تفسير كنز الدقائق

الميرزا محمد المشهدي ج 2


[ 1 ]

تفسير كنز الدقائق للمفسر الكبير والمحقق النحرير العالم العارف الميرزا محمد المشهدي ابن محمد رضا بن اسماعيل بن جمال الدين القمي المتوفى حدود دعام 1125 ه‍ الجزء الثاني مؤسسه النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[ 2 ]

تأليف: المفسر لمحدث الميرزا محمد المشهدي القمي تحقيق ونشر: مؤسسه النشر الاسلامي الموضوع: تفسير الكمية: 3000 نسخة الطبعة: الاولى التاريخ: رمضان المبارك 1410 مؤسسه النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدو آله الطيبين الطاهرين. إن هذا الكتاب هو الجزء الثاني من تفسير كنز الدقائق الذي اعتمدنا في أكثر موارده على نسخة خطية تفضل علينا بها مدير مكتبة مجلس الشورى الاسلامي سماحة الفضيلة الاخ عبد الحسين الحائري زيدت إفاضاته، والتي تمتاز بمميزات قيمة منها تقريظ لآية الله العظمى آقا جمال الخوانساري وتقريظ للعلامة المجلسي – قدس سر هما – ومنها توضيحات من نفس المؤلف – رحمه الله -. وقد اشير في الجزء الاول إلى هذين التقريظين قبل عثورنا على هذه النسخة، ولذلك ارتأينا درج صورتها في هذا الجزء، واللتان وقعت إحداهما في أول النسخة والاخرى في ظهر الصفحة الاخيرة (آخر سورة الكهف). وأخيرا نشكر الاخوة من أهل الفضل والتحقيق سيما الشيخ علي أكبر الاحمدي وأبو جعفر الكعبي والحاج محي الدين الواعظي ونجاح موسى عيسى الذين بذلوا جهدهم في تحقيق هذا الكتابب ومقابلته سائلين الله سبحانه لهم ولنا التوفيق إنه خير موفق ومعين. مؤسسه النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[ 4 ]

صورة فتوغرافية لتقريظ آقا جمال الدين الخوانساري – قدس سره –


[ 5 ]

صورة فتوغرافية لتقريظ العلامة المجلسي – قدس سره –


[ 6 ]

صورة فتوغرافية للصفحة الاخيرة من النسخة المعتمدة


[ 8 ]

سورة آل عمران


[ 9 ]

[ بسم الله الرحمن الرحيم الم (1) الله لا إله إلا هوالحى القيوم (2) نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورة والانجيل (3) ] في كتاب ثواب الاعمال: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قرأ البقرة وآل عمران جاءتا يوم القيامة تظلانه على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيايتين (1) (2). الم: قد مر بعض إشاراته في أول سورة البقرة. وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثوري، عن الصادق (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وأما ” الم ” في أول آل عمران فمعناه: أنا الله المجيد (3). وفي تفسير العياشي: خيثمة الجعفي، حدثني أبو لبيد المخزومي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا لبيد إنه يملك من ولد العباس اثنا عشرة، يقتل بعد الثامن منهم أربعة تصيب أحدهم الذبحة فتذبحه، هم فئة قصيرة أعمارهم، قليلة


(1) الغيابة بالغين المعجمة واليائين المثناتين من تحت، كل شئ أظل الانسان من فوق رأسه، مثل السحابة والظل، وفي الحديث تجئ البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، لسان العرب: ج 1 ص 144. (2) ثواب الاعمال: ص 130 ثواب من قرأ سورة البقرة وآل عمران ح 1. (3) معاني الاخبار: ص 22 باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن ح 1. (*)

[ 10 ]

مدتهم، خبيثة سيرتهم، منهم الفويسق الملقب بالهادي، والناطق، والغاوي. يا أبا لبيد إن في حروف القرآن المقطعة لعلما جما، إن الله تبارك وتعالى أنزل: ” ألم ذلك الكتاب ” فقام محمد (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر نوره، وثبتت كلمته، وولد يوم ولد وقد مضى من الالف السابع مائة سنة وثلاث سنين، ثم قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار. وليس من حروف مقطعة حرف ينقضي أيام، إلا وقائم من بني هاشم عند انقضائه. ثم قال: الالف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون، فذلك مائة واحدى وستون، ثم كان بدو خروج الحسين بن علي (عليه السلام) ” الم الله “، فلما بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند ” المص “، ويقوم قائمنا عند النقضائها ب‍ ” الر ” فافهم ذلك وعه واكتمه (1). وإنما فتح الميم في المشهورة، وكان حقها أن يوقف عليها لالقاء حركة الهمزة عليها، ليدل على أنها في حكم الثابت، لانها اسقطت للتخفيف لا للدرج، فإن الميم في حكم الوقف كقولهم: واحد اثنان، لا لالتقاء الساكنين، فإنه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم يحرك [ الميم ] في لام. وقرئ بكسرها على توهم التحريك لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها والابتداء بما بعدها على الاصل. الله لا إله إلا هوالحى القيوم: قد مسر تفسيره فلا حاجة إلى تكريره. نزل عليك الكتب: أي القرآن منجما. بالحق: بالعدل، أو بالصدق في إخباره، أو بالحجج المحققة أنه من عند الله. وهو في موضع الحال عن المفعول. مصدقا لما بين يديه: من الكتب. وأنزل التورة والانجيل: جملة على موسى وعيسى. في اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن القاسم، عن محمد بن * (هامش) (1) تفسير العياشي: ج 2 ص 3 ح 3. (*)


[ 11 ]

[ من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بايت الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) ] سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل في طول عشرين سنة، ثم قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وانزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وانزل الانجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان (1). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انزلت التوراة في ست مضت من شهر رمضان، ونزل الانجيل في إثني عشر ليلة من شهر رمضان، وانزل الزبور في ليلة ثمان عشرة مضت من شهر رمضان، وانزل القرآن في ليلة القدر (2). قيل: التوراة مشتقة من الورى الذي هو إخراج النار من الزناد (3) سمي بها لاخراج نوالعلم منه. والانجيل من النجل بمعنى الولد، سمي به لانه يتولد منه النجاة. ووزنهما تفعلة وافعيل، وهو تعسف، لانهما اسمان أعجميان، ويؤيد ذلك أنه قرئ الانجيل بفتح الهمزة، وهو ليس من أبنية العرب. من قبل: تنزيل القرآن.


(1) الكافي: ج 2 ص 628 – 629، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح 6. (2) لم نعثر عليه في الكافي، ووجدناه في نور الثقلين: ج 1 في ذيل هذه الآية ح 10 نقلا عن الكافي: (3) الزند والزنده: خشبتان يستقدح بهما، فالسفلى زندة. والاعلى زند، ابن سيدة: الزند العود الاعلى الذي يفتدح به النار، والجمع أزندو أزنادو زنودو أزاند جمع الجمع. لسان العرب: ج 3 ص 195 لغة زند. (*)

[ 12 ]

هدى للناس: أي لكل من انزل إليه. وأنزل الفرقان: قيل: يريد به جنس الكتب الالهية، فإنها فارقة بين الحق والباطل، ذكر ذلك بعد الكتب الثلاثة، ليعم ما عداها أو القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما وإظهارا لفضله، من حيث إنه يشركهما في كونه وحيا منزلا، ويتميز بأنه معجز يفرق به بين المحق والمبطل، أو المعجزات. ويحتمل أن يكون المراد به محكمات القرآن، أفردها لزيادة شرفها ونفعها. وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو غيره، عمن ذكره قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرآن والفرقان، أهما شيئان أو شئ واحد ؟ فقال (عليه السلام): القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به (1). وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: ” الم الله لا اله هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ” قال: هو لكل أمرمحكم، والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الانبياء (2). وفي تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ورويه مثل ما في تفسير العياشي (3). وفي كتاب علل الشرائع: باسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: سمي الفرقان فرقانا لانه متفرق الآيات والسور، أنزلت في غير الالواح وغيره من الصحف والتوارة والانجيل والزبور انزلت كلها جملة في الالواح والورق (4) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.


(1) الكافي: ج 2 ص 630 كتاب فضل القرآن، باب النوادر، ح 11. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 162 ح 1 مع اختلاف يسير. (3) تفسير القمي: ج 1 ص 96، في تفسير قوله تعالى: ” الم الله لا إله إلا هو ” الآية وتفسير العياشي: ج 1 ص 162 ح 1. (4) علل الشرائع: ص 470 باب النوادر ح 33. (*)

[ 13 ]

[ إن الله لا يخفى عليه شئ في الارض ولافى السماء (5) هوا الذى يصوركم في الارحام كيف يشآء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (6) هو الذى أنزل عليك الكتب منه ءايت محكمت هن أم الكتب وأخر متشبهت فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغا الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والرسخون في العلم يقولون ء امنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أو لوا الالبب (7) ] وفي الصحيفة السجادية في دعائه (عليه السلام) عند ختم القرآن: و (فرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك) (1). إن الذين كفروا بايت الله.: من كتب منزلة كانت أو غيرها. لهم عذاب شديد: بسبب كفرهم، ولاشك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أعظم آيات الله، والكافرين به والمنكرين لحقه ” لهم عذاب شديد “. والله عزيز: غالب لا يمنع من التعذيب. ذو انتقام: تنكيره للتعظيم، أي انتقام لا يقدر مثله أحد، ولا يعرف كنهه أحد. والنقمة: عقوبة المجرم، والفعل منه نقم بالفتح والكسر، وهو وعيدجئ به بعد تقرير التوحيد وإنزال الكتب والآيات لمن أعرض عنها. إن الله لا يخفى عليه شئ: كليا كان أو جزئيا، إيمانا أو كفرا. في الارض ولا في السماء: خصصهما، إذ الحسن لا يتجاوزهما، وقدم الارض ترقيا من الادني إلى الاعلى، ولان المقصود ما اقترف فيها.


(1) الصحيفة السجادية: دعاء 42 دعاؤه (عليه السلام) عند ختم القرآن. (*)

[ 14 ]

هو الذي يصوركم في الارحام: وهذا رد على ما ذهب إليه بعض الحكماء من وجود القوة المصورة، وقرئ ” تصوركم ” أي صوركم لنفسه وعبادته. كيف يشآء: من الصور المختلفة، مشابها لصورة أبيه أولا. وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى جعفر بن بشير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم، فلا يقولن أحد هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي (1). وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح بن شعيب، رفعه عن عبد الله ابن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتى رجل من الانصار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هذه ابنة عمي وامرأتي، لا أعلم منها إلا خيرا، وقد أتتني بولد شديد السواد، منتشر المنخرين، جعد قطط، أفطس الانف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولافي أجدادي، فقال لا مرأته: ما تقولين ؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره، قال: فنكس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مليا، ثم رفع بصره إلى السماء، ثم أقبل على الرجل فقال: يا هذا أنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعين عرقا كلها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل الشبه لها، فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك، ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك، فقالت: المرأة: فرجت عني يا رسول الله (2). محمد بن يحيى، وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمر، وعن شعيب العقر قوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن للرحم أربع سبل، في أي سبيل فيه الماء كان منه الولد،


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 97 الباب 93 العلة التي من أجلها لا يجوز أن يقول الرجل لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه آبائي ح 1. (2) الكافي: ج 5 ص 561 – 562 كتاب النكاح، باب النوادر، ح 23. (*)

[ 15 ]

واحد واثنان وثلاث وأربع ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد (1). علي بن محمد، رفعه، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ان الله عز وجل خلق للرحم أربعة أو عية فما كان في الاول فللاب، وما كان في الثاني فللام، وما كان في الثالث فللعمومة، وما كان في الرابع فللخؤولة (2). وذلك التصوير بعد مكث النطفة في الرحم أربعين يوما. يدل عليه ما رواه في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى محمد بن عبد الله بن زرارة، عن علي بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: تعتلج (3) النطفتان في الرحم، فأيتها كانت أكثر، جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله، وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه، وقال: تحول النطفة في الرحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو الله عز وجل ففي تلك الاربعين قبل أن يخلق، ثم يبعث الله عز وجل ملك الارحام فيأخذها، فيصعد بها إلى الله عز وجل فيقف منه ما شاء الله، فيقول: يا إلهي أذكر أم أنثى ؟ فيوحي الله عز وجل ما يشاء (4) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. لآإله إلا هو: إذ لا يعلم، ولا يفعل وجملة ما يعلمه، ولا يقدر أن يفعل مثل ما يفعله، غيره. العزيز الحكيم: إشارة إلى كما قدرته، وتناهي حكمته. قال البيضاوي: قيل: هذا احتجاج على من زعم أن عيسى كان ربا، فإن وفد بني نجران لما حاجوا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت السورة من أولها إلى نيف وثمانين آية، تقريرا احتج به عليهم وأجاب عن شبههم (5).


(1) الكافي: ج 6 ص 16 – 17 كتاب العقيقة، باب أكثر ما تلد المرأة، ح 1. (2) الكافي: ج 6 ص 117 كتاب العقيقة، باب أكثر ما تلد المرأة، ح 2. (3) اعتلج القوم اتخذوا صراعا وقتالا، وفي الحديث: إن الدعاء ليلقي البلاء فيعتلجان، اي يتصارعان (لسان العرب: ج 2 ص 326 لغة علج). (4) علل الشرائع: ج 1 ص 89 الباب 85 علة النسيان والذكر، وعلة شبه الرجل بأعمامه وأخواله، ح 4. (5) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 149، في تفسير قوله تعالى ” هو الذي يصوركم ” الآية. (*)

[ 16 ]

هو الذى أنزل عليه الكتب منه ءايت محكمت: احكمت عبارتها، بأن حفظت من الاجمال والاشتباه. هن أم الكتب: أصله، يرد إليها غيرها، والقياس (امهات) فأفرد على تأويل واحدة، أعلى أن الكل بمنزلة آية واحدة. وأخر متشبهت: محتملات، لا يتضح مقصودها، لاجمال، أو مخالفة ظاهر. والعلة في ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل، وفيه يقول: ثم إن الله جل ذكره لسبقة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه، قسم كلامه ثلاثة أقسام، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تميزه ممن شرح الله صدره للاسلام، وقسما لا يعرفه إلا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم. وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله جل اسمه ورسوله (صلى الله عليه واله) (1)، واعلم أن قسمين مما ذكر في الخبر داخل في المحكم المذكور في الآية. وأما قوله: ” كتاب احكمت اياته ” فمعناه: أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ. وقوله: ” كتابا متشابها ” فمعناه يشبه بعضه بعضا في صحة المعنى وجزالة اللفظ. و ” اخر ” جمع اخري: ولم ينصرف، لانه وصف معدول من الاخر ولا يلزم معرفته، لان معناه: ان القياس أن يعرف، لانه معرف المعنى، أو من آخر من بهذا المعنى. في أصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن أورمة،


(1) الاحتجاج: ج 1 ص 253 احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل وفيه لسعة رحمته. (*)

[ 17 ]

عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ” هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب ” قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) والائمة (عليهم السلام، ” واخر متشابهات ” قال: فلان وفلان (1)، وللحديث تتمة أخذت منه موضع الحاجة. فأما الذين في قلوبهم زيغ: ميل عن الحق وعدول. فيتبعون ما تشبه منه: بظاهره، أو بتأويل غير منقول عن النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام)، أو فلان وفلان. ابتغآء الفتنة: طلب أن يفتتنوا أنفسهم والناس عن دينهم. وفي مجمع البيان: قيل: المراد بالفتنة هنا الكفر، وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2). وابتغاء تأويله: طلب ان يأولوه على ما يشتهونه. قيل: يحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين، أو كل واحدة منهما على التعاقب، والاول يناسب المعاند، والثاني يلائم الجاهل. وفي تفسير علي بن ابراهيم: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت، قال: حدثنا الحسن ابن أحمد بن سماعة، عن وهب بن جعفر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن القرآن زاجر وآمر، يأمر بالجنة ويزجر عن النار، وفيه محكم ومتشابه، فأما المحكم فيؤمن به ويعمل به. وأما المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله: ” وأما الذين ” وقرأ إلى ” كل من عند ربنا “، وقال: آل محمد الراسخون في العلم (3). وما يعلم تأويله: أي الذي يجب أن يحمل عليه.


(1) الكافي: ج 1 ص 414 – 415 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، قطعة من ح 14. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 410 سورة آل عمران. (3) لم نعثر عليه في تفسير علي بن ابراهيم ووجدناه في تفسير العياشي: ج 1 ص 162 ح 4. (*)

[ 18 ]

إلا الله والرسخون في العلم: أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه. وفي تتمة الحديث السابق، أن الراسخين في العلم أمير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) (1). وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث أن حييا وأبا ياسر ابني أخطب ونفرا من يهود أهل نجران أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا له: أليس فيما تذكر فيما أنزل الله عليك ” الم ” ؟ قال: بلى. قالوا: أتاك بها جبرائيل من عند الله تعالى ؟ قال: نعم. قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك، وما نعلم نبيا منهم أخبرنا مدة ملكه وما أجل امته غيرك. قال: فاقبل حيي بن أخطب على أصحابه فقال لهم: الالف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون. فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه وأجل امته إحدى وسبعون سنة ! قال: ثم أقبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا محمد هل مع هذا غيره ؟ قال: نعم قال: هاته. قال: ” المص “. قال: هذه أثقل وأطول، (الالف) واحد، و (اللام) ثلاثون، و (الميم) أربعون، و (الصاد) تسعون، فهذه مائة واحدى وستون سنة. ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): فهل مع هذا غيره ؟ قال: نعم. قال: هاته. قال (صلى الله عليه وآله): ” الر ” قال: هذه أثقل وأطول، (الالف) واحد، و (اللام) ثلاثون، و (الراء) مائتان، [ ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ]: فهل مع هذا غيره ؟ قال: نعم. قال: هاته. قال: ” المر “. قال: هذه أثقل وأطول، (الالف) واحد، و (اللام) ثلاثون، و (الميم) أربعون، و (الراء) مائتان، ثم قال له: هل مع هذا غيره ؟ قال: نعم. قالوا: قد التبس علينا أمرك، فما ندري ما اعطيت ! ثم قاموا عنه، ثم قال أبو ياسر للحيي أخيه: ما يدريك لعل محمدا قد جمع له هذا كله وأكثر منه. قال: فذكر أبو جعفر (عليه السلام) ان هذه الآيات انزلت فيهم: ” منه آيات


(1) لم نعثر عليه في تفسير علي بن ابراهيم ووجدناه في تفسير العياشي: ج 1 ص 162 ح 2. (*)

[ 19 ]

محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات ” قال: وهي تجري في وجه آخر [ على ] غير تأويل حيي وأبي ياسر وأصحابهما (1). أقول: وهذا الوجه هو ما مر من أن المراد بالمحكمات والمتشابهات الائمة وأعدائهم. وبعضهم وقفوا على (الله) وفسروا المتشابه بما استأثره بعمله. يقولون ء امنا به: استئناف موضح لحال الراسخين، أو حال منهم، أو خبر، إن جعلته مبتدأ. كل من عند ربنا: أي كل من المحكم والمتشابه من عنده. وعلى كون المراد بالمتشابه فلان وفلان، كونه من عنده بمعنى خلقه له وعدم جبره على الاهتداء، كما هو طريقة الابتلاء والتكليف. وما يذكر إلآ أولوا الالبب: مدح للراسخين، أو لمن يتذكر أن العالم بالمتشابه لا يكون غير الراسخين الذين هم الائمة. روى محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن أيوب بن الحر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله (2). ويؤيد ما رواه أيضا، عن علي بن محمد، عن عبد الله بن علي، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل: ” وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ” قال: فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم، وقد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان [ الله ] لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله (3) وكيف لا يعلمونه، ومنهم مبدأ العلم وإليهم


(1) معاني الاخبار: ص 23 باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن ح 3. (2) الكافي: ج 1 ص 213، كتاب الحجة، باب ان الراسخين في العلم هم الائمة (عليهم السلام)، ح 1. (3) الكافي: ج 1 ص 213، كتاب الحجة، باب ان الراسخين في العلم هم الائمة (عليهم السلام)، ح 2. (*)

[ 20 ]

منتهاه، وهم معدنه وقراره ومأواه. وبيان ذلك ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب، عن علي بن أبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن عبد الله بن سليمان، عن حمران بن أعين [ عن أبي عبد الله عليه السلام ] قال: إن جبرائيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) برمانتين، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إحداهما، وكسر الاخرى بنصفين، فأكل نصفا، وأطعم عليا نصفا، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان ؟ قال: لا، قال: أما الاولى فالنبوة ليس لك فيها نصيب، وأما الاخرى فالعلم، أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله كيف يكون شريكه فيه ؟ قال: لم يعلم الله محمدا (صلى الله عليه وآله) [ علما ] إلا وأمره أن يعلمه عليا (عليه السلام) (1). ويؤيده ما رواه أيضا عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن اذينة، عن محمد بن مسلم قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: نزل جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله) برمانتين من الجنة، فلقيه علي (عليه السلام) فقال له: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك ؟ فقال: أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب. وأما هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصفين فأعطاه نصفها، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه، قال: فلم يعلم والله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرفا مما علمه الله عز وجل إلا وقد علمه عليا ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره (2). وأوضح من هذا بيانا ما رواه أيضا عن أحمد بن محمد، عن عبد الله الحجال، عن أحمد بن محمد الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك اني أسألك عن مسألة، فههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال:


الكافي: ج 1 ص 263، كتاب الحجة، باب ان الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا.. ح 1. (2) الكافي: ج 1 ص 263، كتاب الحجة، باب ان الله (عز وجل) لم يعلم نبيه علما إلا.. ح 3. (*)

[ 21 ]

فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدالك، قال: قلت: جعلت فداك أن شيعتك يتحدثون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم عليا بابا يفتح منه ألف باب ! قال: فقال: يا أبا محمد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت (1) ساعة في الارض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، قال: ثم قال: يا أبا محمد إن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن املائه من فلق فيه (2)، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الارش في الخدش، وضرب بيده إلي، فقال في: أتأذن لي يا أبا محمد قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده، قال: حتى أرش هذا، كأنه مغضب (3)، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: إن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر ؟ قلت: وما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم (4) فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم. قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة ؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا


(1) نكت الارض بالقضيب: وهو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم، لسان العرب: ج 2 ص 100 مادة (نكت). (2) الفلق: الشق، كلمني فلان من فلق فيه وفلق فيه: اي شقه، لسان العرب: ج 10 ص 310 مادة (فلق). (3) أي أخذ بشدة (مرآة العقول: ج 3 ص 55). (4) قال الجوهري: الادم جمع الاديم وقد يجمع على أدمة، وفي القاموس: الاديم الجلد أو أحمره أو مدبوغه، جمعه أدمة وأدام، والادم اسم للجمع، وقال: الجفر من أولاد الشاء ما عظم واستكرش، أو بلغ أربعة أشهر والبئر لم تطو أو طوى بعضها، والجفر: جعبة من جلود لا خشب فيها أو من خشب لا جلود فيها (مرآة العقول: ج 3 ص 55). (*)

[ 22 ]

ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد (1)، قال: قلت: هذا والله هو العلم، قال إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، قال: قلت: جعلت فداك فأي شئ العلم ؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، والامر بعد الامر، والشئ بعد الشئ إلى يوم القيامة (2). ومما ورد في عزارة علمهم (صلوات الله عليهم): ما رواه أيضا (رحمه الله) قال: روى عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة. وعدة من أصحابنا منهم ب عبد الاعلى [ وأبو عبيدة ] وعبد الله بن بشر الخثعمي، أنهم سمعوا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إني لاعلم ما في السماوات وما في الارض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون، ثم سكت هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه، فقال: علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، يقول: ” فيه تبيان كل شئ ” (3) (4). ومما ورد في غزارة علمهم (صلوات الله عليهم): ما رواه أيضا عن أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن


(1) ما فيه من قرآنكم: أي فيه علم بما كان وما يكون. فان قلت: في القرآن أيضا بعص الاخبار ؟ قلت: لعله لم يذكر فيه ما في القرآن. فإن قلت، يظهر من بعض الاخبار اشتمال مصحف فاطمة (عليها السلام) أيضا على الاحكام ؟ قلت: لعل فيه ما ليس في القرآن. فإن قلت: قد ورد في كثير من الاخبار اشتمال القرآن على جميع الاحكام والاخبار مما كان أو يكون ؟ قلت: لعل المراد به ما نفهم من القرآن لا ما يفهمون (عليهم السلام) منه، ولذا قال (عليه السلام): قرآنكم، على أنه يحتمل أن يكون المراد لفظ القرآن، ثم الظاهر من أكثر الاخبار اشتمال مصحفها (عليها السلام) على الاخبار فقط، فيحتمل ان يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن (مرآة العقول: ج 3 ص 56). (2) الكافي: ج 1 ص 238، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة.. ح 1. (3) قال تعالى: ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ” النحل: 89. (4) الكافي: ج 1 ص 261، كتاب الحجة، باب ان الائمة يعلمون علم ما كان وما يكون.. ح 2. وفيه: ثم مكث هنيئة. (*)

[ 23 ]

إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن عبد الله بن حماد، عن سيف بن تمار قال: كنامع أبي عبد الله (عليه السلام) وجماعة من الشيعة في الحجر، فقال: علينا عين ؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنية – ثلاث مرات – لو كنت بين موسى والخضر لاخبرتهما أني أعلم منهما، ولانبأتهما بما ليس في أيديهما، لان موسى والخضر (عليهما السلام) اعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراثة (1). ويؤيد هذا ويطابقه ما رواه أصحابنا من رواة الحديث من كتاب الاربعين رواية أسعد الاربلي، عن عمار بن خالد، عن إسحاق الازرق، عن عبد الملك بن سليمان قال: وجد في ذخيرة حواري عيسى رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة: وذلك لما تشاجر موسى والخضر (عليهما السلام) في قصة السفينة والجدار والغلام، ورجع موسى إلى قومه فسأله أخاه هارون عما استعلمه من الخضر وشاهده من عجائب البحر ؟ فقال موسى (عليه السلام): بينا أنا والخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر، ورمى بها نحو المشرق، وأخذ منه ثانية ورمى بها نحو المغرب، صم أخذ ثالثة. ورمى بها نحو السماء، ثم أخذ رابعة ورمى بها نحو الارض، ثم أخذ خامسة وألقاها في البحر. فبهت أنا والخضرمن ذلك، وسألته عنه ؟ فقال: لا أعلم، فبينا نحن كذلك فإذا بصياد يصيد في البحر، فنظر إلينا، وقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر الطائر ؟ فقلنا له: هو ذاك، فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته، وأنتما نبيان لا تعلمان ؟ فقلنا: لا نعلم إلا ما علمنا الله عز وجل، فقال: هذا طائر في البحر يسمى مسلما، لانه إذا صاح يقول في صياحه: مسلم مسلم، فإشارته برمي الماء من منقاره نحو المشرق والمغرب والسماء والارض والبحر يقول: إنه يأتي في آخر الزمان نبي يكون


(1) الكافي: ج 1 ص 260، كتاب الحجة، باب أن الائمة يعلمون علم ما كان وما يكون.. ح 1 وفيه: جماعة من الشيعة. (*)

[ 24 ]

علم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والارض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمه ووصيه، فعند ذلك سكن ما كنا فيه من المشاجرة، واستقل كل واحد منا علمه بعد أن كنا معجبين بأنفسنا، ثم غاب عنا، فعلمنا أنه ملك بعثه الله إلينا، ليعرفنا نقصنا حيث ادعينا الكمال (1). ومما ذكر في معنى فضلهم (عليهم صلوات الله) ما ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في كتابه مصباح الانوار بإسناده إلى رجاله قال: وروى عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا ميزان العلم وعلي كفتاه، والحسن والحسين حباله، وفاطمة علاقته، والائمة من بعدهم يزنون المحبين والمبغضين (2). وفي كتاب الاحتجاج: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل يقول (عليه السلام) فيه: وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله: ” وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ” (3). وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم (4). وفي روضة الكافي ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز ذكره: ” الم * غلبت الروم * في أدنى الارض ” قال: فقال: يا أبا عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) (5) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.


(1) بحار الانوار: ج 13 ص 312، كتاب النبوة، باب 10 قصة موسى حين لقي الخضر، ح 52. (2) مصباح الانوار: في الباب الخامس، في علم علي، وفيه (عن أبي جعفر) بدل (جعفر بن محمد) مخطوط. بحار الانوار: ج 23، ص 106، كتاب الامامة، باب 7، ح 6. (3) الاحتجاج: ج 1 ص 248، س 7، احتجاجه (ع) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة. (4) نهج البلاغة: ص 201 الخطبة 144 في فضل أهل البيت، صبحي الصالح. (5) الكافي: في: ج 8 ص 269 باب 44 ح 397. (*)

[ 25 ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله ” الم * غلبت الروم * في أدنى الارض ” قال يا أبا عبيدة ان لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الائمة (عليهم السلام) (1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت، قال حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير، عن عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنة ويزجر عن النار، وفيه محكم ومتشابه، فأما المحكم فيؤمن به ويعمل به وأما المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله: ” وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ” وآل محمد (عليهم السلام) الراسخون في العلم (2). حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بريد بن معاوية، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما أنزل الله من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه التأويل وأوصياؤه من بعده يعلمونه قال: قلت: جعلت فداك أن أبا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال: وما كان يقول ؟ قلت: قال: إنكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن قال: إن علم الحلال والحرام والقرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل والنهار (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود ابن فرقد، عمن حدثه، عن ابن شبرمة قال: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن


(1) تفسير القمي: ج 2 ص 152 سورة الروم. (2) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 316 ح 29 نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم. (3) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 317 ح 30 نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم. (*)

[ 26 ]

محمد (عليه السلام) إلا كاد أن يتصدع قلبي، قال: حدثني أبي، عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عمل يا لمقاييس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى للناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك (1). بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال في أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): يا هشام إن الله ذكر اوالي الالباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الحلية وقال: ” الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب ” (2). أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن الراسخون في العلم (3) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله (4). علي بن محمد، عن عبد الله بن علي، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحد هما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل ” وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ” فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم، وقد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله: ” يقولون آمنا


(1) الكافي: ج 1 ص 43 كتاب فضل العلم، باب النهي عن القول بغير علم، ح 9. (2) الكافي: ج 1 ص 15 كتاب العقل والجهل، قطعة من ح 12. (3) الكافي: ج 1 ص 186 كتاب الحجة، باب فرض طاعة الائمة، ح 6. (4) الكافي: ج 1 ص 213 كتاب الحجة، ان الراسخين في العلم هم الائمة (عليهم السلام)، ح 1. (*)

[ 27 ]

به كل من عند ربنا ” والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ فالراسخون في العلم يعلمونه (1). الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن اورمة، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: الراسخون في العلم أمير المؤمنين والائمة من بعده (عليهم السلام) (2). وباسناده إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): فإن قالوا: من الراسخون في العلم ؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا: فمن هو ذاك ؟ فقل: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب ذلك، فهل بلغ أولا ؟ فإن قالوا: قد بلغ، هل مات (صلى الله عليه وآله) والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف ؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤيد، ولا يستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لم يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبوة، وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده (3). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: ما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي واكتبها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا الله عز وجل أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي فكتبته، وما ترك الله شيئا علمه الله عز وجل من حلال ولا حرام، ولا نهي، وما كان وما يكون من


(1) الكافي: ج 1 ص 213 كتاب الحجة، باب ان الراسخين في العلم هم الائمة (عليهم السلام)، ح 2. (2) الكافي: ج 1 ص 213 كتاب الحجة، باب ان الراسخين في العلم هم الائمة (عليهم السلام) ح 3. (3) الكافي: ج 1 ص 245، كتاب الحجة، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر، قطعة من ح 1 وفيه: عن أبي جعفر الثاني. (*)

[ 28 ]

[ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ] طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس منه حرفا واحدا (1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. واعلم: أن التفسير بالرأي للمتشابه حرام، ومن فسره برأيه كافر. يدل عليه ما رواه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى عبد الرحمن ابن سمرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب (2). وما رواه في كتاب التوحيد بإسناده إلى الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي (3). ولاخفاء أن المراد تفسير المتشابه وتأويل المحكم بالرأي بغير ما يدل عليه ظاهره. وبذلك يظهر عدم إيمان أكثر المفسرين ممن يفسرون القرآن برأيهم، ويأولونه على مذاقهم، ممن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التفسير، تقدمة لهذا التصريح، وعدم إيمان أهل السنة والجماعة، فإنه لا ريبة لاحد في أنه لا يردون المتشابهات إلى الراسخين الذين هو الائمة (عليهم السلام) ويفسرون الراسخين أيضا برأيهم، ولا يعنون منه النبي والائمة (عليهم السلام)، فتبصر. ربنا لا تزغ قلوبنا: من مقالة الراسخين، وقيل: استئناف.


(1) كمال الدين: ج 1، ص 384، باب 24 ماروي عن النبي في النص على القائم (عليه السلام) قطعة من ح 37. (2) كمال الدين: ج 1 ص 257، باب 24 ماروي عن النبي في النص على القائم (عليه السلام) قطعة من ح 1. (3) التوحيد: ص 68 باب 2 التوحيد ونفي التشبيه، قطعة من ح 23. (*)

[ 29 ]

[ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9) ] والمعنى: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق، وهو من الراسخين خضوع في مقام العبودية. وقيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيه قلوبنا. بعد إذ هديتنا: إلى الحق. و ” بعد ” نصب على الظرف، و ” إذ ” في محل الجر بإضافته إليه، وقيل: إنه بمعنى (إن). وهب لنا من لدنك رحمة: تزلفنا إليك، ونفوز بها عندك، أو توفيقا للثبات على الحق، أو مغفرة للذنوب، أو الاعم. إنك أنت الوهاب: لكل سؤال. في تفسير العياشي، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أكثروا من أن تقولوا: ” ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ” ولا تأمنوا الزيغ (1). وفي تهذيب الاحكام في الدعاء بعد صلاة الغدير، المسند إلى الصادق (عليه السلام): ربنا إنك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك وأمرتنا أن نكون مع الصادقين فقلت: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” (2) وقلت: ” اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” (3) فسمعنا وأطعنا ربنا، فثبت أقدامنا وتوفنا مسلمين مصدقين لاوليائك ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 164 ح 9. (2) النساء: 59. (3) التوبة: 119. (4) التهذيب: ج 3 ص 147 باب 7 صلاة الغدير، ح 1. (*)

[ 30 ]

[ إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أمولهم ولآ أولدهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار (10) كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بئيتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11) ] وفي هذا الخبر دلالة على أن المراد بالدعاء بعدم الازاغة، عدم الازاغة عن الولاية. ربنا إنك جامع الناس ليوم: لحساب يوم، أو جزائه. لاريب فيه: في وقوعه، ووقوع ما أخبر بوقوعه فيه. إن الله لا يخلف الميعاد: فإن الالهية تنافيه. وللاشعار به وتعظيم الموعود به، لون الخطاب. قال البيضاوي: واستدل به الوعيدية، واجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو، لدلائل منفصلة، كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقا (1) (2). ويرد على هذا الجواب: إن العفو بالتوبة موعود، بخلاف العفو بدونه، واشتراط وعيد الفساق بعدم العفو لا معنى له، إذ لا يسمى أضربك إن لم أعف وعيدا، كما يسمى أعطيك إن جئتني وعدا، فتأمل يظهر الفرق. إن الذين كفروا: الظاهر أنه عام في الكفرة. وقيل: المراد وفد نجران أو


(1) تفسير البيضاوي: ج 1، ص 150، في تفسيره لقوله تعالى: ” إن الله لا يخلف الميعاد “. (2) اختج الجبائي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق، قال: وذلك لان الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، بدليل قوله تعالى: ” أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ” والوعد والموعد والميعاد واحد، وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد فكان هذا دليلا على أنه لا يخلف في الوعيد. قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك كما في قوله: ” فبشر هم بعذاب أليم ” وقوله: ” ذق إنك أنت العزيز

[ 31 ]

اليهود، أو مشركوا العرب. لن تغنى عنهم أمولهم ولآ أولدهم من الله شيئا: أي من رحمته، أو طاعته على معنى البدلية، أو من عذابه. أولئك هم وقود النار: حطبها. وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها. كدأب ءال فرعون: متصل بما قبله، أي لن تغني عنهم أموالهم، كما لم تغن عن اولئك، أو توقد بهم كما توقد باولئك. أو استئناف مرفوع المحل وتقديره أن دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب. وهو مصدر دأب في العمل: كدح فيه، فنقل إلى معنى الشأن. والذين من قبلهم: عطف على آل فرعون أو استئناف. كذبوا بئيتنا فأخذهم الله بذنوبهم: حال بتقدير قد، أو استئناف بتفسير حالهم على التقدير الاول، وخبر على التقدير الثاني. والله شديد العقاب: تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكفرة. وفي الآية دلالة على أن الكفار طريقتهم واحدة في الكفر والعذاب والخلود فيه، سواء فيه الذين كفروا بعد النبي (صلى الله وآله) والذين كفروا قبله. ويظهر منه: أن المنكرين للولاية المحكوم عليهم بكفرهم، دأبهم كدأب آل فرعون في ذلك، لا يجوز إطلاق اسم الاسلام بالمعنى المقصود منه عليهم، كما لا يجوز إطلاقه على آل فرعون، وإن جاز إطلاقه عليهم بمعنى آخر، كما جاز إطلاقه على فرعون أيضا، بمعنى أنه أسلم لابليس، أو أسلم لهواه، أو غير ذلك.


الكريم ” وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله، فكان المراد من الوعد تلك المنافع. وذكر الواحدي في البسيط طريقة اخرى فقال: لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الاولياء دون وعيد الاعداء، لان خلف الوعيد كرم عند العرب قال: والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر: إذا وعد السراء أنجز وعده * وإن أو عد الضراء فالعفو ما نعه (التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 7 ص 183 آل عمران: 9). (*)

[ 32 ]

[ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) قد كان لكم ءاية في فئتين التقتا فئة تقتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشآء إن في ذلك لعبرة لاولى الابصر (13) ] قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم: في مجمع البيان: روي محمد بن إسحاق بن يسار عن رجاله: قال لما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما أنزل الله بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا (1) لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، أما والله لو قاتلتنا لعرفت إنا نحن الناس، فأنزل الله هذه الآية (2). وروى أيضا عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، ورواه أصحابنا (3) (4). وقال البيضاوي: أي قل لمشركي مكة ستغلبون، يعني يوم بدر (5). وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما، على أن الامر للنبي (صلى الله عليه وآله) بأن


(1) الاغمار: جمع غمر بالضم، ورجل غمر وغمر: لا تجربة له بحرب ولا أمر ولم تحنكه التجارب (لسان العرب: ج 5 ص 32 لغة غمر). (2) و (3) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 413 في شأن نزول آية 12 من سورة آل عمران. (4) ورواه السيوطي في الدر المنثور: ج 3 ص 158 عن ابن عباس وعكرمة وقتادة. (5) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران ” قل للذين كفروا ” الخ. (*)

[ 33 ]

يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه (1). وبئس المهاد: تمام ما يقال لهم، أو استئناف. وتقديره: بئس المهاد جهنم، أو ما مهدوه لانفسهم. قد كان لكم ءاية: قيل: الخطاب لقريش، وقيل: للمؤمنين. في فئتين التقتا: يوم بدر. في مجمع البيان: أن الآية نزلت في قصة بدر، وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر. سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الانصار. واختلف في عدد المشركين، فروي عن علي بن مسعود أنهم كانوا ألفا (2). فئة تقتل في سبيل الله: وهم المؤمنون. وأخرى كافرة: وهم مشركوا قريش. يرونهم مثليهم: أي يرى المشركون المؤمنين مثليهم. أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين. وكانوا ثلاثة أمثال لهم، ليثبتوا لهم ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم في قوله: ” فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ” (3). وقرئ بهما بالبناء للمفعول، أي يريهم الله، أو يريكم ذلك بقدرته. و ” فئة ” بالجر على البدل من ” فئتين ” والنصب على الاختصاص، أو الحال من فاعل ” التقتا “. رأى العين: رؤية ظاهرة معاينة. والله يؤيد بنصره من يشآء: كما أيد أهل بدر. إن في ذلك: أي في التقليل والتكثير، أو غلبة القليل، أو وقوع [ الامر ] على ما أخبر به الرسول الله (صلى الله عليه وآله). لعبرة لاولى الابصر: لعظة لذوي البصائر، وقيل: لمن أبصرهم.


(1) المصدر السابق. (2) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 414 في تفسير الآية 13 من سورة آل عمران. (3) الانفال: 66. (*)

[ 34 ]

[ زين الناس حب الشهوت من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعم والحرث ذلك متع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المئاب (14) ] زين للناس حب الشهوت: أي المشتهيات، سماها شهوات، مبالغة، وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محيتها حتى أحبوا شهوتها، كقوله تعالى: ” أحببت حب الخير ” (1). وذهب الاشعري إلى أن المزين هو الله تعالى، لانه الخالق للافعال، والدواعي كلها عندهم، ويقولون: زينة ابتلاء، أو لانه يكون وسيلة إلى السعادة الاخروية، إذا كان على وجه يرتضيه الله، أو لانه من أسباب التعيش وبقاء النوع. والمعتزلة إلى أنه الشيطان. والجبائي فرق بين المباح والمحرم (2). وهو الصواب. من النساء: في الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما يتلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكثر لهم من لذة النساء، وهو قول الله عز وجل: ” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ” إلى آخر الآية. ثم قال: وإن أهل الجنة ما يتلذذون بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح، لاطعام ولا شراب (2). والبنين والقنطير المقنطرة: قناطير جمع قنطار.


(1) ص: 32. (2) انوار التنزيل: ج 1 ص 151، في تفسيره لآية 14 من سورة آل عمران. (3) الكافي: ج 5 ص 321 * كتاب النكاح، باب حب النساء ح 10. (*)

[ 35 ]

وفي مجمع البيان: اختلف في مقدار القنطار، قيل: هو ملاء مسك ثور ذهبا، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): انتهى (1). واختلف في أنه فعلال أو فنعال، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم: بدرة مبدرة. من الذهب والفضة: صفة للقناطير. ويحتمل التعلق ب‍ ” المقنطرة ” على تضمين معنى المملوة. وفي كتاب الخصال: عن محمد بن يحيى العطار، رفع الحديث قال: الذهب والفضة حجران ممسوخان، فمن أحبهما كان معهما (2). والخيل المسومة: أي المعلمة، من السومة، وهي العلامة، أو المرعية من أسام الدابة وسومها، أو المطهمة التامة الخلق من السوم في البيع، لانها يسام كثيرا، أو من السومة كأنها علم في الحسن. والانعم: الابل والبقر والغنم. والحرث: في اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد الله الدهقان، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أول ما عصي الله عز وجل به ست: حب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة، وحب النساء (3). وفي كتاب الخصال: عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الفتن ثلاث: حب النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمرو هو فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان. ومن أحب النساء لم ينتفع بعيشته، ومن أحب الاشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار والدرهم فهو


(1) مجمع البيان، ج 1 – 2 ص 417، سورة آل عمران: 14. (2) الخصال: باب الاثنين ص 43 ح 38. (3) الكافي: ج 2 ص 289، كتاب الايمان والكفر، باب في اصول الكفر وأركانه، ح 3. (*)

[ 36 ]

[ قل أؤ نبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها وأزواج مطهرة ورضون من الله والله بصير بالعباد (15) ] عبد الدنيا (1). ذلك متع الحيوة الدنيا: إشارة إلى ما ذكر، أي هو متمتع في هذه الحياة الدنيا التي مدتها قليلة. والله عنده حسن الماب: أي المرجع. وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الابدية بالشهوات الناقصة الفانية. قل أؤنبئكم بخير من ذلكم: تقرير لما عنده. للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها: استئناف لبيان ما هو عنده. وقيل: يجوز أن يتعلق اللام ب‍ ” خير “، ورفع ” جنات ” بتقدير: هو جنات، ويؤيده قراءة من جرها، بدلا من خير. وأزوج مطهرة: مما يستقذر من النساء. وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل ” فيها أزواج مطهرة ” قال: لا يحضن ولا يحدثن (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” وأزواج مطهره ” قال: في الجنة، لا يحضن ولا يحدثن (3). ورضون من الله: وهو أكبر، وقراءة عاصم في رواية أبي بكر في جميع


(1) الخصال: ص 113 باب الثلاثة، الفتن ثلاث، قطعة من ح 91. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 164 ح 11. (3) تفسير القمي: ج 1 ص 98، في تفسير بيه ” وأزواج مطهرة “. (*)

[ 37 ]

[ الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) الصبرين والصدقين والقنتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار (17) ] القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة، وهو قوله: ” رضوانه سبل السلام ” (1) وهما لغتان (2). والله بصير بالعباد: فيثيب المحسن ويعاقب المسئ، ويعلم استعداد المتقين لما أعد لهم. الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار: صفة للمتقين، أو للعباد، أو مدح منصوب أو مرفوع. ويحتمل الاستئناف. رتب المغفرة والوقاية من النار على الايمان بالفاء، إشعارا بأنه يستلزمهما، وهو كذلك، لان المراد به الايمان بالله ورسوله وجميع ما جاء به الرسول الذي أعظمه الولاية. الصبرين: في البأساء والضراء. والصدقين: في الاقوال والاعمال. والقنيتن: الخاشعين. والمنفقين: أموالهم في سبيل الله. والمستغفرين بالاسحار: أي المصلين وقت السحر. في مجمع البيان: رواه الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3). وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): ان من استغفر سبعين مرة من وقت السحر، فهو من أهل هذه الآية (4).


(1) المائدة: 16. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 152 في تفسيره لآية 15 من سورة آل عمران. (3) و (4) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 419 في بيان معنى الآية 16 من سورة آل عمران. (*)

[ 38 ]

[ شهد الله أنه لآ إله إلا هو والملئكة وأو لوا العلم قائما بالقسط لآ إله إلا هو العزيز الحكيم (18) ] وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من وتره إذا أوتر: استغفر الله وأتوب إليه، سبعين مرة وهو قائم، فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة، كتبه الله من المستغفرين بالاسحار ووجبت له المغفرة من الله تعالى (1). وروي في من لا يحضره الفقيه: عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (2). وفي تفسير العياشي: عن مفضل بن عمر قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت تفوتني صلاة الليل، فاصلي صلاة الفجر، فلي أن اصلي بعد صلاة الفجر ما فاتني من صلاة وأنا في صلاة قبل طلوع الشمس ؟ فقال: نعم ولكن لا تعلم به أهلك، فيتخذه سنة، فيبطل قول الله عز وجل ” والمستغفرين بالاسحار ” (3). وقال البيضاوي: حصر مقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى: إما توسل وإما طلب. والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإما بالبدن وهو إما قولي وهو الصدق، وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإما بالمال وهو الانفاق في سبيل الخير. وإما الطلب فهو الاستغفار، لان المغفرة أعظم المطالب، بل الجامع لها. وتوسيط الواو بينها للدلالة على استقلال كل واحدة منها، وكما لهم فيها، أو لتغاير الموصوفين بها (4). شهد الله أنه لآ إله إلا هو: أي بين وحدانية بنصب الدلائل الدالة عليها،


(1) الخصال: ص 581، أبواب السبعين وما فوقه، ثواب من استغفر الله عز وجل في الوتر سبعين مرة، ح 3. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 309، باب دعاء قنوت الوتر، ح 4 (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 165 ح 17. (4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 152، في تفسير لقوله تعالى: ” والمستغفرين بالاسحار “. (*)

[ 39 ]

أو شهد به لنفسه. والملئكة: بالاستغفار، أو شهدوا كما شهد. وأو لوا العلم: وهم الائمة (عليهم السلام) بالاحتجاج عليه، أو شهدوا كما شهد. وعلى المعنى الاول في شهد استعارة تبعية حيث شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. قائما بالقسط: مقيما للعدل في حكمه وقضائه. وانتصابه على الحال من ” الله “، وإنما جاز إفراده بها، ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبا ؟ لعدم اللبس، أو عن ” هو ” والعامل فيها معنى الجملة، أي تفرد قائما، أو أحقه لانها حال مؤكدة. أو على المدح، أو الصفة للمنفي. وفيه ضعف للفصل، وهو داخل في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا عن الضمير. وقرئ: القائم بالقسط، على البدل من ” هو ” خبر، أو الخبر لمحذوف. وفي تفسير العياشي: عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية: ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ” قال أبو جعفر (عليه السلام): ” شهد الله أنه لا إله إلا هو ” فإن الله تبارك وتعالى يشهد بها لنفسه وهو كما قال، فأما قوله: ” والملائكة ” فإنه أكرم الملائكة بالتسليم لربهم، وصدقوا وشهدوا كما شهد لنفسه، وأما قوله: ” واولوا العلم قائما بالقسط ” فإن اولي العلم الاولياء والاوصياء، وهم قيام بالقسط، والقسط هو العدل في الظاهر، والعدل في الباطن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1). فعلى هذه الرواية: ” قائما ” حال عن ” اولي العلم “، وإفراده على تأويل كل واحد والاشعار بأن كل واحد منهم قائم به، لئلا يتوهم أن القسط قائم بمجموعهم من حيث هو مجموع. وفي ذلك التفسير عن مرزبان القمي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 165 ح 18. (*)

[ 40 ]

عن قول الله تعالى: ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط ” قال: هو الامام (1). وفي بصائر الدرجات: عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن علي الوشا، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت: ” واولوا العلم قائما بالقسط ” قال: الامام (2). لآ إله إلا هو: كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء، فيبنى عليه قوله: العزيز الحكيم: فيعلم أنه الموصوف بهما. وقدم ” العزيز ” لتقدم العلم بالقدرة على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير، أو الصفة لفاعل ” شهد ” وقد ذكر في أول الفاتحة ماروي في فضل هذه الآية عن النبي (صلى الله عليه وآله). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) قال: لما ولد الخلف المهدي (صلوات الله عليه) سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة ” إلى آخر الآية (3). وفى اصول الكافي: علي بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن محمد بن زيد الرزامي، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل يذكر فيه (عليه السلام) مواليد الائمة (صلوات الله عليهم) وفيه يقول (عليه السلام): وإذا وقع من بطن امه، وقع واضعا يديه على الارض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الارض فإنه يقبض كل علم الله أنزله من السماء إلى الارض. وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي من بطنان العرش من قبل رب العزة من الافق الاعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان أثبت تثبت، فلعظيم ما خلقتك، أنت صفوتي من خلقي


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 166 ح 19. (2) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 323 ح 19 سورة آل عمران، نقلا عن بصائر الدرجات. (3) كمال الدين وتمام النعمة: ص 433 الباب الثاني والاربعون ح 13. (*)

[ 41 ]

[ إن الدين عند الله الاسلم وما اختلف الذين أو توا الكتب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بايت الله فإن الله سريع الحساب (19) ] وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي. لك ولمن تولاك أو جبت رحمتي، ومنحت جناني، وأحللت جواري. ثم وعزتي وجلالي لاصلين من عاداك أشد عذابي، وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي. فإذا انقضى الصوت – صوت المنادي – أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء، يقول: ” شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ” فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الاول والعلم الآخر واستحق زيادة الروح في ليلة القدر (1). إن الدين عند الله الاسلم: جملة مستأنفة مؤكدة للاولى، أي لا دين مرضي عند الله، إلا الاسلام وهو التوحيد والتورع بالشرع الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) الذي لا يتم إلا بالولاية يدل على ذلك ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في أماليه قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: حدثنا الشيخ أحمد بن محمد بن الحسن [ بن الحسن بن الوليد قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد ابن الحسن ] الصفار (رحمه الله) عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعطيت تسعا، لم يعطها أحد قبلي سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد فتحت لي السبل، وعلمت المنايا والبلايا والانساب وفصل الخطاب، ولقد نظرت إلى الملكوت بإذن ربي فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي، فإن بولايتي أكمل الله لهذه الامة دينهم وأتم عليهم النعم ورضي لهم الاسلام، إذ يقول


(1) الكافي: ج 1 ص 385 كتاب الحجة، باب مواليد الائمة، قطعة من ح 1. (*)

[ 42 ]

يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه وآله): يا محمد أخبرهم أني أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم النعم ورضيت إسلامهم، كل ذلك من الله [ به ] علي، فلله الحمد (1). ولا فرق بينه وبين الايمان في المتعلق، وإنما الفرق بأنه يقال له الايمان: بعد رسوخه ودخوله في القلب، وقبل ذلك يسمى إسلاما. يدل على ذلك ما رواه في اصول الكافي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): إن الاسلام قبل الايمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان عليه يثابون (2). وما رواه عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام (قال: سمعته يقول: الاسلام لا يشرك الايمان، والايمان يشرك الاسلام، وهما في القول والفعل يجتعمان، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة، وكذلك الايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان، وقد قال الله عز وجل ” قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ” فقول الله عز وجل أصدق القول والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (3). وفي الآية دلالة على ذلك، حيث أفادت أن ليس دينا مرضيا عند الله سوى الاسلام. ولو كان الاسلام أعم، بمعنى أن الاسلام كان عبارة عن الاقرار بالتوحيد والنبوة، والايمان عبارة عنهما و عن الاقرار بالولاية لكان الاقراران بدون الولاية دينا مرضيا عنده، وليس كذلك بالاتفاق منا.


(1) أما لي الشيخ الطوسي: ج 1 ص 208 ح 1. (2) الكافي: ج 1 ص 173 كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، قطعة من ح 4. (3) الكافي: ج 2 ص 26 كتاب الايمان والكفر، باب أن الايمان يشرك الاسلام.. قطعة من ح 5. (*)

[ 43 ]

لا يقال: الآية دلت على أن الدين المرضي مما يصدق عليه الاسلام، ولم يدل على أن كل إسلام دين مرضي، فلعل ذلك باعتبار بعض أفراده. وأيضا يكفي في كونه مرضيا، كونه مما يحقن به الدم وترتب بعض الاحكام عليه ولا يلزم كونه مما يثاب عليه ويصير سبب نجاة في الآخرة. لانا نقول: في الجواب عن الاول: إن تعريف جرئي الجملة يفيد انحصار كل منهما في صاحبه كما حقق في موضعه، فيفيد أن الاسلام لا يكون دينا غير مرضي أصلا. وعن الثاني: أن المتبادر الصريح من كونه مرضيا عند الله كونه مما يثيب عليه في الآخرة. وأما كونه مرضيا بالمعنى الذي ذكرته فمما لا ينقاد له الذهن، فلا يحمل عليه بوجه. وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل ” أنه “. وقرئ ” إنه ” بالكسر، و ” أن ” بالفتح على وقوع الفعل على الثاني وإعتراض ما بينهما. أو إجزاء ” شهد ” مجرى قال تارة، وعلم اخرى، لتضمنه معناهما. وما اختلف الذين أو توا الكتب: في دين الاسلام، فقال قوم: حق، وقال قوم: مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقا. أو في التوحيد، فثلث النصارى، وقالت اليهود: عزير بن الله. ” والذين اوتوا الكتاب ” أصحاب الكتب المتقدمة، وقيل: اليهود والنصارى، وقيل: هم قوم موسى اختلفوا بعده، وقيل: هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى. إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيابينهم: أي من بعد ما جائهم الآيات الموجبة للعلم. ومن يكفر بايت الله فإن الله سريع الحساب: وعيد لمن كفر منهم. وفي الاية دلالة على كفر من تمكن من العلم بدين الحق، وأنكر، وإن لم يحصل له العلم باعتبار تهاونه. وبذلك يظهر كفر من سمع من أهل السنة من أهل تقليدهم، أن دينا غير دينهم موجود يتدين به غيرهم، وتهاون في تحصل العلم مع تمكنه منه.


[ 44 ]

فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتب والاميين ءاسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ والله بصير بالعباد إن الذين يكفرون بايت ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم فإن حاجوك: في الدين بعد إقامة الحجج وجاد لوك عنادا فقل أسلمت وجهى لله: أخلصت له نفسي، لا أشرك فيها أحدا. وعبر بالوجه لانه أشرف الاعضاء الظاهرة، ومظهر القوى المدركة. ومن اتبعن: عطف على الضمير المرفوع للفصل، أو مفعول معه. وقل للذين أوتوا الكتب والاميين: الذين لا كتا ب لهم، كمشركي العرب. ءأسلمتم: كما أسلمت بعد إقامة الحجة، أم أنتم باقون على كفركم. وفيه تعيير لهم بالبلادة، أو المعاندة. فإن أسلموا فقد اهتدوا: فقد انتفعوا بالهداية. وإن تولوا فإنما عليك البلغ: فلم يضروك، إذ ما عليك إلا التبليغ، وقد بلغت. والله بصير بالعباد: وعد للنبي (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين، ووعيد للمتولين. إن الذين يكفرون بايت الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم: هم أهل


[ 45 ]

[ أولئك الذين حبطت أعملهم في الدنيا والاخرة وما لهم من نصرين (22) ] الكتاب الذين في عصره. قتل أولوهم الانبياء ومتابعيهم ومشايعيهم ورضوا به. وقصدوا قتل النبي والمؤمنين، ولكن الله عصمهم. ونقل أن بني إسرائيل قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل واثنى عشر رجلا من عباد بني إسرائيل، فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا من آخر النهار (1). وقرأ حمزة: يقاتلون الذين (2). فبشرهم: خبر المبتدأ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ويمنع سيبويه دخول الفاء في خبر إن ك‍ ” ليت ولعل ولذلك ” قبل الخبر. أولئك الذين حبطت أعملهم في الدنيا والاخرة: كقولك: زيد – فافهم – رجل صالح. وبينه وبينهما فرق فإنها لا تغير معنى الجملة، بخلافهما. وقد دخلت الفاء في خبر ” إن ” في قوله: ” إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ” (3). وما لهم من نصرين: في الدنيا يدفع عنهم الخزي واللعن، وفي الآخرة يدفع عنهم العذاب. وفي إيراد الجمع إشعار بأن خزيهم وعذابهم عظيم على تقدير وجود الناصرين، لا يمكن لواحد منهم دفعه. وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: قال رسول الله


(1) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 423 بيان المعنى لاية 21 من سورة آل عمران. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 153 في تفسير آية 21 من سورة آل عمران. (3) الجمعة: 8. (*)

[ 46 ]

[ ألم تر إلى الذين أو توا نصيبا من الكتب يدعون إلى كتب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون (23) ] (صلى الله وعليه وآله): لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبيا أو إماما، أو هدم الكعبة التي جعلها الله تعالى قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما (1). وفيه: فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: إحذروا السفلة، فإن السفلة من لا يخاف الله، فيهم قتله الانبياء وهم أعداؤنا (2). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: ” إن الله عز وجل يقول: ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية. أبي يغترون، أم علي يجترؤون، فبي حلفت لا تيحن لهم فتنة تترك الحليم منهم حيرانا ” (3). ألم تر إلى الذين أو توا نصيبا: أي حظا وافيا، والتنكير للتعظيم. من الكتب: أي التوراة، أو جنس الكتب السماوية، و ” من ” للتبعيض، أوللتبيين. يدعون إلى كتب الله ليحكم بينهم: أي يدعوهم محمد إلى القرآن، ليحكم


(1) الخصال: ص 120 باب الثلاثة لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله عز وجل من ثلاثة، ح 109. (2) الخصال: ص 635 باب علم أمير المؤمنين أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، قطعه من ح 10. (3) الكافي: ج 2 ص 299 كتاب الايمان والكفر، باب اختتال الدنيا بالدين، ح 1 وفيه: ” يختلون ” بدل ” يجتلبون “. (*)

[ 47 ]

[ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلآ أياما معدودت وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون (24) فكيف إذا جمعنهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (25) ] بينهم، أو التوراة. لما نقل أنه (عليه السلام) دخل مدارسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت ؟ فقال: على دين إبراهيم، فقال له نعيم: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال هلموا إلى التوارة ليحكم بيننا وبينكم، فأبيا (1). وقيل: نزلت في الرجم، وقد اختلفوا فيه. وقرئ ” ليحكم ” على البناء [ للمفعول ] فيكون الاختلاف فيما بينهم. ثم يتولى فريق منهم: استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب. وهم معرضون: حال من ” فريق ” لتخصيصه بالصفة، أي وهم قوم عادتهم الاعراض عن الحق، وهو نهاية التقريع. ذلك: أي الاعراض. بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودت: بسبب تسهيلهم أمر العذاب. وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون: من قولهم السابق، أو أن آبائهم الانبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده. إلا تحلة القسم، وتكرير الكذب والافتراء يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه. فكيف إذا جمعنهم ليوم لا ريب فيه: تكذيب لقولهم: ” لن تمسنا النار إلا أياما ” ولغرورهم بما كانوا يفترون.


(1) أنوار التنزيل: ج 1 ص 154 في تفسير آية 22 من سورة آل عمران. (*)

[ 48 ]

[ قل اللهم ملك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيديك الخير إنك على كل شئ قدير (26) ] ووفيت كل نفس ما كسبت: جزاء ما كسبت. قال البيضاوي: وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط، وأن المؤمن لا يخلد في النار، لان توفية إيمانه وعمله لا يكون في النار، ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص (1). ويرد عليه في الاول. أنه على تقدير الاحباط يصدق على النفس المحسنة التي أحبطت حسنته بالسيئة التي صدرت عنها، أنها وفيت ما كسبت، بمعنى أنها لحسنتها لم تعاقب بالسيئة التي صدرت عنها. وفي الثاني: أنه يمكن توفية إيمانه وعمله في النار، بأن يخفف عذابه عن قدر ما ينبغي لسيئته، لايمانه وعمله. والتحقيق: أن المؤمن يعني الموالي اللائمة (عليهم السلام) لا يدخل النار، وغيره يدخل ولا يخرج، ومناط الايمان ما جعله الله ورسوله إيمانا، لا ما جعله كل حزب إيمانا وعده عملا صالحا. فكم من يعد نفسه مؤمنا، وهو مؤمن بنفسه وهواه، وكم ممن يعد نفسه مواليا، وهو يوالي الشيطان. وهم لا يظلمون: الضمير ل‍ ” كل نفس ” على المعنى، لانه في معنى كل إنسان. قل اللهم: الميم عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان، وقد وقع في الشعر ضرورة (2).


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 154 في تفسيره لآية 25 من سورة آل عمران. (2) كقول امية بن أبي الصلت: (*)

[ 49 ]

وهو من خصائص هذا الاسم، كدخولها عليه مع لام التعريف وقطع همزته، وتاء القسم. وقيل: أصله يا الله آمنا بخير، فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته. ملك الملك: على الحقيقة، وهو صفة لله. وعند سيبويه نداء ثان، فإن الميم عنده يمنع الوصفية. تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء: أي تعطي منها ما تشاء من تشاء وتسترد، فالملك الاول عام والاخيران بعضان منه. وقيل: المراد بالملك النبوة، ونزعها نقلها من قوم إلى قوم. وفي روضة الكافي: بإسناده إلى عبد الاعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ” قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ” أليس قد آتى الله عز وجل بني امية الملك ؟ قال: ليس حيث تذهب، إن الله عز وجل آتانا الملك وأخذته بنوامية بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه (1). فالمراد بإيتاء الملك بناء على هذا الخبر، جعل الملك لاحد وجعله جائز التصرف فيه، لا التسليط على الملك كما يتوهم بعض الاوهام وذهب إليه، وهو مولى آل سام. وهو الآن لمن جعل الله الملك له وجعله قائما فيه. وتعز من تشاء وتذل من تشاء: في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما بالنصر والادبار والتوفيق والخذلان. بيدك الخير: أي ما هو فعلك خير والشر مما يرجع إلينا مع كون الشر مقدورا لك أيضا.


إني إذا ما حدث ألما * أقول: يا اللهم يا اللهما (شرح ابن عقيل: ج 2 ص 265 شاهد ” 310 “) (1) الكافي: ج 8 ص 266 ح 389. (*)

[ 50 ]

إنك على كل شئ قدير: خيرا كان أو شرا، لكن ما يصدر عن يدك وقدرتك، هو الخير، هذا. وقال البيضاوي: ذكر الخير وحده ؟ لانه المقضي بالذات، والشر مقضي بالعرض، إذا لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرا كليا، أو لمراعاة الادب في الخطاب أو لان الكلام وقع فيه، إذ روي أنه (عليه السلام) لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيه المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخبره، فجاء فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق إضاء ما بين لا بتيها، لكأن [ بها ] مصباحا في جوف لبلة (1)، فكبر وكبر معه المسلمون، وقال: أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبرائيل أن امتي ظاهرة على كلها، فأبشروا، فقال المنافقون: ألا تتعجبون ؟ ! يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة [ ومدائن كسرى ] وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق، فنزلت. ونبه على أن الشر أيضا بيده، بقوله: ” إنك على كل شئ قدير ” (2) انتهى كلامه. وهذا بناء على زعمه الكاسد مما ذهب إليه الاشعرية: من أن الخير والشر كليهما من أفعال الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. بل ما يصدر عنه تعالى مما ظاهره الشر من التعذيب والخزي والاماتة والتمريض وغير ذلك فهو خير في الواقع وحسن بالنظر إلى مصالحه وحكمه، كيف والشر قبيح يقبح صدوره عنه تعالى. * * *


(1) في المصدر: في جوف بيت مظلم. (2) أنوار التنزيل واسرار التأويل: ج 1 ص 154 – 155 سورة آل عمران في تفسيره لآية الملك. (*)

[ 51 ]

[ تولج اليل في النار وتولج النهار في اليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب (27) ] تولج اليل في النار وتولج النهار في اليل: أي تزيد في النهار وتنقص من الليل، وبالعكس، أو تعقب أحد هما الآخر، والولوج: الدخول في مضيق. وفي كتاب الاهليلجة، قال: الصادق (عليه السلام): بعد أن ذكر الليل والنهار يلج أحد هما في الآخر، ينتهي كل واحد منهما إلى غاية معروفة محدودة في الطول والعرض على مرتبة ومجرى واحد (1). وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى: تنشئ الحيوانات من موادها وتميتها، أو تخرج الحيوان من النطفة والنطفة منه، أو تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وفي كتاب معاني الاخبار: وسئل الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) عن الموت ما هو ؟ فقال: هو التصديق بما لا يكون. حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، فإن الميت هو الكافر، إن الله عز وجل يقول: ” يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ” يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن (2). وفي مجمع البيان ” وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ” قيل: معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله


(1) بحار الانوار: ج 3 ص 165 كتاب التوحيد، باب 5 الخبر المروي عن المفضل بن عمر في التوحيد المشتهر بالاهليلجة. (2) معاني الاخبار: ص 290 باب معنى الموت ح 10. (*)

[ 52 ]

[ لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلآ أن تتقوا منهم تقة ويحذر كم الله نفسه وإلى الله المصير (28) ] (عليهما السلام) (1). وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر (الميت) بالتخفيف (2). وترزق من تشاء بغير حساب: في مهج الدعوات عن أسماء بنت زيد قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اسم الله الاعظم الذي إذا دعي به اجاب ” قل اللهم مالك الملك ” إلى ” بغير حساب ” (3). وقد مر في أول الفاتحة ما يدل على فضال هذه الآية أيضا. لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء: نهي عن موالاتهم والاستعانة بهم. من دون المؤمنين: في موضع الصفة ل‍ ” أولياء ” أو الحال إن جوزت عن النكرة، والمعنى: أنهم لا يتخذوهم أولياء بدل المؤمنين، فيكون إشارة إلى أن المؤمنين أحقاء بالموالاة، وفي موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة، فإن الله ولي الذين آمنوا. ومن يفعل ذلك: أي اتخاذ الكافرين أولياء. فليس من الله في شئ: من الولاية، لانه ترك موالاة المؤمنين الذين وليهم الله، ووالى عدوالله. إلا أن تتقوا منهم تقة: أي لا يجوز موالاتهم في شئ من الاحوال إلا في


(1) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 428 في بيان معنى آية الملك من سورة آل عمران. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 155 في تفسير لاية 27 من سورة آل عمران. (3) مهج الدعوات ومنهج العبادات: ص 317 (ط إيران 1323) ومن ذلك ما نذكره في تعيين الاسم الاعظم. (*)

[ 53 ]

حالة أن تتقوا منهم، أي تخافوا من جهتهم. و ” تقاة ” مصدر، اما بمعنى ما يجب اتقاءة فيكون مفعولا به، أو بمعناه فيكون مفعولا مطلقا، والفعل معدى ب‍ (من) لانه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب: (تقية) (1). وفي كتاب الاحتجاح للطبرسي (رحمه الله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه لبعض اليونانيين: وامرك أن تستعمل التقية في دينك، فإن الله يقول: ” لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ” وإياك ثم إياك أن تتعرض للهلاك وأن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمك ولنعمهم للزوال مذلهم في أيدي أعداء الله وقد امرك بإعزازهم (2). وفي تفسير العياشي: عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر نب محمد (عليهما السلام) [ عن أبيه عليه السلام ] قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا إيمان لمن لا تقية له، ويقول: فإن الله يقول: ” إلا أن تتقوا منهم تقاة ” (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل الجعفي، ومعمر بن يحيى بن بسام، ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له (4). علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: التقية ترس الله بينه وبين خلقه (5). ويحذركم الله نفسه: في موالاة الكفار من غير ضرورة، وترك التقية في


(1) أنوار التنزيل ج 1 ص 155 في تفسير لآية 28 من سورة آل عمران. (2) الاحتجاج: ص 239 احتجاجه على من قال: بزوال الادواء بمداوات الاطباء.. ط. بيروت. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 166 ح 24. (4) الكافي: ج 2 ص 220 كتاب الايمان والكفر، باب التقية، ح 18. (5) الكافي: ج 2 ص 220 كتاب الايمان والكفر، باب التقية، ح 19.

[ 54 ]

[ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم مافى السموت و ما في الارض والله على كل شئ قدير (29) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد (30) ] حال الضرورة. وذكر النفس ليعلم أن المحذور منه عقاب [ يصدر ] منه وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي عنه في القبح. وإلى الله المصير: تأكيد للتهديد. وإتيان الظاهر موضع الضمير، للمبالغة. قل إن تخفوا ما في صدور كم أو تبدوه يعلمه الله: يعلم السر منكم والعن. ويعلم ما في السموت وما في الارض: فيعلم ما تضمرونه وما تخفونه. والله على كل شئ قدير: فيقدر على تعذيبكم وخزيكم إن لم تنتهوا عن ما نهيتم عنه. يوم: منصوب ب‍ ” تود ” أو اذكر، مضاف إلى. تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا: أي تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها، من الخير حاضرا. وما عملت من سوء: أي محضرا. تود: حال على تقدير تعلق ” يوم ” باذكر، من الضمير في عملت أو خبر ل‍ ” ما علمت من سوء “، و ” تجد ” مقصور على ” ما عملت من خير “. ولا تكون ” ما ” شرطية لارتفاع ” تود “. وقرئ: ” ودت ” وعلى هذا يحتمل أن تكون ” ما ” شرطية. لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا: بتأويل المصدر، مفعول ” تود ” أي تود كون


[ 55 ]

[ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31) ] الامد البعيد بينها وبين عملها. ويحذركم الله نفسه: التكرير للتأكيد. والله رءوف بالعباد: إشارة إلى أن النهي للرأفة، رعاية لمصالحهم، وأنه لذو مغفرة وذو عقاب فيجب أن ترجى رحمته ويخش عقابه. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني: المحبة ميل النفس إلى الشئ لكمال أدرك فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه. ومحبة العباد مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره، ورغبتهم فيها، وهي مستلزمة لاتباع الرسول في جميع ما جاء به، ومن جملته بل العمدة فيه اتباع الائمة (عليهم السلام). يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم: جواب للامر، أي يرضى عنكم ويتجاوز عن ذنوبكم، عبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة، أو المقابلة. وفي روضة الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل يقول: فيه: ومن سره أن يعلم أن الله يحبه، فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله): ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ” والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله ولا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن كان عاصيا لله أخزاه، وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين (1). وفيها خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها (عليه


(1) الكافي: ج 8 ص 14 رسالة أبي عبد الله إلى جماعة الشيعة، آخر ح 1 وفيه: ومن مات عاصيا. (*)

[ 56 ]

السلام) بعد أن ذكر النبي (صلى الله عليه وآله): فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم دنوبكم ” فاتباعه (صلى الله عليه وآله) محبة الله، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إني لارجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الامة، إلا لاحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثم تلا: ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” ثم قال: يا حفص الحب أفضل من الخوف، ثم قال: والله ما أحب [ الله ] من أحب الدنيا ووالى غيرنا. ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى (2). وفي كتاب الخصال: عن سعيد بن يسار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): هل الدين إلا الحب ؟ إن الله تعالى يقول: ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” (3). وعن يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): إن الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدون فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حبا له فتلك عبادة الكرام وهو الامن لقوله تعالى: ” وهم من فزع يومئذ آمنون ” (4) ولقوله تعالى: ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فمن أحب الله أحبه الله ومن أحبه الله كان من الآمنين (5). وفي تفسير العياشي: عن زياد، عن أبي عبيدة الحذاء قال: دخلت على أبي


(1) الكافي: 8 ص 26 خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام). (2) الكافي: ج 8 ص 128 ح 98. (3) الخصال: ص 21 باب الواحد (الدين هو الحب) ح 74. (4) النمل: 89. (5) الخصال: ص 188 باب الثلاثة (الناس يعبدون الله عز وجل على ثلاثة أوجه) ح 259. (*)

[ 57 ]

جعفر (عليه السلام) فقلت: بأبي أنت وأمي ربما خلا بي الشيطان فخشيت نفسي، ثم ذكرت حبي إياكم وانقطاعي إليكم فطابت نفسي، فقال: يا زياد ويحك وما الدين إلا الحب ألا ترى إلى قول الله تعالى: ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” (1). وعن بشير الدهقان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قد عرفتم في منكرين كثير واحببتم في مبغضين كثير وقد يكون حبا لله في الله ورسوله، وحبا في الدنيا، فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله، وما كان في الدنيا فليس شئ، ثم نفض يده، ثم قال: إن هذه المرجئة (2) وهذه القدرية (3) وهذه الخوارج (4) ليس منهم أحد إلا يرى أنه على الحق، وأنكم إنما أحببتمونا في الله، ثم تلا: ” اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” (5) ” وما أتاكم الرسول فخذوه وما نها كم عنه فاتهوا ” (6) ” ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ” (7) ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” (8).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 25. (2) المرجئة بالميم ثم بالراء ثم بالهمزة بغير تشديد من الارجاء بمعنى التأخير، عند أكثر اللغويين، وبالياء بدل الهمزة من غير تشديد أيضا، وقد وقع الخلاف في تفسير اللفظة، فقيل: هم فرقة من المسلمين يقولون: الايمان قول بلا عمل، كأنهم قدموا القول وأرجئوا العمل، أي أخروه لانهم يريدون أنهم لو لم يصلوا ولم يصوموا لنجاهم إيمانهم. وقيل: هم فرقة من المسلمين يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة (تنقيح المقال: ج 3 في عد المذاهب الفاسدة ص 86). (3) القدرية وهم على ما في المجمع وغيره المنسوبون إلى القدر، يزعمون أن كل عبد خالق فعله، ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيئته، فنسبوا إلى القدر، لانه بدعتهم وضلالتهم، وفي شرح المواقف قيل: القدرية هم المعتزلة، لاسناد أفعالهم إلى قدرتهم. في الحديث: لا يدخل الجنة قدري، وهو الذي يقول: لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس انتهى، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن القدري مجوس هذه الامة. (تنقيح المقال: ج 3 في عد المذاهب الفاسدة ص 86). (4) وهم فرقة من فرق الاسلام، سموا خوارج لخروجهم على علي (عليه السلام). ذكر المؤرخون أنه. (عليه السلام) قتل منهم يوم النهروان ألفي نفس (مجمع البحرين: لغة خرج). (5) النساء: 59. (6) الحشر: 7. (7) النساء: 80. (8) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 26. (*)

[ 58 ]

وعن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين إلا الحب ؟ إن الله يقول: ” إن كنتم تحبون الله فا تبعوني يحببكم الله ” وقال: ” يحبون من هاجر إليهم ” (1) وهل الدين إلا الحب (2). وعن ربعى بن عبد الله قال: قيل لابي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك، انا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك ؟ فقال: اي والله، وهل الدين إلا الحب، قال الله تعالى: ” إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ” (3). والله غفور رحيم: لمن تحبب إليه بطاعته واتباع رسوله (صلى الله عليه وآله). قال البيضاوي: روي أنها نزلت لما قالت اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقيل: نزلت في وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسيح حبا لله، وقيل: في أقوام زعموا على عهده (عليه السلام) أنهم يحبون الله، فامروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل (4). ولنعم ما قال صاحب الكشاف هنا: وإذ رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكرها ويطرب وينعر (5) ويصعق، فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله، ولا يدري مامحبة الله، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته (6) إلا أنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة، فسماها الله بجهله ودعارته، ثم صفق وطرب ونعر


(1) الحشر: 9. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 167، قطعة من ح 27. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 167 ح 28. (4) انوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 156 في تفسيره لقوله تعالى ” إن كنتم تحبون الله فا تبعوني ” من سورة آل عمران. (5) النعرة: صوت في الخيشوم، قال الراجز: إني ورب الكعبة المستورة * والنعرات من أبي محذورة يعني آذانه، ونعر الرجل ينعر نعيرا (لسان العرب: ج 5 ص 220 لغة نعر). (6) يقال: صعق الرجل صعقة، أي غشى عليه من صوت يسمعه كالهدة الشديدة (لسان العرب: ج 10 ص 198 لغة صعق). (*)

[ 59 ]

[ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكفرين (32) * إن الله اصطفئ ادم ونوحا وءال إبرهيم وءال عمرن على العلمين (33) ] وصعق على تصورها، وربما رأيت المني قد ملا ازار ذلك المحب عند صعقته، وحمقى العامة على حواليه قد ملؤا أدرانهم (1) بالدموع رققهم من حاله قال: احب ابا ثروان من حب تمرة * واعلم ان الرفق بالجار ارفق ووالله لو لا تمره ما حببته * ولا كان أدنى من عبيد ومشرق (2) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا: يحتمل المضي والمضارعة، بمعنى فإن تتولوا. فإن الله لا يحب الكافرين: لا يرضى عنهم ولا يغفر لهم. ووضع المظهر موضع المضمر، لقصد العموم، والدلالة على أن التولي كفر، وأنه ينفي محبة الله، ومحبته مخصوصة بالمؤمنين. وفي الآية، مع ما ذكر من الاخبار في بيانها، دلالة صريحة على كفر من تولى عن الولاية، فتبصر. إن الله اصطفى: لما أوجب طاعة الرسول وأولاده الاوصياء، وبين أنها (1) الدرن بالتحريك: الوسخ وقد درن الثوب بالكسر درنا فهو درن (لسان العرب: ج 13 ص 153 لغة درن). (2) لغيلان بن شجاع النهشلي، يقول: أحب هذا الرجل من أجل حب تمره، وأعلم أن الرفق بالجار أرفق منه بغيره، اي اشد رفقا، ويروي: ابا مروان، وفيه استعطاف لابي مروان وطلب الرفق منه بالشاعر. ولا كان أدنى، أي أقرب إلى من عبيد ومشرق، وهما ابناه (تلخيص من هامش الكشاف: ج 1 ص 353). (*)


[ 60 ]

الجالبة لمحبة، عقب ذلك ببيان مناقب الرسل وآلهم الذين أوصياء الرسول منهم تحريضا عليها. ءادم ونوحا وءال إبرهيم: وآله: إسماعيل وإسحاق وأولادهما، ودخل فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأولاده الاوصياء (عليهم السلام). في مجمع البيان: إن آل إبراهيم هم آل محمد الذين هم أهله، ويحب أن يكون الذين اصطفاهم الله مطهرين معصومين منزهين عن القبائح، لانه سبحانه لا يختار ولا يصطفي إلا من كان كذلك، ويكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة، ثم قال: وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1). وفي تفسير العياشي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ” قال: نحن منهم ونحن بقية تلك العترة (2). وفي شرح الآيات الباهرة: روى الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) عن روح ابن رواح، عن رجاله، عن إبراهيم النخعي، عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت: يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: سأخبركم، إن الله اصطفى لكم الدين وارتضاه وأتم عليكم نعمته، وكنتم أحق بها وأهلها، وأن الله أوحى إلى نبيه أن يوصي إلي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي احفظ وصيتي وارفع ذمامي واوف بعهدي وانجز عداتي [ واقض ديني ] وقومها واحيي سنتي وادع إلى ملتي، لان الله تعالى اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى (عليه السلام) فقلت: اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عز وجل إلي أن عليا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، ثم يا علي أنت من أئمة


(1) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 433 في بيان معنى آيتي 33 و 34 من سورة آل عمران، والظاهر أن قوله: (وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام) لا علاقة له بما نقله أولا. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 168 ح 29. (*)

[ 61 ]

الهدى وأولادك منك، فأنتم قادة الهدى والتقى والشجرة التي أنا أصلها وأنتم فرعها، فمن تمسك بها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك وهوى، وأنتم الذين أوجب الله تعالى مودتكم وولايتكم والذين ذكرهم الله في كتابه ووصفهم لعباده، فقال عز وجل من قائل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ” فأنتم صفوة الله من آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران، وأنتم الاسرة من إسماعيل والعترة الهادية من محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) (1). وفي عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة في حديث طويل، وفيه: فقال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تعالى أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال المأمون: أين ذلك من كتاب الله ؟ فقال الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ” (2). وءال عمرن: آله: موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر، وقيل: عيسى ومريم بنت عمران بن ثاثان، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال العالم (عليه السلام): نزل (آل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين) فأسقطوا آل محمد من الكتاب (4) (5).


(1) لا يوجد لدينا هذا الكتاب، ووجدناه في تفسير البرهان ج 1 سورة آل عمران ص 279 ح 16 نقلا عن الامالي. (2) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 230 باب 23 ذكر مجلس الرضا مع المأمون. ح 1. (3) أنوار التنزيل: ج 1 ص 156 – 157 في تفسير آية 33 من سورة آل عمران. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 100 في تفسير آية ” ان الله اصطفى آدم ونوحا. ” الآية. (5) سيأتي من المصنف انكار ان يكون اسقاط من القرآن أو زيادة فيه. وسنعرض له في تعاليق آتية. ونقول هنا: ان روايات هكذا، وبهذه الصراحة في وقوع التحريف في الكتاب العزيز، تخالف نص القرآن اولا. وصحيح الروايات ثانيا. قال تعالى: ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه “. (*)

[ 62 ]

وفي مجمع البيان: وفي قراءة أهل البيت (عليهم السلام): وآل محمد على العالمين (1). وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا ” فقال: هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين، فوضعوا اسما مكان اسم (2) (3).


وقال: ” انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون “. وفي رسالة ابي جعفر (عليه السلام) إلى سعد الخير: ” وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حروفه وحرفوا حدوده. ” (الكافي: ج 8 ص 53 ح 16). فقد صرح الامام الباقر (عليه السلام) أنهم لم يمسوا حروفه وعباراته شيئا، وانما عمدوا إلى تأويله وتفسيره على غير الوجه. وهو تحريف بالمبنى. وكذلك في حديث أبي بصير مع الامام الصادق (عليه السلام) سأله عن السبب في عدم ذكر اهل البيت صريحا في القرآن، فاجابه الامام (عليه السلام) انه سبحانه انما ذكر في القرآن اصول الشريعة وكليات الاحكام، اما الفروع والجزئيات، فموكول إلى بيان الرسول (صلى الله عليه وآله) يبينها للناس على سواء. فلو كان هناك تحريف في لفظ الكتاب لما صح هذا الجواب (الكافي: ج 1 ص 286 ح 1). وعليه، فحيث دل صريح الكتاب وصحيح الروايات على عدم التحريف، فكل ما ورد على خلاف ذلك، فهو مردود على اهله، ويضرب به عرض الجدار. نعم لو احتمل تأويلا مقبولا اولناه ولو بعيدا، لانه اولى من الطرح مهما امكن. وقد حاول العلماء تأويل هكذا روايات إلى ارادة الاسقاط من التفسير، اي هكذا كانت الآية تفسر فغيروا تفسيرها إلى غر ذلك. على انا ذكرنا عند الكلام عن ” صيانة القرآن من التحريف ” ان هذا التفسير المشتهر بتفسير ” علي بن إبراهيم القمي ” ليس من تأليفه، وانما هو تأليف تلميذه ” ابي الفضل العلوي ” المجهول، وقد اهمله اصحاب التراجم. وهذا قد اخذ شطرا من املاءات القمي، واضاف إليه شطرا من تفسير ابي الجارود، الملعون المطرود، فمزج بينهما مزجا، وكانت حصيلته هذا التفسير الموجود اليوم، المنسوب إلى القمي نسبة غير صحيحة، وهو جفاء صريح. اذن فلا يمكن الاعتماد على روايات جاءت في هذا التأليف غير معلوم النسب. (1) مجمع البيان ج 1 – 2 ص 433 في بيان معنى آية 33 من سورة آل عمران. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 168، سورة آل عمران، ح 30. (3) هذه الرواية ايضا منقولة عن تفسير مقطوع الاسانيد، كان في اصله تفسيرا مسندا ذا اعتبار ووزن (*)

[ 63 ]

على العلمين: قيل: فيه دلالة ظاهرة على تفضليهم على الملائكة، وقد مر ما فيه في سورة البقرة. وفي كتاب الخصال: عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة، إلى أن قال: واختار من البيوت أربعة فقال تعالى: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ” (1). وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في وصية له: يا علي، إن الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، صم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الائمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين. (2). وفي عيون الاخبار: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) عند المأمون مع أهل الملل والمقالات وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الانبياء (صلوات الله عليهم) حديث طويل يقول فيه الرضا (عليه السلام): أما قوله عز وجل في آدم: ” وعصى آدم ربه فغوى ” فان الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضة وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم (عليه السلام) في الجنة لا في الارض، وعصمته يجب أن تكون في الارض لتتم مقادير أمر الله عز وجل، فلما اهبط إلى


ثمين، لكن مع الاسف الشديد، عمد بعض من لا خبرة له إلى استنساخ هذا السفر القيم فاسقط اسناد رواياته طرا لغرض الاختصار أو لغاية اخرى اعقبت أسفا وضياعا مرا. وعلى اي حال، فان هذا الكتاب كسابقه (في التعليق المتقدم) ساقط عن درجة الاعتبار غير صالح للاستناد إليه، لانه مبتور مقطوع الاسانيد. وعلى فرض الصحة فالرواية محمولة على ارادة التفسير، والا فهي معارضة باصح منها سندا واظهر متنا ودلالة، فضلا عن معارضة الكتاب وصحيح الروايات. (1) الخصال: ص 225 باب الاربعة إن الله ” عز وجل ” اختار من كل شئ أربعة، قطعة من ح 58. (2) الخصال: ص 206 باب الاربعة الاطلاعات الاربع من الله عز وجل إلى الدنيا، ح 25. (*)

[ 64 ]

[ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34) إذ قالت امرأت عمرن رب إنى نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم (35) ] الارض وجعل حجة وخليفة عصم لقوله عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ” (1). وفيه في باب مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند المأمون في عصمة الانبياء (عليهم السلام) حديث طويل وفيه يقول (عليه السلام): وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار، وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الانبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله تعالى: ” وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ” وقال عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ” (2) ذرية بعضها من بعض: حال، أو بدل من الآلين، أو منهما ومن نوح. أي أنهم ذرية واحدة منشعبة بعضها من بعض، أو بعضها من بعض في الدين. والذرية: الولد، فعلية من الذرء، أو فعولة من الذرء، ابدلت همزتها ياء ثم قلبت الواو ياء وادغمت. وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن الفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): فلما قضى محمد (صلى الله عليه وآله) نبوته واستكملت


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 192 باب 14. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 196 باب 15. (*)

[ 65 ]

أيامه، أوحى الله عز وجل إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإني لم أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم. وذلك قوله عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ” (1). وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد ابن الفضل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (2). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام [ بن الحكم ] في حديث بريه (3) [ أنه ] لما جاء معه إلى أبي عبد الله (عيه السلام) فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فحكى له هشام الحكاية (4)، فلما فرغ قال أبو الحسن لبريه: يا برية كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا به عالم، ثم قال: كيف ثقتك بتأويله ؟ قال: ما أو ثقني بعلمي فيه، قال: فابتدأ أبو الحسن (عليه السلام) يقرأ الانجيل، فقال برية: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك، قال: فقال: فآمن برويه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه. فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله (عليه السلام) فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى (عليه السلام) وبين بريه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ” ذرية


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 217 الباب الثاني والعشرون، اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وإن الارض لا تخلو من حجة ح 2. (2) الكافي: ج 8 ص 117 حديث آدم (عليه السلام) مع الشجرة، ح 92. (3) في بعض نسخ الكافي (بريهة) في المواضع كلها، وهو جاثليق من جثالقة النصارى، والحديث طويل وتمامه في كتاب التوحيد للصدوق (قدس سره): ص 270 باب 37 الرد على الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد ح 1، والبحار: ج 10 ص 234 باب 16 احتجاجات موسى بن جعفر (عليه السلام)، ح 1. (4) أي ما جرى بينه وبين بريهة من الاحتجاج. (*)

[ 66 ]

بعضها من بعض والله سميع عليم ” فقال بريه: أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الانبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرأها كما قرأوها ونقولها كما قالوا: إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ، فيقول: لا أدري (1). وفي تفسير العياشي: عن أحمد بن محمد، عن الرضا، عن أبي جعفر (عليه السلام): من زعم أنه قد فرغ من الامر فقد كذب، لان المشيئة لله في خلقه يريد ما يشاء ويفعل ما يريد قال الله عز وجل: ” ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ” آخرها من أولها وأولها من آخرها، فإذا اخبرتم بشئ منها بعينه أنه كائن وكان في غيره منه، فقد وقع الخبر على ما أخبرتم عنه (2). أبو عمر والزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت [ له ]: ما الحجة في كتاب الله إن آل محمد هم أهل بيته ؟ قال: قول الله تبارك وتعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد هكذانزلت على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلا بهم، وقال: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (3) وآل عمران وآل محمد (4). وفي كتاب المناقب لا بن شهر آشوب: أن عليا (عليه السلام) قال لابنه الحسن (عليه السلام): اجمع الناس، فاجتمعوا، فأقبل فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم قال: أيها الناس إن الله اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصة الله من حقه في عاجل دنياه وآجل آخرته، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة ” ولتعلمن نبأه بعد حين ” (5)، ثم نزل وجمع بالناس وبلغ أباه فقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي وأمى ” ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ” (6).


(1) الكافي: ج 1 ص 227 كتاب الحجة، باب إن الائمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله (عز وجل). ح 1. (2) تفسير العياشي. ح 1 ص 169 ح 32. (3) سبأ: 13. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 169 ح 35. (5) ص: 88. (6) مناقب آل طالب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 11 باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي، فصل في علمه وفصاحته. (*)

[ 67 ]

ومما جاء في معنى الاصطفاء ما رواه في شرح الآيات الباهرة عن الشيخ الطوسي ” رحمه الله ” قال: روى أبو جعفر القلانسي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن يونس بن حباب، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بال أقوام إذا ذكروا آل إبراهيم وآل عمران استبشروا وإذا ذكروا آل محمد اشمأزت قلوبهم، والذي نفس محمد بيده لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبيا يوم القيامة ما قبل الله منه حتى يوافي بولايتي وولاية علي بن أبي طالب (عليهما السلام) (1). وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ” توقد من شجرة مباركة ” فأصل الشجرة المباركة إبراهيم (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل: ” رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ” وهو قول الله عز وجل: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ” (2) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي أمالي الصدوق (رحمه الله) بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال محمد بن أشعث بن قيس الكندي للحسين (عليه السلام): يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليس لغيرك ؟ فتلا الحسين (عليه السلام) هذه الآية: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ” الآية [ ثم ] قال: والله إن محمدا لمن آل إبراهيم، والعترة الهادية لمن آل محمد (3). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. والله سميع عليم: بأقوال الناس وأعمالهم، فيصطفي من له المصلحة في اصطفائه.


(1) لا يوجد عندنا هذا الكتاب، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه: ج 1 ص 140 الجزء الخامس، بسند آخر. (2) الكافي: ج 8 ص 381 تفسير آيات من القرآن ح 574. (3) الامالي للصدوق: ص 134 المجلس الثلاثون ح 1. (*)

[ 68 ]

قيل: أو ” سميع بقول امرأة عمران ” عليم ” بنيتها. إذا قالت امرأت عمرن رب إني نذرت لك ما في بطني: فينتصب به ” إذ ” أو بإضمار اذكر. وهذه حنة بنت فاقوذا جدة عيسى. وأما ماروي في اصول الكافي: عن أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنه قال لرجل نصراني: أما أم مريم فاسمها مرثا، وهي وهيبة بالعربية (1). فمحمول على تعدد الاسم، وسيأتي في الخبر: أن اسمها حنة. وقيل: كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم، أكبر من هارون وموسى وهو المراد، وزوجته. ويرده كفالة زكريا، فإنه كان معاصرا لا بن ما ثان، وتزوج ابنته ايشاع، وكان يحيى وعيسى ابني خالة من الاب (2). محررا: معتقا لخدمته لا أشغله بشئ، أو مخلصا للعبادة. ونصبه على الحال. نقل أنها كانت عاقرا عجوزا فبينا هي في ظل شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه، فحنت إلى الولد وتمنته، فقالت: اللهم إن لك علي نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس، فيكون من خدمه، فحملت بمريم وهلك عمران. وكان هذا النذر مشروعا عندهم في الغلمان، فلعلها بنت الامر على التقدير، أو طلب ذكرا (3).


(1) الكافي: ج 1 ص 479 كتاب الحجة، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قطعة من ح 4. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 157 تفسير آية 35 من سورة آل عمران. (3) أنوار التنزيل: ج 1 ص 157 تفسير آية 35 من سورة آل عمران. (*)

[ 69 ]

[ فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثا والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثا وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطن الرجيم (36) ] فتقبل منى: ما نذرته. إنك أنت السميع: لقولي. العليم: بنيتي. فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى: الضمير لما في بطنها، وأنثه لانه كان مؤنثا، أو لان انثى حال عنه، والحال وصاحبها واحد بالذات، أو على تأويل مؤنث كالنفس، ولفظه خبر، ومعناه تحسر. والله أعلم بما وضعت: استئناف من الله تعظيما لموضوعها. وقرأ عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (وضعت) على أنه من كلامها تسلية لنفسها، أي ولعل لله فيه سرا، أو الانثى كانت خيرا. وقرئ (وضعت) على خطاب الله تعالى لها. وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم،: عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله أوحى إلى عمران: أني واهب [ لك ] ذكرا سويا مباركا، يبرئ الاكمه والابرص ويحيى الموتى بإذن الله، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي ام مريم، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلاما ” فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى ” ولا تكون البنت رسولا، يقول الله (عز وجل): ” والله أعلم بما وضعت ” فلما وهب الله [ تعالى ] مريم عيسى، كان هو الذي يشربه عمران ووعده إياه، فإذا قلنا في الرجل منا شيئا


[ 70 ]

فكان في ولده أو ولده، فلا تنكروا ذلك (1). وليس الذكر كالانثى: واللام فيهما للعهد، أي ليس الذكر الذي طلبت كالانثى التي وهبت، فيكون بيانا لقوله ” والله أعلم بما وضعت ” أو للجنس بمعنى وليس الذكر والانثى سواء فيما نذرت، فيكون من قولها. وفي تفسير العياشي: عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” إني نذرت لك ما في بطني محررا ” المحرر يكون في الكنيسة لا يخرج منها، فلما وضعتها انثى ” قالت رب إني وضعتها انثى ” ” وليس الذكر كالانثى ” والانثى تحيض فتخرج من المسجد، والمحرر لا يخرج من المسجد (2). وإني سميتها مريم: عطف على ما سبق من قولها، وما بينهما اعتراض، وإنما ذكرت ذلك لربها تقربا إليه وطلبا لان يعضبها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لا سمها، فإن مريم في لغتهم: العابدة. وإنى أعيذها بك: اجيرها بحفظك. وذريتها من الشيطان الرجيم: المطرود، من الرجم بمعنى الطرد بالحجارة. وفي تفسير العياشي: عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لقي إبليس عيسى بن مريم فقال، هلى نالني من حبائلك شئ ؟ قال: جدتك التي قالت: ” رب إنى وضعتها انثى ” إلى ” الشيطان الرجيم ” (3). وفي أمالي الشيخ: بإسناده إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حديث طويل يذكر فيه تزويج فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما أكرمه به النبي (صلى الله عليه وآله) وفيه يقول (عليه السلام): ثم أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم الله، وقل: على بركة الله وما شاء الله لا قوة إلا بالله توكلت على الله، ثم جاء بي


(1) الكافي: ج 1 ص 535 كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب في أنه إذا قيل في الرجل شئ فلم يكن فيه، وكان في ولده أو ولد ولده فإنه هو الذي قيل فيه، ح 1. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 170 ح 37. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 171 ح 40. (*)

[ 71 ]

[ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يمريم أنى لك هاذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشآء بغير حساب (37) ] حتى أقعدني عندها (عليها السلام) ثم قال: اللهم أنهما أحب خلقك إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا أني اعيذ هما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم (1). فتقبلها ربها: فرضي بها في النذر مكان الذكر. بقبول حسن: بوجه يقبل به النذائر، وهو إقامتها مقام الذكر، وتقبلها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة. قال البيضاوي: روي أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الاحبار وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها، لانها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فإن بني ما ثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم، فقال زكريا: أنا أحق بها، لان عندي خالتها، فأبوا إلا القرعة، وكانوا سبعة وعشرين، فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم، فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها [ زكريا ] (2). ويجوز أن يكون مصدرا على تقدير مضاف، أي بذي قبول حسن، وأن يكون ” تقبل ” بمعنى استقبل، كتقصي وتعجل، أي فأخذها في أول أمرها حين ولدت بقبول حسن.


(1) الامالي: ج 1 ص 38 س 19 الجزء الثاني عشر. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 158 في تفسير قوله تعالى: ” فتقبلها ربها بقبول حسن “. (*)

[ 72 ]

وأنبتها نباتا حسنا: مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها. وكفلها زكريا: شدد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا زكريا غير عاصم في رواية ابن عياش على أن الفاعل هو الله وزكريا مفعول، وخفف الباقون ومدوا زكريا مرفوعا. كلما دخل عليها زكريا المحراب: أي الغرفة التي بني لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه ومقدمه سمي به، لانه محل محاربة الشيطان. وجد عندها رزقا: جواب ” كلما ” وناصبه. وفي تفسير العياشي: وفي رواية حريز عن أحدهما (عليهما السلام) قال: نذرت ما في بطنها للكنيسة، أن تخدم العباد، وليس الذكر كالانثى في الخدمة، قال: فشبت، وكانت تخدمهم وتناولهم حتى بلغت، فأمر زكريا أن يتخذ لها حجابا دون العباد، وكان يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء فهنالك دعا وسأل ربه أن يهب له ذكرا فوهب له يحيى (1). قال يمريم أنى لك هذا: من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه، والابواب مغلقة عليك ؟ قالت هو من عند الله: فلا تستبعد. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب: بغير تقدير لكثيرته، أو بغير استحقاق تفضلا به، وهو يحتمل أن يكون من كلامها، وأن يكون من كلام الله. وفي تفسير العياشي: عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن امرأة عمران لما نذرت ما في بطنها محررا، قال: المحرر للمسجد إذا وضعته وادخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا، فلما ولدت مريم ” قالت رب إني وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ” فساهموا عليها (فساهم عليها النبيون خ ل)، فأصاب القرعة زكريا، وهو زوج اختها، وكفلها، وأدخلها المسجد، فلما بلغت ما يبلغ النساء


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 170 ح 38. (*)

[ 73 ]

من الطمث، وكانت أجمل النساء، فكانت تصلي فيضي، المحراب لنورها، فدخل عليها زكريا، فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فقال: ” أني لك هذا قالت هو من عند الله هنالك دعا زكريا ربه ” قال: ” وإني خفت الموالي من ورائي ” (1) إلى ما ذكر الله من قصة يحيى وزكريا (2). وفيه أيضا عن سيف، عن نجم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجن (3) والخبز وقم البيت (4)، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب [ من ] نقل الحطب وأن يجئ بالطعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شئ ؟ قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام إلا شئ نقربك به (5)، قال: أفلا أخبرتني ؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئا، إن جائك بشئ عفوي وإلا فلا تسأليه قال: فخرج (عليه السلام) فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا، ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الاسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة ؟ قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي ؟ قال: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي، قال: فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا، وسنؤثرك (6) به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا، وفاطمة تصلي وبينهما شئ مغطى، فلما فرغت اختبرت (7) ذلك الشئ، فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة أنى لك هذا ؟ قالت: ” هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا احدثك بمثلك، ومثلها ؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب، فوجد عندها رزقا، قال: يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله


(1) مريم: 5. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 170 ح 36. (3) العجين: المصدر. (4) قم الشئ قما كنسه (لسان العرب: ج 12 ص 493 لغة قمم). (5) ثلاثة ايام شئ نفريك به المصدر. (6) سأوثرك: المصدر. (7) احضرت: المصدر. (*)

[ 74 ]

يرزق من يشاء بغير حساب، فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة التي يأكل منها القائم (عليه السلام)، وهي عندنا (1). وفي شرح الآيات الباهرة نقل الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في كتاب مصباح الانوار يحذف الاسناد قال: روي عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي (عليه السلام) ذات يوم فقال لفاطمة (عليهما السلام): هل عندك شئ نغتذيه ؟ فقالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي إلا شئ اوثرك به على نفسي وعلى ابني الحسن والحسين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا فاطمة ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئا، فقالت: يا أبا الحسن إني لاستحيي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه، فخرج علي (عليه السلام) من عندها واثقا بالله وبحسن الظن به فاستقرض دينارا فأخذه ليشتري به ما يصلحهم فعرض له المقداد بن الاسود (رضوان الله عليه)، وكان يوما شديد الحر وقد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلما رآه أمير المؤمنين (عليه السلام) أنكر شأنه فقال له: يا مقداد ما أزعجك الساعة من رحلك ؟ فقال: يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما ورائي، فقال: يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك، فقال: يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن نخلي سبيلي، ولا تكشفني عن حالتي، فقال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك، فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمد بالنبوة واكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلا الجهد وقد تركت عيالي جياعا، فلما سمعت بكاهم لم تحملني الارض خرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالتي وقصتي، قال: فانهملت عينا علي بالبكاء حتى بلت دموعه كريمته، فقال: احلف بالذي حلفت به أن ما أزعجني إلا الذي أزعجك، وقد اقترضت دينارا، فها كه، اوثرك به على نفسي، فدفع إليه الدينار ورجع فدخل المسجد فسلم فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) السلام، وقال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشيناه، فتقبل معك، فمكث أمير المؤمنين (عليه السلام) مطرقا لا يحير جوابا حياء


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 171 ح 41. (*)

[ 75 ]

من رسول الله (صلى الله عليه وآله). وكان قد عرفه الله ما كان من أمر الدينار ومن أين وجهه بوحي من الله يأمره أن يتعشى عند علي تلك الليلة، فلما نظر إلى سكوته قال: يا أبا الحسن مالك لا تقول: لا، فانصرف عنك، أو نعم، فأمضي معك، فقال: حبا وكرامة، اذهب بنا، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد أمير المؤمنين وانطلقا حتى دخلا على فاطمة (صلوات الله وعليهم أجمعين) وهي في محرابها، قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرجت من مصلاها وسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام، ومسح يده على رأسها، وقال: يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك الله ؟ قالت: بخير، قال: عشينا رحمك الله وقد قعد، فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله وعلي (صلى الله عليه وآلهما)، فلما نظر أمير المؤمنين إلى الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا، فقالت له فاطمة: سبحان الله ما أشح نظرك وأشده، فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجب به السخطة منك ؟ فقال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم، أليس عهدي بك وأنت تحلفي بالله مجتهدة انك ما طعمت طعاما منذ يومين ؟ فنظرت إلى السماء وقالت: إلهي تعلم ما في سمائك وأرضك اني لم أقل إلا حقا، فقال لها: يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه، ولم أشم مثل ريحه قط، ولم آكل أطيب منه ؟ قال: فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) كفه المبارك على كتف على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهزها، ثم هزها ثلاث مرات، [ ثم ] قال: يا علي هذا بدل دينارك، هذا أجر دينارك من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، تم استعبر باكيا، وقال: الحمد لله الذي أبى لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا، ويجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران، وهو قوله تعالى: ” كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” (1).


(1) لا يوجد لدينا كتاب الآيات الباهرة، ونقله الشيخ في مصباح الانوار في الباب الحادي عشر في (*)

[ 76 ]

[ هنا لك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38) فنادته الملئكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصلحين (39) ] هنا لك دعا زكريا ربه: في ذلك المكان أو في ذلك الوقت. وهنا، وثم، وحيث، تستعار للزمان. لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله، أو لما رأى الفواكه في غير أوانها تنبه لجواز ولادة العاقر من الشيخ، فسأل ربه. قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة: كما وهبتها لحنة العجوز العاقر. إنك سميع الدعاء: مجيبه. وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم فقال: يابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت: لا، فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (عليه السلام) ربه عز وجل، فقال: ” رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ” فاستجاب الله له، وأمر الملائكة فنادت زكريا ” وهو قائم يصلي في المحراب أن اله يبشرك بيحيى مصدقا ” فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله تعالى استجاب الله تعالى له، كما استجاب لزكريا (عليه السلام) (1).


مناقب الزهراء وفضلها (مخطوط) بحار الانوار: ج 43 ص 59 تاريخ سيدة النساء، باب 3 مناقبها وبعض أحوالها (عليهما السلام)، ح 51. تفسير فرات بن إبراهيم: ص 21، مع اختلاف يسير فيهما. (1) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 299 باب 28 فيما جاء عن الامام علي بن موسى عليهما السلام من الاخبار المتفرقة، قطعة من ح 58. (*)

[ 77 ]

وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن رجل عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أراد أن يحبل له، فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود، ثم يقول: اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا (عليه السلام)، إذا قال: ” رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ” (1) هب لي ذرية طيبة انك سميع الدعاء، اللهم باسمك استحللتها وفي أمانتك اخذتها، فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا، ولا شركا (2). وفي مجمع البيان: روى الحارث بن المغيرة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد، فقال ادع الله وأنت ساجد ” رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ” قال: فقلت: فولد علي والحسين (3). فنادته الملئكة: أي من جنسهم، كقولهم: زيد يركب الخيل، فإن المنادى ملك، وقرأ حمزة والكسائي: فنادته بالامالة والتذكير. وهو قائم يصلي في المحراب: أي قائما في الصلاة، ” يصلي ” صفة ” قائم “، أو خبر آخر، أو حال أخرى، أو حال عن الضمير في قائم. وفي من لا يحضره الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام): إن طاعة الله عز وجل خدمته في الارض، وليس شئ من خدمته يعدل الصلاة، فمن ثم نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (4). أن الله يبشرك بيحيى: أي بأن الله. وقرأ نافع وحمزة وابن عامر بالكسر على إرادة القول، أو لان النداء نوع منه. وقرأ


(1) الانبياء: 89. (2) الكافي: ج 3 ص 482 كتاب الصلاة، باب صلاة من أراد أن يدخل بأهله ومن أراد أن يتزوج ح 3. وأورده أيضا في ج 6 ص 8 كتاب العقيقة، باب الدعاء في طلب الولد ح 3. (3) مجمع البيان: ج 7 – 8 ص 60 في بيان آية 89 من سورة الانبياء. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 208 باب 30 فضل الصلاة ح 623. (*)

[ 78 ]

حمزة والكسائي يبشرك من الابشار، ويحيى أعجمي، وإن جعل عربيا، فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل. مصدقا: حال من (يحيى). بكلمة من الله: أي بعيسى، سمي بذلك لانه وجد بأمره تعالى من دون أب، أو كتاب الله، سمي بها تسميته للكل باسم جزئه. وسيدا: يسود قومه ويفوقهم بالعصمة، لانه كان نبيا. وحصورا: مبالغافي حبس النفس عن الشهوات والملاهي. ونقل: أنه مربصبيان فدعوه إلى اللعب، فقال: ما للعب خلقت (1). وفي مجمع البيان: حصورا لا يأتي النساء، وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2). ونبيا من الصلحين: ناشئا منهم، أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة. وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه أبي رافع قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) – وقد ذكر عيسى بن مريم (عليهما السلام) -: فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا، خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك، فلم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله عز وجل ويهتدي بجميع مقال عيسى (عليه السلام) في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمنا، ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عاده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا، فمضى شمعون وملك عند ذلك أرد شير بن بابكان أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، وفي ثماني سنين من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا (عليه السلام) فلما


(1) أنوار التنزيل: ج 1 ص 159 في تفسير آية 39 من سورة آل عمران. (2) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 438 في بيان معنى آية 39 من سورة آل عمران. (*)

[ 79 ]

[ قال رب أنى يكون لى غلم وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشآء (40) قال رب اجعل لئ اية قال ءايتك ألاتكلم الناس ثلثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والابكر (41) ] أراد الله عز وجل أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون ويأمر الحواريين وأصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك، وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتى قتله الله، وعلم الله ونوره وتفصيل حكمته في ذرية يعقوب ابن شمعون ومعه الحواريون من أصحاب عيسى (عليه السلام)، وعند ذلك ملك بختنصر مائة سنة وسبعا وثمانين سنة، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا، وخرب بيت المقدس، وتفرقت اليهود في البلدان (1). قال رب أنى يكون لى غلم: استبعادا من حيث العادة، أو استعظاما وتعجبا، أو استفهاما عن كيفية حدوثه. وقد بلغني الكبر: أدركني كبر السن. قال البيضاوي: وكان له تسع وتسعون سنة، ولا مرأته ثمان وتسعون (2). وامر أتى عاقر: لا تلد، من العقر وهو القطع، لانها ذات عقر من الاولاد. قال كذلك الله يفعل ما يشآء: ” كذلك الله ” مبتدأ مؤخر وخبر مقدم للقرينة أي الله على مثل هذه الصفة. و ” يفعل ما يشاء ” بيان له، أي ما يشاء من العجائب، وهو أنشاء الولد من شيخ


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ص 225 س 11 الباب الثاني والعشرون اتصال الوصية من لدن آدم، ح 20. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 159، في تفسير آية 40 من سورة آل عمران. (*)

[ 80 ]

فان وعجوز عاقر. و ” كذلك ” خبر مبتدأ محذوف، أي الامر كذلك. و ” الله يفعل ما يشاء ” جملة اخرى لبيان أنه يفعل ما يريده من العجائب، أي أنت وزوجك كبير وعاقر، والله يفعل ما يشاء من خلق الولد. ويحتمل أن يكون ” كذلك ” مفعولا مطلقا ل‍ ” يفعل ” ويكون ذلك إشارة إلى ما تعجب منه، أي الله يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل، أي إنشاء الولد من الفاني والعاقر، أو إشارة إلى ما بينه من حالتهما، أي الذي يفعل ما يشاء من خلق الولد كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر. قال رب اجعل لئ اية: علامة أعلم بها أن ذلك الصوت من الله، ويكون عبادة يتدارك بها ما دخله من تلك الهبة، وذلك لانه إذا جعل له آية وأوحى إليه الآية من الله عبادة وشكرا للموهبة يعلم أن صوت الملائكة بأمر الله ووحيه، ويخضع لله تعالى شكرا لنعمه. وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن زكريا لما دعا ربه أن يهب له ولدا فنادته الملائكة بما نادته به أحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله، فأوحى إليه أن آية ذلك يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام. قال: فلما أمسك لسانه ولم يتكلم، علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله، وذلك قول الله: ” رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ” (1). وعن حماد، عمن حدثه، عن أحدهما (عليه السلام) قال: لما سأل ربه أن يهب له ذكرا فوهب له يحيى، فدخله من ذلك، فقال: ” رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ” فكان يومى برأسه، وهو الرمز (2). قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام: أي الله أوحى إليه أن آيتك وعبادتك ألا تكلم الناس في ثلاثة أيام وتخلص المدة لذكر الله شكره قضاء لحق النعمة.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 172 ح 43. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 172 ح 44. (*)

[ 81 ]

إلا رمزا: إشارة برأسك، وأصله التحرك، ومنه الراموز للبحر، والاستثناء منقطع، وقيل: متصل، والمراد بالكلام مادل على الضمير. هذا إذا قرأ (يمسك) في الخبر الاول على البناء للفاعل وإرجاع ضميره إلى زكريا. وأما إذا قرأ على البناء للمفعول، أو يجعل فاعل الامساك هو الله سبحانه، فالحل ما نقله البيضاوي من أن المعنى: ” اجعل لي آية ” علامة أعرف بها الحبل لاستقبله بالبشاشة والشكر وتزيح مشقة الانتظار، ” قال ” آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ” أي لا تقدر على تكليم الناس ثلاثا (1). وقرئ رمز كخدم جمع رامز، ورمز كرسل جمع ورمز كرسل جمع رموز على أنه حال منه ومن الناس بمعنى مترامزين كقوله: متى ماتلقني فردين ترجف * روانف اليتيك وتستطار (2) واذكر ربك كثيرا: في أيام الامساك عن الكلام مع الناس، وهو مؤكد لما قبله، مبين للغرض منه. قال البيضاوي: وتقييد الامر بالكثير، يدل على أنه ليس للتكرار (3). وفيه أنه لعل التقييد لتأكيد ما يفيده الامر، فلا يدل على المدعي. وسبح بالعشى: من الزوال إلى الغروب، وقيل: من العصر أو الغروب إلى ذهاب صدر الليل. والابكار: من طلوع الفجر إلى الضحى. وقرئ بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار.


(1) أنوار التنزيل: ج 1 ص 159 في تفسير آية 41 من سورة آل عمران. (2) لعنترة يخاطب عمارة بن زياد العبسي، لما قال لقومه: ليتني لقيته فأرحتكم منه وأعلمتكم أنه عبد. قال متى تلاقني حال كوننا منفردين عن غيرنا، تخف مني فترتعد أطراف اليتيك، فارتعادها كناية عن الخوف، وتستطارا مؤكد بالنون الخفيفة المنقلبة الفا، والفاعل ضمير المخاطب، كان الخوف يطيره (تلخيص من هامش الكشاف: ج 1 ص 361 في هامش تفسير آية 41 من سورة آل عمران. (3) أنوار التنزيل: ج 1 ص 160 في تفسير آية 41 من سورة آل عمران. (*)

[ 82 ]

[ وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين (42) يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعى مع الركعين (43) ] وإذقالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين: قال البيضاوي: كلموها شفاها كرامة لها، ومن أنكر الكرامة زعم أن ذلك كان معجزة لزكريا، أو أرها صا لنبوة عيسى (عليه السلام) فإن الاجماع على أنه تعالى لم يستنبئ امرأة لقوله: ” وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ” (1) وقيل: ألهموها انتهى (2). ويمكن أن يقال من قبل منكر الكرامة: لا يكون الكرامة لمن لم يكن فيه نص بالكرامة، وأما من حصل له التخصيص بالتنصيص كمريم وفاطمة (صلوات الله عليهما) فهو بمنزلة الاستثناء والمقصود أنه لا يجوز الكرامة لمن سواه كوقوع المعجزة للانبياء والائمة فإنهم يتخصصون بها، ولا يلزم من وقوع شئ لاحد جواز وقوعه لكل أحد شرعا وإن لم يمتنع عليه عقلا، والمجوز وقوعه لكل أحمد بوقوعه لبعض، التبس عليه معنى الجواز قتبصر. قيل: الاصطفاء الاول تقبلها من امها ولم يقبل قبلها أنثى وتفريغها للعبادة، وإغناؤها برزق الجنة عن الكسب، والثاني هدايتها وإرسال الملائكة إليها، وتخصيصها بالكرامات السنية كالولد من غير أب وتبرئتها عما قذفته اليهود بإنطاق


(1) يوسف: 109، والنحل: 43. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 160 في تفسيره لقوله تعالى ” وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ” الآية من سورة آل عمران.

[ 83 ]

الطفل، وجعلها وابنها آية للعالمين (1). والاظهر أن الاصطفاء الاول، اصطفاءها من ذرية الانبياء، والثاني اصطفاءها لولادة عيسى (عليه السلام) من غير فحل وتطهيرها، طهرها من أن بكون في آبائها وامهاتها وفي نفسها سفاح. و قيل: وتطهيرها مما يستقذر من النساء. وينافيه ظاهر ما سبق في الخبر من قوله: فلما بلغت ما يبلغ النساء من الطمث. وأما ما رواه العياشي في تفسيره عن الحكم بن عيينة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله في الكتاب: ” إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ” اصطفاها مرتين، والاصطفاء إنما هو مرة واحدة، قال: فقال: يا حكم إن لهذا تأويلا وتفسيرا، فقلت له: ففسره لنا أبقاك الله، فقال: يعني اصطفاءه إياها أولا من ذرية الانبياء المصطفين المرسلين، وطهرها [ من ] أن يكون في ولادتها من آبائها وامهاتها سفاحا، واصطفاها بهذا في القرآن ” يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ” شكرا لله (2). فالظاهر أن السائل قد خفي عليه الاصطفاء الاول، وانحصر الاصطفاء عنده في الثاني، وسأل فبينه (عليه السلام) له وسكت عن الثاني لظهوره عنده. وفي مجمع البيان: و ” واصطفاك على نساء العالمين ” أي [ على نساء ] عالمي زمانك، لان فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين، وهو قول أبي جعفر (عليه السلام). وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: فضلت خديجة على نساء امتي كما فضلت مريم على نساء العالمين، وقال أبو جعفر (عليه السلام) معنى الآية: واصطفاك من ذرية الانبياء وطهرك من الفساح واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل وزوج (3).


(1) من قوله: قيل إلى هنا من كلام البيضاوي لا حظ تفسيره للآية السابقة. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 173 قطعة من ح 47. (3) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 440 في بيان معنى آية 42 من سورة آل عمران. (*)

[ 84 ]

يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعى مع الركعين: قيل امرت بالصلاة في الجماعة بذكر أركانها مبالغة في المحافظة عليها، وقدم السجود على الركوع إما لكونه كذلك في شريعتهم، أو للتنبيه على أن الواو لا توجب الترتيب، أو ليقترن ” اركعى ” بالراكعين، للايذان بأن من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلين (1). وقيل: يحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع، وفيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الراكعين ولا تكون مع من لا يركع (2). وقيل: المراد بالقنوت إدامة اطاعة، كقوله: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما (3)، وبالسجود الصلاة كقوله: وادبار السجود (4) وبالركوع الخشوع والاخبات (5). وفى كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إنما سميت فاطمة (عليها السلام) محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الاولين والآخرين (6). وفي اصول الكافي: بإسناده إلى علي بن محمد الهرمزي عن ابي عبد الله الحسين بن على (عليهما السلام) قال: لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) سرا وعفا على موضع قبرها ثم قال: فحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك


(1) أنوار التنزيل: ج 1 ص 160 في تفسيره لقوله تعالى ” يا مريم اقنتي.. ” من سورة آل عمران. (2) تفسير الكشاف: ج 1 ص 362 في تفسيره لقوله تعالى ” واركعي مع الراكعين ” من سورة آل عمران. (3) الزمر: 9. (4) ق: 40. (5) أنوار التنزيل: ج 1 ص 160 في تفسيره لقوله تعالى ” يا مريم اقنتي.. ” من سورة آل عمران. (6) علل الشرائع: ج 1 ص 182 باب 146 العلة التي من أجهلا سميت فاطمة محدثة، ح 1. (*)

[ 85 ]

وزائرئك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي (1). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا: ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب (2). وفي من لا يحضره الفقيه: روى المعلى بن محمد البصري، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عبد الله بن الحكم، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن عليا وصيي. خليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي (3)، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): باسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان وحجت بيت الله الحرام وزكت مالها وأطاعت زوجها ووالت عليا دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وأنها سيدة نساء العالمين، فقيل له: يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال (عليه السلام):: ذاك لمريم بنت عمران، وأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين، وأنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (4)، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وبإسناده إلى الاصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبة: أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني، فإن الفراق قريب، أنا إمام البرية


(1) الكافي: ج 1 ص 458 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام)، ح 1. (2) نهج البلاغة: ص 387، رقم (28) ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا، صبحي الصالح. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 174 كتاب الوصية، باب الوصية من لدن آدم ح 5402. وأيضا أورده في ج 4 باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، ص 420 ح 5920. (4) الامالي للصدوق: المجلس الثالث والسبعون ص 393 قطعة من ح 18. (*)

[ 86 ]

[ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44) ] ووصي خير الخليقة وزوج سيدة نساء هذه الامة (1). ذلك: أي ما ذكرنا من قصص زكريا ويحيى ومريم. من أنباء الغيب نوحيه إليك: من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي. وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم: قيل: أقداحهم للاقتراع في نهر أردن. وقيل: أقلامهم التي كانوا يكتبون التوارة تبركا (2). والمراد تقرير كونه وحيا على سبيل التهكم بمنكريه، فإن طريق معرفة الوقائع المشاهدة والسماع، وعدم السماع معلوم لا شبهة فيه عندهم، فبقي أن يكون الابهام باحتمال العيان، ولا يظن به عاقل. ليعلموا. أيهم يكفل مريم: معمول لما دل عليه ” يلقون أقلامهم “. وفي كتاب الخصال: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول من سوهم [ عليه ] مريم بنت عمران، وهو قول الله تعالى: ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ” والسهام ستة (3). وفي من لا يحضرة الفقيه مثله (4). وما كنت لديهم إذ يختصمون: تنافسا في كفالتها.


(1) الامالي للصدوق: المجلس الثامن والثمانون ص 484 قطعة من ح 9. (2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 160 في تفسير آية 44 من سورة آل عمران. (3) الخصال: ص 156 باب الثلاثة، أول من سوهم عليه، قطعة من ح 198. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 51 باب الحكم بالقرعة، قطعة من ح 3388. (*)

[ 87 ]

[ إذ قالت الملئكة يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين (45) ] في تفسير علي بن إبراهيم: قال لما ولدت، اختصموا آل عمران فيها، وكلهم قالوا: نحن نكفلها، فخرجوا وضربوا بالسهام بينهم وخرج سهم زكريا، فكفلها زكريا (1). وفي تفسير العياشي: عن الحكم بن عيينة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): قال لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى، يا محمد ” ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ” في مريم وابنها وبما خصهما منه، وفضلهما وكرمهما حيث قال: ” وما كنت لديهم ” يا محمد، يعني بذلك رب الملائكة ” إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ” حين ايتمت من أبيها (2). وفي رواية اخرى عن ابن أبي خرزاد: ” أيهم يكفل مريم ” حين ايتمت من أبيها ” وما كنت لديهم ” يا محمد إذ يختصمون في مريم [ عند ولادتها بعيسى بن مريم ] أيهم يكفلها ويكفل ولدها، قال له: أبقاك الله فمن كفلها ؟ فقال: أما تسمع لقوله الآية (3). إذ قالت الملئكة: بدل من ” إذ قالت ” الاولى، أو من ” إذ يختصمون ” بناء


(1) تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1 ص 102 في تفسيره لقوله تعالى ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم “، وفيه: فتكفلها زكريا. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 173 قطعة من ح 47 وفيه: خصهما الله به وفضلهما وأكرمهما.. لرب الملائكة. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 173، ح 48. (*)

[ 88 ]

على أن الاختصام والبشارة في زمان متسع كقولك: لقيته سنة كذا. يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم: المسيح لقبه، من الالقاب المادحة، وأصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه: المبارك كقوله: ” وجعلني مباركا ” (1) وعيسى معرب اليسوع، ومشتقهما من المسح، لانه مسح بالبركة، أو بما طهره من الذنوب، أو مسح الارض ولم يقم في موضع، أو مسحه جبرائيل، ومن العيس، وهو بياض يعلوه حمرة كالراقم على الماء. فإن قلت: لم قيل: اسمه المسيح عيسى بن مريم، وهذه ثلاثة أشياء، الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة. قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها، ويتميز بها عن غيره، فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه. مجموع هذه الثلاثة. ويحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف، وابن مريم صفته. وأن يكون كل من الثلاثة اسما، بمعنى أن كلا منها يميز تمييز الاسماء، ولا ينافي تعدد الخبر أفراد البمتدأ، فإنه اسم جنس مضاف. وانما قيل: ابن مريم، والخطاب لها تنبيها على أنه يولد من غير أب، إذ الاولاد تنسب إلى الآباء، ولا تنسب إلى الام إلا إذا فقد الاب. وجيها في الدنيا: حال مقدرة من ” كلمة ” الموصوفة بقوله ” منه ” والتذكير للمعنى، ووجاهته في الدنيا بالنبوة. والاخرة: بالشفاعة. ومن المقربين: من الله، وقيل: إشارة إلى علو درجته في الجنة، وقيل: إلى رفعه [ إلى ] السماء وصحبته الملائكة. * * *


(1) مريم: 31. (*)

[ 89 ]

[ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصلحين (46) قالت رب أنى يكون ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) ويعلمه الكتب والحكمة و التورة والانجيل (48) ] ويكلم الناس في المهد وكهلا: أي حال كونه طفلا وكهلا كلام الانبياء من غير تفاوت. وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عيسى، عن ابن محبوب عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) أكان عيسى بن مريم حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه ؟ فقال: كان يومئذ نبيا حجة الله غير مرسل (1)، أما تسمع لقوله حين قال: ” أني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأو صاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا ” (2). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.


(1) قوله (غير مرسل) إذ لم يرسل إليه الانجيل في تلك الحال ولم يكن مأمورا بأحكامه وتبليغه ولكن كان نبيا عالما بالتوراة تابعا لها، وقال: (إني عبد الله) قدم العبودية على إعطاء الكتاب والنبوة، لتقدمها في الواقع، وليندفع توهم ربوبيته أول مرة، وأراد بالكتاب التوراة. وفي لفظ الماضي حيث قال: (آتاني وجعلني) دلالة واضحة على أنه كان حين التكلم نبيا عالما بالتوراة. والواريد بالكتاب الانجيل كما زعم، لاشكل، لانه إن اعطي الانجيل كما جعل نبيا في ذلك الوقت لكان رسولا، فلا يوافق قوله (غير مرسل) اللهم إلا أن يحمل قوله (أتاني الكتاب) على مجاز المشارفة، أو على أن محقق الوقوع كالواقع، أو على القضاء السابق بقرينة عدم إرسال الانجيل إليه في ذلك ولا يلزم منه أن يحمل قوله (وجعلني نبيا) على هذه الامور، لعدم وجود قرينة صارفة له عن ظاهره، وبالجملة حمل أحد اللفظين المتجاورين على المجاز لقرينة، لا يوجب حمل الآخر عليه مع عدمها (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 6 ص 348). (2) الكافي: ج 1 ص 382 كتاب الحجة باب حالات الائمة في السن قطعة من ح 1. (*)

[ 90 ]

والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه. والكهل من وخطه الشيب ورأيت له بجالة (1). ولذا قيل: والمراد ” وكهلا ” بعد نزوله، لانه رفع شابا. وذكر أحواله المختلفة المتنافية، إشارة إلى أنه ممكن، ليس بإله. ومن الصلحين: حال ثالث من ” كلمة ” أو ضميرها الذي في ” يكلم “. قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسني بشر: تعجب، وقيل: استبعاد عادي، أو استفهام عن أنه يكون بتزوج أو غيره. قال: جبرائيل، أو الله و جبرائيل حكى لها قوله تعالى: كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون: أي كما يقدر أن يخلق الاشياء بأسباب ومواد متدرجا يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل: أما كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم على أنها تلد من غير زوج، أو عطف على ” يبشرك ” أو ” وجيها “. و ” الكتاب ” الكتبة، أو جنس الكتب المنزلة. وتخصيص الكتابين لفضلهما. وقرأ عاصم ونافع بالياء. * * *


(1) الكهل: الرجل إذ وخطه الشيب ورايت له بجالة، وفي الصحاح الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب (لسان العرب: ج 11 حرف اللام – لغة كهل).

[ 91 ]

[ ورسولا إلى بنى إسراءيل أنى قد جئتكم بئاية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الاكمه والابرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ] ورسولا إلا بنى إسراءيل: منصوب بمقدر على إرادة القول، والتقدير ويقول: أرسلت رسولا، أو بالعطف على الاحوال المتقدمة. وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته، أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم. وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن الفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في حديث طويل يقول فيه: ثم إن الله عز وجل أرسل عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصة، وكانت نبوته ببيت المقدس (1). أنى قد جئتكم بئاية من ربكم: متعلق برسولا على تصمين معنى النطق، أي ناطقا بأني إلى آخره، والآية ما يذكر بعده وهو: أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير: نصب بدل من ” أني ” أو جر بدل من ” آية ” أو رفع على هي أني، والمعنى: اقدر واصور لكم مثل صورة الطير. فأنفخ فيه: الضمير للكاف، أو في ذلك المثل. فيكون طيرا: فيصير طيارا. بإذن الله: بأمره، ونبه به على أن إحياءه من الله لا منه.


(1) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 220 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم وأن الارض لا تخلو من حجة.. قطعة من ح 2. (*)

[ 92 ]

و قرأ نافع هنا وفي المائدة طائرا بألف وهمزة. وفي كتاب الخصال: عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله: أخبرني عن ستة لم يركضوا في رحم ؟ فقال: آدم، وحواء، وكبش إسماعيل، وعصا موسى، وناقة صالح، والخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم فطار بإذن الله (1) وأبرئ الاكمه: الذي ولد أعمى والممسوح العين. والابرص: الذي به البرص. نقل أنه ربما يجتمع عليه الوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى، وما يداوى إلا بالدعاء (2). وأحى الموتى بإذن الله: كرره لدفع توهم الالوهية، فإن الاحياء ليس من جنس الافعال البشرية. وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى أبي يعقوب البغدادي قال: قال ابن السكيت لابي الحسن الرضا (عليه السلام) لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء [ والعصى ] وآلة السحر، وبعث عيسى بالطب، وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالكلام والخطب فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تعالى لما بعث موسى – إلى أن قال – وإن الله تعالى بعث عيسى (عليه السلام) في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله، وإنما أحيى لهم الموتى وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله تعالى وأثبت به الحجة عليهم (3).


(1) الخصال: ص 322 باب الستة (ستة لم يركضوا في رحم) ح 8. (2) رواه البيضاوي: ج 1 ص 161 عند تفسيره لقوله تعالى ” وابرء الاكمه والابرص ” الآية. وفي الدر المنثور ج 2 ص 32 ما لفظه (وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا). وفي انكشاف: ج 1 ص 364 أيضا مثله، وفي مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 445، أيضا مثله. (3) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 78 باب 32 في ذكر ما جاء عن الرضا من العلل، ح 12. (*)

[ 93 ]

وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي جملية، عن أبان بن تغلب وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل هل كان عيسى بن مريم أحيى أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد ؟ فقال: نعم، إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى (عليه السلام) يمر به وينزل عليه، وإن عيسى (عليه السلام) غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فسألها عنه ؟ فقالت: مات يا رسول الله، قال اتحبين أن تريه ؟ قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غدا فأتيك حتى احييه لك بإذن الله تبارك وتعالى، فلما كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى أتيا قبره قوقف عيسى (عليه السلام) ثم دعا الله عز وجل فانفرج القبر وخرج ابنها حيا، فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى (عليه السلام) فقال عيسى: أتحب أن تبقى مع أمك في الدنيا ؟ فقال له: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة، أم بغير أكل و [ لا ] رزق و [ لا ] مدة ؟ فقال له عيسى (عليه السلام): بأكل ورزق ومدة، تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم إذا، قال: فدفعه عيسى إلى امه فعاش عشرين سنة وولد له (1). وفي الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن ربيع ابن محمد، عن عبد الله بن سليم العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام) وكان سأل ربه أن يحييه له، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له: ما تريد مني ؟ فقال له: اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عني حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود علي حرارة الموت. فتركه فعاد إلى قبره (2). وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم: بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها.


(1) الكافي: ج 8 ص 337، حديث الذي أحياه عيسى ح 532. (2) الكافي: ج 3 ص 260 كتاب الجنائز، باب النوادر ح 37. (*)

[ 94 ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثني جعفر ابن عبد الله، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن زياد بن المنذر، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قوله: ” وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون ” فإن عيسى (عليه السلام) كان يقول لبني إسرائيل: إني رسول الله إليكم و ” إني اخلق لكمن من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وابرأ الاكمه والابرص ” والاكمه هو الاعمى، قالوا: ما نرى الذي تصنع إلا سحرا، فأرنا آية نعلم أنك صادق ؟ قال: أنك صادق ؟ قال: أرابتكم إن اخبرتكم ” بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ” يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا، وما ادخرتم بالليل، تعلمون اني صادق ؟ قالوا: نعم، فكان يقول [ للرجل ]: أنت أكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا، فمنهم من يقبل منه فيؤمن، ومنهم من يكفر، وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين (1). إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمينن: موفقين للايمان، فإن غيرهم لا ينتفع بالعجزات، أو مصدقين بالحق غير معاندين. وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) أنه قال: أن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعلي (عليه السلام) في أثناء كلام طويل: فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا، قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الارض ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد، وبدا من فيه نور رأي أهل مكة قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اصطخر وما يليها، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا: حدث في الارض حدث.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 102 في تفسيره لقوله تعالى ” إني أخلق لكم من الطين ” الآية. (*)

[ 95 ]

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فكان طيرا بإذن الله عز وجل. فقال له علي: لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو شبيه بهذا، إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال للحجر: انفلق، فانفلق ثلاث فلق يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للاخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته، ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي، فانشقت نصفين ثم قال لها: التزقي فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة، فشهدت. ثم قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الاكمه والابرص بإذن الله تعالى. فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل [ من ذلك ]، أبرأ ذالعاهة من عاهته، فبينما هو جالس (عليه السلام) إذ سأل عن رجل من أصحابه ؟ فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ [ الذي ] لا ريش عليه، فأتاه (عليه السلام) فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء فقال له: قد كنت تدعو في صحتك دعاء ؟ قال: نعم، كنت أقول: يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. فقالها: فكأنما نشط من عقال وقام صحيحا وخرج معنا. وقد أتاه رجل من جهينة أجذم ينقطع من الجذم فشكا إليه (صلى الله عليه وآله) فأخذ قدحا من الماء فتفل فيه، ثم قال: امسح به جسدك، ففعل فبرئ حتى لم يوجد عليه شئ ولقد اتي بأعرابي أبرص فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا. ولئن زعمت أن عيسى (عليه السلام) أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) بينما هو في بعض أصحابه إذ هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب، فقال


[ 96 ]

النبي (صلى الله عليه وآله) وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدوالله ولي الله، فأنا رسول الله، بجانبه الشيطان فقام صحيحا، وهو معنا في عسكرنا. ولئن زعمت أن عيسى بن مريم أبرأ العمياء، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو أكبر من ذلك. إن قتادة بن ربعي كان رجلا صحيجا فلما كان يوم احد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده، ثم أتى بها النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال يا رسول الله: إن امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يده ثم وضعها مكانها، فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الاخرى. ولقد جرح عبد الله بن عتيك وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليلا فمسح عليه يده فلم يكن تعرف من اليد الاخرى. ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الاشرف مثل ذلك في عينه ويده فمسحهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يستبينا. ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما (1) عرفت من الاخرى. فهذه كلها دلالة لنبوته (صلى الله عليه وآله). قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه أحيى الموتى بإذن الله. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سبحت في يده تسع حصيات فسمع نغماتها في جحودها (2) ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد كلمة الموتى من بعد موتهم واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال: ماههنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي، وكان شهيدا. وإن زعمت أن عيسى كلم الموتي، فلقد كان لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما هو أعجب من هذا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا إليه شاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله (عز


(1) في النسخة – أ -: (ما) والصحيح ما أثبتناه. (2) كذا في النسخة – أ -: وفي المصدر جمودها. (*)

[ 97 ]

ذكره) على المنكرين لنبوته فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشوي، ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة ويحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما أعطى عيسى. قال له اليهودي: إن عيسى تزعمون أنه أنبأ قومه بما تأكلون وما يدخرون في بيوتهم. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد بن (صلى الله عليه وآله) فعل ما هو أكبر من هذا، إن عيسى أنبأ قومه بما يأكلون من وراء الحائط، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ووصف حربهم ومن اشهد (1) منهم وبينه وبينهم مسيرة شهور، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شئ فيقولى (صلى الله عليه وآله): تقول أو أقول ؟ فيقول: بل قل يا رسول الله، فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى فرغ من حاجته، ولقد كان يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا، منها: ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب، فقال: جئت في فكاك ابني، فقال له: كذبت، بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله الموت أهون لنا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القلب ؟ فقلت أنت: لولا عيالي ودين علي لارحتك من محمد، فقال صفوان: على أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت: فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لتقتلني، قال: صدقت يا رسول الله، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأشباه هذا مما لا يحصى (2). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم،


(1) كذا في نسخة – أ – والصحيح: استشهد. (2) الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 223 س 14، احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أخبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله مع تقديم وتأخير وحذف وإسقاط لبعض الجمل. (*)

[ 98 ]

عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: وأنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: نعم، قلت: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث الانبياء علم كلما علموا ؟ قال: نعم، قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الاكمه والابرص ؟ قال لي: نعم بإذن الله، ثم قال: ادن مني يا أبا محمد فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرت الشمس والسماء والارض والبيوت وكل شئ في البلد، ثم قال لي: أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا (1) ؟ قلت: أعود كما كنت. فمسح على عيني، فعدت كما كنت، فحدثت ابن أبي عمير بهذا، فقال: أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق (2). وفي كتاب التوحيد: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع أصحاب الاديان والمقالات، قال الرضا (عليه السلام): لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب فقال: اذهب إلى حبانة (3) فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد قوموا بإذن الله (عز وجل) فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وأقبلت قريش تسألهم عن امورهم ثم أخبروهم أن محمدا قد بعث نبيا، وقالوا: وددنا أنا كنا أدركناه فنؤمن به. ولقد أبرأ الاكمه والابرص كلمه البهائم والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه ربا من دون الله (عز وجل) (4).


(1) دل على أن ذا البلية لا يحاسب ويغفر له ما لا يغفر لغيره (شرح الاصول للمازندراني: ج 7 ص 237. (2) الكافي: ج 1 ص 391 كتاب الحجة، باب مولد ابي جعفر محمد بن علي، ح 3. (3) كذا في نسخة – 1 – والصحيح جبانة والجبانة الصحراء وتسمى بها المقابر، لانها تكون في الصحراء تشبيه للشئ بموضعه، ومنه الحديث: إنما الصلاة يوم العيد على من خرج إلى الجبانة، والجبان بدون الهاء الصحراء أيضا كالجبانة ومنه حديث المباهلة: وأبرز أنت وهو إلى الجبان (مجمع البحرين، لغة جبن). (4) كتاب التوحيد: ص 423 باب 65 ذكر مجلس الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) مع أهل الاديان وأصحاب المقالات، قطعة من ح 1 ص 5. (*)

[ 99 ]

[ ومصدقا لما بين يدى من التورة ولا حل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بئاية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم (51) ] ومصدقا لما بين يدى من التورة: عطف على (رسولا) على الوجهين، أو منصوب بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم مصدقا. ولا حل لكم: مقدر بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم لا حل، أو مردود على قوله (قد جئتكم بآية) أي جئتكم لا ظهر آية ولا حل، أو على معنى (مصدقا) أي جئتكم لا صدق ولا حل كقولهم: جئتك معتذرا ولا طيب قلبك. بعض الذى حرم عليكم: أي في شريعة موسى (عليه السلام) كالشحوم والثروب (1) والسمك والحوم الابل، والعمل في السبت. وفي الآية دلالة على أن شرعه كان ناسخا لشرع موسى (عليه السلام). وفي تفسير العياشي: عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بين دواد وعيسى بن مريم (عليهما السلام) أربعمائة سنة، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص، وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى، وأنزل عليه الانجيل، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين، وشرع له في الكتاب أقام الصلاة مع الدين، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأنزل عليه في الانجيل مواعظ وأمثال وحدود، ليس فيها قصاص، ولا أحكام حدود، ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى في


(1) الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والامعاء وجمعه ثروب، والثرب الشحم المبسوط على الامعاء والمصارين وشاة ثرباء عظيمة الثرب (لسان العرب ج 1 ص 234 لغة ثرب). (*)

[ 100 ]

[ فلما أحسن عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون – نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون (53) ] التوراة، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل ” ولا حل لكم بعض الذي حرم عليكم ” وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا لشريعة التوراة والانجيل (1). وجئتكم باية من ربكم فاتقو الله وأطيعو * إن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم: الظاهر أن قوله ” جئتكم باية من ربكم ” تكرير لما قبله، أي قد جئتكم بآية بعد اخرى مما ذكرت لكم. والاول لتمهيد الحجة والثاني للتقريبها إلى الحكم، ولذلك رتب عليه بالفاء قوله (فاتقوا الله) أي أني جئتكم بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعوا لي فيما أدعوكم إليه، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل، فقال: ” إن الله ربي وربكم ” إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد، وقال: ” فاعبدوه ” إشارة إلى استكمال القوة العملية، فإنه بملازمة الطاعة التي هي الاتيان بالاوامر والانتهاء عن المناهي، ثم قرر ذلك بأن بين: إن الجمع بين الامرين هو الطريق المشهود عليه بالاستقامة. وقيل: معناه وجئتكم بآية اخرى ألهمنيها ربكم، وهو قوله ” إن الله ربي وربكم ” فإنه دعوة الحق المجمع عليه فيما بين الرسل، الفارقة بين النبي والساحر، أو جئتكم على أن الله ربي وربكم، وقوله ” فاتقوا الله وأطيعون ” اعتراض. فلما أحسن عيسى منهم الكفر: قيل: تحقق كفرهم عنده، تحقق ما يدرك


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 52. (*)

[ 101 ]

بالحواس. وفي تفسير العياشي: وروي عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ” فلما أحس عيسى منهم الكفر ” أي لما سمع ورأى أنهم يكفرون (1). فعلى هذه الرواية كان الاحساس مستعملا في معناه الحقيقي، ولا يكون استعارة تبعية كما في الاول. قال من أنصارى: جمع ناصر، وحمله على (من) لارادة المتعدد منه، أو للمبالغة في كونه ناصرا. إلى الله: ملتجئا إلى الله، أو ذاهبا أو ضاما إليه. ويحتمل تعلقه ب‍ (أنصاري) على تضمين الاضافة، أي من الليف (2) يضيفون أنفسهم إلى الله في نصري. وقيل: (إلى) ههنا بمعنى، مع، أو في، أو اللام. قال الحواريون: حواري الرجل صفوته وخالصته، من الحور، وهو البياض الخالص، ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن. قال: فقل للحواريات يبكين غيرنا * ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح (3). وفي وزنه الحوالي، وهو الكثير الحيلة. سمي أصحاب عيسى (عليه السلام)، قال: لخلوص نيتهم ونقاء (4) سريرتهم. وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض، استنصربهم عيسى على اليهود. وقيل: قصارون يحورن الثياب ويبيضونها.


(1) لم نعثر عليه في تفسير العياشي وذكره علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى ” فلما أحس عيسى ” الآية. (2) كذا في نسخة – 1 – والصحيح الذين. (3) للحارث بن جلزة اليشكري، يقول: فقل للنساء الحضريات الصافيات البياض يبكين غيرنا، كناية عن أنه ليس من أهل التنعم، ثم نهى عن أن يبكيهم إلا الكلاب التي تساق معهم للصيد، أو التي جرت عادتها بأكل قتلاهم في الحرب، أو التي تنبحهم إذا أقلبوا على أصحابها، كناية عن أنه من أهل البدو والغزو (عن هامش الكشاف: ج 1 ص 366). (4) في نسخة – أ -: وفقاء والصحيح ما أثبتناه لاقتضاء سياق الكلام. (*)

[ 102 ]

[ ربنآء امنا أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشهدين 53 ومكروا ومكر الله والله خيرا المكرين (54) ] نحن أنصار الله: في دينه. ءامنا بالله: الذي دعوت إليه. واشهد بأنا مسلمون: لتشهد يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم. ربنآءامنا بما أنزلت: في كتبك. واتبعنا الرسول: أي عيسى (عليه السلام) فيما دعى إليه. فاكتبنا مع الشهدين: بوحدانيتك، أو مع الانبياء الشاهدين. وقيل: أو مع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فإنهم شهداء على الناس (1). ومكروا: أي الذين أحسن منهم الكفر من اليهود، بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة. ومكر الله: بأن رفع عيسى والفى شبه على غيره حتى قتل. والمكر حيلة يجلب بها الغير إلى المضرة، وإسناده إلى الله على سبيل الازدواج. وفي عيون الاخبار عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل، وفيه قال: سألته عن قول الله عز وجل: ” سخر الله منهم ” (2) وقوله: ” الله يستهزئ بهم ” (3) وقول تعالى: ” ومكرواو مكر الله ” وعن قوله عز وجل: ” يخادعون الله وهو خادعهم ” (4).


(1) نقله في الكشاف: ج 1 ص 366 في تفسيره لقوله تعالى ” فاكتبنا مع الشاهدين “. (2) التوبة: 79. (3) البقرة: 15. (4) النساء: 142. (*)

[ 103 ]

[ إذا قال الله يعيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55) ] فقال: إن الله (عز وجل) لا يسخر ولا يستهزئ، ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه (عز وجل) يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا (1). والله خير المكرين: أقد رهم على أيصال الضر إلى الغير. إذا قال الله: ظرف ل‍ (مكر الله) وقيل: أو ل‍ (خير الماكرين) أو لمضمر مثل وقع ذلك. يعيسى إنى متوفيك: أي مستوفي أجلك، عاصما إياك من قتلهم، أو قابضك من الارض، من توفيت مالي وقيل: أو متوفيك نائما، وقيل: أماته الله سبع ساعات ثم رفعه، وقيل: أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج. ورافعك إلى: إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي، وذلك في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان. في كتاب الخصال: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في حديث طويل يذكر فيه الاغسال في شهر رمضان -: وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي مات فيها أوصياء الانبياء، وفيها رفع عيسى (عليه السلام) (2).


(1) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 126 باب 11 ما جاء عن الرضا من الاخبار في التوحيد قطعة من ح 19. (2) الخصال: ص 508، باب السبعة عشر، الغسل في سبعة عشر موطنا، قطعة من ح 1. (*)

[ 104 ]

ومطهرك من الذين كفروا: أي من سوء جوارهم. أو قصدهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحى إلي، أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى إليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، فقال: فأنت هو ذا، فقال لهم عيسى: أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم: أنا يا نبي الله، فقال عيسى: أتحس بذلك في نفسك ؟ فلتكن هو، ثم قال لهم عيسى: أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال: إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى أن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذي ألقى عليه شبح عيسى (عليه السلام)، فقتل وصلب، وكفر الذي قال له عيسى تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة (1). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه (2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك، ملوك الارض، وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل، وهو حديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. قال: لما ملك أشج بن أشجان (3)، وكان يسمى الكيس، وكان قد ملك


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى: ” إني متوفيك ورافعك إلي “. (2) في المصدر: عن محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه عن إسماعيل بن أبي رافع. (3) معرب (اشك بن اشكال) كذا في الهامش. (*)

[ 105 ]

مائتين وستا وستين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عز وجل عيسى ابن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الانبياء قبله، و زاده الانجيل، وبعثه إلى المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله وبرسوله، فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا، فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، فلم يزدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا، فأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاث وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه، وإنما شبه لهم، وما قدروا على عذابه ودفنه، ولا على قتله وصلبه، لانهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ” ولكن رفعه الله ” بعد أن توفاه (عليه السلام)، فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفة على المؤمنين ففعل ذلك (1). قوله ” بعد أن توفاه ” يحتمل أن يكون معناه، بعد أن قبضه من الارض، أو بعد أن أماته عن الشهوات العائقة، أو أماته موتا حقيقيا كما ذهب إليه البعض، أو بعد أن قرر في علمه أن يستوفي أجله، وهذا أبعد. وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة: يعلونهم بالحجة أو السيف. ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى، وإلى الآن لم تسمع غلبة اليهود عليهم، ولا يتفق لهم ملك ولا دولة. ثم إلى مرجعكم: فيه تغليب لمخاطبين على غيرهم. فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون: من أمر الدين.


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 224 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم وأن الارض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة قطعة من ح 20. (*)

[ 106 ]

[ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من نصرين (56) وأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظلمين (57) ذلك نتلوه عليك من الايت والذكر الحكيم (58) ] فأما الذين كفروا: من اليهود وغيرهم. فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا: بضرب الجزية والهوان. والاخرة: بالنار. ومالهم من نصرين: يسعون في استخلاصهم. وأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم: أي في الدنيا والآخرة. وقرأ حفص بالياء. والله لا يحب الظلمين: ويحب المؤمنين. ذلك: أي نبأ عيسى وغيره مما تقدم. مبتدأ وخبره. نتلوه عليك وقوله: من الايت: حال من الهاء. ويحتمل أن يكون هو الخبر، و ” نتلوه ” حالا والعامل فيه معنى الاشارة، وأن يكونا خبرين، ويحتمل أن يكون ” ذلك ” منصوبا بما يفسره ” نتلوه “. والذكر: أي القرآن، وقيل: اللوح. الحكيم: المشتمل على الحكم، أو المحكم عن تطرق الخلل إليه.


[ 107 ]

[ إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له، كن فيكون (59) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (60) ] إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم: أي شأنه الغريب كشأن آدم. خلقه من تراب: جملة مفسرة لوجه الشبه، وهو أنه خلق بلا أب كما خلق آدم بلا اب، وبلاام أيضا، شبه حاله بما هو أغرب، إفحاما للخصم بطريق المبالغة. ثم قال له كن: أي إنشأ بشرا، والمراد بالخلق، خلق الغالب، أو المراد قدر تكوينه، ثم كونه، ويحتمل أن يكون ” ثم ” لتراخي الخبر. فيكون: حكاية حال ماضية. في تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله هذا في مسجدك ؟ فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إلى ما تدعونا ؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه ؟ فنزل: الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: ما تقولون في آدم ؟ أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح، فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نعم، فقال: فمن أبوه ؟، فبهتوا، فأنزل الله تبارك وتعالى ” إن مثل عيسى عند الله ” الآية (1). الحق من ربك: ” الحق ” مبتدأ، و ” من ربك ” خبره، أي الحق المذكور من


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104، في تفسيره لقوله تعالى ” إن مثل عيسى ” الآية. (*)

[ 108 ]

[ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أنباء ناو أبناء كم ونساء نا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذبين (61) ] الله، أو خبر مبتدأ محذوف و ” من ربك ” صفة، أو حال منه، ويحتمل تعلقه به. فلا تكن من الممترين: الخطاب إن كان للنبي، فلزيادة التهيج على الثبات، أو للتعريض وإن كان لكل سامع فعلى أصله. فمن حاجك: من النصارى. فيه: في عيسى. من بعد ما جاءك من العلم: أي البينات الموجبة للعلم. فقل تعالوا: هلموا بالعزم والرأى. ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم: أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزه أهله إلى المباهلة، ويحملهم عليها. وإنما قدمهم على النفس، لان الرجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهم عنده. وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي عبد الله (عليه السلام): وأما قوله ” فمن حاجك “، الآية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت علي، فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: السيد والعاقب والاهتم، إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة فلانباهله، فإنه لا يقدم أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فقال النصارى: من هؤلاء ؟ فقيل لهم: إن هذا ابن عمه ووصية وختنه علي بن أبي


[ 109 ]

طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) ففرقوا، وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا، فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجزية، وانصرفوا (1). فقد ظهر: من دعى النبي (صلى الله عليه وآله) من الابناء، هو الحسن والحسين، ومن النساء فاطمة، وبقي علي لا يدخل في شئ إلا في قوله ” وأنفسنا ” فهو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله). وقد صح في الخبر أنه (عليه السلام) وقد سأله سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كل بصفته، فقال: فعلي ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إنما سألتني عن النسا، ولم تسألني عن نفسي (2). ثم نبتهل: بأن نلعن الكاذب منا. ولبهلة بالضم والفتح اللعنة، وأصله الترك، من قولهم: بهلت الناقة إذ تركتها بلا صرار (3). وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، والابتهال أن تقدمهما وتبسطهما (4). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلد أبي الشكر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104 في تفسيره لقوله تعالى ” إن مثل عيسى عند الله ” الآية وقد مر آنفا. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 453 في بيان معنى قوله تعالى: ” فقل تعالوا ندع أبناءكم ” الآية. (3) ومنه الحديث (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقة بغير إذن صاحبها فإنه خاتم أهلها، من عادة العرب أن تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلواها إلى المرعى سارحة، ويسمون ذلك الرباط صرارا، فإذا راحت عشيا حلت تلك الاصرة وحلبت (النهاية ج 3 لغة صرر). (4) معاني الاخبار. ص 369، باب معنى الرغبة والرهبة والتبتل والابتهال والتضرع والبصبصة في الدعاء، قطعة من ح 2. (*)

[ 110 ]

قال: الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (1) (2). فنجعل لعنت الله على الكذبين: عطف فيه بيان. وفي كتاب الخصال: في احتجاج علي (عليه السلام) على أبي بكر قال: فانشدك بالله أبي رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك ؟ وبأهلك وولدك ؟ قال: بكم (3). وفيه أيضا: في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) وتعدادها، قال (عليه السلام): والرابعة والثلاثون فإن النصارى ادعوا أمرا، فأنزل الله (عز وجل) فيه ” فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ” فكانت نفسي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنساء فاطمة، والابناء الحسن والحسين، ثم ندم القوم، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاعفاء، فعفى عنهم، وقال: والذي أنزل التوارة على موسى والفرقان على محمد، لو باهلونا لمسخهم قردة وخنازير (4). وفي روضة الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن ابن ظريف، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام) قال قال: ينكرون علينا إنهما إبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأي شئ احتججتم عليهم يا أبا الجارود قلت: احتججنا عليهم بقول الله (تعالى) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ” قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا


(1) قوله: الساعة التي تباهل فيها إلخ لانه وقت استجابة الدعاء وينبغي طلب هذا الوقت للمباهلة إن أمكن وإلا فيجوز في غيره (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 10 ص 267 كتاب العداء). (2) الكافي: ج 2 ص 514 كتاب الدعاء، باب المباهلة، ح 2. (3) الخصال: ص 550، أبواب الاربعين وما فوقه، احتجاج أمير المؤمنين على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، ح 30. (4) الخصال: ص 576 أبواب السبعين وما فوقه، لأمير المؤمنين (عليه السلام) سبعين منقبة لم يشركه فيها أحد من الائمة، ح 1. (*)

[ 111 ]

ونساءكم وانفسنا وانفسكم ” والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (1). بإسناده إلى أبي اسحاق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فالابتهال رفع اليدين وتمديدهما وذلك عندالدمعة (2). وبإسناده إلى مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وهكذا الابتهال ومد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة (3). عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابيه، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): والابتهال تبسط يدك وذراعيك، والابتهال حين ترى اسباب البكاء (4). وبإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك (5). وبإسناده إلى محمد بن مسلم وزرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): والابتهال ان تمد يديك جميعا (6). وهذه الاحاديث طوال أخذت منه موضع الحاجة. وفي تفسير العياشي: عن جرير (7)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها، ثم قالوا له: زدنا، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه حبران من أحبار اليهود من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل هذه الآية ” ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه ” إلى آخر الآية، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة، ثم خرج ورفع كفه إلى السماء وفرج بين أصابعه ودعاهم إلى


(1) الكافي: ج 8 ص 263 و 264 ح 501. (2) الكافي: ج 2 ص 479 قطعة من ح 1. (3) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 3. (4) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 4. (5) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 5. (6) الكافي: ج 2 ص 481 قطعة من ح 7. (7) في المصدر: حريز. (*)

[ 112 ]

المباهلة قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثم يرفعهما إلى السماء، فلما رآه الحبران قال احدهما لصاحبه: وان كان نبيا لنهلكن وان كان غير نبي كفانا قومه فكفانا وانصرفا (1). عن أبي جعفر الاحول، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما تقول قريش في الخمس ؟ قال: قلت: تزعم أنه لها، قال: ما أنصفونا والله ولو كان مباهلة ليباهلن بنا، ولئن كان مبارزة ليبارزن بنا ثم نكون وهم على سواء (2). وفي مجمع البيان: وقال (عليه السلام): إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فاني أنا أبوهم (3). وفي عيون الاخبار في باب جمل من اخبار موسى بن جعفر (عليه السلام) مع هارون الرشيد لما قال له: كيف تكونون ذرية رسول الله وانتم اولاد ابنته ؟ حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) لهارون: أزيدك يا أمير المؤمنين، قال: هات، قلت: قول الله تعالى: ” فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ” ولم يدع احد إنه أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله عز وجل: ” ابناءنا ” الحسن والحسين و ” نساءنا ” فاطمة ” وأنفسنا ” علي بن أبي طالب على أن العلماء قد إجتمعوا على أن جبرائيل قال يوم احد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال: لانه مني وأنا منه (4). وفيه في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟ فقال الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا فأول ذلك قوله عز وجل، إلى أن قال: وأما الثالثة حين


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 54. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 176 ح 56. (3) مجمع البيان: ج 7 – 8 ص 361. (4) عيون الاخبار: ج 1 ص 69 قطعة من ح 9. (*)

[ 113 ]

ميز الله الطاهرين من خلقه فأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بالمباهلة بهم في آية المباهلة، فقال عز وجل: يا محمد فمن ” حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ” فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله) عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه هل تدرون ما معنى قوله: ” وأنفسنا وأنفسكم ” ” قالت العلماء: عنى به نفسه، قال أبو الحسن (عليه السلام): غلطتم إنما عني به علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله): لينتهين بنو وليعة أو لا بعثن إليهم رجلا كنفسي، يعني علي ابن أبي طالب (عليه السلام) [ وعنى بالابناء الحسن والحسين عليهما السلام ] (1) وعنى بالنساء فاطمة (عليها السلام) فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يستبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه (2). وفيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): يا علي من قتلك فقد قتلني ومن ابغضك فقد ابغضني ومن سبك فقد سبني لانك مني كنفسي، وروحك من روحي، وطينتك من طينتي (3). وفي كتاب علل الشرائع: عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): حديث طويل ذكرته بتمامه في سورة يونس عند قوله تعالى ” فان كنت في شك ” الآية ففيه: أن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن في شك مما أنزل الله (عز وجل) ولكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة إنه لم يفرق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الاسواق، فأوحى الله (عز وجل) إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) ” فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك ” بمحضر من الجهلة هل بعث الله (عز وجل) رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ولك بهم اسوة وإنما قال: ” وان كنت في شك ” ولم يقل


(1) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة – أ – واثبتناه من المصدر لاكمال المعنى. (2) عيون الاخبار: ج 1 ص 181 قطعة من ح 1. (3) عيون الاخبار: ج 1 ص 231 قطعة من ح 53. (*)

[ 114 ]

[ إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63) ] ولكن ليتبعهم كما قال له (عليه السلام) ” فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ” ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف أن النبي (صلى الله عليه وآله) مؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله) أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه (1). وفي تفسير العياشي: عن محمد بن سعيد الاردني، عن موسى بن محمد بن الرضا، عن أخيه (2) أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية: ” قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله ” عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد علم أن نبيه مؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين (3). وفيه عن المنذر، قال: حدثنا علي (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية ” قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم وأنفسنا وأنفسكم ” الآية قال: أخذ بيد علي وفاطمة وابنيهما (عليهما السلام) فقال رجل من اليهود: لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه فلم يدعوه (4). وفي شرح الآيات الباهرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) صالحهم على ألفي حلة وثلاثين درعا وثلاثين فرسا، وكتب بذلك كتابا ورجعوا إلى بلادهم (5). إن هذا: أي ما قص من نبأ عيسى ومريم.


(1) علل الشرائع: ص 129 باب 107 ح 1. (2) في هامش النسخة – أ -: (إنه سمع جده ظ). (3) و (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 176 و 177 ح 55 و 58. (5) لم نعثر عليه في شرح الآيات الباهرة بل وجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 117. (*)

[ 115 ]

[ قل يأهل الكتب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله والا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64) ] لهو القصص الحق: بجملتها خبر ” إن ” أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق، دون ما ذكروه وما بعده خبر، واللا دخلت فيه، لانه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن يدخل على المبتدأ وههنا دخول ” إن ” عليه مانع، فأخر. وما من إله إلا الله: زيادة ” من ” لزيادة الاستغراق، لتأكيد الرد على النصارى في تثليثهم. وإن الله لهو العزيز: لا يساويه أحد في القدرة التامة. الحكيم: ولا في الحكمة البالغة، ليشاركه في الالهية. فإن تولوا: عن التوحيد. فإن الله عليم بالمفسدين: إيراد المظهر، ليدل على أن التولي إفساد للدين والاعتقاد. قل يأهل الكتب: قيل: يعم أهل الكتابين، وقيل: يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة. تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم: لا يختلف فيها الرسل والكتب، وهي: ألا نعبد إلا الله: أي نوحده بالعبادة. ولا نشرك به شيئا: لا نجعل له غيره شريكا في استحقاق العبادة. ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله: ولا نقول عزيز ابن الله، ولا المسيح


[ 116 ]

[ يأهل الكتب لم تحاجون في إبرهيم وما أنزلت التورة والانجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65) ] ابن الله، ولا نطيع الاحبار في ما أحدثوا من التحريم والتحليل، لان كلا منهم بعضنا بشر مثلنا. وفي مجمع البيان: وقد روي لما نزلت هذه الآية قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال (عليه السلام): اما كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم ؟ فقالوا: نعم، فقال النبي (عليه السلام) هو ذاك (1). فإن تولوا: عن التوحيد. فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون: أي لزمتكم الحجد فوجب عليكم أن تعرفوا تسلموا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدل وصراع أو غيرهما: أعترف بأني أنا الغالب، وسلم لي الغلبة. ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون، حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره. يأهل الكتب لم تحاجون في إبرهيم: ويدعي كل فريق أن إبراهيم كان على دينهم، اليهود يدعون يهوديته، والنصارى نصرانيته. وما أنزلت التورة: التي ثبت بها اليهودية. والانجيل: التي ثبت به النصرانية. إلا من بعده: أي بعد إبراهيم. انزلت التوراة بعده بألف سنة، والانجيل بألفي سنة، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعده بأزمنة متطاولة. أفلا تعقلون: حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 455 في بيان معنى قوله تعالى: ” قل يا أهل الكتاب تعالوا.. ” الآية. (*)

[ 117 ]

[ هأنتم هؤلاء حججتم ففيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (66) ] هكذا قاله المفسرون، وفيما قالوه إشكال من وجهين: الاول: أنه يمكن أن يقال من قبل اليهود والنصاري: إن كون إبراهيم منهم لا يتوقف على نزول التوراة والانجيل في زمانه، لامكان إيحاء اليهودية أو النصرانية إليه، ثم أنزل التوراة والانجيل على طبق ما اوحي إليه سابقا. الثاني: أنه قد تواتر أن إبراهيم (عليه السلام) كان مسلما، وقد دلت عليه الآية وشيعة، مع أن الاسلام والتشيع إنما ثبت بالقرآن الذي بعده، فما هو جوابكم فهو جوابهم. والاظهر أن مضمون الآية، والله أعلم، أن كلا من اليهود والنصارى يدعي أن إبراهيم كان علي الدين الذي هم عليه الآن من اليهودية التي حدثت بعد التوراة، والنصرانية التي حدثت بعد الانجيل بالتحريف والتبديل، فقال الله تعالى: ” لم تحاجون في إبراهيم ” وتدعون أنه كان على ما أنتم عليه الآن، وهو حدث بتحريفكم بعد إنزال التوراة والانجيل بعد إبراهيم، بمدد متطاولة وما كان أصل من الله حتى يحتمل أن يوحيه إلى إبراهيم ويكون هو عليه قبل إنزال التوراة والانجيل، ” أفلا تعقلون “. وحينئذ لا يرد عليه شئ من الاشكالين، والله أعلم يحقيقة الحال. هأنتم هؤلاء حججتم فيما لكن به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم: ” ها ” حرف تبيه، نبهوا بها على حالهم التي غفلوا عنها. و ” أنتم ” مبتدأ، و ” هؤلاء ” خبره، و ” حاججتم ” جملة اخرى مبينة للاولى، أي أنتم هؤلاء الحمقي، وبيان حماقتكم، إنكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والانجيل من نعت النبي (صلى الله عليه وآله) عنادا، فلم تجادلون فيما لا علم


[ 118 ]

ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67) ] لكم به ولا ذكر له في كتابكم، من أن إبراهيم كان على اليهودية أو النصرانية التي نحن عليها ؟. وقيل: ” هؤلاء ” بمعنى الذين و ” حاججتم ” صلته. وقيل: ” ها أنتم ” أصله، أأنتم، على الاستفهام، للتعجيب من حماقتهم، فقلبت الهمزة هاء. وقرأ نافع وأبو عمرو ” ها أنتم ” حيث وقع، بالمد من غير همزة، وورش (1) أقل مدا، وقيل: بالهمزة من غير ألف بعد الهاء، والباقون بالمد والهمزة، والبزي (2) يقصر المد على أصله (3). والله يعلم: ما حاججتم فيه، أوله العلم. وأنتم لا تعلمون: أي لا تعلمونه، أو لستم ممن له العلم. ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا: بعد ما قرر أن إبراهيم لم يكن على اليهودية والنصرانية التي هم عليه الآن. نفي عنه اليهودية والنصرانية مطلقا، ولما كان يوهم ذلك كونه على غير الحق،


(1) ورش: هو عثمان بن سعيد المصري، ويكنى أبو سعيد، وورش لقب له، لقب به فيما يقال لشدة بياضه، وتوفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. وورش مأخوذ من الورش، والورش شئ أبيض يصنع من اللبن، وقيل: هو مأخوذ من ورشت الطعام ورشا، إذا تناولت منه يسيرا ” تحبير التيسير في قراءات الائمة العشرة: ص 14 “. (2) البزي: هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة المؤذن المكي، توفي بمكة سنة أربعين ومائتين (المصدر والصفحة). (3) لا حظ آرائهم في ذلك، في تحبير التيسير في قراءات الائمة العشرة: ص 99. (*)

[ 119 ]

لان أصل اليهودية والنصرانية لم يكن غير حق، نفي ذلك الوهم بقوله: ولكن كان حنيفا: مائلا عن العقائد الزائفة. وما كان من المشركين: تعريض بأنهم مشركون، لاشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لا دعاء المشركين أنهم على ملة إبراهيم. وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمر بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا شرقية ولا غربية، يقول: لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب والانصاري فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم (عليه السلام) وقد قال الله (عز وجل): ” ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ” (1). في اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل) ” حنيفا مسلما ” (2) قال: خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الاوثان (3). مسلما: منقادا لله فيما شرع له، لان اليهودية صارت شرعا في أيام موسى، والنصرانية في بعثة عيسى، ولم يكونا مشروعين قبل ذلك، والمشروع حينئذ هو الاسلام. وفي تفسير العياشي: عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، لا يهوديا يصلي


(1) الكافي: ج 8 ص 381 قطعة من ح 574. (2) قوله: حنيفا مسلما، الحنيف المسلم المنقاد، وهو المائل إلى الدين الحق، وهو الدين الخالص، ولذلك فسره (عليه السلام) بقوله: ” خالصا لله مخلصا ” عبادته عن ملاحظة غيره مطلقا، ثم وصفه على سبيل التأكيد بقوله (ليس فيه شئ من عبادة الاوثان) أي الاوثان المعروفة، أو الاعم منها، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها، وعبادة النفس في أهوائها، وقد نهي جل شأنه عن عبادتها فقال: ” ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ” وقال: ” أفرأيت من اتخذ إلهة هواه ” شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 46 كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص. (3) الكافي: ج 2 ص 15، كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص ح 1. (*)

[ 120 ]

[ إن أولى الناس بإبرهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولى المومنين (68) ] إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق، ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد (صلى الله عليه وآله) (1). إن أولى الناس بإبرهيم: أي أقربهم به، من الولي بمعنى القرب. للذين اتبعوه: من امته. وهذا النبي والذين ءامنوا: لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم. والمراد ب‍ ” الذين آمنوا ” هم الائمة وأتباعهم. والله ولى المؤمنين: ينصرهم ويجازيهم الحسنى بإيمانهم. وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن مثنى، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه (2) وهذا النبي والذين آمنوا ” قال: هم الائمة (عليهم السلام) ومن اتبعهم (3).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 177 ح 60. (2) قوله ” ان أولى الناس بإبراهيم ” أي أخص الناس بإبراهيم وأقربهم منه للذين اتبعوه من امته وهذا النبي لموافقته له في اصول شريعتة، والذين آمنوا بهذا النبي إيمانا حقيقيا وهم الائمة (عليهم السلام) ومن اتبعهم من الشيعة، وفيه قطع لافتخار كل من نسب نفسه إليه في النسب، أو الذين مع مخالفته له في اصول شريعته التي من جملتها تعيين الخليفة. هذا إذا قرئ ” النبي ” بالرفع على أنه خبر بعد خبر ل‍ ” ان “. وأما إن قرئ بالنصب على العطف بالهاء في ” اتبعوه ” أو بالجر على العطف بإبراهيم، فيظهر معناه بأدنى تأمل، ويتعين حينئذ تفسير ” الذين آمنوا ” بالائمة، لا بهم وبمن اتبعهم، ويفتقر في قراءة الجر إلى تقدير والسياق قرينة له، فليتأمل (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 7 ص 58). (3) الكافي: ج 1 ص 416 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 20. (*)

[ 121 ]

وفي تفسير العياشي: عن علي بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: هم الائمة وأتباعهم (1). وفي مجمع البيان: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إن أولى الناس بالانبياء أعملهم بما جاؤوا به، ثم تلا هذه الآية..، قال: إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أنتم والله من آل محمد، فقلت: من أنفسهم جعلت فداك ؟ قال: نعم والله من أنفسهم، ثلاثا، ثم نظر إلي ونظرت إليه، فقال: يا عمر إن الله يقول في كتابه: ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” (3). وفيه في حديث طويل، وفيه يقول (صلى الله عليه وآله): ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا: يا محمد احتجم وامر امتك بالحجامة، وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللحية (4) جالس على كرسي، فقلت: يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله ؟ فقال: هذا يا محمد أبوك إبراهيم، وهذا محلك ومحل من اتقى من امتك، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” (5). حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 177 ح 62. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 458 في بيان معنى قوله تعالى: ” ان اولى الناس بإبراهيم ” الآية. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 105. (4) في حديث أنس (لو شئت أن أعد شمطات كن في رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلت) الشمط: الشيب والشمطات الشعرات البيض التي كانت في شعر رأسه. (النهاية: ج 2 ص 501 لغة شمط). (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 9. (*)

[ 122 ]

[ ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم وما يضلون إلآ أنفسهم وما يشعرون (69) يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله وأنتم تشهدون (70) ] أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه، ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله، فأنا أولى بالله، أيها الناس من يحاجني بآدم فأنا أولى بآدم، أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح، أيها الناس من يحاجني بإبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، والحديث طويل اخذت منه موضع الحاجة (1). وفي نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا: وكتاب الله يجمع لنا، ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه: ” واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ” (2) وقوله تعالى: ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين وتارة أولى بالطاعة (3). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي في خطبة لعلي (عليه السلام) وفيها، قال الله عز وجل ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ” وقال عز وجل ” واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ” فنحن أولى الناس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن اولوا الارحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم (4). ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم: قيل: نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية (5). و ” لو ” بمعنى (أن).


(1) لم نعثر عليه في تفسير القمي ونقلناه عن تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 294 ح 186. (2) الانفال: 75. (3) نهج البلاغة: ص 387 س 6 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا، صبحي الصالح. (4) الاحتجاج: ص 160 س 21، احتجاجه على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها. (5) تفسير الكشاف: ج 1 ص 372 في تفسيره لقوله تعالى: ” ودت طائفة من أهل الكتاب ” الاية. (*)

[ 123 ]

[ يأهل الكتب لم تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71) وقالت طائفة من أهل الكتب ء امنوا بالذى أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون (72) ] وما يضلون إلا أنفسهم: وما يتخطاهم إلا ضلا، ولا يعود وباله إلا عليهم، إذيضاعف به عذابهم، أو يزيد به ضلالتهم ورسوخهم فيها، أو ما يضلون إلا أمثالهم. وما يشعرون: وزره واختصاص ضرره بهم. يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله: الدالة على نبوة محمد مما نطقت به التوراة والانجيل. وأنتم تشهدون: إنها آيات الله، أو بالقرآن، أو أنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تعلمون بالمعجزات أنه حق. يأهل الكتب لم تلبسون الحق بالبطل: بالتحريف وإبراز الباطل في صورة الحق، أو بالتقصير في الميز بينهما. وقرئ ” تلبسون ” بالتشديد، و ” تلبسون ” بفتح الباء. وتكتمون الحق: من نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وأنتم تعلمون: عالمين بما تكتمونه، أو أنتم من أهل العلم. وقالت طائفة من أهل الكتب ء امنوا بالذى أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفرو اءاخره لعلهم يرجعون: أي لعلهم يشكون في دينهم، ظنا بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم. قيل: المراد بالطائفة، اثني عشر من أحبار خيبر تقاولوا بأن يدخلوا في الاسلام أول النهار، ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد


[ 124 ]

[ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أو تيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله وسع عليم (73) ] محمدا بالنعت الذي ورد في التوراة، لعل أصحابه يشكون فيه. وقيل: كعب بن الاشرف ومالك بن الضيف قالا لاصحابهما لما حولت القبلة: آمنوا بما انزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار، ثم صلوا إلى الصخرة آخره، لعلهم يقولون: هم أعلم منا، وقد راجعوا، فيرجعون (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا آخره ” قال: نزلت في قوم من اليهود قالوا: آمنا بالذي جاء محمد بالغداة وكفروا به بالعشي (2). وفي رواية أبي الجارود: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله ” وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ” فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك اليهود، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت (3) اليهود من ذلك، وكان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا: صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا، فآمنوا بالذي أنزل على محمد وجه النهار وا كفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا (4). ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم: أي لا تقروا عن قصد قلب إلا لاهل


(1) نقلهما في الكشاف: ج 1 ص 373 في تفسير قوله تعالى ” وقالت طائفة من أهل الكتاب “. (2 و 4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 105 في تفسير قوله تعالى ” وقالت طائفة من أهل الكتاب ” الآية: (3) وجد يجد.. عليه غضب، وجد يوجد وجدا – له حزن (المنجد). (*)

[ 125 ]

[ يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74) ] دينكم، أولا تظهر وا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم، فإن رجوعهم أرجى. قل إن الهدى هدى الله: يهدي من يشاء إلى الايمان ويثبته. أن يؤتى أحد مثل مآ أو تيتم: تعليل لمحذوف، أي دبرتم وقلتم ذلك لاجل أن يؤتى، أي الحسد حملكم على ذلك، أولا تؤمنوا على المعنى الثاني، أي لا تظهروا إيمانكم للمسلمين، لئلا يزيد ثباتهم، أو للمشركين فيدعوهم إلى الاسلام. وعلى هذا قوله ” إن الهدى ” الخ اعتراض، يدل على أن كيدهم لا يجدي. ويحتمل أن يكون خبر إن، و ” هدى الله ” بدلا من (الهدى). وقرأ ابن كثير: ” أن يؤتي ” على الاستفهام، للتقريع. وقرئ على أن النافية، فيكون من كلام الطائفة. أو يحاجوكم عند ربكم: عطف على ” يؤتى ” على الوجهين الاولين، وعلى الثالث معناه حتى يحاجوكم، يعني: أن هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما اوتيتم حتى يقدر على محاجتكم، والواو ضمير الاحد، لانه في معنى الجمع (1). قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء: لا ينفع في جلبه أمثال هذه التدابير. والله وسع: الفضل. عليم: بمن يصلح له الفضل. يختص برحمته من يشاء: من غير استيجاب سابق منه. والله ذو الفضل العظيم: وفضله عظيم، أعظم مما حصل لكم من الحطام


(1) قال في الكشاف: ج 1 ص 373 عند تفسير الآية ما لفظه (والضمير في يحاجوكم، لاحد، لانه في معنى الجمع) وقال في الهامش: أي حيث كان نكرة في سياق النفي، كما وصفه بالجمع في قوله ” فما منكم من أحد عنه حاجزين “. (*)

[ 126 ]

[ ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الامين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (75) ] الحقير الذي اكتسبتموه بالتحريف والكتمان والكفر. ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك: نقل: إن عبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي اوقية ذهبا فأداه إليه (1). ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك: نقل: أن فنحاص بن عازواء استودعه قرشي آخر دينارا فجحده (2). وقيل: المأمونون على الكثير النصارى، إذ الغالب فيهم الامانة، والخائنون في القليل اليهود إذ الغالب عليهم الخيانة (3). وقرأ حمزة وأبو بكر وأبو عمر (يؤده) بإسكان الهاء، وقائلون باختلاس الهاء، والباقون بإشباع الكسرة. إلا مادمت عليه قائما: أي إلا أن تأخذه منه قبل المفارقة. ذلك: أي ترك الاداء المذكور. بأنهم قالوا ليس علينا في الامين سبيل: أي بسبب قولهم واعتقادهم أن ليس علينا في شأن من ليس من أهل الكتاب وعلى ديننا سبيل وعقاب.


(1) نقل الاقوال والحديث في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 167، وفي الكشاف: ج 1 ص 374 أيضا عند تفسير هما لقوله تعالى: ” ومن أهل الكتاب من أن تأمنه ” الآية. ونقل الاقوال والحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مجمع البيان: ج 2 ص 462 في بيان النزول والمعنى للآية الشريفة. (2) و (3) نفس المصدر السابق. (*)

[ 127 ]

[ بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمنهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77) ] ويقولون على الله الكذب: بقول ذلك. وهم يعلمون: أنهم كاذبون. وقيل: عامل اليهود رجالا من قريش، فلما أسلموا تقاضوهم، فقالوا: سقط حقكم حيث تركتم دينكم، وزعموا أنه كذلك في كتابهم (1). وفي مجمع البيان: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لما قرأ هذه الآية قال: كذب أعداء الله، ما من شئ كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الامانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر (2). بلى: إثبات لما نفوه، أي بلى عليهم سبيل. من أو في بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين: استئناف مقرر للجملة التي سدت (بلى) مسدها، والضمير مجرور بإضافة العهد، من الاضافة إلى الفاعل لو رجع إلى (من) ومن الاضافة إلى الفاعل أو المفعول لو رجع إلى (الله). وعموم المتقين ناب الراجع من الخبر إلى (من) (3). وأشعر بأن التقوى ملاك الامر، وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي.


(1) و (2) نفس المصادر السابقة. (3) توضيح ما أفاده (قدس سره) يظهر مما قاله في الكشاف: ج 1 ص 375، حيث قال في تفسيره: فإن قلت: فأين الضمير الراجع من الجزاء إلى (من) ؟ قلت: عموم المتقين قام مقام رجوع الضمير. (*)

[ 128 ]

إن الذين يشترون: يستبدلون. بعهد الله: بما عهد الله عليهم، أو بما عاهدوا الله عليه من الايمان بالرسول واداء الامانات. وأيمنهم: وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه. ومجمع البيان: وفي تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع به مال أخيه المسلم، لقى الله وهو عليه غضبان، وتلا هذه الآية (1). ثمنا قليلا: متاع الدنيا من الرئاسة وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وقوله: ” ان الذين يشترون بعهد الله ثمنا قليلا ” قال: يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذوه منهم ويخونون وما [ هم ] (2) بمسلمين على الحقيقة (3). وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال من حلف على يمين يقطع بها مال أخيه لقى الله (عز وجل) وهو عليه غضبان فأنزل الله (عز وجل) ذلك في كتابه: (ان الذين يشترون بعهد الله ايمانهم ثمنا قليلا) قال: فبرز الاشعث بن قيس فقال في نزلت خاصمت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى علي باليمين (4). أولئك لا خلق لهم في الاخرة: وفي عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام) حديث طويل في تعداد الكبائر وبيانها من كتاب الله، وفيه يقول الصادق (عليه السلام): واليمن الغموس لان الله


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 464 في بيان معنى قوله تعالى: ” إن الذين يشترون بعهد الله ” الآية. (2) ما بين المعقوفتين ليس من النسخة – أ – وأثبتناه من المصدر لاقتضاء سياق الكلام. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106. (4) الامالي: ج 1 ص 368. (*)

[ 129 ]

تعالى يقول: ” ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الاخرة ” (1). وفي كتاب الخصال: عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: الناس أربعة فمنهم من له خلق ولا خلاق له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، ومنهم من لا خلف له ولا خلاق فذلك من شر الناس ومنهم من له خلق وخلاق فذلك من خير الناس (2). وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: وأنزل في العهد ” ان الذين يشترون ” الآية والخلاق النصيب، فمن لم يكن له نصيب فبأي شئ يدخل الجنة (3). ولا يكلمهم الله: بما يسرهم، أو بشئ أصلا، ويسألهم الملائكة يوم القيامة، أولا ينتفعون بكلمات الله وآياته، أو كناية عن غضبه عليهم. ولا ينظر إليهم يوم القيمة: فإن من سخط على غيره أعرض عن الكلام معه والنظر إليه، كما أن من اعتد بغيره يقاوله ويكثر النظر إليه. وفي كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وأما قوله ” ولا ينظر إليهم يوم القيامة ” أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ههنا من الله (تبارك وتعالى) إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة لهم (4). ولا يزكيهم: قيل: ولا يثنى عليهم. وفي تفسير الامام: ولا يزكيهم من ذنوبهم، وقد مر. ولهم عذاب أليم: على ما فعلوا. قيل: نزلت في أحبار حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد (صلى الله عليه وآله)


(1) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 224 قطعة من ح 33. (2) الخصال: ج 1 ص 236 ح 77. (3) الكافي: ج 2 ص 32، كتاب الايمان والكفر، باب آخر منه، وفيه أن الاسلام قبل الايمان (باب) بدون عنوان، ح 1 س 4. (4) التوحيد: ص 265 باب الرد على الثنوية والزنادقة، الحديث 5 س 7. (*)

[ 130 ]

وحكم الامانات وغير هما، وأخذوا على ذلك رشوة (1). وقيل: في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به (2). وقيل: في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهودي في بئر وأرض وتوجه الحلف على اليهودي (3). وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره): بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من حلف على يمين ليقطع بها مال أخيه، لقي الله، (عز وجل) وهو عليه غضبان، فأنزل الله (عز وجل) تصديق ذلك في كتابه ” ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا ” قال: فبرز الاشعث بن قيس فقال: في نزلت خاصمت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن هذا البئر على أرض في الجاهلية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألك بينة ؟ فقال: لا، قال: فيمينه، قال: يذهب والله بأرضي، فقال: إن ذهب بأرضك كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه ولهم عذاب أليم (4). وفي عيون الاخبار: عن الرضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، وعلى من قاتلهم، وعلى المعين، وعلى من سبهم ” اولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم ” (5). وفي اصول الكافي [ بإسناده ] (6) إلى ابن أبي يعفور قال: سمعت ابا عبد الله يقول: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيبا (7). علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن


(1) الكشاف: ج 1 ص 376 في تفسيره لمنى الآية الشريفة، وفي انوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 ومجمع البيان: ج 2 ص 463 في شأن نزول الآية. (2) و (3) نفس المصادر السابقة. (4) الامالي: ج 1 ص 368. (5) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 33 ح 65. (6) ما بين المعقوفتين اضفناه لاقتضاء السياق. (7) الكافي: ج 1 ص 374 ح 12. (*)

[ 131 ]

مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وانزل في العهد أن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم، والخلاق النصيب فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شئ يدخل الجنة ؟ (1). محمد بن جعفر، عن محمد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد، عن ابي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال (2). وفي الكافي: بإسناده إلى محمد بن مسلم، عن ابي عبد الله (عليه السلام): قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، والديوث والمرأة توطئ فراش زوجها (3). وبإسناده إلى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم منهم: المرأذة توطئ فراش زوجها (4). وفي من لا يحضره الفقيه: وروى محمد بن أبي عمير، عن أبي اسحاق بن هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ألا اخبركم بأكبر الزنا ؟ قالوا: بلى، قال: هي امرأة توطئ فراش زوجها فتأتي بولد من غيره فيلزمه زوجها فتلك التي لا يكلمها الله، ولا ينظر إليها يوم القيامة ولا يزكيها ولها عذاب أليم (5). وفي مجمع البيان: وفي تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال اخيه المسلم


(1) الكافي: ج 2 ص 32 قطعة من ح 1. (2) الكافي: ج 2 ص 311 ح 14. (3) الكافي: ج 5 ص 537 ح 7. (4) الكافي: ج 5 ص 543 ح 1. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 376 ح 31. (*)

[ 132 ]

لقى الله وهو عليه غضبان، وتلى هذه الآية (1). وفي كتاب الخصال: عن ابي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الناتف شيبه والناكح نفسه والمنكوح في دبره (2). عن الاعمش، عن صالح، عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها ما يريد وفي له وإلا لم يف، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط فيها ما قال، ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل (3). وفي تفسير العياشي: عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من جحد إماما، أو ادعى إماما من غير الله، أو زعم أن لفلان وفلان في الاسلام نصيبا (4). وعن محمد الحلبي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الديوث من الرجال، والفاحش المنفحش، والذي يسأل الناس وفي يده ظهر غنى (5). وعن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، والمزكي سلعته بالكذب، ورجل استقبلك بود صدره فيواري وقلبه ممتلئ غشا (6). وفي شرح الآيات الباهرة وفي كتاب مصباح الانوار للشيخ الطوسي (رحمه


(1) مجمع البيان: 1 – 2 ص 464. (2) الخصال: ج 1 ص 106 ح 68. (3) الخصال: ج 1 ص 106 ح 70. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 178 ح 65. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 178 ح 67. (6) تفسير العياشي: ج 179 1 ح 69. (*)

[ 133 ]

الله): بإسناده إلى محمد بن إسماعيل قال: حدثنا أبو الحسن المثنى قال: حدثنا علي ابن مردويه قال: حدثنا داود بن سليمان الفارابي قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرم الله الجنة على ظالم أهل بيتي وقاتلهم وسابيهم والمعين عليهم، ثم تلا هذه الآية ” اولئك لا خلاق لهم في الآخرة ” الآية (1). وفي هذا المعنى ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب (رحمه الله) قال: روي عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشا، عن داود الحمار (2)، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم (3) يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (4)، من ادعى إمامة ليست له من الله، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيبا (5) (6).


(1) مصباح الانوار للشيخ الطوسي: ص 30 الباب الثاني مخطوط في المكتبة العامة لآية.. المرعشي النجفي. (2) الحمار بالحاء المهملة والميم المشددة والراء أخيرا كذا عن خط الشهيد، ولعله بائع الحمير كالنمار والبغال أو مكريها (تنقيح المقال: ج 1 ص 408 تحت رقم 3831). (3) ليس في الحديث جملة (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) ولكنها موجودة في الشرح كما سيجئ قريبا. (4) قوله: ” ثلاثة لا يكلمهم الله ” أي لا يكلمهم كلام رضي، بل كلام سخط، مثل ” اخسئوا ولا تكلمون ” أو هو كناية عن الاعراض وسلب الرحمة منه، ومعنى (لا ينظر إليهم) لا يحسن إليهم، وليس المراد نفي الرؤية عنهم، لان الرؤية العينية بالنسبة إلى الكل غير متحققة، والرؤية العلمية بالنسبة إلى الجميع ثابتة، فلا وجه للتخصيص على التقديرين. وخصص يوم القيامة، لان الاحسان غير منتف منهم في الدنيا. ومعنى ” لا يزكيهم ” لا يطهرهم من الذنوب لعظمتها، أو لا يثنى عليهم، لان من لا يثنيه سبحانه يعذبهم، ولهم في الآخرة عذاب أليم، مؤلم موجع (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 6 ص 326). (5) الكافي: ج 1 ص 373 كتاب الحجة، باب من ادعى الامامة وليس لها بأهل ومن جحد الائمة أو بعضهم ومن أثبت الامامة لمن ليس لها بأهل، ح 4. (6) الظاهر عدم الوثوق بصحة الخبر، وذلك أولا لعدم القطع بأن داود الحمار، هو داود بن سليمان الحمار الثقة كما ادعاه في تنقيح المقال فيحتمل التعدد كما لا يخقى، وثانيا الظاهر أنه معارض بما (*)

[ 134 ]

[ وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78) ] وفي هذا الخبر دلالة على حرمة القول بإسلام أهل السنة، وكون القائل بإسلامهم مساويا لهم في أنه ينظر الله إليهم ولا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فتبصر. وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب: يفتلونها (1) بقراءة، فيميلونها عن المنزل إلى المحرف، أو يعطفونها بشبه الكتاب، من لواه يلويه، فتله وثناه. وقرأ ابن كثير (يلؤن) على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها. لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب: الضمير للمحرف المدلول عليه بقوله (يلون). وقرئ بالياء، والضمير أيضا للمسلمين. ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله: تأكيد لقوله ” ما هو من الكتاب ” وزيادة تشنيع عليهم، وبيان لانهم يقولون ذلك تصريحا لا تعريضا. قال البيضاوي: وهذا لا يقتضي أن لا يكون فعل العبد فعل الله تعالى (2)


رواه في الكافي: ج 2 ص 311 باب الكبر، ح 14 عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال، فليتأمل. (1) الفتل: لي الشئ كليك الحبل وكفتل الفتيلة (لسان العرب: ج 11 ص 514 لغة فتل). (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 في تفسيره لقوله تعالى ” وما هو من عند الله “. (*)

[ 135 ]

[ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربنين بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون (79) ] وغرضه، خذله الله، أنه ليس في هذا رد لمذهب الاشاعرة. وفيه: أنه لو كان فعل العبد فعل الله، لزم الكذب في قوله ” وما هو من عند الله ” لانه على هذا التقدير كل مفترياتهم من عند الله ومن فعله، واختصاصهم بكونهم كاسبين له ومباشرين لا تصافه لا يمنع صدق كونه من عند الله عليه، وإن صحح إضافته إليهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: فان منهم لفريقا يلون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ” قال: كان اليهود يقرؤن شئ ليس في التوراة ويقولون هو في التوراة فكذبهم (1). ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون: تسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه. عن ابن عباس: هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الاشرف، وغيروا التوراة، وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم (2). ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله: رد لعبدة عيسى.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106. (2) رواه في الكشاف: ج 1 ص 377 في تفسيره لقوله تعالى: ” ويقولون هو من عند الله “. (*)

[ 136 ]

وفي مجمع البيان: قيل: إن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا ؟ فقال: معاذ الله أن يعبد غير الله، وأن نأمر بغير عبادة الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فنزلت (1). وفي البيضاوي: وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا بعضا، أفلا نسجد لك ؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله (2). ولكن كونوا ربنين: أي ولكن يقول ذلك. والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الالف والنون، كاللحياتي والرقباني، وهو الشديد المتمسك بدين الله وطاعته. بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون: بسبب كونكم معلمين الكتاب، دارسين له، فإن فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للا عتقاد والعمل. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يعقوب ” تعلمون ” بالتخفيف، أي بسبب كونكم عالمين. وقرأ ” تدرسون ” من التدريس، وتدرسون من أدرس بمعنى درس، كأكرم وكرم. ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى على تقدير وبما تدرسونه على الناس.


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 466 في نقله شأن نزول ” ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ” الآية. وفي تفسير الدر المنثور: ج 2 ص 250 أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الاخبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودعا هم إلى الاسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريده منا يا محمد ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاذ الله.. أن نعبد غير اللع، أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فأنزل الله في ذلك من قولهما. الآية. (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 في تفسيره لقوله تعالى: ” كونوا عبادا لي “. (*)

[ 137 ]

[ ولا يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80) ] وفي كتاب عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في وجه دلائل الائمة (عليهم السلام) والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) في حديث طويل. وفيه فقال المأمون: يا أبا الحسن: بلغني أن قوما يغلون فيكم ويجاوزون عليكم الحد ؟ فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي: عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، قال الله تعالى: ” ما كان لبشر ” إلى آخر الآية، فقال علي (عليه السلام): يهلك في اثنان – ولا ذنب لي – محب مفرط ومبغض مفرط، وانا أبرأ إلى الله تعالى ممن يغلوا فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى (1). ولا يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا: قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بفتح الراء، عطفا على ” يقول ” (لا) إما مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: ” ماكان لبشر ” أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا، وغير مزيدة على معنى أنه ليس له أن يأمر بعبادته، ولا يأمر باتخاذ أكفائه أربابا، بل ينهى عنه. والباقون بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحال بتقدير وهو يأمركم، أو لا يأمركم. وقرأ أبو عمرو على أصله لرواية الدودي باختلاس الضم.


(1) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 200 باب 46 ما جاء عن الرضا في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) قطعة من ح 1. (*)

[ 138 ]

[ وإذا أخذ الله ميثق النبين لماء اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشهدين (81) ] وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا: أن عيسى رب، واليهود قالوا: عزير ابن الله، فقال الله: ” ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبين أربابا ” (1). أيأمركم بالكفر: أي البشر لمستنبئ، وقيل: الله. بعد إذ أنتم مسلمون: قال البيضاوى: دليل على أن الخطاب للمسلمين، وهم المستأذنون لان يسجدواله (2). وفيه أنه لا دلالة فيه لجواز الخطاب بأنتم مسلمون لليهود والنصارى، بمعنى أنكم كنتم مسلمين قبل ادعاء الربوبية لهذه الاشياء وإذا أخذ الله ميثق النبين: قيل: إنه على ظاهرة، وإذا كان هذا حكم الانبياء كان اتلامم به أولى. وفي مجمع البيان: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن الله تعالى أخذ الميثاق على الانبياء قبل نبينا (صلى الله عليه وآله) أن يخبروا اممهم بمبعثه ونعته، ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه (3).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 106 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولا يأمركم أن تتخذوا “. (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 قاله في تفسيره لقوله تعالى ” بعد إذا أنتم مسلمون “. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق النبين “. (*)

[ 139 ]

وقيل معناه: إنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين واممهم واستغنى بذكر هم عن ذكر الامم (1). وقيل: إضافة الميثاق إلى النبيين إضافة إلى الفاعل، والمعنى: وإذ أخذ الله الميثاق الذي واثقه الانبياء على اممهم (2). وقيل: المراد أولاد النبيين على حذف المضاف، وهم بنو إسرائيل، وسما هم نبيين تهكما، لانهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لانا أهل الكتاب، والنبييون كانوا منا (3). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): أنه طرح عنها لفظ الامم (4). وقال الصادق (عليه السلام): تقديره: وإذا أخذ الله ميثاق امم النبيين بتصديق نبيها، والعمل بما جاء به وإنهم خالفوهم فيما بعد (5). لماءاتيتكم من كتاب وحكمة: اللام موطئة للقسم، لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف. و (ما) يحتمل الشرطية والخبرية. وقرأ حمزة ” لما ” بالكسر على أن ما مصدرية، أي لاجل أيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجئ رسول مصدق له أخذ الله الميثاق. وقرئ لما بمعنى حين أتيتكم، أو لمن أجل ما أتيتكم، على أن أصله (لمن ما) بالادغام فحذفت إحدى الميمات الثلاث استثقالا. وقرأ نافع ” آتيناكم ” بالنون بصيغة المتكلم مع الغير، فإن كان أخذ الميثاق على النبيين، فإيتاء الكتاب والحكمة إليهم أنفسهم، وإن كان على الامم، فايتاؤهما إلى أنبيائهم، وهو الايتاء إليهم. ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم: وهو محمد (صلى الله عليه وآله)


(1) و (2) و (3) أورد الاقوال الثلاثة في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق النبين ” الآية. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 ح 73 والحديث طويل. (5) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ” وتمامه ” وما وقوا به وتركوا كثيرا من شريعته وحرفوا كثيرا منها “. (*)

[ 140 ]

المصدق لما من الكتب السابقة، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النبيين. لتؤمنن به ولتنصرنه: جواب القسم، وساد مساد الشرط على تقدير، وأحدهما على تقدير اخرى، أي أخذ الميثاق على النبيين، أو على اممهم، أو عليهم وعلى اممهم، لتؤمنن بذلك الرسول ولتنصرنه، ونصرته (عليه السلام) من الانبياء السابقة أن يخبروا اممهم بأن يؤمنوا به وبأوصيائه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أول من سبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء له بالامان وعلى ما ينصر أمير المؤمنين فقال: (وإذ أخذ ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ” لتؤمنن به ولتنصرن ” يعنى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) تخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة (عليهم السلام) (1). وفي مجمع البيان: وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه (2) من جملة نصرته (عليه السلام) أن ينصر أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرجعة. وفي تفسير العياشي: عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ” فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه وكيف يؤمن عيسى بمحمد (صلى الله عليه وآله) وينصره ولم يدركه فقال يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف اخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال وهذا وهم فأقرأها ” وإذا أخذ الله ميثاق النبيين


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 246 و 247. (2) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 468. (*)

[ 141 ]

لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ” هكذا أنزلها يا حبيب فوالله ما وفت امة من الامم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها (1) كلاما طويلا في تكذيب الامم انبيائها تركناه خوف الاطالة. عن بكير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالاقرار بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة وعرض الله على محمد (صلى الله عليه وآله الطيبين) وهم أظلة قال: وخلقهم من الطين التي خلق منها آدم قال: وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ و ] وعليا (عليه السلام) ونحن نعرفهم في لحن القول (2). عن زرارة قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم فعرضهم على نفسه كانت معاينة منهم له ؟ قال: نعم يا زرارة وهم ذر بين يديه، وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالربوبية [ له ]، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، ثم كفل لهم بالارزاق وأنساهم وديعته وأيدت في قلوبهم معرفته فلا بد من أن يخرج إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق فمن جحد ما أخذ عليه الميثاق لمحمد (صلى الله عليه وآله) لم ينفعه إقراره لربه بالميثاق ومن لم يجحد ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) نفعه الميثاق لربه (3). عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وتلا هذه الآية ” وإذ أخذ الله الآية ” قال: لتؤمنن برسول الله ولتنصرن أمير المؤمنين، قلت: ولتنصرن أمير المؤمنين ؟ قال: نعم من آدم فلهم جرا، ولا يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا رد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين (4). عن سلام بن المستنير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لقد تسموا باسم


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 قطعة من ح 73. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 – 181 ح 74. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 75. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 76. (*)

[ 142 ]

ما سمى الله به أحدا إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما جاء تأويله، قلت: جعلت فدالك متى يجئ تأويله ؟ قال: إذا جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله تعالى ” وإذ أخذ الله ” الآية ويومئذ يدفع راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللواء إلى على بن أبي طالب فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين، يكون الخلائق كلهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم (1). وفي شرح الآيات الباهرة: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله أخذ الميثاق على الانبياء أن يخبروا امتهم بمبعث رسول الله وهو محمد (صلى الله عليه وآله) ونعته وصفته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه ويقولوا هو مصدق لما معكم من كتاب وحكمة وإنما الله أخذ ميثاق الانبياء ليؤمنن به ويصدقوا بكتابه وحكمته كما صدق بكتابهم وحكمتهم وقوله: ” ولتنصرنه ” يعني ولتنصروا وصية (2). وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي (رحمه الله) في كتابه (3) بإسناده عن فرج بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وقد تلا هذه الآية: ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ” يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ” ولتنصرنه ” يعني وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يبعث الله ولا رسولا إلا وأخذ عليه الميثاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالامامة (4). وذكر صاحب كتاب الواحدة (5) قال: وروى أبو محمد الحسن بن عبد الله


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 77. (2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدته في تأويل الطاهرة: ص 120 و 121. (3) يظهر من كتاب أعيان الشيعة أن له تفسيرا، لا حظ كتاب أعيان الشيعة الطبعة الحديثة: ج 4 ص 629 ولا حظ أيضا كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4 ص 271 تحت رقم 1257. (4) البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 294 ح 4. (5) لا حظ ترجمته في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 25 ص 7 تحت رقم 35 ونقل عن ابن النديم أن الكتاب في الاخبار والمناقب والمثالب، وهو في ثمانية أجزاء، وكانت نسخة من كتاب الواحدة موجودة عند ابن طاووس، نقل عنه في تصانيفه مثل اليقين انتهى. والظاهر أنه كانت (*)

[ 143 ]

الاطروش الكوفي قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد البجلي قال: حدثني أحمد ابن محمد بن خالد البرقي قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمد (صلى الله عليه وآله) وخلقني وذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتجب على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لاشمس ولا قمر ولا ليل ولانهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق خلقه، وأخذ ميثاق الانبياء بالايمان والنصرة لنا، وذلك قوله عز وجل ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ” يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعا، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) بنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي مابين مشرقها إلى مغربها، وليبعثهم الله من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وكل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الاموات والاحياء والثقلين جميعا، فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء بلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك، يا داعي الله قد أظلوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الاولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عز وجل) ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني


نسخة منه عندالفيض الكاشاني فإنه ينقل عنه أيضا كما سيأتي، والله أعلم. (*)

[ 144 ]

لا يشروكون بي شيئا ” (1) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحد في عبادتي ليس عندهم تقية، وإن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وأنا قرن من حديد، الحديث (2). قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى: أي عهدي، سمي به، لانه يوصر، أي يشد. وقري بالضم. وهو إما لغة كعبر وعبر، أو جمع إصار، وهو ما يشد به. قالوا أقررنا قال فاشهدوا: أي فليشهد بعضكم لبعض. وقيل: الخطاب للملائكة. وأنا معكم من الشهدين: وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد، وهو تخدير عظيم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فلهم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو قوله ” لتؤمنن به ” يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ” ولتنصرنه ” يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال لهم في الذر (3) ” أءقررتم وأخذتم على ذلكم إصبري ” أي عهدي ” قالوا أقررنا ” قال الله للملائكة ” اشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ” (4). وعن الصادق (عليه السلام): ثم قال لهم في الذر: ” أءقررتم وأخذتم على ذلكم إصبري ” أي عهدي، قال الله للملائكة ” فاشهدوا ” (5).


(1) النور: 55. (2) كتاب الصافي للفيض الكاشاني: ج 1 ص 325 في تفسير قوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ” الآية. (3) في النسخة – أ – (الدنيا) والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق ” الآية. (5) هذه الجملة تتمة للحديث السابق بإسقاط قوله (وعن الصادق عليه السلام) لا حظ تفسير علي ابن إبراهيم. (*)

[ 145 ]

[ فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفسقون (82) أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83) ] وفي مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: اءقررتم وأخذتم العهد بذلك على اممكم ؟ قالوا: أي قال الانبياء واممهم: أقررنا بما أمر تنا بالاقرار به، قال الله: فاشهدوا بذلك على اممكم وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعلى اممكم (1). فمن تولى بعد ذلك: بعد الميثاق والتوكيد بالاقرار والشهادة. فأولئك هم الفسقون: المتمردون من الكفرة. أفغير دين الله يبغون: عطف على الجملة المتقدمة، والهمزة متوسطة بينهما، للانكار، أو محذوف، تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون. وتقديم المفعول، لانه المقصود بالانكار. والفعل بلفظ الغيبة عند أبي عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب. وبالتاء عند الباقين على تقدير: وقل لهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم ثم قال (عز وجل) ” أفغير دين الله يبغون ” قال: أفغير هذا الدين قلت لكم أن تقروا بمحمد ووصيه (صلى الله عليه وآله) (2). وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها: أي طائعين بالنظر واتباع الحجة، وكارهين بالسيف ومعاينة ما يلجأ إلى الاسلام، كشق الجبل، وإدراك الغرق، والاشراف على الموت، أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ومسخرين


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان المعنى لقوله تعالى: ” وإذ أخذ الله ميثاق ” الآية مع تقديم وتأخير لبعض الكلمات، فلا حظ. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 107. (*)

[ 146 ]

كالكفرة فإنهم لا يقدرون أن يمتنعوا عما قضى عليهم. وفي مجمع البيان: ” طوعا وكرها ” فيه أقوال: إلى قوله: وخامسها أن معناه اكره أقوام على الاسلام، وجاء أقوام طائعين وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” كرها ” أي فرقا من السيف (1). وإليه يرجعون: وقري بالياء على أن الضمير ل‍ (من). وفي تفسير العياشي: عن عمار بن الاحوص، عن أبي عبد الله (عليهم السلام): أن الله (تبارك وتعالى) خلق في مبدأ الخلق بحرين، أحدهما عذب فرات والآخر ملح اجاج، ثم خلق تربة آدم من البحر العذب الفرات، ثم أجراه على البحر الاجاج فجعله حمأ مسنونا، وهو خلق آدم، ثم قبض قبضة من كتف آدم الايمن فذرأها في صلب آدم فقال: هؤلاء في الجنة ولا ابالي، إلى قوله: فاحتج يومئذ أصحاب الشمال وهم ذر على خالقهم، فقالوا: يا ربنا بم أوجبت لنا النار وأنت الحكم العدل من قبل أن تحتج علينا وتبلونا بالرسل وتعلم طاعتنا لك ومعصيتنا ؟ فقال الله (تبارك وتعالى) لمالك خازن النار: مر النار تشهق، ثم يخرج عنقا منها، فخرجت لهم، ثم قال الله لهم: ” ادخلوها طائعين، فقالوا: لا ندخلها طائعين، قال: ادخلوها طائعين، أو لا عذبنكم بها كارهين، قالوا: إنما هربنا إليك منها وحاججناك فيهاحيث أوجبتها علينا وصيرتنا من أصحاب الشمال، فكيف ندخلها طائعين، ولكن ابدأ أصحاب اليمين في دخولها كي يكون قد عدلت فينا وفيهم “. قال أبو عبد الله (عليه السلام): فأمر أصحاب اليمين وهم ذربين يديه بقوله تعالى: ” ادخلوا هذه النار طائعين ” قال: فطفقوا يتبادرون في دخولها فولجوا فيها جميعا، فصيرها الله عليهم بردا وسلاما ثم أخرجهم منها، ثم إن الله (تبارك وتعالى) نادى في أصحاب اليمين أصحاب الشمال: ألست بربكم ؟ قال أصحاب اليمين: بلى يا ربنا نحن بريتك وخلقك مقرنين طائعين، وقال أصحاب الشمال: بلى يا ربنا نحن بريتك وخلقك كارهين، وذلك قول الله تعالى ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعاوكرها


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 470 في بيان المعنى لقوله تعالى: ” طوعا وكرها “. (*)

[ 147 ]

وإليه ترجعون * ” قال: توحيد هم لله (1). عن عباية الاسدي أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ” أكا ذلك بعد قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: كلا والذي نفسي بيده حتى تدخل المرأة بمن عذب آمنة، لا تخاف حية ولا عقربا فما سوى ذلك (2). عن صالح بن ميثم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ” وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها ” قال: ذلك حين يقول علي (عليه السلام): أنا أولى الناس بهذه الآية ” وأقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت، بلى وعدا عليه حقا ” إلى قوله ” كاذبين ” (3) (4). عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها ” قال: إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (5). عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ” قال: انزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفارفي شرق الارض وغربها، فعرض عليهم الاسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله، قلت له: جعلت فداك أن الخلق أكثر من ذلك ؟ فقال: إن الله تعالى إذا أراد أمرا قلل الكثير وكثر القليل (6). وفي كتاب التوحيد: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم


على احدى القراءات والمشهور قراءتها بالياء (.. يرجعون). (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 182 ح 78. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 182 ح 78. (3) النحل: 38 – 39. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 80. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 81. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 82. (*)

[ 148 ]

ابن هاشم ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته وهو يقول في قوله (عز وجل): ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها ” قال: هو توحيد هم لله عز وجل (1). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن السياري، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن دابتي استصعبت علي وأنا منها على وجل، فقال: اقرأفي اذنها اليمنى ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ” فقرأها فذلت له دابته. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (2). وفي الكافي: أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: أيما دابة استصعبت على صاحبها من لجام ونفار، فليقرأ في اذنها أو عليها (3) ” أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ” (4). وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره): بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال له الاشجع السلمي: إني كثير الاسفار وأحصل في المواضع المفزعة، فعلمني ما آمن به على نفسي ؟ فقال: إذا خفت أمرا فاترك بيمينك على ام رأسك، وأقرأ برفيع صوتك ” أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وأليه ترجعون ” قال أشجع: فحصلت في واد تعبث فيه الجن، فسمعت قائلا يقول: خذوه، فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه وقد احتجب بآية طيبة (5). وفي من لا يحضره الفقيه: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه


(1) التوحيد: ص 46 باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 7. (2) الكافي ج 2 ص 624 كتاب فضل القرآن، باب فضل القرآن، قطعة من ح 21. (3) (أو عليها) أي قريبا منها إن لم يقدر على إدناء الفم منها (آت) في هامش الكافي. (4) الكافي: ج 6 ص 539 كتاب الدواجن، باب نوادر في الدواب، ح 14. (5) كتاب الامالي للطوسي: ج 1 ص 288 س 8. (*)

[ 149 ]

[ قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (84) ومن يبتغ غير الاسلم دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخسرين (85) ] السلام): يا علي من استصعب عليه دابته فليقرأ في أذنها الايمن ” وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون ” (1). قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم: أمر للرسول (صلى الله عليه وآله) بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان والقرآن كما هو منزل عليه، منزل عليهم بتوسط تبليغه إليهم. وأيضا: المنسوب إلى واحد من الجمع، قد ينسب إليهم. أو بأن يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له. والنزول كما يعدي ب‍ (إلى) لانه ينتهي إلى الرسل، يعدي ب‍ (على) لانه من فوق. وإنما قدم المنزل عليه على المنزل على سائر الرسل لانه المعرف له والمعيار له عليه. لا نفرق بين أحد منهم: بالتصديق والتكذيب. ونحن له مسلمون: منقادون، أو مخلصون في عبادته. ومن يبتغ غير الاسلم دينا: أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله.


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 268، باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، البسطر الاخير. (*)

[ 150 ]

[ كيف يهدى الله قوما كفروا بعدا إيمنهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينت والله لا يهدى القوم الظلمين (86) ] وفي نهج البلاغة: أرسله بحجة كافية وموعظة شافية ودعوة متلافية أظهر به الشرائع المجهولة وقمع به البدع المدخولة، وبين الاحكام المفصولة فمن يبتغ غير الاسلام دينا متحقق شقوته وتنفصل عروته، وتعظم كبوته، ويكون مآبه إلى الحزن الطويل والعذاب الوبيل (1). فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخسرين: الواقعين في الخسران. والمعنى: أن المعرض عن الاسلام والطالب لغيره، فاقد للنفع واقع للخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها. قال البيضاوي: واستدل به على أن الايمان هو الاسلام، إذ لو كان غيره لم يقبل. والجواب: أنه ينفي قبول كل دين يغايره، لا قبول كل ما يغيره، ولعل الدين أيضا للاعمال (2). وفيه: أن من قال: بأن الايمان غير الاسلام، يقول بأنه دين غيره، والاستدلال إنما هو عليه والمقصود أن الاسلام والايمان واحد، يسمى إسلاما وإن كان قبل رسوخه ودخوله في القلب، ولا يسمى إيمانا إلا بعد دخوله ورسوخه فيه، والآية تدل على اتحاد هما والفرق يعلم من موضع آخر. كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمنهم وشهدوا أن الرسول حق


(1) نهج البلاغة: ص 230 الخطبة 161 ط صبحي الصالح. (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 170 في تفسيره لقوله تعالى: ” ومن يبتغ غير الاسلام دينا ” الآية. (*)

[ 151 ]

وجاءهم البينت: استبعاد لان يهديهم الله، فإن الجائر عن الحق بعد ما وضع له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد. وقيل: نفي وإنكار له، وذلك يقتضي أن لا يقبل توبة المرتد. وهذا حق في حق الرجل المولود على الاسلام، دون المولود على الكفر والمرأة. ويمكن أن يقال: المتبادر من (بعد إيمانهم)، كونهم مؤمنين بحسب الفطرة، ومن (جاءهم البينات) الرجال، وكذا سياق الآية، ولفظ ” قوما “، والضمائر الراجعة إليه قرينة التخصيص بالرجال، وحينئذ يكون استثناء ” إلا الذين تابوا ” منطقا. ويجوز أن يكون ” قوما كفروا ” على عمومه لقسمي الرجال، فيكون الاستثناء متصلا. و ” شهدوا ” عطف على ما في ” ايمانهم ” من معنى الفعل، أي آمنوا وشهدوا، أو حال بإضمار ” قد ” من فاعل كفروا. قال البيضاوي: وهو على الوجهين دليل على أن الاقرار باللسان خارج عن حقيقة الايمان (1). وفيه: أنه يحتمل أن يكون في العطف، أو جعله قيدا، لكونه أهم أجزاء الايمان وأنفع في ترتب الآثار عليه. والله لا يهدى القوم الظلمين: الذين وضعوا الكفر موضع الايمان بعد إذ جاءهم البينات ووضع المظهر موضع المضمر، للاشعار بالعلية. وقيل: الذين ظلموا أنفسهم بالاخلال بالنظر، ووضع الكفر موضع الايمان، فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه. * * *


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 170 في تفسيره لقوله تعالى: ” كيف يهدي الله قوما ” الآية. (*)

[ 152 ]

[ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون (88) إلا الذين تابوا من بعد ذالك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (89) ] أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين: وفيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الايمان والعلم بحقيقة الرسول ومجئ البينات، لانه تعالى قال: ” جزائهم ” هو لعن الله والملائكة والناس وإذا كان جزاءهم ذلك وأخبر الله بأن جزاءهم من الملائكة والناس ذلك، لم يجز للملائكة والناس ترك ما جعله الله جزاءشي، بل يجب عليهم الاتيان به. فهذا وإن لم يكن في صورة الامر، لكن يفيد بمادته الوجوب. خلدين فيها: أي في اللعنة. لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك: أي بعد الارتداد. وأصلحوا: ما أفسدوا، أو دخلوا في الصلاح. فإن الله غفور: يقبل توبته. رحيم: يتفضل عليه. وفي مجمع البيان: قيل: نزلت الآيات في رجل من الانصار يقال له: الحارث ابن سويد بن الصامت. وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب ارتد عن الاسلام ولحق بمكة، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل لي من توبة ؟ فسألوا فنزلت إلى قوله ” إلا الذين تابوا ” فحملها رجل من قومه إليه، فقال: إني لاعلم أنك لصدوق، ورسول الله (صلى الله عليه وآله)


[ 153 ]

[ إن الذين كفروا بعد إيمنهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون (90) إن الذين كفروا و ما توا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم مل ءالارض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من نصرين (91) ] أصدق منك، وأن الله تعالى أصدق الثلاثة، ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه، وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1). إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا: كاليهود كفروا بعيسى والانجيل بعد الايمان بموسى والتوراة، ثم ازدادوا كفرا بمحمد (صلى الله عليه وآله) والقرآن. أو كفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد ما آمنوا به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بالاصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الايمان به ونقض الميثاق. أو كقوم ارتدوا والحقوا بمكة، ثم ازدادوا كفرا بقولهم: نتربص بمحمد ريب المنون، أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره (2). أو كقوم كفروا بما نص النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيه عند شياطينهم بعد ما آمنوا به عنده، ثم ازدادوا كفرا بادعاء الخلافة والوصاية لانفسهم. لن تقبل توبتهم: لانهم لا يتوبون، إلا عنداليأس ومعاينة الموت، أو لان توبتهم لا تكون إلا نفاقا، فعدم قبول توبتهم لعدم كونها توبة حقيقة، لا لكفرهم وازدياد كفرهم، ولذلك لم يدخل الفاء فيه، بخلاف الموت على الكفر، فإنه سبب (1) مجمع البيان: ج 2 ص 471 في بيان شأن النزول لقوله تعالى: ” كيف يهدي الله ” الآيات. (2) الاحتمالات موجودة في الكشاف، لا حظ: ج 1 ص 382 في تفسيره لقوله تعالى: ” إن الذين كفروا بعد إيمانهم “. (*)


[ 154 ]

لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم (92) ] لعدم قبول الفدية، فدخل الفاء فيه. وأولئك هم الضالون: الثابتون على الضلال. إن الذين كفروا وما تواوهم كفار فلن يقبل من أحدهم مل ء الارض ذهبا: مل ء الشئ، مايملاه وذهبا ” تميز. وقرئ بالرفع على البدل من ” مل ء الارض ” أو الخبر لمحذوف. ولو افتدى به: معطوف على مضمر، أي فلن يقبل من أحدهم مل ء الارض ذهبا لو تقرب به في الدنيا، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة، أو محمول على المعنى كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بمل ء الارض ذهبا. قيل: ويحتمل أن يكون المراد، فلن يقبل من أحدهم إنفاقه في سبيل الله بمل ء الارض ذهبا، ولو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر (1). والاوجه آن يقال في تقديره: فلن يقبل من أحدهم مل ء الارض ذهبا ملكه ولو افتدى به. أولئك لهم عذاب أليم: مبالغة في التحذير، وإقناط، لان من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرما. وما لهم من نصرين: في دفع العذاب، ومن ” من ” مزيدة للاستغراق، وإيراد الجمع إما للتوزيع، أو للمبالغة. لن تنالوا البر: أي لن تبلغوا حقيقة البر، وهو كمال الخير، أو البر المعهود،


(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 171 في تفسيره لقوله تعالى: ” إن الذين كفروا وما تواوهم كفار ” الآية. (*)

[ 155 ]

وهو بر الله. حتى تنفقوا مما تحبون: من المال، أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس، والبدن في طاعة الله، والمهجة في سبيل الله. وقرأ بعض ما تحبون، وهو يدل على أن ” من ” للتبعيض، ويحتمل التبيين. وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” قال: هكذا فاقرأها (1). وفي مجمع البيان: وقد روي عن أبي الطفيل قال: اشترى علي (عليه السلام) ثوبا فأعجبه، فتصدق به وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة، ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة، قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف، وأنا أكافئك اليوم بالجنة (2). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن شعيب، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له: أتصدق بالسكر ؟ فقال: نعم، إنه ليس شئ أحب إلي منه، فأنا أحب أن أتصدق بأحب الاشياء إلي (3). وفي عوالي اللآلي: ونقل عن الحسين (عليه السلام) أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له في ذلك فقال: إني أحبه وقد قال الله تعالى: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” (4). وإنفاق أحب الاموال على أقرب الاقارب، وعلى صلة الامام أفضل. في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن


(1) الكافي: ج 8 ص 183 ح 209. (2) مجمع البيان: ج 2، ص 473 في بيان المعنى لقوله تعالى: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا ” الآية. (3) الكافي: ج 4 ص 61 كتاب الزكاة، باب النوادر ح 3. (4) عوالي الآلئ: ج 2 ص 74 ح 196 والحديث عن الحسن (عليه السلام). (*)

[ 156 ]

إبراهيم جميعا عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” وبالوالدين إحسانا ” (1) ما هذا الاحسان ؟ فقال: الاحسان أن تحسن صحبتهما (2)، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين، أليس الله (عز وجل) يقول: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” (3). وفي تفسير العياشي: عن مفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعي شئ فوضعته بين يديه فقال: ما هذا ؟ فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك، قال: فقال لي: يا مفضل إني لا أقبل ذلك، وما أقبله من حاجة بي إليه، وما أقبله إلا لتزكوابه، ثم قال: سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله، قل أو كثر، لم ينظر الله إليه يوم القيامة، إلا أن يعفو الله عنه، ثم قال: يا مفضل إنها فريضة فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” فنحن البر والتقوى وسبيل الهدى وباب التقوى، ولا يحجب دعاؤنا عن الله، اقتصروا على حلا لكم وحرامكم، فاسألوا عنه، وإياكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عما لا يعنيكم، وعما ستر الله عنكم (4). وما تنفقوا من شئ: محبوب أو غيره، و ” من ” للبيان. فإن الله به عليم: فيجازيكم بحسبه.


(1) البقرة: 83، والنساء: 36 والانعام: 151، والاسراء: 23. (2) قوله (فقال: الاحسا أن تحسن صحبتهما) بالتلطف وحسن العشرة والطلاقة والبشاشة والتواضع والترحم وغيرها مما يوجب سرورهما وانبساطهما. وإلحاق الاجداد والجدات بهما محتمل، وصرح به عياض من العامة، وقال بعضهم: إنهم أحفض منهما، لانهم ليسوا بآباء وامهات حقيقيين. وإن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه بل تبادر إلى قضاء حوائجهما قبل المسألة، لانه تمام البر. ” وإن كانا مستغنيين ” قادرين على القيام بحاجاتهما. أليس يقول الله عز وجل: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” البر شامل لبر الوالدين، وبهذا الاعتبار وقع الاستشهاد به (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 18). (3) الكافي: ج 2 ص 157 كتاب الايمان والكفر، باب البر بالوالدين، قطعة من ح 1. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 184 ح 85. (*)

[ 157 ]

[ كل العطام كان حلا لبنى إسراءيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه من قبل أن تنزل التورة قل فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صدقين (93) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظلمون (94) ] كل الطعام: أي المطعومات، والمراد أكلها، ويشعر به الطعام لقبا. كان حلا لبنى إسراءيل: حلالا لهم، مصدر نعت به، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كقوله: ” لا هن حل لهم ” (1). إلا ما حرم إسراءيل: يعقوب (عليه السلام). على نفسه من قبل أن تنزل التورة: كلحوم الابل. كان إذا أكل لحم الابل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الابل. قبل إنزال التورة وبعده لم يأكله، لاجل أضرارة بمرضه، ولم يحكم بتحريمه على نفسه (2). في الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد أو غيره، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الابل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الابل، وذلك قبل أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله (3)


(1) الممتحنة: 10. (2) قال في الكشاف: ج 1 ص 385 في تفسيره لقوله تعالى: ” كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل ” الآية، ما لفظه (والمعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه، فتبعوه على تحريمه). (3) الكافي: ج 5 ص 306 كتاب المعيشة، باب النوادر، ح 9. (*)

[ 158 ]

وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن، من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله تعالى: ” ذلك جزيناهم ببغيهم ” (1) وقوله تعالى: ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم ” (2) فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بنى إسرائيل إلى أن انتهى التحريم إلينا فكذبهم الله (3). قل فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صدقين: أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه، حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم، لا تحريم قديم كما زعموا، فلم يجسروا على إخراج التوراة، وبهتوا. وفيه دليل على نبوته (عليه السلام). وفي تفسير العياشي: عن عمر بن يزيد قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) اسأله عن رجل دبر مملوكه هل له ان يبيع عتقه ؟ قال: كتب: ” كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ” (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: وأما قوله: ” كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة ” قال: كان يعقوب يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل، فقالت اليهود: إن الجمل محرم في التوراة، فقال الله (عز وجل) لهم: ” فأتوا بالتوراة فتلوها إن كنتم صادقين ” إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس (5). فمن افترى على الله الكذب: بزعمه أن ذلك كان محرما على الانبياء وعلى بني إسرائيل قبل إنزال التوراة. من بعد ذلك: أي لزوم الحجة.


(1) الانعام: 146. (2) النساء: 160. (3) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 172 في تفسيره لقوله تعالى: ” من قبل أن تنزل التوراة “. (4) تفسير العياشي: ج 1، ص 185 ح 87. (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 107. (*)

[ 159 ]

[ قل صدق الله فاتبعوا ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين (95) إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعلمين (96) ] فأولئك هم الظلمون: لانفسهم لمكابرتهم الحق بعد وضوحه. قل صدق الله: تعريض بكذبهم، أي ثبت أن الله صادق فيما أنزله وأنتم الكاذبون. فاتبعوا ملة إبرهيم حنيفا: أي ملة الاسلام التي عليها. محمد ومن آمن معه التي هي في الاصل ملة إبراهيم، أو مثل ملته حتى تتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة للاغراض الدنيوية، وألزمتكم تحريم طيبات أحلها لابراهيم ومن تبعه. وفي تفسير العياشي: عن حبابة الوالبية قال (1): سمعت الحسين بن علي (عليهما


(1) هكذا في النسخ التي بأيدينا، وفي الاصل أيضا، والظاهر (قالت) قال في تنقيح المقال: ج 1 ص 250 ما هذا لفظه (خبابة الوالبية، ام الندى عنونها الميرزا هنا، ومحلها فصل النساء إن شاء الله تعالى) وقال في ج 3 ص 74 من فصل النساء ما لفظه (حبابة بنت جعفر الاسدية الوالبية ام الندى: الضبط: حبابة بالحاء المهملة المفتوحة وبائين موحدتين بينهما ألف وبعدهما هاء، والمشهور على الالسن عموما هو تشديد الباء الاولى والظاهر أنه من الاغلاط المشهورة، إلى أن قال: والوالبية بكسر اللام والباء الموحدة مؤنث الوالبي إلى أن قال: عن صالح بن ميثم قال: دخلت أنا وعباية الاسدي على حبابة الوالبية، فقال: هذا ابن أخيك، ميثم قال: ابن أخي والله حقا ألا احدثكم بحديث عن الحسين بن علي (عليهما السلام) ؟ فقلنا: بلى، قالت: دخلت عليه (عليه السلام) وسلمت فرد السلام ورحب ثم قال: ما أبطأك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة ؟ قلت: ما أبطأني عنك إلا علة عرضت، قال: وما هي ؟ قالت: فكشفت خماري عن برص قالت: فوضع يده على البرص ودعى، فلم يزل يدعو حتى رفع يده وقد كشف الله ذلك البرص، ثم قال: يا حبابة إنه ليس أحد على ملة إبراهيم إلخ). (*)

[ 160 ]

السلام) يقول: ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، قال صالح: ما أحد على ملة إبراهيم، قال جابر: ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم (1). وما كان من المشركين: تبرئة مما كان ينسبه اليهودي والنصارى من كونه على دينهم. إن أول بيت وضع للناس: أي جعل متعبدا لهم، والواضع هو الله. وقرئ بالبناء للفاعل. للذى ببكة: وهي لغة في مكة كالنبيط والنميط، وأمر راتب وراتم ولا زب ولازم. وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اسماء مكة خمسة: ام القرى ومكة، وبكة، والبساسة (2) كانوا إذا ظلموا بستهم، أي أخرجتهم وأهلكتهم، وام رحم (3) كانوا إذا لزموها رحموا (4). وقيل: هي موضع المسجد، ومكة البلد. روي عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن بكة موضع البيت وإن مكة الحرم (5). وذلك قوله ” آمنا ” من ” بكة ” إذا زحمه، أو من ” بكة ” إذا دقه، لانها تبك أعناق الجبابرة. وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى عبد الله بن علي الحلبي قال: سألت أبا


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 185 ح 88. (2) قال في لسان العرب: ج 6 ص 27 في لغة (بسس)، وفي حديث مجاهد: من أسماء مكة الباسة، سميت بها لانها تحطم من أخطأ فيها. والبس: الحطم، ويروى بالنون من النس الطرد، وفي هامش بعض النسخ الموجودة (البس بالموحدة الختم، وبالنون الطرد، ويروى بهما، منه). (3) الرحم بالضم الرحمة وربما يحرك، منه) كذا في الهامش. وفي هامش الخصال نقلا عن القاموس (ام رحم وأم الرحم) بضم الراء وسكون الحاء المهملة، مكة، والمرحومة: المدينة شرفهما الله تعالى. (4) الخصال: ص 287 باب الخمسة أسماء مكة خمسة، ح 22. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 187 ح 94 وتمام الحديث وذلك قوله ” ومن دخله كان آمنا “. (*)

[ 161 ]

عبد الله (عليه السلام) لم سيمت مكة بكة ؟ قال: لان الناس يبك بعضهم بعضا بالايدي (1). وأما ما رواه بإسناده إلى عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لم سميت الكعبة بكة ؟ فقال: لبكاء الناس حولها (2). فمحمول على أن الناس يجتمعون حوله للبكاء والعبادة، فيبك بعضهم بعضا. حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن ابان، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما سميت مكة بكة، لانه يبك بها الرجال والنساء، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان (3). وبإسناده إلى عبيد الله بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لم سميت مكة بكة ؟ قال: لان الناس يبك بعضهم بعضا فيها بالايدي (4). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: في خمس وعشرين من ذي القعدة وضع البيت، وهو أول رحمة وضعت على وجه الارض، فجعله الله مثابة للناس وأمنا، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (5). عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي زرارة التميمي، عن أبي حسان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أراد الله أن يخلق الارض أمر الرياح، فضربت وجه [ الماء ] (6) حتى صار موجا، ثم أزبد فصار زبدا واحدا. فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم


(1) علل الشرائع: ج 2 ص 84، باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ح 5. (2) علل الشرائع: ج 2 ص 397 باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ج 2. (3) علل الشرائع: ج 2 ص 397، باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ح 4. (4) علل الشرائع: ج 2 ص 398، باب 137 العلة التي من اجلها سميت مكة بكة، ح 5. (5) الكافي: ج 4 ص 149، كتاب الصيام، باب صيام الترغيب، قطعة من ح 2. (6) في النسخة – أ – (الارض)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر، وهو الصحيح. (*)

[ 162 ]

دحى الارض من تحته، وهو قول الله تعالى: ” إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ” (1). وروي أيضا عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (2). وفي تفسير على بن إبراهيم: حدثني أبي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال للابرش (3): يا أبرش كما هو وصف نفسه ” كان عرشه على الماء ” (4) والماء على الهوى والهوى


(1) الكافي: ج 4 ص 189، كتاب الصيام، باب إن أول ما خلق الله من الارضين موضع البيت وكيف كان أول ما خلق، ح 7. (2) الكافي: ج 4، ص 190 كتاب الصيام، باب أن أول ما خلق الله من الارضين موضع البيت.. ذيل ح 7. (3) لم أعثر على ترجمته إلا ما في فهرس تنقيح المقال: ج 1 ص 7 أبواب الهمزة، باب الاسماء المتفرقة من قوله: الابرش الكلبي عامي استبصر، حسن. نعم في اسد الغابة: ج 4 ص 93 قال: عمرو بن جبلة بن وائل بن قيس، ذكره ابن الكلبي وأبو عبيد في من وفد على النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبو عبيد: من ولده سعيد الابرش الكلبي صاحب هشام بن عبد الملك واسمه سعيد بن الوليد. وفي تاج العروس: ج 4 ص 281 فصل الباء من باب الشين قال: والابرش لقب سعيد بن الوليد الكلبي صاحب هشام، وهو من ولد عمرو بن جبلة الذي وفد على النبي (صلى الله عليه وآله). وفي الاصابة: ج 2 ص 528 حرف العين تحت رقم 5791 قال: عمرو بن جبلة بن وائل بن قيس بن بكر الكلبي القضاعي إلى أن قال: وهو جد سعيد بن الابرش بن الوليد بن عمرو حاجب هشام بن عبد الملك. ولما كان صدر الحديث هكذا (عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله قال: خرج هشام بن عبد الملك. حاجا ومعه الابرش الكلبي فلقيا أبا عبد الله في المسجد الحرام، فقال هشام للابرش: تعرف هذا ؟ قال: لا، قال: هذا الذي تزعم الثيمة أنه نبي من كثرة علمه، فقال الابرش: لا سألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي، فقال هشام: وددت أنك فعلت ذلك، فلقى الابرش أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله أخبرني عن قوله الله ” أو لم ير الذين كفروا إن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما ” فيما كان رتقهما وبما كان فتقهما ؟ فقال أبو عبد الله: يا أبرش إلخ). ظهر مما قدمناه ترجمة الرجل وعلة استبصاره كما أشار إليه العلامة المامقاني في فهرسه بقوله: (استبصر). (4) هود: 7. (*)

[ 163 ]

لا يحد، ولم يكن يومئذ خلق غير هما والماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد الله أن يخلق الارض، وذكر إلى آخر ما نقلناه عن الكافي (1). وفي تفسير العياشي: عن عبد الصمد بن سعد قال: أراد أبو جعفر أن يشتري من اهل مكة بيوتهم ان يزيده في المسجد فأمن عليه فارغبهم فامتنعوا فضاق بذلك فأتى ابا عبد الله (عليه السلام) فقال له: اني سألت هؤلاء شيئا من منازلهم وأفنيتهم لا زيد في المسجد وقد منعوني ذلك فقد غمني غما شديد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لم يغمك ذلك وحجتك عليهم فيه ظاهرة ؟ قال: وبما احتج عليهم ؟ فقال: بكتاب الله، فقال لي: في اي موضع ؟ فقال: قول الله (إن اول بيت وضع للناس للذي ببكة ” قد أخبرك الله أن أول بيت وضع هو الذي ببكة فإن كانوا هم نزلوا قبل البيت فلهم أفنيتهم، وإن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه فدعاهم أبو جعفر فاحتج عليهم بهذا فقالوا: اصنع ما أحببت (2). عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مكة جملة القرية، وبكة حملة موضع الحجر الذي يبك الناس بعضهم بعضا (3). عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن بكة موضع البيت، وإن مكة الحرم وذلك قوله كان آمنا (4). وفي كتاب عيون الاخبار في باب ما كتبه الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة وضع البيت وسط الارض، أنه الموضع الذي من تحته دحيت الارض، وكل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي، وهو أول بقعة وضعت في الارض، لانها الوسط، ليكون الغرض لاهل المشرق والمغرب في ذلك سواء (5).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 69 في تفسيره لقوله تعالى ” أو لم ير الذين كفروا ” الآية. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 185، ح 89. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 187، ح 93. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 187، ح 94. (5) عيون الاخبار: ج 2 ص 90 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (ع) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1. (*)

[ 164 ]

[ فيه ءايت بينت مقام إبرهيم ومن دخله كان ءامنا والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين (97) ] فالمراد ب‍ ” أول بيت “، أول موضع جعل مستقرا للعباد على وجه الماء، لا البيت المصنوع من اللبن والمدر والخشب حتى يحتاج في تصحيحه إلى ارتكاب امور متكلفة. مباركا: حال من المستكن في الظرف، أي كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده، وطاف حوله، وقصد نحوه، من مضاعفة الثواب، وتكفير الذنوب، ونفي الفقر، وكثرة الرزق. وفي من لا يحضره الفقيه: عنه (عليه السلام) قال: وجد في حجر، إني أنا الله. ذوبكة، صنعتها يوم خلقت السماوات والارض، ويوم خلقت الشمس والقمر، وخففتها بسبعة أملاك حفا مبارك لاهلها في الماء واللبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، من أعلاها وأسفلها والثنية بعده (1). وهدى للعلمين: لانه قبلتهم ومتعبدهم، ولان فيه آيات عجيبة، كما قال الله تعالى. فيه ءايات بينت: كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار، وأن ضواري السبع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وأن كل جبار قصده بسوء قهره، كأصحاب الفيل. والجملة مفسرة لل‍ ” هدى ” أو حال اخرى. مقام إبرهيم: مبتدأ محذوف الخبر، أي منها، أو بدل من ” آيات ” بدل البعض من الكل.


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 158 باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم، ح 15. (*)

[ 165 ]

وقيل: عطف بيان على أن المراد بالآيات أثر القدم في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الا لانة من الصخار وإبقائه، دون سائر آثار الانبياء وحفظه مع كثرة أعدائه الوف [ السنين ] (1). ويؤيده أنه قرئ: آية بينة على التوحيد. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ” إن اول بيت ” إلى قوله: ” آياتبينات ” ما هذه الآيات البينات ؟ قال: مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه. والحجر الاسود، ومنزل إسماعيل (عليه السلام) (2). أقول: أما كون المقام آية، فلما ذكر، ولارتفاعه بإبراهيم (عليه السلام) حين كان أطول من الجبال كما يأتي ذكره. وأما كون الحجر الاسود آية، فلما ظهر منه للاولياء والاوصياء (عليهم السلام) من العجائب، إذ كان جوهرة جعلها الله مع آدم في الجنة، وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه الله الميثاق وأودعه ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق، يشهد لمن وافاه بالموافاة، ولمن أدى إليه بالميثاق بالاداء، وعلى من جحده بالانكار إلى غير ذلك كما ورد في الاخبار عن الائمة (عليهم السلام) (3). ولما ظهر لطائفة من تنطقه لبعض المعصومين (عليهم السلام) كالسجاد (عليه السلام) حيث نازعه عمه محمد بن الحنفية في أمر الامامة كما ورد في الروايات (4). ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرب غير مرة (5).


(1) في النسخة – أ – (ستة)، والصحيح ما أثبتناه. (2) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج، باب في قوله تعالى: ” فيه آيات بينات ” ح 1. (3) لا حظ الكافي: ج 4 ص 185 كتاب الحج، باب بدء الحجر والعلة في استلامه، ح 3 والفقيه: ج 2 ص 124 باب علل الحج ح 3. (4) البحار: الطبعة الحديثه ج 46 ص 111 باب ما جرى بينه (عليه السلام) وبين محمد بن الحنفية وسائر أقر بائه وعشائره ح 2 وباب معجزاته ومعالي اموره وغرائب شأنه (صلوات الله عليه وآله) ص 29 ح 20. (5) الوافي: ج 2 ص 12 كتاب الحج، باب 4 قصة هدم الكعبة وبنائها ووضع الحجر والمقام، ولا حظ (*)

[ 166 ]

وأما كون منزل إسماعيل آية، فلانه أنزل به من غير ماء، فنبع له الماء. وإنما خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره، لانه أظهر آياته اليوم للناس. قيل: سبب هذا الاثر، أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة، فغاصت فيه قدماه (1). وقيل: إنه لما جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل: انزل حتى نغسل رأسك، فلم ينزل، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن، فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه، صم حولته إلى شقه الايسر حتى غسلت الشق الآخر، فبقي أثر قدمه عليه (2). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أدركت الحسين (صلوات الله عليه) ؟ قال: نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل، والناس يقومون على المقام، يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه، قال: فقال لي: يا فلان، ما صنع هؤلاء ؟ فقلت: أصلحك الله، يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام ! فقال: ناد: إن الله قد جعله علما، لم يكن ليذهب به، فاستقروا (3). وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي (صلى الله عليه وآله) مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام)، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب، فسأل الناس: من منكم يعرف المكان


البحار: الطعبة الحديثة في البنان ج 96 ص 226 كتاب الحج والعمرة باب فضل الحجر وعلة استلامه واستلام سائر الاركان ح 26 وفيه قصة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولوية في رد القرامطة الحجر الاسود ووضع الحجة (عليه السلام) الحجر في موضعه. (1 و 2) الكشاف: ج 1 ص 389 في تفسيره لقوله تعالى: ” فيه آيات بينات مقام إبراهيم “. (3) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج باب في قوله تعالى: ” فيه آيات بينات ” قطعة من ح 2. (*)

[ 167 ]

الذي كان فيه المقام ؟ فقال رجل: أنا، قد كنت أخذت مقداره بنسع (1) فهو عندي، فقال: تأتيني به، فأتاه به فقاسه، ثم رده إلى ذلك المكان (2). ومن دخله كان ءامنا: جملة ابتدائية، أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على ” مقام ” لانه في معنى: وأمن من دخله، أي منها أمن من دخله، أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وآمن من دخله. واقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة، لان فيهما غنية عن غيرهما في الدارين، بقاء الاثر مدى الدهر والآمن من العذاب يوم القيامة. وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي زهرة بن شبيب بن أنس عن بعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لابي حنيفة: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال: نعم، قال يا أبا حنيفة: لقد ادعيت علما، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وما أدراك الله من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول: ولست كما تقول: فأخبرني عن قول الله (عز وجل): سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ” (3) أين ذلك من الارض ؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) ومن كان إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة، فتؤخذ أموالهم، ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون ؟ قالوا: نعم، قال: فسكت أبو حنيفة فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله (عز وجل): ” ومن دخله كان آمنا ” أين ذلك من الارض ؟ فقال: الكعبة، فقال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة، فقتله كان آمنا فيها ؟ ! قال: فسكت، فقال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك، ما الجواب في المسألتين


(1) في حديث البيت الحرام: (إني أخذت مقداره بنسع) النسع بالكسر سير ينسج عريضا يشد به الرحال، القطعة منه نسعة، ويسمى نسعا لطوله، وجمعه نسع بالضم وأنساع. (مجمع البحرين لغة نسع). (2) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج باب في قوله تعالى: ” فيه آيات بينات ” قطعة من ح 2. (3) سبأ: 18. (*)

[ 168 ]

الاولتين ؟ فقال: يا أبا بكر ” سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ” فقال: مع قائمنا أهل البيت. وأما قوله ” ومن دخله كان آمنا ” فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه كان آمنا، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (1). وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قوله: ” ومن دخل كان آمنقال: سألته عن قوله: ” ومن دخله كان آمنا ” ؟ قال: يأمن فيه كل خائف ما لم يكن عليه حد من حدود الله ينبغي أن يؤخذ به، قال: وسألته عن طائر يدخل اليوم ؟ قال: لا يؤخذ ولا يمس، لان الله يقول: ” ومن دخله كان آمنا ” (2). وقال عبد الله بن سنان: سمعته يقول فيما ادخل الحرم مما صيد في الحل: قال: إذا دخل الحرم فلا يذبح أن الله يقول: ” ومن دخله كان آمنا ” (3). وعن على بن عبد العزيز قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك قول الله ” فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخل كان آمنا ” وقد يدخله المرجي، والقدري، والحروري، وللزنديق الذي لا يؤمن بالله ؟ قال: لا ولا كرامة قلت: فمن جعلت فداك ؟ قال: ومن دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به، خرج عن ذنوبه، وكفي هم الدنيا والآخرة (4). وفي أمالي الصدوق (رحمه الله) بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن الله (جل جلاله) في حديث طويل، وفيه يقول (جل جلاله) في حق علي (عليه السلام): وجعلته العلم الهادي من الضلالة


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 83 باب 81 علة المرارة في الاذنين والعذوبة في الشفتين والملوحة في العينين والبرودة في الانف ح 5 والحديث طويل جدا وفيه من الحكم والآثار والاحكام والمسائل ما لا يخفى، وفيه (أبو زهير) مصغرا بدل (أبو زهرة). ورواه في البحار (الطبعة الحديثة ج 10 ص 212 باب 13 احتجاجات الصادق صلوات الله عليه على الزنادقة والمخالفين ومناظراته معهم) ح 13 نقلا عن أمالي الطوسي، والحليلة لابي نعيم وصاحب الروضة، وقال: الرواية يزيد بعضها على بعض، عن محمد الصيرفي وعن عبد الرحمن بن سالم، فلا حظ. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 188 ح 100 وفيه تقطيع. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 189 ح 104. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 190 ح 107. (*)

[ 169 ]

وبابي الذي اوتي منه، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري (1). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، والحجال، عن ثعلبة، عن أبي خالد القماط، عن عبد الخالق الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ومن دخله كان آمنا ” فقال: لقد سألني عن شئ ما سألني أحد إلا من شاء الله، قال: من أم هذا لبيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله (عز وجل) به، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا، وكان آمنا في الدنيا والآخرة (2). وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): إن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه، كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم (3). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، ولا تدخلها بحذاء، وتقول إذا دخلت: اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فامني من عذاب النار (4). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” ومن دخله كان آمنا ” البيت عنى أم الحرم ؟ قال: من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن به من سخط الله، ومن دخله من الوحش والطيركان آمنا أن يهاج، أو يؤذى حتى يخرج من الحرم (5). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” ومن دخله كان آمنا ” قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسع لاحد أن يأخذه في


(1) الامالي للصدوق (عليه الرحمة): المجلس التاسع والثلاثون، ص 184 ح 10. (2) الكافي: ج 4 ص 545، كتاب الحج، باب النوادر، ح 25. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 478 في تفسيره لقوله تعالى: ” ومن دخله كان آمنا “. (4) الكافي: ج 4 ص 528، كتاب الحج، باب دخول الكعبة قطعة من ح 3. (5) الكافي: ج 4 ص 226 كتاب الحج باب في قوله تعالى ” ومن دخله كان آمنا ” ح 1. (*)

[ 170 ]

الحرم ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك [ به ] (1) يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة (2). وبإسناده إلى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” ومن دخله كان آمنا ” قال: ان سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى مكة لم يؤخذ مادام في الحرم حتى يخرج منه، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث اخذفيه (3). وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم فقال: لا يمس، لان الله (عز وجل) يقول: ” ومن دخله كان آمنا ” (4). وفي من لا يحضره الفقيه: وسأل محمد بن مسلم أحد هما (عليهما السلام) عن الظبي يدخل الحرم ؟ فقال: لا يؤاخذ ولا يمس، لان الله (عز وجل) يقول: ومن دخله كان آمنا ” (5). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي ؟


(1) مابين المعقوفتين ليس في النسخة – أ – وأثبتناه من المصدر لا قتضاء السياق. (2) الكافي: ج 4 ص 226، كتاب الحج باب في قوله تعالى ” ومن دخله كان آمنا ” ح 2. (3) الكافي: ج 4 ص 227 كتاب الحج باب في قوله تعالى: ” ومن دخله كان آمنا ” ذيل ح 2. (4) علل الشرائع: ج 2 ص 136 باب 206 العلة التي من أجلها لا يؤخذ الطير الاهلي إذا دخل الحرم ح 1. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 170 باب تحريم صيد الحرم وحكمه ح 19. (*)

[ 171 ]

قال: لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم (1). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من دفن في الحرم أمن من الفزع الاكبر، فقلت: من بر الناس وفاجرهم ؟ قال: من بر الناس وفاجرهم (2). وفي من لا يحضره الفقيه: من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين، ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان، ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الاكبر (3). ولله على الناس حج البيت: قصده للزيارة على الوجه المخصوص، والحج في الاصل القصد. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (حج) بالكسر، وهي لغة. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول الله (عز وجل): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” يعني به الحج والعمرة جميعا، لانهما مفروضان (4). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي عيون الاخبار في باب [ ما ] (5) ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة الحج الوقادة إلى الله (عز وجل) وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف، وليكون تائبا فيما مضى، مستأنفا لما يستقبل، وما فيه من استخراج الاموال، تعب الابدان، وحظرها عن الشهوات


(1) الكافي: ج 4 ص 241 كتاب الحج باب فيمن رأى غريمه في الحرم ح 1. (2) الكافي: ج 4 ص 258 كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة وثوابهما ح 26، وفي النسخة – أ دخل في الحرم.. بدل دفن في الحرم والصحيح ما اثبتناه من المصدر. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 147 باب فضائل الحج قطعة من ح 100. (4) الكافي: ج 4 ص 264 كتاب الحج باب فرض الحج والعمرة ح 1. (5) كذا في النسخة – أ -، والظاهر أن (ما) هنا زائدة. (*)

[ 172 ]

واللذات، والتقريب بالعبادة إلى الله (عز وجل)، والخضوع والاستكانة والذل، شاخصا في الحر والبرد والامن والخوف، دائب في ذلك دائم، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، الرغبة والرهبة إلى الله تعالى، ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الانفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والامل، وتجديد الحقوق، حظر النفس عن الفساد، ومنفعة من في شرق الارض وغربها، ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج من تاجر وجالب وبائع ومشتروكا سب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الارض، والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك، ليشهدوا منافعهم (1). من استطاع: بدل من الناس بدل البعض من الكل. إليه سبيلا: تميز من نسبة الفعل إلى المفعول بالواسطة. وفي عيون الاخبار فيما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون من محض الاسلام وشرائع الدين: وحج البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، والسبيل الزاد والراحلة مع الصحة (2). وفي كتاب الخصال: عن الاعمش، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: هذه شرائع الدين، إلى أن قال: وحج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه من حجة (3). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد ابن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ” من استطاع إليه سبيلا ” فقال: ما يقول الناس ؟ قال: فقيل له: الزاد والراحلة قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أو جعفر (عليه السلام)


(1) عيون الاخبار: ج 2 ص 88 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل قطعة من ح 1. (2) عيون الاخبار: ج 2 ص 124 باب 35 ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الاسلام وشرائع الدين، قطعة من ح 1 س 6. (3) الخصال: ج 2 ص 606، أبواب المائة فما فوقه (خصال من شرائع الدين) ح 9 ص 12. (*)

[ 173 ]

عن هذا فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له: فما السبيل ؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلهاإلا على من يملك مائتي درهم (1) (2). محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل رجل من أهل القدر فقال: يابن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” أليس قد جعل الله لهم الا ستطاعة ؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة، ليس استطاعة البدن، فقال الرجل: أفليس إذا كان الزاد والراحلة فهو مستطيع للحج ؟ فقال: ويحك ليس كما تظن قد ترى الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد والراحلة فهو لا يحج حتى يأذن الله تعالى في ذلك (3). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” قال: ما السبيل ؟ قال: أن يكون له ما يحج به قال: قلت: من عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا ؟ قال: نعم ما شأنه أن يستحيي، ولو يحج على حمار أجدع أبتر، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا، فليحج (4). وفي رواية: أنه يخرج ويمشي إن لم يكن عنده، قيل: لا يقدر على المشي ؟ قال:


(1) الكافي: ج 4 س 267 كتاب الحج باب استطاعة الحج ح 3. (2) معنى الحديث: لئن كان من كان له قدر ما يقوت عياله فحسب وجب عليه أن ينفق ذلك في الزاد والراحلة، ثم ينطلق إلى الناس فيسائلهم قوت عياله لهلك الناس إذا. وفي بعض النسخ من الكتب الاربعة: ينطلق إليه، أي إلى الحج، فيسلبهم إياه، يعني يسلب عياله ما يقوتونه، لقد هلكوا، يعني عياله، وهو أصوب وأصح وأضح (وفي باب استطاعة الحج ص 49). (3) الكافي: ج 4 ص 268، كتاب الحج، باب استطاعة الحج ح 5. (4) الكافي: ج 4، ص 266، كتاب الحج، باب استطاعة الحج ح 1. (*)

[ 174 ]

يمشي ويركب، قيل: لا يقدر على ذلك ؟ قال: يخدم القوم ويخرج معهم (1). اعلم إنه ينبغي أن يحمل اختلاف الروايات على اختلاف الناس في جهات الاستطاعة، فإن بعضهم يجب لهم الزاد والراحلة ولا يجب لهم الرجوع إلى مال لقدرتهم على تحصيل مايموتون به بتجارة وكسب، وبعضهم يجب لهم الرجوع إلى ما يموتون به لعدم قدرتهم على التحصيل، ولعضهم عادتهم الخدمة والتعيش بأي وجه اتفق لهم مع قدرتهم على ذلك فإذا حصل لهم تلك الاستطاعة وجب الحج. وفي كتاب التوحيد: حدثنا أبي ومحمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنهما) قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” قال: يكون له ما يحج به، قلت: من عرض عليه الحج فاستحيا ؟ قال: ممن يستطيع (2). حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” ما يعنى بذلك ؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه زاد وراحله (3). وفي كتاب علل الشرائع: أبي (رحمه الله) حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن ابي عمير، عن عمر بن اذينة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” يعني به الحج دون العمرة ؟ فقال: لا، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لانهما مفروضان (4).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 193 ص 116 بتفاوت يسير في بعض الالفاظ. (2) التوحيد: ص 349 ح 10. (3) التوحيد: ص 350 ح 14. (4) علل الشرائع: ص 453 باب 210، نوادر علل الحج ح 2. (*)

[ 175 ]

. في مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام): واعلم بأن الله تعالى لم يفرض الحج ولم يخصه من جميع الطاعات بالاضافة إلى نفسه بقوله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” ولا شرع نبيه (صلى الله عليه وآله) سنته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه إلا لاستعلائه ولاشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة وفصل بيان السابقة من الدخول في الجنة اهلها ودخول النار اهلها بمشاهدة مناسك الحج من أولها إلى آخرها لاولي الالباب واولي النهى (1). ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين: وضع ” كفر ” موضع ” لم يحج ” تأكيدا لوجوبه، تغليظا على تاركه. وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه. الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في صورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب الله في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولا وتخصيصه ثانيا، فإنه كإيضاح بعد إبهام وتنبيه وتكرير للمراد. وتسميته ترك الحج كفرا من حيث انه فعل الكفرة. وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع يدل على المقت والخذلان، وإيراد (عن العالمين) بدل عنه لما فيه من التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والاشعار بعظم السخط، وذلك لانه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال، والتجرد عن الشهوات، والاقبال على الله. وفي من لا يحضره الفقيه: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه) السلام): يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر، يقول الله (تبارك وتعالى): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ” يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا (2). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البحلي، ومحمد بن يحيى، عن العمركي بن علي جميعا، عن علي بن جعفر عن أخيه


(1) مصباح الشريعة: ص 49 الباب الواحد والعشرون في الحج ذيل الحديث. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 266 باب النوادر، وهو آخر أبواب الكتاب، قطعة من ح 1. (*)

[ 176 ]

موسى (عليه السلام) قال: إن الله تعالى فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ” قال: قلت: فمن لم يحج فقد كفر ؟ قال: لا، ولكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر (1). وفي تفسير العياشي: عن (أبي) (2) اسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: أرأيت قول الله ” ومن كفر فان الله غني عن العالمين ” قال: هو كفر النعم. وقال: ” من ترك ” في خبر آخر (3). قيل: وروي أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرباب الملل فخطبهم وقال: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فآمنت به ملة واحدة وكفرت خمس ملك، فنزلت ” ومن كفر ” (4). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن الصلت جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة: وأي من ذلك أفضل ؟ قال: الولاية أفضل لانها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن. قلت: ثم الذي يليه في الفضل ؟ فقال: الصلاة، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الصلاة عمود دينكم، قال: قلت: ثم الفضل الذي يليها في الفضل ؟ قال: الركاة لانها قرنها وبدأ بالصلاة قبلها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الركاة تذهب الذنوب قال: قلت: والذي يليها في الفضل ؟ قال: الحج قال الله (عز وجل): ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ” وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لحجة مقبولة


(1) الكافي: ج 4 ص 265، كتاب الحج، باب فرض الحج والعمرة، ح 5. (2) في النسخة – أ (ابن) والصحيح ما اثبتناه من المصدر وكتب الرجال. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 193 ح 115. (4) الكشاف: ج 1 ص 391 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت ” الآية وفي الهامش (أخرجه الطبري من طريق جرير عن الضحاك). (*)

[ 177 ]

[ قل يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله والله شهيد على ما تعملون (98) قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغفل عما تعملون (99) يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كفرين (100) ] خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه اسبوعه، وأحسن ركعتيه غفر له، وقال: في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال (1)، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): جعله سبحانه وتعالى للاسلام علما، وللعائذين حرما، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: ” والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ” (2). قل يأهل الكتب لم تكفرون بئايت الله: السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد (صلى الله عليه وآله) فيما جاء به من وجوب الحج وغيره. وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب يدل على أن كفرهم أقبح. وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والانجيل، فهم كافرون بهما (3)، وأن الكفر ببعض كتاب كفر بكله. فالكفر بولاية على (عليه السلام) كفر بجميع آيات الله، فافهم.


(1) الكافي: ج 2 ص 18 ح 5. (2) نهج البلاغة: ص 45 قطعة من الخطبة 1 ط صبحي الصالح. (3) نقلهما في أنوار التنزيل وأسرار التأويل ج 1 ص 174 في تفسيره لقوله تعالى: ” قل يا أهل الكتاب لم تكفرون. وقل يا أهل الكتاب لم تصدون “. (*)

[ 178 ]

والله شهيد على ما تعملون: والحال أنه شهيد مطلع على أعمالكم واعتقاداتكم فيجازيكم عليها لا ينفعكم التحريف والاستسرار. قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن: تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التقريع ونفي العذر لهم، وللاشعار بأن كل واحد من الامرين مستقبح في نفسه، مستقل باستجلاب العذاب. وسبيله، دينه الحق المأمور بسلوك، وهو الاسلام المرادف للايمان. قيل: كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم حتى أتوا الاوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب، ليعودوا لمثله، لمثله، ويحتالون لصدهم عنه (1). تبغونها عوجا: حال من الواو. واللام في المفعول الاول محذوف، أي طالبين لسبيل الله اعوجاجا. أو ” عوجا ” تمييز من النسبة إلى المفعول، أي طالبين عوجها، بأن تلبسوا عن الناس توهموا أن فيه عوجا عن الحق، بمنع النسخ، وتغير صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحوهما، أو بأن تحرشوا بين المؤمنين، ليختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم. وأنتم شهداء: إنها سبيل الله والصد عنها ضلال وإضلال وأنتم عدول عند أهل ملتكم، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا. وما الله بغفل عما تعملون: وعيد لهم. ولما كان المنكر في الآية الاولى، كفرهم، وهم يجهزون به، ختمها بقوله: ” والله شهيد “. وفي هذه الآية صدهم المؤمنين عن الاسلام، وكانوا يخفون ويحتالون فيه، قال: ” وما الله بغافل عما تعملون “. يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كافرين:


(1) نقلهما في انوار التنزيل واسرار التأويل: ج 1 ص 174 في تفسيره لقوله تعالى ” قل يا أهل الكتاب لم تكفرون وقل يا أهل الكتاب لم تصدون “. (*)

[ 179 ]

[ كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايت الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صرط مستقيم (101) ] قيل: نزلت في نفر من الاوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون فمر بهم شامر بن قيس اليهودي، فغاظوا تألفهم واجتماعهم، فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم (بعاث) (1) وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفر في ذلك اليوم للاوس، ففعل، فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا، وقالوا: السلاح السلاح، واجتمع مع القبيلتين خلق عظيم، فتوجه إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، فقال: أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذا أكرمكم الله بإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم، فعلموا أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح، واستغفروا، وعانق بعضهم بعضا، وانصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وإنما خاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بأن يخاطب أهل الكتاب، إظهارا لجلالة قدرهم، وإشعارا بأنهم هم الاحقاء بأن يخاطبهم تعالى ويكلمهم. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله: إنكار


(1) في النسخة – ا -: يغاث والصحيح ما أثبتناه، ويوم بعاث بضم الباء يوم معروف كإن فيه حرب بين الاوس والخزرج في الجاهلية ذكره الواقدي ومحمد بن إسحاق في كتابيهما، قال الازهري: وذكر ابن المظفر هذا في كتاب العين فجعله يوم بغات (بالغين المعجمة) وصحفه، وما كان الخليل (رحمه الله) ليخفى عليه ويوم بعاث لانه من مشاهير أيام العرب (لسان العرب: ج 2 ص 117 في لغة بعث) وقال أيضا في ص 119 في لغة بغث: يوم بغاث، يوم وقعة كانت بين الاوس والخزرج، قال الازهري: إنما هو بعاث بالعين، وهو من مشاهير أيام العرب، ومن قال بغاث فقد صحف. (2) نقله في الكشاف: ج 1 ص 393 في تفسيره لقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا ” الآية، ونقله ابن هشام في السيرة: ج 2 ص 183. (*)

[ 180 ]

وتعجب لكفرهم في حال الجتمع لهم الاسباب الداعية إلى الايمان الصارفة عن الكفر. ومن يعتصم بالله: ومن يستمسك بدينه، أو يلتجأ إليه في مجامع اموره. في كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهن حيلة، وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نية صادقة فاتكل عليه في جميع اموره كلها، الحديث (1). فقد هدى إلى صرط مستقيم: فقد اهتدى لا محالة. وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى حسين الاشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إن الامام لا يكون إلا معصوما ؟ فقال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله (تبارك وتعالى): ” ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ” (2). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أيما عبد أقبل قبل ما يحب الله عز وجل، اقبل الله قبل ما يحب (3). ومن اعتصم بالله عصمه الله.


(1) الخصال: ص 285 باب الخمسة ح 37 وتمام الحديث (ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لاخيه المؤمن بما يرضاه لنفسه، ومن لم يخزع على المصيبة حين تصيبه، ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم لرزقة). (2) معاني الاخبار: ص 132 باب معنى عصمة الامام، ح 2. (3) يقال: أقبل قبلك، أي قصد قصدك وتوجه إليك وجعلك قبالة وجهه وتلقاءه. والمراد بإقبال العبد نحو ما يحبه الله، قصده والاتيان به طلبا لرضاه. وبإقبال الله نحو ما يحبه العبد إضافة ما يسر به قبله وتقربه عينه. ومن اعتصم بالله عصمه الله من الضياع والحاجة، كما اعتصم به مؤمن آل فرعون بقوله ” وافوض أمري إلى الله بصير بالعباد ” فلجأ من شر فرعون وجنوده إليه سبحانه واعتصم به، فوقاه الله سيئات ما مكروا. واعتصم به يونس (عليه السلام) في الظلمات بقوله: ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” فلجأ من غضبه إليه واعتصم به، فأقبل الله إليه بالقبول وعصمه بقوله: ” فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ” واعتصم به أيوب (عليه (*)

[ 181 ]

[ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) ] ومن أقبله الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الارض (1). أو كانت نازلة نزلت على أهل الارض فشملتهم بلية، كان في حزب الله بالتقوى من كل بلية (2)، أليس الله عز وجل يقول: ” إن المتقين في مقام أمين ” (3) (4) (5). يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته: حق تقواه وما يجب منها. وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم. أصله (وقية) فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤدة وتخمة، والياء الفا. وفي مجمع البيان: وذكر في قوله تعالى: ” حق تقاته ” وجوه، ثانيها: أنه المجاهدة في الله، وأن لا تأخذه لومة لائم، وأن يقام له بالقسط في الخوف والامن، عن مجاهد، ثم اختلف فيه أيضا على قولين: أحدهما: أنه منسوخ بقوله: ” فاتقوا الله


السلام) وأقبل إليه بقول: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ” فأقبل الله إليه باقبول وعصمه ورفع عنه الكرب والضر. وكذلك لجأ إليه كثير من الانبياء والمرسلين والصلحاء والمتقين والفاسقين فأقبل الله إليهم بقضاء حوائجهم وإزاحة مكارههم (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 200). (1) ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السماء: إن جعل (لم يبال) وحده جوابا للشرط السابق، كان جواب الشرط اللاحق قوله: ” كان في حزب الله ” وإن جعل جوابا للشرط اللاحق وجعل المجموع جوابا للشرط السابق، كان قوله: ” كان في حزب الله ” استئنافا (المصدر نفسه). (2) بالتقوى من كل بلية: أي يقيه من كل بلية في الدنيا والآخرة (المصدر). (3) الدخان: 51. (4) أي المأمون من البلية والآفة فيهما (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 200). (5) الكافي: ج 2 ص 65 كتاب الايمان والكفر، باب التفويض إلى الله والتوكل عليه، ح 4. (*)

[ 182 ]

ما استطعتم ” (1) وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2). وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” اتقوا الله حق تقاته ” ؟ قال: يطاع ولا يعصى، ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر (3). ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون: أي ولا تكونن على حال سوى حال الاسلام إذا أدرككم الموت. فإن النهي عن المقيد بحال وغيرها، قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد اخرى، وقد يتوجه نحو المجموع، وكذلك النفي. وفي مجمع البيان: وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ” وأنتم مسلمون ” بالتشديد، ومعناه مستسلمون لما أتى النبي (صلى الله عليه وآله) به ومنقادون له (4). وفي تفسير العياشي: عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الاول (عليه السلام) لبعض أصحابه: كيف تقرأ هذه الآية ؟ ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” ما ذا ؟ قلت: ” مسلمون ” فقال: سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين، ثم يسألهم الاسلام، والايمان فوق الاسلام ؟ قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد، قال: إنما هي في قراءة علي (عليه السلام) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله)، إلا وأنتم مسلمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم الامام من بعده (5). وفي كتاب المناقب لابن شهراشوب: عن الباقر (عليه السلام) في قراءة علي (عليه السلام) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله)،


(1) التغابن: 16. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 482 في تفسيره لقوله تعالى: ” اتقوا لله حق تقاته “. (3) معاني الاخبار: ص 240 باب معنى اتقاء الله حق تقاته، ح 1. (4) مجمع البيان: ج 2 ص 482 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون “. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 193 ح 119. (*)

[ 183 ]

[ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخونا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون (103) ] ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والامام بعده (1). وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى داود بن سليمان (القارئ) (2)، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا، والاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له (3). وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): فبادروا العمل، وخافوا بغتة الاجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق، ما فات اليوم من الرزق رجى غدا زيادته، وما فات الامس من العمر لم ترج اليوم رجعته، الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي ” فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون “. (4) واعتصموا بحبل الله: بدينه الاسلام الذي ملاكه الولاية والكتبا.


(1) ما عثرت عليه في المناقب مع الفحص الشديد هذا لفظه: وعنه (أي الباقر) في قوله: إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون لولاية علي لا حظ المناقب لا بن شهراشوب: ج 2 ص 353 فصل في ذكره (عليه السلام) في الكتب. وأيضا في ج 3 ص 95 فصل في أنه الايمان والاسلام. (2) في المصدر: (الغازي). (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 219 باب 28 فيما جاء عن الامام على بن موسى الرضا (عليهما السلام) من الاخبار المتفرقة، ح 25. (4) نهج البلاغة: ص 171 ومن خطبة له، وفيها مواعظ للناس. صبحي الصالح. (*)

[ 184 ]

وفي الكتاب استعارة تبعية، ووجه الشبه التمسك به، فإن المتمسك به سبب النجاة عن الردى، كما أن التمسك بالحبل سبب السلامة عن التردي: والاعتصام ترشيح للاستعارة. جميعا: مجتمعين عليه. وفي أمالي شيخ الطائفة (رحمه الله): بإسناده إلى عمر بن راشد، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قوله: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ” قال: نحن الحبل (1). وفي تفسير العياشي: عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ” قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبل الله المتين (2). وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: آل محمد (عليهم السلام) هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به، فقال ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” (3). وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام)، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: الامام منا لا يكون إلا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلا منصوصا، فقيل له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والامام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الامام، وذلك قول الله (عز وجل): ” إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ” (4) (5).


(1) الامالي لشيخ الطائفة: ج 1 ص 278، ولفظ الحديث (قال أبو العباس – هو عمر بن راشد أبو سليمان – عن جعفر بن محمد في قوله: ” ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ” قال: نحن من النعيم. وفي قوله: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ” قال: نحن الحبل). (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 194 ح 122. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 194 ح 123. (4) الاسراء: 9. (5) معاني الاخبار: ص 132 باب معنى عصمة الامام ح 1. (*)

[ 185 ]

وفي مجمع البيان: روى أبو سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أيها الناس إني تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلوا من بعدي، أحد هما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله ” واعتصموا بحبل الله جميعا ” قال: التوحيد والولاية (2). اولا تفرقوا: أي لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب، أولا تتفرقوا تفرقكم الجاهلي يحارب بعضكم بعضا، أولا تذكروا ما يوجب التفرق ويزيل الالفة. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ” ولا تفرقوا ” قال: إن الله (تبارك وتعالى) علم أنهم سيتفرقون بعد نبيهم ويختلفون، فنهاهم عن التفرق كما نهى من قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا يتفرقوا (3). وفي شرح الآيات الباهرة: وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) في تأويل هذه الآية، وهو من محاسن التأويل، عن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن جده قال: قال علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالسا في المسجد وأصحابه حوله، فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة يسأل عما يعنيه، قال: فطلع علينا رجل شيبه برجال مصر، فتقدم وسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس وقال: يا رسول الله إني سمعت الله يقول: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” فما هذا الحبل الذي أمر الله بالاعتصام به ولا نتفرق عنه ؟ قال: فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب (عليه


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 482 في تفسيره لقوله تعالى: ” واعتصموا بحبل الله “. (2) و (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 108 في تفسيره لقوله تعالى: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا “. (*)

[ 186 ]

السلام) وقال: هذا حبل الله الذي من تمسك به عصم في دنياه ولم يضل في اخراه، قال: فوثب الرجل إلى علي بن أبي طالب واختضنه من وراء ظهره، وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله، ثم قام فولى وخرج، فقام رجل من الناس فقال: يا رسول الله (صلى الله عليك وآلك) الحقه واسأله أن يستغفر لي ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تجده مرفقا، قال: فلحقه الرجل وسأله أن يستغفر له ؟ فقال له: هل فهمت ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما قلت له: قال الرجل: نعم، فقال له: إن كنت متمسكا بذلك الحبل فغفر الله لك، وإلا فلا غفر الله لك، وتركه ومضى (1). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثني الحسين بن محمد، قال: حدثنا محمد بن مروان بن أعين، قال: حدثنا أبو حفص الاعمش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: جاء رجل في صورة اعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله بأبي أنت وامي ما معنى ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): أنا نبي الله وعلي بن أبي طالب حبله، فخرج الاعرابي وهو يقول: آمنت بالله وبرسوله وبحبله (2). وقال: حدثني محمد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل إعرابي فقال: يا رسول الله ما قول الله في كتابه: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” فما حبل الله ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا إعرابي أنا نبيه وعلي بن أبي طالب حبله، فخرج الاعرابي وهو يقول: آمنت بالله وبرسوله واعتصمت بحبله (3). وقال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا [ عن جعفر بن محمد قال بينا ] (4)


(1) لا يوجد لدينا هذا الكتاب بل وجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 123. (2) تفسير فرات الكوفي: ص 14. (3) تفسير فرات الكوفي: ص 14. (4) ما بين المعقوفتين ليس في نسخة – أ – وأثبتناه من المصدر لاقتضاء سياق الكلام. (*)

[ 187 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في جماعة من أصحابه [ إذ ] (1) ورد عليه اعرابي فبرك بين يديه فقال: يا رسول الله إني سمعت الله يقول في كتابه: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” فما هذا الحبل الذي امرنا الله بالاعتصام به ما هو ؟ قال: فضرب النبي يده على كتف علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ولاية لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله واعتصم بحبل الله، قال وشد اصابعه (2). وقال: حدثني جعفر بن محمد بن سعيد الاحمسي معنعنا عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: نحن حبل الله الذي قال: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” وولاية علي التي من استمسك به كان مؤمنا ومن تركها خرج من الآيات (3). واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء: في الجاهلية متقابلين. فألف بين قلوبكم: بالاسلام. فأصبحتم بنعمته إخوانا: متحابين مجتمعين على الاخوة في الله. في كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى عبد الرحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن الحارث بن نوفل قال: قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أمنا الهداة أم غيرنا ؟ قال: بل منا الهداة إلى الله إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله (عز وجل) من ضلالة الشرك، وبنا استنقذهم الله من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة الشرك، وبنا يختم الله، وبنا يفتح (4). وقيل: كان الاوس والخزرج أخوين لابوين، فوقعت بين أولادهم العداوة، (1) ما بين المعقوفتين ليس في نسخة – أ – وأثبتناه من المصدر لاقتضاء سياق الكلام. (2 و 3) تفسير فرات الكوفي: ص 15. (4) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 230 باب اتصال الوصية من لدن آدم. ح 31. (*)


[ 188 ]

وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله تعالى بالاسلام وألف بينهم برسوله (صلى الله عليه وآله) (1). وكنتم على شفا حفرة من النار: أي مشفين على الوقوع في نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت في تلك الحال لوقعتم فيها. فأنقذكم منها: بالاسلام. والضمير لل‍ (حفرة) أو ل‍ (النار) أو لل‍ (شفا) وتأنيثه لتأنيث ما اضيف إليه، أو لانه بمعنى الشفة، فإن شفاء البئر وشفتها طرفها، كالجانب والجانبة. وإصله (شفو) فقلبت الواو في المذكر وحذف في المؤنث. وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ” بمحمد. هكذا والله نزل بها جبرئيل (2) على محمد (صلى الله عليه وآله) (3).


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 482. والكشاف: ج 1 ص 395 ومن أراد الاطلاع أكثر من ذلك فعليه بمراجعة الكامل لابن الاثير: ج 1 من ص 655 إلى 680. (2) قد تكرر في الحديث مثل هذ التعبير، بشأن كثير من الآيات، ورد في تفسيرها: انها نزلت كذا، أو نزل بها جبرائيل كذا، والمراد: بيان شأن النزول، حسب المصطلح اليوم. اي ان المقصود بنزول الآية والمناسبة المستدعية لنزولها كان كذا. كما ورد في قوله (صلى الله عليه وآله): ” ان فيكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. وهو علي بن أبي طالب ” (تفسير العياشي: ج 1 ص 15 ح 6. فقد قاتل (صلى الله عليه وآله) على تنزيل القرآن أي تطبيفه الخاص بمورد نزوله. وسيقاتل علي (عليه السلام) على تأويله، أي تطبيقه العام على موارد مشابهة لنزوله تماما. فالتعبير ” بمحمد ” جاء لبيان انه الوسيلة التي تحقق بها هذا الانقاذ، وهو المقصود من فاعل الانقاذ بالمباشر. لا ان الآية كانت كذلك.. وان توهمه بعض من لا خبرة له بلحن الكلام. والدليل القاطع على ارادة هذا المعنى، وفرة الروايات واتفاق كلمة الاعلام على انه تفسير لا غير، ومن ثم اختلفت التعابير. فتارة: عبر بالاسلام. واخرى: برسول الله. وثالثة: بمحمد. وما شابه من تعابير، كلها ينم عن حقيقة واحدة: هو بيان وسيلة الانقاذ. وحتى المصنف نفسه جعل من هذه التعابير تفسيرا لا ارادة التغيير. قال – عند تفسير الآية ” كنتم خير امة.. “: أي بهذا المعنى نزلت. (3) الكافي: ج 8 ص 159 ح 208. (*)

[ 189 ]

[ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ] وبإسناده إلى أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: بأبي وامي وقومي وعترتي وعشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها، والله (عز وجل) يقول في كتابه: ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ” فبرسول الله (صلى الله عليه وآله) انقذوا (1). وفي تفسير العياشي: عن أبي الحسن علي بن محمد بن ميثم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أبشروا بأعظم المنن عليكم قول الله تعالى: ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ” فالانقاذ من الله هبة، والله لا يرجع من هبته (2). وعن محمد بن سليمان البصري الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ” وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ” محمد (صلى الله عليه وآله) (3). كذلك: مثل ذلك التبيين. يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون: إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: (من) للتبعيض واللام للاستغراق، أي وليكن بعضكم يدعون بكل خير ويأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر. وأولئك هم المفلحون: المخصوصون بكمال الفلاح، لا حاجة لهم إلى داع


(1) الكافي: ج 8 ص 221 ح 388. (2 و 3) تفسير العياشي: ج 1 ص 194 ح 125 و 124. (*)

[ 190 ]

يدعوهم إلى الخير وآمر يأمرهم بالمعروف، وناه ينهاهم عن المنكر. وفي لفظ ” منكم ” إشعار بأنه غير النبي، فيجب من دلالة الآية: أن يكون أمة غير النبي يكون نفسه معصوما ويعلم كل خير وكل معروف وكل منكر، يدعو ويأمر وينهى. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله، أهو لقوم لا يحل إلا لهم، ولا يقوم به إلا من كان منهم، أم هو مباح لكل من وحد الله (عز وجل) وآمن برسوله (صلى الله عليه) وآله) ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله (عز وجل) وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله ؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم. قلت: من اولئك ؟ قال: من قام بشرائط الله (عز وجل) في القتال والجهاد على المجاهدين، فهو مأذون له في الدعاء إلى الله تعالى. ومن لم يكن قائما بشرائط الله (عز وجل) في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، إلى أن قال (عليه السلام): ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين، وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف، لانه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله تعالى، لانه ليس مجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنون بجهاده، وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى الله تعالى من أمر بدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به، ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عن. وفي هذا الحديث يقول (عليه السلام): ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: ” ولتكن منكم امه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ” ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة، دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر.


[ 191 ]

عنهم في كتابه أنهم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الذين وصفناهم قبل هذا في صفة امة محمد (صلى الله عليه وآله)، الذين عناهم الله في قوله: ” ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ” (1) يعني من اتبعه على الايمان به، والتصديق له وبما جاء به من عند الله تعالى من الامة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشرك (2). علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وسئل عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أواجب هو على الامة جميعا ؟ فقال: لا، فقيل له: ولم ؟ قال: إنما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا، إلى أي من أي يقول إلى الحق من الباطل والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله: ” ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى: ” ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون ” (3) ولم يقل على امة موسى، ولا على قومه، وهم يومئذ امم مختلفة، والامة واحدة فصاعدا، كما قال الله تعالى: ” إن إبراهيم كان امة قانتا لله ” (4) يقول: مطيعا لله تعالى (5). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) وفي قوله: ” ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ” فهذه لآل محمد ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، ينهون عن المنكر (6). وفي كتاب الخصال: عن يعقوب بن يزيد بإسناده رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى، فمن


(1) يوسف: 108. (2) الكافي: ج 5 ص 13 كتاب الجهاد، باب من يجب عليه الجهاد ومن لا يجب، قطعة من ح 1 والحديث طويل. (3) الاعراف: 158. (4) النحل: 119. (5) الكافي: ج 5 ص 59 كتاب الجهاد، باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ح 16. (6) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 108 في تفسير لقوله تعالى: ” ولتكن منكم امة “. (*)

[ 192 ]

نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله تعالى (1). وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): انهوا عن المنكر وتنا هوا عنه، فإنما امرتم بالنهي بعد التناهي (2). وفيه: لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به (3). وفي تفسير العياشي: عن ابي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في قوله تعالى: ” ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” قال: في هذه الآية تكفر اهل القبلة بالمعاصي لانه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الامة التي وصفها لله لانكم تزعمون أن جميع المسلمين من امة محمد وقد بدت هذه الآية وقد وصفت امة محمد بالدعاء إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها فكيف يكون من الامة وهو على خلاف ما شرطه الله على الامة ووصفها به (4). واعلم أن الداعي إلى كل خير والآمر بكل معروف والناهي عن كل منكر، لا يكون إلا معصوما وعالما بكل خير ومعروف ومنكر، ويجب وجوده ونصبه في كل زمان على الله تعالى، إذ لا يمكن لاحد العلم بعصمة أحد إلا من طريق النص. وأما الامر بمعروف علم من الشرع كونه معروفا والنهي عن منكر علم من الشرع كونه منكرا، فيجب على كل من يقدر عليه كفاية، وفي بعض الاخبار السابقة. دلالة عليه.


(1) الخصال: ج 1 ص 42، باب الاثنين، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله عز وجل، ح 32. (2) نهج البلاغة: ص 152 ومن خطبة له (عليه السلام) في بعض صفات الرسول الاكرم (وعظ الناس)، صبحي الصالح. (3) نهج البلاغة: ص 188 ومن خطبة له (عليه السلام) في ذكر المكائيل والموازين، صبحي الصالح. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 195 ح 127. (*)

[ 193 ]

وفي التهذيب: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء (1). وفي الكافي والتهذيب: عن الباقر (عليه السلام) قال: يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون (2) وينسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا امنوا الضرر، يطلبون لانفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها. إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه، فيهلك الابرار في دار الفجار، والصغار في دار الكبار، وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الارض، وينتصف من الاعداء، ويستقيم الامر، فأنكروا بقلوبكم، وألفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا بخافوا في الله لومة لائم، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا، فلا سبيل عليهم ” إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب أليم ” (3) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا، ولا باغين مالا، ولا مريدين بالظلم ظفرا، حتى يفيئواإلى أمر الله ويمضوا على طاعته. قال أبو جعفر (عليه السلام): وأوحى الله إلى شعيب النبي أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الاخبار ؟ فأوحى الله (عز وجل) إليه أنهم داهنوا أهل


(1) التهذيب: ج 6 ص 181 باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 22. (2) بيان (يتقرؤون) أي يتعبدون ويتزهدون، فالعطف تفسيري (إذا آمنوا الضرر) أي مايحسبونه ضررا وليس بضرر، والاتباع، التتبع، والكلم الجح، والصك الضرب الشديد (الوافي: ج 2 ص 28 باب الحث على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر). (3) الشورى: 42. (*)

[ 194 ]

[ ولا تكونوا كالذين تفرقوا أو اختلفوا من بعد ما جاء هم البينت وأولئك لهم عذاب عظيم (105) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خلدون (107) ] المعاصي ولم يغضبوا الغضبي (1). وفي شرح الآيات الباهرة: روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ” ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ” نحن هم صدق الله ورسوله لان هذه الصفات من صفات الائمة (صلوات الله عليهم)، لانهم معصومون والمعصوم لا يأمر بطاعة إلا وقد ائتمربها ولا ينهى عن المعصية إلا وقد انتهى عنها، كما قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله) والله ما امرتكم بطاعة إلا وقد ائتمرت بها ولا نهيتكم عن معصية إلا وقد انتهيت عنها (2). ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا: كاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة. من بعد ما جاء هم البينت: في موضع الحال من فاعل الفعل السابق، وهي الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه. وفي الآية دلالة على كفر من اختلف وتفرق عن الحق بعد مجئ البينة.


(1) التهذيب: ج 6 ص 181 باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ح 21 وفي الكافي: ج 5 ص 55 كتاب الجهاد، باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ح 1. (2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب بل وجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 124. (*)

[ 195 ]

وفي عطف ” اختلفوا ” على ” تفرقوا ” دلالة على أن الاختلاف إذا كان بحيث يوجب التفرق، يوجب ذلك، لا مطلقا، كاختلاف الشيعة في بعض الفروع. وأولئك لهم عذاب عظيم: وعيد للذين تفرقوا، وتهديد على التشبه بهم. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه: نصب بما في ” لهم ” من معنى الفعل، أو بإضمار (أذكر). وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف. وقيل: يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة، وسعي النور بين يديه وبيمينه، وأهل الباطل بأضداد ذلك (1) وفي الاخبار دلالة على ذلك (2). فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم: أي فيقال لهم: ” أكفرتم ” والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم. في مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إنهم أهل البدع والاهواء والآراء الباطلة من هذه الامة (3). وعن الثعلبي في تفسيره: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: والذي نفسي بيده ليردن علي الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رأيتهم اختجلوا (4) دوني، فلا قولن: أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقهري (5). فذوقوا العذاب: أمر إهانة. بما كنتم تكفرون: بسبب كفركم. وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله: يعني الجنة والثواب المخلد، عبر


(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 176 في تفسيره لقوله تعالى: ” يوم تبيض وجوه وتسود وجوه “. (2) لا حظ تفسير القمي: ج 1 ص 109 والبرهان: ج 1 ص 308 والصافي: ج 1 ص 340 في تفسير الآية. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 485 في تفسيره لقوله تعالى: ” يوم تبيض وجوه وتسود وجوه “. (4) في الهامش (اختلجوا أي احتدبوا واقتطعوا، منه). (5) رواه في مجمع البيان: ج 2 ص 485 نقلا عن الثعلبي في تفسيره. (*)

[ 196 ]

عن ذلك بالرحمة: تنبيها على أن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله، لا يدخل الجنة إلا برحمته وفضله. قيل: كان حق الترتيب أن يقدم ذكرهم، ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم (1). هم فيها خلدون: أخرجه مخرخ الاستئنفا، للتأكيد، كأنه قيل: كيف يكونون فيها ؟ فقال، هم فيها خالدون. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ابي حمزة، عن أبي ذر (رحمه الله) قال: لما نزلت هذه الآية: ” يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرد علي امتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الامة، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون: أما الاكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأما الاصغر فعاديناه وأبضغناه وظلمناه، فأقول: ردوا النار ظلماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الامة فأقولهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون: أما الاكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه، وأما الاصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول: ردوا النار ظلماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع سامري هذه الامة فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون: أما الاكبر فعصيناه وتركناه، وأما الاصغر فخذلناه وضيعناه فأقول: ردوا النار ظلماء مظمئين مودة وجوهكم، ثم يرد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون: أما الاكبر فمزقناه وبرئنا منه وأما الاصغر فقاتلناه وقتلناه، فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية إمام المتقين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون: أما الاكبر فاتبعناه وأطعناه، وأما الاصغر


(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 176 في تفسيره لقوله تعالى: ” أما الذين ابيضت “. (*)

[ 197 ]

فأحببناه وواليناه ونصرناه حتى اهرقت فيه دماءنا، فأقول: ردوا الجنة رواة مرويين مبيضة وجوهكم، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): ” يوم تبيض وجوه ” – إلى قوله – ” خالدون ” (1). وفي روضة الكافي: خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها: وعن يسار الوسيلة، عن يسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظلة يأتي منها النداء، يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي والامي، والذي له الملك الاعلى لا فاز أح ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعد كم وكرم مآبكم، وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين، ويا أهل الانحراف والصدود عن الله – عز ذكره – ورسوله وصراطه وأعلام الازمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون (2) (3). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يذكر فيه الوسيلة ومنزلته (صلى الله عليه وآله) ومنزلة علي (عليه السلام) يقول فيه: فيأتي النداء من عند الله (عز وجل) يسمع النبيين وجميع الخلق: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي طوبى لمن أحبه وويل لمن أبغضه وكذب عليه، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبك إلا استروح إلى هذا الكلام، وابيض


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 109 في تفسيره لقوله تعالى: ” وأما الذين ابيضت وجوهم ” الآية. (2) الكافي: ج 8 ص 25 خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة. (3) (عن يسار الرسول ظلة) في بعض النسخ (ظلمة). (له الملك الاعلى) وهي الجنة والسعادة العظمى (والاقتداء بنجومهما) المراد بها الائمة الائمة (عليهم السلام)، لانهم نجوم يهتدي بهم أهل الارض في تيه الجهالة (فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم) المراد بولاية الله ولايته وولاية من أمر بولايته. وفيه تبشير للتعابين له (عليه السلام) بقرب المنزلة وشرف المقام وتحريض لهم على المتابعة، كما أن ما بعده إنذار للمخالفين ببعد المرتبة وسوة المقام وتخويف لهم عن المخالفة، لعله يتذكر من يتذكر ويخشى (شرح الروضة للعلامة المازندراني: ج 11 ص 242). (*)

[ 198 ]

[ تلك ءايت الله نتلو ها بالحق وما الله يريد ظلما للعلمين (108) ولله ما في السموت وما في الارض وإلى الله ترجع الامور (109) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكتب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثر هم الفسقون (101) ] وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممن عاداك أو نصب لك أو حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه واضطربت قدماه (1). تلك ءايت الله: الواردة في وعده ووعيده. نتلوها عليك بالحق: متلبسة بالحق لا شبهة فيها. وما الله يريد ظلما للعلمين: إذ يستحيل منه الظلم، إذا فاعل الظلم إما جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله، وتعالى الله عن الجهل والحاجة. ولله ما في السموت وما في الارض: ملكا وملكا وخلقا. وإلى الله ترجع الامور: فيجازي بما وعده وأوعده. كنتم خير أمة: كان مجردة عن الزمان وتعم الزمنة، غير متخصص بالماضي كقوله: ” وكان الله غفورا رحيما ” (2). وقيل: ” كنتم ” في علم الله، أوفي اللوح المحفوظ، أو فيما بين الامم المتقدمين (3).


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 159، باب 10 العلة التي من أجلها صار علي بن أبي طالب قسيم الله بين الجنة والنار، ح 6. (2) النساء: 152. (3) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) ج 1 ص 176 نقله في تفسيره لقوله تعالى: ” كنتم خير امة “. (*)

[ 199 ]

أخرجت للناس: اظهرت لهم، أي لا نتفاعهم. والمراد الائمة (عليهم السلام). تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر: إستئناف بين به كونهم خير أمة، أو خبر ثان ل‍ ” كنتم “، أو حال. وتؤمنون بالله: يتضمن الايمان بكل ما يجب أن يؤمن به. إنما يحق ويعتد به إذا حصل الايمان بكل ما امرأن يؤمن به، وإنما أخره وحقه أن يقدم ؟ لانه قصد بذكره الدلالة على أنهم امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر إيمانا بالله وتصديقا به وإظهارا لدينه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قرأت على أبي عبد الله (عليه السلام) ” كنتم خير امة “، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): خير امة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي (عليهم السلام) ؟ ! فقال القارئ: جعلت فداك كيف نزلت ؟ فقال: نزلت خير أئمة اخرجت للناس (1)، وألا ترى مدح الله لهم ” تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” (2). وروى العياشي: عنه (عليه السلام) قال: في قراءة علي (عليه السلام)، كنتم خير أئمة اخرجت للناس قال: هم آل محمد (صلى الله عليه وآله) (3). وفي تفسير العياشي: أبو بصير، عنه (عليه السلام) قال: قال: إنما نزلت هذه


(1) قد تقدم ان المقصود هو مورد النزول، اي أن المراد بالامة في هذه الآية ليست جميع الامة، بل البعض وهم الائمة فالخطاب وان كان عاما، لكن المقصود هم القادة المسؤولون، بدليل وصفهم بالقيام بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر. إذ القيام بهذه الوظيفة انما هو من شؤون الزعامة وظيفة ذاتية اوليه.. وهذا نظير الامر بقطع يد السارق وجلد الزاني ونحو ذلك، فان الخطاب وان كان عاما، لكن المقصود بهذا التكليف هم اولياء الامر لا غيرهم. ومن ثم فان المصنف قال – بصدد الجمع -: أي بهذا المعنى نزلت. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110 في تفسيره لقوله تعالى: ” كنتم خير أمة ” الآية. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 195 ح 128. (*)

[ 200 ]

الآية على محمد (صلى الله عليه وآله) فيه وفي الاصياء خاصة، فقال: أنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وهكذا والله نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلا محمدا وأوصياءه (عليهم السلام) (1). وعن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ” قال: يعني الامة التي وجبت لها دعوة إبراهيم (عليه السلام)، فهم الامة التي بعث الله فيها ومنها وإليها، وهم الامة الوسطى، وهم خير امة اخرجت للناس (2). وفي كتاب المناقب لابن شهر اشوب: وقرأ الباقر (عليه السلام): ” أنتم خير امة اخرجت للناس ” بالالف إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل (عليه السلام)، وما عنى بها إلا محمدا وعليا والاوصياء من ولده (عليهم السلام) (3). والجمع بين الاخبار بأن المراد بأن (أئمة نزلت) أي بهذا المعنى نزلت. قال البيضاوي: واستدل بهذه الآية على أن الاجماع حجة، لانها تقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر، إذ اللام فيهما للاستغراق، فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك (4). وفيه: أنه إن أراد أن إجماع كل الامة بحيث لا يشذ عنه أحد حجة، فهذا مما لا نزاع لاحد فيه، وحجيته حينئذ باعتبار دخول المعصوم فيه، إذ لا يخلو كل الامة عن المعصوم. وإن أراد أن إجماع جماعة من الامة على شئ حجة، فإن خصصهم بمن يكون المعصوم داخلا فيهم فلا نزاع أيضا فيه. وإن أراد إجماع جماعة أي جماعة كانوا، فلا دلالة في الآية عليه، إذ لا دلالة فيها على أن كل جماعة من الامة كل ما يأمرون به، معروف، إذ كون اللام للاستغراق لا يفيد إلا أن ما يأمر به الكل


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 195 ح 129. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 195 ح 130. (3) لم نعثر عليه في كتاب المناقب وذكره في البحار: الطبعة الحديثة ج 24 باب 46 أنهم (عليهم السلام) خير امة وخير أئمة اخرجت للناس ص 155 ح 12 نقلا عن المناقب. (4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 176 في تفسيره لقوله تعالى: ” كنتم خير امة اخرجت للناس “. (*)

[ 201 ]

لن يضرو كم إلا أذى وإن يقتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون (111) ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوآ إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباء وبغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بايت الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (112) ] معروف، وأن ماينهى عنه الكل منكر، ولا يفيد أن ما يأمر به كل أحد، أو كل جماعة معروف، وأن كل ماينهى عنه كل أحد أو كل جماعة منكر. ولو ءامن أهل الكتب: بمحمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به. لكان خيرا لهم: مما هم عليه. منهم المؤمنون: كعبد الله بن سلام وأصحابه. وأكثرهم الفسقون: المتمردون في الكفر. وهذه الجملة معترضة، ولذا لم يعطف على الشرطية قبلها. لن يضروكم إلا أذى: أي ضررا يسيرا، كطعن وتهديد. وهذه أيضا معترضة اخرى، ولم يعطف على الاولى، لبعد بينهما، وكون كل منهما نوعا آخر من الكلام. وإن يقتلو كم يو لوكم الادبار: ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر. ثم لا ينصرون: ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم، أو يدفع بأسكم عنهم. وقرئ ” لا ينصروا ” عطفا على ” يولوا ” على أن ” ثم ” للتراخي في المرتبة، فيكون عدم النصر مقيدا بقتالهم. وكان الامر كذلك، إذ كان كذلك حال قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر.


[ 202 ]

ضربت عليهم الذلة: تمثيل، أي أحاطت بهم إحاطة البيت المضروب على أهله. و ” الذلة ” هدر النفس والمال والاهل، أو ذلة التمسك بالباطل والجزية، أو كلاهما. أين ما ثقفوا: وجدوا. وفي تفسير علي بن إبراهيم: ” ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ” قال: إنها نزلت في الذين غصبوا حقوق آل محمد (صلى الله عليه وآله) (1). إلا بحبل من الله وحبل من الناس: استثناء من أعم عام الاحوال، أي ضربت عليهم الذلة في عامة الاحوال إلا في حال اعتصامهم، أو تلبسهم بحبل الله وحبل من الناس. وفي تفسير العياشي: عن يونس بن عبد الرحمن، عن عدة من أصحابنا رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) في قال ” إلا بحبل من الله وحبل من الناس ” قال: الحبل من الله كتاب الله، والحبل من الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2). وفي كتاب نهج الامامة: روى أبو عبد الله الحسين بن جبير، صاحب كتاب النخب: حدثناه مسندا إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله: ” ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ” قال: حبل من الله كتاب الله وحبل من الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3). وبآء وبغضب من الله: رجعوا به مستوجبين له. وضربت عليهم المسكنة: واليهود في غالب الامر مساكين فقراء.


(1) لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم في تفسير للآية الشريفة على هذا، نعم وجدناه في ج 1 ص 170 من سورة المائدة عند تفسير لقوله تعالى: ” من يرتد منكم عن دينه ” قال: هو مخاطبة لاصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 196 ح 131. (3) لم نعثر على كتاب نهج البلاغة ولا على كتاب آخر ينقل عنه ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. (*)

[ 203 ]

ذلك: أي عدم إيمانهم المشار إليه بقوله: ” وأكثرهم الفاسقون ” العلة لضرب الذلة والمسكنة عليهم. وقيل: إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب. بأنهم كانوا يكفرون بايت الله: أي اعتياد سابقهم صار سببا لذلك الآن. ويقتلون الانبياء بغير حق: والتقييد به مع أنه لا يكون إلا كذلك، للدلالة على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا، أو للدلالة على أن القتل إنما يكون قبيحا إذا كان بغير حق، ولو كان بالحق وعلى الحق فليس بقبيح، ولو فرض قتل النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الصفة، لازالة ما يختلج في صدورهم من قتل النبي (صلى الله عليه وآله) الناس على اتباع الحق. ذلك: أي الكفر والقتل. بما عصوا وكانوا يعتدون: بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله، فإن الاصرار على الصغائر يفضي إلى الكبائر، والاستمرار عليها يؤدي إلى الكفر. وقيل: إن معناه: أن ضرب الذلة في الدنيا واستيجاب العذاب في الآخرة، كما هو مسبب بكفرهم وقتلهم، فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم من حيث أنهم مخاطبون بالفروع أيضا (1). وفي اصول الكافي: يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وتلا هذه الآية: ” ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ” الآية، قال: والله ما قتلوهم بأيديهم، ولا ضربوهم بأسيافهم، ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فاخذوا عليها فقتلو فصار اعتداء ومعصية (2) (3).


(1) أنوار التنزيل واسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 177 نقله في تفسيره لقوله تعالى: ” ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون “. (2) قوله: ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها إلخ أي فصارت الاذاعة من حيث أنه سبب القتل، قتلا، ومن حيث أنه ظلم على المقتول وإعانة للقاتل، اعتداء، ومن حيث أنه لا يجوز عند احتمال الضرر، معصية، فالمذيع متصف بهذه الثلاثة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 10 ص 27). (3) الكافي: ج 2 ص 371 باب الاذاعة، ح 6. (*)

[ 204 ]

[ ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون ءايت الله ءانآء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الاخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرت وأولئك من الصلحين (114) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (115) ] ليسوا سوآء: في المساءة والحسنة، والضمير لاهل الكتب. من أهل الكتب أمة قائمة: استئناف لبيان نفي الا ستواء، والقائمة: المستقيمة العادلة، من أقمت العود فقام، وهم الذين أسلموا منهم، ووضع المظهر موضع المضمر، تنبيها على أن كونهم من أهل الكتاب لا يصير سبب ما صيروه سببا له، بل سبب الانقياد والاسلام كما فعله اضرابهم. يتلون ءايت الله ءانآء اليل وهم يسجدون: يتلون القرآن في تهجدهم، عبر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح. وقيل: المراد صلاة العشاء، لان أهل الكتاب لا يصلونها (1). وفي كتاب الخصال: عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا حسد إلا في اثنين، رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل اتاه الله القرآن، فهو يقوم آناء الليل وآناء النهار (2). يؤمنون بالله واليوم الاخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 489 في تفسيره لقوله تعالى: ” يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون “. (2) الخصال: ص 76 باب الاثنين، ح 119. (*)

[ 205 ]

المنكر ويسرعون في الخيرت: صفات اخر لامة وصفهم بصفات ليست في اليهود، فإنهم منحرفون عن الحق، غير متعبدين بالليل، مشركون بالله، ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب، متباطئون في الخيرات. وأولئك من الصلحين: أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه. وما يفعلوا من خير فلن يكفروه: فلن يضيع ولا ينقص ثوابه. سمى ذلك كفرانا كما سمى توفية الثواب شكرا. وتعديته إلى المفعولين لتضمنه معنى الحرمان. وقرأ حفص وحمزة والكسائي ” وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ” بالياء والباقون بالتاء (1). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد الله البرقي يرفعه إلى أبى عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن المؤمن مكفر، وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس، والكافر مشهور، وذلك أن معروفه للناس، ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء (2). وبإسناده إلى السكوني: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يد الله تعالى فوق رؤوس المكفرين ترفرف بالرحمة (3). أخبرني علي بن حاتم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (4) علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:


(1) وقرئ ” يفعلوا ويكفروه ” بالياء والتاء، الكشاف: ج 1 ص 403. (2 و 3) علل الشرائع: ج 2 ص 560 باب 353 العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا، ح 1 و 2. (4) في النسخة – ا -: (.. عن جده عن علي بن الحسين) وهو خطأ والصحيح ما اثبتناه. (*)

[ 206 ]

[ إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك أصحب النارهم فيها خلدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (117) ] كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكفرا لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الخلق ؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم (1). فما في الآية من أن ” ما يفعلوا من خير فلن يكفروه ” بمعنى ترك الجزاء على الخير كما بين، وإلا فالخير من المؤمنين مكفر كما في الخبر. والله عليم بالمتقين: بشارة لهم، وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير و حسن العمل. إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أمولهم ولآ أولدهم من الله شيئا: من النفع، وأو شيئا من الغنى، وهو بالفتح بمعنى النفع، فيكون مصدرا. وقيل: من العذاب، وهو يصح بتضمين معنى الابعاد. وأولئك أصحب النار: ملازموها. هم فيها خلدون: وعيد لهم. مثل ما ينفقون: ما ينفق الكفرة قربة أو مفاخرة وسمعة، أو المنافقون رياء و خوفا.


(1) علل الشرائع: ج 2 ص 560 باب 353 العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا ح 3.

[ 207 ]

[ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودواما عنتم قد بدت البغضاء من أفوههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الايت إن كنتم تعقلون (118) ] في هذه الحيوة الدنيا: أي لاجلها. كمثل ريح فيها صر: برد شديد، والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصرصر، فهو في الاصل مصدر نعت به، أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك: برد بارد. أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم: بالكفر والمعاصي. فألهكته: عقوبة لهم، لان إهلاك من سخط أشد. والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه، بحرث كفار ضربته صر، فاستأصلته ولم يبق لهم منفعة في الدنيا والآخرة، وهو من التشبيه المركب، ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه بالريح دون الحرث. ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث. وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون: أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها، أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة، أو ما ظلم المنفقين وأصحاب الحرث كليهما ولكنهم ظلموا أنفسهم. وقرئ ولكن أي ولكن أنفسهم يظلمونها، ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن، لانه لا يخذف إلا في الشعر كقوله: ولكن من يبصر جفونك يعشق (1). يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة: وليجة وهو الذي يعرفه الرجل أسراره


(1) تمامه: (*)

[ 208 ]

ثقة به، شبه ببطانة الثوب كما شبه بالشعار في قوله (صلى الله عليه وآله): الانصار شعار والناس دثار (1). من دونكم: من دون المسلمين، وهو متعلق ب‍ ” لا تتخذوا ” أو بمحذوف هو صفة ” بطانة ” أي بطانة كائنة من دونكم، أو حالا عن بطانة، إن جوز تنكير ذي الحال. لا يألونكم خبالا: أي لا يقصرون لكم في الفساد، والالو، التقصير، وأصله أي يعدى بالحرف ثم عدي إلى مفعولين كقوله: لا آلوك نصحا على تضمين معنى


وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق وقال محيي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير القاضي البيضاوي: ج 1 ص 664: إن البيت للمتنبي ولم نعثر عليه في ديوانه. (1) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وابن ماجة وأحمد في سننه ومسنده، بألفاظ وتعابير مختلفة، وإليك بعض ما نتلوه عليك: (عن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله يوم حنين ما أفاء قال: قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يقسم ولم يعط الانصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الانصار ألم أجد كم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ قال: فكلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله آمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوني ! قالوا: الله ورسوله آمن قال: لو شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرئ من الانصار، لو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الانصار وشعبهم، الانصار شعار والناس دثار، وإنكم ستلقون بعدي إثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض (مسند أحمد بن حنل: ج 4 ص 42). وعن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى أبا سفيان وعيينة والاقرع وسهل بن عمرو في الآخرين يوم حنين، فقالت الانصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالغنم، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فجمعهم في قبة له حتى فاضت، فقال: أفيكم أحد من غيركم ؟ قالوا: لا، إلا ابن اختنا قال: ابن اخت القوم منهم، ثم قال: أقلتم كذا وكذا ؟ قالوا: نعم، قال: أنتم الشعار والناس الدثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى دياركم ؟ قالوا: بلى، قال: الانصار كرشي وعيبتي، لو سلك العاس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعبهم، ولولا الهجرة لكنت امرى من الانصار، وقال حماد: أعطى مائة من الابل يسمي كل واحد من هؤلاء (مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 346). (*)

[ 209 ]

[ هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليهم بذات الصدور (119) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط (120) ] المنع أو النقص. ودواما عنتم: تمنوا عنتكم، وهو شدة الضرر والمشقة، و ” ما ” مصدرية. قد بدت البغضاء من أفوههم: أي في كلامهم، لانهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم. وما تخفى صدورهم أكبر: مما بدا، لان بدوه ليس عن روية واختيار. قد بينا لكم الايت: الدالة على وجوب الاخلاص، وهو موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. إن كنتم تعقلون: ما بين لكم، أو كنتم من أهل العقل والفهم. والجمل الاربع مستأنفات على التعليل، ويجوز أن يكون الثلاث الاول صفات ل‍ ” بطانة ” وحينئذ فالانسب أن تكون الرابعة حالا من الضمير المضاف إليه، للافواه. هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم: أي أنتم اولاء المخاطبون في موالاة الكفار وتحبونهم، ولا يحبونكم. بيان لخطئهم في موالاتهم، أو خبر ثان، أو خبر لاولاء، والجملة خبر (أنتم) كقولك: أنت زيد تحبه، أو صلته، أو حال والعامل فيها معنى الاشارة. ويجوز أن ينتصب بفعل يفسره ما بعده وتكون الجملة خبرا.


[ 210 ]

وتؤمنون بالكتب: بجنس الكتاب. كله: كتابكم وكتابهم، معطوف على ما قبله، وقيل: حال من ” لا يحبونكم ” والمعنى أنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم. وفيه توبيخ بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم. ويحتمل أن يكون المعنى، والله أعلم، أنكم تؤمنون بالكتاب كله وهم ليسوا بمؤمنين بكتابهم أيضا، فضلا عن كتابكم، فهذا منشأ العداوة في الدين، لا المحبة، فلم تحبونهم ؟ وإذا لقوكم قالوا آمنا: نفاقا وتغريرا. وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ: من أجل الغيظ تأسفا وتحسرا، حيث رأوا إئتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” عضوا عليكم الانامل من الغيظ ” قال: أطراف الاصابع (1). قل موتوا بغيظكم: دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الاسلام وأهله حتى يهلكوا به. إن الله عليم بذات الصدور: من خير أو شر فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق، وهو يحتمل أن يكون من المقول، أي وقل لهم: إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الانامل غيظا، وأن يكون خارجا عنه، بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالاخفى من ضمائرهم. و ” ذات الصدور ” الصور العلمية المتمكنة في الصدور، والمراد بالصدور، محل العلوم. إن تمسسكم حسنة: نعمة من (الفقه) (2) أو ظفر على الاعداء.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110. (2) كذا في النسخة – أ – والظاهر أنها تصحيف، والصحيح (إلفة). (*)

[ 211 ]

[ وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقعد للقتال والله سميع عليم (121) ] تسؤهم: والمس مستعار للاصابة. وإن تصبكم سيئة: محنة من فرقة أو إصابة عدو منكم. يفرحوا بها: لتناهي عداوتهم. وإن تصبروا: على عداوتهم، أو على مشاق التكاليف. وتتقوا: موالاتهم، أو ما حرم الله عليكم. لا يضركم كيدهم شيئا: لما وعد الله الصابرين والمتقين الصبر. وضمت الراء للاتباع. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب، لا يضركم، من ضاره يضيره. إن الله بما يعملون: من الصبر والتقوى وغيرهما. محيط: بعلمه وقدرته، فمجازيكم بما أنتم أهله. وقرئ بالياء، أي بما يعملون في عداوتكم عالم، فيعاقبهم عليه. وإذ غدوت: أي واذكر إذ غدوت، من غدا عليه بكر. من أهلك: قيل: من حجرة عائشة (1). تبوئ المؤمنين: تنزلهم، أو تسوي وتهيئ لهم، وتؤيده القراءة باللام. مقعد للقتال: مواقف وأما كن له، وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى المكان على الاتساع، وإذا استعمل في أما كن الحرب اريد به الاشارة إلى وجوب الثبات فيها. والله سميع: لاقوالكم


(1) الكشاف: ج 1 ص 408 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ غدوت من أهلك ” قال: من حجرة عائشة. (*)

[ 212 ]

عليم: بنياتكم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة يريدون حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبتغي موضعا للقتال (1). وفي مجمع البيان: عن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سبب غزاة احد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والاسر – لانه قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون – قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإن الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد وأصحابه، فلما غزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم احد أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح، فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى احد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها وجمع الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وأخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول الله، وأخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد، فقال عبد الله بن ابي وقومه: يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والامة على أفواه السكك وعلى السطوح، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا، وما خرجنا على عدونا قط إلا كان لهم الظفر علينا. فقام سعد بن معاذ (رحمه الله) وغيره من الاوس فقالوا: يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الاصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم، فمن قتل منا كان شهيدا، ومن نجى منا كان مجاهدا في سبيل الله، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيه، وخرج مع نفر من أصحابه


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ غدوت من أهلك “. (*)

[ 213 ]

يتبوؤن موضع القتال، كما قال سبحانه ” وإذ غدوت من أهلك ” الآية. وقعد عنه عبد الله بن ابي وجماعة من الخزرج ابتغوا رأية. ووافت قريش إلى احد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبأ أصحابنه، وكانوا سبعمائة رجل، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب. وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان، فقال (صلى الله عليه وآله) لعبدالله بن جبير وأصحابه: إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة، فلا تبرحوا من هذا المكان وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم. ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، وقال له: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم. فلما أقبلت الخيل واصطفوا وعبأ رسول الله (صلى الله عليه واله) أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمل الانصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمد قبيحة، ووقع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام، فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهبون سواد القوم، فقالوا لعبدالله بن جبير: قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبد الله: اتقوا الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تقدم إلينا ألا نبرح، فلم يقبلوا منه، وأقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا. وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدي من بني عبد الدار، فقتله علي (عليه السلام) فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية، فأخذها شافع بن طلحة، فقتله، حتى قتل تسعة من بني عبد الدار، حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب، فانتهى إليه علي (عليه السلام) فقطع يده، فأخذ الراية باليسرى فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها


[ 214 ]

بالجذماوين (1) إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان فقال: هل أعذرت في بني عبد الدار ؟ فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فقتله، فسقط اللواء، فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها، وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وفرقوا أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب، ثم أتى المسلمين من أدبارهم، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت، فلا ذوابها، وانهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هزيمة عظيمة، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه، فلما رأى رسول الله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: أنا رسول الله إلي، إلى أين تفرون عن الله تعالى وعن رسوله. قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة، وقالت: إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا. وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لاعطينك كذا وكذا، وكان وحشي – عبد الجبير بن مطعم – حبشيا، فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه، فكمن لحمزة، قال: فرأيته يهد الناس هدا فمربي فوطأ على جرف نهر، فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميتها فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنته (2) فسقط، فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده، وجئت به إلى هند، فقلت: هذه كبد حمزة فإخذتها فلا كتها، فجعلها الله في فمها مثل الداعضة، وهي عظم رأس الركبة، فلفظتها ورمت بها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فبعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه. قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه، وقطعت يده ورجله. ولم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أبو دجانة سماك بن خرشة


(1) الاجذم مقطوع اليد (مجمع البحرين لغة جذم) والجذما وان بالجيم والذال المعجمة اليدان المقطوعتان (كذا في الهامش). (2) الثنة بالضم العانة (كذا في هامش مجمع البيان). (*)

[ 215 ]

[ إذهمت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (122) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) ] وعلي (عليه السلام) فكلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) استقبلهم علي (عليه السلام) فدفعهم عنه حتى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفه ذو الفقار، وانحاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ناحية احد، فوقف، وكان القتال من وجه واحد، فلم يزل علي (عليه السلام) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة، قال: فقال جبرئيل (عليه السلام): إن هذه لهي المواساة يا محمد، فقال له: إنه مني وأنا منه. وقال الصادق (عليه السلام): نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل بين السماء والارض على كرسي من ذهب، وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (1). وروى أن سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم: أن محمدا قد قتل، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) حينئذ في زحام الناس وكانوا لا يرونه (2). إذهمت: متعلق بقوله ” سميع عليم ” أو بدل من ” إذغدوت “. طائفتان منكم: في تفسير علي بن إبراهيم: يعني عبد الله بن ابي وأصحابه وقومه (3).


مجمع البيان: ج 2 ص 495 إلى 497 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ غدوت من أهلك ” الآية. باختلاف في بعض الفاظه. (2) الصافي: ج 1 ص 348 في تفسيره لقوله تعالى: ” وإذ غدوت ” الآية. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110 قال: نزلت في عبد الله بن أبي وقوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج والقعود عن نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله). (*)

[ 216 ]

قال البيضاوي: هما بنو سلمة من الخزرج، وبنو الحارثة من الاوس وكانا جناحي العسكر (1). وفي مجمع البيان عنهما (عليهما السلام): هما بنو سلمة وبنو حارثة، حيان من الانصار (2). أن تفشلا: أن تجبنا وتضعفا. قيل: روي أنه (عليه السلام) خرج في زهاء ألف فارس ووعدهم النصر إن صبروا، فلما بلغوا الشوط (3) اختزل ابن ابي في ثلاثمائة وقال: على م نقتل أنفسنا وأولادنا، فتبعهم عمرو بن حزم الانصاري وقال: أنشد كم في نبيكم وأنفسكم، فقال ابن ابي: لو نعلم قتالا لا تبعناكم، فهم الحيان باتباعه، فعصمهم الله، فمضوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم قال ذلك القائل: والظاهر أنه ما كان عزيمة، لقوله: والله وليهما: أي عاصمهما من اتباع تلك الخطرة. قال: ويجوز أن يراد، والله وليهما فما لهما يفشلان (4) وفي الرواية التي قدمناها ماينا في ذلك من أن عبد الله بن ابي قعد عنه وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه. وعلى الله فليتوكل المؤمنون: فليعتمدوا عليه في الكفاية، لا على غيره، لينصرهم كما نصرهم ببدر. ولقد نصركم الله ببدر: تذكير ببعض ما أفادهم التوكل.


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) ج 1 ص 180 في تفسيره لقوله تعالى: ” طائفتان منكم “. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 495 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ” رواه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). (3) الشوط اسم حائط من بساتين المدينة (مجمع البحرين: ج 4 ص 259 لغة شوط). (4) من قوله: قيل: إلى هنا من كلام (البيضاوي): ج 1 ص 180، لا حظ تفسيره لقوله تعالى: ” إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ” الآية. (*)

[ 217 ]

” وبدر ” اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به (1) (2). وأنتم أذلة: حال من المفعول. وإنما قال ” أذلة ” دون ذلائل، ليدل على قلتهم، لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما نزل (3) ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم الضعفاء ” (4). وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير قال: قرأت عند أبي عبد الله (عليه السلام): ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ” فقال: مه ليس هكذا أنزلها الله، إنما انزلت: وأنتم قليل (5) (6)


(1) كذا في التفاسير، لا حظ مجمع البيان: ج 2 ص 498، والبيضاوي: ج 1 ص 180، والكشاف: ج 1 ص 411 وغيرها في تفسيرهم للآية. (2) بدر بالفتح ثم السكون، ماء مشهور بين مكة والمدينة، أسفل وادي الصفراء، بينه وبين الجار – وهو ساحل البحر – ليلة، ويقال: أنه ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، وقيل: بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه، وقال الزبيربن بكار: قريش بن الحارث بن يخلد، به سميت قريش فغلب عليها، وابنه بدر بن قريش به سميت بدر التي كانت بها الوقعة المباركة، لانه كان احتفرها، وبهذا الماء كانت الوقعة المشهورة التي أظهر الله بها الاسلام وفرق بين الحق والباطل في شهر رمضان سنة اثنتين للهجرة، ولما قتل من قتل من المشركين ببدر وجاء الخبر إلى مكة ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه، فيشمتوا بكم، وبين بدر والمدينة سبعة برد، وبدر الاولى والثانية كله موضع واحد، وقد نسب إلى بدر جميع من شهدها من الصحابة الكرام (تلخيص من معجم البلدان: ج 1 ص 357 في بدر). (3) لا يذهب الوهم إلى ارادة التغيير في النص. بل ارادة التفسير أي ليس المراد من الذلة في الآية هو الوهن في العزيمة، بل القلة في العدد. ومن ثم قال المصنف في توجيه هذه الروايات: ان الآية ما انزلت بمعنى انتم اذلة في الواقع، بل بهذا المعنى، اي بمعن انتم ضعفاء أو انتم قليل ونحو ذلك. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 122 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة “. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 196 ح 133. (6) المراد: انها نزلت بهذا المعنى. أي لم تنزل الاية لتدل على ارادة الذلة بمعنى الصغار والحقارة، بل نزلت (*)

[ 218 ]

[ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة ءالف من الملائكة منزلين (124) ] عن ربعي بن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ ولقد نصكرم الله ببدر وأنتم ضعفاء وما كانوا أذلة ورسول الله فيهم (عليه وآله السلام) (1). وفي رواية: ما أذل الله رسوله قط، وإنما انزلت: وأنتم قليل (2). ومعنى هذه الاخبار: أن الآية ما أنزلها الله، بمعنى انتم أذلة في الواقع، بل بهذا المعنى. والاخبار التي دلت على أن عدتهم كانت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا قد مرت. فاتقوا الله: في الثبات. لعلكم تشكرون: ما أنعم به عليكم. إذ تقول للمؤمنين: ظرف لنصركم الله، وقيل: بدل ثان من ” إذ غدوت ” على أن قوله لهم ذلك يوم احد، وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة، فلما لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر الرسول (صلى الله عليه وآله)، لم تنزل الملئكة. ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة ءالف من الملئكة منزلين: إنكار


بمعنى القلة والضعف. وهكذا فهم المصنف المفسر رحمه الله.. قال: ومعنى هذه الاخبار: ان الآية ما انزلها الله بمعنى انتم اذلة في الواقع، بل بهذا المعنى. الامر الذي يدلنا بوضوح على ان صاحب التفسير كان ممن لا يرى التحريف في كتاب الله وكان لا يأخذ بظاهر روايات قد يتشبث بها من يروقه القول بذلك. (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 196 ح 135. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 196 قطعة من ح 134. (*)

[ 219 ]

[ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فور هم هذا يمددكم ربكم بخمسة ءالف من الملئكة مسومين (125) ] أن لا يكفيكم ذلك، وإنما جئ ب‍ ” لن “، إشعارا بأنهم كانوا لآيسين من النصر، لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم. وقرأ ابن عامر ” منزلين ” بالتشديد، للتكثير، أو للتدريج. قيل: أمدهم الله يوم بدر، أولا بألف من الملائكة، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف (1). بلى: إيجاب لما بعد ” لن ” أي بلى يكفيكم، ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثا عليهما وتقوية لقلوبهم، فقال: إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم: أي المشركون. من فورهم هذا: من ساعتهم هذه. وهو في الاصل مصدر فارت القدر، إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم أطلق للحال التي لا ريب فيها ولا تراخي، أي يأتي المشركون في الحال. يمددكم ربكم بخمسة ءالف من الملئكة: بلا تراخ وتأخير. مسومين: معلمين، من التسويم الذي هو إظهار سيماء الشئ، أو مرسلين من التسويم بمعنى الاسامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو. وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر (2).


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 180 في تفسيره لقوله تعالى: ” ألن يكفيكم أن يمد كم “. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 196 ح 136. (*)

[ 220 ]

[ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (127) ] وعن ضريس بن عبد الملك، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الملائكة الذين نصروا محمد (صلى الله عليه وآله) يوم بدر، في الارض، ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الامر، وهم خمسة آلاف (1). وما جعله الله: وما جعل إمداد كم بالملائكة. إلا بشرى لكم: إلا بشارة لكم بالنصر. ولتطمئن قلوبكم به: ولتسكن إليه من الخوف. وما النصر إلا من عند الله: لا من العدة والعدد. وفيه تنبيه على أنه لا حاجة إلى مدد، إنما أمدهم ووعد لهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم، من حيث أن نظر العامة إلى الاسباب أكثر، وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم. العزيز: الذي لا يغالب في أقضيته. الحكيم: الذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة. ليقطع طرفا من الذين كفروا: متعلق ب‍ ” نصركم ” أو ” وما النصر ” إن كان اللام فيه للعهد. والمعنى: لينقض منهم بقتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم. أو يكبتهم: يخزيهم، والكبت شدة الغيظ، أو وهن يقع في القلب، و ” أو ” للتنويع دون الترديد.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 197 ح 138. (*)

[ 221 ]

[ ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (128) ] فينقلبوا خائبين: فينهزموا منقطعي الآمال. ليس لك من الامر شئ: جملة معترضة. أو يتوب عليهم أو يعذبهم: أما عطف على ” يكبتهم ” والمعنى أن الله مالك أمر هم، فأما أن يهلكم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا. أو يعذبهم إن أصروا، وليس لك من أمر هم شئ، وإنما أنت عبد مأمور لانذارهم وجهادهم، أو معطوف على الامر، أو ” شئ ” بإضمار أن، أي ليس لك من أمرهم، أو من التوبة عليهم، أو من تعذيبهم شئ أو ليس لك من أمرهم شئ أو التوبة عليهم أو تعذيبهم. ويحتمل أن يكون ” أو ” بمعنى (ألا أن) أي ليس لك من أمرهم شئ إلا أن يتوب الله عليهم فتسربه، أو يعذبهم فتشفى منهم. وفي تفسير العياشي: عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قرأ ” ليس لك من الامر شئ أن يتب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ” (1). وفيه عن الباقر (عليه السلام) أنه قرأ: ” أن تتوب عليهم أو تعذبهم ” (2) بالتاء فيهما. وعلى هذا تكون ” أن ” بتأويل المصدر بدلا عن شئ. فإنهم ظلمون: قد استحقوا العذاب بظلمهم. وفي تفسير العياشي: عن جابر الجعفي قال: قرأت عند أبي جعفر (عليه السلام): ” ليس لك من الامر شئ ” قال: بلى والله، إن له من الامر شيئا وشيئا


(1) و (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 198 ح 141 أورد الحديثين تحت رقم واحد وأورد اختلافهما برمز (خ ل). (*)

[ 222 ]

وشيئا، وليس حيث ذهبت، ولكني أخبرك أن الله (تبارك وتعالى) لما أخبر نبيه أن يظهر ولاية علي (عليه السلام)، ففكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم وذلك الذي فضله الله به عليهم في جميع خصاله (1) وحسدهم له عليها، ضاق عن ذلك، فأخبر الله أنه ليس له من هذا الامر شئ، إنما الامر فيه إلى الله أن يصيرعليا وصيه وولي الامر بعده، فهذا عنى الله، وكيف لا يكون له من الامر شئ، وقد فوض الله إليه أن جعل ما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام، قوله: ” وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” (2) (3). وعن جابر قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): قوله لنبيه ” ليس لك من الامر شئ ” فسره لي ؟ فقال: يا جابر إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان حريصا أن يكون علي (عليه السلام) من بعده على الناس، وكان عند الله خلاف ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قلت: فما معنى ذلك ؟ قال: نعم عنى بذلك قول الله لرسوله (صلى الله عليه وآله): ” ليس لك من الامر شئ ” يا محمد في علي، الامر إلي في علي وفي غيره، ألم أنزل عليك فيما أنزلت من كتابي إليك ” ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ” الآيات (4) قال: ففوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الامر إليه (5). ومعنى قوله (عليه السلام): (أن يكون علي بعده على الناس) أن يكون خليفة له عليهم في الظاهر أيضا من غير دافع له. قال البيضاوي: روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه يوم احد وكسر رباعيته، فجعل (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم


(1) سقط هنا من بعض النسخ المخطوطة ما لفظه (كان أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبمن أرسله، وكان أنصر الناس لله ولرسوله، وأقتلهم لعدوهما وأشدهم بغضا لمن خالفهما، وفضل علمه الذي لم يساوه أحد، ومناقبه التي لا تحصى شرفا، فلما فكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عداوة قومه له في هذه الخصال). (2) الحشر: 7. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 197 ح 139. (4) العنكبوت: 2. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 197 ح 140 مع تفاوت يسير وزيادة ونقيصة، فلا حظ. (*)

[ 223 ]

[ ولله ما في السموت وما في الارض يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء والله غفور رحيم (129) يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعفا مضعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (130) واتقوا النار التى اعدت للكفرين (131) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (132) ] خضبوا وجه نبيهم بالدم فنزلت. وقيل: هم أن يدعوا عليهم فنهاه الله تعالى، لعلمه بأن فيهم من يؤمن (1). ولله ما في السموت وما في الارض: خلقا وملكا، فله الامر كله. يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء: فيه دلالة على نفي وجوب التعذيب. والله غفور رحيم: لعباده، فلا تبادر إلى الدعاء عليهم. في مجمع البيان: قيل: إنما ألهم الله الامر في التعذيب والمغفرة، ليقف المكلف بين الخوف والرجاء، ويلتفت إلى هذا قول الصادق (عليه السلام): لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لا عتدلا (2). يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعفا مضعفة: لا تزيدوا زيادات مكررة. ولعل التخصيص بحسب الواقع، إذ كان الرجل منهم يربى إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة اخرى حتى يستغرق بالشئ الطفيف مال المديون. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب ” مضعفة “.


(1) انوار التنزيل واسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 181 في تفسيره لقوله تعالى: ” ليس لك من الامر شئ “. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 502 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء “. (*)

[ 224 ]

وفي مجمع البيان: ووجه تحريم الربا هو المصلحة التي علمها الله وذكر فيه وجوه منها أن يدعوا إلى مكارم الاخلاق بالاقراض وإنظار المعسر من غير زيادة وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1). واتقوا الله: فيما نهيتم عنه. لعلكم تفلحون: راجين الفلاح. واتقوا النار التى أعدت للكافرين: بالتحرز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم. قال البيضاوي: وفيه تنبيه على أن النار بالذات معدة للكافرين، وبالعرض للعصاة (2). أقول: فيه تنبيه على أن النار معدة للكافرين، وكل من عذب بالنار من العصاة إنمايعذب إذا آل عصيانهم إلى الكفر، وأما إذا لم يؤل إليه فلا يعذب بالنار، لانها اعدت للكافرين، فلا يعذب بها غيرهم، وإلا لكان معدا لهم ولغيرهم، فلا يصدق اعدت للكافرين، إلا أن يقال: المراد بالنار نار معهودة معدة لهم، فلا يعذب بها غيرهم أيضا (3). وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون: بإطاعتهما. ولعل وعسى في أمثال ذلك يدل على عزة التوصل إلى ما جعل خيرا لهما (4).


(1) مجمع البيان: ج 2 – 1 ص 502. (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 182 في تفسيره لقوله تعالى: ” واتقوا النار التي اعدت للكافرين “. (3) من أراد تفصيل هذه الاسئلة والاجوبة فليراجع التبيان ط بيروت: ج 2 ص 588 في تفسيره للآية، والتفسير الكبير لفخر الدين الرازي: ج 9 ص 2 في تفسيره للآية، وكذا بعض التفاسير الاخر. (4) قال في الكشاف: ج 1 ص 414: وفي ذكره تعالى ” لعل ” و ” عسى ” في نحو هذه المواضع – وإن قال الناس ما قالوا – ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى، وصعوبة إصابة رضى الله وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه. (*)

[ 225 ]

[ وسار عوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموت والارض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134) ] وسارعوا: بادروا. وقرأ ابن عامر ونافع ” سارعوا ” بلا واو. إلى مغفرة من ربكم: بارتكات أسبابها، كالاسلام والتوبة والاخلاص. وفي مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى اداء الفرائض (1). وجنة عرضها السماوات والارض: أي عرضها كعرضهما. وفي تفسير اليعاشي: عن داود بن سرحان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:: إذا وضعوهما كذا، وبسط يديه إحداهما على الاخرى (2). وفي مجمع البيان: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل إذا كانت الجنة عرضها السماوات والارض فأين تكون النار ؟ فقال: سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل (3). ومعناه أن القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء. أعدت للمتقين: هيئت لهم. وفي كتاب الخصال: فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 503 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” وسارعوا إلى مغفرة من ربكم “. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 198 ح 142. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 504 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” وجنة عرضها السماوات والارض “. (*)

[ 226 ]

والارض اعدت للمتقين فإنكم لن تنالوها إلا بالتقوى (1). وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة خارجة عن هذا العالم. الذين ينفقون: صفة مادحة للمتقين، أو منصوب، أو مرفوع على المدح. في السراء والضراء: في حالتي الرخاء والشدة، أو الاحوال كلها، إذ الانسان لا يخلو عن مسرة أو مضرة، أي لا يخلون في حال ماعن إنفاق ما من قليل أو كثير. والكظمين الغيظ: الممسكين عليه، الكافين عن إمضائه مع القدرة، من كظمت القربة، إذا ملاتها وشددت رأسها. وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكوني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): مامن عبد كظم غيظا إلا زاده الله (عز وجل) عزا في الدنيا ولآخرة، وقد قال الله (عز وجل): ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله ويحب المحسنين ” وأثابه الله مكان غيظه ذلك (2). عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبد الله يقول: من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، وأملا الله قلبه يوم القيامة رضاه (3) (4). وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان، من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفى وغفر كان ممن يدخله الله تعالى الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر (5). عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنا أهل بيت مروءتنا


(1) الخصال: ص 633، حديث أربعمائة س 20. (2) الكافي: ج 2 ص 110، كتاب الايمان والكفر، باب كظم الغيظ، ح 5. قوله: أملا الله قلبه يوم القيامة رضاه. كناية عن كثرة أفضاله وإحسانه إليه في ذلك اليوم، فلا يرهقه قتر ولاذلة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 306). (4) الكافي: ج 2 ص 110، كتاب الايمان والكفر، باب كظم الغيظ، ح 6. (5) الخصال: ص 104 باب الثلاثة، ثلاث خصال من كن فيه فقد استكمل الايمان ح 63. (*)

[ 227 ]

العفو عمن ظلمنا (1). عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): ما تجرعت جرعة أحب إلى من جرعة غيظ لا اكافي صاحبها (2). والعافين عن الناس: التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذته. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله (3) (4). وفي مجمع البيان: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن ولاء في امتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الامم الماضية (5). والله يحب المحسنين: يحتمل الجنس، ويدخل تحته هؤلاء، والعهد فيكون الاشارة إليهم. وفي مجمع البيان: روي أن جارية لعلي بن الحسين (عليهما السلام) جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الابريق من يدها فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إن الله تعالى يقول: ” والكاظمين الغيظ ” فقال لها: كظمت غيظي، قالت: ” والعافين عن الناس ” قال: عفى الله عنك، قالت: ” والله يحب المحسنين ” قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله (6).


(1) الخصال: ص 10 باب الواحد، مروءة أهل البيت (عليهم السلام) خصلة ح 33. (2) الخصال: ص 23 باب الواحد، خصلة لا يتجب بها حمر النعم، ح 81 وصدر الحديث (ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم، وما تجرعت إلخ). (3) قوله: فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا في الدنيا: لان من عرف بالعفو ساد وعظم في القلوب، فيزيده عزة، أوفي الاخرة لانه يوجب زيادة الاجر، ورفع الدرجة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 302). (4) الكافي: ج 2 ص 108 كتاب الايمان والكفر، باب العفو، ح 5. (5) مجمع البيان: ج 2 ص 505 فصل في ذيل آية 134 من سورة آل عمران ” والعافين عن الناس “. (6) مجمع البيان: ج 2 ص 505 فصل في ذيل آية 134 من سورة آل عمران: ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس “. (*)

[ 228 ]

[ والذين إذا فعلوا فحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم هذا يمدد ما فعلوا وهم يعلمون (135) ] والذين إذا فعلوا فحشة: فعلة بالغة في القبح، كالزنا. أو ظلموا أنفسهم: بأن أذنبوا أي ذنب كان. وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك (1). ذكروا الله: تذكروا وعيده، أو حكمه، أو حقه العظيم. فاستغفروا لذنوبهم: بالندم والتوبة. ومن يغفر الذنوب إلا الله: استفهام بمعنى النفي، معترض بين المعطوفين. والمراد به وصفه تعالى بصفة الرحمة وعموم المغفرة، والحث على الاستغفار، والوعد بقبول التوبة. ولم يصروا على ما فعلوا: أي لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين. وفي اصول الكافي: أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر (2)، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال:


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 182 في تفسيره لقوله تعالى: ” والذين إذا فعلوا فاحشة ” الآية. (2) قوله: (الاصرار هو أن يذهب الذنب فلا يستغفر الله إلخ) دل على أن الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم الاستغفار والتوبة، سواء أذنب ذنبا آخر من نوع ذلك الذنب أو من غير نوعه، أو عزم على ذنب آخر أم لا. أما تحققه في غير الاخير فظاهر، وأما في الاخير فلان التوبة واجبة في كل آن فتركها ذنب منضاف إلى الذنب الاول فيتحقق الاصرار. وقسم الشهيد في قواعده الاصرار إلى فعلي وحكمي، وقال (*)

[ 229 ]

الاصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الاصرار (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه (2) (3). عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبد الله بن محمد النهيكي، عن عمار بن مروان القندي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (4).


الفعلي: هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، والاكثار من جنس الصغائر بلا توبة. والحكمي: هو العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها. أما لو فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها، فالظاهر أنه غير مصر. وقال الشيخ في الاربعين: تخصيصه الاصرار الحكمي بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، يعطي أنه لو كان عازما على صغيرة اخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا، والظاهر أنه مصر أيضا. وتقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا، لكن لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه، لا يكون في تلك المدة مصرا، وهو محل نظر. وقال بعضهم: الاصرار هو إدامة الفعل والعزم على إدامته يصح معها إطلاق وصف العزم عليه. وقال بعضهم: هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك. (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 267). (1) الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 2. (2) قوله: (لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه) لعل السرفيه أن سبب قبول الطاعة هو دلالتها على تعظيم الرب، والاصرار على المعصية وإن كانت صغيرة يستلزم تحقيره وإن لم يقصده العاصي، والتحقير ينافي التعظيم، أو أن قبول الطاعة عبارة عن تقريب المطيع إلى ذاته المقدسة، والاصرار على المعصية يوجب تبعيده عنه، وحمل عدم القبول على وجه الكمال محتمل (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 267). (3) الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 3. (4) قوله (لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) ظاهره أن الكبيرة تصير صغيرة، أو تزول بالكلية مع الاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة مع الاصرار، وهو مع ذلك يستلزم الجرأة على الكبيرة غالبا، (*)

[ 230 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنه والله ما خرج عبد من ذنب بإصرار، وما خرج عبد من ذنب إلا بإقرار (1). محمد بن يحيى، عن علي بن الحسين الدقاق، عن عبد الله بن محمد، عن أحمد بن عمر، عن زيد القتات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر (2) وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عند الله إلا غفر الله له قبل أن يحمده (3).


ولذلك ألحق العلماء بالكبائر الاصرار على الصغائر، واستدلوا بهذا الحديث. وتوضيحه أنه (عليه السلام) دعا إلى الاستغفار عن كبائر الذنوب وصغائرها، وبين أن الصغيرة مع الاصرار لا تبقى صغيرة على حالها، لان الاصرار عليها معصية اخرى تنضم إلى الاولى، فإذا دام على الاصرار توالت المعاصي وتكاثرت وتراكمت حتى تعد كبيرة، لا سيما إذا كان الاصرار يتضمن الاستهانة والاحتقار. وقد قيل في تفسير قوله تعالى: ” يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ” يعذب من يشاء على الصغيرة للاصرار بها، ويغفر لمن يشاء الكبيرة لاستعظامه إياها وخوفه من الله. وقوله (عليه السلام): (ولا كبيرة مع الاستغفار) معناه: أن الكبيرة لا تبقى كبيرة، بل تذوب وتصغر بأمرالله تعالى إذا قارنها الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الغفار، وذلك لان الاستغفار يتضمن التوبة مع طلب المغفرة، والمستغفر يشاهد قبح فعه وشناعة ذنبه واستحقاقه للعقوبة، فيندم بقلبه، والندم توبة، ثم يسأل بصدق النية المغفرة منه مستعظما له، فتصغر بذلك كبيرته عند الله تعالى، بل ربما تزول عن أصلها. ويوافق الفقرتين قول بعض العارفين: متى عظمت المعصية في قلب العاصي صغرت عند الله تعالى، ومتى صغرت في قلبه عظمت عنده تعالى (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 266). الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 1. (1) الكافي: ج 2 ص 426 كتاب الايمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها، ح 4. (2) قوله: (ما من عبد أذنب ذنبا الخ) الندم فعل القلب، والاستغفار فعل اللسان، والاول أشرف، فلذا له تأثير بدون الثاني، ولا تأثير للثاني بدونه (شرح اصول الكافي للعلامد المازندراني: ج 10 ص 143). (3) قوله: (وما من عبد أنعم الله عليه نعمة الخ) إيصال كل مرغوب ورفع كل مكروه نعمة. ويفهم منه (*)

[ 231 ]

وفي مجمع البيان: وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (1). وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة (2). وهم يعلمون: حال من فاعل ” يصروا ” أي لم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به. وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما نزلت هذه الآية صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور (3)، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيدنا لم دعوتنا ؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها ؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخناس: أنا لها، فقال: مما ذا ؟ قال: أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة (4). وفي تفسير العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، وفي كتاب


أن الحمد القلبي أشرف من الحمد اللساني، وان الحمد وغيره من العبادات القلبية والبدنية سبب للمغفرة، كما يدل عليه أيضا قوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 10 ص 143). الكافي، ج 2 ص 427 كتاب الايمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها، ح 8. (1) مجمع البيان: ج 2 ص 506 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” والذين إذا فعلوا فاحشة ” الآية. (2) تفسير الصافي: ج 1 ص 352 في تفسيره لقوله تعالى: و ” ولم يصروا على ما فعلوا ” ورواه في الكشاف: ج 1 ص 416 في تفسيره للآية، وسنن الترمذي: ج 5 ص 558 كتاب الدعوات باب 107 ح 3559. (3) اسم جبل بمكة فيه الغار الذي اختفى فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال الجوهري: ثور جبل بمكة وفيه الغار المذكور في القرآن يقال له: أطحل، وقال الزمخشري: ثور أطحل من جبال مكة بالمفجر من خلف مكة على طريق اليمن (تلخيص من معجم البلدان: ج 2 ص 86 باب الثاء والواو وما يليهما، في لغة ثور). (4) الامالي للصدوق: ص 376 المجلس الحادي والسبعون، ح 5. (*)

[ 232 ]

[ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها ونعم أجر العملين (136) ] الله نجاة من الردى، وبصيرة عن العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة، قال الله: ” والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ” (1) فهذا ما أمر الله به من الاستغفار واشترط معه التوبة والاقلاع عما حرم الله، فانه يقول: ” إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ” (2) فهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلا العمل الصالح والتوبة (3). وفي روضة الكافي: بإسناده إلى ابي عبد الله (عليه السلام) قال: وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال: ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ” (4). أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها ونعم أجر العملين: خبر للذين إن ابتدأت به، وجملة مستأنفة مبينة لما قبلها إن عطفته على ” المتقين ” أو على ” الذين ينفقون “. وتنكير ” جنات ” على الاول يدل على أن ما لهم أدون مما للمتقين الموصوفين بتلك الصفات المذكورة في الآية المتقدمة، وكفاك فارقا بين القبيلين أنه فصل آيتهم، بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله


(1) النساء: 110. (2) فاطر: 10. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 198 ح 143. (4) الكافي: ج 8 ص 9 قطعة من ح 1. (*)

[ 233 ]

تعالى، وذلك لانهم حافظوا على حدود الشرع، وتخطوا إلى التخصيص بمكارمه، وفصل آية هؤلاء بقوله: ” ونعم أجر العاملين ” لان المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوت على نفسه، وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والاجير. ولعل تبديل لفظ الجزاء بالاجر لهذه النكتة. والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: ونعم أجر العاملين ذلك، يعني المغفرة والجنات. وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال: أخبرنا احمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا الوليد بن هشام قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا، فسلم فرد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: ما يبكيك يا معاذ ؟ فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ادخل علي الشاب يا معاذ، فأدخله عليه فسلم، فرد (عليه السلام)، ثم قال: ما يبكيك يا شاب ؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله (عز وجل) ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل أشركت بالله شيئا ؟ قال: أعوذ بالله أن اشرك به شيئا، قال: أقتلت النفس التي حرم الله ؟ قال: لا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يغفر الله ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورما لها وأشجارها وما فيها من الخلق، قال: فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورما لها وأشجارها وما فيها من الخلق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يغفر لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي، قال: فإنها أعظم من ذلك، قال:


[ 234 ]

فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كهيئة الغضبان، ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك ؟ فخر الشاب لوجهه، وهو يقول: سبحان الله ربي ما من شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ؟ قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك ؟ قال: بلى اخبرك، إني كنت أنبش القبور سبع سنين، اخرج الاموات، وأنزع الاكفان، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من الاكفان وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا، فأثاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها ؟ أما ترى وركيها ؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبية إلى حسابي، فويل لشبابك من النار. فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا فما ترى يا رسول الله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار. ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه. فذهب فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها، فتعبد فيها، ولبس مسحا، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل منى ما تعلم يا سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما


[ 235 ]

وليلة، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي ؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب دعائي ولم تغفر خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله (تبارك وتعالى) على نبيه (صلى الله عليه وآله): ” والذين إذا فعلوا فاحشته ” يعني الزنا ” أو ظلموا أنفسهم ” يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبر وأخذ الاكفان ” ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ” يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة ” ومن يغفر الذنوب إلا الله ” يقول (عز وجل): أتاك عبدي يا محمد تائبا، فطردته، فأين يذهب ؟ وإلى من يقصد ؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال (عز وجل): ” ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ” يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان، ” اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين “. فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، خرج وهو يتلوها وهو يبتسم، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب ؟ فقال معاذ: يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني ؟ أو في جوارك تسكنني ؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي فأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني أم إلى النار تسوقني، اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والارض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة، فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول أبشر فإنك


[ 236 ]

[ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين (137) هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين (138) ] عتيق الله من النار، ثم قال (صلى الله عليه وآله) لاصحابنه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه ما أنزل (عز وجل) فيه وبشره بالجنة (1). قد خلت من قبلكم سنن: وقائع سننها الله في الامم المكذبة. وقيل: امم، قال: ما عاين الناس من فضل كفصلكموا * ولا أرى مثله في سالف السنن (2). فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين: لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ” سيروا في الارض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين ” من قبلكم، قال: عنى بذلك انظروا في القرآن فاعلموا كيف كانت عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه (3). هذا: أي القرآن. بيان للناس: عامة. وهدى ومو عظة للمتقين: خاصة. وقيل: ” هذا ” إشارة إلى قوله: ” قد خلت ” أو مفهوم قوله: ” فانظروا ” أي إنه


(1) الامالي للصدوق: ص 45 المجلس الحادي عشر، ح 3. (2) لم يسم قائله: قوله (وقيل: امم) أي قيل المراد بالسنن الامم، استشهادا بقوله: ما عاين الناس إلخ (حاشية محيي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي: ج 1 ص 672). (3) الكافي: ج 8 ص 249 قطعه من ح 349. (*)

[ 237 ]

[ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين (139) إن يمسسكم قرح فقدمس القوم قرح مثله وتلك الايام ندا ولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظلمين (140) ] مع كونه بيانا للمكذبين، فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتقين، أو إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين. وقوله: ” قد خلت ” للبعث على الايمان والتوبة (1). ولا تهنوا: ولا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم احد. ولا تحزنوا: على من قتل منكم، تسلية لهم عما أصابهم. وأنتم الاعلون: والحال أنكم أعلى شأنا، فإنكم على الحق وإنهم على الباطل، وقتالكم لله وقتالهم للشيطان، وقتلا كم في الجنة وقتلاهم في النار. أو لانكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو أنتم الاعلون في العاقبة، فيكون بشارة لهم لا نصر والغلبة (2). إن كنتم مؤمنين: متعلق بالنهي، أي لا تهنوا إن صح إيمانكم، فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله، أو بالاعلون. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله: قيل: يعني إن أصابوا منكم يوم احد، فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله، ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا، فأنم أولى بأن لا تضعفوا، فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون. وقيل: كلا المسين كان يوم احد، فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر


(1 و 2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 183 في تفسيره لقوله تعالى: ” هذا بيان للناس ” إلى قوله ” وتلك الايام “. (*)

[ 238 ]

الرسول (1). وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف والباقون بالفتح وهما لغتان. وقيل: هو بالفتح: الجراح، وبالضم: ألمها (2). وتلك الايام ندا ولها بين الناس: نصرفها، نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى. والمداولة كالمعاودة يقال: داولت الشئ بينهم، فتداولوه. والايام يحتمل الوصف والبدل وعطف البيان والخبر، و (نداولها) الخبر على الاحتمالات الثلاث الاول، والحال على الاحتمال الاخير. والمراد بها أو قات النصر والغلبة. في تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله تعالى ” وتلك الايام نداولها بين الناس ” قال: ما زال منذ خلق الله آدم، دولة لله ودولة لابليس، فأين دولة الله ما هو إلا مع قائم واحد (3). وليعلم الله الذين ءامنوا: عطف على علة محذوفة، أي نداولها ليكون كيت وكيت، وليعلم، إذانا بأن العلة فيه غير واحدة، وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح مالا يعلم، أو الفعل المعلل به محذوف، تقديره، واليتميز الثابتون على الايمان من الذين على حرف، فعلنا ذلك. والقصد في أمثاله ليس إلى إثبات علمه تعالى، بل إلى إثبات المعلوم على طريقة البرهان. وقيل: معناه ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء، وهو العلم بالشئ موجودا (4)، وهو تكلف.


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 183 في تفسيره لقوله تعالى ” هذا بيان للناس ” إلى قوله ” وتلك الايام “. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 199 ح 145. (4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 184 في تفسيره لقوله تعالى: ” وليعلم الله الذين آمنوا “. (*)

[ 239 ]

[ وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكفرين (141) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصبرين (142) ] ويتخذ منكم شهداء: ويكرم منكم بالشهادة يريد شهداء احد أو يتخذ منكم شهودا معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد. أو شهودا وعلماء بما ينعم على المؤمنين ويمددهم. والله لا يحب الظلمين: الذين يضمرون خلاف ما يظهرون، أو الكافرين. وهو اعتراض. وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة، وإنما يديل لهم أحيانا استدارجا وابتلاء للمؤمنين. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما رجع من احد فلما دخل المدينة نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويشدونها فأنزل الله على نبيه ” ولا تنهنوا في إبتغاء القوم ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ” (1) وقال (عز وجل): ” إن يمسسكم قرح فقدمس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها ين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ” فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح (2). وليمحص الله الذين ءامنوا: ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم.


(1) النساء: 104. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 12. (*)

[ 240 ]

ويمحق الكفرين: ويهلكهم إن كانت عليهم. والمحق نقص الشئ قليلا قليلا. وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام امتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملا الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لا عز من الكبريت الاحمر، فقام إليه جابرين عبد الله الانصاري فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال: اي وربي ” وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ” يا جابر إن هذا الامر من الله وسر من سر الله، مطوي عن عباد الله، فإياك والشك فيه، فإن الشك في أمر الله (عز وجل) كفر (1). واعلم أن هذا الخبر يدل بصريحه على كفر أهل السنة، فإنهم شاكون في غيبة صاحب الامر ووجوده، وقد صرح في الخبر بأن الشك فيه كفر، فتبصر. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم: بل أحسبتم، ومعناه الانكار، أي لا تحسبوا أن تدخلوها ولما يعلم الله المجاهدين منكم ولما يجاهد بعضكم. وفيه دلالة على أن الجهاد فرض على الكفار. والفرق بين ” لما ” و ” لم ” أن فيها توقعا في المستقبل، بخلاف ” لم “. وقرئ ” يعلم ” بفتح الميم على أن أصله يعلمن، فحذفت النون. ويعلم الصبرين: نصب بإضمار (ان) على أن الواو للجمع. وقرئ بالرفع على أن الواو للحال، كأنه قال: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون. وفي تفسير العياشي: عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 286، الباب الخامس والعشرون، ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) ح 7. (*)

[ 241 ]

[ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (143) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشكرين (144) قول الله تعالى: ” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ” قال: إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد، كما أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم، ولم يرهم موتهم وهو أحياء (1). ولقد كنتم تمنون الموت: بالشهادة أو الحرب، فإنها من أسباب الموت. من قبل أن تلقوه: من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا ثبوته. فقد رأيتموه وأنتم تنظرون: أي رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم. وهو توبيخ لهم على أنهم تمنوا وتسببوا لها، ثم جبنوا وانهزموا عنها. أو على تمني الشهادة، فإن في تمنيها تمني غلبة الكفار. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية، أن المؤمنين لما أخبرهم الله تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة، رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه، فأراهم الله إياه يوم احد، فلم يثبتوا إلا ما شاء الله منهم، فذلك قوله: ” ولقد كنتم تمنون الموت ” الآية (2). وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل: فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 199 ح 147. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 119 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولقد كنتم تمنون الموت ” الآية. (*)

[ 242 ]

أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم: إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين، لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به. وقيل: الفاء للسببية والهمزة للانكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته (1). وفي روضة الكافي: حنان عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلا ثلاثة قلت: ومن الثلاثة ؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي (رحمة الله وبركاته عليهم ” (2)، ثم عرف اناس بعد يسير (3)، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع، وذلك قول الله (عز وجل): ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ” (4). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 184 في تفسيره لقوله تعالى: ” أفإن مات أو قتل ” الآية. (2) قال الشيخ القرطبي في شرح مسلم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبو ذر والمقداد وسلمان (شرح الروضة للعلامة المازندراني: ج 12 ص 322). (3) قوله: (ثم عرف اناس بعد يسير) يسير بالجز على الاضافة، أي بعد زمان قليل، أو بالرفع صفة لاناس، ولفظة (بعد) على الاول للتقييد وعلى الثاني للتأكيد، وقال: (هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا) أي رحا الاسلام، شبههم بقطب الرحا في توقف نظام الاسلام وجريانه عليهم، (وذلك قول الله عز وجل) ذلك إشارة إلى ارتداد الامة وبقاء قليل على الاسلام، وهم المقرون بنعمة الله التي هي الولاية الشاكرون عليها (شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 322 في شرحه لحديث 341). (4) الكافي: ج 8 ص 245 ح 341. (*)

[ 243 ]

ابن أبي العلاء الخفاف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما انهزم الناس يوم احد (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف إلهيم بوجهه وهو يقول: أنا محمد أنا رسول الله لم اقتل، ولم أمت، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا، وبقي معه علي وسماك بن خرشة أبو دجانة (2) فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك، فأما علي فهو أنا وأنا هو، فتحول وجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكى، وقال: لا والله ورفع رأسه إلى السماء وقال: لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك (3) فإلى من انصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت، أو


(1) احد: بضم أوله وثانيه معا: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة احد، وهو مرتجل لهذا الجبل، وهو جبل أحمر، ليس بذي شناخيب، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة الفظيعة التي قتل فيها حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشج وجهه الشريف وكلمت شفته، وكان يوم بلاء وتمحيص، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو في سنة ثلاث. وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: احد جبل يحبنا ونحبه، وهو على باب من أبواب الجنة، وعبر جبل يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار (معجم البلدان: ج 1 ص 144 لغة احد). (2) باب سماك: بالسين المهملة المكسورة، والميم المخففة المفتوحة، والالف والكاف كما عن تقريب ابن حجر: سماك بن خرشة: أبو دجانة الانصاري الخزرجي الساعدي، عده ابن عبد البرو ابن مندة وأبو نعيم من الصحابة، وقالوا: إنه مشهور بكنيته، يعني أبا دجانة، شهد بدرا واحدا وجميع المشاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعطاه رسول الله سيفه يوم احد وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من يأخذ هذ السيف بحقه فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فدفعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ففلق به هام المشركين، وكان من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء يعرف بها في الحرب، والاكثر على أنه قتل يوم اليمامة بعد ما أبلى فيهابلاء وعظيما، وقيل: بل عاش حتى شهد صفين مع أمير المؤمنين (عليه السلام) (تلخيصا من تنقيح المقال: ج 2 ص 68 تحت رقم 5274). (3) إني بايعتك: بايعت مفاعلة من البيع، وكانوا إذا بايعوا أحد قبضوا على يده اليمنى توكيدا للامر، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فجاءت المفاعلة في بايعت من ذلك. وأما البيعة فهي عرفا (*)

[ 244 ]

ولد يموت، أو دار تخرب، أو مال يفنى، وأجل قد اقترب، فرق له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة، وهو في وجه وعلي (عليه السلام) في وجه، فلما سقط احتمله علي (عليه السلام) فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أو فيت ببيعتي ؟ قال: نعم، وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خيرا، وكان الناس يحملون على النبي (صلى الله عليه وآله) الميمنة فيكشفهم علي (عليه السلام) فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحه بين يديه فقال: هذا سيفي تقطع، فيومئذ أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذو الفقار، ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) اختلاج ساقيه (1) من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي، وقال: يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك، فأقبل على (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله: أسمع دويا شديدا، وأسمع (اقدم حيزوم) (2) وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه ؟ فقال: هذا جبرئيل (عليه السلام) وميكائيل وإسرافيل في الملائكة. ثم جاءه جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة (3)، فقال (صلى الله عليه وآله


معاهدته على تسليم النظر في كل الامور إليه على وجه لا ينازع ولا ينصرف عنه ولو قتل: (شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 425). (1) خلج الشئ خلجا وخلوجا وخلجانا، تحرك واضطرب (المعجم الوسيط: ج 1 ص 248 لغة خلج). (2) وأسمع: أقدم حيزوم: في حديث بدر (أقدم حيزوم) جاء في التفسير: إنه اسم فرس جبرئيل (عليه السلام)، أراد أقدم يا حيزوم، فحذف حرف النداء والياء فيه زائدة (النهاية لا بن الاثير: ج 1 ص 467 (باب الحاء مع الياء). (3) (لهي المواساء) في النهاية: المواساة، المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمز فقلبت واوا تخفيفا. ولعل المراد بها هنا، مواساته بنفسه وماله، من قولهم: واساه بماله مواساة، أنا له منه (شرح

[ 245 ]

وسلم): إن عليا مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما (1)، ثم انهزم الناس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم (2)، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل (3) فإنهم يريدون مكة، وإن رأيتهم قدر كبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة. فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلي (عليه السلام): ما تريد ؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة، فانصرف إلى صاحبك. فاتبعهم جبرئيل (عليه السلام)، فكلما سمعوا وقع حافر فرسه، جدوا في السير، وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله) قد أقبل. فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر، فجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة، فقالوا: رأينا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما رحل أبو سفيان نزلوا، يقدمهم فارس على فرس أشقر (4) يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان


(1) روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 427). (1) (وأنا منكما): قال في الفائق: يقال: هو مني، أي هو بعضي. والغرض الدلالة على شدة الاتصال وتمازج الاهواء واتحاد المذاهب، ومثله قوله تعالى: ” فمن تبعني فإنه مني ” وقال الصدوق في العلل: قول جبرئيل: (وأنا منكما) تمنى منه لان يكون منهما، فلو كان أفضل منهم لم يقل ذلك ولم يتمن أن ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه، وإنما قال: وأنا منكما ليصير من هو أفضل منه، فيزداد محلا إلى محله وفضلا إلى فضله نفس المصدر السابق. (2) (حتى تعارضهم) أي حتى تأتيهم، من عارضه إذا أتاه معرضا من بعض الطريق، أو حتى تظهر لهم ويظهروا لك، من أعرض الشئ يعرض، إذا ظهر له، أو حتى تقابلهم من عارض إذا قاتله. نفس المصدر السابق. (3) (فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل) في القاموس: القلوص من الابل الشابة، أو الباقية على السير، أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثنى ثم هي ناقة، والناقة الطويلة القوائم، خاص بالاناث، والجمع قلاص وقلص وجمع الجمع قلاص. والجنيبة فرس تقاد إلى جنب الراكب أو قدامه، ليتحول إليها ويركبها إذا فتر مركوبه، يقال: جنبه جنبا محركة، ومجنبا، فاده إلى جنبه، فهو جنيب ومجنوب. نفس المصدر السابق. (4) (يقدمهم فارس على فرس أشقر) الاشقر من الدواب، الاحمر في مغرة حمرة تحمر منه العرف والذنب، والمغر محركة والمغرة بالضم لون ليس بناصع الحمرة، أو شقرة بكدرة نفس المصدر السابق. (*)

[ 246 ]

يوبخونه. ثم رحل النبي (صلى الله عليه وآله) والراية مع علي (عليه السلام) وهو بين يديه، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي (عليه السلام) أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل، فقال صاحب الكلام الذي قال (الآن يسخر بنا وقد هزمنا) هذا علي والراية بيده، حتى هجم عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويثوبون إليه (1)، والنساء، نساء الانصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وخرمن البطون (2) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رأينه قال لهن خيرا، وأمر هن أن يستترن ويدخلن منازلهن، وقال: إن الله (عز وجل) وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها، وأنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ” (3). وفي روضة الكافي: خطبة مسندة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). وهي خطبة الوسيلة يقول فيها (عليه السلام): حتى إذا دعا الله عز وجل: نبيه ورفعه إليه (4)، لم يك ذلك (5).


(1) ويثوبون إليه) في أكثر النسخ بالثاء المثلثة، أي يرجعون، وفي بعضها بالتاء المثناة أي يتوبون ويعتذرون من الهزيمة وترك القتال. (2) (وحر من البطون) في أكثر النسخ بالحاء والزاي المعجمة، أي كن شددن بطونهن لئلا تبدوا عوراتهن لشق الجيوب، من قولهم حرمت الشئ أي شددته. وفي بعضها حرص بالحاء والصاد المهملتين أي شققن وخرقن، يقال: حرص القصار الثوب أي خرقه بالدق، وفي بعضها بالحاء والضاد المعجمة على وزن التفعيل، يقال: احرضه المرض إذا أفسد بدنه وأشفا على الهلاك (مرآت العقول في بيان ما جرى في غزوة احد) ص 404. (3) الكافي: ج 8 ص 318 ح 502. (4) (حتى إذا دعا الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أي إلى رحمته ورضوانه). (5) (لم يك ذلك) أي المذكور من أحوالهم الدالة على استقامتهم ظاهر نفس المصدر السابق (شرح روضة الكافي العلامة المازندراني: ج 11 ص 261). (*)

[ 247 ]

بعده إلا كلمحة من خفقة (1)، أو وميض من برقة (2)، إلى أن رجعوا على الاعقاب (3)، وانتكصوا على الادبار (4)، وطلبوا بالاوتار (5)، وأظهروا الكتائب (6)، وردموا الباب (7)، وفلوا الديار (8)، وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلا، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا (9) من آل أبي قحافة أولى


(1) (إلا كلمحة من حفقة) الخفقة تحريك الناعس رأسه، والتاء للوحدة، والتنكير للتقليل، واللمحة زمان رؤية واحدة وكثيرا ما يعبر بها عن الزمان القليل جدا، ولذلك فسرها بمقدار زمان النعاس القليل، أو زمان اختلاس النظر منه. وهذا من أحسن العبارات في إفادة قلة الزمان، مع إشارة لطيفة إلى دخولهم حينئذ في غفلة النعاس نفس المصدر السابق. (2) (أو وميض من برقة) أي لمعانها، يقال: ومض البرق بمضي ومضا وميضا وومضانا، إذا لمع خفيفا، ولم يعترض في نواحي الغيم. وهذه أيضا من أحسن البيان لافادة قلة الزمان، مع إشارة خفيفة إلى اضطرابهم نفس المصدر السابق. (3) (إلى أن رجعوا على الاعقاب) الرجوع إلى الاعقاب كناية عن الرجوع عما كانوا عليه ظاهرا من الانقياد للشريعة وأمر الله تعالى ورسوله ووصية بأهل بيته. وقد صح من طرق العامة والخاصة أنهم لم يشتغلوا، بعد رجوعه (صلى الله وآله وسلم) إلى الحق، بدفنه واشتغلوا بنصب الخليفة، وعللوا ذلك بأنه لا يجوز بقاء الامة بعده بلا إمام طرفة عين، ولم يعلموا لجهلهم، أنه يلزمهم ذلك لبقاء الامة عندهم بلا إمام أكثر، وأنه يلزم أن يكونوا أعلم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يعلم أنه لا يجوز ذلك، ومضى بلا نصب إمام نفس المصدر السابق. (4) (وانتكصوا على الادبار) النكوص الرجوع إلى وراء، هو القهقري، وبذلك قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخير وصلاح أهلها، وأقبل منها ما كان مدبرا من الشرور التي أدبرت فيه وظهور الاسلام نفس المصدر السابق. (5) (وطلبوا بالاوتار) كأنه إشارة إلى سبب انحرافهم عنه (عليه السلام)، وهو أنه جنى من كل قوم من العرب جنايات، وقتل منهم جماعة في الحرب، ذلك سببا لميلهم عنه نفس المصدر السابق. (6) (وأظهروا الكتائب) جمع الكتيبة، وهي القطعة العظيمة من الجيش نفس المصدر السابق. (7) (وردموا الباب) سدوه، وأراد به ذاته المقدسة، لانه باب الله، وباب الشريعة، وباب مدينة العلم، والمراد بسده منع الناس من الرجوع إليه نفس المصدر السابق. (8) (وفلوا الديار) أي كسروا دار الاسلام والشريعة وغلبوا على أهلها قهرا وعنوة. (9) (وزعموا أن من اختاروا) اعلم أن الاحايث المشتركة بين العامة والخاصة، وصريح كلام (*)

[ 248 ]

بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجر الانصاري الرباني، ناموس هاشم بن عبد مناف (1) (2). علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقال: لاعداء الله أولياء الشيطان، أهل التكذيب والانكار ” قل ما أسألكم عليه من أجروما أنا من المتكلفين ” (3) (4) يقول: متكلفا أن أسألكم مالستم بأهله، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما أنزل الله هذا، وما هو إلا شئ يتقوله، يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمد أو مات لننز عنها من أهل بيته، ثم لا نعيدها فيهم أبدا (5).


(1) علمائهم المشهورين، دلت على أنهم غصبوا الخلافة منه (عليه السلام) وظلموه، قال أبو عبد الله الابي في شرح مسلم: ونقل عن بعض أصحابه أيضا: أنه لم يكن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد يماثله أو يدانيه ويقاربه في صفات كماله، وأنه كان في كل واحدة من صفات الكمال فائقا على جميع الامة، وأنه كان أولى باستحقاق الخلافة والامامة من الجميع، إلا أنه أجمعت الصحابة على أبي بكر، مع أنه ذكر في الشرح المذكور: أن كثيرا من الصحابة لم يبايعوا صاحبهم، وعدهم بأسمائهم. (1) (وأن مهاجر آل أبي قحافة إلى قوله: ناموس هاشم بن عبد مناف) المراد به ذاته المقدسة، الناموس صاحب سر الملك، والحاذق، وقيل: صاحب سرالخير. وفيه إشارة إلى مفاخر هاشم، وقد كان في حسن الظاهر والباطن والكرم والاخلاق والعلم والعفاف مشهورا في العرب نفس المصدر السابق، (2) الكافي: ج 8 ص 29، خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة. (3) ص: 86. (4) (قل ما أسألكم عليه من أجر) مطلقا حتى أجر المودة، لعدم قبولكم إياه. وهذا من باب نفي الشئ لانتفاء ثمرته (وما أنا من المتكلفين) الذين يتصنعون وينتحلون ما ليس لهم، (يقول: ما أنا متكلفا أن أسألكم مالستم بأهله) من أجر المودة، وإذا لم يكونوا من أهله، لم يكن (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل سؤاله عنهم، لانتفاء فائدته (فقالوا: وما هو إلا شئ يتقوله) في القاموس: تقول قولا: ابتدعه كذبا (من شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 521 ح 574). (5) الكافي: ج 8 ص 379 قطعة من ح 574. (*)

[ 249 ]

واعلم أن فلانا وفلانا من أهل الانقلاب على الاعقاب بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) – لما رواه محمد بن يعقوب (رحمه الله)، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عنهما ؟ فقال: يا أبا الفضل لا تسألني عنهما، فوالله ما مات منا ميت إلا ساخط عليهما، وما منا اليوم إلا ساخط عليهما يوصي بذلك الكبير منا الصغير، لانهما ظلمانا حقنا وضيعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا (1)، وفتقا علينا فتقا في الاسلام لا يسد أبدا حتى يفوم قائمنا ثم قال: أما والله لوقد قام قائمنا أو يتكلم (2) متكلمنا، لابديا من امورهما ما كان يكتم (3)، ولكتما من امورهما (4) ما كان يظهر، والله ما أمست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما سببا أولها، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (5). وفي تفسير العياشي: عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عمن قتل، أمات ؟ قال: لا، الموت موت والقتل قتل، قيل: ما أحد يقتل إلا وقد مات، فقال: قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن، قال: ” أفإن مات أو قتل ” وقال ” لئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون ” (6) وليس كما قلت: الموت والقتل قتل، قيل: فإن الله يقول: ” كل نفس ذائقة الموت ” (7) قال: من قتل لم يذق الموت، ثم قال: لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت (8).


(1) كناية عن التسلط والغلبة عليهم، وإيصال المكروه والشدة إليهم: مرآة العقول، شرح روضة الكافي: ص 329 ح 340. (2) قوله: (أو يتكلم) لعل كلمة (أو) بمعنى الواو كما يدل عليه ذكره ثانيا بالواو. ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي. أو يكون المراد بالقائم، الامام الثاني عشر (عليه السلام) كما هو المتبادر، وبالمتكلم من تصدى لذلك قبله (عليه السلام) منهم (عليهم السلام) نفس المصدر السابق (3) قوله: (ما كان يكتم) على البناء للمفعول، أي من فسقهما وكفر هما وبدعهما نفس المصدر السابق. (4) قوله: (ويكتم من امور هما) أي أظهر بطلان ما كان العامة من عدلهما وخلافتهما. أو أن بعض المنافقين إذا اعتقدوا ذلك كمتوها ولم يظهروها، خوفا منه نفس المصدر السابق. (5) الكافي: ج 8 ص 245 ح 340. (6 و 7) آل عمران: 158 و 185 (8) لم نعثر على حديث مرسل عن أبي جعفر (عليه السلام) بهذه الالفاظ في تفسير العياشي المطبوع، والاحاديث المنقولة فيه عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) بتفاوت في العبارات، لا حظ تفسير (*)

[ 250 ]

وعن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجعة، واستخفيت ذلك، قلت: لا سألن مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي فقلت: أخبرني عمن قتل، أمات ؟ قال: لا، الموت موت والقتل قتل، قلت: ما أحد يقتل إلا وقد مات، فقال: قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن، فقال: ” أفان مات أو قتل ” وقال: ” ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون ” وليس كما قلت يا زرارة: الموت موت والقتل قتل، قلت: فإن الله يقول: ” كل نفس ذائقة الموت ” قال: من قتل لم يذق الموت، قال: لابد من أن يرجع حتى يذوق الموت (1). ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا: من الضرر يسيرا بارتداده، بل يضر نفسه. وسيجزى الله الشكرين: كأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن يحذو حذوه، شكروا الله على نعمة الاسلام وتثبتوا عليها. في كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): بإسناده إلى الامام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير. وفيها: معاشر الناس انذركم إني رسول الله إليكم قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزى الله الشاكرين، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه (2). وفيه: بإسناده قال علي (عليه السلام) في خطبة له: إن الله ذا الجلال والاكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول الله (جل


العياشي: ج 1 ص 202 ح 161 وص 210 ح 170. (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 202 ح 160. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 62 س 3، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الايام بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين). (*)

[ 251 ]

[ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتبا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها وسنجزي الشكرين (145) ] ذكره) حيث أمر فقال: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” (1) فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم ونقضتم الامر ونكثتم العهد ولم تضروا الله شيئا (2). وفي تفسير العياشي: عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قتل، إن الله يقول: ” أفإن مات أو قتل انقلبتم عى أعقابكم ” ثم قال: إنهما سقتاه قبل الموت، يعني الامرأتين لعنهما الله وأبويهما (3). وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله: إلا بمشيئته، أو بإذنه لملك الموت في قبض روحها، لا يستأخر ساعة بالاحجام عن القتال، ولا يستقدم بالاقدام عليه. وفيه تحريض وتشجيع على القتال، ووعد للرسول بالحفظ وتأخير الاجل. كتابا: مصدر يفيد النوع، إذ المعنى: كتب الموت كتابا. مؤجلا صفة له، أي موقت لا يتقدم ولا يتأخر. ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها: تعريض بمن شغلته الغنائم يوم احد. ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها وسنجزي الشكرين: الذين شكروا نعمة الله، فلم يشغلهم شئ الجهاد.


(1) النساء: 59. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 160 س 4 احتجاجه (عليه السلام) على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 200 ح 152. (*)

[ 252 ]

[ وكأين من نبى قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصبرين (146) وما كان قولهم إلآ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمر نا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين (147) ] في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام) أنه أصاب عليا (عليه السلام) يوم احد ستون جراحة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر ام سلمة وام عطية أن تداوياه، فقالتا: إنا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان، وقد خفنا عليه، ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون يعودونه، وهو قرحة واحدة، وجعل يمسحه بيده ويقول: إن رجلا لقي هذا في الله فقد ابلي واعذر، فكان القرح الذي يمسحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلتئم، فقال علي (عليه السلام): الحمد لله إذ لم أفر ولم اول الدبر، فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن، وهو قوله: ” سيجزي الله الشاكرين ” ” وسنجزي الشاكرين ” (1). وكأين: قيل: أي دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى (كم) والنون تنوين اثبت في الخط على غير قياس. وقرأ ابن كثير (كائن) ككامن. ووجهه أنه قلب، قلب الكلمة الواحدة، كقولهم: (وعملي) في (لعمري) فصار (كائن) ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف، ثم ابدلت الياء الاخرى ألفا كما ابدلت من طائي (2).


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 515 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” وسنجزي الشاكرين “. (2) من قوله: قيل إلى هنا من أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 185 لا حظ تفسيره لقوله تعالى: ” وكأين من نبي قاتل معه ” الآية. (*)

[ 253 ]

من نبى: بيان له. قتل معه ربيون كثير: ربانيون علماء أتقياء، وقيل: الجماعات. والربي منسوب إلى الربة، وهي الجماعة للمبالغة. وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام) الربيون عشرة آلاف (1). وفي تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير، قال: الوف والوف ثم قال: أي والله يقتلون (2). وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (قتل) وإسناده إلى ربيون، أو ضمير النبي ومعه ربيون حال عنه ويؤيد الاول: أنه قرئ بالتشديد، وقرئ ربيون بالفتح على الاصل، وبالضم، وهي من تغييرات النسب كالكسر. فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله: فما فتروا، ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم. وما ضعفوا: عن العدو، أو في الدين. وما استكانوا: وما خضعوا للعدو. وأصل (استكن) من السكون، لان الخاضع يسكن لصاحبه، ليفعل به ما يريده، والالف من إشباع الفتحة، أو استكون من الكون، لانه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له. وهذا تعريض بما أصابهم عند الارجاف بقتله (عليه السلام). والله يحب الصبرين: فينصرهم ويعظم قدرهم. وما كان قولهم إلآ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين: أي وما كان قولهم من ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين، إلا هذا القول وهو إضافة الذنوب والاسراف إلى أنفسهم، هضما لها، وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم والاستغفار عنها، ثم طلب


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 517 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” وكأين من نبي ” الآية. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 201 ح 154. (*)

[ 254 ]

[ فاتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين (148) يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقبكم فتنقلبوا خسرين (149) ] التثبيت في مواطن الحرب والنصرة على العدو، ليكون عن خضوع وطهارة، فيكون أقرب إلى الاجابة. وإنما جعل قولهم خبرا، لان ” ان قالوا ” أعرف، لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث. فاتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين: فأتاهم الله بسبب الاستغفار واللجوء إلى الله، النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر في الدنيا، والجنة والنعيم في الآخرة. وخص ثوابها بالحسن، إشعارا بفضله، وإنه المعتد به عنده. يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقبكم فتنقلبوا خسرين: في مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم احد عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم، وارجعوا إلى دينكم (1). وقيل: عام في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم، فإنه سينجر إلى موافقتهم (2).


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 518، في نقل شأن النزول في قوله تعالى: ” يردوكم على أعقابكم ” الآية. (2) قاله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 186 عند تفسيره لقوله تعالى: ” فتنقلبوا خاسرين “. (*)

[ 255 ]

[ بل الله موالكم وهو خير النصرين (150) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بمآ أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا ومأوهم النار وبئس مثوى الظلمين (151) ] بل الله مولكم: ناصر كم. وقرئ بالنصب على تقدير، بل أطيعوا الله مولاكم. وهو خير النصرين: فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره. سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب: يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم احد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب، ونادى أبو سفيان يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن شاء الله (1). وقيل: لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق، ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم، ليستأصلوهم فألقى الله الرعب في قلوبهم (2). في مجمع البيان: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نصرت بالرعب مسيرة شهر (3). وفي كتاب الخصال: عن أبي امامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فضلت بأربع: نصرت بالرعب مسيرة شهر يسير بين يدي (4).


(1) قاله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 186 عند تفسيره لقوله تعالى: ” سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب “. (2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 186 عند تفسيره لقوله تعالى: ” سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب “. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 519 عند تفسيره لقوله تعالى: ” سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب “. (4) الخصال: ص 201 باب الاربعة، قول النبي فضلت بأربع، ح 14 ولفظ الحديث (قال رسول الله (*)

[ 256 ]

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي، جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب (1). عن جابر بن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل يقول فيه (صلى الله عليه وآله): قال لي الله (جل جلاله): ونصرتك بالرعب الذي لم أنصربه أحدا قبلك (2). وقرابن عامر والكسائي ويعقوب الرعب بضمتين على الاصل في كل القرآن. بما أشركوا بالله: بسبب اشراكهم به. ما لم ينزل به سلطنا: أي آلهة ليس على اشتراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا وهو كقوله: ” ولا ترى الضب بها ينجحر (3). وأصل السلطة القوة، ومنه السليط، لقوة اشتغاله، والسلاطة لحدة اللسان. ومأوهم النار وبئس مثوى الظلمين: أي مثواهم، فوضع الظاهر موضع المضمر، للتغليظ والتعليل. * * *


صلى الله عليه وآله): فضلت بأربع، جعلت لامتي الارض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من امتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الارض فقد جعلت له مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يسير بين يدي، واحلت لامتي الغنائم، وارسلت إلى الناس كافة). (1) الخصال: ص 292 باب الخمسة اعطى النبي (صلى الله عليه وآله) خمسا لم يعطها احد قبله، ح 56 وتمام الحديث (واحل لى المغنم، واعطيت جوامع الكلم، واعطيت الشفاعة). (2) الخصال: ص 425 باب العشرة، أسماء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة، ح 1 ص 19. (3) لا تفزع الارنب أهوالها * ولا ترى الضب بها ينجحر. لا بن أحمر يقول: لا تخيف الارنب أهوال تلك الصحراء، أي لا هول فيها حتى يفزعه، ويجوز أن يكون المعنى: لا أرنب فيها تفزعه أهوالها، كما لا ضب فيها يدخل جحره فهما منفيان، (نقلا عن هامش الكشاف: ج 1 ص 426). (*)

[ 257 ]

[ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنزعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أركم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين (152) ] ولقد صدقكم الله وعده: أي وعده إياهم بالنصر، بشرط التقوى الصبر. وكان كذلك حتى خالف الرماة، فإن المشركين لما أقبلوا جعل الرماة ير شقونهم والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم. إذ تحسونهم بإذنه: تقتلونهم، من حسه، إذا أبطل حسه. حتى إذا فشلتم: جبنتم وضعف رأيكم، أو ملتم إلى الغنيمة، فإن الحرص من ضعف العقل. وتنزعتم في الامر: يعني اختلاف الرماة حين انهزم المشركون، فقال بعضهم: فما موقفنا ههنا ؟ وقال الآخرون: لا نخالف أمرالرسول، فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب، وهو المعنى بقوله: وعصيتم من بعد ما أركم ما تحبون: من الظفر والغنيمة وانهزام العدو. وجواب (إذا) محذوف، وهو امتحنكم. منكم من يريد الدنيا: وهم التاركون المركز للغنيمة. ومنكم من يريد الاخرة: وهم التائبون، محافظة على أمر الرسول. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” حتى إذا فشلتم وتازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ” يعنى أصحاب عبد الله بن جبير الذين


[ 258 ]

[ * إذ تصعدون ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في أخركم فأثبكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصبكم والله خبير بما تعملون (153) ] تركوا مراكزهم ومروا للغنيمة قوله: ” ومنكم من يريد الآخرة ” يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا (1). ثم صرفكم عنهم: ثم كفكم عنهم حتى حالت الحال فغلبوكم. ليبتليكم: على المصائب ويمتحن ثباتكم على الايمان عندها. ولقد عفا عنكم: تفضلا، ولما علم من ندمكم على المخالفة. والله ذو فضل على المؤمنين: بتفضله عليهم بالعفو، أو في الاحوال كلها، سواء اديل لهم أو عليهم، إذ الابتلاء أيضا رحمة. إذ تصعدون: متعلق ب‍ ” صرفكم ” أو ” يبتليكم ” أو بمقدر كما ذكر. الاصعاد، الذهاب والابعاد في الارض، يقال: أصعدنا من مكة إلى المدينة. ولا تلون على أحد: لا يقف أحد لاحد ولا ينتظره. والرسول يدعوكم: كان بقول: إلي عباد الله انا رسول الله من يكر فله الجنة. في أخركم: في ساقتكم وجماعتكم الاخرى. فأثبكم غما بغم: فجازاكم الله عن فشكم وعصيانكم غما متصلا بغم. في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: فأما الغم الاول فالهزيمة والقتل، والغم الآخر فإشراف خالد بن الوليد


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 120، عند تفسيره لقوله تعالى: ” حتى إذا فشلتم وتازعتم “. (*)

[ 259 ]

عليهم (1) لكيلا تحزنوا على ما فاتكم: من الغنيمة. ولا ما أصبكم: من قتل إخوانكم. وقيل: (لا) مزيدة. والمعنى لتأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة، وعلى ما أصابكم من الجرح والهزيمة، عقوبة لكم (2). وقيل: الضمير في ” فأثابكم ” للرسول، أي فاساكم في الاغتمام، فاغتم بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه ولم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر، ولا على ما أصابكم من الهزيمة (3). والله خبير بما تعملون: عالم بأعمالكم وبما قصدتم بها. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام): ” لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ” ” ولا – على – ما أصابكم ” يعني قتل اخوانكم ” والله خبير بما تعلمون ” (4). * * *


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 120 عند تفسيره لقوله تعالى: ” فأثابكم غما بغم “. (2 و 3) قالهما في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 187 عند تفسيره لقوله تعالى: ” لكي لا تحزنوا “. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 120 عند تفسيره لقوله تعالى: ” لكي لا تخزنوا على ما فاتكم “. (*)

[ 260 ]

[ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ قل إن الامر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (154) ] ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنه نعاسا: أنزل الله عليكم الامن حتى أخذكم النعاس. وعن أبي طلحة: غشينا النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا، فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه (1). و ” الا منة ” الامن، نصب على المعفول، و ” نعاسا ” بدل منها، أو هو المفعول، و ” أمنة ” حال منه متقدمة، أو مفعول له، أو حال من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة، أو على أنه جمع آمن كبار وبررة. وقرئ ” أمنة ” بسكون الميم، كأنها المرة من الامن. وفي تفسير العياشي: عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)


(1) رواه في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 187 عند تفسيره لقوله تعالى: ” ثم أنزل عليكم من بعد الغم “. (*)

[ 261 ]

وذكر يوم احد: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسرت رباعيته وإن الناس ولوا مصعدين في الوادي والرسول يدعوهم في اخراهم وأثابهم غما بغم ثم انزل عليهم النعاس، فقلت: النعاس ما هو ؟ قال: الهم، فلما إستيقظوا قالوا كفرنا (1). والحديث طويل اخذت منه موضع الحاحة. يغشى طائفة منكم: أي النعاس. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ردا على الامنة. والطائفة، المؤمنون حقا. وطائفة هم المنافقون. قد أهمتهم أنفسهم: أو قعتهم أنفسهم في الهموم، أو ما يهمهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها. يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية: صفة اخرى لطائفة، أو حال، أو استئناف على وجه البيان لما قبله. و ” غير الحق ” نصب على المصدر، أي يظنون بالله غير الظن الحق الذي يحق أن يظن به، و ” ظن الجاهلية ” بدله، وهو الظن المختص بالملة الجاهلية وأهلها. يقولون: أي لرسول الله، وهو بدل من ” يظنون “. هل لنا من الامر من شئ: هل لنا مما أمر الله ووعد من النصر والظفر نصيب قط. وقيل: أخبر ابن ابي بقتل بني الخزرج، فقال ذلك، والمعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا، فلم يبق لنا من الامر شئ، أو هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الامر شئ ؟ قل إن الامر كله لله: أي الغلبة الحقيقية لله تعالى وأوليائه ” فإن حزب الله هم الغلبون ” (2)، أو القضاء له يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وهو اعتراض.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 201 ح 155. (2) المائدة: 56. (*)

[ 262 ]

وقرأ أبو عمرو ويعقوب كله بالرفع على الابتداء. يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك: حال من ضمير (يقولون) أي يقولون: مظهرين أنهم مستر شدون طالبون للنصر، مبطنين الانكار والتكذيب. يقولون: أي في أنفسهم، وإذا خلا بعضهم إلى بعض. وهو بدل من ” يخفون ” أو اسئناف على وجه البيان له. لو كان لنا من الامر شئ: كما وعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وزعم متوصلا أن الامر كله لله تعالى ولاوليائه، أو لو كان لنااختيار وتدبير لم نبرح، كما كان رأي ابن ابي وغيره. ما قتلنا ههنا: لما غلبنا، أو لما قتل من قبل منا في هذه المعركة. قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم: أي لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتبه في اللوح المحفوظ إلى مصارعهم ولم تنفعهم الاقامة بالمدينة، ولم ينج منهم أحد، فإنه قدر الامور ودبرها في سابق قضائه، لا معقب لحكمه. وليبتلى الله ما في صدوركم: وليمتحن ما في صدور كم ويظهر سرائرها من الاخلاص والنفاق، وهو علة فعل محذوف، أي وفعل ذلك ليبتلي، أو عطف على محذوف، أي لبرز لنفاذ القضاء، أو لمصالح جمة وللابتلاء، أو على قوله: ” لكيلا تحزنوا “. وليمخص ما في قلوبكم: وليكشفه ويميزه، أو يخلصه عن الوساوس. والله عليم بذات الصدور: بخفياتها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء، وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين (1).


(1) انظر ص 259 – 260 الهامش 1، 2، 4، والى هنا نقلها من تفسير البيضاوي حرفا بحرف. (*)

[ 263 ]

[ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطن ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (155) يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخونهم إذا ضربوا في الارض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ما توا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحى ويميت والله بما تعملون بصير (156) ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان: انهزموا يوم احد، والجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين. إنما استز لهم الشيطن: حملهم على الزلة. ببعض ما كسبوا: من معصيتهم النبي (صلى الله عليه وآله) بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك، فمنعوا التأييد وقوة القلب. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استرلهم الشيطان ” أي خذلهم حتى طلبوا الغنيمة ” ببعض ما كسبوا ” قال بذنوبهم (1). وفي تفسير العياشي: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أحد هما (عليهما السلام) في قوله: ” إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ” فهو عقبة بن عثمان وعثمان بن سعد (2). عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): هم أصحاب العقبة (3).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 121 عند تفسيره لقوله تعالى: ” ان الذين تولوا منكم “. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 201 ح 156. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 201 ح 158. (*)

[ 264 ]

ولقد عفا الله عنهم: لتوبتهم واعتذارهم. إن الله غفور: للذنوب. حليم: لا يعاجل بعقوبة المذنب، كي يتوب يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا: يعني المنافقين. وقالوا لاخونهم: لاجلهم وفيهم. ومعنى إخوتهم اتفاقهم في النسب أو المذهب. إذا ضربوا في الارض: إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها. وكان حقه (إذ) لقوله: ” قالوا ” لكنه جاء على حكاية الحال الماضية. أو كانوا غزى: جمع غاز، كعاف وعفى. لو كانوا عندنا ما ماتوأ وما قتلوا: معفول ” قالوا ” وهو يدل على أن إخوانهم لم يكونوا مخاطبين به. ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم: متعلق ب‍ ” قالوا ” على أن اللام لام العاقبة، مثلها في ” ليكون لهم عدوا وحزنا ” (1) أو لا تكونوا أي لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول والاعتقاد ليجعله حسرة في قلوبهم خاصة، فذلك إشارة إلى مادل عليه قولهم من الاعتقاد. وقيل: إلى مادل عليه النهي، أي لا تكونوا مثلهم، ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم، فإن مخالفتهم ومضادتهم مما يغمهم. والله يحى ويميت: رد لقولهم، أي هو المؤثر في الحياة والممات، لا الاقامة والسفر، فإنه تعالى قد يحيى المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد. والله بما تعملون بصير: تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، على أنه وعيد للذين كفروا.


(1) القصص: 8. (*)

[ 265 ]

ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون (157) ] ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم: أي متم في سبيله. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الميم من مات يمات. لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون: جواب القسم، وهو ساد مسد الجزاء. والمعنى: أن السفر والغزو ليس مما يجلب الموت ويقدم الاجل وإن وقع ذلك في سبيل الله، فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا. وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن المغيرة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن قول الله: ” ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ” قال: أتدري يا جابر ما سبيل الله ؟ فقلت: لا والله إلا أن أسمعه منك، قال: سبيل الله علي وذريته، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله (1). وفي كتاب معاني الاخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل (2)، عن


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 202 ح 162 وسند الحديث (عن عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام)، وتمام الحديث (ليس من يؤمن من هذه الامة إلا وله قتلة وميتة، قال: إنه من قتل ينشر حتى يموت ومن مات ينشر حتى يقتل). (2) المنخل بن جميل الاسدي بياع الجواري الكوفي: الضبط، المنخل بضم الميم وفتح النون وفتح الخاء المعجمة المشددة بعدها اللام قاله في الخلاصة والايضاح وزاد في الثاني قوله: وقيل: بسكون النون وضم الخاء، قلت: بفتح النون وكسر الخاء المشددة، وقال النجاشي: منخل بن جميل الاسدي بياع الجواري ضعيف فاسد الرواية، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) له كتاب التفسير، وقال ابن الغضائري: ضعيف في مذهبه غلو، ولكن المحقق الوحيد (رحمه الله) بنى على (*)

[ 266 ]

[ ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون (158) فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159) ] جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية في قول الله (عز وجل): ” ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ” قال: فقال: أتدري ما سبيل الله ؟ قال: قلت: لا والله إلا أن أسمعه منك، قال: سبيل الله علي (عليه السلام) وذريته، وسبيل الله من قتل في ولايته قتل في سبيل الله، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله (1). وقرأ حفص بالياء. ولئن متم أو قتلتم: على أي وجه اتفق هلاككم. لالى الله تحشرون: لا إلى معبودكم الذي توجهتم إليه وبذلتم مهجكم لاجله، لا إلى غيره، لا محالة تحشرون، فيوفي جزاءكم ويعظم ثوابكم. وقرأ نافع وحمزة والكسائي ” متم ” بالكسر. فبما رحمة من الله لنت لهم: أي فبرحمة، و ” ما ” مزيدة للتأكيد والدلالة على أن لينه لهم، ما كان إلا برحمة من الله، وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق بهم، حتى اغتم بعد أن خالفوه. ولو كنت فظا: سيئ الخلق جافيا. (*)


المناقشة في ذلك فقال: الظاهر أن رميهم إياه بالغلو لروايته الروايات الدالة عليه على زعمهم وفي ثبوت الضعف بذلك تأمل (تلخيص من تنقيح المقال: ج 3 ص 247 تحت رقم 12135. (1) معاني الاخبار: ص 167 باب معنى سبيل الله، ح 1. (*)

[ 267 ]

غليظ القلب: قاسية. لا نفضوا من حولك: لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك. فاعف عنهم: فيما يختص بك. واستغفر لهم: فيما لله. وفي تفسير العياشي: عن صفوان قال: استأذنت لمحمد بن خالد، عن الرضا أبي الحسن (عليه السلام) وأخبرته أنه ليس يقول بهذا القول، وأنه قال: والله لا اريد بلقائه إلا لانتهي إلى قوله، فقال: ادخله، فدخل فقال له: جعلت فداك أنه كان فرط مني شئ، وأسرفت على نفسي – وكان فيما يزعمون أنه كان، بعينه فقأ وأن أستغفر الله مما كان مني، فأحب أن تقبل عذري وتغفر لي ما كان مني ؟ فقال: نعم أقبل، إن لم أقبل كان ابطال ما يقول هذا وأصحابه – وأشار إلي بيده – ومصداق ما يقول الآخرون، يعني المخالفين، قال الله لنبيه (عليه وآله السلام): ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ” ثم سأله عن أبيه، فأخبره أنه قد مضى واستغفر له (1). وشاورهم في الامر: في أمر الحرب، إذ الكلام فيه، أو فيما يصح أن يشاور فيه، استظهارا برأيهم، وتطييبا لنفوسهم، وتمهيدا لسنة المشاورة للامة. وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها (2). وفيه قال (عليه السلام): والاستشارة من الهداية فقد خاطر من استغنى برأيه (3). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 203 ح 163. (2) نهج البلاغة: ص 500 باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت رقم 161 صبحي الصالح. (3) نهج البلاغة: ص 506 باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) قطعة من رقم 211 صبحي الصالح. (*)

[ 268 ]

عن جده، عن علي (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، حديث طويل، وفيه: لا وحدة أو حش من العجب، ولا مظاهرة أو ثق من المشاورة (1). وفي كتاب الخصال: عن محمد بن آدم، عن أبيه بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي لا تشاورن جبانا فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاورن البخيل يقصر بك عن غايتك، ولا تشاورن حريصا فإنه يزين لك شرها (2). وفيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وحق المستشير إن علمت أن له رأيا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله (3). وعن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله أوصني فقال لي: يا سفيان لا مروة للكذوب، إلى قوله: وشاور في أمرك الذين يخشون الله (4). فإذا عزمت: إذا وطنت نفسك على شئ بعد الشورى. فتوكل على الله: في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلمه، سواه. وقرئ: فإذا عزمت على التكلم، أي فإذا عزمت لك على شئ وعينته لك، فتوكل علي ولا تشاور فيه أحدا. إن الله يحب المتوكلين: فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح. وفي تفسير العياشي: أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار قال: كتب إلي أبو


(1) التوحيد: ص 376 باب القضاء والقدر والفتنة والارزاق والاسعار والآجال ح 20 س 2. (2) الخصال: ص 101 باب الثلاثة، النهي عن مشاورة ثلاثة، ح 57. (3) الخصال: من ص 570 أبواب الخمسين وما فوقه، ح 1. (4) الخصال: ص 169 أبواب الثلاثة، أمر الباقر (عليه السلام) ابنه الصادق (عليه السلام) بثلاث ونهاه عن ثلاث، ح 222. (*)

[ 269 ]

[ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون (160) ] جعفر (عليه السلام) أن سل فلانا أن يشير علي ويتخير لنفسه (1)، فهو يعلم ما يجوز في بلده وكيف يعامل السلاطين، فإن المشورة مباركة قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في محكم كتابه: ” فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ” فإن كان ما يقول مما يجوز، كنت أصوب لرأيه، وإن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطريق الواضح إن شاء الله. وشاورهم في الامر، قال: يعني الاستخارة (2). إن ينصركم الله فلا غالب لكم: فلا أحد يغلبكم. وإن يخذ لكم: كما خذلكم يوم احد. فمن ذا الذى ينصركم من بعده: من بعد خذلانه، أو من بعد الله، بمعنى إذا جاوز تموه فلا ناصر لكم. وهذا تنبيه على المقتضى للتوكل، وتحريض على ما يستحق به النصر من الله، وتحذير عما يستجلب خذلانه. وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) – حديث طويل – يقول فيه: فقلت: قوله (عز وجل): ” وما توفيقي إلا


(1) لعل المراد من قوله (عليه السلام) (يشير علي) أي سله يظهر لي ما عنده من مصلحتي في أمر كذا (ويتخير لنفسه) أي يتخير لي تخيرا كتخيره لنفسه، كما هو شأن الاخ المحب المحبوب الذي يخشى الله تعالى (كذا في هامش تفسير العياشي) وكذا أيضا في هامش بحار الانوار مع زيادة قوله: لفظ الحديث اضطراب، (لا حظ البحارط بيروت ج 72 ص 103 باب المشورة وفبولها ح 34). تفسير العياشي: ج 1 ص 204 ح 147. (*)

[ 270 ]

[ وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (161) أفمن اتبع رضون الله كمن بآء بسخط من الله ومأوه جهنم وبئس المصير (162) ] بالله ” (1) وقوله (عز وجل): ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ” فقال: إذا فعل العبد ما أمره الله (عز وجل) به من الطاعة، كان فعله وفقا لامر الله (عز وجل)، سمي العبد به موفقا. وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ‌من معاصي الله، فحال الله (تبارك وتعالى) بينه وبين تلك المعصية، فتركها كان تركها بتوفيق الله (تعالى ذكره). ومتى خلى بينه وبين المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه (2). وعلى الله فليتوكل المؤمنون: فليخصوه بالتوكل عليه، لما علموا أن لا ناصر سواه، وآمنوا به. وما كان لنبى أن يغل: وما صح لنبي أن يخون في الغنائم، فإن النبوة تنافي الخيانة. يقال: غل شيئا من المغنم يغل غلولا، وأغل أغلالا، إذا أخذه في خفية. والمراد منه براءة الرسول (صلى الله عليه وآله) عما اتهم به. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب ” ان يغل ” على البناء للمفعول، والمعنى: وما صح له أن يوجد غالا، أو أن ينسب إلى الغلول. في تفسير علي بن إبراهيم، إن سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم


(1) هود: 88. (2) التوحيد: ص 242 باب تفسير الهدى والضلالة والتوفيق والخذلان من الله تعالى ح 1 س 1. (*)

[ 271 ]

بدر، قطيفة حمراء، ففقدت، فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مالنا لا نرى القطيفة ؟ لا أظن إلا رسول الله أخذها، فأنزل الله في ذلك ” وما كان لنبي أن يغل ” الآية، فجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن فلانا غل قطيفة، فأخبأها هنالك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة (1). ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة: أي يأتي بما غل من النار يوم القيامة، أي يجعل ما غل في النار ويكلف بأن يخرجه منها. كما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” وما كان لنبي أن يغل ” قال: فصدق الله لم يكن الله ليجعل نبيا غالا ” ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ” من غل شيئا رآه يوم القيامة في النار، ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار (2). وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى الصادق (عليه السلام)، – حديث طويل – يقول فيه: إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط، ألم ينسبوه بوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء، حتى أظهره الله على القطيفة، وبرأ نبيه (صلى الله عليه وآله) من الخيانة، وأنزل في كتابه ” وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ” (3). ثم توفى كل نفس ما كسبت: تعطى جزاء ما كسبت وافيا. وكان الظاهر أن يقال: ثم يوفى ما كسب، لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه، فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله، فالغال مع عظم جرمه أولى. وهم لا يظلمون: فلا ينقص ثواب مطيعهم، ولا يزاد عقاب عاصيهم.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 126 في تفسيره لقوله تعالى: ” وما كان لنبي أن يغل “. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 122 في تفسيره لقوله تعالى: ” ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة “. (3) الامالي للصدوق: ص 92 المجلس الثاني والعشرون ح 3، والحديث طويل جدا. (*)

[ 272 ]

[ هم درجت عند الله والله بصير بما يعملون (163) لقد من الله على المؤمنين إذ بعث رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلل مبين (164) ] أفمن اتبع رضون الله: بالطاعة، إنكار للتسوية. كمن بآء: رجع. بسخط من الله: بسبب المعاصي. ومأوه جهنم وبئس المصير: والفرق بينه وبين المرجع، أن المصير يجب أن يخالف الحالة الاولى، ولا كذلك المرجع. هم درجت عند الله: قيل: شبهوا بالدرجات، لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب، أوهم ذو درجات (1). وقيل: يحتمل أن يكون تشبيهم بالدرجات في أنهم وسائل الصعود إلى الله، والهبوط من قربه إلى أسفل السافلين. ولا يخفى ما في هذه التوجيهات من التكلف. والصواب أن ضمير (هم) راجع إلى من اتبع، والمراد منهم الائمة، وهم درجات عند الله لمن اتبعهم من المؤمنين وأسباب لرفعتهم عند الله. وفي تفسير العياشي: عن عمار بن مروان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله الله: ” أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ” ؟ فقال: ” الذين اتبعوا رضوان الله ” هم الائمة، وهم والله درجات عند الله للمؤمنين، وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع الله لهم


(1) انوار التنزيل: ج 1 ص 190 في تفسيره لآية 162 من سورة آل عمران. (*)

[ 273 ]

الدرجات العلى. وأما قوله: يا عمار ” كمن باء بسخط من الله ” إلى قوله: ” المصير ” فهم والله الذين جحدوا حق علي بن أبي طالب وحق الائمة منا أهل البيت، فباؤ وا بذلك بسخط من الله (1). وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه ذكر قول الله: ” هم درجات عند الله ” قال: الدرجة ما بين السماء والارض (2). وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل) عن هذه الآية فقال: ” الذين اتبعوا رضوان الله ” هم الائمة (3)، وهم والله يا عمار درجات للمؤمنين، وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم، ويرفع الله لهم الدرجات العلى (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثنا أحمد بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن علي ابن محمد، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن يحيى، عن علي بن النضر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل يذكر فيه لقمان ووعظه لابنه، وفيه: من اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته، ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه، نعوذ بالله من سخط الله (5).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 205 ح 149 بزيادة ونقصان في بعض الجمل. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 205 ح 150. (3) قوله: (هم الائمة) الظاهر أن الضمير راجع إلى الذين اتبعوا، ويحتمل أن يكون راجعا إلى رضوان الله وإطلاقه على الائمة مجاز من باب إطلاق المسبب على السبب، لانهم سبب لرضوان الله تعالى، قوله: ” وهم والله يا عمار درجات للمؤمنين ” الحمل للمبالغة، أو التقدير، ذو درجات، باعتبار تفاوت مقامات المؤمنين بهم بالنسبة إليهم في المحبة والطاعة والعلم والعمل. قوله: ” يضاعف الله لهم أعمالهم ” على حسب أحوالهم فيما ذكر، وكذلك قوله: ” يرفع الله لهم الدرجات العلى ” (شرح الكافي للعلامة المازندراني: ج 7 ص 101 كتاب الحجة. (4) الكافي: ج 1 ص 430 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 84. (5) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 165 س 5 وسند الحديث ص 161 وفيه (الحسين بن محمد) بدل (أحمد بن محمد). (*)

[ 274 ]

[ أو لما أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أن هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير (165) ] والله بصير بما يعملون: عالم بأعمالهم، فيجازبهم على حسبها. لقد من الله: أنعم الله، واللام موطئة للقسم. وقرئ ب‍ (من) الجارة على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي منه، أو بعثه. على المؤمنين على الذين آمنوا مع الرسول. وتخصيصهم، مع أن نعمة البعثة عامة، لزيادة انتفاعهم بها. إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم: من نسبهم، أو من صنفهم عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة، ويكونوا واقفين على حاله في الصدق والامانة مفتخرين به. وقرئ ” من أنفسهم ” أي من أشرفهم، لانه (عليه السلام) كان من أشرف قبائل العرب وبطونهم. يتلوا عليهم ءايته: أي القرآن، بعد ما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحي. ويزكيهم: ويطهرهم من دنس الطبائع وسوء العقائد والاعمال. ويعلمهم الكتب والحكمة: القرآن والسنة. وإن كانوا من قبل لفى ضلل مبين: ” إن ” هي المخففة، واللام هي الفارقة. والمعنى، وإن الشأن كانوا من قبل بعثة الرسول في ضلال ظاهر. أو لما أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها: الهمزة للتقرير والتقريع، والواو عاطفة للجملة على ما سبق من قصة احد، أو على محذوف، أي فعلتم كذا وقلتم كذا، و ” لما ” ظرفه المضاف إلى ” أصابتكم ” أي حين أصابتكم مصيبة، وهي قتل سبعين منكم يوم احد، والحال أنكم نلتم ضعفها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين. (*)


[ 275 ]

قلتم أنى هذا: أي من أين أصابنا هذا، وقد عدنا الله النصر (1). وفي تفسير العياشي: محمد بن أبي حمزة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا، قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين، فلما كان يوم احد اصيب من المسلمين سبعون رجلا، قال: فاغتموا لذلك، فأنزل الله (تبارك وتعالى): ” أو لما ” الآية (2). قل هو من عند أنفسكم: باختياركم الفداء يوم بدر، كذا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) رواه في مجمع البيان (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: ان يوم بدر قتل من قريش سبعون واسر منهم سبعون، وكان الحكم في الاسارى يوم بدر القتل، فقامت الانصار، فقالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: إن الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منه الفداء، فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الشرط، فقالوا: قد رضينا به، نأخذ العام الفداء عن هؤلاء ونتقوى به، ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ منه الفداء، وندخل الجنة، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان يوم احد قتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعون، فقالوا: يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر ؟ فأنزل الله ” أو لما أصابتكم ” الآية ” قل هو من عند أنفسكم ” بما اشترطتم يوم بدر (4). قال البيضاوي: أي مما اقترفته أنفسكم من مخالفة الامر، بترك المركز، فإن


(1) من قوله: (وتخصيصهم) إلى هنا مقتبس من أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): لا حظ ج 1 ص 190 في تفسيره لقوله تعالى: ” لقد من الله على المؤمنين “. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 205 ح 151. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 533 في تفسيره لقوله تعالى: ” أو لما أصابتكم ” ورواه أيضا في أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 191 عن علي (عليه السلام) لا حظ تفسيره للآية. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 126 عند تفسيره لقوله تعالى: ” أو لما أصابتكم مصيبة ” الآية. (*)

[ 276 ]

[ وما أصبكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين (166) وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لا تبعنكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمن يقولون بأفوههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون (167) ] الوعد كان مشروطا بالثبات والمطاوعة، أو اختيار الخروج من المدينة (1). والاول مخالف للنص، والثاني لعدم الرد على اختيار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). إن الله على كل شئ قدير: فيقدر على النصر ومنعه، وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم. وما أصبكم: من القتل. يوم التقى الجمعان: يوم احد، والجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين. فبإذن الله): فهو كائن بتخلية الكفار، وسماها إذنا مجازا مرسلا، لانها من لوازمه، ليفى بما شرطتم يوم بدر حين اختياركم. وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا: وليتميز المؤمنون والمنافقون، فيظهر إيمان هؤلاء بالصبر ونفاق هؤلاء بإظهار طلب وعد النصر والاعراض عن الاشتراط. وفي إيراد أحد المفعولين بما يدل على الحدوث، دون الآخر، مدح للمؤمنين بالثبات على الايمان والمنافقين بعدمه. وقيل لهم: عطف على ” نافقوا ” داخل الصلة، أو كلام مبتدأ.


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 191 عند تفسيره لقوله تعالى: ” قل هو من عند أنفسكم “. (*)

[ 277 ]

تعالوا قتلوا في سبيل الله أو ادفعوا: تقسيم للامر عليهم وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة، أو للدفع عن الانفس والاموال. أو معناه: قاتلوا الكفرة، أو ادفعوهم بتكثير سواد المجاهدين، فان كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه. قالوا لو نعلم قتالا لا تبعنكم: أي لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا، لا تبعناكم فيه، لكن ما أنتم عليه ليس بقتال، بل إلقاء بالانفس إلى التهلكة، أو لو نحسن قتالا لا تبعناكم، قالوا ذلك دغلا واستهزاء (1). هم للكفر يومئذ: أي يوم إذ قالوا ذلك، أو يوم إذ قام القتال وأحسوا به. أقرب منهم للايمن: قيل: لا نخزالهم وكلامهم هذا، فإنهما أول امارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم، وقيل: هم لاهل الكفر أقرب نصرة منهم لاهل الايمان، إذ كان انخزالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا للمؤمنين، والاولى الحمل على ما يشمل المعنيين، أي هم لتقوية الكفر، أي كفرهم وكفر من شاركهم فيه، أقرب منهم لتقوية الايمان، لان ما ظهر منهم يدل على كفرهم، وتقوية للكافرين، وتخذيل للمؤمنين. يقولون بأفوههم ما ليس في قلوبهم: يظهرون خلاف ما يضمرونه. وإضافة القول إلى أفواههم تأكيد. وإضافة القول إلى أفواههم تأكيد. والله أعلم بما يكتمون: من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض، فإنه يعلمه مفصلا بعلم واجب، وأنتم تعلمون مجملا با مارات. وفي مصباح الشريعة: عن الصادق (عليه السلام) في كلام له: ومن ضعف يقينه تعلق بالاسباب، ورخص لنفسه بذلك واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة، والسعي في امور الدنيا وجمعها وإمساكها: يقر باللسان أنه لا مانع ولا معطي إلا الله، وأن العبد لا يصيب إلا ما رزق وقسم له، والجهد لا يزيد في الرزق، وينكر ذلك بفعله وقلبه، قال الله تعالى: ” يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما


(1) من قوله: (عطف على نافقوا) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 191، فلا حظ. (*)

[ 278 ]

[ الذين قالوا لاخونهم وقعدوا لو أطا عونا قتلوا قل فادرء واعن أنفسكم الموت إن كنتم صدقين (168) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) ] يكتمون ” (1) الذين قالوا: مرفوع، بدل من واو يكتمون، أو منصوب على الذم، أو الوصف للذين ” نافقوا ” أو مجرور بدل من الضمير في ” بأفواههم ” أو ” قلوبهم “. لاخونهم: لاجلهم، يريد من قتل يوم احد من أقاربهم، أو من جنسهم: وقعدوا: حال مقدر ب‍ ” قد ” أي قالوا: قاعدين عن القتال. لو أطاعونا: في العقود. ما قتلوا: كما لم نقتل. وقرأ هشام: ما قتلوا بالتشديد. قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صدقين: في أنكم تقدرون على دفع القتل وأسبابه ممن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه، فإنه أحرى بكم. والمعنى أن القعود غير مغن، فإن أسباب الموت كثيرة، كما أن القتال يكون سببا للهلاك والقعود سببا للنجاة، قد يكون الامر بالعكس، فإنه قد يدفع بالقتال العدو، فينجو، وبالقعود يصير العدو جريئا فيغلب عليه فيهلك. ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا: في مجمع البيان: قيل: نزلت في شهداء بدر كانوا أربعة عشر رجلا، ثمانية من الانصار وستة من المهاجرين، وقيل: نزلت في شهداء احد وكانوا سبعين رجلا،


(1) مصباح الشريعة: ص 60، الباب السابع والثمانون في اليقين س 6. (*)

[ 279 ]

أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش، وسائرهم من الانصار. وقال الباقر وكثير من المفسرين: إنما تتناول قتلى بدر واحد معا (1). والخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لكل أحد. وقرأ هشام: بالتاء كالباقين، وبالياء أيضا على اسناده إلى ضمير رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من يحسب، أو إلى الذين قتلوا، والمفعول الاول محذوف، لانه في الاصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة. وقرأ ابن عامر: ” قتلوا ” بالتشديد، لكثرة المقتولين. بل أحياء: أي بل هم أحياء، وقرئ بالنصب بل أحسبهم أحياء. عند ربهم: ذو وزلفى منه. وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إني راغب نشيط في الجهاد قال: فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله (2). هذا تفسير ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا ” الآية. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه قيل له: يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر حول العرش فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حواصل طير، ولكن في أبدان كأبدانهم (3). يرزوقون: من الجنة، وهو تأكيد لكونهم أحياء. وفي الكافي، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 535 في نقل شأن النزول لقوله تعالى: ” ولا تحسبن الذين قتلوا ” إلى قوله: ” إن الله لا يضيع أجر المؤمنين “. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 206 ح 152. (3) الكافي: ج 3 ص 244، كتاب الجنائز، باب آخر في أرواح المؤمنين ح 1. (*)

[ 280 ]

عقيل الخزاعي، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصلاة، إلى أن قال: (عليه السلام): ثم أن الجهاد أشرف الاعمال بعد الاسلام، وهو قوام الدين، والاجر فيه عظيم، مع العزة والمنعة، وهو الكرة فيه الحسنات والبشرى بالجنة بعد الشهادة، وبالرزق غدا عند الرب والكرامة، يقول الله تعالى: ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ” الآية (1). وفي اصوله: محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن أبي الحسن، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن عباس بن الحارث (2) (3) عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال يوما لابي بكر: ” لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ” (4) وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) مات شهيدا، والله


(1) الكافي: ج 5 ص 36 كتاب الجهاد، باب ما كان يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) به عند القتال، قطعة من ح 1. (2) راوي الحديث كما في الكافي: (الحسن بن العباس بن الجريش) فلا حظ. (3) قال العلامة المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول: ج 6 ص 229: في شرح الحديث ما لفظه (الحديث الثالث عشر: كالسابق (أي ضعيف على المشهور) وهذا أيضا مروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وكلها مأخوذ من كتاب ابن الجريش في إنا أنزلناه في ليلة القدر، وضعفه النجاشي وابن الغضائري، لاشتمال كتابه على الاخبار الغالية الغامضة التي لا تبلغ إليها عقول أكثر الخلق. وفي أكثر كتاب الرجال الحريش بالحاء المهملة، وفي أكثر كتب الحديث بالجيم (مات شهيدا) أي مقتولا بالسم، وظهور النبي (صلى الله عليه وآله) إما بجسده الاصلي كما ذهب إليه جماعة من الاصحاب: إن أرواحهم ترد إلى أجسادهم الاصلية، أو بجسده المثالي، وقد مر تحقيق ذلك كما أظن، وهذا المضمون وارد في أخبار كثيرة، أوردتها في الكتاب الكبير، وفي أكثرها أنه رآه في مسجد قبا، وقوله: ” أنهم ” بفتح الهمزة، بدل (علي واحد عشر) ويمكن أن يقرأ بكسر الهمزة، ليكون استئنافا بيانيا (ثم ذهب) أي الرسول (صلى الله عليه وآله) (فلم ير) على المجهول، أي لم يره غير المعصومين، وقيل: ضمير (ذهب) لابي بكر، وكذا ضمير (لم ير) على بناء المعلوم، أي لم يختر الايمان والتوبة، ولا يخفى بعده). (4) وقال العلامة المازندراني في شرح الكافي: ج 7 ص 377 ما لفظه. قوله: ” ولا تحسبن الذين قتلوا – إلى قوله – مات شهيدا ” ذكر الآية الكريمة مقدمة وتمهيد لما بعدها، (*)

[ 281 ]

ليأتينك فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان غير متخيل به، فأخذ علي (عليه السلام) بيد أبي بكر فأراه النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له: يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة، وتب إلى الله مما في يدك، فإنه لا حق لك فيه، ثم ذهب فلم ير (1). وفي روضة الكافي: يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن ابي بصير قال: قلت: جعلت فداك الراد على هذا الامر فهو كالراد عليكم ؟ فقال: يا أبا محمد من رد عليك هذا الامر فهو كالراد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الله (تبارك وتعالى)، يا أبا محمد إن الميت على هذا الامر شهيد قال قلت: وإن مات على فراشه قال: اي والله على فراشه حي عند ربه يرزق (2). * * *


(1) من أن النبي (صلى الله عليه وآله) يمكن مجيئه ورؤيته، والحاصل أنه شهيد وكل شهيد حي، فهو حي، فيمكن أن يجئ ويرى، وقد أشار إلى أنه يجئ على وجه المبالغة بقوله (والله ليأتينك) إكمالا للحجة عليك كما أكملها قبل الموت، فأيقن إذا جاءك أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تظن أنه الشيطان، فإن الشيطان غير متخيل ولا متمثل بصورته، يدل عليه أيضا ما رواه في كشف الغمة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لقد حدثني أبي عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رآني في منامه فقد رأني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة. ومن طرق العامة عنه (صلى الله عليه وآله): قال: من رآني في المنام فقد رآني، لان الشيطان لا يتمثل بي. ومن ثم قالوا: من رأى صورته في النوم، واليقظة وقال له أنا رسول الله، أو قال شخص آخر: هو رسول الله، أو الهم في قلبه أنه رسول الله فقد رآه، وليس المرئي من تخيلات الشيطان إلخ. ولقد أجاد وأطال وأفاد في صحة الرؤية وعدم تمثل الشيطان بصورتهم (صلوات الله عليهم)، من أراد فليراجع. (1) الكافي: ج 1 ص 533، كتاب الحجة باب ما جاء في الاثني عشر، والنص عليهم، (عليهم السلام) ح 13. (2) الكافي: ج 8 ص 128 ح 120. (*)

[ 282 ]

[ فرحين بماءاتهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون (170) ] فرحين بماءاتهم الله من فضله: وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الابدية، والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة. ويستبشرون: يسرون بالبشارة. بالذين لم يلحقوا بهم: أي بإخوانهم المؤمنين الذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم. من خلفهم: أي الذين من خلفهم زمانا أو رتبة. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون بدل من ” الذين ” والمعنى أنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا خلفهم من المؤمنين. وهو أنهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة أبدية، لا يكدرها خوف وقوع محذور، وحزن فوات محبوب. في روضة الكافي: ابن محبوب، عن الحارث بن النعمان، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز ذكره): ” ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولاهم يحزنون ” ؟ قال: هم والله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنة، واستقبلوا الكرامة من الله (عز وجل)، علموا واستيقنوا أنهم كانوا على الحق على دين الله (عز ذكره) فاستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين الا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: هم والله شيعتنا، إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله، استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم


(1) الكافي: ج 8 ص 137 ح 146. (*)

[ 283 ]

[ يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171) الذين استجابوا لله والرسول من بعد مآ أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172) ] المؤمنين في الدنيا، الاخوف عليهم ولاهم يحزنون (1). يستبشرون: كرره للتوكيد، وليتعلق به ما هو بيان لقوله: ” الا خوف “. ويجوز أن يكون الاول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم. بنعمة من الله: ثوابا لاعمالهم. وفضل: زيادة عليه، لقوله تعالى: ” للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ” (2) وتنكير هما للتعظيم. وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين: من جملة المستبشر به، عطف على ” فضل “. وقرأ الكسائي بالكسر على أنه استئناف معترض دال على أن ذلك أجر لهم على إيمانهم، مشعر بأن من لا إيمان له أعماله محبطة واجوره مضيعة. الذين استجابوا لله والرسول من بعد مآ أصابهم القرح: صفة للمؤمنين، أو نصب على المدح، أو مبتدأ خبره. للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم: بجملته، و ” من ” للبيان، والمقصود من ذكر الوصفين، المدح والتعليل، لا التقييد، لان المستجيبين كلهم محسنون متقون. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما دخل المدينة من وقعة احد نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تحرج في أثر


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 127 عند تفسيره لقوله تعالى: ” ولا تحسبن الذين قتلوا ” الآية. (2) يونس: 26. (*)

[ 284 ]

القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداو ونها، فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمراء الاسد (1) وقريش قد نزلت اروحاء (2)، قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد: نرجع ونغير على المدينة، فقد قتلنا سراتهم وكبشهم، يعنون حمزة، فوافاهم رجل خرج من المدينة، فسألوه الخبر فقال: تركت محمدا وأصحابه بحمراء الاسد يطلبونكم جد الطلب، فقال أبو سفيان: هذا النكد والبغي، فقد ظفرنا بالقوم وبغينا، والله ما أفلح قوم قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الاشجعي، قال أبو سفيان: أين تريد ؟ قال: المدينة لامتار لاهلي طعاما، قال: هل لك أن تمر بحمراء الاسد وتلقى أصحاب محمد، وتعلمهم أن خلفاءنا وموالينا قد وافونا من الاحابيش، حتى يرجعوا عنا، ولك عندي عشرة قلائص (3) أملؤها تمرا وزبيبا ؟ قال: نعم فوافى من عند ذلك اليوم حمراء الاسد، فقال لاصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أين تريدون ؟ قالوا: قريشا، قال: ارجعوا، إن قريشا قد اجتمعت عليهم حلفاؤهم، ومن كان تخلف عنهم، وما أظن إلا وأوائل (1) حمراء الاسد: الاسد أحد الاسد، بالمد والاضافة، وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة، إليه انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم احد في طلب المشركين (معجم البلدان: ج 2 ص 301). (2) والروحاء كحمراء بلد من عمل الفرع، على نحو من أربعين ميلا من المدينة (مجمع البحرين: ج 2 ص 364 لغة روح). الروحاء: الروح والراحة من الاستراحة. لما رجع تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسماها الروحاء، وهي من عمل الفرع على نحو من أربعين يوما (معجم البلدان: ج 3 ص 76). (3) القلوص: الفتية من الابل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء، وقيل: هي الثنية، وقيل: هي ابنه المخاض، وقيل: هي كل انثى من الابل حين تركب وإن كانت بنت لبون أو حقة إلى أن تصير بكرة أو تبزل، (لسان العرب: ج 7 ص 81 لغة قلص). (*)


[ 285 ]

[ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزاد هم إيمنا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) ] خيلهم يطعلون عليكم الساعة، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، مانبالي، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ارجع يا محمد، فإن الله قد أرعب قريشا، ومروا لا يلون على شئ، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وأنزل الله الذين استجابوا لله والرسول، الآيات (1). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثنا الحسين بن الحكم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في يوم احد في قوله تعالى: ” الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح ” يعني الجراحة ” للذين احسنوا منهم وتقوا اجر عظيم ” نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتسعة منهم بعثهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثر أبي سفيان حين ارتحل فاستجابوا لله ولرسوله (2). الذين قال لهم الناس: يعني الركب الذين استقبلتهم من عبد قيس، أو نعيم ابن مسعود الاشجعي. وفي مجمع البيان: عنهما (عليهما السلام): إن المراد نعيم بن مسعود الاشجعي. وأطلق عليه الناس لانه من جنسه كما قال: فلان يركب الخيل، وما له إلا فرس واحد، أو لانه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه (3). إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم: يعني أبا سفيان وأصحابه. في مجمع البيان: وفي رواية أبي الجارود، عن الباقر (عليه السلام): أنها نزلت


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 125 عند تفسيره لقوله تعالى: ” حسبنا الله ونعم الوكيل “. (2) تفسير فرات الكوفي: ص 19. (3) مجمع البيان: ج 2 ص 541 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” الذين قال لهم الناس “. (*)

[ 286 ]

في غزوة بدر الصغرى، وذلك أن أبا سفيان قال يوم احد: حين أراد أن ينصرف يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل إن شئت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذلك بيننا وبينك، فلما كان عام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة (1) من ناحية مر الظهران، ثم ألقى الله عليه الرعب، فبداله في الرجوع، فلقي نعيم بن مسعود الاشجعي وقد قدم معتمرا، فقال له أبو سفيان: إني واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي موسم بدر الصغرى، وأن هذه عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا، فيزيدهم ذلك جرأة فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الابل أضعها على يد سهيل بن عمرو، فأتى نعيم المدينة، فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال لهم: بئس الرأي رأيتم أتوكم في دياركم وقرار كم فلم يفلت منكم إلا شريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم، فوالله لا يفلت منكم أحد، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده لا خرجن ولو وحدي، فأما الجبان فإنه رجع، وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى، وهو ماء لبني كنانة، وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة، فسماهم أهل مكة جيش السويق، ويقولون: إنما خرجتم تشربون السويق، ولم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أحدا من المشركين ببدر، ووافق السوق، وكانت لهم تجارات، فباعوا وأصابوا للدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين


(1) مجنة بالفتح وتشديد النون اسم المكان من الجنة وهو الستر والاخفاء.. اسم سوق للعرب كان في الجاهلية، وكان ذو المجاز ومجنة وعكاظ أسواقا في الجاهلية. قال الاصمعي: وكانت مجنة بمر الظهران قرب جبل يقال له الاسفل، وهو بأسفل مكة على قدر بريد منها وكانت تقوم عشرة أيام من آخر ذي القعدة والعشرون منه قبلها سوق عكاظ وبعد مجنة ثلاثة أيام من ذي الحجة، ثم يعرفون في التاسع إلى عرفة، وهو يوم التروية (معجم البلدان: ج 7 ص 390 باب الميم والجيم وما يليهما). (*)

[ 287 ]

غانمين (1). فزادهم إيمنا الضمير المستكن للمقول، أو لمصدر قال، أو لفاعله. والمعنى أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا، بل ثبتت ثقتهم بالله تعالى وازداد إيمانهم، وأظهروا حمية الاسلام وأخلصوا النية عنده. وفي ه دلالة على أن الايمان يزيد بكثرة التأمل وتناصر الحجج، وينتقص بعروض الشبه والمعارضات. وقالوا حسبنا الله: محسبنا وكافينا، من أحسبه إذا كفاه. ويدل على أنه بعمنى المحسب أنه لا يستفيد بالاضافة تعريفا في قولك: رجل حسبك. ونعم الوكيل: ونعم الموكول إليه هو. في كتاب الخصال: عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: عجبت من أربع كيف لا يفزع إلى أربع عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” فإني سمعت قول الله عقيبها: ” فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ” الحديث (2). وفي تهذيب الاحكام: بإسناده إلى الحسن بن علي بن عبد الملك الزيات، عن رجل عن كرام (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أربع لاربع واحدة للقتل


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 540 في نقل شأن النزول لقوله تعالى: ” الذين استجابوا ” إلخ. (2) الخصال: ص 218 باب الاربعة العجب لمن يفزع من أربعة كيف لا يفزع إلى أربعة، ح 43 وتمام الحديث (وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله (عز وجل): ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” فإني سمعت الله (عز وجل) يقول بعقبها: ” فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ” وعجبت لمن مكربه كيف لا يفزع إلى قوله: ” وافوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ” فإني سمعت الله (جل وتقدس) يقول بعقبها: ” فوقاه الله سيئات ما مكروا ” وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله (تبارك وتعالى): ” ما شاء الله لا قوة إلا بالله ” فإني سمعت الله (عز اسمه) يقول بعقبها: ” إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ” وعسى موجبة). الكرام بالكاف المفتوحة، ثم الراء المهملة المشددة، بائع الكرم، شجر العنب (تنقيح المقال: ج 1 ص 12 تحت رقم 49). (*)

[ 288 ]

[ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضون الله والله ذو فضل عظيم (174) إنما ذلكم الشيطن يخوف أولياءه، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) ] والهزيمة ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” يقول الله ” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ” الحديث (1). فانقلبوا: فرجعوا من بدر. بنعمة من الله: عافية وثبات على الايمان وزيادة فيه. وفضل: وربح في التجارة، فإنهم لما أتوا بدرا، وافوا بها سوقا، فاتجروا وربحوا. لم يمسسهم سوء: من جراحة وكيد عدو. واتبعوا رضوان الله: بجرأتهم وخروجهم. والله ذو فضل عظيم: قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الايمان، والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد، والتصلب في الدين، وإظهار الجرأة على العدو، وبالحفظ عن كل ما يسؤهم، وإصابة النفع، مع ضمان الاجر حتى انقلبوا بنعمة منه وفضل. وفيه تحسيرو تخطية للمتخلف، حيث حرم نفسه ما فازوا به.


(1) التهذيب: ج 6 ص 170 باب النوادر، ح 7 وتمام الحديث (والاخرى للمكر والسوء: ” وافوض أمري إلى الله وفوضت أمري إلى الله ” وقال الله (عز وجل): ” فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ” والثالثة للحرق والغرق: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وذلك أنه يقول (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ” والرابعة للغم والهم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قال الله سبحانه: ” فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين “). (*)

[ 289 ]

وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: لما وجه النبي (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمار بن ياسر إلى أهل مكة، قالوا: بعث هذا الصبي ؟ ! ولو بعث غيره إلى أهل مكة، وفي مكة صناديد قريش ورجالها، والله الكفر بنا أولى مما نحن فيه، فساروا، وقالوا، وخوفوهما بأهل مكة، وغلظوا عليهما الامر، فقال علي (عليه السلام): ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” ومضيا، فلما دخلا مكة خبر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم لعلي (عليه السلام) وبقول علي لهم، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه، وذلك قوله: ” ألم تر إلى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ” وإنما نزلت: ألم تر إلى فلان وفلان لقوا عليا وعمارا، فقالا: إن أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم، فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (1). وفي شرح الآيات الباهرة: ونقل إبن مردويه من الجمهور عن ابن رافع أن النبي (صلى الله عليه وآله) وجه عليا (عليه السلام) في نفر في طلب أبي سفيان فلقيه اعرابي من خزاعة فقال له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم يعني أبا سفيان وأصحابه فقالوا: – يعني عليا واصحابه – حسبنا الله ونعم الوكيل فنزلت هذه الآية إلى قوله: ” والله ذو فضل عظيم ” (2). وأقول في الجمع بين الخبر الاول وهذان الخبران: إن الآية نزلت أولا على الوجه الاول كما في الخبر الاول، وجرت من الله في الوجه الثاني وفصلت في الثاني بالتصريح بالاسماء، فاثبت في القرآن على الوجه الاول. إنما ذلكم الشيطن: يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان. و ” الشيطان ” خبر ” ذلكم ” وما بعده بيان لشيطنته، أو صفة وما بعده خبر.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 209 ح 154. (2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 131. (*)

[ 290 ]

ويجوز أن تكون الاشارة إلى قوله على تقدير مضاف، أي إنما ذلكم قول الشيطان، أي إبليس. يخوف أولياءه: القاعدين عن الخزوج مع الرسول، أو يخوفكم أولياؤه الذين هم أبو سفيان وأصحابه. فلا تخافوهم: الضمير للناس الثاني، على الاول، وإلى الاولياء على الثاني. وخافون: في مخالفة أمري، فجاهدوا مع رسولي. إن كنتم مؤمنين: فإن الايمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس. في اصول الكافي: بإسناده إلى الهيثم بن واقد الجزري (1) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام): يقول: من خاف الله أخاف الله منه كل شئ (2) ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ (3). وبإسناده إلى أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا (4) (5)


(1) الهيثم بالهاء المفتوحة وسكون الياء المثناة من تحت والثاء المثلثة المفتوحة كحيدر. والواقد بالواو والالف والقاف المكسورة والدال المهملة. والجزري بالجيم المفتوحة والزاي المعجمة المفتوحة والراء المهملة والياء (تنقيح المقال: ج 1 ص 95 تحت رقم 526 وج 3 ص 307 تحت رقم 12952 وج 1 ص 172 تحت رقم 1283). (2) قوله ” من خاف الله أخاف الله منه كل شئ ” ظاهره أن الله تعالى يلقي الخوف منه على الاشياء. مع احتمال أن يكون سر ذلك، أن الخائف من الله نفسه قوية قدسية مقربة للحضرة الالهية قادرة على التأثير في الممكنات، فلذلك يخاف منه كل شئ حتى الوحش والسباع والحيات كما نقل ذلك عن كثير من المقربين. ومن لم يخف الله نفسه ضعيفة متصفة بالنقصان، بعيدة عن التأثر في عالم الامكان، فلذلك يخاف من كل شئ ويتأثر منه. ولما كانت القوة والضعف والتأثير بسبب القرب من الله وعدمه، نسبت الاخافة إليه (شرح الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 208 كتاب الايمان والكفر). (3) الكافي: ج 2 ص 68 كتاب الايمان والكفر، باب الخوف والرجاء ح 3. (4 و 5) قوله (من عرف الله خاف الله) دل على أن الخوف من الله لازم لمعرفته، فكلما زادت زاد، ولذلك قال (عز شأنه): ” إنما يخشى الله من عباده العلماء ” وذلك لان من عرف عظمته وغلبته على جميع الكائنات، وقدرته على جميع الممكنات بالاعدام والافناء من غير أن يسأله سائل أو بمنعه مانع، أو (*)

[ 291 ]

[ ولا يحزنك الذين يسرعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الاخرة ولهم عذاب عظيم (176) ] وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، حديث طويل، وفيه قال: خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدنيا حزنك ؟ فرزق الله حاضر للبر والفاجر، إلى أن قال: قلت: أنا أتخوف فتنة ابن الزبير، فضحك، ثم قال لي: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله فلم ينجه ؟ قلت: لا، إلى قوله: ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد (1). ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر: يقعون فيه سريعا، حرصا عليه، خوف أن يضروك ويعينوا عليك، وهم المنافقون من المتخلفين، أو قوم ارتدوا عن الاسلام.


يعود إليه ضرر، تهيب وخاف منه. وأيضا من عرفه علم احتياجه إليه في وجوده وبقائه وكمالاته في جميع حالاته، ومن البين أن الاحتياج إليه في مثل تلك المور العظام، يستلزم الخوف منه في سلب الفيض والاكرام. (ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا) أي تركها، تقول: سخي عن الشئ يسخى، من باب تعب، أي ترك. فمن ادعى الخوف ومال إلى الدنيا غير تارك لها وناهض للعبادة، فهو كاذب، لان الخوف يستلزم الاعراض عن الدنيا والتوجه إلى العبادة (شرح الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 208 كتاب الايمان والكفر). الكافي: ج 2 ص 68 كتاب الايمان والكفر، باب الخوف والرجاء ح 4. (1) كتاب التوحيد: ص 373 باب القضاء والقدر والفتنة والارزاق والاسعار والآجال ح 17 وتمام الحديث بعد قوله: ” للبر والفاجر ” فقلت: ما على هذا أحزن، وإنه لكما تقول، قال: أفعلى الآخرة حزنك ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول، فعلى ما حزنك ؟ قلت: أنا أتخوف من فتنة ابن الزبير. وبعد قوله: (قلت: لا) قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله (عز وجل) فلم يعطه ؟ قلت: لا، ثم نظرت إلخ. (*)

[ 292 ]

[ إن الذين اشتروا الكفر بالايمن لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم (177) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين (178) ] إنهم لن يضروا الله شيئا: أي أولياءه، و ” شيئا ” يحتمل المفعول والمصدر. وقرأ نافع ” يحزنك ” بضم الياء وكسر الزاي حيث ما وقع، ما خلا قوله في الانبياء: ” لا يحزنهم الفزع الاكبر ” فإنه فتح الياء وضم الزاي فيه، والباقون كذلك في الكل. يريد الله ألا يجعل لهم حظافى الاخرة: نصيبا من الثواب فيها. وهو يدل على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر، وأن كفرهم بلغ الغاية حتى أراد أرحم الراحيمن أن لا يكون لهم حظ من رحمته. ولهم عذاب عظيم: مع الحرمان عن الثواب. إن الذين اشتروا الكفر بالايمن لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم: تكرير للتأكيد، أو تعميم للكفرة بعد تخصيص ما نافق من المتخلفين، أو ممن ارتد عن الاعراب. ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم: خطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). أو لكل من يحسب، و ” الذين كفروا ” مفعول، و ” إن ” مع اسمه وخبره بدل منه. وإنما اقتصر على مفعول واحد، لان التعويل على البدل، وهو مما ينوب على المفعولين، أو مفعول ثان على تقدير مضاف، أي ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب، إن الاملاء خير لانفسهم. أو ولا تحسبن حال الذين كفروا إن الاملاء خير لانفسهم. و ” ما ” مصدرية، ويحتمل الموصولة بحذف العائد. (*)


[ 293 ]

وكان حقها أن يفصل في الخط، لكنها وقعت متصلة في قرآن عثمان، فاتبع على عمى. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي ويعقوب بالياء، على أن ” الذين ” فاعل، و ” ان ما ” في حيزه مفعول، وفتح سينه في جميع القرآن ابن عامر وعاصم وحمزة. والاملاء، الامهال وإطالة العمر، وقيل: تخليتهم وشأنهم من أملى لفرسه، إذا أرخى له الطول (1) ليرعى كيف شاء. إنما نملي لهم ليزداد وإثما: استئناف بما هو العلة للحكم قبلها، و ” ما ” كافة، واللام للعاقبة، أي يكون عاقبة أمرهم ازدياد الاثم. وقرئ ” إنما ” بالفتح وبكسر الاولى (2)، و ” لا يحسبن ” بالياء على معنى: ولا يحسبن الذين كفروا أن إملاءنا لهم لا زدياد الاثم، بل للتوبة والدخول في الايمان. و ” إنما نملي لهم ” اعتراض، ومعناه أن إملاءنا لهم خير إن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط منهم. ولهم عذاب مهين: على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو، أي ليزداد وا إثما معدا لهم عذاب مهين (3). وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: أخبرني عن الكافر الموت خير له أم الحياة ؟ فقال: الموت خير للمؤمن والكافر، قلت: ولم ؟ قال: لان الله يقول: ” وما عند الله خير للابرار ” (4) ويقول:


(1) الطول حبل طويل تشد به قائمة الدابة، وقيل: هو الحبل الذي تشد به ويمسك صاحبه بطرفه ويرسلها ترعى، وكانت العرب تتكلم به يقال: طول لفرسك يا فلان أي ارخ له حبله في مرعاه (لسان العرب: ج 11 ص 413 لغة طول). (2) قوله: (وبكسر الاولى) أي بكسر (إن) في ” إنما نملي لهم خير لانفسهم ” نقلا عن حاشية الكازروني لتفسير البيضاوي. (3) من قوله: (خطاب للرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى هنا مأخوذ من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 194 مع تصرف يسير في بعض الكلمات). (4) آل عمران: 197. (*)

[ 294 ]

[ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء فئامنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (179) ] ” ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزداد وا إثما ولهم عذاب مهين ” (1). وعن يونس رفعه قال: قلت له: زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فلانا ؟ قال: نعم، قلت: فكيف زوجه الاخرى ؟ قال: قد فعل، فأنزل الله: ” ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم ” إلى ” عذاب مهين ” (2). وفي هاتين الروايتين دلالة على صحة القراءة الاولى، دون الثانية وفي الثانية لالة على كفر الثالث. ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب: قيل: الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين في عصره، والمعنى: لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم، حتى يميز المنافقين من المخلصين بالوحي إلى نبيه بأحوالكم، أو بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلا الخلص المخلصون منكم، كبذل الانفس والاموال في سبيل الله، ليختبر بواطنكم، وليستدل به على عقائد كم. وفي تفسير العياشي: عن عجلان بن صالح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تمضي الايام والليالي حتى ينادي مناد من السماء: يا أهل الحق اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء عن هؤلاء، قلت: أصلحك الله


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 206 ح 155. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 207 ح 156. (*)

[ 295 ]

يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء ؟ قال: كلا، يقول في الكتاب ” ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ” (1). وفي كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف قال الضحاك بن عبد الله: مرت بنا خيل ابن سعد (لعنه الله) تحرسنا، وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ: ” لا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ” (2). وقرأ حمزة والكسائي ” حتى يميز ” من التفعيل هنا وفي الانفال. وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشآء: ما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من كفرو إيمان، ولكنه يجتبى لرسالته من يشاء، فيوحي ويخبره ببعض المغيبات أو ينصب ما يدل عليها. فئامنوا بالله ورسله: بصفة الاخلاص، أو بأن تعلموه وحده مطلعا على الغيب، وتعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلا ما علمهم الله، ولا يقولون إلا ما اوحي إليهم. نقل: إن الكفرة قالوا: إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر، فنزلت. وعن السدي: إنه (عليه السلام) قال: عرضت علي امتي واعلمت من يؤمن ومن يكفر، فقال المنافقون: إنه يزعم أنه يعرف من يؤمن به ومن يكفر، ونحن معه ولا يعرفنا، فنزلت. وإن تؤمنوا: حق الايمان. وتتقوا: النفاق.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 207 ح 157. (1) مقتل أبي مخنف ط قم: ص 112 الحسين وأصحابه ليلة العاشوراء.. (*)

[ 296 ]

[ ولا يحسبن الذين يبخلون بماءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة ولله ميرث السموت والارض والله بما تعملون خبير (180) ] فلكم أجر عظيم: لا يقادر قدره. ولا يحسبن الذين يبخلون بماءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم: من قرأ بالتاء، قدر مضافا، أي لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم، وكذا من قرأ بالياء ان جعل الفاعل ضمير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من يحسب. وإن جعله الموصول كان المفعول الاول محذوفا، أي لا يحسبن البخلاء بخلهم هو خيرا لهم. بل هو: أي البخل. شر لهم: لاستجلاب العقاب عليهم. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة: بيان لذلك، أي سيلزمون وبال ما بخلوا به، إلزام الطوق (1)، أو يطوقون بما بخلوا به يوم القيامة. في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة “، فقال: يا محمد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله (عز وجل) ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، ثم قال: هو قول الله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة “، يعني ما بخلوا به من الزكاة (2).


(1) من قوله (ما كان الله ليؤتي أحدكم) إلى هنا مقتبس من أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 195 لا حظ تفسيره لآية 179 إلى 180 من سورة آل عمران. (2) الكافي: ج 3 ص 502 كتاب الزكاة، باب منع الزكاة ح 1. (*)

[ 297 ]

يونس، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة (1). علي إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام): يقول: ما من عبد يمنع در هما في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه، وما رجل يمنع حقا من ماله إلا طوقه الله (عز وجل) به حية من نار يوم القيامة (2). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن مهران، عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة “، قال: ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله له ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار يطوق في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة “، قال: ما بخلوا به من الزكاة (3). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مانع الزكاة يطوق بحية قرعا (4) تأكل من دماغه، وذلك قوله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ” (5). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن خالد، عن خلف بن حماد، عن حريز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله (عز وجل) يوم القيامة بقاع قرقر (6)، وسلط عليه شجاعا أقرع يريده


(1 و 2 و 3) الكافي: ج 3 ص 503 و 504 كتاب الزكاة باب منع الزكاة، ح 4 و 7 و 10. (4) الاقرع من الحيات، التي قرع السم في رأسه أي جمعه فذهب شعره (مجمع البحرين: ج 4 ص 377 لغة قرع). (5) الكافي: ج 3 ص 505 كتاب الزكاة، باب منع الزكاة ح 16. (6) القيعة بالكسر والقاع بمعنى واحد، وهو المستوى من الارض، وقاع قرقر، قيل: قرقر أيضا في معنى القاع وهو المستوى من الارض وإنما عبر بلفظين مختلفين للمبالغة في استواء ذلك المكان، وقد روى (*)

[ 298 ]

[ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذو قوا عذاب الحريق (181) ] وهو يحيد (1) عنه، فإذا رأى أنه لا مخلص له منه أمكنه من يده فقضمها (2) كما يقضم الفجل ثم يصير طوقا في عنقه، وذلك قول الله (عز وجل): ” سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ” وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر يطأه كل ذات ظلف بظلفها، وتنهشه كل ذات ناب بنابها، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة (3). ولله ميراث السموت والارض: وله ما فيها مما يتوارث، فما لهؤلاء يبخلون بماله ولا ينفقون في سبيله ؟ أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقون في سبيله، بهلاكهم ويبقى عليهم الحسرة والعقوبة. والله بما تعملون: من المنع والا عطاء. خبير: فيجازيكم. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الالتفات، وهو أبلغ في الوعيد. لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء: قيل: قالت


(1) بقاع قرق وهو مثله في المعنى (مجمع البحرين: ج 4 ص 385 لغة قوع). (1) أي تنفر وتهرب يقال حاد عن الشئ يحيد مال عنه وعدل ويحيد عنه يهزم عنه (مجمع البحرين: ج 3 ص 41 لغة حيد). (2) القضم الاكل بأطراف الاسنان (مجمع البحرين: ج 6 ص 140 الغة قضم). (3) الكافي: ج 3 ص 505 كتاب الزكاة، باب منع الزكاة ح 19. (*)

[ 299 ]

اليهود لما سمعوا ” من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ” (1) (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: والله ما رأوا الله فيعلمون أنه فقير، ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء، فقالوا: لو كان الله غنيا لا غنى أولياءه، ففخروا على الله في الغناء (3). وفي كتاب المناقب لابن شهراشوب: عن الباقر (عليه السلام) في قوله: ” لقد سمع الله قول الذين قالوا ” الآية قال: هم الذين يزعمون أن الامام يحتاج إلى ما يحملونه إليه (4). سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق: أي سنكتبه في صحائف الكتبة، أو سنحفظه في علمنا لا نهمله، فأنه كلمة عظيمة، إذ هو كفر بالله، أو استهزاء بالقرآن والرسول، ولذلك نظمه مع قتل الانبياء. وفيه تنبيه على أنه ليس أول جريمة ارتكبوها، وأن من اجترأ على قتل الانبياء لم يستبعد منه أمثال هذا القول. وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ويقتلون الانبياء بغير حق ” فقال: أما والله ما قتلوهم بأسيافهم، ولكن كانوا أذاعوا أمرهم وأفشوا عليهم، فقتلوا (5). وقرأ حمزة ” سيكتب ” بالياء وضمها وفتح التاء، وقتلهم بالرفع، و ” يقول ” بالياء. ونقول ذوقوا عذاب الحريق: أي وننتقم منهم، بأن نقول: ذو قوا العذاب المحرق.


(1) البقرة: 245. (2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 195 عند تفسيره لقوله تعالى: ” إن الله فقير ونحن أغنياء “. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 127 عند تفسيره لقوله تعالى: ” قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء “. (4) لم أنظفر عليه في مناقب ابن شهراشوب ولكن رواه في تفسير الصافي: ج 1 ص 373 عند تفسيره لآية 181 من سورة آل عمران. (5) الكافي: ج 2 ص 371 كتاب الايمان والكفر (باب الاذاعة) ح 7. (*)

[ 300 ]

[ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (182) الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاء كم رسل من قبلى بالبينت وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صدقين (183) ] وفيه مبالغات في الوعيد. والذوق إدراك الطعوم، وعلى الاتساع يستعمل لا دراك سائر المحسوسات والحالات. وذكره ههنا: لان العذاب مرتب على قولهم الناشئ عن البخل والتهالك على المال، و غالب حاجة الانسان إليه لتحصيل المطاعم، ومعظم بخله للخوف من فقدانه، و لذلك كثر ذكر الاكل مع المال. ذلك: إشارة إلى العذاب. بما قدمت أيديكم: من قتل الانبياء، وقولهم هذا، وسائر معاصيهم. عبر بالايدي عن الانفس، لان أكثر أعمالها بهن. وأن الله ليس بظلام للعبيد: عطف على ” ما قدمت ” وسببيته للعذاب، من حيث أن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ومعاقبة المسئ. وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): وأيم الله ما كان قوم قط في غض (1) نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها (2)، لان الله ليس بظلام للعبيد (3).


(1) وفيه من سره أن يقرأ القرآن غضا كما انزل فليسمعه من ابن أم عبد: الغض الطري الذي لم يتغير (النهاية: ج 3 ص 371 لغة غضض). (2) الاجتراح الاكتساب (مجمع البحرين: ج 2 ص 345 لغة جرح). (3) نهج البلاغة: ص 257 ومن خطبة له (عليه السلام) في الشهادة والتقوى. وقيل: إنه خطبها بعد (*)

[ 301 ]

[ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاء وبالبينت والزبر والكتب المنير (184) ] وفيه إشكال مشهور: وهو أن نفي الظلام عن الله تعالى، لا يستلزم نفي كونه ظالما، يشعر بكونه كذلك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والجواب: أن جواز اتصافة تعالى بكل صفة يستلزم اتصافه بها على الكمال، خصوصا صفة الظلم، فإنه لو اتصف بها اتصف بما هو في الرتبة الاعلى منها، لكمال قدرته وعدم المانع، فللاشعار بهذا المعنى أورد الظلام مكان الظالم، والمراد نفي الظلم مطلقا، فتأمل. الذين قالوا: هم كعب بن الاشرف ومالك وحيي وفنحاص ووهب بن يهوذا. إن الله عهد إلينا: أمرنا في التوراة وأوصانا. ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار: بان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لانبياء بني إسرائيل، وهو أن يقرب بقربان فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله) فيدعو، فتنزل نار سماوية تأكله، أي تحيله إلى طبعها بالاحراق. وهذا من مفتر ياتهم وأبا طيلهم، لان أكل النار القربان لا يوجب الايمان إلا لكونه معجزة، فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك. قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينت وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صدقين فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءو بالبينت والزبر والكتب المنير: تكذيب وإلزام بأن رسلا قد جاؤوهم قبله


مقتل عثمان في أول خلافته صبحي الصالح. (*)

[ 302 ]

كزكريا ويحيى بمعجزات اخر موجبة للتصديق وبما اقتر حوه، فقتلوهم، فلو كان الموجب للتصديق هو الاتيان، وكان توقفهم وامتناعهم عن الايمان لاجله، فمالهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات اخر واجترؤوا عليه (1). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد (2)، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لعن الله القدرية (3)، لعن الله


(1) من قوله (هم كعب بن الاشرف) إلى هنا من كلام البيضاوي: ج 1 ص 196، لا حظ تفسيره لآية 184 من سورة آل عمران. (2) مروك بن عبيد بن أبي حفصة مولى بني عجل: الضبط مروك بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الواو وبعدها كاف، واسم مروك صالح، واسم أبي حفصة زياد (تنقيح المقال: ج 3 ص 210 تحت رقم 11665). (3) إن القدرية تطلق على الجبرية وعلى التفويضية، وكان المراد هنا الثاني. قال علي بن إبراهيم في تفسيره: القدرية المتعزلة، والرد عليهم من القرآن كثير، لان المعتزلة قالوا: نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيه صنع ولا ميشئة ولا إرادة، فيكون ما شاء إبليس ولا يكون ما شاء الله، انتهى. والمراد بالمرجئة: الذين يقولون: الايمان محض العقائد وليس للاعمال فيها مدخل أصلا، ولا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ولا تفاوت في إيمان الناس. قال صاحب الملل والنحل: الارجاء على معنيين، أحد هما التأخير (قالوا ارجه وأخاه) أي أمهله وأخره، والثاني إعطاء الرجاء. أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الاول صحيح، لانهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما المعنى الثاني فظاهر، فإنهم كانوا يقولون: لا يضرمع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقيل: الارجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى الآخرة، فلا يقضى عليه بحكم في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان. وقيل: الارجاء تأخير علي (عليه السلام) عن الدرجة الاولى إلى الدرجة الرابعة، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان. والمرجئة أربعة أصناف، مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة، انتهى وقد مر بعض القول فيهم سابقا، والمراد هنا ما ذكرنا أولا، فإنهم يحكمون بإيمان من آمن بالله ورسوله وإن قتلوا الائمة وخيار المؤمنين، فهم راضون بذلك ولا يبالون به ويحكمون بأن الله لا يعذب هؤلاء بفعلهم، ولذا سموا مرجئة لارجاء تعذيبهم على المعاصي. ويمكن أن يكون المراد هنا جميع المخالفين، فإنهم على اصولهم الفاسدة يصوبون قتل من خرج على خلفاء الجور ولو كانوا أئمة الدين وذرية سيد المرسلين، فهم راضون بذلك. وذكر الآية استشهاد (*)

[ 303 ]

الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة، قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين ؟ قال: إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن الله حكى عن قوم في كتابه ” لن نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاء كم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين ” قال: كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا (1). وفي تفسير العياشي مثل ما في اصول الكافي إلا أن بعد ” إن كنتم صادقين ” قال: فكان بين الذين خوطبوا بهذا القول وبين القائلين خمسمائة عام، فسماهم القائلين برضاهم بما صنع اولئك (2). عن محمد بن هاشم، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال، لما نزلت هذه الآية: ” قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين ” وقد علم أن قالوا: والله ما قتلنا ولا شهدنا، قال وإنما قيل لهم: ابرؤوا من قتلتهم فأبوا (3). عن محمد بن الارقط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لي: تنزل الكوفة ؟ قلت: نعم، قال: فترون قتلة الحسين (عليه السلام) بين أظهركم ؟ قال: قلت: جعلت فداك ما بقي منهم أحد قال: فإذن أنت لا ترى القائل إلا من قتل أو من ولى القتل، ألم تسمع إلى قول الله: ” قل قد جاء كم رسل من قبلي بالبينات


بأن الراضي بالقتل والمصوب له حكمه حكم القاتل في الشقاوة والعقوبة. ثم اعلم أن ذكر الآية نقل بالمعنى، والآية في آل عمران هكذا ” الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول “. وقال البيضاوي: هم كعب الاشرف، إلى آخر ما نقلناه آنفا. (مرآة العقول: ج 11 ص 217 كتاب الايمان والكفر). (1) الكافي: ج 2 ص 409، باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان، ح 1. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 208 ح 163. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 209 ح 164. (*)

[ 304 ]

[ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيمة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحيوة الدنيا إلا متع الغرور (185) ] وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ” فأي رسول قبل الذين كان محمد (صلى الله عليه وآله) بين أظهرهم، ولم يكن بينه وبين عيسى رسول، إنما رضوا قتل اولئك فسموا قاتلين (1). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عثمان بن عيسى، عن ابي المعزا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه، وإن الله جعل الاحرام مكان القربان (2). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) حديث طويل، وفيه قال (عز وجل) لنبيه (صلى الله عليه وآله) لما اسرى به: وكانت الامم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت منه ارسلت إليه نارا فأكلته، فرجع مسرورا، ومن لم اقبل ذلك منه رجع مثبورا، وقد جعلت قربان امتك في بطون فقرائها ومساكينها، فمن قبلت ذلك منه اضعفت ذلك أضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن امتك، وهي من الآصار التي كانت على الامم قبلك (3). كل نفس ذائقة الموت: وعد ووعيد للمصدق والمكذب.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 209 ح 165. (2) الكافي: ج 4 ص 335 باب صلاة الاحرام وعقده والاشتراط فيه، ح 16. (3) الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 221، احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ (*)

[ 305 ]

وقرئ ذائقة الموت بالنصب مع التنوين وعدمه. وفي تفسير العياشي: عن زرارة، عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: قلت: فإن الله يقول: ” كل نفس ذائقة الموت ” من قتل لم يذق الموت ؟ قال: لا بد أن يرجع حتى يذوق الموت (1). عن محمد بن يونس، عن بعض أصحابنا قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ” كل نفس ذائقة الموت ” أو منشورة نزل لها على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه ليس أحد من هذه الامة إلا وينشرون، فأما المؤمنون فينشرون إلى قرة عين، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم (2). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المعزا قال: حدثني يعقوب الاحمر قال: دخلنا على أبي عبد الله نعزيه بإسماعيل فترحم عليه، ثم قال: إن الله (عز وجل) نعى إلى نبيه نفسه، فقال: ” إنك ميت وإنهم ميتون ” (3) وقال ” كل نفس ذائقة الموت ” فقال: إنه يموت أهل الارض حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل (عليهم السلام)، قال: فيجئ ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله (عز وجل)، فيقال له: من بقي ؟ وهو أعلم، فيقول: يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل، فيقال له: قل لجبرئيل وميكائيل: فليموتا، فيقول الملائكة عند ذلك: يا رب رسولاك وأميناك فيقول: إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت، ثم يجئ ملك الموت حتى يقف بين يدي الله (عز وجل) فيقال له: من بقي ؟ وهو أعلم، فيقول: يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش: فليموتوا، قال: ثم يجئ كئيبا حزينا لا يرفع طرفه، فيقال: من بقي ؟ وهو أعلم، فيقول: يا رب لم يبق إلا ملك الموت، فيقال له: مت


الصحف والكتب في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله س 19. (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 210 ح 170 بأدنى تفاوت في الكلام. (2 تفسير العياشي: ج 1 ص 210 ح 169. (3) الزمر: 30. (*)

[ 306 ]

يا ملك الموت، ثم يأخذ الارض بيمينه (1) والسماوات بيمينه ويقول: أين الذين كانوا يدعون معي شريكا، أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر (2). وإنما توفون أجوركم: تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا. يوم القيمة: يوم قيامكم عن القبور. ولفظ التوفية يشعر بأنه قد يكون قبلها بعض الاجور، كما يدل عليه أخبار ثواب القبر وعذابه. فمن زحزح عن النار: بعد عنها. والزحزحة في الاصل تكرير الزح، وهو الجذب بعجلة. وأدخل الجنة فقد فاز: بالنجاة ونيل المراد. والفوز، الظفر بالبغية. في أمالي الصدوق: بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حاكيا عن الله (جل جلاله): فبعزتي حلفت، وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا زحزحته عن النار وأدخلته الجنة، ولا يبغضه عبد من عبادي ويعدل عن ولايته إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (3). وفي الكافي: سهل بن زياد، عمن حدثه، عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا


(1) قوله: (ثم يأخذ الارض) أقول: هو إشارة إلى قوله سبحانه: ” والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ” قال الطبرسي (قدس الله روحه): القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك، أخبر الله سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الارض كلها مع عظمها في مقدوره كالشئ الذي يقبض عليها القابض بكفه، فيكون في قبضته، وهذا تفهيم لنا في عادة التخاطب فيما بيننا. وكذا قوله: ” والسماوات مطويات بيمينه ” أي يطوبها بقدرته كما يطوي أحد من الشئ المقدور له طيه، بيمينه، وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار، والتحقيق للملك كما قال: ” وما ملكت ايمانكم ” وقيل معناه: إنها محفوظات مصونات بقوته. واليمين، القوة، فالمراد أنه تعالى يحفظ الارض والسماوات بقدرته الكاملة بعد ما كانت محفوظة بالملائكة وسائر الخلق، وقد جعل لكل شئ حفظة منها، والله يعلم حقائق كلامه (مرآة العقول: ج 14 ص 253 كتاب الجنائز باب النوادر. (2) الكافي: ج 3 ص 256 كتاب الجنائز، باب النوادر ح 25. (3) الامالي للصدوق: ص 185 المجلس التاسع والثلاثون س 9 قطعة من ح 10. (*)

[ 307 ]

عبد الله (عليه السلام) يقول: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البر بالاخوان والسعي في حوائجهم، وأن البار بالاخوان ليحبه الرحمان وفي ذلك مرغمة (1) للشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). وفيه: علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما مات النبي (صلى الله عليه وآله) سمعوا صوتا ولم يروا شخصا يقول: ” كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز “، وقال إن في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا مما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا وإنما المحروم من حرم الثواب (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة يدعى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيكسى حلة وردية ثم يقام عن يمين العرش، ثم يدعى بإبراهيم فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي (عليه السلام) فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين النبي، ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار إبراهيم، ثم يدعى بالحسن (عليه السلام) فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم يدعى بالحسين (عليه السلام) فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن، ثم يدعى بالائمة فيكسون حللا وردية فيقام كل واحد عن (1) الرغم والرغم والرغم: الكره والمرغمة مثله، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): بعثت مرغمة، المرغمة الرغم، أي بعثت هوانا وذلا للمشركين (لسان العرب: ج 12 ص 245). (2) الكافي: ج 4 ص 41 كتاب الزكاة باب معرفة الجود والسخاء قطعة من ح 15 وتمام الحديث (يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي ؟ قال: هم البارون بالاخوان في العسر واليسر، ثم قال: يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله (عز وجل) في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه: ” يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون “. (3) الكافي: ج 3 ص 221 باب التعزي ح 4. (*)


[ 308 ]

يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم، ثم يدعى بفاطمة (صلوات الله عليها) ونسائها من ذرياتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب، ينادي مناد من بطنان العرش، من قبل رب العزة والافق الاعلى: نعم الاب أبوك يا محمد، وهو إبراهيم: ونعم الاخ أخوك، وهو علي بن أبي طالب، ونعم السبطان سبطاك، وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك، وهو محسن، ونعم الائمة الراشدون ذريتك، وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك، الا أن محمدا ووصية وسبطيه والائمة من ذريته هم الفائزون، ثم يؤمر بهم إلى الجنة، وذلك قوله: ” فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ” (1). وما الحيوة الدنيا: أي لذاتها وزخارفها. إلا متع الغرور: مصدر أو جمع غار. شبهها بالمتاع الذي يدل به على المستام ويغر حتى يشتريه. وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءهم جبرئيل (عليه السلام) والنبي مسجى وفي البيت فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ” كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ” إن في الله (عز وجل) عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا لما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب هذا آخرو طي من الدنيا، قالوا فسمعنا الصوت ولم نر الشخص (2). عنه: عن سلمة، عن علي بن سيف، عن أبيه، عن أبي اسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت التعزية، أتاهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم أهل


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 128 عند تفسير لآية 185 من سورة آل عمران. (2) الكافي: ج 3 ص 221 باب التعزي ح 5. (*)

[ 309 ]

[ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور (186) ] البيت ورحمة الله وبركاته ” كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ” إن في الله (عز وجل) عزاء ن كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا لما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم (1). عنه: عن سلمة، عن محمد بن عيسى الارمني، عن الحسين بن علوان، عن عبد الله بن الوليد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم آت فوقف بباب البيت فسلم عليهم ثم قال: السلام عليكم يا آل محمد ” كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ” في الله خلف من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودرك لما فات فبالله فثقوا وعليه فتوكلوا وبنصره لكم عند المصيبة فارضوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولم يروا أحدا فقال بعض من في البيت: هذا ملك من السماء بعثه الله (عز وجل) إليكم ليعزيكم، وقال بعضهم: هذا الخضر (عليه السلام) جاءكم يعزيكم بنبيكم (صلى الله عليه وآله) (2). لتبلون: أي والله لتختبرون.


(1) الكافي: ج 3 ص 221 باب التعزي ح 6. (2) الكافي: ج 3 ص 222 باب التعزي ح 8. (*)

[ 310 ]

في أمولكم: بتكليف الانفاق، وما يصيبها من الآفات. وأنفسكم: بالجهاد والقتل والاسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والامراض والمتاعب. وفي عيون الاخبار في باب ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء، لان الله تعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال (عز وجل): ” لتبلون في أموالكم ” بإخراج الزكاة ” وفي أنفسكم ” بتوطين الانفس على الصبر (1). والتسمعن من الذين أوتوا الكتب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا: من هجاء الرسول، والطعن في الدين، وإغراء الكفرة على المسلمين. أخبرهم بذلك قبل وقوعها، ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال، ويستعدوا للقائها، حتى لا يرهقهم نزولها. وفي تفسيرات فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني الحسين بن الحكم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في يوم احد في قوله: ” ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى كثيرا ” نزلت في رسول الله خاصة (2). وإن تصبروا: على ذلك. وتتقوا: مخالفة أمر الله. فإن ذالك: يعني الصبر والتقوى. من عزم الامور: معزومات الامور التي يجب العزم عليها. أو مما عزم الله عليه، أي أمر به وبالغ فيه والعزم في الاصل ثبات الرأي على الشئ نحو إمضائه. وفي تفسير العياشي: عن أبي خالد الكابلي قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا، ثم صنع الله بي ما أحب، قال


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 89 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1. (2) تفسير فرات الكوفي: ص 19. (*)

[ 311 ]

[ وإذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب لتبيننه، للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) ] بيده على صدره، ثم قال: ولكنها عزمة من الله أن نصبر، ثم تلا هذه الآية: ” والتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور ” وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره (1). وإذ أخذ الله: أي اذكر وقت أخذه. ميثق الذين أوتوا الكتب: يريد به العلماء. لتبيننه، للناس ولا تكتمونه: حكاية لمخاطبتهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش، بالياء، لانهم غيب. واللام جواب القسم الذي ناب عنه قوله: ” أخذ الله ميثاق الذين ” والضمير للكتاب. والمراد بيان ما فيه من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فنبذوه: أي الميثاق. وراء ظهورهم: فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه. والنبذ وراء الظهر، مثل في ترك الاعتداد، وعدم الالتفات. ونقيضه جعله نصب عينيه، وإلقاؤه بين عينيه. واشتروا به: وأخذوا بدله. ثمنا قليلا. من حطام الدنيا وأغراضها. فبئس ما يشترون: ما يختارون لانفسهم. في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 210 ح 171. (*)

[ 312 ]

في قوله: ” وإذ أخذ الله ” أن ذلك في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خرج ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم ” يقول: نبذوا عهد الله وراء ظهورهم ” واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ” (1). وفي مجمع البيان: عن علي (عليه السلام) قال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (2). وفي كتاب الاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: وقد ذكر أعداء رسول الله (صلى الله عيه وآله وسلم) الملحدين في آيات الله، ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يقط منه حرف، لا ألف ولا لام، فلما وقفوا على ما بينه من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، ولذلك قال: ” فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ” ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم مما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه وتأويله وتعظيمه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فضرخ مناديهم: من كان عنده شئ من القرآن، فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله، فألفه على اختيارهم، وتركوا منه ما قدروا


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 128 عند تفسيره لآية 187 من سورة آل عمران، ولفظ الحديث هكذا (وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” واذ أخذ الله ميثاق الذين أو توا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ” وذلك أن الله أخذ ميثاق الذين أو توا الكتاب في محمد لتبيننه للناس إذا خرج ولا تكتمونه ” فنبذوه وراء ظهورهم ” يقول: بنذوا عهد الله وراء ظهورهم ” واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون “). (2) مجمع البيان: ج 2 ص 552 عند بيان المعنى لآية 187 من سورة آل عمران، وتمام الحديث (وروى الثعلبي في تفسيره: بإسناده إلى الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه، فقلت: إن رأيت أن تحدثني ؟ فقال: أو ما علمت أني تركت الحديث ! فقلت: إما أن تحدثني وإما أن احدثك ؟ فقال: حدثني، فقلت: حدثني الحكم بن عيينة، عن نجم الجزار قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: ما أخذ الله عليه أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني أربعين حديثا. (*)

[ 313 ]

[ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188) ولله ملك السموت والارض والله على كل شئ قدير (189) ] أنه لهم، وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهرتناكره وتنافره (1)، وانكشف لاهل الاستبصار إغوائهم وافترائهم (2). لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا: يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق، أو من الطاعات والحسنات. والخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين. والمفعول الاول ” الذين يفرحون “. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالياء وفتح الباء فيه، وضم الباء في الآتي، على أن ” الذين ” فاعل ومفعولاه محذوف، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وهو ” يحسبنهم ” الثاني، أو المفعول الاول محذوف والثاني تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الاول (3).


(1) قد ملا أصحاب الكلام وأرباب التفاسير من العامة والخاصة بالوجوه العقلية والنقلية، الدفاتر والدساتير على عدم تحريف القرآن بالزيادة والنقصان، وعدم صحة أمثال هذه الروايات، أو تأويلها، بما لا مزيد عليه. وإن شئت الاختصار فراجع مقدمة تفسير مجمع البيان: ج 1 ص 15 الفن الخامس، وإن رمت أكثر من ذلك فعليك ب‍ ” البيان في تفسير القرآن ” لآية الله العظمى الخوئى دام ظله: ص 197 صيانة القرآن من التحريف. وغيرهما من التفاسير للعامة والخاصة. (2) كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 257، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة، تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه، س 12. (3) لتوضيح ما أورده المؤلف (رحمه الله) ننقل ما أورده (البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لهذه (*)

[ 314 ]

ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا: من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والاخبار بالصدق، أو كل خير. فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب: فائزين بفوز ونجاة منه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يقول: ببعيد من العذاب (1). وهو حاصل المعنى. ولهم عذاب أليم: بكفرهم وتدليسهم. قيل: إنه (عليه السلام) سأل اليهود عن شئ مما في التوراة ؟ فأخبروه بخلاف ما كان فيه، واروه أنهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا، فنزلت (2). وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو، ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به (3). وقيل: نزلت في المنافقين، فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بإيمان لم يفعلوه على الحقيقة (4). والصواب أن الآية نزلت فيما رواه أبو الجارود، عن الباقر (عليه السلام) وجرت في غيرهم. ولله ملك السماوات والارض: فهو يملك أمرهم. والله على كل شئ قدير: فيقدر على عقابهم. وقيل: هو رد لقولهم: ” إن الله فقير “.


الآية قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الاول وضمها في الثاني، على أن ” الذين ” فاعل، ومفعولا ” لا يحسبن ” محذوفان، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وكأنه قيل: ” ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة ” أو المفعول الاول محذوف وقوله: ” فلا تحسبنهم ” تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الاول. (1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران. (2 و 3 و 4) نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران. (*)

[ 315 ]

[ إن في خلق السموت والارض واختلااف اليل والنهار لايات لاولى الالباب (190) إن في خلق السموت والارض والختلف اليل والنهار لايت لاولى الالبب: لدلائل واضحة على وجود الصانع، ووحدته، وكمال علمه وقدرته، لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحسن والوهم. وفي مجمع البيان: وقد اشتهرت الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه لما نزلت هذه الآية قال: ويل لمن لاكها بين فكيه، ولم يتأمل ما فيها (1). قيل: ولعل الاقتصار على الثلاثة في الآية، لان مناط الاستدلال التغير، وهذه متعرضة لجملة أنواعه، فإنه إما أن يكون في ذات الشئ كتغير الليل والنهار، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها، أو الخارج عنه كتبدل الافلاك بتبدل أو ضاعها (2). وفي تهذيب الاحكام: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وذكر صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كان يوتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران: ” ان في خلق السماوات والارض ” الآية، ثم يستن ويتطهر ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه، ويسجد حتى


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 554 عند نقله لفضل الآيات في قوله: (فضلها). (2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 191 من سورة آل عمران.

[ 316 ]

[ الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموت والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) يقال متى يرفع رأسه ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات فيقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المجلس فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة (1). الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم: أي يذكرونه على جميع الاحوال، قائمين وقاعدين ومضطجعين. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أكثر ذكر الله (عز وجل) أحبه الله (2) (3). وفي كتاب معاني الاخبار: خطبة لعلي (عليه السلام) يذكر فيها نعم الله، يقول فيها: وأنا الذاكر يقول الله (عز وجل): ” الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ” (4).


(1) التهذيب: ج 2 ص 334 ح 233. (2) الكافي: ج 2 ص 499 كتاب الدعاء، باب ذكر الله (عز وجل) كثيرا، ح 3 وتمام الحديث (ومن ذكر الله كثيرا، كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق). (3) وكان المراد بقوله (ذكر الله كثيرا) أما ذكره أولا، وإنما هو تفنن في العبارة. أو المراد بأحد هما المداومة وبالآخر الاكثار ولو مرة، وقيل: المراد بالاول التكرار والاستمرار من الثاني، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان (مرآة العقول: ج 12 ص 134). (4) معاني الاخبار: ص 59 باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة (عليهم (*)

[ 317 ]

أي يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم. وفي الكافي: علي، عن أبيه، محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل)، الآية قال: الصحيح يصلي قائما وقعودا، المريض يصلي جالسا، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا (1). وفي أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى الباقر (عليه السلام) قال: لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إن الله تعالى يقول: ” الذين ” الآية (2). ويتفكرون في خلق السموت والارض: استدلالا واعتبارا، وهو أفضل العبادات. في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): أفضل العبادة إدمان التفكر في الله (3).


السلام) ح 9 س 11. (1) الكافي: ج 3 ص 411 كتاب الصلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 11. (2) الامالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 76 (3) قوله: (أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته) أفضلية العبادة باعتبار عظمة قدرها، وكثرة منافعها وآثارها، وشرافة لوازمها وأسرارها. ولا ريب في أن إدمان التفكر في الله، وفي قدرته أعظم العبادات قدرا، وأشرفها أثرا وأفخمها رتبة وأرفعها منزلة، ولذلك وقع الامر به في آيات متكاثرة، وروايات متضافرة، وله آثار شريفة، ولوازم منيفة، كلها عبادات عظيمة، كمعرفة الرب وعطمته، وعلمه وقدرته، واحتقار الدنيا وزهراتها، ومعرفة الجنة ودرجاتها، ومعرفة النار ودركاتها، والانقطاع عن غير الحق، وتفريغ القلب له، وبالجملة إدمان التفكر عبادة وأصل لجميع العبادات، فهو أفضلها. وليس المراد التكفر في حقيقة ذاته، وحقيقة قدرته، وسائر صفاته، إذ معرفتها خارجة عن قدرة البشر، ولا يصل إليه العقل والتكفر، وكان التكفر فيها مؤديا إلى الضلال المبين، والالحاد في الدين، بل المراد به التفكر في وضع صنع الله وآثار قدرته، فإن التفكر فيها وفي عظمتها يدل على عظمة الصانع الحق وكمال قدرته. ومما يدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه). وما رواه حسين بن المياح عن أبيه قال: سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (من نظر في الله كيف وهو هلك). وبالجملة التفكر على قسمين: تفكر في الحق وتفكر في الخلق، والعبد ممنوع من (*)

[ 318 ]

وفي قدرته (1) (2). وعنه (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك (3) (4). الاول ومندوب إلى الثاني، قال تعالى: ” ويتفكرون في خلق السماوات والارض ” (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 170). (1) الحديث الثالث مرسل كالصحيح، فإنه يقال: مراسيل البزنطي في حكم المسانيد. والادمان، الادامة، وقوله (عليه السلام): (وفي قدرته) كأنه عطف تفسير لقوله: (في الله) فإن التفكر في ذات الله وكنه صفاته ممنوع كما مر في الاخبار في كتاب التوحيد، لانه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل. فالمراد بالتفكر في الله، النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه، وبدائع أمره في خلقه، فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه، وتدل على كمال علمه وحكمته، وعلى نفاذ ميشته وقدرته، وإخاطته بالاشياء. وأنه سبحانه لكمال علمه وحكمته لم يخلق هذا الخلق عبثا من غير تكليف ومعرفة وثواب وعقاب، فإنه لو لم تكن نشأة اخرى باقية غير هذه النشأة الفانية المحفوفة بأنواع المكاره والآلام لكان خلقها عبثا، كما قال تعالى: ” أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون ” وهذا تفكر اولي الالباب كما قال تعالى: ” إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ” وقال سبحانه: ” ومن آياته – ومن آياته ” في مواضع كثيرة، فتلك الآيات هي مجاري التفكر في الله وفي قدرته لاولي النهى، لا ذاته تعالى، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما قال: تفكروا في آلاء الله، فإنكم لن تقدروا قدره (مرآة العقول: ج 7 ص 341). (2) الكافي: ج 2 ص 55، كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 3. (3 و 4) التنبيه، الايقاظ عن النوم وعن الغفلة، وفي القاموس: النبه بالضم الفطنة والقيام من النوم، وأنبهه ونبهه فتنبه وانتبه، وهذا منبهة على كذا يشعر به، ولفلان مشعر بقدره ومعل له، وما نبه له كفرح ما فطن، والاسم النبه بالضم، ونبه باسمه تنبيها نوه، انتهى. والتفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الايمان واليقين، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. قال الغزالي: حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه، كما إذا تفكر أن الآخرة باقية، والدنيا فانية، فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا، وهو يبعثه على العمل للآخرة، فالتفكر سبب لهذا العلم. وهذا العلم حالة نفسانية، وهو التوجه إلى الآخرة، وهذه الحالة تقتضي العمل لها، وقس على هذا، فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه من الغفلة، وأصل لجميع (*)


[ 319 ]

وعن الرضا (عليه السلام): ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم (1)، إنما العبادة


الخيرات. وقال المحقق الطوسي (قدس سره): التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد، وهو قريب من النظر، ولا يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير. ومبادئه الآفاق والانفس، بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته، وفي الاجرام العلوية من الافلاك والكواكب وحركاتها وأو ضاعها ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقاتها وتأثيراتها وتغييراتها. وفي الاجرام السفلية وترتبيها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها. وفي أجزاء الانسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق وغيرها مما لا يحصى كثرة. ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغير على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته وعدم ثبات ما سواه. وبالجملة: التفكر فيما ذكرو نحوه، من حيث الخلق والحكمة والمصالح، أثره العلم بوجود الصانع وقدرته وحكمته، ومن تغيره وانقلابه وفنائه بعد وجوده، أثره الانقطاع منه والتوجه بالكلية إلى الخالق الحق. ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة، فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة، ولذا أمر بهما بعد الامر بالتفكر. ويمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية والاخبار النبوية والآثار المروية عن الائمة (عليهم السلام) والمسائل الدينية والاحكام الشرعية، وبالجملة كلما أمر الشارع الصادع بالخوض فيه والعلم به. قوله (عليه السلام): (وجاف عن الليل جنبك) الجفا البعد، وجاف عنه كذا، أي باعده عنه في الصحاح: جفا السرج عن ظهر الفرس واجفيته أنا، إذ رفعته عنه، كذا، أي باعده عنه. في الصحاح: جفا السرج عن ظهر الفرس واجفيته أنا، إذا رفعته عنه، وجافاه عنه فتجا في جنبه عن الفراش، أي نبا، انتهى. وقال سبحانه: ” تتجا في جنوبهم عن المضاحع ” وإسناد المجافاة إلى الليل، مجاز في الاسناد، أي جاف عن الفراش بالليل، أو فيه تقدير مضاف، أي جاف عن فراش الليل جنبك. وعلى التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة وقد مر معنى التقوى، والتوصيف بالرب، للتعليل (مرآة العقول: ج 7 ص 338 – 340). الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 1. (1) ليس العبادة كثرة الصلاة: أي ليست منحصرة فيها، إنما العبادة أي الكاملة (التفكر في أمر الله) بالمعاني المتقدمة. وقد يقال: المراد بالتفكر في أمر الله طلب العلم بكيفية العمل وآدابه وشرائطه، والعبادة بدونه باطلة. فالحاصل أن كثرة الصلاة والصوم بدون العلم بشرائطهما وكيفياتهما وأحكامهما ليست عبادة. (*)

[ 320 ]

التفكر في أمر الله (عز وجل) (1). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تفكر ساعة خير من قيام ليلة (2). وفي رواية: من عبادة سنة. وفي اخرى: ستين سنة (4). وإنما اختلف، لاختلاف مراتب التفكر، ودرجات المتفكرين، وأنواع المتفكر فيه. وفي عيون الاخبار: في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجرا المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به. مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغيره ذلك من الايات العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ (5).


وأقول: يحتمل أن يحتمل أن يكون المعنى، أن كثرة الصلاة والصوم بدون التفكر في معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة أئمة الهدى (عليهم السلام) كما يصنعه المخالفون، غير مقبولة وموجبة للبعد عن الحق (مرآة العقول: ج 7 ص 342). (1) الكافي: ج 2 ص 55 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 4. (2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 409 قال: وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وفي الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 2 ولفظ الحديث: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ابان، عن الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يروي الناس: يروي الناس: إن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر ؟ قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك أين بانوك، ومالك لا تتكلمين. (3) تفسير العياشي: ج 2 ص 208 ح 24. (4) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 410 قال: وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكرة ساعة خير من عبادة سنين. (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 132 باب 11 ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الاخبار في التوحيد، في مناظرة الزنديق مع الرضا (عليه السلام)، قطعة من ح 28. (*)

[ 321 ]

[ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وماللظلمين من أنصار (192) ] ربنا ما خلقت هذا بطلا: على إرادة القول، أي يتفكرون قائلين ذلك. والمشار إليه ب‍ ” هذا ” المتفكر فيه، أو الخلق على أنه اريد به المخلوق من السماوات والارض، أو إليهما، لانهما في معنى المخلوق. والمعنى ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة، بل خلقته لحكم عظيمة. سبحنك: تنزيها لك عن العبث وخلق الباطل، وهو اعتراض. فقنا عذاب النار: للاخلال بالنظر فيه، والقيام بما يقتضيه. وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لاجله خلقت السماوات والارض، حملهم على الاستعاذة. وفي مجمع البيان: روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن محمد بن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا قام من الليل تسوك، ثم ينظر إلى السماء، ثم يقول: ” ان في خلق السماوات والارض ” إلى قوله: ” فقنا عذاب النار ” (1). ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته: غاية الاخزاء، ونظيره قولهم (من أدرك مر على الضمان فقد أدرك) (2). والمراد تهويل المستعاذ منه، تنبيها على شدة خوفهم، وطلبهم الوقاية منه. وما للظلمين من أنصار: أراد بهم المدخلين. ووضع المظهر موضع المضمر. للدلالة على أن ظلمهم سبب لادخالهم النار (3).


(1) مجمع البيان: ج 1 – 2 ص 553. (2) قال العلامة الكازروني في حاشية على تفسير (البيضاوي): (الضمان اسم جبل فيه مرعى عظيم). (3) من قوله: (على إرادة القول) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 198. (*)

[ 322 ]

[ ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للايمن أن وتوا الكتب فئامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار (193) ] وفي تفسير العياشي: عن يونس بن ظبيان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله الله: ” وما للظالمين من انصار ” قال: مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم (1). ومعناه (مالهم) أي للظالمين من أئمة يسمون الائمة بأسماء الانصار، أي يعدونهم أنصارهم، أي أئمة الجور، وأئمة الجور لا يمكن لهم الشفاعة. فالحاصل: أن الظالم، وهو الذي تدخله النار، وهو تارك الولاية، ليس له مخلص من النار، لان أئمتهم، أئمة الجور يستحيل منهم الشفاعة والنصرة. أما الشفاعة، فلانهم ليسوا أهلا لها. وأما النصرة، فلان المخزي هو الله سبحانه. فما قاله البيضاوي: من أنه لا يلزم من نفي النصرة، نفي الشفاعة، لان النصرة دفع بقهر، جهل منه، ارتكبه لاحتياط الاستمداد منه بشفاعة أئمته. ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للايمن: أو قع الفعل على المسمع، لا المسموع، لدلالة وصفه عليه. وفيه مبالغة ليس في إيقاعه على نفس المسموع. وفي تنكير المنادى وإطلاقه، ثم تقييده بالوصف، تعظيم لشأنه، والمراد به الرسول، وقيل القرآن (2). وفي تهذيب الاحكام: في الدعاء بعد صلاة يوم الغدير، المسند إلى الصادق


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 211 ح 175. (2) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 199 عند تفسيره لآية 193 من سورة آل عمران. (*)

[ 323 ]

[ ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيمة إنك لا تخلف الميعاد (194) ] (عليه السلام): وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين، أن تقول: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد، إلى أن قال: ربنا إننا سمعنا بالنداء وصدقنا المنادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته به أن يبلغ ما أنزلت إليه من ولاية ولي أمرك (1). فعلى هذا معنى: أن ءامنوا بربكم: آمنوا به فيما نادا كم له رسوله، وهو الايمان بوصي رسوله. فئامنا ربنا: أي آمنا بالله ورسوله ووصي رسوله. فاغفر لنا ذنوبنا: كبائرنا، فإنها ذات تبعات وأذناب. وكفر عنا سيئاتنا: صغائرنا، فإنها مستقبحة، ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر. وتوفنا مع الابرار: مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم. والابرار جمع بر، أو بار، كأرباب وأصحاب. ربنا وءاتنا ما وعد تنا على رسلك: أي على تصديق رسلك، من الثواب. أو على ألسنة رسلك، أو منزلا على رسلك، أو محمولا عليهم. ولا تخزنا يوم القيمة: بأن تعصمنا عما يقتضيه. إنك لا تخلف الميعاد: بإثابة المؤمن وإجابة الداعي. وتكرير ” ربنا ” للمبالغة في الابتهال، والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها.


(1) التهذيب: ج 3 ص 144 باب 7 صلاة الغدير، ح 1 س 9. (*)

[ 324 ]

[ فاستجاب لهم ربهم أنى لآ أضيع عمل عمل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديرهم وأو ذوا في سبيلى وقتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئائهم ولادخلنهم جنات تجرى من تحتها ولانهر ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (195) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد (196) ] فاستجاب لهم ربهم: أي طلبتهم، وهو أخص من الاجابة، لجواز أن يكون الاجابة بالرد، وتعدى بنفسه وباللام. أنى لآ أضيع عمل عمل منكم: بأني لا اضيع. وقرئ بالكسر، على إرادة القول. من ذكر أو أنثى: بيان عامل. بعضكم من بعض: لان الذكر من الانثى، والانثى من الذكر، أو لانهما من أصل واحد، أو لفرط الاتصال والاتحاد، أو للاجتماع، أو للاجتماع، أو الاتفاق في الدين. وهي جملة معترضة، بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال. وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل (عليهم السلام)، عن الله (جل جلاله) أنه قال: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق بقدرتي، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي، واخترت من جميعهم محمدا حبيبا وخليلا وصفيا، وبعثته رسولا إلى خلقي، واصطفيت له عليا


[ 325 ]

فجعلته له أخا ووصيا ووزيرا ومؤديا عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي إلى عبادي – إلى قوله جل ثناؤه – وحجتي في السماوات والارضين على جميع من فيهن من خلقي لا أقبل عمل عامل منهم إلا بالاقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي (1). فالذين هاجروا: الاوطان والعشائر للدين. وأخرجوا من ديرهم وأو ذوافى سبيلى: بسبب إيمانهم بالله ومن أجله. وقتلوا: الكفار. وقتلوا: في الجهاد. وقرأ حمزة والكسائي بالعكس (2). والمراد: أنه لما قتل منهم قوم، قاتل الباقون، ولم يضعفوا. وشدد ابن كثير وابن عامر ” قتلوا ” للتكثير. لاكفرن عنهم سيئاتهم ولاد خلنهم جنت تجرى من تحتها الانهر ثوابا من عند الله: أي انيبهم بذلك ثوابا من عند الله، أي عظيما، فهو مصدر للنوع (3). والله عنداه حسن الثواب: على الطاعات. وفي أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى أبي عبيدة عن أبيه، وابن أبي رافع يحكي ذهاب علي (عليه السلام) من مكة إلى المدينة ملتحقا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين هاجر من مكة إلى المدينة، وقد قارع (4) الفرسان من قريش، ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفاطمة بنت


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 49 قطعة من ح 191. (2) فالذين هاجروا، مبتدأ، وخبره (لا كفرن)، وقاتلوا وقتلوا عطف على عطف على عطف. وقرئ: وقتلوا وقاتلوا، هده القراءة تدل على أن الواو تدل على الجمع دون الترتيب، فلذلك لم يبال قدم أواخر وإلا فيستحيل أن تحون المقاتلة بعد القتل، وقد يجوز أن يراد يقتلوا البعض ويقاتلوا الباقي، وهو كثير في كلامهم (البيان في غريب إعراب القرآن لابن الانباري: ج 1 ص 237). (3) في هامش بعض النسخ المخطوطة ما لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكدا مع أنه لا يحذف عامل المؤكد، منه). (4) قرع الرجل: ضربه. يقال: قرع رأسه بالعصا، أي ضربه بها (المنجد لغة قرع). (*)

[ 326 ]

الزبير: ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان (1) فلزم بها يوم وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم ام أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهن يصنعون ذلك منزلا بعد منزل، يعبدون الله (عز وجل) ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم ” الذين يذكرون الله قياما وقعودا ” الآيات قوله: ” من ذكر أو انثى ” الذكر علي والانثى الفواطم ” بعضكم من بعض ” يعني علي من فاطمة، أو قال: الفواطم وهن من علي (2). وذكر علي بن عيسى (رحمه الله) في كشف الغمة: أن هذه الآيات نزلت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في توجهه إلى المدينة، وذكر الحكاية كما في الامالي (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: ثم ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه المؤمنين فقال: ” فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم ” يعني أمير المؤمنين وسلمان وأبا ذر حين اخرج وعمار الذين اوذوا، إلى آخر الآية (4). لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد امته، أو تثبيته على ما كان عليه أو لكل أحد.


(1) ضجنان بالتحريك ونونين، ورواه ابن دريد بسكون الجيم، وقيل: ضجنان على بريد من مكة، وهناك الغميم في أسفله مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وله ذكر في المغازي، وقال الواقدي: بين ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلا، وهي لاسلم وهذيل وغاضرة، والضجنان حديث في حديث الاسراء حيث قالت له قريش: ما اية صدقك ؟ قال: لما أقبلت راجعا حتى إذا كنت بضجنان، مررت بعير فلان فوجدت القوم ولهم إناء فيه ماء فشربت ما فيه، وذكر القصة (معجم البلدان: ج 3 ص 453 باب الضاد والجيم وما يليهما). (2) الامالي لشيخ الطائفة: ج 2 ص 85، الجزء السادس عشر س 17 باختلاف في الالفاظ. (3) كشف الغمة في معرفة الائمة ط إيران طهران: ج 1 ص 539 حديث الغار ومبيته (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 1381. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 195 من سورة آل عمران. (*)

[ 327 ]

[ متع قليل ثم مأوهم جهنم وبئس المهاد (197) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار (198) ] والمعنى: لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ ولا تغتروا بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكسابهم ومتاجرهم ومزارعهم. نقل أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش، فيقولون: إن أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت (1). متع قليل: خير مبتدآ محذوف، أي ذلك التقلب متاع قليل، لقصر مدته، وفي جنب ما أعد الله للمؤمنين. وفي الحديث النبوي: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم اصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع (2). ثم مأوهم جهنم وبئس المهاد: ما مهدوا لانفسهم. لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها نزلا من عند الله: النزل والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وانتصابه على الحال من ” جنات ” والعامل فيها الظرف. وقيل: إنه مصدر مؤكد، والتقدير أنزلوها نزلا. وما عند الله: لكثرته ودوامه.


(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 196 من سورة آل عمران. (2) رواه في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 197 من سورة آل عمران. (*)

[ 328 ]

وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خشعين لله لا يشترون بايت الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (199) يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (200) ] خير للابرار: مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله، وامتزاجه بالآلام. وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: الموت خير للمؤمن، لان الله يقول: ” وما عند الله خير للابرار ” (1). قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): أنت الثواب وأصحابك الابرار (2). وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله: قيل: نزلت في ابن سلام وأصحابه (3). وقيل: في أربعين من نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم، كانوا نصارى فأسلموا (4). وقيل: في أصحمة النجاشي، لمانعاه جبرئيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج فصلى عليه، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط (5).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 178. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 177 والحديث عن الاصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام). (3 و 4 و 5) نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 199 من سورة آل عمران. (*)

[ 329 ]

وإنما دخلت اللام على الاسم، للفصل بينه وبين ” إن ” بالخبر. وما أنزل إليكم: من القرآن. وما أنزل إليهم: من الكتابين. خشعين لله حال من فاعل ” يؤمن ” وجمعه باعتبار المعنى. لا يشترون بايت الله ثمنا قليلا: كما يفعله المحرفون من أحبارهم. أولئك لهم أجرهم عند ربهم: ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه في آية اخرى. إن الله سريع الحساب: لعلمه بالاعمال، وما يستوجبه كل عامل من الجزاء، واستغنائه عن التأمل والاحتياط. والمراد: أن الاجر الموعود سريع الوصول، فإن سرعة الحساب يستدعي سرعة الجزاء (1). يأيها الذين ءامنوا اصبروا: على المصائب. وصابروا: على الفرائض. ورابطوا: على الائمة. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): ” اصبروا ” على الفرائض ” وصابروا ” على المصائب (2). وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى ابي حمزة، عن أبي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: ” اصبروا ” على المصائب وصابروهم على الفتنة ” ورابطوا ” على من تقتدون به (3). وفي مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): رابطوا الصلوات قال أي انتظروها واحدة بعد واحدة لان المرابطة لم تكن حيئنذ (4).


(1) من قوله (قيل: نزلت في ابن سلام) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 200. (2) الكافي: ج 2 ص 81 ح 3. (3) معاني الاخبار: ص 369، باب معنى الصبر والمصابرة والمرابطة، ح 1. (4) مجمع البيان: ج 2 ص 562 في نقله المعنى الآية 200 من سورة آل عمران. (*)

[ 330 ]

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” اصبروا وصابروا ورابطوا ” فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” اصبروا ” على المصائب ” وصابروا ” على الفرائض ” ورابطوا ” على الائمة (2). وحدثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصابرون فيقوم فئام من الناس ثم ينادي أين المتبصرون فيقوم فئام من الناس، قلت: جعلت فداك وما الصابرون ؟ فقال: على اداء الفرائض والمتصبرون على إجتناب المحارم (2). حدثني أبي، عن حماد، عن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) أنه قال وقد ذكر عنده عبد الله بن عباس: وأما قوله: ” يا ايهاالذين آمنوا إصبروا ” الآية ففي أبيه نزلت، وفينا ولم يكن الرباط الذي امرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله الرابط (4). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين ابن المختار، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الله (عز وجل): ” اصبروا وصابروا ورابطوا ” قال: ” اصبروا ” على الفرائض (5). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد ابن عيسى، عن أبي المفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” اصبروا وصابروا ورابطوا ” قال ” اصبروا ” على الفرائض ” وصابروا “


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 562، ولفظ الحديث: (وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن أفضل الاعمال ؟ فقال: إسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الاقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط). (2 و 3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129. (4) لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم، ورواه في الصافي عنه: ج 1 ص 380. (5) الكافي: ج 2 ص 81 ح 2 و (*)

[ 331 ]

على المصائب ” ورابطوا ” على الائمة (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن ابان بن أبي مسافر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” يا ايها الذين آمنوا إصبروا وصابروا ” قال: ” إصبروا ” عن المصائب (2). وفي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” إصبروا ” على المصائب (3). وفي مجمع البيان ” إصبروا وصابروا ورابطوا ” اختلفوا في معناه إلى قوله: وقيل: معنى ” رابطوا ” أي رابطوا الصلاة ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة لان المرابطة لم يكن حينئذ، روي ذلك عن علي (عليه السلام) وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: معناه ” إصبروا ” على المصائب ” وصابروا ” على عدوكم ” ورابطوا ” على عدوكم (4). وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن احمد بن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السلام) قال: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له النبي: يا جبرئيل ما تفسير الصبر ؟ قال: يصبر في الضراء كما يصبر في السراء، وفي الفاقة كما يصبر في الغنى، وفي البلاء كما يصبر في العافية، فلا يشكو خالقه عند المخلوق بما يصيبه من البلاء (5). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. واتقوا الله العلكم تفلحون: قيل: واتقوه بالتبري عما سواه، لكي تفلحوا غاية الفلاح (6).


(1) الكافي: ج 2 ص 81 ح 3. (2) و (3) الكافي: ج 2 ص 92 ح 19. (4) مجمع البيان: ج 2 ص 562. (5) معاني الاخبار: ص 260، ح 1. (6) قاله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 201 عند تفسيره الآية 200 من سورة آل عمران. (*)

[ 332 ]

وفي تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) يعني فيما أمركم به وافترض عليكم (1). وفي اصول الكافي: بعض أصحابنا رفعه، عن محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: إن الله (تبارك وتعالى) لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الائمة (عليهم السلام) وخلق شيعتهم، أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا (2)، وأن يتقوا الله (3). وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (تبارك وتعالى): ” اصبروا ” يقول: على المعاصي ” وصابروا ” على الفرائض ” واتقوا الله ” يقول: آمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ثم قال: وأي منكر أنكر من ظلم الامة لنا وقتلهم إيانا ” ورابطوا ” يقول: في سبيل الله، ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه، ونحن الرباط الادنى فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي (صلى الله عليه وآله) وما جاء بن من عند الله ” لعلكم تفلحون ” يقول: لعل الجنة توجب لكم إن فعلتم ونظيرها في قول الله تعالى: ” ومن أحسن قولا ممن دعى إلى


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 212 قطعة من ح 181 وراوي الحديث يعقوب السراج عن أ بي عبد الله (عليه السلام). (2) قوله: (وإن يصروا ويصابروا ويرابطوا) الصبر أصله الحبس، يقال: صبرت نفسي على كذا، أي حبستها. والربط أصله الشد، يقال: ربط الدابة، أي شده. والمرابطة الاقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها في الثغور. وقد يطلق على ربط النفس على الاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة. ولعل المقصود أنه تعالى أخذ عليهم أن يصبروا على الدين ومشاق تكاليفه وسائر ما ينزل عليهم من النوائب والمصائب، وأن يصابروا أعداءهم في الجهاد، ويغالبوهم في الصبر على شدائد الحروب، أو يحمل بعضهم بعضا على الصبر في الشدائد، وأن يرابطوا أي يقيموا على جهادهم، أو على الثغور بأنفسهم وخيولهم، أو على الطاعات مطلقا (شرح الكافي. للعلامة المازندراني: ج 7 ص 187). (3) الكافي: ج 1 ص 451، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته، قطعة من ح 39. (*)

[ 333 ]

الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين ” ولو كانت الآية في المؤذنين كما فسرها المفسرون لفاز القدرية وأهل البدع معهم (1). عن يعقوب السراج قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): تبقى الارض يوما بغير عالم منكم يفزع الناس إليه ؟ قال: فقال لي: إذن لا يعبد الله يا أبا يوسف، لا تخلو الارض من عالم منا ظاهر يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم فإن ذلك لمبين في كتاب الله قال الله: ” يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ” اصبروا على دينكم وصابروا على عدوكم ممن يخالفكم ورابطوا إمامكم، واتقوا الله في ما أمركم به وافترض عليكم (2). وفي رواية اخرى: عنه (عليه السلام) ” اصبروا ” على الاذى فينا قلت: ” وصابروا ” قال: على عدوكم مع وليكم ” ورابطوا ” قال: المقام مع إمامكم ” واتقوا الله لعلكم تفلحون ” فقلت: تنزيل ؟ قال: نعم (3). وفيه: بإسناده إلى ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ” فقال: اصبروا على المصائب وصابروهم على القضية ” ورابطوا ” على من تقتدون به ” واتقوا الله لعلكم تفلحون ” (4). وفي شرح الآيات الباهرة: روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتاب الغيبة، عن رجاله بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ” يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ” قال: ” اصبروا ” على أداء الفرائض ” وصابروا ” عدكم ” ورابطوا ” إمامكم المنتظر (5).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 179. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 181. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 213 ح 182. (4) لم نعثر عليه في العياشي ووجدناه في معاني الاخبار: ص 369 ح 1 وفيه: (وصابروا على التقية بدل القضية). (5) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة: ص 133. (*)

[ 334 ]

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال حدثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عباس (رضي الله عنه) في يوم احد في قوله تعالى: ” يا ايها الذين آمنوا اصبروا ” في أنفسكم ” وصابروا ” عدوكم ” ورابطوا ” في سبيل الله ” واتقوا الله لعلكم تفلحون ” نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وحمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) (1). وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة. وفي عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا أراد أحدكم الحاجة، فليبكر في طلبها في يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران، و آية الكرسي، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، وام الكتاب فإن فيها قضاء لحوائج الدنيا والآخرة (2).


(1) تفسير فرات الكوفي: ص 20 س 2. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 40 باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار المجموعة ح 125. (*)

[ 335 ]

سورة النساء


[ 337 ]

(بسم الله الرحمن الرحيم) [ يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا (1) ] وهي مائة وست وسبعون آية في كتاب ثواب الاعمال: بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من قرأ سورة النساء في كل جمعة أمن من ضغطة القبر (1). وفي مصباح الكفعمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله): من قرأها فكأنما تصدق على كل من ورث ميراثا واعطي من الاجر كمن اشترى محررا وبرأ من الشرك وكان في مشيئة الله من الذين تجاوز عنهم (2). يأيها الناس: خطاب يعم بني آدم. اتقوا ربكم: في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: أبو حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال: قرابة الرسول وسيدهم أمير المؤمنين، امروا بمودتهم فخالفوا ما امروا به (3).


(1) ثواب الاعمال: ص 105 (ثواب من قرأ سورة النساء في كل جمعة). (2) مصباح الكفعمي: ص 439. (3) لم نعثر عليه في المناقب ورواه في تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 429 ح 3 نقلا عن المناقب. (*)

[ 338 ]

الذى خلقكم من نفس وحدة: هي آدم (عليه السلام). وخلق منها زوجها: عطف على ” خلقكم ” أي خلقكم من شخص واحد وخلق منها امكم حواء من فضل طينتها، أو على محذوف، تقديره من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها. في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى زرارة، في حديث طويل، قال: ثم سئل (عليه السلام) عن خلق حواء، وقيل له: إن اناسا عندنا يقولون: إن الله (عز وجل) خلق حواء من ضلع آدم الايسر الاقصى ؟ قال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا، إن الله (تبارك وتعالى) لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، وجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه، ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم. ثم قال: إن الله (تبارك وتعالى) لما خلق آدم من طين أمر الملائكة فسجدوا له، والقى عليه السبات، ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقلبت تتحرك، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها، نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت ؟ فقالت: خلق خلقني الله كما ترى، فقال آدم عند ذلك: يا رب من هذا الخلق الحسن الذي آنسني قربه والنظر إليه ؟ فقال الله: يا آدم هذه أمتي حواء أفتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لامرك ؟ فقال: نعم يا رب، ولك علي بذلك الشكر والحمد ما بقيت، فقال الله (تبارك وتعالى) فاخطبها إلي فإنها أمتي، وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة، وألقى الله عليه الشهوة، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شئ، فقال: يا رب إني أخطبها إليك فما رضاك لذلك ؟ فقال: رضائي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذلك لك يا رب علي إن شئت ذلك لي، فقال: قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال لها آدم (عليه السلام) إلي فاقبلي، فقالت له: لابل أنت فاقبل إلي، فأمر الله (عز وجل) آدم أن يقوم إليها، فقام، ولولا ذلك لكن النساء يذهبن حتى


[ 339 ]

يخطبن على أنفسهن، فهذه قصة حواء (صلوات الله عليها) (1). وفي تفسير العياشي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: خلقت حواء من قصيرا جنب آدم، والقصيرا هو الضلع الاصغر، وأبدل الله مكانه لحما (1). وقيل في الجمع بين الخبرين: كونها مخلوقة من ضلعه الايسر إشارة إلى أن الجهة الجمسانية في النساء أقوى منها في الرجال، والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك، وذلك لان اليمين مما يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني، والشمال مما يكنى به عن عالم الملك الجسماني، فالطين عبارة عن مادة الجسم، واليمين عبارة عن مادة الروح، ولا ملك إلا بملكوت، وهذا هو المعنى بقوله (عليه السلام): (وكلتا يديه يمين) فالضلع الايسر المنقوص من آدم كناية عن نقص الشهوات التي تنشأ من غلبة الجسمية التي هي من عالم الخلق، وهو فضل طينته المستنبطة من باطنه التي صارت مادة لخلق حواء. فتنه في الحديث على أن جهة الملكوت والامر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق، وبالعكس منهما في النساء، فإن الظاهر عنوان الباطن، وهذا هو السر في هذا النقص في أبدان الرجال بالاضافة إلى النساء، وأسرار الله لا ينالها إلا أهل السر، فالتكذيب في كلام المعصومين (صلوات الله عليهم) إنما يرجع إلى ما فهمته العامة من حمله على الظاهر، دون أصل الحديث (3). وبث منهما رجالا كثيرا ونساء: بيان لكيفية تولدهم منهما. والمعنى: ونشر من تلك النفس والروح المخلوق منهما بنين وبنات كثيرة، واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها، لكونهم أصلا بالنسبة إليهن، وتوصيفهم يدل على توصيفهن وذكر ” كثيرا ” حملا على الجمع. وترتيب الامر بالتقوى على هذه القصة، لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى، والنعمة الباهرة التي توجب طاعة مولاها. أو لان المراد به تمهيد الامر


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 17 باب 17 علة كيفية بدوالنسل قطعة من ح 1. (*) (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 215 ح 2. (3) ما ذكره المصنف من الجمع مقتبس من تفسير الصافي. ج 1 ص 383، لا حظ تفسيره لقوله تعالى: ” وخلق منها زوجها “. (*)

[ 340 ]

بالتقوى فيما يتصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه على مادلت عليه الآيات التي بعدها. وقرئ ” وخالق ” و ” باث ” على حذف مبتدأ تقديره: وهو خالق وباث. وفي كتاب العلل: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن بدء النسل من ذرية آدم (عليه السلام) وقيل: إن عندنا اناسا يقولون: إن الله (تبارك وتعالى) أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه، وإن هذا الخلق أصله كله من الاخوة والاخوات ؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا، إن الله (عز وجل) جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب، والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له اخته، فلما نزى عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها اخته، أخرج غر موله (1) ثم قبض عليه بأسنانه، ثم قلعه، ثم خر ميتا (2). وفيه: بإسناده إلى الحسن بن مقاتل، عمن سمع زرارة يقول: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن بدء النسل من آدم كيف كان ؟ وعن بدء النسل من ذرية آدم، وذكر الحديث، وفيه زيادة وهي قوله: وآخر تنكرت له امه ففعل هذا بعينه، فكيف الانسان في انسينه وفضله، غير أن جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فضاروا إلى ما ترون من الضلال والجهل بالعلم كيف كانت الاشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق وما هو كائن أبدا، ثم قال: ويح هؤلاء أين هم عما لا يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق، فإن الله (عز وجل) أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل آدم بألفي عام، وان كتب الله كلها فيما


(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه (الغرمول بضم المعجمة وسكون الراء – منه) الغرمول الذكر الضخم الرخو، وقد قيل: الذكر مطلقا (لسان العرب: ج 11 ص 491 حرف اللام). (2) علل الشرائع: ج 1 ص 16 علة كيفية بدء النسل ح 1. (*)

[ 341 ]

جرى القلم في كلها تحريم الاخوات على الاخوة مع ما حرم، وهذا نحن قد نرى فيها هذه الكتب الاربعة المشهورة في هذا العالم، التوراة والانجيل والزبور والفرقان أنزلها الله عن اللوح المحفوظ على رسله (صلوات الله عليهم أجمعين)، منها التوراة على موسى، والزبور على داود، والانجيل على عيسى، والفرقان على محمد (صلى الله عليه و آله وسلم) وعلى النبيين ليس فيها تحليل شئ من ذلك، حقا أقول: ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله. ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم، وكيف كان بدء النسل من ذريته، فقال: إن آدم (عليه السلام) ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية، إلى أن قتل هابيل، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام، ثم تخلى ما به من الجزع عليه فغشى حواء، فوهب الله شيئا وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة الله، وهو أول وصي اوصي إليه من الآدميين في الارض، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان، فلما أدركا وأراد الله (عز وجل) أن يبلغ بالنسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله (عز وجل) من الاخوات على الاخوة أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله (عز وجل) آدم أن يزوجها من شيث، فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة، فأمر الله (عز وجل) آدم أن يزوجها من يافث، فزوجها منه، فولد لشيث غلام، وولدت ليافث جارية، فأمر الله (عز وجل) آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الاخوة والاخوات (1). وبإسناده إلى القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله (عز وجل) أنزل حوراء من الجنة إلى آدم (عليه السلام)، فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر الجن، فولدتا جميعا، فما كان من الناس من جمال


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 18 علة باب 17 كيفية بدء النسل ح 2. (*)

[ 342 ]

وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته (1). وبإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أخبرني عن آدم خلق من حواء، أم خلقت حواء من آدم ؟ قال: بل حواء خلقت من آدم، ولو كان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء، ولم يكن بيد الرجال. قال: فمن كله خلقت أو من بعضه ؟ قال: من بعضه، ولو خلقت من كله لجاز القصاص في النساء كما يجوز في الرجال. قال: فمن ظاهره أو باطنه ؟ قال: بل من باطنه، ولو خلقت من ظاهره لا نكشفت النساء كما ينكشف الرجال، فلذلك صارت النساء مستترات، قال: فمن يمينه أو من شماله ؟ قال: بل من شماله، ولو خلقت من يمينه لكان للانثى مثل حظ الذكر من الميراث، فلذلك صار للانثى سهم وللذكر سهمين، وشهادة امر أتين مثل شهادة رجل واحد، قال: فمن أين خلقت ؟ قال: من الطينة التي فضلت من ضلعه الايسر، قال: صدقت يا محمد، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). وبإسناده إلى الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي، عن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): خلق الله (عز وجل) آدم من طبن، ومن فصله وبقيته خلقت حواء (3). وما في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكرت له المجوص وإنهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وإنهم يحاجونا بذلك ؟ فقال: أما أنتم فلا يحاجونكم به. لما


(1) علل الشرائع: ج 1 ص 103 باب 92 عله حسن الخلق رسوء الخلق ح 1. (2) علل الشرائع: ج 2 ص 470 – 471 باب 222 النوادر ح 33. (3) علل الشرائع: ج 2 ص 512 باب 286 العلة التي من أجلها فصل الرجال على النساء ح 1. (*)

[ 343 ]

أدرك هبة الله قال آدم: يا رب زوج هبة الله، فأهبط الله (عز وجل) حوراء، فولدت له أربعة غلمة، ثم رفعها الله (عز وجل)، فلما أدرك ولد هبة الله قال: يا رب زوج ولد هبة الله، فأوحى الله (عز وجل) إليه أن بخطب إلى رجل من الجن وكان مسلما أربع بنات له على ولد هية الله، فزوجهن، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة، وما كان من سفه أو حدة فمن الجن (1). وما رواه في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، إن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما [ وجارية ] (2) فولدت في أول بطن قابيل، وقيل: قابين وتوأمته إقليما بنت آدم، والبطن الثاني هابيل وتوأمته لوزا، فلما أدركوا جميعا أمر الله تعالى آدم أن ينكح قابيل اخت هابيل، وهابيل اخت قابيل فرضي هابيل وأبي قابيل، لان اخته كانت أحسنهما، وقال: ما أمر الله بهذا، ولكن هذا من رأيك، فأمر هما الله أن يقربه قربانا، فرضيا بذلك، وسيأتي باقي الحديث (3). وما في قرب الاسناد: عن الرضا (عليه السلام): حملت حواء هابيل واختا له في بطن، ثم حملت في البطن الثاني قابيل واختا له في بطن، فزوج هابيل التي مع قابيل، وزوج قابيل التي مع هابيل ثم حدث التحريم بعد ذلك (4). فمحول على الثقية، لانه موافق لمذهب العامة. والحق ما روي أولا في الفقيه: عن الباقر (عليه السلام): إن الله (عز وجل) أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر ابنة الجان، فما كان في الناس من جمال كثير وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجان (5).


(1) الكافي: ج 5 ص 569، كتاب النكاح، باب نوادر ج 58. (2) ما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 183 في نقل القصة لقوله تعالى: ” واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق ” المائدة. 27. (4) فرب الاسناد: ص 161 س 12. (5) الفقيه: ج 3 ص 240 باب 99 بدء النكاح وأصله ح 5. (*)

[ 344 ]

وما في بعض الاخبار الماضية، أن الله أنزل الحوراء على هبة الله، لا ينافي ما في هذا الخبر، لامكان الانزال أولا على أول أولاده، ثم أنزلها ثانيا على هبة الله بسؤال آدم. ولا ينافيه أيضا ما رواه العياشي: عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأنزل الله إليهم أربعة من الحور العين، فزوج كل واحد منهم واحدة، فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن، وزوج هؤلاء الاربعة، أربعة من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، وما كان من جمال فمن قبل الحور العين، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن (1). لاحتمال أن يكون المراد من ولد آدم، ولد هبة الله، لان ولده أولاده، وقد سبق في الخبر، أن الله أنزل على أولاده أربعة من الحور العين. ويحتمل أن يكون المراد من أربعة من الحور العين على أربعة من أولاد آدم غير من أنزل له أولا، فلا منافاة. وأما ماروي في كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يحدث رجلا من قريش قال: لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الارض، وذلك بعد ما تاب الله عليه، قال: وكان آدم يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت، وكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحل، ثم يغتسلان إعظاما منه للحرم، ثم يرجع إلى فناء البيت، فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا وعشرون انثى، فولد له في كل بطن ذكر وانثى، فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها إقليما، قال: وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزا. وكانت لوزا أجمل بنات آدم، قال: فلما أدركوا خاف عليهم آدم من الفتنة فدعاهم إليه وقال: اريد أن انكحك يا هابيل لوزا، وانكحك يا قابيل إقليما، قال قابيل: ما أرضى بهذا، أتنكحني اخت هابيل القبيحة


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 215 ح 5. (*)

[ 345 ]

وتنكح هابيل اختي الجميلة ؟ قال آدم: فأنا اقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل إقليما زوجت كل واحد منكما التي يخرج سهمه عليها، قال: فرضيا بذلك فاقترعا قال فخرج سهم هابيل على لوزا اخت قابيل وخرج سهم قابيل على إقليما اخت هابيل، قال: فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله، قال: ثم حرم الله نكاح الاخوات بعد ذلك، قال: فقال له القرشي: فأولدا هما ؟ قال: نعم قال: فقال القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم ! قال: فقال علي ابن الحسين (عليهما السلام): إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، ثم قال له علي بن الحسين (عليه السلام): إن المجوس إنما هي شرائع جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له ؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك (1). وما روي في كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن المفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) أنه قال: لما أكل آدم من الشجرة هبط إلى الارض، فولد له هابيل واخته توأم، وولد له قابيل واخته توأم، ثم ان آدم أمر قابيل وهابيل أن يقربا قربانا، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع، فقرب هابيل كبشا وقرب قابيل مزرعة عالم ينق، وكان كبش هابيل من فضل غنمه، وكان زرع قابيل غير منقى، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله ” واتل عليهم ” الآية (2). واتقوا الله الذى تساءلون به: أي يسأل بعضكم بعضا به، فيقول: أسألك بالله. وأصله: تتساءلون فادغمت التاء الثانية في السين. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بطرحها (2).


(1) الاحتجاج: ج 2 ص 314، احتجاجات الامام السجاد (عليه السلام) س 11. (2) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 213 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام)، وإن الارض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة ح 2 ص 13. (3) قرئ (تساءلون) بالتشديد، و (تساءلون) بالتخفيف. فمن قرا (تساءلون) بالتشديدأ. غم التاء في (*)

[ 346 ]

والارحام: بالنصب عطفا على ” الله ” أي اتقوا الله والارحام، فصلوها ولا تقطعوها. في مجمع البيان: ” والارحام ” معناه: واتقوا الارحام أن تقطعوها، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (1). وقيل: أو على محل الجار والمجرور، كقولك: مررت بزيد أو عمرو، أي تتساءلون بالله وبالارحام، كقولهم: أسألك بالله وبالرحم، أن تفعل كذا. وقرأ حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور، وهو ضعيف، لانه كبعض الكلمة. وقرأ بالرفع، على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي والارحام كذلك، أي مما يتقى، أو يستاءل به. وقد نبه سبحانه إذ قرن الارحام باسمه في الاتقاء، على أن صلتها بمكان منه. إن الله كان عليكم رقيبا: حافظا مطلعا. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود. الرقيب، الحفيظ (2). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي. قال: حدثنا الحسن بن الحكم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: ” واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ” قال: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذوي أرحامه، وذلك أن كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا من كان بسببه ونسبه ” إن الله كان عليكم رقيبا ” يعني حفيظا (3).


السين لقربهما في المخرج. وادغمت التاء في السين ولم تدغم السين في التاء، لان في السين زيادة صوت، لانها لانها من حروف الصفير، وهي الصاد والسين والزاي. وإنما يدغم الانقص صوتا فيما هو الازيد صوتا، ولا يدغم الازيد صوتا فيما هو الانقص صوتا، لانه يؤدي إلى الاحجاف به ويبطل ماله من الفضل على مقاربه. ومن قرأ (تساءلون به) بالتخفيف فإنه حذف إحدى اليائين (البيان في غريب إعراب القرآن لا بن الانباري، غريب إعراب سورة النساء: ص 240). (1) مجمع البيان: ج 3 ص 3 في نقل المعنى لآية 1 من سورة النساء س 4. (2) تفسير علي نب إبراهيم: ج 1 ص 130 في تفسيره لآية 1 من سورة النساء س 5. (3) تفسير فرات الكوفي ط قم: ص 32 س 9. (*)

[ 347 ]

وفيه: قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري معنعنا، عن جعفر بن محمد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنا الله تعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق منها أحدا غيرنا، فمن صنوا إلينا، فكنا أول من ابتدأ من خلقه، فلما خلقنا فتق بنورنا كل ظلمة، وأحيا بنا كل طينة طيبة، ثم قال الله تعالى: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزان علمي، وسادة أهل الارض، هؤلاء هداة المهتدين، والمهتدى بهم، من جاءني بولايتهم أو جبت لهم جنتي، وأبحتهم كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم أو جبت لهم ناري، وبعثت عليهم عذابي، قال (عليه السلام): نحن أصل الايمان بالله وملائكته وتمامه، ومنا الرقيب على خلق الله، وبه سداد أعمال الصالحين، ونحن قسم الله الذي يسأل به، ونحن وصية الله في الاولين، ووصيته في الآخرين، وذلك قوله (جل جلاله): ” اتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا ” (1). وفي تفسير العياشي: عن الاصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن أحدكم ليغضب فما يرضى حت يدخل به النار، فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمة فليدن منه، فإن الرحم إذا مسها الرحم، استقرت وإنها متعلقة بالعرش، منتقضة انتقاض الحديد (2) فتنادي: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وذلك قول الله في كتابه: ” واتقوا الله ” الآية (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” واتقوا الله ” الآية ؟ فقال: هي أرحام الناس، إن الله (عز وجل) أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى


(1) تفسير فرات الكوفي: ص 35 س 1. (2) الانقاض صوت كالنقر، وإنقاض الاصابع تصويتها وفرقتها، وأنقض أصابعه، ضرب بها لتصوت (مجمع البحرين: ج 4 ص 232 لغة نقض). (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 217 ح 8 وتمام الحديث (أيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الارض من فوره، فإنه يذهب رجز الشيطان). (*)

[ 348 ]

أنه جعلها معه (1) (2) (3). وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى الرضا (عليه السلام) قال: إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة، إلى قوله: وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله (عز وجل) (4).


الكافي: ج 2 ص 150، كتاب الايمان والكفر، باب صلة الرحم، ح 1. (2) قوله: (هي أرحام الناس) أي ليس المراد هنا رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في أكثر الآيات (أمر بصلتها) أي في سائر الآيات أو في هذه الآية على قراءة النصب بالعطف على الله، والامر باتقاء الارحام، أمر بصلتها (وعظمها) حيث قرنها بنفسه (ألا ترى أنه جعلها منه) أي قرنها بنفسه. وعلى قراءة الجر، حيث قررهم على ذلك، حيث كانوا يجمعون بينه تعالى وبين الرحم في السؤال، فيقولون: أنشدك الله والرحم. وربما يقرأ منة بضم الميم وتشديد النون، أي جعلها قوة وسببا لحصول المطالب، أو بالكسر والتشديد، أي أنعم بهما على الخلائق، ولا يخفى ما فيهما من التعسف (مرآة العقول: ج 8 ص 359). (3) بقي هنا شئ ينبغي الاشارة إليه، وهو تحقيق معنى الرحم، فنقول: قيل: الرحم والقرابة نسبة واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحد. وهذا يشبه أن يكون دوريا، وقيل: الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه، آبائه وإن علوا وأبنائه وإن سفلوا وما يتصل بالطرفين من الاعمام والعمات، والاخوة والاخوات وأولادهم، وقيل: الرحم التي تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا، فعلى هذا لا يدخل أولاد الاعمام وأولاد الاخوال، وقيل: هي عام في كل رحم من ذوي الارحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات، وإن بعدوا، وهذا أقرب إلى الصواب ويدل عليه ما رواه علي بن إبراهيم ج 2 ص 308 في تفسير قوله تعالى: ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم ” إنها نزلت في بني امية وصدر منه بالنسبة إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤيده روايات اخر. والظاهر أنه لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة وأن لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها الكلام والسلام وترك المهاجرة، ويختلف ذلك باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب، ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها، ومن قصر عما ينبغي، أو قصر عما يقدر عليه، هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل، والاقرب عدم القطع، لصدق الصلة في الجملة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 5). (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 201 باب 26 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 13، وتمام الحديث: (أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى ولم يزك، لم (*)

[ 349 ]

وبإسناده إلى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما اسري بي إلى السماء رأيت رحما متلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها ! فقلت لها: كم بينك وبينها من أب ؟ فقالت: نلتقي في أربعين أبا (1). وفي اصول الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول الله (تبارك وتعالى): ” واتقوا الله ” الآية (2) (3). وبإسناده إلى الرضا (عليه السلام) قال: إن رحم آل محمد، الائمة (عليهم السلام) المعلقة بالعرش، تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، ثم هي جارية في أرحام المؤمنين، ثم تلا هذه الآية (4) (5).


(1) يقبل منه صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله. وأمر باتقاء الله الخ). (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 199، باب 26 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 5. (2) الكافي: ج 2 ص 155 كتاب الايمان والكفر باب صلة الرحم ح 22. (3) قوله: (صلوا أرحامكم ولو بالتسليم) دل على أنه ينبغي المادرة بالسلام على ذوي الارحام، وأن ظن أنهم لا يردون عليه، والقول بأنه لا يسلم عليهم حينئذ، لانه يدخلهم في حرام كما ذهب إليه بعض العامة، ليس بشئ لامكان توبتهم وردهم، فلا يترك تلك الخصلة العظيمة والفضيلة الشريفة لمجرد الظن (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 15). (4) الكافي: ج 2 ص 156 كتاب الايمان والكفر، باب صلة الرحم، ح 26. (5) ” إن الرحم معلقة بالعرش ” قيل: تمثيل للمعقول بالمحسوس، وإثبات لحق الرحم على أبلغ وجه، وتعلقها بالعرش، كناية عن مطالبة حقها بمشهد من الله، ومعنى ما تدعو به: كن له كما كان لي، وافعل به ما فعل بي من الاحسان والاساءة، وقيل: محمول على الظاهر، إذ لا يبعد من قدرة الله تعالى أن يجعلها ناطقة، كما ورد أمثال ذلك في بعض الاعمال، أنه يقول: أنا عملك. وقيل: المشهور من تفاسير الرحم: إنها قرابة الرجل من طرفيه، وهي أمر معنوي، والمعاني لا تتكلم ولا تقوم، فكلام الرحم وقيامها وقطعها ووصلها، استعارة لتعظيم حقها وصلة واصلها وإثم قاطعها، ولذا سمي قطعها عقوقا، وأصل العق، الشق، فكأنه قطع ذلك السبب الذي يصلهم. وقيل: يحتمل أن الذي تعلق بالعرش ملك من الملائكة تكلم بذلك عوضا منها بأمر الله سبحانه، فأقام الله ذلك الملك يناضل (*)

[ 350 ]

[ وءاتوا اليتمى أمولهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أمولهم إلى أمولكم إنه كان حوبا كبيرا (2) ] وءاتوا اليتمى أمولهم: إذا بلغوا، أو آنستم منهم رشدا، كما في الآية الاخرى. ” اليتامى ” جمع يتيم، وهو الذي مات أبوه، من اليتم، وهو الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة، إما لانه لما جرى مجرى الاسماء كفارس وصاحب، جمع على يتائم، ثم قلب فقيل يتامى، أو على أنه جمع على يتمى، كأسرى، لانه من باب الآفات، ثم جمع يتمى على تامى، كأسرى و اسارى، ووروده في الآية إما للبلغ على الاصل، أو على الاتساع لقرب عهدهم بالصغر، حثا على أن يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إن اونس منهم الرشد، والذلك أمر بابتلائهم صغارا،


(1) عنها، ويكتب ثواب واصلها وإثم قاطعها كما وكل الحفظة بكتب الاعمال. قوله: (وهي رحم آل محمد) أي التي تعلق بالعرش، هي رحم آل محمد، فالمراد أن الرحم المعلقة بالعرش رحم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذووا قرباه وأهل بيته، وهم الائمة بعده، فإن الله أمر بصلتهم وجعل مودتهم أجر الرسالة لقرابتهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا بالناس، ولذا يجب على الناس صلتهم. أو المراد به قرابة المؤمنين بالقرابة المعنوية الايمانية فإن حق والذي النسب على الناس لانهما صارا سببين للحياة الظاهرية الدنيوية، وحق ذوي الارحام لاشتراكهما في الانتساب بذلك، والرسول وأمير المؤمنين (عليهما السلام) أبوا هذه الامة لصيرورتهما سببا لوجود كل شئ، وعلة غائية لجميع الموجودات كما ورد في الحديث القدسي: لولاك لما خلقت الافلاك. وأيضا صارا سببين للحياة المعنوية الابدية بالعلم والايمان لجميع المؤمنين، ولا نسبة لهذه الحياة بالحياة الفانية الدنيوية، وبهذا السبب صار المؤمنون إخوة، فبهذه الجهة صارت قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) قرابتهم وذوي أرحامهم. وأيضا قال الله تعالى: ” النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم ” وفي قراءة أهل البيت (عليهم السلام) (وهو أب لهم) فصار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة أبوي هذه الامة، وذريتهما الطيبة ذوي أرحامهم، فبهذه الجهات صاروا بالصلة أولى وأحق مع جميع القرابات (مرآة العقول: ج 8 ص 366). (*)

[ 351 ]

أو لغير البلغ، والحكم مقيد، وكأنه قال: وآتوهم إذا بلغوا، ويؤيد الاول ما نقل أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال منه، فمنعه، فنزلت، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله ورسوله، نعوذ بالله من الخوب الكبير (1). ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب: قيل: لا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم. أو الامر الخبيث، وهو اختزال أموالهم بالامر الطيب الذي هو حفظها، وقيل: ولا تأخذوا الرفيع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها. والبيضاوي ضعفه بأن هذا تبديل وليس بتبدل (2). ولا تأكلوا أمولهم إلى أمولكم: ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم، مسوين بينهما، وهذا حلال والآخر حرام، يعني فيما زاد على أجره، لقوله تعالى: ” فليأكل بالمعروف ” (3) إنه كان حوبا كبيرا: ذنبا عظيما. وقرئ حوبا، وهو مصدر حاب يحوب حوبا. وقرئ حابا، كقال، بناء على أنه حوب بفتح الواو (4). وفي تفسير العياشي: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن (عليه السلام): ” انه كان حوبا كبيرا ” قال: هو مما يخرج الارض من أثقالها (5).


(1) من قوله (اليتامى) إلى هنا مقتبس من أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 2: 2 في تفسيره لآية 2 من سورة النساء. (2) من قوله: قيل لا تستبدلوا إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 202 فلا حظ. (3) النساء: 6. (4) وقرأ الحسن (حوبا) بفتح الحاء، وهو مصدر حاب حوبا، وقرئ: حابا. ونظير الحوب والحاب: القول والقال والطرد والطرد (الكشاف: ج 1 ص 466). (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 217 ح 11. (*)

[ 352 ]

[ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث وربع فإن خفتم ألا تعدلوا فوحدة أو ما ملكت أيمنكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) ] وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النساء: قيل: يعني إن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن، فتزوجوا ما طاب لكم من غير هن، إذا كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال، فيتزوجها ضنا بها، فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن، أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى فتحرجتم منها، فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء، فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقه، لان المتحرج من الذنب ينبغي أن يتحرج من الذنوب كلها، على ما نقل أنه لما عظم أمر اليتامى تحرجوا من ولايتهم، وما كانوا يتحرجون من تكثير النساء وإضا عتهن، فنزلت. وقيل: كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ولا ولا بتحرجون من الزنا، فقيل لهم: إن خفتم أن لا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم (1). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام) لبعض الزنادقة: وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى: ” وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ” وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء يتامى. فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن. وبين القول في اليتامى وبين نكاح


(1) من قوله: قيل: يعني إن خفتم إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 202 السطر الاخير ونقل الوجوه المذكورة سائر أرباب التفاسير أيضا ونقلها شيخ الطائفة الحقة في تفسيره التبيان ج 3 ص 103 مسندا بعض الوجوه إلى أصحابنا الامامية، فلا حظ. (*)

[ 353 ]

النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن. وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لاهل النظر والتأمل. ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للاسلام مساغا إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كل ما اسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى، لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الاولياء ومثالب الاعداء (1) (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله ” وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ” قال: نزلت مع قوله: ” ويستفتونك


(1) الاحتجاج: ج 1 ص 254 احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه وعلى أمثاله في أشياء اخرى، س 1. (2) لا يخفى أن شأن المحدث والمفسر إيراد الاحاديث ونقلها مع قطع النظر عن صحتها وسقمها وضعفها وقوتها فنرى أنهم ينقلون الاحاديث الضعاف والاخبار المتعارضة، بل ربما يوردون الاخبار التي محتاج إلى التأويل ولا يقبلها بظاهرها العقول السليمة والافكار الدقيقة. بل نقد الاحاديث وتضعيفها وقبولها أوردها من شؤون علماء الرجال وخراريت فنون الاحاديث وحذاق بحار الاخبار، فهم يتغوصون في يم المرويات عن المعصومين وبتوغلون في أسرار آل محمد (صلوات الله عليهم) ويفرقون بين اللآلئ والاخزاف والجواهر العزيزة والاحجار الكريمة. فاسمع إلى ما نتلوه عليك من كلام خريت فن الحديث شيخ الطائفة الامامية (قدس الله نفسه الزكية) في مقدمته على تفسيره التبيان في هذا المقام. قال في ج 1 ص 4 ما لفظه: وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شئ منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والاولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لانه يمكن تأويلها، ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين، فإن ذلك معلوم صحته، لا يعترضه أحد من الامة ولا يدفعه إلى آخره. وراجع أيضا ما أثبتناه في ذيل آية 178 من سورة آل عمران. ولو رمنا ما كتبه علماؤنا الاعلام في عدم تحريف القرآن وصونه عن الزيادة والنقصان، لطال بنا البحث وفيه خروج عن الغرض. (*)

[ 354 ]

في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللائي لا تأتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ” فنصف الآية في أول السورة ونصفها على رأس المائة وعشرين آية وذلك أنهم كانوا لا يستحلون أن يتزوجوا يتيمة قد ربوها فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك فانزل الله (عز وجل): ” يستفتونك في النساء ” إلى قوله: ” مثنى وثلاث ورباع ” (1). وإنما عبر عنهن ب‍ (ما) ذهابا إلى الصفة، أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء، لنقصان عقلهن. وقرئ ” تقسطوا ” بفتح التاء، على أن (لا) مزيدة، أي إن خفتم أن تجوروا. مثنى وثلث وربع: أي اثنين، وثلاث ثلاث وأربع أربع، منصوبة على الحال من فاعل طاب، أو مما طاب بالفتحة، لانها غير منصرفة، للعدل والصفة، فإنها بنيت على الصفات، وإن لم تبن اصولها لها. وقيل: لتكرير العدل، فإنها معدولة باعتبار الصيغة وباعتبار التكرير، لانها اخرجت عن الاوزان الاصلية، وعن التكرير إلى الواحدة، ومعناه التخيير في العدد لكل أحد إلى أربع. وإنما أتى بهذه الصيغ، وبالواو، دون كلمة أو، إذ لو افردت وقيل: اثنتين وثلاثا وأربعا كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الاعداد، دون التوزيع. ولو ذكرت ي‍ (أو) لذهب تجويز الاختلاف في العدد. وإنما لم يذكر الآحاد، لان المراد نفي الحرج في الزائد. وفي تفسير العياشي: عن يونس بن عبد الرحمن، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في كل شئ إسراف إلا في النساء، قال الله تعالى: ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (2) وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس الغيرة إلا


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 130. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 218 ح 13. (*)

[ 355 ]

للرجال، فأما النساء فإنما ذلك منهن حسد، والغيرة للرجال، ولذلك حرم على النساء إلا زوجها وأحل للرجال أربعا، فإن الله أكرم من أن يبتليهن بالغيرة ويحل للرجل معها ثلاثا (1). والعياشي عنه (عليه السلام): لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر (2). وفي كتاب عيون الاخبار في باب ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد ابن سنان في جواب مسائله في العلل: (وعلة التزويج للرجل أربعة نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد، لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو، إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد الانساب والمواريث والمعارف) (3). فإن خفتم ألا تعدلوا: بين هذه الاعداد أيضا. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): فإن خفتم أن لا تعدلوا، يعني في النفقة (4). فواحدة: اي فاختاروا، أو فانكحوا واحدة وذروا الجمع. وقرئ بالرفع على أنه فاعل فعل محذوف، أي فتكفيكم واحدة، أو فالكافي واحدة. أو ما ملكت أيمنكم: وإن تعددن، لخفة مؤنهن، وعدم وجوب القسم ببنهن، وفي حكمهن المتعة. ففي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في غير واحدة من الروايات: إنها ليست من الاربع، ولا من السبعين، وإنهن بمنزلة الاماء، لانها مستأجرات،


(1) الكافي: ج 5 ص 504 كتاب النكاح، باب غيرة النساء ح 1. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 218 ح 14. (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 95 باب 33 في ذكر ما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1. (4) الكافي: ج 5 ص 363 كتاب النكاح، باب فيما أحله الله (عز وجل) من النساء، قطعة من ح 1. (*)

[ 356 ]

[ وءاتوا النساء صدقتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريا (4) ] لا تطلق ولا ترث ولا تورث، وإن العبد ليس له أن يتزوج إلا حرتين، أو أربع إماء، وله أن يتسرى بإذن مولاه ما شاء (1). ذلك: أي التقليل منهن، أو اختيار الواحدة، أو التسري. أدنى ألا تعولوا: أقرب من أن لا تميلوا، يقال: عال الميزان، إذا مال. وعال الحاكم، إذا جار. وعول الفريضة، الميل عن حدالسهام المسماة. وقيل: بأن لا يكثر عيالكم، من عال الرجل عياله، إذا مانهم، فعبر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية، ويؤيدة قراءة: أن لا تعيلوا، من أعال الرجل، إذا كثر عياله. ولعل المراد بالعيال، الازواج، وإن اريد الاولاد، فلان التسري مظنة قلة الولد بالاضافة إلى التزوج، لجواز العزل فيه، كتزوج الواحدة بالاضافة إلى تزوج الاربعة. وءاتوا النساء صدقتهن: مهور هن. وقرئ بفتح الصاد وسكون الدال على التخفيف. وبضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة كغرفة، وبضمهما على التوحيد، وهو تثقيل صدقة، كظلمة في ظلمة. نحلة: قيل: عطية، من نحله كذا نحلة إذا أعطاه إياها عن طيب نفس بلا توقع عوض. ونصبها على المصدر، لانها في معنى الايتاء، أو الحال من الواو، أو الصدقات. أي آتوهن صدقاتهن ناحلين أو منحولة. وبعضهم فسرها بالفريضة،


(1) الكافي: ج 5 ص 451 كتاب النكاح باب أنهن بمنزلة الاماء وليست من الاربع، فلا حظ، وص 476 باب ما يحل للمملوك من النساء، فراجع. (*)

[ 357 ]

وهو نظر إلى مفهوم الآية، لا إلى موضع اللفظ. وقيل: تفضلا من الله عليهن، فيكون حالا من الصدقات. وقيل: ديانة، من قولهم: انتحل فلان كذا، إذا دان به، على أنه مفعول له، أو حال من الصدقات، أي دينا من الله شرعه. قيل: الخطاب للازواج (1). وفي مجمع البيان: اختلف فيمن خوطب بقوله: ” وآتوا النساء ” قيل: هم الاولياء، لان الرجل منهم إذا زوج أيمة أخذ صداقها، دونها، فنهاهم الله عن ذلك، وهو المروي عن الباقر (عليه السلام)، رواه أبو الجارود (2). فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا: الضمير للصداق، حملا على المعنى، أو للايتاء، و ” نفسنا ” تمييز لبيان الجنس، ولذلك وحدوا المعنى، فإن وهبن لكم شيئا من الصداق عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النفس، للمبالغة، وعداه ب‍ ” عن ” لتضمين معنى التجافي والتجاوز، وقال ” منه ” بعثا لهن على تقليل الموهوب. فكلوه هنيئا مريا: فخذوه وانفقوه حلالا بلا تبعة. والهنئ والمرئ صفتان، من هنؤ الطعام ومرئ، إذا ساغ من غير غص، اقيمتا مقام مصدريهما، أو وصف بهما المصدر، أو جعلتا حالا من الضمير. وقد يفرق بينهما، بأن الهنئ ما يلذه الانسان، والمرئ ما يحمد عاقبة (3). وعلى ما روى سابقا من مجمع البيان، الخطاب للاولياء. وقيل: إن اناسا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها، فنزلت (4).


(1) من قوله: وقيل (بان لا يكثر عيالكم) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 203 فلا حظ. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 7 س 2 في تفسيره لآية 4 من سورة النساء. (3) مفتبس أيضا من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 204. (4) رواه في الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 432 في تفسيره لقوله تعالى: ” واتوا النساء صدقاتهن نحلة “. (*)

[ 358 ]

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، امرأة دفعت إلى زوجها مالا من مالها ليعمل به، وقالت له حين دفعته إليه: أنفق منه، فإن حدث بك حدث فما أنفقت منه، فهو لك حلال طيب، فإن حدث بي حدث فما أنفقت منه، فهو حلال طيب، فقال: أعد علي يا سعيد المسألة، فلما ذهبت أعيد عليه المسألة، اعترض فيها صاحبها، وكان معي حاضرا، فأعاد عليه مثل ذلك، فلما فرغ اشار باصبعه إلى صاحب المسألة، فقال يا هذا: إن كنت تعلم أنها قد أفضت بذلك إليك فيما بينك وبينها وبين الله، فحلال طيب، ثلاث مرات، ثم قال: يقول الله (عز وجل) في كتابه: ” فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ” (1). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يرجع الرجل فيما يهب لا مرأته، ولا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أولم يحز (2). أليس الله (تبارك وتعالى) يقول: ” ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ” (3) وقال: ” فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ” وهذا يدخل في الصداق والهبة (4). وفي تفسير العياشي: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: ” فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ” قال: يعني بذلك أموالهن التي في أيديهن مما ملكن (5). وفي مجمع البيان وفي كتاب العياشي: مرفوعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام):


(1) الكافي: ج 5 ص 136 كتاب المعيشة، باب الرجل يأخذ من مال امرأته والمرأة تأخذ من مال زوجها ح 1. (2) حازه يجوزه إذا قبضه وملكه واستبد به، أي تفرد به (النهاية: ج 1 ص 459 لغة حوز). (3) البقرة: 229 والآية الشريفة هكذا: ” ولا يحل لكم أن تأخذوا “. (4) الكافي: ج 7 ص 30 كتاب الوصايا، باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل والهبة والسكنى والعمرى. قطعة من ح 3. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 219 ح 16. (*)

[ 359 ]

[ ولا تؤتوا السفهآء أمولكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (5) ] أنه جاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني يوجع بطني (1) فقال: ألك زوجة ؟ قال: نعم، قال: استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها، ثم اشتربه عسلا، ثم اسكب عليه من ماء السماء، ثم اشربه، فإني سمعت الله سبحانه يقول في كتابه: ” ونزلنا من السماء ماء مباركا ” (2) وقال ” يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ” (3) وقال ” فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ” وإذا اجتمعت البركة والشفاء والهني، والمرئ شفيت إن شاء الله تعالى، فقال ففعل ذلك فشفي (4). ولا تؤتوا السفهاء أمولكم: قيل: نهي للاولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم، فيضيعوها. وإنما أضاف المال إلى الاولياء، لانها في تصرفهم وتحت ولايتهم، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة. وقيل: نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله من المال فيعطي امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء، استخفافا بعقلهم، واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم، وهو أوفق لما بعده من قوله: ” التي جعل الله لكم قياما ” (5).


(1) في النسخة – أ -: (إني اجد يوجع في بطني) وما في المتن من المصدر. (2) ق: 9. (3) النحل: 69. (4) مجمع البيان: ج 3 ص 7 في تفسيره لآية 4 من سورة النساء. وفي تفسير العياشي: ج 1 ص 219 ح 18 وألفاظهما مختلفة باختلاف يسير فلا حظ. (5) من قوله: قيل: نهي للاولياء، إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 204، لا حظ تفسيره لآية 5 من سورة النساء. (*)

[ 360 ]

وفي مجمع البيان: اختلف في المعنى بالسفهاء على أقوال: أحدها أنهم النساء والصبيان، ورواه أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وثالثها أنه عام في كل سفيه، من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير، وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن السفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه. وقيل: عنى بقوله: ” أموالكم ” (أموالهم). وقد روى أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذا، فقيل: كيف يكون أموالهم أموالنا ؟ فقال: إذا كنت أنت الوارث له، انتهى (1). فعلى هذا يمكن الحمل على عموم النهي عن إيتاء المال إلى السفهاء، وإرادة العموم من إضافة الاموال، بإرادة ما يشمل أموالهم أو مالهم الولاية فيه. وفي الاخبار ما يدل عليه (2). وفي تفسير العياشي: عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله الله: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم “، قال: من لا تثق به (3). عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ” قال: من لا يثق به (4). عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ” قال: كل من يشرب المسكر فهو سفيه (5). عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” ولا تؤتوا السفهاء اموالكم ” قال: هم اليتامى ولا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد قلت: فكيف يكون أموالهم أموالنا ؟ فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم (6).


(1) مجمع البيان: ج 2 ص 7 تلخيص مما ذكره (قدس سره) في معنى الآية. (2) قد أشار إلى الاخبار في التبيان: ج 2 ص 112 في تفسيره لاية 5 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 20. (4) لم نعثر عليه في العياشي، والظاهر أنه اشتباه من الناسخ، انظر الرواية التي قبلها والتي بعدها. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 22. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 23. (*)

[ 361 ]

وفي قرب الاسناد للحميري: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن زياد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لابيه: يا أبه إن فلانا يريد اليمن، أفلا ازوده بضاعة يشتري بها عصب اليمن ؟ (1) فقال له: بابني، لا تفعل، قال: فلم ؟ قال: فإنها إذا ذهبت لم تؤجر عليها ولم يخلف عليك، لان الله تعالى يقول: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ” فأي سفيه بعد النساء أسفه من شارب الخمر (2). وفي من لا يحضره الفقيه: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ” ؟ قال: لا تؤتوها شراب الخمر ولا النساء، ثم قال: وأي سفيه أسفه من شارب الخمر (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال، فقيل له: يابن رسول الله أين هذا من كتاب الله ؟ قال: إن الله (عز وجل) يقول: ” لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ” (4)، وقال: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما “، وقال: ” لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم ” (5) (6).


(1) العصب: برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب وبرود عصب بالتنوين والاضافة، وقيل: هي برود مخططة، والعصب: الفتل، والعصاب الغزال (النهاية: ج 3 ص 245). (2) قرب الاسناد: ص 131 س 5. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 168 باب 120 كراهية الوصية إلى المرأة ح 2. (4) النساء: 114. (5) المائدة: 101. (6) (إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله) أي فسألوني عن موضعه ومأخذه من كتاب الله. وفيه تنبيه على أن كل شئ كان أو يكون أو كائن فهو في القرآن، لانه برهان كل علم، ودليل (*)

[ 362 ]

كل شئ، ونور كل حق، وصراط كل غائب، وشاهد كل حكم، وضياء كل صدق، فكل فعل لا يطابقه فهو باطل، وكل قول لا يوافقه فهو كاذب، وكل من تمسك برأيه فهو خاسر (ثم قال في بعض حديثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال) وهما إما فعلان ماضيان خاليان عن الضمير، جاريان مجرى الاسماء مستحقان للاعراب وإدخال حرف التعريف عليهما، أو مصدران، يقال: قلت قولا وقيلا وقالا وقالة. والمقصود أنه نهى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فضول ما يتحدث به المتحدثون وزوائد ما يتكلم به المتجالسون، مثل الخوض في أخبار الناس وحكاية أقوالهم وأفعالهم، ونقل أحداث الزمان ووقائعها، مما لا يجدي نفعا، ولا يورث حكمة، فإن ذلك يوجب فساد القلب ورينه وميله إلى أمثال تلك المزخرفات واشتغاله عن تعلم ما لابد منه من العلوم الدينية والمعارف اليقينية. وقيل: القال، الابتداء، والقيل الجواب. وقيل: نهى عن كثرة الكلام مبتدئا ومجيبا. وقيل: نهى عن الاقوال التي توقع الخصومة بين الناس بما يحكى لبعض عن بعض. وقيل: نهى عن المناظرة في العلم والمجادلة في البحث، فإن المناظرة لقصد الغلبة في العلم والمفاخرة بالفضل تورث النفاق والعداوة والاخلاق المهلكة والذنوب المردية والآفات الكثيرة. والاحسن التعميم وإرادة جميع هذه الامور، فإن كلها مذموم عقلا ونقلا. (وفساد المال) أي نهى عن فعل ما يوجب فساده، مثل صرفه في غير الجهات المشروعة، وترك ضبطه وحفظه، وإعطاء الدين دون إشهاد أو وثيقة بغير الموثوق به، وإيداعه عند الخائن وأمثال ذلك. وأما تحسين الطعام والثياب وتكثيرها وتوسيع الدار فليس من إفساد المال للموسع عليه. وإفساد المال مذموم قطعا، لان المال الحلال مكسبه ضيق جدا وفساده يوجب هلاك النفس وتضييع العيال، أوالتعرض لما في أيدي الناس، ولان الله تعالى إنما أعطاه ليصرف في وجوه البر وأبواب الخير، فمن أفسده كان كم ضاد الحق وعاداه، وبالجملة في حفظه مصلحة للدين والدنيا. (وكثرة السوال) عن امور لا يحتاجون إليها، سواء كانت من الامور الدنيوية أو الدينية كما مر أن مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شئ. وفيه حث على ترك الالحاح في السؤال، وأن رجلا سأل علي بن الحسين (عليه السلام) عن مسائل فأجاب، ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقال (عليه السلام): مكتوب في الانجيل، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، ولما تعملوا بما علمتم، وقد نقل أن بعض أهل العلم سئل عن شئ فأجابه، فقيل له فإن كان كذا فأجابه، ثم قيل له فإن كان كذا، فقال: هذه سلسلة متصلة باخرى. إنما قال ذلك، لكراهة الاستكثار في الاستفهام، وذلك مذموم خصوصا من الجاهل الذى لا يقدر على إدراك حقائق الاشياء كما هي، ومعرفة اصول العقائد كما (*)


[ 363 ]

التي جعل الله لكم قيما: تقومون بها وتتعيشون، أي جنسه كذلك. سمي ما به القيام قياما للمبالغة. وقرأ نافع وابن عامر ” قيما ” بمعناه، كعوذ بمعنى عياذ. وقرأ ” قواما ” وهو ما يقام به. وارزقوهم فيها واكسوهم: واجعلوا الاموال مكانا لرزقهم وكسوتهم. بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون. وقولوا لهم قولا معروفا: عدة حسنة تطيب بها نفوسهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال: فالسفهاء النساء والولد، إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة


ينبغي، وفهم غوامض المسائل من أحوال المبدأ والمعاد والجبر والقدر والتفويض وأمثال ذلك فإن وغوله في ذلك يوجب حيرته وضلالته وكفره. (فقيل له: يابن رسول الله أين هذا من كتاب الله) سئل سائل عن مدارك هذه الامور الثلاثة ومواضعها من كتاب الله تعلما وتفهما، (قال: إن الله تعالى يقول: ” لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ” هذا مأخذ للاول، والنجو السربين الاثنين، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل، وقد فسر هنا بالقمض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وغير ذلك (وقال: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ” نهى الاولياء عن أن يؤتوا السفهاء الذين لا رشد لهم أموالهم، فينفقونها فيما لا ينبغي (وقال: ” لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم “) والمعنى: لا تسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تكاليف شاقة عليكم إن حكم بها عليكم وكلفكم بها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها (ثم نقل قصة سراقة بن مالك في الحج، وقصة بني إسرائيل في البقرة، وقصة موسى والخضر، وما قاله ابن عباس حين الخطبة) إلى أن قال: وقال بعض أصحابنا: يندرج في هذا النهي تكلم أكثر المتكلمين الذين يخضون في البحث عن صفات الله وأفعاله وآياته وكلماته بمجردا اعتقاده ورأيه، أو باتباعه من اشتهر في هذه الصنعة، فإن من أراد أن يعرف خواص أسرار المبدأ والمعاد بهذه الصنعة المسماة بعلم الكلام فهو في خطر عظيم، إذ طريق معرفة الله والسبيل إلى عجائب ملكوته وأسرار كتبه ورسله شئ آخر، ومن تمسك بغيره فهو في حجاب كثيف وخطر شديد (تلخيص من شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 2 ص 342 إلى 348). الكافي: ج 1 ص 60 كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة،.. ح 5. (*)

[ 364 ]

[ وابتلوا اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا (6) ] وولده سفيه مفسد، لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له قياما، يقول: معاشا، قال: ” وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ” والمعروف العدة (1). وابتلوا اليتمى: اختبروهم قبل البلوغ، بتتبع أحوالهم في صلاح الدين، والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف. حتى إذا بلغوا النكاح: حدا يتأتى منهم النكاح، وهو كناية عن البلوغ، لانه يصلح للنكاح عنده، وهو أن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة سنة في الرجال، والحيض واستكمال تسع سنين في النساء. فإن ءانستم منهم رشدا: فإن أبصرتم منهم رشدا. وقرئ (احستم) بمعنى أحسستم. وفي من لا يحضره الفقيه: عن الصادق (عليه السلام): أيناس الرشد حفظ المال (2). وفي مجمع البيان عن الباقر (عليه السلام): الرشد العقل وإصلاح المال (3).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 131 في تفسيره لقوله تعالى: ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم “. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 164 باب 113 انقطاع يتم اليتيم ح 7. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 9 في نقل المعنى لقوله تعالى: ” فإن آنستم منهم رشدا ” قال بعد نقل الاختلاف في معنى الرشد: والاقوى أن يحمل على أن المراد به العقل وإصلاح المال على ما قاله ابن عباس والحسن، وهو المروي عن الباقر (عليه السلام). (*)

[ 365 ]

فادفعوا إليهم أمولهم: من غير تأخير عن حد البلوغ. ونظم الآية: أن الشرطية جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والجملة غاية الابتلاء، فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم. وفيه دلالة على أنه لا يدفع إليهم أموالهم ما لم يؤنس منهم الرشد. وفي تفسر علي بن إبراهيم: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية: قال: من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم، فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا، فإذا انس منه الرشد دفع إليه المال واشهد عليه، وإن كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا، ولا يجوز له أن يحبس عنه ماله ويعتل عليه أنه لم يكبر بعد (1). وفي من لا يحضره الفقيه: وفي رواية أحمد بن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن المغيرة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في تفسير هذه الآية: إذا رأيتموهم يحبون آل محمد فارفعوهم درجة (2). ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا: قيل: أي مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لا سرافكم ومبادرتكم كبرهم (3). والاولى مسرفين في المال ومبادرين في الاسراف خوف أن يكبروا ويأخذوا المال. ومن كان غنيا فليستعفف: من أكلها. ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف: بقدر حاجته واجرة سعيه.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 131 س 12 في تفسيره لقوله تعالى: ” وابتلوا اليتامى “. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 165 باب 113 انقطاع يتم اليتيم ح 108 (3) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 204 عند تفسيره لقوله تعالى: ” ولا تأكلوها إسرافا وبدارا “. (*)

[ 366 ]

وفي تفسير العياشي: عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ” فليأكل بالمعروف ” قال: كان أبي يقول إنها منسوخة (1). واعلم أن من يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه وهو يصلح أموالهم بما نحتاج إليه، فله اجرة علمه مساوية لاجرة مثله، سواء كان قدر كفايته أم لا، وإن لم يكن قدر كفايته فحينئذ جاز له أن يأخذ قدر الكفاية من مال اليتيم على جهة القرض ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد. يدل عليه ما رواه في الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ” قال: من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه، وهو يتقاضى أموالهم (2) ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأن (3) من أموالهم شيئا (4). قوله: ” بقدر ” أي بقدر عمله ” ولا يسرف ” أي لا يزيد على اجرة عمله. وما رواه عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سألني عيسى بن موسى عن القيم للايتام في الابل وما يحل له منها ؟ فقلت: إذا لاط حوضها (5) وطلب ضالتها،


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 222 ح 33. (2) التقاضي بالدين مطالبته، والمراد: أن القيم يطالب بديونهم التي في ذمة الناس من أموالهم (كذا في الهامش). (3) في الحديث: إني لا أرزأ من فيئكم در هما، أي لا أنقص شيئا ولا درهما (مجمع البحرين: ج 1 ص 183 لغة رزأ). (4) الكافي: ج 5 ص 129 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه ح 1. (5) لاط حوضها: طينها، وهنأ جربانها، أي طلاها بالهناء، وهو القطران، والجرب داء معروف، والنهك النقص منه (كذا في الهامش). (*)

[ 367 ]

وهنأ جرباها (1) فله أن يصيب من لبنها، في غير نهك لضرع (2) ولا فساد لنسل (3). احمد بن محمد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ” فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا (4). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. ووفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض، ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد (5). والمراد ما زاد على اجرة عمله. وما رواه العياشي في تفسيرة: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: ” ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف “، قال: ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف لنفسه، فليأكل بالمعروف من مالهم (6). وما رواه عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية: هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ما شية ويشغل فيها نفسه، فليأكل بالمعروف، وليس له ذلك في الدنانير والدراهم التي عنده موضوعة (7).


(1 و 2) قال في النهاية ج 5 ص 277: في حديث ابن عباس (إن كنت تلوط حوضها) أي تطينه وتصلحه، وأصله من اللصوق وقال: هنأت البعير أهنأه، إذا طليته بالنهاء، وهو القطران، ومنه حديث ابن عباس في مال اليتيم: إن كنت تهنأ جربانها، أي تعالج جرب ابله بالقطران، وقال فيه: غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب، أي غير مبالغ فيه، يقال: نهكت الناقة نهكا حلبها، إذا لم يبق في ضرعها لبنا (مرآة العقول في شرح الحديث). (3) الكافي: ج 5 ص 130 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 4. (4) الكافي: ج 5 ص 130 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 5. (5) مجمع البيان: ج 2 ص 9 في نقل المعنى لآية 6 من سورة النساء، وتمامه (عن سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية والزهري وعبيدة السلماني وهو مروي عن الباقر (عليه السلام). (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 222 ح 32 وفيه: (فلا يحترث) بدل (فلا يحترف). (7) تفسير العياشي: ج 1 ص 222 ح 31. (*)

[ 368 ]

[ للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7) ] وأما ما رواه في الكافي: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الفضل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان ذلك المال قليلا فلا يأكل منه شيئا (1). فالمراد بالمعروف، اجرة مثل عمله، وذلك إذا كان في عمله إصلاح لا موالهم. والمراد بكون أموالهم قليلا، كونها قدرا لا يزيد بالاصلاح ولا أثر لعمله فيها. فإذا دفعتم إليهم أمولهم فأشهدوا عليهم، بأنهم قبضوا، فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة، ووجوب الضمان. وكفى بالله حسيبا: محاسبا، فلا تخالفوا ما امرتم به، ولا تجاوزوا ما حد لكم. للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والاقربون: يريد به المتوارثين بالقرابة. مما قل منه أو كثر: بدل ” مما ترك ” بإعادة العامل. نصيبا مفروضا: أي واجبا. نصب على أنه مصدر مفيد للنوع لمحذوف (2)، أي نصب نصيبا مفروضا، أو حال من الضمير في الظرف. أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مقطوعا واجبا. وفيه دلالة على أن بإعراض الوارث لا يسقط من حقه شئ.


(1) الكافي: ج 5 ص 130 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، قطعة من ح 5. (2) رد على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكدا – منه (كذا في الهامش). (*)

[ 369 ]

[ وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتمى والمسكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (8) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعفا خافوا عليهم فليتقوا الله واليقولوا قولا سديدا (9) ] نقل أن أوس بن الصامت الانصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة، أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والاطفال، ويقولون: إنما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة، فجاءت ام كحة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد الفضيخ، فشكت إليه، فقال لها: ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله، فنزلت، فبعث إليها: لا تفرقا من مال أوس شيئا، فإن الله قد جعل لهن نصيبا (1). وإذا حضر القسمة أو لوا القربى: ممن لا يرث. واليتمى والمسكين فارزقوهم منه: فاعطوهم شيئا من المقسوم، تطييبا لقلوبهم وتصدقا عليهم. والضمير في ” منه ” لما ترك، أو مادل عليه القسمة. وقولوا لهم قولا معروفا: وهو أن تدعوا لهم، وتستقلوا ما تعطونهم، ولا تمنوا عليهم. في مجمع البيان: أن المروي عن الباقر (عليه السلام): أنها محكمة غير منسوخة (2).


(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 205 عند تفسيره لآية 7 من سورة النساء. وتمامة: (ولم يبين حتى تبين، فنزل ” يوصيكم الله ” فأعطى ام كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابني العم). (2) مجمع البيان: ج 3 ص 11 عند تفسيره لآية 8 من سورة النساء. (*)

[ 370 ]

وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: نسختها آية الفرائض (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: هي منسوخة بقوله: ” يوصيكم الله ” (2). والجمع بين الاخبار: بأنها منسوخة بحسب دلالته على الوجوب، وغيره منسوخة بحسب دلالته على الاستحباب فإن الوجوب: الامر بالفعل مع المنع من النقيض، فنسخ باعتبار جزئه الاخير. وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم: ” لو ” بما في حيزه صلة الموصول، وفي تعليق الامر إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه، وبعث على الترحم، وأن يحب لاولاد غيره ما يحب لاولاده. قيل: أمر للاوصياء بأن يخشوا الله ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم، أو للحاضرين المريض عند الايضاء، بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضربهم بصرف المال عنهم. أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الاقارب واليتامى والمساكين، متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم، هل يجوزون حرمانهم ؟ ! أو للمؤمنين بأن ينظروا للورثة، فلا يسرفوا في الوصية (3). فليتقوا الله: في أمر اليتامى. واليقولوا: لهم، أو للمريض، أو لحاضري القسمة، أو في الوصية. قولا سديدا: مثل ما يقولون لاولادهم بالشفقة وحسن الادب، أو ما يصده عن الاسراف في الوصية وتضييع الورثة، ويذكروه التوبة وكلمة الشهادة، أو عذرا جميلا ووعدا حسنا، أو في الوصية ما لا يؤدي إلى تضييع الورثة.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 223 ح 36. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 132 عند تفسيره لآية 8 من سورة النساء. (3) من قوله (لو بما في حيزه) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 205، لا حظ تفسيره لآية 9 من سورة النساء. (*)

[ 371 ]

وفي عيون الاخبار في باب ماكتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وحرم أكل مال اليتيم لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك أنه إذا أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا عليم بشأنه ولاله من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فإذا أكل ماله فكأنه قد قتله وصيره إلى الفقر والفاقة مع ما خوف الله تعالى، وجعل من العقوبة في قوله تعالى: ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله “. ولقول أبي جعفر (عليه السلام): إن الله تعالى وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استغناء اليتيم واستقلاله بنفسه والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله تعالى فيه من العقوبة مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا (1). وفي كتاب ثواب الاعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة بن مهران قال: سمعته يقول: إن الله (عز وجل) وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين: أما أحد هما فعقوبة الآخرة بالنار وأما عقوبة الدنيا فهو قوله (عز وجل): ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” يعني بذلك ليخش إن أخلفه في ذريته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى (2). حدثني محمد بن الحسن قال: حدثني محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حكيم، عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخلنا عليه فابتدأ فقال: من أكل مال اليتيم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه فإن الله


() عيون اخبار الرضا: ج 2 ص 90 ب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان. (2) ثواب الاعمال: ص 278، عقاب أكل مال اليتيم، ح 2. (*)

[ 372 ]

[ إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10) ] (عز وجل) يقول في كتابه: ” وليخش الذين لو تركوا ” الآية (1). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن أبي نجران، عن حماد بن حكيم، عن عبد الاعلى مولى آل سام، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) مبتدئا: من ظلم يتيما سلط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه قال: قلت: هو يظلم فيسلط الله عليه عقبه وعلى عقب عقبه ؟ فقال: فإن الله (عز وجل) يقول: ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” (2). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يكون في يده مال لايتام فيحتاج إليه فيمد يده فيأخذه وينوي أن برده ؟ فقال: لا ينبغي له أن يأكل إلا بقصد فإن كان من نيته أن لا يرده عليهم فهو بالمنزل الذي قال الله (عز وجل): ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ” (3). محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم الازدي، عن علي ابن المغيرة قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): إن لي ابنة أخ يتيمة فربما اهدي لها الشئ فآكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشئ من مالي فأقول: يا رب هذا بذا، فقال: لا بأس (4). إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما: ظالمين أو على وجه الظلم، أو بالظلم.


(1) ثواب الاعمال: ص 278، عقاب أكل مال اليتيم، ح 3. (2) الكافي: ج 2 ص 332 ح 13. (3 و 4) الكافي: ج 5 ص 128 و 129 باب أكل مال اليتيم ح 3 و 6. وفيه (إلا القصد لا يسرف). (*)

[ 373 ]

إنما يأكلون في بطونهم: مل ء بطونهم. نارا: قيل: ما يجر إلى النار ويؤول إليها. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم النار وتخرج من أدبارهم فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (1). وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن بعض اصحابنا، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): إن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى تخرج لهيب النار من فيه، يعرفه أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم (2) (3). وفي مجمع البيان: سئل الرضا كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية ؟ فقال: قليله وكثيره واحدا إذا كان من نيته أن لا يرد إليهم (4). وروي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا، فقيل له، يا رسول الله من هؤلاء ؟ فقرأ هذه الآية (5). وفي تفسير العياشي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أكل مال اليتيم هل له توبة ؟ قال: يرد به إلى أهله،


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 132 في تفسيره لآية 10 من سورة النساء. (2) اليتم معروف، وقد يطلق على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل على شيعتهم أيضا كما دلت عليه بعض الروايات، ولا يبعد التعميم هنا (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 92). (3) الكافي: ج 2 ص 31 كتاب الايمان والكفر، باب آخر منه وفيه أن الاسلام قبل الايمان، باب بدون عنوان، قطعة من ح 1. (4 و 5) مجمع البيان: ج 3 ص 13 عند تفسيره لآية 10 من سورة النساء. (*)

[ 374 ]

قال: ذلك بإن الله يقول: ” إن الذين يا كلون اموال اليتامى ” الآية (1). عن عمر، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الكبائر ؟ فقال: منها أكل مال اليتيم ظلما، وليس في هذا بين أصحابنا إختلاف والحمد لله (2). عن أبي بصير قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: من أكل من مال اليتيم در هما ونحن اليتيم (3). عن أبي إبراهيم قال: سألته عن الرجل يكون للرجل عنده المال إما ببيع أو بقرض فيموت ولم يقضيه إياه فيترك أيتاما صغارا فيبقى لهم عليه فلا يقضيهم أيكون ممن يأكل مال اليتيم ظلما ؟ قال: إذا كان ينوي أن يؤدي إليهم فلا (4). عن محمد بن مسلم، عن أحد هما (عليهما السلام) قال: قلت: في كم يجب لآكل مال اليتيم النار ؟ قال: في در همين (5). والمراد من ذكر درهمين، المبالغة في القلة، لا التحديد بهما. وسيصلون سعيرا: سيد خلون نارا، أي نار. وقرأ ابن عياش، عن عاصم بضم الياء مخففا، وقرأ به مشددا، تقول: صلى النار، قاسى حرها، وصليته، شويته، وصيلته ألقيته فيها، والسعير فعيل بمعنى مفعول، من سعرت النار إذ ألهبتها. وفي كتاب الاحتجاج: بإسناده إلى الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها قال (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن ذكر عليا وأولاده (عليهم السلام): إلا أن أعداءهم الذين يصلون سعيرا (6). وفي كتاب ثواب الاعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب،


(1 و 2 و 3 و 4 و 5) تفسير العياشي: ج 1 ص 224 و 225 و 223 ح 41 و 46 و 48 و 45 و 40. (6) الاحتجاج: ج 1 ص 63، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره في الايام بولاية علي بن أبي طالب ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين (س 8. (*)

[ 375 ]

عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في كتاب علي (عليه السلام) أن آكل مال اليتيم سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده في الدنيا ويلحقه وبال ذلك في الآخرة أما في الدنيا فإن الله (عز وجل) يقول: ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا الله وليقولوا قولا سديدا ” وأما في الآخرة فإن الله (عز وجل) يقول: ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” (1). ومن من لا يحضره الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام): إن آكل مال اليتيم سيلحقه وبال ذلك في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الله (عز وجل) يقول: ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ” وأما في الآخرة فإن الله (عز وجل) يقول: ” إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنه لما نزلت ” إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إخراجهم فأنزل الله (تبارك وتعالى): ” ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خيرو إن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ” (3). وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن بعض اصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام): حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما: ” إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” وذلك أن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار تلتهب في


(1) ثواب الاعمال: ص 277 – 278 عقاب آكل مال اليتيم ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 173 ح 3652. (3) تفسير القمي: ج 1 ص 72. (*)

[ 376 ]

[ يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت وحدة فلها النصف ولابويه لكل وحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولدا وورثه أبواه فلامة الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين ءاباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11) ] بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه يعرفه أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم (1). الجنيد بن محمد، عن معلا بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أ باعبد الله (عليه السلام) يقول: من أكل مال أخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة (2). وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام سالم، عن عجلان، عن أبي صالح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن آكل مال اليتيم ؟ فقال: هو كما قال الله (عز وجل): ” إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” ثم قال من غير أن أسأله: من عال يتيما حتى ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب الله (عز وجل) له الجنة كما أوجب النار لمن أكل مال اليتيم (3) يوصيكم الله: يأمركم ويفرض عليكم.


(1) الكافي: ج 2 ص 32 قطعة من ح 1. (2) الكافي: ج 2 ص 333 ح 15 وفيه (الحسين بن محمد). (3) الكافي: ج 5 ص 128 باب أكل مال اليتيم ح 2. (*)

[ 377 ]

في أولدكم: في شأن ميراثهم. للذكر مثل حظ الانثيين): أي يعد كل ذكر بانثيين إذا اجتمع الصنفان، فيضعف نصيبه. والمعنى: الذكر منهم، فحذف للعلم به، وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه، لان القصد إلى بيان فضله، والتنبيه على أن التضعيف كان للتفضيل، فلا يحر من بالكلية، وقد اشتركا في الجهة والعلة، والتفضيل أنهن يرجعن عيالا عليهم، ولما جعل لها من الصداق، ولانه ليس عليهن جهاد ولا نفقة ولا معقلة وغيرها. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك كيف صار الرجل إذا مات وولده من القرابة سواء ترث النساء نصف ميراث الرجال وهن أضعف من الرجال وأقل حيلة ؟ فقال: لان الله (تبارك وتعالى) فضل الرجال على النساء بدرجة، ولان النساء يرجعن عيالا على الرجال (1) (2). وفي من لا يحضره الفقيه: وفي رواية حمدان بن الحسين، عن الحسين بن الوليد، عن ابن بكير، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): لاي علة صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ قال: لما جعل الله لها من الصداق (3). وروى ابن أبي عمير، عن هشام: أن ابن أبي العوجاء قال لمحمد بن النعمان الاحول: ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد، وللرجل القوي الموسر سهمان ؟ قال: فذكرت ذلك لابي عبد الله (عليه السلام) فقال: إن المرأة ليس لها عاقلة، وليس عليها نفقة ولا جهاد، وعد أشياء غير هذا، وهذا على الرجل فجعل له سهمان ولها سهم (4).


(1) العلة الاولى محض كون الرجل أشرف من المرأة، والثانية كون النفقة على الرجل دون المرأة، وقد تضمنها قوله تعالى ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ” (مرآة العقول: ج 4 ص 143 كتاب المواريث). (2) الكافي: ج 7 ص 84 كتاب المواريث باب علة كيف صار للذكر سهمان وللانثى سهم ح 1. (3 و 4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 253 باب 175 نوادر المواريث ح 11 و 12. (*)

[ 378 ]

وروى محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ قال: لان الحبات التي أكلها آدم وحواء في الجنة كانت ثمانية عشر، أكل آدم منها اثنتي عشرة حبة، وأكلت حواء ستا، فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين (1). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): وروى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه (عليهم السلام) أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له: يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذ تموه وراء ظهوركم، إذ يقول: ” يوصيكم الله في أولاد كم للذكر مثل حظ الانثيين ” (2) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي تفسير العياشي: عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن فاطمة (صلوات الله عليها)، انطلقت [ إلى أبي بكر ] (3) فطلبت ميراثها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: إن نبي الله لا يورث، فقالت: أكفرت بالله وكذبت بكتابه ؟ قال: ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ” (4). وأما ما رواه في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من خبر الشامي وما سأل عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة، في حديث طويل، وفيه: وسأله لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ فقال: من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات، فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة، وأطعمت


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 253 باب 175 نوادر المواريث ح 13. (2) الاحتجاج: ج 1، احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك ص 102 س 6. (3) مابين المعقوفتين أثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 225 ح 49. (*)

[ 379 ]

آدم حبتين (1). فلا ينافي ما قدمناه، لان المراد بالحبة جنس الحبة، والتاء فيه للوحدة الجنسية، والقرينة عليه: أن السنبلة يندر كونها ذات ثلاث حبات، والغرض من توصيفها بالوحدة، اتحاد جنسها، فيحمل كل حبة على ست حبات، فيوافق ما روي أولا، ولا تناقض بين الاخبار. فإن كن نساء: أي كان الاولاد نساء خلصا ليس معهن ذكر، فأنث الضمير باعتبار الخبر، أو على تأويل المولودات. فوق اثنتين: خبر ثان، أو صفة النساء، أي نساء زائدات على اثنتين. فلهن ثلثا ما ترك: المتوفى، ويدل عليه المعنى. وإن كانت وحدة فلها النصف: أي وإن كان المولودة واحدة. وقرأ نافع بالرفع على كان التامة. واختلف في البنتين، فقال ابن عباس: حكمهما حكم الواحدة، لانه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما، وقال الباقون: حكمهما حكم ما فوقهما، لانه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الانثيين إذا كان معه انثى وهو الثلثان، اقتضى ذلك أن حظهما الثلثان، ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد، رد ذلك بقوله (فإن كن نساء فوق اثنتين). ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها، فبالحري أن تستحقه مع اخت مثلها، وأن البنتين أمس رحما من الاختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله: ” ولهما الثلثان مما ترك “. قال محمد بن يعقوب في الكافي: وقد تكلم الناس في أمر البنتين من أين جعل لهما الثلثان، والله (عز ذكره) إنما جعل الثلثين لما فوق اثنتين، فقال قوم: بإجماع، وقال قوم: قياسا كما أن كان للواحدة النصف، وكان ذلك دليلا على أن المال لما


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 242 باب 24 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من خبر الشامي وما سأل عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة، ح 1 س 9. (*)

[ 380 ]

فوق الواحدة الثلثان، وقال قوم: بالتقليد والرواية، ولم يصب واحد منهم الوجه في ذلك، فقلنا: إن الله (جل ذكره) جعل حظ الانثيين الثلثين بقوله: ” للذكر مثل حظ الانثيين ” وذلك أنه إذا ترك الرجل بنتين وابنا فللذكر مثل حظ الانثيين وهو الثلثان، فحظ الانثيين الثلثان، واكتفى بهذا البيان أن يكون ذكر الانثيين بالثلثين، وهذا بيان قد جهله كلهم، والحمد لله كثيرا (1) (2). ولابويه: أي لابوي الميت. لكل وحد منهما: بدل منه بتكرير العامل، وفائدته التنصيص على استحقاق كل واحد منهما السدس، والتفصيل بعد الاجمال تأكيد. السدس مما ترك إن كان له: أي للميت. ولد: ذكرا أو انثى، واحدا أو متعددا. فالولد مطلقا يحجب الام عن الثلث إلى السدس. فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث: مما ترك وإنما لم يذكر حصة الاب، لانه ذكر سابقا ما فرض لكل منهما، ولما لم يكن للاب فرض آخر، وكان للام صرح بالفرض الآخر للام، ليعلم أن الفرض للاب واحد، وما أخذ زائدا فليس بالفرض بل بالقرابة. وفي الآية تصريح بأن ثلث الام مما ترك، وهو أصل التركة كما ذهب إليه ابن


(1) قوله: (هذا بيان) أقول: هذا الوجه ذكره الزمخشري والبيضاوي وغيرهما، قال البيضاوي: واختلف في البنتين، فقال ابن عباس: حكمها حكم الواحدة، لانه تعالى جعل الثلثين لما فوقها، وقال الباقون: حكمها حكم ما فوقهما، لانه تعالى لما بين: إن حظ الذكر مثل حظ الانثيين إذا كانت معه انثى وهو الثلثان، اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان، ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد، رد ذلك بقوله: ” فإن كن نساء فوق اثنتين ” انتهى. أقول: وفيه نظر، لان الظاهر أنه تعالى بين اولا حكم الاولاد مع اجتماع الذكور والاناث معا بأن نصيب كل ذكر مثل نصيب الانثيين، وما ذكره أخيرا بقوله: ” فإن كن نساء فوق اثنتين ” مورده انحصار الاولاد في الاناث اتفاقا، فاستنباط حكم البنتين المنفردتين من الاول لا يتمشى إلا على وجه القياس، فتدبر (مرآة العقول: ج 4 ص 141 كتاب المواريث باب وجوه الفرائض). (2) الكافي: ج 7 ص 72 كتاب المواريث، باب بيان الفرائض في الكتاب س 21. (*)

[ 381 ]

عباس وجمهور فقهائنا، لا ثلث ما بقي كما ذهب إليه جمهور العامة. فعلى هذا ما قاله البيضاوي: من أنه على هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزوجين ثلث ما بقي من فرضه كما قاله الجمهور، لا ثلث المال كما قال ابن عباس، فإنه يفضي إلى تفضيل الانثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب، وهو خلاف وضع الشرع (1). دفع للنص بالقياس كما فعله امامه إبليس. وفي من لا يحضره الفقيه: وروى محمد بن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن محمد ابن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة الفرائض التي هي إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده، فقرأت فيها: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها، فللزوج النصف ثلاثة أسهم، وللام الثلث سهمان، وللاب السدس سهم (2) (3). فإن كان له إخوة فلامه السدس: وقرأ حمزة والكسائي ” فلامه ” بكسر الهمزة، اتباعا للكسرة التي قبلها. والاخوة يقع على الاثنين فصاعدا. والاختان بمنزلة أخ واحد، ولهذا ورد في أخبارنا: إنه لا يحجب الام عن الثلث إلا أخوان، أو أخ واختان، أو أربع أخوات. والمراد بالاخوة، الاخوة من أب وام، أو من أب، فإن الاخوة من الام لا يحجب الام عن الثلث، لان الوجه فيه: أن الاب ينفق عليهم فوفر نصيبه، والاب لا ينفق على الاخوة من الام. وفي الكافي: أبو علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 207 نقله في تفسيره لآية 11 من سورة النساء. (2) قوله: وللاب السدس. هذا مع عدم الحاجب، وإلا فينعكس، ويكون للام السدس وللاب الثلث (روضة المتقين: ج 11 ص 245 ط قم). (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 195 باب 139 ميراث الابوين مع الزوج والزوجة، ح 1. (*)


[ 382 ]

لا يحجب الام عن الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات (1). وفي تفسير العياشي: عن أبي العباس قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يحجب عن الثلث الاخ والاخت حتى يكونا أخوين، أو أخ واختين، فإن الله تعالى يقول: ” فإن كان له إخوة فلامه السدس ” (2). وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” فإن كان له إخوة فلامه السدس ” يعني إخوة لآب وام أو إخوة لاب (3). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن حريز، عن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا زرارة ما تقول في رجل ترك أبويه وإخوته من امة ؟ قال: قلت السدس لامه وما بقي فللاب، فقال: من أين هذا ؟ قلت: سمعت الله (عز وجل) يقول في كتابه: ” فإن كان له إخوة فلامه السدس ” فقال لي: ويحك يا زرارة اولائك الاخوة من الاب، وإن كان الاخوة من الام لم يحجبوا الام عن الثلث (4). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن اذينة قال: قلت لزرارة إن اناسا حدثوني عنه – يعني أبا عبد الله (عليه السلام) – وعن أبيه (عليه السلام) بأشياء في الفرائض، فأعرضها عليك، فما كان منها باطلا، فقل: هذا باطل، وما كان منها حقا فقل: هذا حق ولا تروه واسكت (5). وقلت: حدثني رجل عن أحد هما (عليهما السلام) في أبوين وإخوة لام


(1) الكافي: ج 7 ص 92 كتاب المواريث باب ميراث الابوين مع الاخوة والاخوات لاب والاخوة والاخوات لام ح 4. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 226 ح 52. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 226 ح 54. (4) الكافي: ج 7 ص 93 كتاب المواريث، باب ميراث الابوين مع الاخوة والاخوات لاب والاخوة والاخوات لام ح 7. (5) قوله (ولا تروه) لعل مراده أنه لما كانت الرواية مما قد تقع فيه التقية، لا تروى، بل ما علمت أن لا تقية فيه (قل هو حق. ويمكن أن يكون هذا اتقاء على المعصوم، أو يكون هذا لما سيأتي في خبر زرارة أن الصادق (عليه السلام) أخذ عليه العهد أن لا يروي ما رأى في كتاب الفرائض إلا أن (*)

[ 383 ]

أنهم يحجبون ولا يرثون، فقال: هذا والله هو الباطل، ولكني اخبرك ولا أروي لك شيئا، والذي أقول لك هو والله الحق: إن الرجل إذا ترك أبويه فلامه الثلث وللاب الثلثان في كتاب الله (عز وجل)، فإن كان له إخوة، يعنى للميت، يعني إخوة لاب وام، أو إخوة لاب فلامه السدس وللاب خمسة أسداس، وإنما وفر للاب من أجل عياله، وأما الاخوة لام ليسوا للاب، فإنهم لا يحجبون الام عن الثلث ولا يرثون (1). من بعد وصية يوصى بها أو دين: متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها، أي هذه الانصباء للورثة من بعد وصية أو دين إن كانا. قيل: وإنما قال ب‍ (أو) التي للاباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب، مقدمان على القسمة مجموعين ومفردين، وقدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم، لانها مشبهة بالميراث، شاقة على الورثة، مندوب إليها الجميع والدين إنما يكون على الندور. وقرأ ابن عامرو أبو بكر بفتح الصاد. وفي مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنكم تقرؤون في هذه الآية الوصية قبل الدين، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بالدين قبل الوصية (2). وفي تفسير العياشي: عن محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)


يأذن له، قوله (يحجبون) لا خلاف بين الاصحاب في حجت الاخوين والاخ مع الاختين، أو أربع أخوات، ولا في اشتراط كونهم من أب وام أو لاب، ولا في اشتراط عدم كفرهم، ولا أرقاء، ونقل الاجماع على اشتراط عدم كونهم قاتلين أيضا، لكن خالف فيه الصدوقان وابن عقيل، قوله (وليس الاب حيا) قال في المسالك: اشتراط حياة الاب في حجب الاخوة هو المشهور بين الاصحاب وذهب بعض الاصحاب إلى عدم لشتراط ذلك، وهو الظاهر من كلام الصدوق (مرآة العقول: ج 4 ص 145). (1) الكافي: ج 7 ص 91 كتاب الموارث، باب ميراث الابوين مع الاخوة والاخوات لاب والاخوة والاخوات لام ح 1. (2) مجمع البيان: ج 2 ص 15 نقله عند تفسيره لآية 11 من سورة النساء. (*)

[ 384 ]

يقول في الدين والوصية: فقال: إن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على أثر الدين، ثم الميراث، ولا وصية لوارث (1). قوله: ” ولا وصية لوارث ” نفي للاستحباب، لا للجواز. أآباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا: أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم، من اصولكم وفروعكم، في عاجلكم وآجلكم، فتحروا فيه ما وصاكم الله به، ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه. أو من مورثيكم منهم، أمن أوصى منهم فعرضكم للثواب بإمضائه وصيته أم من لم يوص فوفر عليكم ماله. أو من أوصيتم له فوفرتم عليه أم من لم توصوا له فحرمتموه. وهو اعتراض مؤكد لامر القسمة وتنفيذ الوصية. في الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن مهزم، عن إبراهيم الكرخي، عن ثقة حدثه من أصحابنا قال: تزوجت بالمدينة فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كيف رأيت ؟ فقلت: ما أرى رجل من خير في امرأة إلا وقد رأيته فيها، ولكن خانتني، فقال: ما هو ؟ قلت: ولدت جارية فقال: لعلك كرهتها، إن الله (جل ثناؤه) يقول: ” آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ” (2) (3). فريضة من الله: مصدر حذف عامله، أي يوصيكم الله، لانه في معنى يأمركم ويفرض عليكم. إن الله كان عليما: بالمصالح والرتب. حكيما: فيما قضى وقدر.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 226 ح 55. (2) أي كما أن الآباء والابناء لا يدري مقدار نفعهم وأن أيهم أنفع، كذلك الابن والبنت، ولعل بنتا تكون أنفع لوالديها من الابن، ولعل ابنا يكون أحسن لهما من البنت، فينبغي أن يرضيا بما يختار الله لهما، ويحتمل أن يكون ذكر الآباء والابناء في الآية على المثال: فيشمل جميع الاولاد والاقارب (مرآة العقول: ج 3 ص 529 كتاب العقيقة). (3) الكافي: ج 6 ص 4 كتاب العقيقة، باب فضل البنات ح 1. (*)

[ 385 ]

[ ولكم نصف ما ترك أزوجكم إن لم يكن لهن والد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل وحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم (12) ] ولكم نصف ما ترك أزوجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن: أي ولد وارث من بطنها، أو من صلب بنيها، أو بطن بناتها، وإن سفل ذكرا كان أو انثى، منكم أو من غيركم. من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين: فرض للرجل بحق الزواج ضعف ما للمرأة كما في النسب. والعلة هناهي العلة هناك. وتستوي الواحدة والعدد منهن في الربع والثمن. وإن كان رجل يورث: صفة رجل بالبناء للمفعول، أي يورث منه، أي الميت. كللة: خبر كان، أو ” يورث ” خبره كلالة حال من الضمير فيه. والكلالة


[ 386 ]

حينئذ من لم يخلف ولدا ولا والدا، أو مفعول له. والمراد بها قرابة ليست من جهة الوالد والولد. ويجوز أن يكون الوارث ويورث من أورث، وكلالة من ليس بوالد ولا ولد. وقرأ ” يورث ” على البناء للفاعل. فالرجل الميت وكلالة يحتمل المعاني الثلاثة. وعلى الاول خبر أو حال، وعلى الثاني مفعول له، وعلى الثالث مفعول به. وهي في الاصل مصدر، بمعنى الكلال، فاستعير لقرابة ليست بالبعضية، لانها كالة بالاضافة إليها، ثم وصف بها المورث والوارث بمعنى ذي كلالة. وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، (عليه السلام) قال: الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد (1). وفي الكافي: بسند آخر عنه (عليه السلام) مثله (2). أو امرأة: عطف على رجل. وله: أي وللرجل، واكتفى بحكمه عن حكم المرأة، لدلالة العطف على تشاركهما فيه، أو لكل واحد منهما. أخ أو أخت: أي من الام. فلكل وحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث: سوى بين الذكر والانثى ههنا، لان الانتساب بمحض الانوثة. في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن اذينة، عن بكير بن أعين قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها وإخوتها وأخواتها لابيها. فقال: للزوج النصف، ثلاثة أسهم، وللاخوة والاخوات من الام الثلث، الذكر والانثى فيه سواء، وبقي سهم فهو للاخوة والاخوات من الاب، للذكر مثل حظ الانثيين، لان


(1) كتاب معاني الاخبار: ص 372 باب معنى الكلالة ح 1. (2) الكافي: ج 7 ص 99 كتاب المواريث، باب الكلالة، ح 2 و 3. (*)

[ 387 ]

السهام لا تعول، ولا ينقض الزوج من النصف، ولا الاخوة من الام من ثلثهم، لان الله (عز وجل) يقول: ” فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث وإن كانت واحدة فلها السدس ” والذي عنى الله في قوله: ” وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ” إنما عنى بذلك الاخوة والاخوات من الام خاصة (1). وبطريق آخر: عن الباقر (عليه السلام) مثله بأدنى تغيير غير مغير للمعنى (2). من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضآر: لورثته بالزيادة على الثلث، أو قصد المضارة بالوصية دون القربة، والاقرار بدين لا يلزمه. وهو حال من فاعل ” يوصي ” المذكور في هذه القراءة والمدلول عليه بقوله يوصي على البناء للمعفول في قراءة ابن عامر وابن كثير وابن عياش عن عاصم. وصية من الله: مصدر مؤكد، أو منصوب ب‍ ” غير مضار ” على المفعول به، أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بالزيادة، أو صية من الله بالاولاد بالاسراف في الوصية والاقرار الكاذب. وقرئ بإضافة ” مصار ” إلى الوصية. والله عليم: بالمضار وغيره. حليم: لا يعاجل بعقوبته.


(1) الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 3 وتمام الحديث (وقال في آخر سورة النساء ” يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرأ هلك ليس له ولد وله اخت (يعني اختا لام وأب أو اختا لاب) ” فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين ” فهم الذين يزادون وينقصون وكذلك أولادهم الذين يزادون وينقصون. ولو أن امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختيها لابيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم وللاخوة من الام سهمان وبقي سهم فهو للاختين للاب، وإن كانت واحدة فهو لها، لان الاختين لاب لو كانتا أخوين لاب لم يزدادا على ما بقي، ولو كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي، ولا يزاد انثى من الاخوات ولا من الولد على مالو كان ذكرا لم يزد عليه). (2) الكافي: ج 7 ص 103 كتاب المواريث باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 5. (*)

[ 388 ]

[ تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها وذلك الفوز العظيم (13) ومن يعص الله ورسوله ويتعدد حدوده يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين (14) والتى يأتين الفحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15) ] تلك: إشارة إلى الاحكام التي تقدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث. حدود الله: شرائعه التي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها. ومن يطع الله ورسوله يدخله جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين: توحيد الضمير في ” يدخله ” للفظ، وجمع ” خالدين ” للمعنى. وقرأ نافع وابن عامر ” ندخله ” بالنون، و ” خالدين ” حال مقدرة كقولك: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، وكذلك ” خالدا “، وليستا صفة ل‍ ” جنات ” و ” نارا ” وإلا لوجب إبراز الضمير، لانهما جرتا على غير من هما له. والتى يأتيم الفحشة من نسائكم: أي يفعلنها، يقال: أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها، إذا فعلها، وهي الزنا، لزيادة قبحها وشناعتها. فاستشهدوا عليهن أربعة منكم: فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من الرجال


[ 389 ]

[ والذان يأتينها منكم فئاذو هما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16) ] المؤمنين يشهدون عليهن. فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت: فاحبسوهن فيها. حتى يتوفهن الموت: أي حتى يستوفي أرواحهن الموت، أو يتوفا هن ملائكة الموت، كان ذلك عقوبتهن في أوائل الاسلام، فنسخ بالحد. في مجمع البيان: عن الباقر والصادق (عليهما السلام): إن هذه الآية منسوخة (1). أو يجعل الله لهن سبيلا: كتعيين الحد المخلص عن الحبس. وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية: ” واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ” إلى ” سبيلا ” ؟ قال: هذه منسوخة، قال: قلت: كيف كان ؟ قال: كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود ادخلت بيتا ولم تحدث ولم تتكلم ولم تجالس، واوتيت فيه بطعامها وشرابها حتى تموت، قلت: فقوله: ” أو يجعل الله لهن سبيلا ” ؟ قال: جعل السبيل، الجلد والرجم (2). والذان يأتينها منم: يعني الزانية والزاني.


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 21 نقله عند تفسيره لآية 15 من سورة النساء، قال: وحكم هذه الآية منسوخ عند جمهور المفسرين، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 227 ح 61 وتمام الحديث والامساك في البيوت، قال: قوله: ” واللذان يأتيانها منكم ” قال: يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب ” فاذوهما ” قال: تحبس، ” فإن تابا أو أصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما “. وإنما أتممنا الحديث لما يستشهد بذيله المصنف عن قريب، فاحفظ. (*)

[ 390 ]

وقرأ ابن كثير بتشديد النون وتمكين مد الالف، والباقون بالتخفيف من غير تمكين (1). فئاذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما: فاقطعوا عنهما الاذى وأعرضوا عنهما بالاغماض والستر. قيل: هذه الآية سابقة على الاولى نزولا وكان عقوبة الزناة الاذى ثم الحبس، ثم الجلد (2). وقيل: الاولى في السحاقات، وهذه في اللواطين، والزانية والزاني في الزناة (3). وكلا القولين مخالف لما نقل عن الائمة (عليهم السلام). لما ثبت عنهم (عليهم السلام): إن الآية الاولى منسوخة (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: كان في الجاهلية إذا زنى الرجل يؤذى، والمرأة تحبس في البيت إلى أن تموت، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ” والزانية والزاني فاجلدوا ” الآية (5) انتهى (6). وفي تفسير العياشي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) ما يؤيده (7). إن الله كان توابا رحيما: علة للامر بالاعراض وترك المذمة.


(1) قرئ بتخفيف النون وتشديدها، فمن قرأ بالتخفيف فعلى الاصل كقولك: الزيدان والعمران، ومن قرأ بالتشديد فلان الاسماء المبهمة يسقط منها حرف في التثنية، ألا ترى أنك تقول في التثنية: اللذان. والاصل أن يقال في التثنية اللذيان فما حذفت الياء زادوا نونا وادغمت في النون عوضا عن المحذوف، وفرقا بين الاسم المبهم وغيره، ونظيره قراءة من قرأ (فذانك برهانان من ربك) بالتشديد لما بينا (البيان لابن الانباري: ص 246). (2 و 3) نقلهما البيضاوي: ج 1 ص 209 عند تفسيره لآية 16 من سورة النساء. (4) لانه قال (عليه السلام) (أي في ذيل خبر أبي بصير): قوله: ” واللذان يأتيان منكم ” قال: يعني البكر إذ أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب، ” فاذو هما “، قال: تحبس، فإن قوله هذا يدل على أنها منسوخة، فإن الحكم في البكر الآن غير هذا – منه دام عزه – (هكذا في هامش النسخة). (5) النور: 2. (6) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 133 عند تفسيره لآية 15 من سورة النساء. (7) وهو خبر أبي بصير المتقدم آنفا. (*)

[ 391 ]

[ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهلة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (17) ] إنما التوبة على الله: أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه، بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته. للذين يعملون السوء بجهلة: متلبسين بها سفها، فإن ارتكاب الذنب سفه وتجاهل. وفي مجمع البيان: روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كل ذنب عمله العبد، وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، فقد حكى الله سبحانه قوله يوسف لاخوته: ” هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ” (1) فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله (2). وروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قيل له: فإن اد وتاب مرارا ؟ قال: يغفر الله له، قيل: إلى متى ؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور (3). ثم يتوبون من قريب: أي من زمان قريب، أي قبل حضور الموت لقوله تعالى: ” حتى إذا حضر أحدهم الموت ” سماه قريبا، لان أمد الحياة قريب، لقوله تعالى: ” قل متاع الدنيا قليل ” (4)، أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبه فيطبع عليها فيتعذر عليهم الرجوع. و ” من ” للتبعيض، أي يتوبون في أي جزء من الزمان الذي هو ما قبل


(1) يوسف: 89. (2 و 3) مجمع البيان: ج 3 ص 23 عند تفسيره لآية 17 من سورة النساء س 10 و 19. (4) النساء: 77. (*)

[ 392 ]

أن ينزل بهم سلطان الموت، أو يزين السوء (1). وفي من لا يحضره الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) في آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب الله، عليه، ثم قال: وإن السنة لكثيرة، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه، ثم قال: وإن الشهر لكثير، ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه، ثم قال: وإن اليوم لكثير، ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن الساعة لكثيرة، ومن تاب وقد بلغت نفسه هذه وأهوى بيده إلى حلقه تاب الله عليه (3). وروى الثعلبي: بإسناده إلى عبادة بن الصامت، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الخبر بعينه إلا أنه قال في آخره: وإن الساعة الكثيرة من تاب قبل أن يغرغر (4) بها تاب الله عليه (5). وروى أيضا بإسناده عن الحسن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما هبط إبليس قال: وعزتك وعظمتك لا افارق ابن آدم حتى تفارق روحه


(1) من قوله: (أي من زمان قريب) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 209، فلا حظ. (2) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. الخ الظاهر أن اختلاف المراتب بحسب اختلاف الكمال، فإن التوبة الكاملة ما يكون مع إصلاح النفس والاعمال بعدها كما قال الله تعالى: ” إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولائك أتوب عليهم ” فإذا كانت قبل الموت بسنة وأصلح أعماله بتدارك ما فات منه حتى يظهر على نفسه وعلى العالمين أنه من التائبين حتى يقتدي به غيره فهو أكمل، وهذا أحد معاني التوبة النصوحة، ولو لم يحصل له توفيق السنة فلا أقل من شهر، وبعده الاسبوع كما في خبر آخر، وبعده اليوم، وآخر مراتبها عند حضور الموت قبل معاينة امور الآخرة، فإنها لا تقبل بعدها، كما في فرعون وقوله تعالى: ” الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين “. وقيل: التغييرات من قبيل النسخ، تفضلا من الله عليه عباده (روضة المتقين: ج 1 ص 343). (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 79 باب 23 غسل الميت ح 9. (4) فيه: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أي ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشئ الذي يتغرغر به المريض، والغرغرة: أن يجعل المشروب في الفم ويردد إلى أصل الحلق ولا يبلع (الناية: ج 3 ص 360 لغة غرغر). (5) رواه في مجمع البيان، عن الثعلبي: ج 3 ص 22 عند تفسيره لآية 17 من سورة النساء. (*)

[ 393 ]

جسده، فقال الله سبحانه: وعزتي وعظمتي لا أحجت التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها (1). وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام): إذا بلغت النفس ههنا وأشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة ثم قرأ هذه الآية (2) (3). وفيه وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام) مثله، وزاد: وكان للجاهل توبة (4) (5). ولا يخفى المنافاة بينه وبين الاخبار الاولة. وقيل في الجمع (6): لعل السبب في عدم قبول التوبة من العالم في ذلك الوقت، حصول يأسه من الحياة بإمارات الموت، بخلاف الجاهل فإنه لا ييأس إلا بمعاينة الغيب وأقول في الجمع: يمكن أن يكون المراد بذنب العالم الذي ليس له فيه توبة، ذنب صدر عنه بإضلال الناس عالما بإضلالهم للاغراض الدنيوية، فلا يقبل توبته حينئذ، لان محض الندم في ذلك لا ينفع، لان جمعا كثيرا قد عملوا بعلمه وضلوا،


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 22 س 25 رواه عند تفسيره لآية 17 من سورة النساء. (2) (إذا بلغت النفس ههنا) النفس بالتحريك واحد الانفاس، وبالتسكين الروح، وكلا هما مناسب (وأشار بيده إلى حلقه) يعني قبل معاينة عالم الغيب قريبا من انقطاع زمان التكليف متصلا به (لم يكن للعالم توبة) لتشديد الامر عليه، وعدم المساهلة معه، لتفريطه في مقتضى علمه، فلا عذر له، بخلاف الجاهل فإنه يقبل توبته حينئذ لوقوع المساهلة معه في كثير من الامور، وقبول توبته في هذا الوقت من جملتها. وقيل: الفرق بينهما، أن ذنوب العالم امور باطنية وصفات قلبية وملكات ردية نفسانية، لا يمكن محوها عن النفس دفعة في مثل هذا الزمان القليل، بل لابد من مرور زمان يتبدل سيئاته إلى الحسنات، بخلاف ذنوب الجاهل الناقص، فإنها من الاعمال البدنية، والاحوال النفسانية الخارجة عن صميم القلب وباطن الروح فيمكن محوها في لحظة، (ثم قرأ: إنما التوبة، الآية) والاستشهاد بقوله: ” بجهالة ” فإنه يفهم منه أن قبول التوبة في هذا الوقت القريب من الموت للجاهل دون العالم، وإلا لما كان لذكر الجهالة فائدة (تلخيص من شرح العلامة المازندراني على اصول الكافي: ج 2 ص 196). (3) الكافي: ج 1 ص 47 كتاب فضل العلم، باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الامر عليه، ح 3. (4) الكافي: ج 2 ص 440 كتاب الايمان والكفر، باب فيما أعطى الله (عز وجل) آدم (عليه السلام) وقت التوبة، ح 3. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 228 ح 64. (6) القائل بالجمع: الفاضل الكاشي في تفسيره – منه دام عزه – (كذا في هامش النسخة). (*)

[ 394 ]

[ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحد هم الموت قال إنى تبت الئن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18) ] فلا يجدي ندمه في ذلك الآن، فلا يقبل توبته. والمؤيد لهذا الجمع أنه رتب الحكم في الآية على العمل، وقال: ” الذين يعملون السوء بجهالة ” وفي الخبر على صفة العلم، فيعلم أن منشأ العصيان إذا كان العمل فهو قابل للتوبة وقبولها، وإذا كان منشأه العلم ليس بهذه المثابة. قيل: ومن لطف الله بالعباد أن أمر قابض الارواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر، ثم ينتهي إلى الحلق، ليتمكن في هذه المهلة من الاقبال بالقلب على الله تعالى، والوصية والتوبة ما لم يعاين، والاستحلال، وذكر الله سبحانه، فيخرج روحه وذكر الله على لسانه فيرجي بذلك حسن خاتمته، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه (1). فأولئك يتوب الله عليهم: وعد بالوفاء بما وعد به، وكتب على نفسه من قبول التوبة. وكان الله عليما: يعلم إخلاصهم بالتوبة. حكيما: لا يعاقب التائب. وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الئان:


(1) نقله في الصافي: ج 1 ص 399 عند تفسيره لآية 17 من سورة النساء. (*)

[ 395 ]

في من لا يحضره الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال: ذلك إذا عاين أمر الآخرة (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت في القرآن أن رعلون (2) تاب حيث لم تنفعه التوبة ولم تقبل منه (3). وفي تفسير العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: ” وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر احدهم الموت قال إني تبت الان “، قال: هو الفرارتاب حين لم ينفعه التوبة ولم يقبل منه (4). ولا الذين يموتون وهم كفار: سوى بين من سوف التوبة إلى حضور الموت من الفسقة والكافر وبين من مات على الكفر في نفي التوبة، للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة، وكأنه قال: توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء. وقيل: المراد بالذين يعملون السوء عصاة المؤمنين، وبالذين يعملون السيئات المنافقون، لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم، وبالذين يموتون الكافر (5). أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما: تأكيد لعدم قبول توبتهم وبيان لتهيئة عدابهم، وأنه يعذبهم متى شاء. والاعتاد من العتاد، وهو العدة. وقيل: أصله أعددنا، قابدلت الدال الاولى تاء * * *


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 79 باب 23 غسل الميت، ح 10. (2) الظاهر أنه كناية عن أحد الثلاثة، ووجه التعبير غير بين، والظاهر أن يكون رغلان بالراء المهملة والغين المعجمة والالف بدل الواو، لانه اسم على وزن عثمان كما قد يعبر عنه بفعلان، والله يعلم – منه دام عزه – (كذا في هامش النسخة). (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 133 عند تفسيره لآية 18 من سورة النساء. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 228 ح 63. (5) من قوله (سوى بين من سوف التوبة) إلى هنامقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 210. (*)

[ 396 ]

[ يأيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ماءا تيتموهن إلا أن يأتين بفحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19) ] يأيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها: في تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية: أنه كان في الجاهلية في أول ما أسلموا في قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها وورث نكاحها بصداق حميمه الذى كان أصدقها، يرث نكاحها كما يرث ماله، فلما مات أبو قيس بن الاشلت ألقى محصن ابن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه، وهي كبيشة ابنة معمر بن سعيد، فورث نكاحها، ثم تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها، فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات أبو قيس بن الاشلت فورث ابنه محصن نكاحي، فلا يدخل علي، ولا ينفق علي ولا يخلي سبيلي فألحق بأهلي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارجعي إلى بيتك فإن يحدث الله في شأنك شيئا فأعلمتكه، فنزل: ” ولا تنحكوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ” (1) فلحقت بأهلها. وكانت نسوة في المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيشة، غير أنه ورثهن غير الابناء فأنزل: ” يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ” (2).


(1) النساء: 22. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 134 نقله عند تفسيره لآية 19 من سورة النساء. (*)

[ 397 ]

وفي تفسير العياشي: عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية ؟ قال: الرجل يكون في حجره اليتيمة، فيمنعها من التزويج يضربها تكون قريبة له (1). وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها وينتظر موتها حتى يرثها (2). و ” كرها ” في موضع الحال، أي لا تأخذوهن على سبيل الارث فتزوجهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه. وقرأ حمزة والكسائي ” كرها ” بالضم في مواضعه، وهما لغتان، وقيل: بالضم المشقة وبالفتح ما يكره عليه. ولا تعضلوهن: ولا تحبسوهن ضرارا لهن. لتذهبوا ببعض ماء اتيتموهن: في تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: الرجل يكون له المرأة فيضربها حتى تفتدي منه، فنهى الله عن ذلك (3). وفي مجمع البيان: عنه (عليه السلام) أن المراد بها الزوج أمره الله سبحانه بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة، وأن لا يمسكها ضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها (4). واصل العضل، التضييق، يقال: عضلت الدجاجة بيضها. وقيل في توجيه عطفه: إنه عطف على ” أن ترثوا ” و ” لا ” لتأكيد النفي، أو المراد ب‍ ” لا يحل لكم ” النهي عن أن ترثوا، فلا يلزم عطف الانشاء على الاخبار. إلآ أن يأتين بفحشة مبينة: كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف. والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له، تقديره: ولا تعضلوهن للافتداء


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 228 قطعة من ح 65. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 24 عند نقله لسبب نزول آية 19 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 228 ذيل ح 65. (4) مجمع البيان: ج 3 ص 24 عند نقله المعنى لآية 19 من سورة النساء. (*)

[ 398 ]

[ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحدهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتنا وإثما مبينا (20) ] إلا وقت أن يأتين بفاحشة، أو لا تعضلوهن لعلة إلا أن يأتين بفاحشة. وقرأ ابن كثير وأبو بكر بفاحشة مبينة هنا، وفي الاحزاب والطلاق بفتح الياء، والباقون بكسرها فيهن (1). في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام) كل معصية (2). وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إذا قالت له: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أبر لك قسما، ولا وطئن فراشك من تكرهه، حل له أن يخلعها، ويحل له ما أخذ منها (3). وعاشروهن بالمعروف: بالانصاف في الفعل، والاحمال في القول. فإن كرهتمو هن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا: أي فلا تفارقوهن لكراهة النفس، فإنها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا، وقد تحب ما هو بخلافه، ولكن نظركم إلى ما هو أصلح للدين وأدنى إلى الخير. و ” عسى ” في الاصل علة الجزاء، فاقيم مقامه. والمعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن، فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج: تطليق امرأة وتزوج اخرى.


(1) من قوله: (من قوله: (كالنشوز) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 210، لا حظ تفسيره لآية 19 من سورة النساء. (2) مجمع البينان: ج 3 ص 24 عند تفسيره لآية 19 من سورة النساء، قال: والاولى حمل الآية على كل معصية وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام). (3) الكافي: ج 6 ص 139 كتاب الطلاق، باب الخلع ح 1 ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله (عليه (*)

[ 399 ]

[ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثقا غليظا (21) ] وءاتيتم إحدهن: جمع الضمير، لانه أراد بالزوج، الجنس. قنطارا: مالا كثيرا. في مجمع البيان: عن الباقر والصادق (عليهما السلام)، القنطار مل ء مسك ثور ذهبا (1). فلا تأخذوا منه: أي من القنطار. شيئا: أي شيئا قليلا. أتأخذونه بهتنا وإثما مبينا: استفهام إنكار وتوبيخ، أي أتأخذونه باهتين وآثمين، ويحتمل النصب على العلة كما في قولك: قعدت عن الحرب جبنا، لان الاخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم. قيل: كان الرجل منهم إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه مما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة، فنهوا عن ذلك (2). والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه، وقد يستعمل في الفعل الباطل، ولذلك فسر ههنا بالظلم. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض: إنكار لا سترداد المهر،


السلام) قال: لا يحل خلعها حتى تقول: إلخ). (1) مجمع البيان: ج 3 ص 25 عند تفسيره لآية 20 من سورة النساء. وأما ما نسبه إلى الصادقين (عليهما السلام) في معنى الكلمة ففي ج 1 ص 417 عند تفسيره لآية 14 من سورة آل عمران: ” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة ” س 23 حيث قال: وقيل: هو مل ء مسك ثور ذهبا عن أبي نضرة، وبه قال الفراء، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). (2) أورده البيضاوي: ج 1 ص 211 في تفسيره لآية 20 من سورة النساء. (*)

[ 400 ]

[ ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فحشة ومقتا وساء سبيلا (22) ] والحال أنه وصل إليها بالملامسة ودخل بها وتقرر المهر. وأخذن منكم ميثقا غليظا: عهدا وثيقا. في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد: من إسماك بمعروف أو تسريح بإحسان (1). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” وأخذن منكم ميثاقا غليظا ” ؟ قال: الميثاق هي الكلمة التي عقد بها النكاح، وأما غليظا فهو ماء الرجل يفضيه إليها (2). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أخذ تموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله (3). ولا تنكحوا ما نكح أآباؤكم: أي التي نكحها آباؤكم. وإنما ذكر ” ما ” دون (من)، لانه اريد به الصفة، أو إشارة إلى نقصان عقولهن.


(1) مجمع البيان: 3 ص 26 عند نقل المعنى لآية 20 من سورة النساء، قال: عن الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام). (2) الكافي: ج 5 ص 560 كتاب النكاح، باب نوادر ح 19. (3) رواه في الدر المنثور: ج 2 ص 468 في تفسيره للآية عن ابن أبي شيبة عن عكرمة ومجاهد. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده: ج 5 ص 73 س 10 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسندا. ورواه في مجمع البيان: ج 3 ص 26 عند تفسيره لآية 21 من سورة النساء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلا. (*)

[ 401 ]

وقيل: ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر. من النساء: بيان ما نكح على الوجهين. إلا ما قد سلف: استثناء من المعنى اللازم للنهي، كأنه قيل: تستحقون العقاب بنكاح منكوحة آبائكم إلا ما قد سلف. أو من اللفظ للمبالغة في التحريم والتعميم. كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (1) والمعنى: ولا تنكحوا حلائل آبائكم إلا سلف إن أمكنكم أن تنكحوه. وقيل: الاستثناء منقطع، ومعناه لكن ما قد سلف، فإنه لا مؤاخذة عليه (2). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام) يقول الله تعالى: ” ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ” فلا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده (3). وفيه: عن الحسين بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله حرم علينا نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الله (تبارك وتعالى): ” ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء ” (4). وفي عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا ابن الذبيحين، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وكانت لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله تعالى في الاسلام: حرم


(1) هو من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان بن الحرث، والضمير في (فيهم)، وفي (سيوفهم) يرجع إلى جيش النعمان، وفي (بهن) إلى قوله: سيوفهم، والفلول بالفاء كفلوس جمع فل وهو الكسر في حد السيف، والقراع بالقاف والراء والعين المهملتين ككتاب بمعنى الضرب، و (الكتائب) جمع كتيبة، وهي بالمثناة والياء والموحدة كسفينة الجيش (جامع الشواهد: ص 329 باب الواو بعده اللام). (2) من قوله: وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 211، لا حظ تفسيره لاية 21 – 22 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 230 ح 69. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 230 ح 70. (*)

[ 402 ]

[ حرمت عليكم أمهتكم وبناتكم وأخوتكم وعمتكم وخلتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهتكم التى أرضعنكم وأخوتكم من الرضعة وأمهت نسائكم وربئبكم التى في حجور كم من نسائكم التى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلئل أبنآئكم الذين من أصلبكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما (23) ] نساء الآباء على الابناء (1). إنه كان فحشة ومقتا) علة للنهي، أي أن نكاحهن كان فاحشة عند الله، ما رخص فيه لامة من الامم، ممقوتا عند ذوي المروآت، ولذلك سمي ولد الرجل من زوجة أبيه المقتى (2). وساء سبيلا: سبيل من يراه ويفعله، وقد مر سبب نزولها. حرمت عليكم أمهتكم وبناتكم وأخوتكم وعمتكم


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 212 باب 18 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا ابن الذبيحين وتمام الحديث (سن الدية في القتل مائة من للابل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس، وسمى زمزم حين حفرها سقاية الحاج). (2) الزجاج في قوله تعالى: ” انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ” قال: المقت أشد البغض. المعنى: أنهم (*)

[ 403 ]

وخلتكم وبنات الاخ وبنات الاخت: المراد تحريم نكاحهن لانه معظم ما يقصد منهن، ولانه المتبادر إلى الفهم. والامهات تعم من ولدتك أو ولدت من ولدك، وإن علت. والبنات تتناول من ولدتها، أو ولدت من ولدها وإن سفلت. والاخوات تشمل الاخوات من الاوجه الثلاثة، وكذا الباقيات. والنعمة كل انثى ولدها من ولد ذكرا ولدك. والخالة كل انثى ولدها من ولد انثى ولدتك قريبا أو بعيدا. وبنات الاخ وبنات الاخت تتناول القربى والبعدى. وأمهتكم التى أرضعنكم وأخوتكم من الرضعة: سما هما اما واختا، لانه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): للرضاع لحمة كلحمة النسب (2) فعم التحريم. وأمهت نسائكم: وإن علون. وربئبكم التى في حجوركم من نسائكم التى دخلتم بهن: أي دخلتم بهن في الستر، وهي كناية عن الجماع. والربائب جمع ربيبة، والربيب ولد المرأة من آخر، سمي به لانه يربه كما يربي ولده، في غالب الامر فعيل بمعنى مفعول، وإنما لحقته التاء، لانه صار اسما، و ” اللاتي في حجوركم ” صفة لها، وفائدتها تقوية العلة وتكميلها. والمعنى أن الربائب إذا كانت في احتضانكم، قوى الشبه بينها وبين أولادكم، فصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم، لا تقييد الحرمة، و ” اللاتي دخلتم بهن ” صفة للنساء، والثاني مقيدة للفظ والحكم، ولا يجوز أن يكون صفة للنساءين، لان عاملهما مختلف.


(1) اعلموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له مقت، وكان المولود عليه يقال له: المقتي (لسان العرب: ج 2 ص 90 في لغة مقت). (1) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 44 ح 55، وفي: ج 2 ص 268 ح 22 ولفظه (إن الله حزم من الرضاعة ما حرم من النسب) وفي مجمع البيان: ج 3 ص 28 نحوه. (2) نقله في الصافي: ج 1 ص 403، ولم نعثر عليه في كتب الاخبار. (*)

[ 404 ]

فالحاصل من مضمون الآية: أن امهات النساء حرام مطلق، دخل بالنساء أم لم يدخل إذا عقد عليها، ولا يحرم بنات النساء إلا إذا دخل بالامهات. ففي من لا يحضره الفقيه، والتهذيب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام، فإذا لم يدخل بالام فلا بأس أن يتزوج بالابنة. وإذا تزوج الابنة فدخل بها أولم يدخل بها فقد حرمت عليه الام (1). وقال (عليه السلام): الربائب حرام كن في الحجر، أو لم يكن (2). وفي رواية اخرى قال: الربائب عليكم حرام مع الامهات اللاتي قد دخلتم بهن، هن في الحجور وغير الحجور سواء والامهات مبهمات دخل بالبنات أولم يدخل بهن فحرموا وابهموا ما أبهم الله (3). فما ورد عنهم (عليهم السلام) بخلاف ذلك محمول على التقية لموافقته العامة ومخالفته القرآن. وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد بن حريز، عن أبي الربيع قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فمكث أياما لا يستمتعها غير أنه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثم يطلقها أيصلح له أن يتزوج ابنتها ؟ فقال: لا يصلح له وقد رأى من امها ما رأى (4). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معلى بن الحكيم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت له جارية فعتقت فتزوجت فولدت أيصلح لمولاها الاول أن يتزوج ابنتها ؟ قال: هي حرام عليه وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء قرأ هذه الآية: ” وربائبكم


(1) التهذيب: ج 7 ص 273 باب 25 من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام، ح 2. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 262 باب ما أحل الله (عز وجل) من النكاح وما حرم منه ح 33. (3) التهذيب: ج 7 ص 273 باب 25 من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 1. (4) الكافي: ج 5 ص 423 باب الرجل يتزوج المرأة فيطلقها أو تموت قبل ان يدخل بها أو بعده فيتزوج امها أو بننها ح 5. (*)

[ 405 ]

اللاتي في حجوركم من نسائكم ” (1). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) مثله (2). أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل يكون له الجارية يصيب منها أله أن ينكح ابنتها ؟ قال: لا هي مثل قول الله (عز وجل): ” وربائبكم اللاتي في حجوركم ” (3). أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل طلق امر أته فبانت منه ولها ابنة مملوكة فاشتراها، أيحل له أن يطأها ؟ قال: لا. وعن الرجل تكون عنده المملوكة وابنتها، فيطأ إحداهما فتموت وتبقى الاخرى، أيصلح له أن يطأها ؟ قال: لا (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن الخوارج زعمت أن الرجل إذا كانت لاهله بنت ولم يربها ولم يكن في حجره، حلت له، لقول الله: ” اللاتي في حجوركم ” ثم قال الصادق (عليه السلام): لا تحل له (5). فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم: تصريح بعد إشعار، دفعا للقياس. وفي الكافي: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن


(1) الكافي: ج 5 ص 433 باب الجمع بين الاختين من الحرائر والاماء، ح 10 وفيه (ثم قرأ هذه الآية). (2) الكافي: ج 5 ص 433 باب الجمع بين الاختين من الحرائر والاماء، ح 11. (3) الكافي: ج 5 ص 433 باب الجمع بين الاختين من الحرائر والاماء، ح 12. (4) الكافي: ج 5 ص 433 كتاب النكاح باب الجمع بين الاختين من الحرائر والاماء ح 13. (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 135 عند تفسيره لاية 23 من سورة النساء. (*)

[ 406 ]

يدخل بها، يتزوج بامها ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا، فقلت: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي (عليه السلام) في هذه الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك، ثم أتى عليا (عليه السلام) فسأله، فقال له علي (عليه السلام) من أين أخذتها ؟ قال: من قول الله (عز وجل): ” وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ” فقال علي (عليه السلام): إن هذه مستثناة وهذه مرسلة وامهات نسائكم فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما تسمع ما يروى هذا عن علي (عليه السلام)، فلما قمت ندمت وقلت: أي شئ صنعت يقول: قد فعله رجل منا فلم نربه بأسا، وأقول أنا: قضى علي (عليه السلام) قضى بها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت، يقول كان زلة مني فما تقول فيها ؟ فقال: يا شيخ تخبرني أن عليا (عليه السلام) قضى بها وتسألني ما تقول فيها (1) (2)


(1) قوله (في الشمخية) يحتمل أن تسميتها بها، لانها صارت سببا لافتخار الشيعة على العامة، وقال الوالد العلامة: إنما المسألة بالشمخية بالنسبة إلى ابن مسعود، فإنه عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ، أو لتكبر ابن مسعود فيها عن متابعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقال: شمخ بأنفه، أي تكبر وارتفع. والتقية ظاهر من الخبر انتهى. وأقول: أكثر علماء الاسلام على أن تحريم امهات النساء ليس مشروطا بالدخول بالنساء لقوله تعالى: ” وامهات نسائكم ” الشامل للمدخول بها وغيرها، والاخبار الواردة في ذلك كثيرة. وقال ابن عقيل منا، وبعض العامة: لا تحرم الامهات إلا بالدخول ببناتهن كالبنات، وجعلوا الدخول المعتبرة في الآية متعلقا بالمعطوف والمعطوف عليه جميعا والصحيحة جميل بن دراج وحماد وغيره، وأجاب الشيخ عن الاخبار بأنها مخالفة للكتاب، إذ لا يصح العود إليهما معا، وعلى تقدير العود إلى الاخيرة تكون (من) في ابتدائية وعلى تقدير العود إلى الاولى بيانية، فيكون من قبيل عموم المجاز وهو لا يصح، وقيل: يتعلق الجار بهما ومعناه مجرد الاتصال على حد قوله تعالى: ” المنافقون بعضهم من بعض ” ولا ريب أن امهات النساء متصلات بالنساء، ولا يخفى أنه إيضا خلاف الظاهر، ولا يكون الاستدلال إلا به (مرآة العقول: ج 3 ص 473). (2) الكافي: ج 5 ص 422 كتاب النكاح باب الرجل يتزوج المرأة فيطلقها أو تموت قبل أن يدخل بها أو بعده فيتزوج امها أو بنتها ح 4. (*)

[ 407 ]

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الام والابنة سواء إذا لم يدخل بها، إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإنه إن شاء تزوج امها وإن شاء تزوج ابنتها (1). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة متعة، أيحل له أن يتزوج ابنتها ؟ قال: لا (2). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تزوج امرأة، فنظر بعض جسدها، أيتزوج ابنتها ؟ قال: لا إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها (3). أقول: قد ذكرنا أن ما ورد عنهم (عليهم السلام) بخلاف ما يدل عليه ظاهر القرآن والاخبار الصحيحة، محمول على التقية، لموافقة العامة، ومخالفة القرآن، وقد رد شيخ الطائفة في التهذيب الاحاديث المتضمنة لعدم تحريم الام بدون الدخول بالبنت، للشذوذ ومخالفة ظاهر الكتاب، قال: وكل حديث ورد هذا المورد فإنه لا يجوز العمل عليه، لانه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الائمة (عليهم السلام) أنهم قالوا: إذا جاءكم حديث عنا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطر حوه أو ردوه علينا (4). وحلئل أبنآئكم: زوجاتهم. سميت الزوجة حليلة لحلها، أو لحلولها مع الزوج.


(1) الكافي: ج 5 ص 421 كتاب النكاح، باب الرجل.. ح 1. (2) الكافي: ج 5 ص 422 كتاب النكاح، باب الرجل.. ح 2. (3) الكافي: ج 5 ص 422 كتاب النكاح، باب الرجل.. ح 3. (4) التهذيب: ج 7 ص 275 باب 25 من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ذيل ح 5 و 6. (*)

[ 408 ]

الذين من أصلبكم: احترازا عن المتبني، لا عن أبناء الولد، فإنهم الاولاد للصلب فيشملونهم وإن سفلوا. في الكافي والتهذيب: عن الصادق (عليه السلام): في الرجل يكون عنده الجارية يجردها وينظر إلى جسدها نظر شهوة هل تحل لابيه ؟ وإن فعل أبوه هل تحل لابنه ؟ قال: إذا نظر إليها نظر شهوة، ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه، وإن فعل ذلك الابن لم تحل للاب (1). وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في حديث: هل كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حليلتي الحسن والحسين (عليهما السلام) ؟ فإن قالوا: نعم كذبوا وفجروا، وإن قالوا: لا فهما أبناء لصلبه (2). وفي هذا الخبر دلالة على أن ولد البنت ولد الصلب، وحليلته تحرم على الجد. وفي الخبر الاول دلالة على تحريم حليلة الابن وإن لم يدخل بها الابن. وأن تجمعوا بين الاختين: في موضع الرفع عطفا على المحرمات، والحرمة غير مقصورة على النكاح بل يشمل النكاح وملك اليمين. وفي كتاب علل الشرائع: باسناده إلى مروان بن دينار قال: قلت لابي إبراهيم (عليه السلام) لاي علة لا يجوز للرجل ان يجمع بين الاختين في عقد واحد فقال لتحصين الاسلام وفي سائر الاديان ترى ذلك. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): في رجل طلق امرأته أو اختلعت، أو بارءت أله أن يتزوج باختها ؟ قال: إذا برأت عصمتها ولم يكن عليها رجعة، فله أن يخطب اختها. وفي رجل كانت عنده اختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الاخرى، قال: إذا وطأ الاخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الاخرى،


(1) الكافي: ج 5 ص 418 باب ما يحرم على الرجل مما نكح ابنه وأبوه وما يحل له ح 2، والتهذيب: ج 8 ص 212 باب 9 السراري وملك الايمان ح 64، ولفظ الحديث مع ما في التهذيب مختلف والمقصود واحد وما نقله في المتن موافق للتهذيب، فلا حظ. (2) لم نعثر عليه في الكافي، ورواه في الوسائل عن الاحتجاج، لا حظ الوسائل: ج 14 ص 316 كتاب النكاح باب 2 من أبواب المصاهرة، ح 12. (*)

[ 409 ]

قلت: أرأيت إن باعها أتحل له الاولى ؟ قال: إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الاخرى شئ، فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى، فلا ولا كرامة (1). وفي التهذيب: عنه عن أبيه (عليهما السلام) في اختين مملوكتين تكونان عند الرجل جميعا ؟ قال: قال علي (عليه السلام): أحلتهما آية وحرمتهما آية اخرى، وأنا أنهى عنها نفسي وولدي انتهى (2). والآية المحللة قوله سبحانه: ” والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ” (3). والآية المحرمة هي قوله (عز وجل): ” وأن تجمعوا بين الاختين “. وجعل في التهذيب مورد الحل الملك ومورد الحرمة الوطئ (4). ومما يدل على أن موردهما واحد ما رواه فيه عن الباقر (عليه السلام): أنه سئل عما يروي الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه وولده، فقيل: كيف يكون ذلك ؟ قال: أحلتها أية وحرمتها اخرى، فقيل: هل الآيتان أن تكون إحداهما نسخت الاخرى، أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما ؟ فقال: قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده، قيل: ما منعه أن يبين ذلك للناس ؟ قال: خشي أن لا يطاع، ولو أن أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام الكتاب كله والحق كله، انتهى (5). ووجه أنه (عليه السلام) لم يصرح بالحق، أن عثمان عليه ما عليه رجح التحليل


(1) الكافي: ج 5 ص 432 كتاب النكاح باب الجمع بين الاختين من الحرائر والاماء، ح 7. (2) التهذيب: ج 7 ص 289 باب 25 من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 51. (3) المؤمنون: 6. (4) التهذيب: ج 7 ص 289 باب 25 من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ذيل ح 51. (5) التهذيب: ج 7 ص 463 باب 41 من الزيادات في فقه النكاح ح 64. (*)

[ 410 ]

في وطئ الاختين المملوكتين كما نقلوا عنه (1). إلا ما قد سلف استنثاء من لازم المعنى، أو منقطع، معناه: لكن ما سلف مغفور له. إن الله كان غفورا رحيما: أي يغفر لما سلف منهم قبل الاسلام من الجمع بين الاختين، فإن الاسلام يجب ما قبله. وفي كتاب الخصال: عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) أنه قال: سئل أبي (عليه السلام) عما حرم الله (عز وجل) من الفروج في القرآن وعما حرمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنته ؟ فقال: الذي حرم الله (عز وجل) من ذلك: أربعة وثلاثون وجها، سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السنة، وأما التي في القرآن فالزنا، قال الله (عز وجل): ” ولا تقربوا الزنا ” (2) ونكاح امرأة الاب، قال الله (عز وجل): ” ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ” و ” امهاتكم وبناتكم واحواتكم وعما تكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم واخواتكم من الرضاعة وامهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف “، والحائض حتى تطهر قال الله (عز وجل): ” ولا تقربوهن حتى يطهرن ” (3) والنكاح في الاعتكاف، قال الله (عز وجل): ” ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ” (4). فأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا، وتزويج الملا عنة بعد اللعال. والتزويج في العدة والمواقعة في الاحرام. والمحرم يتزوج أو يزوج، والمظاهر قبل أن


(1) قال البيضاوي: ج 1 ص 213 عند تفسيره لقوله تعالى: ” إلا مالمكت ايمانكم “: ما لفظه (وقوله: أو ما ملكت أيمانكم، فرجح علي كرم الله وجهه التحريم وعثمان رضي الله عنه التحليل، وقول علي أظهر، لان آية التحليل مخصوصة في غير ذلك، ولقوله (عليه الصلاة والسلام): ما اجتمع الحلال أظهر، لان آية التحليل مخصوصة في غير ذلك، ولقوله (عليه الصلاة والسلام): ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام). (2) الاسراء: 32. (3) البقرة: 222. (4) البقرة: 187. (*)

[ 411 ]

[ * والمحصنت من النساء إلا ما ملكت أيمنكم كتب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأمولكم محصنين غير مسفحين فما استمتعتم به منهن فا توهن أجور هن فريضة ولا جناح عليكم فيما ترضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما (24) ] يكفر، وتزويح المشركة، وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات، وتزويج الامة على الحرة، وتزويج الذمية على المسلمة، وتزويج المرأة على عمتها، وتزويج الامة من غير إذن مولاها، وتزويج الامة لمن يقدر على تزويج الحرة، والجارية من السبي قبل القسمة، والجارية المشتركة. والجارية المسترابة قبل أن يستبرئها، والمكاتبة التي قد أدب بعض المكاتبة (1). والمحصنت من النساء: ذوات الازواج، احصنهن التزويج، أو الازواج. وقرأ الكسائي في جميع القرآن غير هذا الحرف بكسر الصاد، لا نهن أحصن فروجهن. وفي من لا يحضره الفقيه، وتفسير العياشي: عن الصادق (عليه السام) من ذوات الازواج (2). إلا ما ملكت أيمانكم: من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار، فإنهن حلال


(1) الخصال: ص 532 أبواب الثلاثين وما فوقه (الفروج المحرمة في الكتاب والسنة على أربعة وثلاثين وجها) ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 276 باب 129 الاحصان قطعة من ح 2، وتفسير العياشي: ج 1 ص 232 ح 81. (*)

[ 412 ]

للسابين، والنكاح مرتفع بالسبي كما في مجمع البيان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)، واللائي اشترين ولهن أزواج، فإن بيعهن طلاقهن، كما في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في عدة روايات (2) واللائي تحت العبيد فيأمرهم مواليهم بالاعتزال، ويستبرئوهن ثم يمسو هن بغير نكاح. عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانك “، قال: هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته، فيقول له: اعتزل امر أتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها (فإذا) (3) حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح (4). كتب الله عليكم: مصدر لفعل محذوف، أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا. وقرئ ” كتب الله ” بالجمع والرفع، أي هذه فرائض الله عليكم، وكتب الله بلفظ الفعل. وأحل لكم: عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعون عطفا على ” حرمت “. ما وراء ذلكم: سوى المحرمات الثمان المذكورة، وخرج عنه بالسنة ما في معنى المذكورات، كسائر محرمات الرضاع، والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها بغير إذنها. في الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن (الحسن) (5) بن


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 31 عند تفسيره لآية 24 من سورة النساء قال: (من سبي من كان له زوج عن علي عليه السلام). (2) الكافي: ج 5 ص 483 كتاب النكاح باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج حر أو عبد، فلا حظ. (3) في النسخة – أ: (إذا) والصحيح ما أثبتناه. (4) الكافي: ج 5 ص 481 كتاب النكاح باب الرجل يزوج عبده امته ثم يشتهيها، ح 2. (5) في النسخة – أ – (الحسين) والصحيح ما أثبتناه من المصدر وكب الرجال. (*)

[ 413 ]

علي بن فضال، عن ابن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تزوج ابنة الاخ ولا ابنة الاخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما. وتزوج العمة والخالة على ابنة الاخت بغير اذنهما (1). عدة من أصحابنا: عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ابي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) قال: لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها إلا بإذن العمة والخالة (2). وفي تهذيب الاحكام: محمد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمد، عن موسى ابن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها ؟ قال: لا بأس، وقال: تزوج العمة والخالة على ابنة الاخ وابنة الاخت، ولا تزوج بنت الاخ والاخت على العمة والخالة إلا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل (3). وأما ما رواه في عوالي اللآلئ: عن علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها وخالتها ؟ قال: لا بأس، لان الله (عز وجل) يقول: ” واحل لكم ما وراء ذلكم ” (4). فمحول على أنه إذا كان التزوج بإذنهما. أن تبتغوا بأمولكم محصنين غير مسفحين. مفعول له. والمعنى: احل لكم ما رواء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن، أو أثما نهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين. ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا، وكأنه قيل: إرادة أن تصرفوا أموالكم مخصنين غير مسافحين. أو بدل ” من وراء ذلكم ” بدل الاشتمال.


(1) الكافي: ج 5 ص 424 كتاب النكاح باب المرأة تزوج على عمتها أو خالتها، ح 1. (2) الكافي: ج 5 ص 424 كتاب النكاح باب المرأة تزوج على عمتها أو خالتها، ح 2. (3) التهذيب: ج 7 ص 333 باب 29 نكاح المرأة وعمتها وخالتها وما يحرم من ذلك وما لا يحرم ح 5. (4) عوالي اللآلئ: ج 2 ص 328. (*)

[ 414 ]

والاحصان، العفة، لانها تحصن النفس عن اللوم والعقاب. والسفاح، الزنا، من السفح، وهو صب المني فإنه الغرض منه. فما استمتعتم به منهن: فمن تمتعتم به من المنكوحات. أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن. فاتوهن أجور هن: مهور هن، سمي أجرآ لانه في مقابلة الاستمتاع. فريضة: حال من الاجور، بمعنى مفروضة، أو صفة مصدر محذوف، اي إيتاء مفروضا. أو مصدر خذف عامله (2)، أي فرض ذلك الايتاء فريضة، ناب عن فعله. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن الحسن ابن رباط، عن حريز، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة ؟ فقال: أي المتعتين تسأل ؟ فقال: سألتك عن متعة الحج، فأنبئني عن متعة النساء هي حق ؟ فقال: سبحان الله اما تقرأ كتاب الله ؟ ” فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجور هن فريضة ” فقال أبو حنيفة: والله لكأنها آية أقرأها قط (2). عدة من أصحابنا: عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المتعة ؟ فقال: نزلت في القرآن: ” فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة ” (3) (4).


(1) من قوله: (مفعول له) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 213، لا حظ تفسيره لآية 24 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 5 ص 449، أبواب المتعة ح 6. (3) الكافي: ج 5 ص 448، أبواب المتعة ح 1. (4) قال في المسالك: اتفق المسلمون على أن هذا النكاح كان سائغا في صدر الاسلام، وفعله الصحابة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزمن أبي بكر وبرهة من ولاية عمر، ثم نهى عنه وادعى أنه منسوخ، وخالفه جماعة من الصحابة، ووافقه قوم وسكت آخرون، وأطبق أهل البيت (عليهم (*)

[ 415 ]

السلام) على بقاء مشروعيته، وأخبارهم فيه بالغة حد التواتر لا تختلف فيه مع كثرة اختلافها في غيره، سيما فيما خالف فيه الجمهور، والقرآن ناطق بشرعيته. وقد اضطربت رواياتهم في نسخة فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنا نغزوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، قرأ عبد الله: ” يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ” ” لا حظ صحيح مسلم: ج 2 ص 1022 كتاب النكاح باب 3 نكاح المتعة ح 11 وفيه: (ألا نستخصي) ” وروى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: إنما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما ترى أنه يقيم فيحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى نزلت هذه الآية: ” إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم ” ” لا حظ صحيح الترمذي: ج 3 ص 430 كتاب النكاح باب 29 ما جاء في تحريم نكاح المتعة، ح 1122 ” ورووا في الصحيحين عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر ” لا حظ صحيح مسلم: ج 2 ص 1027 كتاب النكاح باب 3 نكاح المتعة، ح 29 و 30 و 32 31، ورووا عن سلمة بن الاكوع (رضي الله عنه) قال: رخص لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها (لا حظ صحيح مسلم: ج 2 ص 1023 كتاب النكاح باب 3 نكاح المتعة، ح 18) ورووا عن سبرة الجهني أنه غزا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح مكة قال: فأقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في متعة النساء ثم لم يخرج حتى نهانا عنا (لا حظ صحيح مسلم: ج 2 ص 1024 كتاب النكاح باب 3 نكاح المتعة ح 20 و 21 و 22 و 23 وغيرها). رواه مسلم ورواه أبو داود وأحمد عنه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع نهى عنها (لا حظ سنن أبي داود: ج 2 ص 226، كتاب النكاح، باب في نكاح المتعة، ح 2072). فتأمل هذا الاختلاف العظيم في رواية نسخها. وأين النهي عنها في خيبر، والاذن فيها في الاوطاس، ثم النهي عنها بعد ثلاثة أيام، مع الحكم بأنها كانت سائغة في أول الاسلام إلى آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة شرعيتها، ثم الاذن فيها في فتح مكة وهي متأخرة عن الجمع، فلزم على هذا أن تكون شرعت مرارا ونسخت كذلك. ثم لو كان نسخها حقا لما اشتبه ذلك على الصحابة في زمن خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم شاع النهي عنها. وما أحسن ما وجدته في بعض كتب الجمهور: أن رجلا كان يفعلها، فقيل له: عمن أخذت حلها ؟ فقال: عن عمر، فقالوا له: وكيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب على (*)


[ 416 ]

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما نزلت فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى (1) فاتوهن اجورهن فريضة (2). عدة من أصحابنا: عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ” فقال: ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشئ يعطيها فترضى به (3). وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان يقرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فاتوهن اجورهن فريضة. فقال هو أن تزوجها إلى أجل ثم يحدث شيئا بعد الاجل (4). عن عبد الله بن سلام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول في المتعة ؟ قال: قول الله: ” فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة ” إلى اجل مسمى ” ولا جناح عليكم فيما ترضيتم به من بعد الفريضة ” قال: قلت: جعلت فداك هي من الاربع: قال: ليست من الاربع إنما هي الاجارة (5). وفيه: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال جابر بن عبد الله، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنهم غزوا معه، فأحل لهم المتعة


فعلها ؟ ! فقال: لقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا وأنا احرمهما واعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النساء، فأنا أقبل روايته في شرعيتهما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أقبل نهيه من قبل نفسه. (مرآة العقول: ج 3 ط حجري ص 481). (1) هذه زيادة تفسيرية، قرأ بها ابن مسعود أيضا. وليس بمعنى اسقاطها من الكتاب. راجع وصفنا لمصحف ابن مسعود في التمهيد ج 1 ص 257. (2) الكافي: ج 5 ص 449 كتاب النكاح، أبواب المتعة، ح 3. (3) الكافي: ج 5 ص 456، كتاب النكاح، ابواب المتعة، ح 3. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 234 ح 87. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 234 قطعة من ح 88. (*)

[ 417 ]

ولم يحرمها، وكان علي (عليه السلام) يقول: لولا ما سبقني به ابن الخطاب، يعني عمر، ما زنى إلا شفي. وكان ابن عباس يقول ” فما استمتعتم به منهن ” إلى اجل مسمى يقول: إذا آتيتموهن اجورهن وهؤلاء يكفرون بها ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحلها ولم بحرمها (1). ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة: من زيادة في المهر، أو الاجل، أو نتصان فيهما أو غير ذلك مما لا يخالف الشرع. وفي تفسير العياشي. عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة قال: نزلت هذه ” فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ” قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الاجل فيما بينكما، تقول: استحللتك بأجل آخر برضا منها، ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها، وعدتها حيضتان (2). إن الله كان عليما: بالمصالح. حكيما: فيما شرع من الاحكام. في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): المتعة نزل بها القرآن، وجرت بها السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). وفي من لا يحضره الفقيه: عنه (عليه السلام): ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا (4). واعلم أن عمر عليه ما عليه حرم المتعة، متعة النساء ومتعة الحج بقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا محرمهما، ومعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النساء (5).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 233 ح 85 وفي كنز العمال للمتقي الهندي: ج 16 ص 522 ح 45728 وفيه ما زنى إلا شقى، بالقاف. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 233 ح 86. (3) الكافي: ج 5 ص 449 كتاب النكاح، أبواب المتعة ح 5. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 291 باب 143 المتعة ح 1. (5) كنز العمال: ج 16 ص 519 ح 45715 وص 521 ح 45722. (*)

[ 418 ]

وبقوله: ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا محرمهن ومعاقب عليهن، متعة الحج ومتعة النساء، وحي على خير العمل في الاذان (1). وفي الكافي: جاء عمير الليثي (2) إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: ما تقول: في متعة النساء ؟ فقال: أحلها الله في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي حلال إلى يوم القيامة، فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها ؟ فقال: وإن كان فعل، قال: قال: فإني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرمه عمر، فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهلم الا عنك، أن القول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن الباطل ما قال صاحبك، قال: فأقبل عبد الله بن عمير فقال: يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك ؟ ! فقال: أعرض عنه أبو جعفر (عليه السلام) حين ذكر نساءه وبنات عمه (3). وفيه: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق (4) فقال له: يا


(1) رواه المحدث العلامة في الوافي: ص 53 (أبواب وجوه النكاح، باب 54 إثبات المتعة وثوابها) في ضمن بيان حديث (ما زنى الا شقي). (2) هكذا في النسخ، والصحيح (عبد الله بن عمير اليثي) لا حظ كتب الاحاديث والرجال، قال في تنقيح المقال: ج 2 ص 201 تحت رقم 6999 ما لفظه: (عبد الله بن عمير الليثي، كذا في نسخة مصححة، وفي نسخة اخرى. عبد الله بن عمر مكبرا مضموم العين، وليس له ذكر في كتب رجالنا، نعم عده أبو موسى من الصحابة. ويدل على ضعفه جدا، وكونه من العامة المعاندين للحق ما رواه الشيخ في باب المتعة من التهذيب، بسند صحيح على المختار، حسن بإراهيم على المشهور، عن محمد ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال هل: ما تقوله: في المتعة، إلى آخر الحديث كما في المتن). (3) الكافي: ج 5 ص 449 كتاب النكاح، أبواب المتعة ح 4. (4) محمد بن علي بن النعمان الاحوال، أبو جعفر، الملقب ب‍ (مؤمن الطاق) قال في الفهرست: محمد بن النعمان الاحول (رحمه الله) يلقب عندنا ب‍ (مؤمن الطاق) ويلقبه المخالفون ب‍ (شيطان الطاق) من أصحاب أبي عبد الله، جعفر بن محمد، وكان ثقة متكلما حاذقا حاضر الجواب له كتب. وفي فهرست (*)

[ 419 ]

أبا جعفر ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال ؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك يستمتعن ويكسبن عليك (1) ؟ فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يرغب فيها وإن كانت حلالا، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم. ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أتزعم أنه حلال ؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكسبن عليك ؟ فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة وسهمك أنفذ، ثم قال: يا أبا جعفر إن الآية التي في (سأل سائل) تنطق بتحريم المتعة (2)، والرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت بنسخها، فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة، إن سورة (سأل سائل) مكية وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذة ردية. فقال أبو حنيفة: وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة، فقال له أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث، فقال أبو حنيفة: من أين قلت ذلك ؟ فقال أبو جعفر: لو أن رجلا من المسلمين تزوج با مرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها ؟ قال: لا ترث منه، فقال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث، ثم افترقا (3). * * *


ابن النيدم روى عن علي بن الحسين، وأبي جعفر، وأبي عبد الله (عليهم السلام)، وكانت له مع أبي حنيفة حكايات كثيرة، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: أربعة أحب الناس إلي أحياء وأمواتا، بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الاحول. (تلخيص من تنقيح المقال: ج 3 ص 160 تحت رقم 11147). (1 و 2) وتعدية الكسب ب‍ (على) لعله لتضمين معنى الانفاق ونحوه، والآية التي في ” سأل سائل ” هي قوله سبحانه: ” والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم “. وكأنه لم يعرف أن التمتع بها من جملة الازواج، ولما تحدس منه الطاقي أنه لا يقبل منه هذا، عدل إلى جواب آخر، وهو تأخر نزول آية الاباحة عن آية التحريم. والعائد في (بنسخها) راجع إلى المتعد لا الآية (الوافي: ص 54، أبواب وجوه النكاح، باب إثبات المتعة). (3) الكافي: ج 5 ص 450 كتاب النكاح، أبواب المتعة ح 8. (*)

[ 420 ]

[ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنت المؤمنت فمن ما ملكت أيمنكم من فتيتكم المؤمنت والله أعلم بإيمنكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتو هن أجورهن بالمعروف محصنت غير مسفحت ولا متخذت أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفحشة فعليهن نصف ما على المحصنت من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم (25) ] ومن لم يستطع منكم طولا: غنى، كذا في مجمع البيان عن الباقر (عليه السلام) (1). وأصله الفضل والزيادة. أن ينكح المحصنت المؤمنت: في موضع النصب بفعل مقدر، صفة ل‍ ” طولا ” أي من لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات، أو تطولا. وجعله بمعنى اعتلاء، أي من لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات أي الحرائر، أحصنتهن الحرية عن الوطئ بغير عقد، أو عن الزنا. فمن ما ملكت أيمنكم من فتيتكم المؤمنت: يعني الاماء المؤمنات. في الكافي: أبان، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 33 في تفسيره لآية 25 من سورة النساء قال: أي لم يجد منكم غنى، عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام). (*)

[ 421 ]

سألته عن الرجل يتزوج الامة ؟ قال: لا إلا أن يضطر إلى ذلك (1). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر، المملوكة اليوم، إنما كان ذلك حيث قال الله (عز وجل): ” ومن لم يستطع منكم طولا ” والطول المهر، ومهر الحرة اليوم مهر الامة أو أقل (2). والله أعلم بإيمنكم: فاكتفوا بظاهر الايمان، فإنه العالم بالسرائر، أو بتفاضل ما بينكم من الايمان فرب أمة تفضل الحرة فيه، ومن حقكم أن تعتبروا فضل الايمان لا فضل النسب، والمقصود تأنيسهم بنكاح الاماء ومنعهم عن الاستنكاف منه. بعضكم من بعض: أنتم ومما ليككم متناسبون، نسبكم من آدم ودينكم الاسلام. فانكحوهن بإذن أهلهن: أي أربابهن. وفي من لا يحضره الفقيه: روى داود بن الحصين، عن أبي العباس البقباق قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): يتزوج الرجل بالامة بغير علم أهلها ؟ قال: هو زنا، إن الله يقول: ” فانكحوهن بإذن أهلهن ” (3). وأما ما رواه في تهذيب الاحكام: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها ؟ فقال: إن كان لامرأة فنعم، وإن كانت لرجل فلا (4). فمحول على ما إذا كان التزوج بالمتعة. يدل عليه ما رواه فيه: عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن


(1) الكافي: ج 5 ص 360، كتاب النكاح، باب الحر يتزوج الامة ح 6. (2) الكافي: ج 5 ص 360 كتاب النكاح، باب الحر يتزوج الامة ح 7. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 286 باب 141 أحكام المماليك والاماء ح 5. (4) التهذيب: ج 7 ص 258 باب 24 تفصيل أحكام النكاح ح 40. (*)

[ 422 ]

الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس أن يتمتع الرجل بأمة المرأة، فأما الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره (1). وما رواه في الاستبصار: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا (عليه السلام) أيتمتع بالامة بإذن أهلها ؟ قال: نعم، إن الله تعالى يقول: ” فانكحوهن بإذن أهلهن ” (2). محمول على ما إذا كان أهلها رجلا. وءاتوهن أجورهن: بإذن أهلهن، فحذف لتقدم ذكره. أو إلى مواليهن، فحذف للعم بأن المهر للسيد، لانه عوض حقه، فيجب أن يؤدى إليه. ويحتمل أن يكون الاذن في التزوج كافيا في إيتاء المهور إليهن، فلا يلزم ارتكاب حذف. بالمعروف: من غير مطل وضرار ونقصان. محصنت: عفائف. غير مسفحت: غير مجاهرات بالسفاح. ولا متخذت أخدان: أخلاء في السر. فإذا أحصن: بالتزويج. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الهمزة والصاد، والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد. فإن أتين بفحشة: زنا. فعليهن نصف ما على المحصنت: يعني الحرائر. وقد سبق بهذا المعنى أيضا. من العذاب: يعني الحد، كما قال تعالى: ” وليشهد عذابهما طائفة ” (3). وفي الآية دلالة: على أن الامة لا ترجم، لان الرجم لا ينتصف. في تفسير علي بن إبراهيم: يعني به الاماء والعبيد إذا زنيا ضربا نصف الحد، فإن عادا فمثل ذلك حتى يفعلوا ذلك ثماني مارت، ففي الثامنة يقتلون. (*)


(1) التهذيب: ج 7 ص 258 باب 24 تفصيل أحكام النكاح ح 41. (2) الاستبصار: ج 3 ص 146 باب 95 جواز التمتع بالاماء ح 1. (3) النور: 2. (*)

[ 423 ]

قال الصادق (عليه السلام): وإنما صار يقتل في الثامنة، لان الله رحمه أن يجمع عليه ربق الرق وحد الحر (1). وفي الكافي ما في معناه عن الصادق (عليه السلام) (2). وعن الباقر (عليه السلام): في الامة تزني ؟ قال: تجلد نصف حد الحرة كان لها زوج أولم يكن لها زوج (3). وفي رواية: لا ترجم ولا تنفى (4). وفي تفسير العياشي: عن القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ” فإذا احضن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ” قال: يعني نكاحهن إذا أتين بفاحشة (5). عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله في الاماء: ” إذا احصن ” نهن أن يدخل بهن، قلت: فإن لم يدخل بهن فأحدثن حدثا هل عليهن حد ؟ قال: نعم، نصف الحر، فإن زنت وهي محصنة فالرجم (6). عن محمد بن مسلم، عن أحد هما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل) في الاماء: ” إذا أحصن “، ما إحصانهن ؟ قال: يدخل بهن، قلت: وان لم يدخل بهن ما عليهن حد ؟ قال: بلى (7). عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المحصنات من الاماء ؟ قال هن المسلمات (8). عن حريز قال: سألته عن المحصن ؟ فقال: الذي عنده ما يغنيه (9). ذالك: أي نكاح الاماء.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 136 عند تفسيره لآية 25 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 7 ص 235 كتاب الحدود، باب ما يجب على المماليك والمكاتبين من الحد ح 7. (3) الكافي: ج 7 ص 234 كتاب الحدود، باب ما يجب على المماليك والمكاتبين من الحد ح 4. (4) الكافي: ج 7 ص 234 كتاب الحدود، باب ما يجب على المماليك والمكاتبين من الحد قطعة من ح 23. (5 و 6 و 7 و 8 و 9) تفسر العياشي: ج 1 ص 235 ح 96 و 94 و 93 و 92 و 95. (*)

[ 424 ]

[ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم (26) ] لمن خشى العنت منكم: لمن خاف الوقوع في الزنا. وهو في الاصل انكسار العظم بعد الجبر، مستعار لكل مشقة وضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة الاثم بأفحش القبائح. وقيل: المراد به الحد وهدا شرط آخر لنكاح الاماء. وفي تفسير العياشي: عن عباد بن صهيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للرجل المسلم أن يتزوج من الاماء إلا من خشي العنت ولا يحل له من الاماء إلا واحدة (1). وأن تصيروا: أي وصبركم عن نكاح الاماء متعففين. خير لكم: من نكاح الاماء، لما فيه من المهانة ونقصان حق الزوج. والله غفور: لمن يصر. رحيم: بأن رخص لهم. يريد الله ليبين لكم: ما تعبدكم به من الحلال والحرام، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم، وأن يبين مفعول ” يريد “، واللام مزيدة لاكيد معنى الاستقبال اللازم للارادة. وقيل: المفعول محذوف، و ” ليبين ” مفعول له، أي يريد الحق لاجله. ويهديكم سنن الذين من قبلكم: منا هج من تقدمكم من أهل الرشد، لتسلكوا طريقتهم. وفي اصول الكافي: محمد، عن أحمد، عن علي بن النعمان رفعه، عن أبي جعفر


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 235 ح 97. (*)

[ 425 ]

قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يمصون الثماد (1) ويدعون النهر العظيم، قيل له: وما النهر العظيم ؟ قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله). والعلم الذي أعطاه الله (عز وجل) جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سنن النبيين من آدم وهلم جرا إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل له: وما تلك السنن ؟ قال: علم النبيين بأسره، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صير ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له رجل: يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم ام بعض النبيين ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): اسمعوا، إن الله يفتح مسامع من يشاء، إني حدثت أن الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين (2). ويتوب عليكم: ويغفر لكم ذنوبكم، أو يرشد كم إلى ما يمنعكم عن المعاصي ويحثكم على التوبة، أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم. والله عليم: بها. حكيم: في وضعها.


(1) قوله: (يمصون الثماد) الثمد، ويحرك، وككتاب، الماء القليل الذي لا مادة له، أو ما يبقى في الجلد، وهو الارض الصلبة، أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف. وفيه تمثيل حيث شبه الحق في تركهم العلم الكثير الصافي والاخذ بالعلم القليل الذي لا مادة له، وهو ينجر بالاخرة إلى الخلط بالشبهات والمفتريات بالعطاش الذين تركوا الماء الكثير الصافي والنهر العظيم الذي له مادة ومصوا الماء القليل الذي لا مادة له، ولا محالة ينتهي. مصهم إلى شرب الماء المختلط بالطين البالغ إلى حد لا يسمى ماء. وقوله: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صير ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) بعضه في حال حياته وبعضه عند موته لما ثبت أنه علمه عند تغسيله علوما كثيرة، أو كله في حياته، وما علمه بعد موته كان من العلوم المختصة به (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن لسائر الانبياء. وقوله: (إن الله يفتح مسامع من يشاء)، في الفائق: المسامع جمع مسمع، وهو آلة السمع، أو جمع المسع على غير قياس كمشابه وملامح في جمع شبه ولمحة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 347). (2) الكافي: ج 1 ص 222 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم، ح 6. (*)

[ 426 ]

[ والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوت أن تميلوا ميلا عظيما (27) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسن ضعيفا (28) يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلآ أن تكون تجرة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ] والله يريد أن يتوب عليكم: كرره للتأكيد والمبالغة. ويريد الذين يتبعون الشهوت: يعني الفجرة، فإن اتباع الشهوات الائتمار لها. وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له في الحقيقة، لالها. وقيل: المجوس، وقيل: اليهود فإنهم يحلون الاخوات من الاب، وبنات الاخ والاخت. أن تميلوا: عن الحق ميلا: بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات. عظيما: بالاضافة إلى من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل لها. يريد الله أن يخفف عنكم: فلذلك شرع لكم الشريعة الحنيفية السمحة السهلة، ورخص لكم في المضايق كإحلال نكاح الامة عند الاضطرار. وخلق الانسن ضعيفا: لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات. يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل: بما لم يبيحه الشرع (1).


(1) من قوله: (ويغفر لكم ذنوبكم أو يرشدكم) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 215 (*)

[ 427 ]

في تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) عنى بها القمار، وكانت قريش نقامر الرجل بأهله وماله، فناهم الله عن ذلك (1). وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام) الربا والقمار والبخس والظلم (2). إلآ أن تكون تجرة عن تراض منكم: استثناء منقطع، أي ولكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه، أو اقصدوا كون تجارة. وتخصيص التجارة من الوجوه التي بها يحل تناول مال الغير، لانها أغلب وأوفق لذوي المروآت. ويجوز أن يراد بها الانتقال مطلقا. وفي تفسير علي بن إبراهيم: يعني بها الشراء، والبيع الحلال (3). وقيل: المقصود بالنهي، المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله، وبالتجارة صرفه فيما يرضاه. وفي الكافي: عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين، أيطعمه عياله (4) حتى يأتي الله (عز وجل) بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب، أو يقبل الصدقة ؟ قال: يقضي بما عنده دينه ولا يأكل من أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم حقوقهم، إن الله (عز وجل) يقول: ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ” ولا يستقرض على ظهره إلا


لا حظ تفسيره لآية (26 و 27 و 28 و 29) من سورة النساء. (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 236 ح 103. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 37 عند تفسيره لاية 29 من سورة النساء. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 136 عند تفسيره لآية 29 من سورة النساء. (4) قوله: (أيطعمه عياله) أي لا يؤدي الدين ويطعم ما في يده عياله، أو يؤديه مما في يده، فإذا أدى فإما أن يستقرض على ظهره، أي بلاعين مال يكون الدين عليه، أو يأخذ الصدقة ؟ فأمره (عليه السلام) برد الدين وقبول الصدقة (مرآة العقول ط حجري: ج 3 ص 388). (*)

[ 428 ]

وعنده وفاء، ولو طاف على أبواب الناس، فردوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين، إلا أن يكون له ولي بقضي دينه من بعده، ليس منا من ميت إلا جعل الله له وليا يقوم في عدته ودينه، فيقضي عدته ودينه (1). وقرأ الكوفيون ” تجارة ” بالنصب على كان الناقصة وإضمار الاسم، أي إلا أن تكون التجارة، أو الجهة تجارة (2). ولا تقتلوا أنفسكم: قيل: بالنخع (3) كما يفعله أهل الهند أو بالقاء النفس إلى التهلكة. أو بارتكاب ما يؤدي إلى قتلها، أو باقتراف ما يذللها ويرديها، فإنه القتل الحقيقي للنفس. وقيل: المراد بالانفس من كان على دينهم، فإن المؤمنين كنفس واحدة (4). في تفسير علي بن إبراهيم: كان الرجل إذا خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغزو، يحمل على العدو وحده من غير أن يأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنهى الله أن يقتل نفسه من غير أمره (5). في مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام): إن معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه (6). وفي تفسير العياشي: عنه (عليه السلام) كان المسلمون يدخلون على عدوهم في


(1) الكافي: ج 5 ص 95 كتاب المعيشة، باب قضاء الدين ح 2. (2) قرئ، تجارة بالرفع والنصب، فالرفع على أنها فاعل (تكون) وهي التامة ولا تفتقر إلى خبر، والنصب على أنها خبر (تكون) وهي الناقصة، وهي تفتقر إلى اسم وخبر، واسمها مضمر فيها، والتقدير فيه، إلا أن تكون التجارة، تجارة. وأن في قوله (إلا أن) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع (البيان) لابن الانباري: ج 1 ص 251). (3) النخع أشد القتل، حتى يبلغ الذبح النخاع وهو الخيط الابيض الذي في فقار الظهر، ويقال له خيط الرقبة (النهاية: ج 5 ص 33 لغة نخع). (4) قاله البيضاوي: ج 1 ص 216 في تفسيره للآية 29 من سورة النساء. (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 136 في تفسيره لآية 29 من سورة النساء. (6) مجمع البيان: ج 3 ص 37 عند تفسيره لآية 29 من سورة النساء، قال: (ورابعها) ماروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أن معناه إلخ. (*)

[ 429 ]

[ ومن يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (31) ] المغارات، فيتمكن منهم عدوهم فيقتلهم كيف شاء، فناهم الله تعالى أن يدخلوا عليهم في المغارات (1). قيل: جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث أنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما يستكمل النفوس ويستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة، كما أشار إليه بقوله: إن الله كان بكم رحيما: أي أمر ما أمر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم (2). معناه: أنه كان بكم يا امة محمد رحيما، لما أمر بني إسرائيل بقتل الانفس ونهاكم عنه. وفي تفسير العياشي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضأ صاحبها ؟ وكيف يغتسل إذا أجنب ؟ قال: يجزيه المسح بالماء عليها في الجناية والوضوء قلت: وإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده ؟ فقرا ؟ فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ” (3). ومن يفعل ذلك: إشارة إلى ما سبق من المنهيات.


(1 و 3) تفسير العياشي: ج 1 ص 237 و 236 قطعة من ح 103 و 102. (2) مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 216، لا حظ تفسيره لآية 29 من سورة النساء. (*)

[ 430 ]

عدونا وظلما: إفراطا في التجاوز عن الحد وإتيانا بما لا يستحقه. وقيل: أراد بالعدوان التعدي، وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب. فسوف نصليبه نارا: ندخله إياها. وقرئ بالتشديد، من صلى، وبفتح النون من صلاه يصليه، ومنه شاة مصلية. ويصليه بالياء، والضمير لله، أو ل‍ ” ذلك ” من حيث أنه سبب الصلي. وكان ذلك على الله يسيرا: لا عسر فيه ولا صارف. إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه: أي كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها. وقرأ كثير على إرادة الجنس. نكفر عنكم سيئاتكم: نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم. وندخلكم مدخلا كريما: الجنة وما وعدتم من الثواب. أو إدخالا مع كرامة. وقرأ نافع هنا وفي الحج بفتح الميم، وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر. وفي تفسير العياشي: عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كنت أنا وعلقمة الحضرمي وابو حسان العجلي وعبد الله بن عجلان ننتظر أبا جعفر (عليه السلام) فخرج علينا، فقال: مرحبا وأهلا، والله لا حب ريحكم وأرواحكم وإنكم لعلى دين الله. فقال علقمة: فمن كان على دين الله فتشهد أنه من أهل الجنة ؟ قال: فمكث هنيئة، قال ونوروا أنفسكم، فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر، فأنا أشهد، قلنا: وما الكبائر ؟ قال: هي في كتاب الله على سبع، قلنا: فعدها علينا جعلنا فداك ؟ قال: الشرك بالله العظيم، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا بعد البينة، وعقوق الوالدين والفرار من الزحف، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، قال: مامنا أحد أصاب من هذا شيئا، قال: فأنتم إذا في الجنة (1). وفي كتاب ثواب الاعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عمر


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 237 ح 104. (*)

[ 431 ]

الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ” ؟ قال: من اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته ويدخله مدخلا كريما. والكبائر السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف (1). وبإسناده إلى محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية قال: من اجتنب ما أو عد الله عليه النار، إذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته (2). وفي كتاب التوحيد: حدثنا أحمد بن زياد بن حفص الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر (3). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله اللله (عز وجل): ” ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ” قال: الكبائر التي أوجب الله (عز وجل) عليها النار (4). وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): ومباين بين محارمه من كبير أو عد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه (5). وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن عباس، عن الحسن بن


(1) ثواب الاعمال: ص 129 (ثواب من اجتنب الكبائر). (2) ثواب الاعمال: ص 130 (ثواب من اجتنب الكبائر). (3) كتاب التوحيد: ص 407 باب 63 الامر والنهي والوعد والوعيد قطعة من ح 6. (4) الكافي: ج 2 ص 276 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 1. (5) نهج البلاغة: ص 45 القرآن والاحكام الشرعية، س 3. (*)

[ 432 ]

عبد الرحمان، عن منصور، عن حريز، عن عبد الله، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: أما والله يا فضيل مالله (عز وجل) حاج غيركم ولا يغفر الذنوب إلا لكم، ولا يقبل إلا منكم، وإنكم لاهل هذه الآية: ” ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما “. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (1). وفي من لا يحضره الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام): من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه، وفي ذلك قول الله (عز وجل): ” أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ” (2). وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله زرارة عن الكبائر ؟ فقال. هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي ؟ قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر، أم ترك الصلاة ؟ قال: ترك الصلاة، قال: قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر ؟ فقال: أي شئ أول ما قلت لك ؟ قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر، يعني من غير علة (3) (4). وفي معاني الاخبار: عن الصادق (عليه السلام) التعرب بعد الهجرة، التارك لهذا الامر بعد معرفته (5).


(1) الكافي: ج 8 ص 288، فضل الشيعة، ح 434 س 16. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 376 باب 179 معرفة الكبائر ح 37. (3) قوله: ” فإن تارك الصلاة كافر، يعني من غير علة) تاركها من غير علة مستخفا بها كافر جاحد، وغير مستخف بها كافر مخالف لاعظم الاوامر. وإطلاق الكفر على مخالفة الاوامر والنواهي شائع كما سيجئ. والظاهر أن (يعني) كلام المصنف (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 249). (4) الكافي: ج 2 ص 278 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 8. (5) معاني الاخبار: ص 265 باب معنى التعرب بعد الهجرة. ح 1. (*)

[ 433 ]

وفي بعض الاخبار عدة أشياء اخر غير ما ذكر من الكبائر: كالاشراك بالله، واليأس من روح الله، والامن من مكر الله، والسحر، والزنا، واليمين الغموس الفاجرة، والغلول، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة وشرب الخمر، وترك الصلاة والزكاة المفروضتين، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، واللواط، والسرقة، إلى غير ذلك (1). وعن ابن عباس: ان الكبائر إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع (2). وفي مجمع البيان: نسب إلى أصحابنا أن المعاصي كلها كبيرة، لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة، وإنما يكون صغيرا بالاضافة إلى ما هو أكبر واستحقاق العقاب عليه أكثر (3). قيل: وتوفيقه مع الآية أن يقال: من عن له أمران ودعت نفسه إليهما بحيث لا يتمالك، فكفها عن أكبرهما، كفر عنه ما ارتكبه، لما استحق من الثواب على اجتناب الاكبر. كما إذا تيسر له النظر بشهوة والتقبيل فاكتفى بالنظر عن التقبيل. ولعل هذا مما يتفاوت أيضا باعتبار الاشخاص والاحوال (فإن حسنات الابرار سيئات المقربين) ويؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرين. ويرد على هذا التوفيق: إن من قدر على قتل أحد، فقطع أطرافه، كان قطع أطرافه مكفرا. وما نسبه في مجمع البيان إلى أصحابنا لا مستند له. وظاهر الآية والاخبار الواردة في تفسيرها وتفسير الكبائر يعطي تمايز كل من


(1) لا حظ الوسائل: ج 11 ص 252 كتاب الجهات، الجهاد، باب أبواب جهاد النفس وما يناسبه. والكافي: ج 2 ص 278، كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر ح 4، والدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 148 في تفسيره لآية 31 من سورة النساء. (2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 146 في تفسره لآية 31 من سورة النساء، وتمامه (غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار) وفيه (إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع) بدون الالف واللام. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 38 في نقله المعنى لآية 31 من سورة النساء ولفظه (وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة عن ابن عباس وإلى هذا ذهب أصحابنا: فإنهم قالوا: المعاصي كلها كبيرة من حيث كانت قبائح لكن بعضها.. إلخ). (*)

[ 434 ]

[ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا واللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما (32) ] الصغائر والكبائر عن صاحبها. وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أكبر الكبائر سبع، الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل أموال اليتامى، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، وإنكار ما أنزل الله: فأما الشرك بالله (عز وجل) العظيم، فقد بلغكم ما أنزل الله فينا، وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فردوا على الله وعلى رسوله. وأما قتل النفس الحرام فقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه (رحمهم الله). وأما أكل أموال اليتامى، فقد ظلموا فينا وذهبوا به. وأما عقوق الوالدين، فقد قال الله تعالى في كتابه: ” النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه امهاتهم ” وهو أب لهم فعقوا في ذريته وفي قرابته. وأما قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمة الزهراء بنت النبي وزوجة الولي (عليهم السلام) والتحية والاكرام على منابرهم. وأما الفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) البيعة طائعين غير كارهين، ثم فروا عنه وحذلوه. وأما إنكار ما أنزل إليه فقد أنكروا حقنا وجحدوا به. هذا مالا يتعاجم فيه أحد إن الله تعالى يقول في كتابه: ” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ” (1). ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض: من الامور الدنيوية كالجاه


(1) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 33 مع تقديم وتأخير وزيادة ونقصان في بعض الكلمات مع المطبوع. (*)

[ 435 ]

والمال، لانه حسد يورث التعادي والتباغض. في مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام): أي لا يقل أحد: ليت ما اعطى فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء، كان لي، فإن ذلك حسد، ولكن يجوز أن يقول: اللهم أعطني مثله (1). وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من تمنى شيئا وهو لله تعالى رضى لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه (2). وفيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: في كل امرئ واحد من الثلاث، الكبر، والطيرة، والتمني. فإذا تطير أحد كم فليمض على طيرته وليذكر الله (عز وجل). وإذا خشي الكبر فليأكل مع عبده وخادمه وليحلب الشاة. وإذا تمنى فليسأل الله (عز وجل) وليبتهل إليه، ولا تنازعه نفسه إلى الاثم (3). اللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن: بيان لذلك، أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله، فاطلبوا الفضل بالعمل، لا بالحسد والتمني. وقيل: المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجب للزيادة والنقص كالمكتسب (4). وسئلوا الله من فضله: أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا لله مثله من خزائنه التي لا تنفد (5). قيل: أولا تتمنوا والسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليهم (6).


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 40 عند تفسيره لآية 32 من سورة النساء. (2) الخصال: باب الواحد (خصلة بخصلة) ص 4 ح 7. (3) الخصال: ص 624 علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعه ائة باب مما يصلح للمسلم في دينه وديناه س 6. (4 و 5 و 6) من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 217، لا حظ تفسيره لآية 32 من سورة النساء. (*)

[ 436 ]

وفي الحديث السالف ما يرد هذا الاخير. وفي اصول الكافي: حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من لم يسأل الله (عز وجل) من فضله افتقر (1). أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ميسر (2) بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا ميسر ادع، ولا تقل الامر قد فرغ منه، إن عند الله (عز وجل) منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبدا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئا، فسل تعط، يا ميسر ليس من باب يقرع ألا يوشك أن يفتح لصاحبه (3) (4). وفي فروعه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس من نفس إلا وقد فرض الله (عز وجل) لها رزقا حلالا يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئا من الحرام قاصها به من الحلال الذي فرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قوله (عز وجل): ” واسألوا الله من فضله ” (5). وفي من لا يحضره الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله (تبارك وتعالى) أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض (عز وجل) المسألة، وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن


(1) الكافي: ج 2 ص 467 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ح 4. (2) ميسر هذا بضم الميم الياء المثناة التحتانية وكسر العين المهملة، وربما يضبط بفتح الميم. (3) لما أبي الله سبحانه أن يجري الاشياء إلا بالاسباب، ومن جملة الاسباب لبعض الامور الدعاء، فمن لم يدع لم يعط ذلك الشئ، وهذا معنى قوله (عليه السلام): إن عند الله منزلة إلى قوله: لم يعط شيئا (الوافي: ص 220 باب فضل الدعاء والحث عليه). (4) الكافي: ج 2 ص 467 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ح 3. (5) الكافي: ج 5 ص 80 كتاب المعيشة باب الاجمال في الطلب، ح 2. (*)

[ 437 ]

يسأل الله (عز وجل) من فضله، ولو شسع نعل (1). وفي تفسير العياشي: عن إسماعيل بن كثير رفع الحديث إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما نزلت هذه الآية: ” واسألوا الله من فضله ” قال أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هذا الفضل ؟ أبكم يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك ؟ قال: فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا أسأله عنه، فسأله عن ذلك الفضل ما هو ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله خلق خلقه وقسم لهم أرزاقهم من حلها، وعرض لهم بالحرام، فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام وحوسب به (2). عن أبي الهذيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله قسم الارزاق بين عباده، وأفضل فضلا كيرا لم يقسمه بين أحد، قال الله: ” واسألوا الله من فضله ” (3). عن الحسين بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك أنهم يقولون: إن النوم بعد الفجر مكروه، لان الارزاق تقسم في ذلك الوقت، فقال: الارزاق مضمونة مقسومة، والله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك قوله: ” واسألوا الله من فضله ” ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الارض (4). إن الله كان بكل شئ عليما: فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان، فيفضل. أو هو يعلم ما يسأله أحد من فضله، فيفضل. ونقل في سبب نزول هذه الآية: إن ام سلمة قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغزوا الرجال ولا نغزوا، وإنما لنا نصف الميراث، ليتنا كنا رجالا، فنزلت (5).


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 40 باب 19 فضل الصدقة ح 28. (2 و 3) تفسير العياشي: ج 1 ص 239 ح 116 و 117. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 240 ح 119. (5) رواه في مجمع البيان: ج 3 ص 40 في سبب نزول الآية. ورواه في التبيان ط بيروت ج 3 ص 184 في سبب نزول الآية. ورواه في الدر المنثور ط بيروت: ج 2 ص 507 في تفسيره للآية. (*)

[ 438 ]

[ ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالد والاقربون والذين عقدت أيمانكم فئا توهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيدا (33) ] ولكل جعلنا موالى مما ترك الولدان والاقربون: أي لكل تركة جعلنا وارثا يلونها ويحرزونها. و ” مما ترك ” بيان ” لكل ” مع الفصل بالعامل. أو لكل ميت جعلنا وارثا مما ترك، على أن ” من ” صلة ” موالي ” لانه في معنى الوارث، وفي ” ترك ” ضمير ” كل ” و ” الوالدان “، ” والاقربون ” مفسر لل‍ ” موالي ” وفيه خروج الاولاد، فإن الاقربون لا يتناولهم، كما لا يتناول الوالدين. أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك الوالدان والاقربون، على أن ” جعلنا موالي ” صفة ” كل ” والراجع إليه محذوف، وعلى هذا فالجملة من مبتدأ وخبر (1). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب قال: أخبرني ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ” ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون ” قال: إنه عنى بذلك اولي الارحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها (2). والذين عقدت أيمنكم: موالي الموالاة. قيل: كان الرجل يعاقد الرجل، فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وحربي


(1) من قوله: (ومما ترك بيان) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 217، لا حظ تفسيره لآية 33 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 7 ص 76 كتاب المواريث، باب بلا عنوان، ح 2. (*)

[ 439 ]

حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتعقل مني وعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف، فنسخ بقوله: ” واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض ” (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم أيضا: أنها منسوخة بقوله: ” واولوا الارحام ” (2). وفي مجمع البيان: عن مجاهد: أن معناه فاعطوهم نصيبهم من النصر والعقل، والرفد ولا ميراث (3). فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة. ويؤيده قوله تعالى: ” أو فوا بالعقود ” (4). وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته يوم فتح مكة: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، فإنه لم يزده الاسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الاسلام (5). وروى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: شهدت حلف أ نا غلام مع عمومتي فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه (6). وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته (7)، يعني دية (جناية خطأ) (8).


(1) لا حظ جامع البيان في تفسير القرآن لابي جرير الطبري: ج 5 ص 33 في تفسيره لآية 33 من سورة النساء. وتفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 510 في تفسيره للآية الشريفة. ومجمع البيان: ج 3 ص 42 في تفسيره للآية الشريفة. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 137 ولفظه (وكان المواريث في الجاهلية على الاخوة لا على الرحم، وكانوا يورثون الحليف والموالي الذين أعتقوهم، ثم نزل بعد ذلك وأولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ” نخست هذه). (3 و 4 و 5 و 6) مجمع البيان: ج 3 ص 41. (7) الكافي: ج 7 ص 171، كتاب المواريث، باب ولاء السائيح ؟ 3. (8) في النسخة – أ -: جناية خطئه والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (*)

[ 440 ]

وقيل: المراد الازواج على أن العقد عقد النكاح (1). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله (عز وجل): ” ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم ” (2) قال: إنما عنى بذلك الائمة (عليهم السلام)، بهم عقد الله (عز وجل) أيمانكم (3). وتوجيه هذا التأويل أن قوله (عز وجل): ” ولكل جعلنا موالي ” ولكل امة من الامم جعلنا موالي أولياء أنبياء وأوصياء، لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ألست أولى بكم من أنفسكم) ؟ قالوا: بلى، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وقوله: ” مما ترك الوالدان ” من العلوم والشريعة. والوالدان، هم النبي والوصي (صلى الله عليهما) لقوله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنا وأنت أبوا هذه الامة)، وقوله: ” والاقربون ” أي إليهما في النسب والعلوم والعصمة، وقوله: ” والذين عقدت أيمانكم ” وهن الائمة، أي والذين عقدت ولايتهم أيمانكم، وهو إيمان الدين، لا إيمان جمع يمين، ليصح التأويل، وقوله: ” واتوهم نصيبهم ” المفروض لهم من الولاية والطاعة.


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 217 في تفسيره لآية 33 من سورة النساء، قال في بيان معنى الآية (أو الازواج على أن العقد عقد النكاح). (2) قوله: ” ولكل جعلنا موالي ” يعني ولكل ميت جعلنا موالي، أي وراثا يرثونه مما تركه، فقوله: (من) صلة للموالي باعتبار أنهم الوارثون وفاعل (ترك) ضمير يعود إلى (كل)، وقوله: ” الوالدان والاقربون ” وما عطف عليهما وهو قوله: ” والذين عقدت ايمانكم ” استئناف مفسر للموالي والاقربون، يتناول الاولاد، كما أن الوالدين يتناول الاجداد والجدات أيضا، وقوله: (إنما عنى بذلك) أي بقوله: ” والذين عقد ايمانكم ” الائمة (عليهم السلام)، بهم عقد الله تعالى أيمانكم، يعني بيعتكم وعهدكم في الميثاق، وصريح في أن الامام وارث لمن مات من هذه الامة، إلا أنه وارث من لا وارث له. هذا الذي ذكره (عليه السلام) أولى مما قيل، من أن المراد بذلك ضامن الجريرة، أو الازواج على أن المراد بالعقد عقد النكاح، لانه أعلم بالكتاب وها هو المراد منه، والحديث صحيح (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 335). (3) الكافي: ج 1 ص 216 كتاب الحجة، باب أن القرآن يهدى للامام، ح 1. (*)

[ 441 ]

[ الرجال قومون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أمولهم فالصلحت قنتت حفظت للغيب بما حقظ الله والتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرو هن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34) ] وعلى كل تقدير، وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط خبره. فئاتوهم نصيبهم: أو منصوب بمضمر بفسره ما بعده كقولك: زيدا فاضربه، أو معطوف على ” الوالدان ” وقوله: ” فاتوهم ” جملة مسببية عن الجملة المتقدمة مؤكدة لها والضمير للموالي وقرأ الكوفيون ” عقدت ” بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم فحذف العهود واقيم الضمير المضاف إليه مقامه ثم حذف كما حذف في القراءة الاخرى. إن الله كان على كل شئ شهيدا: تهديد على منع نصيبهم. الرجال قومون على النساء: يقومون عليهم قيام الولاة على الرعية. وعلل ذلك بأمرين، موهبي وكسبي، فقال: بما فضل الله بعضهم على بعض: بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الاعمال والطاعات. ولذلك خصوا بالنبوة والامامة وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة وزيادة سهمهم في الميراث. وبما أنفقوا من أمولهم: في نكاحهن كالمهر والنفقة. وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن عمه، عن أحمد


[ 442 ]

ابن أبي عبد الله، عن أبي الحسن البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: ما فضل الرجال على النساء ؟ ” بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ” وقال اليهودي: لاي شئ كان هكذا ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله (عز وجل) آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء وأول من أطاع النساء آدم فأنزله الله (عز وجل) من الجنة، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث، فقال اليهودي: صدقت يا محمد (1). قال البيضاوي: روي أن سعد بن الربيع أحد نقباء الانصار نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فشكى، فقال (عليه السلام): لتقص منه، فنزلت، فقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير (2). ويدل على كذب ما نقله: ما تواتر من أخبارنا على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يقدم على أمر لم يوح إليه، وفي هذا الخبر، أنه حكم برأيه ثم نزلت الآية على خلاف رأيه، وهو خلاف ما يجب أن يكون عليه (عليه السلام). فالصلحت قنتت: مطيعات لله، قائمات بحقوق الازواج. وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” قانتات ” يقول: مطيعات (3).


(1) علل الشرائع: ج 2 ص 198 باب 286 العلة التي من أجلها فضل الرجال على النساء، ح 1. (2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء، ونقله في مجمع البيان أيضا لا حظ: ج 3 ص 43. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 137 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (*)

[ 443 ]

حفظات للغيب: أي لمواجب الغيب، أي يحفظن في غيبة الازواج ما يجب حفظه في النفس والمال. وقيل: لاسرارهم (1). وفي تهذيب الاحكام: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن الميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها. وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله (2). بما حفظ الله: حفظ الله إيا هن، بالامر على حفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد، والتوفيق له، أو بالذي حفظ الله لهن عليهم من المهر والنفقة، والقيام بحفظهن، والذب عنهن. وقرئ بالنصب على أن ” ما ” موصولة، فإنها لو كانت مصدرية لم يكن ل‍ ” حفظ ” فاعل (3). والمعنى: بالامر الذي حفظ حق الله، أو طاعته، وهو التعفف والشفقة على الرجال. (1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (2) التهذيب: ج 7 ص 240 كتاب النكاح باب 22 السنة في النكاح ح 4. (3) (ما) فيها وجهان. أحدهما: أن تكون مصدرية، وتقديره، بحفظ الله لهن. والثاني: أن تكون بمعنى الذي أي، الشئ الذي حفظه الله. وقرئ: (بما حفظ الله) بالنصب، و (ما) على هذه القراءة بمعنى الذي، وتقديره، بالشئ، الذي حفظ طاعة الله تعالى وفي (حفظ) ضمير مرفوع هو فاعل يعود إلى (الذي) ولا يجوز أن تكون مصدرية على تقدير بحفظهن الله، وإن كان صحيحا في المعنى إلا أنه فاسد من جهة الصناعة اللفظية، لان (ما) المصدرية حرف وإذا كانت حرفا لم يكن في حفظ ضمير عائد إليها، لانه لا حظ للحرف في عود الضمير، فيبقى (حفظ) بلا فاعل، والفعل لا تدله من فاعل وذلك محال، فوجب أن تكون بمعنى الذي على ما بينا. (البيان في غريب إعراب القرآن لا بن الانباري: ص 252). (*)


[ 444 ]

[ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35) ] والاتي تخافون نشوزهن: أي عصيانهن، وترفعن عن مطاوعتكم، من النشز، وهو الارتفاع في مكان. فعظوهن: بالقول. واهجروهن في المضاجع: أي لم ينجع القول. قيل: فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن، فيكون كناية عن الجماع (1). وقيل: المضاجع المبايت، أي لا تبايتوهن (2). وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، يحول ظهره إليها (3). واضربوهن: إن لم تنفع الهجرة، ضربا غير شديد، لا يقطع لحما ولا يكسر عظما. وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنه الضرب بالسواك (4). فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا: بالتوبيخ والايذاء. إن الله كان عليا كبيرا: فاحذروه، فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم. أو إنه على علو شأنه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم، فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم، أو إنه يتعالى ويكبر أن يظلم أحدا، أو ينقص حقه. وإن خفتم شقاق بينهما: خلافا ونزاعا بين المرء وزوجه لا يرجى معه الاجتماع على رأي، كان كل واحد في شق، أي جانب. وأضمرهما وإن لم يسبق


(1 و 2) نقلهما البيضاوي: ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (3 و 4) مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (*)

[ 445 ]

ذكرهما، لسبق ما يدل عليهما. وأضاف الشقاق إلى الظرف، إما لاجرائه مجرى المفعول به، كقوله: يا سارق الليلة (1). أو الفاعل. كقولهم: نهارك صائم، مجازا عقليا في الاضافة. فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها: قيل: الخطاب للحكام، وقيل: للازواج والزوجات. وفي مجمع البيان: واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو ؟ فقيل: هو السلطان الذي يترافع الزوجان إليه، وهو الظاهر في الاخبار عن الصادق (عليه السلام) (2). والبعث، قيل: لتبيين الامر، والاظهر أنه لا صلاح ذات لبين. وكونه من أهلهما على سبيل الوجوب، فإن الاقارب أعرف ببواطن الاحوال. إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما: أما الضمير الاول للحكمين، والثاني للزوجين، أي إن قصدا الاصلاح أو قع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين، أو كلاهما للحكمين، أي إن قصدا الاصلاح يوفق الله بينهما، ليتفق كلمتها ويحصل مقصود هما. أو للزوجين، أي إن أراد الاصلاح وزوال الشقاق أو قع الله بينهما الالفة والوفاق. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية: قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ويشترطا عليهما، إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا، فإن جمعا فجائز، وإن فرقا فجائز (3).


(1) وتمامه (أهل الدار – يا آخذا مالي ومال جارى) لم يسم قائله. السارق فاعل من سرق منه الشئ أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ ما لغيره، وأهل الدار منصوب على التحذير، أي احذر أهل الدار، والاخذ فاعل من الاخذ بمعنى التناول، والجار بالجيم والراء المهملة الذي يجاور بيتك (جامع الشواهد: ص 370 باب الياء بعده الالف). (2) مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 35 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 2. (*)

[ 446 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية ؟ أرأيت إن استأذن الحكمان، فقالا للرجل والمرأة، أليس قد جعلتما أمر كما إلينا في الاصلاح والتفريق، فقال الرجل والمرأة نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أيجوز تفريقهما عليهما ؟ قال: نعم، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من الرجل، قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت بينهما، وقال الآخر: لم افرق بينهما ؟ فقال: لا يكون تفريق حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما (1). وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن قول الله (تبارك وتعالى): ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ” فقال: يشترط الحكمان إن شاء افرقا، وإن شاء اجمعا ففرقا أو جمعا جاز (2). حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عبد الله بن جبلة، عن على بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ” قال الحكمان يشترطان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا فإن جمعا فجائز وإن فرقا فجائز (3). وعن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جبلة وغيره، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها ” قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: وأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجل وامرأة على هذه الحال فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين هل


(1) الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 4. (2) الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 1. (3) الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 3. (4) الكافي: ج 6 ص 147، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 5. (*)

[ 447 ]

تدريان ما الحكمان احكمان إن شئتما فرقتما وإن شئتما جمعتما، فقال الزوج: لا أرضى بحكم فرقة ولا اطلقها فأوجب عليه نفقتها ومنعه أن يدخل عليها (1). إن الله كان عليما خبيرا: بالظواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق. وفي كتاب الاحتجاج: وروي أن نافع بن الازرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين (عليهم صلوات الله) فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام، فقال له أبو جعفر (عليه السلام) في عرض كلامه: قل لهذه المارقة: بما استحللتم فراق أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى الله بنصرته ؟ فيقولون لك: إنه حكم في دين الله، فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين رجلين من خلقه فقال جل اسمه: ” فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ” (2) (3). والحديث


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ص 138. (2) الاحتجاج: ج 2 ص 324 س 5، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في شئ مما يتعلق بالاصول والفروع، وتمام الحديث (وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد ابن معاذ في بني قريظة، فحكم بماأوصاه الله، أو ما علمتم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدياه، واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال، وقال حين قالوا له: حكمت على نفسك من حكم عليك، فقال: ما حكمت مخلوقا، إنما حكمت كتاب الله، فأين تجد المارقة تضليل من أمربالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه، ولو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان. فقال نافع بن الازرق: هذا والله ما طرق بسمعي قط ولا خطر مني ببال، هو الحق إن شاء الله تعالى). (3) ويعجبني أن أثبت هنا بمناسبة المقام ما أثبته الصدوق (قدس سره) في الفقيه: ج 3 ص 337 باب الشقاق، بعد نقله الحديث الذي قدمناه على الحلبي، قال ما لفظه: (قال مصنف هذا الكتاب (رحمه الله) لما بلغت هذا الموضع ذكرت فضلا لهشام بن الحكم مع بعض المخالفين في الحكمين بصفين عمرو بن العاص وأبي موسى الاشعري، فأحببت إيراده، وإن لم يكن من جنس ما وضعت له الباب. قال المخالف: إن الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال هشام: بل كانا غير مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال المخالف: من أين قلت هذا ؟ قال هشام: من قول الله (عز وجل) في الحكمين، حيث يقول: ” إن (*)

[ 448 ]

[ * واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين إحسنا وبذي القربى واليتمى والمسكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمنكم إن الله لا يحب من كان مختا لا فخورا (36) ] طويل أخذت منه موضع الحاجة. واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا: صمنا وغيره، أو شيئا من الاشراك جليا أو خفيا. وبالولدين إحسنا: وأحسنوا بهما إحسانا. وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد الابوين وعلي الآخر، فقلت: أين موضع ذلك من كتاب الله ؟ قال: اقرأ ” اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ” (1). عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” وبالوالدين إحسانا ” قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الابوين وعلي الآخر. وذكر أنها الآية التي في سورة النساء (2). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني سعيد بن الحسن بن مالك،


(1) يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ” فلما اختلفا ولم يكن بينهما اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله بينهما، علمنا أنهما لم يريدا الاصلاح. (1) لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم ونقلناه عن تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 128. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 129. (*)

[ 449 ]

معنعنا عن أبي مريم الانصاري قال: كنا عند جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فسأله أبان بن تغلب عن قول الله تعالى: ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ” قال: هذه الآية التي في النساء من الوالدين ؟ قال جعفر: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهما الوالدان (1). وبذي القربى: وبصاحب القرابة. واليتمى والمسكين والجارذى القربى: الذي قرب جواره. وقيل: الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين (2). وقرئ بالنصب على الاختصاص. والجار الجنب: أي البعيد، أو الذي لا قرابة له. في اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن عمرو بن مكرمة، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل أربعين دارا جيران، من يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله (3). وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (4) (5). وفي معاني الاخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن


(1) تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: ص 27 من سورة النساء س 25. (2) قاله البيضاوي: ج 1 ص 219 في تفسير لآية 36 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 1. (4) الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 2. (5) واعلم أن مادل عليه هذا الحديث من أن الجوار أربعون دارا من كل جانب مذهب طائفة من أصحابنا، وذهب جماعة منهم الشهيد الاول في اللمعة إلى أنه أربعون ذراعا، وقال الشهيد الثاني: الاقوى في الجيران الرجوع إلى العرف، لان مستند الاول رواية عامية روتها عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: الجار إلى أربعين دارا، والثاني وإن كان مشهورا مستنده ضعيف. وكأنه غفل عن هاتين الروايتين وجعل مستند الاول رواية عائشة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 11 ص 132). (*)

[ 450 ]

أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك ما حد الجار ؟ قال: أربعون ذراعا من كل جانب (1). والتوفيق بين هذا الخبر والخبرين الاولين: إن المراد بالجار في هذا الخبر، الجار ذي القربى، وفي الاولين الجار الجنب. وفي من لا يحضره الفقيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، وإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تلمه عند شديدة، وتقبل عثرته، وتغفر ذنوبه، وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة إلا بالله (2). وعن الصادق (عليه السلام): حسن الجوار يزيد في الرزق (3). وقال: حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الاعمار (4). وعن الكاظم (عليه السلام): ليس حسن الجوار كف الاذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الاذى (5). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الجيران ثلاثة، فجار له ثلاثة حقوق، حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام. وجار له حقان، وحق الجوار وحق الاسلام. وجار له حق واحد، حق الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاوي والفاضل الكاشي في تفسيره (6).


(1) معاني الاخبار: ص 165 باب معنى الجار وحد المجاورة ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379 باب 276 الحقوق، ح 1 س 17. (3) الكافي: ج 2 ص 666 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 3. (4) الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 8. (5) الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب الجوار، ح 9. (6) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219، في تفسيره لآية 36 من سورة النساء (والجار الجنب) ورواه أيضا في الصافي: ج 1 ص 416 في تفسيره للآية. (*)

[ 451 ]

والصاحب بالجنب: الرفيق في أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وتزوج، فإنه صحبك وحصل بجنبك. وقيل: المرأة (1). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلا ذميا، فقال له الذمي: أين تريد يا عبد الله ؟ قال: أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي، عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له الذمي: ألست زعمت أنك تريد الكوفة ؟ قال: له: بلى، فقال له الذمي فقد تركت الطريق، فقال له: قد علمت، قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك ؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له الذمي: هكذا ؟ قال: نعم، قال الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لا فعاله الكريمة، فأنا أشهد أني على دينك ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما عرفه أسلم (2). وفي من لا يحضره الفقيه: وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالمودة والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى معونة فإن سبق كافيته وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله (3). وابن السبيل: المسافر، أو الضيف. وما ملكت أيمنكم: العبيد والاماء.


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219 في تفسيره لآية من سورة النساء، قال (وقيل: هي المرأة تكون معك إلى جنبك). (2) الكافي: ج 2 ص 670، كتاب العشرة، باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر، ح 5. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379، باب 226 الحقوق، ح 1 س 20. (*)

[ 452 ]

[ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (37) ] إن الله لا يحب من كان مختالا: متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم. فخورا: يتفاخر عليهم. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل: بدل من قوله: ” من كان ” أو نصب على الذم، أو رفع عليه، أي هم الذين، أو مبتدأ خبره محذوف، أي الذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون الناس بالبخل به، أحقاء بكل ملامة. في كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء. لا يكون فيهم من يسأل بكفه، ولا يكون فيهم بخيل، الحديث (1). عن عبد الله بن غالب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خصلتان لا يجتمعان في مسلم، البخل وسوء الخلق (2). عن أحمد بن سليمان قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام)، وهو في الطواف، فقال له: أخبرني عن الجواد ؟ فقال: إن لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله تعالى عليه، والبخيل من يبخل بما افترض الله عليه. وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد


(1) الخصال: ص 131 باب الثلاثة ثلاث خصال لا تكون في الشيعة، ح 137 وتمام الحديث (ولا يكون فيهم من يؤتى في دبره). (2) الخصال: ص 75 باب الاثنين خصلتان لا يجتمعان في مسلم، ح 117. (*)

[ 453 ]

إن منع، لانه إن أعطى عبدا أعطى ما ليس له، وإن منع، منع ما ليس له (1). وفي من لا يحضره، الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة في قومه (2)، إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد المفروضة من ماله ولم يعط في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك (3). وروي عن المفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أتدري من الشحيح ؟ فقلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل، إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي [ الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في إيدي ] (4) الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله (عز وجل) (5). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا لم يكن لله (عز وجل) في العبد حاجة ابتلاه بالبخل (6). وقرأ حمزة والكسائي ههنا وفي الحديد بالبخل بفتح الحرفين، وهي لغة. ويكتمون ما آتهم الله من فضله: من الغنى والعلم حيث ينبغي الاظهار. وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا: وضع الظاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأن من هذا شأنه، فهو كافر لنعمة الله، ومن كافرا فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والاخفاء.


(1) الخصال: ص 43 باب الاثنين الجواد على وجهين، ح 36. (2) البائتة: القطيعة، سميت بها، لانها أبينت من المال (الوافي: ص 69 كتاب الزكاة باب الجود والبخل. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 8 وفيه (النائبة) بالنون والالف والهمزة والباء الموحدة، في المقامين. (4) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة – أ – واثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 9. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 35 باب 16 فضل السخاء والجود ح 11. (*)

[ 454 ]

[ والذين ينفقون أمولهم رئآء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر و من يكن الشيطن له قرينا فسآء قرينا (38) وما ذا عليهم لوءامنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما (39) إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما (40) ] قيل: الآية نزلت في طائفة من اليهود، يقولون للانصار تنصيحا، لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر. وقيل: في الذين كمتوا صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). والذين ينفقون أموالهم رئآء الناس: عطف على ” الذين يبخلون ” أو الكافرين، شاركهم مع البخلاء في الذم والوعيد، لان البخل والسرف الذي هو الانفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم. أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما بعده، أي قرينهم الشيطان. ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر: لتحروا بالانفاق مراضيه وثوابه. قيل: هم مشركوا مكة. وقيل: المنافقون. ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا: تنبيه على أن الشيطان قرينهم، فحملهم على ذلك وزينه لهم، كقوله: ” إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ” (2) والمراد إبليس وأعوانه. ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار.


(1) من قوله: (وقرأ حمزة والكسائي) إنى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لا حظ تفسيره لآية 37 من سورة النساء. (2) الاسراء: 27. (*)

[ 455 ]

وماذا عليهم لوءامنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله: أي أي تبعة تحيق بهم بالايمان والانفاق في سبيل الله، وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، ولاعتقاد في الشئ على خلاف ما هو عليه، وتحريض على الفكر لطلب الجواب، لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة، وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه إحتياطا، فكيف إذا تضمن المنافع. وإنما قدم الايمان ههنا وأخره في الآية السابقة، لان القصد بذكره إلى التخصيص هنا والتعليل ثمة (1). أو لان المقصود في السابق ذمهم وفي تأخير عدم الايمان سلوك مسلك الترقي، والمقصود ههنا إزالة الاوصاف الذميمة، وإزالة الكفر يستحق التقديم لان إزالة الانفاق رياء موقوفة على إزالته، ولان إزالة الاقبح أهم. وكان الله بهم عليما: وعيد لهم. إن الله لا يظلم مثقال ذرة: لا ينقص من الاجر ولا يزيد في العقاب أصغر شئ كالذرة، وهي النملة الصغيرة. ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء (2). والمثقال: مفعال من الثقل. وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن ضغر قدره، عظم جزاؤه، حيث أثبت للذرة ثقلا، وإيماء إلى أن وضع الشئ في غير محله وإن كان حقيرا، فهو عظيم ثقيل في القبح. وإن تك حسنة: وإن تك مثقال الذرة حسنة. وأنث الضمير، لتأنيث الخبر، أولاضافة المثقال إلى المؤنث، وحذف النون من غير قياس، تشبيها بحروف العلة. وقرأ ابن كثير ونافع ” حسنة ” بالرفع على كان التامة. يضعفها: أي ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسم الاعمال.


(1) من قوله: (عطف على الذين) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لا حظ تفسيره 39 من سورة النساء. (2) الهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار (مجمع البحرين: ج 1 ص 469 الغة هبا). (*)

[ 456 ]

[ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) ] وقرأ ابن كثيروا بن عامر ويعقوب ” يضعفها ” وكلاهما بمعنى. يؤت من لدنه: ويؤت صاحبها من عنده على سبيل التفضل على ما وعد في مقابلة العمل. أجرا عظيما: عطاء جزيلا، وإنما سماه أجرا، لانه تابع للاجر مزيد عليه. فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد: فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل امة بشهيد، يعنى نبيهم يشهد على فساد عقائد هم وقبح أعمالهم. والفاء في ” فكيف ” للفضيحة، أي إذا عرفت حال هؤلاء. والظرف، أعني ” إذا ” متعلق ب‍ ” كيف ” أي كيف حال هؤلاء في هذا الوقت (1). وجئنا بك: يا محمد. على هؤلاء شهيدا: تشهد على صدق هؤلاء الشهداء، لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم. وقيل: ” هؤلاء ” إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم، وقيل: إلى المؤمنين، لقوله تعالى: ” لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” (2).


(1) في هامش نسخة ما هذا لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله متعلقا بمضون المبتدأ والخبر من هول الامر وتعظيم الشأن – منه دام عزه) ولفظ البيضاوي: ج 1 ص 220 هكذا (والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر من هول الامر وتعظيم الشأن) لا حظ تفسيره لآية 41 من سورة النساء. (2) البقرة: 143. (*)

[ 457 ]

في كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل وفيه يقول (عليه السلام) وقد ذكر أهل المحشر: ثم يجتمعون في مواطن اخر، فيستنطقون، فيفر بعصهم من بعض، فذلك قوله (عز وجل): ” يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبيته وبنيه ” (1) فيستنطقون، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل (عليهم السلام) فيشهدون في هذه المواطن، فذلك قوله: ” فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ” (2). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف وفيه: فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى اممهم، فيخبروا أنهم قد أدوا ذلك إلى اممهم، تسأل الامم فيجحدونه، كما قال الله: ” فلنسئلن الذين أرسل إليهم والنسئلن المرسلين ” (3) فيقولون ” ما جاءنا من بشير ولا نذير ” (4) فيستشهد الرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشهد بصدق الرسل ويكذب من جحدها من الامم، فيقول لكل امة منهم بلى ” قد جاء كم بشير ونذير والله على كل شئ قدير ” (5) أي يتقدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم، ولذلك قال الله تعالى لنبيه: ” فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ” فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن يشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه وامته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده وتغييرهم سنة واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الامم الظالمة الخائنة لانبيائها،


(1) عبس: 36. (2) التوحيد: ص 261 باب 36 الرد على الثنوية والزنا دقة س 6. (3) الاعراف: 6. (4 و 5) المائدة: 19. (*)

[ 458 ]

فيقولون بأجمعهم ” ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ظالمين ” (1) (2). وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن سماعة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في هذه الآية، قال: نزلت في امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة في كل قرن (3) منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد علينا (4). وفي شرح الآيات الباهرة مثله سواء (5). أقول: نزول الآية في هذه الامة، لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الاخبار. وفي مجمع البيان: وروي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية ففاضت عيناه (6).


(1) المؤمنون: 106. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 242، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القران متشابهة.. س 21. (3) قوله: (في كل قرن) في النهاية: ج 4 ص 51 القرن أهل كل زمان: وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم، وقيل: القرن أربعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: هو مطلق الزمان. قوله: (شاهد عليهم) يوم القيامة بما علم منهم من خير وشر، كما أن عليهم شاهدا من الملائكة والاعضاء لقوله تعالى: ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون “. قوله: (شاهد علينا) الظاهر أن المراد بضمير المتكلم الائمة (عليهم السلام)، واحتمال إرادة جميع الامة بعيد. وتحقق هذه الشهادة: أن النفس القدسية النبوية مع كونها متعلقة بالبدن كانت مطلعة على الامور الغائبة، فكيف إذا فارقه، فإنها إذن تكون مطلعة على جميع أفعال الامم من خير أو شر قطعا. وأما فائدتها فلان الناس إذا علموا أن لهم شهيدا ورقيبا وكتابا لما يفعلون كان ذلك ادعى لهم إلى الطاعة والقربات وأمنع لهم عن المعصية والشهوات، لاحترازهم عن الافتضاح في محفل القيامة على رؤوس الاشهاد (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 193). (4) الكافي: ج 1 ص 190 كتاب الحجة باب في أن الائمة شهداء الله (عز وجل) على خلقه، ح 1. (5) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة: ص 135. (6) مجمع البيان: ج 3 ص 49 في تفسيره لآية 41 من سورة النساء. (*)

[ 459 ]

[ يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا (42) ] يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض: بيان لحالهم حينئذ، أي يود الذين كفروا بمعصية الرسول في ذلك الوقت أن تسوى بهم الارض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا، وكانوا هم والارض سواء. ولا يكتمون الله حديثا: عطف على ” يود ” أي يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من الله، لان جوارحهم تشهد عليهم. وقيل: الواو للحال، أي يودون أن تسوى بهم الارض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم: ” والله ربنا ماكنا مشركين ” يشتد عليهم الامر من شهادة جوارحهم فيتمنون أن تسوى بهم الارض. وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، عن جده، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في خطبة يصف فيها هول يوم القيامة ختم على الافواه فلا تكلم، وتكلمت الايدي وشهدت الارجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تكون الارض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه، وأن لا يكتموا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه (2). وقرأ نافع وابن عامر ” تسوى ” على أن أصله تستوي فادغمت التاء في السين. وحمزة والكسائي تسوى على حذف التاء الثانية، يقال: سويته فتسوى (3).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 242 ح 133. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 س 9 في تفسيره لآية 49 من سورة النساء. (3) وقرئ تسوى بتشديد السين والواو وفتح التاء. وتسوى بتخفيف السين وافتح التاء. فمن قرأ بتشديد (*)

[ 460 ]

[ يأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43) ] يأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى حتى تعملوا ما تقولون: أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم وكسل وغير ذلك، حتى تعلموا وتفهموا ما تقولون في صلاتكم. قال البيضاوي: روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصحابة حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا حتى ثملوا (1)، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ ” أعبد ما تعبدون ” فنزلت. قال: وقيل: أراد بالصلاة مواضعها، وهي المساجد. وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة، وإنما المراد منه النهي عن الافراط بالشرب.


السين والواو كان التقدير فيه (تتسوى) فابدلت التاء الثانية سينا لقرب مخرجهما وادغمت السين في السين. ومن قرئ تسوى بتخفيف السين حذف إحدى التائين (البيان لابن الانباري: ص 254). (1) ثمل الرجل كفرح فهو ثمل، إذا أخذ فيه الشراب (مجمع البحرين: ج 5 ص 332 لغة ثمل) وقد كتب بعض أهل اللغة وبعض أصحاب التفسير من العامة هنا في معنى الكلمة وتفسير الآية بعض الترهات التي يخجل القلم عن كتابته وتنكره العقول السليمة، ويستنكر نشره أرباب المروآت، عصمنا الله وجميع المسلمين عن مثل هذه الزلات وعن اتباع هذه الضلالات – آمين. (*)

[ 461 ]

والسكر من السكر، وهو السد (1). وما قاله: مبني على أن الخمر كان حلالا في أول الاسلام، وقد قدمنا ما يدل على خلافه، بل المراد منه النهي عن قربان الصلاة في حالة سكر النوم والكسل وغيره. وفي تفسير العياشي: عن الحلبي قال: سألته عن هذه الآية قال: ” لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارا ” يعني سكر النوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب، والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر (2). وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه: قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وذكر حديثا طويلا، وفيه يقول (عليه السلام): لا تقم إلى الصلاة متكا سلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق، وقد نهى الله (عز وجل) المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى، يعني من النوم (3). وفي الكافي مثله (4). وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي اسامة زيد الشحام قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) قول الله (عز وجل): ” لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ” قال: سكر النوم (5).


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 221 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 137. (3) علل الشرائع: ج 2 ص 47 باب 74 علة الاقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير وعلة النهي عن القيام إلى الصلاة على غير سكون ووقار، قطعة من ح 1. (4) الكافي: ج 3 ص 299، كتاب الصلاة، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث قطعة من ح 1. (5) الكافي: ج 3 ص 371 كتاب الصلاة، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها والحدث فيها من النوم وغيره ح 15. (*)

[ 462 ]

وفي من لا يحضره الفقيه: وروى زكريا النقاض، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ” قال: منه سكر النوم (1). وفي كتاب الخصال: فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: السكر أربع سكرات: سكر الشراب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر الملك (2). وأما ما رواه في مجمع البيان عن موسى بن جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر الشراب (3). فمحمول على التقية، لانه موافق لمذهب العامة كما نقلنا عنهم. وقد روى فيه عن أبي جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر النوم خاصة (4). وقرئ ” سكارى ” بالفتح، وسكرى على أنه جمع كهلكى، أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى، وسكرى كحبلى على أنها صفة الجماعة. ولا جنبا: قيل: عطف على قوله: ” وأنتم سكارى ” إذ الجملة في موضع النصب على الحال. والجنب: الذي أصابته الجناية، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، لانه يجري مجرى المصدر. إلا عابرى سبيل: قيل: متعلق بقوله: ” ولا جنبا ” استثناء من أعم الاحوال، أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الاحوال إلا في حال السفر، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم. ويدل عليه تعقيبه بذكر التيمم، أو صفة لقوله: ” جنبا ” أي جنبا غير عابري سبيل. وفيه دلالة على أن التيمم لا يرفع الحدث (5).


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 303 باب 66 وقت صلاة الليل ح 12. (2) الخصال: ص 636 حديث الاربعمائة س 9. (3 و 4) مجمع البيان: ج 3 ص 51 و 52 في نقله المعنى لآية 43 من سورة النساء. (5) من قوله: (وقرئ سكارى بالفتح) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 221، لاحظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء. (*)

[ 463 ]

وقيل: المراد بالصلاة، مواضع الصلاة، وبعابري سبيل، المجتازون فيها. وقيل: في الآية الكريمة قد استخدم سبحانه بلفظ الصلاة لمعنيين. أحد هما: إقامة الصلاة، بقرينة قوله: ” حتى تعلموا ما تقولون “. والآخر: موضع الصلاة بقرينة قوله (جل شأنه): ” ولا جنبا إلا عابري سبيل ” (1). وفيه: أن الاستخدام، إما بذكر لفظ وإرادة معنى، وبضميره معنى آخر. أو بإرجاع ضميرين إلى شئ، والارادة من كل من ضميريه غير ما اريد بالآخر، لا ثالث له، وفي الآية ليس كذلك. والاوجه أن يقال: بحذف ” تقربوها ” بعد كلمة ” لا ” معطوفا على الجملة السابقة، والحمل على الاستخدام حتى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، ويطابق الاخبار الاولة الدالة على أن المراد بالصلاة معناها والاخبار الدالة على أن المراد هنا، المساجد. ففي كتاب علل الشرائع: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا ؟ قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله تعالى يقول: ” ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا “. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). وفي تفسير علي بن ابراهيم: سئل الصادق (عليه السلام) عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا ؟ فقال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين فإن الله تعالى يقول: ” ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ” ويضعان فيه الشئ


(1) نقله في الصافي: ج 1 ص 420، لا حظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء. (2) علل الشرائع: ج 1 ص 272 باب 210 العلة التي من أجلها يجوز للحائض والجنب أن يجوزا في المسجد ولا يضعا فيه شيئا، ح 1. (*)

[ 464 ]

ولا يأخذان منه، فقلت: فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه ؟ فقال: فأنهما يقدران على وضع الشئ من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتى يدخلا (1). وقد روي في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه ؟ فقال: لان الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه (2). ويمكن دفع المنافاة بين الخبرين بأن المراد أن الوضع والاخذ إذا كان كل منهما مستلزما للدخول واللبث ودعت الضرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الاخذ دون الوضع، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدخول واللبث وكان الاخذ غير مستلزم لهما، جاز الوضع دونه. حتى تغتسلوا: غاية النهي عن القربان حال الجنابة. وإن كنتم مرضى: مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإن الواجد له فاقده معه، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه. وهذا التقييد وكذا التقييد الآتي مفهوم من قوله: ” فلم تجدوا ” لانه متعلق بالجمل الاربع. وفي مجمع البيان: ” وإن كنتم مرضى ” قيل: نزلت في رجل من الانصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضأ، فالمرض الذي يجوز فيه التيمم، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف أصحابها من مس الماء، عن ابن عباس وابن مسعود والسدي والضحاك ومجاهد وقتادة، وقيل: هو المرض الذي لا يستطيع معه تناول الماء، ولا يكون هناك من يناوله، عن الحسن وابن زيد، وكان الحسن لا يرخص للجريح، التيمم. والمروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) جواز التيمم في جميع ذلك (3).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 3 ص 106 كتاب الحيض، باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئا ح 1. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 52 في نقل المعنى لآية 43 من سورة النساء. (*)

[ 465 ]

أو على سفر: لا تجدونه فيه. أوجآء أحد منكم من الغائط: فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين، ولم يجد ماء. وأصل الغائط، المطمئن من الارض. أو لمستم النساء: قيل: أي ما مسستم بشرتهن ببشرتكم. وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي المائدة ” لمستم “. واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة، والمراد هنا جامعتم. ففي الكافي: علي بن إبراهيم [ عن أبيه ] (1)، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” أو لا مستم النساء ” قال: هو الجماع، ولكن الله ستيريحب الستر فلم يسم كما تسمون (2). وفي تفسير العياشي: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اللمس هو الجماع (3). عن أبي مريم قال قلت: لابي جعفر: ما تقول الرجل يتوضأ ثم يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها الملامسة ؟ فقال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي ” لا مستم النساء ” إلا المواقعة دون الفرج (4). عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم أدعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء ؟ فقال: لا، قال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي ” لا مستم النساء ” إلا المواقعة دون الفرج (4). عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم أدعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء ؟ فقال: لا، قال: فإنهم يزعمون أنه اللمس، قال: لا، والله ما اللمس إلا الوقوع، يعني الجماع، ثم قال: قد كان أبو جعفر (عليه السلام) بعد ما كبر يتوضأ، ثم يدعوا الجارية فتأخذ


(1) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة – أ – والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (2) الكافي: ج 5، ص 55، كتاب النكاح، باب نوادر، ج 5. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 140. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 139. (*)

[ 466 ]

بيده فيقوم ويصلي (1). فلم تجدوا ماء: بأن تفقدوه، أو لم تتمكنوا من استعماله كما سبق. والعبارة: فلم يوجد ماء، والعدول لا رادة هذا المعنى: فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم: فتعمدوا ترابا طاهرا. وفي تفسير العياشي: عن أبي أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء، كن توضأ من غدير من ماء، أليس الله يقول: ” فتيمموا صعيدا طيبا ” قال: قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت ؟ قال: فقال: قد مضت صلاته، قال: قلت له: فيصلي بالتيمم صلاة اخرى ؟ قال: إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم (2). وفي كتاب معاني الاخبار: وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: الصعيد الموضع المرتفع، والطيب الموضع الذي ينحدر منه الماء (3). وقيل: الصعيد وجه الارض ترابا كان أو غيره، فيجوز التيمم على الحجر الصلد. ويدفعه من القرآن قوله في المائدة: ” فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ” (4) أي من بعضه. وجعل ” من ” لابتداء الغاية تعسف، إذ لا يفهم في مثله إلا التبعيض. ومن الحديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (جعلت لي الارض مسجدا وترابها طهورا) (5) فلو كان مطلق الارض طهورا لكان ذكر التراب مخلا، وكانت العبارة أن يقول: (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا) (6) كما في الرواية الاخرى. والآية دلت على أن المسح ببعض الرأس واليدين، لمكان الباء، لا لافادة الباء


(1 و 2) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 و 244 ح 142 و 143. (3) بالرغم من الفحص الشديد لم نعثر عليه في معاني الاخبار ولكن رواه في الصافي: ج 1 ص 420 عند تفسيره لآية 43 من سورة النساء عن معاني الاخبار. (4) المائدة: 6. (5) عوالي الآلئ: ج 2 ص 13 ح 26 وص 208 ح 130. (6) عوالي اللآلئ: ج 2 ص 14 ح 27. (*)

[ 467 ]

[ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يشترون الضللة ويريدون أن تضلوا السبيل (44) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (45) ] التبعيض حتى يرد أن سيبويه صرح بخلافه، بل لمكانه وكونه حيث لم يحتج إليه لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول. إن الله كان عفوا غفورا: فلذلك يسر الامر عليكم ورخص لكم. ألم تر إلى الذين أو توا: من رؤية البصر، أي ألم تنظر إليهم. أو القلب، وعدي بإلى لتضمين معنى الانتهاء. نصيبا من الكتب: قيل: حظا يسيرا من التوراة، لان المراد أحبار اليهود. يشترون الضللة: بالهدى يختارونها على الهدى، أو يستبدلونها بعد تمكنهم منه، أو حصوله لهم. قيل: بإنكار نبوة (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). وقيل: يأخذون الرشى ويحرفون التوراة (2). ويريدون أن تضلوا: أيها المؤمنون. السبيل: سبيل الحق. وفي تفسير علي بن إبراهيم في هذه الآية: ويشترون الضلالة، يعني ضلوا في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ” ويريدون أن تضلوا السبيل ” يعني أخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الصراط المستقيم (3). والله أعلم: منكم.


(1 و 2) نقلهما البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ج 1 ص 222 عند تفسير لآية 44 من سوره النساء. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 39 في تفسيره لآية 44 من سورة النساء. (*)

[ 468 ]

[ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ورعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46) ] بأعدائكم: وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم، فاحذروهم. وكفى بالله وليا: يلي أمركم. وكفى بالله نصيرا: يعينكم، فثقوا عليه، واكتفوا به عن غيره. والباء تزاد في فاعل ” كفى ” ليؤكد الاتصال الاسنادي بالا تصال الاضافي. من الذين هادوا: بيان للذين اوتوا نصيبا. أو لاعدائكم، أو صلة ل‍ (نصير) أي ينصركم من الذين هادوا ويحفظكم منهم على الاحتمال الاول، وخبر مبتدأ محذوف بناء عليه، أو على ما في تفسير علي بن إبراهيم وصفة ذلك المبتدأ. يحرفون الكلم عن مواضعه: أي من الذين هادوا قوم ” يحرفون الكلم ” أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها، كما حرفوا في وصف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (أسمر ربعة) عن موضعه في التوراة ووضعوا مكانه (ادم طوال) (1) أوا يؤولونه على ما يشتهون، فيميلونه عما أنزل الله فيه. ويقولون سمعنا: قولك. وعصينا: أمرك.


(1) في هامش النسخة ما لفظه (الاسمر من يشبه لونه لون الحنطة والادم من اشتدت سمرته، والربعة من ليس بطويل ولا قصير منه). (*)

[ 469 ]

واسمع غير مسمع: أي مدعو عليك، بلا سمعت، بصمم أو موت. أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إياك، لان إذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به، أو اسمع غير مسمع مكروها من قولهم: اسمعه فلان إذا سبه. وإنما قالوه نفاقا. ورعنا: انظرنا نكلمك، أو نفهم كلامك. ليا بألسنتهم: فتلا بها (1) وصرفا للكلام إلى ما يشبه السب، حيث وضعوا ” راعنا ” المشابه لما يتسابون به في موضع ” انظرنا ” و ” غير مسمع ” موضع ” لا سمعت مكروها “، أو فتلا وضما ما يظهرون من الدعاء، والتوقير إلى ما يضمرون من السب والتحقير نفاقا. وطعنا في الدين: استهزاء به وسخرية. ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا: ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا. لكان خيرا لهم وأقوم: أعدل وأسد. ويجب حذف الفعل بعد ” لو ” في مثل ذلك، لدلالة ” ان ” عليه ووقوعه موقعه. ولكن لعنهم الله بكفرهم: ولكن أبعدهم الله من الهدى بسبب كفرهم. فلا يؤمنون إلا قليلا: أي إيمانا قليلا لا يعبأ به، وهو الايمان ببعض الكتاب والرسل، أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه. ويجوز أن يراد بالقلة العدم، كقوله: قليل التشكي للمهم يصيبه (2).


(1) فتله عن وجهه فانفتل، أي صرفه فانصرف، وانفتل عن الصلاة انصرف عنها (مجمع البحرين: ج 5 ص 439 لغة فتل). (2) وبعده: كثير الهوى شتى النوى والمسالك. لتأبط شرا، أو لابي كبير الهذلي: والمعنى أنه عديم التشكي، ليظهر المدح، أي لا يشتكي لاجل المهم حال كونه يصيبه، كثير هوى النفس، والشت كالشتات في الاصل مصدر، ويستعملان بمعنى المتفرق المنتشر، أي نواه ومسالكه شتى، أي كثيرة مختلفة. والنوى اسم جمع نواة، وهي نية المسافر (الكشاف: ج 1 ص 518). (*)

[ 470 ]

[ يأيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنزدها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت وكان أمر الله مفعولا (47) ] أو إلا قليلا منهم قد آمنوا أو يؤمنون. يأيها الذين أوتوا الكتب ء امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها: الطمس المحو، يقال: طمسته طمسا، محوته، والشئ، استأصلت أثره. قيل: أي من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها، يعني الاقفاء (1)، أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا أو في الآخرة (2). وقيل: الطمس يطلق لمطلق التغيير والقلب. والمعنى: من قبل أن نغير وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصغار والادبار، أو نردها إلى حيث جاءت منه، وهي أذرعات الشام، يعني أجلاء بني النضير، ويقرب منه قول من قال: إن المراد بالوجوه الرؤساء. وفي مجمع البيان: في رواية أبي الجارود، عن الباقر (عليه السلام): أن المعنى نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح أبدا (3).


(1) أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم فنجعلها على هيئة أدبارها، وهي الاقفاء مطموسة مثلها (الكشاف: ج 1 ص 518). (2) من قوله: (من رؤية البصر) إلى هنا، باستثناء ما نقله من تفسير علي بن إبراهيم، مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 222، فلا حظ تفسيره لآيات 44 و 45 و 46 و 47) من سورة النساء. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 55 في نقل المعنى لآية 47 من سورة النساء. (*)

[ 471 ]

وفي تفسير العياشي: عن جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) في حديث طويل -: يا جابر، أول الارض المغرب تخرب أهل الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات، راية الاصهب، وراية الابقع، وراية السفياني. فيلقى السفياني الابقع، فيقتله ومن معه، وراية الاصهب، ثم لا يكون لهم هم إلا الاقبال نحو العراق، ومن جيش بقرقيسا (1) فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألف، فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم (عليه السلام) يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، و يبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر المهدي (عليه السلام) منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة فيبعث جيش على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب، على سنة موسى بن عمران، قال: وينزل جيش أمير السفياني، البيداء، فينادي مناد من السماء يا بيداء بيدي بالقوم، فيخسف أمير البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول الله وجوههم في أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم أنزلت هذه الآية: ” يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا على عبدنا ” يعني القائم (عليه السلام) ” من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ” (2). وروى عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): نزلت


(1) بالفتح ثم السكون وقاف اخرى وياء ساكنة وسين مكسورة وياء اخرى وألف ممدودة، ويقال: بياء واحدة، قال حمزة الاصبهاني قرقيسيا معرب كركيسيا وهو مأخوذ من كركيس، وهو اسم لارسال الخيل المسمى بالعربية الحلبة، وكثيرا ما يجئ في الشعر مقصورا، وقال سعد بن أبي وقاص وقد أنفذ جيشا وهو بالمدائن في سنة 16 إلى هيت وقرقيسيا ورئيسهم عمرو بن مالك الزهري فنزلوا على حكمه، قيل: سميت به قرقيسيا، ابن طهمورث الملك إلخ (معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 328). (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 244 ح 147 وما رواه المفسر (قدس سره) عن العياشي رواه في البحار الطبعة الحديثة: ج 52 ص 237 ح 105 عن العياشي وعن غيبة النعماني. (*)

[ 472 ]

هذه الآية على محمد هكذا: ” يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت – في علي – (1) مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم – إلى مفعولا “. وأما قوله: ” مصدقا لما معكم ” يعني مصدقا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم: عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية هكذا: ” يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا – في علي (عليه السلام) – نورا مبينا ” (3) (4). أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت: أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب


(1) هذه من الزيادة التفسيرية. أي نزلت الآية في شأنه. لا ان الزيادة كانت من النص. راجع تعليقنا السابق من سورة آل عمران الآية قم 32. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 148. (3) الكافي: ج 1 ص 417 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 27. (4) ليس في المصحف هكذا، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا ” يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها إلى أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ” وآخرها في أواخر تلك السورة هكذا ” يا أيها الناس قد جاء كم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ” وكأنه سقط من الخبر شئ، وكان (عليه السلام) ذكر اسمه في الموضعين، فسقط آخر الآية الاولى واتصلت بآخر الآية الثانية، لتشابه الآيتين، وكثيرا ما يقع ذلك. و يحتمل أن يكون في مصحفهم (عليهم السلام) إحدى الآيتين هكذا، وعلى الاول ظاهرة التنزيل ويحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا. ولا يتوهم أن قوله في الآية الاولى: ” مصدقا لما معكم ” ينافي ذلك على الاحتمال الاول، لان معاداة أهل الكتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) كانت أشد منها لغيره، لانه (عليه السلام) قتل كثيرا منهم بيده، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم، وقوله: ” مصدقا لما معكم ” لانه كان اسمه (عليه السلام) كاسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الاخبار الكثيرة. وكذا قوله: ” اوتوا الكتاب ” وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن (مرآة العقول: ج 5 ص 29 ح 27). (*)

[ 473 ]

[ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد اتفرى إثما عظيما (48) ] السبت. أو نلعنهم على لسانك كما لعناهم على لسان داود. والضمير لاصحاب الوجوه. أو للذين على طريقة الالتفات، أو للوجوه إن اريد بها الوجهاء. قيل: وعطفه على الطمس بالمعنى الاول، يدل على أن المراد به ليس مسخ الصورة في الدنيا (1). وفيه: أنه مسخ خاص، فيصح أن يكون مقابلا لمسخ أصحاب السبت. ومن حمل الوعيد على تغير الصورة في الدنيا، قال: إنه بعد مترقب. أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم، وقد آمن منهم طائفة. وكان أمر الله: بإيقاع شئ، أو وعيده، أو ما حكم به وقضاه. مفعولا: نافذا، أو كائنا. فيقع لا محالة ما اوعدتم به إن لم تؤمنوا. إن الله لا يغفر أن يشرك به: لانه حكم بخلود عذابه وأوجب على نفسه تعذيبه، لانه لا ينمحي عنه أثره، فلا يستعد للعفو إلا أن يتوب ويرجع إلى التوحيد، فإن باب التوبة مفتوح أبدا. في عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام)، وبإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يحاسب كل خلق إلا من أشرك بالله، فإنه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار (2). (1) قاله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 223 عند تفسيره لآية 47 من سورة النساء. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 34 باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار المجموعة ح 66. (*)


[ 474 ]

ويغفر ما دون ذلك: أي ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا. في اصول الكافي: عن يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” الكبائر فما سواها، قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء ؟ قال: نعم (1). لمن يشآء: تفضلا عليه واحسانا. والمراد ب‍ ” من يشاء ” الشيعة خاصة، يغفر لهم ما سوى الشرك، فمن كان شيعة وخرج من الدنيا مشركا لا يغفر له، كما لا يغفر لسائر المشركين، وإن لم يكن مشركا يغفر له وإن كان عليه ذنوب أهل الارض غير الشرك. والدليل على أن المراد ب‍ ” من يشاء ” الشيعة. ما رواه العياشي في تفسيره: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أما قوله: ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ” يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي. وأما قوله: ” ويغفر ما دون ذلك ” يعني لمن يشاء يعني لمن والى عليا (عليه السلام) (2). وما رواه في من لا يحضره الفقيه: بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ولقد سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الارض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب، ثم قال (عليه السلام): من قال: لا إله إلا الله بإخلاص فهو برئ من الشرك، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ثم تلا هذه الآية: ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” من شيعتك ومحبيك يا علي، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا لشيعتي ؟ قال: اي وربي إنه لشيعتك، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (3).


(1) الكافي: ج 2 ص 284 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 18. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 149. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 295 باب 176 النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، قطعة من ح 72 س 8. (*)

[ 475 ]

والدليل على أنه يغفر ذنوب الشيعة وإن لم يتب، ولو كان عليه مثل ذنوب أهل الارض، ما سبق. وما رواه في كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي ذر (رحمه الله) قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي وحده وليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال لي: من هذا ؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، قال: فمشيت معه ساعة، قال: إن المكثرين هم الا قلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا، فنفح منه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة فقال لي: اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتى أرجع إليك، قال: فانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل، وهو يقول: وإن زنى وإن سرق قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك، من تكلمه في جانب الحرة، فإني ما سمعت أحدا يرد عليك شيئا ؟ قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر امتك أن من مات لا يشرك بالله (عز وجل) شيئا دخل الجنة، قال فقلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال: نعم، قلت: وإن زنى وسرق ؟ قال: نعم قلت: وإن زنى وسرق قال: نعم وإن شرب الخمر (1). وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله: ” ان الله لا يغفر ان يشرك به ” أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي وأما قوله: ” ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” يعني لمن والى عليا (2).


(1) التوحيد. ص 25 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين ح 24 ورواه بعين السند والمتن في ص 409 باب 63 ح 9. وقال الصدوق – طيب الله رمسه – بعد نقل الحديث ما هذا لفظه (قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة). أقول: ونقل الحديث أئمة الحديث من العامة مع اختلاف يسير في ألفاظه، لا حظ صحيح البخاري: ج 8 ص 116 ومسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 152 وصحيح مسلم: ج 2 ص 688، كتاب الزكاة باب 9 الترغيب في الصدقة، ح 33. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 149. (*)

[ 476 ]

[ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشآءولا يظلمون فتيلا (49) ] وفي تفسير علي بن إبراهيم: فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثنارء ؟ قال: نعم (1). عن أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا ؟ قال: من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض (2). وفي مجمع البيان: وقف الله سبحانه المؤمنين الموحدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل، وذلك صفة المؤمنين، ولذلك قال الصادق (عليه السلام): لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لا عتدلا (3). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى ثوير، عن أبيه، أن عليا (عليه السلام) قال: ما في القرآن آية أحب إلي من قوله (عز وجل): ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” (4). ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما: ارتكب ما استحقر دونه الآثام. وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب. والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل، وكذلك الاختلاق. ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم: في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): أنها نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: ” نحن أبناء الله وأحبائه ” (5) وقالوا: ” لن يدخل الجنة إلا من كان


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 عند تفسيره لآية 48 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 150. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 57 في نقله المعنى لآية 48 من سورة النساء. (4) التوحيد: ص 409 باب 63 الامر والنهي والوعد والوعيد ح 8. (5) المائدة: 18. (*)

[ 477 ]

[ انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (50) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا (51) هودا أو نصارى ” (1) (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين (3). والجمع أنها نزلت في الاولين، وجرت في الآخرين، وكذلك تجري فيمن يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة، وفيمن يسمون أنفسهم بأهل الرياضة والتوحيد ويجعلون أنفسهم ممتازة عن أهل القشر والتقليد. بل الله يزكى من يشآء: لانه العالم بما ينطوي عليه الانسان من حسن وقبح فلا غرض في التركية، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين. وأصل التزكية نفي ما يستقبح فعلا وقولا. ولا يظلمون: بالذم والعقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حق. فتيلا: أدنى ظلم وأصغره. وهو الخيط الذي في شق النواة. يضرب به المثل في الحقارة. انظر كيف يفترون على الله الكذب: في زعمهم أنهم أبناء الله وأزكياء عنده، أو خلفاءه أو أولياءه.


(1) البقرة: 111. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 58 في سبب نزول آية 49 من سورة النساء. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 49 من سورة النسا. (*)

[ 478 ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم هؤلاء الثلاثة (1). وكفا به: بزعمهم هذا، أو بالافتراء. إثما مبينا: لا يخفى كونه مأثما من بين أثامهم. ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطغوت: قيل: نزلت في يهود كانوا يقولون: إن عبادة الاصنام أرضى عند الله مما يدعو إليه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (2). وقيل: في حيي بن أخطب، وكعب بن الاشرف وجمع من اليهود خرجوا يحالفون قريشا على محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم، ففعلو (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب: أديننا أفضل أم دين محمد ؟ قالوا: بل دينكم أفضل (4). وروي أيضا أنها نزلت في الذين غصبوا آل محمد حقهم وحسدوا منزلتهم (5). وروى العياشي: عن الباقر (عليه السلام): إن الجبت والطاغوت فلان وفلان (6). والجبت في الاصل اسم صنم، فاستعمل في كل ما عبد من دون الله. وقيل: أصله الجبس (7) وهو الذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء. والطاغوت


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 50 من سورة النساء، ولفظه (هم الذين غاصبوا آل محمد حقهم). (2 و 3) قاله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 224 عند تفسيره لآية 51 من سورة النساء. (4 و 5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 51 من سورة النساء. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 قطعة من ح 153. (7) الجبس: الجبان الفدم، وقيل: الضعيف اللئيم، وقيل: الثقيل الذي لا يجيب إلى خير. والجبس: الردئ الدنئ الجبان، ويقال: ولد زنية. والجبس هو الجامد من كل شئ، الثقيل الروح (*)

[ 479 ]

[ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52) أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا (53) أم يحسدون الناس على ما آتهم الله من فضله فقدءاتينآ ءال إبرهيم الكتب والحكمة وءاتينهم ملكا عظيما (54) ] يطلق لكل باطل من معبود أو غيره. ويقولون للذين كفروا: أي لاجلهم وفيهم. هؤلاء: إشارة إليهم. أهدى من الذين ءامنوا سبيلا: أقوم دينا وأرشد طريقا. في الكافي: عن الباقر (عليه السلام): يقولون لائمة الضلال والدعاة إلى النار: هؤلاء أهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا: يمنع العذاب بشفاعة أو غيرها. أم لهم نصيب من الملك: إنكار. يعني ليس لهم ذلك. فإذا لا يؤتون الناس نقيرا: يعني لو كان لهم نصيب، فإذا لا يؤتون الناس ما يوازي نقيرا. وهو النقطة التي في وسط النواة، وهذا هو الاغراق في بيان شحهم، فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك، فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين. ويحتمل أن يكون إنكار أهم اوتوا نصيبا من الملك على الكناية، وأنهم لا يؤتون الناس شيئا. (*)


(1) والفاسق، ويقال: إنه لجبس من الرجال، إذا كان عييا (لسان العرب: ج 6 ص 34 لغة جبس). (1) الكافي: ج 1 ص 205 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر، وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، قطعة من ح 1. (*)

[ 480 ]

وإذن (إذا) وقع بعد الواو أو الفاء لا لتشريك مفرد، جاز فيه الالغاء والاعمال (1)، ولذلك قرئ ” فإذا لا يؤتوا ” على النصب (2). وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام): ” أم لهم نصيب من الملك ” يعني الامامة والخلافة، قال: ونحن الناس الذين عنى الله (3). والنقير: النقطة التي في وسط النواة. أم يحسدون الناس: قيل: بل إيحسدون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، أو العرب أو الناس جميعا. على ما آتهم الله من فضله قيل: النوة والكتاب والنصرة والاعزاز، وجعل النبي (صلى الله عليه وآله) الموعود منهم. وفي الكافي، وفي تفسير العياشي وغير هما في عدة روايات عنهم (عليهم السلام): نحن الناس المحسودون – الذين قال الله.. – على ما أتانا الله من الامامة (4) (5). وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): المراد بالناس النبي وآله (صلوات الله عليهم) (6).


(1) ذكروا في كتبهم أن إذن إذا وقعت بعد الواو أو الفاء، يجوز الالغاء والاعمال، ولم يذكروا القيد الذي ذكره المصنف، وهو أن يكون بغير التشريك في المفرد، والظاهر أن مراده: أن لا يذكر بعد الواو والفاء مفرد، مثل قوله: (فاما إذن آتيك) إذ لا يجوز في هذه الصورة الاعمال، لوجود اعتماد ما بعدها على ما قبلها (من حاشية الخطيب الكازروني على تفسير البيضاوي). (2) من قوله: (والجبت في الاصل) إلى هنا سوى ما نقله عن الكافي، مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 224، لا حظ تفسيره لآية 51 – 52 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 1 ص 205 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، قطعة من ح 1. (4) الكافي: ج 1 ص 205 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، قطعة من ح 1 ولا حظ سائر أحاديث الباب أيضا. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 153. (6) مجمع البيان: ج 3 ص 61 في تفسيره لآية 53 من سورة النساء. (*)

[ 481 ]

وفي اصول الكافي: أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قوم فرض الله (عز وجل) طاعتنا، لنا الانفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: ” أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله ” (1). عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله الله (تبارك وتعالى): ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ” قال: نحن المحسودون (2). الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن حماد بن عثمان، عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله “، فقال: يا أبا الصباح نحن والله الناس المحسدون (3). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن علي بن فضال، عن ابن أيوب جميعا، عن معاوية ابن عمار، عن عمرو بن عكرمة، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: لي جار يؤذيني فقال: ارحمه، فقلت: لا رحمه الله فصرف وجه عني فكرهت أن أدعه، فقلت يفعل بي كذا ويفعل ويؤذيني فقال: أرأيت إن كاشفته انتصفت منه ؟ قلت: بلى اربي عليه فقال (عليه السلام): إن ذا ممن يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله، فإذا رأى نعمة على أحد وكان له أهل جعل بلاءه عليهم،


(1) الكافي: ج 1 ص 186 كتاب الحجة، باب فرض طاعة الائمة، الحديث 6. (2) الكافي: ج 1 ص 206 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر، وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، ح 2. (3) الكافي: ج 1 ص 206، كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر، وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل) ح 4. (*)

[ 482 ]

وإن لم يكن له أهل جعله على خادمه، فإن لم يكن له خادم أسهر ليلة وأغاظ نهاره، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (1). فقدء اتينا آل إبرهيم: الذين هم أسلاف النبي وبنو عمه. الكتب والحكمة وءاتينهم ملكا عظيما: فلا يبعد أن يؤتيهم مثل ما آتاهم. في تفسير علي بن إبراهيم: عن الصادق (عليه السلام): الكتاب، النبوة، والحكمة، الفهم والقضاء، والملك العظيم، الطاعة المفروضة (2). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): يعني جعل منهم الرسل والانبياء والائمة، فكيف يقرون في آل إبراهيم وينكرونه في ال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم (3). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله: ” وآتيناهم ملكا عظيما ” قال: الطاعة المفروضة (4). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمد الاحول، عن حمران بن أعين قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قول الله (عز وجل): ” فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب ” فقال: النبوة، قلت: الحكمة، قال: الفهم والقضاء، قلت: ” وآتيناهم ملكا عظيما ” ؟ قال: الطاعة (5). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بريد


(1) الكافي: ج 2 ص 666، كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 1. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 54 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 248 ح 158. (4) الكافي: ج 1 ص 186 كتاب الحجة، باب فرض لاعة الائمة، ح 4. (5) الكافي: ج 1 ص 206 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، ح 3. (*)

[ 483 ]

العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله (عز وجل): ” فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” جعل منهم الرسل والانبياء والائمة، فكيف يقرون في آل إبراهيم وينكرون في آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). قال: قلت: ” وأتيناهم ملكا عظيما ” قال: الملك العظيم أن جعفر فيهم أئمة من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم (1). وفي عيون الاخبار: في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في وصف الامامة والامام، قال (عليه السلام): إن الانبياء والائمة يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه مالا يؤتيهم غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله (عز وجل): ” أفمن يدى إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدى إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون ” (2) وقال (عز وجل) لنبيه: ” وكان فضل الله عليك عظيما ” (3) وقال (عز وجل) في الائمة من أهل بيته وعترته وذريته: ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” (4). وفيه في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة، حديث طويل، وفيه: فقال له المأمون: فضل الله العترة على الناس ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تعالى بان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال له المأمون أين ذلك من كتاب الله تعالى ؟ فقال له الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ” (5) وقال (عز وجل) في موضع آخر: ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم


(1) الكافي: ج 1 ص 206 كتاب الحجة، باب أن الائمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله (عز وجل)، ح 5. (2) يونس: 35. (3) النساء: 113. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 221 باب 20 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في وصف الامامة والامام وذكر فضل الامام ورتبته، ح 1 س 5. (5) آل عمران: 33. (*)

[ 484 ]

ملكا عظيما ” يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، فالملك ههنا هو الطاعة (1). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن الفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): فإن الله (تبارك وتعالى) لم يجعل العلم جهلا، ولم يكل أمره إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسلا من ملائكته إلى نبيه فقال ل كذا وكذا، وأمره بما يحبه ونهاه عما يكره، فقص عليه ما قبله وما خلفه بعلم، فعلم ذلك العلم أنبياءه وأولياءه وأصفياءه من الآباء والاخوان بالذرية التي بعضها من بعض، وذلك قوله (عز وجل): ” ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” فأما الكتاب فالنبوة، وأما الحكمة فهم الحكماء من الانبياء والاصفياء، وقال (عليه السلام) فيه أيضا: إنما الحجة في ال إبراهيم لقول الله (عز وجل): ” ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” والحجة الانبياء وأهل بيوتات الانبياء حتى يقوم الساعة (2). وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمد ابن الفضل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله سواء (3). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثني علي بن محمد بن عمر الزهري معنعنا، عن إبراهيم قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في هذه الآية: ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” قال: نحن الناس الذي قال الله، ونحن المحسودون، ونحن أهل الملك، ونحن ورثنا النبيين، وعندنا عصا موسى، وإنا لخزان الله في الارض، لا بخزان ذهب ولا فضة، وإن منا رسول الله (صلى الله عليه وآله


(1) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 230 باب 23 ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة، ح 1 ص 9. (2) كما الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 217 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الارض لا تخلو من حجة الله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة، ح 2 ص 18. (3) الكافي: ج 8 ص 117، حديث آدم مع الشجرة، ح 92 س 14. (*)

[ 485 ]

[ فمنهم من ءامن به ومنهم من صدعنه وكفى بجهنم سعيرا (55) إن الذين كفروا بايتنا سوف نصليهم نارا كلما نضحت جلودهم بدلنهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيز حكيما (56) ] وسلم) والحسن والحسين (عليهما السلام) (1). فمنهم من ءامن به: قيل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). أو بما ذكر من حديث آل إبراهيم. وقيل: معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر، ولم يكن في ذلك وهن في أمره، وكذا لا يوهن كفر هؤلاء أمرك (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: فمنهم من آمن به، يعني أمير المؤمنين (عليه السلام). وهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار (3). ومنهم من صدعنه: أي أعرض عنهم ولم يؤمن. وكفى بجهنم سعيرا: نارا مسعورة يعذبون بها. يعني إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم. إن الذين كفروا بايتنا سوف نصليهم نارا: في تفسير علي بن إبراهيم: الآيات أمير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) (4). كلما نضجت جلودهم بدلنهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب: قيل: بأن يعاد


(1) تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: ص 32 سورة النساء س 16. (2) قاله البيضاوي: ج 1 ص 224 عند تفسيره لآية 55 من سورة النساء. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 قاله عند تفسيره لآية 55 من سورة النساء. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 141 عند تفسيره لآية 56 من سورة النساء. (*)

[ 486 ]

ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى، كقولك: بدلت الخاتم قرطا، أو أبأن يزال عنه أثر الا لاحراق، ليعود إحساسه للعذاب. وقيل: يخلق مكانه جلد آخر، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية المدركة، لا لآلة إدراكها فلا محذور (1). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): وعن حفص بن غياث قال: شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: ما ذنب الغير ؟ قال: ويحك هي هي وهي غيرها، قال: فمثل لي في ذلك شيئا من أمر الدنيا ؟ قال: نعم، أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في مبلنها، فهي هي وهي غيرها (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قيل لابي عبد الله (عليه السلام): كيف تبدل جلودهم غيرها ؟ قال: أرأيت لو أخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا، ثم ضربتها في القالب، أهي التي كانت إنما هي ذلك وحدث تغير آخر والاصل واحد (3). وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن محمد بن علي قال: أخبرني الكلبي النسابة قال: قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام) ما تقول في المسح على الخفين ؟ فتبسم، ثم قال: إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شئ إلى منبته، ورد الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم (4) ؟ والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي عيون الاخبار: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع سليمان المروزي قال الرضا (عليه السلام) في أثناء كلام بينه (عليه السلام) وبين سليمان:


(1) من قوله (بأن يعاد ذلك الجلد) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 225، لا حظ تفسيره لآية 56 من سورة النساء. (2) الاحتجاج: ج 2 ص 354، احتجاج الامام الصادق (عليه السلام) على الزنادقة، س 11. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 141 عند تفسيره لآية 56 من سورة النساء. (4) الكافي: ج 1 ص 350 كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل، قطعة من ح 6. (*)

[ 487 ]

يا سليمان هل يعلم [ الله ] (1) جميع ما في الجنة والنار ؟ قال سليمان: نعم، قال: فإذا فيكون ما علم الله تعالى أنه يكون، من ذلك ؟ قال: نعم، قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ ألا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ قال سليمان: بل يزيدهم، قال: فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون، قال: جعلت فداك فالمزيد لا غاية له، قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية دلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيها، لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله (عز وجل) عن ذلك علوا كبيرا، قال سليمان: إنما قلت لا يعلمه لانه لا غاية لهذا، لان الله (عز وجل) وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لها انقطاعا، قال الرضا (عليه السلام): ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لانه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم، ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله (عز وجل) في كتابه: ” كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا الغذاب ” وقال لاهل الجنة: ” عطاء غير مجذوذ ” (2) وقال (عز وجل): ” وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ” (3) فهو (جهل وعز) يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة (4). وفي باب آخر عنه (عليه السلام) بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن قاتل الحسين بن علي (عليه السلام) في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا وقد شديداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم النار إلى ربهم من شدة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع على قتله كلما نضجت جلودهم بدل الله (عز وجل) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الاليم، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنم، فالويل لهم من عذاب النار (5). (1) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة – أ – واثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق. (2) هود: 108. (3) الواقعة: 33. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 184 باب 13 في ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد ح 1 س 8. (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 47، باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من (*)


[ 488 ]

[ والذين ءامنوا وعملوا الصلحت سندخلهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها أبدا لهم فيها أزوج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا (57) إن الله يأمركم أن تؤدوا الامنت إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58) ] إن الله كان عزيزا: لا يمتنع عليه ما يريده. والذين ء امنوا وعملوا الصلحت سندخلهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها أبدا: تقديم ذكر الكفار ووعيدهم، لان الكلام فيهم، وذكر المؤمنين بالعرض. لهم فيها أزوج مطهرة: من الاقذار التي تكون لازواج الدنيا. وندخلهم ظلا ظليلا: فيانا لا جوب فيه (1) ودائما لا تنسخه الشمس. وهذا إشارة إلى النعمة التامة الدائمة. والظليل صفة مشتقة من الظل، لتأكيده، كقولهم: شمس شامس، وليل أليل، ويوم أيوم. إن الله يأمركم أن تؤدوا الامنت إلى أهلها: قيل: نزلت يوم الفتح في عثمان ابن طلحة بن عبد الدار، لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها. وقال: لو علمت أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أمنعه، فلوى علي


(1) الاخبار المجموعة، ح 178. (1) في هامش النسخة ما هذا لفظه: (فييانا، أي متصلا منبسطا، الفنن كأنه كثير الاستفنان، والجوب بضم الجيم وفتح الواو جمع جوبة، وهي الفرجة في السحاب – منه دام عزه). (*)

[ 489 ]

(عليه السلام) يده وأخذه منه ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصلى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ويجمع له السقاية والسدانة، فأمره الله أن يرده إليه، فأمر عليا (عليه السلام) بأن يرد ويعتذر إليه، وصار ذلك سببا لا سلامه، ونزل الوحي بأن السدانة في أولاده أبدا (1). وفي مجمع البيان: عنهما (عليهما السلام): أنها في كل من ائتمن أمانة من الامانات. أمانات الله أو امره ونواهيه، وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره (2). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في وصية له: أن ضارب علي (عليه السلام) بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني، ثم قلبت ذلك منه، لا ديت إليه الامانة (3). وفي معاني الاخبار: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد، عن يونس بن عبد الرحمن قال: سألت موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قوله الله (عز وجل): ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” ؟ فقال: هذه مخاطبة لنا خاصة، أمر الله (تبارك وتعالى) كل إمام منا أن يؤدي إلى الامام الذي بعده ويوصي إليه، ثم هي جارية في سائر الامانات (4).


(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 225 عند تفسيره لآية 58 من سورة النساء. ونقله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 523 عند تفسيره للآية وزاد فيه (فقال عثمان لعلي: أكرهت واذيت ثم جئت ترفق ؟ فقال: لقد أنزل الله في شأنك قرآنا وقرأ عليه الآية، فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فهبط جبرئيل وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن السدانة في اولاد عتمان أبدا). (2) مجمع البيان: ج 3 ص 63 قال: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام). (3) الكافي: ج 5 ص 133 كتاب المعيشة، باب أداء الامانة ح 5. (4) معاني الاخبار: ص 107 باب معنى الامانات التي أمر الله (عز وجل) عباده بأدائها إلى أهلها، صدرح 1. (*)

[ 490 ]

ولقد حدثني أبي، عن أبيه أن علي بن الحسين (عليه السلام) قال لاصحابه: عليكم بأداء الامانة فلو أن قاتل الحسين بن علي ائتمنني على السيف الذي فتله به لا ديته إليه (1). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام). إيانا عنى أن يؤدي الامام الاول إلى الذي بعده العلم والكتب والسلاح (2). وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” ؟ قال: هم الائمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يؤدي الامام الامانة إلى من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه (3). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” ؟ قال: هم الائمة يؤدي الامام إلى الامام من بعده، ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه (4). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” ؟ قال: أمر الله الامام الاول أن يدفع إلى الامام الذي بعده كل شئ عنده (5). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي


(1) معاني الاخبار: ص 107 باب معنى الامانات التي أمر الله (عز وجل) عباده بأدائها إلى أهلها، قطعة من ح 1. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 247 قطعة من ح 153. (3) الكافي: ج 1 ص 276 كتاب الحجة، باب أن الامام يعرف الامام الذي يكون بعده، ح 2. (4) الكافي: ج 1 ص 376 كتاب الحجة، باب أن الامام يعرف الامام الذي يكون بعده، ح 3. (5) الكافي: ج 1 ص 277 كتاب الحجة، باب أن الامام يعرف الامام الذي يكون بعده، ح 4. (*)

[ 491 ]

كهمس قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام قال: عليك وعليه السلام، إذا أنيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له: إن جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي (عليه السلام) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدق الحديث وأداء الامانة (1). محمد بن يحيى، عن أبي طالب رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك اعتاده فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته (2). وفي شرح الآيات الباهرة، قال محمد بن العباس: عن الحسين بن محمد بإسناده، عن رجاله، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” ؟ قال: هم الائمة من آل محمد (صلوات الله عليهم)، أمرهم أن يؤدوا الامانات الامامة إلى من بعده، لا يختص بها غيره ولا يزويها عنه (3). وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل: في الكافي، وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): يعني العدل الذي في أيديكم (4) (5). وفي رواية اخرى للعياشي: أن تحكموا بالعدل إذا ظهرتم أن تحكموا بالعدل إذا بدت في أيديكم (6).


(1) الكافي: ج 2 ص 104 كتاب الايمان والكفر، باب الصدق وأداء الامانة، ح 5. (2) الكافي: ج 2 ص 105 كتاب الايمان والكفر، باب الصدق وأداء الامانة، ح 12. (3) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ج 1 ص 134 ح 10 وليس فيه جملة (قال محمد بن العباس). (4) الكافي: ج 1 ص 276، كتاب الحجة، باب أن الامام (عليه السلام) يعرف الامام الذي يكون من بعده، قطعة من ح 1. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 قطعة من ح 153. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 247 ح 154. (*)

[ 492 ]

[ يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم فإن تنزعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خيرو أحسن تأويلا (59) ] إن الله نعما يعظكم به: أي نعم الشئ الذي يعظكم به. ف‍ ” ما ” منصوبة موصوفة ب‍ ” يعظكم به ” أو مرفوعة موصولة به، والمخصوص بالمدح محذوف، وهو المأمور به من أداء الامانات والعدل في الحكومات. وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): فينا نزلت والله المستعان (1). إن الله كان سميعا: بأقوالكم وأحكامكم. بصيرا: بما تفعلون بأداء الامانات. يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم: في الكافي، والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) إيانا عنى خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا (2) (3). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي اخطاب، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: الائمة من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 249 ح 166. (2) الكافي: ج 1 ص 276 كتاب الحجة، باب أن الامام (عليه السلام) يعرف الامام الذي يكون من بعده، قطعة من ح 1. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 247 قطعة من ح 153. (*)

[ 493 ]

أن تقوم الساعة (1). وبإسناده إلى جابر بن عبد الله الانصاري قال: لما أنزل الله (عز وجل) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن اولي الامر الذين قرن طاعتهم بطاعته ؟ فقال (عليه السلام): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي محمد وكنيي حجة الله في أرضعه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان. قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل لشيعة الانتفاع به في غيبته ؟ فقال (عليه السلام): والذي بعثني بالنبوة أنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وأن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله، فاكتمه إلا عن أهله (2). وفي تفسير العياشي: عن أبان أنه قال: دخلت على أبي الرضا (عليه السلام)، قال سألته عن قول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” ؟ فقال: ذلك علي بن أبي طالب ثم سكت، قال: فلما طال سكوته قلت: ثم من ؟ قال: ثم الحسن قلت: ثم من ؟ قال: ثم الحسين، قلت: ثم من ؟ قال: ثم علي بن الحسين فلم بزل يسكت عند كل واحد حتى أعيد المسألة،


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ص 222 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الارض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة ح 8. (2) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 253، باب 23 نص الله (تبارك وتعالى) على القائم (عليه السلام) وأنه التأني عشر من الائمة (عليهم السلام) ح 3. (*)

[ 494 ]

فيقول، حتى سماهم إلى آخرهم (صلى الله عليهم) (1). عن عمران الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنكم أخذتم هذا الامر من حذو، يعني من أصله عن قول الله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” ومن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما أن تمسكتم به لن تضلوا) لا من قول فلان ولا من قول فلان (2). عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: هي في علي (عليه السلام) وفي الائمة، جعلهم الله مواضع الانبياء غير أنهم لا يحلون شيئا ولا يحرمونه (3). عن حكيم قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك أخبرني من اولي الامر الذين أمر الله بطاعتهم ؟ فقال لي: اولئك علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر (عليهم السلام) فاحمدوا الله الذي عرفكم أئمتكم وقادتكم حين جحدهم الناس (4). وفيه عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): ثم قال للناس: يا أيها الذين آمنوا، فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” إيانا عنى خاصة (5) وفي عيون الاخبار: في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وقال (عز وجل) في موضع آخر: ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ” ثم رد المخاطبة في إثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهما (6).


(1 و 2 و 3 و 4) تفسير العياشي: ج 1 ص 251 و 252 ح 171 و 173 و 174. 2 و 34 و (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 247 قطعة من حر 153 س 3. (6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 230 باب 23 ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة، ح 1 س 13. (*)

[ 495 ]

وفي هذا المجلس كلام طويل له (عليه السلام) يقول فيه في شأن ذي القربى: فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيته لهم وكذلك الفئ ما رضيه منه لنفسه ولنبيه رضيه لذي القربى، كما أجراهم في الغنيمة، فبدأ بنفسه جل جلاله، ثم برسوله، ثم بهم وقرن سهمهم بسهمه وسهم رسوله، وكذلك في الطاعة قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فبدأ بنفسه، ثم برسوله، ثم بأهل بيته (1). وفي باب ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون من محض الاسلام وشرائع الدين: وبإسناده إلى الرضا (عليه السلام)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي (عليهم السلام) قال: أوصى النبي (صل الله عليه وآله وسلم) إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم قال في قول الله (عز وجل): ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: الائمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة (2). وفي اصول الكافي: أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لابي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الاوصياء: إن طاعتهم مفترضة ؟ فقال: نعم، الذين قال الله (عز وجل): ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وهم الذين قال الله (عز وجل): ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ” (3) (4).


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 238 باب 23 ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة، ح 1 س 4. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 131 باب 35 ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الاسلام وشرائع الدين، ح 14. (3) الكافي: ج 1 ص 187 كتاب الحجة، باب فرض طاعة الائمة، ح 7. (4) ولقد أجاد وأفاد العلامة المجسلي طيب الله رمسه هنا في مرآة العقول: ج 2 ص 326 في تقرير الاستدلال بالآية الشريفة: ” إنما وليكم ” الآية، على خلافة سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين. وكذلك العالم المتبحر المغفور له الحاج ميرزا أبو الحسن الشعراني (قدس سره) (*)

[ 496 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن الحسين بن أبي العلا قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الاوصياء طاعتهم مفروضة ؟ قال: نعم، الذين قال الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وهم الذين قال الله تعالى: ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” (1). علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) فقلت له: إن الناس يقولون: فماله لم يسم عليا وأهل بيته (عليهم السلام) في كتابه (عز وجل) ؟ فقال: قولوا لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج، فلم يقل لهم: طوفوا اسبوعا حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم ” ونزلت في علي والحسن والحسين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه وقال: اوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم، وقال: إنهم لم يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم


(1) في تعليقته على الحديث (شرح اصول الكافي: ج 5 ص 184) في بيان المراد من (اولي الامر) فلا حظ، ولولا خوف الاطالة لا ثبت ونقلت ما أفاداه. (1) الكافي: ج 1 ص 189 كتاب الحجة، باب فرض طاعة الائمة، ح 16. (*)

[ 497 ]

يبين من أهل بيته، لا دعاها آل فلان وآل فلان، ولكن الله (عز وجل) انزل في كتابه تصديقا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” فكان علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء في بيت ام سلمة، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألست من أهلك: فقال: إنك إلى خير، ولكن هؤلاء، أهل بيتي وثقلي، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (1) (2). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أخبرني بدعائم الاسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شئ منها، الذي من قصر عن معرفة شئ منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله ولم يضيق به مما هو فيه لجهل شئ من الامور جهله ؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والايمان بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله، والاقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الاموال الزكاة، والولاية التي أمر الله (عز وجل) بها، ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) قال: فقلت: فهل في الولاية شئ دون شئ فضل يعرف لمن أخذ به ؟ قال نعم، قال الله (عز وجل): ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول


(1) الكافي: ج 1 ص 286 كتاب الحجة، باب ما نص الله (عز وجل) ورسوله على الائمة واحدا فواحدا، قطعة من ح 1. (2) لقد كفانا مؤونة الاستدلال في إثبات الامامة والذب عن حريم الولاية، ما حكاه العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج 3 ص 213 عند شرحه لهذا الحديث، من أسانيد وطرق جمهور المسلمين، والتي أثبتها أصحاب الصحاح والسنن في كتبهم كالترمذي، والبغوي، والبيضاوي، والزمخشري، وابن حجر العسقلاني، وابن أبي الحديد، والنسائي، والسيوطي وأمثالهم، ولو لا خوف الاطالة لاشرب إلى ما استدل به من الصحاح والسنن والتفاسير ومواضعها لان العلامة المجلسي (رحمه الله) أشار إلى مصادرها من دون تعيين مواضعها (راجع مرآة العقول: ج 3 ص 213 – 248). (*)

[ 498 ]

واولي الامر منكم ” وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة الجاهلية). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان علي (عليه السلام)، وقال الآخرون: وكان معاوية، ثم كان الحسن ثم كان الحسين، وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء، قال: ثم سكت، ثم قال: أزيدك ؟ فقال له حكم الاعور: نعم جعلت فداك قال: ثم كان علي بن الحسين، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفرو هم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر وفتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس، فهكذا يكون الامر، والارض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه، إذ بلغت نفسك هذه، وأهوي بيده إلى حلقه وانقطعت عنك الدنيا، تقول حينئذ: لقد كنت على أمر حسن (1). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): قال علي (عليه السلام) في خطبة له: إن الله ذو الجلال والاكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه فكانت الجملة قول الله (جل ذكره) حيث أمر فقال: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم ونقضتم الامر منكم ونكثتم العهد ولم يضر الله شيئا وقد أمر كم أن تردوا الامر إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الامر منكم المستنبطين للعلم فأقر رتم ثم جحدتم (2). وفي كتاب معاني الاخبار: عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه سأله: ما أدنى ما يكون به الرجل ضالا ؟ فقال: أن لا يعرف من أمر الله


(1) الكافي: ج 2 ص 19 كتاب الايمان. والكفر، باب دعائم الاسلام، ح 6. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 16، احتجاجه (عليه السلام) على طلحة والزبير. ط بيروت. (*)

[ 499 ]

بطاعته وفرض ولايته وجعل حجته في أرضه وشاهده على خلقه، قال: فمن هم يا أمير المؤمنين ؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، فقال: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: فقبلت رأسه وقلت: أو ضحت عني وفرجت وأذهبت كل شك كان في قلبي (1). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: وبإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أخبرني ربي (جل جلاله) أنه قد استجباب لي فيك وفي شركائك الذين يكون من بعدك، فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي ؟ قال: الذين قرنهم الله (عز وجل) بنفسه وبي فقال: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فقلت: يا رسول الله ومن هم ؟ قال الاوصياء من آلي، يردون علي الحوض كلهم هاديين مهديين، لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر امتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم البلاء، وبهم يستجاب دعاؤهم، قلت: يا رسول الله سمهم لي، قال قال: ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن له يقال له علي، وسيولد في حياتك فاقرأة مني السلام، ثم تكمل اثني عشر إماما، فقلت: يا رسول الله سمهم لي فسماهم رجلا رجلا، فقال فمنهم والله يا أخا بني هلال مهدي امة محمد الذي يملا الارض قسطا وعد لا كما ملات جورا وظلما، والله إني لا عرف من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم (2). وبإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والانصار في المسجد أيام خلافة عثمان: فأنشدكم الله (عز وجل) أتعلمون حيث نزلت: ” يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله


(1) معاني الاخبار: ص 394 باب نوادر المعاني ح 45. (2) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 285، باب 24 ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في النص على القائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام) قطعة من ح 37 س 7. (*)

[ 500 ]

وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وحيث نزلت: ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ” (1) وحيث نزلت: ” ولم يتخذوا من دون الله ولا رسول ولا المؤمنين وليجة ” (2) قال الناس. يا رسول الله هذه خاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله (عز وجل) نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة، الاهم في المقام وفي آخره قالوا: اللهم نعم قد سمعنا ذلك كله وشهدنا كما قلت سواء، وقال بعضهم: قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا بما فضلنا (3). وفيه: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أبي الخطاب، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: الائمة من ولد علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) إلى أن تقوم الساعة (4). وفي كتاب التوحيد بإسناده إلى الفضل بن السكر (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة واولي الامر بالمعروف والعدل والاحسان (6). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى عمر بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): لاي شئ يحتاج إلى


(1) المائدة: 60. (2) التوبة: 16. (3) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 276 باب 24 ماروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في النص على القائم (عليه السلام) قطعة من ح 25. (4) كمال الدين وتمام النعمة: ص 222 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الارض لا تخلو من حجة الله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة، ح 8. (5) في المصدر: السكن. (6) التوحيد: ص 285 باب 41 أنه (عز وجل) لا يعرف إلا به ح 3. (*)

[ 501 ]

النبي والامام ؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله (عز وجل) يرفع العذاب عن أهل الارض إذا كان فيها نبي أو إمام، قال الله (عز وجل): ” وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ” (1) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): النجوم أمان لاهل السماء وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الارض ما يكرهون، يعني بأهل بيته الذين قرن (عز وجل) طاعتهم بطاعته، فقال ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيدون الموفقون المسددون، بهم يرزق الله عباده، وبهم يعمر بلاده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الارض، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم (صلوات الله عليهم أجمعين) (2). وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثنا زيد بن الحسن الانما طي قال. سمعت محمد بن عبد الله بن الحسن، وهو يخطب بالمدينة ويقول: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (3). وقال: حدثني عبيد الله بن كثير، معنعنا عن عمي الحسين أنه سأل جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال: فاولي الامر في هذه الآية آل محمد (صلى الله عليه وآله) (4). وقال: حدثني أحمد بن القاسم، معنعنا عن أبي مريم قال: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” كانت طاعة علي مفترضه ؟ قال: كانت طاعة رسول الله (صلى الله عليه


(1) الانفال: 33. (2) علل الشرائع: ج 1 ص 117، باب 103 العلة التي من أجلها يحتاج إلى النبي والامام، ح 1. (3) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 27 س 22. (4) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 28 س 14 وسند الحديث هكذا (فرات قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري، معنعنا عن أبي جعفر (عليه السلام) إلخ. (*)

[ 502 ]

وآله) خاصة مفترضة لقول الله تعالى: ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” وكانت طاعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وقال: حدثني عبيد الله بن كثير، معنعنا عن سلمان الفارسي (رحمه الله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي من برأ من ولايتك فقد برأ من ولايتي، ومن برأ من ولايتي فقد برأ من ولاية الله، يا علي طاعتك طاعتي وطاعتي طاعة الله، فمن أطاعك أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، والذي بعثني بالحق نبيا لحبنا أهل البيت أعز من الجوهر ومن الياقوت الاحمر ومن الزمرد، وقال: أخذ ميثاق محبنا أهل البيت في ام الكتاب لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة، وهو قول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2). وقال: حدثني إبراهيم بن سليمان، معنعنا عن عيسى بن السري قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن دعائم الاسلام التي لا يسع أحدا من الناس التقصير عن معرفة شئ منها، التي من قصر عن شئ منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله، ومن قام بها صلح دينه وقبل عمله، ولم يضيق ما هو فيه بجهل شئ جهله ؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والايمان برسوله، والاقرار بما جاء من عند الله، والصلاة، والزكاة، والولاية التي أمر الله بها، ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قلت: هل في الولاية شئ ؟ قال: قول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3). وقال: حدثني علي بن محمد بن عمر الزهري، معنعنا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قال:


(1) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 28 س 23. (2) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 32 س 1 وفيه (عبيد بن كثير) بحذف كلمة (الله). (3) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 32 س 22. (*)

[ 503 ]

نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1). فإن تنزعتم: أنتم أيها المؤمنون. في شئ: من امور الدين. فردوه: فراجعوا فيه. إلى الله: إلى محكم كتابه. والرسول: بالسوال عنه في زمانه، وبالاخذ بسنته، والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه بعده، فإنها رد إليه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، حماد، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل (2) ” فإن تنازعتم في شئ – فاجعوه – إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الامر منكم ” (3). وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اذينة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل وفي آخره قال (عليه السلام): فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الامر منكم، كذا نزلت، وكيف بأمرهم الله (عز وجل) بطاعة ولاة الامر ويرخص لهم في منازعتهم (4) إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” (5).


(1) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 32 س 7. (2) هذه من تبديل النص بمعناه، كما كان يفعله ابن مسعود في تبديل لفظ القرآن بما يرادفه، ولا يقصد بذلك تحريف الكتاب بل الايضاح. (3) نفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 141 في تفسيره لآية 59 من سورة النساء. (4) قوله: ” وكيف يأمرهم الله ” رد على المخالفين حيث قالوا: معنى قوله سبحانه: ” فإن تنازعتم ” فإن اختلفتم أنتم واولي الامر منكم في شئ من امور الدين فارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة. ووجه الرد أنه كيف يجوز الامر بإطاعة قوم مع الرخصة في منازعتهم، فقال (عليه السلام): إن المخاطبين بالتنازع ليسوا إلا المأمورين بالاطاعة خاصة، وإن اولي الامر داخلون في المردود إليهم لفظا أو معنى (مرآة العقول: ج 3 ص 181). (5) الكافي: ج 1 ص 276 كتاب الحجة، باب أن الامام (عليه السلام) يعرف الامام الذي يكون من (*)

[ 504 ]

وفي نهج البلاغة: في معنى الخوارج لما أنكروا نحكيم الرجال: إنا لم نحكم الرجال وإنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله سبحانه، قال الله سبحانه: ” فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ” فرده إلى الله أن نحكم بكتابه، ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله، فنحن أحق الناس به، وإن حكم بسة رسول الله فنحن أولاهم به (1). وقال (عليه السلام) في عهده للاشتر: وأردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب (2) ويشتبه عليك من الامور، فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول ” فالراد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه، والراد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المفرقة (3). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل: وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وبقوله: (ولو ردوه إلى الله وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (4).


بعده قطعة من ح 1. (1) نهج البلاغة: ص 182، (125) ومن كلام له (عليه السلام) في التحكيم وذلك بعد سماعه لامر الحكمين صبحي الصالح. (2) ضلع فلانا – كمنع – ضربه في ضلعه، والمراد ما يشكل عليك (شرح نهج البلاغة (عبده)، ج 3 ص 93). (3) نهج البلاغة: ص 434 (53) ومن كلام له (عليه السلام) كتبه للاشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر صبحي الصالح. (4) كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 248، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه س 7. (*)

[ 505 ]

وفيه وقد ذكر (عليه السلام) الحجج. قال السائل: من هؤلاء الحجج ؟ قال: هم رسول الله ومن حل محله، وأصفياء الله، وهم ولاة الامر الذين قال الله فيهم ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” وقال فيهم: ” ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ” قال السائل: ما ذلك الامر ؟ قال (عليه السلام): الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم من خلق أو رزق وأجل وعمر وحياة وموت، وعلم غيب السماوات والارض والمعجزات التي لا ينبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه (1). عن الحسين بن علي (عليهما السلام) في خطبة له: وأطيعونا، فإن طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله (عز وجل): ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ” وقال: ” ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا ” (2). وفي شرح الآيات الباهرة: قال محمد بن يعقوب: عن الحسن بن محمد بإسناده عن رجاله، عن بريد بن معايوة العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ” قال: إيانا عنى، أن يؤدي الامام الاول إلى الامام الذي بعده ما عنده من العلم والكتب والسلاح، وقال إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم، ثم قال للناس: ” يا أيها الناس آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” إيانا عنى خاصة، ثم أمر جميع المؤمنين بطاعتنا إلى يوم القيامة، إذ يقول: فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله والرسول واولي الامر منكم كذا نزلت، وكيف يأمرهم الله (عز وجل) بطاعة ولاة الامر ويرخص في منازعتهم، إنما


(1) كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 252، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه.. س 10. (2) كتاب الاحتجاج: ج 2 ص 299، احتجاجه (صلوات الله عليه) بإمامته على معاوية وغيره وذكر طرف من مفاخراته ومشاجراته التي جرت له مع معاوية وأصحابه س 9. (*)

[ 506 ]

قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” (1). ومما ورد من أن ولاة الامر بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الائمة الاثنى عشر (صلوات الله عليهم): وما نقله الشيخ أبو على الطبرسي (قدس الله روحه) في كتابه أعلام الورى بأعلام الهدى، قال: حدثنا غير واحد من أصحابنا، عن محمد بن همام، عن جعفر ابن محمد بن مالك الفزاري، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث، عن المفضل بن عمرو، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الانصاري يقول: لما نزلت: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” قلت: يا رسول الله قد عرفنا الله ورسوله، لمن اولوا الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيتي حجة الله في أرضه وبقيته على عباده ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله (عز وجل ذكره)، على يديه مشارق الارض ومغاربها، وذلك الذين يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان، قال جابر: فقلت: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيوؤن بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها الحساب، يا جابر هذا من مكنوس سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله (2).


(1) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ص 140. (2) اعلام الورى بأعلام الهدى: الطبعة الثالثة ص 397، في ذكر بعض الاخبار التي جاءت من طريق (*)

[ 507 ]

[ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطن أن يضلهم ضللا بعيدا (60) ] إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر: فإن الايمان يوجب ذلك. ذلك: أي الرد. خير: لكم. وأحسن تأويلا: أي عاقبة، من تأويلكم بلارد. ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت: في تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في الزبير بن العوام نازع رجلا من اليهود في حديقة فقال الزبير: نرضى بابن شيبة اليهودي، وقال الهيودي: نرضى بمحمد فأنزل الله (1). قال البيضاوي: عن ابن عباس أن منافقا خاصم يهوديا، فدعى اليهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعاه المنافق إلى كعب بن الاشرف، ثم أنهما احتكما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فحكم لليهودي، فلم يرض المنافق وقال: نتحاكم إلى عمر، فقال اليهودي لعمر: قضى لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يرض بقضائه وخاصم إليك، فقال عمر للمنافق:


الشيعة الامامية في النص على إمامة الاثني عشر من آل محمد (عليهم السلام)، وليس في المطبوع جملة (ذلك الذي يفتح الله عز وجل ذكره، على يديه مشارق الارض ومناربها). (1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 141 عند تفسير لآية 60 من سورة النساء. (*)

[ 508 ]

أكذلك ؟ فقال: نعم، فقال مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل فأخذ سيفه، ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتبرد، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله، فنزلت، وقال جبرئيل (عليه السلام): إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق (1) انتهى. ولا يخفى أنه لو صح هذا النقل، لدل على أن من أراد المنافق التحاكم إليه، هو الطاغوت، وهو كعب بن الاشرف وعمر، فهما طاغوتان بناء على هذا النقل. وفي روضة الكافي: حميد بن زياد، عن محمد بن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد من أصحابه، عن ابان بن عثمان، عن أبي جعفر الاحول والفضيل بن يسار، عن ذكريا النقاض، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجلين من أصحابنا بكون بينهما منازعة في دين أو دنيا أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو القضاة، (أيحل) (3) ذلك ؟ فقال: من تحاكم إلى الطاغوت، فحكم، فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقه ثابتا، لانه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قيل: كيف بصنعان ؟ قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله (4). وقد أمروا أن يكفروا به: وقرئ: ” بها ” على أن الطاغوت جمع، لقوله:


(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 226 عند تفسيره لآية 60 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 8 ص 247 ح 456 س 2. (3) في النسخة – أ – (ما يحل) والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (4) الفروع: ج 7 ص 412، كتاب القضاء والاحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجورح 5. (*)

[ 509 ]

[ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنفقين يصدون عنك صدودا (61) فكيف إذا أصبتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسنا وتوفيقا (62) ] ” أوليائهم الطاغوت “. ويريد الشيطن أن يضلهم ضللا بعيدا: عن الحق لا يرجى معه الاهتداء إلى الصواب. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول: وقرئ بضم اللام، على أنه حذف لام الفعل تخفيفا ثم ضم اللام لو أو الضمير (1). رأيت المنفقين يصدون عنك صدودا: يحتمل رؤية البصر، فيكون ” يصدون ” حالا، ورؤية القلب، فيكون مفعولا ثانيا. والصدود مصدر، أو اسم للمصدر الذي هوالصد، والفرق بينه وبين (السد) أنه غير محسوس والسد محسوس. وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم أعداء آل محمد، كلهم جرت فيهم هذه الآية (2). فكيف: يكون حالهم. إذا أصبتهم مصيبة: نالتهم من الله عقوبة. بما قدمت أيديهم: من التحاكم إلى غيرك، وعدم الرضا بحكمك.


(1) قال البيضاوي: ج 1 ص 226 عند تفسيره للآية وقرئ: ” تعالوا ” بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطا ثم ضم اللام لواو الضمير). (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 142 عند تفسيره لآية 61 من سورة النساء. (*)

[ 510 ]

[ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا (63) ] ثم جاءوك: عطف على ” اصابتهم ” أو على ” يصدون ” وما بينهما اعتراض. يحلفون بالله: للاعتذار، حال من فاعل (جاء). إن أردنا إلا إحسنا: وهو التخفيف عنك. وتوفيقات: بين الخصمين، ولم نرد مخالفتك. وقيل: جاء أصحاب القتيل طالبين دمه وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه (1). أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم: من النفاق، فلا يعني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب. فأعرض عنهم وعظهم: أي لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم. وفي روضة الكافي: علي، عن أحمد بن محمد بن محمد بن خالد، عن أبي جنادة الحصين ابن مخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) في قوله (عز وجل): ” اولئك الذين ” الآية، فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب (2) (3). (1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 227 عند تفسيره لآية 62 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 8 ص 184 ح 211 وتمام الحديث (وقل لهم قولا بليغا). (3) قوله (فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء) ظاهر الخبر أن هاتين الفقرتين كانتا داخلتين في الآية ويحتمل أن يكون (عليه السلام) أوردهما للتفسير، أي إنما أمر تعالى بالاعراض عنهم لسبق كلمة الشقاء عليهم، أي علمه تعالى بشقائهم، وسبق تقدير العذاب لهم، لعلمه بأنهم يصيرون أشقياء بسوء اختيارهم. ولعل الامر بالاعراض لدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم والحزن على عدم قبولهم أو (*)


[ 511 ]

[ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواب رحيما (64) ] وقل لهم في أنفسهم: في شأن أنفسهم، أو خاليا بهم فإن النصيحة في السر أنجع. قولا بليغا: يؤثر فيهم، كتخو يفهم بالقتل والاستئصال إن ظهر منهم النفاق، والتخويف بعذاب الله للمنافقين، والوعد بالثواب على الاخلاص ” والقول البليغ ” هو الذي يطابق مدلوله المقصود. وقيل: الظرف، أي في أنفسهم، متعلق ب‍ ” بليغا ” على معنى بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها. وفيه ضعف، لان معمول الصفة لا يتقدم على موصوفها. وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله: بسبب إذنه في طاعته، وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه فمن لم يرض بحكمه وبما نص عليه فهو كافر وإن أظهر الاسلام وتكلف أكثر شعائره، لانه عدم رضا بما أمر الله وحكم به. ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم: بالنفاق. جاءوك: خبر أن، و ” إذ ” متعلق به. فاستغفروا الله: بالتوبة والاخلاص. واستغفر لهم الرسول: واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعا.


جبرهم على الاسلام، ثم امر تعالى بموعظتهم لا تمام الحجة عليهم فقال: (وعظهم) أي بلسانك وكفهم عما هم عليه. وتركه في الخبر، إما من النساخ، أو لظهوره، أو لعدمه في مصحفهم (عليهم السلام) (مرآة العقول: ج 4 ط حجري ص 331). (*)

[ 512 ]

وإنما عدا، عن الخطاب، تفخيما لشأنه، وتنبيها على أن حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب، وإن عظم جرمه ويشفع، ومن منصبه أن يشفع في كبار الذنوب. لو جدوا الله توابا رحيما: لعلموه قابلا لتوبتهم، متفضلا عليهم بالرجمة. وإن كان (وجد) بمعنى (صادف) كان ” توابا ” حالا، و ” رحيما ” بدلا منه، أو حالا آخر، أو من الضمير فيه. وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب: إسماعيل بن يزيد بإسناده، عن محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: أذنب رجل ذنبا في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتغيب حتى وجد الحسن والحسين (عليهما السلام) في طريق خال، فاخذهما واحتملهما على عاتقه وأتى بهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله إني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رد يده إلى فيه، ثم قال للرجل: اذهب فأنت طليق، وقال للحسن والحسين: قد شفعتكما فيه، اي فتيان فأنزل الله تعالى: ” ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ” (1). وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها، أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، إلى أن قال (عليه السلام): اللهم إنك قلت: ” ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ” وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا عن ذنوبي، وإني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر ذنوبي (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: وقوله ” ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك (يا علي)


(1) مناقب ابن شهر آشوب: ج 3 ص 400 فصل في مكارم أخلاقهما س 2. (2) الكافي: ج 4 ص 551 كتاب الحج باب دخول المدينة وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدعاء عند قبره، قطعة من ح 1. (*)

[ 513 ]

[ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65) ] فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ” هكذا نزلت (1). فلا وربك: أي فوربك، ولا مزيدة لتأكيد القسم، وقيل: لتظاهر ” لا ” في قوله: لا يؤمنون: وفيه فوربك ضعف: لانها تزاد في الاثبات أيضا، كقوله: ” لا اقسم بهذا البلد ” (2) (3). حتى يحكموك فيما شجر بينهم: فيما اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر، لتداخل أغصانه واختلاطها. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت: ضيقا مما حكمت به، أو من حكمك، أو شكا من أجله، فإن الشاك في ضيق من أمره. ويسلموا تسليما: وينقادوا لك بظاهرهم وباطنهم. وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم: عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه (4)، قال: قلت: في أي موضع ؟ قال: في


(1) تفسير علي بن إبراهيم، ج 1 ص 142 س 14 في تفسيره لآية 64 من سورة النساء، وسند الحديث: (حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ” ولو انهم ” الآية. (2) البلد: 1. (3) قاله البيضاوي: ج 1 ص 227 عند تفسيره لآية 65 من سورة النساء. (4) قوله: (لقد خاطب الله) يعني أن المخاطب في (جاؤك) وأمثاله، أمير المؤمنين (عليه السلام) بقرينة (واستغفر لهم الرسول) فإن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ثم العود إلى الخطاب نادر جدا، وتفسير (*)

[ 514 ]

قوله ” ولو أنهم ” وتلا إلى قوله ” حتى يحكموك فيما شجر بينهم ” فيما تعاقدوا عليه: لئن أمات الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يردوا هذا الامر في بني هاشم ” ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ” عليهم من القتل أو العفو ” ويسلموا تسليما ” (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وأتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألاصنع خلاف الذي صنع ؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين (2)، ثم تلا هذه الآية، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) فعليك بالتسليم (3). عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،


(ما شجر بينهم) بما تعاقدوا عليه، اما مبني على أن المراد بالشجر، الجريان كما قيل، أو على أنه وقع ابتداء بينهم تشاجر ثم اتفقوا، أو على أن المراد التشاجر بينهم وبين المؤمنين، أو إنه لما كان الامر عظيما من شأنه أن يتشاجر فيه، عبر عن وقوعه بالشجر، وقبل: أراد أن المراد بظلمهم أنفسهم تعاقدهم فيما بينهم منازعين لله ولرسوله وللمؤمنين أن يصرفوا الامر عن بني هاشم، وأنه المراد بقوله: ” فيما شجر بينهم “، أي فيما وقع النزاع بينهم مع الله ورسوله والمؤمنين بهذا التعاقد، فإن الله كان معهم وفيما بينهم كما قال سبحانه: ” وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ” (النساء: 108) والرسول أيضا كان عالما بما أسروا من مخالفته، فكأنه كان فيهم شاهدا على منازعتهم إياه. ومعنى تحكيمهم أمير المؤمنين (عليه السلام) على أنفسهم أن يقولوا له: إنا ظلمنا أنفسنا بظلمنا إياك وإرادتنا صرف الامر عنك مخالفة لله ولرسوله، فاحكم علينا بما شئت وطهرنا في بني هاشم ” ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ” حرجا مما قضيت ” عليهم من القتل أو العفو ” ويسلموا تسليما ” (مرآة العقول: ج 4 ص 283). (1) الكافي: ج 1 ص 381 كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح 7. (2) قوله: (لكانوا بذلك مشركين) دل على أن كل من خطر بباله، أو جرى على لسانه ذلك فهو مشرك، وإن أخذه وعمل به، لفوات معنى الرضا والتسليم منه، فاحفظ نفسك فإن الطريق دقيق والشيطان رفيق (شرح اصول الكافي: ج 6 ص 378). (3) الكافي: ج 2 ص 398 كتاب الايمان والكفر، باب الشرك، ح 6. (*)

[ 515 ]

عن حماد بن عثمان، عن عبد الله الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): وذكر مثله سواء (1). وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن عندنا رجلا يقال له كليب (2)، فلا يجي، عنكم شئ إلا قال: أنا اسلم، فسميناه كليب تسليم، قال: فترحم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم ؟ فسكتنا، فقال: هو والله الاخبات قول الله (عز وجل): ” الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ” (3) (4). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه: ” ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون “، قال جابر: فقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكيف لا يسأل عما يفعل ؟ قال: لانه لا يفعل إلا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار، فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى كفر، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد (5). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن قيس، عن ثابت


(1) الكافي: ج 1 ص 390 كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح 2. (2) (كليب) بصيغة التصغير (اسلم) بصيغة المتكلم من باب التفعيل (فترحم عليه) أي قال: رحمه الله، والاخبات الخشوع في الظاهر والباطن والتواضع بالقلب والجوارح والطاعة في السر والعلن، من الجنب وهي الارض المطمئنة، قال الراغب: الخبت المطمئين من الارض وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله، نحو أسهل وأنجد، ثم استعمل الاخبات في استعمال اللين والتواضع، قال (عز وجل): ” وأخبتوا إلى ربهم ” وقال تعالى: ” وبشر المخبتين ” أي المتواضعين، نحو لا يستكبرون عن عبادته، وقوله تعالى: ” فتخبت له قلوبهم ” أي تلين وتخشع انتهى. و (قول الله) خبر مبتدأ محذوف، أي هو قوله الله، أو مبتدأ خبره محذوف، أي قوله الله من ذلك (مرآة العقول: ج 4 ص 280). (3) هود: 23. (4) الكافي: ج 1 ص 390 كتاب الحجة، باب التسليم وفضل المسلمين، ح 3. (5) كتاب التوحيد: ص 397 باب 61 الاطفال وعدل الله (عز وجل) فيهم قطعة من ح 1. (*)

[ 516 ]

الثمالي، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في آخر حديث له: إن للقائم منا غيبتين، أحد هما أطول من الاخرى، أما الاولى: فستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين (1). وأما الاخرى فيطول أمرها حتى يرجع عن هذا الامر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت (2). وبهذا الاسناد قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): إنه قال: دين الله (عز وجل) لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة، ولا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدي، ومن دان القياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم (3). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)،


قوله: (فستة أيام) لعله إشارة إلى اختلاف أحواله (عليه السلام) في غيبته، فستة أيام لم يطلع على ولادة إلا خاص الخاص من أهاليه ثم بعد ستة أشهر اطلع عليه غيرهم من الخواص ثم بعد ست سنين عند وفاة والده (عليه السلام) ظهر أمره لكثير من الخلق. أو إشارة إلى أنه بعد إمامته لم يطلع على خبره إلى ستة أيام أحد، ثم بعد ستة أشهر انتشر أمره وبعد ست سنين ظهر وانتشر أمر السفراء. والاظهر أنه إشارة إلى بعض الازمان المختلفة التي قدرت لغيبته، وأنه قابل للبداء، ويؤيده ما رواه الكليني: بإسناده عن الاصبغ في حديث طويل، قد مر بعضه في باب أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال: فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ فقال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإن هذا الكائن ؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الامر يا أصبغ، اولئك خيار هذه الامة مع خيار أبرار هذه العترة، فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات. فإنه يدل على أن هذا الامر قابل للبداء. والترديد قرينة على ذلك والله يعلم (بحار الانوار: ج 51 ص 134) ماروي في ذلك عن علي بن الحسين (عليه السلام). (2) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 323 باب 31 ما أخبر به سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) ح 8 و 9. (3) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 323 باب 31 ما أخبر به سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) ح 9. (*)

[ 517 ]

[ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66) ] حديث طويل، وفيه: وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا، إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويدفعون عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما عهد به من دين الله وعزائمه وبراهين نبوته إلى وصيه، ويضمرون من الكراهية لذلك والنقص لما أبرمه منه عند إمكان الامر لهم فيما قد بينه الله تعالى لنبيه بقوله: ” فلا وربك – وتلا إلى قوله – ويسلموا تسليما ” (1). ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم: قيل تعرضوا بها للقتل بالجهاد، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل. و ” أن ” مصدرية، أو مفسرة، لان كتبناه في معنى أمرنا. أو اخرجوا من ديركم: خروجهم. وقرأ أبو عمرو ويعقوب ” أن اقتلوا ” بكسر النون على التحريك، واو اخرجوا بضم الواو للاتباع والتشبيه بواو الجمع في نحو ” ولا تنسوا الفضل ” (2) وقرأ عاصم وحمزة بكسر هما على الاصل، والباقون بضمهما، وإجراء لهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل (3) مافعلوو إلا قليل منهم: توبيخ لهم. والضمير للمكتوب المدلول عليه بقوله


(1) الاحتجاج: ج 1 ص 248، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة.. س 20. (3) اقتباس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 227 – 228، لا حظ تفسيره لاية 66 من سورة النساء. (*)

[ 518 ]

” كتبنا ” أو لاحد مصدري الفعلين. وقرأ ابن عامر بالنصب على الاستثناء، أو على، إلا فعلا قليلا. ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به: من مطاوعة الرسول وما يقوله طوعا ورغبة. لكان خيرا لهم: في العاجل والآجل. وأشد تثبيتا: لايمانهم، ونصبه على التمييز. قال البيضاوي: والآية أيضا نزلت في شأن المنافق واليهودي. وقيل: إنها والتي قبلها نزلت في حاطب بن أبي بلتعه (1) خاصم زبيرا في شراج من الحرة (2) كانا يسقيان بها النخل، فقال (عليه السلام): اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال حاطب: لان كان ابن عمتك، فقال (عليه السلام): اسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك (3). وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن إسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم وسلموا للامام تسليما أو اخرجوا من دياركم رضا له ما فعلوه إلا قليلا منهم ولو أن أهل الخلاف فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وفي هذه الآية: ” ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ” في امر الولي ويسلموا لله الطاعة تسليما (4). (*)


(1) في النسخة – أ – بلعة والصحيح ما أثبتناه وهو حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي، من بني خالفة، بالخاء المعجمة والالف واللام والفاء بطن من بني لخم، عده ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم من الصحابة، شهد بدرا، وحاله مجهول (تنقيح المقال: ج 1 ص 249 تحت رقم 2218). أقول: كفى في ضعفه وعدم وثاقته ما نسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: لان كان ابن عمتك. (2) سراج الحرة، بالكسر وآخره جيم، وهو جمع سرج، وهو مسيل الماء من الحرة إلى السهل، وهي بالمدينة التي خوصم فيها الزبير عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (معجم البلدان: ج 3 ص 331). وفي هامش النسخة: شراج جمع شرج وهو ما بين الحرة إلى السهل، والحرة نهر بالموصل ودار بنجد وآخر بالجزيرة (منه دام عزه). (3) تفسير البيضاوي: ج 1 ص 228، عند تفسيره لآية 66 من سورة النساء. (4) الكافي: ج 8 ص 160 ح 210 ط النجف. (*)

[ 519 ]

[ وإذا لاتينهم من لدنا أجرا عظيما (67) ولهدينهم صرطا مستقيما (68) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصلحين وحسن أولئك رفيقا (69) ] وفي اصول الكافي: أحمد بن مهران، عن عبد العظيم، عن بكار، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: هكذا نزلت هذه الآية: ” ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي عليه السلام) لكان خيرا لهم ” (1). علي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي طالب، عن يونس، عن بكار، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): ” ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي عليه السلام) لكان خيرا لهم (2). وإذا لاتينهم من لدنا أجرا عظيما: جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: وما يكون لهم بعد التثبيت ؟ فقال: وإذا لو ثبتوا لآتيناهم، لان (إذا) جواب وجزاء، والواو للاستئناف. ولهدينهم صرطا مستقيما: يصلون بسلوكه إلى رضوان الله وجنته، كما يقول: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين: الذين في أعلى عليين. والصديقين: الذين صدقوا في أقوالهم وأفعالهم.


(1) الكافي: ج 1 ص 424، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 60. (2) الكافي: ج 1 ص 417 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 28. وفيه: يونس بن بكار. (*)

[ 520 ]

والشهداء: المقتولين في سبيل الله. والصلحين: الذين صلحت حالهم، واستقامت طريقتهم. وكلمة ” من ” مع ما يتبعها، بيان ل‍ ” الذين ” أو حال منه أو من ضميره. وحسن أولئك رفيقا: فيه معنى التعجب. و ” رفيقا ” نصب على التميز، أو الحال. ولم يجمع، لانه يقال للواحد والجمع، كالصديق. أو لانه اريد به، وحسن كل واحد منهم رفيقا. وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن علي بن الحزور الغنوي، عن الاصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله ؟ فقام إليه أبو أيوب الانصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا، فإنك كنت تشهد ونغيب، فقال: إن خير خلق الله يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد بهم إلا جاحد، فقام عمار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لنا فلنعر فنهم فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله، الرسل، وإن أفضل الرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن أفضل كل امة بعد نبيها، وصي نبيها حتى يدركه نبي، الا وأن أفضل الاوصياء وصى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، الا وأن أفضل الخلق بعد الاوصياء الشهداء، الا وأن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة لم ينحل أحد من هذه الامة جناحان غيره، شئ كرم الله به محمد (صلى الله عليه وآله) وشرفه، والسبطان الحسن والحسين (عليهما السلام)، والمهدي يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم قرأ هذه الآية: ” ومن يطع الله – إلى – وحسن اولئك رفيقا ” (1) (2).


(1 و 2) (علوان) بضم العين وسكون اللام، و (الحزور) بالفتحات وتشديد الواو، و (الغنوي) بفتحتين، و (نباتة) بضم النون، و (الحنظلي) نسبة إلى حنظلة بن مالك أبي بطن من تميم، و (نغيب) بصيغة (*)

[ 521 ]

المتكلم، أي كنت تحضر دائما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنا نغيب أحيانا في الغزوات وغيرها، مع أنه (صلوات الله عليه) كان يدخل مداخل من الخلوات لا يدخل فيها غيره، وفي بعض النسخ بصيغة الخطاب، أي تغيب بعد ذلك عنا، والاول أظهر، والمراد بالرسل اولوا العزم أو الاعم منهم وممن له كتاب من غيرهم، أو جميع الانبياء والاوصياء والاوصياء وهم النبيون والصديقون والاوصياء، والمراد بالشهداء من استشهد من غير الانبياء والاوصياء بقرينة المقابلة، فالمراد بقوله: (أفضل الشهداء) أفضلهم من غير المعصومين، فلا ينافي فضل الشهداء من الائمة (عليهم السلام)، (خضيبان) أي ملونان بلون دمه، (لم ينحل) أي لم يعط، و (جناحان) بالرفع على ما في النسخ، حكاية للسابق، وإلا فالظاهر (جناحين) ويمكن حمله على أنه لم ينحل أحد قبله، أو من جملة الصحابة، فلا ينافي اعطاؤهما العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) كما ورد في الخبر، وإعطاء الجناحين إما في الجسد الاصلي في الآخرة في جنة الخلد، أو في الجسد المثالي في البرزخ في جنة الدنيا، أو الجسد الاصلي أيضا في البرزخ، و (السبطان) مبتدأ خبره محذوف، أي منهم السبطان، وكذا (المهدي) منصوب بفعل مضمر يفسره (يجعله) فالسبعة: النبي وعلي والحسن والحسين والمهدي وحمزة وجعفر، وكونهم (خير الخلق) إما إضافي بالنسبة إلى غير سائر الائمة (عليهم السلام)، أو المراد خيرته كل منهم بالنسبة إلى صنفهم، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الانبياء، وعلي أفضل الاوصياء بلا واسطة، والحسنان والمهدي أفضل الائمة (عليهم السلام)، وحمزة وجعفر أفضل الشهداء غير المعصومين، واكتفى من ذكر سائر الائمة بذكر أولهم وآخرهم، أو هو محمول على التقية، أو هو من أخبار المخالفين ذكر إلزاما عليهم كما سيأتي، وعلى بعض الوجوه المراد بالصالحين سائر الائمة، وعلى بعضها لمن لم يرتكب كبيرة أو لم يصر عليها وعلى الصغائر (اولائك) إشارة إلى الذين، و (رفيقا) تمييز عن النسبة، و (ذلك) إشارة إلى حسن حال رفيقهم، و (الفضل) خبر، أو الفضل صفة ذلك والظرف خبر. وأقول: قد روي مثل هذا الخبر من طرق المخالفين: روى السيد في الطرائف من مناقب ابن المغازلي الشافعي يرفعه إلى أبي أيوب الانصاري، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا فاطمة إنا أهل بيت اعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الاولين والآخرين من قبلنا، أو قال: الانبياء، ولا يدركه أحد من الآخرين غيرنا، نبينا أفضل الانبياء وهو أبوك، ووصينا أفضل الاوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء وهو ابن عمك، ومنا سبطا هذه الامة، وهما إبناك، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الامة (مرآة) العقول: ج 5 ص 262 – 264). الكافي: ج 1 ص 450، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله (*)


[ 522 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أعينونا بالورع، فإنه من لقي الله (عز وجل) منكم بالورع كان له عند الله فرجا، إن الله (عز وجل) يقول: ” من يطع الله – وقرأ إلى – وحسن اولائك رفيقا ” فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحين (1). أبو علي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النصر الخزاز، عن جده الربيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا ربيع إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صدقا (2). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الله، عن خالد الرقي، عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان، مؤمن وفي لله بشروطه التي اشترطها عليه، فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا، وذلك ممن يشفع ولا يشفع له، وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة (3) الزرع كيف ما كفته الريح انكفى أو ذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة ويشفع له وهو على خير (4). وفي روضة الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل، يقول فيه (عليه السلام): ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الائمة الهداة، وهم


وسلم) ووفاته، ح 34. أقول: روى الحافظ الكبير عبيد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النسابوري روايات بهذا المضمون، لا حظ شواهد التنزيل: ج 1 ص 154، ح 207 و 208 و 209. (1) الكافي: ج 2 ص 78، كتاب الايمان والكفر، باب الورع، ح 12. (2) الكافي: ج 2 ص 105، كتاب الايمان والكفر، باب الصدق وأداء الامانة، ح 8. (3) خامة كياه وتازة: وفي الحديث: مثل المؤمن المنافق مثل الخامة من الزرع يجعلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا (منه دام عزه) كذا في هامش النسخة. (4) الكافي: ج 2، ص 248 كتاب الايمان والكفر، باب في أن المؤمن صنفان، ح 2. (*)

[ 523 ]

المؤمنون قال: ” اولئك – إلى – حسن اولئك رفيقا ” فهذا وجه من وجوه فضل اتباع الائمة، فكيف بهم وفضلهم (1). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لابي بصير: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه، فقال: ” اولائك) – إلى – حسن اولئك رفيقا ” فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء، وأنتم الصالحون، فتسموا بالصلاح كما سماكم الله (عز وجل)، والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة (2). وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن جندب، عن الرضا (عليه السلام) قال: حق على الله أن يجعل ولينا رفيقا للنبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا (3). وفي كتاب الخصال عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان فيما أوصى به أن قال له: يا علي من حفظ من امتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما هذه الاحاديث ؟ فقال: أن تؤمن بالله وحده لا شريك له وتعبده ولا تعبد غيره – إلى أن قال -: بعد تعدادها (صلوات الله عليه وآله)، فهذه أربعون حديثا من استقام عليها وحفظها عني من امتي دخل الجنة برحمة الله، وكان من أفضل الناس وأحبهم إلى الله بعد النبيين والوصيين، وحشره الله تعالى يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا (4).


(1) الكافي: ج 8 ص 404، رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى جماعة الشيعة، س 8. (2) الكافي: ج 8 ص 35، في مقامات الشيعة وفضائلهم قطعة من ح 6 س 20. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 256 ح 189. (4) الخصال: ص 543، أبواب الاربعين وما فوقه، قطعة من ح 19. (*)

[ 524 ]

عن محمد بن أبي ليلى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصديقون ثلاثة، علي بن أبي طالب، وحبيب النجار، ومؤمن آل فرعون (1). وفي عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل امة صديق وفاروق، وصديق هذه الامة وفاروقها علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2). وفي شرح الآيات الباهرة وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في كتاب مصباح الانوار قال: حدث النبي (صلى الله عليه وآله) لعمه العباس، بمشهد كم من القرابة والصحابة، روى النبي (صلى الله عليه وآله) لعمه الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الايام صلاة الفجر ثم أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت: يا رسول الله أرأيت أن تفسر لنا قوله تعالى: ” فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ” فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين، قال: وكان العباس حاضرا فوثب وجلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ألسنا أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة ؟ قال: وما ذاك يا عم ؟ قال: لانك تعرف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا ؟ ! قال: فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: وأما قولك: ألسنا من نبعة واحدة، فصدقت، ولكن يا عم إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار، فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله ؟ فقال: يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم كلمة خلق منها نورا، ثم تكلم كلمة اخرى فخلق منها روحا، ثم مزج


(1) الخصال: ص 184، باب الثلاثة، الصديقون ثلاثة، ح 254. (2) عيون الاخبار: ج 2 ص 13 قطعة من ح 30. (*)

[ 525 ]

النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حسين لا تقديس فلما أراد الله تعالى أن ينشئ الصنعة شق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي ونور علي من نور الله وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والارض فالسماوات والارض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله (عز وجل) وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والارض، ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر، ثم فتق نور ولدي الحسين ثم خلق منه الجنة والحور العين فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله والحسين أفضل من الجنة والحور العين، ثم أمر الله الظلمات أن تمر على الحساب المنظر، فأظلمت السماوات على الملائكة فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس وقالت: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الاشباح لم نر بؤسا، فبحق هذه الاشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش، فأزهرت السماوات والارض، ثم أشرقت بنورها، فلاجل ذلك سميت الزهراء، فقالت الملائكة، إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والارض ؟ فأوحى الله إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لامتي فاطمة بنت حبيبي وزوجة وليي وأخي نبيي وأبي حججي على عبادي، اشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة، قال: فلما سمع العباس من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، وثب قائما وقبل بين عيني علي (عليه السلام)، وقال: والله يا علي أنت الحجة البالغة لمن آمن بالله واليوم الآخر (1).


(1) مصباح الانوار مخطوط في المكتبة العامة لآية.. المرعشي دام ظله. ورواه في البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 392 ح 5 في تفسيره لآية 69 من سورة النساء. (*)

[ 526 ]

وفي اصول الكافي (1): عن رجاله، عن إسماعيل بن جابر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا، واليتبرأ إلى الله من عدوهم، وليسلم إلى ما انتهى إليه من فضلهم، إن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكره الله من فضل أتباع الائمة الهداة، وهم المؤمنون، قال (تبارك وتعالى): ” ومن يطع الله – وتلا إلى قوله – وحسن اولئك رفيقا ” وقال: وهذا وجه من وجوه فضل أتباع الائمة، فكيف بهم وفضلهم (2). وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا محمد بن القاسم الاسترابادي المفسر قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في قول الله (عز وجل): ” صراط الذين أنعمت عليهم ” أي: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال الله (عز وجل): ” ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ” (3). حكى هذا بعينه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4). وفي بصائر الدرجات: الحسن بن أحمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن العباس والحريش، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لنا لشأنا – وذكر حديثا، وفي آخر ما قلت – ما عندي كثير صلاح، قال: لا تكذب على الله، فإن الله قد سماك صالحا حيث يقول: ” اولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ” يعني الذين آمنوا بنا وبأمير المؤمنين (عليه السلام) (5).


(1) هكذا في النسخ التي تحت أيدينا ولم نعثر عليه في الاصول ولكنه موجود في الروضة كما يأتي. (2) الكافي: ج 8 ص 404 في رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى جماعة الشيعة س 6. (3 و 4) معاني الاخبار: ص 36، باب معنى الصراط قطعة من ح 9. (5) بصائر الدرجات: ج 3 ص 131 باب 8 ما يزاد الائمة في ليلة الجمعة من العلم المستفاد قطعة من ح 2 س 1. (*)

[ 527 ]

[ ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (70) يأيها الذين ءامنوا خذوا – حذركم فانفروا ثبات أوا نفروا جميعا (17) ] وفي تفسير علي بن إبراهيم: وأما قوله: ” ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ” قال: النبيين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصديقين والشهداء الحسن والحسين، والصالحين الائمة، وحسن اولئك رفيقا، القائم من آل محمد (صلوات الله عليهم) (1). ونقل في سبب نزول هذه الآية: إن ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه، فسأله عن حاله ؟ فقال: ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك، لاني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإن ادخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا، فنزلت (2). ذالك: إشارة إلى ما للمطيعين من الاجر ومزيد الهداية، ومرافقة المنعم عليهم، أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومرتبتهم. الفضل من الله: خبره، أو ” الفضل ” خبره، و ” من الله ” حال والعامل فيه معنى الاشارة.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 142 عند تفسيره لآية 69 من سورة النساء. (2) نقله في مجمع البيان: ج 3 ص 72، والبيضاوي: ج 1 ص 229 عند تفسير هما لآية 69 و 70 من سورة النساء. (*)

[ 528 ]

وكفى بالله عليما: بجراء من أطاعه، أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله. وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال حدثني عبيد بن كثير معنعنا، عن اصبغ بن نباتة قال: لم هزمنا أهل البصرة جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى استند إلى حائط من حيطان البصرة واجتمعنا حوله وأمير المؤمنين راكب والناس نزول فيدعوا الرجل باسمه فيأتيه حتى وافاه بها نحو ستين شيخا كلهم قد صفروا اللحى وعقصوها وأكثرهم يومئذ من همدان، فأخذ أمير المؤمنين في طريق من طرق البصرة ونحن معه وعلينا الدروع والمغافر متقلدين السيوف متنكبي الا ترسة حتى انتهى إلى دار قوز فدخلنا فإذا فيها نسوة يبكين فلما رأينه صحن صيحة واحدة وقلن: هذا قاتل الا حبة، الا حبة، فأسكت عنهم ثم قال: أين منزل عائشة فأو مؤوا إلى حجرة في الدار فحملنا عليا عن دابته فأنزلناه فدخل عليها فلم أسمع من قول علي شيئا إلا أن عائشة امرأة كانت عالية الصوت فسمعت كهيئة المعاذير إني لم أفعل، ثم خرج علينا أمير المؤمنين (عليه السلام). فحملنا عليا على دابته فعارضت امرأة من قبل الدار فقال: اين صفية ؟ قالت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ألا تكفيني عني هؤلاء الكبات التي يزعمن أني قتلت الا حبة، لو قتلت الا حبة لقتلت من في تلك الدار وأو مأ بيده إلى ثلاث حجر في الدار فضربنا بأيدينا على قوائم السيوف وضربنا بأبصارنا إلى الحجر التي أو مأ إليها فوالله ما بقيت في الدار باكية إلا سكتت ولا قائمة إلا جلست قلت: يا أبا القاسم فمن كان في تلك الثلاث حجر ؟ قال: أما واحدة فكان فيها مروان بن الحكم جريحا ومعه شباب قريش جرحى، وأما الثانية فكان فيها عبد الله بن زبير ومعه آل الزبير جرحى، وأما الثالثة فكان فيها رئيس أهل البصرة يدور مع عائشة أينما دارت قلت: يا أبا القاسم هؤلاء أصحاب القرحة فهلا ملتم عليهم بهذه السيوف قال ابن أخي أمير المؤمنين: كان اعلم منك وسعهم أمانه إنا لما هزمنا القوم نادى مناديه لا يدفف على جريح ولا يتبع مدبر ومن ألقى سلاحه فهو آمن سنة يستن بها بعد يومكم هذا ثم مضى ومضينا معه حتى انتهينا العسكر فقام إليه ناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) منهم أبو أيوب الانصاري وقيس بن سعد وعمار بن ياسر وزيد بن حارثة وأبو ليلى فقال: ألا


[ 529 ]

اخبركم بسبعة من أفضل الخلق يوم يجمعهم الله تعالى ؟ قال أبو أيوب: بلى والله فاخبرنا يا أمير المؤمنين فإنك كنت تشهد ونغيب قال: فإن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من بني عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد إلا جاحد، قال عمار بن ياسر (رضي الله عنه): ما اسمهم يا أمير المؤمنين فلنعرفهم ؟ قال: إن أفضل الخلق يوم يجمع الله، الرسل، وان من أفضل الرسل محمد (عليهم الصلاة والسلام) ثم أن أفضل كل امة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي وأن أفضل الاوصياء وصي محمد (عليهما السلام) ثم أن أفضل الناس بعد الاوصياء الشهداء، وأن أفضل الشهداء جعفر بن أبي طالب (رحمه الله) ذاجنا حين مع الملائكة لم يحل بحليته أحد من الآدميين في الجنة شئ شرفه الله به والسبطان الحسين والحسين سيدي شباب أهل الجنة من ولدت اباهما (1) والمهدي يجعله الله من أحب منا أهل البيت، ثم قال: ابشروا ثلاثة من يطع الله والرسول ” فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ” (2). وقال: حدثني الحسن بن علي بن بزيع معنعنا، عن الآصبغ بن نباتة قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): إني اريد أن أذكره حديثا، قلت: فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تذكره ؟ فقال: ما قلت هذا إلا وأنا اريد أن أذكره، ثم قال: إذا جمع الله الاولين والآخرين كان أفضلهم سبعة منا بني عبد المطلب، الانبياء أكرم الخلق ونبينا أفضل الانبياء (عليهم السلام) ثم الاوصياء أفضل الام ووصيه أفضل الاوصياء (عليهم السلام) ثم الشهداء أفضل الامم بعد الاوصياء وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين يطير مع الملائكة لم ينحله الله شهيدا قط قبله (رحمة الله عليهم أجمعين) ” اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ” ثم السبطان حسنا وحسينا، والمهدي (عليهم السلام) والتحية والاكرام، جعلهم الله


(1) هكذا في المصدر والعبارة غامضة. (2) تفسير فرات الكوفي: ص 29. (*)

[ 530 ]

ممن ينثاء أهل البيت (1). وقال: حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا، عن سليمان الديلمي قال: كنت عند أبي عبد الله. (عليه السلام) إذ دخل عليه أبو بصير وقد أخذه النفس فلما أن أخذ مجلسه قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا محمد ما هذا النفس العالية ؟ قال: جعلت فداك يابن رسول الله كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ولست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبد الله: يا أبا محمد وإنك لتقول هذا ؟ قال: وكيف لا أقول هذا فذكر كلاما ثم قال: يا ابا محمد لقد ذكركم الله في كتابه المبين ” اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ” فرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الآية النبيين ونحن في هذا الموضع الصديقين والشهداء، وأنتم الصالحون فسموا بالصلاح كما سماكم يا أبا محمد (2). يأيها الذين ءامنوا خذروا حذركم: فتيقظوا واستعدوا للاعداء. الحذر والحذر كالاثر والاثر، وقيل: ما يحذر به كالحزم والسلاح، ويؤيده ما رواه في مجمع البيان، عن أبي جعفر (عليه السلام): أن معناه خذوا أسلحتكم (3). فانفزوا: فاخرجوا إلى الجهاد. ثبات: جماعات متفرقة، جمع ثبة، من ثبت على فلان تثبته، إذا ذكرت متفرق محاسنه، ويجمع أيضا على ثبين جبرا لما حذف من عجزه. أو انفروا جميعا: مجتمعين كوكبة واحدة. وروي في مجمع البيان، عن أبي جعفر (عليه السلام): أن المراد بالثبات السرايا، وبالجميع العسكر (4).


(1) تفسير فرات الكوفي: ص 35 وفيه الحسين بدل الحسن. (2) تفسير فرات الكوفي ص 36 وفيه القسم بدل القاسم. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 73 عند تفسيره لآية 71 من سورة النساء، قال: أن معناه خذوا أسلحتكم، سمى الاسلحة حذرا، لانها الآلة بها يتقي الحذر وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وغيره. (4) مجمع البيان: ج 3 ص 73 في تفسيره لآية 71 من سورة النساء. (*)

[ 531 ]

[ وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصبتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا (72) ولئن أصبكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (73) * فليقتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوة الدنيا بالاخرة ومن يقتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما (74) ] والاية إن نزلت في الحرب، لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيف ما أمكن قبل الفوات. وإن منكم لمن ليبطئن: الخطاب لعسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين منهم والمنافقين، والمبطئون منافقوهم تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد، من بطأ بمعنى إبطاء، وهو لازم، أو ثبطوا غيرهم كما ثبط ابن ابي ناسا يوم احد من بطأ منقولا من بطئ، كثقل من ثقل، واللام الاولى اللابتداء دخلت على اسم إن للفصل، والثانية جواب قسم محذوف، والقسم بجوابه صلة ” من ” والراجع إليه ما استكن في ” ليبطئن ” والتقدير: وإن منكم من لا قسم بالله ليبطئن. فإن أصبتكم مصيبة: كقتل وهزيمة. قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا: أي المبطئ حاضرا فيصيبني ما أصابهم. وفي مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام): لو أن أهل السماوات والارض قالوا: قد أنعم الله علينا إذ لم أكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكانوا


[ 532 ]

بذلك كفارا مشركين (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم، والعياشي: عن الصادق (عليه السلام): لو قال هذه الكلمة أهل الشرق والغرب لكانوا بها خارجين من الايمان، ولكن الله سماهم مؤمنين بإقرارهم (2) (3). وفي رواية سماهم مؤمنين بإقرارهم. وفي رواية سماهم مؤمنين، وليسواهم بمؤمنين ولا كرامة (4). ولئن أصبكم فضل من الله: كفتح وغنيمة. ليقولن أكده تنبيها على فرط تحسرهم. وقرئ بضم اللام إعادة للضمير على المعنى. كأن لم تكن: وقرأ ابن كثير وحفص، عن عاصم ورويس، عن يعقوب. بالتاء لتأنيث لفظ المودة. بينكم وبينه مودة: اعتراض بين الفعل ومفعوله، وهو. يليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما: تنبيه على ضعف عقيدتهم، وإن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه، وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال، أو حال عن الضمير في ” ليقولن ” أي حال كونهم لا مودة وبينكم، بناء على أنه إنما يردى أن يكون معهم لمجرد المال، أو داخل في المقول، أي يقول المبطئ لمن يثبطه من المنافقين وضعفة المسلمين تضريبا وحسدا، كأن لم يكن بينكم وبين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مودة، حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فاز، يا ليتني كنت معهم. والقول باتصاله بالجملة الاولى ضعيف، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا ومعنى، و ” كأن ” مخففة واسمه ضمير الشأن المحذوف والمنادى في ” يا ليتني ” محذوف، أي يا قوم.


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 74 في تفسيره لآية 72 من سورة النساء. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 143 س 4 في تفسيره لآية 72 من سورة النساء. (3 و 4) تفسير العياشي: ج 1 ص 257 ح 191. (*)

[ 533 ]

وقيل: ” يا ” للتنبيه على الاتساع ” فأفوز ” نصب على جواب التمني. وقرئ بالرفع على تقدير، فأنا أفوز في ذلك الوقت، أو العطف على ” كنت “. فليقتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوة الدنيا: أي يبيعونها. بالاخرة: يعني إن بطأ هؤلاء عن القتال، فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة، أو فليقاتل الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة، وهم المبطئون، والمقصود حثهم على ترك ما حكى عنهم. ومن يقتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما: وعد له الاجر العظيم غلب أو غلب، ترغيبا في القتال، وتكذيبا لقولهم ” قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا “. وإنما قال: ” فيقتل أو يغلب ” تنبها على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة، أو الدين بالظفر والغلبة، وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل، بل إغلاء الحق واعزاز الدين (1). وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فوق كل بربر حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله ليس فوقه بر (2). عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدين لا كفارة له إلا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له عليه الحق (3). وعن الصادق (عليه السلام): من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته (4). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): للشهيد سبع خصال من الله، أول


(1) من قوله: (وقرأ ابن كثير) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 229، فراجع. (2) الخصال: ص 9 باب الواحد، (بر ليس فوقه بر وعقوق ليس فوقه عقوق) ح 31 وتمام الحديث (وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل أحد والديه، فإذا قتل أحد هما فليس فوقه عقوق). (3) الخصال: ص 12 باب الواحد (كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله..) ح 42. (4) الكافي: ج 5 ص 54، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة ح 6. (*)

[ 534 ]

[ وما لكم لا تقتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدن الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا (75) ] قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه، تقولان: مرحبا بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يكسى من كسوة الجنة، والرابعة يبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه منه، والخامسة أن يرى منزله، والسادسة يقال لروحه: اسرح في الجنة حيث شئت، والسابعة أن ينظر في وجه الله وأنها الراحة لكل نبي وشهيد (1). ومالكم: مبتدأ وخبره. لا تقاتلون في سبيل الله: حال والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل. والمستضعفين: عطف على اسم الله، أي وفي سبيل المستضعفين، وهو تخليصهم عن الاسر وصونهم عن العدو، أو على السبيل بحذف المضاف، أي وفي خلاص المستضعفين، ويحتمل النصب على الاختصاص، فإن سبيل الله يعم أبواب الخبر، وتخليص المسلمين من أيدي الكفار أعظمها وأخصها. من الرجال والنساء والولدن: بيان للمستضعفين، وهم المسلمون الذين يقوا بمكة، لصد المشركين، أو لضعفهم عن الهجرة مبتذلين. وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإن دعوتهم اجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية.


(1) التهذيب: ج 6 ص 121 كتاب الجهاد باب 54 فضل الجهاد وقروضه ح 3. (*)

[ 535 ]

وفي الكشاف: إن المراد به العبيد والاماء، وهو جمع وليد (1). الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا لدنك نصيرا: فاستجاب الله دعاءهم، بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير ولي وناصر، ففتح مكة على نبيه (صلى الله عليه وآله) فتولاهم ونصرهم. قيل: ثم استعمل عليهم عتاب بن اسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعزه أهلها (2). والقرية، مكة، والظالم صفتها، وتذكيرها لتذكير ما اسند إليه، لان اسم الفاعل أو المفعول إذا أجرى على غير من هوله كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه. في روضة الكافي: ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، في حديث طويل: وقد كانت خديجة (عليهما السلام) ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب (عليه السلام) بعد موت خديجة بسنة، فلما فقد هما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد، وأشفق على نفسه من كفار قريش، فشكى إلى جبرئيل ذلك، فأوحى الله (عز وجل) إليه أن اخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكة ناصر، وانصب للمشركين حربا، فعند ذلك توجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة (3). وفي تفسير العياشي: عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه تلا:


(1) الكشاف: ج 1 ص 534 في تفسيره لآية 75 من سورة النساء، قال: (ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الاحرار والحرائر، وبالولدان العبيد والاماء، لان العبد والامة يقال لهما الوليد والوليدة). (2) الكشاف: ج 1 ص 534 في تفسيره لآية 75 من سورة النساء، قال: (ولما خرج استعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا). (3) الكافي: ج 8 ص 34، حديث إسلام علي (عليه السلام)، ح 536 س 18. (*)

[ 536 ]

[ الذين ءامنوا يقتلون في سبيل الله والذين كفروا يقتلون في سبيل الطغوت فقتلوا أولياء الشيطن إن كيد الشيطن كان ضعيفا (76) ] ” المستضعفين – إلى – نصيرا “، وقال: نحن اولئك (1). وعن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): مثله (2). الذين ءامنوا يقتلون في سبيل الله: أي فيما يصلون به إلى الله. والذين كفروا يقتلون في سبيل الطغوت: فيما يبلغ بهم إلى الشيطان. فقتلوا أولياء الشيطن: لما ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشيطان، ثم شجعهم بقوله. إن كيد الشيطن كان ضعيفا: أي إن كيده للمؤمنين بالاضافة إلى كيد الله للكافرين، ضعيف لا يؤبه به (3) فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتماد هم على أضعف شئ وأوهنه واعتماد كم على أقوى شئ وأحكمه. وبما سبق من دلالة سبب نزول آية ” يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ” من نقل البيضاوي عن ابن عباس، من أن الطاغوت فلان، وبهذه الآية يثبت كفر أوليائه ووجوب مقاتلهم وكونهم أولياء الشيطان. وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا سمعتم العلم فاستعملوه، ولتتسع قلوبكم فإن العلم إذا


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 257 ح 193. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 257 ح 194. (3) يقال: فلان لا يؤبه له ولا يؤبه به، أي لا يبالى به، وعن ابن السكيت: ماوبهت له، أي ما فطنت له (مجمع البحرين: ج 6 ص 365 لغة وبه). (*)

[ 537 ]

[ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لو لا أخرتنا إلى أجل – قريب قل – متع الدنيا – قليل – والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77) ] كثر في قلب رجل لا يحتمله، قدر الشيطان عليه، فإذا خاصمكم الشيطان فاقبلوا عليه بما تعرفون، فإن كيد الشيطان كان ضعيفا، فقلت: وما الذي نعرفه ؟ قال: خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله (عز وجل) (1) (2). ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم: عن القتال.


(1) الكافي: ج 1 ص 45 باب استعمال العلم، ح 7. (2) قوله: (إذا سمعتم العلم) المراد بالعلم المذعن به، لانفس التصديق، والمقصود أنه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بأعماله والعمل على وفقه عن طلب علم آخر، وقوله (عليه السلام): (ولتتسع قلوبكم) أي يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر تتسعه قلوبكم ولا تستكثروا منه، ولا تطلبوا ما لا تقدرون على الوصول إلى كنهه، فإنه حينئذ يستولي الشيطان عليكم ويوقعكم في الشبهات. وقيل ينبغي أن يكون اهتمامكم بالعمل، لا بكثرة السماع والحفظ إلى حد يضيق قلوبكم عن احتماله، وذلك إنما يكون بترك العمل، لان العالم إذا عمل بعلمه، لا يضيق قلبه عن احتمال العلم. وقوله (عليه السلام): (فإذا خاصمكم) تنبيه على دفع ما يتوهم من أن القناعة من العلم بما يسعه القلب يؤدي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان، بأن الاقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الايمان يكفي في رفعه، فإن كيد الشيطان كان ضعيفا. والمراد بقوله: (خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله عز وجل) خاصموه بآثار قدرته الظاهرة في الرسول، أو على يده الدالة على رسالته، وباثار قدرته الظاهرة في الوصي من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عينه أو صفاته، وبما ظهر من قدرته تعالى في كل شئ، فإنه يدل على قدرته على إنشاء النشأة الآخرة وإثابة المطيع وتعذيب العاصي، فإن بهذه

[ 538 ]

وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة: واشتغلوا بما امرتم به منهما. قيل: وذلك حين كانوا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم في ذلك (1). وفي مجمع البيان: المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أن هذه الآية منسوخة بقوله: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ” (2) (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية ” كفوا ألسنتكم ” (4). فعلى هذه الرواية تكون الآية فيمن لا يصح له القتال، ويكون المراد بكف الايدي، كف الالسن عما يوجب القتال، ولم تكن الآية منسوخة. والجمع بينها وبين الرواية الاولى: أنها منسوخة ببعض معانيها محكمة ببعض آخر. وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسين بن عبد الرحمان، عن منصور، عن حريز، عن عبد الله (5)، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا فضيل أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا ألسنتكم وتدخلوا الجنة، ثم قرأ ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا


المعرفة تنبعث النفس على فعل الطاعات وترك السيئات، ثم كلما ازداد علما وسيعا ازداد بصيرة ويقينا (مرآة العقول: ج 1 ص 146). (1) قال في الكشاف: ج 1 ص 535 عند تفسيره لآية 77 من سورة النساء (وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ماداموا بمكة وكانوا يتمنون أن يودى لهم فيه). (2) البقرة: 190. (3) مجمع البيان: 2 ص 285 عند تفسيره لآية 189 من سورة البقرة قال: واختلف في الآية (أي قوله تعالى: ” وقاتلوا في سبيل الله ” هل هي منسوخة أم لا، إلى أن قال: وروي عن أئمتنا أن أن هذه الآية ناسخة لقوله: ” كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة “. (4) الكافي: ج 2 ص 114 كتاب الايمان والكفر، باب الصمت وحفظ اللسان، ح 8. (5) سند الحديث في الروضة هكذا (عنه، عن علي بن الحسين، عن منصور، عن حريز بن عبد الله، عن الفضيل). (*)

[ 539 ]

الصلاة وآتوا الزكاة ” أنتم والله أنتم والله أهل هذه الآية (1). يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مالك اما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة (2) فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله: يخشون الكفار أن يقتلوهم، كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه. و ” إذا ” للمفاجأة، جواب ” لما ” و ” فريق ” مبتدأ ” منهم ” صفته ” يخشون ” خبره ” كخشية الله ” من اضافة المصدر إلى المفعول وقع موقع المصدر، أو الحال من فاعل ” يخشون ” على معنى يخشون مثل أهل خشية الله منه. أو أشد خشية: عطف عليه إن جعلته حالا، مصدرا فلا، لان أفعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه، بل هو معطوف على اسم الله، أي كخشية الله، أو كخشية أشد خشية منه على الفرض، اللهم إلا أن يجعل الخشية ذات خشية، كقولهم: جد جده، على معنى يخشون الناس خشية مثل خشية الله، أو خشية أشد خشية من خشية الله. وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لو لآ أخرتنا أجل قريب: استزادة في مدة الكف عن القتال حذرا عن الموت. ويحتمل أنهم ما تفوهوا به، ولكن قالوه في أنفسهم، فحكى الله عنهم (3). وفي تفسير العياشي عنه: ” كفوا أيديكم واقيموا الصلاة ” قال: نزلت في الحسن بن علي أمره الله بالكف ” فلما كتب عليهم القتال ” نزلت في الحسين بن على كتب الله عليه وعلى أهل الارض أن يقاتلوا معه (4).


(1) الكافي: ج 8 ص 289 ح 434 س 2. (2) الكافي: ج 8 ص 146 ح 122. (3) من قوله (وإذا للمفاجأة) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 231. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 258 ح 198. (*)

[ 540 ]

علي بن اسباط يرفعه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو قاتل معه أهل الارض لقتلوا كلهم (1). عن إدريس مولى لعبدالله بن جعفر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ” وهو الاصح مع الحسن (عليه السلام)، ” فلما كتب عليهم القتال ” مع الحسين (عليه السلام) ” قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا إلى أجل قريب ” إلى خروج القائم (عليه السلام) فإن معه النصر والظفر (2). وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح بن عبد الحميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله للذي صنعه الحسن بن علي (عليهما السلام) كان خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس، والله لقد نزلت هذه الآية: ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” إنما هي طاعة الامام وطلبوا القتال فلما كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام) قالوا: ” ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ” أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام) (3). قل متع الدنيا قليل: سريع التقضى. والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا: أي ولا تنقصون أدنى شئ من ثوابكم، فلا ترغبوا عنه، أو من آجالكم المقدرة. والفتيل حبل دقيق من ليف، والسحاة التي في شق النواة، وما فتلته بين أصابعك من الوسخ، يكنى به عن القليل، كقولهم: وما أغنى عنك فتيلا. وقرأ ابن كثير والكسائي بالياء لتقدم الغيبة.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 258 ح 199. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 257 ح 195. (3) الكافي: ج 8 ص 330 ح 506. (*)

[ 541 ]

[ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم – حسنة – يقولوا – هذه – من عند الله – وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل – من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (78) مآ – أصابك – من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلنك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا (79) ] أينما تكونوا يدرككم الموت: وقرئ بالرفع على حذف الفاء، أو على أنه كلام مبتدأ، و ” أينما ” متصل بلا تظلمون. ولو كنتم في بروج مشيدة: في قصور أو حصون مرتفعة، والبروج في الاصل بيوت على أطراف القصر، من تبرجت المراة، إذا ظهرت. وقرئ مشيدة بصيغة اسم الفاعل، وصف لها بوصف فاعلها، كقولهم: قصيدة شاعرة ومشيدة، من شاد القصر، إذا رفعه. لو إن تصبهم حسنة: نعمة، كخصب. يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة: أي بلية، كقحط. يقولوا هذه من عندك: يطيروا بك، ويقولون: إن هي إلا بشؤمتك، كما قالت اليهود حين دخل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة نقصت ثمارها وغلت قل كل من عند الله: يبسط ويقبض حسب إرادته. فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا: يوعظون به، وهو القرآن، فإنهم لو فهموه وتدبروا معانيه، لعلموا أن الكل من الله، أو حديثا ما، كبائهم لا أفهام لها، أو حادثا من صروف الزمان، فيتفكروا فيها، فيعلموا أنه الباسط والقابض. (*)


[ 542 ]

مآ أصابك: يا إنسان. من حسنة: من نعمة. فمن الله: تفضلا، فإن كل ما يفعله الانسان من عبادة فلا يكافئ صغرى نعمة من أياديه. وما أصابك من سيئة: من بلية. فمن نفسك: لانها السبب فيها، لاستجلابها بالمعاصي، وهو لا ينافي قوله: ” كل من عند الله ” فإن الكل منه إيجادا وإيصالا، غير أن الحسنة إحسان والسيئة مجازاة وانتقام، قال الله: ” ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ” (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن الصادقين (عليهما السلام) أنهم قالوا: إن الحسنات في كتاب الله على وجهين، أحدهما الصحة والسلامة والامن والسعة في الرزق، والآخر الافعال كما قال: ” من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ” (2) وكذلك السيئات، فمنها الخوف والمرض والشدة، ومنها الافعال التي يعاقبون عليها (3). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كما أن بادي النعم من الله (عز وجل) وقد نحلكموه، فكذلك الشر من أنفسكم، وإن جرى به قدره (4). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): قال الله: ابن آدم بمشيئتي كنت، أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذاك أني أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني،


(1) الشورى: 30. (2) الانعام: 160. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 144 س 12 في تفسيره لآية 79 من سورة النساء. (4) التوحيد: ص 368 باب 60 القضاء والقدر والفتنة والارزاق والاسعار والاجال ح 6. (*)

[ 543 ]

[ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلنك عليهم حفيظا (80) ] وذاك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون (1). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى ربعي بن عبد الله بن الجارود، عمن ذكره، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليه وآبائه) قال: إن الله (عز وجل) خلق النبيين من طينة عليين وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وخلق أبدانهم من دون ذلك، وخلق الكافرين من طينة سجين وقلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن، ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة ويصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه، وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه (2). وأرسلنك للناس رسولا: حال قصد بها التأكيد، إن علق الجار بالفعل، والتعميم إن علق بها، أي رسولا للناس جميعا، ويجوز نصبه على المصدر. وكفى بالله شهيدا: على رسالتك بنصب المعجزات، فما ينبغي لاحد أن يخرج من طاعتك. من يطع الرسول فقد أطاع الله: لانه في الحقيقة مبلغ، والآمر والناهي هو الله. نقل أنه (عليه السلام) قال: من أحبني فقد أحب الله، ومن أطاعني فقد أطاع


(1) الكافي: ج 1 ص 159 كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر والامر بين الامرين ح 12 وصدر الحديث (أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قلت لابي الحسن الرضا (عليه السلام): إن بعض أصحابنا يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة قال: فقال لي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال علي بن الحسين: قال الله (عز وجل): يابن آدم إلخ، وتمامه (قد نظمت لك كل شئ تريد). (2) علل الشرائع: ج 1 ص 78 باب 77 العلة في خروج المؤمن من الكافر وخروج الكافر من المؤمن ح 2. (*)

[ 544 ]

الله، فقال المنافقون: لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه، ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فنزلت (1). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد أبي زاهر، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحوي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعته يقول: إن الله (عز وجل) أدب نبيه على محبته، فقال: ” إنك لعلى خلق عظيم ” (2) ثم فوض إليه فقال (عز وجل): ” وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” (3) وقال (عز وجل): ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” ثم قال: وإن نبي الله فوض إلى علي وائتمنه، فسلمتم وجحد الناس، فوالله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا، وأن تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله (عز وجل) ما جعل الله خيرا في خلاف أمرنا (4). عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول، ثم ذكر مثله (5) (6). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذروة الامر وسنامه، ومفتاحه، وباب الاشياء، ورضا الرحمان (تبارك وتعالى)، الطاعة للامام بعد معرفته، ثم قال: إن الله (تبارك وتعالى) يقول: ” من يطع الرسول ” إلى قوله: ” حفيظا ” (7).


(1) نقله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 232 عند تفسيره لآية 80 من سورة النساء. (2) القلم: 4. (3) الحشر: 7. (4) الكافي: ج 1 ص 265، كتاب الحجة باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الائمة (عليهم السلام) في أمر الدين ح 1. (5) الكافي: ج 1 ص 265، كتاب الحجة، باب التفويض ذيل ح 1. (6) وللعلامة المجلسي (قدس سره) بحث دقيق وتحقيق لطيف هنا في معنى التفويض فراجع إن شئت (مرآة العقول: ج 3 ص 142). (7) (ذروة الامر) بالضم والكسر: أعلاه، والامر، الايمان، أو جميع الامور الدينية، أو الاعم منها ومن الدنيوية (وسنامه) بالفتح، أي أشرفه وأرفعه، مستعارا من سنام البعير، لانه أعلى عضو منه: (*)

[ 545 ]

علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعبد الله بن الصلت جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله، وزاد في آخره: أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله، فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الايمان (1). وفي روضة الكافي: خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها (عليها السلام): ولا مصيبة عظمت، ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لان الله ختم به الانذار والاعذار، وقطع به الاحتجاج، والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال في محكم كتابه: ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ” فقرن طاعته بطاعته


(ومفتاحه) أي ما يفتح به ويعلم به سائر امور الدين (وباب الاشياء) أي سبب علمها، أو ما ينبغي أن يعلم قبل الدخول فيها، أو ما يصير سببا للدخول في منازل الايمان. وعلى بعض الوجوه تعميم بعد التخصيص، (ورضا الرحمان) بالكسر والقصر بمعنى ما يرضى به (بعد معرفته) أي الامام، أو الرحمن تعالى شأنه، والاول أظهر (ومن تولى) أي عن طاعته (حفيظا) أي تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها: ” إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ” والاستشهاد بالآية إما لان طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما كانت تجب من حيث الخلافة والامامة التي هي رئاسة عامة، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إماما على الناس في زمانه مع رسالته، فبهذه الجهة تجب طاعة الامام بعده، أو لعلمه (عليه السلام) بأن المراد بالرسول فيها أعم من الامام، أو لان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بطاعة الائمة (عليهم السلام) بالنصوص المتواترة، فطاعتهم طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعته طاعة الله، فطاعتهم طاعة الله، أو علم (عليه السلام) أن المراد بطاع الرسول طاعته في تعيين اولي الامر بعده وأمره بطاعتهم، أو لانهم لما كانوا نواب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه فحكمهم حكمه في جميع الاشياء إلا ما يعلم اختصاصه بالرسالة، وهذا ليس منه (مرآة العقول: ج 2 ص 323). الكافي: ج 1 ص 185، كتاب الحجه، باب فرض طاعة الائمة، ح 1. (1) الكافي: ج 2 ص 18 كتاب الايمان والكفر، باب دعائم الاسلام، قطعة من ح 5. (*)

[ 546 ]

ومعصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه، وشاهدا له على من اتبعه وعصاه، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم (1). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه: وأجرى فعل بعض الاشياء على ايدي من أصطفى من امنائه، فكان فعلهم فعله وأمرهم أمره، كما قال: ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” (2). وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لعلي ابن موسى الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: أن المؤمنين يرون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال (عليه السلام): يا أبا الصلت إن الله تعالى فضل نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومبايعته مبايعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال (عز وجل): ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” وقال: ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ” (3). وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله) ودرجة النبي (صلى الله عليه وآله) في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره في درجته في الجنة من منزله، فقد زار الله (تبارك وتعالى) (4). ومن تولى: عن طاعته. فما أرسلنك عليهم حفيظ: تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب وهو حال من الكاف.


(1) الكافي: ج 8 ص 26، خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة س 4. (2) كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 374، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.. س 21. (3) الفتح: 10. (4) عيون الاخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 15 باب 11 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد ح 3. (*)

[ 547 ]

[ ويقولون طآعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتو كل على الله وكفى بالله وكيلا (81) أفلا يتدبرون القرءان – ولو كان – من عند – غير الله – لوجدوا – فيه – اختلفا كثيرا (86) ] ويقولون: إذا أمرتهم. طاعة: أي أمرنا طاعة، أو منا طاعة. وأصلها النصب على المصدر، والرفع للدلالة على الثبات. فإذا برزوا من عندك: خرجوا. بيت طائفة منهم غير الذى تقول: زورت خلاف ما قلت لها، أو ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة. والتبييت إما من البيتوتة، لان الامور تدبر بالليل، أو من بيت الشعر، أو البيت المبني، لانه يسوى ويدبر. وقرأ حمزة وأبو عمر و ” بيت طائفة ” بالادغام لقربهما في المخرج. والله يكتب ما يبيتون: يثبته في صحائفهم للمجازاة، أو في جملة ما يوحى إليك لتطلع على أسرارهم أو في كليهما. فأعرض عنهم: قلل المبالاة بهم، أو تجاف عنهم. وتوكل على الله: في الامور كلها، خصوصا في شأنهم. وكفا بالله وكيلا: يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم. أفلا يتدبرون القرءان: يتأملون في معانيه، ويتبصرون ما فيه. وأصل التدبر النظر في أدبار الشئ. (*)


[ 548 ]

[ وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذا عوابه ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطن إلا قليلا (83) ] ولو كان من عند غير الله: لو كان كلام البشر كما زعم الكفار. لوجدوا فيه اختلافا كثيرا: من تناقض المعنى، وتفاوت النظم، وكون بعضه فصيحا وبعضه ركيكا، وبعضه معجزا وبعضه غير معجز، وبعضه مطابقا للواقع وبعضه غير مطابق لنقصان القوة البشرية. ولعل ذكره هنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الاحكام، ليس لتناقض في الحكم، بل لاختلاف الاحوال في الحكم والمصالح. وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ” (1). وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف: مما يوجب الامن أو الخوف. أذا عوابه: أفشوه. قيل: كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أخبرهم الرسول بما اوحي إليه من وعد بالظفر، أو تخويف من الكفرة، أذا عوابه، لعدم جزمهم وكانت إذاعتهم مفسدة (2).


(1) نهج البلاغة: ص 61 ومن كلام له (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا، وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في امور الدين للقرآن صبحي الصالح. (2) نقله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 233 عند تفسيره لآية 83 من النساء. (*)

[ 549 ]

وقيل: كانوا يسمعون أراجيف المنافقين، فيذيعونها، فيعود وبالا على المسلمين. والباء مزيدة، أو لتضمين الاذاعة معنى التحدث (1). في اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان ابن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله (عز وجل) عير أقواما بالاذاعة في قوله (عز وجل): ” وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ” فإياكم والاذاعة (2). ولو ردوه: ذلك الامر. إلى الرسول وإلى أولى الامر منهم: أي الائمة المعصومين (عليهم السلام) على ما في الجوامع، عن الباقر (عليه السلام) (3). لعلمه: في أي وجه يذكره، أو يذكرونه. الذين يستنبطونه منهم: يستخرجون تدبيره بعقلهم المؤيد بروح القدس. وأصل الاستنباط اخراج النبط، وهو الماء يخرج من البئر أول ما يحفر. وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن جندب، عن الرضا (عليه السلام): يعني آل محمد وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام، وهم حجة الله على خلقه (4). عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: هم الائمة (عليهم السلام) (5). وفي اصول الكافي: بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وقال (عز وجل): ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” فقال (عز وجل): ” ولو ردوه إلى الله والى


(1) نقله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 233 عند تفسيره لآية 83 من النساء. (2) الكافي: ج 2 ص 369، كتاب الايمان والكفر، باب الاذاعة، ح 1. (3) جوامع الجامع: ص 92 س 13 عند تفسيره لآية 83 من سورة النساء. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 260 قطعة من ح 206. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 260 ح 205. (*)

[ 550 ]

الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ” فرد الامر أمر الناس إلى أولي الامر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم (1). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله، في غير أهل الصفوة من بيوتات الانبياء، فقد خالف أمر الله (عز وجل) وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله، فكذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته، فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله (تبارك وتعالى)، فضلوا وأضلوا أتباعهم، فلا يكون لهم يوم القيامة حجة (2). وقال أيضا بعد أن قرأ ” فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ” (3) فإن يكفر بها امتك فقد وكلنا أهل بيتك بالايمان الذي الذي أرسلنا له فلا يكفرون بها أبدا ولا أضيع الايمان الذي أرسلناك به وجعلت أهل بيتك بعدك على امتك ولاة من بعدك وعلى الاستنباط الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا زور ولا بطر ولا رياء (4). ولو لا فضل الله عليكم ورحمته: بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الائمة (عليهم السلام). في الجوامع: عنهم (عليهم السلام): فضل الله ورحمته النبي وعلي (عليهم السلام) (5). وفي تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وحمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قالا: فضل الله رسوله، ورحمته الائمة (عليهم السلام) (6).


(1) الكافي: ج 1 ص 295 قطعة من ح 3. (2) كمال الدين وتمام النعمة: ص 218 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام)، ح 2 س 6. (3) الانعام: 89. (4) كمال الدين وتمام النعمة: ص 219 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام (.. س 6. (5) جوامع الجامع: ص 92 س 16. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 260 ح 207. (*)

[ 551 ]

[ فقتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا (84) ] عن محمد بن الفضيل، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: الرحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والفضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1). لا تبعتم الشيطن: بالكفر والضلالة. إلا قليلا: منكم تفضل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحق والصواب، وعصمه عن متابعة الشيطان، أو إلا اتباعا قليلا عن الندور. وفي تفسير العياشي: عن ابن مسكان، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: ” ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا ” فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنك لتسأل عن كلام القدر، وما هو من ديني ولا دين آبائي، ولا وجدت أحدا من أهل بيتي يقول به (2). فقاتل في سبيل الله: ان تثبطوا وتركوك وحدك. لا تكلف إلا نفسك: إلا فعل نفسك، لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد، فإن الله ناصرك لا الجنود. وفي اصول الكافي: بإسناده إلى مرازم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله كلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يكلف أحدا من خلقه،


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 261 ح 209. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 261 ح 210. (3) مرازم بن حكيم الازدي المدائني: مرازم بالميم المضمومة والراء المهملة والالف والزاء المعجمة المكسورة والميم، وحكيم بضم الحاء المهملة، وفتح الكاف وسكون الياء المثناة من تحت، والميم (تنقيح المقال: ج 3 ص 208 تحت رقم 11622). (*)

[ 552 ]

كلفه أن يخرج إلى الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلف أحدا هذا قبله ولا بعده، ثم تلا هذه الآية (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إبراهيم، محمد الثقفي، عن محمد بن مروان جميعا، عن ابان بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله (تبارك وتعالى) أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعدد أشياء كثيرة، وفي آخر الحديث قال (عليه السلام): ثم كلف ما لم يكلف أحدا من الانبياء، أنزل عليه سيفا من السماء في غير غمد، وقيل له: قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك (2). ونقل أن أبا سفيان يوم احد لما رجع واعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موسم بدر الصغرى، فكره الناس، وتثاقلوا حين بلغ الميعاد، فنزلت، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده (3). وقرئ ” لا تكلف ” بالجزم، و ” لا نكلف ” بالنون على بناء الفاعل، أي لا نكلفك إلا فعل نفسك، لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك. وحرض المؤمنين: على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض. عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا: يعني قريشا، وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعلوا. والله أشد بأسا: من قريش. وأشد تنكيلا: تعذيبا، وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه. وفي تفسير العياشي: عن سليمان بن خالد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قول الناس لعلي إن كان له حق فما منعه أن يقوم به ؟ قال: فقال: إن الله


(1) لم نعثر على الحديث في اصول الكافي، والكنه موجود في الروضة: ص 274 قطعة من ح 414 س 22. (2) الكافي: ج 2، ص 17 كتاب الايمان والكفر، باب الشرائع قطعة من ح 1. (3) نقله بوجه أبسط في مجمع البيان: ج 3 ص 83 تحت عنوان (القصة). (*)

[ 553 ]

[ من يشفع شفعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شئ مقيتا (85) ] لم يكلف هذا إلا إنسانا واحدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ” فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين ” فليس هذا إلا الرسول وقال لغيره: ” إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ” فلم يكن يومئذ فئة يعينونه على أمره (1). على الثمالي، عن عيص، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلف ما لم يكلف أحد أن يقاتل في سبيل الله وحده وقال: ” حرض المؤمنين على القتال “، وقال: إنما كلفتم اليسير من الامر أن تذكروا الله (2). عن ابراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام): إن لكل كلبا يبتغي الشرفا جتنبوه يكفيكم الله بغيركم إن الله يقول: ” والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ” لا تعلمون بالشر (3). من يشفع شفعة حسنة: راعى بها حق مسلم، ودفع بها عنه ضرا، أو جلب إليه نفعا، ابتغاء لوجه الله، ومنها الدعاء لمسلم. وفي الجوامع: عن الصادق (عليه السلام): من دعا لاخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له، وقال له الملك: ولك مثلاه، فذلك النصيب (4). يكن له نصيب منها: أي ثوابها.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 261 ح 211. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 262 ح 214. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 262 ح 215 وفيه: لكل كلبا يبغي. (4) جوامع الجامع: ص 92 س 15 عند تفسيره لآية 85 من سورة النساء. (*)

[ 554 ]

ومن يشفع شفعة سيئة: وهي ما كان خلاف ذلك، ومنها الدعاء على المؤمن. يكن له كفل منها: نصيب من وزرها، مساو لها في القدر والكفل النصيب. وفي تفسير علي بن إبراهيم، قال: يكون كفيل ذلك الظلم الذي يظلم صاحب الشفاعة (1). وكان الله على كل شئ مقيتا: مقتدرا، من أقات الشئ، قدر عليه، أو شهيدا حافظا واشتقاقه من القوت، فإنه يقوي البدن ويحفظه. وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو دل على خير، أو أشاربه، فهو شريك. ومن أمر بسوء، أو دل عليه، أو أشار به، فهو شريك (2). وفي الكافي: عن السجاد (عليه السلام): إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لاخيه بظهر الغيب ويذكره بخير قالوا: نعم الاخ أنت لاخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير، قد أعطاك الله تعالى مثلي ما سألت له، وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه، وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه، قالوا: بئس الاخ أنت لاخيك، كف أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع على نفسك (3) واحمد الله الذي ستر عليك، واعلم أن الله أعلم بعبده منك (4).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 145. (2) الخصال: ص 138 باب الثلاثة ثلاثة يشتركون في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 156. (3) أربع على نفسك، أي قف وامسك ولا تتعب نفسك، من ربع كمنع – منه دام عزه (كذا في هامش النسخة). (4) (المستر) على بناء المجهول من التفعيل أو الافعال، وما قيل أنه على بناء الفاعل فهو بعيد، و (العورة) العيب وما يستحى منه. وقال الجوهري: ربع الرجل يربع، إذا وقف وتحبس ومنه قولهم: أربع على نفسك وأربع على طلعك، أي ارفق بنفسك وكف، انتهى، والمعنى: اقتصر على النظر في حال نفسك، ولا تلتفت إلى غيرك. واعلم أن الله أعلم بعبده منك فإن علم صلاحه وصلاح سائر عباده (*)

[ 555 ]

[ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها إن الله كان على كل شئ حسيبا (86) ] وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوها: التحية في الاصل مصدر حياك الله، على الاخبار من الحياة، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك، ثم قيل لكل دعاء، فغلب في السلام. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: السلام وغيره من البر (1). وفي مجمع البيان: وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق (عليه السلام): أن المراد بالتحية في قوله: ” وإذا حييتم بتحية ” السلام وغيره من البر والاحسان (2). وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب: وقال أنس: جاءت جارية للحسن (عليه السلام) بطاق ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله، فقيل له في ذلك، فقال: أدبنا الله تعالى وقال: ” إذا حييتم بتحية ” الآية وكان أحسن منها إعتاقها (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السلام تطوع والرد فريضة (4).


في دفعه يدفعه وفي ابتلائه يبتليه وفي عافيته يعافيه، ولا يحتاج في شئ من ذلك إلى تعليمك (تلخيص من مرآة العقول: ج 12 ص 169). الكافي: ج 2 ص 508 كتاب الدعاء، باب الدعاء للاخوان بظهر العيب، ح 7. (1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 145 عند تفسيره لآية 86 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 85 س 13 في نقله المعنى لآية 86 من سورة النساء. (3) مناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 18، باب امامة أبي محمد الحسن (عليه السلام) فصل في مكارم أخلاقه س 3. (4) الكافي: ج 2 ص 644 كتاب العشرة، باب التسليم، ح 1. (*)

[ 556 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى، عن غياث ابن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم، وإذا رد واحد أجزأ عنهم (1). علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: القليل يبدؤون الكثير بالسلام، والراكب يبدأ الماشي، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال (2). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن من تمام التحية للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر المعانقة (3). وفي رواية: يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد (4). وفي اخرى: وإذا لقيت جماعة، جماعة سلم الاقل على الاكثر، وإذا لقي واحد جماعة، سلم الواحد على الجماعة (5). وعنه (عليه السلام): من التواضع أن تسلم على من لقيت (6). وقال: البخيل من بخل بالسلام (7). وعنه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أولى الناس بالله ورسوله من بدأ


(1) الكافي: ج 2 ص 647 كتاب العشرة، باب إذا أسلم واحد من الجماعة أجزأهم، وإذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم، ح 3. (2) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب من يجب أن يبدأ بالسلام، ح 2. (3) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب التسلم، ح 14. (4) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب من يجب أن يبدأ بالسلام، ح 1 وتمام الحديث (والقليل على الكثير). (5) الكافي: ج 2 ص 647، كتاب العشرة، باب من يجب أن يبدأ بالسلام، ح 3 وصدر الحديث (عن أبي عبد الله (عليه السلام): يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد وإذا الخ). (6) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 12. (7) الكافي: ج 2 ص 645، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 6. (*)

[ 557 ]

بالسلام (1). وعن الباقر (عليه السلام): إن الله يحب إفشاء السلام (2). وعن الصادق (عليه السلام): ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وإن كان واحدا. عند العطاس يقال: يرحمكم الله، وإن لم يكن معه غيره. والرجل يسلم على الرجل فيقول: السلام عليكم. والرجل يدعو للرجل، فيقول: عافاكم الله وإن كان واحدا، فإن معه غيره (3). وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى فضل بن كثير، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني، لقي الله (عز وجل) يوم القيامة وهو عليه غضبان (4). وفي كتاب الخصال: فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: إذا عطس أحدكم قولوا: يرحمكم الله، ويقول هو: يغفر الله لكم، ويرحمكم الله، قال الله: ” وإذا حييتم ” الآية (5). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن الحسن بن المنذر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من قال: السلام عليكم، فهي عشر حسنات، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله، فهي عشرون حسنة، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهي ثلاثون حسنة (6).


(1) الكافي: ج 2 ص 644، كتاب العشرة، باب التسليم ح 3. (2) الكافي: ج 2 ص 645، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 5. (3) الكافي: ج 2 ص 645، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 10. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 52، باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار المجموعة، ح 202. (5) الخصال: ص 633 (علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه س 8). (6) الكافي: ج 645 2، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 9. (*)

[ 558 ]

أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل، عن أبي عبيدة الخذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوم، فسلم عليهم، فقالوا: عليك السلام ورحمة. الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لابينا إبراهيم (عليه السلام)، إنما قالوا: رحمة الله وبركاته عليكم البيت (1). وروي عن طريق العامة: أن رجلا قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السلام عليك، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك، فقال الرجل: نقصتني فاين ما قال الله ؟ وتلا الآية فقال (عليه السلام): إنك لم تترك لي فضلا، فرددت عليك مثله (2). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم على النساء ويرددن (عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الاجر (3).


(1) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 13. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 85 عند نقل المعنى لآية 86 من سورة النساء بتفاوت يسير في بعض الكلمات. (3) قوله: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم على النساء الخ) دل هذا الخبر على جواز السلام على النساء وإن كانت شابة وعلى جواز رد هن وسماع صوتهن، ويؤيده الاصل، وتكلم فاطمة (عليها السلام) مع سلمان وبلال وغيرهما من الاصحاب، وهو الظاهر من مذهب بعض الاصحاب، وظاهر عبارات أكثر الاصحاب أن صوتهن عورة واستماعه حرام، وأن سلامهن على الاجنبي حرام، وكذا سلامه عليهن، وأن الجواب في الصورتين ليس بمشروع، لان الشارع لا يأمر برد الجواب عن الحرام، أنه ليس ذلك بتحية شرعا، فلا يوجب الاجر والعوض، ويدل عليه ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا تبدؤوا النساء بالسلام، وما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تسلم على المرأة. ويمكن حمل النهي فيهما على الكراهة مطلقا، أو عند توهم الفتنة، أو إذا (*)

[ 559 ]

محمد ين يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى، عن غياث ابن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلموا عليكم، فقولوا: وعليكم (1) (2). عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس، كيف ينبغي أن يرد عليهم ؟ فقال: يقول: عليكم (3). محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن ابان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تقول في الرد على اليهودي والنصراني: سلام (4). وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الاوثان، ولا على موائد شراب الخمر، ولا على صاحب الشطرنج والنرد، ولا على المخنث، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات، ولا على المصلي، وذلك لان المصلي لا يستطيع أن يرد السلام، لان التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة، ولا على آكل الربا، ولا على رجل جالس على غائط، ولا على الذي في الحمام، ولا على الفاسق المعلن بفسقه (5).


كانت شابة، للجمع بين الاخبار، ويؤيده ما في آخر هذا الحديث، لان الظاهر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد بما نسب على نفسه، غيره (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 11 ص 99). الكافي: ج 2 ص 648 كتاب العشرة، باب التسليم على النساح 1. (1) للمحقق المازندراني هنا تحقيق أنيق في أن قوله (عليه السلام): و (عليكم) هل هو مع الواو أو بدونه، ولو لا خوف الاطالة لا وردته، فلا حظ شرح اصول الكافي: ج 11 ص 101. (2) الكافي: ج 2 ص 648، كتاب العشرة، باب التسليم على أهل الملل، ح 2. (3) الكافي: ج 2 ص 649، كتاب العشرة، باب التسليم على أهل الملل، ح 3. (4) الكافي: ج 2 ص 649، كتاب العشرة، باب التسليم على أهل الملل، ح 6. (5) الخصال: ص 484، أبواب الاثني عشر لا يسلم على اثني عشر، ح 57. (*)

[ 560 ]

[ الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (87) ] وفيه في حديث آخر: ولا على المتفكهين بالامهات (1) وفي حديث آخر: النهي عن السلام على من يلعب بأربعة عشر، وعلى من يعمل التماثيل (2). وعن الصادق (عليه السلام) قال: ثلاثة لا يسلمون، الماشي مع الجنازة، والماشي إلى الجمعة وفي بيت حمام (3). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): يكره للرجل أن يقول: حياكم الله (4) ثم يكست حتى يتبعها بالسلام (5). وعن الصادق (عليه السلام) قال: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه (6). وقال (عليه السلام): ابدؤوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه (7). إن الله كان على كل شئ حسيبا: يحاسبكم على التحية وغيرها الله لآ إله إلا هو: مبتدأ وخبر، أو ” الله ” مبتدأ، والخبر


(1) الخصال: 326، باب الستة ستة لا يسلم عليهم، ح 16. (2) الخصال: ص 237، باب الاربعة أربعة لا يسلم عليهم، ح 80. (3) الخصال: ص 91، باب الثلاثة ثلاثة لا يسلمون، ح 31. (4) قوله: (يكره للرجل أن يقول حياكم الله) الحياة، البقاء ضد الموت، والحياء بالفتح والقصر الخصب والرخاء والملك والتحية، وهي السلام، ومعنى حياك الله: ابقاك، من الحياة، أو رزقك رزقا حسنا، أو ملكك وفرحك، أو سلام عليك من الحياة بالمعاني المذكورة (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 11 ص 96). (5) الكافي: ج 2 ص 646، كتاب العشرة، باب التسليم، ح 15. (6) الكافي: ج 2 ص 644 كتاب العشرة، باب التسليم، ح 2 وفي الخصال: ص 19 باب الواحد من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ح 67. (7) تقدم في الرقم – 6 – من الخصال. (*)

[ 561 ]

[ * فما لكم في المنفقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (88) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سوآء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا (89) ] ليجمعنكم إلى يوم القيامة: أي الله، والله ليحشرنكم من قبوركم إلى يوم القيامة، مفضين إليه، أو في يوم القيامة. و ” لا إله إلا هو ” اعتراض، والقيام والقيامة، كالطلاب والطلابة، وهي قيام الناس من القبور، أو للحساب. لا ريب فيه: في اليوم، أو في الجمع، فهو حال من اليوم، أو صفة للمصدر. ومن أصدق من الله حديثا: إنكار أن يكون أحد أكثر صدقا منه، فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه، لانه نقص، وهو على الله محال. فمالكم في المنفقين فئتين: في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): نزلت في قوم قدموا من مكة وأظهروا الاسلام، ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك، ثم سافروا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون في غزوهم، لاختلافهم في إسلامهم وشركهم (1) أي مالكم تفرقتم في أمر المنافقين فئتين أي فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم. و ” فئتين ” حال، عاملها ” مالكم ” كقولك: مالك قائما، و ” في المنافقين ” حال


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 86 في شأن نزول آية 88 من سورة النساء. (*)

[ 562 ]

من ” فئتين ” أي متفرقين فيهم، أو من الضمير أي فما لكم تفترقون فيهم، ومعنى الافتراق مستفاد فئتين. والله أركسهم بما كسبوا: ردهم إلى حكم الكفرة، أو نكسهم بأن صيرهم للنار، وأصل الركس زد الشئ مقلوبا. أثريدون أن تهدوا من أضل الله: أن تجعلوه من المهتدين. ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا: إلى الهدى. ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا: إلى الهدى. ودوا لو تكفرون كما كفروا: تمنوا أن تكفروا ككفرهم. فتكونون سوآء: في الضلال. وهو عطف على تكفرون، ولو نصب على جواب التمني لجاز. في روضة الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وإن لشياطين الانس حيلة ومكرا، وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله، إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والانكار والتكذيب، فيكونون كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله: ” ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ” (1). فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله: فلا توالوهم حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بهجرة هي لله ولرسوله، لا لاغراض الدنيا. ” وسبيل الله ” ما أمر بسلوكه. فإن تولوا: عن الايمان المصاحب للهجرة المستقيمة. وقيل: أو عن إظهار الايمان. فخذوهم واقتلوهم حيث وجد تموهم: كسائر الكفرة. ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا: أي جانبوهم رأسا، ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة.


(1) الكافي: ج 8 ص 405 (الحاق) رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى جماعة الشيعة، س 22. (*)

[ 563 ]

[ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقتلوكم أو يقتلوا قومهم ولو شآء الله لسلطهم عليكم فلقتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (90) ] إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق: استنثاء من مفعول ” فخذوهم واقتلوهم ” أي إلا الذين يتصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم، ويفارقون محاريبكم. قيل: القوم هم خزاعة، وقيل: بنو بكر بن زيد مناة، وقيل: الاسلميون فإنه (عليه السلام) وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الاسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ماله (1)، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) على ما في مجمع البيان (2). أو جاءوكم: عطف على الصلة، أي والذين جاؤوكم كافين من قتالكم وقتال قومهم، استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم، من ترك المحاربين فلحق بالمعاهدين، أو أتى الرسول وكف عن قتال الفريقين. قيل: أو على صفة قوم، فكأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين، أو قوم كافين عن القتال لكم وعليكم. وقرئ بغير العاطف على أنه صفة بعد صفة، أو بيان ل‍ ” يصلون ” أو استئناف. حصرت صدورهم: حال بإضمار ” قد “.


(1) الاقوال المذكورة منقول عن تفسير البيضاوي: ج 1 ص 235 لا حظ تفسيره لآيات (88 – 90) من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 88 في نقل المعنى لآية 90 من سورة النساء. (*)

[ 564 ]

وقرئ ” حصرة وحصرات ” وهو يؤيد كونه حالا، أو بيان ل‍ ” جاؤكم ” أو صفة لمحذوف، أي جاؤوكم قوما حصرت صدورهم. والحصر الضيق والانقباض على ما رواه العياشي، عن الصادق (عليه السلام) (1). أن يقتلوكم أو يقتلوا قومهم: أي (عن – أن)، أو كراهة أن يقاتلوكم. وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” أو جاؤكم حصرت ” الآية، قال: نزلت في بني مدلج، لانهم جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: إنا قد حصرت صدورنا، أن نشهد أنك رسول الله، فلسنا معك ولا مع قومنا عليك، قال: قلت: كيف صنع بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: واعدهم إلى أن يفرغ من العرب، ثم يدعوهم فإن أجابوا، وإلا قاتلهم (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: في قوله (عز وجل): ” ودوا لو تكفرون ” إلى آخر الآية، نزلت في أشجع وبني ضمرة، وكان من خبرهم أنه لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بدر لموعد، مر قريبا من بلادهم، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هادن بني ضمرة ووادعهم قبل ذلك، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا رسول الله هذه بني ضمرة قريبا منا، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة، أو يعينوا علينا قريشا، فلو بدأنا بهم ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلا، إنهم أبر العرب بالوالدين، وأو صلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد، وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة، وهم بطن من كنانة، وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة والامان، فأجدبت بلاد أشجع


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 262 قطعة من ح 216 ولفظه: قال: وحصرت صدورهم هو الضيق). (2) الكافي: ج 8 ص 327 قصة بني مدلج، ح 504. (*)

[ 565 ]

وأخصبت بلاد بني ضمرة، فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمصير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة، فأنزل الله ” ودوا لو تكفرون كما كفروا ” الآية ثم استثنى بأشجع فقال ” إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ” الآية، وكانت أشجع محالها البيضاء والحل والمستباح، وقد كانوا قربوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهابوا من رسول الله أن يبعث إليهم من يغزوهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا، فهم بالمسير إليهم، فبينما هو على ذلك، إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة، وهم سبعمائة، ونزلوا شعب سلع (1)، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسيد بن حصين، فقال له: اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظرما أقدم أشجع، فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال: ما أقدمكم ؟ فقام إليه مسعود بن رجيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه، وقالوا: جئنا لنوادع محمدا، فرجع أسيد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره، فقال رسول الله: خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم، ثم بعث إليهم بعشرة أجمال تمر فقدمها أمامه، ثم قال: نعم الشئ الهدية أمام الحاجة، ثم أتاهم، فقال: يا معشر أشجع ما أقدمكم ؟ قالوا: قربت دارنا منك، وليس في قومنا أقل عددا منا، فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم، فجئنا لنوادعك، فقبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم، وفيهم نزلت هذه الآية: ” إلا الذين يصلون ” (2) الآية. فما يتراءى من هذا النقل من منافاته لما سبق لانه في هذا النقل جعل ” إلا


(1) سلع جبل بالمدينة، قال تأبط شرا: (أن بالشعب الذي دون سلع – لقتيلا دمه ما يطل) الصحاح: ج 3 ص 1230. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 145 في تفسيره لآية 90 من سورة النساء. (*)

[ 566 ]

الذين يصلون ” عبارة عن الاشجع حين صاروا إلى بني ضمرة المعاهدين: ” والذين جاؤوكم حصرت صدورهم ” أيضا عبارة عنهم حين جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الخبرين الاولين: جعل الاول عبارة عن الاسلميين والثاني عبارة عن بني مدلج (فمدفوع إن صح النقل، بحملهما على أنهما من أشجع أيضا، أو يجعل ما يتناوله العبارة فرقتين، الاول الاسلميون وأشجع، والثاني بني مدلج وأشجع) (1). ولو شآء الله لسلطهم عليكم: بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم، وأزال الرعب عنهم. فلقتلوكم: ولم يكفوا عنكم. فإن اعتزلوكم فلم يقتلوكم: ولم يتعرضوا لكم. وألقوا إليكم السلم: الاستسلام والانقياد. فما جعل الله لكم عليهم سبيلا: فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل نزول سورة براءة ألا يقتل إلا من قاتله، ولا يجارب إلا من حاربه وأراده، وقد كان نزل عليه في ذلك من الله (عز وجل): ” فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ” فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله، حتى نزلت عليه سورة براءة، وأمر بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد كان عاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان ابن امية وسهيل بن عمرو، والحديث طويل، وهو مذكور بتمامه في أول براءة (2).


(1) بين الهلالين غير موجود في نسخة (ب) ولكنه مكتوب في نسختي (الف وج). (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 281 في تفسيره لآية 1 من سورة البراءة. (*)

[ 567 ]

[ ستجدون ء اخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ماردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطنا مبينا (91) ] ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم: قيل: هم أسد وغطفان. وقيل: بنو عبد الدار، أتوا المدينة وأظهروا الاسلام ليأمنوا المسلمين، فلما رجعوا كفروا (1). وفي مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام) نزلت في عيينة بن حصين الفزاري، أجدبت بلادهم، فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووادعه على أن يقيم ببطن نخل ولا يتعرض له: وكان منافقا ملعونا، وهو الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الاحمق المطاع (2).


(1) نقلهما البيضاوي: ج 1 ص 235 عند تفسيره لآية 91 من سورة النساء. (2) في النسخة – أ -: عيينة بن حصين الغزازي وهذا تصحيف والصحيح ما أثبتناه من المصادر، وهو أبو مالك، قالوا: اسلم بعد الفتح، وقيل: قبل الفتح وشهد الفتح مسلما وشهد حنينا والطائف أيضا ثم ارتد وتبع طليحة الاسدي وقاتل معه فاخذ أسيرا وحمل إلى أبي بكر فأسلم وأطلقه أبو بكر، وقد اتفق المؤرخون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاه من غنائم حنين من سهم المؤلفة قلوبهم مائة بعير، وقوله تعالى: ” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ” الآية، وعلى ما في تفسير القمي: نزلت في سلمان الفارسي وكان عليه كساء فيه يكون طعامه ودثاره وكان كساؤه من صوف فدخل عيينة بن حصن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلمان عنده فتأذى عيينة بريح كساء سلمان، وقد كان عرق، وكان يوم شديد الحر، فعرق في الكساء، فقال يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا واصرفه من عندك، فإذا نحن خرجنا فادخل من شئت، فانزل الله ” ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ” وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري (سفينة البحار: ج 2 ص 304 باب العين (*)

[ 568 ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم مثله، إلا أنه لم يسنده إليه (عليه السلام) (1). كل ما ردوا إلى الفتنة: دعوا إلى الكفر، أو إلى قتال المسلمين. أركسوا فيها: عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب. فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم: ولم يستسلموا لكم. ويكفوا أيديهم: أي لم يكفوا أيديهم عن قتالكم. فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم: حيث تمكنتم منهم. وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطنا مبينا: حجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي، لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وغدرهم، أو تسلطا ظاهرا حيث أذن لكم في قتلهم. * * *


بعده الياء). وعن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني بامر أتك وابادلك بامر أتي، تنزل لي عن امر أتك فأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله: ” ولا أن تبدل بهن من أزواج ” قال: فدخل عيينة بن حصن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فأين الاستئذان ؟ قال: ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه عائشة ام المؤمنين، قال عيينة: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق وتنزل عنها ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله (عز وجل) قد حرم ذلك علي، فلما خرج قالت له عائشة: من هذا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: هذا أحمق مطاع، وأنه على ما ترين سيد قومه. (بحار الانورا: ج 22 ط بيروت ص 238). مجمع البيان: ج 3 ص 89 في بيان نزول آية 91 من سورة النساء. (1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 147 في تفسيره لآية 91 من سورة النساء. (*)

[ 569 ]

[ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (96) ] وما كان لمؤمن: وما صح لمؤمن ولا استقام له، وما لاق بحاله. أن يقتل مؤمنا: بغير حق. إلا خطئا: لانه في عرضة الخطأ (1)، ونصبه على الحال، أو المفعول له، أو على المصدر. أي لا يقتله في حال من الاحوال إلا في حال الخطأ، أو لا يقتله لعلمه إلا للخطأ، أو إلا قتلا خطأ. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أي لا عمدا ولا خطأ، و ” إلا ” في موضع (لا) وليست باستثناء (2).


(1) قوله: (لانه في عرضة الخطأ) مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 236 في تفسيره لآية 92 من سورة النساء، وقال: محيي الدين شيخ زاده في حاشيته ما لفظه: (أي فإن المؤمن مجبول على أن يكون عرضة للخطأ، ومحلا لان يعرض له الخطأ كثيرا، وفي الصحاح يقال: جعلت فلانا عرضة لكذا، أي نصبته له، فقوله تعالى: ” ولا تجعلوا الله عرضة لا يمانكم ” أي نصبا، الخ ” حاشية شيخ زاده: ج 2 ص 58. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 147 س 13 في تفسيره لآية 92 من سورة النساء. (*)

[ 570 ]

وقيل: ” ماكان ” في معنى النهي، والاستثناء منقطع، أي ولكن إن قتله خطا فجزاؤه ما نذكره (1). وفي تفسير العياشي: عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أحد هما (عليهما السلام) قال: كلما اريد به، ففيه القود، وإنما الخطأ أن يريد الشئ فيصيب غيره (2). عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس الخطأ أن تعمده ولا تريد قتله بما لا يقتل مثله، والخطأ ليس فيه شك أن يعمد شيئا آخر فيصيبه (3). عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما الخطأ أن يريد شيئا فيصيب غيره، فأما كل شئ قصدت إليه فأصبته فهو العمد (4). عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، هو الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد قتله ؟ قال: نعم، فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا ؟ قال: ذلك الخطأ الذي لا شك فيه، وعليه الكفارة والدية (5). وقرئ خطأ بالمد، وخطا كعصا بتخفيف الهمزة. وفي مجمع البيان: عن أبي جعفر (عليه السلام) نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي – أخي أبي جهل لامة – كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما، وهو لا يعلم بإسلامه، وكان المقتول الحارث بن يزيد بن أبي نبشة العامري، قتله بالحرة، وكان أحد من رده عن الهجرة، وكان يعذب عياشا مع أبي جهل (6). وفي البيضاوي: لقيه في طريق وكان قد أسلم، ولم يشعر به عياش، فقتله (7).


(1) نقلة البيضاوي: ج 1 ص 236 في تفسيره لآية 92 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 264 ح 223. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 264 ح 224. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 264 قطعة من ح 225. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 266 ح 229. (6) مجمع البيان: ج 3 ص 90 في بيان النزول لاية 92 من سورة النساء، وقال بعد نقل القصة (وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام). (7) قاله البيضاوي: ج 1 ص 236 في تفسيره لآية 92 من سورة النساء. (*)

[ 571 ]

ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة: أي فعليه، أو فواجبه تحرير رقبة، والتحرير الاعتاق، والحر، كالعتيق، الكريم من الشئ، ومنه حر الوجه، لا كرم موضع منه، سمي به، لان الكرم في الاحرار، والرقبة عبر بها عن النسمة، كما عبر بها عن الرأس. مؤمنه: مقرة بالاسلام قد بلغت الحنث. في تفسير العياشي: عن كردويه الهمداني، عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله: ” فتحرير رقبة مؤمنة “، كيف تعرف المؤمنة ؟ قال: على الفطرة (1). عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: الرقبة المؤمنة التي ذكر الله إذا عقلت، والنسمة التي لا تعلم إلا ما قلته، وهي صغيرة (2). وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وابن أبي عمير جميعا، عن معمر بن يحيى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة فقال: كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله (عز وجل) يقول: ” فتحرير رقبة مؤمنة ” يعني بلك مقرة قد بلغت الحنث (3). وهذا، أي التحرير يجب عليه فيما بينه وبين الله، كما رواه العياشي عن الصادق (عليه السلام) (4). وأما ما يجب عليه فيما بينه وبين أولياء المقتول، فالدية، كما يقول: ودية مسلمة إلى أهلة: مؤداة إلى أولياء المقتول. إلا أن يصدقوا: يتصدقوا عليه بالدية. سمي العفو عنها صدقة، حثا عليه وتنبيها على فضله.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 263 ح 220. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 263 ح 221. (3) الكافي: ج 7 ص 462، كتاب الايمان والنذور والكفارات، باب النوادر، قطعة من ح 15. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 263 قطعة من ح 218. (*)

[ 572 ]

وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كل معروف صدقة (1). وهو متعلق بعليه أي يجب الدية عليه، أو ب‍ ” مسلمة ” أي يسلمها إلى أهله إلا حال تصدقهم عليه، أو زمانه، فهو في محل النصب على الحال، من القاتل، أو الاهل، أو على الظرف. فإن كان مو قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة: اي إن كان المقتول خطأ من قوم كفار وهو مؤمن، فيجب عتق رقبة مؤمنة، وليس دية، إذ لا وراثة بينه وبينهم، لانهم محاربون. وفي من لا يحضره الفقيه: روى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل مسلم كان في أرض الشرك، فقتله المسلمون، ثم علم به الامام بعد، فقال: يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله (عز وجل): ” وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ” (2). وروى العياشي في هذا المعنى ما يدل صريحا على أن التحرير على القاتل وليس عليه دية كما سيجئ. وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة: أي إن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم كفرة معاهدين، أو أهل الذمة، فيجب دية مسلمة إلى أهله، وهو وارثه المسلم الذي عليه سبيل بالارث، أو الامام إن لم يكن وارث مسلم، فإنه أهل من لا وارث له، وتحرير رقبة مؤمنة كفارة لقتله المؤمن خطأ. وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة قال: سئل جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قوله الله: ” وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ” قال: أما تحرير رقبة مؤمنة، ففيما بينه وبين


(1) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 376 ح 101 وأيضا: ج 1 ص 453 ح 186. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 110 ب 36 ما يجب في الرجل المسلم يكون في أرض الشرك فيقتله المسلمون ثم يعلم به الامام ح 1. (*)

[ 573 ]

الله وأما الدية المسلمة، فإلى أولياء المقتول: ” وإن كان من قوم عدو لكم ” قال: وإن كان من أهل الشرك الذين ليس لهم في الصلح وهو مؤمن، فتحرير رقبة فيما بينه وبين الله وليس عليه الدية ” وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ” فيما بينه وبين الله: ” ودية مسلمة إلى أهله ” (1). عن حفص بن البختري، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ” وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ” إلى قوله: ” فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ” قال: إذا كان من أهل الشرك فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله وليس عليه دية ” وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ” قال: تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله، ودية مسلمة إلى أوليائه (2). وفي مجمع البيان: واختلف في صفة هذا القتيل أهو مؤمن أم كافر ؟ قيل: بل هو مؤمن تلزم قاتله الدية يؤديها إلى قومه المشركين، لانهم أهل ذمة، ورواه أصحابنا أيضا إلا أنهم قالوا: تعطى ديته ورثته المسلمين دون الكفار (3). فمن لم يجد: رقبة، بأن لا يملكها، ولا ما يتوسل به إليها. فصيام شهرين متتابعين: فعليه، أو فالواجب عليه صوم شهرين. وفي من لا يحضرة الفقيه: عن الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) حديث طويل يذكر فيه وجوه الصوم وفيه وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله (عز وجل): ” ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ” إلى قوله (عز وجل): ” فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ” (4).


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 262 ح 217. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 263 ح 218. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 91 س 16 في تفسير لآية 92 من سورة النساء. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 77 قطعة من حديث 1784. (*)

[ 574 ]

توبة: نصب على المفعول، أي شرح ذلك توبة، من تاب عليه إذا قبل توبته، أو على المصدر، أي تاب عليكم توبة، أو حال بحذف مضاف، أي فعليه صيام شهرين ذاتوبة. من الله صفتها. وكان الله عليما: بحاله. حكيما: في ما أمر في شأنه. وفي عيون الاخبار: في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها عن الرضا (عليه السلام): فإن قال: فلم وجب في الكفارة على من لم يجد رقبة، الصيام، دون الحج والصلاة وغير هما ؟ قيل: لان الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه. فإن قال: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر ؟ قيل: لان فرض الذي فرضه الله (عز وجل) على الخلق، هو شهر واحد، فضوعف في هذا الشهر في الكفارة تأكيدا وتغليظا عليه، فإن قال: فلم جعلت متتابعين ؟ قيل: لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به، لانه إذا قضاه متفرقا كان عليه القضاء (1). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين وكفارة الظهار، وكفارة القتل ؟ فقال: إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، فأفطر، أو مرض في الشهر الاول، فإن عليه أن يعيد الصيام، وإن صام الشهر الاول وصام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ماله فيه عذر، فإن عليه أن يقضي (2).


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 117 ب 34 العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنها سمعها من الرضا (عليه السلام) مرة بعد مرة وشيئا بعد شئ، س 12. (2) الكافي: ج 4 ص 139، كتاب الصيام، باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمر يمنعه عن إتمامه ح 7. (*)

[ 575 ]

علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان ؟ قال: هما الشهران اللذان (1) قال الله (تبارك وتعالى): ” شهرين متتابعين توبة من الله ” قلت: فلا يفصل بينهما ؟ قال: إذا أفطر من الليل فهو فصل، وإنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار (2). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قتل رجلا. خطأ في الشهر الحرام ؟ قال: تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شئ، فقال: ما هو ؟ قلت: هو يوم العيد وأيام التشريق ؟ قال: يصومه (3)، فإنه حق يلزمه (4).


(1) قوله: (هما الشهران) هذه الآية وردت ظاهرا في كفارة قتل الخطأ ولا خلاف في أنه لا يجزي هذان الشهران عنها، ويحتمل أن يكون أولا كذلك ثم نسخ، أو يكون المراد أنهما نظير هذين الشهرين في كون كل منهما كفارة من الذنوب، ولا يبعد أن يكون في بطن الآية هذا أيضا مرادا (مرآة العقول: ج 3 ط حجري ص 221). (2) الكافي: ج 4 ص 92، كتاب الصيام، باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام ثلاثة أيام في كل شهر ح 5 وتمام الحديث (وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور). (3) قوله: (يصومه) أي العيد وأيام التشريق أو سواهما، والاول أظهر، كما فهمه الشيخ وقال به. ورد الاكثر الخبر بضعف السند ومخالفة الاصول، مع أنه ليس بصريح في صوم الايام المحرمة كما عرفت: وقال المحقق في المعتبر: الرواية مخالقة لعموم الاحاديث المجمع عليها، على أنه ليس بصريح في صوم العيد انتهى. في المعتبر: الرواية مخالفة لعموم الاحاديث المجمع عليها، على أنه ليس بصريح في صوم العيد انتهى. أما مخالفته لسائر الاخبار فظاهر، وأما ضعف السند فليس كذلك لما سيأتي بسند حسن، ورواه الشيخ في التهذيب بسند صحيح وسند موثق عن زرارة، والمسألة محل إشكال وإن كان التحريم أقوى (مرآة العقول: ج 3 ص حجري ص 232). (4) الكافي: ج 4 ص 139 باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمر يمنعه عن اتمامه ح 8. (*)

[ 576 ]

[ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خلدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93) ] ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خلدا فيها و غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما في اصول الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسن بن ميمون، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل، يقول فيه: فلما أذن الله لمحمد (صلى الله عليه ووسلم) في الخروج من مكة إلى المدينة بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إليه إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض، وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها النار لمن عمل بها، وأنزل عليه في بيان القاتل ” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ” ولا يلعن الله مؤمنا، قال الله (عز وجل): ” إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ” (1) وكيف تكون في المشيئة وقد ألحق به – حين جزاه جهنم -، الغضب واللغنة (2)، قد بين ذلك من الملعونين في كتابه (3).


(1) الاحزاب: 64 و 65. (2) قوله: (وكيف تكون المشيئة) كيف للانكار، ردا على من زعم أن القاتل في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه وأخزاه، وان شاء رحمه ونجاه، أي كيف يكون هو في المشيئة وقد ألحقه بالكافر في دخوله النار أبدا وصرح بالغضب واللعن عليه (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 8 ص 92). (3) الكافي: ج 2 ص 31 كتاب الايمان والكفر باب (بدون عنوان بعد باب أن الاسلام قبل الايمان) (*)

[ 577 ]

وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدثنا محمد بن علي، عن أبيه، عن جده قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قتل النفس من الكبائر، لان الله (عز وجل) يقول: ” ومن يقتل مؤمنا ” إلى قوله: ” وأعد له عذابا عظيما ” (1). وفي كتاب معاني الاخبار: عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ” قال: من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الذي قال الله (عز وجل) في كتابه: ” وأعد له عذابا عظيما ” قلت: فالرجل يقع بين الرجل وبينه شئ فيضربه بالسيف، فيقتله ؟ قال: ليس ذلك الذي قال الله (عز وجل) (2). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل)، ونقل مثل ما في معاني الاخبار سواء (3). وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ” قال: إن جازاه (4). وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان وابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن يقتل المؤمن متعمدا، أله توبة ؟ فقال: إن كان


قطعة من ح 1. (1) علل الشرائع: ج 2 ص 164 ب 228 العلة التي من أجلها حرم قتل النفس ج 2. (2) معاني الاخبار: باب نوادر المعاني، ص 380 ح 4. (3) الكافي: ج 7 ص 275 كتاب الديات، باب أن من قتل مؤمنا على دينه فليست له توبة ح 1. (4) معاني الاخبار: ص 380، باب نوادر معاني ح 5. (*)

[ 578 ]

قتله لايمانه فلا توبة له، وإن كان لغضب أو لسبب شئ من أشياء الدنيا، فإن توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصيام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا، توبة إلى الله (عز وجل) (1). محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما، وقال: لا يوفق قاتل المؤمن متعمدا للتوبة (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: من قتل مؤمنا على دينه لم يقبل توبته ومن قتل نبيا أو وصي نبي فلا توبة له لانه لا يكون مثله فيقاد به (3). وقيل: إن الآية نزلت في مقيس بن صبابة وحد أخاه هشام في بني النجار، ولم يظهر قاتله، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدفعوا إليه ديته، فدفعوا إليه، ثم حمل على مسلم فقتله، ورجع إلى مكة مرتدا (4).


(1) الكافي: ج 7 ص 276 كتاب الديات، باب أن من قتل مؤمنا على دينه فليست له توبة ح 2. (2) الكافي: ج 7 ص 272 كتاب الديات، باب القتل ح 7. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 148. (4) في النسخة – أ: (مقيس بن ضبانة) والظاهر أنه تصحيف والصحيح ما اثبتناه من المصادر و الآية نزلت في مقيس ابن صبابة (النكاني خ ل) الكندي وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار: فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل معه قيس بن هلال الفهري، وقال له: قال لبني النجار: إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتص منه، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته: فبلغ الفهري الرسالة، فأعطوه الدية، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان فقال: ما صنعت شيئا أخذت دية أخيك فيكون سبة عليك، اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فضل، فرماه بصخرة فقتله وركب بعيرا ورجع إلى مكة كافرا وأنشد بقول: قلت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار لا رباب فارع فادركت ثأري واضطجعت موسدا * وكنت إلى الاوتان أول راجع فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا أو منه في حل ولا حرم، فقتل يوم الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة (نقله الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان. والبغوي في معالم التنزيل – والا لوسي في روح (*)

[ 579 ]

[ يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94) ] يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم سبيل الله: سافرتم وذهبتم للغزو. فتبينوا: فاطلبوا بيان الامر وثباته، وميزوا بين الكافر والمؤمن. وقرأ حمزة والكسائي ” فتثبتوا ” من التثبيت، هنا وفي الحجرات. ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم: لمن حياكم بتحية السلام. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير ألف، أي الاستسلام والانقياد، وفسر به السلام أيضا. لست مؤمنا: وإنما فعلت ذلك من الخوف. وقرئ مؤمنا بالفتح، أي مبذولا له الامان. وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم (1). تبتغون عرض الحيوة الدنيا: تطلبون ماله الذي هو حطام سريع النفاد. وهو حال من الضمير في ” تقولوا ” وهو مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وتر التثبت. فعند الله مغانم كثيرة: تغنيكم عن قتل أمثاله، لماله.


المعاني – والسيوطي في الدر المنثور وغيرهم من المفسرين). (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 297 ح 242. (*)

[ 580 ]

كذلك كنتم من قبل: أي أول ما دخلتم في الاسلام تفوهتم بكلمتي الشهادة، فحصنت بها دماؤكم وأموالكم، من غير أن يعلم مواطاة قلوبكم ألسنتكم. فمن الله عليكم: بالاشتهار بالايمان والاستقامة في الدين. فتبينوا: فافعلوا بالداخلين، كما فعل الله بكم، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا، فإن إبقاء الكافر أهون عند الله من قتل امرئ مسلم. وتكريره تأكيد لتعظيم الامر وترتيب الحكم، على ما ذكر من حالهم. إن الله كان بما تعملون خبيرا: عالما به وبالغرض منه، فلا تتهافتوا في القتل واحتا طوافيه. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أنها نزلت لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة خيبر وبعث اسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك، ليدعوهم إلى الاسلام، وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفد كي في بعض القرى، فلما أحس بخيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إيه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمر به اسامة بن زيد فقتله، فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أخبره بذلك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله ؟ ! فقال: يا رسول الله قالها تعوذا من القتل. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أفلا شققت الغطاء عن قلبه ؟ لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت. فحلف اسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتخلف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه، وأنزل الله في ذلك: ” ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ” الآية (1).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 148 في تفسيره لآية 94 من سورة النساء. ورواه مجملا في مجمع (*)

[ 581 ]

[ لا يستوى القعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجهدون في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم فضل الله المجهدين بأمولهم وأنفسهم على القعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجهدين على القعدين أجرا عظيما (95) درجت منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما (96) ] وفي رواية العامة: أن مرداس أضاف إلى الكلمتين: السلام عليكم (1). وهي تؤيد قراءة (السلام) وتفسيره بتحية السلام. لا يستوى القعدون: عن الحرب. من المؤمنين: في موضع الحال من ” القاعدون ” أو من الضمير الذي فيه، ويحتمل الصفة. غير أولى الضرر: الاصحاء بالرفع صفة للقاعدين، لانه لم يقصد قوم بأعيانهم، أو بدل منه. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال، أو الاستثناء. وقرئ بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه. في مجمع البيان: نزلت في كعب بن مالك من بني سملة، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن امية من بني واقف، تخلفوا عن رسول الله (صلى الله


(1) البيان: ج 3 ص 95 في نقله سبب نزول آية 94 ثم قال بعد نقل القصة: (وبهذا اعتذر إلى علي (عليه السلام) لما تخلف عنه، وإن كان عذره غير مقبول، لانه قد دل الدليل على وجوب طاعة الامام في محاربة من حاربه من البغاة لا سيما وقد سمع النبي يقول: حربك يا علي حربي وسلمك سلمي). (1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 634 في تفسيره لآية 94 من سورة النساء، وفيه (فقال: السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلا الله الخ). (*)

[ 582 ]

عليه وآله وسلم) يوم تبوك، وعذر الله اولي الضرر، وهو عبد الله بن ام مكتوم، قال: رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره (1). وفي عوالي اللآلئ: روى زيد بن ثابت أنه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين والقاعدين استثناء ” غير اولي الضرر ” فجاء ابن ام مكتوم وكان أعمى وهو يبكي، فقال: يا رسول الله كيف لمن لا يستطيع الجهاد ؟ فغشيه الوحي ثانيا، ثم سرى عنه فقال: اقرأ ” غير اولي الضرر ” فألحقتها، والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف (2). والمجهدون في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم: أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة. وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت، ليرغب القاعد في الجهاد، رفعا لرتبته، وإنفة عن انحطاط منزلته. فضل الله المجهدين بأمولهم وأنفسهم على القعدين درجة: جملة موضحة لما نفي الاستواء فيه والقاعدون على التقيد السابق. و ” درجة ” نصب بنزع الخافض، أو على المصدر، لانه تضمن معنى التفضيل ووقع موقع المرة منه، أو الحال بمعنى ذوي درجة. وكلا: من القاعدين والمجاهدين. وعد الله الحسنى: المثوبة الحسنى، وهي الجنة، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب. في الجوامع: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، وهم الذين صحت نياتهم، ونصحت جيوبهم، وهوت أفئدتهم إلى الجهاد وقد منعهم من المسير ضررا وغيره (3). وفضل الله المجهدين على القعدين أجرا عظيما: نصب على المصدر، لان فضل


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 96 في نقله سبب نزول آية 95 من سورة النساء. (2) عوالي اللآلئ: ج 2 ص 99 ح 272. (3) جوامع الجامع: ص 94 في تفسيره لآية 95 من سورة النساء. (*)

[ 583 ]

بمعنى أجرا، والمفعول الثاني له، لتضمنه معنى الا عطاء، كأنه قيل: وأعطاهم زياد على القاعدين أجرا عظيما. درجت منه ومغفرة ورحمة: كل واحدة منهما بدل من ” أجر ” ويجوز أن ينتصب ” درجات ” على المصدر، كقولك: ضربته أسواطا، و ” أجرا ” على الحال عنها، تقدمت عليها، لانها نكرة، و ” رحمة ومغفرة ” على المصدر بإضمار فعليهما. في مجمع البيان: وجاء في الحديث أن الله سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة، بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفا للفرس الجواد المضمر (1). كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا، وتعظيما وترغيبا فيه. وقيل: الاول ما حق لهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر. والثاني ما جعل لهم في الآخرة. وقيل: المراد بالدرجة الاولى ارتفاع منزلتهم عند الله تعالى، والدرجات منازلهم في الجنة. وقيل: القاعدون الاول، هم الاضرار، والقاعدون الثاني، هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم. وقيل: المجاهدون الاولون من جاهد الكفار، والآخرون من جاهد نفسه، كما في الحديث: رجعنا من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الاكبر (2). وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالاول، قوما، وبالآخر، آخرين، فإن مابين القاعد والمجاهد كما بين السماء والارض. وكان الله غفورا: لما عسى أن يفرط منهم. رحيما: يرحمهم بإعطاء الثواب.


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 97 في تفسيره لآية 95 من سورة النساء. (2) من قوله: (كرر تفضيل المجاهدين) والاقوال المذكورة إلى هنا، مأخوذ من اليضاوي، لا حظ تفسير (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ج 1 ص 238 في تفسيره لآية 96 من سورة النساء. (*)

[ 584 ]

[ * إن الذين توفهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله وسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأوهم جهنم وساءت مصيرا (97) ] إن الذين توفهم الملئكة: يحتمل الماضي والمضارع. وقرئ ” توفتهم وتوفاهم ” على مضارع وفيت، بمعنى أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي يمكنهم من استيفائها، فيتوفونها. ظالمي أنفسهم: في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة. في كتاب الاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله تعالى: ” الله يتوفى الانفس حين موتها ” (1) وقوله: ” قل يتوفاكم ملك الموت ” (2) وقوله (عز وجل): ” توفته رسلنا ” (3) وقوله: ” الذين توفاهم الملائكة ” فمرة يجعل الفعل لنفسه، ومرة لملك الموت، ومرة للرسل، ومرة للملائكة ؟ ! فقال: إن الله (تبارك وتعالى) أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته، فعله، لانهم بأمره يعملون، فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه، وهم الذين قال الله فيهم: ” الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ” (4) فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة، يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يؤته منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، ففعل ملك الموت فعل الله، لانه يتوفى الانفس على يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وإن فعل امناؤه فعله، كما قال:


(1) الزمر: 42. (2) السجدة: 11. (3) الانعام: 61. (4) الحج: 75. (*)

[ 585 ]

” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ” (1) (2). وفي من لا يحضره الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن ذلك، فقال: إن الله (تبارك وتعالى) جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الارواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الانس يبعثهم في حوائجه، فيتوفاهم الملائكة، ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة، مع ما يقبض هو ويتوفاها الله من ملك الموت (3). وفي كتاب التوحيد: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك فقال: إن الله (تبارك وتعالى) يدبر الامور كيف شاء، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، أما ملك الموت فإن الله يوكله بخاصة من يشاء، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه، والملائكة الذين سماهم الله (عز ذكره) وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه والله (تبارك وتعالى) يدبر الامور كيف يشاء، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس، لان منهم القوي والضعيف، ولان منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطيق حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي والمميت، وأنه يتوفى الانفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم (4). قالوا: أي الملائكة توبيخا لهم. فيم كنتم: في أي شئ كنتم من أمر دينكم. قالوا كنا مستضعفين في الارض: اعتذار عما وبخوابه، بضعفهم عن إظهار الدين وإعلاء كلمته، لقلة الغدد وكثرة العدو (5).


(1) الانسان: 30. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 244، احتجاجه على زنديق جاء مستدلا بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل، والاسئلة س 26، والاجوبة في ص 247 س 8. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 82 باب 23 غسل الميت، قطعة من ح 26. (4) التوحيد: ص 268 باب 26 الرد على الثنوية والزنادقة، س 16. (5) وفي هامش النسخة: وفسر البيضاوي الاستضعاف بالعجز عن الهجرة، وفيه أنه لا يكون قوله: (ألم (*)

[ 586 ]

قالوا: أي الملائكة تكذيبا لهم. ألم تكن أرض الله وسعة فتهاجروا فيها: إلى قطر آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة. فأولئك مأوهم جهنم: لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار وكفرهم. وهو خبر (إن) والفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط، و ” قالوا فيم كنتم ” حال من الملائكة بإضمار (قد)، أو الخبر (قالوا) والعائد محذوف، أي قالوا لهم، وهو جملة معطوفة على الجملة مستنتجة منها. وساءت مصيرا: أي مصيرهم، أو جهنم. وقيل: الآية نزلت في ناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجية (1). والظاهر أنها في الكفرة. وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الاسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن امية بن خلف (2). وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): ولا يقع استضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ووعاها قلبه (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في من اعتزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقاتلوا معه، فقال الملائكة لهم عند الموت: ” فيم كنتم ” ؟ قالوا كنا مستضعفين في الارض ” أي لم نعلم مع من الحق، فقال الله: ” ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا


(1) تكن أرض الله واسعة) إلى آخره واردا عليهم – منه دام عزه -: (1) قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 239 في تفسيره لآية 97 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 98 في نقله سبب نزول آية 97 من سورة النساء نقلا عن أبي جعفر (عليه السلام). (3) نهج البلاغة: ص 279 ومن كلام له (عليه السلام) في الايمان ووجوب الهجرة صبحي الصالح. (*)

[ 587 ]

[ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) ] فيها ” أي دين الله وكتابه واسع فتنظروا فيه (1). والجمع بينه وبين الاول: أنها نزلت في الاول وجرت في الثاني وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه. وفي مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام) بعد أن أمر بالكلام بما ينفع ولا يضر: فإن لم تجد السبيل إليه، فالانقلاب والسفر من بلد إلى بلد وطرح النفس في براري (2) التلف، بسر صاف وقلب خاشع وبدن صابر، قال الله تعالى: ” إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ” (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن يسار، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستنير، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الارض مسيرة خمسمائة عام، الخراب منها مسيرة أربعمائة، والعمران منها مسيرة مائة عام، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (4). إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان: استثناء منقطع لعدم دخولهم


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 149 في تفسيره لآية 97 من سورة النساء. (2) بوادي خ ل. (3) مصباح الشريعة: ص 18 الباب الثالث والعشرون س 13. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 17 س 1 في تفسيره لآية 97 من سورة بني إسرائيل وصدره (قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الارض مسيرة الخ وصدر الحديث في ص 14 س 22. (*)

[ 588 ]

في الموصول بظلموا ولا في ضميره، ولا في الاشارة إليه. وذكر الولدان، إن اريد به المماليك فظاهر، وإن اريد به الصبيان فللمبالغة في الامر، والاشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة، فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة، فلا محيص لهم عنها، وإن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت. لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا: صفة للمستضعفين، إذ لا توقيت فيه، أو حال عنه، أو عن المستكن فيه. واستطاعة الحيلة، قدرة وجدان أسباب دفع الكفر. واهتداء السبيل، وجدان سبيل الايمان بنفسه أو بدليل. في كتاب معاني الاخبار: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، وفضالة بن أيوب جميعا، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ” فقال ” هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر، ولا يهتدي سبيل الايمان فيؤمن. والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان، مرفوع عنهم القلم (1). قوله: ” هو الذي لا يستطيع الكفر ” يعني ليس له من العقل ما به يطلع على الكفر، فيكفر أو يدفعه عن نفسه. وبإسناده إلى سالم بن مكرم الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قوله (عز وجل): ” إلا سالم بن مكرم الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قوله (عز وجل): ” إلا المستضعفين ” إلى قوله ” سبيلا ” فقال: لا يستطيعون حيلة إلى النصب، فينصبون، ولا يهتدون، سبيلا الحق فيدخلون فيه. وهؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله (عز وجل) عنها، ولا ينالون منازل الابرار (2). حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله) قال: حدثنا الحسين


(1) و (2) معاني الاخبار: ص 201، باب معنى المستضعف ح 4 و 5. (*)

[ 589 ]

ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن حجر بن زائدة، عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إلا المستضعفين ” الآية، قال: هم أهل الولاية: قلت: وأي ولاية ؟ فقال أما إنها ليست بولاية في الدين، لكنها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفار، وهم الرجون لامر الله (1). حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن علي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن عبد الكريم بن عمروا الخثعمي، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ” الآية ؟ قال: يا سليمان في هؤلاء المستضعفين من هو أثخن رقبة منك، المستضفعون قوم يصومون ويصلون تعف بطونهم وفروجهم لا يرون أن الحق في غيرنا، آخذين بأغصان الشجرة فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم إذا كانوا آخذين بالاغصان، وإن لم يعرفوا اولئك فإن عفى الله عنهم فبرحمته وإن عذبهم فبضلا لتهم عما عرفهم (2). أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا: لا يسطيعون حيلة فيدخلوا في الكفر، ولم يهتدوا فيدخلوا في الايمان، فليس هم من الكفر والايمان في شئ (3). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن اسباط، عن سليم طربال قال: حدثني هشام، عن حمزة بن الطيار قال: قال لي أبو


(1) معاني الاخبار: ص 202، باب معنى المستضعف، ح 8. (2) معاني الاخبار: ص 202، باب معنى المستضعف، ح 9. (3) معاني الاخبار: ص 203، باب معنى المستضعف، ح 11. (*)

[ 590 ]

عبد الله (عليه السلام): الناس على ستة أصناف، قال: قلت: أتأذن لي أن أكتبها ؟ قال: نعم، قلت: ما أكتب ؟ قال: اكتب ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان “، لا يستطيعون حيلة إلى الكفر، ولا يهتدون سبيلا إلى الايمان، ” فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم ” (1) (2). علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران، أو أنا وبكير على أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنا نمد (المطمار) قال: وما (المطمار) ؟ قلت: التر (3) فمن وافقنا من علوي وغيره تولينا، ومن خالفنا من علوي وغيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله (عز وجل) ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ” (أين المرجون لامر الله) (4) والحديثان طويلان أخذنا منهما موضع الحاجة.


(1) الكافي: ج 2 ص 381، كتاب الايمان والكفر، باب أصناف الناس، ح 1. (2) الظاهر أن غرض المؤلف (قدس سره) إيراد الحديث كان الاستشهاد بالآية الشريفة فقط، ولذا أورده مقطعا، ولما كان فهم الحديث موكولا إلى إيراده بتمامه، فتقول: بعد قوله (عليه السلام): (اكتب) (قال: اكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار، واكتب ” آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ” (التوبة: 102) قال: قلت: من هؤلاء ؟ قال: وحشي منهم (هو الذي قتل حمزة في الجاهلية ومسيلمة الكذاب في الاسلام) قال: واكتب (وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) (التوبة: 106) قال: واكتب ” إلا المستضعفين من الرجال ” إلى قوله: ” عسى الله أن يعفو عنهم ” قال: واكتب، أصحاب الاعراف، قال: قلت: وما أصحاب الاعراف ؟ قال: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فإن أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنة فبرحمته). ثم اعلم أن للعلامة المجلسي (طيب الله رمسه) وللمولى صالح المازندراني (قدس سره) تحقيقات أنيقة في شرج الحديث ولوجه الحصر في ستة أصناف، فلا حظ إن شئت (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 10 ص 41، ومرآة العقول: ح 11 ص 100). (3) في النسخة – أ: (المضار) بدل (المطمار) و (النز) بدل (التر) والصحيح ما أثبتناه والتر بالضم والتثقيل خيط البناء، والمطمر مثله (مجمع البحرين: ج 3 ص 233 لغة ترر). (4) الكافي: ج 2 ص 382 كتاب الايمان والكفر، باب أصناف الناس ح 3. (*)

[ 591 ]

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، قال: لا يستطيعون حيلة إلى الايمان ولا يكفرون، الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء (1). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المستضعف ؟ فقال: هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ولا يهتدي بها سبيلا إلى الايمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر، قال: والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان (2). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله ابن جندب، عن سفيان بن السمط البجلي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في المستضعفين ؟ فقال لي شبيها بالفزع (3): فتركتم أحدا يكون مستضعفا،


(1) الكافي: ج 2 ص 404 كتاب الايمان والكفر، باب المستعف ح 2. (2) الكافي: ج 2 ص 404 كتاب الايمان والكفر، ح 3. (3) (شبيها بالفزع) بكسر الزاي، أي الخائف المضطرب، وكان ذلك غيظا وإنكارا على أهل الاذاعة من الشيعة، فإنهم لتركهم التقية أفشوا هذا الامر حتى عرف الناس كلهم مذهب الشيعة حتى الجواري الباكرات المخدرات مع عدم خروجهن من الحذور، والنساء السقايات اللواتي ليس شأنهن تفحص المذاهب. السقايات بالياء، جمع سقاءة بالهمزة. وهذه الاذاعة صارت سببا للضرر على الائمة وشيعتهم ولم ينفع لهداية الخلق، وصارت سببا لصيرورة المستضعفين نواصب غير معذورين. و (تركتم) استفهام للانكار وكذا (أين). ثم اعلم أن المستضعف عند أكثر الاصحاب: من لا يعرف الامام ولا ينكره ولا يوالي أحدا بعينه كما ذكره الشهيد (قدس سره) في الذكرى، وحكي عن المفيد في الغرية: أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة، وقال ابن إدريس: هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم، وهذا اوفق بأخبار هذا الباب (مرآة العقول: ج 11 ص 209). (*)

[ 592 ]

وأين المستضعفون ؟ فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن، وتحدث به السقايات في طريق المدينة (1). الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن مثنى، عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام)، في حديث طويل: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الامر ؟ فقال: لا إلا المستضعفين، قلت: من هم ؟ قال: نساؤكم وأولادكم، ثم قال: أرأيت ام أيمن ؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه (2) (3). وبإسناده إلى أيوب بن الحر قال: رجل لابي عبد الله (عليه السلام) ونحن عنده: جعلت فداك إنا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين، قال: فقال: لا والله، لا يفعل الله ذلك بكم أبدا (4). عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الضعفاء ؟ فكتب إلى، الضعيف من لم يرفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف (5).


(1) الكافي: ج 2 ص 404 كتاب الايمان والكفر، باب المستضعف، ح 4. (2) ام أيمن مولاة رسولا الله (صلى الله عليه وآله)، وهي من شهود فدك، وروى الخاصة والعامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنها من أهل الجنة، قال في المغرب: الايمن خلاف الايسر وهو جانب اليمنى، أو من فيه، وبه سمي ام أيمن حاضنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي حافظته، وهو أخو اسامة بن زيد لامه، انتهى. (وما كانت تعرف ما أنتم عليه) أي إمامة سائر الائمة سوى أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت معذورة في ذلك لعدم سماعها ذلك وعدم تمام الحجة عليها، فكذا المستضعف، معذور لذلك، أو صفات الائمة وكمالهم، أو لم تكن تعرف ذلك بالدليل بل بالتقليد، وأما أصل معرفة إمامة أمير المؤمنين، فعدم معرفتها ذلك بعيد جدا، وكون ام أيمن امرأة اخرى معروفة للمخاطب سوى الخاضنة، فأبعد. (مرآة العقول: ج 11 ص 211). (3) الكافي: ج 2 ص 405 كتاب الايمان والكفر، باب المستضعف، قطعة من ح 6. (4) الكافي: ج 2 ص 406 كتاب الايمان والكفر، باب المستضعف، ح 9. (5) الكافي: ج 2 ص 406 كتاب الايمان والكفر، باب المستضعف، ح 11. (*)

[ 593 ]

وفي الكافي: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن زرارة بن أعين قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أتزوج بمرجئة أو حرورية (1) ؟ قال: لا، عليك بالبله من النساء، قال زرارة: فقلت: والله ماهي إلا مؤمنة أو كافرة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وأين أهل ثنوي الله (2) (عزوج) ؟ قول الله أصدق من قولك ” إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ” (3). وفي تفسير العياشي: عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المستضعفين ؟ فقال: البلهاء في خدرها، والخادم تقول لها: صلي، فتصلي، لا تدري إلا ما قلت لها، والجليب الذي لا يدري إلا ما قلت له (4)، والكبير الفاني، والصبي والصغير، هؤلاء المستضعفين (5).


(1) المرجئة بالميم ثم الراء ثم الهمزة بغير تشديد من الارجاء بمعنى التأخير، وقد وقع الخلاف في تفسير اللفظة فقيل: هم فرقة من المسلمين يقولون: الايمان قول بلا عمل، كأنهم قدموا القول وأرجؤوا العمل أي أخروه، لانهم يريدون أنهم لو لم يصوموا لنجاهم إيمانهم، وقيل: هم فرقة من المسلمين يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة، لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنه، وقيل: هم الفرقة الجبرية، وقيل: هم الذين يقولون كل الافعال من الله تعالى، وقيل: المرجئ هو الاشعري، وربما يطلق على أهل السنة لتأخيرهم عليا (عليه السلام) عن الثلاثة. والحرورية، هم الذين تبرؤوا من علي (على السلام) وشهدوا عليه بالكفر لعنهم الله، والحرورية نسبة إلى حروراء موضع بقرب الكوفة كان أول مجمعهم فيه (تلخيص من مقياس الهداية: ص 85 – 86). (2) قوله (ثنوي الله) استثناء الله (مرآة العقول ط حجري: ج 3 ص 450). (3) الكافي: ج 5 ص 348 كتاب النكاح، باب مناكحة النصاب والشكاك ح 2. (4) الجليب الذي يجلب من بلد إلى آخر غيره، وعبد جليب (لسان العرب: ج ص 268 لغة جلب). (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 270 قطعة من ح 251. (*)

[ 594 ]

[ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا (99) * ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مرغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما (100) ] فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم: دكر بكلمة الاطماع ولفظ العفو إيذانا بأن ترك الهجرة أمر خطير حتى المضطر من حقه أن لا يأمن ويترصد الفرصة ويعلق بها قلبه. وكان الله عفوا غفورا: ذا صفح عن ذنوب عباده، ساتر عليهم ذنوبهم. ومن يهاجر: يفارق أهل الشرك ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الاسلام. في سبيل الله: في منهاج دينه. يجد في الارض مرغما كثيرا: متحولا، من الرغام وهو التراب (1). وقيل: طريقا يراغم قومه بسلوكه، أي يفارقهم على رغم انوفهم، وهو أيضا من الرغام. وسعة: في الرزق وإظهار الدين، فيرغم بذلك انوف قومه ممن ضيق عليه. ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت: وقرئ يدركه على


(1) (قوله: متحولا) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه فسر (مراغما) بقوله: (متحولا) يتحول إليه، وقال الجوهري: المراغم، المذهب والمهرب، ثم نقل عن الفراء أنه قال: المراغم، المضروب والمذهب في الارض، والرغام بالفتح التراب. ولما كانت الانف من جملة الاعضاء في غاية العزة والتراب في غاية الذلة، جعل قولهم: (رغم أنفه) كناية عن الذلة، وسميت المفارقة عن القوم بغضا لهم بالمراغمة، لان من يهاجر قومه، يراغمهم، لانه يجد في البلد الذي هاجر إليه من النعمة والخير ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه (من حاشية محيي الدين شيخ زاده على البيضاوي). (*)

[ 595 ]

أنه خبر مبتدأ محذوف، أي ثم هو يدركه، وبالنصب على إضمار (أن) كقوله: (وألحق بالحجاز فأستريحا) (1). فقد وقع أجره على الله: الوقوع والوجوب متقاربان، وفي لفظ الوقوع زيادة مبالغة لاشعاره بأن أجره وقع. وكان الله غفورا رحيما: في مجمع البيان: عن أبي حمزة الثمالي، لما نزلت آية الهجرة سمعها رجل من المسلمين، وهو جندع، أو جندب بن حمزة، وكان بمكة، فقال: والله ما أنا ممن استثنى الله، إني لا جد قوة، وإني لعالم بالطريق، وكان مريضا شديد المرض، فقال لبنيه: والله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها، فإني أخاف أن أموت فيها، فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ النعيم مات، فنزلت الآية (2). ومما جاء في معنى الآية من الحديث. ما رواه الحسن، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الارض، استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد (عليهما السلام) (3). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمان قال: حدثنا حماد، عن عبد الاعلى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول العامة (4): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من


(1) وقبله: سأترك منزلي لبني تميم. هو لمغيرة بن حنين التميمي الحنظلي، قوله: (بني تميم) قبيلة معروفة و (ألحق) بفتح الحاء المهملة والقاف متكلم من اللحوق بمعنى الادراك والاتيان، قوله: (بالحجاز) أي بقبيلة في الحجاز، وهو بالحاء المهملة والجيم والزاء المعجمة ككتاب مكة والمدينة، و (أستريح) متكلم من الاستراحة (جامع الشواهد: ج 2 ص 39 باب السين بعده الالف). (2) مجمع البيان: ج 3 ص 100 في بيان نزول آية 100 من سورة النساء. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 100 في نقله المعنى لآية 100 من سورة النساء، وقد مر نقل الحديث أيضا. (4) قوله: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول العامة) أي عن قول عامة الامة بمعنى جميعهم، أو عن قول أكثر الامة المخالفين للفرقة الناجية القائلين بخلافة الثلاثة، والحديث حجة عليهم في نفي (*)

[ 596 ]

مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ؟ قال: الحق والله قلت، فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه، لم يسعه ذلك، قال: لا يسعه أن الامام إذا هلك، وقعت حجة وصيه على من هو معه في البلد، وحق النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم، أن الله (عز وجل) يقول: ” فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ” (1) قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم ؟ قال إن الله (عز وجل) يقول: ” ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ” (2). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.


الامام من عترة الرسول في كل عصر، لنقلهم هذا الحديث في كتبهم وقبولهم له وما ذهب إلى قدمائهم، من أن المراد بالامام فيه، صاحب الشوكة والاقتدار من ملوك الامة كائنا من كان، عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا، في غاية السخافة، فأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأمر امته بمتابعة الجاهل الفاسق، لان متابعته يوجب الخروج عن الدين لمخالفة الحق، ولهذا ذهب بعض متأخريهم إلى أن المراد بالامام فيه، الكتاب، وهو في غاية الضعف، إذ لا يمكن الاقتداء بالقرآن إلا بالاقتداء بإمام يفسره، وهذا الامام ليس بقرآن بالضرورة، ولا جاهل فاسق، بالاتفاق، فتعين ما ذهب إليه الفرقة الناجية من أنه ناطق من الله، وهو المطلوب. قوله: (فقال الحق والله) خبر مبتدأ محذوف، أي هو الحق. قوله: (لم يسعه ذلك) من باب الاستفهام، وذلك اشارة إلى عدم العلم المفهوم من سياق الكلام. قوله: (أن الامام إذا هلك) تعليل لما سبق، توضيح ذلك: أن الناس عند موت الامام على صنفين، صنف حاضرون في بلد موته، عالمون بمن هو وصى له، بوصية ظاهرة أو باطنة، فوجب عليهم الاذعان له والاعتقاد به من غير مهلة، وصنف ناؤون عنه قد بلغهم خبر موت الامام دون خبر وصيه، وهذا الصنف يجب عليهم الايمان اجمالا بأن له وصيا يقوم مقامه، ثم يجب عليهم النفر، ليعرفوه باسمه وشخصه، وقوله: (وحق النفر) جملة فعلية، أي وجب النفر والزم، قوله: (قبل أن يصل فيعلم) أي قبل أن يصل إلى بلد موت الامام، وقبل أن يعلم وصي باسمه وشخصه، والجواب يدل على أنه مؤمن عند الله تعالى، وأنه مثاب لاجل الحركة (شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني: ج 6 ص 338). (1) التوبة: 122. (2) الكافي: ج 1، ص 378، كتاب الحجة، باب ما يجب على الناس عند مضى الامام (عليه السلام)، قطعة من ح 2. (*)

[ 597 ]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن النضر ابن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم قال: قلت لابي عبد الله: أصلحك الله، بلغنا شكواك (1) وأشفقنا، فلو أعلمتنا أو علمتنا من ؟ فقال: إن عليا (عليه السلام) كان عالما، والعلم يتوارث، فلا يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله، قلت أفيسع الناس إذا مات العالم ألا يعرفوا الذي بعده ؟ فقال: أما أهل هذه البلدة فلا (يعني المدينة) وأما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم، إن الله يقول: ” وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ” قال: قلت: أرأيت من مات في ذلك ؟ هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله (2). وفي تفسير العياشي: بإسناده عن محمد بن أبي عمير قال: وجه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر وعبد الله، فمات قبل


(1) قوله (بلغنا شكواك) في النهاية: الشكوى المرض، وفي الصحاح: الشكوى اسم من شكوت فلانا اشكوه شكوا، إذا أخبرت عنه سوء فصله، وقد يطلق الشكوى على المكروه والبلية، والمراد بالاشفاق، الخوف من موته (عليه السلام)، أو من الضلالة بعده والترديد في قوله (أو علمتنا) من الراوي، والمراد بقوله (عليه السلام): (أن عليا كان عالما) هو أن الامام يعرف بعلمه جميع الاشياء ولا يشتبه على غيره، فانه بإضاءة علمه كالنور الساطع، وقد ذكرنا أن القادر على معرفته بسبب علمه هو العالم دون غيره، وقوله: (أو ما شاء الله) يحتمل الترديد من الراوي، وحتم ما لم يكن محتوما قبل، فانه قد يحصل لكل إمام علم بالحتم الذي لم يكن قبله، والله أعلم. قوله: (أرأيت من مات في ذلك) أي أخبرني من مات في حال نفره ووقت طلبه قبل الوصول إلى المطلوب كيف حالة ؟ أهو مؤمن أم لا ؟ ومحصل الجواب: أنه مؤمن ومثاب لاجل النفر. وفيه دلالة على أن الايمان بالامام على سبيل الاجمال عند تعذر معرفة اسمه وشخصيه كاف، وهو كذلك، لاستحالة التكليف بالمحال (شرح الاصول للمولى صالح المازندراني: ج 6 ص 342). (2) الكافي: ج 1 ص 379 كتاب الحجة، باب ما يجب على الناس عند مضي الامام (عليه السلام): قطعة من ح 3. وتمام الحديث: (قال: قلت: فإذا قدموا بأي شئ يعرفون صاحبهم ؟ قال: يعطى السكينة والوقار والهيبة). (*)

[ 598 ]

وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكفرين كانوا لكم عدوا مبينا (101) أن يرجع إليه عبيد ابنه، قال محمد بن أبي عمير: حدثني محمد بن حكيم قال: ذكرت لابي الحسن (عليه السلام) زرارة وتوجيهه عبيدا إلى المدينة، فقال: إني لارجو أن يكون زرارة ممن قال الله ” ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ” (1) الآية. عن أبي الصباح الكناني قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل دعي إلى هذا الامر فعرفه وهو في أرض منقطعة إذ جاء موت الامام، فبينا هو ينتظر إذ جاءه الموت ؟ فقال: هو والله بمنزلة من هاجر إلى الله ورسوله فمات قد وقع أجره على الله (2). وفي الكافي: علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان المديني، عن أبي حجر الاسلمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة (3)، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجرا إلى الله تعالى حشره الله تعالى يوم القيامة مع أصحاب بدر (4). وإذا ضربتم في الارض: سافرتم.


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 270 ح 253. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 270 ح 252. (3) وإنما نسب الجفاء إلى نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) تجوزا، لان تارك زيارته هو الجاني نفسه، وموصلها بالتأسف والحرمان عن الشفاعة المعبر عنها بالجفاء (الوافي ط حجري: ج 2 ص 193 باب 171 لقاء النبي والامام وزيارة قبورهم). (4) الكافي: ج 4 ص 548 كتاب الحج، باب زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) ح 5. (*)

[ 599 ]

فليس عليكم جناح أن تقسروا من الصلوة: بتنصيف الرباعيات، و ” من الصلاة ” صفة محذوف، أي شيئا من الصلاة، عند سيبويه. ومفعول ” تقصروا ” بزيادة ” من ” عند الاخفش. والقصر واجب، ونفي الجناح لانهم ألقوا التمام وكان مظنة لان يخطر ببالهم. أن عليهم نقصانا في التقصير، فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمئنوا إليه. وفي من لا يحضره الفقيه وتفسير العياشي: روى عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لابي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر، كيف هي ؟ وكم هي ؟ فقال: إن الله (عز وجل) يقول: ” وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ” فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا: إنما قال الله تعالى ” فليس عليكم جناح ” ولم يقل افعلوا، كيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر ؟ فقال (عليه السلام) أو ليس قد قال الله (عز وجل): ” إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ” (1) ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض، لان الله (عز وجل)، ذكره في كتابه وصنعه نبيه (صلى الله عليه وآله)، وكذلك التقصير في السفر، شئ صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) وذكره الله تعالى في كتابه، قالا: قلنا: فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا ؟ قال: إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له وصلى أربعا أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه. والصلاة كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر والحضر ثلاث ركعات وزاد في الفقيه، وقد سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذي خشب، وهي مسيرة يوم من المدينة، يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا، فقصر وأفطر فصارت سنة، وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوما صاموا حين أفطر: العصاة، قال: فهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا


(1) البقرة: 158. (*)

[ 600 ]

لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا (1) (2) (3). وفي عيون الاخبار: في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها من الرضا (عليه السلام)، فإن قال: فلم قصرت الصلاة في السفر ؟ قيل: لان الصلاة المفروضة أولا، إنما هي عشر ركعات، والسبع إنما زيدت فيما بعد، فخفف الله عنه تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه و اشتغاله بأمر نفسه، وظعنه وإقامته، لئلا يشتغل عما لابد له من معيشته، رحمة من الله تعالى، وتعطفا عليه إلا صلاة المغرب، فإنها لم تقصر، لانها صلاة مقصرة في الاصل. فإن قال: فلم وجب التقصير من في ثمانية فراسخ ؟ لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قيل: لان ثمانية فراسخ ميسرة يوم للعامة والقوافل والاثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم، فإن قال: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم ؟ قيل: لانه لو لم يجب في مسيرة يوم، لما وجب في مسيرة سنة، وذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله لا فرق بينهما (4). وفي الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن ربيع ابن محمد السلمي، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بالصلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، فلما ولد الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) زاد رسول


(1) لما دل ظاهر الآية على مدهب المخالفين القائلين بالتخيير بين القصر والاتمام في السفر، تكلم الرجلان مع الامام (عليه السلام) من جانبهم في ذلك، ولما لم يكونوا قائلين بالتخيير في الطواف مع أن الآيتين وردتا على وتيرة واحدة عارضهما (عليه السلام) بآية الطواف وجادلهم بالتي هي أحسن، ثم بين أن الآيتين كلتيهما من المتشابهات التي تأويلهما إنما يستفاد من فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (الوافي ط حجري: ج 2 باب 2 فرض الصلاة ص 11). (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 278 باب 59 الصلاة في السفر، ح 1. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 271 ح 254. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 111 باب 34 العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى مرة بعد مرة وشيئا بعد شئ. (*)

[ 601 ]

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع ركعات شكرا لله، فأجاز الله له ذلك، وترك الفجر ولم يزد فيها شيئا لضيق وقتها، لانه يحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار، فلما أمره الله بالتقصير في السفر وضع عن امته ست ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئا (1). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي محمد العلوي الدينوي، بإسناده رفع الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال: قلت: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها، ليس فيها تقصير في حضر ولا في سفر ؟ فقال: إن الله (عز وجل) أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) كل صلاة ركعتين في الحضر، فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل صلاة ركعتين في الحضر، وقصر فيها في السفر إلا المغرب، فلما صلى المغرب، بلغه مولد فاطمة (عليهما السلام) فأضاف إليها ركعة شكرا لله (عز وجل) فلما أن ولد الحسن (عليه السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله (عز وجل)، فلما أن ولد الحسين (عليه السلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله (عز وجل)، فقال: ” للذكر مثل خط الانثيين ” فتركها على حالها في الحضر والسفر (2). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فرض المسافر ركعتان غير قصر (3). ومعنى قوله: (غير قصر) أي ثوابه تمام. وفي كل الاسفار المشروعة القصر واجب إلا في أربعة مواضع، مكة والمدينة ومسجد الكوفة وحرم الحسين (عليه السلام). فإن المسافر فيها مخير بين القصر والاتمام، والاتمام أفضل. ففي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن


(1) الكافي: ج 3 ص 487 كتاب الصلاة، باب النوادر قطعة من ح 2. (2) علل الشرائع: ص 324 باب 15 العلة التي من أجلها لا تقصير في صلاة المغرب ونوافلها في السفر والحضر ح 1. (3) رواه في مجمع البيان: ج 3 ص 101 في تفسيره لآية 101 من سورة النساء. (*)

[ 602 ]

الحسين بن المختار، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قلت له: إنا إذا دخلنا مكة والمدينة، نتم أو نقصر ؟ قال: إن قصرت فذاك فإن أتممت فهو خير يزداد (1). عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الملك القمي، عن إسماعيل بن جابر، عن عبد الحميدخادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تتم الصلاة في أربعة مواطن، المسجد الحرام، ومسجد الرسول (عليه السلام)، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (عليه السلام) (2). والاخبار في معناه كثيرة. وفي بعضها قال أبو إبراهيم (عليه السلام): – وقد ذكر الحرمين -: كان أبي يقول: إن الاتمام فيهما من الامر المذخور (3). إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكفرين كانوا لكم عدوا مبينا: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت الاخبار على وجوبه أيضا في حال الامن. ويحتمل أن يكون المراد (والله أعلم) أنه لا جناح عليكم في القصر في صورة الامن في السفر فيقصر أربع ركعات إلى ركعتين، وأما مع الخوف فيقصر الركعتين إلى ركعة واحدة، بمعنى كون إحدى الركعتين مع الجماعة والاخرى بدونها، أو كونهما بإيماء، ونقص الكيفية يعد الركعتان معها بركعة واحدة. وعلى هذا المعنى يحمل ما رواه في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه وأحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ” قال: في الركعيتن تنقص


(1) الكافي: ج 4 ص 524، كتاب الحج باب إتمام الصلاة في الحرمين ح 6. (2) الكافي: ج 4 ص 587، كتاب الحج باب بلا عنوان ح 5. (3) الكافي: ج 4 ص 524، كتاب الحج باب إتمام الصلاة في الحرمين ح 7 وصدر الحديث (عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغير هما، ويقول: الحديث). (*)

[ 603 ]

[ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك واليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم والتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك واليأخذوا حذرهم وأسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكفرين عذابا مهينا (106) ] منها واحدة (1) (2). وقرئ ” من الصلاة أن يفتنكم ” بغير إن خفتم ” بمعنى كراهة أن يفتنكم، وهو القتال والتعرض بما يكره (3). وإذا كنت فيهم فأقمت فهم الصلوة: الخطاب، وإن بعلق بالنبي فالمقصود


(1) قال في المدارك: قال ابن بابويه في كتابه: سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول: رويت أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ” فقال: هدا تقصيرثان، وهو أن يرد الرجل الرجتين إلى الركعة، وروى الشيخ ذلك عن جريز: ونقل عن ابن الجنيد أنه قال بهذا المذهب. وما وردت من الرواية وأن كانت صحيحة لكنها معارضة بأشهر منها، ويمكن حلمها على التقية، أو على أن كل طائفة إنما تصلى مع الامام ركعة، فكان صلاتها ردت إليها، انتهى وأقول: يمكن أن يكون المراد: ينقص من كل ركعتين ركعة، فتصير الاربع اثنين وكذا في خبر ابن الوليد بأن يكون المراد أن هذدا علة ثانية لتقصير مؤكدة للاولى (مرآة العقول: ج 15 ص 428). (2) الكافي: ج 3 ص 456 كتاب الصلاة، باب صلاة المطاردة والموافقة والمسايفة ح 4. (3) نقله البيضاوي: ج 1 ص 240 في تفسيره لآية 101 من سورة النساء (*)

[ 604 ]

عمومه، لاجماع الطائفة المحقة وغيرهم على عدم الاختصاص بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فلتقم طائفة منهم معك: وتقوم الطائفة الاخرى تجاه العدو. وليأخذوا أسلحتهم: أي المصلون، صرفا. وقيل: الضمير للطائفة الاخرى، وذكر الطائفة الاولى يدل عليهم، وسياق الآية يدل على الاول. فإذا سجدوا: يعني المصلين. فليكونوا من ورائكم: يحرسونكم، يعني، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يصلي معه، فغلب المخاطب على الغائب. والتأت طائفة أخرى لم يصلوا: لاشتغالهم بالحراسة. فليصلوا معك: والآية مطلقة في أن الامام يصلي مرتين، بكل طائفة، وكانت الثانية نفلا له كما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ببطن النخل (1)، وفي أن يصلي بكل فرقة ركعة إن كانت الصلاة ركعتين، وفي أن يصلي مع الفرقة الاولى ركعة ومع الثانية ركعتين، أو بالعكس إذا كانت ثلاثية. وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه في غزوة ذات الرقاع (2)


(1) بطن نخل: جمع نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة، بينهما الطرف على الطريق، وهو بعد ابرق العذاف للقاصد إلى مكة (معجم البلدان: ج 1 ص 449). (2) غزوة ذات الرقاع، غزوة معروفة كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد، واختلف الاصحاب في سبب تسمية ذات الرقاع، فقيل: لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر وسود كالرقاع، وقيل: كانت الصحابة حفاة فلقوا على أرجلهم الجلود الخرق لئلا تحترق، وقيل: سميت برقاع، لان الرقاع كانت في الويتهم، وقيل: الرقاع اسم شجرة كانت في موضع الغزوة، وقيل: مر بذلك الموضع ثمانية حفاة، فنقبت أرجلهم، وتساقطت أظفارهم، فكانوا يلفون عليه الخرق. ثم أنه يدل على عدم لزوم انتظار الامام للتسليم عليهم كما ذهب إليه جماعة من الاصحاب (*)

[ 605 ]

صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين، أقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه، فكبر وكبروا، فقرأ وأنصتوا وركع فركعوا، وسجد فسجدوا، ثم استمر رسول الله قائما وصلوا لانفسهم ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، ثم خرجوا (1) إلى أصحابهم، فقاموا بإزاء العدو، وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصلى بهم ركعة، ثم تشهد وسلم عليهم، فقاموا فصلوا لانفسهم ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض (2). علي بن إبراهيم، عن أبيه، ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الخوف ؟ قال: يقوم الامام وتجئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه، وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه، فيمثل قائما (3) ويصلون الركعة الثانية، ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الامام، فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الامام، فيقومون هم، فيصلون ركعة اخرى، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسلمه، قال: وفي المغرب مثل ذلك يقوم الامام وتجئ طائفة فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة، ثم يقوم ويقومون معه، فيمثل الامام قائما، فيصلون ركعتين، فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجئ الآخرون ويقومون في موقف أصحابهم خلف الامام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون ويصلي بهم ركعة اخرى، ثم يجلس ويقيمون هم فيتمون ركعة اخرى، ثم يسلم عليه (4).


(مرآة العقول: ج 15 ص 424). (1) في النسخة – أ: خرسوا. (2) الكافي: ج 3 ص 456 كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف ح 2. (3) قوله: (فيمثل) بالتخفيف من قولهم مثل مثولا، إذا انتصبت بين يديه قائما، فقوله: (قائما،) إما على التجريد أو التأكيد، والامام يسكت، أو يطول القراءة، أو يسبح، وقد صرح العلامة بالثاني، وفي الذكرى خير بينه وبين الثالث مع ترجيح الثاني، وصرح بعض العامة بالاولى، وهو الظاهر من هذا الخبر (مرآة العقول: ج 15 ص 424). (4) الكافي: ج 3 ص 455، كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف ح 1. (*)

[ 606 ]

واليأخذوا حذرهم وأسلحتهم: جعل الحذر آلة يتحصن بها الغازي، فجمع بينه وبين الاسلحة في وجوب الاخذ، ونظيره قوله تعالى: ” والذين تبؤوا الدار والايمان ” (1) (2) ودالذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة وحدة: تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم، فيشدون عليكم شدة واحدة، وهو بيان ما لاجله امروا بأخذ السلاح. ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم: رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض. وهذا مما يشعر بأن الامر بأخذ السلاح للوجوب. وخذوا حذركم: كيلا يهجم عليكم العدو. إن الله أعد للكفرين عذابا مهينا: وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الامر بالحزم لتقوى قلوبهم، وليعلموا أن الامر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لان الواجب أن يحافظوا في الامور على مراسم التيقظ والتدبر ويتوكلوا على الله. في تفسير علي بن إبراهيم: هذه الآية نزلت لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحديبية يريد مكة، فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس يستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يعارض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجبال، فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر أذن بلال وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال خالد ابن الوليد: لوكنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، لاصبناهم، فإنهم لا يقطعون الصلاة، ولكن تجئ لهم الآن صلاة اخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل (عليه السلام) بصلاة الخوف بهذه الآية،


(1) الحشر: 9. (2) جواب عما يقال: أن أخذ الحذر مجاز وأخذ الاسلحة حقيقة فلا يجمع بينهما – منه دام عزه (كذا في هامش النسخة أ). (*)

[ 607 ]

[ فإذا قضيتم الصلوة فاذكروا الله قيما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلوة إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا (103) ] ففرق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فرقتين، فوقف بعضهم تجاه العدو وقد أخذوا سلاحهم، وفرقة صلوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما ومروا، فوقفوا موقف أصحابهم، وجاء اولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الركعة الثانية ولهم الاولى، وقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقاموا أصحابه فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم (1). فإذا قضيتم الصلوة: أديتم وفرغتم منها، أو إذا أردتم الصلاة واشتد الخوف. فاذكروا الله قيما وقعودا وعلى جنوبكم: فدوموا على الذكر في جميع الاحوال، أو فصلوا كيف ما أمكن قياما مسايفين ومقارعين وقعودا مرامين وعلى جنوبكم مثخنين. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ” قال: الصحيح يصلي قائما، والعليل يصلي قاعدا، فمن لم يقدر فمضطجعا يومئ إيماء (2). وفي من لا يحضره الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الايمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الايسر، فإن لم يستطع استلقى وأو مأ إيماء وجعل وجهه نحو


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 150 في تفسيره لآية 102 من سورة النساء. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 150 س 15 في تفسيره لآية 103 من سورة النساء. (*)

[ 608 ]

القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه (1). وقال الصادق (عليه السلام): المريض يصلي قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا، فإن لم يقدر أن يصلي جالسا صلى مستلقيا، يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه، ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد وينصرف (2). فإذا اطمأننتم: سكنت قلوبكم من الخوف واستقررتم في أمصاركم. فأقيموا الصلوة: فعدلوا واحفظوا أركانها وشرائطها، واتوابها تامة. إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا: أي ثابتا موجوبا مفروضا. ففي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) قوله تعالى: ” إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” قال: كتابا، وليس إن عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم يضع تلك الاضاعة، فإن الله (عز وجل) يقول لقوم: ” أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ” (3) (4). عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): ” موقوتا ” أي موجبا (5). علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن زرارة والفضل، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (تبارك اسمه): ” كتابا موقوتا ” أي مفروضا، وليس يعني وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن


(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 236 باب 50 صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون والشيخ الكبير وغير ذلك ح 5. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 235 باب 50 صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون والشيخ الكبير وغير ذلك ح 1. (3) مريم: 59. (4) الكافي: ج 3 ص 270 كتاب الصلاة، باب من حافظ على صلاته أو ضيعها، ح 13. (5) الكافي: ج 3 ص 272 كتاب الصلاة، باب فرض الصلاة ح 4. (*)

[ 609 ]

[ ولا تهنوا في ابتغآء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما (104) ] صلاته هذه مؤداة، ولو كان كذلك لهلك سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها، ولكن متى ذكرها صلاها (1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي من لا يحضره الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام): في قول الله (عز وجل): ” إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” قال: مفروضا (2). وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله) قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن موسى ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ” إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” قال: موجبا، إنما يعني بذلك وجوبها على المؤمنين، ولو كان كما يقولون لهلك سليمان بن داود حين أخر الصلاة حتى تورات بالحجاب لانه لو صلاها قبل أن تغيب، كان وقتا، وليس صلاة أطول وقتا من العصر (3). ولا تهنوا: أي لا تضعفوا. في ابتغاء القوم: في طلب الكفار الذين هم أعداء الله وأعداؤكم. إن تكونوا تألمون: مما ينالكم من الجراح منهم. فإنهم يألمون: أيضا مما ينالهم من ذلك.


(1) الكافي: ج 3 ص 294 كتاب الصلاة، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها ح 10. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 125، باب 29 فرض الصلاة ح 2. (3) علل الشرائع: ج 2 ص 605 باب 385 نوادر العلل ح 79. (*)

[ 610 ]

[ إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بمآ أرك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) ] كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون: من إظهار الدين واستحقاق الثواب فأنتم أحرى وأولى على حربهم، منهم على قتالكم. وهذا إلزام على المؤمنين، وتقريع على التواني فيه، بأن الضرر دائر بين الفريقين، غير مختص بهم. وقرئ ” أن تكونوا ” بالفتح، أي ولا تهنوا لان تكونوا تألمون، ويكون قوله: ” فإنهم يألمون ” علة للنهي عن الوهن لاجله. وكان الله عليما: بمصالح خلقه. حكيما: فيما يأمر وينهي. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من وقعة احد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي يا معاشر المهاجرين والانصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها، فأنزل الله على نبيه ” ولا تهنوا ” الآية وقال (عز وجل): ” أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ” إلى قوله: ” شهداء ” (1): فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح (2). إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بمآ أراك الله: بما عرفك وأوحى إليك.


(1) آل عمران: 140. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 124 س 21 في تفسيره لآية 104 من سورة آل عمران. (*)

[ 611 ]

وليس من الرؤية بمعنى العلم، وإلا لاستدعى ثلاثة مفاعيل. في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن قال: وجدت في نوادر محمد بن سنان، عن محمد بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه، إلى رسول الله وإلى الائمة (عليهم السلام)، قال الله (عز وجل): ” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ” وهي جارية في الاوصياء (عليهم السلام) (1) (2). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) لابي حنيفة: وتزعم أنك صاحب رأي، وكان الرأي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صوابا ومن دونه خطأ لان الله تعالى قال: ” فاحكم بين الناس بما أراك الله ” ولم يقل ذلك لغيره (3). وفي الجوامع: روي أن أبا طعمة بن ابيرق سرق درعا من جار له، اسمه قتادة ابن النعمان ونقلها عند رجل من اليهود، فأخذ الدرع من منزل اليهود، فقال: دفعها إلي أبو طعمة فجاء بنو ابيرق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلموا أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك وافتضح، وبرأ اليهودي، فهم رسول الله أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزلت (4). والظاهر أن هذه الرواية من العامة، لانهم رووها مع زيادات، ومنطبق على اصولهم (5).


(1) وللعلامة المحقق المجلسي (طيب الله رمسه) تحقيقات دقيقة في معنى التفويض، وأعرضنا عن نقله خوفا من الاطالة، ومن أراد فليراجع: (مرآة العقول: ج 3 ص 142). (2) الكافي: ج 1 ص 267 كتاب الحجة، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الائمة (عليهم السلام) في أمر الدين ح 8. (3) الاحتجاج: ج 2 ص 117، فيما احتج به الصادق (عليه السلام) على أبي حنيفة س 8. والآية: ” لتحكم بين الناس بما أراك الله “. (4) جوامع الجامع: ص 95 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء. (5) لا حظ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ط بيروت: ج 2 من ص 670 – 677. (*)

[ 612 ]

[ واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (108) ] والصحيح ما روي عن علي بن إبراهيم في مجمع البيان، وسيأتي. ولا تكن للخائنين: أي جلهم والذب عنهم. خصيما: للبرآء. واستغفر الله: مما هممت به من عقاب اليهودي بالتماس بني ابيرق، كما نقل عن النواصب، ومما فعلت من معاتبة قتادة وصيرورتك سبب اغتمامه حين لم تطلع على أنه محق على ما سيجئ. إن الله كان غفورا رحيما: لمن يستغفره. وفي تفسير علي بن إبراهيم: كان سبب نزولها أن قوما من الانصار من بني ابيرق، إخوة ثلاثة كانوا منافقين، بشير ومبشر وبشر، فنقبوا على عم قتادة بن النعمان، وكان قتادة بدريا وأخرجوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا، فشكى قتادة ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن قوما نقبوا على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله، وسيفا ودرعا، وهم أهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له: لبيد بن سهل، فقال بنو ابيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك قريش لبيدا فأخذ سيفه وخرج عليهم، فقال: يا بني ابيرق أتر مونني بالسرق وأنتم أولى به مني، وأنتم منافقون تهجون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنسبونه إلى قريش،


[ 613 ]

لتبينن ذلك أو لا ملان سيفي منكم، فداروه وقالوا له: ارجع يرحمك الله فإنك برئ من ذلك، فمشى بنوبن ابيرق إلى رجل من اهلهم يقال له: اسيد بن عروة وكان منطقيا بليغا فمشى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت من أهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق، واتهمهم بما ليس فيهم، فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك وجاء إليه قتادة، فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسرقة، فعاتبه عتابا شديدا، فاغتم قتادة من ذلك، ورجع إلى عمه وقال: ليتني مت ولم أكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كلمني بما كرهته، فقال له عمه: الله المستعان، فأنزل الله في ذلك على نبيه ” إنا أنزلنا إليك الكتاب ” الآيات (1). وفي مجمع البيان: ما يقرب منه، قال: وكان بشر يكنى أبا طعمة، وكان يقول الشعر ويهجوبه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم يقول: قاله فلان (2). ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم: يخونونها، فإن وبال خيانتهم يعود إليها، أو جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلما عليها. إن الله لا يحب من كان خوانا: مبالغا في الخيانة مصرا عليها. أثيما: منهمكا فيه. يستخفون من الناس: يستترون منهم حياء وخوفا. ولا يستخفون من الله: ولا يستحيون منه، وهو أحق بأن يستحى ويخاف منه. وهو معهم: لا يخفى عليه سرهم، فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 150 س 20 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 105 في بيان سبب نزول آية 105 و 106 من سورة النساء. (*)

[ 614 ]

[ هأنتم هؤلاء جدلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا (109) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (110) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما (111) ] إذ يبيتون: يدبرون ويزورون. ما لا يرضى من القول: من رمي الغير، والحلف الكاذب، وشهادة الزور. وفي تفسير على بن إبراهيم: يعني الفعل، فوقع القول مقام الفعل (1). وكان الله بما يعملون محيطا: لا يفوت عنه شئ. هأنتم هؤلاء: مبتدأ وخبر. جدلتم عنهم في الحيوة الدنيا: جملة مبينة لوقوع ” أولاء ” خبرا، أو صلة عند من يجعله موصولا. فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا: محاميا يحميهم من عذاب الله. ومن يعمل سوءا: قبيحا يسوء به غيره. أو يظلم نفسه: بما يختص به ولا يتعداه. وقيل: المراد بالسوء ما دون الشرك، وبالظلم الشرك. وقيل: الصغيرة والكبيرة. ثم يستغفر الله: بالتوبة.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 151 س 18 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء (*)

[ 615 ]

[ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتنا وإثما مبينا (112) ولو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (113) ] يجد الله غفورا: لذنوبه. رحيما: متفضلا عليه، وفيه حث لهم على التوبة. وفي نهج البلاغة: من أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة، ثم تلا الآية (1). ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه: فلا يتعداه وباله. وكان الله عليما حكيما: فهو عالم بفعله، حكيم في مجازاته. ومن يكسب خطيئة: صغيرة أو ما لا عمد فيه. أو إثما: كبيرة، أو ما كان عن عمد. ثم يرم به بريئا: كما رمى بشير لبيدا، ووحد الضمير لمكان (أو). فقد احتمل بهتنا وإثما مبينا: بسبب رمي البرئ، وتنزيه النفس الخاطئة، ولذلك سوى بينهما وإن كان مقترف أحد هما دون مقترف الآخر. وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن عبد الله بن سنان قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد


(1) نهج البلاغة: ص 494 قصارى الحكم (135)، وضبط الآية الشريفة من السيد الرضي (طيب الله رمسه) حيث قال: وتصديق ذلك كتاب الله. (*)

[ 616 ]

ستره الله عليك. فأما إذا قلت ما ليس فيه فذاك قول الله: ” فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ” (1). ولولا فضل الله عليك ورحمته: بإلهام ماهم عليه بالوحي. لهمت طائفة منهم أن يضلوك: عن أن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال. والجملة جواب ” لولا ” وليس المراد نفي همتهم، بل نفي تأثيره فيه. وما يضلون إلا أنفسهم: لانه ما أزالوك عن الحق، وعاد وباله إليهم. وما يضرونك من شئ: فإن الله عاصمك وناصرك ومؤيدك، وما جرى عليك من معاتبة قتادة كان اعتمادا منك على ظاهر الامر. و ” من شئ ” في موضع النصب على المصدر، أي شيئا من الضرر. وأنزل الله عليك الكتب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم: من خفيات الامور وامور الدين والاحكام. وكان فضل الله عليك عظيما: إذ لا فضل أعظم من النبوة. وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن اناسا من رهط بشير الادنين انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا نكلم في صاحبنا برئ، فلما أنزل الله ” يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ” إلى قوله ” وكيلا ” فأقبلت رهط بشير فقال: يا بشير استغفر الله وتب من الذنب، فقال: والذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد، فنزلت: ” ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ” ثم أن بشير كفر ولحق بمكة، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه: ” ولو لا فضل الله عليك ورحمته ” الآية، ونزل في بشير وهو بمكة: ” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 270. (*)

[ 617 ]

مصيرا ” (1) (2). وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن سعيد، عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: في قول الله (تبارك وتعالى): ” إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ” قال: فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح (3). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله)، حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيه يقول (عليه السلام): وقد بين الله قصص المغيرين بقوله ” إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ” بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والانجيل وتحريف الكلم عن مواضعه (4). وفي تفسير العياشي: عن عامر بن كثير السراج، وكان داعية الحسين بن علي (عليه السلام)، عن عطاء الهمداني، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ” إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ” قال: فلان وفلان وفلان وأبو عبيدة ابن الجراح (5). وفي رواية عمر بن أبي سعيد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: هما وأبو عبيدة بن الجراح (6). وفي رواية عمر بن صالح قال: الاول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح (7).


(1) النساء: 115. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 1 في تفسيره لآية 113 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 8 ص 334 ح 525. (4) كتاب الاحتجاج: ص 249 احتجاجه على زنديق جاء مستدلا بآي من القرآن متشابهة، س 13. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 274 ح 267 (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 274 ح 268. (7) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 269. (*)

[ 618 ]

[ * لا خير في كثير من نجوهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115) ] لا خير في كثير من نجوهم: من متناجيهم، أو من تناجيهم. إلا من أمر بصدقة: فهو على التقدير الثاني على حذف مضاف، أي إلا نجوى من أمر، أو على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة، ففي نجواه الخير. أو معروف: المعروف كل ما يستحسنه الشرع، ولا ينكره العقل، ويندرج فيه القرض وإعانة الملهوف، وصدقة التطوع. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله (عز وجل): ” لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف ” قال: يعني بالمعروف، القرض (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبد الله بن سنان وابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا حدثتكم بشئ فاسألوني عن كتاب الله ؟ ثم قال في حديثه: إن الله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال، فقالوا: يابن رسول الله اين هذا من كتاب


(1) الكافي: ج 3 ص 34 كتاب الزكاة، باب القرض ح 3. (*)

[ 619 ]

الله ؟ قال: إن الله (عز وجل) يقول في كتابه: ” لا خير في كثير من نجواهم ” الآية، وقال: ” لا تأتوا السفهاء الموالكم التي جعل الله لكم قياما ” وقال: ” ولا تسألوا عن اشياء إن تبدلكم تسؤكم ” (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله فرض التمحل في القرآن، قلت: وما التمحل جعلت فداك ؟ قال: أن يكون وجهك أعرض عن وجه أبيك فتمحل له، وهو قوله: ” لا خير في كثير من نجواهم “، وحدثني أبي، عن رجاله رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن الله فرض الله عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم ما ملكت أيديكم (2). أو إصلح بين الناس: أي إصلاح ذات بين. في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكلام ثلاثة، صدق وكذب وإصلاح بين الناس. قال: قلت: جعلت فداك ما الاصلاح بين الناس ؟ قال: تسمع من الرجل (3) كلاما يبلغه فيخبث نفسه فتلقاه فتقول:


(1) الكافي: ج 1 ص 60 ح 5. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 15 في تفسيره لآية 124 من سورة النساء. (3) (تسمع من الرجل) كان (من) بمعنى (في) كما في قوله تعالى: ” إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ” أي فيه، وكذا قالوا: في قوله سبحانه: ” فاروني ماذا خلق من الارض ” أي في الارض، ويحتمل أن يكون تقدير الكلام: تسمع من رجل كلاما في حق رجل آخر يذمه به، فيبلغ الرجل الثاني ذلك الكلام فتخبث نفسه عن الاول، أي يتغير عليه ويبغضه، فتلقى الرجل الثاني فتقول: سمعت من الرجل الاول فيك كذا وكذا من مدحه خلاف ما سمعت منه من ذمه. والتكلف فيه من جهة ارجاع ضمير يبلغه إلى الرجل الثاني وهو غير مذكور في الكلام، لكنه معلوم بقرينة المقام. وهذا القول، وإن كان كذبا لغة وعرفا، جائز لقصد الاصلاح بين الناس، وكأنه لا خلاف فيه عند أهل الاسلام، إلى أن قال: ويدل الحديث على أن الكذب شرعا إنما يطلق على ما كان مذموما فغير المذموم قسم ثالث من الكلام يسمى إصلاحا، فهو واسطة بين الصدق والكذب (مرآة العقول: ج 10 ص 334).

[ 620 ]

سمعت من فلان قال فيك من كذا وكذا، خلاف ما سمعت منه (1). وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاثة يحسن فيهن الكذب، المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس (2). ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما: بني الكلام على الامر ورتب الجزاء على الفعل، ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخيرين كان الفاعل ادخل فيهم، فإن العمدة والغرض هو الفعل، واعتبار الامر من حيث إنه وصلة إليه، وقيد الفعل بأن يكون لطلب مرضاة الله، لان الاعمال بالنيات، وأن من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحق به من الله [ أجرا (3) ] ووصف الاجر بالعظيم، تنبيها على حقارة ما فات في جنبه من أغراض الدنيا (4). وقرأ حمزة وابن عمرو ” يؤتيه ” بالياء. ومن يشاقق الرسول: يخالفه، من الشق، فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر. من بعد ما تبين له الهدى: ظهر له الحق. ويتبع غير سبيل المؤمنين: غير ما هم عليه من اعتقاد وعمل. نوله ما تولى: نجعله واليا لمن تولى من الضلال، ونخلي بينه وبين ما اختاره. ونصله جهنم: وندخله فيها. وقرئ بفتح النون من صلى. وساءت مصيرا: جهنم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: إنها نزلت في بشير، كما مر (5).


(1) الكافي: ج 2 ص 341 كتاب الايمان والكفر، باب الكذب، ح 16. (2) الخصال: ص 87 باب الثلاثة قطعة من ح 20. (3) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة – أ واثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق. (4) من كلام البيضاوي: ج 1 ص 243 لا حظ تفسيره لآية 114 من سورة النساء. (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 10. (*)

[ 621 ]

قال البيضاوي: والآية تدل على حرمة مخالفة الاجماع، لانه تعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين: وذلك إما لحرمة كل واحد منهما، أو أحد هما، أو الجمع بينهما، والثاني باطل، إذ يقبح أن يقال: من شرب الخمر وأكل الخنزير استوجب الحد، وكذا الثالث، لان المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما، كان اتباع سبيلهم واجبا، لان ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم (1). وفيه: إنه لا شك في حجية إجماع جميع المسلمين باعتبار دخول المعصوم فيه، ولا يلزم منه حجية الاجماع الذي هو مدعاه فتأمل. وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعي: أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات، فيقول: تعاهدوا الصلاة، إلى أن قال (عليه السلام): يقول الله (عز وجل): ” ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ” من الامانة (2)، فقد خسر من ليس من أهلها، وضل عمله، عرضت على السماوات المبنية، والارض المهاد، والجبال المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم، لو امتنعت من طول أو عرض أو قوة أو عزة امتنعن، ولكن اشفقن من العقوبة (3). والحديث طويل أخذنا من موضع الحاجة. وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): إنه با يعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما با يعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والانصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان


(1) قاله: ج 1 ص 243 عند تفسيره لاية 115 من سورة النساء. (2) (من الامانة) كذا وجدناه من نسخ الكافي، والصواب (ثم الامانة) كما يظهر من بعض خطبه (عليه السلام) في نهج البلاغة، وزاد فيه بعد قوله: ” ولا اعظم ” لفظة (منها) ثم قال: ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عزلا متنعن، وهو الصواب (الوافي ط حجري: ج 2 ابواب الجهاد ص 19). (3) الكافي: ج 5 ص 36 كتاب الجهاد باب ماكان يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) به عند القتال، قطعة من ح 1. (*)

[ 622 ]

[ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضللا بعيدا (116) ] ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه ما تولى (1). وفي تفسير العياشي: عن حريز، عن بعض أصحابنا، عن أحد هما (عليها السلام) قال: لما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماما يؤمنا في شهر رمضان، فقال: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه، فلما أمسوا، جعلوا يقولون: ابكوا في رمضان، وارمضاناه، فأتاه الحارث الاعور في اناس فقال: يا أمير المؤمنين ضج الناس وكرهوا قولك، فقال عند ذلك: دعهم وما يريدون، ليصلي بهم من شاؤوا، ثم قال: ” فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ” (2). عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن رجل من الانصار قال: خرجت أنا والاشعث الكندي وجرير البجلي حتى إذا كنا بظهر الكوفة بالفرس مربنا ضب، فقال الاشعث وجرير: السلام عليك يا أمير المؤمنين، خلافا على علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلما خرج الانصاري قال لعلي (عليه السلام): فقال علي: دعهما، ” فهو (إمامهما) (3) يوم القيامة، أما تسمع إلى الله وهو يقول: ” نوله ما تولى ” (4). إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء: تكريره (5)


(1) نهج البلاغة: ص 366 باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين ورسائله (6) ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية صبحي الصالح. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 272. (3) في النسخة – أ: (فهو لما فيهما) والظاهر أنه تصحيف من الناسخ والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 273. (5) ذكر سابقا في آية 48 من سورة النساء. (*)

[ 623 ]

إما للتأكيد، أو لقصة بشير. وقيل: جاء شيخ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: إني شيخ منهمك في المعاصي، إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته، وآمنت به، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم اوقع المعاصي جرأة، وما تو همت طرفة عين أني أعجز الله هربا، وأني لنادم تائب، فما ترى حالي ؟ فنزلت. ومن يشرك بالله فقد ضل ضللا بعيدا: عن الحق، فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة. وإنما ذكر في الآية الاولى ” فقد افترى ” لانها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى التبني على الله تعالى وتقدس (1). وفي شرح الآيات الباهرة: روي بحذف الاسناد مرفوعا، عن مولى علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن جده أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال: المؤمن على أي حال مات، وفي أي ساعة قبض فهو شهيد، ولقد سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الارض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب، ثم قال (عليه السلام): من قال لا إله إلا الله بالاخلاص فهو برئ من الشرك، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ثم تلا هذه الآية: ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” وهم شيعتك ومحبوك يا علي، فقلت: يا رسول الله هذا لشيعتي ؟ قال: اي وربي، لشيعتك ومحبيك خاصة، وإنهم ليخرجون من قبورهم وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، فيؤتون بحلل خضر من الجنة، وأكا ليل من الجنة وتيجان من الجنة، ويلبس كل واحد منهم حلة خضراء وتاج الملك وإكليل الكرامة ويركبون النجائب، فيطير بهم إلى الجنة لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (2).


(1) من قوله (وقيل: جاء) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 244، لا حظ تفسيره لايه 116 من سورة النساء. (2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الايات الظاهرة: ص 157. (*)

[ 624 ]

[ * إن يدعون من دونه إلآ إنثا وإن يدعون إلا شيطنا مريدا (117) لعنه الله وقال لا تخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ] وفي هذا المعنى ما ذكره الشيخ في أماليه: بإسناده عن محمد بن عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الموت كفارة لذنوب المؤمنين (1). إن يدعون من دونه إلآ إنثا: يعني اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى، وأساف ونائلة، كان لكل حي صنم يعبدونه، ويسمونه انثى بني فلان، وذلك إما لتأنيث اسمائها، أو لانها كانت جمادات، والجمادات تؤنث من حيث أنها ضاهت الاناث، لانفعالها. قيل: ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم، تنبيها على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثا، لانه ينفعل ولا يفعل ومن حق المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل، ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم. وقيل: المراد الملائكة لقولهم: الملائكة بنات الله (2). وهو جمع انثى كرباب وربى، وقرئ (انثى) على التوحيد، و (انثا) على أنه جمع انيث كخبث وخبيث، و (وثنا) بالتخفيف والتثقيل، وهو جمع وثن كأسد واسد، و (أثنا) بهما على قلب الواو لضمتها همزة. وفي مجمع البيان: عن تفسير أبي حمزة الثمالي قال: كان في كل واحدة منهن شيطانه انثى تترايا للسدنة وتكلمهم، وذلك من صنع إبليس، وهو الشيطان الذي


(1) كتاب الامالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 109، س 3. (2) الاقوال من البيضاوي: ج 1 ص 244، لا حظ تفسيره لآية 117 من سورة النساء. (*)

[ 625 ]

ذكره الله والعنه (1). وإن يدعون: وإن يعبدون بعبادتها. إلا شيطنا مريدا: لانه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها، فكان طاعته في ذلك عبادة له. والمارد والمريد الذي لا يعلق بخير، وأصل التركيب للملا بسة، ومنه ” صرح ممرد ” (2) وغلام أمرد وشجرة مرداء الذي تناثر ورقها. وفي تفسير العياشي: عن محمد بن إسماعيل الرازي، عن رجل سماه، عن أبي عبد الله قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه فقال: مه، هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين (عليه السلام)، سماه ولم يسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحا وإن لم يكن ابتلى به، وهو قول الله في كتابه: ” أن يدعون من دونه إلا إناثا وأن يدعون إلا شيطانا مريدا ” قال: قلت: فماذا يدعى به قائمكم ؟ فقال: السلام عليك يابن رسول الله (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ” أن يدعون من دونه إلا إناثا ” قال: قالت قريش: الملائكة هم بنات الله ” وان يدعون إلا شيطانا مريدا ” قال: كانوا يعبدون الجن (4). لعنه الله: صفة ثانية للشيطان. وقال لا تخذن من عبادك نصيبا مفروضا: عطف عليه، أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله، وهذا القول الدال على فرط عداوته للناس. والمفروض، المقطوع، أي نصيبا قدر لي وفرض، من قولهم: فرض له في العطاء. في مجمع البيان: عن تفسير الثمالي، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 112 في نقله المعنى لآية 117 من سورة النساء. (2) النمل: 44. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 276 ح 274. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 21 في تفسيره لآية 117 من سورة النساء. (*)

[ 626 ]

[ ولا ضلنهم ولا منينهم ولا مرنهم فليبتكن ءاذان الانعم والامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطن وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119) ] هذه الآية، من بني آدم تسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة (1). وفي رواية اخرى: من كل ألف واحد لله وسائرهم للنار ولابليس (2). قيل: وقد برهن سبحانه أولا على أن الشرك ضلال في الغاية على سبيل التعليل، أن مايشركون به ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا، وذلك ينافي في الالوهية غاية المنافاة، فإن الاله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل. ثم استدل عليه بأنه عبادة الشيطان، وهي أفظع الضلال، لثلاثة أوجه، الاول: إنه مريد منهمك في الضلال لا يعلق بشئ من الخير والهدى، فيكون طاعته ضلالا بعيدا من الهدى، والثاني: أنه ملعون لضلاله، فلا يستجلب مطاوعته سوى الضلال واللعن، والثالث: أنه في غاية العداوة والسعي في إهلا كهم وموالاة من هذا شأنه غاية الضلالة، فضلا عن عبادته (3). ولا ضلنهم: عن الحق. ولا منينهم: الاماني الباطلة، كطول العمر، وأن لا بعث ولا عقاب. في أمالي الصدوق: جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية ” والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ” صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا:


(1 و 2) مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 117 من سورة النساء نقلا عن تفسير أبي حمزة الثمالي. (3) نقله البيضاوي: ج 1 ص 244 في تفسيره لآية 117 من سورة النساء. (*)

[ 627 ]

يا سيدنا لم دعوتنا ؟ قال: نزلت هذه فمن لها ؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخناس: أنا لها، قال: بماذا ؟ قال: أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة امنيهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة (1). ولامرنهم فليبتكن ء اذان الانعم: قيل: سيشققونها إذا ولدت خمسة أبطن والخامس ذكر، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها. وفي مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام) ليقطعن الآذان من أصلها (2). ولامرنهم فليغيرن خلق الله: في مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام) يريد دين الله وأمره (3). وفيه: ويؤيده قوله سبحانه: ” فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ” (4)، ويندرج فيه كل تغيير بخلق الله عن وجهه صورة أو صفة من دون إذن من الله كفقئهم عين الفحل الذي طال مكثه عندهم وإعفائه عن الركوب، وخصاء العبيد، وكل مثلة. ولا ينافيه التفسير بالدين والامر، بأن ذلك كله داخل فيهما. ومن يتخذ الشيطن وليا من دون الله: بأن يؤثر طاعته على طاعة الله (عز وجل)، أو يشركه معه في الطاعة. فقد خسر خسرانا مبينا: رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار.


(1) لم أظفر عليه في الامالي ورواه في الصافي: ج 1 ص 464 نقلا عن الامالي في تفسيره لآية 120 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 119 من سورة النساء ” فليبتكن اذان الانعام “. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 119 من سورة النساء: ” ولامرنهم فليغيرن خلق الله “. (4) الروم: 30. (*)

[ 628 ]

[ يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطن إلا غرورا (120) أولئك مأوهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين ءامنوا وعملوا الصلحت سند خلهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) ليس بأمانيكم ولآ أمانى أهل الكتب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (123) ] يعدهم: ما لا ينجز. ويمنيهم: ما لا ينالون. وما يعدهم الشيطن إلا غرورا: وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر. وهذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة، أو بلسان أوليائه. وفي تفسير العياشي: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث طويل يذكر فيه ما أكرم الله به آدم (عليه السلام)، وفي آخره فقال إبليس: رب هذا الذي كرمت علي وفضلته، وإن لم تفضلني عليه لم أقو عليه، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك ولدان، قال: رب زدني ؟ قال: تجري منه مجرى الدم في العروق، وقال: رب زدني ؟ قال: تتخذ أنت وذريتك في صدورهم مساكن، قال: رب زدني ؟ قال: تعدهم وتمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (1). أولئك مأوهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا: معدلا ومهربا، من حاص يحيص إذا عدل، و ” عنها ” حال منه أي من المحيص، وليس صلة له لانه اسم


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 276 قطعة من ح 277. (*)

[ 629 ]

مكان، وإن جعل مصدرا فلا يعمل أيضا فيما قبله. والذين ءامنوا وعملوا الصلحت سند خلهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا: أي وعده وعدا، وحق ذلك حقا، فالاول مؤكد لنفسه، لانه مضمون الجملة الاسمية التي قبلها، والثاني مؤكد لغيره. ويجوز أن ينتصب الموصول بفعل يفسره ما بعده. و (وعد الله) بقوله: ” سندخلهم ” لانه بمعنى نعدهم ادخالهم، و ” حقا ” على أنه حال من المصدر. ومن أصدق من الله قليلا: جملة مؤكدة بليغة. والمقصود من الآية، معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه، وعد الله الصادق لاوليائه، أو المبالغة في توكيده ترغيبا للعبادة في تحصيله. ليس بأمانيكم ولآ أمانى أهل الكتب: في تفسير علي بن إبراهيم: ليس ما تمنون أنتم ولا أهل الكتاب، أي أن لا تعذبون بأفعالكم (1). قيل: روي أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة، فنزلت (2). وقل: الخطاب مع المشركين (3). ويدل عليه تقدم ذكرهم، أي ليس الامر بأماني المشركين، وهو قولهم: لا جنة ولا نار، وقولهم: إن كان الامر كما يزعم هؤلاء، لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا. ولا أماني أهل الكتاب وهو قولهم: ” لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ” (4) وقولهم: ” لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ” (5). من يعمل سوءا يجز به: عاجلا أو آجلا.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 4. (2 و 3) نقلهما البيضاوي: ج 1 ص 245 في تفسيره لآية 123 من سورة النساء. (4) البقرة: 111. (5) البقرة: 80 (*)

[ 630 ]

وفي عيون الاخبار: في باب قول الرضا (عليه السلام) لاخيه زيد بن موسى (1) حين افتخر على من في ملجسه، بإسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يحدث عن أبيه أن إسماعيل (2) قال للصادق (عليه السلام): يا أبتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا ؟ فقال (عليه السلام): ” ليس بأمانكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ” (3). وفي مجمع البيان: عن أبي هريرة (4) قال: لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا


(1) زيد هذا المعروف ب‍ (زيد النار) خرج بالمدينة فأحرق وقتل ثم مضى إلى البصرة سنة ست وتسعين ومائة وقيل: إنه بعث إليه المأمون فاسر وحمل إليه فقال له: يا زيد خرجت بالبصرة وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من امية وثقيف وغنى وباهلة وآل زياد وقصدت دور بني عمك ؟ فقال وكان مزاحا: أخطأت يا أمير المؤمنين من كل جهة، وإن عدت للخروج بدأت بأعدائنا فضحك المأمون وبعثه إلى أخيه الرضا، وقال: قد وهبت لك جرمه، فاحسن أدبه فلما جاؤوا به عنفه وخلى سبيله، وحلف أن لا يكلمه أبدا ما عاش (تلخيص من تنقيح المقال: ج 1 ص 471 تحت رقم 4455). (2) عن أعلام الورى: أن إسماعيل كان أكبر إخوته وكان أبوه الصادق (عليه السلام) شديد المحبة له والبربه، وقد كان يظن قوم من الشيعة في حياة الصادق (عليه السلام) أنه القائم بعده والخليفة له من بعده إذ كان أكبر إخوته ولميل أبيه إليه وإكرامه له، فمات في حياة أبيه الصادق (عليه السلام) بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع، ولما مات إسماعيل انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظن ذلك، وأقام على حياته طائفة لم تكن من خواص أبيه، بل كانت من الا باعد، فلما مات الصادق (عليه السلام) انتقل جماعة إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، وافترق الباقون منهم فرقتين، فرقة منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل، لظنهم أن الامامة كانت في أبيه، وأن الابن أحق بمقام الامامة من الاخ، وفريق منه تثبتوا على حياة إسماعيل، وهم اليوم شذاذ، وهذان الفريقان يسميان الاسماعيلية، انتهى (تلخيص من تنقيح المقال: ج 1 ص 131 تحت رقم 794). (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 234 باب 58 قول الرضا (عليه السلام) لاخيه زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه، ح 5. (4) لم يختلف الناس في اسم أحد في الجاهلية والاسلام، مثل ما اختلفوا في اسم (أبي هريرة). فلا يعرف على التحقيق اسمه الذي سماه به أهله ليدعي به بين الناس، لا حظ كتب الرجال: كا لاصابة والاستيعاب وكتاب شيخ المضيرة (أبو هريرة) تأليف محمود أبو رية. (*)

[ 631 ]

[ ومن يعمل من الصلحت من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124) ] وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شئ، فقال: أما والذي نفسي بيده، إنها لكما انزلت، ولكن ابشروا وقاربوا وسددوا، إنه لا يصيب أحد منكم مصيبة إلا كفر الله بها خطيئته، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه (1). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): لما نزلت هذه الآية: ” من يعمل سوء يجز به ” قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أشدها من آية ؟ ! فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم ؟ قالوا: بلى، قال: هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحوا به السيئات (2). وفي الكافي: عنه (عليه السلام): إن الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك به، شدد عليه الموت ليكافيه بذل الذنب، الحديث (3). ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا: أي وليا يواليه ونصيرا ينصره في دفع العذاب عنه. ومن يعمل من الصلحت: بعضها وشيئا منها، فإن كل أحد لا يتمكن من كلها. من ذكر أو أنثى: في موضع الحال من المستكن في ” من يعمل ” و ” من ” للبيان، أو ” من الصالحات ” أي كائنة من ذكر وانثى، و ” من للابتداء.


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 115 في بيان المعنى لآية 123 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 277 ح 278. (3) الكافي: ج 2 ص 444 ح 1. (*)

[ 632 ]

[ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبرهيم حنيفا واتخذ الله إبرهيم خليلا (125) ] وهو مؤمن: حال شرط اقتران العمل بها، في استدعاء الثواب المذكور، تنبيها على أنه لا اعتداد به دونه. فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا: بنقص شئ من الثواب. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر ” يدخلون الجنة ” هنا وفي مريم (وغافر) (1) بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء. ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه الله: أخلص نفسه لله، لا يعرف لها ربا سواه. وقيل: بذل وجهه له في السجود. وفي الاستفهام تنبيه على أن ذلك ما يبلغه القوة البشرية. وهو محسن: آت بالحسنات تارك للسيئات. وفي مجمع البيان: وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الاحسان ؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ؟. واتبع ملة إبرهيم: الموافقة لدين الاسلام، المتفق على صحتها، يعني اقتد بدينه وسيرته وطريقته. حنيفا: مائلا عن سائر الاديان، وهو حال من المتبع، أو من الملة، أو إبراهيم. وفي تفسير علي بن إبراهيم، قال: هي العشرة التي جاء بها إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة (3).


(1) في النسخة – أ: (وابن عامر) والظاهر أنه تصحيف والصحيح ما أثبتناه. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 116 في نقل المعنى لآية 125 من سورة النساء. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 6 في تفسيره لآية 25 من سورة النساء. (*)

[ 633 ]

واتخذ الله إبرهيم خليلا: اصطفاه وخصصه بكرامة الخلة. وإنما ذكره ولم يضمر، تفخيما له، وتنصيصا على أنه الممدوح. قيل: والخلة، إما من الخلال، فإنه ود يخلل النفس ويخالطها، أو من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر، أو من الخل وهو الطريق في الرمل، فإنهما يتوافقان الطريقة، أو من الخلة بمعنى الخصلة، فإنهما يتوافقان في الخصال. والجملة استئناف جئ بها للترغيب في اتباع ملته، والايذان بأنه نهاية في الحسن وغاية في كمال البشر (1). في روضة الكافي: أبان بن عثمان، عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة، فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضا يقطر رأسه ماء ودهنا، فدخل إبراهيم (عليه السلام) الدار فاستقبله خارجا من الدار، وكان إبراهيم (عليه السلام) رجلا غيورا، وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه، ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال، فأخذ بيده وقال: يا عبد الله من أدخلك داري ؟ فقال: ربها أدخلنيها، فقال: ربها أحق بها مني ؟ فمن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت، ففزع إبراهيم (عليه السلام) وقال. جئتني لتسلبني روحي ؟ قال: لا، ولا كن اتخذ الله عبدا خليلا، فجئت لبشارته، قال: فمن هو لعلي أخدمه حتى أموت ؟ قال: أنت هو، فدخل على سارة، فقال لها: أن الله (تبارك وتعالى) اتخذني خليلا (2). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يقول فيه (عليه السلام): قولنا: إن إبراهيم خليل الله، فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة (3)، والخلة إنما معناها الفقر والفاقة، فقد كان


(1) الوجوه المحتملة من البيضاوي: ج 1 ص 246 لا حظ تفسيره لآية 125 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 8 ص 392 ح 589. (3) قوله: (من الخلة أو الخلة) الاولى بالفتح وهي بمعنى الفقر والحاجة، والثانية بالضم وهي بمعنى غاية الصداقة والمحبة، اشتق من الخلال، لان المحبة تخللت قلبه، فصارت خلاله، أي في باطنه، وقد ذكر (*)

[ 634 ]

خليلا إلى ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك أنه لما اريد قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق، فبعث الله إلى جبرئيل، فقال له: ادرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدالك، فقد بعثني الله لنصرتك، فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره، ولا حاجة لي إلا إليه، فسماه خليله، أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه، قال: فإذا جعل معنى ذلك من الخلة، وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره، كان معناه العالم به وباموره، ولا يوجب ذلك تسبيه الله بخلفه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله (1). وفي عيون الاخبار: في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل إلى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لانه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله (2). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى ابن أبي عمير، عمن ذكره قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): اتخذ الله (عز وجل) خليلا قال: لكثرة سجوده على الارض (3).


اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة بالفتح أو الضم (البحار ط بيروت: ج 9 ص 267). (1) الاحتجاج: ص 24 فصل في ذكر طرف مما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجدال والمحاربة والمناظرة وما يجري مجرى ذلك مع من خالف الاسلام وغيرهم س 15 وصدره (فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله ؟ قال: قد قلنا ذلك، قال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهما لن يشتبها، لان قولنا أن إبراهيم خليل الله فإنما الخ). ورواه في البحار ط بيروت: ج 9 ص 260. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 79 باب 32 في ذكر ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل ح 4. (3) علل الشرائع: ج 1 ص 33 باب 32 العلة التي من أجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 2. (*)

[ 635 ]

وبإسناده إلى سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت علي بن محمد العسكري (عليه السلام) يقول: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا، لكثرة صلاته على محمد وأهل بيته (صلوات الله عليهم) (1). وبإسناده إلى جابر بن عبد الله الانصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما اتخذ الله إبراهيم خليلا إلا لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام (2). وبإسناده إلى عبد الله بن الهلال إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما جاء المرسلون إلى إبراهيم (عليه السلام)، جاءهم بالعجل فقال: كلوا فقالوا: لا نأكل حتى تخبرنا ما ثمنه ؟ فقال: إذا أكلتم فقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا: الحمد لله، فقال: فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة جبرئيل رئيسهم، فقال: حق لله أن يتخذ هذا خليلا (3). وفي الكافي: علي بن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن معاوية بن عمار، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن إبراهيم كان أبا أضياف، فكان إذا لم يكونوا عندهم خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح ويطلب الاضياف، وإنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال: يا عبد الله بإذن من دخلت هذه الدار ؟ قال: دخلتها بإذن ربها، يردد ذلك ثلاث مرات، فعرف إبراهيم أنه جبرئيل (عليه السلام)، فحمد الله ثم قال: أرسلني ربي إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا، قال إبراهيم (عليه السلام) فعلمني من هو أخدمه حتى أموت ؟ قال: فأنت، قال: ومم ذلك ؟ قال: لانك لم تسأل أحدا شيئا قط، ولم تسأل شيئا قط فقلت: لا (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن


(1 و 2) علل الشرائع: ج 1 ص 33 باب 32 العلة التي من اجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 3 و 4. (3) علل الشرائع: ج 1 ص 34 باب 32 العلة التي من أجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 6 (4) الكافي: ج 4 ص 40 كتاب الزكاة، باب معرفة الجود والسخاء ح 6. (*)

[ 636 ]

صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه السلام): أن إبراهيم أول من حول له الرمل دقيقا، وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام، فلم يجده في منزله، فكره أن يرجع بالحمار خاليا فملا جرابه رملا، فلما دخل بمنزله خلى بين الحمار وبين سارة استحياء منها ودخل البيت ونام، ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا، فقال إبراهيم: من أين لك هذا ؟ فقالت: من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم (عليه السلام): أما أنه خليلي وليس بمصري، فلذلك اعطي الخلة، فشكر الله وحمده فأكل (1). وفي اصول الكافي: محمد بن الحسن، عمن ذكره، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله (تبارك وتعالى) اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا (2) وإن الله اتخذه نبيا قبل


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 7 في تفسيره لآية 125 من سورة النساء. (2) قوله: (إن الله اتخذ إبراهيم عبدا) إلخ قبلية العبودية على النبوة والنبوة على الرسالة ظاهرة، فإن الرسالة أرفع درجة من النبوة أرفع درجة من العبودية، فإن أكثر الناس لهم درجة العبودية، وليست لهم درجة النبوة. وأما قبلية الرسالة على الخلة والخلة على الامامة فالوجه فيها أن الخلة هي فراغ القلب عن جميع ما سواه والخليل من لا يتسع القلب لغيره، وقد كان إبراهيم بهذه الصفة، كما يرشد إليه قوله: – حين قال له جبرئيل: ألك حاجة وقد رمي بالمنجنيق – أما إليك فلا، فنفى (عليه السلام) في تلك الحالة العظيمة أن يكون له حاجة إلى غير الله تعالى، ولا شبهة في أن هذه الدرجة فوق درجة الرسالة، إذ كل رسول لا يلزم أن تكون له هذه الدرجة. وأما الامامة فهي أفضل من الخلة، لانها فضيلة شريفة ودرجة رفيعة، وأجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها البشر بعقولهم، وقد شرف الله تعالى إبراهيم (عليه السلام) بها فقال: ” أني جاعلك للناس إماما ” بعد ما أعطاه الدرجات السابقة، فمن جهة عظم الامامة في عينه (عليه السلام) قال سرورا بها ” ومن ذريتي ” فقال الله تعالى إيماء إلى إجابة دعائه، وتصريحا بأن الظالم في الجملة لا ينالها: ” لا ينال عهدي الظالمين ” فأبطلت هذه الآية إمامة كل سفيه وتقدم كل ظالم على البر التقي إلى يوم القيامة، وقررتها في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة فقال: ” ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ” فلم تزل الامامة والخلافة في ذريته الطاهرة يرثها بعض عن بعض قرنا بعد قرن حتى ورثها الله تعالى نبينا (صلى الله عليه وآله (*)

[ 637 ]

أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، (1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل في مكالمة له بينه وبين اليهودي، وفيه قالوا: إبراهيم خير منك، قال: ولم ذلك ؟ قالوا: لان الله اتخذه خليلا، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كان إبراهيم (عليه السلام) خليلا، فأنا حبيبه محمد (2). وفي مجمع البيان: وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قد اتخذ الله صاحبكم خليلا، يعني نفسه (3). وفي بعض الروايات: أن الملائكة قال بعضهم لبعض: اتخذ ربنا من نطفة خليلا، وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا، فأوحى الله إلى الملائكة: اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم، فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل، فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه، وكان لابراهيم أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن من من ذهب أحمر، وأربعون ألف غنمة حلابة، وما شاء الله من الخيل والجمال، فوقف الملكان في طرفي الجمع، فقال أحد هما بلذاذة صوت: سبوح


وسلم) فقال: ” أن اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذاالنبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” فكانت لهم خاصة فقلدها (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) بأمر الله تعالى فصارت في ذريته الاصفياء الاتقياء البررة الكرماء الذين هم اولوا الامر كما قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم ” ثم طائفة من الصوص المتغلبة الذين نشأت عقولهم وعظامهم ولحومهم في غبادة الاوثان، وغصبوها من أهل الصفوة فضلوا وأضلوا كثيرا (شرح اصول الكافي للمولى المازندراني: ج 137 5). (1) الكافي: ج 175 كتاب الحجة، باب طبقات الانبياء والرسل والائمة (عليهم السلام)، ح 2 وتمام الحديث (فلما جمع له الاشياء قال (أني جاعلك للناس إماما) قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ” ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين ” قال: لا يكون السفيه إمام التقي). (2) الاحتجاج: ج 1 ص 49 احتجاجه (صلى الله عليه وآله وسلم) على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك س 6. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 117 س 4 في تفسيره لآية 125 من سورة النساء. (*)

[ 638 ]

[ ولله ما في السموت وما في الارض وكان الله بكل شئ محيطا (126) ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتب في يتمى النساء الاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدن وأن تقوموا لليتمى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما (127) ] قدوس، فجاوبه الثاني: رب الملائكة والروح، فقال: أعيداهما ولكما نصف مالي، ثم قال: أعبداهما ولكما مالي وولدي وجسدي، فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم، هذا هو المكرم، فسمعوا مناديا من العرش يقول: الخليل موافق الخيله (1). ولله ما في السموت وما في الارض: خلقا وملكا يختارمنها ما يشاء ومن يشاء. وقيل: هو متصل بذكر الاعمال مقرر لوجوب طاعته على أهل السماوات والارض وكمال قدرته على مجازاتهم على الاعمال (2). وكان الله بكل شئ محيطا: علما وقدرة، فكان عالما بأعمالهم الخير والشر قادرا على جزائهم فيجازيهم عليهما ما وعد وأوعد. ويستفتونك: ويسألونك الفتوى، أي تبيين الحكم. في النساء: في ميراثهن. قيل: إن سبب نزوله أن عيينة بن الحصين أتى النبي (صلى الله عليه وآله


(1) لم نعثر عليه في كتب الاحاديث من الخاصة والعامة، ورواه في تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي ط بيروت: ج 2 ص 293 في تفسيره للآية الشريفة. (2) نقله البيضاوي: ج 1 ص 246 في تفسيره لآية 126 من سورة النساء. (*)

[ 639 ]

وسلم) فقال: اخبرنا أنك تعطي الابنة النصف، والاخت النصف، إنما تورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة ؟ ! فقال (عليه السلام): كذلك امرت (1). في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله ” يستفتونك في النساء ” فإن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن النساء وما لهن من الميراث، فأنزل الله الربع والثمن (2). قل الله يفتيكم فيهن: يبين لكم حكمه فيهن، والافتاء تبيين المبهم. وما يتلى عليكم في الكتب: عطف على اسم ” الله ” أو ضميره المستكن في ” يفتيكم ” وجاز للفصل، فيكون الافتاء مسندا إلى الله، وإلى ما في القرآن من نحو قوله: ” يوصيكم الله ” (3) والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين، ونظيره: أغناني زيد وعطاءه. أو استئناف معرض لتعظيم المتلو عليهم، على أن ” ما يتلى عليكم ” مبتدأ، و ” في الكتاب ” خبره. والمراد به اللوح المحفوظ. ويجوز أن ينتصب على معنى، ويبين لكم ما يتلى عليكم في الكتاب. أو يخفض على القسم، كأنه قيل: وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. ولا يجوز عطفه على المجرور في ” فيهن ” لاختلاله لفظا ومعنى. في يتمى النساء: صلة ” يتلى ” إن عطف الموصول على ما قبله، أي يتلى عليكم في شأنهن، وإلا فبدل من ” فيهن ” أو صلة اخرى ب‍ ” يفتيكم ” على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما تقول: كلمتك اليوم في زيد. وهذه الاضافة بمعنى (من) لانها إضافة الشئ إلى جنسه. وقرئ ” ييامى ” على أنه أيامى فقلبت همزته ياء. التى لا تؤتو نهن: لا تعطونهن. ما كتب لهن: ما فرض لهن من الميراث.


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 347 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 22 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (3) النساء: 11. (*)

[ 640 ]

في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة ويقولون: لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم، فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة، وهو معنى قوله: ” لا تؤتونهن ما كتب لهن ” (1) وفي تفسير علي بن إبراهيم زيادة، وهي قوله: وكانوا يرون ذلك حسنا في دينهم، فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك شديدا، فقالوا انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنذكر ذلك لعله يدعه أو يغيره، فأتوه فقالوا: يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها، ويعطي الصبي الصغير الميراث، وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بذلك امرت (2). وترغبون أن تنكحوهن: قيل: في أن تنكحوهن، أو عن تنكحوهن، فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون ما لهن، وإلا كانوا يعضلوهن طمعا في ميراثهن (3). وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة وساقطة، يعني حمقاء، فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها، فينكحها غيره من أجل مالها، ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها، فنهى الله عن ذلك (4). والواو يحتمل الحال على تقدير مبتدأ، والعطف. والمستضعفين: عطف على يتامى النساء. من الولدن: في موضع الحال من المستضعفين، أو ضميره، ويحتمل الصفة. والعرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر. وأن تقوموا لليتمى بالقسط: عطف على يتامى النساء، أو المستضعفين، أي ويفتيكم، أو ما يتلى عليكم في أن تقوموا. هذا إذا جعلت في يتامى صلة


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 118 في نقل المعنى لاية 127 من سورة النساء. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 6 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (3) قاله البيضاوي: ج 1 ص 247 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 3 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (*)

[ 641 ]

وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الانفس الشح وأن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (128) ولن تستطيعوا أن تعد لوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129) ] لاحد هما، وإن جعلته بدلا فالوجه نصبهما، عطفا على موضع ” فيهن “. وقيل: ويجوز أن ينتصب ” وأن تقوموا ” بإظهار فعل، أي ويأمركم أن تقوموا. وما تفعلوا من خير: في أمر النساء واليتامى وغير ذلك. فإن الله كان به عليما: وعد لمن آثر الخير في ذلك. وإن امرأة خافت من بعلها: توقعت منه لما ظهر لها من المخايل. و ” امرأة ” فاعل فعل يفسر الظاهر. نشوزا: تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها وكراهة لها، ومنعا لحقوقها. أو إعراضا: بأن يقل مجالستها ومحادثتها. فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا: أن يتصالحا، بأن تحط له بعض المهر، أو القسم أو تهب له شيئا تستميله به. في تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في ابنة محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن خديج، وكانت امرأة قد دخلت في السن، فتزوج امرأة شابة كانت أعجب إليه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت: له بنت محمد بن مسلمة: ألا أراك معرضا عني مؤثرا علي ؟ فقال رافع: هي امرأة شابة، وهي أعجب إلي منك، فإن شئت أقررت لها


[ 642 ]

على أن لها يومين، أو ثلاثة مني، ولك يوم واحد فأبت ابنة محمد بن مسلمة ان ترضاها، فطلقها تطليقة واحدة، ثم طلقها اخرى، فقالت: لا والله لا أرضى أو تسوي بيني وبينها، يقول الله ” واحضرت الانفس الشح ” وابنة محمد لم تطلب نفسها بنصيبها وشحت عليه، فعرض عليها رافع، إما أن ترضى وإما أن يطلقها الثالثة، فشحت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكر، فقال الله (عز وجل) ” فلا جناح أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ” فلما رضيت واستقرت لم يستطع أن يعدل بينهما، فنزلت ” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ” أن تأتي الواحدة وتذر الاخرى، لا أيم ولا ذات بعل (1). وفي تفسير العياشي: عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله: ” وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ” قال: النشوز الرجل يهم بطلاق امرأته، فتقول له: أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا وأحللك من يومي وليلي على ما اصطلحا عليه، فهو جائز (2). وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي ابن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ” فقال: إذا كان كذلك فهم بطلاقها، فقالت له: امسكني وأدع لك بعض ما عليك وأحللك من يومي وليلتي، حل له ذلك ولا جناح عليهما (3). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (تبارك وتعالى): ” وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ” فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها، فيقول لها: إني اريد أن اطلقك، فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تسمت بي،


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 14 في تفسيره لاية 128 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 278 ح 281. (3) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 1. (*)

[ 643 ]

ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك ودعني على حالتي وهو قوله (تبارك وتعالى): ” فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ” وهو هذا الصلح (1). حميد بن زياد، عن ابن سماعة، وعن الحسين بن هاشم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قوله الله (جل اسمه): ” وإنامرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ” قال: هذا يكون عنده المرأة لا تعجبه، فيريد طلاقها، فتقول: له: امسكني ولا تطلقني، وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحللك من يومي وليلتي، فقد طاب ذلك كله (2). والصلح خير: من الفرقة وسوء العشرة، أو من الخصومة. ويجوز أن يكون المراد أنه من الخيور، كما أن الخصومة من الشرور، وهو اعتراض، وكذا قوله. وأحضرت الانفس الشح: ولذلك اغتفر عدم تجانسهما. والاول للترغيب في المصالحة، والثاني لتمهيد العذر في المماكسة. ومعنى إحضار الانفس الشح، جعلها حاضرة له مطوعة عليه، فلا تكاد المرأة تسمح بالاعراض عنها والتقصير في حقها، ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: ” واحضرت الانفس الشح ” فمنها من اختارته ومنها من لم يختره (3). وإن تحسنوا: في العشرة. وتتقوا: النشوز والاعراض ونقص الحق. فإن الله كان بما تعملون: من الاحسان والخصومة. خبيرا: عالما به وبالغرض منه، فيجازيكم عليه. أقام كونه عالما بأعمالهم،


(1) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 2. (2) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 3. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 155 س 9 في تفسيره لآية 128 من سورة النساء. (*)

[ 644 ]

مقام مجازاته لهم الذي هو في الحقيقة جواب الشرط، إقامة السبب مقام المسبب. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء: أن تسووا بينهن في المحبة والموادة بالقلب، لان العدل أن لا يقع ميل البتة، وهو متعذر، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: هذه قسمتي فيما أملك، فلان تأخذني فيما تملك ولا أملك، على ما نقل (1). وفي تفسير العياش: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يعني في المودة (2). وكذا في تفسير علي بن إبراهيم، عنه (عليه السلام) (3). وفي مجمع البيان: عن الصادق والباقر (عليهما السلام): إن معناه التسوية في كل الامور من جميع الوجوه، من النفقة والكسوة والعطية والمسكن والصحبة والبشر وغير ذلك (4). والمراد به أن ذلك لا يخفف عليكم، بل يثقل ويشق، لميلكم إلى بعضهن. ولو حرصتم: على تحري ذلك وبالغتم. فلا تميلوا كل الميل: بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها، فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله (5). فتذورها كالمعلقة: التي ليست ذات بعل ولا مطلقة. في مجمع البيان: عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقسم بين نسائه في مرضه، فيطاف به بينهن (6).


(1) نقله في مجمع البيان: ج 3 ص 120 في تفسيره لاية 129 من سورة النساء نقلا عن أبي قلابة، ورواه البيضاوي: ج 1 ص 248 في تفسيره للآية الشريفة أيضا. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 279 ح 285. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 155 س 17 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (4) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (5) عوالي اللآلئ: ج 4 ص 58 ح 207. (6) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (*)

[ 645 ]

[ وإن يتفرقا يغن الله كلامن سعته وكان الله وسعا حكيما (130) والله ما في السموت وما في الارض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموت وما في الارض وكان الله غنيا حميدا (131) ] قال: وروي أن عليا (عليه السلام كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى (1). وإن تصلحوا: ما كنتم تفسدون من امورهن. وتتقوا: فيما يستقبل. فإن الله كان غفورا رحيما: يغفر لكم ما مضى من ميلكم. وإن يتفرقا: وقرئ ” وان يتفارقا ” أي وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه. يغن الله كلا: من الآخر ببدل أو متعلق. من سعته: من غناه وقدرته. وكان الله وسعا حكيما: مقتدرا متقنا في أفعاله وأحكامه. وفي الكافي: بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: حدثني عاصم بن حميد قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج قال: فاشتدت به الحاجة فأتى أبا عبد الله (عليه السلام) فسأله عن حاله ؟ فقال: اشتدت بي الحاجة قال: ففارق، ثم أتاه فسأله عن حاله ؟ فقال: أثريت وحسن حالي، فقد قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني أمرتك بأمرين أمر الله بهما، قال الله (عز وجل):


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (*)

[ 646 ]

” وانكحوا الايامى ” إلى قوله: ” والله واسع عليم ” (1) وقال ” إن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ” (2). ولله ما في السموت وما في الارض: تنبيه على كمال قدرته وسعته، وأنه لا يتعذر عليه الاغناء بعد الفرقة والايناس بعد الوحشة. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم: من اليهود والنصارى ومن قبلهم. والكتاب للجنس، و ” من ” متعلقة ب‍ ” وصينا ” أو ب‍ ” اوتوا “. وإياكم: عطف على ” الذين اوتوا “. أن اتقوا الله: بأن اتقوا الله. ويجوز أن يكون ” ان ” مفسرة، لان التوصية في معنى القول. في مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام): وقد جمع الله ما يتواصى به المتواصون من الاولين والآخرين في خصلة واحدة، وهي التقوى. وفيه جماع كل عبادة صالحة، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى (3). وإن تكفروا فإن الله ما في السموت وما في الارض: على إرادة القول، أي وقلنا لهم: ولكم أن تكفروا فإن الله مالك الملك كله، لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم، وإنما وصاكم لرحمته، لا لحاجة، ثم قرر ذلك بقوله: وكان الله غنيا: عن الخلق وعبادتهم. حميدا: في ذاته، حمد أو لم يحمد. * * *


(1) النور: 32. (2) الكافي: ج 5 كتاب النكاح ص 331 ح 6. (3) مصباح الشريعة: ص 50 الباب الثالث والسبعون، قطعة من الوصية. (*)

[ 647 ]

[ ولله ما في السموت وما في الارض وكفى بالله وكيلا (132) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بئاخرين وكان الله على ذلك قديرا (133) من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وكان الله سميعا بصيرا (134) ] ولله ما في السموت وما في الارض: كل مخلوق يدل بحاجته على غناه، وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا. وكفى بالله وكيلا: قيل: أي حافظا للجميع، لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما. وقيل: راجع إلى قوله: ” يغن الله كلا من سعته ” فإنه يوكل بكفايتهما، وما بينهما تقرير لذلك. إن يشأ يذهبكم أيها الناس: يفنيكم، ومفعول ” يشاء ” محذوف دل عليه الجواب. ويأت باخرين: ويوجد قوما آخرين مكانكم، أو خلقا آخرين مكان الانس. وكان الله على ذلك: من الاعدام والايجاد. قديرا: بليغ القدرة لا يعجزه مراده. وقيل: أيضا تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر وخالف أمره (1). والظاهر أنه خطاب لمن عادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من العرب، ومعناه معنى قوله: ” وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ” (2) لما قال في مجمع البيان: وروي أنه لما نزلت هذه الآية ضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 249 في تفسيره لاية 133 من سورة النساء. (2) محمد: 38. (*)

[ 648 ]

يده على ظهر سلمان (رضي الله عنه)، وقال: هم قوم هذا يعني عجم الفرس (1). من كان يريد ثواب الدنيا: كمن يجاهد للغنيمة. فعند الله ثواب الدنيا والاخرة: فليطلب الثوابين جميعا من عند الله، وما له يكتفي بأخسهما ويدع أشرفهما، على أنه لو طلب الاشرف لم يخطئه الاخس. في كتاب الخصال: جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا. ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس (2). وفي نوادر من لا يحضره الفقيه: وروي عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حى يخرجه منها، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه (3). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وإنما سميت الدنيا دنيا، لانها أدنى من كل شئ، وسميت الآخرة آخرة، لان فيها الجزاء والثواب (4). وبإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: أخبرني عن الدنيا لم سميت الدنيا ؟ قال: لان الدنيا دنية، خلقت من دون الآخرة، وخلقت مع الآخرة لم يغن أهلها كما لا يغنى من أهل


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 122 في تفسيره لآية 133 من سورة النساء ورواه البيضاوي أيضا: ج 1 ص 249 في تفسيره للآية. (2) الخصال: ص 129، باب الثلاثة ح 133. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 293 باب 176 النوادر وهو آخر أبواب الكتاب ح 36. (4) علل الشرائع: ج 1 ص 3 باب 1 العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا والآخرة آخرة، قطعة من ح 1 ص 5. (*)

[ 649 ]

[ * يأيها الذين ءامنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والاقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهدى أن تعدلوا وأن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135) ] الآخرة، قال: فأخبرني لم سميت الآخرة آخره ؟ قال: لانها متأخرة تجئ من بعد الدنيا، لا توصف نسبتها ولا يحصى أيامها ولا يموت سكانها، قال: صدقت يا محمد (1)، والحديثان طويلا أخذت منهما موضع الحاجة. وكان الله سميعا بصيرا: عارفا بالاغراض، فيجازي كلا بحسب قصده. يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط: مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته. شهداء لله: بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله. وهو خبر ثان، أو حال. ولو على أنفسكم: ولو كانت الشهادة على أنفسكم، بأن تقروا عليها، لان الشهادة بيان الحق سواء كان عليه أو على غيره. أو الولدين والاقربين: أي ولو على الديكم وأقربيكم. في تفسير علي بن إبراهيم: قال أبو عبد الله (عليه السام): إن للمؤمن على المؤمن سبع حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقا وإن كان على نفسه أو على نفسه أو على والديه، فلا يميل لهم عن الحق (2). وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله تعالى يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب، رجل لم تدعه قدرته في حال


(1) علل الشرائع: ج 2 ص 470 باب 222 النوادر ح 33. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 156 س 3 في تفسيره لآية 135 من سورة النساء. (*)

[ 650 ]

غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحد هما على الآخر بشعرة، ورجل قال الحق فيما له وعليه (1). عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تعالى جنة لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم في نفسه بالحق الحديث (2). إن يكن: أي المشهود عليه، أو كل واحد من المشهود عليه ومن المشهود له. غنيا أو فقيرا: فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة. أو لا تجوروا فيها ميلا، أو ترحما. فالله أولى بهما: بالغنى والفقير وبالنظر لهما، فلو لم تكن الشهادة عليهما أو لهما صلاحا، لما شرعها وهو علة الجواب اقيمت مقامه، والضمير في ” بهما ” راجع إلى مادل عليه المذكور، وهو جنسا الغني والفقير، لا إليه، وإلا لوحد، للترديد فيه ب‍ ” أو ” ويشهد عليه إن قرئ ” فالله أولى بهم ” (3) (4) فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا: لان تعدلوا عن الحق، من العدول، أو كراهة أن تعدلوا، من العدل. وإن تلوا: ألسنتكم عن شهادة الحق. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بإسكان اللام وبعدها واوان، الاولى مضمومة والثانية ساكنة. وقرئ ” وان تلو ” بمعنى إن وليتم إقامة الشهادة (5).


(1) الخصال: ص 81، باب الثلاثة ح 5. (2) الخصال: ص 131، باب الثلاثة 136 وتمام الحديث (ورجل زار أخاه في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله عز وجل). (3) من قوله: (أن يكن أي المشهود عليه) إلى قوله: (أو تعرضوا عن أدائها) مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 249، لا حظ تفسيره، لآية 135 من سورة النساء. (4) قوله: (لا إليه وإلا لوحد) أي لو كان الضمير راجعا إلى المذكور، وهو أحد الجنسين، لوجب توحد الضمير. لان المرجع واحد وهو أحد الجنسين (من حاشية الكازروني لتفسير البيضاوي). (5) (وان تلووا) قرأ تلووا بواوين، واصله، تلويوا على وزن تفعلوا، من لويت، فنقلت الضمة من الياء إلى ما قبلها، فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لا لتقاء الساكنين، فبقي تلووا على (*)

[ 651 ]

أو تعرضوا: عن أدائها. وفي مجمع البيان: عن أبي جعفر (عليه السلام) ” إن تلووا ” أي تبدلوا الشهادة ” أو تعرضوا ” أي تكتموها (1). وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن إسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ” وإن تلووا أو تعرضوا ” فقال: إن تلووا الامر أو تعرضوا عما امرتم به ” فإن الله كان بما تعملون خبيرا “. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). فإن الله كان بما تعملون خبيرا: فيجازيكم عليه. وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية أنه قال: وإن تلووا (3) الامر أو تعرضوا عما امرتم به في ولاية علي، فإن الله كان بما


وزن تفعوا. وقرأ تلوا بواو واحدة، ويحتمل وجهين أحدهما: أن يكون من لويت، واصله تلويوا على ما بيناه في القراءة الاولى، إلا أنه لمانقلت الضمة من الياء إلى الواو، حذفت الياء لالتقاء الساكنين ونقلت الضمة على الواو، فقلبت همزة وحذفت، ونقلت حركتها إلى اللام، فبقيت تلوا: والثاني أن يكون تلوا اصله توليوا من وليت، الا أنه حذفت الواو الاولى التي هي الفاء لوقوعها بين تاء وكسرة، حملا للتاء على الياء كما تحذف من نعد حملا لبعض حروف المضارعة على بعض طلبا للتشاكل، وفرارا من نفرة الاختلاف ليجري الباب على سنن واحد ولا تختلف طرق تصاريف الكلمة، فلما حذفت الواو الاولى بقي تليو فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى اللام قبلها، وحذف الياء لسكونها وسكون واو الجمع بعدها، وكانت أولى بالحذف، لان واو الجمع دخلت لمعنى والياء لم تدخل لمعنى، فكان حذفها أولى. وصار (تلوا) على وزن (تعوا) لذهاب الفاء واللام (البيان لابن الانباري: ص 269). (1) مجمع البيان: ج 3 ص 124 في نقل المعنى لآية 135 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 1 ص 421 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، قطعة من ح 45. (3) قوله (ان تلوا الامر) لواه أي أماله وصرفه من جانب إلى جانب وقد يجعل كناية عن التأخر والتخلف، يعني إن تصرفوا أمر الخلافة عن موضعها وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو تعرضوا عما امرتم به من ولايته وتخلفتم عنه، فإن الله كان بما تعلمون خبيرا، فيعاقبكم بذلك (شرح العلامة المازندراني: ج 7 ص 75). (*)

[ 652 ]

[ يأيها الذين ءامنوا بالله ورسوله والكتب الذى نزل على رسوله والكتب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضللا بعيدا (136) إن الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137) ] تعملون خبيرا (1). يا أيها الذين ءامنوا: بألسنتهم وظاهرهم. ءامنوا: بقلوبكم وباطنكم. وقيل: خطاب لمؤمني أهل الكتاب، إذ روي أن ابن سلام وأصحابه قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه، فنزلت (2). فعلى هذا معنى ” آمنوا ” آمنوا إيمانا عاما يعم الكتب والرسل. وقيل: خطاب للمسلمين، أي اثبتوا على الايمان بذلك، ودوموا على الايمان (3). بالله ورسوله والكتب الذى نزل على رسوله والكتب الذى أنزل من قبل: الكتاب الاول القرآن، والثاني الجنس. وقرأ نافع والكسائي ” الذي نزل ” و ” الذي أنزل ” بفتح النون والهمزة والزاي، والباقون بضم النون والهمزة وكسر الزاي. ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الاخر: أي من يكفر


(1) غير خفي أن هذا الحديث هو الذي أورده قبل اسطر ولعل نظره رحمه الله إلى ما أوله شراح الاحاديث كما قدمنا نموذجا منه عن المولى صالح المازندراني. (2 و 3) قالهما البيضاوي: ج 1 ص 250 في تفسيره لآية 136 من سورة النساء. (*)

[ 653 ]

بشئ من ذلك. فقد ضل ضللا بعيدا: عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه. إن الذين ءامنوا: كاليهود آمنوا بموسى. ثم كفروا: حين عبدوا العجل. ثم ءامنوا: حين يرجع إليهم. ثم كفروا: بعيسى. ثم ازدادوا كفرا: بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في الذين آمنوا برسول الله إقرارا، لا تصديقا، ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الامر في أهل بيته أبدا، فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الميثاق عليهم لأمير المؤمنين، آمنوا إقرارا، لا تصديقا، فلما مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفروا وازدادوا كفرا (1). وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد بن، عن معلى بن محمد، عن محمد بن أو رمة، وعلي بن عبد الله، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية، قال: نزلت في فلان وفلان وفلان، آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول الامر، وكفروا حين عرضت عليهم الولاية، حين قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم آمنوا بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم كفروا حيث مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من تابعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الايمان شئ (2). وفي تفسير العياشي: عن جابر قال: قلت لمحمد بن علي (عليهما السلام): في قول الله في كتاب ” الذين آمنوا ثم كفروا “، قال: هما، والثالث والرابع وعبد الرحمن


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 156 في تفسيره لآية 137 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 1 ص 420 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 42. (*)

[ 654 ]

وطلحة، وكانوا سبعة عشر رجلا، قال: لما وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر (رحمه الله) إلى أهل مكة، قالوا: بعث هذا الصبي ولو بعث غيره يا حذيفة إلى أهل مكة، وفي مكة صناديدها – وكانوا في مكة يسمون عليا، الصبي لانه كان اسمه في كتاب الله الصبي لقول الله (عز وجل): ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ” وهو صبي، ” وقال إنني من المسلمين ” – (1) والله الكفر بنا أولى مما نحن فيه، فساروا فقالوا لهما وحرفوهما بأهل مكة، فعرضوا لهما وخوفو هما وغلظوا عليهما الامر، فقال علي (صلوات الله عليه): ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” (2) ومضى، فلما دخلا مكة، أخبر الله نبيه بقولهم لعلي، ويقول على لهم، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه، وذلك قول الله: ” ألم تر إلى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ” إلى قوله ” والله ذو فضل عظيم ” (3) وإنما نزلت: ألم تر إلى فلان وفلان لقوا عليا وعمارا فقالا: إن أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهما اللذان قال الله: ” إن الذين آمنوا ثم كفروا “، إلى آخر الآية، فهذا أول كفرهم، والكفر الثاني قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يطلع عليكم من هذا الشعب رجل، فيطلع عليكم بوجهه، فمثله عند الله كمثل عيسى، لم يبق منهم أحد إلا تمنى أن يكون بعض أهله، فإذا بعلي قد خرج وطلع بوجهه، قال: هو هذا، فخرجوا غضابا، وقالوا: ما بقي إلا أن يجعله نبيا، والله الرجوع إلى آلهتنا خير مما نسمع منه في ابن عمه، وليصدنا علي إن رام هذا، فأنزل الله ” ولماضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ” (4) إلى آخر الآية، فهذا الكفر الثاني، وزادوا الكفر حين قال الله: ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ” (5) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أصبحت وأمسيت خير البرية، فقال له ناس: هو خير من نوح وإبراهيم ومن


(1) فصلت: 33. (2) آل عمران: 173. (3) آل عمران: 174. (4) الزخرف: 57. (5) البينة: 7. (*)

[ 655 ]

الانبياء، فأنزل الله: ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم ” إلى ” سميع عليم ” قالوا: فهو خير منك يا محمد ؟ قال: (قال – ظ) الله: ” قل إني رسول الله إليكم جميعا ” (2). ولكنه خير منكم وذريته خير من ذريتكم، ومن اتبعه خير ممن اتبعكم، فقاموا غضابا وقالوا زيادة: الرجوع إلى الكفر أهون علينا مما يقول في ابن عمه، وذلك قول الله: ” إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ” (3). عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في هذه الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي سرح (4) الذي بعثه عثمان إلى مصر، قال: وازدادوا كفرا، حتى لم يبق فيه من الايمان شئ (5). عن أبي بصير قال: سمعته يقول في هذه الآية: من زعم أن الخمر حرام، ثم شربها، ومن زعم أن الزنا حرام، ثم زنا، ومن زعم أن الزكاة حق ولم يؤدها (6). لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا: إذ يستبعد منهم أن يتولوا عن الكفر ويثبتوا على الايمان، فإن قلوبهم ضربت بالكفر وبصائرهم عميت، لا أنهم لو أخلصوا الايمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم. وخبر كان في أمثال ذلك محدوف، وتعلق به اللام، مثل لم يكن الله مريدا ليغفر لهم.


(1) آل عمران: 33. (2) الاعراف: 158. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 279 ح 289. (4) عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم قبل الفتح وهاجر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يكتب له ثم ارتد مشركا وسار إلى قريش بمكة فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتله أينما وجد حتى لحق استار الكعبة، ففر إلى عثمان بن عفان فغيبه حتى أتى به إلى رسول الله وأسلم ثانيا، وولاه عثمان في زمانه مصر سنة خمس وعشرين وفتح إفريقية فأعطاه عثمان جميع ما أفاء الله على المسلمين من فتح إفريقية بالمغرب، وهو أخو عثمان من الرضاع، وأسوأ أحواله خاتمته حيث شهد صفين مع معاوية على ما قيل (تلخيص من تنقيح المقال: ج 2 ص 184 تحت رقم 6876). (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 280 ح 287. (6) تفسير العياشي: ج 1 ص 281 ح 288. (*)

[ 656 ]

[ بشر المنفقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139) وقد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم ءايت الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنفقين والكفرين في جهنم جميعا (140) ] بشر المنفقين بأن لهم عذابا أليما: وضع ” بشر ” موضع ” أنذر ” تهكما لهم. الذين يتخذون الكفرين أولياء من دون المؤمنين: في محل النصب أو الرفع على الذم، يعنى اريد الذين، أوهم الذين. أيبتغون عندهم العزة: أيتعززون بموالاتهم. فإن العزة لله جميعا: لا يتعزز إلا من أعزه، وقد كتب العزة لاوليائه، قال ” ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ” (1) لا يؤبه بعز غيرهم بالاضافة إليهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في بني امية حيث خالفوهم على أن لا يردوا الامر في بني هاشم (2). وقد نزل عليكم في الكتب: يعني القرآن. وقرأ غير عاصم ” نزل ” على البناء للمفعول، والقائم مقام فاعله. أن إذا سمعتم ءايت الله: وهي المخففة، والمعنى أنه إذا سمعتم. يكفر بها ويستهزأ بها: حالان من الآيات، جئ بهما لتقييد النهي (عن


(1) المنافقين: 8. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 156 س 14 في تفسيره لآية 139 من سورة النساء. (*)

[ 657 ]

المجالسة) (1) في قوله: فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره: الذي هو جزاء الشرط بما إذا كان من (يجالسه) (2) هازئا معاندا غير (مرجو) (3)، ويؤيده الغاية. والضمير في ” معهم ” للكفرة المدلول عليهم بقوله: ” يكفر بها ويستهزأ بها “. وفي تفسير علي بن إبراهيم: آيات الله هم الائمة (عليهم السلام) (4). وفي تفسير العياشي: عن محمد بن الفضل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في تفسيرها: إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في اهله فقم من عنده ولا تقاعده (5). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن (القاسم بن بريد) (6) قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في حديث طويل: إن الله (تبارك وتعالى) فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها. وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله (عز وجل) عنه، والاصغاء إلى ما أسخط الله (عز وجل) فقال في ذلك: ” وقد نزل ” إلى قوله ” حتى يخوضوا في حديث غيره ” ثم استثنى الله (عز وجل) موضع النسيان فقال: ” واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ” (7) (8). عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد، عن شعيب العقر قوفي قال: سألت أبا


(1 و 2) في النسخة – أ: (من المجانسة) و (يجانسه). (3) في النسخة – أ -: (موجود). (4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 156 س 17 في تفسيره لآية 140 من سورة النساء. (5) تفسير العياشي: ج 1 ص 281 ح 290. (6) في النسخة أ: (القاسم بن يزيد)، وهو اشتباه والصحيح ما اثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال. (7) الانعام: 68. (8) الكافي: ج 2 ص 33 كتاب الايمان والكفر، باب في أن الايمان مبثوث لجوارح البدن كلها، قطعة من ح 1. (*)

[ 658 ]

عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ” وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ” إلى آخر الآية (1) فقال: إنما عن بهذه الرجل يجحد الحق ويكذب به، ويقع في الائمة، فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان (2). إنكم إذا مثلهم: في الكفر إن رضيتم به، وإلا ففي الاثم لقدرتكم على الانكار والاعراض. وفي من لا يحضره الفقيه: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لا بنه محمد ابن الحنفية: ففرض على السمع أن لا تصغي به إلى المعاصي فقال (عز وجل): ” وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ” (3). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. إن الله جامع المنفقين والكفرين في جهنم جميعا: فإذا كان لقاعد معهم مثلهم، والله جامعهم في جهنم، فيجمع القاعد معهم فيها. وقيل: إن هذا يؤيد أن يكون المراد بالقاعدين قوما من المنافقين، فعلى هذا يكون معناه: إن الله يجمع المنافقين، أي القاعدين والكافرين، أي المقعود معهم في جهنم جميعا، وعلى هذا يلزم أن يكون قوله: ” إذا ” مستدركا، لان المنافقين مثل الكافرين، قعدوا معهم أم لم يقعدوا، و ” إذا ” ملغاة، لوقوعها بين الاسم والخبر، ولذلك لم يذكر بعدها الفعل: وإفراد ” مثلهم ” لانه كالمصدر، أو بالاستغناء بالاضافة إلى الجمع. وقرئ بالفتح على البناء لاضافته إلى مبني، كقوله: ” مثل ما أنكم


(1) وفي الآية إيماء إلى من يجالسهم ولا ينهاهم هو من المنافقين كائنا من كان، أي سواء كان من أقا ربك أم من الاجانب، وسواء كان ظاهرا من أهل ملتك أم لا وسواء كان ظاهرا من أهل العلم أم لا، وسواء كان من الحكام أو غيرهم إذا لم تخف ضررا (مرآة العقول: ج 11 ص 90). (2) الكافي: ج 2 ص 377 كتاب الايمان والكفر، باب مجالسة أهل المعاصي، ح 8. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 382 باب 227 الفروض على الجوارح قطعة من ح 1. (*)

[ 659 ]

[ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكفرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا (141) إن المنفقين يخدعون الله وهو خدعهم وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) ] تنطقون ” (1). الذين يتربصون بكم: ينتظرون وقوع أمر بكم، وهو بدل من ” الذين يتخذون ” أو صفة للمنافقين والكافرين، أو ذم مرفوع، أو منصوب، أو متبدأ خبره: فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم: مظاهرين لكم، فاسهموا لنا فيما غنمتم. وإن كان للكفرين نصيب: من الحرب، فإنها سجال (2). قالوا ألم نستحوذ عليكم: أي ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم. ولاستحواذ، الاستيلاء، وكان القياس استحاذ يستحيذ استحاذة، فجاءت على الاصل.


(1) الذاريات: 23. (2) وفي الحديث: عليكم بالتحامي فإن الحرب سجال، أي مرة علينا، ومثله في خبر أبي سفيان وهر قل، والحرب بيننا سجال (مجمع البحرين: ج 5 س 393 لغة سجل). (*)

[ 660 ]

ونمنعكم من المؤمنين: بأن خذلناهم عنكم، بتخييل ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم، فاشركونا فيما أصبتم. سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا، لخسة نصيبهم، فإنه مقصور على أمر دنيوي سريع الزوال. فالله يحكم بينكم يوم القيمة: يفصل بينكم بالحق. ولن يجعل الله للكفرين على المؤمنين سبيلا: بالحجة وإن جاز أن يغلبوهم بالقوة. وفي عيون الاخبار: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال: حدثني أحمد بن علي الانصاري، عن أبي الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله إن في سواد الكوفة قوم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقع عليه السهو في صلاته ؟ فقال: كذبوا لعنهم الله، إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو، قال: قلت: يابن رسول الله وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي (عليهما السلام) لم يقتل، وأنه ألقى سهمه على حنظلة بن أسعد الشامي، وأنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم (عليه السلام)، ويحتجون بهذه الآية: ” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ” فقال: كذبوا عليهم غضب الله ولعنته، وكفروا بتكذيبهم لنبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أخباره بأن الحسين (عليه السلام) سيقتل، والله لقد قتل الحسين وقتل من كان خيرا من الحسين، أمير المؤمنين والحسن بن علي (عليهم السلام)، وما منا إلا مقتول، وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره به جبرئيل عن رب العالمين (عز وجل)، فأما قوله (عز وجل) ” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ” فإنه يقول: لن يجعل الله لهم على أنبيائه (عليهم السلام) سبيلا من طريق الحجة (1).


(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 203 ب 46 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة لعنهم الله ح 5. (*)

[ 661 ]

إن المنفقين يخدعون الله وهو خدعهم: سبق في سورة البقرة. وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى: متثاقلين على نحو المكره على الفعل. وقرئ ” كسالى ” بالفتح، وهما جمع كسلان. في الكافي: سهل، عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: قال أبي لبعض ولده: إياك والكسل والضجر، فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة (1). على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لامر آخرته، ومن كسل عما يصلح به أمر معيشته فليس فيه خير الامر دنياه (2). علي بن محمد رفعه قال: قال أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه): إن الاشياء لما ازدوجت، ازدوج الكسل والضجر، فنتجا بينهما الفقر (3). يرآءون الناس: ليخالوهم مؤمنين. والمراءاة، المفاعلة، بمعنى التفعيل، كنعم وناعم، أو للمقابلة، فإن المرائي يرى من يرائيه عمله وهو يريه استحسانه. ولا يذكرون الله إلا قليلا: إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه، وهو أقل أحواله، أو لان ذكره باللسان قليل بالاضافة إلى الذكر بالقلب، ولا يذكرونه بالقلب، وإنما يذكرونه باللسان فقط للمراءاة، أو لان ذكرهم الله بالقلب قليل بالقياس إلى ما يخطر ببالهم من مراءاة من يراؤونه. وقيل: المراد بالذكر الصلاة. وقيل: الذكر فيها، فإنهم لا يذركون فيها غير التكبير (4).


(1) الكافي: ج 5 ص 85 كتاب المعيشة، باب كراهية الكسل ح 2. (2) الكافي: ج 5 ص 85 كتاب المعيشة، باب كراهية الكسل ح 3. (3) الكافي: ج 5 ص 86 كتاب المعيشة، باب كراهية الكسل ح 8. (4) من قوله (والمراءاة) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 251، لا حظ تفسيره لآية 142 من سورة النساء. (*)

[ 662 ]

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه: يا بني لكل شئ علامة يعرف بها ويشهد عليها، إلى قوله: وللمنافق ثلاث علامات، يخالف لسانه قلبه، وفعله قوله، وعلانيته سريرته، وللكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم، واللمرائي ثلاث علامات، يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان الناس عنده، ويتعرض في كل أمر للمحمدة (1). وعن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربع خصال يفسدون القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر: استماع اللهو والبذاء، وإتيان باب السلطان الصيد (2). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه: ولا تقم إلى الصلاة متكا سلا ولا متنا عسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق، وقد نهى من خلال النفاق، وقد نهى الله (عز وجل) المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى – يعني من النوم – وقال للمنافقين: ” وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ” (3). وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان قال: كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال له رجمن الجلساء: جعلت فداك يابن رسول الله أخاف على أن أكون منافقا ؟ فقال له: إذا خلوت في بيتك ليلا أو نهارا أليس تصلي ؟ فقال: بلى، فقال: فلمن تصلي ؟ فقال: لله (عز وجل)، فقال: فكيف تكون منافقا وأنت تصلي لله (عز وجل) لا لغيره (4).


(1) الخصال: ص 121، باب الثلاثة العلامات الثلاث، قطعة من ح 113 بتقديم وتأخير بعض الجملات. (2) الخصال: ص 227، باب الاربعة أربع خصال يفسدن القلب وينبتن النفاق ح 63. (3) علل الشرائع: ج 2 ص 358 ب 74 علة الاقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير وعلة النهي عن القيام إلى الصلاة على غير سكون ووقار، قطعة من ح 1. (4) معاني الاخبار: ص 142 باب معنى المنافق، ح 1. (*)

[ 663 ]

[ مذبذ بين بين ذلك لآ إلى هؤلاء ولآ إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (143) ] وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن محمد بن أحمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو، عن أبي المغرا الخصاف رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذكر الله (عز وجل) في السر فقد ذكر الله كثيرا، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر، فقال الله (عز وجل): ” يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ” (1). الحسين بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن عبد الله بن عبد الرحمان الاصم، عن الهيثم بن واقد، عن محمد بن مسلم، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، وإذا قام إلى الصلاة اعترض، قلت: يابن رسول الله وما الاعتراض ؟ قال: الالتفات، وإذا ركع ربض، يمسي وهمه العشاء وهو مفطر، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن غبت اغتابك وإن وعدك أخلفك (2). أبو علي الاشعري، عن الحسين بن علي الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المنافق مثل جذع أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنيانه فلم يستقم له في الموضع الذي أراد، فحوله في موضع آخر فلم يستقم، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنار (3). مذبذ بين بين ذلك: حال من واو ” يراؤون ” كقوله: ” ولا يذكرون ” أي


(1) الكافي: ج 2 ص 501 كتاب الدعاء، باب ذكر الله (عز وجل) في السر، ح 2. (2) الكافي: ج 2 ص 396 كتاب الايمان والكفر باب صفة النفاق والمنافق ح 3. (3) الكافي: ج 2 ص 396 كتاب الايمان والكفر، باب صفة النفاق والمنافق ح 5. (*)

[ 664 ]

[ يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكفرين أو لياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطنا مبينا (144) إن المنفقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) ] يراؤونهم غير ذاكرين مذبذبين، أو واو ” يذكرون “، أو منصوب على الذم والمعنى، مرددين بين الايمان والكفر، من الذبذبة، وهو جعل الشئ مضطربا، وأصله الذب بمعنى الطرد. وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم، أو دينهم. أو يتذبذبون، كقولهم صلصل بمعنى تصلصل. وقرئ بالدال الغير المعجمة، بمعنى أخذوا تارة في دبة وتارة في دبة اخرى، وهي الطريقة (1). لآ إلى هؤلاء ولآ إلى هؤلاء: لا يصيرون إلى المؤمنين بالكلية، ولا إلى الكافرين كذلك يظهرون الايمان كما يظهره المؤمنون، والكن لا يضمرونه كما يضمرون، ويضمرون الكفر كما يضمره الكافرون ولكن لا يظهرونه كما يظهرون. ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا: إلى الحق والصواب، ونظيره قوله تعالى: ” ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ” (2). يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكفرين أولياء من دون المؤمنين: فإنه صنيع المنافقين وديدنهم، فلا تتشبهوا بهم.


(1) نقل القراءات المذكورة البيضاوي في تفسيره: ج 1 ص 251 لا حظ تفسيره لآية 143 من سورة النساء. (2) النور: 40. (*)

[ 665 ]

أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطنا مبينا: حجة بينة، فإن موالاة الكافرين دليل على النفاق، أو سلطانا يسلط عليكم عقابه. إن المنفقين في الدرك الاسفل من النار: وهي الطبقة التي في قعر جهنم، لانهم أخبث الكفرة، إذ ضموا إلى الكفر استهزاء بالاسلام وخداع للمسلمين. وللنار دركات وللجنة درجات. وإنما سميت طبقاتها دركات، لانها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض. وقرأ الكوفيون بسكون الراء، وهو لغة، كالسطر والسطر، والتحريك أوجه لانه يجمع على إدراك. وفي كتاب الاحتجاج: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاضر الناس، إن الله وأنا بريئان منهم، معاشر الناس، إنهم وأنصارهم وأشياعهم وأتباعهم في الدرك الاسفل من النار، ولبئس مثوى المتكبرين (1). ولن تجد لهم نصيرا: يخرجهم منه. وفي روضة الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): واعلم أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله قال للمنافقين – وقوله الحق – ” ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ” (2).


(1) الاحتجاج: ج 1 ص 26 احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الايام بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) س 7. (2) الكافي: ج 8 ص 333 س 15 قطعة من رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى جماعة الشيعة. ط النجف. (*)

[ 666 ]

[ إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما (146) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان الله شاكرا عليما (147) * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما (148) إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا (149) ] إلا الذين تابوا: عن النفاق. وأصلحوا: ما أفسدوا من إصرارهم وأحوالهم في حال النفاق. واعتصموا بالله: وثقوا به وتمسكوا بدينه. وأخلصوا دينهم لله: لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه. فأولئك مع المؤمنين: ومن عدادهم في الدارين. وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما: فيساهمونهم فيه. ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم: يتشفى به غيظا، أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا، سبحانه هو الغني المتعالي عن النفع والضرر. وإنما يعاقب المصر على كفره، لان إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض، فإذا زال بالايمان والشكر، ونقى نفسه عنه، تخلص من تبعته. وإنما قدم الشكر، لان الناظر يدرك النعمة أولا، فيشكر شكرا مبهما، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به. وكان الله شاكرا: مثيبا يقبل القليل ويعطي الجزيل. عليما: بحق شكركم وإيمانكم.


[ 667 ]

لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم: إلا جهر عن ظلم، بالدعاء على الظالم أو التظلم منه. في مجمع البيان: المروي عن أبي جعفر (عليه السلام): لا يحب الله الشتم في الانتصار إلا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين (1). وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنه الضيف ينزل الرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه أن يذكره بسوء ما فعله (2). وفي تفسير العياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية: من أضاف قوما فأساء ضيافتهم، فهي ممن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه (3). وعنه (عليه السلام): الجهر بالسوء من القول، أن يذكر الرجل بما فيه (4). وفي تفسير علي بن إبراهيم بعد ما يقرب مما ذكر في المجمع أولا: وفي حديث آخر في تفسير هذا إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك (5). وقرئ ” إلا من ظلم ” على النباء للفاعل، فيكون الاستثناء منقطعا، أي ولكن الظالم يفعل ما لا يحبه الله. وكان الله سميعا: لما يجهر به من سوء القول. عليما: بصدق الصادق وكذب الكاذب، فيجازي كلا بعمله. إن تبدوا خيرا: طاعة وبرا. أو تخفوه: تفعلوه سرا. أو تعفوا عن سوء: لكم المؤاخذة عليه، وهو المقصود. وذكر إبداء الخير


(1 و 2) مجمع البيان: ج 3 ص 131 في نقل المعنى لآية 148 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 296. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 297. (5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 157 س 8 في تفسيره لآية 148 من سورة النساء. (*)

[ 668 ]

[ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) ] وإخفائه تشبيب له ولذلك رتب عليه قوله: فإن الله كان عفوا قديرا: أي يكثر العفو عن العصاة، مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم لعدم كمال قدرتكم أولى بذلك، وهو حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملا على مكارم الاخلاق. وفي تقديم العفو على القدير إشارة لطيفة إلى أن العافي من كمال عفوه، أن لا يشعر بقدرته حين العفو، ليتم إحسانه بالنسبة إلى المعفو عنه، ولا يصير كا لمن بعد الصدقة. إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله: بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله. ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض: نؤمن ببعض الانبياء ونكفر ببعض، كما فعلته الهيود صدقوا بموسى ومن تقدمه من الانبياء، وكذبوا عيسى ومحمدا (صلوات الله عليهما)، وكما فعلت النصارى صدقوا عيسى ومن تقدمه، وكذبوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)، هكذا قيل (1). والاولى أن يفسر التفريق بالايمان بالله والايمان بالرسل، أو ببعضهم، ويجعل قوله: ” ويقولون ” بيانا للتفريق، ليناسبه قوله: ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا: طريقا وسطا بين الايمان والكفر،


(1) اورده السيوطي في تفسيره الدر المنثور: ج 2 ص 725 نقلا عن قتادة، لا حظ تفسيره لآية 150 من سورة النساء. (*)

[ 669 ]

[ أولئك هم الكفرون حقا وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا (151) والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما (152) ] ولا واسطة، إذ الحق لا يختلف، فإن الايمان بالله إنما يتم بالايمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا وإجمالا، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال، كما قال: أولئك هم الكفرون: أي الكاملون في الكفر، لا عبرة بإيمانهم هذا. حقا: مصدر مؤكد لغيره، أو صفة لمصدر الكافرين، يعني هم الذين كفروا كفرا حقا، أي يقينا محققا. وأعتدنا ناللكفرين عذابا مهينا: يهينهم ويذلهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: هم الذين أقروا برسول الله وأنكروا أمير المؤمنين (عليهما السلام) (1)، ومعناه: أن ذلك كفر ببعض الرسل، أي بما جاء به من ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك الذين أقروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمير المؤمنين وأنكروا ما قرراه من الشرع الظاهر وآمنوا بأمر آخر سموه باطنا، وسموا الايمان به إيمانا حقيقيا. والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم: وآمنوا بجميعهم وجميع ما جاؤوا به. وإنما دخل ” بين ” على ” أحد ” وهو يقتضي متعددا، لعمومه، من حيث أنه وقع في سياق النفي.


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 157 س 12 في تفسيره لآية 151 من سورة النساء. (*)

[ 670 ]

[ يسئلك أهل الكتب أن تنزل عليهم كتبا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينت فعفونا عن ذلك وءاتينا موسى سلطنا مبينا (153) ] أولئك سوف يوتيهم أجورهم: الموعودة لهم. سمي الثواب أجرا، للدلالة على استحقاقهم لها. والتصدية ب‍ ” سوف ” للدلالة على أنه كائن لا محالة، وإن تأخر. وقرأ حفص عن عاصم، وقالون عن يعقوب، بالياء على تلوين الخطاب (1). وكان الله غفورا: لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي. رحيما: يتفضل عليهم بتضعيف الحسنات. يسئلك أهل الكتب أن تنزل عليهم كتبا من المساء: في مجمع البيان: روي أن كعب بن الاشرف وجماعة من اليهود قالوا: إن كنت صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى (2). وقيل: كتابا محررا بخط سماوي على ألواح كما كانت التوراة، أو كتابا نعاينه حين ينزل، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله (3). فقد سألوا موسى أكبر من ذلك: جواب شرط مقدر، إي إن استكبرت ما


(1) قوله: (على تلوين الخطاب) أي على الالتفات من التكلم إلى الغيبة (من حاشية الكازروني على البيضاوي). (2) مجمع البيان: ج 3 ص 133 في شأن نزول آية 153 من سورة النساء. (3) نقله البيضاوي: ج 1 ص 253 في تفسيره لآية 153 من سورة النساء وفي مجمع البيان أيضا. (*)

[ 671 ]

[ ورفعنا فوقهم الطور بميثقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثقا غليظا (154) ] سألوه منك، فقد سألوا موسى أكبر منه. وهذا السؤال وإن كان من آبائهم، اسند إليهم، لانهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم. والمعنى: إن عرفهم راسخ في ذلك وإن ما اقتر حوه عليك، ليس بأول جهالاتهم وخيالاتهم. فقالوا أرنا الله جهرة: عيانا، أي أرنا نره جهرة، أو مجاهرين ومعاينين. فأخذتهم الصعقة: نار جاءت من السماء فأهلكتهم. بظلمهم: بسبب ظلمهم وتعنتهم وسؤالهم بما يستحيل على الله تعالى. ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاء تهم البينت: هذه الجناية الثانية التي اقترفها أيضا أوائلهم. و ” البينات ” المعجزة، ولا يجوز حملها على التوراة، إذ لم يأتهم بعد. فعفونا عن ذلك: لسعة رحمتنا. وءاتينا موسى سلطنا مبينا: حجة بينة تبين صدقه. ورفعنا فوقهم الطور: الجبل. بميثاقهم: ليقبلوه. وقلنا لهم: على لسان موسى، والجبل مطل عليهم. ادخلوا الباب: أي باب حطة. سجدوا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت: قيل: على لسان داود. ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلل الجبل عليهم، فإنه شرع السبت، ولكن كان


[ 672 ]

[ فبما نقضهم ميثقهم وكفرهم بايت الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتنا عظيما (156) ] الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود (1). وقرأ ورش عن نافع ” لا تعدوا ” على أن أصله لا تعتدوا، فادغمت التاء في الدال. وقرأ قالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال، والنص عنه بالاسكان. وأخذنا منهم ميثقا غليظا: على ذلك، وهو قولهم: سمعنا وأطعنا. فبما نقضهم ميثقهم: أي فخالفوا ونقضوا، ففعلنا ما فعلنا بنقضهم. و ” ما ” مزيدة للتأكيد، والباء متعلقة بالفعل المحذوف، ويجوز أن يتعلق ب‍ ” حرمنا عليهم ” المذكور الآتي، فيكون التحريم بسبب النقض وما عطف عليه إلى قوله: ” فبظلم ” لا بما دل عليه قوله: ” بل طبع الله عليها ” مثل ” لا يؤمنون ” لانه رد لقولهم: ” قلوبنا غلف ” فيكون من صلة قولهم المعطوف على المجرور، فلا يتعلق به جاره. وكفرهم بايت الله: بالقرآن، أو بما في كتابهم. وقتلهم الانبياء بغير حق: في تفسير علي بن إبراهيم: قال: هؤلاء لم يقتلوا الانبياء وإنما قتلهم اجدادهم فرضي هؤلاء بذلك، فألزمهم الله القتل بفعل أجدادهم، وكذلك من رضي بفعل


(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 254 في تفسيره لآية 154 من سورة النساء. (*)

[ 673 ]

فقد لزمه وإن لم يفعله (1). وقولهم قلوبنا غلف: أو عية للعلوم، أو في أكنة، وقد مر تفسيره. بل طبع الله عليها بكفرهم: فجعلها محجوبة عن العلم بخذلانها، ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكير بالمواعظ. وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، إلى أن قال: وسألته عن قول الله (عز وجل): ” ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ” قال: الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم قال (عز وجل): ” بل طبع الله ” إلى قوله: ” بهتانا عظيما ” (2). فلا يؤمنون إلا قليلا: منهم كعبد الله بن: سلام، أو إيمانا قليلا ولا عبرة به لنقصانه. وبكفرهم: بعيسى، وهو معطوف على ” بكفرهم ” لانه من أسباب الطبع، أو على قوله: ” فبما نقضهم “. ويجوز أن يعطف مجموع هذا وما عطف عليه على مجموع ما قبله، ويكون تكرير ذكر الكفر إيذانا بتكرير كفرهم، فإنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد (صلى الله عليه وآله). وقولهم على مريم بهتنا عظيما: يعني نسبتها إلى الزنا. في أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى الصادق (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه لعلقمة: يا علقمة إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط، ألم ينسبوا مريم ابنة عمران (عليها السلام) إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف (3).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 157 س 15 في تفسيره لآية 155 في تفسيره لآية 155 من سورة النساء. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 123 باب 11 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد ح 16. (3) الامالي: ص 91، المجلس الثاني والعشرون ح 3 ص 23. (*)

[ 674 ]

[ وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157) ] وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله: يعني رسول الله بزعمه. ويحتمل أنهم قالوه استهزاء، ونظيره ” إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ” (1) وأن يكون استئنافا من الله بمدحه، أو وصفا للذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم: قد مضى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران عند قوله تعالى: ” إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ” (2). قيل: إنما ذمهم الله بما دل عليه الكلام من جرأتهم على الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة وتبجحهم (3) به، لا لقولهم هذا على حسب حسابهم (4). والظاهر أن ذمهم لجرأتهم وقولهم كليهما. و ” شبه ” مسند إلى الجار والمجرور، وكأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول، أو إلى الامر، أو إلى ضمير المقتول، لدلالة ” إنا قتلنا ” على أن ثمة مقتولا. وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى سدير الصير في عن أبي


(1) الشعراء: 27. (2) آل عمران: 55. (3) بجح في حديث أم زرع (وبجحني فبجحت) أي فرحني ففرحت (النهاية لابن الاثير: ج 1 ص 96. لغة بجح). (4) أي لم يذمهم الله تعالى لمجرد قولهم المذكور، إذ هو مطابق ظنهم، أو ليس قصدهم الكذب حتى يذموا، بل ذمهم باعتبار ما يستفاد من كلامهم من التبجح والسرور بقتله (من حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي). (*)

[ 675 ]

عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه: وأما غيبة عيسى (عليه السلام)، فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل، فكذبهم الله (جل ذكره) بقوله: ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ” (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عمير، عن جميل بن صالح، عن عمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عندالمساء وهم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحى إلى أنه رافعي إليه الساعة ومهطري من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، فقال، فأنت هوذا، فقال لهم عيسى: أما أن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال رجل منهم: أنا هو يا نبي الله، فقال عيسى: أتحس بذلك في نفسك فلتكن هو، ثم قال لهم عيسى أما أنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله، في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم قال: رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى: إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذى القي عليه شبج عيسى، فقتل وصلب، وكفر الذى قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح اثنتى عشرة كفرة (2) وإن الذين اختلفوا فيه: في شأن عيسى. قال البيضاوي: إنه لما وقعت تلك الواقعة، اختلف الناس، فقال بعض اليهود: إنه كان كاذبا، فقتلناه حقا، وتردد أخرون فقال بعضهم: إن كان هذا


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ص 345 الباب الثاث والثلاثون (ما أخبر به الصادق (عليه السلام) من وقوع الغيبة) ح 50 س 17. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لآية 55 من سورة آل عمران. (*)

[ 676 ]

[ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158) وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا (159) ] عيسى، فأين صاحبنا ؟ فقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وقال من سمع منه إن الله يرفعني إلى السماء: إنه رفعه إلى السماء، فقال قوم: صلب الناسوت وصعد اللاهوت (1). لفى شك منه: لفي تردد. والشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم، ولذلك أكده بقوله: مالهم به من علم إلا اتباع الظن: استثناء منقطع، أي ولكنهم يتبعون الظن. ويجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي يسكن إليه النفس جزما كان أو غيره، فيتصل الاستثناء. وما قتلوه يقينا: أي وما قتلوه قتلا يقينا، أو ما قتلوه متيقنين كما ادعوا ذلك في قولهم: ” إن قتلنا المسيح ” أو يجعل ” يقينا ” تأكيدا لقوله: ” وما قتلوه ” كقولك: وما قتلوه حقا، أي حق انتفاء قتله حقا، وقيل: هو من قولهم: قتلت الشئ علماء إذا بالغ فيه علمك. وفيه تهكم، لانه إذا نفي عنهم العلم نفيا كليا بحرف الاستغراق ثم قيل: وما علموه علم يقين وإحاطة، لم يكن إلا تهكما بهم. بل رفعه الله إليه: رد وإنكار لقتله، وإثبات لرفعه. وفي من لا يحضره الفقيه: عن زيد بن علي، عن أبيه سيد العابدين (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): وإن لله (تبارك وتعالى) بقاعا في سماواته، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه، ألا تسمع الله يقول:


(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 255 في تفسيره لآية 157 من سورة النساء. (*)

[ 677 ]

” تعرج الملائكة والروح إليه ” (1) ويقول (عز وجل) في قصة عيسى بن مريم: ” بل رفعه الله إليه ” (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: رفع وعليه مدرعة من صوف (3). وفي تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: رفع عيسى بن مريم (عليهما السلام) بمدرعة صوف من غزل مريم، ومن نسج مريم، وخياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى ألق عنك زينة الدنيا (4). وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رفع، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك، ملوك الارض قبلي وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل، وهو حديث طويل قال فيه (عليه السلام): إن عيسى بن مريم أتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاث وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه، وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه، ولا على قتله وصلبه، لانهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله تعالى: ” بل رفعه الله إليه ” بعد أن توفاه (عليه السلام) (5). وبإسناده إلى أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل يذكر فيه القائم (عليه السلام). وفيه: فإذا نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك، وثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظر القائم (عليه السلام) وهم الذين كانوا مع نوح (عليه السلام) في السفينة والذين كانوا مع


(1) المعارج: 4. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 127 باب 29 فرض الصلاة قطعة من ح 4. (3) لم اعثر عليه في تفسير القمي ولكن رواه في الصافي: ج 1 ص 479 في تفسيره لآية 158 من سورة النساء. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 53. (5) كمال الدين وتمام النعمة: ص 225 الباب الثاني والعشرون (أن الارض لا تخلو من حجة لله ” ح 20 س 6. (*)

[ 678 ]

إبراهيم الخليل (عليه السلام) حين القي في النار وكانوا – قيل – مع عيسى (عليه السلام) حيث رفع (1). وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض – أمير المؤمنين (عليه السلام) قال الحسن بن علي في مسجد الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: أيها الناس، إنه قد قبض في هذا الليل رجل ما سبقه الاولون ولا يدركه الآخرون، والله لقد قبض في الليلة التي قبض فيها وصي موسى، يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم، والليلة التي ينزل فيها القرآن، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني الحسين بن عبد الله السكيني، عن أبي سعيد البجلي، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، وذكر حديثا طويلا، وفيه: قال (عليه السلام): وقد ذكر عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وكان عمره ثلاث وثلاثون سنة ثم رفعه الله إلى السماء، ويهبط إلى الارض بدمشق، وهو الذي يقتل الدجال (3). وكان الله عزيزا: لا يغلب على ما يريده.


(1) كمال الدين وتمام النعمة: ص 671 الباب الثامن والخمسون (نوادر الكتاب) ح 22 وصدر الحديث (قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأني انظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ، ثم ينتقض فرسه فلا يبقى أهل بلدة الا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية..) وتمام الحديث (واربعة آلاف مسومين ومردفين، وثلاث ثمائة وثلاثة عشر ملكا يوم بدر واربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي (عليه السلام)، فلم يؤذن لهم، فصعدوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين (عليه السلام) فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين (عليه السلام) إلى السماء، مختلف الملائكة). (2) الكافي: ج 1 ص 457 كتاب الحجة، باب مولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، قطعة من ح 8. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 270 س 21 في تفسيره لآية 7 من سورة الشورى. (*)

[ 679 ]

حكيما: فيما دبر لعباده. وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته: قيل: أي وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به، فقوله: ” ليؤمنن به ” جملة قسمية وقعت صفة لاحد، ويعود الضمير الثاني إليه، والاول إلى عيسى، لمعنى: مامن اليهود النصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين يزهقه روحه ولا ينفعه إيمانه. ويؤيد ذلك أن قرئ ” إلا ليؤمنن به قبل موتهم ” بضم النون، لان أحد في معنى الجمع، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الايمان به قبل أن يضطروا إليه ولم ينفعهم إيمانهم. وقيل: الضميران لعيسى، والمعنى إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج: يا شهر، آية في كتاب الله قد أعيتني ؟ ! فقلت: أيها الامير أية آية هي ؟ فقال قوله: ” وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ” والله إني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت: أصلح الل الامير، ليس على ما تأولت، قال: كيف هو ؟ قلت: إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي، قال: ويحك أنى لك هذا ومن أين جئت به ؟ ! فقلت: حدثني به محمد بن علي بن


(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 255 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء، ثم قال: (وروي أنه (عليه الصلاة والسلام) ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به حتى يكون الملة واحدة، وهي ملة الاسلام، وتقع الامنة حتى ترتع الاسود مع الابل، والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الارض اربعين سنة ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه). (*)

[ 680 ]

الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، فقال: جئت بها من عين صافية (1). وروي فيه أيضا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رجع آمن به الناس كلهم (2). وفي تفسير العياشي: عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسيرها: ليس من أحد من جميع الاديان يموت إلا رأى رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) حقا من الاولين والآخرين (3). وفي مجمع البيان: في أحد معانيها: ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل موت الكتابي عن عكرمة، ورواه أصحبانا أيضا، قال: وفي هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة، وعلى أن إيمانه ذلك غير مقبول كما لا يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف (4). ويقرب من هذا ما رواه الامامية: أن المحتضرين من جميع الاديان يرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفاءه عندالوفاة (5). ويروون في ذلك عن علي (عليه السلام) أنه قال للحارث الهمداني: يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه واسمه وما فعلا (6) وفي الجوامع عنهما (عليهما السلام): حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى محمدا وعليا (7). وفي تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال: هذه نزلت فينا خاصة، إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من


(1 و 2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 158 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء. (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 284 ح 303. (4 و 5 و 6) مجمع البيان: ج 3 ص 138 س 1 – 1 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء، وفي البحار: ج 82 ص 174 كتاب الطهارة، باب النوادر ح 8 وفي: ج 81 باب آداب الاحتضار واحكامه فلا حظ، وفي امالي المفيد: ص 6 و 7 المجلس الاول. (7) جوامع الجامع: ص 101، سورة النساء س 27. (*)

[ 681 ]

[ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذ هم الربوا وقدا نهوا عنه وأكلهم أمول الناس بالبطل وأعتدنا للكفرين منهم عذابا أليما (161) ] الدنيا حتى يقر للامام وبإمامته، كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا: ” تالله لقد آثرك الله علينا ” (1) (2). وفي تفسير فرات بن إبراهيم: الكوفي: قال: حدثني عبيد بن كثير معنعنا، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم قال الله تعالى: ” وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ” يا علي إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم (عليه السلام) حتى يؤمن به قبل موته ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئا وإنك يا علي مثله لا يموت عدوك حتى يراك عند الموت فتكون عليه غيظا وحزنا حتى يقر بالحق من أمرك ويقول فيه الحق ويقر بولايتك حتى لا ينفعه ذلك شيئا وأما وليك فإنه يراك عند الموت فتكون له شفيعا ومبشرا وقرة عين (3). ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا: على اليهود بالتكذيب، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله ويكون الرسول والامام شهيدا على أعمال كل واعتقاداتهم. فبظلم من الذين هادوا: أي فيظلم عظيم منهم. حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم: في الآية التي ذكرت في الانعام ” وعلى


(1) يوسف: 91. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 300. (3) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 34 س 3. (*)

[ 682 ]

[ لكن الرسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بمآ أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة والمؤمنون بالله واليوم الاخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما (126) ] الذين هادوا ” الآية (1). في تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من زرع حنطة في أرض ولم يزك زرعه فخرج زرعه كثير الشعير، فبظلم علمه في ملك رقبة الارض، أو بظلم لمزارعيه واكرته، لان الله (عز وجل) يقول: ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم ” يعني لحوم الابل والبقر والغنم (2). وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله (3) (4). وبصدهم عن سبيل الله كثيرا: اناسا كثيرا، أو صدا كثيرا. وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه: كان الربا محرما عليهم كما هو محرم علينا. وفيه دلالية على دلالة النهي على التحريم. وأكلهم أمول الناس بالبطل: بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة. وأعتدنا للكفرين منهم عذابا أليما: دون من تاب. لكن الرسخون في العلم منهم: كعلمائهم المؤمنين.


(1) الانعام: 146. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 158 س 11 في تفسيره لآية 160 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 5 ص 306 كتاب المعيشة، باب النوادر قطعة من ح 9. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 284 ح 304. (*)

[ 683 ]

[ * إنآ أو حينا إليك كمآ أو حينا إلى نوح والنبين من بعده وأو حينآ إلى إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وءاتينا داود زبورا (163) ورسلا قد قصصنهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) ] والمؤمنون: أي منهم، وهو من آمن به غير العلماء، أو من المهاجرين والانصار. يؤمنون بمآ أنزل إليك وما أنزل من قبلك: خبر المبتدأ. والمقيمين الصلوة: نصب على المدح إن جعل ” يؤمنون ” الخبر، ل‍ ” اولئك ” والواو اعتراض، أو عطف على ” ما انزل “. والمراد بهم الانبياء، وإن جعل الخبر ” اولئك ” فيكون ” يؤمنون ” حالا، ويحتمل العطف عليه بإرادة التنكير. وقرئ بالرفع عطفا على ” الراسخون ” أو الضمير في ” يؤمنون “، أو على أنه مبتدأ والخبر ” اولئك “. والمؤتون الزكوة: رفعه لاحد الوجوه المذكورة. والمؤمنون بالله واليوم الاخر: قدم عليه الايمان بالانبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع، لانه المقصود بالآية. أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما: على جمعهم بين الايمان والعمل الصالح. وقرأ حمزة ” سيؤتيهم ” بالياء. إنا أو حينا إليك كمآ أو حينآ إلى نوح والنبين من بعده: قيل: جواب لاهل الكتاب عن اقتراحهم، أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاج عليهم


[ 684 ]

بأن أمره في الوحي كسائر الانبياء (1). في تفسير العياشي: عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: إني أو حيت إليك كما أو حيت إلى نوح والنبيين من بعده، فجمع له كل وحي (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السماء، إلى أن قال: قال جبرئيل: إن هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلم الرب (تبارك وتعالى) بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم القاه إلينا نسعى به في السماوات والارض (3). وفي اصول الكافي: عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديثا طويل، يقول فيه (عليه السلام): فلما استجاب الله لكل نبي من استجاب له في قومه من المؤمنين يجعل لكل منهم شرعة ومنهاجا والشرعة والمنهاج سبيل وسنة وقال لمحمد (صلى الله عليه وآله): أنا أوحيت إليك كما أو حينا إلى نوح والنبيين من بعده وأمر كل نبي بالاخذ بالسبيل والسنة وكل من السبيل والسنة التي أمر الله (عز وجل) بها موسى (عليه السلام) أن جعل عليهم السبت (4). وأو حينآ إلى إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمن: قيل: خصصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم، تعظيما لهم، فإن إبراهيم أول اولي العزم منهم، وعيسى آخرهم، والباقين أشرف الانبياء ومشاهيرهم (5).


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 256 في تفسيره لآية 163 من سورة النساء. (2) تفسير العياشي: ج 1 ص 285 ح 305. (3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 28 في تفسيره آية 95 من سورة الاسراء. (4) الكافي: ج 2 ص 29 باب كتاب الكفر والايمان قطعة من ح 1. (5) قاله البيضاوي: ج 1 ص 256 في تفسيره لآية 163 من سورة النساء. (*)

[ 685 ]

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وكان ما بين آدم ونوح من الانبياء مستخفين ومستعلنين، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الانبياء، وهو قول الله (عز وجل): ” ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ” (1) يعني لم نسم المستخفين كما نسمي المستعلنين من الانبياء (2). وفي روضة الكافي: عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (3). وءاتينا داود ربورا: وقرأ حمزة بضم الزاي، وهو جمع زبر بمعنى مزبور. وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن سعد الاسكاف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اعطيت السور الطوال مكان التوراة، واعطيت المئين مكان الانجيل، واعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل ثمان وستون سورة (4) (5).


(1) سيأتي عن قريب. (2) كمال الدين: ص 215 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الارض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة قطعة من ح 2 ص 12. (3) الكافي: ج 8 ص 115 (حديث آدم مع الشجرة) ح 92 س 8. (4) السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والاعراف، والانفال مع التوبة، لانها تدعى القرينتين، ولذلك لم يفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما سميت هذه السور الطوال، لانها أطول سور القرآن. وأما المثاني فهي السورة التالية للسبع الطوال، فأولها سورة يونس، وآخرها سورة النحل، وإنما سميت مثاني، لانها ثنيت الطوال أي تلتها، فكان الطوال المبادئ والمثاني لها ثواني وأما الماؤون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية، أو فويق ذلك أو دوينه، وهي سبع أولها سورة بني إسرائيل وآخرها المؤمنون، وقيل: أن المائين ماولى السبع الطوال ثم المثاني بعدها، وهي التي يقصر عن المائين ويزيد على المفصل، وسميت مثاني، لان المائين مبادئها، أما المفصل فما بعد الحواميم إلى آخر القرآن، طوالها من سورة محمد إلى النبأ، ومتوسطاته منه إلى الضحى، وقصاره منه إلى آخر القرآن، وسميت مفصلا لكثرة الفصول بين سروها ب‍ ” بسم الله الرحمن الرحيم “. انتهى (مرآة العقول: ج 12 ص 481 نقلا عن مجمع البيان). (5) الكافي: ج 2 ص 601 كتاب فضل القرآن، ح 10 وليس في الحديث جملة (عن أبي عبد الله (عليه (*)

[ 686 ]

وفيه: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): وأنزل الزبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان (1). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. ورسلا: نصب بمضمر دل عليه ” أوحينا ” إليه كأرسلنا أو فسره. قد قصصنهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما: قيل: وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم، وقد فضل الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أعطاه ما أعطى كل واحد منهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث في قصة الاسراء، وفيه يقول (صلى الله عليه وآله): ثم ركبت فمضينا ما شاء الله، ثم قال لي: انزل فصل، فنزلت وصليت، فقال لي: أتدري أين صليت ؟ فقلت: لا، فقال: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما (2). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود، وفيه، قالت اليهود، موسى خير منك، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ولم ؟ قالوا: لان الله (عز وجل) كلمه باربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد اعطيت أنا أفضل من ذلك، قالوا: وما ذاك ؟ قال: قوله (عز وجل): ” سبحان الذي أسرى ” الحديث (3) (4). وروى عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن


السلام) وتمام الحديث: (وهو مهيمن على سائر الكتب والتوراة لموسى والانجيل لعيسى والزبور لداود). (1) الكافي: ج 2 ص 629 كتاب فضل القرآن، باب النوادر، قطعة من ح 6. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 1 سورة بني إسرائيل س 16. (3) الاسراء: 1. (4) الاحتجاج: ج 1 ص 48 احتجاجه (صلى الله عليه وآله) على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك س 19. (*)

[ 687 ]

أدخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاستأذنت فأذن لي، فدخل، فقال له: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى (عليه السلام) ؟ فقال: الله أعلم ورسوله بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية ؟ فأخذ أبو قرة بلسانه، فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله مما تقول ! ومعاذ الله أن يشبه خلقه، أو يتكلم بمثل ماهم يتكلمون، ولكنه (تبارك وتعالى) ليس كمثله شئ، ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف ذلك ؟ قال: كلام الخالق للمخلوق، ليس ككلام المخلوق للمخلوق، ولا يلفظ بشق فم ولسان، ولكن يقول له: ” كن فيكون “، فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الامر والنهي عن غير تردد في نفس (1). وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن صفوان ابن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: لم يزل الله متكلما ؟ قال: فقال: إن الكلام صفة محدثة، ليس بأزلية، كان الله (عز وجل) ولا متكلم (2). وفي كتاب الخصال: بإسناده إلى الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام والياليهن ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم، مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله (عز وجل) (3). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى محمد بن الجهم، عن أبي الحسن (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): حاكيا عن موسى (عليه السلام) في قومه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى


(1) الاحتجاج: ج 2 ص 405 (احتجاج الامام الرضا (عليه السلام) على أبي قرة المحدث) س 1. (2) الكافي: ج 1 ص 107 كتاب التوحيد، باب صفات الذات، قطعة من ح 1. (3) الخصال: ص 641 (ما بعد الالف) ناجى الله تعالى موسى بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين الف كلمة، ح 20. (*)

[ 688 ]

[ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165) ] (عليه السلام) إلى الطور، وسأل (تبارك وتعالى) أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله (تعالى ذكره) وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لان الله تعالى أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه (1). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة، ولا لهوات (2) سبحانه وتعالى عن الصفات (3). وعنه (عليه السلام) في حديث وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وكلام الله تعالى ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن كلام الله ليس بنحو واحد، فإن منه ما تبلغ رسل السماء رسل الارض (4). رسلا مبشرين ومنذرين: نصب على المدح، أو بإضمار ” أرسلنا ” أو على الحال ويكون ” رسلا ” موطئا لما بعده، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا. لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل: فيقولوا: لو لا أرسلت إلينا رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نعلم، واللام متعلقة ب‍ ” أرسلنا ” وبقوله: ” مبشرين


(1) التوحيد: ص 121 باب ما جاء في الرؤية، ح 24 س 13 والحديث عن علي بن محمد بن الجهم. (2) في الحديث: يحرك الرجل لسانه في لهواته، هي بالتحريك جمع لهاة كحصاة، وهي سقف الفم، وقيل: هي اللحمة الحمراء المتعلقة في اصل الحنك (مجمع البحرين: ج 1 ص 385 لغة لها). (3) التوحيد: ص 79 باب التوحيد ونفي التشبيه قطعة من ح 34. (4) التوحيد ص 264 باب الرد على الثنوية والزنادقة س 15. (*)

[ 689 ]

ومنذرين “. و ” حجة ” اسم كان وخبره ” للناس “، أو ” على الله ” والآخر حال (1)، ولا يجوز تعلقه ب‍ ” حجة ” لانه مصدر و ” بعد ” ظرف لها، أو صفة (2). وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه (3) ليستأدوهم ميثاق فطرته (4) ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول (5) ويروهم آيات المقدرة، من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم (6) وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة (7) رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكرمين من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله (8) على ذلك نسلت


(1) أي ما لا يكون خبرا من قوله: (على الله، أو للناس) يكون حالا، فإن كان الخبر هو (على الله) يكون (للناس) حالا وان كان الخبر للناس يكون على الله حالا، ولا يجوز أن يتعلق (على الله) ب‍ (حجة) وإن كان المعنى عليه، لان معمول المصدر لا يتقدم عليه (حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي) في تفسيره لآية 165 من سورة النساء. (2) أي إن لم يكن (بعد) ظرفا لها، أو صفة حائل تعلقه بها – منه (كذا في هامش النسخة). (3) ارسلهم، وبين كل نبي ومن بعده فترة، لا بمعنى ارسلهم تباعا بعضهم يعقب بعضا. (4) كان الله تعالى بما أودع في الانسان من الغرائز والقوى، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدى، وقد أخذ عليهم ميثاقا بأن يصرف ما اوتي من ذلك فيما خلق له، وقد كان يعمل على ذلك الميثاق ولا ينقضه، لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات، فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق، اي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم، وما ينبغي أن تسوقهم إليه غرائزهم. (5) دفائن العقول: أنوار العرفان التي تكشف للانسان اسرار الكائنات، وترتفع به إلى الايقان بصانع الموجودات، وقد تحجب هذه الانوار غيوم من الاوهام وحجب من الخيال، فيأتي النبيون لا ثارة تلك المعارف الكامنة، وابراز تلك الاسرار الباطنة. (6) السقف المرفوع: السماء، والمهاد الموضوع، الارض والاوصاب: المتاعب. (7) المحجة: الطريق القويمة الواضحة. (8) من سابق: بيان للرسل، وكثير من الانبياء السابقين، سميت لهم الانبياء السابقين، سميت لهم الانبياء الذين بعدهم، فبشروا بهم كما ترى ذلك في التوراة وفي القرآن الكريم أن عيسى (عليه السلام) بشر بخاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغابر: الذي يأتي بعد أن يبشر به السابق جاء معروفا بتعريف من قبله. (*)

[ 690 ]

[ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملئكة يشهدون وكفى بالله شهيدا (166) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا (167) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) ] القرون (1) ومضت الدهور، ونسلت الاباء، وخلفت الابناء، إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) (2). وكان الله عزيزا: لا يغلب فيما يريده. حكيما: فيما دبر من أمر النبوة، وخص كل نبي بنوع من الوحي والاعجاز. لكن الله يشهد بمآ أنزل إليك: استدراك عن مفهوم ما قبله، فكأنه لما تعنتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء، واحتج عليهم ” إنا أو حينا إليك ” قال: إنهم لا يشهدون ولكن الله يشهد، أو إنهم أنكروه ولكن الله يبينه ويقرره بما أنزل إليك من القرآن المعجز الدال على نبوتك. نقل: أنه لما نزل ” إنا أو حينا إليك ” قالوا: ما نشهد لك، فنزلت. أنزله بعلمه: متلبسا بعلمه الخاص به، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل بيلغ بحال، أو من استعد للنبوة واستأهل نزول الكتاب عليه، أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم. والجار والمجرور على الاولين حال عن الفاعل، وعلى الثالث حال عن الفعول،


(1) نسلت، بالبناء للمجهول، ولدت، وبالبناء للفاعل، مضت متتابعة. (2) نهج البلاغة ط بيروت: ص 43 ومن خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها ابتداء خلق السماء والارض وخلق آدم. (*)

[ 691 ]

[ إلا طريق جهنم خلدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (169) يأيها الناس قد جائكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن الله ما في السموت والارض وكان الله عليما حكيما (170) ] والجملة كالتفسير لما قبلها. والملئكة يشهدون: أيضا بنبوتك. وكفى بالله شهيدا: وإن لم يشهد غيره، أو كفى بما أقام من الحجج على صحة نبوتك عن إشهاد بغيره. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما انزلت ” لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ” (1). إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا: لانهم جمعوا بين الضلال والاضلال، ولان المضل يكون اعرق في الظلال وأبعد من الانقلاع عنه. إن الذين كفروا وظلموا: جمعوا بينهما، والظلم أعم من الظلم عليه وعلى غيره إذا اجتمع مع الكفر. لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خلدين فيها أبدا: حال مقدرة. وكان ذلك على الله يسيرا: لا يصعب عليه. في تفسير علي بن إبراهيم: وقرأ أبو عبد الله (عليه السلام) ” إن الذين كفروا


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 3 في تفسيره لآية 166 من سورة النساء. (*)

[ 692 ]

وظلموا ” (آل محمد حقهم) الآية (1). وفي اصول الكافي: أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية هكذا ” إن الذين كفروا – وظلموا آل محمد حقهم – لم يكن الله ” الآية (2). وفي تفسير العياشي مثله (3). يأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم: قيل: لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها، وأوعد من أنكرها، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالاجابة، والوعيد على الرد (4). فامنوا خيرا لكم: أي إيمانا خيرا لكم، أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه. وقيل: تقديره يكن الايمان خيرا لكم، ومنعه البصريون، لان (كان) لا يحذف مع اسمه إلا فيما لابد منه، ولانه يؤدي إلى حذف الشرط وجوابه (5). وإن تكفروا فإن لله ما في السموت والارض: فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم، ونبه على غناه بقوله ” ولله ما في السماوات والارض ” وهو ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه. وكان الله عليما: بأحوالهم. حكيما: فيما دبر لهم. وفي اصول الكافي في تتمة الخبر الاول (6). وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام) ” قد جاء كم الرسول بالحق – في ولاية علي – فآمنوا خيرا لكم وأن تكفروا ” – بولاية علي – الآية (7).


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 6 في تفسيره لآية 169 من سورة النساء. (2) الكافي: ج 1 ص 424 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 59 وفيه (إن الذين ظلموا – آل محمد حقهم – لم يكن الله الآية). (3 و 7) تفسير العياشي: ج 1 ص 285 قطعة من ح 307. (4 و 5) قال البيضاوي: ج 1 ص 257 في تفسيره لآية 170 من سورة النساء. (6) الكافي: ج 1 ص 424 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ذيل ح 59. (*)

[ 693 ]

[ يأهل الكتب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقهآ إلى مريم وروح منه فئامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله وحد سبحنه أن يكون له ولد له ما في السموت وما في الارض وكفى بالله وكيلا (171) لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا (172) ] يأهل الكتب لا تغلوا في دينكم: قيل: الخطاب للفريقين، غلت اليهود في حط عيسى حتى رموه بأنه ولد لغير رشده، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها. وقيل: للنصارى خاصة، وهو أوفق بقوله (1). ولا تقولوا على الله إلا الحق: يعنى تنزيهه عن الشريك والصاحبة والولد. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقهآ إلى مريم: أوصلها إليها وحصلها فيها. في مجمع البيان: وعيسى (عليه السلام) ممسوح البدن من الادناس والآثام كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم: ثم قال: وصور ابن مريم في الرجل دون الصلب وإن


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 257 في تفسيره لآية 171 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 144 في بيان لغة (المسيح) في آية 171 من سورة النساء. (*)

[ 694 ]

كان مخلوقا في أصلاب الانبياء (عليهم السلام) (1). وروح منه: ذو روح صدر عنه لا بتوسط ما يجري مجرى الاصل والمادة. وقيل: سمي روحا، لانه كان يحيى الاموات والقلوب (2). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة، عن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ” وروح منه ” قال: هي روح مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى (3). وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي جعفر الاصم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ما هما ؟ قال: روحان مخلوقان، اختارهما واصطفاهما روح آدم وروح عيسى (عليهما السلام) (4). فئامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلثة: أي الآلهة ثلاثة، الله والمسيح وامه، ويشهد له قوله: ” أءنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله ” (5). أو ” الله ” ثلاثة، إن صح أنهم يقولون: الله ثلاثة أقانيم (6)، الاب والابن وروح القدس: ويريدون بالاب الذات، وبالابن العلم، وبروح القدس الحياة. انتهوا: عن التثليث. خيرا لكم: اقصدوا خيرا لكم، وهو التوحيد. إنما الله إله وحد: أي واحد بالذات لا تعدد فيه بوجه ما. سبحنه أن يكون له ولد: سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد، كيف والولد لابد أن يكون مماثلا للوالد، تعالى الله عن أن يكون له مماثل ومعادل. له ما في السموت وما في الارض: ملكا وخلقا، لا يماثله شئ من ذلك


(1) لم نعثر عليه في تفسير القمي ونقلناه عن تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 577 ح 687. (2) نقله البيضاوي: ج 1 ص 258 في تفسيره لآية 171 من سورة النساء. (3) الكافي: ج 1 ص 133 كتاب التوحيد، باب الروح 2. (4) كتاب التوحيد: ص 172 باب 27 معنى قوله (عز وجل): ونفخت فيه من روحي، ح 4. (5) المائدة: 116. (6) الاقانيم: الاصول واحدها اقنوم، قال الجوهري: واحسبها رومية (لسان العرب: ج 12 ص 496). (*)

[ 695 ]

فيتخذه ولدا. وكفى بالله وكيلا: تنبيه على غناه عن الولد، فإن الحاجة إلى الولد ليكون وكيلا لابيه، والله سبحانه قائم بحفظ الاشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلفه أو يعينه. لن يستنكف المسيح: لن يأنف، من نكفت الدمع، إذا نحيته باصبعك كيلا يرى أثره على وجهك. أن يكون عبد الله: من أن يكون عبد الله، فإن عبوديته شرف يتباهى به، وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره. في مجمع البيان: روي أن وقد نجران قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد لم تعيب صاحبنا ؟ قال: ومن صاحبكم ؟ قالوا: عيسى، قال: وأي شئ أقول فيه ؟ قالوا: إنه عبد الله ورسوله فنزلت الآية (1). ولا الملئكة المقربون: عطف على المسيح، أي ولن يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيد الله. في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي تختم باليمين تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرائيل وميكائيل (2). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكيا عن جبرئيل (عليه السلام): أن بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل، وبيننا وبينه أربعة حجب، حجاب من نور، وحجاب


(1) مجمع البيان: ج 3 ص 146 في شأن نزول آية 172 من سورة النساء. (2) علل الشرائع: ج 1 ص 152 باب 127 علة تختم أمير المؤمنين (عليه السلام) في يمينه، ح 3 وتمام الحديث (قال: بما اتختم يا رسول الله ؟ قال: بالعقيق الاحمر، فإنه أقر لله (عز وجل) بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية ولولدك بالامامة ولمحبيك بالجنة ولشيعة ولدك بالفردوس). (*)

[ 696 ]

من ظلمه، وحجاب من الغمام، وحجاب من الماء (1). واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الانبياء، وقال: مساقة لرد النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه. وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة، فلا يتجه ذلك، وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار آخر دون التكبير (2)، كقولك: أصبح الامير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس (3). وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل: ادن يا محمد فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل ؟ قال: نعم، إن الله (عز وجل) فضل أنبياء المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلك أنت خاصة، فدنوت وصليت بأهل السماء الرابعة (4). وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل، وفيه قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن علي هو أفضل أم ملائكة الله المقربون ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما، أنه لا أحد من محبي علي (عليه السلام) قد نظف


(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 10 س 2 في تفسيره لآية 1 من سورد بني إسرائيل. (2) قوله: (باعتبار التكثير دون التكبير) الاول بالثاء المثلثة، والثاني بالباء الموحدة، يعني أن المبالغة تحصل في المعطوف باعتبار الكثرة دون الكبر والعظمة، يعني: لن يستنكف المسيح وهو شخص واحد ولا الاشخاص الكثيرة التي هم الملائكة المقربون (من حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي). (3) الاحتجاج والجواب من البيضاوي: ج 1 ص 258 في تفسيره لآية 172 من سورة النساء. (4) علل الشرائع: ج 1 ص 6، باب 7 العلة التي من أجلها صارت الانبياء والرسل والحجج (صلوات الله عليهم) أفضل من الملائكة س 8 والحديث منقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولفظه: (وأنه لما عرج لي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال إلخ). (*)

[ 697 ]

قلبه من قذر (الغش والدغل ونجاسات الذنوب) (1) إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة (2). وفي كتاب كمال الدين وتمام العمة: بإسناده إلى المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما اسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي (رجل جلاله)، فقال: يا محمد إني اطلعت على الارض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا، وشققت لك من اسمي اسما، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك، وشققت له اسما من اسمائي، فأنا العلي الاعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوري ثم عرضت ولا يتهم على الملائكة، فمن قلبها كان عندي من المقربين، (3) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل يذكر فيه فاطمة (عليها السلام)، وفيه: فإنها تقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بمانادت به الملائكة مريم (4). ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر: يترفع عنها، والاستكبار دون الاستنكاف، وإنما يستعمل حيث لا استحقاق، بخلاف التكبر فإنه قد يكون باستحقاق، كما هو في الله سبحانه. فسيحشرهم إليه جميعا: المستنكف والمستكبر، والمقر بالعبودية، فيجازيهم على حسب أحوالهم.


(1) في النسخة أ: النشر والذعل والفعل ونجاسته الدنيوية. (2) الاحتجاج: ج 1 ص 62 ذكر ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على العقبة بالليل س 2. (3) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 252، باب 23 نص الله (تبارك وتعالى) على القائم (عليه السلام) وانه الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام) قطعة من ح 2. (4) أمالي الصدوق (رحمه الله): ص 394، المجلس الثالث والسبعون قطعة من ح 18. (*)

[ 698 ]

[ فأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم ويزيدهم – من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (173) يأيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صرطا مستقيما (175) ] فأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا: تفصيل للمجازاة المدلول عليها من فحوى الكلام، وكأنه قال: فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة، أو لمجازاة المستنكف والمستكبر، فإن إثابة مقابليهم، والاحسان إليهم تعذيب لهم بالغم والحسرة. يأيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا: قيل: المراد بالبرهان المعجزات، وبالنور القرآن، أي جاء كم دلائل العقل، وشواهد النقل، ولم يبق لكم عذر ولا علة (1). وقيل: البرهان رسول الله، والنور القرآن (2). وفي مجمع البيان: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، النور ولاية علي (عليه السلام) (3).


(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء. (2) الدر المنثور: ج 2 ص 249 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء نقلا عن سفيان الثوري. (3) مجمع البيان: ج 3 ص 147 في تفسيره لآية 174. (*)

[ 699 ]

[ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكللة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم (176) ] فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه: ثواب مستحق. وفضل: وإحسان زائد عليه. ويهديهم إليه: إلى الله، أو الموعود من الرحمة والفضل. صرطا مستقيما: قد مر تحقيق معنى الصراط في سورة الفاتحة. وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن سليمان قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) قوله: ” فد جاء كم برهان ” الآية قال: البرهان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنور علي (عليه السلام) قال: قلت له ” صراطا مستقيما ” قال: الصراط المستقيم علي (عليه السلام) (1). وفي تفسير علي بن إبراهيم: النور إمامة أمير المؤمنين، والاعتصام التمسك بولايته، وولاية الائمة بعده (2). يستفتونك: اي في الكلالة حذف لدلالة الجواب عليه. نقل أن جابر بن عبد الله كان مريضا، فعاوده رسول الله (صلى الله عليه وآله


(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 285 ح 308. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 12 في تفسيره لآية 175 من سورة النساء. (*)

[ 700 ]

وسلم) فقال: يا رسول الله إن لي كلالة، فكيف أصنع في مالي ؟، فنزلت (1). وروي في مجمع البيان ما يقرب من ذلك (2). قل الله يفتيكم في الكللة: معنى تفسيرها في أوائل السورة. في الكافي: عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: إذا ترك الرجل امه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الاربعة فليس بالذي عنى الله في كتابه: ” قل الله يفتيكم في الكلاله ” (3). عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب وعبد الله بن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ترك الرجل أباه أو امه أو ابنه أو ابنته، إذا ترك واحدا من هؤلاء الا ربعة فليس هم الذين عنى الله ” قل الله يفتيكم في الكلالة ” (4). (وفي الكافي علي بن إبراهيم..) (5). إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك: ارتفع ” امرؤ ” بفعل يفسره الظاهر، و ” ليس له ولد ” صفة له، أو حال من المستكن في ” هلك ” والواو في ” وله ” يحتمل الحال والعطف. أي اخت لاب وام، أو اخت لاب، كذا عن الصادق (عليه السلام) (6). فللاخت نصف ما ترك الميت بالفرض، والباقي يرد عليها أيضا. وهو يرثها: أي المرء يرث اخته جميع مالها، إن كانت الاخت هي الميتة.


(1) نقله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 149 في سبب نزول آية 176 من سورة النساء. (3) الكافي ج 67 ص 83 كتاب المواريث ذيل ح 1. (4) الكافي: ج 7 ص 99 كتاب المواريث ح 1. (5) كذا في النسخة – أ، والظاهر – والله أعلم – إما ان هذا الكلام زائد من سهو الناسخ، أو أن هناك حديث أورد بعض سنده وسهى عن إكماله. (6) الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ضمن ح 3. (*)

[ 701 ]

إن لم يكن لها ولد: ولا والد، لان الكلام في ميراث الكلالة، ولان السنة دلت على أن الاخوة لا يرثون مع الاب كما تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) (1). فإن كانتا اثنتين: الضمير لمن يرث بالاخوة، وتثنيته محمولة على المعنى، وفائدة الاخبار باثنتين، والتنبيه على أن الحكم باعتبار العدد، دون الصغر والكبر وغير هما. فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين: فيه تغليب، واصله: إن كانوا إخوة وأخوات، فغلب الذكر. وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا مات الرجل وله اخت، تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت، والنصف الآخر يرد عليها بالرحم، إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الاخت أخ، أخذ الميراث كله بالآية، لقول الله ” وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ” فإن كانتا اختين أخذتا الثلثين بالآية، والثلث الباقي بالرحم ” وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين ” وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد، أو أبوان أو زوجة (2). وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى، عن يونس، عن عمر بن اذينة، عن بكير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختها لابيها ؟ فقال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللاخوة من الام الثلث سهمان، وللاخت من الاب السدس سهم، فقال له الرجل: فإن فرائض زيد وفرائض العامة والقضاء على غير ذلك يا أبا جعفر يقولون: للاخت من الاب ثلاثة أسهم تصير من ستة، وتعول إلى ثمانية، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم قالوا ذلك ؟ قال: لان الله (عز وجل) يقول: ” وله أخت فلها نصف ما ترك ” فقال أبو جعفر: فإن كانت الاخت أخا ؟ قال: فليس له إلا السدس، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فما لكم نقصتم الاخ إن كنتم تحتجون


(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 434 كتاب الفرائض والمواريث، الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، فلا حظ. (2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 18 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء. (*)

[ 702 ]

للاخت النصف بأن الله سمى لها النصف، فإن الله قد سم للاخ الكل، والكل أكثر من النصف، لانه قال (عز وجل): ” فلها النصف ” وقال للاخ ” وهو يرثها ” يعني جميع مالها ” إن لم يكن لها ولد “. فلا تعطون الذي جعل الذي الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا، وتعطون الذي جعل الله له النصف تاما ؟ فقال له الرجل: أصلحك الله فكيف تعطى الاخت النصف ولا يعطى الذكر لو كانت هي ذكرا شيئا ؟ فقال: تقولون في ام وزوج وإخوة لام واخت لاب، يعطون الزوج النصف، والام السدس، والاخوة من الاخت من الاب النصف ثلاثة، فيجعلونها من تسعة، وهي من ستة فترتفع إلى تسعة قال: وكذلك تقولون: قال: فإن كانت الاخت ذكرا أخا لاب، قال: ليس له شئ، فقال الرجل لابي جعفر (عليه السلام) فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال: ليس للاخوة من الاب والام، ولا الاخوة من الام، ولا الاخوة من الاب مع (الام) (1) شئ. قال عمر بن اذينة: وسمعته من محمد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر من بكير، المعنى سواء لست أحفظه بحروفه وتفصيله إلا معناه، قال: فذكرت ذلك لزرارة، فقال صدقا هو والله الحق (2). محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأله رجل عن اختين وزوج ؟ فقال: النصف والنصف فقال الرجل: النصف والنصف، أليس الله قد سمى المال فقال: ” وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ” (3). محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن (عبد الله) (4) بن المغيرة، عن موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): إن الاخوة للاب والاخوات للاب والام يزادون وينقصون، لانهن لا يكن


(1) في النسخة – أ -: الاب (2) الكافي: ج 7 ص 102 كتاب المواريث باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 4. (3) الكافي: ج 7 ص 103 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ص 103 ح 6. (4) في النسخة – أ -: (عبيد الله). (*)

[ 703 ]

أكثر نصيبا من الاخوة والاخوات للاب والام لو كانوا مكانهن، لان الله (عز وجل) يقول: ” إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ” يقول: يرثه جميع ما لها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمى الله له النصف كملا، وعمدوا فأعطوا الذي سمى الله له المال كله أقل من النصف، والمرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرجل لو كان مكانها، قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحانا لا يختلفون فيه (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن اذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر حديثا طويلا يقول (عليه السلام) في آخرة: وفي آخر سورة النساء ” يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت ” يعني اختا لام وأب أو اختا لاب ” فلها نصف ما ترك. وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا اخوة النصف كملا، وعمدوا فأعطوا الذي سمى الله له المال كله أقل من النصف، والمرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرجل لو كان مكانها، قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحانا لا يختلفون فيه (1). علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن اذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر حديثا طويلا يقول (عليه السلام) في آخرة: وفي آخر سورة النساء ” يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت ” يعني اختا لام وأب أو اختا لاب ” فلها نصف ما ترك. وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين ” فهم الذين يزادون (وينقصون) (2) (3). يبين الله لكم أن تضلوا: أي يبين لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطبائعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه، أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا. وقال الكوفيون: لئلا تضلوا، فحذف ” لا ” (4). والله بكل شئ عليم: فهو عالم بمصالح العباد في المحيى والممات. قيل: هي آخر آية نزلت في الاحكام (5).


(1) الكافي: ج 7 ص 104 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد ح 7. (2) في النسخة أ: وينفقون. (3) الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث، باب ميراث الاخوة والاخوات مع الولد قطعة من ح 3. (4) تقديره، كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو مفعول له، وقيل: تقديره، لئلا تضلوا فحذف (اللام ولا) من الكلام، لان فيما أبقى دليلا على ما ألقى والوجه الاول أوجه الوجهين (البيان لابن الانباري: ص 281). (5) قال البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء. (*)

اترك تعليقاً