مصباح الشريعة

المنسوب للإمام الصادق (ع)


[ 1 ]

مصباح الشريعة


[ 3 ]

مصباح الشريعة للامام جعفر الصادق (ع) منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان ص. ب 7120


[ 4 ]

الطبعة الاولى حقوق الطبع محفوظة للناشر 1400 ه‍ – 1980 م


[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الباب الاول في العبودية قال الصادق (ع): أصول المعاملات تقع اربعه اوجه معامله الله ومعامله النفس ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكل وجه منها منقسم على سبعه اركان أما أصول معاملة الله تعالى فسبعة اشياء اداء حقه وحفظ حده وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه


[ 6 ]

واصول معاملة النفس سبعة الخوف والجهد وحمل الاذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر واصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو والتواضع والسخاء والشفقه والنصح والعدل والانصاف واصول معامله الدنيا سبعه الرضا بالدون والايثار بالموجود وترك طلب المفقود وبغض الكثرة واختيار الزهد ومعرفه آفاتها ورفض شهواتها رفض الرياسة فإذا حصلت هذه الخصال في نفس واحدة فهو من خاصه الله وعباده المقربين واوليائه حقا


[ 7 ]

الباب الثاني قال الصادق (ع): العبودية جوهر كنهها الربوبيه فما فقد من العبودية وجد الربوبية وما خفى عن الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك. وتفسير العبودية بذل الكل وسبب ذلك منع النفس عما تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحه وحب العزلة وطريقة الافتقار الى الله تعالى


[ 8 ]

قال النبي (ص): اعبد الله كانك تراه فإن تكن تراه فانه يراك وحروف العبد ثلاثه (ع ب د) فالعين علمه بالله والباء بونه عمن سواه والدال دنوه الله تعالى بلا كيف ولا حجاب واصول المعاملات تقع على اربعة اوجه كما ذكر في اول الباب الاول


[ 9 ]

الباب الثالث في غض البصر الصادق (ع): ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر لأن البصر لا يغض عن محارم الله تعالى إلا و سبق الى قلبه مشاهده العظمة والجلال سئل أمير (ع) بما ذا يستعان على غض البصر فقال (ع): بالخمود تحت السلطان المطلع على سرك والعين جاسوس القلوب وبريد العقل فغض بصرك عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك قال النبي (ص): غضوا ابصاركم ترون العجايب


[ 10 ]

قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا ابصارهم ويحفظوا فروجهم). وقال عيسى بن مريم (ع) للحواريين اياكم والنظر الى المحذورات فانها بذر الشهوات وبنات الفسق قال يحيى (ع): الموت احب الى من نظره بغير واجب. وقال عبد الله بن مسعود لرجل نظر الى امرأة قد عادها في مرضها لو ذهب عيناك لكان خيرا لك من عياده مريضك ولا تتوفر عين يصيبها من نظر الى محذور إلا وقد انعقد عقده على قلبه من المنيه ولا تنحل باحدى الحالين: أما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة وأما باخذ نصيبه مما تمنى ونظر إليه فاخذ الحظ من غير توبه فيصيره الى النار وأما التائب البالى بالحسرة والندامة عن ذلك فماواه الجنة ومنقلبه الرضوان


[ 11 ]

الباب الرابع في المشى قال الصادق (ع) ان كنت عاقلا فقدم العزيمة الصحيحة والنية الصادقة في حين قصدك الى أي مكان اردت فإن النفس التخطي الى محذور وكن متفكرا في مشيك ومعبرا بعجائب صنع الله تعالى اينما بلغت ولا تكن مستهزءا ولا متبخترا في مشيك قال تعالى: ولا تمش في مرحا الخ وغض بصرك عما لا يليق بالدين واذكر كثيرا فانه قد جاء في الخبر ان المواضع التي يذكر الله فيها وعليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة وتستغفر لهم الى ان يدخلهم الله الجنة ولا تكثرن


[ 12 ]

الكلام مع الناس في الطريق فإن فيه سوء الادب واكثر الطرق مراصد الشيطان ومتجرته فلا تأمن كيده واجعل ذهابك ومجيئك في طاعه الله والسعى رضاه فإن حركاتك كلها مكتوبه في صحيفتك قال تعالى: (يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يكسبون) وقال الله تعالى: (وكل انسان الزمناه طائره عنقه).


[ 13 ]

الباب الخامس في العلم قال الصادق (ع): العلم اصل كل حال سنى ومنتهى كل منزلة رفيعة ولذلك قال النبي (ص) طلب العلم فريضه كل مسلم ومسلمه أي علم التقوى واليقين. وقال علي (ع): اطلبوا العلم ولو بالصين فهو علم معرفة النفس ومعرفة الرب عز وجل قال النبي (ص): من عرف نفسه عرف ربه ثم عليك من العلم بما لا يصح العمل به وهو الاخلاص. قال النبي (ص): نعوذ بالله علم لا ينفع وهو العلم


[ 14 ]

الذي يضاد العمل بالاخلاص واعلم ان قليل العلم يحتاج إلى كثير العمل لأن علم الساعة يلزم صاحبه استعمال طول دهره. قال عيسى بن مريم (ع) رايت حجرا عليه مكتوب اقلبني فقلبته فإذا على باطنه مكتوب من لا يعمل بما يعلم مشؤم عليه طلب ما لا يعلم ومردود عليه ما علم اوحى تعالى الى داود (ع): ان اهون ما انا صانع بعالم عامل بعلمه اشد من سبعين عقوبة باطنة ان اخرج قلبه حلاوه ذكرى وليس الى الله سبحانه طريق يسلك بعلم والعلم زين المرء في الدنيا والاخره وسائقه الجنة وبه يصل الى رضوان الله تعالى والعالم حقا الذي ينطق فيه اعماله الصالحه واوراده الزاكية وصدقه وتقواه لا لسانه ومناظرته ومعادلته وتصاوله ودعواه ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان


[ 15 ]

فيه عقل ونسك وحكمه وحياء وخشيه وانا نرى طالبه اليوم ليس فيه من ذلك شئ والعالم يحتاج الى عقل ورفق وشفقه ونصح وحلم وصبر وقناعه وبذل والمتعلم يحتاج الى رغبة وارادة وفراغ ونسك وخشيه وحفظ وحزم


[ 16 ]

الباب السادس في الفتياء قال الصادق (ع): لا يحل الفتياء لمن لا يصطفى من الله تعالى بصفاء سره واخلاص علمه وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال لأن من افتى فقد حكم والحكم لا يصح إلا باذن من الله عز وجل وبرهانه ومن حكم بالخير بلا معاينة فهو جاهل ماخوذ بجهله ومأثوم بحكمه دل الخبر العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء قال النبي (ص): اجراكم على الفتياء اجراكم على عز وجل ا ولا يعلم المفتى انه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار


[ 17 ]

قال سفيان بن عيينه: كيف ينتفع بعلمي غيرى وانا قد حرمت نفسي نفعها ولا يحل الفتياء في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن اتبع الحق من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي (ص) وعرف ما يصلح من فتياه قال النبي (ص): وذلك لربما ولعل ولعسى لأن الفتياء عظيمة قال أمير قوله المؤمنين (ع): لقاض هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال لا قال: فهل اشرفت على مراد الله عز وجل في امثال القرآن ؟ قال: لا. قال (ع): إذا هلكت واهلكت والمفتى يحتاج الى معرفة معاني القرآن وحقايق السنن وبواطن الاشارات والاداب والاجماع والاختلاف والاطلاع على اصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه ثم الى حسن الاختيار ثم الى العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوى ثم حينئذ ان قدر.


[ 18 ]

الباب السابع في الامر بالمعروف والنهى المنكر قال الصادق (ع): من لم ينسلخ هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ويهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله تعالى وامان عصمته لا يصلح له الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لانه لم يكن بهذه الصفة فكلما اظهر امرا يكون حجه ولا ينتفع الناس به. قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم). ويقال له: يا خائن ا تطالب خلقي خنت به نفسك وارخيت عنه عنانك روى ان ثعلبة الاسدي سال رسول الله (ص) عن


[ 19 ]

هذه الايه: (يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فقال رسول الله (ص): (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على اصابك) حتى إذا رايت شحا مطاعا وهوى متبعا واعجاب كل ذى راى برايه فعليك بنفسك ودع عنك العامة وصاحب الامر بالمعروف يحتاج ان يكون عالما بالحلال والحرام فارغا من خاصة نفسه مما يامرهم وينهاهم عنه ناصحا للخلق رحيما لهم رفيقا بهم داعيا لهم باللطف وحسن البيان عارفا بتفاوت اخلاقهم لينزل كلا بمنزلته بصيرا بمكر النفس ومكائد الشيطان صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها ولا يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتاظ لنفسه مجردا نيته لله مستعينا به تعالى ومبتغيا لوجهه فإن خالفوه وجفوه صبر وان وافقوه وقبلوا منه شكر مفوضا امره إلى الله ناظرا الى عيبه


[ 20 ]

الباب الثامن في آفة العلماء قال الصادق (ع): الخشية ميراث العلم وميزانه والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان يشق الشعر بمتشابهات العلم قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وآفة العلماء ثمانية: الطمع والبخل والرياء والعصبية وحب المدح والخوض فيما لم يصلوا الى حقيقته والتكلف في تزيين الكلام بزوائد الالفاظ وقلة الحياء من الله والافتخار وترك العمل علموا قال عيسى (ع) اشقى الناس من هو معروف


[ 21 ]

بعلمه مجهول بعمله وقال النبي (ص): لا تجلسوا كل داع مدع يدعوكم من اليقين الى الشك ومن الاخلاص الى الرياء ومن التواضع الى الكبر ومن النصيحة الى العداوة والزهد الى الرغبة وتقربوا الى عالم يدعوكم الى التواضع الكبر ومن الرياء الى الاخلاص ومن الشك الى اليقين ومن الرغبة الى الزهد ومن العداوة الى النصيحة ولا يصلح لموعظة الخلق إلا من جاوز هذه الافات بصدقه واشرف على عيوب الكلام وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى قال (ع): كن كالطبيب الرفيق الشفيق الذي يضع الدواء بحيث ينفع في الخبر. سالوا عيسى بن مريم (ع): يا روح الله مع من نجالس ؟ قال (ع): من يذكركم رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الاخرة عمله


[ 22 ]

الباب التاسع في الرعاية قال الصادق (ع): من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين ثم من رعى علمه عن الهوى ودينه عن البدعة وماله عن الحرام فهو من جملة الصالحين قال رسول الله (ص): طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو علم الانفس فيجب ان يكون نفس المؤمن على كل حال في شكر عذر على معنى ان قبل ففضل وان رد فعدل وتطالع الحركات الطاعات بالتوفيق وتطالع السكون عن المعاصي بالعصمة وقوام


[ 23 ]

ذلك كله بالافتقار الى الله تعالى والاضطرار والخشوع والخضوع ومفاتحها الانابة الى الله تعالى مع قصر الامل بدوام ذكر الموت وعيان الوقوف يدى الجبار لأن ذلك راحة من الحبس ونجاة من العدو وسلامة النفس وسبب الاخلاص في الطاعات التوفيق واصل ذلك ان يرد العمر الى يوم واحد قال الله (ص): الدنيا ساعه فاجعلها طاعه وباب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر وسبب الخلوة القناعة وترك الفضول من المعاش وسبب الفكر الفراغ وعماد الفراغ الزهد وتمام الزهد التقوى وباب التقوى الخشية ودليل الخشية التعظيم لله تعالى والتمسك بخالص طاعة في اوامره والخوف والحذر مع الوقوف عن محارمه ودليلها العلم قال الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).


[ 24 ]

الباب العاشر في الشكر قال الصادق (ع) في كل نفس من انفاسك شكر لازم لك بل الف اكثر وادنى الشكر رؤيه النعمة من الله تعالى غير عله يتعلق القلب بها دون الله عز وجل والرضا اعطى وان لا تعصيه بنعمته وتخالفه بشئ من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا على كل حال تجد الله ربا كريما على كل حال ولو كان عند الله تعالى عباده تعبد بها عباده المخلصون افضل من الشكر على كل لاطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها فلما يكن افضل منها خصها من بين العبادات وخص اربابها فقال:


[ 25 ]

(وقليل من عبادي الشكور) وتمام الشكر الاعتراف بلسان العز خالصا لله عز وجل بالعجز عن بلوغ ادنى شكره لأن التوفيق الشكر نعمه حادثه يجب الشكر عليها وهي اعظم قدرا واعز وجودا من النعمة التي من اجلها وفق له فيلزمك كل شكر شكرا اعظم منه الى ما لا نهايه له مستغرقا نعمه عاجزا قاصرا عن درك غاية شكره فانى يلحق العبد شكر نعمة الله ومتى يلحق صنيعه بصنيعه والعبد ضعيف لا قوه له ابدا إلا بالله تعالى عز وجل وتعالى غنى عن طاعه العبد فهو تعالى قوى على مزيد النعم على الابد فكن لله عبدا شاكرا على هذا الوجه ترى العجب.


[ 26 ]

الباب الحادى عشر في الخروج من المنزل قال الصادق (ع): إذا خرجت من منزلك فاخرج خروج لا يعود ولا يكن خروجك إلا لطاعة أو سبب من اسباب الدين والزم السكينه والوقار واذكر الله سرا وجهرا سال بعض اصحاب أبي ذر (ره) أهل داره عنه فقالت خرج متى يرجع فقالت متى يرجع من روحه بيد غيره ولا يملك لنفسه شيئا واعتبر بخلق الله تعالى برهم وفاجرهم اينما مضيت فاسال الله تعالى ان يجعلك من خلص عباده الصادقين ويلحقك بالماضين منهم ويحشرك


[ 27 ]

في زمرتهم واحمده واشكره على ما جنبك من الشهوات وعصمك من قبيح افعال المجرمين وغض بصرك الشهوات ومواضع النهى واقصد من مشيك وراقب في كل خلوه كانك على الصراط جائز ولا تكن لفاتا وافش السلام لاهله مبتدئا ومجيبا واعن من استعان بك في حق وارشد الضال واعرض عن الجاهلين وإذا رجعت منزلك فادخل دخول الميت القبر حيث ليس همته إلا رحمة الله تعالى وعفوه.


[ 28 ]

الباب الثاني عشر في قراءه القرآن قال الصادق (ع): من قرا القرآن ولم يخضع ولم يرق قلبه ولا ينشى حزنا ووجلا في سره فقد استهان بعظم شان الله تعالى وخسر خسرانا مبينا فقارئ القرآن محتاج ثلاثه اشياء: قلب خاشع وبدن فارغ وموضع خال فإذا خشع الله قلبه فر منه الشيطان الرجيم قال الله (فإذا قرات القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) فإذا تفرغ نفسه من الاسباب تجرد قلبه للقراءة ويعترضه عارض فيحرمه بركة نور القرآن وفوائده فإذا اتخذ مجلسا خاليا


[ 29 ]

واعتزل عن الخلق بعد ان اتى بالخصلتين: خضوع القلب وفراغ البدن استانس روحه وسره بالله عز وجل ووجد حلاوة مخاطبات الله تعالى عز وجل عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته وبدايع اشاراته فإن شرب كاسا من هذا المشرب لا يختار ذلك الحال حالا وعلى ذلك الوقت وقتا بل يؤثره كل طاعة وعبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطه فانظر كيف تقرا كتاب ربك ومنشود ولايتك وكيف تجيب اوامره وتجتنب نواهيه وكيف تتمثل حدوده فانه كتاب عزيز: (لا ياتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد) فرتله ترتيلا وقف وعده ووعيده وتفكر في امثاله ومواعظه واحذر تقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده


[ 30 ]

الباب الثالث عشر في اللباس قال الصادق (ع): زين اللباس للمؤمن التقوى وانعمه الايمان قال الله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) وأما اللباس الظاهر فنعمه من الله تعالى تستر بها عورات آدم هي كرامة اكرم الله بها ذرية آدم ما لم يكرم غيرهم وهي للمؤمنين من اله لاداء ما افترض عليهم وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عز وجل بل يقربك ذكره وشكره وطاعته ولا يحملك على العجب والرياء والتزيين والتفاخر والخيلاء فانها من آفات الدين ومورثه القسوة في القلب فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر


[ 31 ]

الله عليك ذنوبك برحمته والبس باطنك كما البست ظاهرك بثوبك وليكن باطنك من الصدق في ستر الهيبه وظاهرك في ستر الطاعه واعتبر بفضل الله عز وجل حيث خلق اسباب اللباس ليستر العورات الظاهره وفتح ابواب التوبة والانابة والاغاثة ليستر بها العورات الباطنة من الذنوب واخلاق السوء ولا تفضح احدا حيث ستر الله عليك ما اعظم منه واشتغل بعيب نفسك واصفح عما لا يعنيك حاله وامره واحذر ان يفنى عمرك بعمل غيرك ويتجر براس مالك غيرك فتهلك نفسك فإن نسيان الذنوب من اعظم عقوبة الله تعالى العاجل واوفر اسباب العقوبة في الاجل وما دام العبد مشتغلا بطاعة الله تعالى ومعرفة عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله عز وجل فهو بمعزل عن الافات غائص في بحر رحمة الله تعالى يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان وما دام ناسيا لذنوبه جاهلا لعيوبه راجعا الى حوله وقوته لا يفلح إذا ابدا


[ 32 ]

الباب الرابع عشر في الرياء قال الصادق (ع): لا تراني بعملك من لا يحيى ويميت ويغنى عنك شيئا والرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفى واصلها النفاق يقال للمرائي عند الميزان خذ ثوابا تعد ثواب عملك ممن اشركته معى فانظر من تعبد وتدعو ومن ترجو ومن تخاف واعلم انك لا تقدر على اخفاء شئ من باطنك عليه تعالى وتصير مخدوعا بنفسك قال الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا انفسهم وما يشعرون) واكثر ما يقع


[ 33 ]

الرياء في البصر والكلام والاكل والشرب والمجئ والمجالسة واللباس والضحك والصلاه والحج والجهاد وقراءة القرآن وسائر العبادات الظاهرة فمن اخلص باطنه لله تعالى وخشع له بقلبه وراى نفسه مقصرا بذل كل مجهود وجد الشكر عليه حاصلا ويكون من يرجو الخلاص من الرياء والنفاق إذا استقام على في كل حال


[ 34 ]

الباب الخامس عشر في الصدق قال الصادق (ع): الصدق نور متشعشع في عالمه كالشمس يستضئ كل شئ بمعناها من غير نقصان يقع على معناها والصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه وهو المعنى لا يسع معه سواه أو ضده مثل آدم على نبينا وآله و (ع) صدق ابليس في كذبه حين اقسم له كاذبا لعدم به من الكذب في آدم قال الله تعالى: (ولم نجد عزما) لأن ابليس ابدع شيئا كان اول من ابدعه وغير معهود ظاهرا وباطنا فحشر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدم (ع) على بقاء الابد وافاد آدم (ع) بتصديقه كذبه بشهادة الله عز وله ينفى عزمه عما يضاد عهده في


[ 35 ]

الحقيقة على معنى لم ينتقص من اصطفائه بكذبه شيئا فالصدق صفة الصادق حقيقة الصدق يقتضى تزكية الله تعالى لعبده كما ذكر عن صدق عيسى (ع) في القيمة بسبب ما اشار إليه من صدقه وهو براءة الصادقين من رجال امة محمد (ص) فقال تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) وقال أمير قوله المؤمنين (ع): الصدق سيف الله في ارضه وسمائه اينما هوى به يقده فإذا اردت تعلم أصادق أنت ام كاذب فانظر في صدق معناك وعقد دعواك وعيرهما بقسطاس من الله تعالى كانك القيامة قال الله تعالى: (والوزن يومئذ الحق) فإذا اعتدل معناك يفوز دعواك ثبت لك الصدق وادنى حد الصدق ان لا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان ومثل الصادق الموصوف بما ذكرناه كمثل النازع لروحه لم ينزع فما ذا يصنع


[ 36 ]

الباب السادس عشر في الاخلاص قال الصادق (ع): الاخلاص بجميع فواضل الاعمال وهو معنى افتتاحه القبول وتوقيعه الرضا فمن تقبل الله منه ويرضى عنه فهو المخلص وان قل عمله ومن لم يتقبل منه فليس بمخلص وكثر عمله اعتبارا بادم (ع) وابليس عليه اللعنة وعلامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل محاب مع اصابه علم حركة وسكون والمخلص ذائب روحه باذل مهجته تقويم ما به العلم والاعمال والعامل والمعمول بالعمل لانه إذا ادرك ذلك فقد ادرك الكل وإذا فاته فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه


[ 37 ]

في التوحيد كما قال الاول هلك العاملون إلا العابدون وهلك العابدون إلا العالمون وهلك العالمون الصادقون وهلك الصادقون إلا المخلصون وهلك المخلصون إلا المتقون وهلك المتقون إلا الموقنون وان الموقنين لعلى خلق عظيم. قال الله تعالى: (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين) وادنى حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافاة لعلمه بعمله انه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز وادنى مقام المخلص الدنيا السلامة من جميع الاثام وفي الاخرة النجاة النار والفوز بالجنة


[ 38 ]

الباب السابع عشر في التقوى قال الصادق (ع): التقوى على ثلاثة اوجه: تقوى بالله وترك الخلاف فضلا عن الشبهة وهو تقوى خاص الخاص وتقوى من الله تعالى وهو ترك الشبهات فضلا عن الحرام وتقوى الخاص وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام ومثل التقوى كماء يجرى في النهر ومثل هذه الطبقات الثلاث في معنى التقوى كاشجار مغروسه على حافه ذلك النهر من كل لون جنس وكل شجرة منها تمتص الماء من ذلك النهر قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق ذلك الاشجار والثمار على قدرها وقيمتها


[ 39 ]

قال الله تعالى: (صنوان أو غير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل). فالتقوى للطاعات كالماء للاشجار ومثل طبائع الاشجار والاثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الايمان فمن كان اعلى درجة في الايمان واصفى جوهره بالروح كان اتقى ومن كان التقى عبادته اخلص واطهر ومن كان كذلك كان من اقرب وكل عباده مؤسسه على غير التقوى فهى هباء منثورا. قال الله تعالى: (أفمن اسس بنيانه تقوى من الله ورضوان خير امن اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) وتفسير التقوى ما ترك ليس باخذه باس حذرا مما به الباس وهو في الحقيقة طاعه بلا عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود


[ 40 ]

الباب الثامن عشر في الورع قال الصادق (ع): اغلق ابواب جوارحك عما يقع ضرره قلبك ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة والحياء عما اجترحت من السيئات والمتورع يحتاج الى ثلاثه اصول الصفح عن عثرات الخلق اجمع وترك خطيته فيهم واستواء المدح والذم واصل الورع دوام محاسبه النفس وصدق المقاولة وصفاء المعاملة والخروج من كل شبهة ورفض كل عيبة وريبة


[ 41 ]

ومفارقة جميع ما لا يعنيه وترك فتح ابواب لا يدرى كيف يغلقها ولا يجالس من يشكل عليه الواضح ولا يصاحب مستخفا الدين ولا يعارض من العلم لا يحتمل قلبه ولا يتفهمه من قائله ويقطعه عمن يقطعه الله عز وجل تعالى شانه


[ 42 ]

الباب التاسع عشر في المعاشرة قال الصادق (ع): حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى غير معصيته من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ومن كان مخلصا خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة في العلانية فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لامر الدنيا ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تسقطن لسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهره فانهم يغنون عنك شيئا وتفوتك الاخرة بلا فائده فاجعل هو الاكبر منك بمنزلة الاب والاصغر بمنزلة الولد والمثل بمنزلة الاخ ولا تدع ما تعلمه يقينا من نفسك تشك


[ 43 ]

فيه من غيرك وكن رفيقا في امرك بالمعروف وشفيقا نهيك عن المنكر ولا تدع النصيحه في كل حال. قال الله تعالى: (وقولوا للناس حسنا) واقطع عما ينسيك وصله ذكر الله تعالى وتشغلك عن طاعة الله الفتنة فإن ذلك من اولياء الشيطان واعوانه ولا يحملنك رؤيتهم المداهنة عند الحق فإن في ذلك خسرانا عظيما نعوذ بالله تعالى


[ 44 ]

الباب العشرون في النوم قال الصادق (ع): نم نوم المعتبرين ولا تنم نوم الغافلين فإن المعتبرين الاكياس ينامون استراحة ولا ينامون استبطارا استبصارا قال النبي (ص): تنام عيناي ولا ينام قلبي وانو بنومك تخفيف مؤنتك على الملائكة واعتزال النفس عن شهواتها واختبر بها نفسك وكن ذا معرفه بانك عاجز ضعيف لا تقدر على شئ من حركاتك وسكونك إلا بحكم وتقديره وان النوم اخو الموت واستدل بها الموت الذي لا تجد السبيل الى الانتباه فيه والرجوع الى صلاح


[ 45 ]

ما فات عنك ومن نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فانه بسببها شئ فذلك نوم الغافلين وسيرة الخاسرين وصاحبه مغبون ومن نام بعد فراغه من اداء الفرائض و السنن والواجبات من الحقوق فذلك نوم محمود ولا اعلم لاهل زماننا هذا شيئا إذا اتوا بهذه الخصال اسلم من النوم لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة احوالهم واخذوا شمال الطريق والعبد ان اجتهد ان لا يتكلم كيف يمكنه ان لا يستمع إلا ما هو مانع له من وان النوم من احدى تلك الالات قال الله تعالى: (ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان مسؤلا) وان في كثرته آفات وان كان على سبيل ذكرنا وكثرة النوم يتولد من كثره الشرب وكثرة الشرب يتولد كثره الشبع وهما يثقلان النفس عن الطاعة ويقسيان القلب التفكر والخشوع واجعل كل نومك آخر عهدك الدنيا واذكر الله


[ 46 ]

تعالى بقلبك ولسانك وحف طاعتك على شرك مستعينا في الصيام الى الصلاة إذا انتبهت فإن الشيطان لك نم فإن لك بعد ليلا طويلا يريد تفويت وقت مناجاتك وعرض حالك على ربك ولا تغفل عن الاستغفار بالاسحار فإن للقانتين فيه اشواقا


[ 47 ]

الباب الواحد والعشرون في الحج قال الصادق (ع): إذا اردت الحج فقلبك لله عز وجل من قبل عزمك من كل شاغل وحجب عن كل حاجب وفوض امورك كلها الى خالقك وتوكل في جميع ما يظهر من حركاتك وسكونك وسلم لقضائه وحكمه وقدره وتدع الدنيا والراحه والخلق واخرج من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين ولا تعتمد زادك وراحلتك واصحابك وقوتك وشبابك ومالك مخافه ان تصير ذلك اعداء ووبالا ليعلم ليس قوه ولا حيله ولا حد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه واستعد استعداد من


[ 48 ]

لا يرجو الرجوع واحسن الصحبة وراع اوقات فرائض الله تعالى وسنن نبيه (ص) وما يجب عليك من الادب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وايثار الراد على دوام الاوقات ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة الذنوب والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع واحرم عن كل شئ يمنعك عن ذكر الله وجل ويحجبك عن طاعته ولب بمعنى اجابة صافية خالصة زاكية لله عز وجل في دعوتك له متمسكا بالعروة الوثقى وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول حول البيت وهرول هروله فرا من هواك وتبرءا من جميع حولك وقوتك واخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك الى منى ولا تمن ما لا يحل لك ولا تستحقه واعترف بالخطا بالعرفات وحدد عهدك عند الله تعالى بوحدانيته وتقرب إليه واتقه بمزدلفة واصعد بروحك


[ 49 ]

الى الملا الاعلى بصعودك الى الجبل واذبح حنجرة الهوى والطمع عند الذبيحة وارم الشهوات والخساسة والدناءة والافعال الذميمة عند رمى الجمرات واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك وادخل في امان الله تعالى وكنفه وستره وحفظه وكلائه من متابعه مرادك بدخول الحرم وزر البيت متحففا لتعظيم صاحبه ومعرفته وجلاله وسلطانه واستلم الحجر رضى بقسمته وخضوعا لعظمته ودع ما سواه بطواف الوداع وصف روحك وسرك للقاء تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء وكن ذا مروة من الله بفناء اوصافك عند المروة واستقم شروط حجك ووفاء عهدك الذي عاهدت ربك واوجبته يوم القيامة واعلم بان الله لم يفترض الحج ويخصه من جميع الطاعات بالاضافة الى نفسه بقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولا شرع نبيه (ص) في خلال المناسك على ترتيب


[ 50 ]

شرعه للاستعداد والاشاره الى الموت والقبر والبعث والقيامة وفصل بيان السبق من دخول الجنة اهلها ودخول النار اهلها بمشاهدة مناسك الحج من اولها آخرها لاولى الالباب واولى النهى


[ 51 ]

الباب الثاني والعشرون في الزكاة قال الصادق (ع): على كل جزء من اجزائك زكاة واجبة تعالى بل على كل منبت شعر من شعرك بل على لحظه من لحظاتك زكاة فزكاة العين النظرة بالعبرة والغض عن الشهوات وما يضاهيها وزكاة الاذن استماع العين والحكمة والقرآن وفوائد الدين من الموعظة والنصيحة وفيه نجاتك وبالاعراض عما هو ضده من الكذب والغيبة واشباههما وزكاة اللسان النصح للمسلمين والتيقظ للغافلين وكثرة التسبيح والذكر وغيرها وزكاة اليد البذل والعطاء


[ 52 ]

والسخاء بما انعم الله عليك به وتحريكها بكتابه العلم ومنافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله والقبض عن الشر وزكاة الرجل السعي في حقوق تعالى من زياره الصالحين ومجالس الذكر واصلاح وصلة الارحام والجهاد وما فيه صلاح قلبك وسلامه دينك هذا مما تحمل القلوب فهمه والنفوس استعماله ولا يشرف عليه إلا عباده المخلصون المقربون اكثر ان تحصى وهم اربابه وهو شعارهم دون غيرهم اللهم وفقني بما تحب وترضى


[ 53 ]

الباب الثالث والعشرون في النية قال الصادق (ع): صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله تعالى في الامور كلها قال الله تعالى: (يوم لا ينفع مال وبنون إلا من اتى الله بقلب سليم) وقال النبي (ص): نيه المؤمن خير من عمله وقال (ص) إنما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فلا بد للعبد من خالص النية كل حركة وسكون لانه إذا لم يكن بهذا المعنى غافلا والغافلون قد ذمهم


[ 54 ]

الله تعالى فقال: ان هم إلا كالانعام بل هم اضل سبيلا وقال اولئك هم الغافلون) ثم النية يبدو من القلب قدر صفاء المعرفة وتختلف على حسب اختلاف الاوقات الايمان في معنى قوته وضعفه وصاحب النية الخالصة نفسه وهواه معه مقهورتان تحت سلطان تعظيم الله تعالى والحياء منه وهو من طبعه وشهوته ومنية نفسه في تعب والناس منه في راحه


[ 55 ]

الباب الرابع والعشرون في الذكر قال الصادق (ع): من كان ذاكرا لله تعالى على الحقيقة فهو مطيع ومن كان غافلا عنه فهو عاص والطاعة علامة الهداية والمعصية علامة الضلالة واصلهما الذكر والغفلة فاجعل قلبك قبله للسانك لا تحركه باشارة القلب وموافقة العقل ورضى الايمان فإن تعالى عالم بسرك وجهرك وكن كالنازع روحه كالواقف في العرض الاكبر غير شاغل نفسك عما عناك بما كلفك به ربك في امره ونهيه ووعده ووعيده ولا تشغلها بدون ما كلف به ربك واغسل قلبك بماء الحزن والخوف واجعل ذكر الله تعالى من اجل ذكره اياك فانه ذكرك وهو غني عنك


[ 56 ]

فذكره لك اجل واشهى واثنى واتم من ذكرك واسبق ومعرفتك بذكره لك تورثك الخضوع والاستحياء والانكسار ويتولد من ذلك رؤية كرمه وفضله السابق وتصغر عند ذلك طاعتك وان كثرت في جنب منته وتخلص لوجهه ورؤيتك ذكرك له تورثك الرياء والعجب والسفه والغلظة في خلقه وهو استكثار الطاعه ونسيان فضله وكرمه ولا تزداد بذلك بعدا ولا تستجلب به على معنى الايام إلا وحشة والذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب وذكر صادف لك بنفي غيره كما قال رسول الله (ص) انا لا احصى ثناء أنت كما اثنيت على نفسك فرسول الله (ص) لم يجعل لذكر الله تعالى مقدارا عند علمه بحقيقه سابقة الله عز وجل من قبل ذكره له ومن دونه اولى فمن اراد يذكر الله تعالى فليعلم انه ما لم يذكر الله العبد بالتوفيق لذكره لا يقدر العبد على ذكره


[ 57 ]

الباب الخامس والعشرون في آفه القراء قال الصادق (ع): المتقرى بلا علم كالمعجب بلا مال ولا ملك يبغض الناس لفقره ويبغضونه لعجبه فهو ابدا مخاصم للخلق في غير واجب ومن خاصم الخلق غير ما يؤمر به فقد نازع الخالقيه والربوبيه قال الله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) وليس أحد اشد عقابا ممن لبس قميص الدعوى بلا حقيقة ولا معنى قال زيد ثابت لابنه يا بني لا يرى الله اسمك في ديوان القراء


[ 58 ]

قال النبي (ص): وسياتى على امتى زمان تسمع باسم الرجل خير من ان تلقى وان تلقى خير من ان تجرب وقال النبي (ص) اكثر منافقي امتى قراءها وكن حيث ندبت وامرت به واخف سرك في الخلق ما استطعت واجعل طاعتك لله تعالى بمنزلة روحك من جسدك ولتكن معبرا حالك ما تحققه بينك وبين بارئك واستعن بالله في جميع امورك متضرعا الى الله في آناء ليلك واطراف نهارك قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفيه انه لا يحب المعتدين) والاعتداء من صفه قراء زماننا هذا وعلامتهم فكن لله في جميع امورك وجل لئلا تقع في ميدان التمنى فتهلك


[ 59 ]

الباب السادس والعشرون في بيان الحق والباطل قال الصادق (ع): اتق الله وكن حيث شئت وأي قوم شئت فانه لا خلاف لاحد في التقوى والتقوى محبوب عند كل فريق وفيه اجتماع كل خير ورشد وهو ميزان علم وحكمة واساس كل طاعة مقبولة والتقوى ماء ينفجر من عين المعرفة بالله تعالى يحتاج إليه فن من العلم وهو لا يحتاج الى تصحيح المعرفة بالخمود تحت هيبه الله تعالى وسلطانه ومزيد التقوى من اصل اطلاع الله عز وجل على سر العبد بلطفه فهذا اصل كل حق وأما الباطل فهو ما يقطعك عن تعالى متفق عليه ايضا كل فريق فاجتنب عنه وافرد سرك لله تعالى بلا علاقة


[ 60 ]

قال رسول الله (ص): اصدق كلمه قالتها العرب كلمه لبيد حيث قال: إلا كل شئ ما سوى الله باطل * وكل ونعيم لا محالة زائل فالزم ما اجتمع عليه أهل الصفاء والتقى والتقوى من اصول الدين وحقائق اليقين والرضا والتسليم ولا تدخل في اختلاف الخلق ومقالاتهم فيصعب وقد اجتمعت الامة المختارة بان الله واحد ليس كمثله وانه عدل في حكمه ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يقال في شئ من صنعه لم ولا كان ولا يكون إلا بمشيئته وارادته وانه قادر على ما يشاء وصادق في وعده ووعيده وان القرآن كلامه وانه قبل الكوو المكان والزمان وان احداث الكون وفنائه عنده سواء ما ازداد باحداثه علما ولا ينقص بفنائه ملكه سلطانه وجل سبحانه فمن اورد عليك ما ينقص هذا الاصل تقبله وجرد باطنك لذلك ترى بركاته عن قريب وتفوز مع الفائزين


[ 61 ]

الباب السابع والعشرون في معرفة الانبياء قال الصادق (ع): ان الله عز وجل مكن انبيائه من خزائن لطفه وكرمه ورحمته وعلمهم من مخزون علمه وافردهم من جميع الخلائق لنفسه فلا يشبه احوالهم واخلاقهم احدا من الخلائق اجمعين إذ جعلهم وسائل سائر الخلق إليه وجعل حبهم واطاعتهم سبب رضائه وخلافهم وانكارهم سبب سخطه وأمر كل قوم وفئه باتباع رسولهم ثم أبي ان يقبل طاعه إلا بطاعتهم وتمجيدهم ومعرفة حبهم وتبجيلهم وحرمتهم ووقارهم وتعظيمهم وجاههم الله تعالى فعظم جميع انبياء الله ولا تنزلهم


[ 62 ]

منزلة أحد من دونهم ولا تتصرف بعقلك في مقاماتهم و احوالهم واخلاقهم إلا ببيان محكم من عند الله واجماع أهل البصائر بدلائل يتحقق بها فضائلهم ومراتبهم وانى بالوصول الى حقيقه ما لهم عند الله فإن قابلت اقوالهم وافعالهم بمن دونهم من اجمعين فقد اسات صحبتهم وانكرت معرفتهم وجهلت خصوصيتهم بالله وسقطت عن حقائق الايمان والمعرفة فاياك اياك


[ 63 ]

الباب الثامن والعشرون في معرفه الائمة قال الصادق (ع): روى باسناد صحيح سلمان الفارسى (ره) قال: دخلت على رسول الله فلما نظر الى فقال (ص): يا سلمان ان الله وجل لن يبعث نبيا ولا رسولا إلا وله اثنا عشر نقيبا قال قلت يا رسول الله (ص) عرفت هذا من الكتابين قال يا سلمان هل عرفت نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله تعالى للامامة من بعدي فقلت الله ورسوله اعلم فقال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فاطعته فخلق من نوري عليا ودعاه فاطاعه فخلق من نوري ونور


[ 64 ]

على فاطمة ودعاها فاطاعته فخلق مني ومن وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فاطاعاه فسمانا تعالى بخمسة اسماء من اسمائه فالله تعالى المحمود وانا محمد والله العلي وهذا علي والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الاحسان وهذا الحسن والمحسن وهذا الحسين وخلق من نور الحسين تسعة ائمة فدعاهم فاطاعوه من قبل ان يخلق الله تعالى سماء مبنية وارضا مدحية أو هواء أو ملكا أو بشرا وكنا انوارا نسبحه ونسمع له ونطيع قال فقلت يا رسول الله بابى وامى ما لمن عرف هؤلاء حق معرفتهم فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم فوالاهم وتبرء عدوهم كان والله منا يرد حيث نرد ويكن حيث نكن فقلت يا رسول الله (ص) فهل ايمان بغير معرفتهم باسمائهم وانسابهم فقال لا يا سلمان قلت رسول الله (ص) فانى لي بهم فقال (ص) قد عرفت الحسين (ع) قلت نعم قال رسول الله (ص) ثم سيد العابدين


[ 65 ]

على بن الحسين ثم ابنه محمد بن على باقر علم الاولين والاخرين من النبيين والمرسلين ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق ثم موسى جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله تعالى ثم بن موسى علي الرضا الراضي بسر الله تعالى ثم بن على المختار من خلق الله ثم على بن الهادى الى الله ثم الحسن بن على الصامت الامين سر الله ثم م ح م د سماه بابن الحسن الناطق القائم بحق تعالى قال سلمان فبكيت ثم قلت يا رسول (ص) انى مؤجل الى عهدهم قال يا سلمان اقرا: (فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا اولى باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا) قال (ره) فاشتد بكائي وشوقي قلت يا رسول الله


[ 66 ]

(ص): أبعهد منك فقال أي والذي بعثنى وارسلني لبعهد مني وبعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة ائمة من ولد الحسين (ع) وبك ومن هو منا ومظلوم فينا وكل من محض الايمان محضا أي والله يا سلمان ليحضرن ابليس وجنوده وكل من محض الكفر محضا حتى يؤخد بالقصاص والاوتاد والتراث ولا يظلم ربك احدا ونحن تأويل هذه الاية: (ونريد ان نمن على استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون) قال سلمان فقمت من بين يدى الله (ص) وما يبالي سلمان كيف لقي الموت أو لقاه


[ 67 ]

الباب التاسع والعشرون في معرفة الصحابة قال الصادق (ع): لا تدع اليقين بالشك والمكشوف بالخفي ولا تحكم ما لم تره بما تروى قد عظم الله أمر الغيبة وسوء الظن باخوانك قوله المؤمنين فكيف بالجراه على اطلاق قول واعتقاد زور وبهتان في اصحاب رسول الله (ص). قال الله عز وجل: (تلقونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وما دمت تجد الى تحسين القول والفعل غيبتك


[ 68 ]

وحضرتك سبيلا فلا تتخذ غيره. قال الله (وقولوا للناس حسنا) واعلم ان الله تعالى اختار لنبيه اصحابه طائفة اكرمهم باجل الكرامة وحلاهم بحليه التأييد والنصر والاستقامة لصحبته على المحبوب والمكروه وانطق لسان نبيه محمد (ص) بفضائلهم ومناقبهم وكراماتهم واعتقد محبتهم واذكر فضلهم واحذر مجالسه أهل البدع فانها تنبت في القلب كفرا وضلالا مبينا وان اشتبه عليك فضيلة بعضهم فكلهم عالم الغيب وقل اللهم انى محب لمن احببته ورسولك ومبغض لمن ابغضته أنت ورسولك فانه يكلف فوق ذلك


[ 69 ]

الباب الثلاثون في حرمة قوله المؤمنين قال الصادق (ع): لا يعظم حرمة إلا من قد عظم الله حرمته على قوله المؤمنين ومن كان ابلغ حرمه لله ورسوله كان اشد تعظيما لحرمة قوله المؤمنين ومن استهان لحرمة فقد هتك ستر ايمانه. قال النبي (ص): ان اجلال الله اعظام ذوى القربى في الايمان. قال الله (ص): من لم يرحم صغيرا ولا يوقر كبيرا فليس منا ولا تكفر مسلما تكفره التوبه إلا من ذكر الله في كتابه. قال الله تعالى: (ان المنافقين الدرك الاسفل من النار). واشتغل بشانك الذي به مطالب


[ 70 ]

الباب الواحد والثلاثون في بر الوالدين قال الصادق (ع): بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله إذ لا عبادة اسرع بلوغا لصاحبها الى رضاء الله من بر الوالدين قوله المؤمنين لوجه الله لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا منهاج الدين والسنة ولا يكونان يمنعان الولد من طاعه الى طاعتهما ومن اليقين الى الشك ومن الزهد الدنيا ولا يدعوانه الى خلاف ذلك فإذا كان كذلك فمعصيتهما طاعه وطاعتهما معصية. قال الله تعالى: (وان جاهداك ان تشرك


[ 71 ]

بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب الي ثم مرجعكم). وأما في باب المصاحبة فقاربهما وارفق بهما واحتمل اذاهما بحق ما احتملا عنك في حال صغرك ولا تضيق عنهما في ما قد وسع الله تعالى عليك من المأكول والملبوس ولا تحول وجهك عنهما وترفع صوتك فوق صوتهما فإن تعظيمهما من أمر الله وقل لهما باحسن القول والطف بهما فإن الله يضيع اجر المحسنين


[ 72 ]

الباب الثاني والثلاثون في التواضع قال الصادق (ع): التواضع كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغه يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع ما يكون لله وفي الله وما سواه مكر ومن تواضع لله شرفه على كثير من عباده ولاهل التواضع سيماء سئل بعضهم التواضع ؟ قال هو ان يخضع للحق وينقاد له ولو سمعه صبي وكثير من انواع الكبر يمنع من استفاده العلم وقبوله والانقياد له وفيه وردت الايات التي ذم المتكبرين ولاهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماوات من الملائكة


[ 73 ]

وأهل الارضين من العارفين قال الله تعالى: (وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم). وقال تعالى ايضا: (من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على قوله المؤمنين اعزة على الكافرين). وقال تعالى ايضا: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم). وقال تعالى: (فلا تزكوا انفسكم). واصل التواضع من جلال وهيبته وعظمته وليس لله عز وجل عباده يرضاها ويقبلها إلا ويابه التواضع ولا يعرف ما في معنى حقيقه التواضع إلا المقربون من عباده المتصلين بوحدانيته قال عز وجل: (وعباد الرحمن الذين يمشون


[ 74 ]

على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). وقد أمر الله تعالى اعز خلقه وسيد بريته محمدا بالتواضع فقال عز وجل: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين). والتواضع مزرعه الخشوع والخضوع والخشيه والحياء وانهن لا يتبين إلا منها وولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى


[ 75 ]

الباب الثالث والثلاثون في الجهل قال الصادق (ع): الجهل صورة ركبت في اقبالها ظلمة وادبارها نور والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس الا ترى الى الانسان تارة تجده جاهلا بخصال نفسه حامدا لها عارفا بعيبها في غيره ساخطا وتارة تجده عالما بطباعه ساخطا لها حامدا لها غيره وهو متقلب بين العصمة والخذلان فإن قابلته العصمه اصاب وان وقابله الخذلان اخطا ومفتاح الجهل الرضا والاعتقاد به ومفتاح العلم الاستبدال مع اصابه مرافقة التوفيق


[ 76 ]

وادنى صفة الجاهل دعواه بالعلم بلا استحقاق واوسطه جهله بالجهل واقصاه جحوده بالعلم وليس شئ اثباته حقيقة نفيه الجهل في الدنيا والحرص فالكل منهم كواحد والواحد منهم كالكل


[ 77 ]

الباب الرابع والثلاثون في الاكل قال الصادق (ع): قلة الاكل محمود في كل حال وعند قوم لأن فيه مصلحة للظاهر والباطن والمحمود من المأكولات اربعة: ضرورة وعدة وفتوح وقوت فالاكل الضرورى للاصفياء والعدة لقوام الاتقياء والفتوح للمتوكلين والقوت للمؤمنين وليس شي اضر للقلب المؤمن من كثرته فيورث شيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة والجوع ادام للمؤمنين وغذاء للروح وطعام للقلب وصحة للبدن. قال النبي (ص): ملا ابن آدم وعاء اشر من بطنه.


[ 78 ]

وقال داود (ع) ترك لقمة مع الضرورة إليها احب من قيام عشرين ليلة. قال رسول الله (ص): المؤمن ياكل معاء واحد والمنافق في سبعه امعاء. وقال (ص) ويل للناس من القبقبين قيل وما هما يارسول الله قال (ص) البطن والفرج. قال عيسى بن مريم (ع) ما امرض قلب باشد من القسوة وما اعتلت نفس باصعب نقص الجوع وهما زمامان للطرد والخذلان


[ 79 ]

الباب الخامس والثلاثون في الوسوسة قال الصادق (ع): لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد إلا وقد اعرض عن ذكر الله تعالى واستهان وسكن الى نهيه ونسى اطلاعه على سره فالوسوسة ما تكون من خارج القلب باشارة معرفة العقل ومجاورة الطبع وأما إذا تمكن في القلب فذلك غى وضلاله وكفر والله عز وجل دعا عباده بلطف دعوته وعرفهم عداوه ابليس فقال تعالى: (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فكن معه كالقريب مع كلب الراعى يفزع الى صاحبه صرفه عنه كذلك إذا اتاك الشيطان موسوسا


[ 80 ]

ليضلك عن سبيل الحق وينسيك ذكر الله تعالى فاستعذ منه بربك وبربه فانه يؤيد الحق على الباطل وينصر المظلوم بقوله عز وجل: (انه ليس له سلطان الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ولن يقدر على ومعرفة اتيانه ومذاهب وسوسته إلا بدوام المراقبة والاستقامة على بساط الخدمه وهيبه المطلع وكثره الذكر وأما المهمل لاوقاته فهو صيد الشيطان لا محاله واعتبر بما فعل بنفسه من الاغواء والاغترار والاستكبار حيث غره واعجبه عمله وعبادته وبصيرته وجراته قد اورثه علمه ومعرفته واستدلاله بعقله اللعنه الابد فما ظنك بنصحه ودعوته غيره فاعتصم بحبل الاوثق وهو الالتجاء الى الله تعالى والاضطرار بصحه الافتقار الى الله في كل نفس ولا يغرنك تزيينه للطاعه فانه يفتح عليك تسعة وتسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المائة فقابله بالخلاف والضد عن سبيله والمضادة باستهوائه


[ 81 ]

الباب السادس والثلاثون في العجب قال الصادق (ع): العجب كل العجب ممن يعجب بعمله ولا يدرى بم يختم له فمن اعجب بنفسه وفعله فقد ضل منهج الرشاد وادعى ما ليس له والمدعى من غير حق كاذب وان خفى دعواه وطال دهره فإن اول يفعل بالمعجب نزع ما اعجب به ليعلم انه عاجز حقير ويشهد على نفسه لتكون الحجه اوكد عليه كما فعل بابليس والعجب نبات حبه الكفر وارضه النفاق ومائه البغي واغصانه الجهل وورقه الضلال وثمرته اللعنه والخلود في النار فمن اختار العجب فقد بذر الكفر وزرع النفاق فلا بد من ان يثمر ويصير الى النار.


[ 82 ]

الباب السابع والثلاثون في السخاء قال الصادق (ع): السخاء من اخلاق الانبياء وهو عماد الايمان ولا يكون مؤمنا إلا سخيا ولا يكون سخيا إلا ذو يقين وهمه عاليه لأن السخاء شعاع نور اليقين من عرف ما قصد هان عليه ما بذل قال النبي (ص): ما جبل ولى الله إلا على السخاء والسخاء ما يقع كل محبوب اقله الدنيا ومن علامة السخاء ان لا يبالى اكل الدنيا ومن ملكها مؤمن أو كافر ومطيع عاص وشريف أو وضيع يعطم غيره ويجوع ويكسو غيره ويعرى ويعطى غيره ويمتنع من قبول


[ 83 ]

عطاء غيره ويمن بذلك ولا يمن ولو ملك باجمعها لم ير نفسه فيها إلا اجنبيا ولو بذلها ذات الله عز وجل في ساعة واحدة ما ملء. قال الله (ص): السخي قريب من الله وقريب من الناس وقريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة وقريب النار ولا يسمى سخيا إلا الباذل في طاعه الله ولوجهه ولو كان برغيف أو شربه ماء. قال النبي (ص): السخي بما ملك واراد به وجه الله تعالى وأما المتسخى معصيه الله تعالى فمحال سخط الله وغضبه وهو ابخل لنفسه فكيف لغيره حيث اتبع هواه وخالف أمر عز وجل قال الله تعالى: (وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم).


[ 84 ]

وقال النبي (ص): يقول ابن آدم ملكى ملكى ومالي مالي يا مسكين اين كنت حيث كان الملك ولم تكن وهل إلا ما اكلت فافنيت أو لبست فابليت أو تصدقت فابقيت أما مرحوم به أو معاقب عليه فاعقل ان لا يكون مال غيرك احب اليك من مالك فقد قال أمير المؤمنين (ع): ما قدمت فهو للمالكين وما اخرت فهو للوارثين وما معك ليس لك عليه سبيل سوى الغرور به كم تسعى طلب الدنيا وكم تدعى ا فتريد ان تفقر نفسك وتغني غيرك


[ 85 ]

الباب الثامن والثلاثون في الحساب قال الصادق (ع): لو لم يكن للحساب محوله إلا حياء العرض على الله تعالى وفضيحه هتك الستر المخفيات لحق للمرء ان لا يهبط من رؤوس الجبال و ياوى الى عمران ولا ياكل ولا يشرب ولا ينام إلا اضطرار متصل بالتلف ومثل ذلك يفعل من يرى القيمه باهوالها وشدائدها قائمة في كل نفس ويعاين بالقلب بالوقوف بين يدى الجبار حينئذ ياخذ نفسه بالمحاسبة كانه الى عرضاتها مدعو وفي غمراتها مسؤول قال الله تعالى: (وان مثقال حبه من خردل


[ 86 ]

اتينا بها وكفى بنا حاسبين) وقال بعض الائمة حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا اعمالكم بميزان الحياء ان توزنوا وقال أبو ذر (ره): ذكر الجنة موت والنار موت فوا عجبا لنفس تحيا بين موتين. وعن يحيى بن زكريا (ع): انه كان يفكر في طول الليل في أمر الجنة والنار فيسهر ليلته ولا ياخذه النوم ثم يقول عند الصباح اللهم اين المفر واين المستقر اللهم لا مفر إلا اليك


[ 87 ]

الباب التاسع والثلاثون في افتتاح الصلاة قال الصادق (ع): إذا استقبل القبلة فايس الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه وفرغ قلبك كل شاغل يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرك عظمه عز وجل واذكر وقوفك بين يديه. قال الله: (يوم تبلوا كل نفس بما اسلفت وردوا الى مولاهم الحق) وقف على قدم الخوف والرجاء كبرت فاستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه فإن الله تعالى إذا اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره


[ 88 ]

فقال يا كذاب اتخدعني وعزتي وجلالي لاحرمنك حلاوة ذكري ولاحجبنك عن قربي والمسرة بمناجاتي. واعلم تعالى غير محتاج الى خدمتك وهو غنى عنك وعن عبادتك ودعائك وإنما دعاك بفضله ليرحمك ويبعدك عن عقوبته وينشر عليك من بركات حنانيته ويهديك الى سبيل رضاه ويفتح عليك باب مغفرته فلو خلق الله عز وجل ضعف ما خلق من العوالم اضعافا مضاعفة على سرمد الابد لكان عند الله سواء ا كفروا به باجمعهم أو وحدوه فليس له من عبادة الخلق إلا اظهار الكرم والقدرة فاجعل الحياء رداء والعجز ازارا وادخل تحت سرير سلطان اللتعالى تغتنم فوائد ربوبيته مستعينا مستغيثا إليه


[ 89 ]

الباب الاربعون في الركوع قال الصادق (ع): لا يركع عبد الله ركوعا على الحقيقة إلا زينه الله بنور بهائه واظله في ظلال كبريائه وكساه كسوة صفائه والركوع اول والسجود ثان فمن اتى بمعنى الاول صلح للثاني وفي الركوع ادب وفي السجود قرب ومن لا يحسن للادب يصلح للقرب فاركع ركوع خاضع لله عز وجل متذلل بقلبه وجل تحت سلطانه خافض لله بجوارحه خفض خائف حزين ما يفوته من فوائد الراكعين وحكى ان ربيع خثيم ره كان يسهر بالليل الى الفجر في ركوع واحد فإذا اصبح تزفر وقال اوه سبق


[ 90 ]

المخلصون واقطع بنا واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحط عن همتك في القيام بخدمته إلا بعونه وفر بالقلب من وسوسة الشيطان وخدايعه ومكائده الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم اصول التواضع والخضوع والخشوع بقدر اطلاع عظمته سرهم


[ 91 ]

الباب الواحد والاربعون في السجود قال الصادق (ع): ما خسروا الله تعالى قط اتى بحقيقة السجود ولو كان في عمره مره واحده وافلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيها بمخادع نفسه غافلا لاهيا عما اعد الله تعالى للساجدين من البشر العاجل وراحه الاجل ولا بعد عن الله تعالى ابدا من احسن تقربه في السجود ولا قرب إليه ابدا من اساء ادبه وضيع حرمته بتعليق قلبه بسواه في حال السجود فاسجد سجود متواضع لله ذليل علم انه خلق من تراب يطؤه لخلق وانه ركب من نطفة يستقذها كل أحد وكون ولم يكن ولقد جعل الله


[ 92 ]

معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد عن غيره ا لا ترى في الظاهر لا يستوي حال السجود إلا بالتواري عن جميع الاشياء والاحجاب عن كل ما تراه العيون كذلك اراد الله أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشئ دون تعالى فهو قريب من ذلك الشئ بعيد عن حقيقه اراد الله تعالى منه في صلاته. قال الله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). وقال رسول الله (ص): قال الله عز وجل: ما اطلع على قلب فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته وتقربت منه ومن اشتغل صلاته بغيرى فهو من المستهزئين بنفسه اسمه مكتوب ديوان الخاسرين


[ 93 ]

الباب الثاني والاربعون في التشهد قال الصادق (ع): التشهد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاشعا خاضعا له في الفعل كما انك له بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبدا وامرك ان تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وان تحقق عبوديتك له بربوبيته لك وتعلم نواصى الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظه إلا بقدرته ومشيته وهم عاجزون عن اتيان اقل شئ في مملكته باذنه وارادته قال الله تعالى: (وربك يخلق يشاء ويختار ما كان لهم الخيره من امرهم سبحان وتعالى عما


[ 94 ]

يشركون) فكن لله عبدا ذاكرا بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سرك فانه خلقك فعز وجل ان تكون اراده ومشيئه لاحد إلا بسابق ارادته ومشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته وبالعبادة اداء اوامره وقد امرك بالصلاة على حبيبه النبي محمد (ص) فاوصل صلاته بصلاته وطاعته بطاعته وشهادته بشهادته وانظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته وامره بالاستغفار لك والشفاعة فيك اتيت بالواجب في الامر والنهي والسنن والاداب وتعلم جليل مرتبته عند الله عز وجل


[ 95 ]

الباب الثالث والاربعون في السلام قال الصادق (ع): معنى التسليم في دبر كل صلاة معنى الامان أي من اتى بامر الله تعالى وسنه نبيه (ص) خاضعا خاشعا فيه فله الامان من بلاء الدنيا والبرائة عذاب الاخرة والسلام اسم من اسماء الله تعالى اودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والامانات والالصاقات وتصديق مصاحبتهم ومجالستهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم فإن اردت ان تضع السلام موضعه وتؤدى معناه فاتق الله تعالى وليسلم دينك وقلبك وعقلك لا تدنسها بظلم المعاصي ولتسلم منك حفظتك تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك


[ 96 ]

بسوء معاملتك معهم ثم مع صديقك ثم مع عدوك فإن من لم يسلم منه من هو اقرب إليه فالابعد اولى ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان كاذبا في سلامه وان افشاه في الخلق واعلم ان الخلق بين فتن ومحن في الدنيا أما مبتلى بالنعمة ليظهر شكره وأما مبتلى بالشدة ليظهر صبره والكرامة في طاعته والهوان في معصيته ولا سبيل الى رضوانه ورحمته إلا بفضله ولا وسيلة الى طاعته إلا بتوفيقه ولا شفيع إليه الا باذنه ورحمته


[ 97 ]

الباب الرابع والاربعون في التوبه قال الصادق (ع): التوبة حبل الله ومدد عنايته ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال وكل فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الانبياء من اضطراب السر وتوبه الاولياء تلوين الخطرات وتوبة الاصفياء من التنفيس وتوبة الخاص الاشتغال بغير الله تعالى وتوبة العام من الذنوب ولكل واحد منهم معرفة وعلم في اصل توبته ومنتهى امره وذلك يطول شرحه هاهنا فاما توبة العام فإن يغسل باطنه بماء الحسرة والاعتراف بجنايته دائما واعتقاد الندم ما مضى والخوف على ما بقى من


[ 98 ]

عمره ولا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك الى الكسل وتديم البكاء والاسف على ما فاته من طاعة ويحبس نفسه عن الشهوات ويستغيث الى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته ويعصمه عن العود الى ما اسلف ويراوض نفسه في ميدان الجهل والعبادة ويقضى عن الفوائت من الفرائض ويرد المظالم ويعتزل قرناء السوء ويسهر ليله ويظما نهاره ويتفكر دائما في عاقبته ويستعين بالله سائلا منه الاستقامة وسرائه وضرائه وثبت عند المحن والبلاء كيلا يسقط درجة التوابين فإن في ذلك طهاره من ذنوبه وزيادة علمه ورفعه في درجاته قال الله تعالى شانه العزيز: (وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن اله الكاذبين).


[ 99 ]

الباب الخامس والاربعون في العزلة قال الصادق (ع): صاحب العزلة متحصن بحصن الله تعالى ومتحرس بحراسته فيا طوبى لمن تفرد به سرا وعلانية وهو يحتاج الى عشرة خصال علم الحق والباطل وتحبب الفقر واختيار الشدة والزهد واغتنام الخلوة والنظر في العواقب ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود وترك العجب وكثرة الذكر بلا غفلة فإن الغفلة مصطاد الشيطان وراس كل بلية وسبب كل حجاب وخلوة البيت عما يحتاج إليه في الوقت. قال عيسى بن مريم (ع) احرز لسانك لعماره


[ 100 ]

قلبك وليسعك بيتك واحذر من الرياء وفضول معاشك واستحيي من ربك وابك على خطيئتك وفر من الناس فرارك من الاسد والافعى فانهم كانوا دواء فصاروا اليوم داء ثم الق الله تعالى متى شئت. قال ربيع بن خيثم ان استطعت ان تكون اليوم في موضع لا تعرف وتعرف فافعل ففى العزلة صيانة الجوارح وفراغ القلب وسلامة العيش وكسر سلاح الشيطان ومجانبة من سوء وراحة القلب وما من نبي ولا وصي إلا واختار العزلة في زمانه أما في ابتدائه وأما في انتهائه


[ 101 ]

الباب السادس والاربعون في الصمت قال الصادق (ع): الصمت شعار المحققين بحقائق سبق وجف القلم به وهو مفتاح كل راحة من والاخرة وفيه رضى الله وتخفيف الحساب والصون الخطايا والزلل وقد جعله الله سترا على الجاهل وزينا للعالم ومعه عزل الهوى ورياضة النفس وحلاوة العبادة وزوال قسوة القلب والعفاف والمروة والظرف فاغلق باب لسانك عما لك منه بد لا سيما إذا لم تجد اهلا للكلام عدا المذاكرة لله وفي الله وكان ربيع خيثم يضع قرطاسا بين يديه فيكتب كل ما يتكلم ثم يحاسب


[ 102 ]

نفسه في عشيته ما له وما عليه ويقول آه آه نجا الصامتون يقينا وكان بعض اصحاب رسول الله يضع الحصاة في فمه فإذا اراد ان يتكلم بما علم لله وفي الله ولوجه الله اخرجها من فمه وكثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينفسون تنفس الغرقاء ويتكلمون شبيه المرضى وإنما سبب هلاك الخلق ونجاتهم الكلام و الصمت فطوبى لمن رزق معرفة عيب الكلام وصوابه وعلم الصمت وفوائده فإن ذلك من اخلاق الانبياء وشعار الاصفياء ومن علم قدر الكلام احسن صحبة الصمت ومن اشرف على ما في لطائف الصمت وائتمنه خزائنه كان كلامه وصمته كله عبادة ولا يطلع عبادته هذه إلا الملك الجبار


[ 103 ]

الباب السابع والاربعون في العقل والهوى قال الصادق (عليه السلام): العاقل من كان ذلولا اجابة الحق منصفا بقوله حموصا عند الباطل خصيما بقوله يترك دنياه ولا يترك دينه ودليل العاقل شيئان صدق القول وصواب الفعل والعاقل لا يحدث بما ينكره العقول ولا يتعرض للتهمة ولا يدع مدادات من ابتلى به والعلم دليله في اعماله والحلم رفيقه في احواله والمعرفة يقينه في مذاهبه والهوى عدو العقل ومخالف الحق وقرين الباطل وقوة الهوى من الشهوات واصل علامات الهوى من اكل الحرام والغفلة عن الفرائض والاستهانة بالسنن والخوض في الملاهي


[ 104 ]

الباب الثامن والاربعون في الحسد قال الصادق (عليه السلام): الحاسد يضر بنفسه قبل ان يضر بالمحسود كابليس اورث بحسده لنفسه اللعنة ولادم (عليه السلام) الاجتباء والهدى والرفع الى محل حقايق العهد والاصطفاء فكن محسودا ولا تكن حاسدا فإن ميزان الحاسد ابدا خفيف بثقل ميزان المحسود والرزق مقسوم فما ذا ينفع الحسد الحاسد وما ذا يضر المحسود الحسد والحسد اصله من عمي القلب والجحود بفضل تعالى وهما جناحان للكفر وبالحسد وقع ابن آدم حسرة الابد وهلك مهلكا لا ينجو منه ابدا ولا توبة للحاسد لانه مستمر عليه معتقد به مطبوع فيه يبدو بلا معارض مضر ولا سبب والطبع ولا يتغير من الاصل وان عولج


[ 105 ]

الباب التاسع والاربعون في الطمع قال الصادق (عليه السلام): بلغني انه سئل كعب الاحبار ما الاصلح في الدين وما الافسد فقال الاصلح الورع والافسد الطمع فقال له السائل صدقت يا كعب والطمع خمر الشيطان يسقى بيده لخواصه فمن سكر منه يصحى إلا في اليم عذاب الله تعالى بمجاورة ساقيه ولو لم يكن في الطمع سخطه إلا مثارات الدين بالدنيا لكان سخطا عظيما. قال الله عز وجل: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة).


[ 106 ]

قال أمير قوله المؤمنين (عليه السلام): تفضل على من شئت فانت اميره فاستعن عمن شئت فانت نظيره فافتقر الى من شئت فانت اسيره والطامع منزوع عنه الايمان وهو لا يشعر لأن الايمان يحجز العبد والطمع في الخلق فيقول يا صاحبي خزائن تعالى مملوءه من الكرامات وهو لا يضيع اجر من احسن عملا وما في ايدى الناس مشوب بالعلل ويرده الى التوكل والقناعة وقصر الامل ولزوم الطاعة والياس الخلق فإن فعل ذلك لزمه فقد صلح وان لم يفعل تركه مع شؤم الطبع وفارقه


[ 107 ]

الباب الخمسون في الفساد قال الصادق (عليه السلام): فساد الظاهر من فساد الباطن ومن اصلح سريرته اصلح علانيته ومن خاف الله في السر لم يهتك الله علانيته ومن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية واعظم الفساد ان يرضى العبد بالغفله عن الله تعالى وهذا الفساد يتولد من طول الامل والحرص والكبر كما اخبر الله تعالى في قصه قارون في قوله: (ولا تبغي الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) وقوله تعالى: (تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا الخ) وكانت هذه


[ 108 ]

الخصال من صنع قارون واعتقاده واصلها من حب وجمعها ومتابعة النفس واقامة شهواتها وحب المحمدة وموافقة الشيطان واتباع خطواته وكل ذلك يجتمع بحب الغفلة عن الله ونسيان مننه وعدا ذلك (1) الفرار من ورفض الدنيا وطلاق الراحة والانقطاع عن العادات وقطع عروق منابت الشهوات بدوام الذكر لله عزوجل ولزوم الطاعة له واحتمال جفاء الخلق وملازمة القرين وشماتة العدو من الاهل والقرابة فإذا فعلت فقد فتحت عليك باب عطف الله وحسن نظره اليك بالمغفرة والرحمة واخرجت من جملة الغافلين وفككت قلبك اسر الشيطان وقدمت باب الله في معشر الواردين وسلكت مسلكا رجوت الاذن بالدخول على الكريم الجواد الكريم الرحيم.


(1) وعلى ذلك. خ ل.

[ 109 ]

الباب الواحد والخمسون في السلامة قال الصادق (عليه السلام): اطلب السلامة اينما كنت وأي حال كنت لدينك وقلبك وعواقب امورك الله عز وجل فليس من طلبها وجدها فكيف من تعرض للبلاء وسلك مسالك ضد السلامة وخالف اصولها بل راى السلامة تلفا والتلف سلامة والسلامة قد عزلت من الخلق كل عصر خاصة في هذا الزمان وسبيل وجودها في احتمال جفاء الخلائق واذيتهم والصبر عند الرزايا وخفة الموت والفرار من الاشياء التي تلزمك رعايتها والقناعة بالاقل الميسور فإن لم تكن فالعزلة فإن لم


[ 110 ]

تقدر فالصمت وليس كالعزلة فإن لم تستطع فالكلام ينفعك ولا يضرك وليس كالصمت فإن لم تجد السبيل فالانقلاب في الاسفار من بلد الى بلد (1) وطرح النفس في براري التلف بسر صاف وقلب خاشع وبدن صابر. قال الله عز وجل: (ان الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا) وتنتهز مغنم عباد الله الصالحين ولا تنافس الاشكال ولا تنازع الاضداد ومن لك انا فقل أنت ولا تدع شيئا وان احاط به علمك وتحققت به معرفتك ولا تكشف سرك إلا لمن هو اشرف منك في الدين فتجد الشرف فإن فعلت ذلك اصبت السلامة وبقيت مع الله عز وجل بلا علاقة


(1) في لآلئ الاخبار: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيأتي زمان على الناس لا يسلم الذي دين دينه حتى يفر من عين شاهق الى عين (الخ).

[ 111 ]

الباب الثاني والخمسون في العبادة قال الصادق (عليه السلام): داوم على تخليص المفروضات والسنن فانهما الاصل فمن اصابهما واداهما بحقهما اصاب الكل وان خير العبادة اقربها بالامن واخلصها الافات وادومها وان اقل فإن سلم لك فرضك وسننك فانت عابد واحذر ان تطا بساط ملك إلا بالذل والافتقار والخشية والتعظيم واخلص حركاتك الرياء وسرك من القساوة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال المصلى مناج ربه فاستحى من المطلع على سرك والعالم بنجواك ويخفى ضميرك وكن بحيث يراك لما اراد منك ودعاك فكان السلف


[ 112 ]

لا يزالون يشغلون من وقت الفرائض الى وقت الفرض في اصلاح الفرضين جميعا في اخلاص حتى ياتوا بالفرضين جميعا وارى الدولة في هذا الزمان للفضائل على ترك الفرائض كيف يكون جسدا بلا روح. قال على بن الحسين عجبت لطالب فضيلة تارك فريضه وليس ذلك إلا لحرمان معرفة الامر وتعظيمه وترك رؤيه مشيئته بما اهلهم لامره واختارهم له


[ 113 ]

الباب الثالث والخمسون في التفكر قال الصادق (عليه السلام): اعتبر بما مضى من هل ما بقي على أحد هل أ حد فيها باق من الشريف والوضيع والغني والفقير والولى والعدو فكذلك لم يات منها بما مضى اشبه من الماء بالماء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفى بالموت واعظا وبالعقل دليلا وبالتقوى زادا وبالعبادة شغلا وبالله مونسا وبالقرآن بيانا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبق الدنيا إلا بلاء وفتنة وما نجا من نجا إلا بصدق الالتجاء


[ 114 ]

وقال نوح (عليه السلام): وجدت الدنيا كبيت له بابان دخلت من احداهما وخرجت من الاخر هذا حال نجي الله (عليه السلام) فكيف حال من اطمان فيها وركن إليها وضيع عمره عمارتها ومزود في طلبها والفكرة مرآة الحسنات وكفارة السيئات وضياء القلب وفسحة للخلق واصابة اصلاح المعاد واطلاع على العواقب واستزادة في العلم وهي خصلة لا يعبد الله بمثلها قال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرة ساعة خير من عبادة سنة ولا ينال منزلة التفكر إلا من قد خصه الله بنور المعرفة والتوحيد


[ 115 ]

الباب الرابع والخمسون في الراحة قال الصادق (عليه السلام): لا راحة لمؤمن على الحقيقة إلا عند لقاء الله تعالى وما سوى ذلك ففى اربعة اشياء صمت تعرف به حال قلبك ونفسك فيما يكون بينك وبارئك وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهرا وباطنا وجوع تميت به الشهوات والوسواس وسهر تنور به قلبك وتصفي به طبعك وتزكي به روحك. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من اصبح في سربه آمنا وفي بدنه معافا وعنده قوت يومه فكانما خيرت له الدنيا بحذافيرها وقال وهب بن منبه في كتب الاولين والاخرين


[ 116 ]

مكتوب: يا قناعة العز والغنى معك فاز من فاز بك قال أبو الدرداء: ما قسم الله لي ما يفوتني وكان في جناح ريح وقال أبو ذر (ره): هتك سر من يثق بربه ولو كان محبوسا في الصم الصياخيد فليس اخسر وارذل وانزل ممن لا يصدق ربه فيما ضمن وتكفل به من قبل ان خلقه وهو مع ذلك يعتمد قوته وتدبيره وجهده وسعيه ويتعدى حدود ربه باسباب اغناه الله تعالى لها


[ 117 ]

الباب الخامس والخمسون في الحرص قال الصادق (عليه السلام): لا تحرص على شئ لو تركته لوصل اليك وكنت عند الله تعالى مستريحا محمودا بتركه ومذموما باستعجالك في طلبه وترك التوكل عليه والرضا بالقسم فإن الدنيا خلقها الله تعالى بمنزلة الظل ان طلبته اتعبك ولا تلحقه ابدا وان تركته تبعك ومستريح قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الحريص محروم وهو حرمانه مذموم في أي كان وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله تعالى عز وجل وخالف قول تعالى: (الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) والحريص


[ 118 ]

بين سبع آفات صعبته فكر يضر بدنه ولا ينفعه ولا يتم له اقصاه وتعب لا يستريح منه إلا عند الموت ويكون عند الراحة اشد تعبا وخوف لا يورثه إلا الوقوع وحزن قد كدر عليه عيشه بلا فائده وحساب لا مخلص معه من عذاب الله تعالى إلا ان يعفو الله وعقاب لا مفر له منه ولا حيلة والمتوكل الله تعالى يصبح ويمسي في كنف الله تعالى وهو في عافية وقد عجل الله كفايته وهيا له الدرجات ما الله تعالى به عليم والحرص ما يجرى منافذ غضب الله تعالى وما لم يحرم العبد اليقين يكون حريصا واليقين ارض الاسلام وسماء الايمان


[ 119 ]

الباب السادس والخمسون في البيان قال الصادق (عليه السلام): نجوى العارفين تدور على ثلاثة اصول: الخوف والرجاء والحب فالخوف فرع العلم والرجاء فرع اليقين والحب فرع المعرفة فدليل الخوف الهرب ودليل الرجاء الطلب ودليل الحب ايثار المحبوب على ما سواه فإذا تحقق العلم في الصدق خاف وإذا صح الخوف هرب وهرب نجا وإذا اشرف نور اليقين في القلب شاهد الفضل وإذا تمكن من رؤية الفضل رجاء وإذا وجد حلاوة الايمان الرجاء طلب وإذا وفق للطلب وجد وإذا تجلى ضياء المعرفة الفؤاد هاج ريح المحبة


[ 120 ]

وإذا هاج ريح المحبة واستانس في ظلال المحبوب واثر المحبوب على ما سواه وباشر اوامره واجتنب نواهيه واختارهما على كل شئ غيرهما وإذا استقام على بساط الانس بالمحبوب مع اداء اوامره واجتناب معاصيه ونواهيه وصل الى روح المناجات والقرب ومثال الاصول الثلاثة: كالحرم والمسجد والكعبة فمن دخل الحرم آمن من الخلق ومن دخل المسجد آمنت جوارحه يستعملها في المعصية ومن دخل الكعبة آمن قلبه ان يشغله بغير ذكر الله تعالى (فانظر ايها المؤمن فإن كانت حالتك حالة ترضيها لحلول الموت فاشكر تعالى على توفيقه وعصمته وان كانت اخرى فانتقل عنها بصحيح العزيمة واندم على ما قد سلف من عمرك الغفلة واستعن بالله تعالى على تطهير الظاهر الذنوب وتنظيفك الباطن من العيوب واقطع رباط الغفلة عن قلبك واطف نار الشهوة من نفسك)


[ 121 ]

الباب السابع والخمسون في الاحكام قال الصادق (عليه السلام): اعراب القلوب على اربعة انواع رفع وفتح وخفض ووقف فرفع القلب في ذكر الله وفتح القلب في الرضا عن الله تعالى وخفض القلب الاشتغال بغير الله ووقف القلب في الغفلة عن تعالى الا ترى ان العبد إذا ذكر الله بالتعظيم خالصا ارتفع كل حجاب كان بينه وبين الله تعالى من ذلك فإذا انقاد القلب لمورد قضاء الله بشرط الرضا عنه كيف ينفتح بالسرور والروح والراحة وإذا اشتغل القلب بشئ من امور الدنيا واسبابها كيف تجد ما ذا ذكر الله بعد ذلك


[ 122 ]

واناب منخفضا مظلما كبيت خراب خلو ليس عمران ولا مؤنس وإذا غفل عن ذكر الله تعالى كيف تراه ذلك موقوفا محجوبا قد قسى واظلم منذ فارق نور التعظيم فعلامة الرفع ثلاثة اشياء وجوه الموافقة والمخالفة ودوام الشوق وعلامة الفتح ثلاثة اشياء التوكل والصدق واليقين وعلامة الخفض ثلاثة اشياء: العجب والرياء والحرص وعلامه الوقف ثلاثة اشياء: زوال حلاوة الطاعة وعدم مرارة المعصية والتباس العلم الحلال والحرام


[ 123 ]

الباب الثامن والخمسون في السواك قال الصادق (ع): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): السواك مطهر للفم مرضات للرب وجعلها من السنن المؤكدة وفيها منافع للظاهر والباطن ما لا يحصى لمن عقل فكما تزيل التلوث من اسنانك ماكلك ومطعمك بالسواك كذلك نازل نجاسة ذنوبك بالتضرع والخشوع والتهجد والاستغفار بالاسحار وطهر ظاهرك من النجاسات وباطنك من كدورات المخالفات وركوب المناهى كلها خالصا لله فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب باستعمالها مثلا لاهل التنبه واليقظه وهو ان السواك


[ 124 ]

نبات لطيف نظيف وغصن شجر مبارك والاسنان خلق خلقه تعالى في الفم آله للاكل واداة للمضغ وسببا لاشتهاء الطعام واصلاح المعدة وهي جوهرة صافية تتلوث بصحبته تمضيغ الطعام وتتغير بها رائحة الفم ويتولد منها الفساد في الدماغ فإذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف ومسحها الجوهرة الصافية ازال عنها الفساد والتغير وعادت اصلها كذلك خلق الله القلب طاهرا صافيا وجعل غذائه الذكر والفكر والهيبة والتعظيم وإذا شيب القلب الصافي بتغذيته بالغفلة والكدر صقل بمصلقة التوبة ونظفت بماء الانابة ليعود حالته الاولى وجوهره الاصلية. قال الله تبارك: (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قال النبي (ص): وعليكم بالسواك فإن النبي


[ 125 ]

أمر بالسواك في ظاهر الاسنان واراد هذا المعنى والمثل ومن اناخ تفكره على باب عتبة العبرة في استخراج مثل الامثال في في الاصل والفرع فتح الله له عيون الحكمه والمزيد من فضله والله لا يضيع اجر المحسنين.


[ 126 ]

الباب التاسع والخمسون في التبزر قال الصادق (عليه السلام): إنما سمى المستراح مستراحا لاستراحة الانفس من اثقال النجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها والمؤمن يعتبر عندها ان الخالص من الطعام والحطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وبتركها ويفرغ نفسه وقلبه من شغل ويستنكف جمعها واخذها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر ويتفكر في نفس المكرمة في حال كيف تصير ذليلا حال ويعلم ان التمسك بالقناعة والتقوى يورث راحة الدارين فإن الراحة من هوان الدنيا


[ 127 ]

والفراغ من التمتع بها وفي ازالة النجاسة من الحرام والشبهة فينطق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته اياها ويفر من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء ويجتهد في اداء اوامره واجتناب نواهيه طلبا لحسن الماب وطيب الزلفى ويسجن نفسه سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات الى يتصل بامان الله تعالى في دار القرار ويذوق طعم رضاه فإن المعول ذلك وما عداه فلا شئ


[ 128 ]

الباب الستون في الطهارة قال الصادق (عليه السلام): إذا اردت الطهارة والوضوء فتقدم الماء تقدمك الى رحمه الله تعالى فإن الله قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلا بساط خدمته وكما ان رحمه الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير قال الله تعالى: (وهو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدى رحمته وانزل من السماء ماء طهورا). وقال الله تعالى: وجعلنا من الماء كل شئ حي افلا يؤمنون). فكما احيا به كل شئ من نعيم الدنيا كذلك


[ 129 ]

برحمته وفضله جعل حيوة القلب والطاعات والتفكر صفاء الماء ورقته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل شئ واستعمله في تطهير الاعضاء التي امرك الله بتطهيرها وتعبدك بادائها في فرائضه وسننه فإن تحت واحدة منها فوائد كثيره فإذا استعملها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائده عن قريب ثم عاشر خلق كامتزاج الماء بالاشياء يؤدى كل شئ حقه ولا يتغير معناه معبرا لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المؤمن المخلص كمثل الماء ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعتك كصفوة الماء حين انزله من السماء وسماه طهورا وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند طهاره جوارحك بالماء


[ 130 ]

الباب الواحد والستون في دخول المسجد قال الصادق (عليه السلام): إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت باب ملك عظيم لما يطا بساطه إلا المطهرون ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقين فتهب القدوم الى بساط هيبة الملك فانك على خطر عظيم ان غفلت فاعلم قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة واجزل لك عليها ثوابا كثيرا وان طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلا بك حجبك ورد طاعتك وان كثرت وهو وفعال لما يريد واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك


[ 131 ]

وفقرك بين يديه فانك قد توجهت للعبادة له والمؤانسة به واعرض عليه ولتعلم انه لا يخفى اسرار الخلايق اجمعين وعلانيتهم وكن كافقر عباده يديه واخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك فانه يقبل إلا الاطهر والاخلص انظر من أي ديوان يخرج اسمك فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيد مخاطباته وشربت بكاس رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الاذن والامان وإلا فقف وقوف من قد انقطع عنه الحيل وقصر عنه الامل وقضى عليه الاجل فإن علم الله وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر اليك بعين الرافة والرحمة واللطف ووفقك لما يحب ويرضى فانه كريم يحب الكرامة وعبادة المضطرين إليه المحترقين على بابه لطلب مرضاته. قال الله تعالى: (امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.


[ 132 ]

الباب الثاني والستون في الدعاء قال الصادق (عليه السلام): احفظ ادب الدعاء وانظر تدعو كيف تدعو ولماذا تدعو وحقق عظمة الله وكبريائه وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه سرك وما تكن وما تكون فيه من الحق والباطل واعرف طرق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله تعالى بشئ عسى فيه هلاكك وأنت تظن ان فيه نجاتك قال تعالى: (ويدعو الانسان بالشر دعائه بالخير وكان الانسان عجولا) وتفكر ما ذا تسال ولماذا تسال والدعاء استجابه الكل منك للحق وتذويبا لمهجه في


[ 133 ]

مشاهدة الرب وترك الاختيار جميعا وتسليم الامور كلها ظاهرا وباطنا الى الله تعالى فإن لم تات بشرط الدعاء فلا تنظر الاجابة فانه يعلم السر واخفى فلعلك تدعوه بشئ علم من سرك خلاف ذلك قال بعض الصحابة لبعضهم انتم تنتظرون المطر وانا انتظر الحجر واعلم لو لم يكن الله امرنا بالدعاء لكان إذا اخلصنا الدعاء تفضل علينا بالاجابة فكيف قد ضمن ذلك لمن اتى بشرائط الدعاء وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اسم الله الاعظم فقال (ص): كل اسم من اسماء الله اعظم ففرغ قلبك كل ما سواه وادعه تعالى باي اسم شئت فليس في الحقيقة اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهار قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان الله لا يستجيب الدعاء قلب لاه قال الصادق (عليه السلام): إذا اراد احدكم ان يسال ربه


[ 134 ]

إلا اعطاه فليياس من الناس كلهم ولا يكن رجاه من عند الله عز وجل فإذا علم الله تعالى من قلبه لم يساله شيئا إلا اعطاه فإذا اتيت ذكرت لك من شرائط الدعاء واخلصت سرك لوجهه فابشر باحدى ثلاث أما ان يعجل لك ما سئلت وان يدخر لك ما هو افضل منه وأما ان يصرف منك البلاء ما لو ارسله اليك لهلكك قال النبي: قال الله تعالى من شغله ذكرى عن مسئلتي اعطيته افضل اعطى للسائلين قال الصادق (عليه السلام): لقد دعوت مرة فاستجاب لي ونسيت الحاجة لأن استجابته باقباله عبده عند دعوته اعظم واجل مما يريد منه العبد وكانت الجنة ونعيمها الابدي وليس يعقل ذلك العاملون المحبون العارفون صفوة لله وخواصه


[ 135 ]

الباب الثالث والستون في الصوم قال الصادق (عليه السلام): قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصوم جنة آفات الدنيا وحجاب من عذاب الاخرة فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان والشياطين وانزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهى طعاما ولا شرابا وتوقع في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب وطهر باطنك من كل كذب وكدر وغفله وظلمة يقطعك عن معنى الاخلاص لوجه الله تعالى قيل لبعضهم انك ضعيف والصيام يضعفك قال اني اعده بشر يوم طويل والصبر طاعة الله اهون من الصبر على عذابه


[ 136 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال تعال: الصوم لي وانا اجزى به والصوم يميت مراد النفس وشهوة الطمع وفيه صفاء القلب وطهاره الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والاحسان الى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجل الالتجاء الله تعالى وسبب انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات وفيه من الفوائد ما لا يحصى وكفى ذكرناه منه لمن عقله ووفق لاستعماله ان شاء تعالى


[ 137 ]

الباب الرابع والستون في الزهد قال الصادق (عليه السلام) الزهد مفتاح باب الاخرة والبرائة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار فرج منها ولا تطلب محمده عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ويكون ابدا هاربا من الافة معتصما بالراحة الزاهد الذي يختار الاخرة والذل على العز والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الاجل على المحنه العاجل والذكر على الغفلة وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الاخرة


[ 138 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حب الدنيا راس كل خطيئه. وقال رسول الله (ص): الدنيا جيفة وطالبها كلاب الا ترى كيف احب ما ابغضه الله وأي خطيئه اشد جرما من هذا. قال بعض أهل البيت: لو كانت باجمعها لقمه في فم طفل لرحمناه فكيف حال من نبذ حدود الله تعالى وراء ظهوره في طلبها والحرص عليها والد نيا دار لو حسنت سكناها لما رحمتك ولما اجبتك واحسنت وداعك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما خلق تعالى الدنيا امرها بطاعته فاطاعت ربها فقال خالفي من طلبك وواقفي من خالفك وهي على عهد الله إليها وطبعها بها.


[ 139 ]

الباب الخامس والستون في صفة الدنيا الدنيا بمنزلة صورة راسها الكبر وعينها الحرص واذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وكونها الفناء وحاصلها الزوال فمن احبها اورثته الكبر ومن استحسنها اورثته الحرص ومن طلبها اورثته الطمع ومن مدحها البسته الرياء ومن ارادها مكنته من العجب ومن ركن إليها اولته الغفلة ومن اعجبه متاعها افتنته ولا تبقى له ومن جمعها وبخل بها ردتها الى مستقرها وهي النار


[ 140 ]

الباب السادس والستون في المتكلف قال الصادق (عليه السلام): المتكلف متخلف عن الصواب وان اصاب والمتطوع مصيب وان اخطا والمتكلف لا يستجلب في عاقبة امره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره رياء وباطنه نفاق وهما جناحان يطير بهما المتكلف وليس في الجملة اخلاق الصالحين ولا من شعار المؤمنين المتكلف في أي باب كان. قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (قل اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين) قال (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن معاشر الانبياء والاتقياء والامناء


[ 141 ]

براء من المتكلف فاتق الله تعالى واستقم نفسك عن التكلف فيطبعك بطباع الايمان ولا تشتغل بلباس آخره البلاء وطعام آخره الخلاء ودار آخره الخراب ومال آخره الميراث واخوات آخرهم الفراق وعز آخره الذل ووفاء آخره الجفاء وعيش آخره الحسره


[ 142 ]

* (الباب السابع والستون في الغرور) * قال الصادق (عليه السلام) المغرور في الدنيا مسكين وفي والاخره مغبون لانه باع الافضل بالادنى ولا تعجب من نفسك فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ان لعلك تبقى وربما اغتررت بطول عمرك واولادك واصحابك لعلك تنجو بهم وربما اغتررت بجمالك ومنبتك واصابتك مامولك وهواك فظننت انك صادق ومصيب وربما اغتررت ترى الخلق من الندم على تقصيرك في العبادة ولعل تعالى يعلم من قلبك بخلاف ذلك وربما اقمت نفسك العبادة متكلفا والله يريد الاخلاص وربما


[ 143 ]

توهمت انك تدعو الله وأنت تدعو سواه وربما حسبت انك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك ان يميلوا اليك وربما ذممت نفسك وتمدحها على الحقيقة واعلم انك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنى إلا بصدق الانابه الى الله تعالى والاخبار ومعرفه عيوب احوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم ولا يحتمله الدين والشريعه وسنن القدوه وائمه الهدى وان كنت راضيا بما أنت فيه فما اشقى بعلمه وعمله منك واضيع عمرا فاورثت حسرة يوم القيامة


[ 144 ]

* (الباب الثامن والستون في صفه المنافق) * قال الصادق (عليه السلام) المنافق قد رضى ببعده عن رحمة الله تعالى لانه ياتي باعماله الظاهره شبيها بالشريعة وهو لاه ولاغ وباغ بالقلب عن حقها مستهزئ وعلامه النفاق قله المبالات بالكذب والخيانه والوقاحة والدعوى بلا معنى واستخانه العين والسفه والغلط وقلة الحياء واستصغار المعاصي واستيضاع ارباب الدين واستخفاف المصائب في الدين والكبر والمدح ومدح الحب وحب المدح والحسد وايثار الدنيا على الاخرة والشر على الخير


[ 145 ]

والحث على النميمة وحب اللهو ومعرفه أهل الفسق ومعونة أهل البغى والتخلف عن الخيرات وتنقص اهلها واستحسان ما يفعله من سوء واستقباح ما يفعله غيره من حسن وامثال ذلك كثيره وقد وصف الله المنافقين غير موضع قال تعالى: (ومن الناس من يعبد على حرف). في التفسير أي (فإن اصابه خير اطمان وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين) قال تعالى في وصفهم (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا وما يخدعون إلا انفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المنافق من إذا وعد خلف وإذا


[ 146 ]

فعل اساء، وإذا قال كذب وإذا ائتمن خان وإذا رزق طاش وإذا منع عاش وقال ايضا من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائنا من كان وحيث كان وفي أي زمن وعلى أي رتبه كان


[ 147 ]

* (الباب التاسع والستون في حسن المعاشرة) * قال الصادق (عليه السلام) حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى في غير معصية من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ومن كان خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة العلانية فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لامر الدنيا، ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تقطن بسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهرة فانهم لا يغنون عنك شيئا وتفوتك الاخيرة بلا فائدة


[ 148 ]

* (الباب السبعون في الاخذ والعطاء) * قال الصادق (عليه السلام) من كان الاخذ احب إليه من الاعطاء فهو مغبون لانه يرى العاجل بغفلته افضل من الاجل وينبغى للمؤمن إذا اخذ ان ياخذ بحق وإذا اعطى ففى حق وبحق ومن حق فكم من آخذ معطى دينه وهو لا يشعر وكم من معطى مورث بنفسه سخط الله وليس الشان في الاخذ والاعطاء ولكن الناجى من اتق الله في الاخذ والاعطاء واعتصم بحبل الورع والناس في هاتين الخصلتين خاص وعام فالخاص ينظر في دقيق الورع فلا يتناول حتى يتيقن انه حلال وإذا اشكل


[ 149 ]

عليه تناول عند الضرورة والعام ينظر في الظاهر فما لم يجده ولا يعلمه غصب ولا سرقة تناول وقال لا باس هو لي حلال والامر في ذلك بين ياخذ بحكم الله عز وجل وينفق في رضى الله عز وجل


[ 150 ]

* (الباب الواحد والسبعون في المواخاه) * قال الصادق (عليه السلام) ثلاثه اشياء في كل زمان عزيزة وهي الاخاء في الله تعالى والزوجة الصالحه الاليفة تعينه في دين الله عز وجل وولد الرشيد ومن وجد الثلاثة فقد اصاب خير الدارين والحظ الاوفر من الدنيا والاخرة واحذر ان تواخى من ارادك الطمع أو خوف أو ميل أو مال أو اكل أو شرب واطلب مواخاة الاتقياء ولو في ظلمات الأرض وان افنيت عمرك في طلبهم فان الله عز وجل لم يخل على وجه الأرض افضل منهم بعد النبيين وما انعم الله تعالى على العبد بمثل ما انعم به من التوفيق


[ 151 ]

بصحبتهم قال الله تعالى (الاخلاء يومئذ لبعض عدو الا المتقين) واظن ان من طلب صديقا في زماننا هذا بلا عيب بقى بلا صديق الا ترى ان اول كرامه اكرم الله بها انبيائه عند اظهار دعوتهم صديق امين أو ولى فكذلك من اجل ما اكرم الله به اصدقائه واوليائه واصفيائه وامنائه وصحبته انبيائه وذلك دليل على ان ما في الدارين بعد معرفه الله تعالى نعمة اجل واطيب وازكى من الصحبة في الله عز وجل والمواخاة لوجه الله تعالى


[ 152 ]

* (الباب الثاني والسبعون في المشاورة) * قال الصادق (عليه السلام) شاور في امورك مما يقتضى الدين من فيه خمس خصال عقل وعلم وتجربة ونصح وتقوى وان تجد فاستعمل الخمسة واعزم وتوكل على الله تعالى فإن ذلك يؤديك الى الصواب وما كان من امور الدنيا التي هي غير عائدة الى الدين فاقضها ولا تتفكر فيها فانك إذا فعلت ذلك اصبت بركة العيش وحلاوة الطاعه وفي المشاورة اكتساب العلم والعاقل من يستفيد منها علما جديدا ويستدل به على المحصول من المراد ومثل المشورة مع اهلها مثل التفكر في خلق السموات ووفنائهما


[ 153 ]

وهما غيبان لانه كلما قوى تفكره فيهما غاص بحار نور المعرفة وازداد بهما اعتبارا ويقينا ولا تشاور من لا يصدقه عقلك وان كان مشهورا بالعقل والورع وإذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يثير به عليك وان كان بخلاف مرادك فإن النفس تجمع عن قبول الحق وخلافها عند قبول الحقايق ابين قال تعالى (وشاورهم في الامر) وقال تعالى (وامرهم شورى بينهم) أي متشاورون فيه


[ 154 ]

* (الباب الثالث والسبعون في الحلم) * قال الصادق (عليه السلام) الحلم سراج الله يستضئ به صاحبه الى جواده ولا يكون حليما إلا المؤيد بانوار المعرفة والتوحيد والحلم يدور على خمسه اوجه يكون عزيزا فيذل أو يكون صادقا فيتهم أو يدعو الى الحق فيستخف به أو ان يؤذى بلا جرم أو ان يطلب بالحق يخالفوه فيه فإذا اتيت كلا منها حقه فقد اصبت وقابل السفيه بالاعراض عنه وترك الجواب تكن الناس انصارك لأن من حارب السفيه فكأنه وضع الحطب على النار


[ 155 ]

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل المؤمن كمثل الأرض منافعهم منها إذا هم عليها ومن لا يصبر على جفاء الخلق لا يصل الى رضى الله تعالى لأن رضى الله تعالى مشوب بجفاء الخلق وحكى ان رجلا قال لاحنف بن قيس اياك اعني قال: وعنك احلم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثت للحلم مركزا وللعلم معدنا وللصبر مسكنا صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقيقة الحلم ان تعفو عمن اساء اليك وخالفك وأنت القادر على الانتقام منه كما ورد في الدعاء الهى أنت اوسع فضلا واوسع حلما من ان تؤاخذني بعملي وتستذلنى بخطيئتي


[ 156 ]

* (الباب الرابع والسبعون في الاقتداء) * قال الصادق (عليه السلام) ليس الاقتداء إلا بصحة قسمه الارواح الاول وامتزاج نور الوقت بنور الازلي وليس الاقتداء بالتوسم بحركات الظاهرة والنسب الى اولياء الدين الحكماء والائمة قال الله عز وجل (يوم ندعوا كل اناس بامامهم) أي من كان اقتدى بمحق فهو زكى وقال الله عز وجل (فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) الارواح جنود مجندة


[ 157 ]

فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقيل لمحمد ابن الحنفية من ادبك فقال ادبنى ربى في نفسي فما استحسنت من اولى الالباب والبصيره تبعتهم به واستعملته وما استقبحت من الجهال اجتنبته وتركته مستقرا فاوصلني ذلك الى طريق العلم ولا طريق للاكياس من المؤمنين اسلم من الاقتداء لانه المنهج الاوضح والمقصد الاصح قال الله عز وجل لاعز خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وقال عز وجل (ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) فلو كان لدين الله تعالى عز وجل مسلك اقوم الاقتداء لندب انبيائه واوليائه إليه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القلوب نور لا يضئ إلا من اتباع الحق وقصد السبيل وهو من نور الانبياء مودع في قلوب المؤمنين.


[ 158 ]

* (الباب الخامس والسبعون في العفو) * قال الصادق (عليه السلام) العفو عند القدرة من سنن المرسلين واسرار المتقين وتفسير العفو إلا تلزم صاحبك فيما اجرم ظاهرا وتنسى من الاصل ما اصيب منه باطنا وتزيد على الاختيارات احسانا ولن تجد الى ذلك سبيلا من قد عفى الله عنه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عنه وزينه بكرامته والبسه من نوربهائه لأن العفو والغفران صفتان من صفات الله تعالى اودعهما في اسرار اصفيائه ليتخلقوا مع الخلق باخلاق خالقهم وجاعلهم لذلك قال الله عز وجل (وليعفوا وليصفحوا ان


[ 159 ]

لا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم) ومن لا يعفو عن بشر مثله كيف يرجو عفو ملك جبار قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكيا عن ربه يامره بهذه الخصال قال صل من قطعك واعف عمن ظلمك واعط من حرمك واحسن الى من اساء اليك وقد امرنا بمتابعته لقول الله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا) فالعفو سر الله في القلوب قلوب خواصه فمن يسر سره وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ايعجز احدكم ان كابى ضمضم قيل يا رسول الله وما أبو ضمضم ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل ممن قبلكم كان إذا اصبح يقول اللهم انى قد تصدقت بعرضي على الناس عامه


[ 160 ]

* (الباب السادس والسبعون في الموعظة) * قال الصادق (عليه السلام) احسن الموعظه ما لا تجاوز القول حد الصدق والفعل حد الاخلاص فإن مثل الواعظ والمتعظ كاليقظان والراقد فمن استيقظ عن رقده غفلته ومخالفاته ومعاصيه صلح ان يوقظ غيره من ذلك الرقاد وأما الساير في مفاوز الاعتداء والخائض في مراتع الغى وترك الحياء باستحباب السمعه والرياء والشهرة والتضيع الى الخلق المتزى بزى الصالحين المظهر عمارة باطنه وهو في الحقيقة خال عنها قد غمرتها وحشته حب المحمدة وغشيتها ظلمة الطمع فما افتنه بهواه واضل الناس بمقاله


[ 161 ]

قال الله عز وجل (لبئس المولى ولبئس المصير) وأما من عصمه الله بنور التوحيد والتاييد وحسن التوفيق فطهر قلبه من الدنس فلا يفارق المعرفة والتقى فيستمع الكلام الاضل وترك قائله كيفما كان قالت الحكماء خذ الحكمة ومن افواه المجانين قال عيسى (عليه السلام) جالسوا من يذكركم الله رؤيته ولقائه فضلا عن الكلام ولا تجالسوا من توافقه ظواهركم وتخالفه بواطنكم فإن ذلك المدعى بما ليس له ان كنتم صادقين فاستقادتكم فإذا لقيت من ثلاث خصال فاغتنم رؤياه ولقاه ومجالسته ولو كان ساعه ذلك يؤثر في دينك وقلبك وعبادتك بركاته فمن كلامه لا يجاوز فعله وفعله لا يجاوز صدقه وصدقه ينازع ربه فجالسه بالحرمة وانتظر الرحمة والبركة واحذر لزوم الحجة عليك وراع وقته كيلا تلومه فتخسر وانظر إليه بعين فضل الله عليه وتخصيصه له وكرامته اياه


[ 162 ]

* (الباب السابع والسبعون في الوصية) * قال الصادق (عليه السلام) افضل الوصايا والزمها ان لا تنسى ربك وان تذكره دائما ولا تعصيه وتعبد قاعدا وقائما ولا تغتر بنعمته واشكره ابدا ولا تخرج من تحت استار رحمته وعظمته وجلاله فتضل وتقع في ميدان الهلاك وان مسك البلاء والضراء واحرقتك نيران المحن واعلم ان بلاياه محشوه بكراماته الابدية ومحنه مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين فيا لها انعم لمن علم ووفق لذلك روى ان رجلا استوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال


[ 163 ]

(صلى الله عليه وآله وسلم) لا تغضب قط فإن فيه منازعه ربك فقال زدنى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) اياك وما تعتذر منه فإن فيه الشرك الخفى فقال زدنى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) صل صلاه مودع فإن فيه الوصلة والقربى فقال زدنى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) استحى من الله تعالى استحيائك من صالحي جيرانك فإن فيها زيادة اليقين وقد اجمع الله ما يتواصى به المتواصون من الاولين والاخرين في خصلة واحدة وهي (التقوى) قال الله عز وجل (ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله) وفيه جماع كل عبادة صالحه وبه وصل من وصل الى الدرجات العلى والرتبه القصوى وبه عاش من عاش بالحياة الطيبة والانس الدائم قال الله عز وجل (ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر)


[ 164 ]

* (الباب الثامن والسبعون في التوكل) * قال الصادق (عليه السلام) التوكل كاس مختوم بختام الله عز وجل فلا يشرب بها ولا ينفض ختامها إلا المتوكلون كما قال تعالى (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) وقال تعالى (وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين) جعل الله التوكل مفتاح الايمان والايمان قفل التوكل وحقيقة التوكل الايثار واصل الايثار تقديم الشئ بحقه ولا ينفك المتوكل في توكله من اثبات أحد الايثارين فإن اثر المعلول وهو الكون حجب به وان اثر المعلل علة التوكل وهو الباري سبحانه وبقى معه وان اردت ان


[ 165 ]

تكون متوكلا لا متعللا فكبر على روحك خمسة تكبيرات وودع امانيك كلها توديع الموت للحياه وليس ادنى حد التوكل إلا تسابق مقدومك بالهمة ولا تطالع مقسومك ولا تستشرف معدومك فتنتقض باحدهما عقد ايمانك وانت لا تشعر وان عزمت ان تقف على بعض شعار المتوكلين في توكله من اثبات أحد الايثارين حقا فاعتصم بعروة هذه الحكايه وهي انه روى ان بعض المتوكلين قدم على بعض الائمة (عليهم السلام) فقال له اعطف على بجواب مسالة في التوكل والامام (عليه السلام) كان يعرف الرجل بحسن التوكل ونفيس الورع واشرف على صدقه فيما سئل عنه من قبل ابدائه اياه فقال له قف اوط مكانك وانظرني ساعة فبنينا هو مطرق لجوابه إذا اجتاز بهما فقير فادخل الامام (عليه السلام) يده في جيبه واخرج شيئا فناوله الفقير ثم اقبل على السائل فقال له هات وسل عما بدا لك فقال السائل ايها الامام كنت اعرفك قادرا متمكنا من جواب مسالتي


[ 166 ]

قبل ان استنظرتني فما شأنك في ابطائك عنى ؟ فقال الايمان لتعتبر المعنى قبل كلامي إذا لم اكن ارانى ساهيا بسرى وربى مطلع عليه ان اتكلم بعلم التوكل وفي جيبى دانق ثم لم يحل لي ذلك إلا بعد ايثاره فافهم فشهق السائل شهقة وحلف إلا ياوى عمرانا ولا يانس ببشر ما عاش


[ 167 ]

* (الباب التاسع والسبعون في تبجيل الاخوان) * قال الصادق (عليه السلام) مصافحة اخوان الدين اصلها من محبة الله لهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تصافح اخوان الله إلا تناثرت ذنوبهما حتى يعودان كيوم ولدتهما امهما ولا كثر حبهما وتبجيلهما كل واحد لصاحبه إلا كان له مزيد والواجب على اعلمهما بدين الله ان يريد صاحبه في فنون الفرائد التي الزمه بها ويرشده الى الاستقامة والرضا والقناعة ويبشر برحمة الله ويخوفه من عذابه وعلى الاخوان يتبارك باهتدائه ويمسك ما يدعوه إليه ويعظه به


[ 168 ]

ويستدل بما يدل إليه معتصما بالله ومستعينا لتوفيقه على ذلك قيل لعيسى بن مريم (عليه السلام) كيف اصبحت ؟ قال لا املك نفع ما ارجو ولا استطيع دفع ما احذره مامورا بالطاعة ومنهيا عن المعصية فلا ارى فقير افقر منى وقيل لاويس القرنى كيف اصبحت كيف يصبح رجل إذا اصبح لا يدرى ا يمسى وإذا امسى لا يدرى ايصبح قال أبو ذر (ره) اصبحت اشكر ربى واشكر نفسي قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اصبح وهمته غير الله فقد اصبح من الخاسرين المعتدين


[ 169 ]

* (الباب الثمانون في الجهاد والرياضه) * قال الصادق (عليه السلام) طوبى لعبد جاهد الله نفسه وهواه ومن هزم حينئذ هواه ظفر برضى الله ومن جاوز عقله نفسه الامارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى فقد فاز فوزا عظيما ولا حجاب اظلم واوحش بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآله مثل الافتقار الى الله سبحانه والخشوع والجوع والظماء بالنهار والسهر بالليل فإن مات صاحبه مات شهيدا وان عاش واستقام اداه عاقبته الى الرضوان الاكبر


[ 170 ]

قال الله عز من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين) وإذا رايت مجتهدا ابلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك ولها وعيرها تحثيثا على الازدياد عليه واجعل لها زماما من الامر وعنانا من النهى وسقها كالرايض الفادة التي لا يذهب عليه خطوة من خطواتها إلا وقد صحح اولها وآخرها وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلى حتى يتورم قدماه وقال ا فلا اكون عبدا شكورا اراد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يعتبر به امته فلا يغفلوا عن الاجتهاد والتعب والرياضة بحال إلا انك لو وجدت حلاوه عبادة الله ورايت بركاتها واستضئت بنورها لم تصبر عنها ساعة واحدة ولو قطعت اربا اربا فما اعرض من اعرض عنها بحرمان فوائد السلف من العصمة والتوفيق قيل لربيع بن خيثم ما لك لا تنام بالليل ؟ قال لانى اخاف البيات


[ 171 ]

* (الباب الواحد والثمانون في ذكر الموت) * قال الصادق (عليه السلام) ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقطع منابت الغفلة ويقوى القلب بمواعد الله ويرق الطبع ويكسر اعلام الهوى ويطفى نار الحرص ويحقر الدنيا وهو معنى ما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكر ساعة خير من عبادة سنه وذلك عند ما تحل اطناب خيام الدنيا وتشدها بالآخرة ولا يسكن نزول الرحمه عند ذكر الموت بهذه الصفة ومن لا يعتبر بالموت وقلة حيلته وكثرة عجزه وطول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اذكروا هادم اللذات قيل وما


[ 172 ]

هو يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الموت ما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلا ضاقت عليه الدنيا ولا في شدة إلا اتسعت عليه والموت اول منزل من منازل الاخرة وآخر منزل من منازل الدنيا فطوبى لمن اكرم عند النزول باولها وطوبى لمن احسن مشايعته في آخرها والموت اقرب اشياء من بني آدم وهو يعده ابعد فما اجرى الانسان على نفسه وما اضعفه من خلق وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين ولذلك اشتاق من اشتاق الموت وكره من كره قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من احب لقاء الله احب لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه


[ 173 ]

* (الباب الثاني والثمانون في حسن الظن) * قال الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) حسن الظن اصله من حسن ايمان المرء وسلامة صدره وعلامته ان يرى كلما نظر إليه بعين الطهاره والفضل من حيث ركب فيه وقذف في قلبه من الحياء والامانة والصيانة والصدق قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) احسنوا ظنونكم باخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب واثاء الطبع وقال أبي بن كعب إذا رأيتم أحد اخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتاولوها بسبعين تأويلا فإن اطمانت قلوبكم احدها وإلا فلوموا انفسكم


[ 174 ]

لم تعذروه وان تقدروا في خصله يسرها عليه سبعين تأويلا فانتم اولى بالانكار على انفسكم منه اوحى الله تبارك والى داود (عليه السلام) ذكر عبادي من آلائى ونعمائي فانهم يروا منى إلا الحسن الجميل لئلا يظنوا في الباقي الا مثل الذي سلف منى إليهم وحسن الظن يدعو الى حسن العبادة والمغرور يتمادى في المعصية ويتمنى المغفره ولا يكون احسن الظن في خلق الله إلا المطيع له يرجو ثوابه ويخاف عقابه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكى ربه انا عند حسن ظن عبدى بى يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن زاغ عن وفاء حقيقة موهبات ظنه بربه فقد اعظم الحجة نفسه وكان من المخدوعين في اسر هواه


[ 175 ]

* (الباب الثالث والثمانون في التفويض) * قال الصادق (عليه السلام) المفوض امره الى الله راحة الابد والعيش الدائم الرغد والمفوض حقا هو العالي عن كل همة دون الله تعالى كما قال قوله المؤمنين (عليه السلام) رضيت بما قسم الله لي * وفوضت امرى الى خالقي كما احسن الله مما مضى * كذلك يحسن فيما بقى وقال الله عز وجل في مؤمن آل فرعون (وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد فوقاه سيئات ما مكروا وحاق بال فرعون سوء العذاب) والتفويض خمسة احرف لكل حرف منها حكم فمن


[ 176 ]

اتى باحكامه فقد اتى به التاء من تركه التدبير في الدنيا والفاء من فناء كل همة غير الله والواو وفاء العهد وتصديق الوعد والياء الياس من نفسك واليقين بربك والضاد الضمير الصافى لله والضرورة والمفوض لا يصبح إلا سالما من جميع الافات ولا يمسى معافا بدينه


[ 177 ]

* (الباب الرابع والثمانون في اليقين) * قال الصادق (عليه السلام) اليقين يوصل العبد الى حال سنى ومقام عجيب كذلك اخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عظم شان اليقين حين ذكر عنده ان عيسى (عليه السلام) كان يمشى على الماء فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو زاد يقينه لمشى الهواء فدل بهذا على ان الانبياء مع جلالة محلهم من الله كانت يتفاضل على حقيقة اليقين لا غير ولا نهايه بزيادة اليقين على الابد والمؤمنون ايضا متفاوتون في قوة اليقين وضعفه فمن قوى منهم يقينه فعلامته التبرى من الحول والقوه بالله


[ 178 ]

والاستقامه على أمر الله وعبادته ظاهرا وباطنا قد استوت عنده حالتا العدم والوجود والزيادة والنقصان والمدح والذم والعز والذل لانه يرى كلها عين واحد ومن ضعف يقينه تعلق بالاسباب ورخص لنفسه بذلك واتبع العادات واقاويل الناس بغير حقيقة والسعى في أمر الدنيا وجمعها وامساكها مقرا باللسان انه لا مانع ولا معطى إلا الله وان العبد لا يصيب الا ما رزق وقسم له والجهد لا يزيد في الرزق وينكر بفعله وقلبه قال الله تعالى (يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون) إنما عطف تعالى بعباده حيث اذن لهم بالكسب والحركات في باب العيش ما لم يتعد حدود الله ولم يتركوا فرائضه وسنن نبيه في جميع حركاتهم ولا يعدلوا عن مهجه التوكل ولا يقفوا في ميدان الحرص فاما إذا نسوا ذلك وارتبطوا بخلاف ما حد لهم كانوا من الهالكين الذين


[ 179 ]

ليس معهم في الحاصل إلا الدعاوى الا الكاذبة وكل مكتسب لا يكون متوكلا فلا يستجلب من كسبه الى نفسه إلا حراما وشبهة وعلامته ان يؤثر ما يحصل من كسبه ويجوع وينفق في سبيل الدنيا ولا يمسك والماذون بالكسب من كان بنفسه مكتسبا وبقلبه متوكلا وان كثر المال عنده قام كالامين عالما بان يكون ذلك المال وفوته سواء وان امسك امسك لله وان انفق انفق فيما امره الله عز وجل ويكون منعها واعطائها لله تعالى


[ 180 ]

* (الباب الخامس والثمانون في الخوف والرجاء) * قال الصادق (عليه السلام) الخوف رقيب القلب والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا كان من الله خائفا وإليه راجيا وهما جناحا الايمان يطير بهما العبد المحقق الى رضوان الله وعينا عقله يبصر بهما الى وعد الله تعالى ووعيده والخوف طالع عدل باتقاء وعيده والرجاء داعى فضل الله وهو يحيى القلب والخوف يميت النفس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمن خوفين خوف ما مضى وخوف ما بقى وبموت النفس حياة القلب وبحياه القلب البلوغ الى الاستقامة ومن عبد الله


[ 181 ]

تعالى على ميزان الخوف والرجاء لا يضل ويصل الى ماموله وكيف لا يخاف العبد وهو غير عالم يختم صحيفته ولا له عمل يتوسل به استحقاقا ولا قدره على شئ ولا مفر وكيف لا يرجو وهو يعرف نفسه بالعجز وهو غريق في بحر آلاء الله ونعمائه من حيث تحصى ولا تعد والمحب يعبد ربه على الرجاء بمشاهدة احواله بعين سهر والزاهد يعبد على الخوف قال اويس لهرم بن حيان قد عمل الناس على الرجاء فقال بل تعمل الخوف والخوف خوفان ثابت ومعارض فالثابت الخوف يورث الرجاء والمعارض منه يورث خوفا ثابتا والرجاء رجاءان منه عاكف وباد فالعاكف منه يورث خوفا ثابتا يقوى نسبه المحبة والبادى منه يصح امل العجز والتقصير والحياة


[ 182 ]

* (الباب السادس والثمانون في الرضا) * قال الصادق (عليه السلام) صفه الرضاء ان يرضى المحبوب والمكروه والرضاء شعاع نور المعرفة والراضي فان عن جميع اختياره والراضي حقيقة هو المرضى عنه والرضا اسم يجتمع فيه معاني العبودية وتفسير الرضا سرور القلب سمعت أبي محمد الباقر (عليه السلام) يقول تعلق القلب بالموجود شرك وبالمفقود كفر وهما جناحان من سنه واعجب بمن يدعى العبودية لله كيف ينازعه في مقدوراته حاشا الراضين العارفين ذلك


[ 183 ]

* (الباب السابع والثمانون في البلاء) * قال الصادق (عليه السلام) البلاء زين للمؤمن وكرامة لمن عقل لان في مباشرته الصبر عليه والثبات عنده تصحيح نسبه الايمان قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن معاشر الانبياء اشد الناس بلاء والمؤمنون الامثل فالامثل ومن ذاق طعم البلاء تحت سر حفظ الله له تلذذ به اكثر من تلذذه بالنعمة واشتاق إليه إذا فقده لأن تحت ميزان البلاء والمحنه انوار النعمة وتحت انوار النعمة ميزان البلاء والمحنة وقد ينجو من البلاء ويهلك في النعمة كثير وما اثنى الله على عبد من


[ 184 ]

عباده من لدن آدم (عليه السلام) الى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد ابتلائه ووفاء حق العبودية فيه فكرامات الله الحقيقة نهايات بداياتها البلاء وبدايات نهاياتها البلاء ومن خرج من سكه البلوى جعل سراج ومؤنس المقربين ودليل القاصدين ولا خير في شكى من محنة تقدمها آلاف نعمة واتبعها آلاف راحة ومن لا يقضى حق الصبر في البلاء حرم قضاء الشكر في النعماء كذلك من لا يؤدى حق الشكر في النعماء يحرم عن قضاء الصبر في البلاء ومن حرمهما فهو من المطرودين وقال ايوب (عليه السلام) في دعائه اللهم قد اتى على سبعون في الراحة والرخاء حتى تأتى على سبعون في البلاء وقال وهب بن منبه البلاء للمؤمن كالشكال للدابة والعقال للابل وقال على (عليه السلام) الصبر من الايمان كالراس من الجسد وراس الصبر البلاء وما يعقلها إلا العاملون


[ 185 ]

* (الباب الثامن والثمانون في الصبر) * قال الصادق (عليه السلام) الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور والصفاء والجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة والوحشة والصبر يدعيه كل أحد وما يثبت عنده الا المخبتون والجزع ينكره كل أحد وهو ابين على المنافقين لأن نزول المحنة والمصيبة مخبر عن الصادق والكاذب وتفسير الصبر ما يستمر مذاقه وما كان عن اضطراب لا يسمى صبر ا وتفسير الجزع اضطراب القلب وتحزن الشخص وتغير اللون وتغير الحال وكل نازلة خلت اوائلها من الاخبات والانابة والتضرع الى الله فصاحبها جزوع غير


[ 186 ]

صابر والصبر ما اوله مر وآخره حلو لقوم ولقوم مر اوله وآخره فمن دخله من اواخره فقد دخل ومن دخله من اوائله فقد خرج ومن عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه الصبر قال الله تعالى في قصه موسى بن عمران (عليه السلام) وخضر (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) فمن صبر كرها ولم يشك الى الخلق أو لم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله عز وجل (وبشر الصابرين) أي بالجنة والمغفرة ومن استقبل البلاء بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه قال تعالى (ان الله مع الصابرين)


[ 187 ]

* (الباب التاسع والثمانون في الحزن) * قال الصادق (عليه السلام) الحزن من شعار العارفين لكثرة مواردات الغيب على سرائرهم وطول مباهاتهم تحت ستر الكبرياء والمحزون ظاهره قبض وباطنه بسط يعيش مع الخلق عيش المرضى ومع الله عيش القربى والمحزون غير المتفكر لأن المتفكر متكلف والمحزون مطبوع والحزن يبدو من الباطن والتفكر يبدو من رؤيه المحدثات وبينهما فرق قال الله تعالى في قصه يعقوب (عليه السلام) (انما اشكو بثى وحزني الى الله واعلم ما لا تعلمون) فبسبب ما


[ 188 ]

تحت الحزن علم خص به من الله دون العالمين قيل لربيع بن خيثم ما لك محزون قال لانى مطلوب ويمين الحزن الانكسار وشماله الصمت والحزن يختص به العارفون لله والتفكر يشترك فيه الخاص والعام ولو حجب الحزن عن قلوب العارفين ساعة لاستغاثوا ولو وضع في قلوب غيرهم لاستنكروه فالحزن اول ثانيه الامن والبشارة والتفكر ثان اوله تصحيح الايمان بالله والافتقار الى الله عز وجل بطلب النجاة والحزين متفكر والمتفكر معتبر ولكل واحد منهما حال وعلم وطريق وحلم وشرف


[ 189 ]

* (الباب التسعون في الحياء) * قال الصادق (عليه السلام) الحياء نور جوهره صدر الايمان وتفسيره التثبت عند كل شئ ينكره التوحيد والمعرفة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحياء من الايمان فيقبل الحياء بالايمان والايمان بالحياء وصاحب الحياء خير كله ومن حرم الحياء فهو شر كله وان تعبد وتورع وان خطوة يتخطاه في ساحات هيبة الله بالحياء منه إليه خير له من عبادة سبعين سنه والوقاحه صدر النفاق والشقاق والكفر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا لم تستح فاعمل ما شئت أي إذا فارقت الحياء فكل ما عملت من خير وشر فانت


[ 190 ]

به معاقب وقوه الحياء من الحزن والخوف والحياء مسكن الخشيه والحياء اوله الهيبة وآخره الرؤيه وصاحب الحياء مشتغل بشانه معتزل من الناس مزدجر عما هم فيه ولو تركوا صاحب الحياء ما جالس احدا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا اراد الله بعبد خيرا الهاه عن محاسنه وجعل مساويه بين عينيه وكرهه مجالسة المعرضين عن ذكر الله والحياء خمسه انواع حياء ذنب وحياء تقصير وحياء كرامة وحياء حب وحياء هيبة ولكل واحد من ذلك أهل ولاهله مرتبه على حده


[ 191 ]

* (الباب الواحد والتسعون في المعرفة) * قال الصادق (عليه السلام) العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله لو سهى قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه والعارف امين وقايع الله وكنز اسراره ومعدن انواره ودليل رحمته على خلقه ومطية علومه وميزان فضله وعدله قد غنى عن الخلق والمراد والدنيا ولا مؤنس له سوى الله ولا نطق ولا اشارة ولا نفس إلا بالله ومع الله ومن الله فهو في رياض قدسه متردد ومن لطائف فضله متزود والمعرفة اصل وفرعه الايمان


[ 192 ]

* (الباب الثاني والتسعون في حب الله) * قال الصادق (عليه السلام) حب الله إذا اضاع على سر عبده اخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله والمحب اخلص الناس سرا لله واصدقهم قولا واوفاهم عهدا واذكاهم عملا واصفاهم ذكرا واعبدهم نفسا تتباهى الملائكه عند مناجاته وتفتخر برؤيته وبه يعمر الله تعالى بلاده وبكرامته يكرم الله عباده يعطيهم إذا سألوه بحقه ويدفع عنهم البلايا برحمته ولو علم الخلق ما محله الله ومنزلته لديه ما تقربوا الى الله إلا بتراب قدميه وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) حب الله نار لا يمر على


[ 193 ]

شئ إلا احترقه ونور الله لا يطلع على شئ إلا اضاء وسماء الله ما ظهر من سحاب تحته من شئ إلا غطاه وريح الله ما تهب في شئ إلا حركته وماء يحيى به كل شئ وارض الله ينبت منها كل شئ فمن احب الله اعطاه كل شئ من الملك والملك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا احب الله عبدا من امتى قذف في قلوب اصفيائه وارواح ملائكته وسكان عرشه محبته ليحبوه فذلك المحب حقا طوبى له ثم طوبى له وله عند الله شفاعه يوم القيامة


[ 194 ]

* (الباب الثالث والتسعون في الحب لله) * قال الصادق (عليه السلام) المحب في الله محب لله والمحبوب في الله حبيب الله لانهما لا يتحابان الا في الله قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المرء مع من احب فمن احب عبدا في الله فانما احب الله تعالى ولا يحب الله تعالى إلا من احبه الله قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افضل الناس بعد النبيين في الدنيا والاخرة لله المتحابون فيه وكل حب معلول يورث فيه عداوة هذين وهما من عين واحدة يزيدان ابدا ولا ينقصان ابدا


[ 195 ]

قال الله (تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين لأن اصل الحب التبرى عن سواء المحبوب وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ان اطيب شئ الجنة والذه حب الله والحب في الله والحمد لله. قال الله عز وجل (وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين) وذلك انهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك والحمد لله رب العالمين


[ 196 ]

* (الباب الرابع والتسعون في الشوق) * قال الصادق (عليه السلام) المشتاق لا يشتهى طعاما ويلتذ شرابا ولا يستطيب وقادا ولا يانس حميما وياوي دارا ولا يسكن عمرانا ولا يلبس ثيابا ولا يقر قرارا ويعبد الله ليلا ونهارا راجيا بان يصل الى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان الشوق معبرا عما سريرته كما اخبر الله تعالى عن موسى (عليه السلام) في ميعاد ربه (وعجلت اليك ربى لترضى) وفسر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حاله انه ما اكل ولاشرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه اربعين يوما شوقا الى ربه فإذا دخلت ميدان الشوق فكبر على


[ 197 ]

نفسك ومرادك من الدنيا وودع جميع المألوفات واصرفه عن سوى مشوقك ولب بين حياتك وموتك لبيك اللهم لبيك عظم الله اجرك ومثل المشتاق مثل الغريق ليس له همة إلا خلاصه وقد نسى كل شئ دونه


[ 198 ]

* (الباب الخامس والتسعون في الحكمة) * قال الصادق (عليه السلام) الحكمة ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق ولو قلت ما انعم الله على عبد بنعمة اعظم وانعم واجزل وارفع وابهى من الحكمة للقلب قال تعالى (يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة اوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا اولوا الالباب) اي لا يعلم ما اودعت وهيات في الحكمة إلا من استخلصه لنفسي وخصصته بها والحكمة هي النجاة وصفة الحكمة الثبات عند اوائل الامور والوقوف عند


[ 199 ]

عواقبها وهو هاوى خلق الله الى الله تعالى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلى (عليه السلام) لأن يهدى الله على يديك عبدا من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها


[ 200 ]

* (الباب السادس والتسعون في الدعوى) * قال الصادق (عليه السلام) الدعوى بالحقيقة للانبياء والائمة والصديقين وما المدعى بغير واجب فهو كابليس اللعين ادعى النسك وهو على الحقيقة منازع لربه مخالف لامره فمن ادعى اظهر الكذب والكاذب لا يكون امينا ومن ادعى فيما لا يحل له عليه فتح له ابواب البلوى والمدعى يطالب بالبينه لا محالة وهو مفلس فيفتضح والصادق لا يقال له لم قال على (عليه السلام) الصادق يراه أحد إلا هابه


[ 201 ]

* (الباب السابع والتسعون في العبره) * قال الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعتبر في الدنيا عيشه فيها كعيش النائم يراها ولا يمسها ويزيد عن قلبه ونفسه باستقباحه معاملات المغرورين بها ما تورثه الحساب والعقاب ويتبدل بها ما تقربه رضى الله وعفوه ويغسل بماء زوالها مواضع دعوتها إليه وتزين نفسها إليه فالعبرة تورث صاحبها ثلاثه اشياء العلم بما يعمل والعمل بما يعلم والعلم بما لا يعلم والعبرة اصلها اول يخشى آخره وآخر قد تحقق الزهد في اوله ولا يصح الاعتبار إلا لاهل الصفاء والبصيرة قال الله تعالى (فاعتبروا يا اولى الابصار) قال تعالى ايضا (فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فمن فتح الله عين قلبه وبصيرته بالاعتبار فقد اعطاه منزله رفيعه وملكا عظيما


[ 202 ]

* (الباب الثامن والتسعون في القناعة) * قال الصادق (عليه السلام) لو حلف القانع بتملكه على الدارين لصدقه الله عز وجل بذلك ولابره لعظم شان مرتبه القناعة ثم كيف لا يقنع العبد بما قسم الله له وهو يقول (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فمن اذعن وصدقه بما شاء ولما شاء بلا غفلة وايقن بربوبيته اضاف تولية الاقسام الى نفسه بلا سبب ومن قنع بالمقسوم استراح من الهم والكرب والتعب وكلما انقص من القناعة زاد في الرغبة والطمع في الدنيا اصل كل شر وصاحبها لا ينجو من النار إلا ان يتوب


[ 203 ]

ولذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم) القناعة ملك لا يزول وهي مركب رضى تعالى تحمل صاحبها الى داره فاحسن التوكل فيما لم تعطه والرضا بما اعطيت واصبر على ما اصابك ذلك من عزم الامور


[ 204 ]

* (الباب المائه في الغيبه) * قال الصادق (عليه السلام) الغيبه حرام على كل مسلم ماثوم صاحبها في كل حال وصفة الغيبة ان تذكر احدا بما ليس هو عند الله عيب أو تذم ما تحمده أهل العلم فيه وأما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم وصاحبه فيه ملوم فليس بغيبة وان كره صاحبه إذا سمع به وكنت أنت معافا عنه وخاليا منه ويكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن على شرط ان لا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق والباطل في دين الله عز وجل وأما إذا اراد به نقص


[ 205 ]

المذكور بغير ذلك المعنى فهو ماخوذ بفساد مراده وكان صوابا وان اغتبت مبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه ولم تلحقه فاستغفر الله له والغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب اوحى الله عز وجل الى موسى بن عمران (عليه السلام) المغتاب هو آخر من يدخل الجنة ان تاب وان لم يتب فهو اول من يدخل النار قال تعالى (ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه) ووجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والعقل والفعل والمعاملة والمذهب والجهل واشباهه واصل الغيبة متنوع بعشرة انواع 1 – شفاء غيض 2 – ومساعدة قوم 3 – وتهمة 4 – وتصديق خبر بلا الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم وصاحبه فيه ملوم فليس بغيبة وان كره صاحبه إذا سمع به وكنت أنت معافا عنه وخاليا منه ويكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن على شرط ان لا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق والباطل في دين الله عز وجل وأما إذا اراد به نقص


[ 205 ]

المذكور بغير ذلك المعنى فهو ماخوذ بفساد مراده وكان صوابا وان اغتبت مبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه ولم تلحقه فاستغفر الله له والغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب اوحى الله عز وجل الى موسى بن عمران (عليه السلام) المغتاب هو آخر من يدخل الجنة ان تاب وان لم يتب فهو اول من يدخل النار قال تعالى (ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه) ووجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والعقل والفعل والمعاملة والمذهب والجهل واشباهه واصل الغيبة متنوع بعشرة انواع 1 – شفاء غيض 2 – ومساعدة قوم 3 – وتهمة 4 – وتصديق خبر بلا كشفه. 5 – وسوء ظن 6 – وحسد 7 – وسخرية. 8 – وتعجب 9 – وتبرم. 10 – وتزين. فإن اردت الاسلام فاذكر الخالق لا المخلوق فيصير لك مكان الغيبه عبرة ومكان الاثم ثوابا

اترك تعليقاً