منبع الحياة

السيد الجزائري


[ 1 ]

منبع الحياة لمؤلفه العالم العامل والكامل الباذل صدر الحكماء ورئيس العلماء السيد نعمة الله الجزائري طاب ثراه – حقوق الطبع محفوظ – الطبعة الثانية


[ 2 ]


[ 3 ]

منبع الحياة و حجية قول المجتهد من الأموات تألیف السيد نعمة الله الجزائري الموضوع : الفقه الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات


[ 4 ]

الصفحات من 1 الی4 فارغة فی النسخة المطبوعة/صفحات 1 الی 4 در مأخذ اصلی خالی است


[ 5 ]

[المقدمة] بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و به نستعين الحمد للّه الذي رفع قواعد الشريعة المصطفوية بعد أهل البيت (عليهم السلام)، و فضل مدادهم على دماء الشهداء لبقاء منافع الخلف به على مرور الليالي و الأيام، و جعلهم كأنبياء بني إسرائيل حجة على الخاص و العام، و وطئهم أجنحة ملائكته للاجلال و الإعظام، و أمر كافة الناس بالرجوع إليهم في تعلم الأحكام و لم يفرق بين الأحياء منهم و الأموات. و ان تمادت السنون و الأعوام، و الصلاة على من أنقذ العباد من شفا جرف الهلكات محمد و أهل بيته مصابيح الظلمات، و بعده ان العبد المذنب الجاني قليل البضاعة و كثير الإضاعة نعمة اللّه الحسيني الجزائري و فقه اللّه تعالى لجميع مراضيه، و جعل ما يأتي من أمره أخيرا من ماضيه وفقه اللّه تعالى عز شأنه لشرح كتاب التهذيب و الاستبصار، و اطلع بتأليفها على كتب الأصحاب و فتاويهم التي صدرت عنهم و أودعوها الكتب فيما مضى من الأعضاء فرأى نص جماعة منهم على أصلين من فروع الدين


[ 6 ]

و ادعوا عليها إجماع المسلمين و يلزم منها الحرج و الضيق على جماهير الأنام و يبطل بها عيادات كثير من الخواص و عامة العوام و هما قولهم إن فتاوي المجتهد الميت مما لا يعول عليها و لا يوقف لديها و لا ينتفع بها إلا في زمن حياته، و يحرم القول بها بعد وفاته و الثاني تصريحهم بأن الرعية صنفان: مجتهد و مقلد، اما مشافهة أو بواسطة العدل و من أخطأ الطريقتين بطلت عباداته و إن كانت على نهج الصواب و لما عنّ لنا الكلام على هذين الأصلين، وضعنا هذه الرسالة في الرد عليها، و وسمناها بمنبع الحياة في حجية قول المجتهد من الأموات. أما الأصل الأول فلم نر من أطنب في تفصيل كلماته الا شيخنا و مفقدنا العالم الرباني زين الملة و الدين الشهيد الثاني أعلى اللّه درجته كما شرف خاتمته فإنه كتب فيه رسالة أكثر فيها من الاستدلال عليه و تبعه ولده المدقق شيخنا الشيخ حسن طاب ثراه، أما غيرهما فقد تعرضوا له على سبيل الاختصار فأدت الحاجة الى نقل دلائلهم و الجواب عنها بما يستطلع عليه ثم الى ذكر الاستدلال على ما صرنا إليه [أدلة النافين لحجية قول المجتهد من الأموات] فنبدأ أولا بما حرره شيخنا الزيني، عطر اللّه مرقده في تلك الرسالة، و هذا لفظه و بيان صحة هذه الدعوى من وجوه [الدليل الأول إن أكثر الفروع و النقول غير المسند الى أحد من المجتهدين غير مسموعة و غير سائغة] (الأول) إن كثيرا من هذه الفروع و النقول غير المسند الى أحد من المجتهدين الذين يجوز الأخذ بقولهم و العمل بفتواهم إفتاء غير المجتهد في الدين غير مسموع و نقله غير سائغ لأجل العمل به إذا لم يستند الى مجتهد معين بحيث نعلم عدالته، و عدالة الواسطة، و هذا موضع لم يخالف فيه أحد من العلماء و من ادعى جوازه فعليه بيان المجوز انتهى. (الجواب) و باللّه التوفيق إنا لما جوزنا للمقلد الرجوع الى فتاوي


[ 7 ]

الأموات من علماء الدين لم ينقل بجواز الأخذ له من الفتاوي المجهولة القائل كالفتاوي المودعة في الكتب المجهولة و ما وجد في ظهور الكتب و الأوراق و ان حصل الظن بانتسابها الى أحد المجتهدين، و لا يجوز الأخذ أيضا من مشافهة العدول و توسطهم بين المقلد و المفتي الميت إذا لم تنته سلسلة النقل على الطريق المعتبر اليه بل المراد إن علماء الدين (قدس اللّه أرواحهم) لما بذلوا جهدهم في تحصيل الأحكام من مظانها و خافوا عليها من الضياع و قلة الانتفاع دونوها في الكتب و اتصلت بنا متواترة مقطوعة الصحة بمعرفة مؤلفيها ككتاب الشرائع و النافع و المعتبر للمحقق و الإرشاد و المختلف و القواعد و المنتهى و التذكرة، و نحوها من كتب العلماء الإمامية. و لم يشك أحد في انتسابها إليهم، و بالجملة يكون المراد جواز الأخذ. من هذه الكتب و الفتاوي. [الدليل الثاني إن أكثر هذه النقول مما لا يقل بها أحد من علماؤنا و إن وافق بعضها لأقوال المجتهدين] (الدليل الثاني) إن هذه النقول و إن كان بعضها موافقا لأقوال المجتهدين فقد وجد في كثير منها ما لا يقول به أحد من علمائنا، بل وقفت أنا منها على ما يقول به أحد من علماء الإسلام قاطبة، فالقول بها و اعتقادها شناعة في الدين مع إتصافها بهذا الوصف و لا يخفى ما يترتب عليه. انتهى. (الجواب) و على اللّه الاعتماد قد تحققت انا لا نعتبر الفتوى و الحكم إلا إذا قطعنا بأنه قول لعلمائنا المجتهدين و اما قوله طاب ثراه على ما لا يقول به أحد من العلماء فلا يوجب رد جميع الكتب و الفتاوى و ذلك ان كتب الأصول الأربعة من الحديث و غيرها قد تضمنت اخبارا لم يذهب أحد من أصحابنا إلى العمل بشيء منها


[ 8 ]

لكنه لا يوجب ردّ الاخبار كلها. [الدليل الثالث إن التعويل عليها لا يتم عن طريق المشافهة أو الواسطة أو الوسائط مع عدالة الجميع] (الدليل الثالث) إن تلك الأفراد الموافقة لأقوال المجتهدين أو هي عين أقوالهم، إنما يجوز التعويل عليها، و العمل بها مع مشافهة المجتهد أو نقلها عنه بواسطة أو وسائط مع عدالة الجميع. و معلوم ان الأمر هنا ليس كذلك، بل إنما يأخذونها من مشايخهم تلقينا منهم من غير نظر الى الوسائط و لا معرفة بحالهم، و كذلك مشايخهم أخذوها و هلم جرا الى ان يصير الحال الى واحد لا يدري كيف توجه، و لا إلى أين انتهى، و لا يظن ظان ان اجازة المشايخ، و ما فيها من الطرق الى فقيه نقية هي الطريق الى نقل هذه الفتاوى، لان تلك الطرق، انما هي طرق الرواية لا طرق العمل انتهى ملخصا. (الجواب) ان هذا الدليل و كثيرا من أدلته، توافق ما قاله محمد ابن إدريس (ره) في السرائر من ان ما يوجد من الفتاوى في كتب أصحابنا المقطوع بها لا يجوز التعويل عليها من جهة وجودها في الكتب، و لم يقطع بصدورها ممن نسبت إليه كسائر ما يوجد بخطوط القاضي و المفتي إذ لعل هذه الكتب المدونة في الفقه قد الحق فيها ما ليس منها فينتفي الجزم و القطع بكونها فتاوى مجتهدي الأصحاب، و اما هو طاب ثراه فسيأتي في كلامه ما يدل على اعتبار الأصحاب من وجه آخر، و التحقيق ان هذا التجويز العقلي لا يقدح في تواترها عن مصنفيها و الا لقدح في كتب الأخبار من الأصول الأربعة و غيرها لتقادم اعصارها، و لما لحقها من التحريف و التبديل و من ثم لا ترى حديثا واحدا يتوافق على نقل ألفاظه النسخ و الكتب إلا القليل منها فذلك التجويز عليها أشد منه على مصنفات الفقهاء (رضوان الله عليهم)، و حينئذ


[ 9 ]

فالفتوى المأخوذة من كتبهم عطر اللّه مراقدهم لا يقصر عما أخذ منهم مشافهة، بل لعل الظن الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل من المشافهة كما لا يخفى على ان هذا الدليل يقتضي أن المانع من تقليد علماء الدين الأموات انما هو عدم ضبط أحوال الوسائط و عدم الاطلاع على عدالتهم فلو عرفت منهم العدالة بالقرب من موت ذلك المجتهد لمن في العصر الذي يلي حياته جاز تقليده في المسائل و الفتاوى و يجوز لمن أخذ منه في حياته ان يعمل بتلك الفتاوى بعد موته بالطريق الاولى، و حينئذ فلم يكن فيه دلالة على عدم جواز التقليد للأموات مطلقا كما هو المطلوب. [الدليل الرابع لا يكفي انحصار النقل في أقوال الفقهاء في جواز التعويل عليه دون البحث عن تعديل هذه الوسائط] (الدليل الرابع) على تقدير انحصار النقل في أقوال الفقهاء و ذكر الطريق فلا يكفي ذلك في جواز التعويل عليه ما لم يبحث عن تعديل هذه الوسائط، و تثبت عدالتهم بإحدى الطرق المفيدة لها، و هذا الأمر غير حاصل لنا الآن بل لا سبيل إلى إثباته لمن أراده، بل البحث عنه و توهم تحققه قد يلحق بالمحالات إذ غاية ما يمكن تلاقيه الحكم بتعديل الشيخ الذي أخذت عنه، فيحتاج الى الحكم بتعديل شيخه إلى شاهدي عدل، و ان كان أحدهما شيخك و إنى لك بهذا ثم ساق الكلام الى ما لا يدخل له في إتمام الدليل. (الجواب) و لا حول و لا قوة إلا باللّه انا قد بينا ان هذا الدليل مما لا ينفي الاعتماد على فتاوى الأموات مطلقا، اما للاطلاع القاطع على إنها فتوى صاحب الكتاب المقطوع باجتهاده، و إما للمعرفة بعدالة الوسائط و عند ثبوت أحد الأمرين يكون هذا الدليل دالا على جواز العمل بأقوال ذلك المجتهد


[ 10 ]

[الدليل الخامس كيف يتصور ان مجتهدا ينقل لأحد فتوى مجتهد آخر، و يعمل هو لنفسه بتلك الفتوى؟ على ان المجتهد لا يسوغ له العمل بفتوى غيره] (الدليل الخامس) و هو أمتنها برهانا و أوضحها بيانا انكم أوصلتم طريقا صحيحا الى مثل شيخنا الشهيد (ره) و من تأخر عنه كالمقداد و ابن فهد و الشيخ علي (ره) برجال ثقات مقلدة، فمن أين لكم بالطريق المتصل بالفتوى الى الشيخ جمال الدين، و ابي القاسم، و من تقدم عليهما فان الطرق التي بأيدي الناس التي قد اشتملت على الإجازات المعتبرة و الكتب المحدرة منحصرة في الانتهاء الى الشهيد، و تنحصر في الشيخ جمال الدين ابن مطهر بواسطة ولده فخر الدين و نظراءه، و هناك تتبوب و تختلف الى من سلف من المجتهدين، و المصنفين و حينئذ فنقول إذا رويتم و نقلتم فتوى الشهيد (ره) عن أشياخكم المشهورة إلى الشهيد و هم عدول ثقات، فممن نقلتم فتوى فخر الدين فان قلتم رويناه بالطريق عن الشهيد لأنه شيخه قلت كيف يتصور ان مجتهدا ينقل لأحد فتوى مجتهد آخر، و يعمل هو لنفسه بتلك الفتوى فإن الإجماع واقع بين الناس قاطبة على ان المجتهد لا يسوغ له العمل بفتوى غيره، و لا إفتاء الغير له فعند موت فخر الدين انقطعت فتواه و صار الرجوع الى الشهيد و العمل بقوله لازما إذ لا كلام في ان مع وجود المجتهد الحي يجب الرجوع اليه و يبطل العمل بقول من سبقه. ثم أطرد بكلامه الى ان قال: نعم لو ارتكب مرتكب جواز العمل بما علم فتوهم و ان لم يكن له طريق و لا نقله عن أحد متى وجده في كتبهم سلم من هذه المحالات، و احتاج في سد هذا الباب الى تحصيل الجواب انتهى. (الجواب) و اللّه المستعان انك إذا اعترفت بتصحيح طريق الفتوى الى المشايخ المتأخرين، كالشهيد و الشيخ علي (قدس اللّه سره)


[ 11 ]

روحيهما كفانا في تصحيح فتاويهم، و العمل بها من غير حاجة بنا الى فتوى من تقدم عليهم، لان لهم في كل مسئلة من المسائل خصوصا مسائل العبادات فتاوى و أقوالا كافية للمقلد و أما قوله طاب ثراه كيف يتصوران مجتهد ينقل لأحد فتوى مجتهد آخر الى آخر كلامه فيمكن ان يقال ان المجتهد يجوز ان ينقل فتوى مجتهد آخر على طريقة الموافقة بين رأيهما كما يتفق لكثير من المجتهدين مثله، على انه لو نقل فتوى من تقدمه للناس و عمل هو بفتوى نفسه لا قدح فيه ليكون الغرض اما تخيير المقلد بين التقليدين، أو ليتميز فتوى العالم من الأعلم ليتعين تقديم فتاوى الأعلم كما قال طائفة من العلماء، و أيضا فنقل الفتوى ممكن على هذا الطريق، و هو أن نقول ان فخر المحققين قرأ القواعد على والده (قدس اللّه روحيهما)، و اجازه العمل بما فيها و الشهيد طاب ثراه قرأها على فخر الدين فأجازه و هكذا حتى انتهى الحال إلينا فتكون فتاوى ذلك الكتاب قد بلغت إلينا بواسطة العدل في جميع المرانب و لا يقدح في هذا النقل ان الوسائط المذكورين قد بلغوا بعد ذلك النقل درجة الاجتهاد و تغايرت آراؤهم في بعض المسائل، فإن المقصود ليس إلا اتصال النقل إلينا و أما قوله طاب ثراه نعم لو ارتكب مرتكب اه فقد عرفت ان هذا هو الذي قلناه سابقا واجبنا عما أورد عليه. [الدليل السادس على تقدير الوسائط و تحققها في زمان من الأزمنة يشترط في كل فرد منها العدالة و هي لا تحصل الا بالقيام بالواجبات] (الدليل السادس) على تقدير الوسائط و تحققها في زمان من الأزمنة يشترط في كل فرد منها العدالة إجماعا و العدالة لا تحصل الا بالقيام بالواجبات التي من جملتها التفقه في الدين، و التأهل لمرتبة الفتوى بالدليل التفصيلي، و هو مرتبة الاجتهاد إن لم يكن في العصر


[ 12 ]

قائم به يتأدى به الوجوب (فحينئذ) نقول لا يخلو إما أن يكون في كل عصر من الأعصار التي تترتب فيها الوسائط مجتهدا، أو لا يكون فان كان فالرجوع اليه متعين و الأخذ بقوله لازم إذ لا كلام في وجوب الرجوع الى المجتهد الحي عينا (فحينئذ) لا يتصور النقل عن المجتهد الميت فنقل الناقل عينه عيني اثم خارج عن العدالة لبطلان عبادته، و ان لم يكن في العصر مجتهد حتى كان التفقه على أهل ذلك العصر واجبا إجماعا فترك الاشتغال بمقدماته و الاتكال على تقليد الموتى يخل بالوجوب، و هو موجب لعدم العدالة الموجب لعدم إمكان التقليد و تحرير البحث انه لا خلاف بين علمائنا (رضوان الله عليهم أجمعين) ان التفقه واجب و انما اختلفوا في وجوبه هل هو على الأعيان أو على الكفاية، فذهب فقهاؤنا و فقهاء حلب كأبي الصلاح و سلار و ابن حمزة الى ان وجوبه عيني و انه لا يجوز التقليد في الأحكام الشرعية لأحد البتة و ذهب باقي الأصحاب الى ان وجوبه كفائي، و من المعلوم ان الواجب الكفائي إذا لم يقم به أحد كان الواجب على المكلفين القيام به فإن أخلوا لحقهم جميعا الإثم و لو أصروا على تركه ساعة بعد خرى، و لو في يوم واحد فضلا عن أيام كان من الكبائر بل من أكبرها بدعة. إذا تقرر ذلك فان قلنا بوجوبه عينا فلا كلام في لحوق الإثم لتاركه، و ان قلنا بالآخر فإنما يسقط عن المكلفين الإثم في تركه عند قيام أحد به بحيث يتأدى به الفرض الكفائي، و هو بالنسبة إلى التفقه إنما يتحقق بوجود مجتهد في كل قطر من أقطار الإسلام بحيث يرجع إليه في الوقائع متى احتج اليه و من المعلوم البين عدم حصول ذلك في زماننا فما تقدمه بسنين كثيرة، و اللازم من ذلك اشتراك أهل العصر المفقود فيه ذلك في الإثم، و خروجهم عن العدالة و هو سيد


[ 13 ]

عليهم (ب باب التقليد) على تقدير جوازه لا يقال لا نسلم لحوق الإثم لجميع أهل العصر، بل إنما يلحق من يمكنه الاجتهاد منهم للعلم الضروري بان من المكلفين من لا يقدر على تحصيل هذه المرتبة، و لو بذل وسعه، و صرف على التفقه عمره (و ح) فيمكن الأخذ ممن تعذر عليه ذلك لسقوط الفرض عنه الموجب لإمكان العدالة، و على هذا التقدير تترتب الوسائط، لأنا نقول على تقديم ذلك لا يتم القول بجواز الفتوى، و الحكم، و نقل كليات المسائل، و هل هو الأعين المتنازع فيه و أين الدليل عليه، و من القائل به بل قد قيل ان من هذا شأنه يجب عليه العمل بمواضع الإجماع ما أمكن دون الأخذ بأقوال الميت فيما وقع فيه الخلاف انتهى. (الجواب) و لا حول و لا قوة إلا باللّه أما أولا فباختيار الشق الأول أعني ترتب الوسائط في النقل مع وجود المجتهد الحي قولك ان الرجوع اليه متعين، و لا كلام فيه قلنا بل الكلام فيه موجود كما سيأتي تحقيقه، و ذلك انه يجب عندكم العمل بأقوى الظنين و تقليد الأعلم من المجتهدين، فاذا كان المجتهد الميت مثل المحقق، و مثلك و الحي مثل المقداد و نحوه و مثل أكثر من يدعي الاجتهاد من أهل عصرنا كان الظن للمقلد أقوى و أسكن للنفس منه بالنسبة الى الأحياء، و أما ثانيا فباختيار الشق الثاني و هو خلو ذلك العصر من المجتهد قولك انه يجب على أهل ذلك العصر التفقه، قلنا مسلم، و لكنهم مشغولون في تحصيل أدواته و السعي فيه، لكنه يحتاج الى انقضاء مدة كثيرة حتى يمن اللّه سبحانه على من يمن من عباده، و يرقيه إلى درجة الاجتهاد فذلك الوقت كله مما يجوز له تقليد الموتى، و قولك أن المقلد في ذلك الزمان الطويل، يرجع الى الأخذ بالمسائل المجمع


[ 14 ]

عليها. قلنا هو لا يعرف تلك المسائل، و لا مواقع الإجماعات، و ان كان مشغولا في تحصيل العلم و الفقه على انه يحتاج في الأخذ بهذه الفتوى أعني الأخذ بالمجمع عليه الى تقليد المجتهد، و هو غير موجود، و تجويز المتقدمين لا يعبأ به عندكم، لأنهم أموات فضاق على المقلد ميدان التكليف، و صارت الشريعة السمحة، أضيق عليه من عقد الشعيرة، و قوله طاب ثراه فذهب فقهاؤنا و فقهاء حلب (اه). المشهور ان القول بعينية الاجتهاد انما هو لعلماء حلب (قدس اللّه أرواحهم) و بعض المتأخرين أول كلامهم بإرادة الاجتهاد اللغوي أعني بذل الجهد و الطاقة في تحصيل معرفة الأحكام و لو بالتقليد و هو تأويل لا يرضى به أهل هذا القول لأنهم نصوا على عدم جواز التقليد الا زمان الطلب و الذي حدا الناس على هذا التأويل هو لزوم الحرج على الخلق إذا قلنا بالوجوب عينا و الظاهر ان مرادهم بوجوبه عينا الوجوب على من اتصف بشرائطه و امكنه القيام به و الا فالأغلب من الناس لو بذل عمره و اعطى أضعافه لما حصل له الترقي إلى درجة الاجتهاد و هذا من قبيل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على القول بان وجوبهما عينيان فإنه لا يجب عند أهل ذلك القول الا على من جميع شرائطه لا انه واجب على كل المكلفين كما يتوهم في بادئ الرأي و القول بوجوب الاجتهاد عينا بهذا المعنى غير بعيد عن الصواب كما لا يخفى و اما قوله (قدس اللّه روحه) و من العلوم البين عدم حصول ذلك في زماننا اه فهو عذر لنا لا علينا لأنه يلزم منه دخول الإثم و الفسق على جميع أهل تلك الأعصار مع عدم قيام الدليل عليه


[ 15 ]

[الدليل السابع لو أمكن التوصل فلا يصح نقل فتواهم جميعا بحيث يتخير الناقل في أخذ شيء منها و طرح ما شاء] (الدليل السابع) على تقدير التنزل و القول بإمكان التوصل لا يصح ان ننقل فتواهم جميعا بحيث يتخير الناقل في أخذ شيء منها و طرح ما شاء كما فعله أهل عصرنا يحلونه عاما و يحرمونه عاما و يجعلون منه حلالا و حراما لما تقرر في الأصول انه مع تعدد المفتي يتعين الرجوع الى الأعلم فإن تساووا في العلم فالاورع فان تساووا في الجميع تخير المستفتي في تقليد أيهم شاء فإذا أخذ بقوله في مسئلة لم يجز له الرجوع الى غيره في تلك المسألة و اختلفوا في جواز الرجوع إليه في غير تلك الواقعة و قد علم من ذلك ان التدين بتقليد من شاء من الجماعة المختلفين في العلم و عيره لشبهة انهم قد نقلت فتواهم غير جائز في دين اللّه تعالى و لا قال به أحد ممن يعتمد على قوله. (الجواب) و على اللّه التوفيق ان قوله طاب ثراه مع تعدد المفتي يتعين الرجوع إليه إلى آخر كلامه لا نمنعه و ذلك ان المتقدمين من علمائنا مشتركون في أنهم أعلم من معاصرينا ممن يدعي الاجتهاد فيجب تقليدهم بنا على هذا و اما التفاضل بينهم فان كان معلوما للمقلد بان يكون له طرف من العلم لم يبلغ معه درجة المجتهدين رجع الى تقليد الأعلم منهم و أخذ بفتاويه المنقولة منه مشافهة بالوسائط أو من كتبه المقطوع بانتسابها اليه و ان كان من العوام لم يعرف الأعلم و لم يتميز عنده من غيره و لو بأخبار من يحصل له الظن من اخباره كان حقه التخيير في الأخذ من أيهم شاء و بالجملة إذا كان المانع من تقليد المتقدمين هو هذا كان الحال فيه واسعا. [الدليل الثامن إن كان اللازم تقليد منذكر و لم يتعين كان بمنزلة الجهل بالمفتي الموجب للتوقف في العمل بالفتوى] (الدليل الثامن) ان من القواعد المقررة و الفتاوي المسلمة أن المجتهد إذا أفتى في مسألة لغيره و تعين على الناس العمل بها ثم رجع


[ 16 ]

عن تلك الفتوى الى ما يخالفها بطل حكم الأول في حقه و حق غيره و وجب على كل من قلده أولا و من يقلده العمل بالفتوى الثانية و ترك الأولى و صار عملهم بالأولى كعملهم بغير فتوى و لا تقليد و هكذا لو رجع عن الثانية إلى ثالثة و رابعة و هلم جرا حيث يمكن و إذا كانت هذه حال فتواه بغير خلاف لو كان حيا فما الذي جوز العمل بتلك الفتوى السابقة على الأخيرة بعد ان حكم ببطلانهما و لو صح جواز تقليد الميت لكان اللازم العمل بآخر فتوى اعلم من تقدم من علمائنا السالفين من لدن الأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) إلى زماننا هذا بل من زمن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) إذ الاجتهاد سائغ في زمن الامام و المعصوم بل لا ينتفع النبي و الامام في النائب عنه في الأحكام و القضايا الا بالفقيه المجتهد كما هو مقرر في محل آخر و معرفة اعلم الخلق الماضين و الوقوف على تفاصيله مما الحق في زماننا هذا من المحالات و على تقدير تعيينه يكون العمل بآخر ما افتى به في المسألة و مات عليه من الفتوى و ذلك كله قد خفي خبره بل انمحى من الخلق أثره و حيث كان اللازم تقليد من ذكر و لم يتعين كان بمنزلة الجهل بالمفتي و هو موجب للتوقف في العمل بالفتوى انتهى الجواب و اللّه الهادي لعباده اننا نصحح أولا كيفية تقليد المجتهد الحي حتى نرجع منه الى كيفية تقليد المجتهد الميت فنقول قد اعترفتم قبل هذا بان وجود مجتهد حي في كل أفق من الافاق بحيث يرجع إليه أهل تلك البلاد قد فقد قبل هذا باعوام كثيرة و الحال على ما قلتم و اعصارنا هذه أشد من اعصاركم في فقد المجتهدين المتعددين في الافاق بل ان وجد فإنما هو واحد أو اثنين في قطر من الأقطار يزعمون الاجتهاد و الناس بين مثبت لدعواهم و بين مكذب بها فاذا هاجر إليه أهل الأمصار البعيدة و أخذوا منه أحكامهم تقليدا و رجعوا إلى


[ 17 ]

أوطانهم عاملين بما أخذوا منه و هذا المجتهد كما قلتم يجوز عليه تغير الآراء في الاجتهاد و ينتقل من رأى إلى أخر على ما يسوقه اليه الدليل فكيف يصنع المقلدون له و اني لهم بحصول العلم كلما تغير رأيه فإن قلتم انه يجب عليهم في كل وقت من الأوقات الرجوع اليه ليطلعوا على استمرار رأيه و الانتقال عنه كان هذا هو الحرج الظاهر الذي لا يقوم به المكلفون بل هو من باب التكليف بما لا يطاق و ان أوجبتم على المجتهد المسافرة إليهم و الاخبار لهم فهذا زيادة تكليف عليه مع انه لم ينقل عن أحد من المجتهدين مع تمادي أعصارهم فيكونون قد أخلوا بهذا الواجب حشاهم عن مثله فلم يبق عليهم الا العمل بما أخذوه منه و إذا اتفق لهم العلم بانتقال آرائه عدلوا عنه الى القول الأخير فإذا كان هذا حال تقليد المجتهد الحي و كيفيته فيكون تقليد المجتهد الميت على هذا المنوال أيضا و هو انا ان علمنا و اطلعنا على القول الأخير من أقوال المجتهد الميت أخذنا به و ان جهلناه أخذنا بما اطلعنا عليه منه حتى يأتينا الخبر بآخر أقواله و ان اطلعنا على قولين و لم نعلم المتأخر منهما اتخذنا بأحدهما لأن المجتهد ناقل لأحكام اللّه تعالى و قد أخذ كل واحد من القولين من خبر من اخبار أهل البيت (عليهم السلام) و قد ورد عن السادة الأطهار (صلوات اللّه عليهم) في باب تعارض الخبرين أيهما أخذت من باب التسليم أجزأك الا ان يدعوا ان المجتهد يأخذ بارائه و قياساته و استحساناته كما هو المعروف بين المجتهدين من أهل الخلاف و هذا الاجتهاد غير مقبول عند هذه الفرقة المحقة كما صرحتم به أنتم و غيركم من العلماء الصادقين و اما قوله (قدس اللّه روحه) ان الاجتهاد سائغ في زمن النبي (صلى اللّه عليه و آله) و المعصوم (عليه السلام) فهو غير مسلم للإجماع على انه إذا أمكن تحصيل القطع و الجزم في


[ 18 ]

الأحكام لم يجز التعويل على الظن الذي هو مناط الاجتهاد و النبي (ص) و الامام (ع) لا يعينان نائبا إلا إذا عرفا منه الاطلاع على الأحكام بالأخذ منهم و هذا خارج عن الاجتهاد على ان إذا جوزنا عليه الاجتهاد لبعد المسافة لم يجز له الاجتهاد عن رأيه و انما يجتهد في الاخبار المنقولة إليه عن المعصوم (ع) مثل في جميع الأعصار على ان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد طعنوا على من اجتهد في أعصار الأئمة (ع) و عابوا رواياته و اخباره لمكان القول بالاجتهاد كما قالوه في يونس و أضرابه (و ح) فتجويز الأخذ بآراء من عاصرهم (عليهم السلام) و العمل بأقواله و جواز تقليده مما لا يجوز فكيف يحتاج إلى معرفة أقواله و فتاويه و الاطلاع على الأخر منها على ان الظاهر من العلامة (رحمه اللّه) في نهاية الأصول ان هذا القول اعني جواز الاجتهاد في زمانه (ع) لم يقل به أحد منا فإنه نقله عن بعض الجمهور و لم يرجح منه شيئا و هو أوفق بقوانين الجمهور و اقايلهم. [الدليل التاسع إذا قلنا بجواز تساوي الميت و الحي في جواز الفتوى يلزم منه إلزام شنيع و هو تعين الرجوع إلى الأحياء و الأموات] (الدليل التاسع) تنزلنا عن ذلك كله و قلنا بان الميت يساوى الحي في جواز فتواه و يلزم من ذلك إلزام شنيع و هو انه يتعين (ح) الرجوع الى الأحياء و الأموات عملا بما قررناه من القاعدة فلو وجد مجتهد يعلم قصور رتبته عن بعض ما سلف من الفقهاء الأموات و لكن ليس في العصر سواه أو فيه غيره و لكنه أعلم الأحياء يلزم على هذا عدم جواز الرجوع اليه و الأخذ بقوله لوجوب تقليد الأعلم و الفرض ان بعض الأموات أعلم منه و ان قولهم معتبر و هذا خلاف الإجماع. (الجواب). و هو تعالى شأنه الملهم للصواب في كل باب اما من يقول بالتخيير بين الرجوع الى المجتهدين إذا تساووا في أصل


[ 19 ]

الاجتهاد فلا يتعين عليه القول بلزوم تقليد الفقيه الميت و اما من ذهب الى وجوب تقليد الأعلم فغير بعيد عنده الاعتماد على قول الفقيه الميت لقوة الظن عند الأخذ بقوله خصوصا المجتهد الحي لا يمكنه إثبات اجتهاده في عصره غالبا لعدم الإذعان له من العلماء و إذعان غيرهم لا يفيده درجة الاجتهاد و اما من ذهب الى ان جواز تقليد الأموات إنما يجوز عند فقد المجتهد الحي اما مطلقا أو في ذلك الأفق فهو سالم من هذا الإلزام. [الدليل العاشر ان تقليد الميت على تقدير جوازه انما يكون في آحاد المسائل الجزئية لا في كل شيء] (الدليل العاشر) ان تقليد الميت على تقدير جوازه و تحقق طريقه انما يكون في آحاد المسائل الجزئية التي تتعلق بالمكلف في صلواته و باقي عباداته و معاملاته و نحوها لا في كل شيء توصل إليه أهل زماننا حتى جوزوا به الحكم و القضاء و تخليف المنكر و من ماثله و تفريق مال الغائب و نحو ذلك من وظائف المجتهدين فان ذلك غير جائز و لا هو محل الوهم لتصريح الفقهاء بمنعه بل منهم الأغلب ذكره مرتين في كتابه الأولى منهما في كتاب الأمر بالمعروف و الأخرى في كتاب القضاء بل صرحوا بان ذلك إجماعي و ممن ذكر الإجماع على عدم جواز الحكم لغير المجتهد العلامة (ره) في كتاب القضاء و الحكم لأهل التقليد حكم واضح بغير ما انزل اللّه سبحانه فكيف تعملون بفتواهم مرة و تخالفونها اخرى و الكل موجود في كتاب واحد ا فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض بل قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كتبهم ما هو أغرب و أعجب و هو انه لا يتصور حكم المقلد بوجه و لا تولية المجتهد الحي له في الحكم و ذكروا في الوكالة ان مما لا يقبل النيابة القضاء لأن النائب ان كان مجتهدا في حال الغيبة لم يتوقف حكمه على


[ 20 ]

نيابة و الا لم يجز استنابته و من هنا يقسم على الطبقات السابقة التي بين الناقل و بين المجتهد (ره) فإنكم تعلمون علما يقينا بأنهم كلهم أو جلهم أو من شاهدته منهم ما كانوا يتحاشون عن الأحكام و يقع منهم مدارا و كفى حرجا فعلى ما خالف الإجماع المصرح به من مثل العلامة بل يترتب على هذا ضمانهم الأموال التي افتوا بها و احتسبوها من مال الغائب و غيره و استقرارها في ذمتهم كما هو معلوم مقرر في بابه انتهى. (الجواب) و باللّه الاستعانة ان كلامنا انما هو في العبادات المتعلقة بالمكلفين حذرا من لزوم الحرج و يتضيق الأمر عليهم و خوفا على عباداتهم من البطلان سيما الصلاة التي لا يجدون المجتهد الحي الذي يرجعون إليه في جميع أوقات الحاجة من سكان القرى و الصحارى و الأمصار التي لا يوجد فيها المجتهد و اما الأحكام و المعاملات و القضاء بين الناس و اقامة الحدود و نحو ذلك فلا نمنع من اختصاصه بالمجتهدين لأنه منصب جليل لا يقوم به المقلد و لا يستوفي التقليد جزئيات أحكامه و من ثم اختص بشرائط كالذكورة و الحرية و نحوهما مما لا دخل لهما في التقليد و لا يجب في المقلد استجماعها و لان ما جوزناه من هذا التقليد مما وقع فيه الخلاف و ممن أشار الى وقوع الخلاف فيه الشهيد (قدس اللّه ضريحه) في الذكرى و المحقق الثاني الشيخ علي عطر اللّه مرقده في حاشية الشرائع ذهب الى جوازه و كثير من علماء عصرنا و ممن قار به ذهب إليه أيضا و بالجملة فهي مسألة خلافية لم يتحقق فيها الإجماع و سنكشف فيما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ان كثيرا من القدماء قائلون به أيضا و ان لم ينصوا عليه على ان مثل هذه الإجماعات المنقولة في كتب فقهائنا (رضوان الله عليهم) مما


[ 21 ]

خالفوها هم أنفسهم و ذهبوا الى خلافها فمن ذلك أنت أعلى اللّه مقامك صنفت رسالة في نقل المسائل التي ادعى الشيخ (ره) عليها الإجماع في موضع و ذهب الى خلافها في محل آخر على ان بعض الأحكام مما ادعى بعضهم عليها الإجماع و ادعى البعض الآخر الإجماع على خلافها فاذا كان هذا حالهم في إجماعاتهم فكيف يبقى لأحد الوثوق بها و الاعتماد عليها و يجعلها حجة فيما بينه و بين اللّه سبحانه في لعمل بأحكامه الدليل. [الدليل الحادي عشر ان مستند الأحكام و دلائل الفقه ظنية لا تدل بذاتها على تلك الأحكام و موجبة للعمل بها] (الحادي عشر) ان مستند الأحكام و دلائل الفقه لما كانت ظنية ما كانت دالة بذاتها على تلك الأحكام و موجبة للعمل بها بل لا بد من اقترانها بنظر الفقيه البالغ درجة الفتوى و رجحانها عنده و لو بالدلالة الحكمية كحالة نومه و غفلته و لهذا لا يجوز العمل بما دلت عليه أو حصلت تلك الدلالة لغيره ممن لم يبلغ الدرجة و لا له إذا تغير ظنه ان يرجع الى نقيضها (و ح) فيكون المثبت لتلك الأحكام هو تلك الدلالة المقترنة بالظن فعلا أو قوة فتبين من ذلك ان تلك الدلائل لا تستلزم الحكم لذاتها بل بالظن الحاصل باعتبار انتفاء المعارض و هذا الظن يمتنع بقائه بعد الموت لأنه من الاعراض المشروطة بالحيوة فيزول المقتضي بزواله فيبقى الحكم بعد موته خاليا عن سند فيكون غيره معتبر شرعا و أوضح ما يؤيد به هذا الوجه ان المجتهد لو رجع في المسألة عن مقام الترجيح الى التوقف بطل ذلك الترجيح في حقه و حق المقلد كما لو رجع عنه الى ترجيح لقبه فكيف يثبت في حال الموت ما يبطل في حال حياته عند زوال ذلك السبب الموجب للحكم (انتهى الجواب)


[ 22 ]

و اللّه سبحانه هو الهادي في كل باب أن عمدة دلائل الفقه بل هي كلها الكتاب و السنة و الإجماع و الأخير يرجع الى السنة أيضا عندنا لأنه كاشف عن قول المعصوم و هذه الأدلة دالة على الحكم الشرعي و مستلزمة له و الفقيه حاك و مبلغ لها الى المقلدين و ظنه لا يشارك حكم اللّه سبحانه بل هو الباقي على مر الدهور و كر العصور و ان ذهب المجتهدون قاطبة و اما ترجيحه لأحد الدليلين عند التعارض فهو أيضا عمل بواحد من الدليلين رجحه عنده الأمارات المثيرة للظن و بالجملة فمستند الحكم هو الدليل الدال عليه للظن المجتهد غاية الأمر ان ظن الفقيه هو الذي حمله على تبليغ الأحكام الى الناس فعند موت الفقيه لا يتغير الحكم لعدم تغير السبب فيه نعم هذا الكلام انسب بمذاهب الجمهور حيث ان أحكامهم مستندة الى الآراء و القياسات و الاستحسانات التي أجمعنا على بطلان حجتها فاذا مات المجتهد منهم ذهب ظنه الذي هو دليل الحكم على ان لا نسلم ان يموت الفقيه تذهب منه علومه و أحكامه لأنه حي في الدارين وَ لٰا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و قال (ع) ليس الشهداء الا شيعتنا و ان ماتوا على فرشهم و في الحديث ان من طلب العلم و لم يبلغ منه أرسل اللّه اليه ملكا يعلمه في قبره حتى يتم له غايته فيحشر يوم القيمة في زمرة الفقهاء و العلماء و اما انه إذا رجع عن الترجيح الى التوقف بطل ترجيحه الأول فهو لما قلناه أيضا من تعارض الأدلة من غير مرجح فالحاكم في أحكام رب العالمين ليس الا الدليل الشرعي و اما قولكم ان الأدلة لو حصلت لغير المجتهد لم يجز له العمل بمضمونها فهو على إطلاقه غير مسلم و ذلك ان المحدثين من أصحابنا لم يشترطوا الا حضور الأدلة لا غير و اما المجتهدون فمن


[ 23 ]

قال منهم بالتجزي و هو الأقوى جوز له العمل بتلك الأدلة إذ هو ضرب من التجزي و اما من نفى التجزي و قال بالاجتهاد المطلق فهو لا يجوز هذا و لا غيره و نريد أن نعود في السؤال لكم و نقول ان من حصل ملكة الاستنباط و شرع في استنباط الفروع من الأصول لكنه لم يستخرج الا القليل من المسائل و هو بعد في الاستخراج فما اسم هذا عندكم اهو مجتهد مطلق أم متجز في الاجتهاد فان سموه بالاسم الأول كان أكثر أهل التجزي من هذا القبيل لان من حصل ملكة استنباط بعض المسائل بالفعل كان قادرا على مثلها غالبا في القوة فيكون داخلا في المطلق و ان قلتم ان هذا متجز و المطلق هو الذي يجتهد في جميع المسائل كما هو ظاهر كلام البعض فقد المطلق و لم يوجد بين الفقهاء كما لا يخفى و من ثم قال الشهيد طاب ثراه في شرح الرسالة بعد ان رجح مذهب التجزي و قد كاد ان يكون النزاع في المسألة لفظيا هذا آخر استدلالاته قدس ضريحه و الجواب عنهما و اما ابنه المحقق الشيخ حسن عطر اللّه ضريحه فهذه عبارته لا نجاة للمكلف من أخطار التفريط في جنب اللّه تعالى و التصدي لحدوده بدون الوصول إلى رتبة الاقتدار على استنباط الأحكام التكليفية و اقتناصها من أصولها و مأخذها بالقوة القدسية أو بالتقليد لمن هذا شأنه مشافهة أو بتوسط عدل فصاعدا بشرط كونه حيا و الاستراحة في ذلك الى فتاوى الموتى مما يدرك فساده بادئ نظر فان التقليد من حيث هو غير محصل لليقين و قد دلت الأدلة العقلية و النقلية على المنع من اتباعه على اي وجه اتفق بل هو مخصوص بمواضع ثبتت حكمها بدليل قطعي لا ظني فان اعتماد الظن في ذلك دوير صريح تقتضي البديهة ببطلانه و من جملة المواضع التي ثبت بالقطع ظن القادر على استنباط و ظن المقلد للمجتهد الحي


[ 24 ]

في قول جمهور العلماء لم يخالف فيه الا من أوجب الاجتهاد عينا من علمائنا (و ح) فيحتاج اتباع الظن الحاصل من تقليد الميت الى حجة و دليل قاطع و كيف يتصور وجوده و لا يعرف من علمائنا الماضين قائل بذلك و لا عامل به و لو وجد له دليل ظني استخرجه بعض العلماء لم ينفع شيئا لأن المحصل لهذا الدليل ان كان من أهل الاستدلال فهو ممنوع من التقليد لغيره من الأحياء و الأموات فلا فائدة له في ذلك و حصول الفائدة لغيره ممن فرضه التقليد غير متصور في زمن حياته لتعين الرجوع الى الحي و بعد موته تصير فتواه في هذه المسئلة مثل غيرها من الفتاوي الصادرة عن الموتى فيجب في اتباعها و العمل بها الاستناد الى حجة قطعية و المفروص انتفاؤها و كيف يتصور عامل ان يجعل حجته و طريقته في عمله بقول المجتهد الميت بمجرد قوله ان وجد و مع فرض كون المحصل للدليل المذكور غير متمكن من الاستدلال على غير ذلك من الأحكام يكون متجزيا فيه و المسلك الذي حررناه في إبطال العمل بقول الميت يلتفت منه الفطن إلى إبطال طريق التجزي أيضا فإنه ليس له دليل قطعي و اعتماد الدليل الظني فيه غير معقول لأنه تجزي في مسئلة التجزي و هو دور ظاهر و هذا القدر كاف في الإشارة الى ما يجب التعريف به و تفصيل المقام في كتابنا الموسوم بمشكاة القول الشديد في تحقيق الاجتهاد و التقليد هذا كلامه طاب ثراه و الجواب و على اللّه الاعتماد ان الدليل القاطع الذي اعتدتم به على عدم جواز تقليد الموتى هو الإجماع و قد تقدم الكلام فيه و ان المسئلة خلافية و ان هذا الإجماع يرجع الى فتاوى الموتى و أنتم لا تعتبرونها و اما قوله المحصل لهذا الدليل ان كان من أهل الاستدلال فهو ممنوع التقليد إلى أخر كلامه


[ 25 ]

(فالجواب) عنه انه لا مانع من اقامة الفقيه على جواز تقليد الفقيه الميت و يكون مفاد ذلك الدليل تخيير المقلد بين الرجوع اليه و الى غيره من الأموات نعم يلزم عليه عندكم خلاف الإجماع و قد تحققت الكلام في هذا الإجماع و يجوز ان يكون فائدة ذلك الاستدلال من الفقيه الحي إفادة أن المسئلة من المسائل الخلاف و يؤيده ما سمعته مشافهة من شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين في شيراز في داره جوار المسجد الجامع انه يجوز ان يكون هذه الأقوال المنقولة في كتب الفقهاء التي لا يعلم قائلها قولا للإمام (ع) ألفاها بين أقوال العلماء حتى لا يجمعوا على الخطاء و كان (قدس اللّه ضريحه) يذهب الى اعتبار تلك الأقوال المجهولة القائل و له فائدة أخرى و هي ان الفقيه الحي محله صقع من الأصقاع و رجوع عوام العالم كلها بالانتقال اليه من مشارق الأرض و مغاربها متعسر بل متعذر و كذلك التوسط في نقل فتواه الى عوام الدنيا نعم إذا أفتى بجواز تقليد الأموات و الكتب موجودة بأيدي من بعد محله عنه يفهمونها فإنهم ببلوغ هذه الفتوى الواحدة يتمكنون من الرجوع الى كتب الأموات كالشرائع و نحوها و سهل الأمر عليهم كما لا يخفى و اما قوله (ره) انه ليس على طريق التجزي دليل قطعي فما نعلم اي دليل قطعي دل على خلافه و قد نص جماعة من المحققين المعاصرين و غيرهم على ان الدليل القطعي الذي لا كلام عليه أعز من الكبريت الأحمر و يؤيده ان أظهر الأشياء هو إثبات الواجب جل شأنه و قد نص طائفة منهم على انه لم يقم دليل تام على إثباته فإن أعظم براهينه مبني على إبطال التسلسل و الكلام عليه موجود و غيره من البراهين الكلام عليه مشهور فاذا كان هذا حال البراهين القطعية على مثل هذا الطلب فكيف حال الأدلة


[ 26 ]

القطعية على المسائل الفقهية و نحوها و تحرير الكلام في هذا المقام ان الدليل القطعي العقلي الذي يستند إليه في الفروع و الأصول ما المراد به فان كان المراد منه ما ثبت، عند المستدل به و افاده القطع و نحوه ورد الاعتراض بأنه يلزم عليكم قبول اعذار الفلاسفة بقولهم بقدم العالم و إثبات العقول و جميع ما ذهبوا اليه و استحقوا عليه التكفير و الطعن و كذلك قبول عذر فرق الإسلام فيما ذهبوا اليه من زيادة الصفات و القول بالأحوال و نحوها و كذلك الأقوال المتفرقة المستندة إلى الأدلة العقلية و ذلك انهم استندوا إلى الأدلة العقلية و زعموا انها قد افادتهم القطع و اليقين و ان كان المراد من الدليل العقلي ما قبلته عامة العلماء عن وجود هذا الدليل لان كل من سبق بدليل من الأدلة العقلية زيفة من اطلع عليه أو خالفه في ذلك الاعتقاد كما سمعت في براهين إثبات الواجب عزّ شأنه مع ان المطلوب ابده البديهيات أفي اللّه شك خالق السموات و الأرض. فوا عجبا كيف يعصى الإله. أم كيف يجحده الجاحد. و في كل شيء له آية تدل على انه واحد. و الحاصل ان من تتبع الأدلة و حالاتها لا يعتريه شك في ان الدليل العقلي بانفراده لا يطمئن الخاطر به حتى يكون حجة بينه و بين اللّه تعالى الا إذا عاضدة النقل و قد كان استأذنا المحقق الذي انتهت إليه سلسلة التحقيق في المعقول و المنقول العلامة الخوانساري عطر اللّه مرقده يقول لو ملكت بيتا من ذهب لوهبته من يستدل بدليل عقلي يتم بجميع مقدماته و لم يورد عليه العلماء ما يوجب الطعن عليه. [الدليل الثالث عشر العلوم بعد الموت تتبدل و تصير قطعية بعد ان كانت مظنونة و هذا يوجب تغير الظنون و تبدل الاجتهادات] (الدليل الثالث عشر) لان ما نقلناه عن المحقق الشيخ حسن (ره) هو الثاني عشر فيكون هذا هو الثالث عشر و هو الذي استدل به


[ 27 ]

الفاضل الداماد سقي اللّه ثراه و حاصله ان المجتهد ما دام في مقام الاستدلال و الحيوة فالعلوم الفقهية مظنونة له لابتنائها على الأدلة الظنية اما بعد الموت فتتبدل العلوم عنده و تصير العلوم قطعية بعد ان كانت مظنونة و هذا يوجب تغير الظنون و تبدل الاجتهادات فمن ثم بطلت اقواله و فتاواه لفنائها بفنائه. (الجواب) و اللّه عز شأنه الموفق لطريق الصواب انا قدمنا باعتراف الكل ان المجتهد ناقل لأحكام اللّه سبحانه الى بريته و حكم اللّه لا يموت بموت الواسطة و كيف و أحكامه سبحانه لا تموت بموت النبي (صلى اللّه عليه و آله) و لا بموت الأئمة الطاهرين (عليهم سلام اللّه و تحياته) فكيف بموت المجتهد و اما انتقالات حالاته من الظن الى العلم و من التوقف الى الجزم فلا يقدح في حجية فتواه لأنها مأخوذة من الدليل الشرعي و ان كان ما استفاد منه الّا الظن لأنه بمنزلة اليقين في حقه و حق مقلديه لأنهم مكلفون بالعمل بهذا الظن ما داموا في دار الدنيا و بعد الموت ينتهي التكليف سواء علم الأحكام أم ظنها على ان جماعة من أرباب الأصول نصوا على ان الدليل المقلد يقيني و ذلك انه يستدل هكذا هذا مما أفتاني به الفقيه و كلما أفتاني يجب علي العمل به فهذا مما يجب علي العمل به و المقدمات قطعيات في الجزم و اليقين فيجب العمل بمقتضى النتيجة منها. [الدليل الرابع عشر قول الميت لا يعتد به في الإجماع فلا يعتد به في التقليد] (الدليل الرابع عشر) ما نقله العلامة طاب ثراه في النهاية الأصولية عن المانعين و حكاه فخر الدين الرازي أيضا و حاصله ان قول الميت لا يعتد به في الإجماع فلا يعتد به في التقليد. (الجواب) و اللّه سبحانه المعين انا لا نسلم انه إذا لم يعتد بقول الميت في الإجماع يلزم من ذلك عدم الاعتداد به في التقليد كما قالوا ان


[ 28 ]

المجتهد المعلوم نسبه ينعقد الإجماع مع خلافه في حياته فلو استلزم عدم الاعتداد في الإجماع عدم الاعتداد في التقليد لزم عدم جواز تقليد كل مجتهد معلوم نسبه. و أنتم لا تقولون به و تحريره ان الإجماع عبارة عن اتفاق الأحياء فلا جرم لا يعتد بقول الميت في الإجماع لأنه ليس من الأحياء حتى يعتبر قوله في تحقق الإجماع. هذا قصارى ما قاله المانعون و الأجوبة عنه [أدلة المثبتين لحجية قول المجتهد من الأموات] و أما الاستدلال على جوازه فمن وجوه. [الدليل الأول أصول الحديث التي دونها أصحاب الأئمة (ع) عددها أربعمائة أما الكتب فهي أكثر منها] (الأول) ان أصول الحديث التي دونها أصحاب الأئمة (ع) عددها أربعمائة أما الكتب فهي أكثر منها و مشايخنا المحمدون الثلاثة (قدس اللّه أرواحهم) لما صنفوا هذه الأصول الأربعة و أخذوها من الأربعمائة و نحوها اجتهدوا في نزع الاخبار من مقارها و ذلك انهم عمدوا سيما الشيخ طاب ثراه الى الاخبار الواردة في المسألة الواحدة فأخذوا من الأصول بعض الاخبار المناسبة و ذكروا بعض ما ينافيها و تركوا بقية الاخبار و ما عارضها و ان كانت صحيحة السند الا ان ما ذكروه أخصر طريقا و من تتبع الموجود من الأصول ككتاب محاسن البرقي يظهر له صحة ما ذكرناه و ذلك انه إذا عنون بابا من الأبواب ينقل فيه ما يقرب من عشرين حديثا مثلا و طرق أكثرها من واضح الصحيح فلما عمد الكليني و الشيخ عطر اللّه مرقديهما الى انتزاع الاخبار من ذلك الكتاب ما نقلوا الا بعضها محافظة على الاختصار و لو نقلوها كما هي لربما فهم غيرهم منها غير ما ذهبوا اليه و عقلوه من تلك الاخبار مع ما حصل عليها بسبب ما فعلوا من الإضمار و القطع و الإرسال و أنواع الاختلال و بالجملة فما صنعوه من أقوى أنواع الاجتهاد و مع ذلك قبل علمائنا رواياتهم و نقلوهم و اعتمدوا عليها و سكنوا إليها و لم يوجبوا على أنفسهم البحث و الفحص و من الأصول و الكتب المدونة في أعصار


[ 29 ]

الأئمة (عليهم السلام) فهذا من أعظم أنواع التقليد للأموات. [الدليل الثاني كتب الرجال قد تضمنت الجرح و التعديل للرواة و اعتمد المتأخرون عليها] (الثاني) ان كتب الرجال قد تضمنت الجرح و التعديل للروات و اعتمد المتأخرون عليها فضعفوا و وثقوا لأجلها من غير اعتماد على ذكر الأسباب القادحة أو المادحة و لو ذكرها أصحاب الرجال لورد الإيراد عليها من انها لا تصل الى حد الجرح و التوثيق كما اتفق لجماعة من المتأخرين في شأن عمر بن حنظلة حيث لم و يوثقه أهل الكتب فقال بعضهم أن الشهيد الثاني (قدس اللّه ضريحه) وثقه فاعتمدوا على توثيقه ثم قال ولده المحقق ان والدي قال اني حققت توثيقه من محل أخر و بعد هذا اطلع على ذلك المحل من حواشيه على الخلاصة فإذا هو قد اعتمد على حديث الوقت حيث قال فيه ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال (ع) إذا لا يكذب علينا و هذا الحديث ضعيف السند قاصر الدلالة و لو لم يصرح (ره) بأنه أخذ التوثيق من هذا الخبر لم يختلجنا الريب في انه لم يأخذه منه لما عرفت انتهى ملخصا. و بالجملة فأسباب الجرح و التعديل مما يختلف فيه الآراء و الانظار و من ذلك ان محمد بن سنان مشهور بينهم بالضعف و متهم بالغلو و ارتفاع القول و قد نقل السيد علي بن طاوس عن المفيد عطر اللّه مرقديهما توثيقه و الثناء عليه و إنما طعنوا به عليه هو سبب توثيقه و الاعتماد عليه لأن السادة الأطهار عليهم أفضل الصلاة خصوه بغرائب الأسرار التي لم يطلعوا عليها غيره و نحو هذا الرجل كثير من الرجال في هذا الحال و بالجملة فأسباب الجرح و التعديل من الأمور الاجتهادية و مع هذا فالمتأخرون قد ركنوا إلى أقوالهم في هذا الباب و هو ليس الا تقليد الموتى كما لا يخفى. [الدليل الثالث العلماء أتعبوا أنفسهم و بذلوا جهدهم في تصانيف الكتب و قراءتها] (الثالث) أن العلماء (قدس اللّه أرواحهم) أتعبوا أنفسهم و بذلوا


[ 30 ]

جهدهم في تصانيف الكتب و قراءتها و صرفوا الأعمار العزيزة عليها و تقربوا بها الى اللّه تعالى و ذكر كثير منهم ان الغرض من تدوينها رجوع الخلق إليها و لم يقيد الانتفاع منها حال حياته بل صرح بعضهم بإرادة رجوع الخلق إليها على مرور العصور و الأيام و لو كان الغرض منها ما قيل من أنه كيفية طريق الاجتهاد و معرفة الفتاوى الواردة في خصوصيات الحوادث لقلت الفائدة و أمكن هذا الأمر بدون ارتكاب هذه المشاق على ان حكاية الاجتهاد و التقليد كما اعترفوا به انما جاء من بعد زمان الشيخ (ره) (و ح) فنقول العلماء الذين تقدموا عليه ما كان الداعي لهم على تأليف الكتب الا لتكون من قبيل كتب الاخبار مرجعا للناس الى يوم القيمة كما هو المنقول عنهم و العجب من دعوى الإجماع على عدم جواز تقليد الفقيه الميت مع ان حكاية الاجتهاد و التقليد طريقة حادثة و أكثر المتأخرين لم يتعرضوا للمنع و القدماء ظاهرهم كما عرفت النص على الجواز فمن أين جاء الإجماع. [الدليل الرابع الإطلاق في آية الانذار] (الرابع): إطلاق قوله تعالى فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. فان التفقه شامل لرواية الحديث و للاجتهاد و للتقليد و حذر القوم المرتب على الانذار ليس الا للعمل بما بلغه النافرون إليهم و رووه لهم سواء بقي النافرون اما ماتوا فان العلم المنقول من صاحب الوحي (عليه السلام) لا يموت بموت ناقله. [الدليل الخامس لو أخذ المقلد مسألة من الفقيه الحي مستندها النص و الإجماع فمات بين صلاتي المغرب و العشاء يلزم على ما قلتم صلو المغرب صحيحة و صلو العشاء باطلة] (الخامس) إن أخذ المقلد مسألة مثلا من الفقيه الحي و كان مصاحبا لذلك الفقيه مطلعا على أحواله و تبدل آرائه فأفتاه بحكم مستندة النص و الإجماع فعمل به و استمر عليه الى بعد صلاة المغرب فمات ذلك الفقيه بين الصلوتين فعمل بتلك الفتوى في صلاة العشاء فيكون بناء


[ 31 ]

على ما قلتم صلو المغرب صحيحة و صلو العشاء باطلة فنحن نسئل عن بطلان هذه الصلاة الموافق حكمها للنص و الإجماع و لا تستندون في ابطالها إلى شيء سوى موت ذلك الفقيه (و ح) فاللازم هو كونه شريكا في الأحكام الشرعية و هذا لا ينطبق على أصولنا نعم يوافق ما ذهب إليه الكوفي حيث يقول في مسجد الكوفة قال علي و انا أقول يعيني خلافا لقوله (ع): أما علمائنا (رضوان الله عليهم) فإنهم يحكمون بكلامه (ع): و يعملون به فلا تفاوت في اتباع أقوالهم بين حياتهم و موتهم. [الدليل السادس الكتب الفقهية شرح لكتب الحديث و من فوائدها تقريب معاني الاخبار الى أفهام الناس] (السادس) ان الكتب الفقهية شرح لكتب الحديث و من فوائدها تقريب معاني الاخبار الى إفهام الناس لان فيها العام و الخاص و فيها المجمل و المبين و فيها المطلق و المقيد و فيها المشترك و المنصوص عليه و فيها اللفظ المحتمل للمعاني المتعددة و فيها ما هو مجمل العبارة الى غير ذلك و هذا كله يحتاج الى البيان و ليس كل أحد يقدر على بيان هذه الأمور من مقارها فالمجتهدون (رضوان الله عليهم) بذلوا جهدهم في بيان ما يحتاج الى البيان و ترتيبه على أحسن نظام و اما الاختلاف الوارد بينهم فهو مستند الى اختلاف الاخبار أو فهم معانيها من الألفاظ المحتملة حتى لو نقلت تلك الاخبار بعينها لكانت موجبة للاختلاف كما ترى الاختلاف الوارد بين المحدثين مع عملهم مقصور على الاخبار المنقولة و بالجملة فلا فرق بين التصنيف في الفقه و التأليف في الاخبار لان الكل أحكام اللّه تعالى لا تموت بموت الناقلين لها كما قد تقدم. [الدليل السابع قاضي الامام و نائبه لا ينتفع منها الا بان يكونا مجتهدين] (السابع) ان شيخنا الزيني أعلى اللّه مقامه قد صرح في تلك الرسالة بأن قاضي الامام و نائبه لا ينتفع منها الا بان يكونا مجتهدين و لعل الوجه فيه بعد المسافة بينهما و بين الامام (ع) و انهما لا يتمكنان


[ 32 ]

من الوصول إليه في جزئيات الأحكام فلا بدلهما من الاجتهاد و قد سلمنا هذا لكم لكن لم ينقل ان القاضي و النائب إذا عزلا أو ماتا امره (عليه السلام) لأهل تلك البلاد بتمويت فتاويها و عدم اعتبارها و نقضها بالرجوع الى من ينصبه بعدهما و يأمره بنقض فتاوي الأوليين لعدم اعتبارها بموتهما. [الدليل الثامن التفريع على ما عقله المجتهدون حكم شرعي كالأصول] (الثامن) ان من دلائل المجتهدين على الاجتهاد و التفريع هو قوله (ع) على ما رواه المحقق محمد بن إدريس الحلي في الطرق الصحيحة و غيره علينا ان نلقى إليكم الأصول و عليكم ان تتفرعوا عليها و ظاهرة ان التفريغ على ما عقله المجتهدون حكم شرعي كالأصول فكما أن الأصول لا تموت بموت الامام (ع) فكذلك الفروع لأنها مثلها في استناد الأحكام إليها. [الدليل التاسع التقليد سابق على الاجتهاد] (التاسع) ان التقليد سابق على الاجتهاد و ذلك ان شهرة الاجتهاد انما حدثت من عصر العلامة و أستاذه أحمد بن طاوس و ما يقرب من ذلك العصر و اما التقليد و هو رجوع العامي و نحوه الى العلماء و الأخذ بأقوالهم و فتاويهم فقد كان في جميع الأعصار من آدم (ع) الى يوم القيمة و كان الواجب عليهم بالنص هو أخذ الأحكام و تفهمها من العلماء و العمل بمضمونها و لم ينقل في خبر من الاخبار و لا عن عالم من أولئك الأعلام منعهم بالعمل بما أخذوه من السابق على ذلك العصر فان قلتم انهم كانوا رواة الاخبار و كان اللازم عليهم تبليغها الى العوام قلنا قد عرفت ما وقع في الاخبار من الاختلاف في المسائل بل في المسألة الواحدة و لا بد للناقل لها الى غيره من العوام علي طريقة العمل بها من التمييز بينها حتى يفتي بما صح عنده و هذا ضرب من الاجتهاد أيضا و هو الذي رد به المجتهدون على الأخباريين حيث قالوا: ان


[ 33 ]

الأخباريين لا بد لهم من الاجتهاد لأن الأخبار كلها لا يعمل عليها لما فيها من التعارض و التناقض و اشتمالها على ما يخالف إجماع الطائفة المحقة بل إجماع المسلمين فلا بد من التمييز بينها و رفع الاشتباه بين ما يعمل به و ما يطرح و يترك القول به هذا من أقوى ضروب الاجتهاد و أجابهم الأخباريون بأن مثل هذا الاجتهاد لا نمنع منه لوروده في النصوص من السادة الأطهار (عليهم السلام) كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة و غيره في باب تعارض الاخبار و ما في معناه مما ذكره و بالجملة فالتقليد صادق في شأن الفقهاء و المحدثين و ان تغايرت ضروب الاجتهاد. [الدليل العاشر مناقشة الأصل الثاني القائل بأن الرعية صنفان و من أخطأ الطريقين بطلت عبادته و ان كانت على جادة الصواب] (العاشر) يظهر وجهه مما نتكلم به معهم على الأصل الثاني و هو قولهم ان الرعية صنفان، مجتهد و مقلد و من أخطأ الطريقين بطلت عبادته و ان كانت على جادة الصواب و موافقة لما افتى به الفقيه الحي إذ لم ينقلها عنه. و قد نص الشهيدان (قدس اللّه روحيهما) على بطلان عبادات العوام من وجوه كثيرة منها ان أكثر جزئيات الصلاة مثلا مما وقع الخلاف في وجوبها و استحبابها و الإتيان بها على أحد الوجهين واجب و ذلك لا يكون الا بالتقليد للفقيه حتى يقصد المقلد الوجه الراجح عند ذلك الفقيه و هذا مثل الخلاف الواقع بين العلماء (قدس اللّه أرواحهم) في وجوب السورة و استحبابها و وجوب التسليم و استحبابه الى غير ذلك مما بطول تعداده و منها ان العبادة التي يوقعها المكلف جاهلا بأحكامها مما ورد النهي عنها و النهي في العبادة مستلزم للفساد عندهم و لا معنى للفساد الا الباطل الذي يحتاج الى القضاء [في تقليد الجاهل للمجتهد الميت و أنه معذور في الأحكام أم لا] و منها ان الجاهل عندهم غير معذور في الأحكام الا ما أخرجه الدليل كالجهر و الإخفات و القصر و الإتمام و بعض الموارد الخاصة المذكورة في كتب الفقهاء عطر اللّه


[ 34 ]

مراقدهم و الكلام على هذا من وجوه. [الوجه الأول أن ظاهر الأخبار هو أن الجاهل معذور إلا ما أخرجه الدليل] الأول أن ظاهر الأخبار هو أن الجاهل معذور إلا ما أخرجه الدليل مثل قوله (صلى اللّه عليه و آله): وضع عن أمتي ما لا يعلمون و مثل قوله: (ع) تاماس في سعة ما لم يعلموا و الأحاديث بهذا المضمون مستفيضة بل متوترة و هي بإطلاقها شاملة للجاهل في العبادات. [الوجه الثاني بعض الأحكام مما ثبتت بالضرورة من دين الإسلام] (الثاني) سلمنا انه لا يعذر في كل الأحكام لكن نقول ان بعض الأحكام مما ثبتت بالضرورة من دين الإسلام كوجوب الصلاة و إعدادها و الزكاة و الحج و الصيام و تحريم الزنا و اللواط و شرب الخمر و بعضها مما ثبتت بالإجماع كوجوب القيام في الصلاة و الركوع و السجود و نحو ذلك مما لا خلاف في وجوبه و بعضها مما وقع فيه الخلاف كما تقدم. (اما القسم الأول) فلا عذر للجاهل فيه بل هو مقصر في الجهل به إجماعا. و أما القسم الثاني فالمشهور فيه انه كالأول أيضا و خالف فيه بعض المحدثين. و اما القسم الثالث: فالخلاف فيه مشهور و لعل القول بأنه معذور هو الأقوى ليكون مصداقا لما تقدم من الاخبار الدالة على معذوريته مطلقا. [الوجه الثالث ان اللّه سبحانه لم يوجب على الجهال التعلم حتى أوجب على العلماء ان يعلموهم] (الثالث): ان اللّه سبحانه لم يوجب على الجهال التعلم حتى أوجب على العلماء ان يعلموهم و كما أوجب على الجهال السعي إلى التعلم أوجب على العلماء السعي إليهم للتعليم و من ثم كانت الأنبياء و الأئمة المتمكنون من الحكم يعينون للجهال من يعلمهم و منه قول مولينا أمير المؤمنين (ع) في وصف نفسه الشريفة طبيب دوار بطبه قد احكم مراهمه و احمى مواسمه يصنع من ذلك حيث الحاجة إليه من


[ 35 ]

قلوب عمى و أذان صم و السنة بكم متتبع بدوائه مواضع الغفلة و مواطن الحيرة و أراد (ع) انه طبيب مرض الجهل و انه متعرض لعلاج الجهال و استعار لفظ المراهم لما عنده من العلوم و مكارم الأخلاق و لفظ المواسم لما يتمكن معه من إصلاح من لا ينفع فيه المواعظ و التعليم بالجلد و سائر الحدود و روي ان المسيح على نبينا و آله و (عليه السلام) راى خارجا من بيت عبادته فقيل له يا سيدنا امثلك يكون ههنا فقال (ع) إنما يأتي الطبيب المرضى و حينئذ فإذا أبطلتم عبادة الجهال بترك التعلم فابطلوا عبادة العلماء بتركهم التعليم إذا أوقعوا عباداتهم في الوقت الموسع لأن الأمر بالشيء عندكم يستلزم النهي عن ضده فتكون القضية إذا عامة البلوى. [الوجه الرابع كثير من جهال الناس و عوامهم تعلموا شيئا من الطاعات و العبادات من آبائهم] (الرابع) ان كثيرا من جهال الناس و عوامهم من أهل الصحارى و القرى البعيدة عن محاسن العلوم و العبادات تعلموا شيئا من الطاعات و العبادات من آبائهم و ممن هو اعلم منهم و ظنوا بل تحققوا ان هذا هو الواجب عليهم لا غير و لم يثبت عندهم عقلا و لا شرعا وجوب غيره حتى يكونوا آثمين بترك الطلب له و تكليف مثل هؤلاء بالوجوب من باب تكليف الغافل و حينئذ فإن كان وجوب هنا فإنما هو على الفقهاء لا على مثل هؤلاء الجهال و قد ذهب شيخنا المعاصر أبقاه اللّه تعالى ان المستضعفين من الكفار ممن لم تتم عليهم الحجة من عوامهم و من بعد عن بلاد الإسلام ممن يرجى لهم النجاة فإذا كان هذا حال المستضعفين من الكفار فكيف لا يكون المستضعفون من المسلمين مثلهم و هذا القول و ان لم يوافقه عليه الأكثر الا انه غير بعيد من تتبع الاخبار. [الوجه الخامس لا فرق بين تارك الصلاة و بين من صلى صلاة غير مستجمعة للشرائط الشرعية] (الخامس) انه لا فرق عندكم بين تارك الصلاة و بين من صلى صلاة غير مستجمعة للشرائط الشرعية بل و لو جمعت الشرائط لكنه لم يأخذها عن المجتهد الحي و ان أخذها عن الفقيه الميت فعلى هذا جاءت


[ 36 ]

الطامة الكبرى و الداهية العظمى في بطلان عبادات عامة الخلق و لزم عليهم ان يكونوا في تلو الكفر و تحت طبقاته بل يلزم ان يكونوا كفارا لان المصر على ترك الصلاة جاءت الاخبار ناعية عليه بالكفر كما رواه الصدوق طاب ثراه في الفقيه عن الصادق (ع) حيث قيل له لم سميت تارك الصلاة كافرا و لم تسم الزاني كافرا فقال (ع) ان الزاني لا يزني الا من شهوة تدعوه الى الزنى و اما تارك الصلاة فهو لا يتركها من شهوة تدعوه إليها و انما يتركها استخفافا لها فاذا وقع الاستخفاف وقع الكفر و هذا الحديث لا يمكن حمله على ما يقولون منا لترك استحلالا لعدم الفرق في الاستحلال بين فعل الزنا و ترك الصلاة فيلزم حينئذ ان يكون عامة الخلق من الشيعة موسومين بسمة الكفر و الضلال و لو صلوا لكنهم أخلوا مثلا بأن الإتيان بالسورة هل هو على وجه الوجوب و الاستحباب مع إتيانهم بالسورة و كذا الوجه في التسليم نحوه مما ورد فيه الخلاف فلا يقبل لهم شهادة فيضيق الحال على القاضي و لا يحكم عليهم بالطهارة فيلزم الخرج على أهل العالم و اما هم فيا ويلهم في الدنيا و الآخرة. [الوجه السادس أحوال الناس متوافقة في شأن العوام و العلماء في المعرفة و الجهل و العذر] (السادس) انك لو تتبعت أحوال الناس في هذه الأعصار و في أعصار النبي (ص) و الأئمة (عليهم السلام) لوجدتها متوافقة في شأن العوام و العلماء في المعرفة و الجهل و العذر و عدمه و الفقيه الذي يقطع على عبادته بالصحة في هذه العصور لواقعها بين يدي الصادق (ع) مثلا لعابها عليه أيضا كما يعيب هو الذي على عبادة العامي و الذي يرشد اليه ان حماد ابن عيسى من أعاظم رواه الإمامين الصادق و الكاظم صلاة اللّه عليهما و ممن شهد له بالثقة و إجماع العصابة على تصحيح ما صح عنه و مع هذا فقد روي عنه في الصحيح انه قال قال لي أبو عبد اللّه (ع)


[ 37 ]

يوما يا حماد تحسن ان تصلي قال فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة فقال (عليه السلام) لا عليك يا حماد قم فصل قال فقمت بين يديه متوجها الى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت و سجدت فقال يا حماد لا تحسن ان تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة قال حماد فأصابني الذل في نفسي فقلت جعلت فداك فعلمني الصلاة فقام أبو عبد اللّه (ع) مستقبل القبلة الحديث و قوله (ع) ما أقبح بالرجل منكم و قوله بحدودها تامة مشعر بان نقصان صلاة حماد انما كان من جهة الإخلال ببعض الواجبات الشرعية و ما حكم (ع) ببطلان ما مضى من صلواته و لا أوجب عليه الإعادة لأن الصلاة الباطلة يجب قضائها عندكم فدل على ان الجاهل معذور فاذا قبل العذر من مثل حماد مع ملازمته له (ع) فكيف لا يقبل العذر من عوام الناس و ممن هو في اقاصي البلدان و الصحاري. [الوجه السابع الأخبار الصحيحة بأن الايمان درجات و ان الناس يتفاضلون فيه على قدر أعمالهم] (السابع) ورد في الاخبار الصحيحة ان الايمان درجات و في بعضها عشر درجات و ان الناس يتفاضلون فيه على قدر أعمالهم و ورد انه لا ينبغي لصاحب الدرجة العالية ان يبرء من ذي الدرجة الهابطة و لا يؤنبه عليها بل يأخذ بيده و يرفعه اليه بالرفق و التفاوت بالأعمال الذي تفاوتت به الدرجات شامل للواجبات و المندوبات بل هو في الأول أظهر كما ورد في الروايات ان العبد إذا اتى بالفرائض لم يسأله اللّه تعالى عن النوافل فلو لم يكن للجاهل عذر لما حصل على درجة من درجات الايمان و لو ظهر صاحب الدار (عجل اللّه ظهوره) لرأيت ان ما في أيدي العلماء من الفتاوي التي عملوا فيها مدة عصورهم على اختلاف آرائهم فيها ما كان يستحسن منه الا القليل لان حكم اللّه سبحانه في


[ 38 ]

كل واقعة حكم واحد كما نصوا عليه و ليس لهم عذر الا انهم عملوا بالظن و الاستنباطات و قواعد الاجتهاد و هذا أيضا يكون عذرا للعوام حيث انهم عملوا بظنونهم و اعتقادهم ان عباداتهم كانت على جادة الصواب. [الوجه الثامن قصد القربة كاف في صحة العبادات من غير حاجة الى التعرض للوجه من الوجوب و الندب] (الثامن) ان قدماء الأصحاب عطر اللّه مراقدهم كالشيخ الطوسي و أضرابه و كثير من المتأخرين و عامة المحدثين ذهبوا الى ان قصد القربة كاف في صحة العبادات من غير حاجة الى التعرض للوجه من الوجوب و الندب فالعوام إذا أتوا بالعبادات على هذا الوجه مطابقة للقانون الشرعي فما الذي يوجب عليهم بطلان العبادات الا ان تقولوا ان كون قصد القربة كاف في صحة العبادات من أقوال الموتى فلا اعتماد عليها فيقال لكم انما نقلتموه من أقوالهم و فتاويهم في عدم جواز تقليد الموتى هي من فتاوي الموتى أيضا فلا اعتبار بها. [الوجه التاسع المناقشة في القول بأن صلاة الجاهل التي لا يعرف أحكامها قد ورد النهي عنها] و الجواب (الجواب التاسع). قولكم ان صلاة الجاهل التي لا يعرف أحكامها قد ورد النهي عنها ما معنى الجاهل بأحكامها فإن كان المراد عدم أخذها من المجتهد الحي فهذا هو عين النزاع و نحن نمنعه بل نقول ان من تعلم الصلاة مثلا من أبويه و نحوهما و كان على القانون الشرعي بأن يأتي بالواجبات و بما اختلف في وجوبه على وجه القربة يكون عبادته صحيحة مجزية و ان لم يأخذها لا من الفقيه الحي و لا من الميت و ان كان المراد من جهله بأحكامها عدم الإتيان بها فهذا يرجع الى التفصيل المذكور في مطاوي ما تقدم و هو ان الجهل باعدادها و ما انعقد الإجماع عليه من ركوعها و سجودها و نحوهما قد لا يعذر صاحبه و اما الجهل بباقي كيفياتها و ما اختلف فيه منها فلعل


[ 39 ]

الجاهل فيه معذور ان كان ممن يقبل العذر في حقه. [الوجه العاشر حديث حجب العلم عن العباد يعم ما لم يخرج عن الحجة (ع) الى الخلف و لما خرج منه لكنه لم يصل بعد الى المكلف] (العاشر) إطلاق قوله (ع) ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فإنه متناول لما لم يخرج عن الحجة (ع) الى الخلف و لما خرج منه لكنه لم يصل بعد الى المكلف فإن الأحكام انما اطلع عليها المكلفون و بلغهم على مدى العصور و الدهور و ذلك انك ترى أعاظم العلماء يرد بعضهم قول بعض آخر بعدم الاطلاع على مدرك الحكم و دليله مع وجود الدليل و عدم اطلاع البعض الآخر عليه فالجاهل إذا بلغه الحكم من الفقيه أو المحدث وجب عليه العمل بمضمونه و ان قلتم انه يجب عليه التفحص عن مدارك الأحكام فهذا هو وجوب الاجتهاد عينا الذي قال به الحلبيون و ان قلتم يجب عليه الرجوع الى المجتهد بالتقليد قلنا على تقدير وجوبه فإنما يجب عليه السؤال عما اطلع عليه مجملا و عرفه بوجه ما حتى يكون مورد السؤال أما الجاهل بالحكم مطلقا فكيف يتصور منه السؤال عنه فإن أوجبتم على الفقيه تنبيهه على ما لا يعرفه فمرحبا بالوفاق لكنكم لا تثبتون الوجوب و الفحص الا على الجاهل. [الوجه الحادي عشر لو كلف جماعة من الشيوخ و النساء كما تقولون بأخذ الأحكام من المجتهد الحي لزم منه التكليف بما لا يطاق] (الحادي عشر) ان جماعة من الشيوخ و النساء و سكان القرى و الصحاري و من في طبقتهم من المكلفين لو كلفوا كما تقولون بأخذ الأحكام من المجتهد الحي لزم منه التكليف بما لا يطاق كما لا يخفى على المصنف فعموم إيجاب هذا الحكم منكم مشكل جدا و حجج اللّه صلاة اللّه عليهم ما كانوا يأخذون الجهال بما يقولون. روى ان مولانا أمير المؤمنين (ع) رأى رجلا يصلي مستعجلا بها فقال له ما هذه الصلاة تأن بصلاتك فتأنى في الصلاة الأخرى فقال له (ع) ما


[ 40 ]

أحسن هذه الصلاة أم الأولى فقال يا أمير المؤمنين الأولى هي الأحسن لأني صليتها من خوف اللّه و هي من خوفك فضحك (ع) و مضى عنه و في الاخبار اشارة اليه بل دلالة عليه روى الكليني طيب اللّه ثراه في أصول الكافي عند ذكره ثواب العالم و المتعلم هكذا علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد البرقي عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول من علم خيرا فله أجر من عمل به قلت فان علمه يجري ذلك له قال (ع) ان علم الناس كلهم يجري له قلت فأن مات قال و ان مات فاز ظاهره يدل على انهم يعملون بذلك العلم بعد موته و لا شك ان فقهاء الإمامية (رضوان الله عليهم) انما يعلمون الناس علوم أهل البيت (عليهم السلام) لا علوم الفقهاء الأربعة و نحوهم من أهل القياس و في كتاب الاحتجاج عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) في حديث يقول فيه و يقال للفقيه يعني يوم القيمة يا ايها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم و مواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة و معه فئام و فئام و فئام حتى قال عشرا و هم الذين أخذوا عنه علومه و أخذوا عن من أخذ عنه و أخذوا عن من أخذ عن من أخذ عنه الى يوم القيمة فانظروا كم فرق بين المنزلتين أقول الفئام بالفاء الموحدة مائة ألف و هذا يشمل رواية الحديث و الفتوى بل هو ظاهر في الثاني إذا أكثر العوام لا يعرف معنى الحديث و لا التوفيق بين الاخبار و لا ما هو شرط في الفتوى. [الوجه الثاني عشر في بيان اصطلاحات المجتهدين و الأخباريين و مواضع التشاجر بينهم و ترجيح الراجح من قوليهما] (الثاني عشر) في بيان اصطلاحات المجتهدين و الأخباريين و مواضع التشاجر بينهم و ترجيح الراجح من قوليهما و يظهر منه جواب آخر للأصلين المذكورين و يكون هذا في مسائل


[ 41 ]

(المسألة الاولى) في معنى الفقه قال المجتهدون هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المستدل على أعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة فبالقيد الأخير اخرجوا ضروريات الدين كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة و تحريم الزنى و نحوه و الأخباريون ردوا عليهم في هذه المسألة و قالوا هذه الطريقة انما هي طريقة الحكماء و المتكلمين حيث انهم يجعلون كل فن عبارة عن مسائل نظرية مخصوصة و عن معرفات أطرافها و حجج إثباتها و الباعث لهم على ذلك ان في باب التعلم و التعليم تدوين المسائل البديهية ليس بمستحسن و الفقهاء ظنوا ان ذلك الباعث جار هنا و ليس كذلك انه ليس شيء من الأحكام الشرعية بديهيا بمعنى انه لا يحتاج الى دليل و السبب في ذلك انها كلها محتاجة إلى السماع من صاحب الشريعة و وضوح الدليل لا يستلزم بداهة المدعي أقول ان كان الفقهاء (رضوان الله عليهم) اصطلحوا على هذا مع قطع النظر عن أخذه من النصوص و صاحب الشريعة فلا مشاحة في الاصطلاح كما وقع منهم الاصطلاح على كثير من الموارد المدونة في كتبهم و ان كان مرادهم إخراجها من الفقه في اصطلاح الاخبار فالحق مع الأخباريين أما أولا فلان البداهة و الضرورة لو أخرجا الأحكام عن إطلاق اسم الفقه عليها لزم ان تكون ضروريات المذهب كلها كذلك و هم لا يقولون به و اما ثانيا فلان البداهة و الضرورة فيما ذكروه إنما طرأت في أواسط الإسلام بكثرة الدليل و حصول الإجماع و اما ثالثا فلان الأصحاب (قدس اللّه أرواحهم) ذكروا تلك الأحكام البديهية في مؤلفاتهم و استدلوا عليها بالأخبار و الإجماع فكيف لا تكون داخلة في الفقه و مسائله بل نقول ان مسائل أصول الدين كلها داخلة في اسم الفقه باصطلاح الاخبار و داخلة


[ 42 ]

تحت قوله تعالى فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ لإطلاق التفقه عليها بل هي أحق به و أجدر من النفر لتحصيلها على ان الذي يستفاد من بعض الاخبار و صرح به بعضهم ان إطلاق اسم الفقه في الصدر الأول انما كان عليها و على ما يقاربها من معرفة دقائق النفوس و الاطلاع على آفاتها و ما يقربها و يبعدها من جانب الحق تعالى شأنه و ثمرة الخلاف تظهر في كثير من الموارد كمن أوصى أو وقف على الفقهاء فهل يدخل فيهم المتكلمون ممن لا يعرف الفقه بالاستدلال و المقلدون العارفون له بطريق التقليد و كذا لو قال من دخل داري من الفقهاء فله كذا الى غير ذلك من الموارد. [المسألة الثانية في جواز التمسك بالاستنباطات الظنية عند فقد الدليل الناص على الحكم] (المسألة الثانية) ذهب المجتهدون (رضوان الله عليهم) الى جواز التمسك في صحة التمسك بالاستنباطات الظنية في الأحكام بالاستنباطات الظنية عند فقد الدليل الناص على الحكم و ذهبوا الى انه تعالى ليس له في المسائل التي ليست من ضروريات الدين و لا المذهب دليل قطعي و انه تعالى لذلك لم يكلف عباده فيها الا بالعمل بظنون المجتهدين اخطأوا أو أصابوا و ذكروا أن الرعية زمن الغيبة على قسمين مجتهد و مقلد و في زمن حضوره (ع) ثلاثة أقسام الأخذ منه مشافهة و المجتهد إذا كان التوصل اليه متعذرا أو متعسرا و مقلده كذلك و قال الأخباريون عطر اللّه مراقدهم ليس شيء من الأحكام الا و عليه دليل قاطع فان وصل إلينا عملنا بمضمونه و الا وجب علينا التوقف لقوله (ع) ارجه حتى تلقى امامك و ادعوا ان الاخبار المودعة في الأصول الأربعة متواترة عن السادة الأطهار (عليهم السلام) ناصة على الأحكام كما سيجيء تحقيقه إن شاء اللّه تعالى أقول المجتهد إذا


[ 43 ]

أخذ الحكم من دلالات الأخبار الثلاثة المطابقة و التضمن و الالتزام أو من عموم الآيات و الاخبار و الجمع بين الاخبار المتعارضة بتأويل فريب في اعتقاده يكون قد أخذ الحكم من الدلائل الشرعية و ان كان على طريق الظن و وجب عليه العمل به لدخوله تحت قوله (ع) و عرف أحكامنا بعد قوله (ع) و روى حديثنا و لعله المراد من التفريع المأمور به في قوله (ع) علينا ان نلقى إليكم الأصول و عليكم ان تتفرعوا عليها و ذلك ان الأئمة (عليهم السلام) كانوا يخاطبون الناس على ما هو معروف بينهم في العادات و المحاورات و الشائع في المخاطبات هو دلالة التضمن و الالتزام و المجاز و الكناية و الاستعارة و ان كان الاستنباط من الأصول الفقهية و المقدمات العقلية كما فعله الفقهاء أيضا فالحق مع الأخباريين و اما قول الأخباريين أن دلائل الأحكام قطعية فهو غير مسلم مع الاحتمالات التي يذكرونها في الحديث الواحد و سيأتي تحقيقه و بالجملة يكون الفقهاء (رضوان الله عليهم) محقين من وجه و الأخباريون من وجه آخر فالرد مطلقا مما لا وجه له. [المسألة الثالثة في مستند الأحكام] (المسألة الثالثة) في مدارك الأحكام قال المجتهدون (رضوان الله عليهم) مستند الأحكام خمسة الكتاب و السنة و الإجماع و دليل العقل و الاستصحاب اما الكتاب فأدلته قسمان النص و الظاهر فالنص ما دل على المراد من غير احتمال و يقابله المجمل و الظاهر ما دل على أحد محتملاته دلالة راجحة و في مقابلة المأول و اما السنة فثلاث قول و فعل و تقرير و اما الإجماع فحجيته عندنا بانضمام قول المعصوم (ع) و اما دليل العقل فلحن الخطاب كقوله تعالى اضْرِبْ بِعَصٰاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ أراد فضرب و فحوى الخطاب كقوله تعالى فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ


[ 44 ]

و دليل الخطاب و هو تعليق الحكم على الوصف أو الشرط أو الاسم و نحو ذلك و من دليل العقل ما ينفرد العقل بالدلالة عليه كوجوب رد الوديعة و قبح الظلم و الكذب و حسن الصدق و الإنصاف و اما الاستصحاب فأقسامه ثلاثة استصحاب حال العقل و هو التمسك بالبراءة الأصلية (الثاني) ان يقال عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه (الثالث) استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة فيقول المستدل على الاستمرار صلاته مشروعة قبل وجود الماء فيكون كذلك بعده هذا حاصل كلام المجتهدين و قال الأخباريون ان كون دليل العقل مستندا لأحكام الشرع خلاف مدلول الأخبار المتواترة و اما الإجماع فليس بحجة في زمن غيبة الإمام «ع» لعدم تحقق دخول المعصوم (ع) فيه و الإجماع الذي لا يتحقق دخوله فيه ليس بحجة عندنا و اما الكتاب فلا يجوز استنباط الأحكام و لا أخذها منه الا ان يفسر بالحديث لكونه متشابها و قد خاطب اللّه به النبي و أهل بيته (صلوات اللّه عليه و عليهم) فلا يعلم منه حكم الا بقولهم (عليه السلام) و بالجملة الدليل عندهم منحصر في السنة لا غير أقول اما قولهم بنفي حجية دليل العقل بأقسامه فهو حق لان الشارع سد باب العقل و منعه من الدخول في الأحكام الإلهية و من ثم ترى أحكام الشرع قد احتوت على تماثل المختلفات و اختلاف المتشابهات كما ورد في مقادير نزح الآبار و غيرها و يا ليتهم لما عملوا بالدلائل العقلية جعلوها مؤيدات للأخبار و لكنهم جعلوها أدلة للاحكام و جعلوا الأحاديث مقلوبة لها و اما الكتاب فنفيهم حجيته في الأحكام مطلقا لا وجه له لان فيه المحكم و منه ظاهر الدلالة و قد تقدم جواز أخذ الأحكام منه و سيأتي بيانه و الدليل عليه إن شاء اللّه تعالى


[ 45 ]

[المسألة الرابعة في حجية قياس الأولوية و منصوص العلة] (المسألة الرابعة): في حجية قياس الأولوية و منصوص العلة أما المجتهدون (رضوان الله عليهم) فذهبوا الى حجيتهما و جعلوهما مناطا لكثير من الأحكام حتى انهم قدموهما في بعض الموارد على الاخبار التي لم يصح سندها بالاصطلاح الجديد و اما الأخباريون (قدس اللّه أرواحهم) فنفوا حجيتهما و قالوا ان الاستدلال بهما انما جاء من طريق الجمهور لما اعوزتهم النصوص أقول الحق هنا مع الأخباريين لاستفاضة الأخبار بسقوطهما رأسا و دلالة الاعتبار على انهما لا يصلحان لتأسيس الأحكام منها قول الصادق (عليه السلام) فيما استفاض عنه ان أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم يزدهم المقاييس من الحق الا بعدا و هي بإطلاقها متناولة لمطلق القياس و التخصيص بقياس المساواة يحتاج الى الدليل و منها ما رواه الصدوق رضي اللّه عنه في باب الديات عن ابان قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها قال (ع) عشرة من الإبل فلت قطع اثنين قال عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون فيقطع أربعا فيكون عليه عشرون ان هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فتبرء ممن قاله و نقول ان الذي قاله شيطان فقال (عليه السلام) مهلا يا ابان ان هذا حكم رسول اللّٰه (صلى اللّه عليه و آله) المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس و السنة إذا قيست محق الدين أقول هذا نص في نفي قياس الأولوية و في ان اعتباره في أحكام الشريعة ممحق للدين و منها ما حكاه اللّٰه عز شأنه عن إبليس (لع) في قوله تعالى خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* و هذا هو معنى قول الصادق (ع) لا تقيسوا


[ 46 ]

فإن أول من قاس إبليس (لع) و ذلك ان اللعين زعم ان جوهر النار خير من جوهر التراب فهو أحق بالسجود له من آدم (عليه السلام) و هو غلط في أصل القياس لما تقرر في محله من ان عنصر التراب أشرف من عنصر النار و منها قوله (عليه السلام) لأبي حنيفة لو كان الدين يؤخذ بالقياس لوجب على الحائض ان تقضي الصلاة لأنها أفضل من الصوم و منها ان هذين القياسين من القواعد الكلية فلو كانا من الحجج الشرعية لورد النص من الشارع على اعتبارهما و صلاحيتهما لإثبات الأحكام خصوصا بالنسبة الى أهل البلاد البعيدة عن بلاد الشارع و نوابه بل الوارد عنهم (عليهم السلام) هو النهي عنه روي في الكافي بإسناده الى محمد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) فقهتنا في الدين و أغنانا اللّه بكم عن الناس فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك و لا عن إبائك شيء فننظر إلى أحسن ما يحضرنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به فقال (عليه السلام) هيهات هيهات في ذلك و اللّه هلك من هلك ثم قال لعن اللّه. كان يقول قال علي (ع) و قلت قال محمد بن حكيم و اللّه ما أردت الا ان يرخص لي في القياس و ذلك ان قوله أحسن ما يحضرنا و أوفق الأشياء يراد به خصوصا أو عموما الاولى في القياس و قد نفاه (عليه السلام) و كذلك من قوله أبي حنيفة فإنه يعارض كلام علي (عليه السلام) بقياس المساواة فكيف لا يعارضه بقياس الأولوية الذي هو عنده مقدم على الكتاب و السنة و قد رد أيضا على رسول اللّٰه (صلى اللّه عليه و آله) قال الزمخشري في ربيع الأبرار قال يوسف ابن أسباط رد أبو حنيفة على رسول اللّٰه (صلى اللّه عليه و آله) أربعمائة حديثا و أكثر قيل مثل ما ذا قال قال رسول اللّٰه (صلى اللّه عليه و آله) للفرس سهمان و للرجل سهم قال أبو حنيفة لا اجعل


[ 47 ]

سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن و أشعر رسول اللّٰه (ص) البدن و قال أبو حنيفة الاشعار مثلة و قال (صلى اللّه عليه و آله) البيعان بالخيار ما لم يفترقا و قال أبو حنيفة إذا وجب البيع فلا خيار و كان (صلى اللّه عليه و آله) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا و أقرع أصحابه و قال أبو حنيفة القرعة قمار أقول هذا الرد انما جاء من القياس و من تجويز الاجتهاد على النبي (ص) و اما دلالة قوله جلّ شأنه فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ على تحريم الأذى و نحوه فقال المحقق طاب ثراه حيث نفى حجية هذا القياس انه منقول عن موضوعه اللغوي إلى المنع من جميع أنواع الأذى لاستفادة ذلك المعنى من اللفظ من غير توقف على استحضار القياس أقول تحرير الكلام ان القرآن انما نزل بلسان العرب و بما كان يجري بينهم في محاوراتهم و لا يرتاب أحد في فهم هذا المعنى من هذا اللفظ و ان لم يعرف القياس و كذلك القول في أكثر موارد هذا القياس و هذا القول يجري أيضا في أغلب موارد منصوص العلة بنوع من التقريب و يدل عليه ظاهرا ما رواه رئيس المحدثين شيخنا الكليني (قدس اللّه ضريحه) في الموثق عن عثمان بن عيسى قال سئلت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن القياس فقال ما لكم و القياس ان اللّٰه لا يسأل كيف حلل و كيف حرم يعني ان اللّٰه سبحانه لا يسأل عن علة الحرام في تحريمه و علة الحلال في حليته فلعل الذي أحله له خاصيته في التحليل لا تتعدى محلها الى ما شابهها حتى لو نص على العلة إذ يجوز ان تكون تلك العلة الموجودة في ذلك المحل الخاص هي العلة و يجوز ان تكون هي مع غيرها مما لم ينبه عليها كغيرها من الموارد و بالجملة فالدلالة على ما ليس بموجود في منطوق اللفظ انما جاء من الدلالة العرفية أو الالتزامية و قد بسطنا الكلام في هذا المقام في شرحنا على التذهيب


[ 48 ]

[المسألة الخامسة في أخذ الأحكام من القرآن] (المسألة الخامسة): في أخذ الأحكام من القرآن ذهب المجتهدون (رضوان الله عليهم) الى الجواز و أخذوا الأحكام منه و طرحوا كثيرا من الروايات المعارضة له و دونوا آيات الأحكام و استنبطوا منها ما أداهم اليه أمارات الاستنباط و اما الأخباريون (قدس اللّٰه ضرائحهم) فذهبوا الى ان القرآن كله متشابه بالنسبة إلينا و انه لا يجوز لنا أخذ حكم منه الا من دلالة الاخبار على بيانه حتى اني كنت حاضرا في المسجد الجامع من شيراز و كان أستاذي المجتهد الشيخ جعفر البحراني و شيخي المحدث صاحب جوامع الكلم (قدس اللّه روحيهما) يتناظران في هذه المسألة فانجر الكلام بينهما حتى قال له الفاضل المجتهد ما تقول في معنى قل هو اللّٰه أحد فهل يحتاج في فهم معناها الى الحديث فقال نعم لا نعرف معنى الاحدية و لا الفرق بين الأحد و الواحد و نحو ذلك أقول الحق هنا ما افاده شيخنا شيخ الطائفة عطر اللّٰه مرقده في كتاب التبيان و هذا لفظه اعلم ان الرواية ظاهرة في اخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي صلى للّٰه عليه و آله و عن الأئمة (عليهم السلام) الذين قولهم حجة كقول النبي (صلى اللّه عليه و آله) القول فيه بالرأي لا يجوز و روت العامة ذلك أيضا عن النبي (ص) انه قال من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ و كره جماعة من التابعين و فقهاء المدينة القول في القرآن بالرأي و رووا عن عائشة انها قالت لم يكن النبي (ص) يفسر القرآن الا بعد ان يأتي جبرائيل (عليه السلام) و الذي نقوله في ذلك انه لا يجوز ان يكون في كلام اللّٰه تعالى و كلام نبيه (ص) تناقض و تضاد و قد قال اللّٰه تعالى إِنّٰا جَعَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا و قال بِلِسٰانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ و قال وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ و قال تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ و قال مٰا فَرَّطْنٰا فِي


[ 49 ]

الْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ فكيف يجوز بان يصفه بأنه عربي مبين و انه بلسان قومه و انه بيان للناس و لا يفهم من ظاهرة شيء و هل ذلك الا وصف له باللغز و المعمى الذي لا يفهم المراد به الا بعد تفسيره و ذلك منزه عن القرآن و قد مدح اللّٰه تعالى أقواما على استخراج معاني القرآن فقال لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و قال تعالى في قوم يذمهم حيث لم يدبروا القرآن و لم يتفكروا في معانيه أَ فَلٰا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا و قال النبي (ص) اني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّٰه و عترتي أهل بيتي فبين ان قول أهل البيت حجة كما ان القرآن حجة و كيف يكون حجة ما لا يفهم منه شيء و روى عنه (ع) قال إذا جائكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّٰه فما وافق كتاب اللّٰه فاقبلوه و ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط و روى مثل ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) كيف يكون العرض على كتاب اللّٰه و هو لا يفهم منه شيء فكل ذلك يدل على ان ظاهر هذه الاخبار متروك و الذي نقول ان معاني القرآن على أربعة أقسام أحدها ما اختص اللّٰه تعالى بالعلم به فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه و لا تعاطي معرفته و ذلك مثل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي لٰا يُجَلِّيهٰا لِوَقْتِهٰا إِلّٰا هُوَ و مثل قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ الاية فتعاطى ما اختص العلم به خطأ و ثانيها ما يكون ظاهرة مطابقا لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناها مثل قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلّٰا بِالْحَقِّ* و مثل قوله قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و غير ذلك و ثالثها ما هو مجمل لا ينبىء ظاهره عن المراد به مفصلا مثل قوله تعالى أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ* و قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و قوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ و قوله تعالى وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ


[ 50 ]

حَقٌّ مَعْلُومٌ و ما أشبه ذلك فان تفاصيل أعداد الصلاة و عدد ركعاتها و تفاصيل مناسك الحج و شروطه و مقادير النصاب في الزكاة لا يمكن استخراجه الا ببيان النبي (ص) و وحي من جهة اللّٰه سبحانه تعالى فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع منه و يمكن ان تكون الأخبار متناولة له و رابعها ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عليهما و يمكن ان يكون كل واحد منهما مراد فإنه لا ينبغي ان يقدم أحد فيقول ان مراد اللّٰه منه بعض ما يحتمله الا بقول نبي أو إمام معصوم بل ينبغي ان يقول ان الظاهر يحتمل الأمور و كل واحد يجوز ان يكون مرادا على التفصيل و اللّٰه اعلم بما أراد و متى كان اللفظ مشتركا بين شيئين أو ما زاد عليهما و دل الدليل على انه لا يجوز ان يريد الا وجها واحدا جاز ان يقول انه هو المراد و متى قسمنا هذه الأقسام تكون قد قبلنا هذه الاخبار و لم نردها على وجه يوحش تقبلها و المتمسكين بها و لا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الاي و لا ينبغي لأحد ان ينظر في تفسير آية لا ينبىء ظاهرها عن المراد مفصلا ان يقلد أحدا من المفسرين الا ان يكون التأويل مجمعا عليه اتباعه لمكان الإجماع لأن المفسرين من حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه كابن عباس و الحسن و قتادة و غيرهم و منهم من ذمت مذاهبه كأبي صالح و السدي و الكلبي و غيرهم هذا في الطبقة الاولى و اما المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه تأول على ما يطابق أصله فلا يجوز لأحد ان يقلد أحدا منهم بل ينبغي ان يرجع الى الأدلة الصحيحة إما العقلية أو الشرعية من إجماع عليه أو نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله و لا يقبل في ذلك خبر واحد و خاصة إذا كان مما طريقه العلم و متى كان التأويل مما يحتاج الى شاهد من اللغة فلا يقبل من الشاهد الا ما كان معلوما بين أهل اللغة شائعا فيما بينهم


[ 51 ]

فاما ما طريقه الآحاد من الأبيات النادرة فإنه لا يقطع بذلك و يجعل شاهدا على كتاب اللّٰه و ينبغي ان يتوقف فيه و يذكر ما يحتمله و لا يقطع على المراد منه بعينه فإنه متى قطع على المراد منه بعينه كان مخطئا و ان أصاب الحق كما روى عنه (ص) لأنه قال ذلك تخمينا و حدسا و لم يصدر ذلك عن حجة قاطعة و ذلك باطل بالاتفاق انتهى و قال الشيخ كمال الدين ميثم البحراني نور اللّٰه مرقده ان قلت كيف يتجاوز الإنسان في تفسير القرآن المسموع و قد قال (ص) من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار و في النهي عن ذلك آثار كثيرة قلت الجواب عنه من وجوه كثيرة (الأول) انه يعار بقوله (ص) ان للقرآن ظهرا و بطنا وحدا و مطلقا و بقول أمير المؤمنين (ع) الا ان يؤتى اللّٰه عبدا فهما في القرآن (الثاني) لو لم يكن غير المنقول لاشترط ان يكون مسموعا من الرسول (ص) و ذلك لا يصادف إلا في بعض القرآن فاما ما يقوله ابن عباس و ابن مسعود و غيرهما من المفسرين فينبغي ان لا يقبل و يقال هو تفسير بالرأي (الثالث) ان الصحابة و المفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات و قالوا فيها أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها و سماع ذلك من رسول اللّٰه (ص) محال فكيف يكون الكل مسموعا (الرابع) انه (ص) دعا لابن عباس (ر ض) فقال اللهم فقهه في الدين و علم التأويل فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل و محفوظا مثله فهلا معنى لتخصيص ابن عباس بذلك (الخامس) قوله تعالى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فاثبت للعلماء استنباطا و معلوم انه وراء المسموع فاذن الواجب ان يحمل النهي عن التفسير بالرأي على أحد معنيين أحدهما ان يكون لإنسان في شيء رأى و له اليه ميل بطيبة فيأول القرآن على وفق طبعه و رأيه حتى لو لم يكن له ذلك


[ 52 ]

الميل لما خطر ذلك التأويل بباله سواء كان ذلك الرأي صحيحا أو غير صحيح و ذلك كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيستدل على تصحيح غرضه من القرآن بقوله تعالى اذْهَبْ إِلىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغىٰ* و يشير الى ان قلبه هو المراد من فرعون كما يستعمله بعض الوعاظ تحسينا للكلام و ترغيبا للمستمع و هو ممنوع الثاني ان يتسرع الى تعبير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع و النقل فيما يتعلق بغرائب القرآن و فيما فيه من الألفاظ المبهمة و ما يتعلق به من الاختصار و الحذف و الإضمار و التقديم و التأخير و المجاز و من لم يحكم ظاهر التفسير و بادر الى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه و دخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي مثاله قوله تعالى وَ آتَيْنٰا ثَمُودَ النّٰاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهٰا فالناظر الى ظاهر العربية ربما يظن ان المراد ان الناقة كانت مبصرة و لم تكن عميا و المعنى ان الآية مبصرة هذا كلامه و كلام الشيخ (ره) أقرب من هذا بالنظر الى تتبع الاخبار و الجمع بين متعارضات الأحاديث و حاصل هذه المقالة ان أخذ الأحكام من نص القران أو ظاهره أو فحواه و نحو ذلك جائز كما فعله المجتهدون يرشد الى ما فصله الشيخ طاب ثراه ما رواه أمين الإسلام الطبرسي في كتاب الاحتجاج من جملة حديث طويل عن أمير المؤمنين (ع) قال فيه ان اللّٰه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل و قسما لا يعرفه الا من صفي ذهنه و لطف حسه و صح تمييزه و شرح صدره للإسلام و قسما لا يعرفه الا اللّٰه و أمنائه و الراسخون في العلم ثم بين السبب فيه. [المسألة السادسة في تعيين أول الواجبات] (المسألة السادسة) في تعيين أول الواجبات ذهب المجتهدون و المتكلمون من علماء الإسلام الى ان أول الواجبات هو معرفة اللّٰه


[ 53 ]

سبحانه لابتناء الطاعات كلها عليها و ذهب الأخباريون من أصحابنا (رضوان الله عليهم) الى ان أول الواجبات هو الإقرار بالشهادتين كما قال الرضا (ع) أول الفرائض الإقرار باللّه و بما جاء من عند اللّٰه و اما المعرفة فهي مخلوقة للّه تعالى في قلوب عبادة للأخبار الواردة بان المعرفة من صنع اللّٰه تعالى في قلوب الخلائق و ليس للعباد فيها اختيار و لا كسب بل هي مكروزة في الجبلات و الغرائز و إذا عرف الإنسان نفسه بالبلوغ الى حد التميز فقد عرف ربه و هذا هو معنى الحديث المشهور من عرف نفسه عرف ربه و قول الخاتم عليه و على آله أفضل الصلاة كل مولود يولد على الفطرة حتى أبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه أقول الاخبار عن السادة الأطهار (عليهم السلام) كما وردت موافقة لقول الأخباريين ورد بعضها أيضا مطابقا لما حكيناه عن المجتهد كما رواه ثقة الإسلام الكليني (رضوان الله عليه) في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى ربهم و أحب ذلك الى اللّٰه عز و جل فقال (ع) ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الحديث و لا شك ان التقرب انما يكون بالافعال الاختيارية و اما ما يفعله اللّٰه بالعبد و يوقعه في قلبه من النيات الصادقة و العقائد الحقة فهي مما توجب القرب لا التقرب (و ح) فطريق الجمع بين الاخبار ليتضح به كلام الفريقين يكون بوجوه منها ما قاله العالم الرباني كمال الدين ميثم البحراني عطر اللّٰه ضريحه و ذكر ان المحققين صرحوا به و انه مستفاد من الاخبار و هو ان لمعرفة اللّٰه جل ثناؤه مراتب (الاولى) و هي أدناها أن يعرف العبد ان للعالم صانعا (الثانية) ان يصدق بوجوده (الثالثة) ان يترقى الى توحيده و تنزيهه عن الشركاء (الرابعة) مرتبة الإخلاص له (الخامسة) نفي الصفات


[ 54 ]

التي تعتبرها الأذهان له عنه و هي غاية العرفان و كل مرتبة من المراتب الأربع مبدأ لما بعدها و الأولتان من المراتب مجبولتان في الفطرة الإنسانية بل في الفطرة الحيوانية و لذا لم يدع الأنبياء (عليهم السلام) إليهما مع انهما لو توقفا على الدعوة لزم الدور لان صدقهم منبىء على ان ههنا صانعا للخلق أرسلهم بل الذي دعي إليها الأنبياء (ص) هي المرتبة الثالثة و ما بعدها و هي الواردة في كلمة الإخلاص بقوله (ص) من قال لا إله إلا اللّٰه دخل الجنة ثم لما استعدت أذهانهم لما بعدها من المراتب قال (ع) من قال لا إله إلا اللّٰه خالصا مخلصا دخل الجنة (و ح) فيجوز ان يراد من المعرفة في قول مولانا أمير المؤمنين (ع) أول الدين معرفة الجبار المرتبتان الأولتان و يجوز ان يراد بالمعرفة الكاملة لأنها العلة الغائية و هي متقدمة في التصور و منها ان المراد كما قيل من المعرفة الموهبية مقدماتها الموصلة إليها التي لاتيناها عددها و في كل شيء آية تدل على انه واحد و منها ان يكون المراد ان المفيض للمعارف هو الرب تعالى و انما أمر العباد بالسعي ليستعدوا لذلك بالفكر و النظر كما دل عليه بعض الاخبار و أقوى هذه الوجوه هو الأول (و ح) فما حكيناه عن المجتهدين و الأخباريين كله حق و ما صار اليه بعض المحققين من الأخباريين من تقليد المجتهدين في هذه المسألة لكون مذهبهم مخالفا للأخبار لا وجه له لما عرفت و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل. [المسألة السابعة ما ذكره قدماء الأخباريين في حرمة الاجتهاد و التقليد بل الواجب هو التمسك بالروايات] (المسألة السابعة) قال الأخباريون عطر اللّٰه مراقدهم ذهب قدماء أصحابنا الأخباريين مثل المحمدين الثلاثة إلى حرمة الاجتهاد و التقليد بل الواجب هو التمسك بالروايات و كذلك علي ابن إبراهيم طاب ثراه كما ذكره في أوائل التفسير فإنهم اوجبو التمسك في الأصول


[ 55 ]

و الفروع بالروايات المتضمنة للقواعد القطعية السادة مسد الخيالات العقلية المذكورة في الكتب الأصولية و داريه الحديث و القواعد العربية قال السيد المرتضى (ر ض) معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذاهب أئمتنا (عليهم السلام) فيه بالأخبار المتواترة و قال الشيخ طاب ثراه ان اختلاف فتاوى أصحابنا (رضوان الله عليهم) المبني على اختلاف الفتاوي الواردة عنهم (عليهم السلام) لا يستلزم تناقضا بين تلك الفتاوي حتى يكون الحق في واحد و ذلك ان كل واحد يقول هذه الفتوى ثبت ورودها عنهم (عليهم السلام) و لم يظهر إلى الإن و رودها عنهم من باب التقية و كلما هو كذلك يجوز لنا العمل به الى ظهور القائم (عليه السلام) و ان كان وروده في الواقع من باب ضرورة التقية و كل واحد منها حق إحديهما عند الاختيار و الأخرى عند ضرورة التقية بخلاف اختلاف الفتاوي و المبني على غير ذلك فإنه يستلزم التناقض بينهما فان كل واحد منهم يقول أولا هذا حكم اللّٰه في الواقع حال الاختيار بحسب ظني ثم يقول كلما هو كذلك يجوز لمقلدي العمل به قطعا و يقينا انتهى و قال المجتهدون (قدس اللّه أرواحهم) أن قدماء الأصحاب ما كانوا يحتاجون الى الاجتهاد و الى تنويع الاخبار بالأنواع المذكورة في كتب الدراية من الصحيح و الحسن و الموثق و الضعيف و الموقوف و المرسل و غيرها من الأنواع لأن الأصول الأربعمائة التي عرض اكثرها على الأئمة (عليهم السلام) كانت موجودة عندهم يعرفون منها الحديث الصحيح من غيره و المتواتر من الآحاد و المعلول من السالم فكانوا لا يحتاجون مع ذلك الى تنويع الاخبار و الى العمل بالأدلة العقلية و القوانين الأصولية و اجمع المحمدون الثلاثة عطر اللّٰه مراقدهم هذه الأصول الأربعة تقليلا للانتشار و ضبطا


[ 56 ]

للأبواب المتناسبة أقبل الناس عليهما فهجرت تلك الأصول و بدا فيها الضياع فانطمست آثارها من زمن الشيخ الى عصر العلامة و من قرب منه فأشكل عليهم الحال في معرفة تنويع الاخبار على الاصطلاح القديم و خفيت عليهم القرائن الموضحة للأحاديث و لكون الخبر موجودا في الأصول الأربعمائة كلها أو بعضها فدعت الحاجة الى وضع ذلك الاصطلاح لأنه مأخوذ أيضا من كلام المتقدمين في أبواب الجرح و التعديل و اما قواعد الأصول ككون الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده العام أو الخاص أو ان النهي بمعنى الكف أو الترك و كاعتبار المفاهيم و نحوها من مسائل الأصول فإنما استفادوه من الاستنباطات المأخوذة من الكتاب و السنة لأن العقل مستقل بها هذا كلامهم أقول اما تحريم أصحابنا القدماء و الاجتهاد و التقليد فالظاهر أن مرادهم منه الرد على العامة في اجتهاداتهم المأخوذة من الرأي و القياس اما اجتهاد أصحابنا (رضوان الله عليهم) المأخوذ من الكتاب و السنة و اجتهادهم في تحصيل الأحكام منها فالظاهر انه غير مذموم لان حاصله يرجع الى أخذ الحكم من الدليل الشرعي إذ لا يتمكن كل فرد للأخبار من أخذ الأحكام منها و من ثم جاءت الرواية عن الخاتم (ص) رحم اللّه امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه فيكون المراد من الأفقه من يتدبر المعنى و يستنبط منه حكما لم يبلغ فهم الفقيه و الراوي و اما الاستناد في الأحكام إلى مسائل الأصول و قواعده فالحق هنا مع الأخباريين لعدم ثبوت حجية تلك القواعد في الشريعة بل الوارد نقيضه النهي عنه و ما أحسن قول المحقق (قدس اللّه ضريحه) في مقدمات المعتبر اعلم انك مخبر في حال فتواك عن ربك و ناطق بلسان شرعه فما أسعدك إن


[ 57 ]

أخذت بالجزم و ما أخيبك ان بنيت على الوهم فاجعل فهمك تلقاء قول ربك و ان تقول على اللّه ما لا تعلمون و انظر الى قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرٰاماً وَ حَلٰالًا قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ و تفطن كيف قسم مستند الحكم الى القسمين فما لم يتحقق الإذن فإنه مفتر و اما عذر المجتهدين (رضوان الله عليهم) في تقسيم الاخبار الى الصحيح و الضعيف و باقي الأقسام حتى أسقطوا العمل بعد نقاوة السند و عدلوا بسببه الى اعتبار قواعد الأصول و الأدلة العقلية فيقال عليه أحد أمرين الأول انه كان يلزم عليهم الفحص و البحث عن الاخبار من الأصول الأربعمائة و انتزاعها من هناك ليظهر لهم حقيقة الحال و ليتضح لديهم صحيح الاخبار من سقيمها إذ كثير من الأصول كانت موجودة في أعصار مبادئ الاجتهاد بل هي إلى الآن موجودة فإن شيخنا صاحب بحار الأنوار أدام اللّه تعالى بقائه قد وقع منها بسبب بذل الجهد على التكثير الثاني حيث انهم اعتمدوا على نقل المحمدين الثلاثة عطر اللّه ضرائحهم في الأصول الأربعة كان الذي ينبغي لهم ان تحسنوا بهم الظن في تصحيح الاخبار كما أحسنوا بهم الظن في نقل الاخبار و ذلك ان الصدوق و الكليني (قدس اللّه روحيهما) صرحا بصحة ما اودعاه في كتابيهما من الاخبار و ان كانت ضعيفة بهذا الاصطلاح و ذلك ان الصحيح عند القدماء ما ثبت صحته و أفاد العلم و الظن المحفوف بالقرائن القوية و اما الشيخ فظاهره أيضا الجزم بما قالاه فكان الاولى ان يعتمدوا عليهم في تصحيح الاخبار كما اعتمدوا عليهم في شأن الجرح و التعديل الذي هو السبب في وضع اصطلاحاتهم. [المسألة الثامنة في دلالة الاستصحاب و البراءة الأصلية و تشاجر المجتهدين و الأخباريين] (المسألة الثامنة) في دلالة الاستصحاب و البراءة الأصلية و فيهما


[ 58 ]

التشاجر العظيم بين المجتهدين و الأخباريون (رضوان الله عليهم أجمعين) و عليهما يتبنى من الأحكام ما لا يحصى فان عدم الدليل عند المجتهدين دليل على الجواز و الإباحة و بنوا أكثر الأحكام على هذا و طرحوا الأخبار الضعيفة لأجله و توضيحه ان الأخباريين رحمهم اللّه تعالى قالوا انه ورد في مستفيض الاخبار ان للّه تعالى في كل شيء حكما حتى الخدشة و نصف الجلدة و ان كل واقعة من صغائر الأمور و عظائمها قد وقع فيها حكم من السادة الأطهار صلاة اللّه عليهم لكن بعضه بلغنا و بقي البعض الأخر (و ح) فما بلغنا النص فيه من وجوب أو تحريم أو استحباب و كراهة و اباحة عملنا بمضمونه و ما لم يبلغنا حكم وجب علينا التوقف فيه حتى يظهر حكمه فنعمل بمقتضاه أو يبقى مستورا عنا فنبقى على التوقف فليس الأصل في الأشياء عندهم سوى التحريم حتى انه وصل إلينا عن بعض المعاصرين من الأخباريين من انه يمنع من لبس الثياب على غير الهيئة التي كانت في أعصار المعصومين (عليهم السلام) لعدم الاذن فيه من الشارع و كذلك أكل الأطعمة التي لم تؤكل في تلك الأزمان و لم يرد نص عليها بالخصوص لأنهم يشترطون الدليل الخاص في كل جزئي من الجزئيات و اما المجتهدون (قدس اللّه أرواحهم) فقالوا ان تلك الأحاديث التي استدللتم بها صحيحة واضحة و ان في كل حكما من الشارع لكن الأحكام مخزونة عند خزنة العلم صلاة اللّه عليهم فمنها ما ظهر منهم عليهم السلم و وصل إلينا فيجب علينا العمل بمقتاضاه و منها ما خرج عنهم (عليهم السلام) لكن لم يصل إلينا إلى الان فنحن في التفحص و البحث عنه حتى نظفر به فنعمل بمواده و ربما وصل الى بعض و لم يحصله آخرون فعلى الأولين العمل و على الآخرين البحث و منها ما لم


[ 59 ]

يخرج عن الخزنة صلاة اللّه عليهم لمصالح لا نعلمها و لعل منها التقية أو الاتقاء و لذا لو ظهر صاحب الدار (عليه السلام) أظهر جميع الأحكام و عمل فيها كما ورد في كثير من الاخبار ان بعض آيات القرآن تقدم نزوله و لم يأت بعد تأويله و عدّ منه في الاخبار قوله تعالى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* فاما الأحكام التي في نفس الأمر و لم تصل الى المكلفين مطلقا أو على وجه يوجب له عليهم العمل به أو يجوز لهم ذلك فليسوا مكلفين بها بل هم على العمل بالأصل من عدم التكليف حتى يظهر لهم الناقل عن حكم الأصل و ذكروا عليه دلائل كثيرة من الأدلة العقلية ذكرها الأصوليون في كتبهم من أرادها فليطلبها من هناك و المتأخرون منهم استدلوا عليه بأخبار منها ما رواه الصدوق طاب ثراه بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) انه قال ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و منها قوله (ع) من عمل بما علم كفى ما لم يعلم و منها ما رواه بن بابويه عليه الرحمة عنه (عليه السلام) انه قال كل شيء مطلق حتى يرد فيه نعي و نحو ذلك من الاخبار الواردة بهذا المضمون و أجاب الأخباريون عنه اما عن الأولين فباختصاصها بالوجوب فإنه لا يجب الاحتياط بمجرد احتمال الوجوب بخلاف الشك في التحريم فيجب الاحتياط و لو وجب الاحتياط في المقامين لزم تكليف ما لا يطاق إذ كثير من الأشياء يحتمل الوجوب و التحريم و لا خلاف في عدم الوجوب في مقام الشك في الوجوب إلا إذا علمنا اشتغال ذمتنا بعبادة معينة و حصل الشك بين فردين كالقصر و التمام و الظهر و الجمعة و جزاء للصيد أو اثنين و نحو ذلك فيجب الجمع بين العبادتين لتحريم تركهما قطعا للنص و تحريم الجزم بوجوب أحدهما بعينه عملا بأحاديث الاحتياط و يستثني من ذلك ما لو وجب


[ 60 ]

وطء الزوجة و اشتبهت بأجنبية أو قتل شخص حيا أو قصاصا و اشتبه بآخر محترم للقطع بتحريم وطئ الأجنبية مع الاشتباه و عدمه و كذا قتل المسلم بخلاف تحريم الجمع بين العبادتين فإنه مخصوص بغير صورة الاشتباه فان النصوص على أمثالها كثيرة كاشتباه القبلة و الفائتة و الثوبين و غير ذلك و ليس بقياس بل عمل بأحاديث عموم الاحتياط على أن هذين الحديثين لا ينافيان وجوب الاحتياط و التوقف لحصول العلم بهما بالنص المتواتر و قوله (عليه السلام) في الحديث الأول موضوع قرينة ظاهرة على ارادة الشك في وجوب فعل وجودي لا في تحريمه مضافا الى النص في المقامين و في حديث التزويج في العدة قال (ع) إذا علمت ان عليها و لم تعلم كم هي فقد ثبت عليها الحجة فتسأل من يعلم ثم قالوا و يمكن حمل الحديثين على ان ما لم يعلم حكمه لم يجب الحكم فيه و الجزم بأحد الطرفين بل يكفي التوقف و الاحتياط و الا فقد ورد ما هو صريح في معارضته و هو قوله (ع) القضاة أربعة الى ان قال و قاضٍ قضى بالحق و هو لا يعلم فهو في النار و غير ذلك و يمكن حملها على الغافل الذي لم يحصل عنده شك و لا شبهة و لا بلغه نص الاحتياط فإنه معذور و غير مكلف ما دام كذلك بالنص المتواتر و اما الحديث الثالث فأجابوا عنه بوجوه (أحدها) الحمل على التقية فإن العامة يقولون بحجية الأصل فيضعف عن مقاومة الاخبار على انه خبر واحد فلا يعارض التواتر (و ثانيها) الحمل على الخطاب الشرعي خاصة بمعنى ان كل شيء من الخطابات الشرعية يتعين حمله على إطلاقه و عمومه حتى يرد فيه نهي يخصص بعض الإفراد و يخرجه عن الإطلاق مثاله قوله (ع) كل ماء طاهر حتى نعلم انه قذر فإنه محمول على إطلاقه فلما ورد النهي عن استعمال كل واحد


[ 61 ]

من الإنائين إذا نجس أحدهما و اشتبها تعين تقييده بغير هذه الصورة و لذلك استدل به الصدوق (رحمه اللّه) على جواز القنوت بالفارسية لأن الأوامر بالقنوت مطلقة عامة و لم يرد نهي عن القنوت بالفارسية يخرجه عن إطلاقها (و ثالثها) التخصيص بما ليس من نفس الأحكام الشرعية و ان كان من متعلقاتها أو مضامينها كما إذا شك في جوائز الظالم أنها مغصوبة أم لا (و رابعها) ان يكون مخصوصا بما قبل كمال الشريعة و تمامها فاما بعد ذلك فلم يبق شيء على حكم البراءة الأصلية (و خامسها) ان يكون مخصوصا بمن لم يبلغه أحاديث النهي عن ارتكاب الشبهات و الأمر بالاحتياط لاستحالة تكليف الغافل عقلا و نقلا (و سادسها) ان يكون مخصوصا بما لا يحتمل التحريم بل علمت إباحته و حصل الشك في وجوبه فهو مطلق حتى يرد فيه نهي عن تركه لان المستفاد من الأحاديث عدم وجوب الاحتياط بمجرد احتمال الوجوب و ان كان راجحا حيث لا يحتمل التحريم (و سابعها) ان يكون مخصوصا بالأشياء المهمة التي تعم بها البلوى و انه لو كان فيها حكم مخالف للأصل لنقل كما يفهم من قول أمير المؤمنين (ع) و اعلم يا بني انه لو كان إله آخر لأتتك رسله و لرأيت آثار مملكته و قد صرح بنحو ذلك المحقق في المعتبر و غيره و قد استدلوا (رضوان الله عليهم) مضافا الى ما حكيناه عنهم من ان للّه تعالى في كل واقعة حكما بأحاديث أخرى منها ما يدل على انه إذا ورد إليكم الحكم فلم تعلموه فعليكم بالسؤال عن أئمتكم (عليهم السلام) و منها ما دل على ان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة و منها ما يتضمن قوله (ع) لا يسعكم ما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد إلى أئمة الهدى و منها قوله (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) لو ان العباد إذا جهلوا وقفوا لم


[ 62 ]

يجحدوا و يكفروا و منها قوله (ع) خذ بالحائطة لدينك و منها قوله (ع) دع ما يريبك الى ما لا يريبك و نحو ذلك مما ورد بهذا المعنى هذا محصل كلام الفريقين أقول الظاهر ان الأقوى هنا قول المجتهدين (رضوان الله عليهم) لكن مطلقا كما سيأتي تحريره في طي هذا الكلام (و الجواب) اما عن الاخبار السابقة فيما تقدم من انا لسنا مكلفين بما في نفس الأمر من الأحكام و الا لزم الحرج بل تكليف ما لا يطلق و اما تخصيصهم للأخبار التي استدل بها المجتهدون فلا دليل عليه بل ظاهرها العموم و الاستدلال انما هو بالظواهر و اما الدلائل التي استدلوا بها فالجواب عنها من وجوه أحدها الحمل على أعصارهم (عليهم السلام) و هذا هو المتبادر من عامة ألفاظها فيكون من باب الفحص عن الأحكام و أخذها عنه (ع) و هو واجب للشك فيه (و ثانيها) ان يكون المراد منها الرد على أهل الرأي و الاجتهاد من العامة و من حذي حذوهم من ان المسألة إذا لم يرد بها نص من الشارع بادروا الى استخراج حكم لها من الأدلة العقلية و القياسات الوهمية فإن هذا غير جائزكما تقدم (و ثالثها) التنزيل على ما إذا علمنا الحكم مجملا لكنا لم نتحقق تفاصيله و حينئذ فالواجب علينا السؤال و البحث و الا فالتوقف و إذا كان الحكم موجودا في نفس الأمر و لم يبلغ إلينا مطلقا فتكليفنا البحث عما لا نعلم أو التوقف من باب تكليف الغافل و قد تقدم ان من قال بدلالة الأصل قال بهذا المعنى (و رابعها) الحمل على ما إذا لم يمكن إجراء الأصل و البراءة الأصلية مثلا إذا أردنا قسمة الميراث على الورثة المختلفين في السهام لم يجز لنا اجراء حكم الأصل بأن نقول الأصل عدم التفاوت بل يجب هنا اما السؤال و التوقف و يرد على الفريقين ان المجتهدين (رضوان الله عليهم)


[ 63 ]

افرطوا في العمل بدلالة الأصل حتى لو عارضة من الاخبار ما هو غير نقي السند بل ما هو نقية طرحوه و عملوا بالأصل و اما الأخباريون (قدس اللّه أرواحهم) فقد افرطوا في عدم اعتباره رأسا بل ذهبوا الى ان كل جزئي من جزئيات المكلف يحتاج فيه الى الدليل الخاص فان وجد و الا فالتوقف و الحق ان هنا واسطة بين الأمرين و هو ان دلالة الأصل مع وجود النص المعارض الناقل لها لا حكم لها و ان كان غير نقي الطريق لما سيأتي من صحة أخبارنا بالاصطلاح القديم اما مع عدم وجود الحديث الناقل فان كان في مثل المأكول و الملبوس و نحوهما من موارد التحليل و التحريم كان حكم الأصل دليلا و عدم وجود الدليل على المنع دليل على الحل سيما و الدليل العام قائم عليه كما في قوله تعالى شأنه خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فان اللام للانتفاع و مفيدة للتعليل أيضا فيكون كل ما في الأرض حلال الا ما قام الدليل الخاص على النهي و المنع منه بل يمكن ان يقال ان قوله (ع) كل شيء لك مطلق ظاهر في الحل و الحرمة لأنه لا معنى لجريانه في أحكام القضاء بان يقال ان القاضي يجوز له العمل بما اشتهاه حتى يرد عليه الحكم الواقعي و يرشد إليه انه وقع مفصلا في موضع آخر و هو ما رواه مسعدة بن صدقة عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون قد اشتريته و هو سرقة أو المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة أقول و يتحصل من هذا الحديث معنى آخر له و لما بمعناه من قوله (ع) كل شيء لك مطلق و يخرج به عن الاستدلال بحجيته الأصل و هو ان


[ 64 ]

يكون قوله هو لك صفة شيء لا خبر للمبتدإ بل يكون الخبر هو قوله حلال و حاصل المعنى ان كل شيء موصوف بأنه لك و منسوب إليك بالملكية و نحوها فهو مستمر على الحلية حتى يرد عليك فيه نص يحرمه أو ينجسه أو يكرهه أو نحو ذلك و بالجملة فالممارس لفن الحديث يعرف ان قواعد الشرع جزئياتها و كلياتها مخصوصات و ليس الوجه فيه ظاهرا سوى سد طريق العقل حتى لا يدخل في موارد الشرع فالبراءة الأصلية دليل في بعض الموارد لا كما ذهب اليه المجتهدون (قدس اللّه أرواحهم) [المسألة التاسعة في التشاجر الواقع بين الأخباريين و الأصوليين في بيان مفاد الأدلة] (المسألة التاسعة) في التشاجر الواقع بين الفريقين (رضوان الله عليهم) في بيان مفاد الأدلة ذهب المجتهدون رحمهم اللّه تعالى الى ان الفقه أكثره من باب الظنون و ان أكثر الاخبار لا يستفاد منها الا الظن في الأحكام لكون أغلبها من باب اخبار الآحاد و هي لا تفيد الا الظن و المجتهد مكلف بان يعمل بالظنون التي استنبطها من الأدلة و ذهب الأخباريون إلى انه لا يجوز العمل بالظن مطلقا لا في الأصول و لا في الفروع و الآيات و الاخبار الواردة في الطعن على اتباع الظنون جارية عندهم في الفروع أيضا و نصوا على ان الاخبار المودعة في الأصول الأربعة و نحوها كلها متواترة عن الأئمة (عليهم السلام) مقطوع على صحتها مفيدة للقطع بمضمونها و ان اليقين المعتبر عندهم على قسمين يقين متعلق بان هذا حكم اللّه في الواقع و يقين متعلق بان هذا ورد عن معصوم و انهم (عليهم السلام) جوزوا لنا العمل به و ان لم يحصل لنا منه ظن بما هو حكم للّه تعالى في الواقع و قالوا ان المقدمة الثانية متواترة معنى عنهم (عليهم السلام) و المعتبر من اليقين في البابين ما يشمل اليقين العادي فلا يتعين تحصيل ما هو أقوى منه من أنواع


[ 65 ]

اليقين و أكثروا من الاستدلال على تواتر الأخبار المذكورة في الأصول الأربعة و على إفادتها اليقين أقول الظاهر ان الحق هنا مع المجتهدين و اما دعوى تواتر الأخبار المذكورة في الكتب الأربعة فلا يمكن ان يقطع عليه بالنسبة إلى المحمدين الثلاثة فكيف يجزم به بالنسبة إلى الأئمة (عليهم السلام) نعم المتواتر عنهم انما هي الكتب لا جزئيات الاخبار لان من تتبع نسخ التذهيب مثلا يرى ان الحديث الواحد يختلف فيه ألفاظه على اختلاف النسخ بما يتفاوت به المعنى و كذلك بقية الأصول منها ما رواه الشيخ طاب ثراه في التهذيب في دم الحيض ففي بعض نسخ الحديث انه يخرج من الجانب الأيمن و في بعضها انه يخرج من الجانب الأيسر و لأجله عبر الفقهاء في الكتب الفقهية تارة بالجانب الأيمن و الأخرى بالجانب الأيسر و من هذا الباب كثير يظهر بالتتبع و كذلك اختلاف الاخبار في الأصول الأربعة فإنك ترى الحديث في التهذيب ناقصا من وسطه لكنه موجود في الكافي بما يظهر به اختلاف الحكم اختلافا بينا و كذلك بقية الأصول و هذا الاختلاف الواقع في ألفاظ الحديث قد جاء بعضه من الرواة لأن المعهود في الصدر السابق انهم كانوا يأخذون الاخبار من الامام (ع) أو الواسطة عنه و يرونها بالمعنى و بعضه وقت انتزاع المحمدين الثلاثة عطر اللّه مراقدهم لها من الأصول الأربعة و منه حصل الإضمار في طرق الاخبار و غيره من أنواع الاختلال كما حققه صاحب المنتقى و غيره و اما التصرف الواقع من الناسخين و من تصحيف جماعة من المحدثين كما وقع من الفاضل القزويني المعاصر و من المحقق الداماد فهو ظاهر لا ينكر فمع هذا الاختلاف الذي يختلف لأجل الأحكام كيف يمكن ادعاء التواتر فيها و ان أردت الكشف عن حقيقة الحال


[ 66 ]

فانظر إلى صحيفة مولينا زين العابدين (ع) و ما وقع فيها من الاختلاف في ترتيب الأدعية و في اختلاف ألفاظها الاختلاف الكثير الموجب لاختلاف المعنى فإنك لا ترى نسختين متوافقتين مع توفر الدواعي على نقلها في جميع الأعصار حتى لقبها علماء الإسلام بزبور أهل البيت و إنجيل ال محمد صلواة اللّه و سلامه عليهم و أعظم أسباب الاختلاف الواقع فيها ان النسخ التي وقعت إلى علمائنا (رضوان الله عليهم) منها كانت غير منقطة و لا معربة فكل واحد منهم أعرب نسخته و نقطها على ما أداه إليه فهمه و وصلت اليه قريحته و المطابقة لقوانين العربية و مسائل الاشتقاق و ربما كان الناس في العصور الماضية يروون ادعيتها و يقرؤونها من حفظ الصدور و ربما دونت في الصحائف من ذلل الحفظ فدخل عليه الاختلاف من هذه الجهة أيضا و ان شئت زيادة البيان فعليك باختلاف القراءات الواردة في القرآن و هي السبعة أو العشرة أو الأربعة عشر مع ان القرآن معجزة النبوة القائم على مر الدهور و كر العصور و مبني أساس الإسلام و حجتنا على جميع أهل الأديان مع توفر الدواعي على نقله و اما دعوى تواتر القراءات السبع كما ذهب اليه معظم علمائنا و جمهور الجمهور فلا يخفى ما يرد عليه و حيث ان هذا المطلب من المطالب الجليلة و قد بسطنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب و الاستبصار. و في كتاب شرح التوحيد للصدوق طاب ثراه أحببنا أن نوشح هذه الرسالة بجملة منه و هي انا نقول ان الاخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة و النقصان و التحريف في القرآن منها ما روى عن مولينا أمير المؤمنين (ع) لما سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ


[ 67 ]

لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فقال (ع) لقد سقط أكثر من ثلث القرآن و منها ما روى عن الصادق (ع) في قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ قال كيف يكون هذه الأمة و قد قتلوا ابن رسول اللّٰه (ص) ليس هكذا نزلت و انما نزلوها كنتم خير أئمة يعنى الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) و منها ما روي في الاخبار المستفيضة في ان آية الغدير هكذا نزلت يا ايها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي فان لم تفعل فما بلغت رسالاته الى غير ذلك مما لو جمع لصار كتابا كبير الحجم و اما الأزمان التي ورد على القرآن فيها التحريف و الزيادة و النقصان فهما عصران العصر الأول عصره (صلى اللّه عليه و آله) و أعصار الصحابة و ذلك من وجوه أحدها ان القرآن كان ينزل منجما على حسب المصالح و الوقائع و كتاب الوحي كانوا ما يقرب من أربعة عشر رجلا من الصحابة و كان رئيسهم أمير المؤمنين (ع) و قد كانوا في الأغلب ما يكتبون الا ما يتعلق بالأحكام و الا ما يوحى إليه في المحافل و المجامع و اما الذي كان يكتب ما ينزل في خلواته و منازله فليس هو إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه (ع) كان يدور معه كيف ما دار فكان مصحفه اجمع من غيره من المصحاف و لما مضى (ص) الى لقاء حبيبه و تفرقت الأهواء بعده جمع أمير المؤمنين القرآن كما انزل و شده بردائه و اتى به الى المسجد و فيه الأعرابيان و أعيان الصحابة فقال (ع) لهم هذا كتاب ربكم كما انزل فقال له الأعرابي الجلف ليس لنا فيه حاجة هذا عندنا مصحف عثمان فقال (عليه السلام) لن تروه و لن يراه أحد حتى يظهر ولدي صاحب الزمان فيحمل الناس على تلاوته و العمل بأحكامه و يرفع اللّٰه سبحانه هذا المصحف الى السماء و لما خلف ذلك الأعرابي احتال في استخراج ذلك المصحف ليحرقه كما


[ 68 ]

أحرق مصحف ابن مسعود فطلبه من أمير المؤمنين (ع) فأبى و هذا القرآن عند الأئمة (عليهم السلام) يتلونه في خلواتهم و ربما اطلعوا عليه بعض خواصهم كما رواه ثقة الإسلام الكليني عطر اللّٰه مرقده بإسناده إلى سالم ابن سلمة قال قرأ رجل على ابي عبد اللّٰه (ع) و انا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبو عبد اللّٰه (ع) مد كف عن هذه القراءة و اقرء كما يقرء الناس حتى يقوم القائم فإذا قام قرأ كتاب اللّٰه على حده و اخرج المصحف الذي كتبه علي (ع) و هذا الحديث و ما بمعناه قد أظهر العذر في تلاوتنا هذا المصحف و العمل بأحكامه و ثانيهما ان المصاحف لما كانت متعددة لتعدد كتاب الوحي عمد الأعرابيان الى انتخاب ما كتبه عثمان و جملة ما كتبه غيره و جمعوا الباقي في قدر فيه ماء حار فطبخوه و لو كانت تلك المصاحف كلها على نمط واحد لما صنعوا هذا الشنيع الذي صار عليها من أعظم المطاعن و ثالثها ان المصاحف كانت مشتملة على مدائح أهل البيت (عليهم السلام) صريحا و لعن المنافقين و بني أمية نصا و تلويحا فعمدوا أيضا الى هذا و رفعوه من المصاحف حذرا من الفضائح و حسدا لعترته (صلى اللّه عليه و آله) و رابعها ما ذكره الثقة الجليل علي ابن طاوس (رحمه اللّه) في كتاب سعد السعود عن محمد ابن بحر الرهني من أعاظم علماء العامة في بيان التفاوت في المصاحف التي بعث بها عثمان الى أهل الأمصار قال اتخذ عثمان سبع نسخ فحبس منها بالمدينة مصحفا و أرسل الى أهل مكة مصحفا و الى أهل الشام مصحفا و الى أهل الكوفة مصحفا و الى أهل البصرة مصحفا و الى أهل اليمن مصحفا و الى أهل البحرين مصحفا ثم عدد ما وقع فيها من الاختلاف بالكلمات و الحروف مع انها كلها بخط عثمان فاذا كان هذا حال


[ 69 ]

اختلاف مصاحفه التي هي بخطه فكيف حال غيرها من مصاحف كتباب الوحي و التابعين و اما العصر الثاني فهو زمان القراء و ذلك ان المصحف الذي وقع إليهم خال من الاعراب و النقط كما هو الان موجود في المصاحف التي هي بخط مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) و أولاده المعصومين صلواة اللّٰه عليهم و قد شاهدت عدة منها في خزانة الرضا (عليه السلام) نعم ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم بالمطالع السعيدة ان أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفا واحدا في خلافة معاوية و بالجملة لما وقعت إليهم المصاحف على ذلك الحال تصرفوا في إعرابها و نقصها و ادغامها و امالتها و نحو ذلك من القوانين المختلفة بينهم على ما يوافق مذاهبهم في اللغة و العربية كما تصرفوا في النحو و صاروا الى ما دونوه من القواعد المختلفة قال محمد بن بحر الرهني ان كل واحد من القراء قبل ان يتجدد القارئ الذي بعده كانوا لا يجيزون الا قراءته ثم لما جاء القارئ الثاني انتقلوا عن ذلك المنع الى جواز قراءة الثاني و كذلك في القراء السبعة فاشتمل كل واحد على إنكار قراءته ثم عادوا الى خلاف ما أنكروه ثم اقتصروا على هؤلاء السبعة مع انه قد حصل في علماء الإسلام و العالمين بالقرآن أرجح منهم و مع ان زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة و لا عددا معلوما من الصحابة للناس يأخذون القراءات عنهم ثم ذكر قول الصحابة لنبيهم (ص) على الحوض إذا سألهم كيف خلفتموني في الثقلين من بعدي. و من هذا التحقيق يظهر الكلام و القدح في تواتر القراءات السبع من وجوه أولها المنع من تواترها عن القراء لأنهم نصوا على انه كان لكل قارئ راويان يرويان قراءته نعم اتفق التواتر في الطبقات اللاحقة


[ 70 ]

و ثانيها سلمنا تواترها عن القراء لكن لا يقوم حجة شرعية لأنهم من آحاد المخالفين استبدوا بها بآرائهم كما تقدمو و لئن حكوا في بعض قراءتهم الاستناد إلى النبي (ص) لكن الاعتماد على رواياتهم غير جائز كرواية الحديث بل الأمر هنا أجل و أعلى و ثالثها ان كتب القراءة و التفسير مشحونة من قولهم قرأ حفص أو عاصم كذا و في قراءة علي بن ابي طالب (ع) أو أهل البيت (عليهم السلام) كذا بل ربما قالوا و في قراءة رسول اللّٰه (ص) كذا كما يظهر من الاختلاف المذكور في قراءة غير المغضوب عليهم و لا الضالين و الحاصل انهم يجعلون قراءة القراء قسيمة لقراءة المعصومين (عليه السلام) فكيف تكون القراءات السبع متواترة من الشارع تواترا يكون حجة على الناس و قد تلخص من تضاعيف هذا الكلام أمران (أحدهما) وقوع التحريف و الزيادة و النقصان في المصحف (و ثانيهما) عدم تواتر القراءات عمن يكون قوله حجة اما الأول فقد خالف فيه الصدوق و المرتضى و أمين الإسلام الطبرسي حيث ذهبوا الى ان القران الذي نزل به جبرئيل (ع) هو ما بين دفتي المصحف من غير زيادة و لا نقصان و اما السيد (رحمه اللّه) فلم يعتمد على اخبار الآحاد مع تعويلهم على ما روي عنه (ع) من قوله القرآن واحد نزل من عند واحد على نبي واحد و انما الاختلاف من جهة الرواة و عند التأمل يظهر ان هذا الخبر دليل لنا لا علينا و يدل على ما قلناه من الأمرين فإن قوله (ع) القرآن واحد ينفي تكثر القراءات و اما إثبات الاختلاف من جهة الرواة اي حفاظ القرآن و حامليه فيشمل الاختلاف في التحريف و في تكثر القراءات على انه يجوز ان يكون الوجه فيما صاروا اليه التحرز من طعن أهل الكتاب و جمهور الجمهور و عوام المذهب لأنه ربما يتوهم منه الكلام على اعجاز القرآن


[ 71 ]

و على استنباط الأحكام منه بسبب ما وقع فيه من الزيادة و النقصان و جوابه ان ما وقع فيه لم يخرج أسلوبه من الفصاحة و البلاغة و ان خزنة علمه صلواة اللّٰه عليهم بينوا ما فيه من التحريف على وجه لا يقدح في أخذ الأحكام منه إذ هم المخاطبون به على ما تقدم الكلام فيه و اما الثاني فقد خالف فيه الجمهور و معظم المجتهدين من أصحابنا فإنهم حكموا بتواتر القراءات السبع و بجواز القراءة بكل واحدة منها في الصلاة و قالوا ان الكل مما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (ص) و ربما استدلوا عليه بما روى من قوله (ص) نزل القرآن على سبعة أحرف فسروها بالقراءات مع انه ورد في الاخبار عن ابي الحسن الرضا (ع) رد هذا الخبر و ان القرآن نزل على حرف واحد على ان جماعة من العلماء فسروا السبعة أحرف باللغات السبع كلغة اليمن و هوازن و لغة أهل البصرة و نحوها لأن في ألفاظه ما يوافق ما اشتهر في هذه اللغات في اصطلاح أربابها و اما الاعتراض بان ما ذكرتم من وقوع التحريف فيه لو كان حقا لازاله عنه أمير المؤمنين (ع) زمن خلافته فهو اعتراض في غاية الركاكة لأنه (ع) ما تمكن من رفع بدعهم الحقيرة كصلاة الضحى و تحريم المتعتين و عزل شريح عن القضاء و معاوية عن امارة الشام فكيف هذا الأمر العظيم المستلزم لتغليط الأعرابيين بل لتكفيرهما لان حبهما قد اشرب في قلوب الناس حتى انهم رضوا ان يبايعوه على سنة الشيخين. فلم يرض (ع) فعدلوا عنه الى عثمان و اما الموافقون لنا على صحة هذين الدعوتين فعلى (الاولى) معظم الأخباريين خصوصا مشايخنا المعاصرين و اما (الثانية) فقد وافقنا عليها سيدنا الأجل علي بن طاوس طاب ثراه في مواضع من كتاب سعد السعود و غيره و صاحب الكشاف عند تفسير


[ 72 ]

قوله تعالى وَ كَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلٰادِهِمْ شُرَكٰاؤُهُمْ و نجم الأئمة الرضي في موضعين من شرح الرسالة أحدهما عند قول ابن حاجب و إذا عطف على الضمير المجرور أعيد الخافض و بسط الكلام في هذين المقامين محال على مثل ما تقدم و هذا هو الكلام في رد ما ادعوه من تواتر الأحاديث و اما قولهم بإفادتها القطع و اليقين فيرد عليه أمور منها ما روى بالأسانيد الكثيرة عن الرضا (ع) انه قال من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدى ثم قال (ع) ان في أخبارنا محكما كمحكم القرآن و متشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا و لا ريب ان القرآن كما قال علماء الإسلام قطعي المتن ظني الدلالة فأين حصول القطع مما اشتمل على الفردين المحكم و المتشابه و منها ما رواه الصدوق طاب ثراه في معاني الأخبار بإسناده الى داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء و لا يكذب (أقول) من مارس الأحاديث يعرف هذا المعنى منها فاذا كانت الكلمة تصرف على وجوه فكيف يقطع على المعنى المراد منها نعم يتفاوت الحال في الظهور و الخفاء و مدار الاستدلال على ظواهر النصوص كما نص عليه علماء الإسلام و منها انا نرى الأخباريين (قدس اللّه أرواحهم) يذكرون للحديث معاني متعددة و احتمالات كثيرة فمتى حصل لهم القطع بتعين المعنى المقصود من لفظ الحديث و منها اختلاف الأخباريين في معاني الاخبار و في تعيين المعنى المراد منها فكيف يدعون القطع مع ما فهموه من الاختلاف و منها انهم ذكروا لبعض الأخبار المتعارضة معاني بعيدة و احتمالات غير سديدة و كل


[ 73 ]

عارف بالأخبار يقطع بعدم ارادتها من لفظ الحديث و يجزم بأنها ليست من الاحتمالات الممكنة كما يظهر لمن تتبع الفوائد المدنية و حواشي صاحبها على هوامش الأصول الأربعة و منها ان الاخبار الواردة في أصول الدين و ان كانت متفرقة في الكتب الا ان معظمها موجود في أصول الكافي و كتاب التوحيد و الخطب المروية عن مولينا أمير المؤمنين (ع) في كتاب نهج البلاغة و غيره من الكتب و من تتبع شروح أصول الكافي و نهج البلاغة لمحققي علمائنا و غيرهم يجدهم في شرح الفقرة الواحدة متفرقى الأهواء مختلفي السبل حتى من الواحد منهم في شرح الحديث الواحد و الكلمة الواحدة و ما ذلك الا لما فيه من الإجمال و الغموض و احتماله المعاني المتعددة لأنهم (عليهم السلام) أوتوا جوامع الكلم و هم وجازة اللفظ و تكثر المعاني و منها ان ذهاب الأخباريين إلى مثل هذا المعنى انما اضطرهم اليه كما قالوه الآيات و الاخبار الناعية عن اتباع الظنون و الأوهام و هي منزلة اما على الأصول كما قاله معظم المحققين أو على ان المقصود منها الرد على أهل الاجتهاد بالرأي و القياس و نحوهما من علماء العامة و مجتهديهم و اما الفروع فأعظمها الصلاة حتى انها عدت في أصول الدين و قد اعتبر الشارع فيها الظن كما يظهر من الاخبار الواردة في الشكوك كقوله (ع) فان ذهب وهمك الى الثلاث فاجعلها ثلاثا و ان ذهب و همك إلى الأربعة فاجعلها أربعا الى غير ذلك و المراد من الوهم هنا الظن إجماعا فإن قلت اشتمال القرآن على المتشابه الذي لا يفهم معناه الوجه فيه ظاهر لان المخاطب به هو النبي و أهل بيته صلواة اللّٰه عليهم فهو محكم بالنسبة إليهم و متشابه بالنظر إلينا أما وقوع المتشابه في كلامهم (عليهم السلام) الوجه فيه مع ان الغرض من الاخبار تفهيم الناس الأحكام و نحوها


[ 74 ]

قلت يمكن التغضي عنه بوجود (الأول) انه ليس الغرض من خطاب الشرع مجرد أحكام التكليف للعمل بل كما يكون الغرض هذا يكون الغرض الإذعان و الانقياد و التسليم لهم و إرجاع علم ذلك المتشابه إليهم و لعل الثواب على هذا أزيد من غيره لان كل ما لا يدركه العقل يكون الحكم فيه محض التعبد و من ثم قال جماعة من المحققين ان الثواب المترتب على أكثر مناسك الحج أجزل من الثواب الحاصل من فعل الطاعات المدركة بالعقل (الثاني) ان أغلب الاخبار المتشابهة بالنسبة إلينا ما كانت متشابهة بالنظر الى الرواة الأولين الذين شافهوا الأئمة (عليهم السلام) و نقلوها عنهم و ذلك ان قرائن الحال و المقال معاونة على فهم المعنى فلعلهم فهموا بسببها معاني تلك الاخبار (الثالث) ما قيل من انه يجوز ان يكون الغرض منها تكليف المجتهدين باستنباط الأحكام منها ليفوز بثواب الاجتهاد و جعل بعضهم هذه الاخبار المتشابهة عبارة عن الأصول الواقعة في قوله (ع) علينا ان نلقى إليكم الأصول و عليكم أن تتفرعوا عليها اي تستنبطوا الأحكام منها و هذا هو الذي اعتمد عليه الشيخ طاب ثراه في التبيان في الجواب عن متشابه القرآن حيث قال فان قيل هلّا كان القرآن كله محكما يستغنى بظاهره عن تكليف ما يدل على المراد منه حتى دخل على كثير من المخالفين للحق شبهة فيه و تمسكوا بظاهره على ما يعتقدونه من الباطل (قيل الجواب) عن ذلك من وجهين أحدهما ان خطاب اللّه تعالى مع ما فيه من الفوائد لمصلحة معتبرة في ألفاظ لا يمتنع ان تكون المصلحة الدينية تعلقت بان يستعمل له ألفاظا محتملة و يجعل الطريق إلى معرفة المراد به ضربا من الاستدلال و لهذه العلة أطال في موضوع و اختصر في آخر و ذكر قصة في موضع و أعادها في


[ 75 ]

موضع آخر و اختلفت أيضا مقادير الفصاحة فيه (و الجواب الثاني) ان اللّه تعالى انما خلق عباده تعريضا لثوابه و كلفهم لينالوا أعلى المراتب و أشرفها و لو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويل و لا يمكن فيه الاختلاف لسقطت المحنة و بطل التفاضل و تساوت المنازل و لم يتبين منزلة العلماء من غيرهم و انزل اللّه القرآن بعضه متشابها ليعمل أهل العقل افكارهم و يتوصلوا بتكليف المشاق و بالنظر و الاستدلال الى فهم المراد فيستحق به عظيم المنزلة و عالي الرتبة (انتهى). و الاولى في الجواب عن متشابه القرآن ما قدمناه [المسألة العاشرة في الاحتياط و العمل به] (المسألة العاشرة) في الاحتياط و العمل به اما الاحتياط فقد ورد الأمر به في كثير من موارد الاخبار كما يظهر من التتبع و اما العمل به فقد اجتهد المجتهدون و الأخباريون (رضوان الله عليهم) في كيفية العمل به قال المحقق طاب ثراه في كتابه الذي صنفه في أصول الفقه العمل بالاحتياط غير لازم و صار آخرون الى وجوبه و قال آخرون مع اشتغال الذمة يكون العمل بالاحتياط واجبا و مع عدمه لا يجب مثال ذلك إذا ولغ الكلب في الإناء فقد نجس و اختلفوا هل يطهر بغسلة واحدة أم لا بد من سبع و فيما عدا الولوغ هل يطهر بغسلة أم لا بد من ثلاث احتج القائلون بالاحتياط بقوله (ع) دع ما يريبك الى ما لا يريبك و بان الثابت اشتغال الذمة يقينا فيجب ان لا يحكم ببراءتها الا بيقين و لا يكون هذا الا مع الاحتياط (و الجواب) عن الحديث ان نقول هو خبر واحد لا يعمل بمثله في مسائل الأصول سلمناه لكن إلزام المكلف بأثقل الأمرين مظنة الريب لأنه إلزام مشقة لم يدل الشرع عليها فيجب اطراحها بموجب الخبر. (و الجواب) عن الثاني ان نقول البراءة الأصلية مع عدم الدلالة


[ 76 ]

الناقلة حجة و ان كان التقدير تقدير عدم الدلالة الشرعية على الزيادة كان العمل بالأصل أولى و حينئذ فلا نسلم اشتغال الذمة مطلقا بل لا نسلم اشتغالها الا بما حصل الاتفاق عليه و اشتغالها بأحد الأمرين و يمكن ان يقال قد أجمعنا على الحكم بنجاسة الإناء و اختلفتا فيما به يطهر فيجب أن نأخذ بما حصل الإجماع عليه في الطهارة ليزول ما أجمعنا عليه من النجاسة بما أجمعنا عليه من الحكم بالطهارة (انتهى). أقول الأرجح من الأقوال الثلاثة هو القول الأول و هو ان العمل بالاحتياط غير واجب لكنه راجح و مستحب استحبابا مؤكدا لورود الأمر به في الاخبار و ما انه غير لازم فلان الأخبار الواردة بالأمر به دالة أيضا على جواز العمل بخلافه و هو ما ساق اليه الدليل الشرعي منهما ما رواه الصدوق و الشيخ (قدس اللّه روحيهما) بإسناديهما إلى الصادق (ع) انه سئل عن دخول وقت المغرب فقال (ع) يدخل بذهاب القرص و لكن آخر الصلاة إلى ذهاب الحمرة و خذ بالحائطة لدينك و من اخبار الاحتياط ما روى في باب النكاح عن شعيب الحذاء عن ابي عبد اللّه (ع) الى ان قال هو الفرج و أمر الفرج شديد و منه يكون الولد و يحتاط فلا يتزوجها و منها ما رواه الشيخ في الأمالي مسند الى الرضا (ع) ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت و منها ما رواه الشهيد طاب ثراه بإسناده إلى الصادق (ع) في حديث طويل قال فيه و خذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد اليه سبيلا و في حديث آخر عنه (ع) انه قال ارى لك ان تنظر الحرام و تأخذ بالحائطة لدينك و الاخبار الواردة بهذا المعنى متكثرة جدا و مفادها ما ذكرناه و اما الاستدلال على لزوم الاحتياط


[ 77 ]

بحديث دع ما يريبك فيرد عليه أولا ان الشهيد (قدس اللّه روحه) رواه في الذكرى مسندا عن النبي (ص) و الظاهر كما قاله طائفة من الأصحاب ان المراد منه الاحتياط في الشبهات التي هي برزخ بين الحلال البين و الحرام البين مع ان الجزم بالوجوب هناك أيضا مشكل اما بعد وضوح الطريق كما ذكره في حكاية الولوغ فليس هو من حكاية الريب في شيء فإنه إذا صح عن الشارع الاكتفاء بغسلة واحدة تحققت به براءة الذمة شرعا و حمل ما زاد على الاستحباب الذي سميناه احتياطا و اما قوله ان الثابت اشتغال الذمة يقينا فيجب ان لا يحكم ببراءتها الا بيقين فالجواب نه بعد الغسلة الواحدة لم يبق اشتغال الذمة يقينا و اما انه لا يجب ان يحكم ببراءتها الا بيقين فإن أراد من اليقين ما يشمل اليقين الشرعي أعني ما يتناول الظن الحاصل من النصوص الواضحة فلا كلام و هو حاصل كما قلناه و ان كان المراد من هذه العبارة أينما أوردوها اليقين القطعي فهو غير مسلم الوجوب و الا لما صح الحكم ببراءة ذمة مكلف من المكلفين لان اشتغال الذمة يقيني في أغلب الأحكام و الخروج عن عهدة التكليف ظني شرعي و اما قوله ليزول ما أجمعنا عليه من النجاسة إلى آخره فالجواب عنه انه بعد الغسلة الواحدة لم يبق إجماع على نجاسة الإناء على انه لا يلزم زوال النجاسة بالإجماع بل الواجب هو زوالها باعتقاد المجتهد كما في سائر الأحكام هذا ما يتعلق بكلام المحقق طاب ثراه و قد بقي ههنا أبحاث الأول ذهب بعض المجتهدين من المعاصرين الى ان الاحتياط ليس بحكم شرعي فلا يجوز ان يعمل بمقتضاه بل الواجب به هو ما ساق الدليل اليه و رجحه المجتهد و كلما ترجح عنده تغير عليه و على مقلده العمل به و العمل بالاحتياط عمل بما لم يؤد الدليل اليه


[ 78 ]

و الجواب ان الدليل كما ساق الى العمل بما ترجح عنده دل أيضا على ان الاولى له ان يحتاط لدينه للأوامر الواردة به نعم يظهر من بعض الاخبار ان الاحتياط على ما قدره الشارع بدعة في الدين و يكون حراما كما ورد عنه (ص) ان الغسل يستحب ان يكون بصاع ثم قال يأتي جماعة يستقلون هذا فأولئك على غير سنتي و الثابت على سنتي معي في حظيرة القدس و بالجملة فاغلب موارد الاحتياط يكون اما في ما تعارضت فيه الأدلة أو بما لم يتضح الدليل فيه أو فيما لم يرد فيه نص بناء على ما حكيناه عن الأخباريين من العمل بالاحتياط هنا الا انه ليس على طريق الوجوب كما قالوه بل هو على الاولى الثاني ان أكثر المجتهدين ذهب الى ما قلناه في الاحتياط من ان العمل به راجح لا واجب لكنهم إذا تعارضت عندهم الأدلة ربما قالوا و الوجوب أحوط أو التحريم أحوط أو يعبرون بقولهم و الاحتياط يقتضي الوجوب أو يقتضي التحريم أو نحوهما من الأحكام و معنى هذه العبارات غير واضح مع قولهم ان العمل به راجح لا واجب (الثالث) ذهب جماعة من علماء العراق الى ان الصلوات التي لا يعلم صاحبها فواتها و لا يظنه و لا يظن فوات شيء من أفعالها يستحب قضائها تبعا لما نقله الشهيد طاب ثراه في الذكرى عن جماعة من الأصحاب و استدلوا عليه تارة بقوله (ع) الصلاة خير موضوع فمن شاء فليقل و من شاء فليستكثر و اخرى بما تقدم من قوله (ص) دع ما يريبك و بقوله تعالى اتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ و بأنه احتياط في العبادة لجواز وقوع خلل في نفس الأمة لا نعلمه و نحو ذلك من الدلائل القاصرة عن افادة المطلوب و لا يخفى أن لمبالغة في الاحتياط ربما ادى الى التشريع في الدين و العبادة و ذلك ان الطاعات و العبادات وظائف شرعية يجب أخذها من الشارع و الزيادة


[ 79 ]

عليها حرام و ابتداع في العبادة الا ترى ان صلواة الضحى و أكثر عبادات الصوفية إنما حكم الأصحاب (رضوان الله عليهم) بتحريمها من جهة عدم ورد الأمر بها و الا فهي داخلة تحت صورة العبادة و هيئتها و لا ريب ان المكلف إذا أوقع العبادة صحيحة بظنه اما من الاجتهاد أو التقليد أو على ما حكيناه عن الأخباريين من أخذ أحكامها من الاخبار برئت ذمته شرعا فمشروعية قضائها تحتاج الى الدليل و الاحتياط هنا لا معنى له بعد وضوح الدليل و انعقاد الإجماع على براءة الذمة لان من أوقع الغسل صحيحا ثم أراد إعادته احتياطا كان ذلك الاحتياط لغوا بل حراما لأنه تشريع في العبادة إذ الاحتياط حكم شرعي فمتى لم يقع موقعه يكون حراما و اما حديث الصلاة خير موضوع فالظاهر ان معناه هو ان الصلوات التي وضعها الشارع و أمر بها من الفرائض و السنن خير ما وضعه من العبادات و الطاعات و هي كثيرة فمن أراد الاستكثار استكثر منها و اما حديث دع ما يريبك فغير وارد مورده إذ لا ريب بعد النص و الإجماع على صحة العبادة و اما الأمور الموهومة في نفس الأمر فلا حكم لها في نظر الشارع حتى يطلب الاحتياط بها و اما التقوى فقد فسرها الصادق (ع) بقوله ان لا يراك اللّه حيث نهاك و لا يفقدك حيث أمرك و ما هنا غير داخل في الأمرين كما عرفت و بالجملة فالاحتياط في قضاء مثل هذه الصلوات مما لا وجه له (الرابع) ان طائفة من العلماء المعاصرين من سكان المشهدين مشهد مولانا أمير المؤمنين و ابي عبد اللّه الحسين (صلوات اللّه عليهما) ذهبوا الى الاحتياط في عزل السؤر و انه لا ينبغي مباشرة المسلمين بالرطوبة و من هنا ضيقوا على أنفسهم و على مقلديهم و استدلوا بالاحتياط و الاخبار السابقة و أقوى ما اعتمدوا عليه في الاستدلال هو قولهم انا نقطع بان في العالم بل في


[ 80 ]

البلد من لا يجتنب النجاسات و نقطع أيضا بان في الناس من لا يجتنب مباشرتهم و الناس يباشرون هؤلاء أيضا بالرطوبة فلو باشرنا أحدا برطوبة كنا قد باشرنا من ظن بنجاسة أو قطع بها و الجواب عن هذا و أمثاله ان المستفاد من الاخبار و كلام الأصحاب (قدس اللّه أرواحهم) هو ان الطهارة و النجاسة و الطاهر و النجس لا حكم لها في الواقع بل الطاهر هو ما حكم الشارع بطهارته و ان كان نجسا في نفس الأمر و النجس ما نص الشارع على نجاسته و ان كان طاهرا في نفس الأمر و لا ريب ان الشارع قد نص على طهارة المسلم و كونه في الواقع نجسا لا حكم له و لا يسمى نجس فاذا باشرناه برطوبة كنا قد باشرنا الطاهر لا النجس على انا لو تحققنا نجاسة المسلم أمس بمباشرة النجاسة لا نقطع عليه اليوم بتلك النجاسة و لا يجوز لنا الحكم باستصحابها و الا لزم القطع بنجاسة كل المسلمين لأنا نقطع بأن كل مسلم تعرض له النجاسة في اليوم و الليلة و لو بسبب البول و لا نقطع عليه بالإزالة إذ لعله ممن لا يجتنب النجاسة مع حكم الشارع له بالطهارة و ما رواه الصدوق يرشد اليه حيث سئل (ع) عن الوضوء من كوز مخمر الرأس أحب إليك أم من فضل وضوء جماعة من المسلمين فقال (ع) بل من فضل وضوء المسلمين أحب إلى لورود الشريعة السمحة السهلة و اما الاحتياط هنا فلا يقع موقعه لأنه مظنة التشريع بل هو عينه و حديث دع ما يريبك لا يدل عليه أيضا إذ ليس المراد من الريب ما يحصل للنفس و من الوساوس الشيطانية و الخيالات الإنسانية فان الموسوسين انما يستندون في وساوسهم الى هذا الحديث لحصول الريب لهم في خلاف ما يصنعون و انما المراد من الريب المأمور بتركه هو الشبهات و نحوها كما سبق تحقيقه (الخامس) ان بعض العلماء


[ 81 ]

من أهل خراسان من سكان مشهد مولانا علي بن موسى الرضا عليه و على آله و أبنائه أفضل الصلاة و السلام ذهبوا الى ان الثوب إذا كان نجسا لا يجوز دفعه الى القصار و غيره ليطهره و يزيل منه النجاسة و ذلك ان النجاسة في الثوب مقطوع بها فيجب إزالتها قطعا و لا قطع هنا لاحتمال ان لا يزيلها و يخبر بالإزالة و من أجل هذا توصلوا الى حكم الإزالة بحيلة بيع الثوب اوهبته للقصار حتى يدخل تحت ملكه فاذا اتى به اشتراه أو اتهبه صاحبه الأول و يستدلون أيضا عليه بطريق الاحتياط و الجواب أما أولا فبان ازالة النجاسات من الأمور المتدرجة تحت قبول الوكالة لأن غرض الشارع لم يتعلق به على الأعيان بل و لا على الوجه الجائز شرعا و من ثم لو غسل الثوب النجس بماء مغصوب أو غسله المجبور على غسله طهر إجماعا و اما (ثانيا) فبأن لاحتياط لا يلحقه بالوجوب و عدم الجواز و ذلك لان المسلم مصدق على الاخبار بما تحت يده و اما (ثالثا) فبان وجوب ازالة النجاسات ليس واجبا بالذات و انما هو واجب للغير اعني العبادات فاذا كانت العبادات الواجبة بالذات مما يقبل النيابة كيف لا يكون مقدماتها قابلة لها و هذا الاستدلال يجري على طريقة المجتهدين من باب الأولية و على قواعد الأخباريين من حيث إطلاق الاخبار و اما (رابعا) فلان الحديث الذي رواه الشيخ طاب ثراه في التهذيب عن الصادق (ع) في ان رجلا سأله انه دفع ثوبه النجس بالمني الى جاريته فغسلته فلما صلى فيه رأى النجاسة لم تزل فأمره (ع) بإعادة الصلاة و قال لو كنت أنت غسلته لما كان عليك شيء حجة لنا لا علينا كما توهم أهل هذا القول و ذلك لان ظاهرة ان اعادة الصلاة انما هي لوجود عين النجاسة لا لكون الجارية أزالها عن الثوب حتى لو فرض أنها إزالته


[ 82 ]

عن الثوب كان يجب عليه غسل الثوب و اعادة الصلاة و بالجملة الدلائل على هذا كثيرة حررناها في شرحنا على تهذيب الحديث. [المسألة الحادية عشر المناقشة في الحديث الصحيح الذي وقع فيه التشاجر بين المجتهدين و الأخباريين] (المسألة الحادية عشر) في الحديث الصحيح الذي وقع فيه التشاجر بين المجتهدين و الأخباريين و هو ما رواه الفاضل محمد ابن إدريس الحلي في أخر السرائر بسند صحيح عن الصادق «ع» انه قال علينا ان نلقي إليكم الأصول و عليكم ان تتفرعوا و في سند أخر من واضح الصحيح عن ابي الحسن الرضا «ع» قال علينا إلقاء الأصول إليكم و عليكم التفريع و قد نقل الحديث الأول من كتاب هشام و نقل الثاني من كتاب أحمد ابن محمد ابن ابي نصر البزنطي «قال الأخباريون» (قدس اللّه أرواحهم) المراد منهما جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم (ع) و القواعد الكلية المأخوذة عنهم لا على غيرها و تحريره ان الأئمة (عليهم السلام) لما علموا أن شيعتهم أن لا يتمكنون من الوصول إليهم في استعلام جميع أموره إما لبعد الدار أو حذرا من التقية أو لاستتار الامام «ع» ألقوا إليهم قواعد كلية ليأخذوا منها الجزئيات التي يحتاجون إليها و ذلك مثل قولهم صلواة اللّه عليهم كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال بين حتى تعرف الحرام لعينه فتدعه و هو موافق للإصلاح الذي وضعه المنطقيون للتفريع و هو ان يركب قياس صغراه الفرع و كبراه الأصل هكذا نقول مثلا هذا ماء مطلق و كل ماء مطلق لم يعلم مباشرة بالنجاسة فهو طاهر ينتج ان هذا طاهر و هكذا التفريع على الأصول الشرعية و قال المجتهدون (قدس اللّه أرواحهم) المراد من التفريع ما يشمل الاستنباط أقول ان كان المراد الاستنباط من الكتاب و السنة من الدلالات الثلث و نحوها فما قاله المجتهدون قوى و ان كان المراد


[ 83 ]

الاستنباط من الأدلة العقلية و الاستحسانات و نحوها فالحق مع الأخباريين و بالجملة من تتبع أقوال الأخباريين و المجتهدين تظهر له ان فيها افراطا و تفريطا و قد أطال الأخباريون لسان التشنيع على المجتهدين و نسبوهم الى الضلال و الإضلال و هو تشنيع ليس في محله لان المجتهدين (قدس اللّه أرواحهم) لم يألوا جهدا في تحصيل الأحكام و تقريب ما بعد منها إلى الأفهام لكن الحق ان ههنا واسطة بين الأمرين و طريق بين الطريقين كما مر بيانه في تضاعيف هذه الرسالة و هي الطريقة الوسطى قد سلكها جماعة من اساتيذنا المعاصرين و هي طريقة الاحتياط التي لا يضل سالكها و لا تظلم مسالكها. و من مذهبي حب الديار و أهلها * * * و للناس فيما يعشقون مذاهب و هذا ما أردنا تحريره من هذه الرسالة و المرجو من إخواننا في الدين و أصحابنا في طلب اليقين ان يرسلوا نبل العفو على هذا الهفو فقد اتفق تأليفها في زمن غريب و دهر عجيب ترى كلا يبكي على حاله كأنما اوتي كتابه بشماله خصوصا طلاب العلوم على العموم و المسؤول من اللّه عز شأنه أن يتفضل علينا بتعجيل ظهور صاحب الدار عليه و على آبائه صلوات الملك الجبار ليرفع هذا النزاع من البين و يوقع الصلح بين الفريقين قال هذه الأحرف بلسانه و مررها ببنانه مؤلفها المذنب الجانب قليلة البضاعة و كثير الإضاعة نعمة اللّه الحسيني الموسوي الجزائري وفقه اللّه تعالى لمراضيه و جعل مستقبل أحواله خيرا من ماضيه و كان الفراغ منها يوم الاثنين سادس جمادى الثاني سنة المائة بعد الألف في دار المؤمنين شوشتر في مدرستنا الواقعة بجوار مسجدها الجامع جامدا للّه


[ 84 ]

مصليا على رسوله و أهل بيته الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين). تمت كتابتها على يد أقل الطلبة أحمد بن نجد يوم الثلاثاء السادس و العشرين من شعبان سنة الألف و الثلاثمائة و الخمسة و الأربعين في النجف الأشرف


[ 85 ]

الفهرست – [المقدمة] 5 [أدلة النافين لحجية قول المجتهد من الأموات] 6 [الدليل الأول إن أكثر الفروع و النقول غير المسند الى أحد من المجتهدين غير مسموعة و غير سائغة] 6 [الدليل الثاني إن أكثر هذه النقول مما لا يقل بها أحد من علماؤنا و إن وافق بعضها لأقوال المجتهدين] 7 [الدليل الثالث إن التعويل عليها لا يتم عن طريق المشافهة أو الواسطة أو الوسائط مع عدالة الجميع] 8 [الدليل الرابع لا يكفي انحصار النقل في أقوال الفقهاء في جواز التعويل عليه دون البحث عن تعديل هذه الوسائط] 9 [الدليل الخامس كيف يتصور ان مجتهدا ينقل لأحد فتوى مجتهد آخر، و يعمل هو لنفسه بتلك الفتوى؟ على ان المجتهد لا يسوغ له العمل بفتوى غيره] 10 [الدليل السادس على تقدير الوسائط و تحققها في زمان من الأزمنة يشترط في كل فرد منها العدالة و هي لا تحصل الا بالقيام بالواجبات] 11 [الدليل السابع لو أمكن التوصل فلا يصح نقل فتواهم جميعا بحيث يتخير الناقل في أخذ شيء منها و طرح ما شاء] 15 [الدليل الثامن إن كان اللازم تقليد منذكر و لم يتعين كان بمنزلة الجهل بالمفتي الموجب للتوقف في العمل بالفتوى] 15 [الدليل التاسع إذا قلنا بجواز تساوي الميت و الحي في جواز الفتوى يلزم منه إلزام شنيع و هو تعين الرجوع إلى الأحياء و الأموات] 18 [الدليل العاشر ان تقليد الميت على تقدير جوازه انما يكون في آحاد المسائل الجزئية لا في كل شيء] 19 [الدليل الحادي عشر ان مستند الأحكام و دلائل الفقه ظنية لا تدل بذاتها على تلك الأحكام و موجبة للعمل بها] 21 [الدليل الثالث عشر العلوم بعد الموت تتبدل و تصير قطعية بعد ان كانت مظنونة و هذا يوجب تغير الظنون و تبدل الاجتهادات] 26 [الدليل الرابع عشر قول الميت لا يعتد به في الإجماع فلا يعتد به في التقليد] 27 [أدلة المثبتين لحجية قول المجتهد من الأموات] 28 [الدليل الأول أصول الحديث التي دونها أصحاب الأئمة (ع) عددها أربعمائة أما الكتب فهي أكثر منها] 28 [الدليل الثاني كتب الرجال قد تضمنت الجرح و التعديل للرواة و اعتمد المتأخرون عليها] 29 [الدليل الثالث العلماء أتعبوا أنفسهم و بذلوا جهدهم في تصانيف الكتب و قراءتها] 29 [الدليل الرابع الإطلاق في آية الانذار] 30 [الدليل الخامس لو أخذ المقلد مسألة من الفقيه الحي مستندها النص و الإجماع فمات بين صلاتي المغرب و العشاء يلزم على ما قلتم صلو المغرب صحيحة و صلو العشاء باطلة] 30 [الدليل السادس الكتب الفقهية شرح لكتب الحديث و من فوائدها تقريب معاني الاخبار الى أفهام الناس] 31 [الدليل السابع قاضي الامام و نائبه لا ينتفع منها الا بان يكونا مجتهدين] 31 [الدليل الثامن التفريع على ما عقله المجتهدون حكم شرعي كالأصول] 32 [الدليل التاسع التقليد سابق على الاجتهاد] 32 [الدليل العاشر مناقشة الأصل الثاني القائل بأن الرعية صنفان و من أخطأ الطريقين بطلت عبادته و ان كانت على جادة الصواب] 33 [في تقليد الجاهل للمجتهد الميت و أنه معذور في الأحكام أم لا] 33 [الوجه الأول أن ظاهر الأخبار هو أن الجاهل معذور إلا ما أخرجه الدليل] 34 [الوجه الثاني بعض الأحكام مما ثبتت بالضرورة من دين الإسلام] 34 [الوجه الثالث ان اللّه سبحانه لم يوجب على الجهال التعلم حتى أوجب على العلماء ان يعلموهم] 34 [الوجه الرابع كثير من جهال الناس و عوامهم تعلموا شيئا من الطاعات و العبادات من آبائهم] 35 [الوجه الخامس لا فرق بين تارك الصلاة و بين من صلى صلاة غير مستجمعة للشرائط الشرعية] 35 [الوجه السادس أحوال الناس متوافقة في شأن العوام و العلماء في المعرفة و الجهل و العذر] 36 [الوجه السابع الأخبار الصحيحة بأن الايمان درجات و ان الناس يتفاضلون فيه على قدر أعمالهم] 37 [الوجه الثامن قصد القربة كاف في صحة العبادات من غير حاجة الى التعرض للوجه من الوجوب و الندب] 38 [الوجه التاسع المناقشة في القول بأن صلاة الجاهل التي لا يعرف أحكامها قد ورد النهي عنها] 38 [الوجه العاشر حديث حجب العلم عن العباد يعم ما لم يخرج عن الحجة (ع) الى الخلف و لما خرج منه لكنه لم يصل بعد الى المكلف] 39 [الوجه الحادي عشر لو كلف جماعة من الشيوخ و النساء كما تقولون بأخذ الأحكام من المجتهد الحي لزم منه التكليف بما لا يطاق] 39 [الوجه الثاني عشر في بيان اصطلاحات المجتهدين و الأخباريين و مواضع التشاجر بينهم و ترجيح الراجح من قوليهما] 40

اترك تعليقاً