاء بهم، فقال عمر: يا رسول الله فمن لم يكن قلبه موافقا لهذا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما وضع القلب في ذلك الموضع إلا ليوافق أو ليخالف (2) فمن كان قلبه موافقا لنا أهل البيت كان ناجيا ومن كان قلبه مخالفا لنا أهل البيت كان هالكا. 519 – أحمد، عن علي بن الحكم، عن قتبية الاعشى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عاديتم فينا الآباء والابناء والازواج وثوابكم على الله عز وجل أما إن أحوج ما تكونون (3) إذا بلغت الانفس إلى هذه – وأومأ بيده إلى حلقه -. 520 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن داود بن سليمان الحمار عن سعيد بن يسار قال: أستأذنا على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا والحارث بن المغيرة النصري ومنصور الصيقل فواعدنا دار طاهر مولاه فصلينا العصر ثم رحنا إليه فوجدنا متكئا على سرير قريب من الارض فجلسنا حوله، ثم استوى جالسا، ثم أرسل رجليه حتى وضع قدميه على الارض ثم قال: الحمد لله الذي ذهب الناس يمينا و شمالا فرقة مرجئة وفرقة خوارج وفرقة قدرية وسميتم أنتم الترابية ثم قال بيمين منه: أما والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له ورسوله وآل رسوله (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم كرم الله وجوههم وما كان سوى ذلك فلا، كان علي والله أولى الناس بالناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) – يقولها ثلاثا -.


(1) أي من يتابعني في جميع اقوالي وافعالي. (2) أي ليعلم به المخالف والموافق. (آت) (3) أي إلى ولايتنا.

[ 334 ]

521 – عنه، عن أحمد، عن علي بن المستورد النخعي (1)، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من الملائكة الذين في سماء الدنيا ليطلعون على الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد (عليهم السلام) فيقولون: أما ترون هؤلاء في قلتهم وكثرة عدوهم يصفون فضل آل محمد (عليهم السلام) فتقول الطائفة الاخرى من الملائكة: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. 522 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا عمر لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فإن الناس لا يحتملون ما تحملون (2). 523 – محمد بن أحمد القمي، عن عمه عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان، عن حسين الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قي قول الله تبارك و تعالى: ” ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت أقدامنها ليكونا من الاسفلين (3) ” قال: هما ثم قال: وكان فلان شيطانا. 524 – يونس، عن سورة بن كليب عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك و تعالى: ” ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الاسفلين ” قال: يا سورة هما والله هما – ثلاثا – والله يا سورة إنا لخزان علم الله في السماء وإنا لخزان علم الله في الارض. 525 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول في قول الله تبارك وتعالى: ” إذ يبيتون ما لا يرضى من القول (4) ” قال: يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح. 526 – علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، وغيره، عن منصور بن


(1) لم نجد له ذكر في كتب التراجم والرجال. (2) أي لا تكلفوا اوساط الشيعة بالتكاليف الشاقة في العلم والعمل بل علموهم وادعوهم إلى العمل برفق ليكملوا فانهم لا يحتملون من العلوم والاسرار وتحمل المشاق في الطاعات ما تحتملون. (آت) (3) فصلت: 29. (4) النساء: 108.

[ 335 ]

يونس عن ابن اذينة، عن عبد الله بن النجاشي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله عز وجل: ” اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا (1) ” يعني والله فلانا وفلانا، ” وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (2) ” يعني والله النبي (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي فاستغفروا الله مما صنعوا واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم (3) ” فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو والله علي بعينه، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت (على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي) ويسلموا تسليما (4) ” لعلي. 527 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ربما رأيت الرؤيا فأعبرها والرؤيا على ما تعبر (5). 528 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن جهم قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الرؤيا على ما تعبر، فقلت له: إن بعض أصحابنا روى أن رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام، فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن امرأة رأت على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) أن جذع بيتها قد انكسر فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصت عليه الرؤيا فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): يقدم زوجك ويأتي وهو صالح، وقد كان زوجها غائبا فقدم كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) ثم غاب عنها زوجها غيبة اخرى فرأت في المنام كان جذع بيتها قد انكسر فأتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقصت عليه الرؤيا فقال لها: يقدم زوجك ويأتي صالحا فقدم على ما قال، ثم غاب زوجها ثالثة


(1) النساء: 63. وقوله: ” فاعرض عنهم ” اي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم. (آت) (2) النساء: 63. (3) النساء: 63 -. (4) الظاهر أنه كان في مصحفهم (عليه السلام) على صيغة المتكلم ويحتمل أن يكون بيانا لحاصل المعنى أي المراد بقضاء الرسول ما يقضى الله على لسانه. (آت) (5) أي تقع مطابقة لما عبرت به. (آت)

[ 336 ]

فرأت في منامها أن جذع بيتها قد انكسر فلقيت رجلا أعسر فقصت عليه الرؤيا فقال لها الرجل السوء: يموت زوجك، قال فبلغ [ ذلك ] النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ألا كان عبر لها خيرا. 529 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، [ جميعا ]، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن رسول الله كان يقول: إن رؤيا المؤمن ترف بين السماء والارض على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه أو يعبرها له مثله فإذا عبرت لزمت الارض فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل. 530 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرؤيا لا تقص إلا على مؤمن خلا من الحسد والبغي. 531 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل يقال له: ذو النمرة وكان من أقبح الناس وإنما سمي ذو النمرة من قبحه فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عز وجل علي فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): فرض الله عليك سبعة عشر ركعة في اليوم والليلة وصوم شهر رمضان إذا أدركته والحج إذا استطعت إليه سبيلا والزكاة وفسرها له، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا ما أزيد ربي على ما فرض علي شيئا، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ولم يا ذا النمرة فقال: كما خلقني قبيحا قال: فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله: إن ربك يأمرك أن تبلغ ذا النمرة عنه السلام وتقول له: يقول لك ربك تبارك وتعالى: أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرئيل (عليه السلام) يوم القيامة؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا ذا النمرة هذا جبرئيل يأمرني أن أبلغك السلام ويقول لك ربك: أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرئيل؟ فقال: ذوالنمرة فإني رضيت يا رب فوعزتك لازيدنك حتى ترضى.


[ 337 ]

(حديث الذي أحياه عيسى (عليه السلام) 532 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة (1)، عن أبان بن تغلب وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل هل كان عيسى ابن مريم أحيا أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد؟ فقال: نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تبارك وتعالى وكان عيسى (عليه السلام) يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فسألها عنه، فقالت: مات يا رسول الله، فقال: أفتحبين أن تراه؟ قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غدا [ ف‍ ] – آتيك حتى احييه لك بإذن الله تبارك وتعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى (عليه السلام) ثم دعا الله عز وجل فانفرج القبر وخرج ابنها حيا فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى (عليه السلام) فقال له عيسى: أتحب أن تبقي مع امك في الدنيا؟ فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة؟ فقال له عيسى (عليه السلام): بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك؟ قال: نعم إذا، قال: فدفعه عيسى إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له. 533 – ابن محبوب، عن أبي ولاد، وغيره من أصحابنا، عن أبى عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” ومن يرد فيه بإلحاد بظلم (2) ” فقال: من عبد فيه غير الله عز وجل أو تولى فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم وعلى الله تبارك وتعالى أن يذيقه من عذاب أليم. 534 – ابن محبوب، عن أبي جعفر الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: ” الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا


(1) هو المفضل بن صالح الاسدي النخاس مولاهم مات في حياة الرضا، ضعيف. (2) الحج: 25.

[ 338 ]

ربنا الله (1) ” قال: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وحمزة وجعفر وجرت في الحسين (عليهم السلام) أجمعين. 535 – ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن بريد الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا اجبتم قالوا لا علم لنا (2) ” قال: فقال: إن لهذا تأويلا يقول: ماذا اجبتم في أوصيائكم الذين خلفتموهم على أممكم؟ قال: فيقولون: لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا. (حديث اسلام علي (عليه السلام) (3)) 536 – ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة عن سعيد بن المسيب قال:


(1) الحج: 40. ” ديارهم ” قال البيضاوي: أي من مكة ” بغير حق ” بغير موجب استحقوا به ” الا أن يقولوا ربنا الله ” على طريقة قول النابغة: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب وقيل: منقطع. (2) المائدة: 109 (3) اجمعت علماء الشيعة على سبق اسلامه (عليه السلام) على جميع الصحابة وبه قال جماعة كثيرة من المخالفين وقد تواترت الروايات الدالة عليه من طرق العامة والخاصة وقد اوردنا في كتاب بحار الانوار الاخبار المستفيضة من كتبهم المعتبرة كتاريخ الطبري وانساب الصحابة عنه والمعارف عن القتيبي وتاريخ يعقوب النسوي وعثمانية الجاحظ وتفسير الثعلبي و كتاب ابي زرعة الدمشقي وخصائص النظزى وكتاب المعرفة لابي يوسف النسوي وأربعين الخطيب وفردوس الديلمي وشرف النبي للخركوشي وجامع الترمذي وابانة العكبري وتاريخ الخطيب و مسند أحمد بن حنبل وكتاب الطبقات لمحمد بن سعد وفضائل الصحابة للعكبرى و [ عبد الله بن ] احمد بن حنبل و كتاب بن مردوية الاصفهانى وكتاب المظفر السمعاني وأمالي سهل بن عبد الله المروزى وتاريخ بغداد والرسالة القوامية ومسند الموصلي وتفسير قتادة وكتاب الشيرازي وغيرها مما يطول ذكرها رووا سبق اسلامه (عليه السلام) بطرق متعددة عن سلمان وابي ذر والمقداد وعمار وزيد بن صوحان و حذيفة وابي الهيثم وخزيمة وابي ايوب والخدري وابي رافع وام سلمة وسعد بن ابي وقاص وابي موسى الاشعري وانس بن مالك وابي الطفيل وجبير بن مطعم وعمرو بن الحمق وحبة العرني و جابر الحضرمي والحارث الاعور وعباية الاسدي ومالك بن الحويرث وقثم بن العباس وسعيد بن قيس ومالك الاشتر وهاشم بن عتبة ومحمد بن كعب وابن مجاز والشعبي والحسن البصري وابي (بقية الحاشية في الصفحة الاتية)

[ 339 ]

سألت علي بن الحسين (عليهما السلام) إبن كم كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم؟ فقال: أو كان كافرا قط، إنما كان لعلي (عليه السلام) حيث بعث الله عز وجل رسوله (صلى الله عليه وآله) عشر سنين ولم يكن يومئذ كافرا ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وسبق الناس كلهم إلى الايمان بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وإلى الصلاة بثلاث سنين وكانت أول صلاة صلاها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر ركعتين وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصليها بمكة ركعتين ويصليها علي (عليه السلام) معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وخلف عليا (عليه السلام) في امور لم يكن يقوم بها أحد غيره وكان خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة في أول يوم من ربيع الاول وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول مع زوال الشمس فنزل بقبا فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا (عليه السلام) يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين وكان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له: أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلا ومسجدا فيقول: لا إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد امرته أن يلحقني ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي وما أسرعه إن شاء الله، فقدم علي (عليه السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم عليه علي (عليه السلام) تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي (عليه السلام) معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس فخط لهم مسجدا ونصب قبلته فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين، ثم راح يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها وعلي (عليه السلام) معه لا يفارقه، يمشي بمشيه وليس يمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببطن من بطون الانصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم: خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة، فانطلقت به ورسول الله (صلى الله عليه وآله) واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى – وأشار بيده إلى باب مسجد


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” البحتري والواقدي وعبد الرزاق ومعمر والسدى وغيرهم ونسبوا القول بذلك إلى ابن عباس و جابر بن عبد الله وانس وزيد بن ارقم ومجاهد وقتادة وابن اسحق وغيرهم. (آت) اقول: قد اورد الحجة الفذ العلامة الاميني صاحب الغدير في المجلد الثاني ص 219 من كتابه الاغر شطرا وافيا بما لا مزيد عليه من اخبارهم في أن أول من أسلم هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) فليراجع واغتنم.

[ 340 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يصلي عنده بالجنائز – فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها على الارض (1) فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) معه حتى بني له مسجده بنيت له مساكنه ومنزل علي (عليه السلام) فتحولا إلى منازلهما. فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين (عليهما السلام): جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه؟ فقال: إن أبا بكر لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي (عليه السلام) فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم (2) فانطلق بنا ولا تقم ههنا تنتظر عليا فما أظنه يقدم عليك إلى شهر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلا ما أسرعه ولست أريم (3) حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إلي فقد وقاني بنفسه من المشركين، قال: فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز وداخله من ذلك حسد لعلي (عليه السلام) وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وأول خلاف على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانطلق حتى دخل المدينة وتخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقبا ينتظر عليا (عليه السلام). قال: فقلت لعلى بن الحسين (عليهما السلام) فمتى زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة من علي (عليهما السلام) فقال: بالمدينة بعد الهجرة بسنة وكان لها يومئذ تسع سنين، قال: علي ابن الحسين (عليهما السلام): ولم يولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة (عليها السلام) على فطرة الاسلام (4) إلا فاطمة (عليها السلام) وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة فلما فقدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئم المقام بمكة (5) ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفار قريش فشكا إلى جبرئيل (عليه السلام) ذلك، فأوحى الله عز وجل إليه: اخرج


(1) برك أي يقع على بركه أي صدره. جران البعير – بالكسر -: مقدم عنقه من مذبحه إلى منخره. (2) الاستثراء: الاستبطاء. (الصحاح) (3) يقال: رام يريم إذا برح وزال من مكانه. (النهاية) (4) أي بعد البعثة. (5) اي ملله المقام فيها.

[ 341 ]

من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر وانصب للمشركين حربا. فعند ذلك توجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، فقلت له: فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال: بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الاسلام وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد [ و ] زاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصلاة سبع ركعات في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الآخرة ركعتين وأقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر فلذلك قال الله عز وجل: ” وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (1) ” يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل. 537 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفوا ألسنتكم عنهم (2). 538 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأبو علي الاشعري، عن محمد ابن عبد الجبار جميعا، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) في المسجد الحرام فذكر بني أمية ودولتهم، فقال له بعض أصحابه: إنما نرجو أن تكون صاحبهم وأن يظهر الله عز وجل هذا الامر على يديك، فقال: ما أنا بصاحبهم ولا يسرني أن أكون صاحبهم إن أصحابهم (3) أولاد الزنى، إن الله تبارك وتعالى لم يخلق منذ خلق السماوات والارض سنين ولا أياما اقصر من سنينهم (4) وأيامهم إن الله عز وجل يأمر الملك الذي في يده الفلك فيطويه طيا. 539 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ولد المرداس (5) من تقرب منهم أكفروه ومن تباعد منهم أفقروه


(1) الاسراء: 78. (2) جملة ” كفوا ألسنتكم عنهم ” تفسير ” ما رضي به الناس “. (3) أي من يستأصلهم ويقتلهم أولاد الزنا بني العباس واتباعهم. (آت) (4) أي بني أمية ويحتمل بني العباس وأما أمر الفلك قد سبق الكلام في مثله. (آت) (5) ولد المرداس كناية عن العباس وهذا التعبير للتقية والاخفاء والوجه فيه ان عباس بن مرداس السلمى صحابي شاعر فلعل المراد ولد سمى ابن المرداس. (آت)

[ 342 ]

ومن ناواهم قتلوه (1) ومن تحصن منهم أنزلوه ومن هرب منهم أدركوه، حتى تنقضي دولتهم. 540 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، واحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن عمرو بن أيمن جميعا، عن محسن بن أحمد بن معاذ، عن أبان بن عثمان، عن بشير النبال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا إذ جاءته امرأة فرحب بها وأخذ بيدها وأقعدها ثم قال: إبنة نبي ضيعه قومه، خالد بن سنان (2) دعاهم فأبوا أن يؤمنوا وكانت نار يقال لها: نار الحدثان (3) تأتيهم كل سنة فتأكل بعضهم وكانت تخرج في وقت معلوم فقال لهم: إن رددتها عنكم تؤمنون؟ قالوا: نعم، قال: فجاءت فاستقبلها بثوبه فردها ثم تبعها حتى دخلت كهفها ودخل معها وجلسوا على باب الكهف وهم يرون ألا يخرج أبدا فخرج وهو يقول: هذا هذا وكل هذا من ذا (4)، زعمت بنو عبس أني لا أخرج وجبيني يندى (5)، ثم قال: تؤمنون بي؟ قالوا: لا، قال: فإني ميت يوم كذا وكذا فإذا أنا مت فادفنوني فإنها ستجئ عانة (6) من حمر يقدمها عير أبتر حتى يقف على قبري فانبشوني وسلوني عما شئتم، فلما مات دفنوه وكان ذلك اليوم إذ جاءت


(1) ناواهم أي عاداهم. (2) ذكروا أنه كان في الفترة واختلفوا في نبوته وهذا الخبر يدل على أنه كان نبيا وذكر ابن الاثير وغيره هذه القصة نحوا مما في الخبر. (آت) (3) قال السيوطي في شرح شواهد المغني ناقلا عن العسكري في ذكر اقسام النار: نار الحرتين كانت في بلاد عبس، تخرج من الارض فتؤذي من مر بها وهي التي دفنها خالد بن سنان النبي (عليه السلام). قال خليد: كنار الحرتين لها زفير * تصم مسامع الرجل السميع اقول: لعل الحدثان تصحيف الحرتين. (آت) (4) اي هذا شأني وإعجازي. و ” كل هذا من ذا ” اي من الله تعالى وفي نسخة [ وكل هذا مؤذ أزعمت ]. (5) عبس – بالفتح – أبو قبيلة من قيس. وقوله: ” جبيني يندى ” – كيرضى – أي يبتل من العرق. (آت) (6) العانة: القطيع من حمر الوحش. والعير بالفتح: الحمار الوحشي وقد يطلق على الاهلي ايضا. والابتر: المقطوع الذنب. (آت)

[ 343 ]

العانة اجتمعوا وجاؤوا يريدون نبشه فقالوا: ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد موته ولئن نبشتموه ليكون سبة عليكم فاتركوه فتركوه (1). 541 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنع الناس ما صنعوا وخاصم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح الانصار فخصموهم بحجة علي (عليه السلام) (2) قالوا: يا معشر الانصار قريش أحق بالامر منكم لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش والمهاجرين منهم إن الله تعالى بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الائمة من قريش، قال سلمان رضي الله عنه: فأتيت عليا (عليه السلام) وهو يغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بما صنع الناس وقلت: إن أبا بكر الساعة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله ما يرضى أن يبايعوه (3) بيد واحدة إنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله، فقال لي: يا سلمان هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: لا أدري، إلا أني رأيت في ظلة بني ساعدة حين خصمت الانصار وكان أول من بايعه بشير بن سعد وأبو عبيدة بن الجراح ثم عمر ثم سالم قال: لست أسألك عن هذا ولكن تدري أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجاده شديد التشمير (4) صعد إليه أول من صعد وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان، أبسط يدك، فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد فقال علي (عليه السلام):


(1) قال الجوهري: يقال: هذا الامر صار سبة عليه – بالضم – اي عارا يسب به انتهى. اي هذا عار عليكم ان تحبوه ولا تؤمنوا به أو هو يسبكم بترك الايمان والكفر أو يكون هذا النبش عارا لكم عند العرب فيقولون: نبشوا قبر نبيهم ويؤيده ما ذكره ابن الاثير قال: فارادوا نبشه فكره ذلك بعضهم قالوا: نخاف إن نبشناه ان يسبنا العرب بأنا نبشنا نبينا فتركوه. (آت) (2) اي غلب هؤلاء الثلاثة على الانصار في المخاصمة بحجة هي تدل على كون الامر لعلي (عليه السلام) دونهم لانهم احتجوا عليهم بقرابة الرسول وامير المؤمنين كان اقرب منهم اجمعين وقد احتج (عليه السلام) عليهم بذلك في مواطن [ ذكروها ]. (آت) (3) في الاحتجاج للطبرسي: ” ما يرضى الناس ان يبايعوه “. (4) ” سجادة ” اي أثر سجود. والتشمير: الجد والاجتهاد في العبادة. (آت)

[ 344 ]

هل تدري من هو؟ قلت: لا ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: ذاك إبليس لعنه الله، أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياي للناس بغدير خم بأمر الله عز وجل فأخبرهم أني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه أمة مرحومة ومعصومة ومالك ولا لنا عليهم سبيل قد أعلموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم، فأنطلق إبليس لعنه الله كئيبا حزينا وأخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لو قبض أن الناس يبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد ما يختصمون، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس لعنه الله في صورة رجل شيخ مشمر يقول كذا وكذا، ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته فينخر ويكسع (1) ويقول: كلا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتم ما صنعت بهم حتى تركوا أمر الله عز وجل وطاعته وما أمرهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله). 542 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن سليمان، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن مسمع ابن الحجاج (2)، عن صباح الحذاء، عن صباح المزني، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه فقالوا: يا سيدهم ومولاهم (3) ماذا دهاك فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم: فعل هذا النبي فعلا إن تم لم يعص الله أبدا فقالوا: يا سيدهم أنت كنت لآدم، فلما قال المنافقون: إنه ينطق على الهوى وقال أحدهما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون، يعنون رسول الله (صلى الله عليه وآله) صرخ إبليس صرخة بطرب، فجمع أولياءه فقال: أما علمتم أني كنت لآدم من قبل؟ قالوا: نعم قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا


(1) النخير: صوت الانف. وكسعه – كمنعه – ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه وانما كان يفعل ذلك نشاطا وفرحا وفخرا وفرجا ومخرجا وطربا. (آت) (2) في بعض النسخ [ منيع ابن الحجاج ] وعلى كلتا النسختين غير مذكور في كتب الرجال. (3) أي قالوا: يا سيدنا ويا مولانا وانما غيره لئلا يوهم انصرافه إليه (عليه السلام) وهذا شايع في كلام البلغاء في نقل امر لا يرضى القائل لنفسه كما في قوله تعالى: ” ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ” وقوله: ” ماذا دهاك ” يقال: دهاه إذا اصابته داهية. (آت)

[ 345 ]

بالرسول. فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقام الناس غير علي لبس إبليس تاج الملك و نصب منبرا وقعد في الوثبة (1) وجمع خليلة ورجله ثم قال لهم: اطربوا لا يطاع الله حتى يقوم الامام. وتلا أبو جعفر (عليه السلام): ” ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين (2) ” قال أبو جعفر (عليه السلام): كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله). والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ينطق على الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه. 543 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما كئيبا حزينا؟ فقال له: علي (عليه السلام) مالي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا؟ فقال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه إن بني تيم وبني عدي وبني امية يصعدون منبري هذا، يردون الناس عن الاسلام القهقرى، فقلت: يا رب في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك. 544 – جميل، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لولا أني أكره أن يقال: إن محمدا استعان بقوم حتى إذا ظفر بعدوه قتلهم لضربت أعناق قوم كثير. 545 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبيد الله الدهقان، عن عبد الله بن القاسم، عن ابن أبي نجران، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان المسيح (عليه السلام) يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة وذلك أن الجارح أراد فساد المجروح والتارك لاشفائه لم يشأ صلاحه فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا ولا تمنعوها أهلها فتأثموا وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوئ إن رأى موضعا لدوائه وإلا أمسك.


(1) الوثبة: الوسادة وفي بعض النسخ [ الزينة ]. (2) سبأ: 20.

[ 346 ]

546 – سهل، عن عبيد الله، عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة (1) فقلت له: جعلت فداك إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغيير فادع الله عز وجل أن يرد ذلك إلينا، فقال: أي شئ تريدون تكونون ملوكا؟ أيسرك أن تكون مثل طاهر وهرثمة (2) وأنك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت: لا والله ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا


(1) رواه الحسن بن علي بن شعبة الحراني – رحمه الله – في تحف العقول ص 448 وفيه ” والحسين بن يزيد ” وهو النوفلي المتطبب. (2) الطاهر هو أبو الطيب أو أبو طلحة طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان الملقب ب‍ ” ذو اليمينين ” والي خراسان كان من اكبر قواد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته كان جده زريق بن ماهان أو باذان مجوسيا فاسلم على يد طلحة الطلحات الخزاعي المشهور بالكرم والي سجستان وكان مولاه ولذلك اشتهر الطاهر بالخزاعي وكان هو الذي سيره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الامين محمد بن زبيدة ببغداد لما خلع المأمون بيعته وسير الامين علي بن عيسى بن ماهان لدفعه فالتقيا بالري وقتل علي بن عيسى وكسر جيش الامين وتقدم الطاهر إلى بغداد واخذ ما في طريقه من البلاد وحاصر بغداد وقتل الامين سنة 198 وحمل برأسه إلى خراسان وعقد للمأمون على الخلافة فلما استقل المأمون بالملك كتب إليه – وهو مقيم ببغداد وكان واليا عليها – بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع ما افتتحه من البلاد وهي العراق وبلاد الجبل وفارس واهواز والحجاز واليمن وان يتوجه هو إلى الرقة وولاه الموصل وبلاد الجزيرة والشام والمغرب فكان فيها إلى ان قدم المأمون بغداد فجاء إليه وكان المأمون يرعاه لمناصحته وخدمته. ولقبه ذو اليمينين وذلك انه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين في وقعه مع علي بن عيسى بن ماهان حتى قال بعض الشعراء: ” كلتا يديك يمين حين تضربه ” فبعثه إلى خراسان فكان واليا عليها إلى ان توفى سنة 207 بمرو وهو الذي أسس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها من سنة 205 إلى 259 وكان طاهر من اصحاب الرضا (عليه السلام) كان متشيعا وينسب التشيع ايضا إلى بني طاهر كما في مروج الذهب وغيره. ولد طاهر سنة 159 في توشنج من بلاد خراسان وله عهد إلى ابنه وهو من احسن الرسائل. وهرثمة هو هرثمة بن اعين كان ايضا من قواد المأمون وفي خدمته وكان مشهورا معروفا بالتشيع ومحبا لاهل البيت من اصحاب الرضا (عليه السلام) بل من خواصه واصحاب سره ويأخذ نفسه انه من شيعته وكان قائما بمصالحه وكانت له محبة تامة واخلاص كامل له (عليه السلام).

[ 347 ]

وفضة وأني على خلاف ما أنا عليه، قال: فقال فمن أيسر منكم فليشكر الله، إن الله عز وجل يقول: ” لئن شكرتم لازيدنكم (1) ” وقال سبحانه وتعالى: ” اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (2) ” وأحسنوا الظن بالله فإن أبا عبد الله (عليه السلام) كان يقول: من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وتنعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام. قال: ثم قال: ما فعل ابن قياما (3)؟ قال: قلت: والله إنه ليلقانا فيحسن اللقاء فقال: وأي شئ يمنعه من ذلك، ثم تلا هذه الآية ” لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم (4): قال: ثم قال: تدري لاي شئ تحير ابن قياما؟ قال: قلت: لا، قال: إنه تبع أبا الحسن (عليه السلام) فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فالتفت إليه أبو الحسن (عليه السلام) فقال: ما تريد حيرك الله (5) قال: ثم قال أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا: لو نصبته لنا فاتبعناه واقتصصنا أثره، أهم كانوا أصوب قولا أو من قال: ” لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى (6) “؟ قال: قلت: لا بل


(1) ابراهيم: 7. (2) سبأ: 12. (3) هو الحسين بن قياما كان رجلا واقفيا خبيثا وقيل برجوعه عن الوقف وعلى أي هو من اصحاب الكاظم (عليه السلام). (4) التوبة: 110. وقال الطبرسي – رحمه الله – أي لا يزال بناء المبنى الذي بنوه شكا في قلوبهم فيما كان من اظهار اسلامهم وثباتا على النفاق. (5) انما دعا عليه بالحيرة لما علم في قلبه من الشك والنفاق. (آت) (6) شبه (عليه السلام) قصة الواقفية بقصة من عبد العجل حيث ترك موسى (عليه السلام) هارون بينهم فلم يطيعوه وعبدوا العجل ولم يرجعوا بقوله عن ذلك وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى وكذا موسى بن جعفر (عليه السلام) خلف الرضا (عليه السلام) بينهم عند ذهابه إلى العراق ونص عليه فلما توفى (عليه السلام) تركوا وصيه ولم يطيعوه واختاروا الوقف عليه وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى فإنه غاب ولم يمت. (آت)

[ 348 ]

من قال: نصبته لنا فاتبعناه واقتصصنا أثره قال: فقال: من ههنا اتي (1) ابن قياما ومن قال بقوله. قال: ثم ذكر ابن السراج (2) فقال: إنه قد أقر بموت أبي الحسن (عليه السلام) وذلك أنه أوصى عند موته فقال: كل ما خلفت من شئ حتى قميصي هذا الذي في عنقي لورثة أبي الحسن (عليه السلام) ولم يقل: هو لابي الحسن (عليه السلام) وهذا إقرار (3) ولكن أي شئ ينفعه من ذلك ومما قال ثم أمسك. 547 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وامورهم وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم واغلبهم بثلاث: بطول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه ونزع عنه الامانة وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل: نعم ولا تقل: لا، فإن لا عي ولؤم وإذا تحيرتم في طريقكم فأنزلوا وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا (4) وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدون فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل


(1) بصيغة المجهول: أي هلك. (2) هو احمد بن أبي بشر، كان من الواقفة. (3) اي يموت موسى بن جعفر (عليه السلام) حيث لم يقل: ان المال لورثته. (آت) (4) المؤامرة: المشاورة.

[ 349 ]

إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشئ وصلها واسترح منها فإنها دين وصل في جماعة ولو على رأس زج (1) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها (2) وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذهب في الارض وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكبا وعليك بالتسبيح مادمت عاملا وعليك بالدعاء مادمت خاليا وإياك والسير من أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة (3) من لدن نصف الليل إلى آخره وإياك ورفع الصوت في مسيرك. 548 – عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسين بن يزيد النوفلي (4)، عن علي بن داود اليعقوبي، عن عيسى بن عبد الله العلوي قال: حدثني الاسيدي ومحمد بن مبشر أن عبد الله بن نافع الازرق (5) كان يقول: لو أني علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أن عليا قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه فقيل له: ولا ولده؟ فقال: أفي ولده عالم؟ فقيل له: هذا أول جهلك


(1) الزج – بالضم -: الحديدة في أسفل الرمح ونصل السهم. (2) الدبر: قرحة الدابة في ظهرها. (3) قال الجوهري: التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل يقعون فيه وقعة الاستراحة ثم يرتحلون وقال الجزري: فيه عليكم بالدلجة وهو سير الليل: يقال: ادلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل وادلج – بالتشديد – إذا سار من آخره والاسم منهما الدلجة والدلجة – بالضم والفتح – أقول: لا يبعد ان يكون المراد بالتعريس هنا النزل اول الليل. (آت) (4) في بعض النسخ [ حسن بن زيد النوفلي ]. (5) الظاهر انه كان هو من الخوارج.

[ 350 ]

وهم يخلون من عالم؟! قال: فمن عالمهم اليوم؟ قيل: محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فأستأذن على أبي جعفر (عليه السلام)، فقيل له: هذا عبد الله بن نافع، فقال: وما يصنع بي وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار؟ فقال له أبو بصير الكوفي: جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليا (عليه السلام) قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه، فقال له أبو جعفر: أتراه جاءني مناظرا؟ قال: نعم، قال: يا غلام اخرج فحط رحله وقل له: إذا كان الغد فأتنا قال: فلما أصبح عبد الله بن نافع غدا في صناديد أصحابه (1) وبعث أبو جعفر (عليه السلام) إلى جميع أبناء المهاجرين والانصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ممغرين (2) وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر (3) فقال: الحمد لله محيث الحيث (4) ومكيف الكيف ومؤين الاين (5) الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض – إلى آخر الآية – وأشهد أن لا إله إلا الله [ وحده لا شريك له ] وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله إجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين و الانصار من كانت عنده منقبة في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فليقم وليتحدث قال: فقام الناس فسردوا (6) تلك المناقب – فقال عبد الله: أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء وإنما


(1) الصنديد: السيد الشجاع. (2) قال الفيروز آبادي: المغرة – ويحرك -: طين أحمر والممغر – كمعظم -: المصبوغ بها. (3) الفلقة – بالكسر -: القطعة والشقة. (4) أي جاعل المكان مكانا بايجاده. (آت) (5) أي موجد الدهر والزمان فان الاين يكون بمعنى الزمان، يقال: آن أينك أي حان حينك. ذكره الجوهري ويحتمل أن يكون بمعنى المكان لها تأكيدا للاول أو بأن يكون حيث للزمان، قال ابن هشام: قال الاخفش: وقد ترد حيث للزمان ويحتمل أن يكون حيث تعليلية أي هو علة العلل و وجاعل العلل عللا. (آت) (6) قال الجوهري: فلان يسرد الحديث سردا إذا كان جيد السياق.

[ 351 ]

أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين – حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر ” لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ” فقال أبو جعفر (عليه السلام): ما تقول في هذا الحديث فقال: هو حق لا شك فيه ولكن أحدث الكفر بعد، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ثكلتك أمك أخبرني عن الله عز وجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ قال ابن نافع: أعد علي فقال له أبو جعفر (عليه السلام): أخبرني عن الله جل ذكره أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ قال: إن قلت: لا، كفرت قال: فقال: قد علم قال: فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته؟ فقال: على أن يعمل بطاعته (1)، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فقم مخصوما، فقام وهو يقول: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، الله أعلم حيث يجعل رسالته. 549 – أحمد بن محمد، وعلي بن محمد جميعا، عن علي بن الحسن التيمي، عن محمد بن الخطاب الواسطي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حماد الازدي، عن هشام الخفاف فقال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها (2) قال: فقال: إن كان الامر على ما تقول فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت: هذا والله شئ لا اعرفه ولا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره، فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحدا من الناس يذكره، فقال: سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون؟! ثم قال: فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوئه؟ قال: قلت: هذا شئ لا يعلمه إلا الله


(1) أي لان يعمل والحاصل ان الله انما يحب من يعمل بطاعته لانه كذلك فكيف يحب من يعلم انه – على زعمك الفاسد – يكفر ويحبط جميع أعماله. (آت) (2) كأنه زعم أن حركة الفلك في جميع المواضع دحوية. (آت)

[ 352 ]

عز وجل، قال: فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت: ما أعرف هذا؟ قال: صدقت، ثم قال: ما بال العسكرين (1) يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر، ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النحوس؟ قال: فقلت: لا والله ما أعلم ذلك، قال: فقال: صدقت إن أصل الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم. (خطبة لامير المؤمنين (عليه السلام) 550 – علي بن الحسن المودب، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد (2)، عن علي بن الحسن التيمي جميعا، عن إسماعيل بن مهران قال: حدثنى عبد الله بن الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس بصفين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم (3) ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم والحق أجمل الاشياء في التواصف وأوسعها في التناصف (4) لا يجري لاحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا


(1) هذا بيان لخطأ المنجمين فان كل منجم يحكم لمن يريد ظفره بالظفر ويزعم ان السعد الذي رآه يتعلق به وهذا لعدم احاطتهم بارتباط النجوم بالاشخاص. (آت) (2) أحمد بن محمد عطف على علي بن الحسن وهو العاصمي والتيمي هو ابن فضال وقل من تفطن لذلك. (آت) وفي بعض النسخ [ احمد بن محمد بن احمد ] وفي بعضها [ على بن الحسين المؤدب ]. (3) الذي له عليهم من الحق هو وجوب طاعته وامحاض نصيحته والذي لهم عليه من الحق هو وجوب معدلته فيهم. (في) (4) التواصف أن يصف بعضهم لبعض والتناصف أن ينصف بعضهم بعضا وانما كان الحق أجمل الاشياء في التواصف لانه يوصف بالحسن والوجوب وكل جميل وانما كان أوسعها في التناصف لان الناس لو تناصفوا في الحقوق لما ضاق عليهم امر من الامور وفي النهج ” والحق أوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناصف ” وهو أوضع ومعناه أن الناس كلهم يصفون الحق ولكن لا ينصف بعضهم بعضا (في). وفي بعض النسخ [ التراصف ] موضع التواصف.

[ 353 ]

جرى له ولو كان لاحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه لكان ذلك لله عز وجل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه (1) ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم (2) عليه بحسن الثواب تفضلا منه وتطولا بكرمه وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا، ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى (3) في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض (4)، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عز وجل لكل على كل فجعلها نظام الفتهم وعزا لدينهم (5) وقواما لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن (6) فصلح بذلك الزمان وطاب به العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الاعداء وإذا غلبت الرعية واليهم وعلا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة وظهرت


(1) أي انواعة المتغيرة المتوالية وفي بعض النسخ [ صروف قضائه ]. (2) انما سمى جزاؤه تعالى على الطاعة كفارة لانه يكفر ما يزعمونه من ان طاعتهم له تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب مع انه ليس كذلك لان الحق له عليهم حيث اقدرهم على الطاعة والهمهم إياها ولهذا سماه التفضل والتطول والتوسع بالانعام الذي هو للمزيد منه أهل لانه الكريم الذي لا تنفد خزائنه بالاعطاء والجود تعالى مجده وتقدس وفي نهج البلاغة ” وجعل جزاءهم عليه ” وعلى هذا فلا يحتاج إلى التكليف. (في) (3) أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحق الوالي وهو الطاعة من الرعية مقابل بمثله وهو العدل فيهم وحسن السيرة. (آت) (4) كما أن الوالي إذا لم يعدل لم يستحق الطاعة. (آت) (5) فانها سبب اجتماعهم به ويقهرون اعدائهم ويعز دينهم. وقوله: ” قواما ” أي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم. (آت) (6) في القاموس: ذل الطريق – بالكسر -: محجته. وامور الله جارية اذلالها وعلى أذلالها أي مجاريها جمع ذل – بالكسر -.

[ 354 ]

مطامع الجور وكثر الادغال في الدين وتركت معالم السنن (1) فعمل بالهواء وعطلت الآثار وكثرت علل النفوس (2) ولا يستوحش لجسيم حد عطل ولا لعظيم باطل اثل فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار وتخرب البلاد (3) وتعظم تبعات الله عز وجل عند العباد فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل والقيام بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شئ أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن التعاون عليه وليس أحد وإن اشتد على رضى الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه ولا لامرئ مع ذلك خسئت به الامور واقتحمته العيون (4) بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء (5).


(1) الادغال: بكسر الهمزة – وهو أن يدخل في الشئ ما ليس منه وهو الابداع والتلبيس أو – بفتحها – جمع الدغل – بالتحريك -: الفساد. (آت) (2) قال البحراني: علل النفوس امراضها بملكات السوء كالغل والحسد والعدوات ونحوها و قيل: عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتأتي في كل منكر بوجه ورأي فاسد. (3) التأثيل: التأصيل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل وفي النهج ” فعل ” مكان أثل. والتبعة ما يتبع اعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة. (4) ” ولا لامرئ ” يعني مع عدم الاستغناء عن الاستعانة وقوله: ” خسئت به الامور ” يقال: خسئت والكلب خسا طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى. وقد تعدى بالباء أي طردته الامور أو يكون بالباء للسببية أي بعدت بسببه الامور. (آت) وفي بعض النسخ [ حست ] بالمهملتين أي اختبرته. واقتحمه: احتقره. وفي النهج ” ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون “. وقوله: ” بدون ما أن يعين ” أي بأقل من أن يستعان به ويعان والحاصل أن الشريف والوضيع جميعا محتاجون في أداء الحقوق إلى اعانة بعضهم بعضا واستعانة بعضهم ببعض وكل من كانت النعمة عليه أعظم فاحتياجه في ذلك اكثر لان الحقوق عليه أوفر لازدياد الحقوق بحسب ازدياد النعم (في) (5) ” سواء ” بيان لقوله: ” شرع ” وتأكيد وانما ذكره (عليه السلام) ذلك لئلا يتوهم أنهم يستغنون باعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق والمعين لهم في جميع امورهم ولا يستغنون بشئ عن الله تعالى وانما كلفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويثيبهم على ذلك واقتضت حكمته البالغة أن يجري الاشياء بأسبابها وهو المسبب لها والقادر على امضائها بلا سبب. (آت)

[ 355 ]

فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو ويقال: إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده. فقام وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والاقرار (1) بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم. ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عز وجل من الذل وباعزازك أطلق عباده من الغل (2). فاختر علينا وامض اختيارك وائتمر فأمض ائتمارك (3) فإنك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخول، (4) لا نستحل في شئ معصيتك ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك (5) خطرك ويجل عنه في أنفسنا فضلك. فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قبله أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس (6) أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني احب الاطراء (7) واستماع الثناء


(1) ” ابلاهم “: انعمهم. ” من واجب حقه ” يعني من حق أمير المؤمنين (عليه السلام). (في) (2) اشار به إلى قوله تعالى: ” ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ” أي يخفف عنهم ما كانوا به من التكاليف الشاقة. (في) (3) من الايتمار بمعنى المشاورة. (4) أي الملك الذي اعطاك الله للامرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك. (آت) (5) أي في العلم بأن تكون كلمة ” في ” تعليلية ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما دل عليه الكلام من اطاعته (عليه السلام). والخطر: القدر والمنزلة. (آت) (6) السخف: رقة العيش ورقة العقل والسخافة رقة كل شئ أي أضعف احوال الولاة عند الرعية أن يكونوا متهمين عندهم بهذا الخصلة المذمومة. (آت) (7) جال – بالجيم – من الجولان – بالواو -. والاطراء: مجاوزة الحد في الثناء.

[ 356 ]

ولست بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه (1) عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس (2) الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجي نفسي إلى الله وإليكم (3) من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة (4) ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي (5) إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون


(1) أي تواضعا له تعالى وفي بعض النسخ القديمة [ ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتناهيت له أغنانا الله وإياكم عن تناول ما هو أحق به من التعاظم وحسن الثناء ] والتناهي: قبول النهي و الضمير في ” له ” راجع إلى الله تعالى وفي النهج كما في النسخ المشهورة. (آت) (2) يقال: استحلاه أي وجده حلوا قال ابن ميثم رحمه الله: هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن اثنى عليه، فكأنه يقول: وانت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في الله وأحث الناس على ذلك ومن عادة الناس أن يستهل الثناء عند من يبلو بلاءا حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات ثم أجاب ان هذا العذر في نفسه بقوله: ” ولا تثنوا علي بجميل ثناء ” اي لا تثنوا علي لاجل ما ترونه مني من طاعة الله فان ذلك إنما هو اخراج لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم افرغ بعد من ادائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لا بد من المضي فيها وكذلك إليكم من الحقوق التي اوجبها الله علي من النصيحة في الدين والارشاد إلى الطريق الافضل والتعليم لكيفية سلوكه. (3) اي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم، ان علي حقوقا في ايالتكم ورياستي عليكم لم اقم بها بعد وارجو من الله القيام بها وفي بعض النسخ [ من التقية ] يعني من ان يتقوني في مطالبة حقوق لكم لم افرغ من ادائها وعلى هذا يكون المراد بمستحلى الثناء الذين يثنيهم الناس اتقاء شرهم وخوفا من بأسهم. (في) (4) أهل البادرة الملوك والسلاطين. والبادرة: الحدة والكلام الذي يسبق من الانسان في الغضب اي لا تثنوا علي كما يثنى على اهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم أو لا تحتشموا مني كما يحتشم من السلاطين والامراء كترك المسارة والحديث اجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم أو إعلامهم ببعض الامور والقيام بين أيديهم. (آت) والمصانعة: الرشوة والمداراة. (5) هذا من قبيل هضم النفس، ليس بنفي العصمة مع ان الاستثناء يكفينا مؤونة ذلك. (في) وقال المجلسي – رحمه الله – هذا من الانقطاع إلى الله والتواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحق وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية والاقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه.

[ 357 ]

لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه (1) إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى. فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل. فقال: أنت أهل ما قلت والله والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر (2) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا وولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به وإمامنا الذي نقتدي به وأمرك كله رشد وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا و امتلاءت من سرور بك قلوبنا وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل (3) عقولنا ولسنا نقول لك: أيها الامام الصالح تزكية لك ولا نجاوز القصد في الثناء عليك ولم يكن (4) في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز وجل بتوقيرك وتوسعا بتفضيلك وشكرا بإعظام أمرك، فانطر لنفسك ولنا وآثر أمر الله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الامور مع ذلك فيما ينفعنا. فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال: وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من اموركم وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه والسؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا


(1) أي من الجهالة وعدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها الله تعالى لنا ببعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) قال ابن ابي الحديد: ليس هذا اشارة إلى خاص نفسه (عليه السلام) لانه لم يكن كافرا فاسلم ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم في افناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا. (آت) (2) أي نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها وسترها أو لا يجوز كفرانها وترك شكرها. (آت) (3) برع في الشئ فاق أقرانه فيه. (4) قال المجلسي – رحمه الله -: ” لم يكن ” على بناء المجهول من كننت الشئ: سترته. أو – بفتح الياء وكسر الكاف – من وكنت الطائر بيضه يكنه إذا حضنه وفي بعض النسخ [ لم يكن ] وفي النسخة القديمة [ لن يكون ].

[ 358 ]

على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الامور. فأجابه الرجل ويقال: لم ير الرجل بعد كلامه هذا لامير المؤمنين (عليه السلام) فأجابه وقد عال الذي (1) في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه وغصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ووحشة من كون فجيعته (2). فحمد الله وأثنى عليه، ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه (3) من الخطر العظيم و الذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب حده (4) وانقطاع ما كان من دولته ثم نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجيع وحسن الثناء فقال: يا رباني العباد ويا سكن البلاد (5) أين يقع قولنا من فضلك وأين يبلغ وصفنا من فعلك وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك فكيف وبك جرت نعم الله علينا و على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا، ألم تكن لذل الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا (6)؟ فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عز وجل من فظاعة تلك الخطرات؟ أو بمن فرج عنا غمرات الكربات؟ (7) وبمن؟ إلا بكم أظهر الله معالم ديننا واستصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا (8) وقرت من رخاء العيش أعيننا لما


(1) عال بالمهملة إشتد وتفاقم وغلبه وثقل عليه واهمه. (في) (2) الغصة – بالضم -: ما اعترض في الحلق وكذا الشجا. والمرزئة: المصيبة وكذا الفجيعة والضميران راجعان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). (3) أي أشرف عليه والضمير في قوله: ” إليه ” راجع إلى الله تعالى. (4) الجد: البحث والتفجع والتضرع. (5) السكن – بالتحريك -: كل ما يسكن إليه وفي بعض النسخ [ يا ساكن البلاد ]. (6) أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الاخوان شفقة منك عليهم أو المراد الشفقة على الكفار والعصاة والاهتمام في هدايتهم ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع. (آت) (7) الفظاعة: الشناعة. وفظاعة تلك الخطرات: شناعتها وشدتها والغمرات الشدائد والمزدحمات. (8) قال الجوهري: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة. وفي بعض النسخ [ بعد الجور ] بالمعجمة.

[ 359 ]

وليتنا بالاحسان جهدك ووفيت لنا بجميع وعدك وقمت لنا على جميع عهدك فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا وكنت عز ضعفائنا وثمال فقرائنا (1) وعماد عظمائنا، يجمعنا في الامور عدلك ويتسع لنا في الحق تأنيك (2)، فكنت لنا انسا إذا رأيناك وسكنا إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل؟ وأي الصالحات لم تعمل؟ ولو لا أن الامر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا (3) وتقوي لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك ولاخطرناها (4) وقل خطرها دونك ولقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك وفي مدافعة من ناواك (5) ولكنه سلطان لا يحاول وعز لا يزاول (6) ورب لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك ويترحم علينا ببقائك ويتحنن علينا بتفريج (7) هذا من حالك إلى سلامة منك لنا وبقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عز وجل بذلك شكرا نعظمه، وذكرا نديمه (8) ونقسم أنصاف أموالنا صدقات وأنصاف رقيقنا عتقاء (9) ونحدث له تواضعا في أنفسنا ونخشع في جميع أمورنا وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه ولا مدفوع عنك بلاؤه ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره


(1) الثمال – بالكسر -: الملجأ والغياث وقيل: هو المطعم في الشدة. (النهاية) (2) أي صار مداراتك وتأنيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقه سببا لوسعة الحق علينا وعدم تضيق الامور بنا (آت) (3) في بعض النسخ [ تحريكه ] أي تغييره وصرفه. (4) أي جعلناها في معرض المخاطرة والهلاك أو صيرناها خطرا ورهنا وعوضا لك قال الجزري: فيه: الاهل مشمر للجنة فان الجنة لا خطر لها. أي لا عوض لها ولا مثل. والخطر – بالتحريك – في الاصل: الرهن وما يخاطر عليه ومثل الشئ وعدله ولا يقال الا في الشئ الذي له قدر ومزية. (آت) (5) ” حاولك ” أي قصدك. و ” ناواك ” أي عاداك. وقوله: ” ولكنه ” أي الرب تعالى. (6) أي ذو عز وغلبة. وزاوله أي حاوله وطالبه. (7) في بعض النسخ [ بتفريح ]. (8) الضميران راجعان إلى الشكر والذكر. (9) الرقيق: المملوك.

[ 360 ]

لك ما عنده على ما كنت فيه ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا (1) وللدين والدنيا أكيلا (2) فلا نرى لك خلفا نشكوا إليه ولا نظيرا نأمله ولا نقيمه (3). (خطبة لامير المؤمنين (عليه السلام) 551 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن علي جميعا، عن إسماعيل بن مهران، و أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي، وعلي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا، عن إسماعيل بن مهران، عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير (4) العبدي، عن الاصبغ بن نباتة قال: أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن عمر وولد أبي بكر وسعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل (5) لهم فصعد المنبر ومال الناس إليه فقال: الحمد لله ولي الحمد ومنتهى الكرم، لا تدركه الصفات، ولا يحد باللغات، ولا يعرف بالغايات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) نبي الهدى وموضع التقوى ورسول الرب الاعلى، جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المنير والبرهان المستنير فصدع (6) بالكتاب المبين (7) ومضى على ما مضت عليه الرسل الاولون أما بعد. أيها الناس فلا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار وفجروا الانهار وركبوا أفره الدواب (8) ولبسوا ألين الثياب فصار ذلك عليهم عارا وشنارا (9)


(1) في اكثر النسخ [ لعز هذا السلطان ] فقوله ” لعز ” متعلق بالبكاء و ” ان يعود ” بدل اشتمال له أي نبكي لتبدل عز هذا السلطان ذلا. (آت) وفي بعض النسخ [ لعن الله هذا السلطان ] أي هذه السلطنة التي لا تكون صاحبها. (2) الاكيل يكون بمعنى المأكول وبمعنى الاكل والمراد هنا الثاني. (3) كأن الرجل كان هو الخضر (عليه السلام). (في) (4) في بعض النسخ [ حريز ] وفي جامع الرواة ص 107 ج 1 ” حريث ” (5) يعني في قسمة الاموال والعطاء بين المسلمين. (في) (6) في بعض النسخ [ بالقرآن المبين والبرهان المستبين ]. (7) أي تكلم به جهارا أو شق جماعاتهم بالتوحيد وفصل بين الحق والباطل. (8) الدابة الفارهة: النشيطة القوية. (9) الشنار: العيب والعار.

[ 361 ]

إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون وصيرتهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون ويقولون: ظلمنا ابن أبي طالب وحرمنا ومنعنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وآمن بنبينا وشهد شهادتنا ودخل في ديننا اجرينا عليه حكم القرآن وحدود الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب وأحسن الجزاء والمآب لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثوابا وما عند الله خير للابرار، انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله (1) وتركتم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاهدتم به في ذات الله أبحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة أم زهادة (2) وفيما أصبحتم فيه راغبين فسارعوا إلى منازلكم – رحمكم الله – التي امرتم بعمارتها، العامرة التي لا تخرب، الباقية التي لا تنفد، التي دعاكم إليها وحضكم عليها (3) ورغبكم فيها وجعل الثواب عنده عنها فاستتموا نعم الله عز ذكره بالتسليم لقضائه والشكر على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا وإن الحاكم يحكم بحكم الله ولا خشية عليه من ذلك اولئك هم المفلحون – وفي نسخة ولا وحشة واولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون -. وقال: وقد عاتبتكم بدرتي التي اعاتب بها أهلي فلم تبالوا وضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا (4) أتريدون أن أضربكم بسيفي أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم أودكم (5) ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي (6) بل يسلط الله


(1) أي من مواعيده الصادقة على الاعمال الصالحة وأراد بتركهم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمانه لهم بذلك كأنه وديعة لهم عنده. (في) (2) استفهام انكار يعنى ليس ذلك بحسب ولا نسب بل بعمل وطاعة وزهادة. وقوله: ” فيما أصبحتم فيه راغبين ” أي انظروا أيضا فيما أصبحتم فيه راغبين هل هو الذي اصبتم في كتاب الله يعني ليس هو بذاك وانما هو الدنيا وزهرتها. (في) (3) الحض: الحث والترغيب. (4) الارعواء: الكف والانزجار، وقيل: هو الندم والانصراف عن الشئ. (في) (5) الاود – بالتحريك -: الاعوجاج. (6) أي لا أطلب صلاحكم بالظلم وبما لم يأمرني به ربي فأكون قد اصلحتكم بإفساد نفسي. (آت)

[ 362 ]

عليكم قوما فينتقم لي منكم فلا دنيا استمتعتم بها ولا آخرة صرتم إليها فبعدا وسحقا لاصحاب السعير. 552 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار جميعا، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأله حمران فقال: جعلني الله فداك لو حدثتنا متى يكون هذا الامر فسررنا به؟ فقال: يا حمران إن لك أصدقاء وإخوانا ومعارف إن رجلا كان فيما مضى من العلماء وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شئ وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال: يا بني إنك قد كنت تزهد فيما عندي وتقل رغبتك فيه ولم تكن تسألني عن شئ ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني فإن احتجت إلى شئ فأته، وعرفه جاره فهلك الرجل وبقي ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل، فقيل له: قد هلك، فقال الملك: هل ترك ولدا؟ فقيل له: نعم ترك ابنا، فقال: ايتوني به، فبعث إليه ليأتي الملك، فقال الغلام: والله ما أدري لما يدعوني الملك وما عندي علم ولئن سألني عن شئ لافتضحن، فذكر ما كان أوصاه أبوه به فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له: إن الملك قد بعث إلي يسألني ولست أدري فيم بعث إلي وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شئ فقال الرجل: ولكني أدري فيما بعث إليك فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شئ فهو بيني وبينك فقال: نعم فاستحلفه واستوثق منه أن يفيئ له فأوثق له الغلام فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا؟ فقل له: هذا زمان الذئب، فأتاه الغلام فقال له الملك: هل تدري لم أرسلت إليك؟ فقال: أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا، فقال له الملك: صدقت فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال له: زمان الذئب، فأمر له بجائزة فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله وأبى أن يفيئ لصاحبه وقال: لعلي لا أنفد هذا المال ولا آكله حتى أهلك ولعلي لا أحتاج ولا اسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه، فمكث ما شاء الله ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع وقال: والله ما عندي علم آتيه به وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت


[ 363 ]

به ولم أف له، ثم قال: لآتينه على كل حال ولاعتذرن إليه ولاحلفن له فلعله يخبرني فأتاه فقال له: إني قد صنعت الذي صنعت ولم أف لك بما كان بيني وبينك وتفرق ما كان في يدي وقد احتجت إليك فانشدك الله أن لا تخذلني وأنا أوثق لك أن لا يخرج لي شئ إلا كان بيني وبينك وقد بعث إلي الملك ولست أدري عما يسألني فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا فقل له: إن هذا زمان الكبش، فأتى الملك فدخل عليه فقال: لما بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت رؤيا وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا، فقال له: صدقت فأخبرني أي زمان هذا فقال: هذا زمان الكبش فأمر له بصلة، فقبضها وانصرف إلى منزله وتدبر في رأيه في أن يفيئ لصاحبه أولا يفيئ له فهم مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل ثم قال: لعلي أن لا احتاج إليه بعد هذه المرة أبدا و أجمع رأيه على الغدر وترك الوفاء، فمكث ما شاء الله ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه وقال: بعد غدر مرتين كيف أصنع وليس عندي علم ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يعلمه وأخبره إن هذ المرة يفيئ منه وأوثق له وقال: لا تدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر وسأفي لك فاستوثق منه وقال: إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان، قال: فأتى الملك فدخل عليه فقال له: لم بعثت إليك؟ فقال: إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني أي زمان هذا، فقال: صدقت فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال: هذا زمان الميزان فأمر له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال: قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه، فقال له: العالم: إن الزمان الاول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل وكذلك كنت أنت تهم ولا تفيئ وكان هذا الزمان زمان الميزان و كنت فيه على الوفاء فاقبض مالك لا حاجة لي فيه ورده عليه. 553 – أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي، عن علي بن الحسن التيمي، عن علي بن أسباط، عن على بن جعفر قال: حدثني معتب أو غيره قال: بعث عبد الله بن الحسن إلى أبي عبد الله (عليه السلام) يقول لك أبو محمد: أنا أشجع منك وأنا أسخى منك وأنا أعلم منك


[ 364 ]

فقال لرسوله: أما الشجاعة فوالله ما كان لك موقف يعرف فيه جبنك من شجاعتك وأما السخاء فهو الذي يأخذ الشئ من جهته فيضعه في حقه (1) وأما العلم فقد أعتق أبوك علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ألف مملوك فسم لنا خمسة منهم وأنت عالم، فعاد إليه فأعلمه ثم عاد إليه فقال له: يقول لك أنت رجل صحفي (2)، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): قل له: إي والله صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي (عليهم السلام). 554 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: ” وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم (3) ” فقال: هو رسول الله (صلى الله عليه وآله). 555 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون (4) ” قال: لما اسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس فلقى من لقى من إخوانه من الانبياء (عليهم السلام)، ثم رجع فحدث أصحابه إني أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة وقد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها وآية ذلك أني مررت بعير لابي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملا لهم أحمر وقد هم القوم في طلبه، فقال بعضهم لبعض إنما جاء الشام وهو راكب سريع ولكنكم قد أتيتم الشام وعرفتموها فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجارها، فقالوا: يا رسول الله كيف الشام وكيف أسواقها؟ – قال: (5) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سئل عن الشئ لا يعرفه شق عليه حتى يرى


(1) أي لست انت كذلك بل تأخذ أموال الامام وتصرفه في تحصيل خلافة الجور لولدك محمد. (آت) (2) أي لم تأخذ العلم من الرجال بل اخذت من الكتب. وهذا الخبر يدل على ذم عبد الله بن الحسن. (آت) (3) يونس: 2. وقال الطبرسي رحمه الله: قال الازهري: القدم: الشئ تقدمه قدامك ليكون عدة لك حتى تقدم عليه. (4) يونس: 101. وقال الطبرسي – رحمه الله -. معناه ما تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها ولا الرسل المخوفة عن قوم لا ينظرون في الادلة تفكرا وتدبرا ولا يريدون الايمان. (5) أي قال أبو عبد الله (عليه السلام).

[ 365 ]

ذلك في وجهه – قال: فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله هذه الشام قد رفعت لك، فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجارها فقال: أين السائل عن الشام؟ فقالوا له: فلان وفلان، فأجابهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل وهو قول الله تبارك وتعالى: ” وما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون “. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله وبرسوله، آمنا بالله و برسوله (صلى الله عليه وآله). 556 – أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي، عن محمد بن عبد الله، عن زرارة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا قال المؤمن لاخيه: أف خرج من ولايته (1) وإذا قال: أنت عدوي كفر أحدهما لانه لا يقبل الله عز وجل من أحد عملا في تثريب على مؤمن نصيحة (2) ولا يقبل من مؤمن عملا وهو يضمر في قلبه على المؤمن سوءا، لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى وصل ما بين الله عز وجل وبين المؤمن خضعت للمؤمنين رقابهم وتسهلت لهم أمورهم ولانت لهم طاعتهم ولو نظروا إلى مردود الاعمال من الله عز وجل لقالوا: ما يتقبل الله عز وجل من أحد عملا. وسمعته يقول لرجل من الشيعة: أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حوراء عيناء وكل مؤمن صديق. قال: وسمعته يقول: شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله عز وجل يوم القيامة بعدنا، وما من شيعتنا أحد يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته فيها عدد من خالفه من الملائكة


(1) أي من محبته وولايته التي ذكرها الله بقوله: ” المؤمنون بعضهم أولياء بعض ” أو ولاية الله حيث قال تعالى: ” الله ولي المؤمنين “. (2) التثريب: التعيير والاستقصاء في اللوم. وقوله: ” نصيحة ” اما بدل أو بيان لقوله: ” عملا ” أي لا يقبل من أحد نصيحة لمؤمن يشتمل على تعيير أو مفعول لاجله للتثريب أي لا يقبل عملا من أعماله إذا عيره على وجه النصيحة فكيف بدونها. (آت)

[ 366 ]

– يصلون عليه، جماعة حتى (1) يفرغ من صلاته وإن الصائم منكم ليرتع (2) في رياض الجنة تعدوا له الملائكة حتى يفطر. وسمعته يقول: أنتم أهل تحية الله بسلامه وأهل أثرة الله برحمته (3) وأهل توفيق الله بعصمته وأهل دعوة الله بطاعته، لا حساب عليكم ولا خوف ولا حزن، أنتم للجنة والجنة لكم، أسماؤكم عندنا الصالحون والمصلحون وأنتم أهل الرضا عن الله عز و جل برضاه عنكم والملائكة إخوانكم في الخير فإذا جهدتم (4) ادعوا وإذا غفلتم اجهدوا وأنتم خير البرية، دياركم لكم جنة (5) وقبوركم لكم جنة، للجنة خلقتم وفي الجنة نعيمكم وإلى الجنة تصيرون. 557 – أحمد بن محمد بن أحمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن الوليد، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل، عن أبي جعفر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجعفر (عليه السلام) (6) حين قدم من الحبشة أي شئ أعجب ما رأيت؟ قال: رأيت حبشية مرت وعلى رأسها مكتل فمر رجل (7) فزحمها فطرحها ووقع المكتل عن رأسها فجلست، ثم قالت: ويل لك من ديان يوم الدين إذا جلس على الكرسي وأخذ للمظلوم من الظالم. فتعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله). 558 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن آزر أبا إبراهيم (عليه السلام) (8)


(1) قوله: ” عدد من خالفه ” أي من فرق المسلمين أو كل من يخالفه في الدين من أي الفرق. وقوله: ” يصلون عليه ” أي يدعون ويستغفرون له. وقوله: ” جماعة ” أي مجتمعين. (آت) (2) أي ليتنعم في رياضها أو يستوجب بذلك دخولها حتى كانه فيها. (3) الاثرة – بالضم -: المكرمة المتوارثة. (4) أي وقعتم في الجهد والمشقة ادعوا الله لكشفها. وفي بعض النسخ [ اجتهدتم ]. (5) الجنة – بضم الجيم -: الستر. (6) يعني جعفر بن أبي طالب (عليهما السلام) الطيار. (7) المكتل – كمنبر -: زنبيل يسع خمسة عشر صاعا. (8) الاخبار الدالة على إسلام آباء النبي (صلى الله عليه وآله) من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة وكذا في خصوص والد ابراهيم قد وردت بعض الاخبار وأما العامة اختلفوا في ابراهيم وهذا الخبر صريح في كون والده (عليه السلام) آزر فلعله ورد تقية. (من آت)

[ 367 ]

كان منجما لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فاصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت عجبا، قال: وما هو؟ قال: رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، قال: فتعجب من ذلك وقال: هل حملت به النساء؟ قال: لا، قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم (صلى الله عليه وآله) فظن أنه صاحبه فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شئ إلا علمن به فنظرن فألزم الله عز وجل ما في الرحم [ إلى ] الظهر فقلن،: ما نرى في بطنها شيئا وكان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يؤت علم أن الله تعالى سينجيه، قال: فلما وضعت أم إبراهيم أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله، فقالت له امرأته لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله دعني أذهب به إلى بعض الغيران (1) أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا تكون أنت الذي تقتل ابنك، فقال لها: فامضي به، قال: فذهبت به إلى غار ثم ارضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه، قال: فجعل الله عز وجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشخب لبنها (2) وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث. ثم إن امه قالت لابيه: لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فعلت: قال: فافعلي، فذهبت فإذا هي بإبراهيم (عليه السلام) وإذا عيناه تزهران كأنها سراجان قال: فأخذته فضمته إلى صدرها و ارضعته ثم انصرفت عنه، فسألها آزر عنه، فقالت قد واريته في التراب فمكثت تفعل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم (عليه السلام) فتضمه إليها وترضعه، ثم تنصرف فلما تحرك أتته كما كانت تأتيه فصنعت به كما كانت تصنع فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: ما لك؟ فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتى استأمر أباك، قال: فأتت أم إبراهيم (عليه السلام) آزر فأعلمته القصة، فقال لها: إيتيني به فأقعديه على الطريق فإذا مر به إخوته دخل


(1) الغار: الكهف والجمع: الغيران. (2) فيشخب – بضم الخاء وفتحها – أي يسيل. وقوله: ” يشب ” – بكسر الشين – أي ينمو.

[ 368 ]

معهم ولا يعرف، قال: وكان إخوة إبراهيم (عليه السلام) يعملون الاصنام و يذهبون بها إلى الاسواق ويبيعونها، قال: فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق ومر إخوته فدخل معهم فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه فمكث ما شاء الله قال: فبينما إخوته يعملون يوما من الايام الاصنام إذا أخذ إبراهيم (عليه السلام) القدوم (1) وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله، فقال آزر لامه: إني لارجو ا أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا، فقال له: أي شئ عملت؟ فقال له، إبراهيم (عليه السلام)، وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم (عليه السلام): ” أتعبدون ما تنحتون “؟ فقال آزر [ لامه ]: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه. 559 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حجر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال خالف إبراهيم (عليه السلام) قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه، فقال: إبراهيم (عليه السلام): ” ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا احيي وأميت ” قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (2) ” وقال أبو جعفر (عليه السلام): عاب آلهتهم


(1) – بفتح القاف وضم الدال -: آلة للنحت والنجر. (2) البقرة: 258. وقوله: ” أنا احيي وأميت ” قال الطبرسي – رحمه الله -: أي فقال نمرود: أنا احيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل وأميت بالقتل من شئت أي ممن هو حي وهذا جهل من الكافر لانه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به ولا يقدر عليه سواه. انتهى، أقول: الظاهر من سياق الاية أن المراد من قوله: ” أنا احيي واميت ” أن الرب الذي وصفته بكذا هو أنا. وهذا تلبيس ومغالطة منه. وفي تفسير الميزان: ” قوله تعالى “: ” قال أنا احيي و اميت… الاية ” أي فأنا ربك الذي وصفته بأنه يحيي ويميت قوله تعالى: قال ابراهيم: ” فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر… الاية ” لما آيس (عليه السلام) من مضى احتجاجه بأن ربه الذي يحيي ويميت، لسوء فهم الخصم وتمويهه وتلبيسه الامر على من حضر عندها عدل عن بيان ما هو مراده من الاحياء والاماتة إلى حجة اخرى، إلا أنه بنى هذه الحجة ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 369 ]

” فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم (1) ” قال أبو جعفر (عليه السلام): والله ما كان سقيما وما كذب، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيم (عليه السلام) إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيرا لهم ووضع القدوم في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها، فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار، فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناءا لينظر إليه كيف تأخذه النار ووضع إبراهيم (عليه السلام) في منجنيق، وقالت الارض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ قال الرب: إن دعاني كفيته. فذكر أبان، عن محمد بن مروان، عمن رواه (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) أن دعاء إبراهيم (عليه السلام) يومئذ كان ” يا أحد [ يا أحد، يا صمد ] يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ” ثم قال: ” توكلت على الله ” فقال الرب تبارك وتعالى: كفيت، فقال للنار: ” كوني بردا ” قال: فاضطربت أسنان إبراهيم (عليه السلام) من البرد حتى قال الله عز وجل: ” وسلاما ” على إبراهيم. وانحط جبرئيل (عليه السلام) وإذا هو جالس مع إبراهيم (عليه السلام) يحدثه في النار، قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” الثانية على دعوى الخصم في الحجة الاولى كما يدل عليه التفريع بالفاء في قوله: ” فان الله… الاية ” والمعنى: إن كان الامر كما تقول: إنك ربي ومن شأن الرب أن يتصرف في تدبير أمر هذا النظام الكوني فالله سبحانه يتصرف في الشمس باتيانها من المشرق فتصرف أنت باتيانها من المغرب حتى يتضح انك رب كما أن الله رب كل شئ أو أنك الرب فوق الارباب فبهت الذي كفر، وإنما فرع الحجة على ما تقدمها لئلا يظن أن الحجة الاولى تمت لنمرود وانتجت ما ادعاه، ولذلك أيضا قال: ” فان الله ” ولم يقل: فان ربي لان الخصم استفاد من قوله ” ربي ” سوءا وطبقه على نفسه بالمغالطة فأتى (عليه السلام) ثانيا بلفظة الجلالة ليكون مصونا عن مثل التطبيق السابق: وقد مر بيان أن نمرود ما كان يسعه ان يتفوه في مقابل هذه الحجة بشئ دوه أن يبهت فيسكت. (1) الصافات: 88 و 89. ” فقال اني سقيم ” قيل: أراهم أنه استدل بها على أنه مشارف لسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم لانهم كانوا منجمين وذلك حين سألوه أن يعيد معهم وكان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى. (الصافي) (2) في بعض النسخ [ عن زرارة ].

[ 370 ]

إله إبراهيم، قال: فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت على النار أن لا تحرقه، [ قال ] فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه، قال: فآمن له لوط وخرج مهاجرا إلى الشام هو وسارة ولوط. 560 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن إبراهيم (عليه السلام) كان مولده بكوثى ربا (1) وكان أبوه من أهلها وكانت ام إبراهيم وام لوط (2) سارة وورقة – وفي نسخة رقية – اختين وهما ابنتان للاحج وكان اللاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا (3) وكان إبراهيم (عليه السلام) في شبيبته (4) على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه وأنه تزوج سارة ابنة لاحج (5) وهي ابنة خالته وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة و حال حسنة وكانت قد ملكت إبراهيم (عليه السلام) جميع ما كانت تملكه فقام فيه وأصلحه و كثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالا منه وإن


(1) قال الجزري: كوثى سرة السواد وبها ولد ابراهيم الخليل (عليه السلام). وقال الفيروز آبادي: كوثى – كطوبى -: قرية بالعراق وقال: الربى – كهدى -: موضع. وقال الحموي في مراصد الاطلاع: كوثى بالعراق في موضعين كوثى الطريق وكوثى ربا وبها مشهد ابراهيم الخليل (عليه السلام) وهما قريتان وبينهما تلول من رماد يقال: انها رماد النار التي اوقدها نمرود لاحراقه. (2) كذا في أكثر النسخ، وفي بعض النسخ [ امرأة ابراهيم وامرأة لوط ]. وهو الصواب و في كامل التواريخ: ” إن لوطا كان ابن اخي إبراهيم (عليه السلام) “. (3) أي لم يكن ممن يأتيه الملك فيعاينه كما يظهر من الاخبار. أو لم يكن صاحب شريعة مبتدأ كما قيل. (آت) (4) أي في حداثته على الفطرة أو التوحيد أي كان موحدا بما آتاه الله من العقل والهمة حتى جعله الله نبيا وآتاه الملك. (آت) (5) الظاهر أنه كان ابنة ابنة لاحج فتوهم النساخ التكرار فاسقطوا احداهما وعلى ما في النسخ المراد ابنة الابنة مجازا وسارة ولا حج هنا غير المتقدمين وانما الاشتراك في الاسم وعلى نسخة ” الامرأة ” لا يحتاج إلى التكلف. (آت)

[ 371 ]

إبراهيم (عليه السلام) لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق وعمل له حيرا (1) وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيم (عليه السلام) في النار لتحرقه ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم (عليه السلام) سليما مطلقا من وثاقه فاخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم (عليه السلام) من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجهم إبراهيم (عليه السلام) عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم و اختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم (عليه السلام) أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم (عليه السلام) ما ذهب من عمره في بلادهم فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وما له وأن يخرجوه وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه (صلى الله عليهما) من بلادهم إلى الشام فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم: ” إني ذاهب إلى ربي سيهدين ” يعني بيت المقدس. فتحمل إبراهيم (عليه السلام) بماشيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها الاغلاق غيرة منه عليها ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له: عرارة فمر بعاشر له (2) فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت، قال العاشر لابراهيم (عليه السلام): افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه، فقال له إبراهيم (عليه السلام): قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه، قال: فأبى العاشر إلا فتحه، قال: وغضب إبراهيم (عليه السلام) على فتحه فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال، قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم (عليه السلام): هي حرمتي وابنة خالتي، فقال له العاشر: فما دعاك إلى أن خبيتها (3) في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم (عليه السلام): الغيرة عليها أن يراها أحد،


(1) الحير – بفتح المهملة وآخره راء -: شبه الخطيرة. (2) أي ملتزم أخذ العشر.

[ 372 ]

فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى اعلم الملك حالها وحالك، قال: فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيم (عليه السلام): إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فاخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم (عليه السلام) والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقاله له الملك: افتح التابوت، فقال إبراهيم (عليه السلام): أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي قال: فغضب الملك (1) إبراهيم (عليه السلام) على فتحه، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم (عليه السلام) بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه، فقال له الملك: إن إلهك الذي فعل بي هذا؟ فقال له: نعم إن إلهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام فقال له الملك: فادع إلهك يرد علي يدي فإن أجابك فلم أعرض لها، فقال: إبراهيم (عليه السلام): إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي: قال: فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم (عليه السلام) عنه بوجهه غيرة منه و قال: اللهم احبس يده عنها، قال: فيبست يده ولم تصل إليها، فقال الملك لابراهيم (عليه السلام): إن إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد، فقال له إبراهيم (عليه السلام): أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله، فقال الملك: نعم، فقال إبراهيم (عليه السلام): اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه يده فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده عظم إبراهيم (عليه السلام) وهابه وأكرمه واتقاه وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معك فانطلق حيث شئت و لكن لي إليك حاجة، فقال إبراهيم (عليه السلام): ما هي؟ فقال له: أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما، قال: فأذن له إبراهيم (عليه السلام) فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل (عليه السلام)، فسار إبراهيم (عليه السلام) بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم (عليه السلام) إعظاما لابراهيم (عليه السلام) وهيبة له فأوحى الله تبارك و


(1) غضب فلانا على الشئ قهره. (القاموس)

[ 373 ]

تعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي هو خلفك ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط ولا بد من إمرة في الارض برة أو فاجرة فوقف إبراهيم (عليه السلام) وقال الملك: امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك و اهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالا لك، فقال له الملك: أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم (عليه السلام): نعم، فقال له الملك: أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم وأنك ترغبني في دينك، قال: وودعه الملك فسار إبراهيم (عليه السلام) حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوط (عليه السلام) في أدنى الشامات، ثم إن إبراهيم (عليه السلام) لما أبطا عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا، فابتاع إبراهيم (عليه السلام) هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل (عليه السلام). 561 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن أحمد المنقري، عن يونس ابن ظبيان قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل؟ فقال: من هذا الرجل ومن هذين الرجلين؟ قلت: ألا تنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر (1) فقال: يا يونس قد سألتهما أن يكفا عنه فلم يفعلا فدعوتهما وسألتهما


(1) حجر بن زائدة الحضرمي قال النجاشي: روى عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام) ثقة صحيح المذهب صالح من هذه الطائفة وروى الكشي عن محمد بن قولويه عن سعد عن علي بن سليمان بن داود عن علي بن اسباط عن ابيه عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) أنه من حواري محمد ابن على وجعفر بن محمد (عليهما السلام). وعن علي بن محمد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين ابن سعيد يرفعه عن عبد الله بن الوليد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ما تقول في مفضل؟ قلت وما عسيت أن أقول فيه بعد ما سمعت منك. فقال: رحمه الله لكن عامر بن جذاعة وحجر بن زائدة أتياني فعاباه عندي فسألتهما الكف عنه فلم يفعلا ثم سألتهما أن يكفا عنه واخبرتهما بسروري بذلك فلم يفعلا فلا غفر الله لهما. وفي الفهرست لشيخ الطائفة: له كتاب اخبرنا به ثم ذكر رحمه الله طريقه إلى ابن مسكان عنه. انتهى وعامر بن عبد الله بن جذاعة الازدي روى عن ابي عبد الله (عليه السلام) وله كتاب كذا ذكره ” بقية الحاشية في الصفحة الاتية “

[ 374 ]

وكتبت إليهما وجعلته حاجتي إليهما فلم يكفا عنه فلا غفر الله لهما فوالله لكثير عزة (1) أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول: ألا زعمت بالغيب ألا أحبها * إذا أنا لم يكرم علي كريمها (2) أما والله لو أحباني لاحبا من أحب. 562 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن القاسم شريك المفضل وكان رجل صدق قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حلق في المسجد يشهرونا ويشهرون أنفسهم أولئك ليسوا منا ولا نحن منهم، أنطلق فأواري (3) و أستر فيه تكون ستري هتك الله ستورهم (4)، يقولون: إمام، أما والله ما أنا بإمام إلا لمن أطاعني فأما من عصاني فلست له بإمام، لم يتعلقون باسمي، ألا يكفون (5) اسمي من أفواههم فوالله لا يجمعني الله وإياهم في دار.


” بقية الحاشية من الصفحة الماضية ” النجاشي. وقال: مفضل بن عمر كوفي فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به. وفي (الخلاصة): متهافت مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شئ كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ولا يجوز إن يكتب حديثه روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) وقيل: إنه كان خطابيا وقد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها انتهى وعده المفيد – رحمه الله – في ارشاده من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاة الفقهاء الصالحين وقال الشيخ الطوسي – رحمه الله – في كتاب الغيبة: ومنهم المفضل بن عمر – أي من المحمودين ممن كان يختص بامام ويتولى له الامر. انتهى وروى روايات غير نقية الطريق في مدحه واورد الكشي احاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية كلها واحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه كما في الخلاصة وهي اقرب إلى الصحة فالاولى عدم الاعتماد والله اعلم بحاله. (جامع الرواة) وقال المجلسي رحمه الله: أن هذا الخبر يدل على جلالة المفضل وذمهما لكنه على مصطلح القوم ضعيف. (1) – بضم الكاف وفتح الثاء وتشديد الياء المكسورة – اسم شاعر. وعزة – بفتح العين المهملة والزاي المعجمة المشددة – اسم معشوقته. (آت) (2) ” الا زعمت ” أي قالت أو زعمت ” بالغيب ” أي غائبة عني أي أنها تعلم أني إذا لم أكن محبا لمن يحبها لم أكن محبا لها. (آت) (3) في بعض النسخ [ فادارى ]. (4) في بعض النسخ [ سرهم ]. (5) في بعض النسخ [ ألا يلقون اسمي من أفواههم ].

[ 375 ]

563 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول: يا رب إما يغزون بطالب * في مقنب من هذه المقانب (1) في مقنب المغالب المحارب * بجعله المسلوب غير السالب (2) وجعله المغلوب غير الغالب فقالت قريش: إن هذا ليغلبنا فردوه (3). وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان أسلم. 564 – حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي


(1) المقنب – بالكسر – جماعة الخيل والفرسان وفي بعض ما ظفرنا عليه من السير هكذا: يا رب اما أخرجوا بطالب * في مقنب من هذه المقانب فاجعلهم المغلوب غير الغالب * وارددهم المسلوب غير السالب قال صاحب الكامل في ذكر قصته: وكان بين طالب بن ابي طالب وهو في القوم وبين بعض قريش محاورة: فقالوا: والله لقد عرفنا ان هواكم مع محمد فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة. وقيل: انه اخرج كرها فلم يوجد في الاسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة وهو الذي يقول: يا رب اما يغزون طالب * في مقنب من هذه المقانب فليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب أقول: على ما نقلناه من الكتابين ظهر أنه لم يكن راضيا بهذه المقاتلة وكان يريد ظفر النبي (صلى الله عليه وآله)، إما لانه قد أسلم كما تدل عليه المرسلة أو لمحبة القرابة، فالذي يخطر بالبال في توجيه ما في الخبر أن يكون قوله: ” بجعله ” بدل اشتمال لقوله: ” بطالب ” أي اما تجعل الرسول غالبا بمغلوبية طالب حال كونه في مقانب عسكر مخالفيه الذين يطلبون الغلبة عليه بأن تجعل طالبا مسلوب الثياب والسلاح غير سالب لاحد من عسكر النبي (صلى الله عليه وآله) وبجعله مغلوبا منهم غير غالب عليهم. (آت) (2) في بعض النسخ القديمة [ فاجعله المسلوب غير السالب ] (آت) (3) ” ليغلبنا ” على ما ذكرنا أي يريد غلبة الخصوم علينا أو يصير تخاذله سببا لغلبتهم علينا. (آت)

[ 376 ]

عن أبان بن عثمان، عن محمد بن المفضل (1) قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية في المسجد (2) وهي تقول وتخاطب النبي (صلى الله عليه وآله): قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب إنا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل قوم فاشهدهم ولا تغب (3) 565 – أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد إذ خفض له كل رفيع ورفع له كل خفيض حتى نظر إلى جعفر (عليه السلام) (4) يقاتل الكفار قال: فقتل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قتل جعفر وأخذه المغص في بطنه (5). 566 – حميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن عجلان أبي صالح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده يوم حنين أربعين (6). 567 – أبان، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الاذنين، عينيه في حافره وخطاه مد بصره وإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف (7) الايمن له جناحان من خلفه.


(1) في بعض النسخ [ محمد بن الفضيل ]. والمختار أظهر بقرينة رواية أبان عنه وروايته عن ابي عبد الله (عليه السلام). (2) أي إلى اسطوانة وكانت هذه المطالبة والشكاية عند اخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) للبيعة أو عند غصب فدك. (آت) (3) الهنبثة: الامر المختلف الشديد والاختلاط من القول والاختلاف فيه. والخطب الامر الذي تقع فيه المخاطبة، والشأن، والحال ويمكن ان يقرأ الخطب – بضم الخاء وفتح الطاء – جمع خطبة. والوابل: المطر الشديد الضخم القطر. وفي كشف الغمة ” واختل قومك لما غبت وانقلبوا ” وفي الكتب زوائد اوردناها في البحار. (آت) (4) يعني جعفر بن ابي طالب (عليه السلام). (5) المغص – بالتسكين ويحرك -: وجع في البطن والظاهر أن الضمير في قوله: ” في بطنه ” راجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أي اخذه هذه الداء لشدة اغتمامه وحزنه عليه. (آت) (6) كذا ذكره الشيخ المفيد – قدس سره – في ارشاده وبعض أهل السير. (آت) (7) أي طويلة وكان مرسلا في جانب الايمن. (آت)

[ 377 ]

568 – علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن فيض ابن المختار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كيف تقرأ ” وعلى الثلاثة الذين خلفوا (1) ” قال: لو كان خلفوا لكانوا: في حال طاعة ولكنهم ” خالفوا ” عثمان وصاحباه أما والله ما سمعوا صوت حافر ولا قعقعة (2) حجر إلا قالوا: أتينا، فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا. 569 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة


(1) التوبة: 118. قال الشيخ امين الدين الطبرسي: القراءة المشهورة ” الذين خلفوا ” و قرأ علي بن الحسين وابو جعفر الباقر وجعفر الصادق (عليهم السلام) وابو عبد الرحمن السلمى ” خالفوا ” وقرأ عكرمة وزر بن حبيش وعمرو بن عبيد ” خلفوا ” بفتح الخاء واللام خفيفة. ثم قال: نزلت في كعب ابن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن امية وذلك انهم تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يخرجوا معه لا عن نفاق ولكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة جاؤوا إليه واعتذروا فلم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وآله) وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتى الصبيان وجاءت نساؤهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلن له يا رسول الله نعتزلهم؟ فقال: لا ولكن لا يقربوكن، فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رؤوس الجبال وكان أهاليهم يجيؤون لهم بالطعام ولا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض قد هجرنا الناس ولا يكلمنا أحد منهم فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا ولم يجتمع منهم اثنان وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله تعالى ويتوبون إليه فقبل الله تعالى توبتهم وأنزل فيهم هذه الاية. ثم قال: ” وعلى الثلاثة الذين خلفوا ” قال مجاهد: معناه خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول التوبة ممن قبل توبتهم من المنافقين كما قال سبحانه فيما مضى: ” وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ” وقال الحسن وقتاده: معناه خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوهم واما قراءة أهل البيت (عليهم السلام) خالفوا فانهم قالوا: لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب و لكنهم خالفوا. انتهى. أقول: يدل هذا الخبر على ان أبا بكر وعمر وعثمان كان وقع منهم أيضا تخلف عند خروج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك فسلط الله عليهم الخوف في تلك الليلة حتى ضاقت عليهم الارض برحبها وسعتها وضاقت عليهم انفسهم لكثرة خوفهم وحزنهم حتى اصبحوا ولحقوا بالنبي (صلى الله عليه و آله) واعتذروا إليه. (آت) (2) قعقع السلاح: صوت. والشئ اليابس: حركه مع صوت: والقعقعة حكاية حركة الشئ يسمع له صوت.

[ 378 ]

عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تلوت ” التائبون العابدون (1) ” فقال: لا، اقرأ التائبين العابدين – إلى آخرها – ” فسئل عن العلة في ذلك، فقال: اشترى من المؤمنين التائبين العابدين. 570 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: هكذا أنزل الله تبارك و تعالى ” لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤف رحيم (2) “. 571 – محمد، عن احمد، عن ابن فضال عن الرضا (عليه السلام) ” فأنزل الله سكينته على رسوله وأيده بجنود لم تروها (3) ” قلت: هكذا؟ قال: هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها. 572 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن عمار بن سويد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في هذه الآية: ” فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك (4) ” فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزل قديد (5) قال لعلي (عليه السلام): يا علي إني سألت ربي أن يوالي بيني وبينك ففعل، وسألت ربي أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل، فقال رجلان من قريش: والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه فهلا سأل ربه ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستغني به عن فاقته والله ما دعاه


(1) التوبة: 112. وهذا اختلاف القراءة، قال الطبرسي: في قراءة ابي وعبد الله بن مسعود و الاعمش ” التائبين العابدين ” بالياء إلى آخرها وروى ذلك عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام). (2) السند ضعيف بسهل بن زياد والاية في سورة التوبة: 128 هكذا ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم “. (3) السند موثق والاية في سورة التوبة: 40 وفيها ” فأنزل الله سكينته عليه وأيده. الاية ” والضمير لا بد من ارجاعه إلى الرسول ويدل عليه آيات أخر وهذا اختلاف القراءة فقط. (4) هود: 12. (5) – كزبير -: اسم واد وموضع. والشن – بالفتح -: القربة البالية.

[ 379 ]

إلى حق ولا باطل إلا أجابه إليه فأنزل الله سبحانه وتعالى ” فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك إلى آخر الآية – “. 573 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك (1) ” فقال: كانوا امة واحدة فبعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة. 574 – علي بن محمد، علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ” ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا (2) ” قال: من تولى الاوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذلك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الاولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل ” من جاء بالحسنة فله خير منها (3) ” يدخله الجنة وهو قول الله عز وجل: ” قل ما سألتكم من أجر فهو لكم (4) ” يقول: أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة وقال لاعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والانكار ” قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (5) ” يقول متكلفا أن اسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمدا (6) أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا: ما أنزل الله هذا وما هو إلا شئ يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا وأراد الله عز وجل أن يعلم نبيه (صلى الله عليه وآله) الذي أخفوا في صدورهم وأسروا به فقال في كتابه عز وجل ” أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك (7) ” يقول: لو شئت حبست


(1) هود: 118 و 119. (2) الشورى: 23 وقوله: ” يقترف ” أي يكتسب. (3) النمل: 89. (4) سبأ: 47. (5) ص: 86. (6) كذا. (7) الشورى: 24.

[ 380 ]

عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم وقد قال الله عز وجل: ” ويمحوا الله الباطل ويحق الحق بكلماته (يقول: الحق لاهل بيتك الولاية) إنه عليم بذات الصدور (1) ” ويقول: بما ألقوه في صدورهم من العداوة لاهل بيتك والظلم بعدك و هو قول الله عز وجل: ” وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتاتون السحر وأنتم تبصرون (2) ” وفي قوله عز وجل: ” والنجم إذا هوى ” قال: أقسم بقبض محمد إذا قبض ” ما ضل صاحبكم (بتفضيله أهل بيته) وما غوى * وما ينطق عن الهوى ” يقول: ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه وهو قول الله عز وجل: ” إن هو إلا وحي يوحى (3) ” وقال الله عز وجل لمحمد (صلى الله عليه وآله): ” قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم (4) ” قال: لو أني أمرت أن اعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي، فكان مثلكم كما قال الله عز وجل: ” كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله (5) ” يقول: أضاءت الارض بنور محمد كما تضيئ الشمس فضرب الله مثل محمد (صلى الله عليه وآله) الشمس ومثل الوصي القمر وهو قوله عز وجل: ” جعل الشمس ضياءا والقمر نورا (6) ” وقوله: ” وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (7) ” وقوله عز وجل: ” ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (8) ” يعني قبض محمد (صلى الله عليه وآله) وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته وهو قوله عز وجل: ” وإن تدعهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (9) ” ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي وهو قول الله عز وجل: ” الله نور السموات والارض (10) ” يقول: أنا هادي السماوات والارض مثل العلم الذي أعطيته وهو نور [ ي ] الذي يهتدى به مثل المشكاة فيها المصباح، فالمشكاة قلب محمد (صلى الله عليه وآله) و


(1) الشورى: 24. (2) الانبياء: 3. (3) الايات في سورة النجم: 1 إلى 4. (4) الانعام: 58. (5) البقرة: 17. (6) يونس: 5. (7) يس: 37. (8) البقرة: 18. (9) الاعراف: 197 وفيها ” ان تدعوهم ” (10) النور: 35.

[ 381 ]

المصباح النور الذي فيه العلم وقوله: ” المصباح في زجاجة ” يقول: إني اريد أن اقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة، ” كأنها كوكب دري ” فأعلمهم فضل الوصي، ” توقد من شجرة مباركة ” فأصل الشجرة المباركة إبراهيم (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل: ” رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (1) ” وهو قول الله عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (2) “، ” لا شرقية ولا غربية ” يقول: لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم (عليه السلام) وقد قال الله عز وجل ” ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان المشركين (3) ” وقوله عز وجل: ” يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ” يقول: مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون ” يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ” يقول: يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك. 575 – أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (4) ” قال: يريهم في أنفسهم المسخ ويريهم في الافاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق، قلت له: ” حتى يتبين لهم أنه الحق ” قال: خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل، يراه الخلق لا بد منه. 576 – محمد بن يحيى، والحسين بن محمد جميعا، عن جعفر بن محمد، عن عباد بن يعقوب، عن أحمد بن إسماعيل، عن عمرو بن كيسان، عن أبي عبد الله الجعفي (5) قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): كم الرباط عندكم؟ قلت: أربعون قال: لكن رباطنا


(1) هود: 73. (2) آل عمران: 33 و 34. (3) آل عمران: 67. (4) فصلت: 53. (5) هو عمرو بن شمر والسند ضعيف به.

[ 382 ]

رباط الدهر (1) ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها (2) ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين ولا من ثلاث (3) ولا من أربع فإنما مثلنا ومثلكم مثل نبي كان في بني إسرائيل فأوحى الله عز وجل إليه أن ادع قومك للقتال فإني سأنصرك فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا، ثم أوحى الله تعالى إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك، فجمعهم ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا، ثم أوحى الله إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فدعاهم فقالوا: وعدتنا النصر فما نصرنا فأوحى الله تعالى إليه إما أن يختاروا القتال أو النار، فقال: يا رب القتال أحب إلي من النار فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر فتوجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وجل لهم. 577 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، والنوفلي، و غيرهما يرفعونه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتداوى من الزكام و يقول: ما من أحد إلا وبه عرق من الجذام فإذا أصابه الزكام قمعه. 578 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزكام جند من جنود الله عز وجل يبعثه عز وجل على الداء فيزيله. 579 – محمد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد باسناده رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من أحد من ولد آدم إلا وفيه عرقان عرق في رأسه يهيج الجذام وعرق في بدنه يهيج البرص فإذا هاج العرق الذي في الرأس سلط الله عز وجل عليه الزكام حتى يسيل ما فيه من الداء، وإذا هاج العرق الذي في


(1) أي يجب على الشيعة ان يربطوا انفسهم على إطاعة الامام الحق وانتظار فرجه وتهيؤوا دائما لنصرته. (آت). والرباط: ملازمة ثغر العدو. (القاموس) (2) هذا من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب كمثلي وزن الدابة. (3) أي لا تجزعوا من عدم نصرنا وغلبة العدو علينا مرة أو مرتين.

[ 383 ]

الجسد سلط الله عليه الدماميل حتى يسيل ما فيه من الداء فإذا رأى أحدكم به زكاما ودماميل فليحمد الله عز وجل على العافية وقال: الزكام فضول في الرأس. 580 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن رجل قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يشتكي عينيه فقال له: أين أنت عن هذه الاجزاء الثلاثة: الصبر والكافور والمر؟ ففعل الرجل ذلك فذهبت عنه (1). 581 – عنه، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إن لنا فتاة كانت ترى الكوكب مثل الجرة، قال: نعم وتراه مثل الحب (2)، قلت: إن بصرها ضعف، فقال: اكحلها بالصبر والمر والكافور أجزاء سواء فكحلناها به فنفعها. 582 – عنه، عن أحمد، عن داود بن محمد، عن محمد بن الفيض، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عند أبي جعفر يعني أبا الدوانيق فجاءته خريطة فحلها ونظر فيها فأخرج منها شيئا فقال: يا أبا عبد الله أتدري ما هذا؟ قلت: ما هو قال: هذا شئ يؤتى به من خلف إفريقية من طنجة أو طبنة (3) – شك محمد – قلت: ما هو؟ قال: جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد وهو جيد للبياض يكون في العين يكتحل بهذا فيذهب بإذن الله عز وجل، قلت: نعم أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله؟ قال: فلم يسألني عن اسمه، قال: وما حاله؟ فقلت: هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه يعبد الله عليه فعلم به قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي (عليه السلام) وهذه القطرات من بكائه وله ومن الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل و النهار ولا يوصل إلى تلك العين. 583 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن سليم مولى علي بن


(1) راجع الهامش الرابع من ص 192 في هذا المجلد. (2) أي ان لم تعالجها بعد ذلك تراه مثل الحب. (3) ” طنجة ” – بالفتح ثم السكون والجيم – بلد بساحل بحر المغرب وهي أحد حدود إفريقية من جهة المغرب و ” طبنة ” – بالضم ثم السكون ونون مفتوحة – بلدة في طرف إفريقية مما يلي المغرب. (المراصد)

[ 384 ]

يقطين أنه كان يلقى من رمد عينيه أذى قال: فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام) إبتداء من عنده ما يمنعك من كحل أبي جعفر (عليه السلام) جزء كافور رباحي (1) وجزء صبر اصقوطرى يدقان جميعا وينخلان بحريرة يكتحل منه مثل ما يكتحل من الاثمد (2) الكحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن، قال: فكان يكتحل به فما اشتكى عينيه حتى مات. (حديث العابد) 584 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف (3) من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة (4) فاجتمع إليه جنوده فقال: من لي بفلان؟ فقال بعضهم: أنا له، فقال: من أين تأتيه؟ فقال: من ناحية النساء، قال: لست له لم يجرب النساء، فقال له: آخر: فأناله، فقال له: من أين تأتيه؟ قال: من ناحية الشراب واللذات، قال: لست له ليس هذا بهذا، قال آخر: فأنا له، قال: من أين تأتيه؟ قال: من ناحية البر قال: انطلق فأنت صاحبه، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي قال: وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام، ويستريح والشيطان لا يستريح، فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه (5) واستصغر عمله، فقال: يا عبد الله بأي شئ قويت على


(1) – بالموحدة بين المهلتين – وقال صاحب القاموس: الرباحي جنس من الكافور. وقال: مكان ” صقوطرى “: اسقطرى: هي جزيرة ببحر الهند على يسار الجائي من بلاد الزنج والعامة تقول: سقوطرة، يجلب منها الصبر ودم الاخوين. قال الحموي في المراصد: (سقطرى) بضمتين وطاء ساكنة وراء وألف مقصورة ويروى بالمد: جزيرة عظيمة كبيرة فيها عدة قرى ومدن يناوح عدن جنوبية وهي إلى بر العرب اقرب من بر الهند والسالك إلى بلاد الزنج يمر عليها واكثر اهلها نصارى عرب، يجلب منها الصبر ودم الاخوين وهو صمغ شجر لا يوجد الا في هذه الجزيرة ويسمونه القاطر قيل طولها ثمانون فرسخا. (2) الاثمد – بالمثلثة وكسر الهمزة -: حجر الكحل. (3) أي يكتسب. (4) نخر ينخر – بالفتح – وينخر – بالضم مد الصوت في خياشيمه. (5) أي أظهر له التقصير من نفسه، يقال: تقاصر اي أظهر القصور. (آت)

[ 385 ]

هذه الصلاة؟ فلم يجبه، ثم أعاد عليه، فلم يجبه ثم أعاد عليه، فقال: يا عبد الله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة، قال: فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة؟ قال: ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها، قال: ومن أين لي درهمين ما أدري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه (1) يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال: قومي فقامت فدخلت منزلها وقالت: ادخل وقالت: إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها فقالت له: يا عبد الله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب: احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لم يدفنوها ارتيابا في أمرها فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الانبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران (عليه السلام) (2) أن ائت فلانة فصل عليها ومر الناس أن يصلوا عليها فإني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها (3) عبدي فلانا عن معصيتي. 585 – أحمد بن محمد [ بن أحمد ] عن علي بن الحسن، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد ابن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان محارفا (4) لا يتوجه في شئ فيصيب فيه شيئا، فانفقت عليه امرأته حتى لم يبق عندها شئ فجاعوا يوما من الايام فدفعت إليه نصلا من غزل (5) وقالت له: ما عندي غيره


(1) الجلباب – بالكسر كسرداب -: القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار. (القاموس) (2) الشك من الراوي. (3) ثبطه عن الامر تثبيطا: شغله عنه. (4) المحارف – بفتح الراء – هو المحروم المحدود الذي إذ طلب فلا يرزق وهو خلاف المبارك. (5) النصل: الغزل قد خرج من المغزل. (القاموس)

[ 386 ]

انطلق فبعه واشتر لنا شيئا نأكله، فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وانصرفوا، فقال: لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه وصببت علي منه وانصرفت فجاء إلى البحر وإذا هو بصياد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلا سمكة ردية قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة فقال له: بعني هذه السمكة و أعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك، قال: نعم فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل و انصرف بالسمكة إلى منزله فأخبر زوجته فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته إياها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وانصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدق الباب ويقول: يا أهل الدار تصدقوا رحمكم الله على المسكين فقال له الرجل: ادخل فدخل فقال له: خذ إحدى الكيسين فأخذ إحديهما وانطلق فقالت له امرأته: سبحان الله بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثم قال: كل هنيئا مريئا، إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا، ثم ذهب. (خطبة لامير المؤمنين عليه السلام) 586 – أحمد بن محمد، عن سعد (1) بن المنذر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن أبيه قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) – ورواها غيره بغير هذا الاسناد وذكر أنه خطب بذي قار (2) – فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته، ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، عودا


(1) في بعض النسخ [ سعيد بن المنذر ] (2) موضع بين الكوفة وواسط. (القاموس)

[ 387 ]

وبدءا وعذرا ونذرا، بحكم قد فصله (1) وتفصيل قد أحكمه وفرقان قد فرقه (2) وقرآن قد بينه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه وليقروا به إذ جحدوه وليثبتوه بعد إذ أنكروه فتجلى لهم سبحانه في كتابه (3) من غير أن يكونوا رأوه، فأراهم حلمه كيف حلم و أراهم عفوه كيف عفا وأراهم قدرته كيف قدر، وخوفهم من سطوته وكيف خلق ما خلق من الآيات وكيف محق من محق من العصاة بالمثلات واحتصد من احتصد بالنقمات (4) وكيف رزق وهدى وأعطا، وأراهم حكمه كيف حكم وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى. فبعث الله عز وجل محمدا (صلى الله عليه وآله) بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شئ أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة (5) أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعا (6) ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه وليس في العباد ولا في البلاد شئ هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى (7) من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته حتى تمالت بهم الاهواء وتوارثوا ذلك من الآباء وعملوا بتحريف الكتاب كذبا


(1) ” عودا وبدءا ” يعني عودا إلى الدعوة بعدما بدأ فيها والمراد تكرير الدعوة (في). ” عذرا ونذرا ” كل منهما مفعول له لقوله: ” بعث ” أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين، أو حال أي عاذرا ومنذرا. قوله: ” بحكم ” المراد به الجنس أي بعثه مع أحكام مفصلة مبينة. (آت) (2) الفرقان هو القرآن وكل ما فرق بين الحق والباطل والمراد بتفريقه انزاله متفرقا أو تعلقه بالاحكام المتفرقة. (آت) (3) أي ظهر من غير أن يرى بالبصر بل نبههم عليه في القرآن من قصص الاولين وما حل بهم من النقمة عند مخالفة الرسل. (في) (4) – بفتح الميم وضم الثاء – جمع المثلة وهي العقوبة. والاحتصاد: المبالغة في القتل والاستيصال مأخوذ من حصد الزرع. (في) (5) السلعة – بالكسر -: المتاع. والبوار: الكساد. (6) النفاق: الرواج. (7) النكاية: الجرح والقرح.

[ 388 ]

وتكذيبا فباعوه بالبخس (1) وكانوا فيه من الزاهدين، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مؤو، فحبذا ذانك الصاحبان واها لهما ولما يعملان له (2)، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ومعهم وليسوا معهم وذلك لان الضلالة لا توافق الهدى وان اجتمعا، وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، قد ولوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره (3)، يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون (4) وإن كيده متين بالامل والرجاء حتى توالدوا في المعصية ودانوا بالجور والكتاب لم يضرب عن شئ منه صفحا ضلالا تائهين، قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله (5). مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى [ قد بدل فيها من الهدى ] فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته، من عندهم جرت


(1) البخس: بالموحدة ثم المعجمة ثم المهملة: الناقص. (في) (2) ” واها ” كلمة تلهف وتوجع. وقوله: ” لما يعملان ” في بعض النسخ [ لما يعمدان له ] بالدال أي العلة الغائية من خلقهما. (في) (3) بسكون الباء اي كتابته. وقوله: ” يدخل الداخل ” أي في الدين وخروجه لما يرى من عدم عمل أهله به وبدعهم وجورهم. (آت) (4) استدراج الله تعالى عباده أنه كلما جدد العبد خطيئة جدد له نعمة وأنساه استغفار وان يأخذه قليلا يباغته. (5) أي أمروا بطاعة غيره تعالى ولم يرد هذا البناء فيما عندنا من كتب اللغة وفي النسخة القديمة [ وكانوا لغير الله ]

[ 389 ]

الضلالة وإليهم تعود، فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيئ ولا يوفون بذمة، يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا قد أتوا الله بالافتراء و الجحود واستغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة (1) وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة وقد بعث الله عز وجل إليكم رسولا من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم (2) بالمؤمنين رؤف رحيم (صلى الله عليه وآله) وأنزل عليه كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا عربيا غير ذي عوج لينذر من كان حيا (3) ويحق القول على الكافرين فلا يلهينكم الامل ولا يطولن عليكم الاجل، فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود (4) الذي ترد عنه المعذرة وترفع عنه التوبة وتحل معه القارعة و النقمة (5) وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد وفصل لكم القول و علمكم السنة وشرح لكم المناهج ليزيح العلة (6) وحث على الذكر ودل على النجاة وإنه من انتصح لله واتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم (7) ووفقه للرشاد وسدده


(1) المثلة – بالضم -: النكال، قال الفيض – رحمه الله -: ومن روى مثلوا – بالتشديد – اراد جدعوهم بقطع الاذن والانوف. (2) ” من انفسكم ” أي من جنسكم عربي مثلكم. وقرء من انفسكم – بفتح الفاء – أي من أشرفكم ” عزيز عليه ” أي شديد شاق. ” ما عنتم ” عنتكم ولقاؤكم المكروه. ” حريص عليكم ” أي على ايمانكم وصلاح شأنكم. (في) (3) أي عاقلا فهما فان الغافل كالميت. (في) (4) أي الموت. (5) القارعة: الشديدة من شدائد الدهر. (6) زاح الشئ يزيح زيحا اي بعد وذهب وازاحه غيره. (الصحاح) (7) الانتصاح: قبول النصيحة يعنى من أطاع أوامر الله وعلم أنه إنما يهديه إلى مصالحه ويرده عن مفاسده يهديه للحالة التي اتباعها أقوم وهي من الالفاظ القرآنية ” ان هذا القران يهدي للتي هي أقوم ” وتلك الحالة هي المعرفة بالله وتوحيده. (في)

[ 390 ]

ويسره للحسنى، فإن جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مغرور، فاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذكر واخشوا منه بالتقى وتقربوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب قال الله عز وجل: ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (1) ” فاستجيبوا لله وآمنوا به وعظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم (2) فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له وعز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدره الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة ولا يضلون بعد الهدى، فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الاجرب (3) والبارئ من ذي السقم. واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله والتحريف لكتابه ورأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم (4) الذين لا يعلمون، إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله وبصر به عماه (5) وسمع به صممه وأدرك به علم ما فات وحيي به بعد إذ مات


(1) البقرة: 186. (2) أي يطلب لنفسه العظمة. (3) أي الذي به الجرب وهو داء معروف. (4) من التجهيل اي لا ينسبوكم إلى الجهل. (5) ” فعلم بالعلم جهله ” أي ما جهل مما يحتاج إليه في جميع الامور، أو كونه جاهلا قبل ذلك أو كمل علمه حتى أقر بأنه جاهل فان غاية كل كمال في المخلوق الاقرار بالعجز عن استكماله والاعتراف بثبوته كما ينبغي للرب تعالى أو يقال: إن الجاهل لتساوي نسبة الاشياء إليه لجهله بجميعها يدعى علم كل شئ واما العالم فهو يميز بين ما يعلمه وما لا يعلمه فبالعلم عرف جهله ولا يخفى جريان الاحتمالات في الفقرتين التاليتين وان الاول اظهر في الجميع بأن يكون المراد بقوله: ” وبصر به عماه ” أي أبصر به ما عمى عنه أو تبدلت عماه بصيرة. ” وسمع به ” ويمكن أن يقرء بالتخفيف أي سمع ما كان صم عنه أو بالتشديد أي بدل بالعلم صممه بكونه سميعا. (آت)

[ 391 ]

وأثبت عند الله عز ذكره الحسنات ومحى به السيئات وأدرك به رضوانا من الله تبارك وتعالى فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة (1) فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم وهم عيش العلم وموت الجهل هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم (2) وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق (3) فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق (4) لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، قد خلت لهم من الله السابقة ومضى فيهم من الله عز وجل حكم صادق وفي ذلك ذكرى للذاكرين فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان. 587 – عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عمر بن علي، عن عمه محمد بن عمر، عن ابن اذينة قال: سمعت عمر بن يزيد يقول: حدثني معروف بن خربوذ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه كان يقول: ويلمه فاسقا (5) من لا يزال ممارئا، ويلمه فاجرا من لا يزال مخاصما، ويلمه آثما من كثر كلامه في غير ذات الله عزوجل. 588 – محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن عمارة، عن نعيم القضاعي


(1) كنى (عليه السلام) بقوله: ” من عند اهله ” عن نفسه ومن يحذو حذوه من اولاده (عليهم السلام). (في) (2) ذلك لان صمت العارف أبلغ من نطق غيره. (في) (3) انما لا يخالفون الدين لانهم قوامه وأربابه وانما لا يختلفون فيه لان الحق في التوحيد واحد فالدين أو القران بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه كما يؤخذ بحكم الشاهد الصادق. و ” صامت ناطق ” لانه لا ينطق بنفسه بل لا بد له من مترجم فهو صامت في الصورة وفي المعنى انطق الناطقين لان الاوامر والنواهي والاداب كلها مبنية عليه ومتفرعة عنه فهو شأن من شأنهم. (في) (4) مخبر صادق في حقهم حال كونهم شهداء بالحق غير مخالفين له ولا مختلفين فيه. (في) (5) ويلمه أي ويل لامه كما في القاموس. والويل: الحزن والهلاك من العذاب وقد يرد الويل بمعنى التعجب ومنه الحديث ” ويلمه مسعر حرب ” تعجبا من شجاعته وحربه. (النهاية)

[ 392 ]

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أصبح إبراهيم (عليه السلام) فرأى في لحيته شعرة بيضاء فقال: الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ لم أعص الله طرفة عين. 589 – أبان بن عثمان، عن محمد بن مروان، عمن رواه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءا ودهنا (1) فدخل إبراهيم (عليه السلام) الدار فاستقبله خارجا من الدار وكان إبراهيم (عليه السلام) رجلا غيورا وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه واخذ مفتاحه معه ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال فأخذه بيده وقال: يا عبد الله من أدخلك داري فقال: ربها أدخلنيها فقال: ربها أحق بها مني فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت ففزع إبراهيم (عليه السلام) فقال: جئتني لتسلبني روحي؟ قال: لا ولكن اتخذ الله عبدا خليلا فجئت لبشارته (2) قال: فمن هو لعلي أخدمه حتى أموت؟ قال: أنت هو، فدخل على سارة (عليها السلام) فقال لها: إن الله تبارك وتعالى اتخذني خليلا. 590 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفراء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله إلا أنه قال في حديثه: إن الملك لما قال: أدخلنيها ربها عرف إبراهيم (عليه السلام) أنه ملك الموت (عليه السلام) فقال له: ما أهبطك قال: جئت ابشر رجلا أن الله تبارك وتعالى اتخذه خليلا، فقال له إبراهيم (عليه السلام): فمن هذا الرجل؟ فقال له الملك: وما تريد منه؟ فقال له إبراهيم (عليه السلام): أخدمه أيام حياتي، فقال له الملك: فأنت هو. 591 – علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن إبراهيم (عليه السلام) خرج ذات يوم يسير ببعير فمر بفلاة من الارض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع الارض (3) إلى السماء طوله ولباسه


(1) كناية عن طراوته وصفائه. (آت) (2) لعل السر في تخصيص ملك الموت بالبشارة بالخلة كونه سببا للقاء الله سبحانه والوصول إليه وبالبشارة بالخلة يشتاق قلب الخليل إلى لقاء خليله ووصوله إليه. (في) (3) القطع: العمود. (في)

[ 393 ]

شعر، قال: فوقف عليه إبراهيم (عليه السلام) وعجب منه وجلس ينتظر فراغه، فلما طال عليه حركه بيده فقال له: إن لي حاجة فخفف، قال: فخفف الرجل وجلس إبراهيم (عليه السلام)، فقال له إبراهيم (عليه السلام): لمن تصلي؟ فقال: لاله إبراهيم، فقال له: ومن إله إبراهيم، فقال: الذي خلقك وخلقني، فقال له إبراهيم (عليه السلام): قد أعجبني نحوك (1) وأنا احب أن أو اخيك في الله، أين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك؟ فقال له الرجل: منزلي خلف هذه النطفة – وأشار بيده إلى البحر (2) – وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله. قال: ثم قال الرجل لابراهيم (عليه السلام): ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال له: وما هي؟ قال: تدعو الله واؤمن على دعائك وأدعو أنا فتؤمن على دعائي، فقال الرجل: فبم ندعو الله؟ فقال إبراهيم (عليه السلام): للمذنبين من المؤمنين، فقال الرجل لا، فقال إبراهيم (عليه السلام): ولم؟ فقال: لاني قد دعوت الله عز وجل منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها حتى الساعة وأنا أستحيي من الله تعالى أن أدعوه حتى أعلم أنه قد أجابني، فقال إبراهيم (عليه السلام): فبم دعوته؟ فقال له الرجل: إني في مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع، النور يطلع من جبهته، له ذؤابة من خلفة (3) ومعه بقر يسوقها كأنما دهنت دهنا وغنم يسوقها كأنما دخست دخسا (4) فأعجبني ما رأيت منه فقلت له: يا غلام لمن هذا البقر والغنم؟ فقال لي: لابراهيم (عليه السلام)، فقلت: ومن أنت؟ فقال: أنا إسماعيل بن


(1) أي طريقتك في العبادة أو مثلك. (2) قال الفيروز آبادي: النطفة – بالضم -: الماء الصافي، قل أو كثر. وقال المطرزي: النطفة: البحر. (3) ” أروع ” قال الجوهري: الاروع من الرجال الذي يعجبك حسنه. والذؤابة في اللغة: الناصية وهي شعر في مقدم الرأس وذؤابة كل شئ أعلاه ومنه ” هو ذؤابة قومه ” أي المقدم فيهم. (4) يقال: دهنه أي طلاه بالدهن وهو كناية عن سمنها أي ملئت دهنا أو صفائها أي طليت به. وقوله: ” كانما دخست دخسا ” في أكثر النسخ بالخاء المعجمة وفي بعضها بالمهملة قال الجوهري: الدخيس: اللحم المكتنز وكل ذي سمن دخيس، وقال الجزري: كل شئ ملاته فقد دحسته والدحاس الامتلاء والزحام. (آت)

[ 394 ]

إبراهيم خليل الرحمن فدعوت الله عز وجل وسألته أن يريني خليله فقال له إبراهيم (عليه السلام): فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني فقال له الرجل عند ذلك: الحمد لله الذي أجاب دعوتي، ثم قبل الرجل صفحتي إبراهيم (عليه السلام) وعانقة، ثم قال: أما الآن فقم فادع حتى اؤمن على دعائك، فدعا إبراهيم (عليه السلام) للمؤمنين والمؤمنات والمذنبين من يومه ذلك (1) بالمغفرة والرضا عنهم، قال: وأمن الرجل على دعائه. قال أبو جعفر (عليه السلام) فدعوة إبراهيم (عليه السلام) بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة. 592 – علي بن محمد، عن بعض أصحابه رفعه قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا قرأ هذه الآية ” وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (2) ” يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفه نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره فجعل معرفته بالتقصير شكرا كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا، علما منه أنه قد وسع العبار (3) فلا يتجاوز ذلك فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته وكيف يبلغ مدى عبادته ومن لا مدى له ولا كيف، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. 593 – محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عنبسة بن بجاد العابد، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنا عنده وذكروا سلطان


(1) أي إلى يوم القيامة كما هو الموجود في كتاب كمال الدين الصدوق. (آت) (2) النحل: 18. (3) القد: القدر. وقوله ” إيمانا ” قال الفيض – رحمه الله – إشارة إلى قوله سبحانه: ” والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ” قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ” إن الراسخين في العلم هم الذين اغناهم الله عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا “.

[ 395 ]

بني أمية فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا يخرج على هشام أحد إلا قتله، قال: وذكر ملكه عشرين سنة، قال: فجزعنا، فقال: مالكم إذا أراد الله عز وجل أن يهلك سلطان قوم أمر الملك فأسرع بسير الفلك فقدر على ما يريد؟ قال: فقلنا لزيد (عليه السلام) هذه المقالة، فقال: إني شهدت هشاما ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يسب عنده فلم ينكر ذلك ولم يغيره فوالله لو لم يكن إلا أنا وابني لخرجت عليه. 594 – وبهذا الاسناد، عن عنبسة، عن معلى بن خنيس قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أقبل محمد بن عبد الله (1) فسلم ثم ذهب فرق له أبو عبد الله (عليه السلام) ودمعت عيناه فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع؟ فقال: رققت له لانه ينسب إلى أمر ليس له (2) لم أجده في كتاب علي (عليه السلام) من خلفاء هذه الامة ولا من ملوكها. 595 – علي بن إبراهيم رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: ما الفتى عنكم؟ فقال له: الشاب، فقال: لا، الفتى: المؤمن، إن أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله عز وجل فتية بإيمانهم. 596 – محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير قال: سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا فظلموا أنفسهم (3) ” فقال: هؤلاء قوم كان لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية، وأموال ظاهرة، فكفروا بأنعم الله وغيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عز وجل عليهم سيل العرم فغرق قراهم وأخرب ديارهم وأذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي اكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل (4) ثم قال الله عز وجل: ” ذلك جزيناهم بما كفروا


(1) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن امير المؤمنين (عليه السلام) وقد مر بعض احواله في المجلد الاول ص 358. (2) اي إلى الخلافة أو إلى الملك والسلطنة. (آت) (3) سبأ: 19. (4) العرم: الجرذ الذكر، والمطر الشديد، وواد وبكل فسر قوله تعالى: سيل العرم. وقال الرازي: الاكل: الثمرة وأكل خمط أي مر بشع وقيل: الخمط كل شجر له شوك وقيل: الاراك. والاثل: الطرفاء وقيل: السدر لانه أكرم ما بدلوا به. والاثل والسدر معطوفان على اكل لا على خمط لان الاثل لا اكل له وكذا السدر. (آت)

[ 396 ]

وهل نجازي إلا الكفور ” 597 – الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبي بصير، عن أحمد بن عمر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) وأتاه رجل فقال له: إنكم أهل بيت رحمة اختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحدا في ضلالة ولا نخرجه من هدى إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله عز وجل رجلا منا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يرى فيكم منكرا إلا أنكره. تم كتاب الروضة من الكافي وهو آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين. أحمد الله سبحانه على ما من علي ووفقني لاتمام هذا الكتاب الكريم تصحيحا وتعليقا وضبطا وأشكره وأثني عليه جزيل عطائه وجميل فعاله إنه جواد كريم. علي أكبر الغفاري 1377 ه‍


[ 397 ]

(الحاق) قد وعدنا في أول هذا المجلد أن نورد رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابه بتمامه عن كتاب الوافي في آخره وقد حان أن نفي بما وعدناه. علي، عن ابيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن ابن بزيع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها، وعن ابن سماعة عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن القاسم بن الربيع الصحاف عن إسماعيل بن مخلد السراج قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة (1) والوقار والسكينة، و عليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وأياكم ومماظتهم (2)، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام فانه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها (3) فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر ولولا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم (4) وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصيرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شئ من أموركم، تدفعون انتم السيئة بالتي هي أحسن فيا بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم


(1) الدعة: خفض العيش والطمأنينة. (2) المجاملة: المعاملة بالجميل. والضيم: الظلم. والمماظة: – بالمعجمة -: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم. (3) ” بالتقية ” متعلق بدينوا وما بينهما معترض. (4) السطو: القهر بالبطش.

[ 398 ]

بطاعته وهم لا خير عندهم، لا يحل لكم أن تظهروهم (1) على أصول دين الله فإنه إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم (2) وجاهدوا على هلاكهم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فانه لا ينبغي لاهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لان الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم تعرفوا وجه قول الله تعالى في كتابه إذ يقول: ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار ” أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل فلا تجعلوا الله تعالى – وله المثل الاعلى – وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لاهل الباطل (3) فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا، فمهلا مهلا (4) يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمه، أحبوا في الله من وصف صفتكم وابغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم (5) ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغا لكم الغوائل (6)، هذا ادبنا ادب الله فخذوا به وتفهموه و اعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم اطرحتموه ولم تأخذوا به، وإياكم والتجبر (7) على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله الا تجبر على دين الله فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولا لكم إلا بالله. وقال: إن العبد إذا كان خلقه الله في الاصل أصل الخلقة مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده منه ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله و الجبرية فلانت عريكته وحسن خلقه (8) وطلق وجهه وصار عليه وقار الاسلام و


(1) أي أن تطلعوهم وفي بعض النسخ [ تطلعوهم ]. (2) ” رفعوه عليكم ” أي رفعوه إلى ولاتهم لينالكم الضرر منهم. (3) عرضة أي معترضا بينكم وبينهم. (4) مهلا: أي امهلوا مهلا. (5) أي قال بقولكم ودان بدينكم. (6) أي طلب لكم الغوائل أي المهالك. (7) التجبر: التكبر ولعل المراد بالتجبر على الله عدم المبالاة بأوامره ونواهيه سبحانه. والجبرية: الكبر والعطف للبيان. (8) العريكة: الطبيعة، يقال: فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف والنفور.

[ 399 ]

سكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس و مجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ، و إن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه، فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء حلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر، سلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة الا بالله. صبروا النفس على البلاء في الدنيا فان تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الاخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة (1) عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته و طاعته فإن الله أمر بولاية الائمة الذين سماهم في كتابه في قوله: ” وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم و طاعتهم وهم أئمة الضلال الذين قضى الله أن يكون لهم دول الدنيا على أولياء الله الائمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله (صلى الله عليه وآله) ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الاصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الاصل ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: ” وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ” فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فان من جهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار. وقال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله تعالى أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد انزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقران وتعلم القران أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن ياخذوا فيه بهوى ولا


(1) زهرة الدنيا: حسنها وبهجتها. وغضارة العيش طيبها ولذتها.

[ 400 ]

رأي ولا مقائيس اغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم و كرامة من الله تعالى أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم، أرشدوه واعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه والى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة (1) فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القران عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القران عند الله مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الامر حراما وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد إليهم رسول الله (عليه السلام) (2) قبل موته فقالوا: نحن بعدما قبض الله رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله تعالى رسوله وبعد عهد الذي عهده إلينا وأمرنا به، مخالفة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فما أحد أجرء على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) وبعد موته، هل يستطيع اولئك أعداء الله (3) أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه فإن قال: نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا وإن قال: لا، لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال الله تعالى – وقوله الحق -: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ” وذلك ليعلموا أن الله تعالى يطاع ويتبع أمره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله) وبعد قبض الله محمدا (صلى الله على وآله وسلم) وكما لم يكن لاحد من الناس


(1) أي أظلة العرش يوم الميثاق ولعله أشير به إلى عالم القدر. (2) يعني بالنص على الوصي صلوات الله عليهما. (3) الغرض من هذا الكلام إلى آخره أن يبين أنه لا فرق بين زمان حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) وموته في عدم جواز العمل بالرأي كما أنه لا فرق بينهما في وجوب طاعة الله واتباع أمره.

[ 401 ]

مع محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمد (صلى الله عليه وآله) فكذلك لم يكن لاحد من الناس من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه. وقال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة (1) إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فان الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله. وقال: أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه و قد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله تعالى أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن الله لا يدرك شئ من الخير عنده الا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القران وباطنه (2) فان الله تعالى قال في كتابه وقوله الحق: ” وذروا ظاهر الاثم وباطنه ” واعلموا أن ما أمر الله أن تجتنبوه فقد حرمه الله واتبعوا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله واحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم فإن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا (3) بغير علم وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو، إنه من سب أولياء


(1) انما أمر (عليه السلام) أصحابه بالتقية في رفع الايدي في الصلاة لانه كان يومئد من علامات التشيع. (2) لعل المراد مما حرم الله تعالى في باطن القرآن مخالفة ولي الامر ومتابعة أهل الضلال و اتباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم وذلك لان ثلث القرآن ورد فيهم كما ورد عنهم (عليهم السلام) وهو المراد بباطن الاثم أو هو أحد أفراده. (3) عدوا أي تجاوزا عن الحق إلى الباطل. ” بغير علم ” أي على جهالة بالله، أشار بذلك إلى قوله سبحانه: ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم “.

[ 402 ]

الله فقد انتهك سب الله ومن أظلم عند الله من استسب لله ولاوليائه، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا قوة الا بالله. وقال: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم (1) عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وآثار الائمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لانهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” المداومة على العمل في اتباع الاثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الاهواء ” الا إن اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلال بدعة و كل بدعة في النار ولن ينال شئ من الخير عند الله الا بطاعته والصبر والرضا لان الصبر والرضا من طاعة الله. واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وأياكم وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر وماقت وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم ” واعلموا أنه من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين منهم فان لهم عليكم حقا أن تحبوههم فان الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين. وإياكم والعظمة والكبر فإن الكبر رداء الله تعالى فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة.


(1) لعل المراد به حفظ أمر دينهم باقامة إمام لهم بعد إمام ومع غيبة إمامهم بتبليغ كلام أئمتهم إليهم وإبقاء آثارهم لديهم لئلا يحتاجوا إلى الاراء والاهواء والمقائيس.

[ 403 ]

وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله. وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد. وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم فان أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ” إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ” وليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ” إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام “. وإياكم واعسار أحد من إخوانكم المؤمنين (1) أن تعسروه بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ” ليس لمسلم أن يعسر مسلما ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله “. وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والاجل وإنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير زرقه ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الاضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها إلا الله رب العالمين. وقال: (2) اتقوا الله أيتها العصابة وإن استطعتم (3) أن لا يكون منكم محرج للامام وإن محرج الامام هو الذي يسعى بأهل الصلاح (4) من أتباع الامام، المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته.


(1) إعسار الغريم أن يطلب منه الدين على عسرته. (2) كذا. (3) جواب (أن) محذوف يدل عليه ما بعده. وإحراج الامام: إلجاؤه إلى ما لا يريد من الحرج بمعنى الضيق. (4) يعني إلى الامام من السعاية يقال: سعى به إلى الوالى إذا وشئ به إليه.

[ 404 ]

واعلموا أن من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج للامام فإذا فعل ذلك عند الامام أحرج الامام إلى أن يلعن أهل الصلاح من اتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لاحراج اعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسوله على أولئك. واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين (1) قبل وقال: من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فيتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم وليسلم لما انتهى إليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون قال: ” أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين و حسن اولئك رفيقا ” فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الائمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين (عليهم السلام) إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن فلم يبق شئ مما فسر مما حرم الله الا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا. وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله: ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ” (إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع (2) يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله تعالى: ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون “.


(1) يعني أن هذه السنة قد جرت فيهم قبل ذلك فيمن سلف من الامم بأن يسعى بهم إلى الامام فيلعنوا فإذا لعنوا صارت اللعنة عليهم رحمة. (2) ” إلى هنا رواية قاسم بن الربيع ” قال المجلسي – رحمه الله -: أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص واسماعيل.

[ 405 ]

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهي عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شئ من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه الله على وجه في النار. واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم الا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا ولا قوة الا بالله. وقال: (1) عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم واعلموا أن الاسلام هو التسليم والتسليم هو الاسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الاحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الاحسان. وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة إلى نفسه وليس بين الاحسان والاساءة منزلة فلاهل الاحسان عند ربهم الجنة ولاهل الاساءة عند ربهم النار، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه. واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله الا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد (صلى الله عليهم) ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم ولا صغر. واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله تعالى قال للمنافقين وقوله الحق: ” إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ” ولا يفرقن أحد منكم (2) ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من أهلها، فإن من لم يجعله الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الانس والجن (3) فان لشياطين الانس حيلا ومكرا وخدائع


(1) كذا. (2) ” يفرقن ” من الفرق – بالتحريك – بمعنى الخوف. (3) يعني شياطين الانس إن كانوا من الانس، وشياطين الجن إن كانوا من الجن.

[ 406 ]

ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله أرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواءا كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه: ” ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ” ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله له به من حيلة شياطين الانس ومكرهم وحيلهم و وساوس بعضهم إلى بعض فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا السنتكم إلا من خير وإياكم أن تذلقوا السنتكم (1) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان فإنكم إن كففتم السنتكم عما يكره الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تذلقوا ألسنتكم به فإن ذلق اللسان فيما يكره الله وفيما ينهى عنه لدناءة (2) للعبد عند الله ومقت من الله وصمم وعمى وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فيصيروا كما قال الله: ” صم بكم عمي فهم لا يرجعون (يعني لا ينطقون) ولا يؤذن لهم فيعتذرون (3) “. وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به في أمر آخرتكم ويؤجركم عليه. وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه و الرغبة فما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى الله منها ولم ينزع عليها، وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة


(1) ذلق اللسان: حدته. (2) في بعض النسخ [ لذراءة ] بالذال المعجمة والراء بمعنى الغضب. (3) ” فيعتذرون ” عطف على يؤذن ليدل على نفي الاذن والاعتذار عقيبه مطلقا ولو جعل جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الاذن فأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لا يؤذن لهم فيه.

[ 407 ]

له فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله. وإياكم أن تشره أنفسكم (1) إلى شئ مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الآبدين. واعلموا أنه بئس الحظ (2) الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها ويل لاولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم (3) وأسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلا به. فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم فإنه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم وحتى يستذلوكم أو يبغضوكم وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الاخرة وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله يجترمونه إليكم وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل على نبيكم (صلى الله عليه وآله) سمعتم قول الله تعالى لنبيكم (صلى الله عليه وآله): ” فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ” ثم قال: ” وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا ” فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق، فإن سركم أن تكونوا مع نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه


(1) الشره: غلبة الحرص. (2) في بعض النسخ [ بئس الخطر الخطر ] ولعله أصوب. (3) يعني رجوعهم إلى الله تعالى.

[ 408 ]

مما ابتلى أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم. وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم، واعلموا أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم. وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم، واعلموا أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه. فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين. ومن سره أن يعلم أن الله عز وجل يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ” والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله وإلا والله لا يدع اتباعنا أحد أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين. أقول: توضيح لغات الحديث كلها من الوافي عدا واحد منها. علي أكبر الغفاري 1377

اترك تعليقاً