الكليني والكافي

الشيخ عبد الرسول الغفاري


[1]

الكليني والكافي تأليف الدكتو الشيخ عبد الله الرسول عبد الحسين الغفار مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[2]

الكليني والكافي تأليف: الدكتور الشيخ عبد الرسول عبد الحسن الغفار الموضوع: تاريخ وسيرة طبع ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي عدد الاجزاء: جزء واحد الطبعة: الاولى المطبوع: 1000 نسخة التاريخ: 1416 ه‍. ق مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[3]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى وأهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم إلى قيام يوم الدين. وبعد، فإن من أهم مصادر التشريع في نظر المظهر الامامي بعد القرآن الكريم السنة الشريفة، وهي قول المعصوم وفعله وتقريره ولا طريق لنا إلى الوصول إليها إلا ما نقله الرواة والمحدثون وأصحاب السير والمؤرخون ولما كان الراوي والناقل للخبر غير معصوم من الخطأ، بل معرض للاشتباه والنسيان، وغير مأمون من الزيادة والنقصان، مضافا إلى تخلل الكذبة والوضاعين من أصحاب المطامع والاهواء الذين باعوا دينهم بأبخس الاثمان، تضاعفت مسؤولية العلماء الامناء على الدين والدنيا في تدقيق الاخبار والاحاديث، والتأكد من صحة صدورها من مصدر التشريع، فبذلوا كل ما في وسعهم في إنتقاء الاخبار الصحيحة وطرح الاخبار المشكوك في صحتها، أو المقطوع في كذبها، وتخليص كتب الشيعة منها. ويعد المحدث الكبير والماهر الخبير، ثقة الاسلام الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني قدس سره من السابقين في هذا المضمار، ومن له القدح المعلى من بين المحدثين ونقلة الاخبار، فقد حاول رضوان الله تعالى عليه جمع كل ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام بعد أن كان متناثرا في كتب متفرقة، ورسائل متناثرة، خصوصا الاصول الاربعمائة التي تعد من أوثق المصادر لدى الشيعة باعتبار تصحيحها من


[4]

قبل نفس الائمة عليهم السلام ووضعها في كتاب مستقل سماه ” الكافي ” وبذلك حفظ تراثا عزيزا أوشك – لولا جهوده – على الاندراس والضياع، ودخول ما هو غريب عنه فيه. ولعظمة هذه الشخصية ودورها في صيانة المذهب الامامي، وتشييد أركانه، لم تسلم من الغمز فيها، وإثارة الغبار حولها من قبل الاعداء والخصوم لغرض النيل منها، وبالتالي تضعيف المذهب والطعن فيه. والكتاب الماثل بين يديك – عزيزنا القارئ – عبارة عن دراسة علمية موضوعية حاول فيها صاحبها الفاضل سماحة الشيخ عبد الرسول عبد الحسن الغفار أيده الله وسدد خطاه نصرة هذه الشخصية الكريمة، والذب عنها، وعن موسوعتها الحديثية الفذة ورد كيد الاعداء الى نحورهم، وذلك باسلوب فني دقيق، وبحث موضوعي حري بالمطالعة والتحقيق. وقد تصدت مؤسستنا – بعد تلقي عمله بالرضا والقبول – لطبع هذا الكتاب ونشره شاكرين له وللاخوة العاملين عليه وعلى إخراجه بهذه الصورة جهودهم ومساعيهم، داعين المولى عز شأنه أن يجعله ذخرا لهم، ويرزقهم وإيانا المزيد من التوفيق في خدمة علوم أهل البيت عليهم السلام ورجالاتها، إنه خير موفق ومعين. مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة


[5]

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الاحد، الفرد الصمد، بارئ الخلائق بقدرته، وباعث الانبياء برحمته، بعثهم يهدون عباده بهديه، حتى ختم الرسالة بسيد الكائنات، المنعوت بأجلى الايات والصفات، نبي الرحمة، الرسول المؤيد، والنبي المسدد، أبي القاسم محمد، عليه وعلى آله أفضل الصلاة، وأجمل التحيات. لقد جعل سبحانه وتعالى للناس من الدين شرعة ومنهاجا، وأوكل لنبيه صلى الله عليه وآله أن يسن للخلق ما يصلح شأنهم، وقد امتثل أمر ربه، حتى أقام لهم الدليل، وهداهم إلى سواء السبيل، ثم خلف فيهم تراثا، كالنبع لا ينضب ماؤه، ولا يكدر صفاؤه، إنه ماء رائق فيه لذة للشاربين، فكانت أقواله وأفعاله وتقريراته، المعين الثاني بعد القرآن، فلا يظمأ من نهل منه، ولا يندم من تبع أثره وأثر أهل بيته الطاهرين. وبعد، لما اخترت موضوع البحث: ” الكليني والكافي ” حاولت أن أدرس شخصية الكليني بعيدا عن الاهواء والميول والعواطف، بل شأني أن اقدم للقارئ


[6]

صورة حية واقعية، تنأى عنها الكلمات الخيالية، وينعدم فيها الاسلوب القصصي الذي درج عليه كتاب الادب والفن. لقد تحسست أهمية الموضوع وبعد خطره لما قرأت نتاج بعض الكتاب، فوجدته يتقمص شخصية العالم المصلح، والمعلم المرشد، والنيقد الفاهم،…،…، كل ذلك للنفوذ إلى التراث الشيعي الامامي، وهدمه من الداخل، على أن هناك محاولات مقصودة تقف من ورائها الوهابية والاستعمار الصليبي، إلا أنها محاولات فاشلة، وخطوات غير موفقة وخائبة، وقد صدق تعالى حيث قال في كتابه العزيز: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (1). لقد جعلت الاطروحة في سبعة فصول: تناولت في الفصل الاول منها – لكونه المدخل إلى البحث -: فضيلة الحديث و روايته، وفضل تدوينه، ودور الشيعة في تدوين الحديث، ثم ذكرنا أهم المراكز العلمية للشيعة في العصور القديمة للدول الاسلامية كالمدينة المنورة، والكوفة، وقم، وبغداد، ثم تحدثنا عن المراكز العلمية للشيعة في العصر الحاضر، منها: النجف الاشرف، وكربلاء، وقم المقدسة، وبلاد الري، وخراسان، ولكنهو. وفي الفصل الثاني: ركزت في الحديث عن نشأة الكليني الاولى، من خلال تحديد بعض معالم الري، وقد ضبطنا (كلين) لغة وجغرافيا، ثم شمل الحديث: الري و فرقها، ومذاهبها، ومحالها، ثم خرابها. وبعد ذلك ننتقل إلى خصوصيات الشيخ العلمية، منها: آثاره ومصنفاته، ومشايخه والذين روى عنهم، وتلاميذه والذين رووا عنه، وقد ذكرنا ترجمة مختصرة عنهم، كي يطلع الباحث أو القارئ على سيرة


(1) التوبة: 32.

[7]

هؤلاء الاعلام، فيستعين بها للوصول إلى بعض الحقائق الكامنة في أسانيد ” الشيخ ” – قدس سره – وبما أن مشايخ الكليني أغلبهم ينضوون تحت عنوان ” العدة “، لذا لم نترجم لهم في هذا المكان، بل أفردنا ترجمتهم في الفصل السابع. وفي خاتمة الفصل الثاني حققنا سنة وفاة ” الشيخ ” وقبره. ثم ننتقل إلى الحياة الخارجية المحيطة بالشيخ، وعصره الملئ بالأحداث السياسية والاضطرابات، لذا خصصنا الفصل الثالث للحالة السائدة في عصره، إذ تناولنا أهم الاحداث والاضطرابات التي شاهدها الكليني، وجعلناها مبوبة حسب الترتيب الزمني، ابتداء من الحاكم العباسي ” المعتمد بالله ” الذي حكم بين 256 – 279 ه‍، وانتهاء ” بالراضي بالله ” العباسي 322 – 329 ه‍. ولا شك أن تلك الاضطرابات والفتن خلقت جوا سياسيا انعكست بعض تلك الاثار على مسلك ” الشيخ ” في اسلوبه وتصانيفه. أما الفصل الرابع: فقد كان الحديث فيه عن الحالة العلمية في عصر ” الشيخ “، حيث تناولنا فيه علم الكلام وتطوره، واهتمام المذاهب والفرق الاسلامية به، لأنه نشأ في عصر اتسم بالصراعات الفكرية، وتعدد المذاهب والاهواء والعقائد. ثم تناولنا مدرسة الاعتزال ونشوءها، ومشايخها في البصرة وفي بغداد، وطبقاتها، و معتقداتها، ثم بينا أثر الاعتزال على سياسة الدولة العباسية، ومسألة خلق القرآن. بعد ذلك تحدثنا عن مدرسة الاشاعرة، وبعض عقائدها، وأخيرا المقارنة بين الإمامية والمعتزلة والاشاعرة، من حيث اتفاقهم أو اختلافهم في العقائد. وأما الفصل الخامس: فجعلناه مقتصرا في الحديث عن أثر الشيخ الكليني في إعلان مدرسة أهل البيت عليهم السلام المتمثلة في التوحيد، والامامة، كما تعرضنا للحديث


[8]

عن الاهتمام بالجانب العقلي. وأما الفصل السادس: فكان الحديث فيه عن كتاب ” الكافي ” ودواعي تأليفه، ودعوى عرضه على الامام عليه السلام، ثم بينا عدة أحاديثه، ومراتبها، ومدى اعتبارها، ثم ذكرنا التبويب الاجمالي، وآراء العلماء فيه، ثم بينا جملة من خصائصه، وشروحه، وتعليقاته، وحواشيه، وترجمته، واختصاره، وتحقيقه، ثم بعض نسخه الخطية، وطبعاته. وأما الفصل السابع: فالحديث فيه كان عن ” العدة ” إذ أكثر الشيخ – قدس سره – الرواية ” عن عدة من أصحابنا “، ونحن جعلنا البحث هنا في أقسام ثلاث: القسم الاول: في العدد المعروفة، كالعدة عن أحمد بن محمد بن عيسى، أو عن سهل بن زياد الادمي، أو عن أحمد بن محمد بن خالد البرقى. والقسم الثاني: في العدة الواردة في وسط السند، والتي لم يدركها ” الشيخ ” قطعا. والقسم الثالث: العدد المجهولة، سواء كانت في أول السند أو في وسطها، وسواء أدركها الشيخ أم لم يدركها، فهي مجهولة، غير مشخصة عندنا وإن كانت هناك بعض القرائن لتشخيص جملة منها، لكن ليس من الصواب القطع أو الجزم بها. وقد نهجنا في هذا الفصل أن نترجم لاعلام العدد إذا كانت معروفة، ثم ترجمنا لمشايخ العدد، حتى يقف الباحث على شطر كبير من رجال أسانيد ” الكافي “، وآراء العلماء فيهم، من حيث الجرح والتعديل. وختمنا البحث بخلاصة عن موقف بعض العلماء القميين من بعض الاعلام. وبذلك تنتهي الاطروحة. وبعد ذلك عملنا فهرسا بأهم المصادر والمراجع – المخطوطة والمطبوعة – التي


[9]

اعتمدنا في بحثنا هذا عليها، أو أحلنا المطالع إليها، أو ناقشنا بعض عباراتها أو آراء أصحابها، متبعين في وصف الكتاب الطريقة المعروفة. وبعد هذا ذكرنا فهرسا بأهم مطالب الاطروحة، والعناوين البارزة فيها. ونحن في صدد التعريف بالاطروحة ومنهجية البحث، لا ننسى موقف استاذنا الجليل البروفسور السيد منظور محسن رضوي، الاستاذ في كلية الدينيات، الذي أشرف على هذه الاطروحة من قبل جامعة علي گره الاسلامية، وقد أبدى ملاحظاته القيمة، مع تقديره الكبير للجهد الذي بذلناه طيلة هذه السنين لإنجاز هذه الاطروحة، وأنا بدوري اثمن واقدر مواقف استاذنا الرضوي ومشاعره الابوية، واكبر فيه الروح الخلاقة الطيبة، والتسهيلات التي منحها لي، كما أشكر مواقف العميد البروفسور الاستاذ عبد العليم خان، وما قدمه من دعم لتيسير الامور الإدارية والفنية المرتبطة بالأقسام الاخرى من الجامعة، كما اقدم شكري وتقديري لكافة الإخوة العاملين في عمادة كلية الدينيات، وبالخصوص سكرتير العميد. ونسأله سبحانه التوفيق للجميع.


[11]

الفصل الاول الحديث وتدوينه فضيلة الحديث وروايته فضل تدوين الحديث وكتابته الشيعة وتدوين الحديث أهم المراكز العلمية للشيعة قديما: المدينة المنورة الكوفة قم المقدسة بغداد حديثا: النجف الاشرف وكربلاء قم المقدسة وبلاد الري خراسان لكنهو


[13]

فضيلة الحديث وروايته لما كانت الاحكام والسنن تؤخذ في زمن النص وعصر التشريع من الكتاب والسنة، وأن سيرة أهل البيت جزء من السنة، فكانوا بعد نبيهم هم الامناء، والحفاظ على الشريعة، وهم الطريق الصحيح لإيصال تلك الاحكام إلى المسلمين، للسير بهداها، والعمل بها. ولما كانت النصوص القرآنية فيها المجمل، والمطلق، والعام، والمجاز، وغير ذلك من الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، جاءت النصوص الشريفة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله، وأخبار أهل البيت سلام الله عليهم لتكشف ما غمض على المسلمين من نصوص القرآن، فبينوا عليهم السلام مجمل القرآن، والمطلق منه والمقيد، والعام والخاص… الخ، لهذه المناسبات حثوا عليهم السلام أصحابهم على حفظ الحديث وروايته وتناقله فيما بينهم، حتى وردت في فضيلة حفظ الحديث وروايته أخبار جمة معتبرة. منها: ما رواه الكشي في رجاله، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال:


[14]

” اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون رواياتهم عنا، فإنا لا نعد الفقيه فقيها حتى يكون محدثا، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا ؟ قال: يكون مفهما، والمفهم محدث ” (1). وعن حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل الرازي، قال: حدثني علي بن حبيب المدايني، عن علي بن سويد النسائي، قال كتب إلي أبو الحسن الاول (2) وهو في السجن: ” وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك: لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، اؤتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه، فعليهم لعنة الله ورسوله، ولعنة ملائكته، ولعنة آبائي الكرام البررة، ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة ” (3). وفي أمالي الصدوق: عن ابن إدريس، عن أبيه، عن الاشعري، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العلوي العمري، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم ارحم خلفائي – ثلاثا – قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال: الذين يتبعون حديثي وسنتي ثم يعلمونها امتي ” (4). وفي بصائر الدرجات للصفار، قال حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل رواية لحديثكم، يبث ذلك الى الناس ويسدده في قلوب شيعتكم، ولعل عابدا


(1) رجال الكشي – شرح الداماد: 1 / 6. (2) هو الامام موسى الكاظم عليه السلام. (3) رجال الكشي: 1 / 8. (4) انظر البحار: 2 / 144، ومنية المريد: ص 101.

[15]

من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيهما أفضل ؟ قال: ” الراوية لحديثنا يبث في الناس ويسدده في قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد ” (1). وفي الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار عن علي بن إسماعيل، عن عبد الله الدهقان، عن إبراهيم بن موسى المروزي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حفظ من امتي أربعين حديثا مما يحتاجون إليه من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ” (2). وفي هذا الباب أحاديث كثيرة جدا بلغت حد التواتر عند الخاصة والعامة: ” فإن من حفظ أربعين حديثا أو أقل أو أكثر من ذلك يعد فقيها عالما “، والمقصود من هذا: أولا: تلك الاحاديث جامعة لامهات العقائد، والمعارف الاسلامية، والعبادات القلبية، والمحامد الحسنة، والخصال الكريمة، والفضائل، والاخلاق… ثانيا: المقصود بكونه يعد فقيها إنما مع التدبر، والمعرفة الكاملة، والإحاطة الدقيقة بمضمون الحديث. ثالثا: العالم لا يكون عالما إلا بأن يخالف هواه، مطيعا لأمر مولاه، واقفا على خبائث النفس وآفاتها، تاركا للدنيا ولهوها وزينتها زاهدا فيها، طامعا فيما عند الله من الثواب الجزيل والثناء الجميل… وإلا ما أكثر الذين يعرفون ذلك ولكنهم للتطبيق هم أبعد ما بين السماء والارض (3).


(1) بصائر الدرجات: 1 / 27، والكافي: 1 / 33. (2) انظر الكافي: 1 / 49، والاختصاص للمفيد: ص 2. انظر ما قاله الائمة سلام الله عليهم في صفة العالم: 1 – روى الكليني عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن

[16]

فكم من مطلع وعارف لأخبار وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، ومستنبط


محبوب، عن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ” اطلبوا العلم، وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم “. الكافي 1 / 36. 2 – الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، بن حماد بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ” انما يخشى الله من عباده العلماء… الآية ” فاطر / 28، قال: ” يعني بالعلماء من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم “. الكافي: 1 / 36. 3 – الكليني: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان النيسابوري جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: ” إن من علامات الفقه – أو الفقيه -: الحلم والصمت “. الكافي: 1 / 36. 4 – الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القماط، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ” قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا اخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر.. ” الكافي: 1 / 36. هذه جملة في صفات العالم الذي يهدي الناس ويرشدهم إلى الحق، فعليك أن تتدبر. على أن هناك أخبارا كثيرة في حق العالم وفضله ومنزلته، فإذا عرفت حد العالم وشخصته، فذلك لأن منزلته عند الله كمنزلة أنبياء بني إسرائيل وأكثر. 5 – الكليني: عن محمد بن علي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن عمر ابن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في كلام له: ” العلماء رجلان: رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارك لعلمه، فهذا هالك، وأن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له، وقبل منه فأطاع الله، فأدخله الله الجنة، وأدخل الداعي النار بتركه علمه، واتباعه الهوى وطول الامل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وطول الامل ينسي الآخرة “. الكافي: 1 / 44. 6 – عنه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ” إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا “. الكافي: 1 / 44.

[17]

للأحكام الشرعية منها، ومتصد للاجتهاد والتقليد والدرس والتدريس، لكنك لو فتشت لوجدته إلى الدنيا ميالا، وإلى بناء الذات قد شمر ساعديه، يقضم مال الله قضما، وينكر أهل العلم والفضل تطاولا وتعنتا، فتلك منازلهم في الدنيا، وما شموخهم واعتزازهم إلا بزينتها الفانية، وفي الآخرة هم أخزى (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) (1). رابعا: أما الحفظ، فقد صوره الفقهاء عدة صور: فمنهم من قال: يراد به الحفظ عن ظاهر قلب، وآخرون قالوا: حفظه بالكتابة خوفا من الاندراس والضياع، طالما أن القلوب الواعية للأحاديث إذا أدركها الموت تضيع ولم تدركها الاجيال اللاحقة، أما الذي يحتفظ بالقرطاس ويدون فهو أسلم من غيره من الضياع، وقسم ثالث قال: يراد بالحفظ أن يعي الحديث ويتدبره… وهكذا، فمنهم من يحفظه لفظا دون المعنى، وبعضهم يحفظه معنى، دون اللفظ، وثالث يحفظه بالنص لفظا ومعنى، و إلى غير ذلك من الوجوه التي قيلت. في الاختصاص: عن جعفر بن الحسين المؤمن، عن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) قال: ” هم المسلمون لآل محمد صلوات الله عليهم، إذا سمعوا الحديث أدوه كما سمعوه، لا يزيدون ولا ينقصون ” (2). وفي الكنز للكراجكي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” نصر الله إمرءا سمع منا حديثا


(1) الكهف: 46. (2) الكافي: 1 / 51، والاختصاص للمفيد: ص 5، والآية 17 و 18 من سورة الزمر.

[18]

فأداه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع ” (1). وفي عوالي اللآلي: روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال: ” رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه ” (2). وفي رواية اخرى: ” فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه “. وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتب الى الحارث الهمداني: ” ولا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا، ولا ترد على الناس كلما حدثوك به فكفى بذلك جهلا… ” (3). الكليني باسناده: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ” قال أمير المؤمنين: إذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم، فإن كان حقا فلكم، وإن كان كذبا فعليه ” (4).


(1) الكنز للكراجكي. أنظر البحار: 1 / 160. (2) عوالي اللآلي: 4 / 66، والبحار: 2 / 161. (3) نهج البلاغة: رسالة 69، والبحار: 2 / 160. (4) الكافي: 1 / 52.

[19]

فضل تدوين الحديث وكتابته لعظم خطر الكتابة وحاجة الناس إليها، ولكونها أحد الاساليب المهمة لحفظ تراث أي امة من الامم ولكونها خير وسيلة لصيانة أي حضارة من الحضارات على مر التاريخ، فقد اهتم الاسلام بالكتابة والتدوين، ولهذه الاهمية الكبيرة جاء الذكر الحكيم ليقسم بها، فقال وعز من قال: (ن * والقلم وما يسطرون ” (1)، وقوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم.. ” (2). أما أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأخبارهم في هذا المقام فهي مستفيضة، نذكر منها: عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: ” دخل علي اناس من أهل البصرة فسألوني عن أحاديث وكتبوها، فما يمنعكم من الكتاب ؟ أما أنكم لن


(1) القلم: 1 و 2. (2) العلق: 1 – 5.

[20]

تحفظوا حتى تكتبوا “، وفي رواية اخرى قال عليه السلام: ” اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا ” (1). وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ” القلب يتكل على الكتابة ” (2). عن الحسن بن علي عليهما السلام أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال: ” إنكم صغار قوم، و يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته ” (3). وعن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ” احتفظوا بكتبكم، فإنكم سوف تحتاجون إليها ” (4). وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال: ” قيدوا العلم. قيل: وما تقييده، قال: كتابته ” (5). وروي أن رجلا من الانصار كان يجلس إلى النبي صلى الله عليه واله فيسمع منه صلى الله عليه واله الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه واله، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: ” استعن بيمينك ” وأومأ بيده، أي خط (6). قال النجاشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمان: وقال شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتاب مصابيح النور: أخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه – رحمه الله – قال:


(1) الكافي: 1 / 52، ومنية المريد: ص 340. (2) الكافي: 1 / 52. (3) منية المريد: ص 340. (4) الكافي: 1 / 52. (5) منية المريد: ص 340. (6) منية المريد: ص 340.

[21]

حدثنا علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: قال لنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري – رحمه الله -: عرضت على أبي محمد صاحب العسكر – الامام العسكري عليه السلام – كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: ” تصنيف من هذا ؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: ” أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة ” (1). والكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخيبري، عن المفضل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ” اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم ” (2). وروى المجلسي عن البصائر: عن عبد الله بن محمد، عمن رواه، عن محمد بن خالد، عن حمزة بن عبد الله الجعفري، عن أبي الحسن قال: كتبت في ظهر القرطاس: إن الدنيا ممثلة للامام كفلقة الجوزة، فدفعته إلى أبي الحسن عليه السلام وقلت جعلت فداك، إن أصحابنا رووا حديثا ما أنكرته، غير أني أحببت أن أسمعه منك، قال: فنظر فيه ثم طواه حتى ظننت أنه قد شق عليه، ثم قال: ” هو حق، فحوله في أديم ” (3). في الجملة، يتعين أن كتابة العلم، وتقييد الحديث بالكتابة والحفظ من الامور المحبذة عند الشارع، بل حث عليها، وأوصى بها، وشوق الرواة والحفاظ بالاستعانة في الحفظ على الكتابة، وكما مر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ” اكتبوا،


(1) رجال النجاشي: ص 447. (2) الكافي: 1 / 52. (3) البحار: 2 / 145.

[22]

فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا “، وعنه أيضا قال: ” القلب يتكل على الكتابة “،… الخ. وقد اهتم الاصحاب الاوائل زمن الائمة عليهم السلام في كتابة مجالس الائمة الاطهار، وتدوين كل ما يسمعونه عنهم عليهم السلام، وقد نتج من خلال ذلك الاهتمام بقول المعصومين أن دون أصحاب الائمة آلاف الكتب في مختلف العلوم والمعارف الاسلامية، وقد فقد الكثير منها لتطاول الزمان، وللتقية، وللخوف والاضطهاد الذي كان يلاحق أصحاب أهل البيت، حتى أخذ حكام الجور والمتسلطين على رقاب المسلمين من حكام بني امية وبني العباس أن يتتبعوا الشيعة في كل مكان، و قد احرقت لهم الكتب الكثيرة، وضاع القسم الآخر، وما وصل إلينا منهم الا الشئ النزر القليل، وقد اطلق على تلك المصنفات – التي نقل منها علماؤنا الاوائل – الاصول الاربعمائة، وإن جملة من تلك الاصول قد عرضت على الائمة المعصومين عليهم السلام فأقروها، وما كان مخالفا لاقوالهم نبهوا عليه وأنكروه. لفظ الشيعة وظهورها: أنها وردت في القرآن الكريم: (وإن من شيعته لابراهيم ” (1)، وقد كان استعمالها على عهد النبي صلى الله عليه واله، حيث هو أطلقها سلام الله عليه، فقال: يا علي، أنت وشيعتك الناجون… “. وقد انتبه الى ذلك أبو حاتم السجستاني في كتابه ” الزينة “: جلد 1 و 3 في باب الالفاظ المتداولة بين أهل العلم، فقال: ” أول اسم ظهر في الاسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه واله هو الشيعة، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة، وهم: أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الاسود الكندي، وعمار بن ياسر، إلى أوان صفين،


(1) الصافات: 83.

[23]

فانتشرت بين موالي علي عليه السلام “. حكاه في ” الروضيات “، وقد ذكر صاحب ” كشف الظنون ” كتاب ” الزينة ” لابي حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفى سنة 250 ه‍. ومما يؤيد السجستاني ما ذكره محمد بن إسحاق المعروف بابن النديم، في كتابه ” الفهرست ” في أول الفن الثاني من المقالة الخامسة: ” لما خالف طلحة والزبير على علي رضي الله عنه، وأبيا إلا الطلب بدم عثمان، وقصدهما عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه تسمى علي ومن إتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول: شيعتي… “. أما لفظة ” السنة والجماعة “، فهي تسمية متأخرة، وذلك كانت عندما استغل معاوية بن أبي سفيان الامارة بعد مصالحة الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين عليهما السلام (1).


(1) مقدمة تأسيس الشيعة: ص 38.

[24]

الشيعة وتدوين الحديث كان الاهتمام بتدوين الحديث ديدن بعض الصحابة منذ زمن الرسول صلى الله عليه واله، و قد فصلنا ذلك في كتابنا علم الرجال (1)، لكن مما ينبغي الاشارة إليه هنا: إن الامام علي عليه السلام كان في طليعة اولئك الصحابة، حيث أنه وعى وحفظ كل ما قاله الرسول صلى الله عليه واله له، وإن علم رسول الله صلى الله عليه واله لا تجده مجتمعا إلا عند الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام، حتى قال عنه الرسول صلى الله عليه واله: ” أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتي الباب “، والحديث رواه جمع غفير من علماء الجمهور (2). ثم إن الامام علي كان أول من صنف في أحاديث الرسول صلى الله عليه واله، قال الشيخ النجاشي في ترجمة محمد بن عذافر: ” أخبرنا محمد ابن جعفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن محمد بن أحمد بن الحسن، عن عباد بن ثابت، عن عبد الغفار بن القاسم، عن عذافر الصيرفي، قال: كنت مع الحكم بن عيينة عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر له مكرها، فاختلفا في شئ فقال أبو


(1) راجع كتابنا ” علم الرجال “، وأعيان الشيعة: 1 / 147 و 169. (2) راجع كتابنا ملامح شخصية الامام علي من كتب الجمهور: ص 67، ط بيروت.

[25]

جعفر: ” يا بني، قم فأخرج كتاب علي “، فأخرج كتابا مدرجا عظيما، ففتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر: ” هذا خط علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه واله، وأقبل على الحكم وقال: ” يا أبا محمد، اذهب أنت وسلمة والمقداد حيث شئتم، يمينا وشمالا، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل… الحديث ” (1). وللامام علي عليه السلام كتاب آخر في الديات، سماه: ” الصحيفة “، كان يعلقه عليه السلام بقراب سيفه، وكانت هذه الصحيفة نسخة منها عند محمد بن الحسن الصفار صاحب كتاب ” بصائر الدرجات “، وهو من معاصري البخاري وقد روى البخاري في صحيحه عن هذه الصحيفة في باب كتابة العلم: 1 / 40، وفي باب إثم من تبرأ من مواليه: 4 / 289. وليس غريبا أن يتفوق الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام على أقرانه في حفظه لاحاديث الرسول، وأن يعيها، ثم يكتبها خوفا من ضياعها وتلاعب أيدي المغرضين والطامعين بها، وقد أسلفنا أن أمير المؤمنين لازم الرسول طيلة حياته، في حضره وفي سفره، بينما بقية الصحابة: فمنهم من آثر الجهاد، ومنهم من آثر الحياة والمنصب، ومنهم من آثر الحياة والدعة والاثرة والصفق في الاسواق، وهذه كتب القوم تشهد بذلك، حيث رووا عن عمر قال: خفي علي هذا من رسول الله صلى الله عليه واله، ألهاني عنه الصفق في الاسواق (2). صحيح مسلم: 2 / 234 في كتاب الآداب، صحيح البخاري: 3 / 837 طبعة


(1) رجال النجاشي: ترجمة محمد بن عذافر ص 255، وكذلك يذكر هذا الكتاب: محمد بن الحسن الصفار في كتابه بصائر الدرجات: ص 162، فراجع الجزء الثالث، الباب الثاني عشر، في الائمة ان عندهم الصحيفة الجامعة التي هي إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله و خط علي عليه السلام. (2) الغدير: 6 / 158 و 276 و 303 و 306.

[26]

الهند، مسند أحمد: 3 / 19، سنن الرازي: 2 / 274، سنن أبي داود: 2 / 340، مشكل الآثار: 1 / 499. وقال ابي لعمر بن الخطاب: إنه يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق في الاسواق (1). وفي قول آخر: أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه واله وأنك لتبيع القرظ بالبقيع، وأنت تبيع الخيط. وممن جد في كتابة الحديث، فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وكتابها يسمى: ” مصحف فاطمة “. وبعد أمير المؤمنين جاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه واله، وصنف في الاحكام والسنن، قال عنه النجاشي في ذكر الطبقة الاولى من مصنفي الشيعة: ” أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه واله واسمه أسلم، كان للعباس بن عبد المطلب – رحمه الله – فوهبه للنبي، فلما بشر النبي صلى الله عليه واله بإسلام العباس أعتقه، أسلم أبو رافع قديما بمكة، وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبي صلى الله عليه واله مشاهده، ولزم أمير المؤمنين من بعده، وكان من خيار الشيعة، وشهد معه حروبه، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة، وابناه عبيدالله وعلي كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام… “. ثم قال: ” لأبي رافع كتاب السنن والاحكام والقضايا ثم ذكر إسناده إليه بابا بابا، الصلاة والصيام والحج والزكاة والقضايا… ” (1). وبعد أبو رافع – ومن المصنفين الاوائل – أبو عبد الله سلمان الفارسي المحمدي، سماه رسول الله صلى الله عليه واله وهو من أكابر الصحابة والمقربين إلى الرسول وإلى وصيه من


(1) سنن البيهقي: 7 / 69، تفسير القرطبي: 14 / 126، كنز العمال: 1 / 278 و 279. (2) رجال النجاشي: ص 6.

[27]

بعده أمير المؤمنين علي عليه السلام، صنف سلمان الفارسي كتاب حديث الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم إلى النبي. وذكر الكتاب شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في فهرسته (1). وكذلك ذكره ابن شهر آشوب المازندراني في ” معالم العلماء ” (2). ومن الصحابة الذين صنفوا في الحديث: أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه واله، والذي قال فيه: ” ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على رجل أصدق لهجة من أبي ذر ” (3)، له كتاب ” الخطبة “، يشرح فيه الامور التي بعد النبي صلى الله عليه واله، ذكره الشيخ الطوسي في ” الفهرست ” والمازندراني في ” معالم العلماء ” (4). الاصبغ بن نباتة المجاشعي الكوفي، وهو من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، روى عن الامام أمير المؤمنين ” عهد الاشتر “، وهو كتاب معروف عند أهل السيرة والتاريخ والحديث، وكذا روى عنه عليه السلام وصيته إلى ابنه محمد بن الحنفية، والشيخ النجاشي يذكر طريقة إلى روايتهما (5). عبيدالله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام، ومن خواصه، شهد مع الامير حروبه، الجمل وصفين والنهروان، له كتاب ” قضايا أمير المؤمنين “، وكتاب ” تسمية


(1) الفهرست للطوسي: ص 80. (2) معالم العلماء: ص 57. (3) مستدرك الحاكم: 3 / 342، وأخرجه ابن الاثير في ” جامع الاصول ” 10 / 34 برواية الترمذي عن انس تارة واخرى عن ابن عمرو بن العاص، وأخرجه ابن عبد البر في ” الاستيعاب “، بهامش الاصابة: 4 / 64 وابن حجر العسقلاني في ” الاصابة “: 4 / 64 ورواه الكشي في رجاله: 1 / 98. (4) الفهرست للطوسي: ص 46، معالم العلماء للمازندراني: ص 32. (5) الفهرست للطوسي ص 38، رجال النجاشي: ص 8.

[28]

من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة ” (1). علي بن أبي رافع، وهو أيضا كاتب أمير المؤمنين عليه السلام، والخازن على بيت ماله، ومن خواصه، قال فيه النجاشي: ” تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من أمير المؤمنين عليه السلام، وكان كاتبا له، وحفظ كثيرا، وجمع كتابا في فنون الفقه، الوضوء والصلاة وسائر الابواب… ” (2). ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة النعم، يرويه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، ويعد من الطبقة الاولى، ومن كبار التابعين، كان من أصحاب الامام أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكره النجاشي (3). ميثم التمار بن يحيى أبو صالح، من حواري أمير المؤمنين عليه السلام، ولسان التشيع في زمن معاوية ومن بعده، له كتاب في الحديث، ويبدو أنه كبير، حيث ينقل منه الشيخ الطوسي في أماليه، وصاحب كتاب ” بشارة المصطفى ” ينقل عنه، وكذلك أبو عمرو الكشي في كتابه ” الرجال “، قتله عبيدالله بن زياد في الكوفة، وقصته معروفة (4). سليم بن قيس، من حواري أمير المؤمنين عليه السلام، له كتاب معروف ومشهور، ويعد أصل من الاصول الاربعمائة، قال فيه النعماني، محمد بن إبراهيم في كتابه ” الغيبة “: ” وليس بين جميع الشيعة ; ممن حمل العلم ورواه عن الائمة، خلافا في أن


(1) الفهرست للطوسي: ص 107، قال ابن حجر في ” التقريب “: 1 / 532: عبيدالله بن أبي رافع المدني، مولى النبي صلي الله عليه وآله، كان كاتب علي، وهو ثقة، من الطبقة الثالثة، يعني توفي بعد المائة. (2) رجال النجاشي: ص 6 (3) رجال النجاشي: ص 8. (4) انظر ترجمة في رجال الكشي: 1 / 293 – 298.

[29]

كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أحد كتب الاصول التي رواها أهل العلم، وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام، بل هو أقدمها. مات – رضى الله عنه – زمن الحجاج بن يوسف الثقفي. وهكذا، فإن الذين ألفوا في الحديث وصنفوا فيه من الشيعة زمن الرسول والامام علي والخلفاء الذين قبله هم كثيرون، أمثال: ربيعة بن سميع، ومحمد بن قيس البجلي التابعي، ويعلى بن مرة، وجابر بن يزيد الجعفي، وفي زمن الامام علي ابن الحسين بن علي زيد العابدين عليهم السلام، وزيد الشهيد ابن الامام زين العابدين، وأبو الجارود، وزياد بن المنذر، وهؤلاء جميعا من علماء ومشاهير التابعين، وكذلك زرارة بن أعين ت 150 ه‍، ومحمد بن مسلم الطائي ت 150 ه‍، وأبو عبيدة الحذاء، من أصحاب الامام الباقر عليه السلام، ومعاوية بن عمار ت 175 ه‍. وبعد هؤلاء تأتي طبقة اخرى، والتي تتلمذت على الامام أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام، وهم فوق حد الاحصاء، الا أن الشيخ المفيد في كتابه ” الارشاد ” عند ذكره لحياة الامام الصادق عليه السلام قال: ” ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلاد، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الاخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات – على اختلافهم في الآراء والمقالات – فكانوا أربعة آلاف رجل ” (1). وقال العلامة الطبرسي في ” أعلام الورى “: ” قد تظافر النقل بأن الذين رووا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان، وصنف عنه أربعمائة كتاب معروفة عند الشيعة تسمى: ” الاصول “، رواها


(1) الارشاد: ص 270.

[30]

أصحابه وأصحاب ابنه موسى عليه السلام، وهذا العدد الذي ذكروه [4000] هم أشهر الرواة للامام الصادق عليه السلام، وإلا فإن الكثير منهم كان يلبس رداء التقية، ويتنكر بين أقرانه، بل والكثير ممن لم يدون لهم اسم كانوا من أقطار اخرى نائية ” (1). وقال الشهيد محمد بن مكي العاملي في كتابه ” الذكرى ” ص 6: ” وكتب من أجوبة مسائل أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه أربعة آلاف رجل من أهل العراق والحجاز وخراسان والشام، وكذلك عن مولانا الباقر عليه السلام ” قال: ” والرجال الباقون مشهورون اولو مصنفات مشهورة “. وقد أدرك الحسن بن علي الوشاء في عصر واحد تسعمائة رجل منهم في مسجد الكوفة كل يقول: حدثني جعفر بن محمد (2). وقال نجم الدين المحقق في ” المعتبر ” ما يشبه ذلك، ص 5. وقد ذكر شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في رجاله 3197 رجلا من أصحاب الامام الصادق، وهم من أبرز أصحابه، وأكابر علماء عصره، وممن صنف منهم في مختلف العلوم، ومن أصحاب الاجازة، ويعدون من مشايخ الاصحاب. هؤلاء جميعا ألفوا في علم الحديث، ومن أراد التفصيل في ما ذكرناه فعليه مراجعة كتب الفهارس، والرجال، والتراجم، والاعلام، يجد ذكرهم هناك. هذا ما يخص الصدر الاول حتى أواخر القرن الثاني الهجري تقريبا، والذي يمكن أن نعد منهم ثلاث طبقات لرجال الحديث. أقول: هذا الذي ذكرناه مما يؤكد أن تدوين الحديث بدأ منذ صدر الاسلام واستمر إلى يومنا هذا، فمن الواضح أن ما تقدم ذكره خير دليل في الرد على العلامة


(1) انظر الوسائل: المقدمة ص ” يب “. (2) رجال النجاشي: ص 40.

[31]

السيوطي الذي زعم أن تدوين الحديث بدأ في رأس المائة، قال في كتابه ” تدريب الراوي “: ” وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع في رأس المائة، في خلافة عمر ابن عبد العزيز بأمره، ففي صحيح البخاري في أبواب العلم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ابي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه [وآله] فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء “، وأخرجه أبو نعيم في ” تاريخ إصفهان ” بلفظ آخر قال: ” كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله فاجمعوه “، قال في ” فتح الباري “: ” يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي “، ثم أفاد: ” أن أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز هو أبو بكر بن حزم الانصاري ” (1). قال العلامة السيد حسن الصدر: ” كانت خلافة عمر بن عبد العزيز سنتين وخمسة أشهر، مبدؤها عاشر صفر سنة ثمان أو تسع وتسعين، ومات سنة إحدى ومائة لخمس أو لست مضين، وقيل: لعشر بقين من رجب، ولم يورخ زمان أمره، ولا نقل ناقل امتثال أمره بتدوين الحديث في زمانه، والذي ذكره الحافظ ابن حجر من باب الحدس والاعتبار، لاعن نقل العمل بأمره بالعيان، ولو كان له عند أهل العلم بالحديث أثر بالعيان لما نصوا على أن الافراد لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله كان على رأس المائتين كما اعترف به شيخ الاسلام وغيره، قال: فأول من جمع الآثار ابن جريح بمكة، وابن إسحاق أو مالك بالمدينة، والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والاوزاعي بالشام، وهيثم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، قال


(1) فتح الباري 1 / 157.

[32]

العراقي وابن حجر: وكان هؤلاء في عصر واحد، فلا ندري أيهم سبق. قال: إلى أن رأى بعض الائمة أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وآله خاصة، وذلك في رأس المائتين، وعدد جماعة، وقال الطيبي: أول من كتبه وصنف فيه من السلف ابن جريح، وقيل: مالك، وقيل: الربيع بن صبيح، ثم انتشر التدوين وظهرت فوائده. ثم قال: ألا تراه لم يذكر تدوين أحد قبل ابن جريح، وكذلك الحافظ الذهبي في ” تذكرة الحفاظ ” نص أن أول زمن التصنيف وتدوين السنن وتأليف الفروع بعد انقراض دولة بني امية وتحول الدولة إلى بني العباس، قال: ثم كثر ذلك في أيام الرشيد، وكثرت التصانيف، وأخذ حفظ العلماء ينقص، فلما دونت الكتب اتكل عليها، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور… ” (1). إلى هنا عرفنا متى بدأ تدوين الحديث، ومن الذي ألف فيه من الصحابة والتابعين، بضمنها الاصول الاربعمائة (2)، غير أن أغلب تلك المصنفات لم تصل إلينا بسبب يد الحدثان، وجور الزمان، وتعسف الولاة والحكام في اضطهاد الشيعة الموالين لاهل البيت عليهم السلام، ومع كل ذلك فقد وصلنا جملة مهمة من تراث الاوائل، بحيث عليها مدار الاستدلال، ومنها تستنبط الاحكام، وقد شغلت أرباب الفقه والحديث والسيرة والاخلاق، وعلى سبيل المثال نذكر منها: كتاب ” المحاسن ” لاحمد بن أبي عبد الله البرقي ت 280 ه‍، أحد كبار الشيعة، ومن أصحاب الامام الجواد والهادي عليهما السلام. وكتاب ” كامل الزيارات ” لابي القاسم جعفر بن قولويه ت 368 ه‍، ويعد هذا الكتاب من الاصول المعتبرة، وقد اعتمد عليه كل من الصدوق، والشيخ الطوسي،…


(1) تأسيس الشيعة: ص 279. (2) راجع للزيادة الغدير: 2 / 125.

[33]

وهكذا من جاء بعدهم. وكتاب ” تفسير علي بن إبراهيم القمي “، وهو أيضا من الكتب المعتبرة. وكتاب ” بصائر الدرجات ” لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي، من أصحاب الامام العسكري عليه السلام، ومن مشاهير الشيعة آنذاك. وكتاب ” قرب الاسناد ” لابي العباس عبد الله بن جعفر الحميري من أصحاب الامام العسكري عليه السلام و ” والاشعثيات ” لابي علي محمد بن محمد الاشعث الكوفي، من أعلام القرن الرابع الهجري. * * * أهم المراكز العلمية القديمة للشيعة (أولا) المدينة المنورة: الحديث عن تاريخ المدن – إذا أردنا أن ندخل غماره ونخوض لججه – يحتاج إلى فرصة غير التي نحن فيها، ومناسبة أوسع حتى نلم بكل الجزئيات التي لابد منها، والتفصيل فيها. ولما كان أصل الموضوع هو الحديث عن الكليني والكافي، وما يرتبط به من مواضيع اخرى متعلقة فيه من حيث الجانب العلمي والعقائدي، وجدنا أنفسنا أمام حاجة ملحة للحديث عن المراكز العلمية للشيعة، قديما وحديثا، ومدى تطور الفكر الشيعي وانتشاره في الاصقاع والبلدان.


[34]

إن أول بيئة ظهر فيها التشيع هي المدينة المنورة – يثرب -، إذ بعدما هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وآله من مكة مع ثلة من أصحابه والذين سموا فيما بعد بالمهاجرين، كان من بينهم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وبعض ممن أيده وناصره من قريش. ولما تركزت الدعوة الاسلامية، وأرست قواعدها في المدينة المنورة، واقيمت فيها الدولة الاسلامية وعلى رأسها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم – أنذاك – استوطنتها العوائل وبالذات قريش، واتخذتها المقر الدائم لها. ومن قريش الذين سكنوا في المدينة، أولاد عبد المطلب: عبد الله، والعباس، وأبو طالب، وجعفر، وعقيل، والحارث، وغيرهم. لقد اهتم الرسول صلى الله عليه وآله بقريش لما توجه الخطاب إليه من إعلان دعوته إلى الناس على أن يبدأ بعشيرته، فقال تعالى: ” وانذر عشيرتك الاقربين… ” (1). فلما نزلت هذه الآية أمر النبي عليا أن يهئ له طعاما، وهو رجل شاة وعشرة أقراص من الخبز وقعبا (2) من اللبن، ثم دعا قومه من آل هاشم وهم: بنو عبد المطلب، وكانوا أنذاك أربعين رجلا، يزيدون واحدا أو ينقصونه مثله، فقدم لهم ذلك الطعام، فأكلوا منه حتى شبعوا، وبقي الطعام على حاله كأن لم تمد إليه الايدي، وأن الواحد منهم ليأكل الجذعة (3) ويشرب الفرق (4). ثم قال لهم: ” أيكم يؤازرني ليكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي “، – قالها ثلاثا – فلما


(1) الشعراء: 214. (2) القعب: القدح الضخم، الغليظ، الجافي. لسان العرب: مادة ” قعب “. (3) الجذعة هنا، هو البعير إذا استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة. لسان العرب: مادة ” جذع “. (4) الفرق والفرق مكيال ضخم لاهل المدينة معروف. لسان العرب: مادة ” فرق “.

[35]

لم يجبه إلى ذلك أحد سوى علي بن أبي طالب عليه السلام قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: ” هذا أخي، و وارثي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي فيكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا “. ثم أنذرهم كما أمره الله سبحانه، ودعاهم إلى نبذ الاصنام وعبادة الله، فقام أبو لهب وهو يسخر من كلام النبي صلى الله عليه وآله، كما أنه أخذ يحرض قريش عليه، أما أبو طالب فوقف إلى جنب النبي وقال كلمته المشهورة: ” والله لننصرنه ثم لنعيننه، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح ” (1). وقد آمن به بعضهم وجحده الآخرون، فالذين آزروه وناصروه من أهل بيته أنذاك هم، علي بن أبي طالب، ثم جعفر، ثم أبوهما، وعقيل، و…، وقد فدوه بأنفسهم وناصروه في كل مراحل دعوته… فلا غرابة لو اهتم بهم أو أثنى عليهم أو قربهم، بل أن الله سبحانه مدحهم في كتابه الكريم في مناسبات عديدة حتى طهرهم من كل دنس ورجس، قال تعالى: ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” (2). وقد ظهر فضل أهل بيته عليهم السلام جليا في جميع مراحل الدعوة إلى الله، ونشر راية التوحيد، حتى عرفهم البعيد والقريب، ودان لفضلهم الناس، وتوجهت إليهم القلوب قبل أن تشخصهم العيون. ولما كان شأنهم هذا، وإخلاصهم للدين لا يضاهيهم فيه أحد فقد اختار الله من بينهم عليا للخلافة، كما اختار من بينهم محمدا صلى الله عليه وآله نبيا. والاخبار في فضلهم متواترة من الفريقين وقد جاوزت حد الشهرة، وعلى رأس تلك الاخبار تلك التي خصت بالامام على، منها: حديث الغدير، وحديث


(1) انظر تاريخ اليعقوبي: 1 / 27، دار صادر بيروت. (2) الاحزاب: 33.

[36]

المنزلة، وحديث المؤاخاة. هذه الاخبار والاحاديث الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله بحق علي بن أبي طالب، والآيات التي نزلت فيه كانت من الاسباب المهمة لالتفاف جل الصحابة و أبرزهم حول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكانت هي اللبنة الاولى – وفي زمن الرسول – لنشوء التشيع في المدينة المنورة. قال صاحب ” خطط الشام “: (عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، مثل: سلمان الفارسي القائل: ” بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له “، ومثل: أبي سعيد الخدري الذي يقول: ” امر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، ولما سئل عن الاربع قال: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج، قيل له: فما الواحدة التي تركوها ؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب، قيل له: وإنها لمفروضة معهن ؟ قال: نعم هي مفروضة معهن “، ومثل: أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن ثابت، وأبي أيوب الانصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعيد بن عبادة ” (1). والذي وقف مع أمير المؤمنين علي عليه السلام هم خيرة الصحابة، كما ظهر في النص المتقدم، أما الذين أعرضوا عنه هم سواد الناس، والهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع كل ريح. وقد غذى أمير المؤمنين تيار التشيع في المدينة المنورة بادئ الامر ورعى أصحاب المواهب والخصال الرفيعة، بما كان يتمتع به عليه السلام من تقوى، وإخلاص و إيثار، وعلم، وحلم، وورع، وشجاعة، وصبر و…، هذه الصفات والخصال الحميدة لم تكن مجتمعة في من سواه، ولا عرفت فيمن هو دونه، لهذا اجتمع الاخيار الاوائل


(1) خطط الشام لمحمد كرد علي: 5 / 251.

[37]

حول أمير المؤمنين، وكانوا سنده، وهم أصحابه وحواريه. قال البرقي في رجاله: ” أصحاب علي أمير المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ينقسمون إلى: الاصحاب، ثم الاصفياء، ثم الاولياء، ثم شرطة الخميس… من الاصفياء: سلمان الفارسي، المقداد، أبو ذر، عمار، أبو ليلى، شبير، أبو سنان، أبو عمرة، أبو سعيد الخدري، أبو برزة، جابر بن عبد الله، البراء ابن عازب، عرفة الازدي،…،… وأصحاب أمير المؤمنين الذين كانوا شرطة الخميس: كانوا ستة آلاف رجل… وسمى منهم: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وأبو سنان، وأبو عمرة، وسهل، وعثمان ابني حنيف الانصاريين. ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام عمرو بن الحمق الخزاعي، وميثم التمار، و رشيد الهجري، وحبيب بن مظاهر الاسدي، ومحمد بن أبي بكر. ومن الاولياء: الاعلم الازدي، سويد بن غفلة الجعفي، الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني، أبو عبد الله الجدلي، وأبو يحيى حكيم بن سعيد الحنفي،… ومن خواص أصحاب أمير المؤمنين من مضر: تميم بن حذيم الناجي، وقنبر مولى علي عليه السلام، وأبو فاختة – سعيد بن حمران – مولى بني هاشم، وعبيدالله بن أبي رافع كاتب علي عليه السلام (1). وقد ذكر البرقي جملة من أصحاب الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام من قبائل مضر، وهمدان، وربيعة، واليمن،…، وأن أغلب هؤلاء ساروا مع أمير المؤمنين إلى الكوفة اثناء خلافته، وما رسوا أعمالا إدارية ومهاما عسكرية، فشاركوه في حروبه، وكانوا له عمالا على الامصار والبلدان…


(1) رجال البرقي – أحمد بن أبي عبد الله البرقي ت 274 ه‍: ص 3 – 7.

[38]

وقد شهد بفضل أمير المؤمنين ومنزلته أعداؤه ناهيك عن محبيه، والذي في مقدمتهم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. بعد مرحلة عصر الوحي والرسالة بقيت بنو هاشم تحتل الصدارة من بين القبائل العربية وقريش بالخصوص، كما أن الامام عليا عليه السلام كان في طليعتهم، والذي كان يحتل منزلة علمية مرموقة بين أصحاب الرسول، بل أن الجميع كانوا يلجأون إليه في المهمات، فهذا عمر بن الخطاب قد احصي عليه أكثر من ثلاثين مناسبة يقول فيها: ” لو لا علي لهلك عمر “، أو: ” أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها ” وما في هذا المضمون (1). بعد مقتل عثمان بن عفان انتقلت الخلافة إلى الكوفة مع البيت الهاشمي، إلا أن المدينة بقيت المركز الام للهاشميين، وما أن استشهد الامام أمير المؤمنين في الكوفة، وبعده بسنين تم الصلح بين الامام الحسن عليه السلام ومعاوية، عاد البيت الهاشمي مرة اخرى إلى مدينة جدهم ليستقروا بها، وتعود الامة إليهم فينهلوا من الماء المعين الذي غذاهم به الرسول صلى الله عليه وآله إذ علمهم توارثوه عن الآباء والاجداد عن النبي عن الله سبحانه، فهم عيبة علم الوحي، وخزانه، وامناؤه،…،… لقد شهدت المدينة المنورة حركة علمية بالخصوص زمن الصادقين عليهما السلام، و


(1) قال معاوية: كان عمر إذا اشكل عليه شئ أخذه من علي. الرياض النضرة: 2 / 194 مطالب السؤول: ص 30. وقال عمر: اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي. الرياض النضرة: 2 / 194. وقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب. الكفاية للكنجي: ص 105، والدر المنثور: 1 / 288. وقوله: أعوذ بالله من معضلة لا علي بها. نور الابصار للشبلنجي: ص 79. ثم انظر الاستيعاب: 3 / 39، مناقب الخوارزمي: ص 48، تذكرة ابن الجوزي: ص 87، تفسير الرازي: 7 / 484.

[39]

أن المحافل العلمية في المدينة كانت تشكل الدعامة القوية لنصرة التشيع وأهل البيت عليهم السلام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله يشهد بذلك. كما أن صحابة السول اتجهوا إلى الائمة عليهم السلام عند تواجدهم في المدينة، كالامام زين العابدين، والامام الباقر، والامام الصادق، والامام الكاظم عليهم السلام، فمثلا اتجه علماء المدينة في أواخر القرن الاول الهجري الى الامام الباقر عليه السلام للاخذ عنه والاختلاف إليه مع وجود رجال من الصحابة والتابعين الذين انفردوا عن خط أهل البيت، بل وشكلوا تيارا منافسا لهم، ومع ذلك لم يحظوا بالمكانة العلمية لما كان يحتلها الامام الباقر عليه السلام وغيره من الائمة عليهم السلام. قال الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري في ” إعلام الورى “: ” قد اشتهر في العالم تبرزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول صلى الله عليه وآله وقبله من علم القرآن والآثار والسنن، وأنواع العلوم والحكم والآداب ما آثر عنه، واختلف إليه كبار الصحابة و وجوه التابعين وفقهاء المسلمين، وعرفه رسول الله صلى الله عليه وآله ب‍ ” باقر العلم ” على ما رواه نقلة الاخبار، عن جابر بن عبد الله الانصاري أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ” يوشك أن تبقى إلى أن تلقى ولدا لي من الحسين يقال له: محمد، يبقر علم الدين، فإذا لقيته فاقرئه عني السلام ” (1). وقال الطبرسي: وروي عن أبي مالك، عن عبد الله بن عطاء المكي، قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي


(1) إعلام الورى: ص 268.

[40]

بين يدي معلمه (1). هكذا كانت المحافل العلمية في المدينة المنورة زمن الامام الباقر عليه السلام. ومن المؤسف جدا لم يهتم مؤرخو المسلمين بتدوين تلك المحافل العلمية إلا ما ورد في بطون الكتب، وهي مبثوثة بشكل احتجاجات اضطر إليها أئمة أهل البيت عليهم السلام لمحاججة خصومهم، وقد دأب أعداؤهم على إخفاء الكثير من تلك، لانها كانت صرخات حق بوجه الظالمين من حكام الجور، وهم بنو امية… ثم هناك مؤلفات كتبت في منتصف القرن الثاني الهجري، مثل ” تاريخ المدينة ” لابن زبالة الذي كان حيا سنة 199 ه‍، وكتب الواقدي المتوفى سنة 207 ه‍ تاريخا للمدينة، وكتب المدائني المتوفى 215 ه‍، وكتاب ” أخبار المدينة ” للزبير بن بكار المتوفى 256 ه‍، إلا أن جل هذه الكتب وغيرها لم تصل إلينا، حيث لعبت بها أيدي الحدثان، وأتلفتها الازمان. لكن كل ذلك لم يفقد بصيص الامل فيما لو أراد الباحث أن يستقرئ أحوال المدينة المنورة اجتماعيا، وسياسيا، وعلميا، ودينيا، طالما كتب الانساب والتراجم والاخبار والحديث زاخرة بفصول كثيرة ومهمة عن الصحابة والتابعين، ودورهم في الدعوة الاسلامية، ونصرتهم للرسول وأهل البيت عليهم السلام. (ثانيا) الكوفة: مصرت الكوفة زمن عمر بن الخطاب عام 17 ه‍ لما دخلها الجند القادمون من المدينة الى القادسية والمدائن، وكان سبب تمصيرها هو أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة، وأن لا يجعل بينه


(1) إعلام الورى: ص 269.

[41]

وبينهم بحرا، فأتى الانبار كي يتخذها مستوطنا له، فلما نزلها كثر عليهم الذباب لنتن هوائها ودكارة مائها، فتحول إلى موضع آخر فلم يصلح كذلك، فتحول إلى الكوفة فاختطها، واقطع للجند القطع والمنازل، وبنى في وسطها مسجدها المعروف اليوم. وقد نزلها زمن عمر بن الخطاب ثلة من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله كابن مسعود، و عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب الانصاري،…،… علما أن هؤلاء كانت لهم مهام إدارية أو علمية، فعمار بن ياسر جاءها واليا من قبل عمر بن الخطاب بعد ما عزل واليها الاسبق سعد بن أبي وقاص، وبعضهم وكلت إليه مهمة القضاء كعروة بن أبي الجعد البارقي، وبعضهم كان معلما للقرآن كابن مسعود… هؤلاء الصحابة – القادمون من المدينة مع الجند الذي فتح القادسية و مصر الكوفة – كانوا يعرفون أهمية الامام علي عليه السلام في الخلافة والامرة، ويعترفون بفضله، وسابقيته في الاسلام، وعلمه، وشجاعته، لهذا كان جلهم يميلون إليه و يتشيعون له، ولما دخلوا الكوفة بثوا كلمة الحق بين صفوف الجند من قبائل مضر واليمن وربيعة وثقيف وهوازن. لذا كانت الكوفة تميل إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام قبل أن يدخلها خليفة أو يتخذها عاصمة للدولة الاسلامية. ولما قتل عثمان بن عفان، وبويع الامام علي بالخلافة، واستقرت عاصمة المسلمين في الكوفة، بدأ التشيع يأخذ قراره فيها، وترسوا قواعده، بفضل الوعي الذي عم أطراف البلاد الاسلامية. وقد اتجهت القلوب والافئدة الطاهرة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، لانسانيته، وعدالته في الحكم، ومساواته بين الرعية، كما أن العالم الاسلامي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لم يشهد ممارسة فعلية لاقامة الحدود الشرعية، والانتصار للمظلوم


[42]

من الظالم، والوقوف بوجه الطبقية، إلا في زمن الامام أمير المؤمنين عليه السلام. والاسباب في ذلك واضحة جلية، وقد شهد الجميع على أنه لا تأخذه في الله لومة لائم، هذا عقيل أخوه يطلب منه شيئا إضافيا على سهمه، فيكوي له حديدة و يضعها على يده فيئن منها، فيجيبه: ” إنك تإن من حديدة صيرها إنسان للعبه، فكيف تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ” (1). هكذا عدالة أمير المؤمنين عليه السلام… بينما تجد من سبقه صير خلافته مغنما لبني عمومية، حتى ظهرت الطبقية في المجتمع في زمنة. نعم، من اطلع على كتب التاريخ والسيرة والتراجم والحديث يجد صدق المدعى، إذ أن تلك الكتب مليئة بسقطات خلفاء السلف، لكن لا تجد أي سقطة أو خدشة في سيرة الامام علي عليه السلام في أي مرحلة من مراحل حياته وخلافته، فلم يقرب أبناء جلدته إلى الحكم، ولا آثر من دنياه حطامها، بل اكتفى بما يسد رمقه، أقراص من خبز الشعير. هذا هو أمير المومنين أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام


(1) قال في خطبة له عليه السلام يتبرأ من الظلم: ” والله، لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الالوان، من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرر علي القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل، يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الاذى ولا أئن من لظى ؟… “. نهج البلاغة: خطبة: 224، ص 346، من كلام له عليه السلام: يتبرأ من الظلم. تحقيق صبحي الصالح.

[43]

الصحابة الذين نزلوا الكوفة: ثم لا غرابة أن تكون الكوفة مركزا لصحابة الرسول – بعد المدينة – والتابعين والقراء والعلماء من أهل الحديث والتفسير والفقه والنحو، طالما نزلها أمير المؤمنين وسيد العارفين وأعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، بل أن النبي صلى الله عليه وآله أمر الامة باتباعه، وأخذ العلم ومعارف الدين عنه عليه السلام، إذ قال: ” أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتي الباب… “، إلى غير ذلك من الاحاديث الشريفة التي قالها النبي صلى الله عليه وآله بحق أمير المومنين عليه السلام لذا تجد كبار الصحابة من القراء وحملة الحديث يتجهون إلى الكوفة لتكون مستقرا لهم، بل ليكونوا جنودا للاسلام تحت راية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام وإليك بعض الصحابة الذين نزلوا الكوفة في عهد أمير المؤمنين عليه السلام أو من دخلها بأمر منه في زمن فتحها على عهد عمر بن الخطاب: 1 – اسامة بن شريك الثعلبي، من قيس غيلان، روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله. 2 – الاسود بن ثعلبة اليربوعي، شهد خطبة النبي في حجة الوداع. 3 – الاسود بن يزيد بن قيس النخعي، معمر مخضرم، توفي سنة 74 ه‍. 4 – أبو طيبة، صاحب منحة رسول الله صلى الله عليه وآله وممن حدث عن الرسول قوله صلى الله عليه وآله: ” بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان… إلخ ” الحديث. 5 – أبو خلاد، ممن روى عن الرسول صلى الله عليه وآله. 6 – أبو الخطاب، ممن روى عن الرسول صلى الله عليه وآله. 7 – أبو امية الفزاري، ذكره ابن سعد في طبقاته وآخرون. 8 – ابن أبي شيخ المحاربي، ذكره ابن سعد في طبقاته. 9 – الاشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام


[44]

يوم صفين، مات بالكوفة في داره التي ابتناها في كندة. 10 – الاغر بن يسار المزني من المهاجرين. 11 – أبو قتادة بن ربعي الانصاري، ممن شهد غزوة احد، نزل الكوفة ثم ارتحل إلى المدينة ومات فيها سنة 54 ه‍. 12 – البراء بن عازب بن الحارث الانصاري، نزل الكوفة وله فيها دار، ثم انتقل إلى المدينة وتوفي فيها زمن مصعب بن الزبير. 13 – برهة بن معاوية بن أبي سفيان بن منقذ، أبو قبيصة. 14 – نمير، أبو مالك الخزاعي. 15 – بلال بن بليل بن اميحة، شهد غزوة احد وغيرها، ثم نزل الكوفة ناصرا لامير المؤمنين وقاتل معه، وقيل: إستشهد في صفين. 16 – بشير بن الخصاصية، وقيل: اسمه زحم بن معبد الدوسي. 17 – ثابت بن وديعة بن جذام. 18 – ثعلبة بن الحكم بن عرفطة الليثي، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله غزوة حنين. 19 – جرير بن عبد الله البجلي، أبو عمرو، له دار في الكوفة في بجيلة، توفي بالسراة زمن النعمان بن قيس سنة 51 ه‍. 20 – جابر بن سمرة السوائي، حليف بني زهرة، له دار في الكوفة، قيل: إنه توفي سنة 74 ه‍. 21 – جابر بن أبي طارق الاحمسي من بجيلة. 22 – جبة بن خالد الاسدي، روى عن النبي صلى الله عليه وآله. 23 – الجحدمة، وقيل: جهدمة، روى عن النبي صلى الله عليه وآله. 24 – جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي.


[45]

25 – الحارث بن زياد الانصاري، كان بدريا، ابتنى له دارا بالكوفة. 26 – الحارث بن سويد. 27 – الحارث بن قيس الجعفي. 28 – حارثة بن وهب الخزاعي، أخو عبيد الله بن عمر لامه. 29 – الحارث بن حسان البكري الذهلي، ممن روى عن النبي صلى الله عليه وآله. 30 – حبشي بن جنادة بن نصر بن اسامة، شهد مع أمير المؤمنين علي عليه السلام غزواته: الجمل، وصفين، والنهروان. 31 – حذيفة بن أسيد الفغاري، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله صلح الحديبية، قيل: إنه مات سنة 42 ه‍. 32 – حذيفة بن اليمان، شهد احد مع النبي صلى الله عليه وآله وباقي المشاهد، توفي بالمدائن زمن أمير المؤمنين علي عليه السلام سنة 36 ه‍. 33 – حريز، له رواية عن النبي صلى الله عليه وآله، ذكره البغوي. 34 – حنظلة بن الربيع التميمي الكاتب للنبي صلى الله عليه وآله، شهد القادسية، ونزل الكوفة واعتزل أمير المؤمنين عليه السلام، وقد مات في خلافة معاوية في قرقيسيا. 35 – خالد بن عرفطة، له دار في الكوفة، مات سنة 60 ه‍ فيها. 36 – خريم بن الاخرم بن شداد بن عمرو. 37 – خزيمة بن ثابت بن فاكة الخطمي الانصاري، ذو الشهادتين، نزل مع أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة واستشهد معه في صفين سنة 37 ه‍. 38 – خلاس بن عمرو. 39 – خيثمة بن عبد الرحمان. 40 – خباب بن الارت، شهد بدرا، ونزل الكوفة وابتنى فيها دارا، وشهد


[46]

مع أمير المؤمنين عليه السلام صفين وتوفي بعد منصرفه منها، فصلى عليه أبو الحسن عليه السلام، و دفن بظهر الكوفة. 41 – دكين بن سعيد الخثعمي. 42 – رباح بن الربيع بن صيفي التميمي. 43 – الربيع بن خيثم. 44 – الرسيم العبدي الهجري. 45 – رشيد بن مالك السعدي التميمي الاسدي. 46 – رفاعة بن يثربي، الذي يكنى أبو رمثة التميمي، وقيل: اسمه حبيب بن حيان، وقيل: يثربي بن رفاعة. 47 – زاذان، أبو عمرو الكندي. 48 – زاهر بن زاهر الاسلمي، ممن بايع تحت الشجرة، وهو صاحب عمرو بن الحمق الخزاعي. 49 – زر بن حبيش، توفي سنة 82 ه‍، معمر، مخضرم، وله من العمر 120 سنة. 50 – زياد بن جرير. 51 – زيد بن أرقم الانصاري، له دار في الكوفة، توفي زمن المختار سنة 68 ه‍. 52 – زيد بن أبي شيبة. 53 – زيد بن صوحان. 54 – زيد بن وهب. 55 – سعد بن أبي وقاص شهد بدرا، وفتح القادسية، ونزل الكوفة ووليها من قبل عمر بن الخطاب ثم عزل منها، ثم وليها من قبل عثمان بن عفان ثم عزل


[47]

منها، توفي بالمدينة سنة 55 ه‍. 56 – سالم بن عبيد الاشجعي، من أهل الصفة. 57 – سعد بن جبير بن معاوية، شهد احدا ونزل الكوفة. 58 – سعيد بن حريث بن عمرو بن عثمان، شهد فتح مكة، ثم نزل الكوفة ومات فيها. 59 – سعيد بن يزيد بن عمرو بن ثفيل بن عبد العزى، شهد بدرا، وتوفي سنة 50 ه‍. 60 – سلمان الفارسي، أبو عبد الله، شهد الخندق، ثم نزل الكوفة مع الامير عليه السلام، ثم واليا على المدائن من قبل أمير المؤمنين عليه السلام، وتوفي فيها سنة 36 ه‍. 61 – سلمان بن صرد بن جون الخزاعي، ممن شهد صفين مع الامير عليه السلام، وقد كاتب الحسين عليه السلام لكن لم يشهد كربلاء، إذ حبسه عبيدالله بن زياد، ثم اشترك مع التوابين واستشهد سنة 65 ه‍. 62 – سلمة بن صهيب. 63 – سلمة بن قيس الاشجعي الغطفاني. 64 – سلمة بن نعيم بن مسعود الاشجعي. 65 – سلمة بن يزيد بن مشجعة المذحجي. 66 – سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير، حليف بني زهرة، توفي سنة 58 ه‍، وقيل: غير ذلك. 67 – سمرة بن جندب بن هلال بن جريح، من حلفاء الانصار، وهو غير الذي مر، توفي سنة 59 ه‍. 68 – سويد بن غفلة المذجحي، ولد عام الفيل، وتوفي بالكوفة سنة 82 ه‍.


[48]

69 – سويد بن قيس العبدي، أبو مرحب. 70 – سويد بن مقرن أبو عدي. 71 – سنان بن مقرن، ممن شهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وآله. 72 – سهل بن حنيف، شهد بدرا، ونزل الكوفة، ثم ولاه أمير المؤمنين المدينة، وقد توفي بعد ذلك في الكوفة سنة 38 ه‍ وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام. 73 – شرحبيل بن الاعور بن عمرو بن معاوية. 74 – شريح بن الحارث الكندي، ولي قضاء الكوفة، وهو من المعمرين، مخضرم، استمر في القضاء الى سنة 62 ه‍، توفي سنه 70 ه‍. 75 – شقيق بن سلمة. 76 – شكل بن حميد العبسي. 77 – شيبان الانصاري، وهو جد أبي هبير الشيباني الانصاري. 78 – صخر بن العيلة بن عبد الله بن ربيعة. 79 – صفوان بن عسال المرادي، شهد بعض غزوات الرسول صلى الله عليه وآله. 80 – الصنابح بن عمير، أبو صفوان. 81 – ضرار بن الازور – مالك – بن أوس بن خزيمة. 82 – طارق بن الاشيم الاشجعي. 83 – طارق بن زياد الجعفي، توفي سنة 100 ه‍. 84 – طارق بن عبد الله المحاربي. 85 – طلحة بن مصرف الايامي. 86 – الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. 87 – عامر بن شهر الهمداني، أحد عمال النبي صلى الله عليه وآله على اليمن.


[49]

88 – عامر بن عمرو المزني، أبو هلال. 89 – عامر بن واثلة الكناني، آخر من مات من الصحابة، توفي 110 ه‍. 90 – عبد بن أبي أوفر، علقمة، نزل الكوفة ومات فيها سنة 86 ه‍، وهو آخر صحابي توفي فيها. 91 – عبد الرحمان بن الاسود النخعي. 92 – عبد الرحمان بن أبي عقيل الثقفي. 93 – عبد الرحمان بن أبي ليلى، غرق مع ابن الاشعث سنه 83 ه‍. 94 – عبد الرحمان بن حسنة الجهني، أخو شرحبيل بن حسنة. 95 – عبد الرحمان بن مقرن المزني. 96 – عبد الرحمان الهمداني. 97 – عبد ربه بن سيلان، وقيل: اسمه جابر. 98 – عبد الله بن سخبرة. 99 – عبد الله بن حبيب السلمي، معلم القرآن في الكوفة أربعين عاما، يكنى أبا عبد الرحمان، توفي سنه 72 ه‍. 100 – عبد الله بن عتبة بن مسعود. 101 – عبد الله بن قيس، أبو موسى الاشعري، شهد خيبر، ونزل الكوفة، و هو أحد الحكمين، توفي بالمدينة سنة 42 ه‍. 102 – عبد الله بن مسعود الهذلي، أبو عبد الرحمان، شهد بدرا، ونزل الكوفة وله دار فيها، ثم توفي بالمدينة سنة 32 ه‍. 103 – عبد الله بن المعرض بن عمر، أبو المغيرة. 104 – عبد الله بن يزيد بن زيد الخطمي الانصاري، نزل الكوفة ومات فيها،


[50]

وقد وليها زمن عبد الله بن الزبير. 105 – عبيد بن خالد السلمي، شهد صفين، وبقي إلى زمن الحجاج. 106 – عبيدة بن قيس السلماني، توفي سنه 72 ه‍. 107 – عبيدة بن نضلة. 108 – عتاب بن شمير. 109 – عتبة بن فرقد من قبيلة ربيعة، نزل الكوفة وله دار فيها، فتح الموصل في عهد عمر، ثم توفي في الكوفة سنة 18 ه‍. 110 – عدي بن حاتم الطائي، شهد مع الامير عليه السلام الجمل وصفين، وذهبت إحدى عينيه يوم الجمل، توفي زمن المختار سنة 68 ه‍. 111 – عدي بن عميرة الكندي، أبو زرارة، توفي بالكوفة سنة 40 ه‍. 112 – عرفجة بن شريح الاشجعي. 113 – عروة بن أبي الجعد البارقي الازدي، كان قاضيا من قبل عمر على الكوفة. 114 – عروة بن مضرس بن أوس الطائي. 115 – عقبة بن عمرو، أبو مسعود الانصاري، توفي بالمدينة في أواخر زمن معاوية. 116 – عقيل بن مقرن المزني، أبو حكيم. 117 – علقمة بن قيس النخعي، توفي سنه 72 ه‍. 118 – عمار بن ياسر اليماني، أبو اليقظان، شهد حروب أمير المؤمنين عليه السلام واستشهد بصفين سنة 37 ه‍. 119 – عمارة بن رويمة.


[51]

120 – عمرو بن الحمق الخزاعي، شهد معارك أمير المؤمنين عليه السلام، وكان أحد الرسل إلى معاوية من قبله عليه السلام، ثم قتله معاوية سنة 51 ه‍ مع ثلة من جل أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. 121 – عمر بن خارجة بن المنتفق الاسدي، حليف بني امية وآل أبي سفيان. 122 – عمرو بن الاحوص الجشمي، شهد مع النبي حجة الوداع. 123 – عمرو بن بليل بن احيحة. 124 – عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان، ابتنى له دارا في الكوفة، توفي فيها سنة 85 ه‍. 125 – عمرو بن شرحبيل الهمداني. 126 – عمرو بن ميمون الاودي، معمر، مخضرم، توفي سنة 74 ه‍. 127 – عمير بن أفلح بن شرحبيل بن ربيعة الهمداني. 128 – عوف بن الحارث بن عوف، استشهد بصفين. 129 – غالب بن أبحر المزني. 130 – الفجيع بن عبد الله بن خندج العامري، ممن كتب للنبي صلى الله عليه واله. 131 – فرات بن حيان بن ثعلبة، ممن شهد الخندق، ثم نزل الكوفة وله فيها دار. 132 – الفلتان بن عاصم الجرمي. 133 – قرظة بن كعب الانصاري، ممن وجههم عمر بن الخطاب من الانصار مع عمار بن ياسر إلى الكوفة في ولايته. 134 – قطبة بن مالك من بني ثعلبة. 135 – قيس بن الحارث الاسدي.


[52]

136 – قيس بن سعد بن عبادة الساعدي، ممن خدم النبي صلى الله عليه واله عشر سنين، سار مع أمير المؤمنين عليه السلام وكان على شرطة الخميس، وشهد صفين، توفي سنة 85 ه‍. 137 – قيس بن عائد البجلي، أبو كاهل، توفي زمن المختار. 138 – قيس بن عمير بن وهب بن صران الغفاري. 139 – كردوس بن هانئ. 140 – لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب، توفي بالكوفة لما نزلها معاوية سنة 41 ه‍ لمصالحة الامام الحسن عليه السلام. 141 – مالك بن ربيعة، أبو مريم السلولي، شهد بيعة الشجرة مع النبي صلى الله عليه واله. 142 – مالك بن عامر. 143 – مالك بن عبد الله الخزاعي. 144 – مالك بن عمير، أبو صفوان. 145 – مالك بن عوف بن نظلة بن خديج. 146 – مجمع بن جارية بن عامر، قيل: إنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه واله، توفي زمن معاوية. 147 – محمد بن صفوان. 148 – محمد بن صيفي بن سهل بن الحرث. 149 – مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف الازدي، جد لوط بن يحيى، والمشهور بكنيته: أبو مخنف، صاحب المقتل المعروف، ومخنف بن سليم من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. 150 – مرداس بن مالك الاسدي.


[53]

151 – مرة بن شرحبيل. 152 – المستورد بن شداد بن عمرو الفهري، توفي بالاسكندرية سنة 45 ه‍ 153 – مسروق بن الاجدع. 154 – المسور بن يزيد الاسدي الكاهلي. 155 – معقل بن سنان الاشجعي، قتل يوم الحرة صبرا سنة 63 ه‍. 156 – معقل بن مقرن، أبو عبد الله. 157 – معن بن يزيد بن الاخنس بن حبيب، واستشهد مع أبيه في مرج راهط سنة 54 ه‍. 158 – المغيرة بن شعبة، شهد صلح الحديبية، ونزل الكوفة وتوفي بها سنة 50 ه‍. 159 – نافع بن عتبة بن أبي وقاص، عمه سعد بن أبي وقاص. 160 – نبيط بن شريط الاشجعي، من قيس عيلان. 161 – النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي، أبو عبد الله، كان عاملا لمعاوية على الكوفة قبل عبيدالله بن زياد. 162 – النعمان بن عمرو بن مقرن، شهد الخندق، واستشهد في وقعة نهاوند سنة 21 ه‍. 163 – نقادة بن عبد الله بن خلف الاسدي، أبو بهية. 164 – نمير الخزاعي، أبو مالك. 165 – نوفل بن فروة الاشجعي. 166 – الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخو عثمان لامه، ولي إمارة الكوفة من


[54]

قبله، وهو الذي نزلت فيه الآية الكريمة: ” إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا… ” (1)، وقد شرب الخمر حتى ثمل ثم جاء وصلى بالناس فريضة الصبح أربع ركعات،… وقد عزله عثمان وما كاد يفعل. 167 – وائل بن حجر الحضرمي، توفي زمن معاوية. 168 – وصيلة بن زفر. 169 – وهب بن خنش الطائي. 170 – وهب بن عبد الله، أبو جحيفة السوائي، توفي بالكوفة سنة 74 ه‍ 171 – هاني بن أوس الاسلمي، توفي زمن معاوية بالكوفة. 172 – هاني بن يزيد بن نهليك بن دريد الحارثي، أبو الحكم. 173 – همام بن الحارث. 174 – المهلب بن يزيد بن عدي الطائي. 175 – يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي المذحجي، أبو سبرة، توفي سنة 100 ه‍. 176 – يزيد بن معاوية النخعي. 177 – يزيد بن نعامة، أبو مودود الضبي (2). هذه جملة من الصحابة الذين نزلوا الكوفة: إما فاتحين، وإما امراء، أو قضاة، أو عمال للخليفة، وإما سكنوها لطيب هوائها، وعذوبة مائها، ووفرة خيراتها، والبعض نزلها لما حل فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة، وهكذا من


(1) الحجرات: 6. (2) للاطلاع انظر تاريخ الطبري، تاريخ ابن الاثير، رجال الطوسي، رجال النجاشي، رجال الكشي، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، تاريخ الكوفة للبراقي، الاصابة في تمييز الصحابة، رجال البرقي.

[55]

بعده الامام الحسن عليه السلام. وقد أحصت كتب التاريخ أن الصحابة الذين نزلوا العراق وشاركوا أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه وغزواته ضد معاوية أو ضد الخوارج قد ناهزوا ثلاثة آلاف رجلا. قال الطبري: ” وكان ممن شهد صفين مع علي من اصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا: منهم سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الانصار، وشهد معه من الانصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين و ثمانمائة ” (1). ولا يخفى أن بعض من ذكرنا من الصحابة ساءت عاقبته، فاستحب العمى على الهدى، وزلت قدمه لما اعتزل أمير المؤمنين، بل أن لفيفا منهم ركن إلى معاوية، أو كان عينا له في حكومة أمير المؤمنين ; كالاشعث وآخرين، إذ كانوا يتربصون الدوائر بالامام أمير المؤمنين، ويكيدوا له الدسائس، ويحيكوا ضده الفتن، بل كان شأنهم خلق المتاعب والمصاعب وإظهار البلبلة والهرج. أما البيوتات الطالبية والعلوية التي نزلت الكوفة فهم كثيرون جدا، قد لا يحصيها عدد، لكن أبرزها هي: بيوت منتسبة إلى أولاد عقيل بن أبي طالب. بيوت منتسبة إلى أولاد جعفر بن أبي طالب. بيوت تنتهي في النسب إلى زيد بن الحسن بن علي عليهما السلام. بيوت تنتهي في النسب إلى زيد الشهيد، ابن الامام زين العابدين عليه السلام.


(1) تاريخ الطبري: 2 / 352.

[56]

بيوت تنتهي في النسب إلى الحسين الاصغر، ابن الامام زين العابدين عليه السلام. بيوت تنتهي في النسب إلى عبد الله الاشتر بن محمد ذي النفس الزكية. بيوت تنتهي في النسب إلى إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى. بيوت تنتهي في النسب إلى الحسن الافطس بن علي الاصغر ابن الامام زين العابدين عليه السلام. بيوت تنتهي في النسب إلى محمد بن الحنفية، ابن الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام. بيوت تنتهي في النسب إلى عبيدالله بن العباس ابن أمير المؤمنين عليه السلام. بيوت تنتهي في النسب إلى العباس ابن الامام الكاظم عليه السلام. السبيعيون، وهم من أعيان العلويين، كانوا يسكنون في محلة السبيعية بالكوفة. بيوت تنتهي في النسب إلى الحسين – المعروف بذي الدمعة – بن زيد الشهيد. وهناك بيوتات طالبية وعلوية اخرى كثيرة، كبني الصوفي، وبني الصياد، وبني الفوارس والمخائطة، وبني الايسر، وبني الاشتر، وبني الصابوني، وبني طويل الباع،…،…، ولكل فرع أو بطن من هذه التي ذكرناها مئات البيوت والاسر، وإن كتب الانساب والمشجرات قد ذكرت جملة منهم (1)، وإن أحصينا السلف منهم لكان عدادهم مئات الالوف، وأما اليوم فإن عددهم يربو على مائة مليون في شرق الارض وغربها، تقاذفتهم أيدي الزمان وجور السلطان، ألا لعنة الله على القوم الظالمين الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون،


(1) انظر ” تاريخ الكوفة “، للسيد حسين بن السيد أحمد البراقي 1261 – 1332 ه‍، فقد استفدنا منه في حديثنا عن الكوفة، ط النجف 1356 ه‍.

[57]

وصدق الله وعده حيث قال تعالى مخاطبا نبيه: ” إنا أعطيناك الكوثر ” أي الذرية الطيبة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام (1). هكذا أصبحت الكوفة مرتعا للصحابة والتابعين، وأهل البيت بالخصوص، والعلماء منهم والفقهاء والمحدثين والنحاة والشعراء والادباء، فهي بالاضافة إلى كونها مركزا سياسيا وعسكريا بحكم انتقال عاصمة الدولة الاسلامية إليها، فهي أيضا تعد مركزا مهما من مراكز العلم والعلماء والتشيع طيلة الحكم الاموي والعباسي حتى القرون الوسطى، لكن نشاطها العلمي يرز جليا في القرن الاول والثاني والثالث الهجري، وبالخصوص فترة إمامة الصادق عليه السلام، وأن مسجد الكوفة كان يعج بالعلماء والفقهاء والمحدثين، كلهم يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام، وأن كتب السيرة والتراجم قد أحصت من تلامذة الامام الصادق عليه السلام الثقات والرواة عنه، على – اختلافهم في المقالات والاتجاهات – أربعة آلاف رجل (2). وقال الحسن بن علي البجلي المعروف بالوشاء: ” إني أدركت في هذا المسجد – مسجد الكوفة – تسعمائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام ” (3). وقد أفرد أبو العباس أحمد بن عقدة كتابا في الاخذين عن الامام الصادق عليه السلام سماه: ” كتاب رجال من روى عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام “. كما أحصاهم شيخ الطائفة الطوسي – قدس سره – في رجاله، في باب أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه السلام. وقد صنف هؤلاء من أحاديث الشيعة المروية عنه عليه السلام أربعمائة كتاب،


(1) انظر مجمع البيان: ج 10 ص 548، تفسير سورة الكوثر، آية 1. (2) انظر ” إعلام الورى باعلام الهدى ” للطبرسي من أعلام ق 6 ه‍: ص 284، ط 3 دار الكتب الاسلامية. (3) تاريخ الكوفة: ص 408.

[58]

تسمى بالاصول الاربعمائة، وهي الاساس لكتب الحديث الاربعة المعروفة عند الامامية: ” الكافي ” للكليني، و ” من لا يحضره الفقيه ” للشيخ الصدوق، وكتابي ” التهذيب ” و ” الاستبصار ” لشيخ الطائفة الطوسي. أما أبرز الاسر العلمية التي سكنت الكوفة – وكان لها دور في نشر التشيع، انطلاقا من الكوفة إلى بقية المدن والامصار – هم الاسر التي كانت تنحدر من أصل حجازي أو يماني، أو الذين كانوا موالي لاهل البيت عليهم السلام، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: آل أبي أراكه، وأراكه اسمه ميمون مولى كندة البجلي، وأحفاده كانوا من أصحاب الامام الباقر والصادق عليهما السلام، وهم من البيوت الشيعية المعروفة في الكوفة، ورجالهم ثقات، ذكرهم الطوسي في رجاله، والبرقي والنجاشي في كتبهم الرجالية. آل أبي الجهم ; ينتهي نسبهم الى قابوس بن النعمان بن المنذر، وأحفاده من أعيان الشيعة بالكوفة، وممن رووا عن الائمة عليهم السلام. آل أبي الجعد، ذكر جملة من أعيانهم ابن حجر العسقلاني في كتاب ” التقريب “، وأبو الجعد اسمه رافع الاشجعي، وأولاده من أصحاب الامام أمير المؤمنين، وأحفاد أولاده من أصحاب الامام الباقر عليه السلام، منهم: رافع بن سلمة بن زياد. آل أبي سارة، بيت معروف بالكوفة، ومن الشيعة الذين يشار إليهم بالبنان ; لفضلهم وأدبهم، من أولاد أبي سارة: الحسن ومسلم، رووا عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام، وهكذا أبناؤهم. آل أبي رافع، رافع كان مولى رسول الله صلى الله عليه واله، فله صحبة معه، ثم كان من


[59]

أصحاب أمير المؤمنين وخازن بيت ماله، وقد شهد الجمل وصفين والنهروان، وولداه: عبد الله وعلي، كانا من المقربين عند أمير المؤمنين عليه السلام، وممن خصوا له بالكتابة، وقد ذكرنا تفصيل ترجمتهم في كتابنا ” علم الرجال ” فراجع. آل أبي شعبة الحلبيون، من البيوت الرفيعة بالكوفة، وكان أبو شعبة جدهم من أصحاب الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام، وأحفاده وهم: عبيدالله، ومحمد، وعمران، وعبد الاعلى، أبناء علي كلهم من أصحاب الامام الصادق عليه السلام، وعبيدالله وإخوانه كانوا يمتهنون التجارة بين حلب والعراق، لذا سموا بالحلبيين. آل أعين، لقد ذكر السيد الابطحي أسماء هذه الاسرة وأبنائهم وأحفادهم وصحبتهم للائمة الاطهار في كتابه ” آل زرارة “، وأعين له من الاولاد: حمران، وزرارة، وعبد الملك، وبكير، وكلهم من وجوه الشيعة وأعيان الكوفة، ومن الاسر العلمية المبرزة، لهم سابقية فضل وأدب، الاوائل منهم كانوا من أصحاب الامام السجاد والباقر والصادق وذراريهم، ساروا في خط أهل البيت، وصحبوا الائمة عليهم السلام، وكانوا من أبرز الخواص والمقربين لهم، حتى أدركوا الغيبة، وقد كثر عددهم وذاع صيتهم. بنو تغلب الصيرفي، وهم ينتسبون إلى حيان الصيرفي، والصرافة مهنة كانت له يمارسها في الكوفة، وأحفاده من كبار الشيعة، فإسحاق بن عمار بن حيان وإخوانه: إسماعيل، وقيس، ويوسف، ويونس، وأبنائهم ممن رووا الحديث عن الائمة الاطهار عليهم السلام، وبالخصوص عن الامام الصادق عليه السلام، وقد ذكرهم النجاشي، والطوسي، وغيرهم. بنو دراج، جميل بن دراج ونوح وأخوه، من كبار الشيعة، وثقاتهم، وممن رووا عن الائمة عليهم السلام، ولهم شأن كبير في رواية الحديث، ونوح بن دراج كان


[60]

قاضيا بالكوفة، أما جميل فيعد من أصحاب الاجماع، وأخبار بني دراج مشهورة ومسطورة في كتب التراجم. بنو رباط، وهم: عبد الله، والحسن، وإسحاق، ويونس، أولاد رباط البجلي الكوفي، وأبناؤهم أيضا معروفون، من كبار الشيعة، ولهم تصانيف عديدة، ذكر منها الطوسي في ” الفهرست “، وعد الشيخ جملة من رجالهم في كتابه، وبعضهم روى عن الامام الصادق عليه السلام، فلا يعدو القول من أنهم من حملة الحديث والفقه. بنو إلياس البجلي، منهم: عمرو بن إلياس، من أصحاب الامام الباقر والصادق عليهما السلام، وإلياس بن عمرو من أصحاب الامام الصادق عليه السلام، وله كتاب، وأولادهم ممن أخذوا الحديث عن الصادق عليه السلام، وتفقهوا على يديه، وحازوا قصب السبق في زمانهم. بنو عبد ربة بن أبي ميمون بن يسار الاسدي، وهم من أصحاب الامام الصادق عليه السلام، ذكر الكشي جملة منهم، وكذلك النجاشي، والشيخ الطوسي في ” الفهرست “، وقد عد النجاشي بعضا منهم في أصحاب الامام الباقر عليه السلام. هذه بعض الاسر التي اشتهرت بالكوفة، فهي وأبناؤها كانت من حملة الحديث وروايته، كما أن الكثير منهم له مصنفات وكتب واصول معتمد عليها عند الطائفة، بل أن المحدثين الثلاث اعتمدوا على اصولهم وكتبهم، وقد تركنا التفصيل خوف الاطالة، كما أعرضنا كشحا عن استيعاب كل الاسر، إذ تركنا الاسر إلى مناسبة اخرى. هكذا شاءت الارادة الالهية أن تكون الكوفة بؤرة الاشعاع الديني والفكري لبقية البلدان والامصار، إلى أن خربتها أيدي الظلمة من حكام بني امية والعباسيين، سعيا منهم لاطفاء نور الله الذي تمثل في بيوت الائمة الاطهار والعترة الطيبة من أهل


[61]

البيت عليهم السلام، فلاحقوا ولد علي وفاطمة بالقتل والسم والسجن والتشريد، وما سلم منهم حتى الطفل الرضيع. (ثالثا) قم المقدسة: من المراكز العلمية للشيعة، مدينة قم، وقد لعبت دورا كبيرا في الماضي والحاضر، ولها شأن متميز من بين المدن الاسلامية. كيف مصرت قم ؟ سار أبو موسى الاشعري بجيش البصرة ممدا النعمان بن مقرن لفتح نهاوند، وما سبذان، وبعدها سار إلى الاهواز، ثم عاد إلى قم ففتحها واستقر بها (1)، ومنها بعث الاحنف بن قيس لفتح ” كاشان “، وذلك زمن عمر بن الخطاب، وقد ساعد أبو موسى الاشعري والاحنف في فتح هذه البلاد الجيش الذي وجهه عمر بقيادة عبد الله بن بديل، فوافاهما بجيشه واشترك الجميع في التوجه إلى إصبهان ففتحوها. قم بلدة قديمة، ولها عدة محلات، وقد فتحت عنوة وإن كان بعض المؤرخين يقول: إنها فتحت مصالحة بدون حرب (2). وحدودها تقع 40 فرسخا في 40 فرسخا، وقد ذكر البرقي كما ينقله المؤرخ الحسن بن محمد القمي في كتابه ” تاريخ قم “: إن حدها الاول: همدان إلى ميلاذجرد والتي تسمى ساوة، والحد الثاني: من ري إلى جوسق داود ابن عمران الاشعري الذي يبعد بفرسخين من دير كرج، والحد الثالث: من ناحية فراهان وهي كرج


(1) فتوح البلدان للبلاذري أبو الحسن، ت 279: ص 308، م السعادة – مصر 1959 م. (2) تاريخ قم للحسن بن محمد بن الحسن القمي ت 378، مترجم إلى الفارسية سنة 805 ه‍.

[62]

اليوم، والحد الرابع: من طرف إصفهان إلى الوادي وسط قرية درام وجرقام، ووسط قرية راوندست (1). ولما كانت الفتن الحاصلة في العراق والكوفة بالذات تتوالى، وأن ضحيتها هم الشيعة، كما أن الحكام وظلمهم لاهل البيت لم ينفك طيلة الحكم الاموي، بل أن ملاحقة محبيهم وشيعتهم كان ديدنهم، فقد كثرت الوقائع والمحن على أبناء علي وفاطمة وأتباعهم. إن مسلسل الاحداث بدأ بمقتل أمير المؤمنين عليه السلام، ثم الحسن عليه السلام، ثم واقعة كربلاء ومقتل الامام الحسين عليه السلام، وبعدها أخذت الكوفة تتلقى الصدمات العنيفة من ولاتها وامرائها، وأبرز صورة عنف شهدتها الكوفة هي أيام الحجاج بن يوسف الثفقي الذي أهلك العباد، وخرب البلاد، وأحرق الحرث والنسل، فظلمه وجوره وتعسفه في الحكم وغطرسته بلغت إلى حد أن يهرب الناس من لظى جوره وفجوره، فالقتل والتشريد والحبس والتعذيب والممارسات اللاخلقية كلها سمات بارزة في سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي، فحياته صفحة سوداء ملطخة بدماء الابرياء من آل البيت عليهم السلام، وعار في جبين التاريخ، وقد أمر مناديه في الكوفة: أن برأت الذمة من آل سائب أو مالك بن عامر الاشعري، وأن دمهم مهدور، مما أجبر الاشعري على ترك الكوفة والهجرة إلى إيران حتى وصلوا إلى نهاوند ودينور (2). وفي زمنه أيضا هرب عبد الله، والاحوص، ابنا سعد بن مالك بن الاحوص الاشعري إلى قم، وكانت الخلافة الاموية آنذاك لعبد الملك بن مروان (3).


(1) المصدر السابق: ص 26. (2) گنجينة آثار قم لعباس فيض: ص 138، ط 1. 1349، مطبعة مهراستور – قم. (3) مجئ عبد الملك إلى الخلافة كان في شهر رمضان من عام 65 ه‍، وحكم 21 سنة، وكان

[63]

أما سبب خروج الاحوص فإنه كان من أتباع المختار الثقفي (1) الذي خرج


الحجاج واليا على العراق من قبل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بن عبد الملك، وابتدأت إمرته عام 75 واستمر الى عام 95، أي كانت إمارته 20 عاما. (1) لقد اشتبه بعض المؤلفين لما نسب الاحوص الى اتباع زيد الشهيد، لان هجرة الاشعريين من الكوفة كانت زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، والذي كان واليا على العراق منذ عام 75 ه‍ الى عام 95 ه‍، بمعنى استمرت إمارته من حكومة عبد الملك بن مروان (65 – 86) إلى حكومة الوليد بن عبد الملك (86 – 96)، ثم جاء من بعد الوليد أخوه سليمان بن عبد الملك فحكم من (96 – 99)، وبعده جاء عمر بن عبد العزيز وكانت حكومته (99 – 101)، ثم جاء بعده يزيد ابن عبد الملك وحكم (101 – 105)، ثم جاء هشام بن عبد الملك فحكم (105 – 125). وكتب التاريخ وأرباب المقاتل تذكر أن ولادة زيد بن علي الشهيد كانت عام 80 ه‍، والبعض يذكر عام 75 ه‍، وأما شهادته فلا اختلاف في كونها زمن هشام بن عبد الملك، إلا أنهم اختلفوا في كونها سنة 120 أم سنة 122، فيوم استشهد زيد – رضوان الله عليه – كان عمره 42 سنة، وعلى بعض الروايات أن عمره الشريف 47 سنة. فمن الانسب والمعقول أن يكون الاحوص وعبد الله من أولاد سعد بن مالك، وأنهما كانا من أتباع المختار، ولما انتهت حكومة المختار باستشهاده بالكوفة، ودخول مصعب بن الزبير سنة (67)، ثم بعد ذلك آلت الامور أن يدخلها الحجاج بن يوسف الثقفي واليا سنة (75)، وجد نفسه مدينا للامويين الذين أسندوا له إمارة الكوفة، لذا أخذ يتتبع أنصار المختار فينتقم منهم، ومن كان في جنده، أو من أتباعه الذين ثأروا لدماء أهل البيت عليهم السلام بعد استشهاد الحسين عليه السلام في كربلاء. فلو سلمنا أن الاحوص كان من أنصار المختار وأعوانه، ثم ولاءه للمختار وأهل البيت عليهم السلام قاده إلى أن يمكث في سجن الحجاج بن يوسف الثقفي أربع سنوات، وبعدها خرج من السجن بعدما عفا عنه الحجاج، فكل ذلك يؤدي بنا أن نرجح تاريخ هجرة الاشعرين إلى قم حدود عام 90 ه‍ أو ما بعدها بسنة واحدة أو سنتين، وغاية ما يقال: إنهم دخلوا قم سنة 93 ه‍، فأين الاحوص من اشتراكه مع ثورة زيد التي كانت عام 122 ه‍ زمن هشام بن عبد الملك ؟ ! وللاحوص إخوة، هم: عبد الله، وعبد الرحمان، وبكر، ونعيم، ويستفاد من ترجمة المامقاني لعبدالله، أن سعدا والدهم هو أول من سكن قم، وقد ترحم عليهم الامام الصادق عليه السلام. قال في التنقيح: عبد الله بن سعد بن مالك الاشعري، يظهر من ترجمة ابنيه عمران وعيسى، (*)

[64]

بالكوفة على الحكم الاموي، وهو صاحب لوائه وقائده العام على جبشه، ولما استشهد المختار في الكوفة القي القبض على الاحوص من قبل الحجاج لما جاءها واليا، ومكث في السجن مدة طويلة. وكان للحجاج يومان: أحدهما السعد، والآخر النحس – كما قيل -،


جلالته، اما في عمران فإن أبا عبد الله عليه السلام حيث قربه وسأله عن حاله وحال ولده وأهله وبني عمه وأهل بيته، وسئل عليه السلام عنه، من هذا ؟ قال الامام الصادق عليه السلام: ” هذا نجيب من قوم نجباء، ما نصب لهم جبار إلا قصمه الله “، وفي خبر آخر: ” هذا من أهل البيت النجباء، يعني أهل قم ما أرادهم جبار من الجبابرة إلا قصمه الله تعالى “. وأما في عيسى فقول علي بن أحمد العقيقي في ترجمة عيسى أنه يشبه أباه، وكان وجها عند أبي عبد الله عليه السلام مختصا به، وفي مقدمة ” الجامع ” للحارثي العاملي – من علمائنا – أن عبد الله هذا من أولاد الاحوص، والمنسوبون إلى عبد الله هذا كثيرون، وأكثرهم صلحاء، لهم خدمة واتصال، وأول من سكن بقم منهم أبوه سعد بن مالك بن الاحوص بن السائب بن مالك بن عامر، وكان السائب وفد الى النبي صلى الله عليه وآله، وهاجر إلى الكوفة وأقام بها. تنقيح المقال: 2 / 184. من هذا نستنتج: أولا: أن الاحوص الذي كان في سجن الحجاج هو من أحفاد الاحوص بن السائب بن مالك. ثانيا: لا منافاة من كون سعد – والد الاحوص وعبد الله – قد سكن قم قبل ولديه بفترة وإن كانت وجيزة، بل قل: إن أول قافلة اتجهت إلى قم هي قافلة سعد، ثم تبعتها قوافل الاشعريين التي من ضمنها ركب الاحوص وعبد الله. ثالثا: ولو قلنا – على ما في القول من ضعف -: إن الاحوص هذا قد دخل الكوفة ثانية، واشترك مع زيد الشهيد في ثورته، لكن لابد من رفض الرواية القائلة بأن الحجاج حبس الاحوص بسبب اشتراكه في ثورة زيد، لما عرفت من أن الفاصل الزمني بين ثورة زيد الشهيد ووفاة الحجاج عام (95 ه‍) فاصل كبير، ثم إن زيد كانت ولادته – كما تقدم في أحد الروايات – عام (75 ه‍)، بغض النظر عن الروايات القائلة: إنه ولد في عام (80 ه‍)، فلم يحدثنا التاريخ أن زيدا كانت ثورته زمن الوليد بن عبد الملك، ولا أن الحجاج كان له دور في إخماد تلك الثورة أو ملاحقة أنصاره… والخلاصة: نفهم أن الحجاج حبس الاحوص، ولاحق الاشعريين، لكونهم من أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولاشتراك بعضهم في ثورة التوابين وثورة المختار.

[65]

فمن جاءه يوم السعد فأي طلب يتقدم به للحجاج يقضي له، وإن جاءه الطلب يوم النحس فيؤدي بحياة صاحبه، وقد اتفق أن عبد الله بن سعد أخا الاحوص قد زار الحجاج وهو في يوم سعده، فتجاهل أمر الاحوص وخروجه مع زيد بن علي عليه السلام، ولما دار الحديث بين الحجاج وعبد الله أنكر أمر أخيه، وأخذ يتلطف إليه ويطلب منه إطلاق سراح أخيه الاحوص، وفعلا استجاب الحجاج له وأطلقه من حبسه. بعد هذا أجمع الاخوان عبد الله وسعد على الخروج من الكوفة خوفا من بطش الحجاج بهما، وفعلا تهيأ الاحوص مع أخويه عبد الرحمان ونعيم للخروج من الكوفة خلسة، وقد حملوا معهم نساءهم وذراريهم وخدمهم، وكانوا عدة كبيرة، حتى قيل: إن أولاد عبد الرحمان بن مالك كانوا أربعين ولدا، وتخلف عنهم عبد الله، كي ينجز الاعمال التي تعهدها لهم من بيع الاراضي والمزارع وما لديهم من ممتلكات، ثم يلحق بهم. الركب الذي تقدم به الاحوص عندما وصل إلى البصرة نزل عند ماء هناك، وإذا بوباء يصيب القوم فيؤدي بحياة أبنائهم، وتصيبهم هذه النكبة قبل أن يحالفهم الحظ في الخلاص من الطاغوت والنجاة منه، ثم يصل الاحوص مع من نجا منهم إلى قرية (ابرشتجان) من نواحي قم، فينزل عند عين ماء وزرع، ويضرب اطنابه هناك، فيقيم بها عدة أيام خلالها تمتد إليه يد الاحسان بواسطة (خربنداد) المتولي للعين وحارسها. خربنداد اطلع على أحوال الاحوص والقوم من خلال شخص اسمه الحباب الازدي كان مع الاحوص يجيد اللغتين العربية والفارسية، وكان حلقة وصل بين القوم والاعاجم في تلك الارض. والحباب باللغة الفارسية تعني: خوشنما، وكلا اللفظين – العربية والفارسية –


[66]

تعطي معنى الخير والاحسان والجميل، لهذا تفاءل خربنداد ورحب بنزول القوم، ورفع ذكرهم ومقامهم العالي وعزتهم إلى كبير العجم في المنطقة (يزدانفاذار)، وهكذا الاخير يكرمه أشد الاكرام، ويدعوه إلى منزله، ويقيم له مأدبة تكريما له، ثم يتفق أن غزاة من الديلم يصلون (ابرشتجان)، فينظرون إلى الخيام المضروبة الكثيرة العدد، وإلى الخيل والدواب والابل، مما يفرحون بها لكونها ستنقلب إليهم بالغزو والنهب، فما أحلاها ! إنها غنائم جاهزة، كما كانوا يعتقدونه، ولما وقع الهجوم ودارت المعركة رحاها، وانتصر بها الاحوص، ودفع شر اولئك عن هذه الارض، قامت له المدائح، وكثر عليه الثناء من خربنداد ويزدانفاذار وكبار العجم في (ابرشتجان)، وبهذا يحتل الاحوص وقومه موقعا كبيرا عند الاعاجم في المنطقة، ويحترم غاية الاحترام، ويعزز، ويكرم، ويكون في منعة وأمان. هكذا تمر الايام والاحوص يزداد محبة في قلوب القوم، حتى أنهم كتبوا عهدا وميثاقا فيما بينهم لحفظ أموال وممتلكات الطرفين، والجانبان يعيشون حياة الاخوة، كما أن للنازحين حق الجيرة، لهذا تعززت بينهم الروابط والعلائق، وأصبحت بينهم مصاهرة ومودة وان يدافع كل طرف عن الطرف الثاني، فيما لو هاجمهم عدو…، وقد وقع الطرفان هذا الميثاق واحتفظوا به. أما الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد أخذ يلاحق الاشعريين حتى تمكن من قتل محمد بن سائب بن مالك الاشعري، وقد جلى أبناءه من الكوفة وكل من ينتمي إليهم، وهؤلاء اضطروا إلى ترك العراق والنزوح إلى قم. قبيل أن يصل أولاد محمد بن سائب بن مالك إلى قم حدث أن أولاد (خربنداد)، و (يزدانفاذار)، والجيل الذي جاء بعدهم، قد نقضوا العهد والميثاق الذي كتبه آباؤهم وكبار المنطقة، وأجبروا الاشعريين بالخروج، لكن استطاع


[67]

الاحوص، وأخوه عبد الله أن يتغلبوا على هذه الفتنة، ويقهروا اولئك الذين نقضوا العهد، ويخيبوا أملهم (1). وقد تعززت قوتهم بمجئ أبناء عمهم، وهم: أولاد محمد بن سائب، وأولاد سعد الآخرون. بعد هذا كثر الاشعريون في قم ونواحيها، فملك أبو بكر ناحية فراهان (2)، وابنه حماد ملك ساوة (3)، وعمران استقر ملكه في طبرس (4) وآدم كانت حصته قاشان (5) وهكذا آباؤهم ملكوا جهرود (6)، وكوزدر (7)، ووزواة، وغيرها من النواحي والضياع. قم، هكذا نزلها العرب الاشعريون، وكلهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام، لكن لا يخفى أن غير الاشعريين أيضا نزل قم، وبالخصوص العوائل الطالبية العلوية، وهم من نسل علي وفاطمة، وقد ذكر المؤرخ الحسن بن محمد القمي


(1) انظر تفصيل هذه الخيانة من قبل الاعاجم، وما جرى للاشعريين كتاب ” تاريخ قم ” للحسن ابن محمد القمي: ص 253 – 258. (2) فراهان، وبعضهم يقول: فرهان: ملاحة في رستاق همذان، وهي بحيرة تكون اربعة فراسخ في مثلها، انظر معجم البلدان: ج 3 ص 887. (3) تقع بين بلاد الري وقم وهمذان، فمكانها الوسط من هذه البلدان، وبقرب ساوة مدينة يقال لها: آوه، وبينهما فرسخين. انظر معجم البلدان: ج 3 ص 24. (4) تقع بالقرب من آشتيان، بينهما فاصلة 23 كم، وكانت تعد سابقا من خواص قم، واليوم تسمى ” تفرش “، على بعد 80 كم تقريبا من قم. (5) تذكر مع قم وتبعد عنها باثني عشر فرسخا، وبين قاشان وإصبهان ثلاث مراحل. انظر معجم البلدان: ج 4 ص 15. (6) في لغت نامه دهخدا: جهرود يكى از قصبات شهر قم كه مشتمل بر 37 ديه ومزرعه است، بيب بن جودرز ” گودرز ” آن را بنا كرده، وآن را ” ويرود ” نام كرده است. بعد از مدتي ” كه رود ” گفتند، وپس از آن معرب گردانيدند وگفتند ” جهرود ” ج 17 ص 179. (7) يحتمل هي كودرز، قرية من قرى فرمهين من توابع اراك شمالا، وقرية اخرى تحمل نفس الاسم تقع جنوبها.

[68]

في ” تاريخ قم، جملة من البيوت الطالبية، وقد فصل هناك، ونحن لا نعدم الفائدة من أن نذكر بعضهم: أول من نزل قم من الطالبيين هم الحسنيون، منهم: أبو هاشم محمد ابن علي ابن عبيدالله، ينتهي نسبه إلى الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبط عليه السلام وأعقاب أبي هاشم منتشرون في قم، وكاشان، وخراسان، وطبرستان، وأماكن اخرى من إيران. وأما من نزل قم من السادة الحسينيين فهم: (1) أبو الحسن، الحسين بن الحسين بن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الامام جعفر الصادق عليه السلام. وأحفاد الحسين أيضا لهم عقب سكنوا قم وغيرها من البلدان من فارس، وقصة أحدهم مع أحمد بن إسحاق الاشعري معروفة، وامتناع الامام الحسن العسكري عليه السلام من زيارة أحمد له في سر من رأى. (2) وممن نزل قم: فاطمة بنت الامام موسى بن جعفر، وشقيقة الامام الرضا عليهما السلام، تشرفت مدينة قم بها سنة 201 ه‍، وكانت عليها السلام عازمة على اللحوق بأخيها في خراسان، وقد حلت في منزل موسى ابن خزرج بن سعد الاشعري مع كامل الحفاوة والتقدير والاحترام، إلا انها لم تقم الا أياما معدودة حتى وافاها الاجل، ودفنت في المشهد المعروف اليوم، لها قبة ومزار يأمها الآلاف من الشيعة يوميا، وإلى جنب مرقدها قبور لذراري الأئمة ومواليهم. (3) وممن نزلها: أبو جعفر موسى بن محمد بن علي بن موسى الكاظم عليه السلام، وإليه تنسب عائلة المبرقع، وهو أول من نزح من الكوفة وسكن قم من أولاد الامام الرضا عليه السلام، وكان في سنة 256 ه‍، إلا أنه لم يستقر في قم بسبب بعض جهالها الذين أمروه بالخروج منها، فرحل إلى كاشان واستقبله هناك أحمد بن عبد العزيز


[69]

ابن دلف العجلي، فأكرمه وأنزله مقاما جميلا، وبعد ذلك فإن أهالي قم قد أصابهم الندم، وشعروا بالتقصير والتخاذل من فعلتهم القبيحة تلك، فجاءوا إلى كاشان نادمين أذلاء، معتذرين مما صدر من بعضهم، وأصروا على مجئ أبي جعفر موسى المبرقع إلى قم ثانية، فحملوه معززا مكرما إليها. (4) ومن السادات الموسوية التي نزلت قم: هم السادة العريضية، وينتهي نسبهم إلى عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق عليه السلام، ومن أولاده: الحسن بن عيسى، نزح من المدينة المنورة مع ابنه علي وقطنا قم، ولهم فيها أحفاد وذراري كثيرون. وبعض السادة العريضية نزحوا من الري إلى قم، منهم علي بن الحسين بن عيسى بن محمد بن جعفر عليه السلام، وأخوه الحسين بن علي الذي سكن مدة في الري ثم انتقل إلى قم أيضا. (5) ونزل قم: أبو الحسين أحمد بن القاسم بن أحمد بن علي بن جعفر الصادق عليه السلام. (6) ومن العريضية: الحسن بن علي بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر الصادق عليه السلام. (7) السادة الخمرية، الذي نزح جدهم خمر بن أحمد – أخو أبي جعفر محمد بن أحمد – من طبرستان إلى قم، ومنه أعقاب كثيرون لم يزل بعضهم فيها. (8) السادة الكوكبية، جدهم حمزة بن عبد الله بن الحسين الكوكبي، جاء من الري وسكن قم. (9) وممن نزح الى قم: علي بن محمد بن علي بن عمر بن الحسن الافطس بن علي، ومنه عقب كثير.


[70]

ولهذه الاسر – من ذرية الائمة – أحفاد منتشرون في كل البلاد الايرانية، والسادة اليوم ينتسبون إليهم، فإما حسنية، وإما حسينية. والسادة الحسينية بيوتاتهم واسرهم كثيرة، قد أحصتهم المشجرات وكتب الانساب. أما الشيعة الموالون لاهل البيت – من غير ما ذكرناهم من الاسر الهاشمية والعلوية والطالبية – فهم كثيرون، وكما عرفت في بداية البحث أن أبرز هذه الاسر والعوائل هم الاشعريون الذين ينتسبون إلى الاحوص وأخيه، ومن أبرز هذه الاسر: أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن أحوص بن مالك الاشعري، من أولاد جماهر بن أشعر، وهو من كبار علماء الشيعة الامامية، والعارف بالرجال والتفسير والحديث والفقه، وممن حظي بلقاء الامام عليه السلام، كما له مقام حسن عند والي قم (1). وعمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الاشعري، وهو من فقهاء أوائل القرن الرابع الهجري. ومن العلماء البارزين آنذاك، أبو القاسم سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري القمي، من أعيان الشيعة، وكان يعرف بشيخ الطائفة، لعلمه، وزهده، وورعه، وتقواه، ولما فيه من سمات الاولياء، وكان معاصرا للامام العسكري عليه السلام. وسعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري، وروى عن عمران بن عبد الله بن سعد المتقدم. ومن العلماء المشهورين في قم من بين الفقهاء الامامية آنذاك: أبو جعفر محمد


(1) روى عنه الشيخ الكليني بواسطة (العدة)، وقد أكثر الرواية عنه بتلك الواسطة، لجلالة قدره، ولكونه من الثقات البارزين من علمائنا في عصره. راجع الفصل السابع.

[71]

ابن أحمد بن يحيى بن عمران، وقد أكثر الشيخ الكليني الرواية عنه كما أن أبا جعفر روى عن محمد بن خالد البرقي المعاصر للامام عليه السلام. وهناك عشرات بل مئات العلماء الذين أحصتهم كتب التراجم والسيرة ممن سكن قم من شيعة أهل البيت، وروجوا مذهبهم، وذاع في الآفاق عن أحاديثهم الشئ الكثير، فكان لهم الفضل الكبير في انتشار مذهب الشيعة الاثني عشرية، كما أن لهم فضل كبير على سائر الناس في مختلف العلوم والفنون الادبية ما لا يخفى. هذه قم، التي أوجزنا الحديث عنها قديما، فهي أحد المراكز العلمية البارزة في القرن الثالث والرابع الهجري، وسيأتي الكلام عنها ثانية في كونها المركز العلمي الشيعي في العصر الحاضر إن شاء الله. (رابعا) بغداد: أغلب المدن تزدهر عندما تكون دارا للسلطنة ومركزا للخلافة، فالمدن التي نشأتها كذلك لابد أن يكون لها دور سياسي واقتصادي وعلمي، وذلك بحكم تواجد القيادة وحواشيها من الحكام والقضاة والعلماء والادباء وغيرهم. إن انتقال القيادة من مكة إلى المدينة في صدر الاسلام، وبعد ما هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وآله، خلق جوا سياسيا ودينيا في المدينة المنورة لم يكن من قبل، إذ كانت المدينة قلعة المسلمين، وقد تحصن بها أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، حتى أصبح لها كيان سياسي متميز من بين المدن والامصار في العالم الاسلامي والعربي، حتى ازدهرت مدينة الرسول اقتصاديا ودينيا وفكريا بعدما حلها الرسول صلى الله عليه وآله والصحابة وأهل البيت الكرام. ولما بويع الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام نقل مركز خلافته من المدينة الى


[72]

الكوفة، وبهذا أفلت شمس الازدهار والعمران من المدينة المنورة لتنتقل إلى العاصمة الاسلامية الجديدة، ألا وهي الكوفة التي اختارها أمير المؤمنين، لكونها تقع وسط العراق، كما أنها تحتل الموقع الوسط بين الحجاز والشام من جهة، وتطل على المدائن وبلاد فارس من جهة ثانية، كما أن هناك اعتبارات سياسية اخرى حددها أمير المؤمنين قبل نزوله فيها. كانت الكوفة زمن أمير المؤمنين عليه السلام أكبر مدينة إسلامية شهدها العالم، وازدهرت فيها الحياة العلمية، والاقتصادية، والاجتماعية، بشكل واسع، وخير دليل على ذلك نزول كبار الصحابة فيها، فراجع ما تقدم. بعد هذا صار مركز الحكومة في الشام، وذلك لما عصى بها معاوية، وقد استتب له الامر أكثر لما قضى على كل مناوئيه، وبالخصوص الامام الحسن عليه السلام، فاصبحت دمشق الشام دار السلطنة للحكم الاموي طيلة ثمان عقود من الزمان، في خلالها ازدهرت الحياة المادية، وتنعم فيها القضاة، والادباء، والقواد، وشملها الترف المادي بشكل غريب، لكن لم يظهر عليها ترف فكري، أو علمي كما سبق للكوفة، بل أصبحت أموية الهوى، وتعادي أهل البيت عليهم السلام، حتى أن معاوية سن لاهل الشام سننا وبدعا كثيرة، منها: أنه عودهم على سب أمير المؤمنين عليه السلام لمدة نصف قرن من الزمان، حتى شب عليه الوليد وهرم عليه الكبير، واقتفى أثره من جاء بعده من الحكام الامويين. ثم جاءت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الاموية، وأنشأ المنصور الدوانيقي مدينة السلام بغداد، وجلب إليها الزهو والعمران، كما أنه اهتم بتخطيط بغداد وتنظيمها، وإنشاء الطرق والقنوات والمساجد والمدارس فيها، وقد صحب هذا الاهتمام انتقال طائفة من التابعين والعلماء والفقهاء إليها، كما حلها من قبل عدة


[73]

من الصحابة، إذ نزلوا في المدائن ومصروها، وبغداد في حدودها متاخمة للمدائن، وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه خمسين صحابيا نزلوا في المدائن على عهد عمر ابن الخطاب لما دخلها الجند فاتحين لها، بقيادة سعد بن أبي وقاص، وقد ذكرنا أكثر من مائة وسبعين صحابيا – فيما تقدم – من الذين نزلوا الكوفة ومصروها، فقسم كبير من هؤلاء شاركوا سعد بن أبي وقاص في فتح المدائن. كيفما كان، فإن بغداد استقطبت العديد من العلماء، والفقهاء، ومن تابعي الصحابة، ومع ازدهار البلدة سياسيا فقد ازدهرت علميا، إذ دخلها التشيع منذ بدء تأسيسها، وأخذ ينمو بفضل البيوت والاسر الطالبية والعلوية التي نزلت بغداد، وكانت منطقة الكرخ خالصة للشيعة. وفي زمن الامام الصادق، والكاظم عليهما السلام انتشر مذهب أهل البيت في بغداد، وذلك لانشغال بني العباس بملاحقة بني امية، فأتاحت الفرصة للامام الصادق عليه السلام في بث أحاديثهم المروية عن جدهم صلى الله عليه وآله، وتصديه للتدريس، حتى التف حوله أكابر العلماء والفقهاء، بل وحتى مؤسس المذهب الحنفي، أبو حنيفة النعمان بن ثابت، قد درس عند الامام الصادق عليه السلام، وقد اعترف بذلك إمام الحنفية فقال: ” لولا السنتان لهلك النعمان “، وهكذا أخذ عن الامام الصادق عليه السلام كل من مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأيوب السجستاني، ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب ” المغازي “، وآخرون. وأخذ التشيع ينمو في بغداد بعد الامام الصادق عليه السلام نموا حثيثا، بالرغم من المعاناة التي كانت تلاقيها الشيعة من الحكام العباسيين، كالمنصور، والرشيد، والمأمون، والمتوكل، والاضطهاد الذي شملهم، والقتل والتشريد الذي لحق بهم، استمر طيلة العصر العباسي منذ نشوء الدولة وحتى سقوطها، عدا فترة آل بويه، و


[74]

آل سلجوق، ومع كل ذلك فإن نمو التشيع كمذهب وتيار عقائدي دخل إلى مركز السلطة العباسية بصورة أو باخرى، وقد وجد الحكام العباسيين الكفاءة والاخلاص عند بعض الشخصيات الشيعية، مما حدا بهم أن يستوزروهم، ويجعلونهم أصحاب إدارة ومقام سامي، فتصدر من قبلهم الاوامر والكتب، فقد استوزر مؤسس الدولة العباسية أبو العباس السفاح: أبا سلمى الخلال الكوفي الشيعي، وهو من دعاة أهل البيت عليهم السلام. واستوزر المنصور الدوانيقي: محمد بن الاشعث الخزاعي. واستوزر المهدي: أبا عبد الله يعقوب بن داود. واستوزر الرشيد: علي بن يقطين، وجعفر بن الاشعث الخزاعي. واستوزر المأمون: الفضل بن سهل ذا الرياستين، وأخاه الحسن بن سهل. واستوزر المعتز والمهدي: أبا الفضل جعفر بن محمد الاسكافي. واستوزر المقتدي: أبا شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين الهمداني. واستوزر المستظهر: أبا المعالي هبة الدين بن محمد بن المطلب. واستوزر الناصر والظاهر والمستنصر: مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي المقدادي. واستوزر المستعصم: أبا طالب محمد بن أحمد العلقمي. اقول: لهذه الوزارات الاثر الكبير في إدامة خط أهل البيت عليهم السلام. ولو استعرضنا الايام التي مرت على الشيعة في بغداد لوجدناها بين مد وجزر، إلا أن فترة الغيبة الصغرى وما بعدها كانت فترة خصبة لان يمتد التشيع إلى أطراف عديدة من بغداد المنصور. ربما كان السبب واضحا – وقد عرفت بعض الشئ – إذ كان رواة أحاديث


[75]

أهل البيت الثقات قد سكنوا بغداد، وبنوا فيها الدور والمساجد، وعقدوا حلقات الدرس، وتداولوا القرآن. وما نزل فيه بحق أهل البيت عليهم السلام، وتدارسوا الحديث، حتى برز من بينهم فقهاء كبار للشيعة، ومحدثون، وعلماء في التفسير والنحو والادب. ثم من الاسباب المهمة تواجد النواب الاربعة (1) في بغداد، وهذا كان له خطر كبير وأمر ذو بال في تاريخ التشيع في بغداد، وانتشار المذهب فيها، ولا يخفى أن للامام الغائب المنتظر عجل الله تعالى فرجه وكلاء كثيرين غير السفراء الاربعة، كانوا يقطنون في بغداد، وقم، والكوفة، وغيرها من مناطق العراق وإيران، إلا أن السفراء منزلتهم أعلى، وهم النواب وأساتذة الفقه والدرس، عنهم تأخذ الشيعة، وهم الطريق الى الامام وبابه. وقد حظي التشيع باهتمام متزايد في بغداد من قبل الامراء في زمن دولة آل بويه، إذ ركز هؤلاء على نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام، وذلك لما دخلوا بغداد فاتحين، اي في الربع الاول من القرن الرابع الهجري.


(1) النواب الاربعة وهم السفراء من قبل الامام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله فرجه في زمن غيبته الصغرى، الذي خرجت في حقهم توقيعات من الناحية المقدسة بسفارتهم، وهم على التوالي: أ – عثمان بن سعيد العمري السمان، من وكلاء الامام المهدي والهادي والعسكري عليهم السلام، وقد خرج التوقيع من الامام الحجة بسفارته. ب – محمد بن سعيد العمري، المتوفى سنة 305 ه‍، كان وكيلا من قبل الامام العسكري والحجة عليهما السلام. ج – الحسين بن روح النوبختي، المتوفى سنة 326 ه‍، وقد خرج التوقيع بسفارته في زمن سفارة محمد العمري. د – علي بن محمد السمري، المتوفى سنة 329، وقد خرج التوقيع بسفارته في زمن الحسين بن روح، وبوفاة السمري تنتهي السفارة وتبدأ الغيبة الكبرى.

[76]

ومما يلفت النظر أن المذاهب السنية الاربعة كانت لها كرسي الدراسة في بغداد، وأن مذاهبهم تدرس في المساجد بشكل رسمي، عدا مذهب اهل البيت عليهم السلام، ولما جاء البويهيون جعلوا المدهب الجعفري هو المذهب الخامس، له الحرية المطلقة في بث أفكاره وفتاواه، عبر علماء الشيعة، ومن أعلى المنابر في المدارس والجوامع التي خصصت للتدريس. وللاهتمام المتزايد من قبل معز الدولة البويهي ومن جاء بعده، فقد خصصوا رواتب منتظمة للعلماء وأهل العلم، وأغدقوا عليهم بالاموال، وواصلوهم بالعطاء والمنح والهدايا والمكافآت حتى ازدهر التشيع في سنيهم، وامتد إلى المناطق المجاورة لبغداد. من مظاهر انتعاش الفكر الشيعي آنذاك هو إقدام معز الدولة البويهي على تعزيز مكانة الشيعة بين المذاهب، فأخذ ببناء القباب على الاضرحة المقدسة للائمة عليهم السلام، وشجع الناس في الذهاب إليها، وزيارة المشاهد والعتبات، كما أعلن يوم العاشر من المحرم يوم حزن ومصيبة وعزاء، وألزم الناس في ذلك اليوم بتعطيل محالهم، كما جعل يوم 18 من ذي الحجة يوم فرح وسرور، لانه فيه نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا خليفة على المسلمين من بعده، وهو يعرف بيوم الغدير، فكانت تنثر فيه الورود والعطور، وتبذل للناس الحلوى والاطعمة، وغير ذلك من مظاهر الابتهاج والفرح. والذي يمكن أن نقوله هنا: إن التشيع استمر على هذا النمط في أيامه الذهبية إلى سنة (448)، حيث حلت فتنة كبرى بين السنة والشيعة، أدت إلى حرق محلة الكرخ، وقتل الآلاف من الشيعة الابرياء، ثم سعى الحاقدون إلى قتل الشيخ الطوسي، غير أن الشيخ هاجر إلى النجف، وعلى أثر ذلك احرق كرسيه الدراسي،


[77]

ومكتبته الكبرى التي تعد من أكبر المكتبات في الدنيا آنذاك، لما فيها من نفائس الاثر (1). ثم توالت الاحداث على بغداد فالتجأ الشيعة فيها إلى أن يتقوا خصومهم، ويدفعوا شرهم بمختلف الاساليب، ومع ذلك لم يسلموا من بطشهم والفتك بهم إلى أن جاء المغول، ودخول هولاكو الذي لم يكن ليقيم وزنا للعقائد والاديان من قبل، ثم اهتدى حتى أصبح زمنه باعثا لانتشار التشيع مرة اخرى، وقد اعتنق بعض ملوك المغول مذهب التشيع، كنيقولاوس بن آرغون بن بغا بن هولاكو، حتى أنه بدل اسمه إلى ” محمد خدابنده “، وابنه أبو سعيد بهادر خان بن محمد خدابنده، هكذا اخذ التشيع ينتشر كالعطر في التضوع (2)، كلما أخفيته ازداد الناس إليه تلهفا. ثم قيض الله سبحانه الدولة الجلائرية، وهي دولة شيعية بحتة، كان على رأسها الشيخ حسن الجلائري، فكانت السبب الآخر في بث علوم آل البيت عليهم السلام، والاهتمام بسيرتهم وأحاديثهم.. ثم بعد الدولة الجلائرية جاءت الدولة الصفوية لتهتم هي الاخرى بمذهب اهل البيت عليهم السلام. هذه نبذة مختصرة عن التشيع في بغداد، والذي برز فيها من علماء الامامية


(1) لقد سبقت هذه الفتنة فتن اخرى غيرها: ففي سنة (362) احترق الكرخ بما فيه من المحلات السكينة والتجارية والدكاكين والابرياء من الناس، وقد احصى التاريخ عدد الذين احترقوا في هذه الحادثة فكان عددهم 17000 شخصا، و 300 محلا، و 33 مسجدا. انطر الكامل في التاريخ 10 / 157 و 162 و 9 / 628. وتوالت الاحداث على بغداد كما يذكرها ابن الاثير في تاريخه. انظر أحداث عام 401 و 406 و 408 و 443 و 444 و 448. الجزء العاشر من الكامل في التاريخ ص 221 وما بعدها. وقد ذكر ابن الجوزي طرفا من تلك الفتن التي حلت بالشيعة. انظر الجزء السابع منه. (2) تضوع العطر أي تحرك فانتشرت رائحته.

[78]

أعداد كبيرة، منهم: ابن قولويه، والشيخ محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والشريف الرضي، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسي، رضوان الله عليهم أجمعين. أهم المراكز العلمية الحديثة للشيعة (أولا) النجف الاشرف: عندما نتحدث عن أهم المراكز العلمية للشيعة في العصر الحاضر، نجد في مقدمة تلك المدن النجف الاشرف، التي تشرفت بمثوى الامام أمير المؤمنين عليه السلام، وأخذت تنمو على مر الزمان. بدأ الشيعة يقطنونها منذ أن بنيت على المرقد الشريف قبة وعمارة عام 170 ه‍ ، وذلك في زمن هارون الرشيد وبأمر منه، وإن كان قد سبق الرشيد – في عمارة المرقد – داود بن علي العباسي، إذ عمل صندوقا على القبر الشريف عام 133 ه‍، والقصة فيه مشهورة. وقد سكن النجف من السادة العلويين وقبل أن ينتهي القرن الرابع الهجري، ألف وتسعمائة نفر، بغض النظر عن الشيعة من أصحاب الائمة عليهم السلام ومواليهم (1). لقد أخطأ الكاتب المعاصر عبد الله النفيسي عندما أوعز تأسيس النجف إلى عضد الدولة البويهي عام 1002 م (2) – ويقابله بالتاريخ الهجري هو عام 371 ه‍ -،


(1) ماضي النجف وحاضرها: 1 / 21، ط 2، 1986 م، دار الأضواء – بيروت. (2) دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث لعبدالله النفيسي: ص 47، دار الأنهار للنشر 1973 م – بيروت.

[79]

ومورد الاشتباه واضح، إذ كانت النجف مهبط الزوار، و محط الفضلاء قبل هذا التاريخ بقرنين من الزمان، واستوطنها بعضهم تيمنا وتبركا بتربتها، ونيل الشفاعة ممن ثوي فيها. ولدينا عدة أدلة معتبرة في كون النجف – وقبل مجئ عضد الدولة – مركزا علميا، إلا أنها لم تبلغ من الشهرة إلا بعد رحيل الشيخ الطوسي إليها، وأن الحركة العلمية في النجف كانت تتخذ طابع الهدوء، والسير البطئ والمحفوف بالتقية والتستر، خوفا من النواصب، والخوارج، وبعض امراء الجور وسلاطين العصر، فمن الادلة على كيان النجف المتميز، ووجودها العلمي قبل مجئ عضد الدولة: أولا: أن بعض العلماء ورواة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، الذين رووا عن الامام الصادق عليه السلام ومن بعده من الائمة عليهم السلام قد نزحوا إلى النجف تيمنا بصاحب القبر الشريف عليه السلام، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: أحمد بن عبد الله الغروي، يروي عن أبان بن عثمان من أصحاب الامام الصادق عليه السلام. ثانيا: صدور إجازات علمية من بعض مشايخ العلماء القاطنين في النجف الى تلامذتهم، منها: إجازة صادرة من محمد بن علي بن الفضل الكوفي، أحد مشايخ الصدوق، ذكر الاجازة الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه ” من لا يحضره الفقيه “، قال: محمد بن علي بن الفضل الكوفي سمع – الشيخ الصدوق – منه سنة 354 ه‍، عند وروده الى الكوفة وهو في طريقه إلى الحج، وكان سماعه بمشهد أمير المؤمينين عليه السلام. ثالثا: نقابة الروضة الحيدرية كانت بيد اسر علمية، وعلماء مبرزين، منهم: السيد شريف الدين محمد المعروف بابن السدرة، أقام في النجف عام 308 ه‍ (1).


(1) تاريخ الكوفة للبراقي: ص 218.

[80]

رابعا: سكن النجف من العلويين حتى أوائل القرن الرابع الهجري المئات منهم، وجلهم كانوا من أهل العلم والفضل والسيادة، قال الشيخ جعفر آل محبوبة: لما قطن النجف كثير من العلويين نمت فيها أرومتهم، ووشجت بها اصولهم، واشتبكت فروعهم، حتى لم يأت القرن الرابع من الهجرة إلا وفي النجف ألفا علوي (1). وقال أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية في النسب، في محكي قول الشيخ جعفر آل محبوبة: أحصيت أسماء العلوية في المدينة وسائر الامصار – والنجف حتما كانت من تلك الامصار – سنة 227 ه‍ وكانوا 1370 رجلا، ومن الاناث 1370: من ولد الحسن عليه السلام: 310 من الذكور، ومن الاناث 314. ومن ولد الحسين عليه السلام: 440 رجلا، ومن الاناث 430. ومن محمد بن الحنفية: من الذكور 45 رجلا، ومن الاناث 35. ومن ولد العباس بن علي عليه السلام: 140 رجلا، ومن الاناث 230. ومن ولد عمر الاطراف بن أمير المؤمنين عليه السلام: 90 رجلا، ومن الاناث 116. ومن ولد جعفر الطيار – ابن أبي طالب -: 230 رجلا، ومن الاناث 140… الخ أقول: وقد غفل عن إحصاء الباقي لاكمال المجموع الذي ذكره أولا. ومن جملة الاخطاء – والتي لا تغتفر – ما ادعاه النفيسي في عضد الدولة والبويهيين، فقال: ” كان البويهيون يبتغون من وراء تأسيس النجف خلق عصبية


(1) ماضي النجف وحاضرها: 1 / 282.

[81]

عراقية تحميهم، وتكون بمثابة اعتراف باستقلالهم السياسي عن الزيدية… ” (1). لقد عرفت قبل قليل أن النجف لها وجود وكيان مستقل قبل أن يأتيها عضد الدولة بأكثر من قرنين من الزمان، أما نشاطها العلمي وكونها مركزا سياسيا فلم تبرز إلا في زمن الشيخ الطوسي وما بعده. ثم متى كان السلاطين الشيعة ووزرائهم وامرائهم يجنحون إلى الفتن وخلق العصبيات حتى ينهج عضد الدولة ذلك المنهاج الذي يريده النفيسي ؟ ! فما هي إلا بذرة نفاق في تاريخنا المعاصر، وتشويه الحقائق التي لابد أن يتنزه الكاتب عنها، بل نجد التناقض من النفيسي بشكل واضح في كلامه، فقد نقض كلامه خلال أسطر قلائل، وفي الصفحة نفسها التي نقلنا منها النص المتقدم، فقال: “… وقعت فاجعة موت الحسين في العاشر من شهر محرم سنة 61 ه‍، ومن ملاحظة أهمية الاحتفاء بهذه الذكرى، ومن النظر في مالها من شأن ومقام لدى الشيعة، يستدل المرء على مبلغ ما للشيعة من قوة سياسية في العراق، وفي خلال العصور التاريخية كان علماء الشيعة فيها يحرصون على توكيد استقلالهم الديني والسياسي، وكانوا يرفضون مشايعة السلطات المركزية في بغداد ما لم يرغموا بالقوة على ذلك، ولان النجف كانت دوما تؤكد استقلالها الذاتي فإنها أصبحت مع الايام مركزا سياسيا مهما ناشطا للشيعة في العراق… ” (2). وأكثر من ذلك أن آل بويه لم يجبروا الرعية في اعتناق مذهب دون آخر كما فعله الامويون والعباسيون، قال العلامة الشيخ المظفري في كتابه ” تاريخ الشيعة “: ” كان ابتداء سلطان آل بويه في شيراز، ثم سرى نفوذهم إلى ايران والعراق، بل


(1) دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث: ص 47. (2) دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث: ص 47.

[82]

وإلى جميع بلاد بني العباس، وكانوا أرباب تدبير في جميع المملكة على عهد دولتهم، وليس للخليفة العباسي إلا مراسيم الخلافة، وهذا معلوم الشأن لا يجهله من سبر شيئا من التاريخ. وكان التسنن في عهدهم يغلب على أكثر البلاد من فارس والعراق، وهم على ظهورهم في التشيع لم يحاربوا التسنن، كما فعل الكثير من ملوك أهل السنة مع الشيعة، ومع قوة شوكتهم وغلبتهم على الخلافة والبلاد أحسنوا السيرة مع الرعية، ولم يتعصبوا للشيعة على السنة، بل وقعت في أيامهم حوادث بين الشيعة والسنة كان التحريش فيها من السنة، ولم يراعوا في ذلك السلطان، ولم يعبأوا بسطوته، ولكنهم لم يوقعوا بأهل السنة انتصارا للشيعة ” (1). خامسا: وفي ترجمة شهاب الدين أبي عبد الله أحمد بن أبي محمد عمر نقيب الكوفة والنجف، قال ابن مهنا العبيدلى في مشجرته، هو الذي نص على نقابته في النجف، وفي ” العمدة ” قال: ” قال أبو عبد الله أحمد: فحج أميرا على الموسم ثلاث عشرة حجة، نيابة عن الطاهر أبي أحمد الموسوي، وولي نقابة الطالبيين بالكوفة مدة عمره، ومات في سنة 389 ه‍ ” (2). وفي مشجرة ابن مهنا في ترجمة الامير شمس الدين أبي الفتح محمد الذي كان سيدا جليلا كبيرا، وقد ولد بالموصل، وقرأ عليه كثيرا من أهل العلم، وقد تولى نقابة المشهد الغروي والحائر الحسيني والكوفة مدة طويلة، فقال ابن مهنا في نسب هذا الشريف: ” شمس الدين محمد بن أبي طاهر محمد بن أبي البركات محمد بن زيد ابن الحسين بن أحمد بن أبي على محمد، الامير الرئيس بالكوفة، حج بالحاج سنة


(1) تاريخ الشيعة لمحمد المظفري: ص 206. (2) العمدة: ص 293.

[83]

353 ه‍… الخ (1). أقول: أين هذه الادلة بالنسبة إلى النفيسي، وكيف غابت عنه حتى ادعى تأسيس النجف على يدي عضد الدولة البويهي سنة 1002 للميلاد المقابل للتاريخ الهجري عام 371 ه‍. لا يخفى على المتتبع أن النجف أخذت بالنمو والاتساع منذ أن سقطت الدولة الاموية، وبادر العباسيون بالدعوة لاهل البيت عليهم السلام، ومنذ أن كانت الكوفة مركز إشعاع للعلوم الدينية زمن الامام الصادق عليه السلام، وعلى هذا يتعين تأسيس النجف كمدينة حل بها بعض العلماء والفضلاء منذ أواخر القرن الثاني الهجري. على أي حال، نترك قول عبد الله النفيسي والتعليق عليه إلى القارئ النبيه. ثم ازدهرت الحياة العلمية في النجف بعد رحيل العلامة الطوسي إليها، وهو في يومه شيخ الطائفة وزعيمها بلا منازع، دخلها عام 448 ه‍ مهاجرا من بغداد إليها بعد الفتنة التي حلت بالشيعة هناك صوب الكرخ، وقد هجم الخصوم من أبناء السنة على دار الشيخ، وأحرقوا كتبه ومكتبته الضخمة وكرسي الدراسة الذي كان يجلس عليه في التدريس. منذ ذلك الوقت تأسست الجامعة الدينية بشكلها العلني في النجف وعلى رأسها الشيخ الطوسي، وشكل فيها الحوزة العلمية، وبنى اصولها، وتعهد ترتيبها وتنظيمها والبذل عليها والتدريس فيها، حتى وفد إلى النجف أنذاك مئات العلماء والفضلاء وأهل العلم والادب، وسكنوها احياء لتراث أهل البيت عليهم السلام، وكلما تقدم الزمن تجد النجف تأخذ بالاتساع في الشهرة والاهمية، حتى مجئ الشيخ علي ابن حمزة بن محمد بن شهريار الخازن بالمشهد الغروي عام 572 ه‍، وهو من كبار


(1) ماضي النجف وحاضرها: 1 / 290.

[84]

العلماء، ومن مشايخ الاجازة، ففي زمنه أصبحت النجف مهبط أهل العلم والمعرفة، ومأواهم ومدفنهم المنشود. في أوائل القرن السابع الهجري برزت الحلة كمدينة شيعية لتضم المحقق الحلي – قدس سره – فتنشط الحياة العلمية فيها، ويعم الخمول آنذلك مدينة النجف، وتكون الهجرة إلى الحلة أقوى منها الى النجف، إلا أن ذلك لم يستمر كثيرا حتى زمن العلامة المقدس الاردبيلي – قدس سره -، إذ تعود النجف لتحتل الصدارة – مرة اخرى – من بين المراكز العلمية للشيعة، وحتى اليوم. ومن المظاهر المهمة لتشييد صرح العلم في النجف إضافة إلى تواجد العلماء والاشراف والسادة، بناء المدارس، ودور العلم، والمساجد (1)، والمكتبات، والحسينيات، والاندية، وبيوت الضيافة، والمرافق العامة الاخرى. وقد أولى السلاطين الشيعة ووزراؤهم والامراء منهم اهتمامهم الكبير لاعمار النجف وتوسيعها، وتطوير الحياة العلمية فيها، فآل بويه (2)، والايلخانيون، والسلاجقة (3) والجلائريون، والصفويون (4) وغيرهم، بالغوا في اهتمامهم بتشييد


(1) أكثر المساجد كانت قديمة والتي بلغ عددها المائة، وقد خربت بعضها، واضيفت بعضها الآخر إلى الشوارع العامة التي فتحتها الحكومة، ومن المساجد العامرة اليوم: المسجد الهندي، ومسجد الشيخ الانصاري، ومسجد آل الجواهر، والجامع الطوسي،… الخ. (2) هم الذين بنوا قبة الامام علي عليه السلام والرواق، وبذلوا الاموال لتزيين المرقد وإنارته، وشراء الفرش، وعمل القنوات، وخدمة الزوار، وبنوا الجوامع والمدارس، وأجروا الرواتب والصدقات على أهل العلم والنازحين منهم والفقراء، حتى أنهم كانوا يبذلون العطاء للناس أيام زيارتهم للمرقد الشريف، وأقل ما ينفقون في سفرهم لزيارة أمير المؤمنين (50000) دينارا. (3) من الاعمال المهمة التي قام بها السلاجقة ومنهم ملك شاه السلجوقي ; الملقب بجلال الدولة ت 485 ه‍، أنهم أسقطوا الضرائب من أهل البلد، وأجروا الانهار، وبنوا الجوامع – >

[85]

النجف، وتسابقوا في عمرانها، وأصبحت المدينة آهلة برجال العلم وكبار العلماء، وأهل القلم والشعراء والادباء، ثم رصدت المبالغ واوقفت الاموال والدور لاهل العلم والطلاب النازحين من خارج العراق. ففي النجف أكثر من ثلاثين مدرسة علمية تابعة للحوزة، والتي يدير شؤونها المراجع والعلماء وبعض الوجهاء من التجار وأهل الخير، ولتلك المدارس دور وأملاك موقوفة عليها ; لادارتها وسد بعض نفقاتها، أضف إلى ذلك المساجد، والتي هي بمثابة دور العلم والبحث والدرس، وملتقى الطلاب والعلماء. كما أن في النجف أكثر من مائة وخمسين مكتبة عامة وخاصة، فيها نفائس المخطوطات والكتب والآثار القيمة، قد يصل بعضها إلى عصر الائمة الاطهار عليهم السلام، ومن تلك المكتبات: مكتبة آل بحر العلوم، وآل كاشف الغطاء، وآل الطريحي، ومكتبة الخزانة العلوية الغروية، ومكتبة آل محي الدين، ومكتبة المحدث النوري ومكتبة صاحب الشريعة، ومكتبة آل الجزائري، ومكتبة الحكيم، ومكتبة الامام أمير المؤمنين التي أسسها الشيخ عبد الحسين الاميني، والمكتبة الحسينية الشوشترية، ومكتبة آل حنوش،…،… أما المطابع ودور النشر، فقد شهدت النجف خلال القرن العشرين نشاطا


< – والمدارس والمساجد ودور العلم، وبالغوا في إكرام العلماء، فأجروا لهم الارزاق، وحملوا إليهم العطايا والاموال والحقوق. (2) أما الصفويون ; ففي زمانهم تألق نجم المدينة الغروية، وازدحمت برجال العلم وكبار الشيعة، وأهم السلاطين الصفويين الذين قدموا إلى النجف لعمارتها الشاه إسماعيل الصفوي – الاول – والسلطان شاه طهماسب، والشاه عباس الاول، والشاه صفي، ووزيره الميرزا تقي المازندراني الذي وكله لعمارة المرقد، والسلطان نادر شاه الذي جعل المذهب الجعفري المذهب الخامس والرسمي للبلاد، وقد أشهد على ذلك كبار علماء المذاهب الاربعة من بخارى وبلخ وأفغانستان وإيران والعراق.

[86]

واسعا في مجال التأليف والطبع والنشر، وقد ساهم في دعم هذه الحركة الدؤوبة تواجد العلماء فيها، وتوفر ذوي الخبرة والكفاءة والايدي العاملة ورؤوس الاموال وبعض التسهيلات الفنية، كل ذلك وغيره من الاسباب ساهمت في جلب المطابع إلى النجف، وإنشاء دور النشر فيها، وقد زاولت تلك المطابع عملها في طبع الكتب وآثار العلماء قديما وحديثا، وطبع المجلات والجرائد والدوريات، حتى بلغ عدد المطابع في أواخر الخمسينات (13) مطبعة بين صغيرة أو قديمة قد اندثرت، وبين حديثة لم تزل تمارس نشاطها. أما العلماء والسادة والاشراف، فإن كتب التراجم والرجال قد أحصت المئات بل الالوف منهم منذ زمن الشيخ الطوسي وإلى يومنا هذا، نذكر منهم جماعة ساهموا في بناء صرح النجف العلمي ومجدها الدائم: آل الانصاري: من الاسر العلمية المعروفة، باني مجدها العلامة آية الله الشيخ مرتضى بن محمد أمين الانصاري، ينتمي إلى الصحابي الجليل المعروف جابر بن عبد الله الانصاري، وهو أول من زار قبر الشهيد المظلوم الامام الحسين عليه السلام في أيام الاربعين، وقد برز من هذه الاسرة علماء أجلاء، ونوابغ في الفكر الشيعي، ولم يزل بعضهم يقطن النجف ودزفول وشوشتر وطهران وقم. آل كاشف الغطاء: من الاسر التي امتازت بعلو المنزلة والشموخ في العلم والسياسة والزعامة الدينية، جدها الاكبر الشيخ جعفر بن الشيخ خضر بن يحيى، وينتهي نسبه إلى مالك الاشتر. ولد الشيخ جعفر كاشف الغطاء عام 1156 ه‍، وتوفي عام 1228 ه‍، له مواقف مهمة في تاريخ النجف، أهمها الوقوف بوجه الوهابية الغزاة، الذين هجموا مرات عديدة على كربلاء والنجف الاشرف، والشيخ كان يذب عن أهالي البلد، ويبذل على الفقراء والمعوزين، وقد تكفل بدفع الضريبة التي فرضتها


[87]

الحكومة التركية على النجف والذي يساوي 80 طنا من الطعام، وهو كثير بالنسبة لسكان المدينة ووضعهم المعاشي المتردي. وللشيخ جعفر كاشف الغطاء إخوة ثلاثة، هم: الشيخ حسين، والشيخ محسن والشيخ محمد، وكل واحد منهم أصبح أبا لاسرة كبيرة فيما بعد، وهم الان يعرفون باسرة آل خضر وآل شيخ راضي وآل شيخ عليوي، وهذه الاسرة لم تزل تحتفظ بمكانتها العلمية والاجتماعية من بين باقي الاسر النجفية، وقد خرج من بينهم فطاحل العلماء وكبار الادباء والشعراء، وعلى رأس هذه الاسرة في القرن العشرين العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي عرف بعلمه، وورعه، وتقواه، وخدمته للطائفة، ونصرته للمسلمين، والذب عن حمى الاسلام، والوقوف بوجه السياسة البريطانية والحكومة الملكية. آل طريح: من الاسر العلمية العريقة في النجف، ينتهي نسبها إلى حبيب بن مظاهر الاسدي، الذاب عن حرم رسول الله صلى الله عليه واله في يوم الطف، وقد استشهد مع الامام الحسين عليه السلام. من أبرز رجال هذه الاسرة صاحب ” مجمع البحرين ” الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن الشيخ أحمد بن الشيخ علي بن أحمد بن طريح، ولد سنة 979 ه‍ وتوفي عام 1087 ه‍، ومن هذه الاسرة برز رجال عرفوا بالصلاح والتقوى، وقد حاز بعضهم قصبة السبق في العلم والاخلاق والادب، ومن بينهم شعراء وكتاب ومحققين، ولم تزل لهم في النجف والكوفة بيوت عديدة صاحبة السيادة والعز… آل الحكيم: وهم السادة الاجلاء، والاسرة العريقة في عالم الفكر والسيادة، حازت أعلى درجات الشرف عندما آلت المرجعية الدينية إلى آية الله السيد محسن الحكيم – قدس سره -، إذ تقلد الزعامة الروحية والسياسية في آن واحد، ودانت له


[88]

الرقاب، وسطع نجمه، في سماء العلماء، وبذ الاوائل والاواخر، فلم يعد أحد من بينهم يفاخر، حيث ذاع صيته في الآفاق، وازدهرت الحياة العلمية في وقته حتى وصل التشيع في زمنه إلى أوج علاه، وطأطأت له ملوك العراق وإيران، وانقادت جميع الشيعة في الامصار والبلدان إليه، واصبح مرجعها الاكبر، وزعيمها الاوحد، فهو ملاذ الامة وكلمتها الفاصلة، أعاد للطائفة عزها وشرفها وهيئتها، وقد زلزل عروش الكفر بفتواه الخالدة، وأذل عبيد الاستعمار والمتزلفين لهم عندما وقف أمام قانون الاحوال الشخصية وقانون الاصلاح الزراعي، وغيرها من القوانين المدنية التي كانت فاتحة عهد جديد في تاريخ العراق السياسي، والتي كان من ورائها خطط استعمارية تستهدف الاطاحة بالروح الدينية في العراق. إن الصفات التي كان يتحلى بها الحكيم – قدس سره – أهلته لان يكون المرجع للبلدان الشيعية، ويكون صداه مدويا في جميع الاقطار، وتقف كل الحكومات والشعوب أمامه موقف الاجلال والاكبار،…، فقد حاز على النسب الرفيع، والشرف المصون، والعلم، والذكاء، والفطنة، والكياسة، والاخلاق العالية،… كل ذلك صيرته زعيما للشيعة وفخرها الدائم. برز من اسرة آل الحكيم كبار العلماء، ورجال تعتزبهم الجامعة النجفية في كل وقت ; أمثال السيد محمد سعيد الحكيم – قدس سره – والسيد محمد حسين، والسيد محمد تقي، وآخرون يطول المقام في ذكرهم. آل الجواهري: من الاسر التي تفتخر النجف برجالها الافذاذ والعلماء الاماجد، وقد علا شأن هذه الاسرة من حين نبوغ عميدها الاكبر، وجدها صاحب المواهب الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن آغا محمد الصغير بن عبد الرحيم الشريف الكبير، حيث بنى هذا الشيخ صرح مجد


[89]

الاسرة وعزها المنيع. وأغلب العلماء الذين برزوا من هذه الاسرة تنتمي إلى الشيخ محمد حسن صاحب ” الجواهر “، وهو غني عن التعريف، وآثاره تدل على علو شأنه، وسمو كعبه، فقد تصاغرت همم الرجال والعلماء تجاه مآثره ومناقبه، وما خطه قلمه من تراث ليتغنى الدهر به طوال القرون الآتية، فهو فخر الشيعة ومفخرة الشريعة وعقد جمانها، زين جيد الدهر بعلمه الوافر، ما لم يأت به أقرانه من الاوائل والاواخر، توفي عام 1266 ه‍. لقد نبغ من اسرة الجواهري علماء وادباء وشعراء وأهل سيادة عرفتهم النجف منذ أمد بعيد، وفيهم من أهل العلم والصلاح والتقوى رجال عديدون قد أدركنا بعضهم، فرحم الله الماضين منهم وسدد الباقين. آل المظفر: اسرة علمية عرفت في النجف منذ القرن الثاني عشر الهجري، ونسبتها إلى أحد أجدادها، وهو مظفر بن أحمد بن محمد بن علي ابن حسين، من آل علي القاطنة في الحجاز وأعالي المدينة المنورة. برز من بينها فطاحل العلماء وكبار الشعراء، ومنهم الخطباء والادباء الذين ذاع صيتهم خلال القرن الاخير، ومن علمائها المشهورين الشيخ محمد رضا المظفر – قدس سره – مؤسس منتدى النشر وكلية الفقه، وله طول باع في خدمة العلم والمذهب، وتصانيفه في: المنطق، والاصول، والعقائد، وغيرها تدرس في الحوزات العلمية، فقد أسدى بقلمه وفكره وأخلاقه وأدبه خدمة جليلة للطائفة وللمسلمين بشكل عام. آل البلاغي: عرفت هذه الاسرة في النجف منذ القرن العاشر الهجري، وهي من القبائل التي تنتسب إلى ربيعة، ولها فروع وبيوت في المدن العراقية غير النجف،


[90]

كما لها بيوت معروفة في قرى ومدن لبنان وجبل عامل، أبرز علماء هذه الاسرة الشيخ جواد بن الشيخ حسن بن الشيخ طالب، ولد عام 1280 ه‍ أو بعدها بقليل، وتوفي عام 1352 ه‍، وهو يعد في مقدمة العلماء الذين ذبوا عن حمى الاسلام، ووقفوا بوجه التبشير المسيحي وأقلام المأجورين، وكم دافع بقلمه عن المسلمين وعقائدهم، ورد شبهات الماديين وأكاذيبهم، فإن كتبه وكتاباته تشهد بذلك، منها: ” الرحلة المدرسية والمدرسة السيارة ” في ثلاث أجزاء، ” والهدى إلى دين المصطفى ” في جزئين، ورسالة في التوحيد والتثليث، وأجوبة المسائل حول شبهات الالحاد والاعتراض على قدس رسول الله صلى الله عليه وآله، وهناك مؤلفات اخرى له فليراجع. واسرة آل البلاغي انجبت فطاحل العلماء والادباء، وذكرهم يتألق من بين الاسر النجفية، ولم تزل بيوتهم عامرة في النجف. آل الجزائري: من الاسر العلمية المعروفة بتقواها وصلاحها وأدبها، ينتهي نسبها إلى بني أسد، هاجرت إلى النجف في أوائل القرن العاشر الهجري، وشيدت لها بيوت علمية فيها، وقد انتشر صيتهم في الاوساط العلمية والادبية في النجف والبصرة ونواحيها، وجدها الاكبر هو الشيخ عبد النبي بن الشيخ سعد، ممن قرأ على الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي، كما أنه يروي عن صاحب المدارك السيد محمد، توفي عام 1021 ه‍ في طريقه من إصفهان إلى شيراز. وهناك اسر علمية وأدبية اخرى كثيرة برزت في تاريخ النجف العلمي والسياسي لم نذكرها خوف الاطالة، وحرصا على منهجية البحث. والنجف اليوم تعد من أكبر وأهم المراكز العلمية للشيعة الامامية، بحيث لا يدانيها بلد آخر في العلم والادب ; فقد جمع رجالها بين القلم والسيف، كما أن حياة


[91]

علمائها اتسمت بالتقوى والورع والزهد. وأنجبت النجف بالاضافة إلى الاسر العلمية التي تقدم ذكر بعضها، طائفة من المراجع والعلماء الذين تصدوا للمرجعية الدينية والسياسية، والاهتمام بشؤون المسلمين إداريا واقتصاديا والافتاء، وكانوا مما يشار إليهم بالبنان، وهم الذين رفدوا الحوزة فيها بنمير علمهم، وغذوها من لبنات أفكارهم، وصانوها من كل مكروه بأنفاسهم وتفرعهم وخشوعهم، بل أن الكثير منهم كان صاحب مناقب وكرامات، كالسيد بحر العلوم الكبير، وكاشف الغطاء جد الاسرة، والشيخ خضر شلال. ولا يخفى ما للنجف من مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية بالاضافة إلى مكانتها الدينية والروحية، فمن رجالها الدينيين الذين تقلدوا الزعامة السياسية أيضا: السيد كاظم اليزدي، والسيد أبو الحسن الاصفهاني، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ محمد كاظم الاخوند الخراساني، وشيخ الشريعة الاصفهاني، والشيخ محمد جواد الجزائري، والشيخ جواد الجواهري من أحفاد صاحب ” الجواهر “، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والامام محمد تقي الشيرازي، والعلامة الشيخ محمد جواد البلاغي، والميرزا محمد حسين النائيني، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد محسن الحكيم – قدس الله أرواحهم الزكية -، فهؤلاء وعشرات العلماء كانوا في ركبهم يساندونهم ويعاضدونهم في مهام الامور وجليلها، ولهم صولات عديدة، وجولات في عالم السياسة في جميع الازمنة والعصور: كثورة العشرين واحتلال بريطانيا للعراق، والمواقف الاخرى في إبرام العقود والمعاهدات، وغير ذلك من البنود التي أملتها الحكومة البريطانية على العراق أيام الانتداب.


[92]

(ثانيا) كربلاء: وأما كربلاء فقد ظلت تواكب النجف في كل الازمنة وأغلب الحالات، ولما كانت المرجعية مقرها النجف فإن الزعامة الروحية والسياسية ما كانت تعدو هذه المدينة لغيرها، بل كانت بقية المدن العراقية، بل والمدن الشيعية في العالم تتجة أنظارها إلى النجف، بل وتنظر إليها بعين إجلال وإكبار. على أن في كربلاء من العلماء البارزين والادباء والشعراء والحفاظ عددا لا يستهان به، وأن كربلاء لها ثقلها الديني، لوجود المرقدين المقدسين: الامام الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وأخيه العباس عليه السلام، وقد سكن كربلاء – قديما وحديثا – علماء أجلاء ومن كبار الشيعة، وكونوا فيها حوزة علمية، وأرفدوها بمصنفاتهم، وغذوها بباعهم الطويل في مختلف العلوم، وهي اليوم تواكب النجف في سيرها العلمي والديني. فمن الاسر العلمية في كربلاء: اسرة الاسترآبادي: ينتهي نسبها إلى الامام الحسين بن علي عليهما السلام، سكنت كربلاء في القرن الثالث عشر الهجري. وآل الامير: السيد علي الكبير، ينتهي نسبها إلى زيد الشهيد ابن الامام علي ابن الحسين عليهما السلام، ومنها تفرعت عدة اسر علمية معروفة اليوم في كربلاء، منها: العلامة السيد محمد علي هبة الدين الحسيني الشهرستاني، وهو بالاضافة إلى علمه وورعه فقد جمع إلى القلم السياسة، إذ تولى وزارة المعارف في عام 1921 م في رئاسة عبد الرحمان النقيب الثانية. آل البحراني: استوطنت كربلاء في مطلع القرن الثاني عشر الهجري، وتنتمي


[93]

هذه الاسرة إلى السيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام. آل البهبهاني: تنتهي إلى الامام الكاظم عليه السلام، من أبرز علماء هذه الاسرة السيد حسين بن السيد إبراهيم بن السيد حسن البهبهاني الموسوي، المقتول في المدينة المنورة سنة 1300 ه‍. آل الرشتي: من أبرز علماء هذه الاسرة السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي، المتوفى سنة 1259 ه‍، وله عقب ما زالوا في كربلاء. آل الشهرستاني: من الاسر العلمية المعروفة في كربلاء، أشهر علمائها السيد ميرزا محمد مهدي الموسوي الشهرستاني، وهو أحد مراجع التقليد في عصره، وهو جد الاسرة الشهرستانية، انتقل إلى كربلاء بعد منتصف القرن الثاني عشر الهجري. آل الطبطبائي: سادة حسنيون سكنوا كربلاء زمنا طويلا، ومن هذه الاسرة السيد علي الطبطبائي صاحب ” رياض المسائل “، ومن هذه الاسرة نوابغ في العلم والادب والشعر، ولهم جاه كبير، وسعة اطلاع. آل طعمة: سادة ينتهي نسبهم إلى السيد إبراهيم المجاب، لها الصدارة من بين الاسر العلمية التي قطنت كربلاء، من أبرز رجالها السيد طعمة علم الدين الفائزي الموسوي، كما أن من أبرز رجالها المتأخرين السيد عبد الحسين الكليدار سادن الروضة الحسينية. وهناك اسر عديدة، كاسرة آل عصفور، وآل الفتوني، وآل القزويني، وآل المازندراني، وآل المرعشي، وآل النقيب (1).


(1) انظر تراث كربلاء لسلمان هادي طعمة، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات – بيروت.

[94]

(ثالثا) قم المقدسة: تعد قم اليوم من أهم المراكز العلمية للشيعة، وقد اتجه طلاب العلم والعلماء وأهل القلم والتحقيق إلى هذه المدينة المقدسة بعد ما حل رجس البعثيين في العراق، وحولوا المدن العلمية هناك الى بقاع هامدة تنتهشها أيدي الرجس والفجور، والان يخيم على المدن العلمية في العراق – كالنجف وكربلاء والكاظمين وسامراء – سحابة كبيرة من الكبت والقهر، بل أن الطاغوت في العراق أخذ بتصفية العلماء، وتشريد طلاب العلوم الدينية من تلك المراكز الدينية للشيعة، فحولها بورا، وأحل بها الدمار والخراب، فأقدم على قتل المراجع العظام، وإعدام السادة الابرياء، ولاحق الاجلاء من نسل علي وفاطمة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. إن هذه الاسباب والويلات التي جرت في القرن العشرين على عراقنا الجريح أودت بحياة الحوزة العلمية في النجف وكربلاء وسامراء، وصيرت شتاتها إلى قم المقدسة لتجتمع هناك، وقد حدا الامر قبيل ذلك أن يتصدى آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي المولود في عام 1276 ه‍ – في مدينة مهرجرد من قرى يزد – بعد ما نزل قم سنة 1340 ه‍ لان يؤسس الحوزة العلمية فيها، وقد ساعد آية الله الحائري على إنجاح هذا المشروع وصول بعض علماء العراق إلى إيران، حيث نفتهم الحكومة العراقية وبأمر من المستشار البريطاني في بغداد، وكان وصول هؤلاء المراجع سنة 1341 ه‍ أمثال الشيخ مهدي الخالصي، والسيد أبي الحسن الاصفهاني، والميرزا محمد حسين النائيني، والسيد علي الشهرستاني، والسيد عبد الحسين الحجة (1)، لهم الاثر الكبير في تعزيز مكانة الشيخ الحائري، وتشييد الحوزة العلمية


(1) طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر في القرن الرابع عشر لآغا بزرگ الطهراني: القسم

[95]

فيها، وبالخصوص لما تولى السيد أبو الحسن الاصفهاني، والميرزا محمد حسن النائيني مهمة التدريس وإلقاء البحوث على مستوى سطح الخارج على الطلاب، مع اشتغالهم بترويج المذهب، والاعتناء بشؤون أهل العلم والعلماء، والتصدي للوقوف أمام حكم البهلوي رضا شاه الدكتاتوري الذي أشاع الفساد، وقهر العباد، وسلك طريق الاباحية في سياسته. ثم ازدهرت الحياة العلمية في الربع الاخير من هذا القرن، الى أن قيض للحوزة في قم المرجع الديني الاعلى المغفور له السيد روح الله الخميني – قدس سره -، فأعاد العز والشرف والهيبة والوقار إلى الحوزة العلمية وعلمائها مرة اخرى، بعد ما تصدعت في أيام الحكم البهلوي رضا شاه وابنه محمد، إذ أعدموا الكثير من العلماء والسادة الاجلاء والمجاهدين الغيارى، وقد ارتكبوا عدة جرائم بشعة ; كالقتل الجماعي ; ومن أبرز تلك الجرائم: حادثة (مسجد گوهرشاد) في مشهد الامام الرضا عليه السلام، إذ ذهب ضحيتها أكثر من عشرة آلاف شخص. ثم لا يخفى ما لقم من تاريخ ديني وعلمي وسياسي مهم، وقد ذكرنا قسطا من تلك الاهمية عندما تحدثنا عن قم بكونها من أحد المراكز العلمية القديمة للشيعة، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تعيد قم مجدها الديني، ومنزلتها العلمية مرة اخرى، إذ رحل إليها العلماء وأهل العلم، وقطنها المراجع العظام ; أمثال: الشيخ المولى محمد إبراهيم الكزازي المازندراني. والشيخ الميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي، والذي يعد من أكابر علماء قم ومحققيها وأساتذتها، عاش بين 1151 – 1231 ه‍. والسيد أحمد بن عناية الله الزنجاني.


< – الثالث من الجزء الاول، ص 116 ط 2، 1404 ه‍.

[96]

والشيخ محمد باقر بن الحسن الزرندي، وهو من الاعلام الكبار في عصره، توفي بعد سنة 1224 ه‍. والشيخ المولى محمد حسين بهاء الدين محمد القمي، كان من تلامذة الميرزا أبي القاسم القمي صاحب كتاب ” القوانين “. والشيخ محمد علي بن محمد جعفر القمي، من كبار علماء قم في عصره، زار العراق وعتباتها المقدسة، ثم نزل طهران وبعدها خراسان، حيث يختلف إلى علمائها، وينتفع من نميرهم، حتى بزغ نجمه، وعلا صيته وتألق اسمه في سماء العلم والتقى، حتى ألح عليه الشيخ عبد الكريم الحائري أن يبقى في قم ليتصدى إلى البحث والتدريس فيها، وقد أجاب لطلبه إلى أن توفي فيها سنة 1358 ه‍، وله آثار و مصنفات عديدة. ومن جملة العلماء في قم ممن مضى: منهم السيد محمد الكوه كمرئي، الملقب بالحجة، وصاحب المدرسة المعروفة في قم، توفي فيها عام 1310 ه‍. والسيد جواد بن السيد علي رضا القمي، المتوفى سنة 1303 ه‍. والسيد آغا أحمد بن السيد محمود بن محمد بن علي الطباطبائي القمي، كان من المبرزين في عصره، توفي سنة 1334 ه‍. والشيخ المولى محمد جواد القمي، أحد تلاميذ الشيخ الانصاري – قدس سره -، له منزلة عظيمة في قم، وقد أجله العام والخاص، وتصدى للقضاء والافتاء، توفي سنة 1314 ه‍. ومن الاعلام في قم: الشيخ حبيب الله بن الشيخ زين العابدين القمي، نزيل زيران بالقرب من الري، ولد في قم سنة 1289 ه‍، ودرس فيها المقدمات والسطوح، ثم حضر البحوث العالية حتى سنة 1340 ه‍، حيث ذاع صيته بين المراجع والفقهاء،


[97]

له مؤلفات عديدة. والسيد الميرزا حسن القمي، من الاقطاب في عصره، وأحد العلماء الاجلاء في قم توفي فيها سنة 1325 ه‍. والسيد آغا حسين القمي، أحد العلماء المعروفين ومن المراجع، توفي سنة 1306 ه‍. والشيخ عباس بن محمد رضا القمي، المحدث الجليل، والعالم المؤرخ، صاحب التصانيف القيمة، والكتب التاريخية، والموسوعات النافعة، ولد في قم 1290 ه‍، وتوفي في النجف سنة 1359 ه‍، بعد ما خلف مجموعة نفيسة من الآثار العلمية. والسيد عبد الحسين ابن السيد جواد الحسيني القمي، ممن تتلمذ على الشيخ محمد كاظم الخراساني، وشيخ الشريعة الاصفهاني، هاجر إلى النجف سنة 1320 ه‍، ثم رجع إلى قم، وبعد رجوعه: بقليل توفي فيها سنة 1337 ه‍. والشيخ عبد الله القمي، من العلماء الاجلاء، تلمذ على السيد المجدد الشيرازي في سامراء، ثم رحل إلى النجف، ثم عاد إلى قم سنة 1310 ه‍، فأقبلت عليه العلماء وأهل العلم وكافة الطبقات، وأصبح ممن يشار إليه بالبنان ; لفضله وورعه، وقد توفي بعد سنة 1310 ه‍. والسيد عبد الله بن السيد إسحاق بن السيد حسين الرضوي القمي، أحد تلاميذ السيد حسين الكوه كمري، والميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ راضي النجفي وغيرهم من العلماء الاجلاء، ثم عاد إلى قم واشتهر بين الخاص والعام، وكان يقيم الجماعة في مسجد الامام الحسن العسكري عليه السلام، توفي في قم سنة 1333 ه‍، وله مصنفات عديدة. وهناك علماء كثيرون لا يمكن إحصاؤهم في هذه اللمحة السريعة، الا أن


[98]

أبرزهم خلال القرن الرابع عشر الهجري: آية الله العظمى المرجع الكبير السيد آغا حسين البروجردي، والسيد محمد حسين الطباطبائي – قدس سرهما -، صاحب تفسير ” الميزان “، والمرحوم آية الله المرجع الديني الامام الراحل السيد روح الله الخميني زعيم الثورة الاسلامية في إيران – قدس سره -، وآية الله العظمى المرحوم السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، وآية الله المرجع الديني السيد محمد رضا الگلپايگاني، شافاه الله وألبسه ثوب العافية، وآية الله العظمى الشيخ محمد علي الاراكي، وآية الله جوادي آملي، وآية الله مكارم شيرازي، وغيرهم ممن لهم مقام في الدرس والتأليف. ولو جاوزنا سرد الاسماء من المراجع والعلماء والمجتهدين في قم، فإن الحركة العلمية قد نشطت خلال هذين العقدين من الزمان، إذ تأسست المجامع العلمية، ومؤسسات التحقيق، ودور النشر، ومعاهد التدريس، والجامعات الاكاديمية إلى جنب الجامعات الدينية، وقد دخلت الاجهزة الحديثة – الكومبيوتر – ليستفيد منها أرباب العلم والعلماء، مما ازدهرت حركة النشر والتوزيع بصورة ملحوظة.. (رابعا) خراسان: أول من دخل من المسلمين بلاد طبرستان الامام الحسن بن علي عليهما السلام، وعبد الله بن عمر ومالك الاشتر، وقثم بن العباس، وذلك زمن عمر بن الخطاب، ثم دخلها مصقلة بن هبيرة الشيباني في زمن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك لما ارتدت قبيلة بني ناجية عن الاسلام وعادت إلى نصرانيتها (1)، إلا أن بعض الاعلام ينكر وجود هذه القبيلة وارتدادها عن الاسلام


تاريخ طبرستان ورويان ومازندران لظهير الدين بن نصير الدين المرعشي، ألف كتابه عام

[99]

والجيش الذي أرسله الامام أمير المؤمنين بقيادة مصقلة بن هبيرة، وقد ذكر عباس شايان في هامش كتاب ” تاريخ طبرستان ” عدة نقاط في ذلك (1). كيفما كان، لا يهمنا تاريخ فتح هذه البلاد بقدر ما يهمنا الولاء الذي حمله التابعين وحبهم لاهل البيت عليهم السلام، ولا يخفى أن الجند الفاتح كان فيه جملة من أصحاب الرسول صلى الله عليه واله، فبين من هو قرشي النسب ومن ذرية علي وفاطمة عليهم السلام، وبين من هو هاشمي، أو من ينتمي إليهم بالولاء. فهذه التكوينة الخاصة بالجند زمن عمر، ثم الجند المرسل – إن سلمنا بحادثة ارتداد قبيلة ناجية – زمن الامام أمير المؤمنين عليه السلام كان لهما الاثر في بذر التشيع في خراسان، إلا أنه لم يظهر على الصعيد السياسي والعقائدي، بل إذا صح التعبير أن نقول: هناك من يعرف حق أهل البيت ولو بصورة إجمالية، وعلى أقل تقدير، أن ولاء بعض الجند الفاتح لاهل البيت كان مشهودا. ثم بدأ التشيع الحقيقي في خراسان عندما ولي الامام الرضا ولاية العهد زمن المأمون، بعدما كانت فارس – كلها إلا ماندر – لا تميز بين البيت العلوي الهاشمي والبيت العباسي، إلا أن الامام الرضا عليه السلام كشف لهم حقائق بني العباس، وغصبهم للخلافة الشرعية من أهلها، كما أن المناظرات التي كانت تعقد بين الامام عليه السلام وبعض خصومه بتوجيه من المأمون كانت تكشف للناس فضل أهل البيت ومعرفتهم وتقواهم، وبها يندحر الخصوم وينتكس على عقبه. بدأ التشيع بخراسان بهذا الشكل، ثم قوي واتسع نطاقه زمن إمارة طاهر بن الحسين الخزاعي على همدان وخراسان عام 205 ه‍، وهو قائد المأمون، والذي فتح بغداد بعد مقتل الامين.


< – 881 ه‍: ص 195. (1) هامش تاريخ طبرستان: ص 195.

[100]

عرف التشيع في خراسان في عهد الامام الرضا عليه السلام – كما تقدم -، وقد نزل في خراسان جماعة من السادة الطالبيين والعلويين، على أن أهل خراسان بل جميع مدن إيران – كانت تجهل منزلة ومكانة أهل البيت عليهم السلام والامام الرضا بالذات عدا الخواص من الناس، بل أن الهاشميين الذين كانوا في خراسان هم كذلك جهلوا حق الامام عليه السلام، قال الصدوق في كتابة ” عيون أخبار الرضا عليه السلام “: بإسناده عن محمد ابن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال: أيوب العلوي: إن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام جمع بني هاشم، فقال لهم: إني اريد أن استعمل الرضا على هذا الامر من بعدي، فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلا يأتنا، فنرى من جهله ما تستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن، إصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه… الحديث (1). نستفيد من الحديث عدة امور، منها: أولا: أن في خراسان كانت بيوت واسر هاشمية تقطنها قبل مجئ الامام الرضا ونزوله فيها. ثانيا: أن الجهل المطبق على الناس في بلاد فارس استمر زمنا طويلا، عدا أماكن معدودة ; كقم. ثالثا: أن المناظرات التي كانت تعقد بأمر المأمون وسعت من دائرة التشيع، كما أنها أتاحت الفرصة للآخرين أن يفهموا حقيقة الائمة المعصومين ومنزلتهم وكراماتهم، وهذا ما كان يجهله الناس، بل حتى بعض الهاشميين الذين حملهم الحسد


1 – عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1 / 149 – 153.

[101]

أن يطلبوا من المأمون لان يتكلم الرضا عليه السلام في باب التوحيد، فعسى أن تزل به القدم ويسقط عند نظر المأمون. وقد افتضح المأمون في جلسات ومناظرات عديدة، وبان فشله وما يكيده للامام، ومن جهة اخرى يتألق نجم الامام، ويعلوا شأنه، وتذهب بأخباره وكراماته الركبان حتى ذاع صيته في الآفاق، مما كان سببا في تخوف المأمون على ملكه وخلافته إلى أن دبر قتله، ومات الامام عليه السلام مسموما بيد الغدر والخيانة، ومن ذلك الحين أصبح مرقد الامام الرضا وخراسان بشكل عام مهوى ومهبط الشيعة، وتوالت الازمان وذرية آل البيت تتجه إلى هذا الحرم الآمن، وتتخذه قاعدة لبث التشيع بين صفوف الناس والنواحي المجاورة لمشهد الامام الرضا عليه السلام. أما طوس ; فهي تعد جزءا من خراسان، ولها تاريخ قديم، وأما حدودها فهي تشمل مساحة واسعة من الاراضي والمدن والنواحي، وابن حوقل يذكر أنها تشمل: نيسابور، ومرو، وهرات، وبلخ. وبخراسان وما وراء النهر كور دون هذه في الصغر، فمنها: قوهستان، وطوس (1)، والسمعاني يقول: طوس ناحية بخراسان، فيها ألف قرية. وفي ” آثار البلاد وأخبار العباد ” أن طوس مدينة بخراسان، بقرب نيسابور. على أي، لما كانت طوس جزءا من ولاية خراسان قديما، فلا يخفى من أنها المدينة الاخرى التي احتضنت مجموعة من العلماء والفضلاء والسادة العلويين من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام، وانتشر التشيع فيها ضمن دعاة العباسيين الذين كانوا يدعون لآل البيت عليهم السلام ظاهرا وإن كان في الخفاء يسعون لانفسهم، إلا أن هذا الزيغ والباطل قد انكشف حتى لعوام الناس.


(1) تاريخ ابن حوقل بنقل (مطلع الشمس)، محمد حسن خان صنيع الدولة: 1 / 203.

[102]

ومن المناسب أن نذكر بعض علماء خراسان الذين اشتهروا بالعلم والورع والتقوى خلال القرنين الماضيين وما بعدهما الى اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، منهم: الشيخ المولى أحمد الهراتي المعاصر للميرزا مهدي الشهيد 1218 ه‍. والشيخ المولى إسماعيل الازغدي، المتوفى سنة 1232 ه‍. والشيخ إسحاق بن إسماعيل التربتي، المتوفى سنة 1237 ه‍. والسيد الميرزا محمد تقي بن عبد الله المدرس، المتوفى سنة 1280 ه‍. والسيد محمد تقي الچولائي، المتوفى سنة 1280 ه‍. والشيخ الآغا محمد باقر الاصفهاني، المتوفى بعد سنة 1281 ه‍. والشيخ محمد إسماعيل الخراساني المنجم، المتوفى سنة 1288 ه‍. والشيخ محمد علي بن محمد رضا السيستائي، نزيل (عبدال اباد) من محال مشهد الرضا عليه السلام، المتوفى سنة 1334 ه‍. والسيد الميرزا أسد الله الميرزا عسكري المشهدي، كان إمام الجمعة في مشهد المقدسة، توفي سنة 1273 ه‍. والسيد القائمي، والد السيد أبي طالب المتوفى بكراجي 1295 ه‍. والسيد علي بن السيد محمد رضا السيستائي المتوفى سنة 1340 ه‍. والشيخ علي اليزدي الخراساني، أحد العلماء البارزين، والثقات الاجلاء في خراسان، توفي فيها سنة 1311 ه‍. والشيخ محمد علي بن المولى عباس علي الخراساني، حضر درس السيد المجدد الشيرازي خمس سنين في سامراء، ثم رجع إلى خراسان مشهد الامام الرضا عليه السلام وصار هناك مرجعا بارزا، وتوفي سنة 1342 ه‍.


[103]

والشيخ علي بن يوسف بن معصوم الجنابذي الخراساني، صحب المولى محمد حسين القمشهي، كما حضر درس الشيخ محمد كاظم الخراساني أيامه الاخيرة، ثم رجع إلى مشهد الرضا عليه السلام وأصبح من علمائها البارزين، توفي قبل سنة 1380 ه‍. والشيخ المولى علي أكبر بن الشيخ حسين النهاوندي الخراساني، أحد العلماء المعروفين في زمانه، وقد درس عند السيد المجدد الشيرازي، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والشيخ محمد طه نجف، وغيرهم، توفي سنة 1369 ه‍. وممن عاصرناهم من العلماء المراجع في مشهد الرضا عليه السلام) آية الله المرحوم السيد عبد الله الشيرازي، والذي كان من أكابر العلماء في كربلاء، ثم رحل إلى الكويت، وبعدها استقر في مشهد، إلى أن وافاه الاجل – قدس سره -. وهناك عشرات العلماء والمجتهدين في خراسان يطول ذكرهم قد حملوا القسط الكبير من الاتعاب في توسعة الحوزة العلمية في مشهد الامام الرضا عليه السلام أي في خراسان. كما اتخذت الاستانة المقدسة للحرم الرضوي على عاتقها نشر التراث القديم، من كتب الفقه والاصول والحديث والتفسير والتاريخ وغير ذلك، إضافة إلى هذا النشاط فهناك مؤسسات علمية شأنها التحقيق والترجمة والطبع والنشر، وهذه المؤسسات حاليا تستفيد من الاجهزة الحديثة في برمجة المعلومات وتحقيقها. (خامسا) لكنهو: فتحت بلاد الهند على أيدي المسلمين، وقد توجهت إليها عدة حملات، كانت أولها في زمن عمر بن الخطاب، ثم دخلها جنود المسلمين في زمن أمير المؤمنين علي


[104]

ابن أبي طالب عليه السلام، وفي الحكم الاموي احتل المسلمون بعض بلاد السند ونشروا الاسلام هناك، ولما اتسعت الدولة العباسية وعم نفوذها على كثير من البلدان، كانت بلاد السند والهند هي إحدى البلدان التي خضعت للنفوذ العباسي، والذي نتج منه أن دخل عدد كبير من المتنفذين الهندوس في الدين الاسلامي واعتنقوه، وقد تشيع بعضهم وآثر خط أهل البيت ومذهبهم على بقية المذاهب. ومما يذكر أن أحد ملوك الهند قد اهتدى على يدي الامام الصادق بسبب أو آخر، وكان ممن تشيع لاهل البيت عليهم السلام، وقد أرسل بعض الهدايا إلى الامام عليه السلام يعلمه بالهداية (1). سار التشيع بخطى وئيدة في بلاد الهند، بفضل الدعاة من المسلمين زمن الدولة الفاطمية، حيث أرسل المستنصر بالله الفاطمي عبد الله الواعظ إلى اليمن ليتعلم اللغة الهندية (السنسكريتية) ثم يسافر إلى الهند للتبليغ، ولما بلغ حفظه للغة الهندية مبلغا ذهب إلى كجرات الهند، ليمارس نشاطه في الدعوة إلى الله، وبث الدين الاسلامي هناك، وفعلا تم له ذلك بكامل النجاح، حتى أسلم وتشيع أحد كبار عبدة الاصنام وزعيم الوثنية واسمه (المهنت)، ثم أسلم الوزير (بها رمل) الذي كان يقتني أثر (المهنت)، وهو الوزير الاعظم للراجه (سنگيه)، وهكذا انتشر التشيع خلال القرون الوسطى، ثم في زمن السلطان شاه إسماعيل الصفوى أصبح المذهب الرسمي في بلاد السند والهند المذهب الشيعي، وتبع شاه إسماعيل في الطريقة يوسف عادل شاه، ثم ازدهرت الحياة في الهند، وكانت الروح العلمية والادبية على أوج عظمتها أيام محمد علي قطب شاه الحاكم والسلطان الشيعي على البلاد. وكيفما كان، فإن للسلطة الصفوية اليد الطولى، والقدح المعلى لنشر مذهب


(1) تاريخ الشيعة للمظفري: ص 234.

[105]

أهل البيت عليهم السلام في بلاد الهند، حيث أرسلوا العلماء والشعراء والمبلغين إلى تلك البلاد، وعززوهم بالمال والدعم المعنوي بغية نشر الهدى، والترويج لمذهب الحق، وفي مقدمة هؤلاء المبلغين هم كبار العلماء وزعماء المذهب: كالحكيم فتح الله، والقاضي نور الله التستري الذي استشهد في الهند، ولم يزل قبره روضة مباركة، ظهرت له فيها كرامات ومناقب، ويؤمه سنويا آلاف من الزوار للتبرك بقبره الطار، والشيخ علي الحزين، وقبره شاخص الى اليوم في مدينة بنارس الهندوسية، ويعود الفضل في تشيع البلد الوثني إلى الشيخ المذكور، ومن العلماء الاماجد: السيد دلدار علي غفران مآب، وابنه السيد محمد وأحفادهم في لكنهو. قامت في الهند عدة دول شيعية، وكان ملوكها متمسكين بدينهم وولائهم لاهل البيت عليهم السلام، حتى شيدوا صرح التشيع في أرجاء الهند، وجعلوا من لكنهو مركزا لدولتهم (أوده) والتي عرف أهلها بإخلاصهم للعلماء، وبذلهم لطلاب العلم وإكرامهم، وإيوائهم. كما أن ملوك هذه الدول اهتموا بالفقراء والمعوزين، وإغاثتهم الملهوف، كما اهتموا بالعزاء الحسيني، وإقامة المآتم، وروجوا للمذهب، فأسسوا المدارس الضخمة والحوزات العلمية، وأكرموا العلماء، وبالغوا في احترامهم، ونشروا تراث الشيعة ومصنفات علمائهم. ومن أشهر ملوك هذه الدولة الشيعية (آصف الدولة) الذي أسس حسينية كبيرة جدا وضخمة في مدينة لكنهو في محلة حسين آباد، وأوقف لها الاراضي الزراعية والعمارات والدكاكين، وهذه الحسينية تعد اليوم من الآثار الاسلامية الشيعية المهمة في الهند، وتقام حاليا فيها الجماعة والجمعة. تعد لكنهو أكبر مدينة شيعية في الهند، وهي عاصمة يوپي () 1 () U. P، إحدى


(1) () U. P رمز لاسم المقاطعة:) * (. UTTAR PRADESH

[106]

مقاطعات الهند، وأكبر جمهورية فيها، إذ يعد سكانها أكثر من مائة مليون نسمة وفي لكنهو – كما تقدم – قامت دولة شيعية لعدة قرون، ولها مآثر وآثار عديدة في البلاد كالحسينيات الضخمة ذات الهندسة الراقية والفن العجيب، وحقا أنها تعد من عجائب الآثار، وبدائع الافكار. كما أن هذه الدولة لشدة تعلقها بأئمة أهل البيت عليهم السلام بنت المزارات الشبيه للمراقد والعتبات المقدسة في العراق، كالنجف، وكربلاء، والكاظمين، وسامراء، والكوفة، وبهذا نجد في لكنهو صورة حية عن الآثار والمراقد والمزارات التي يشاهدها الزائر في العراق. ومن المعالم البارزة في لكنهو المدارس العلمية الكبيرة التي تضم أكبر حوزة في الهند، من هذه المدارس: الجامعة السلطانية، ومدرسة سلطان العلماء، والمدرسة الناظمية، ومدرسة الواعظين، ومدرسة تنظيم المكاتب، وشيعة كالج. لقد تخرج من هذه المدارس والجامعات علماء أفذاذ، ومجتهدين عظام، أثروا المكتبة والمذهب الشيعي بمؤلفاتهم وتصانيفهم، وساهموا في توسيع رقعة التشيع في أطراف الهند المختلفة. لقد برع خطباء الشيعة في الهند إلى حد كبير، حتى صاروا في الآونة الاخيرة هم أهل الحل والعقد، واتجهت غالبية طلاب العلم هناك إلى ممارسة هذا الفن، لما فيه من أثر كبير في النفوس، وهو يدر عليهم من المال ما يسد حاجاتهم الضرورية، ولكونه المورد الرئيسي لمعاشهم، ولم أجد قوما أحكموا فن الخطابة كهؤلاء الهنود – اليوم – ولهم أيادي جميلة واسعة في نشر مناقب وفضائل أهل البيت عليهم السلام. ويجدر بنا أن نذكر بعض علماء الهند، وبالخصوص مدينة لكنهو وتوابعها، فمن أشهر علماء لكنهو: السيد دلدار على، المتوفى سنة 1235 ه‍، وهو صاحب آثار


[107]

جليلة وكرامات، وله ورع وتقوى بذ فيها أقرانه، وعلا نجمه حتى شخصه القريب والبعيد، والعام والخاص. ومنهم الشيخ آغا باقر ابن معالج خان الكشميري اللكنهوي، توفي بعد سنة 1222 ه‍. والسيد أولاد حسين الهندي، كان من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي، توفي سنة 1259 ه‍. والمولوي أمانت علي العبد الله پوري، من تلاميذ السيد دلدار علي. وآخرون غيرهم. والسيد أكبر شاة الهندي، من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي. والسيد فضل علي خان الهندي، من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي. والسيد أصغر الهندي، من تلاميذ السيد دلدار علي النقوي. والسيد أعظم علي الهندي، من تلاميذ السيد دلدار علي النقوي. والسيد حامد حسين مؤلف ” عبقات الأنوار “، و ” استقصاء الأحكام واستيفاء الانتقام في الرد على منتهى الكلام “، ومنزلته بين علماء لكنهو بل الهند عالية مرموقة. والسيد اعجاز حسين الكنتوري اللكنهوي، المتوفى سنة 1286 ه‍. والمولى أشرف علي البلكرامي، من تلاميذ السيد دلدار علي. والمولوي امداد علي بن أحمد علي بن فلندار، كان معاصرا للسلطان أمجد علي شاه، له آثار عديدة، توفي سنة 1290 ه‍. والسيد أنور علي الهندي ابن السيد رستم، من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي، توفي سنة 1297 ه‍ والسيد محمد باقر بن سلطان العلماء السيد محمد بن السيد دلدار علي، له مؤلفات عديدة، ومقام مشهور، توفي سنة 1270 ه‍


[108]

والسيد حميد الدين باقر شاه النقوي، من تلاميذ سلطان العلماء السيد محمد ابن السيد دلدار علي. والسيد بنده حسين بن سلطان لعلماء السيد محمد بن دلدار علي، المتوفى سنة 1295 ه‍. والسيد پناه علي الهندي، من تلاميذ دلدار علي. والمولوي محمد تقي بن أحمد علي بن المولوي محمد علي بادشاه اللكنهوي، كان جده معاصرا للسيد دلدار علي. وممتاز العلماء السيد محمد تقي بن سلطان العلماء السيد حسين النقوي، المتوفى سنة 1289 ه‍. والشيخ المولى جواد بن المولى محمد علي بادشاه الكشميري، نزيل لكنهو، توفي بعد سنة 1233 ه‍. والسيد حسين المرعشي، من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي. وهناك طائفة من العلماء الأجلاء والمجتهدين، لهم ذكر جميل، وآثار حميدة، يقطنون في لكنهو، ولهم مدارس وحوزات علمية، ونشاط ديني مرموق، كما أن هناك مؤسسات وجامعات علمية ودينية اتخذت على عاتقه تربية الجيل المعاصر، ومن أبرز هذه المؤسسات: ” تنظيم المكاتب “، ” والجامعة السلطانية “، ” وشيعة كولج “، وقد شاهدنا أغلب تلك المؤسسات، ولنا مع علمائهم صلات ودية، وروابط وثيقة أيام إقامتنا في لكنهو. أقول: ما ذكرناه عن المراكز العلمية للشيعة حديثا هي أهمها، والتي بقيت طوال قرون عديدة لم تفل عنها شمس العز والمجد، إلا في فترات وجيزة لظروف وأسباب قد تكون بعضها سياسية.


[109]

وإلى جانب تلك المراكز العلمية المهمة في العالم نجد مراكز علمية شيعية بحتة، نبغت لفترة، أو هي لم تزل، إلا أنها أقل شأنا من سابقتها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، في العراق: مدينه الحلة، والكاظمين، وسامراء، والبصرة. وفي إيران: كل من: إصفهان، وشيراز، وتبريز، وطهران، وأراك وقزوين، وشاهرود، وسبزوار، ونيشابور، ورشت، والاهواز، وكاشان، ومازندران، وبهبهان، وزنجان، وبروجرد، ودزفول، وتستر، وهمدان، وكرمان، وخوي، ويزد. وفي باكستا ن: كراجي، ولاهور، وبيشاور، وملتان، وحيدرآباد الباكستانية، وكجرات. وفي أفغانستان: بلخ، ومرو، وهرات، وقندهار، وغزني. وفي الهند: حيدر آباد الدكن، وفيض آباد، وبومبي، وكشمير، وبنارس، والله آباد، واعظم گر، ورام پور، وجي پور. وفي الشام: حلب، وبعض نواحي دمشق. وفي لبنان جبل عامل، وصور، وصيدا، وجنوب لبنان، وبيروت، والبقاع، وبعلبك. وفي الحجاز والخليج: المنطقة الشرقية، والاحساء، والقطيف، والبحرين، والمدينة المنورة،… وفى اليمن: عدة مدن إلا أن مذهبهم زيدي. وفي آسيا المستقلة: بادكوب، وايروان، ونقشوان (1). وفي تركيا: قارص، واردهان واسطنبول، ودغي بايزيد شرقي ايغدير، چؤرؤم.


(1) سابقا كانت هذه الدول منظمة الى الاتحاد السوفياتى.

[110]

وهناك مراكز علمية للشيعة غير التي ذكرناها في مختلف الأقطار العربية والاسلامية، وقد بدأ التشيع يتسع – في أواخر هذا القرن – في جنوب أفريقيا، وأوربا، وفرنسا، وألمانيا، والدول الاسكندنافية، وبريطانيا، والنمسا، وإيطاليا، و إسبانيا، كما انتشر في أمريكا الشمالية والجنوبية، والبرازيل، واستراليا، والفلپين، وكندا. كلين ضبطها جغرافيا قال مرتضى الزبيدي في مادة: كلان – كسحاب -: أهمله الجوهري وصاحب اللسان، وهي (رملة لغطفان)، وضبطه نصر – بالضم -، وقال: رملة في ديار بني عقيل، وكلين (كأمير) هكذا في النسخ، وفي بعضها: كلين – بالكسر -، وضبطه ابن السمعاني: (كزبير). قلت: وهو المشهور على الألسن، والصواب بضم الكاف وإمالة اللام، كما ضبطه الحافظ في ” التبصير (ة) بالري، منها: أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة ورؤوس فضلائهم في أيام المقتدر، ويعرف أيضا بالسلسلي، لنزوله درب السلسلة ببغداد ” (1). وقال الفيروز آبادي، في فصل الكاف باب النون: ” كلان – كسحاب – رملة لغطفان، وكأمير، ثم رمز بالحرف (ة) أي قرية بالري، منها: محمد بن يعقوب الكليني،


(1) تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدي: 9 / 322 مادة: ” كلان “.

[111]

الفصل الثاني نشأة الكليني الاولى كلين: ضبطها جغرافيا الكليني: اسمه ولقبه ومولده مدينة الري تأريخيا نشأة الكليني العلمية الاولى – مشايخ الكليني وممن روى عنهم – تلاميذ الكليني وممن روى عنه – أقول العلماء فيه – مؤلفاته – وفاته وقبره


[113]

كلين ضبطها جغرافيا قال مرتضى الزبيدي في مادة: كلان – كسحاب -: أهمله الجوهري وصاحب اللسان، وهي (رملة لغطفان)، وضبطه نصر – بالضم – وقال: رملة في ديار بني عقيل، وكلين (كأمير) هكذا في النسخ، وفي بعضها: كلين – بالكسر – وضبطه ابن السمعاني: (كزبير). قلت: وهو المشهور على الالسن ; والصواب بضم الكاف وإمالة اللام، كما ضبطه الحافظ في ” التبصرة (ة) بالري، منها: أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة ورؤوس فضلائهم في أيام المقتدر، ويعرف أيضا بالسلسلي ; لنزوله درب السلسلة ببغداد ” (1). وقال الفيروز آبادي، في فصل الكاف باب النون: ” كلان – كسحاب – رملة لغطفان، وكأمير، ثم رمز بالحرف (ة) أي قرية بالري، منها: محمد بن يعقوب الكليني،


(1) تاج العروس لمحمد مرتضى: 9 / 322 مادة: ” كلان “.

[114]

من فقهاء الشيعة (1). وهناك قرية بالري تسمى كيلين على وزن (سيرين)، منها: محمد بن صالح بن أبي بكر بن نوبة الكيليني الرازي، روى عنه حمزة الكناني (2). وقال المولى أحمد النراقي في ” عوائد الايام “: ” القرية موجودة الان في الري، في قرب الوادي المشهور بوادي الكرج وعبرت عن قربه، وهي مشهورة عند أهلها وأهل تلك النواحي جميعا بكلين – بضم الكاف وفتح اللام المخففة – وفيها قبر الشيخ يعقوب (3) والد الشيخ أبي جعفر ” (4). والمتحقق أن بلاد الري كانت في القديم واسعة جدا، بحيث تصل إلى أطراف قم من جهة، وإلى قزوين من جهة ثانية، قال المقدسي: وللري، قم، ساوة، آوة، قزوين، أبهر، زنجان، شنلبة، ويمة. ثم قال: ولها من المدن آوة، ساوة، قزوين، أبهر شنلبة، الخوار، ومن النواحي: قم، دماوند، شهرزور (5). وقال حمدالله المستوفي في ” نزهة القلوب “: ” سيوم ناحيت: ناحيت فشابويه است، ودر اوسي پاره ديه است: كوشك، وعلي آباد، وكيلين، وجرم، وقوچ، اغاز معظم قراى آنجاست ” (6).


(1) القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي: 4 / 263، م المكتبة التجارية بمصر. (2) تاج العروس: 9 / 322 منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، ط 1، 1306 ه‍ (3) عوائد الايام للشيخ أحمد النراقي ت 1235 ه‍: ص 297 ط حجرية، منشورات مكتبة بصيرتي قم 1408 ه‍. (4) أقول: لقد التبس على الشيخ النراقي في نسبة القبر الذي مر به، حيث نسبه إلى والد محمد السمري ; أبو الحسن علي بن محمد من نواب صاحب الامر، والحال أن القبر هو لوالد الشيخ الكليني. ولعله من سهو النساخ. (5) أحسن التقاسيم للمقدسي: ص 51 و 386. (6) نزهة القلوب لحمد الله المستوفي، المتوفى في نصف الثاني من القرن الثامن، ألف كتابه

[115]

أقول: والاشتباه واضح جدا فيما أفاده المستوفي، حيث أطلق كيلين وجعلها إحدى قرى فشابويه (1)، والصحيح أن يقول: كيلين – بياء واحدة -، وقد عرفت أن (كيلين) هي قرية من قرى ورامين، وما قاله صاحب ” القاموس ” في ضبط كلين – بالفتح – أنها (كأمير) قرية بورامين، إلى حد ما صحيح، لكن قبر الشيخ يعقوب بن إسحاق والد الشيخ محمد، ليس في ورامين، بل المتعين أنه في ناحية من نواحي جنوب غرب المدينة، أي على مقربة من انتهاء نهر كرج (2)، وهي قرية كلين – بالضم – التابعة الى رستاق (3) بشابويه (4)، وقد صرح جملة من المؤرخين


< – المتقدم سنة 740 ه‍، انظر المقالة الثالثة: ص 53. (1) قال محمد بادشاه: دهستان بشاويه در جنوب دهستان غار واقع است، وبدين عهد 54 ديه دارد. أسامي دهات كشور: 1 / 249. (2) الري ونواحيها وقراها كانت تسقى بواسطة ثلاثة أنهر، والتي تغذيها الجبال المحيطة بالمنطقة، النهر الاول: يسمى جاجرود (رود جاجرود)، وهو ينبع من جبال دماوند، شمال طهران الحالية، ويصب إلى الجنوب، وينتهي في أطراف الري بعد ما يتفرع إلى جداول صغيرة ليسقي قرى الري الشمالية، والشرقية، والجنوب الشرقي، ثم يتلاشى في الاراضي الجنوبية، وطول هذا النهر 30 فرسخا. والثاني: يسمى بنهر كرج (رود كرج)، وهذا ينبع من جبال طالقان ليمر بقزوين فيصب بأراضيها، وتستفيد من مياهه منطقة ساوجبلاغ، حيث يتفرع هناك إلى عدة فروع ليسقي أراضيها الزراعية، ثم يمتد هذا النهر إلى منطقة: شهريار، والري، وينتهي في القسم الجنوبي الغربي لمدينة الري في رستاق بشاويه، وبأراضي كلين وكوشك، وطول هذا النهر خمس وعشرون فرسخا. والثالث: يسمى بنهر كردان، وهو ينبع كذلك من حدود جبال طالقان ويصب في مدينة الري، وينتهي بأراضيها الجنوبية. انظر نزهة القلوب المقالة الثالثة: ص 220، ط ليدن. (3) الرستاق: معرب (روستا) والتي تعني القرية، والرستاق تستعمل دائما للمناطق الريفية أو الزراعية، أما (كاه) فتستعمل للمناطق الآهلة بالسكان المعمورة ; كالمدن التجارية والصناعية والاماكن المقدسة. قال الحموي: ” إنهم يعنون بالرستاق كل موضع فيه مزارع وقرى (الى أن – >

[116]

بذلك ; كالسمعاني (5)، والعسقلاني (6)، والساروي (7)، والمجلسي (8). والحقيقة الثابتة أن في الري مدينتين بعنوان (كلين)، أحدها: في جنوب شرق المدينة (كلين)، والتي هي على وزن أمير – بالتكبير، بفتح الكاف بعدها لام ثم يا ونون – وهي من قرى ورامين، وربما تزاد الياء بعد الكاف المكسورة ثم لام وياء


< – قال): فهو عند الفرس بمنزلة السواد عند أهل العراق “. معجم البلدان: 1 / 40 – 41. وفي القرن الثالث الهجري كانت الري فيها سبعة عشر رستاقا – والرستاق يتبع إداريا إلى الاستان الذى هو أكبر وحدة إدارية، ويقابله عند العرب: المقاطعة، والرستاق بمنزلة المحافظة قال ابن الفقيه في مختصر كتاب البلدان: والري سبعة عشر رستاقا، ومنها: الخوار، ودنباوند، وويمة، وشلنبته، هذه التي فيها المنابر. مختصر كتاب البلدان: ص 274 ط ليدن. والمنبر: كناية عن وجود مسجد جامع، الذي تقام فيه الجمعة والجماعة، وهذا يعني أنها مدن وليست قرى. وقال الاسطخري: ” وللري سوى هذه المدن قرى تزيد في الكبر على هذه المدن كثيرا، مثل: سد، وورامين، وأرنبويه وورزنين، ودزاه، وقوسين، وغير ذلك من القرى… ” المسالك ص 123، وقال أيضا: ” ومن رساتيقها المشهورة: قصران ; الداخل والخارج، وبهزان، والسن، وبشاويه، ودنباوند، ورستاق قوسين، وغير ذلك… ” المسالك: ص 123 وأحسن التقاسيم: ص 386. (4) بشابويه ; وتلفظ مرة: فشابويه، واخرى: فشاويه، وثالثة: بشاويه، ورابعة: فشافويه، وربما اختصرت فكانت: با. انظر صورة الارض لابن حوقل: ص 322، وجنة النعيم: ص 503، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة ص 54، وكتاب أسامي دهات كشور: 1 / 249، وري باستن: 2 / 509. أما القرى التابعة إلى بشابويه فهي كثيرة جدا، وقد وصل عدد قراها إلى 54 قرية، قالت موسوعة الاحصاء في كتابها أسامي دهات كشور الطبعة الثانية 1329 ه‍ شمسي: دهستان بشاويه در جنوب دهستان غار واقع است، وبدين عهد 54 ديه دارد. 1 / 249. (5) الانساب للسمعاني: ورقة 486 ب. (6) التبصير لابن حجر العسقلاني كما نقله صاحب الروضات: ص 551. (7) توضيح الاشتباه لمحمد علي الساروي: ورقة 37. (8) مرآة العقول للمجلسي: 2 / 2.

[117]

ونون، فتكون اللفظة كيلين، على وزن سيرين، وسيأتي التفصيل في كلين بكسر الكاف. والمدينة الثانية: كلين – بضم الكاف – على وزن زبير – بالتصغير – هي التي تقع إلى جنوب غربي مدينة الري من رستاق بشابويه، والذي ينتهي عندها تقريبا نهر كرج النابع من جبال الطالقان، وفي كلين قبر الشيخ يعقوب بن إسحاق الكليني. قال العلامة الحلي: ” الكليني – مضموم الكاف مخفف اللام – منسوب إلى كلين قرية من الري ” (1). أما السمعاني فقال: ” الكليني – بضم الكاف وكسر اللام – وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها في آخرها النون – هذه النسبة إلى كلين، وهي قرية بالري، والمشهور بالنسبة إليها أبو رجا الكليني ” (2). وقال ياقوت الحموي: ” كلين: المرحلة الاولى من الري لمن يريد خوار على طريق الحاج (3)، والقرية الموجودة حاليا تبعد عن جنوب غربي مدينة الري ب‍ 38 كيلومتر، وبينها وبين الطريق الذي يربط قم بطهران فاصلة تقدر بخمس كيلو مترات من شرقي الطريق ” (4). قال الميرزا محمد التنكابني: ” كلين – بضم كاف وفتح لام است – چنانكه علامة وشيخ الطايفة شيخ طوسي بدان تصريح كرده اند، واز مشايخ خلفا عن سلف بدين وجه مسموع گشته، وبالفعل نيز در ألسنة أهالي آن ولايت يعني: ري وتوابع


(1) رجال العلامة الحلي للحسن بن يوسف ت 726: باب أحمد ص 18. (2) الانساب لعبد الكريم السمعاني ت 562 ه‍: 10 / 463، تحقيق عبد الفتاح الحلو، ط 1 بيروت 1981 م. (3) معجم البلدان للحموي: 4 / 303. (4) فرهنگ جغرافيائى إيران: 1 / 183.

[118]

آن بدين وجه قرائت مى شود ” (1). اما كلين – بالكسر – فيبدو أنها مع الياء بعد الكاف، أي تكتب كيلين – بكسر الكاف بعده الياء. ثم لام مكسورة بعدها ياء ونون – إلا أن في أسامي دهات كشور ضبطها كلين – بكسر الكاف واللام – كما يلفظها أهل ورامين. kileen ثلاث قرى في دهستان بهنام سوخته من نواحي ورامين، وهي قلعة كلين، كلين خاصة، ده كلين أو كلين سادات (2). وقد تقرأ (گلين) بالكاف الفارسية المكسورة. قال محمد پادشاه: ” گلين بكسر كاف فارسي منسوب بگل را گويند. نام ده أي در حوالي ري كه قلعه اي كلين داشته، ومنسوب بدا بخارا گليني مى خوانده، وكلين بكاف عربي همانا معرب آن باشد ” (3). ولا يخلو من اشتباه المصنف، حيث تغير الكاف العربية إلى الكاف الفارسية لا يعني تغير ضبطها كذلك، فلو سلمنا في تغير حرف الكاف العربية إلى الفارسية فلابد من إبقاء حركتها، فتكون كلين – بكسر الكاف أو الكاف الفارسية – هي من أعمال كلين بهنام سخته التابعة إلى ورامين. ومما يؤيد ذلك ماقاله المقدسي في ” احسن التقاسيم “: ” من الري إلى كيلين مرحلة، ثم إلى كيس مرحلة، ثم إلى الخوار مرحلة ” (2). فلو اشبعت حركة الكاف المكسورة رسمت بعدها ياء، فإن كلين – مكسورة


(1) قصص العلماء للميرزا محمد التنكابني: ص 396، ط طهران، المكتبة العلمية. (2) أسامي دهات كشور: 1 / 81. (3) آنندراج لمحمد بادشاه متخلص بشاد رقم: 3 / 53، ط الهند 1892. (4) أحسن التقاسيم: ص 400.

[119]

الكاف -: مرة تكتب بعدها الياء ومرة تحذف، ومهما يكن من أمر فإن كلين – بكسر الكاف بعدها لام – أو كيلين – بكسر الكاف بعدها ياء – أو گلين – بكسر الگاف الفارسية بعدها لام – أو گيلين – بكسر الكاف الفارسية بعدها ياء -، الجميع بمعنى واحد، ويراد بها كلين الواقعة في جنوب شرقي مدينة الري، وهي من قرى ورامين، حيث ان كيس والخوار واقعان فيها. وقد اشتبه الدكتور حسين كريمان لما جعل هذه التسمية (كلين) من أعمال كلين فشابويه (1) حيث عرفت أن رستاق فشابويه يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الري أما رستاق خوار فهو إلى الجنوب الشرقي من مدينة الري، والذي تقع فيه كيس أو كيلين أو كلين – بكسر الكاف -. ثم الاشتباه الاكبر والعجيب ما قاله الحموي في معجم البلدان، قال: ” كلين المرحلة الاولى من الري لمن يريد الخوار على طريق الحاج ” (2). والصحيح أن كلين – بضم الكاف – إذا عدت المرحلة الاولى من الري على طريق الحاج فلا دخل لمن يريد الحج أن يسلك طريق الخوار، حيث أن هذا الطريق يسلك بالمار أو الحاج إلى شرق البلاد، إذا ليس هو المقصود. والحاج عندما يسلك لابد أن يتخذ طريقا سبيله إلى جنوب غرب البلاد، مارا بإصفهان، ثم الاهواز، ثم البصرة، وبعدها إلى الديار المقدسة في الحجاز، أو يسلك طريقا آخر عبر العراق باتجاه الكوفة، أو يسلك طرقا اخرى بهذا الاتجاه. وإذا احتملنا وجود طريق آخر للحاج يسلكه عبر خوار، فمن الانسب أن تكون كلين – بكسر الكاف – هي المرحلة الاولى من الري لمن يريد خوار على طرق


(1) ري باستان: 2 / 614. (2) معجم البلدان: 4 / 303.

[120]

الحاج ; لان الفاصلة بين كلين – مكسورة الكاف – من قرى بهنام ورامين وبين خوار قليلة جدا إذا ما قيست بالفاصلة بين كلين – مضمومة الكاف – وبين خوار. فانتبه، إنه تحقيق دقيق. ومما يثير الغرابة الميرزا عبد الله أفندي عندما تحير في نسب الشيخ الكليني، وإلى أي القريتين ينتسب، قال: ” الذي سمعناه من أهل طهران، الذي هو المعهود من بلاد الري قريتين: اسم إحداهما كلين – على وزن أمير – والاخرى كلين – على وزن زبير – ولا يبقى نزاع في المقام، ولكن لا يعلم أن محمد بن يعقوب من أي القريتين، ولا يظهر وجه تصحيح السمعاني هذه النسبة بأنها بضم الكاف وكسر اللام، إذ لم أجد في موضع آخر كون كلين – بضم الكاف وكسر اللام – قرية بالري، ولعلها في غير الري، فلاحظ. ولو صح ذلك، أعني القول بأن الكليني – بضم الكاف وكسر اللام – فلعله نسبة إلى إحدى القريتين المذكورتين، ويكون كسر اللام فيه من باب التغيرات للنسب، فلاحظ ” (1). أقول: إن كلين – بضم الكاف – قد ضبطتها القواميس والمعاجم – وقد تقدم -، وهكذا بالنسبة إلى كلين بكسر الكاف أو فتحها. ويبقى الكلام بالنسبة إلى اللام: قال الشهيد محمد بن محمد بن حامد بن مكي في إجازته للشيخ علي بن الحسن ابن الخازن الحائري في عام 784 ه‍… الكليني بتشديد اللام (2). وقال البهبهاني، محمد باقر: ” وفي حاشية البلغة: ضبطه بعض الفضلاء بكسر الكاف، وتشديد اللام المكسورة ” (3).


(1) رياض العلماء للميرزا عبد الله أفندي: ص 238. (2) بحار الانوار: 107 / 190 ط 3 بيروت 1983. (3) تعليقات محمد باقر: ورقة 164 ب.

[121]

وقال النراقي: ” الكليني بضم الكاف وتخفيف اللام منسوب إلى كلين، قرية من قرى الري، ونحوه في بعض لغات الفرس، وحكي عن الشهيد الثاني أنه ضبطه في إجازته لعلي بن حارث الحائري: الكليني بتشديد اللام ” (1). أقول: إن الذي حكي عن الشهيد الثاني قد اشتبه في إسناد إجازة الشهيد لعلي بن حارث الحائري، والصحيح – كما تقدم -: علي بن الحسن ابن الحارث الحائري. أما تشديد اللام المنقول عن إجازة الشهيد الثاني فلا أعرف أحدا سبقه إلى هذا الضبط، بل واحتمل فيه السهو من قلمه الشريف. إلى هنا سلمنا – ومن خلال تحقيقنا الدقيق – أن كلين إحدى قرى الري، فمن الغريب جدا أن ينفرد عباس فيض في كتابه ” گنجينة آثار قم ” لقوله، فيجعل كلين تابعة إلى قم، بل يرجع هذه النسبة إلى كتاب ” تاريخ قم المترجم “، فيدعي المصنف أن في المرة الاولى – من التعديل الاداري – استقطعت قرى من إصفهان وهمدان والحقت بقم، ثم إن بعض قرى الري توسطت هذه القرى الملحقة جديدا بقم، لذا لابد من تسويت القرى إلا أنهم لم يلحقوا بقم شيئا من قرى الري. ثم قال: ولما كان العرب أهل حشمة وقدرة وإمكانية، فقد اشتروا أكثر قرى ” خوي ” التي لحقها الخراب وعمروها وشقوا فيها القنوات والترع، لهذا في المرحلة الثانية الحق بقم 94 قطعة معمورة وخراب والتي كانت تابعة سابقا إلى همدان، ومن مدينة ري استقطعت ” خوي “، وفي الاصل: ” خوار ” ومن إصفهان استقطعت رستاق ” قاسان “، ورستاق ” اردهال كنوني ” والحقتا بقم أيضا، ومن خوي (خوار التابعة إلى الري) استقطعت منها 32 قرية والحقت كذلك، و ” كلين ” قرية من


(1) عوائد الايام: ص 297.

[122]

” خوار ” فضمنا الحقت بقم. وهذا شئ غريب من الناحية التاريخية والجغرافية بالنسبة للقرن الثالث والرابع الهجري (1). وإليك خارطة مفصلة بخصوص رساتيق الري، بينا فيها نواحي الري وقراها – قديما – كما تجد في الخارطة موضع كلين بالضم، والثانية بالفتح فتأمل.


(1) وقد آثرنا نقل النص الفارسي كي يطلع القارئ، قال فيض: ” دهكده كلين از مضافات قم بود، واين دهكده از مضافات قم بوده است، چنانكه در ترجمة إصفهان وهمدان جدا كرده به قم افزوده اند ميپردازد، چنين مى افزايد كه از إصفهان چهار رستاق، واز نهاوند وهمدان هم طسوجهائي جدا ساخته ضميمه قم ساختند، واين شهر را از إصفهان تجزيه ومستقل گردانيدند، وچون ميانه دهكده هاي ري با دهكده هاي قم شوره زارى قرار داشت، كه رستاق هاي قم را از رساتيق ري جدا مى ساخت از شهر ري چيزي به قم نيفزودند. وچون عرب صاحب حشمت ومكنت گرديده أكثر دهكده هاي خوي را كه خرابه بود خريداري كرده به عمران آنها، وحفر قنوات پرداختند براي نوبت دوم: از ناحيت روده كه از جمله نواحي همدان بود نود وچهار تخته از آباد وخراب، واز ناحيت ري رستاق خوي، واز ناحيت اصفهان به جزء نوبت اول رستاق قاسان ورستاق وراردهسار (اردهال كنوني) را به قم افزودند وجزء مضافات آن در آوردند، واز رستاق خوي سي ودو ديه تابع قم گرديد. وآنچه كه اصفهاني در تاريخ خود آورده است كه از ضياع ري هيچ جيز با قم اضافت نكرده اند، ودر محوزة آن نگرفته اند غلط وسهو است، ودرست وحقيقت آنست كه از ري بيستر رستاقهاي خوي با قم اضافت كرده اند، وكتاب ري هم بر اين أمر باطق است. (إلى ان يقول:) بنابراين رستاق خوي جزء مضافات قم بوده است، كه كلين هم يكي از دهكده هاي آن شمرده مى شده است ” گنيجنه آثار قم: 1 / 225 – 226.

[124]

الكليني اسمه ولقبه ومولده: أبو جعفر (1) محمد بن يعقوب (2) بن إسحاق (3)، الكليني (4) الرازي (5)


(1) أبو جفر الاعور، رجال الطوسي، فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام ص 495، معالم العلماء: ص 99. لقد تفرد الشيخ الطوسي – من بين القدماء – بإطلاق هذه الكنية على الشيخ الكليني – قدس سره – ولم يتابعه ممن تأخر عنه الا ابن شهر آشوب المتوفى بعد الشيخ الطوسي بأكثر من قرن وربع القرن، إذ كانت وفاة الطوسي 460 ه‍ ووفاة ابن شهر آشوب 588 ه‍، علما أن في ” الفهرست ” لم تذكر كلمة (الاعور). كما أن المحدث النوري ذكر هذه الصفة عند ذكره لحادثة نبش قبر الكليني من قبل والي بغداد. انظر المستدرك: 3 / 527. (2) وقيل: محمد بن علي، كما في ” الكامل ” لابن الاثير: 8 / 128 وهو اشتباه، وربما خلط ذكره مع محمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرة. (3) رجال النجاشي: ص 377، رجال العلامة الحلي: ص 145، رجال ابن داود، القسم الاول ص 187. (4) رجال النجاشي: ص 377، رجال الطوسي: ص 495، الفهرست: ص 135، معالم العلماء: ص 99، رجال ابن داود: ص 187 القسم الاول منه، رجال العلامة الحلي: ص 145. (5) رجال النجاشي: ص 377، تنقيح المقال: 3 / 201، الكنى والالقاب: 3 / 98. لسان

[125]

السلسلي (1)، البغدادي (2) ثقة الاسلام (3) سكن بغداد وحدث بها (4). أطبقت المصادر القديمة والحديثة على عدم ذكر سنة ولادته ومكان تولده وكم هو عمره، حيث أن حياته ونشأته الاولى مجهولة، ولا يمكن القطع بأي تاريخ على وجه التعيين لسنة ولادته، وكل الذي بأيدينا أنه ولد في زمان الامام العسكري عليه السلام (5). نعم من الممكن أن نقول: إن نشأته الاولى أنها كانت في الري، حيث كان أبوه هناك ودفن فيها، فلا يستبعد من كونه قد ترعرع ونشأ في حجر والده، وأخذ عنه في أوائل سنينه، ثم درس بعد ذلك على مشايخ عصره، وفطاحل العلماء في وقته الذين كانوا في بلاد الري، كما لا يستبعد أنه أخذ عن المشايخ القميين بعد ما شد الرحال إليهم. والذي نعرفه أنه ينتسب إلى بيت أصيل طيب معروف في الري، وقد عرف من رجال هذا البيت عدة من العلماء وحملة الحديث والفقه، منهم: خاله أبو الحسن علي بن محمد المعروف بعلان، ومحمد بن عقيل الكليني، وأحمد بن محمد أخ أبي الحسن. وقد تولى رئاسة فقهاء الشيعة والامامية كما صرح به تاج العروس، وذلك زمن المقتدر بالله العباسي. كان بيته مأوى العلماء، ومجلسه محفلا للعلم والبحث والمناظرة، يقصده


الميزان: 5 / 433. (1) لنزوله درب السلسلة ببغداد، تاج العروس: 9 / 322، معجم المؤلفين: 12 / 116. (2) لسان الميزان: 5 / 433. (3) تنقيح المقال: 3 / 201، الكنى والالقاب: 3 / 98. (4) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ت 852 ه‍: 5 / 433، ط 2، 1971 م، مؤسسة الاعلمي – بيروت. (5) عين الغزال: ص 1، وفي مقدمة بعض مترجمي الكافي أنه ولد مقارنا بولادة الحجة عليه السلام عام 255 ه‍، ثقة الاسلام كليني: ص 5.

[126]

الخاص والعام من أهل العلم والعلماء. أما والده يعقوب الكليني فيعد من كبار علماء الامامية زمن الغيبة الصغرى في ” كلين ” التي آلت إلى الخراب، حيث هناك مدفنه، وله قبة قديمة، ومزار معروف على أن ” كلين ” كانت سابقا تابعة إلى بلاد الري، إلا أنها ضمت إلى قم مع مجموعة من القرى والنواحي، وهي اليوم تقع بالقرب من قرية حسن آباد (1). كيفما كان، فإن محمد بن يعقوب الكليني، الذي ينتسب إلى كلين، إن كانت كلين من توابع قم فقد تقدم الحديث، وإن كانت كلين إحدى نواحي بلاد الري فهذا ما سيأتي الحديث عنه إن شاء الله. سبق وأن أشرنا إلى ما وصفه الشيخ الطوسي أبا جعفر الكليني بالاعور، ولاجل ذلك احتمل البعض أن الشيخ الكليني أدرك وتشرف بحضور الحجة عليه السلام، وذلك لما رواه الشيخ الصدوق – قدس سره – بسنده عن أبي نعيم الانصاري الزيدي، كنت بمكة عند المستجار وجماعة من عند المقصرة، فيهم المحمودي، وعلان الكليني وأبو هاشم الديناري، وأبو جعفر الاحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلا… (إلى ان قال:) إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزاران محرم بهما، وفى يده


(1) قال عباس فيض في كتابه گنجينة آثار قم: ” شيخ المشايخ محمد بن يعقوب كليني، پدر بزرگوارش از علماي بزرگ زمان غيبت صغرى شمرده شده است، كه دفنش در دهكده مخروبه كلين داراي بقعة وقبة قديمي ومزار عمومي است، واين دهكده با حصار مخروبه ومتروكه اش در سه كيلومتري راه قم به تهران نزديك قرية حسن آباد واقع است، وچه بسا كه حسن آباد از قراء احداثي عرب أشعري بجاي كلين بوده باشد. واين دهكده از مضافات قم بوده است، چنانكه در ترجمة تاريخ قم پس از آنكه در نوبت أول به بيان رستاقهائي كه از إصفهان وهمدان جدا كرده به قم افزوده اند.. ” گنجينه آثار قم لعباس فيض: 1 / 225 ط 1، 1349، مطبعة مهر استوار قم.

[127]

نعلان، فلما رأيناه قمنا جميعا هيبة له (1). ولا يخفى أن الاسم الذي ذكره أبو نعيم الانصاري هو: أبو جعفر الاحول الهمداني. أقول: فلو قلنا: أن الاحول هو المراد به الاعور فلا ضير في ذلك، غير أن الاشكال الآخر يأتي في اللقب، فعلاوة على ما تقدم من اختلاف من الكنية والوصف فإن لقب ثقة الاسلام قد عرف بالكليني الرازي. وقال السيد الطباطبائي بحر العلوم: ” وقد علم من تاريخ وفاة هذا الشيخ رحمه الله أنه قد توفي بعد وفاة العسكري عليه السلام بتسع وستين سنة، فإنه قبض عليه السلام سنة مائتين وستين، فالظاهر أنه أدرك تمام الغيبة الصغرى، بل بعض أيام العسكري عليه السلام أيضا ” (2). لما تقدم استطيع أن أقول: إن ولادة الشيخ الكليني كانت بعد ولادة الامام الثاني عشر – ارواحنا له الفداء – بمدة يسيرة، وهذا يعني أنه ولد بين 254 ه‍ و 260 ه‍، لكن لم نجد دليلا قطعيا يثبت ذلك، وربما يقوي الاحتمال المتقدم – أنه ولد زمن العسكري عليه السلام – ما قاله الشيخ في مقدمته للكتاب من أنه صنف الكافي بالتماس من كان يحب أن يكون عنده كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد. وقد تعارف بين أرباب العلم أن التماس الطالب أو المحب من استاذه أو من ذاع صيته بين العلماء أن لا يقل عمر الملتمس منه عن خمسين سنة، وإذا تنزلنا


(1) كمال الدين: الجزء الثاني، باب 43 في ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه وكلمة، الحديث 24. (2) الفوائد الرجالية لبحر العلوم: 3 / 336.

[128]

فنقول: أن لا يقل عمره عن أربعين سنة، ولما ثبت بالاخبار المتواترة المنقولة في كتب الرجال أن الشيخ الكليني أمضى في تأليف ” الكافي ” عشرين سنة، فيكون عمره حتى انهائه للكتاب ستين سنة. ثم لما ذكرت كتب التراجم والسيرة أن الكليني كان شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم كما نص عليه النجاشي وغيره، فهذا يدلل أن شيوع الكتاب – الكافي – بين علماء الاصحاب لابد من مدة زمنية، وإلا كيف يكون الشيخ وجها لا معا في الري ما لم تمض عليه سنين طويلة في الدرس والبحث والتصدي لامور المذهب… ؟ ! ثم انتقاله إلى بغداد أيضا، والتصدي إلى التدريس، واجتماع العلماء حوله، وقراءة الكافي على جملة من تلامذته ورواته أيضا يحتاج إلى ما لا يقل عن بضع سنين. فلو سلمنا بهذه الاحتمالات فنستطيع القول أن الكليني ناهز على السبعين، وبما أن وفاته معلومة وعلى أصح الروايات سنة 329 ه‍ فيكون عمره بين 69 و 75 سنة.


[129]

مدينة الري تأريخيا تقدم الحديث عن قم مفصلا – قديما وحديثا – وبينا مدى أهمية قم العلمية والدينية وأنها قلعة التشيع زمن الائمة المعصومين عليهم السلام، حتى صدرت في فضلها منهم عليهم السلام اخبار عديدة، لهذا قصدها العلماء ومشايخ الطائفة منذ القرن الثاني الهجري، وحتى اليوم. ثم علماء قم ومشايخها كانت لهم صلات ومراسلات بينهم وبين علماء بغداد، والكوفة، والبصرة، والمدينة المنورة، وخراسان، وإصفهان، وقزوين، والري، حتى كان بعضهم يتنقل بين هذه المدن والبلدان، فيلتقي بالعلماء ويأخذ عنهم معالم دينه، ويروي ما وصل إليهم من أحاديث وأخبار أهل البيت عليهم السلام. ولما كان الشيخ محمد بن يعقوب الكليني هو أحد اولئك الذين جابوا البلدان، واتصل بكبار مشايخ الامامية وأخذ عنهم وروى اصولهم، ولما كان أصله من ” كلين “، وهي متأرجحة بين أن تكون من توابع قم – وهذا مما سبقت إليه الاشارة – وبين أن تكون من توابع بلاد الري – جنوب طهران -، وقد رجحنا القول الثاني،


[130]

لان يعقوب الكليني لا زالت مقبرته هناك في كلين التي هي من أعمال الري وإحدى قراها، فرأينا من المناسب أن نتحدث عن بلاد الري تأريخيا، وعن أعيانها والسادات والاشراف الذين نزلوا فيها، والمذاهب التي كانت لها الغلبة في المدينة، وغير ذلك من الامور التي خلقت أجواءا خاصة لينشأ فيها الشيخ الكليني، ثم في أواخر عمره يهاجر من الري إلى بغداد حتى يوافيه الاجل المحتوم هناك. الري: مدينة مشهورة قديما وحديثا، تقع في جنوب طهران الحالية، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال كما ذكره الحموي، معروفة بفواكهها وخضرواتها طيلة أيام السنة، من محاصيلها الزراعية والفاكهة: العنب، والخس، والجوز، والتين، والخوخ. يروى – نقلا عن بعض تواريخ الفرس – أن (كيكاووس) كان قد عمل عجلة وركب عليها آلات ليصعد إلى السماء، فسخر الله سبحانه الريح حتى علت به إلى السحاب ثم ألقته في بحر جرجان، فلما قام (كيخسرو) بن (سياوش) بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلما وصل الى موضع الري قال الناس: بري امد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسية ” ري “، وأمر بعمارة مدينة هناك، فسميت الري بذلك، قال العمراني: الري بلد بناه فيروز بن يزدجرد، وسماه رام فيروز، ثم ذكر الري المشهورة بعدها وجعلها بلدتين (1). قال ابن الكلبي: سميت الري بري رجل من بني شيلان بن أصبهان ابن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ري يوما إليه فإذا هي بدراجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير، يعني أن الدراجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم:


(1) معجم البلدان: 3 / 116.

[131]

” بور انجير “، ويغيره أهل الري فيقولون: ” بهورند ” (1). وعن القزويني – نقلا عن ابن الكلبي – قال: ” بناها هوشنج بعد كيومرث، وقال غيره: بناها راز بن خراسان، لان النسبة إليها رازي ” (2). وكانت الري كسائر البلاد الايرانية تلتزم عبادة النار، أي أنها زرادشتية، ففي سنة 19 أو 20 ه‍ أمر عمر بن الخطاب عامله على الكوفة وهو عمار بن ياسر – رضى الله عنه – بعد فتح نهاوند بشهرين أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى بلاد الري ودستبي ليفتحها، وقد تم ذلك وسار عروة بن زيد الطائي، الا أن أهالي الديلم اجتمعوا عليه وأمدوا أهل الري، فاقتتلوا فيما بينهم حتى استباحهم عروة وانتصر عليهم. وقد جدد بناؤها عدة مرات، منها: أن المهدي لما قدمها في خلافة المنصور العباسي عام 158 ه‍ أمر ببنائها، وعمل حولها خندقا، وبنى فيها مسجدا جامعا، وكان تنفيذ ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، فالمدينة أصبحت تشتمل على قسمين، ما كان داخل السور أو الخندق تسمى بالمدينة، وما كان خلف الخندق تسمى بالمدينة الخارجة. وقيل الذي تولى عمارتها – بأمر المهدي – هو ميسرة التغلبي، احد قواد المهدى، والذي بنى فيها سجنا كبيرا، وقد خرب هذا السجن فجدده رافع بن هرثمة سنة 278 ه‍ وبعد رافع خربه أهل الري. صفة البلدة: حكى الاصطخري أنها كانت أكبر من اصبهان، ثم قال: وليس بالجبال بعد * (هامش) (1) المصدر السابق: 3 / 117. (2) آثار البلاد وأخبار العباد: ص 375.


[132]

الري أكبر من اصبهان، والري مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وان كانت نيسابور أكبر عرصة منها، وأما اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي اعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، وللري قرى كبار، كل واحدة أكبر من مدينة، وعدد منها: (قوهذ) و (السد)، و (مرجبي)، وغير ذلك من القرى، ثم قال: ومن رساتيقها المشهورة: قصران – الداخل والخارج -، وبهزان، والسن، وبشاويه، ودنباوند (1). قال جعفر بن محمد الرازي: ” وكانت الري تدعى في الجاهلية أزاري، فيقال: إنه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الري اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الري، وفيها ابنية قائمة تدل على أنها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الري يقال له: البهزان، بينه وبين الري ستة فراسخ، يقال: إن الري كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب، وربما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت، وغير ذلك من هذا النوع ” (2). وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: ” في التوراة مكتوب: الري باب من ابواب الارض، وإليها متجر الخلق “. وقال الاصمعي: ” الري عروس الدنيا، وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الارض “. وقال العمراني: ” فأما الري المشهورة فإني رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم، الملمع بالزرقة، مدهون كما تدهن الغضائر في


(1) معجم البلدان لياقوت الحموي: 3 / 117. (2) المصدر السابق.

[133]

فضاء من الارض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها، أقرع لا ينبت فيه شئ، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها (2). قال المقدسي: فأما الري فإنها كورة نزيهة، كثيرة المياه، جليلة القرى، حسنة الفواكه، واسعة الارض، خطيرة الرساتيق (2). وقال: ولرساتيقهم شأن (3). لما كانت بلاد الري كبيرة واسعة الاطراف، ولها شأن عظيم بالنسبة للخلفاء، ولانها بمثابة ملتقى طرق الحاج والمسافر من خراسان إلى العراق أو إلى الحجاز، مما كانت تشغل بال الولاة والامراء، ولهذا السبب سال لعاب عمر بن سعد بن أبي وقاص عندما وعده عبيدالله بن زياد أن يكون أميرا عليها فيما إذا خرج لحرب الحسين بن علي عليهما السلام، وكان عمر ابن سعد مترددا في الخروج، وقد أنشد أبياتا يقول فيها: فوالله ما أدري وأني لحائر * افكر في أمري على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي * أم أرجع مأثوما بقتل حسين حسين ابن عمي والحوادث جمة * لعمري ولي في الري قرة عين ألا إنما الدنيا بخير معجل * فما عاقل باع الوجود بدين


(1) انظر معجم البلدان: 3 / 117. (2) أحسن التقاسيم للمقدسي: ص 385، ط ليدن 1906 م. (3) المصدر السابق: ص 391.

[134]

وأن إله العرش يغفر زلتي * ولو كنت فيها أظلم الثقلين يقولون إن الله خالق جنة * ونار وتعذيب وغل يدين فإن صدقوا فيما يقولون أنني * أتوب إلى الرحمان من سنتين وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين فغلبه حب الدنيا والرئاسة وخرج إلى حرب ابن بنت رسول الله، غير مبال ما للحسين من منزلة عند الله وعند رسوله، وقد انتهى به المقام أن قدم رأس الحسين بين يدي عبيدالله بن زياد، غير أن اللعين لم يصب ملك الري شيئا، وقد استجيبت فيه دعوة الامام الشهيد أبي عبد الله عليه السلام، حيث قتله المختار وبعث برأسه إلى المدينة إلى الامام زين العابدين عليه السلام. لقد وردت أخبار عن الائمة الاطهار عليهم السلام بشؤم بلاد الري ولعنها: روي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: ” الري وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات ” (1). وقال إسحاق بن سليمان: ” ما رأيت بلدا ارفع للخسيس من الري ” (2). وفي الاخبار: الري ملعونة، وتربتها تربة ملعونة ديلمية، وهي على بحر


(1) معجم البلدان: 3 / 118، البحار: 60 / 229. (2) انظر معجم البلدان: 3 / 118.

[135]

عجاج، تأبى أن تقبل الحق (1). وقال الحموي في قصة رجوع أحمد بن اسماعيل إلى الري بعد محاصرته لاحمد ابن هارون في بلاد الديلم، قال: ” وآيس منه أحمد بن اسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه اهلها وسألوه أن يتولى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الري، فامتنع وقال: لا اريدها لانها مشؤومة، قتل بسببها الحسين (2) بن علي عليهما السلام وتربتها ديلمية تأبى قبول الحق، وطالعها العقرب وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289 ه‍ (3). وفي ” الخصال ” بسنده عن الاعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (ستة عشر صنفا من أمة جدي لا يحبونا، ولا يحببونا إلى الناس (إلى ان قال:) وأهل مدينة تدعى (سجستان)، هم لنا أهل عداوة ونصب، وهم شر الخلق والخليقة، عليهم من العذاب ما على فرعون وهامان وقارون، وأهل مدينة تدعى (الري)، هم أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء أهل بيته، يرون حرب اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله جهادا، وما لهم مغنما، ولهم عذاب الخزي في احياة الدنيا والآخرة، ولهم عذاب مقيم… الخ ” الخبر (4). التشيع في الري: يقول أبو دلف في الرسالة الثانية الصفحة 32: ” في الري نهر باسم * (هامش) (1) انظر مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه: ص 251 ط دار احياء التراث العربي. (2) إشارة إلى خروج عمر بن سعد إلى حرب الحسين بسبب الوعود التي قطعها له عبيدالله بن زياد في تمليكه بلاد الري، أو توليته اياها. (3) معجم البلدن لياقوت الحموي: 3 / 122. (4) الخصال: ص 96، البحار: 60 / 206.


[136]

” سورين “، وأهل الري يقولون هذا النهر ماؤه مكروه، ويتشأمون منه، لان في هذا النهر غسل فيه السيف الذي قتل فيه يحيى بن زيد في سنة 125 ه‍. وما قاله صاحب ” النقض ” من أن الروافض استولوا على الري سنة 305 – 323 ه‍ في عهد المقتدر العباسي (1) لا ينافي وجود التشيع وموالي اهل البيت في البلد من قبل، بل أن استلام الشيعة السلطة في الري في بداية القرن الرابع الهجري لابد من مركزية لهم فيها، وأن تواجدهم لم يكن وليد الصدفة حتى تستقر بهم الامور، ويتصدون لادارة المنطقة سياسيا وعسكريا، فلابد من قاعدة ومؤيدين وأنصار ودعاة حتى تكون البلدة في قبضتهم. أما ياقوت الحموي فقد قال: ” إن التشيع ظهر عند ما جاء أحمد بن الحسن المارداني إلى الري وتغلبه عليها سنة 275 ه‍ ” (2). لكن أغلب الاخبار وكتب التاريخ تذكر أن أحمد بن الحسن المارداني استولى على الري في زمن الامام العسكري عليه السلام (3)، وبما أن وفاة الامام كانت حدود 260 ه‍، هذا يعني ان دخول أحمد بن الحسن الري فاتحا قبل 260 ه‍، وبمعنى آخر أن التاريخ الذي ذكره الحموي غير دقيق، والمرجح أن يكون قبل عام 250 ه‍، والدليل على ذلك أن الحسن بن زيد مؤسس الدولة العلوية بالديلم كان بالري، ثم شخص إلى الديلم بدعوة من أهلها، فاتفقت كلمة الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته فبايعوه كلهم، ثم بعد ذلك انضم إلى الحسن جبال طبرستان، كصمغان، وقادشان وأهل السفح، ثم استولى على آمد، ثم اخيرا ملك الري وجرجان، وهذه


(1) النقض: ص 54. (2) معجم البلدان: 2 / 901. (3) جنة النعيم: ص 397.

[137]

الاحداث كانت في النصف الاول من القرن الثالث الهجري (1). وهذا يعني أن التشيع كان قبل القرن الثالث الهجري، وسوف نذكر – ان شاء الله عن قريب – جملة من السادات العلويين، وبعض الاعيان والعلماء، وأصحاب الائمة عليهم السلام الذين قطنوا بلاد الري. بل لا نبالغ إذا قلنا: إن التشيع بدأ منذ القرن الاول الهجري، منذ أن احتلها المسلمون في زمن عمر بن الخطاب على يد وإليه على الكوفة عمار بن ياسر، الذي جهز جيشا بقيادة عروة بن زيد الطائي، كما تقدم. نزوح الاشراف من السادات إلى الري: يمكن ان نقسم الذين نزوحوا إلى الري من السادات العلويين إلى ثلاثة مجاميع: المجموعة الاولى: وهم الذين اشتركوا مع العلويين في حربهم ضد خلفاء بني العباس، وعلى رأسهم المنصور الدوانيقي، ففي زمانه خرج عليه محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن الملقب بالنفس الزكية، خرج بالمدينة سنة 145 ه‍، وكان قد بويع له في كثير من الامصار، إذ أرسل أحد أبنائه إلى خراسان وهو عبد الله، وكان يدعوا الناس إلى إمارة أبيه، ثم هرب من خراسان لما كان الطلب وراءه، وقتل في السند، وبعث أخاه يحيى إلى بلاد الري، ثم إلى طبرستان والتف حوله جمع كثير، وأرسل ابنه الحسن إلى اليمن، فقبض عليه الوالي وأودعه السجن حتى مات فيه، وسار ابنه علي إلى مصر يدعو له، فقتل فيها، ثم من إخوته موسى توجه إلى


(1) الكامل لابن الاثير: 7 / 40 حوادث 250 وحوادث عام 251، وعام 252، وعام 255، 257 ه‍.

[138]

الجزيرة، وإدريس بن عبد الله قصد المغرب يدعو أهلها لاخيه، وقد بعث إليه المنصور من يغتاله بالسم، فقام من بعده ابنه إدريس بن عبد الله، وتوجه إبراهيم بن عبد الله إلى البصرة فأجابه الناس، ثم توجه من بعدها إلى فارس الاهواز. وفي زمن المأمون خرج عدة من العلويين عليه، وأعلنوها حربا لا هوادة فيها، منهم: محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن ابراهيم بن الحسن المثنى، والملقب بابن طباطبا، وخرج في المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى، وفي البصرة خرج علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي زين العابدين عليهم السلام، وخرج معه زيد ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي، وظهر في اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن عليهم السلام، وخرج في مكة والحجاز محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، وخرج في المدينة الحسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين عليهم السلام، المعروف بابن الافطس. وفي زمن المعتصم خرج عليه محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين عليهم السلام، وكان بالكوفة ثم هرب إلى خراسان وبعدها إلى مرو وسرخس وطالقان وغيرها، وقد تبعه خلق كثير. وفي زمن المتوكل كان آل علي وفاطمة عليهما السلام في محنة شديدة، وخوف، واضطهاد، وقتل، حتى أنه أمر المتوكل في 236 ه‍ أن يهدم قبر الامام الحسين عليه السلام، ومنع الشيعة من زيارة القبر أو حضور المشاهد المشرفة، وفي نفس السنة أمر المتوكل ” الذيريج ” بالسير إلى قبر الامام الحسين عليه السلام وهدمه، ومحو أرضه، وإزالة أثره، وأن يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن يتقدم على هذا القبر، فكل خشي العقوبة وأحجم فتناول ” الذيريج ” مسحاة وهدم أعالي قبر الامام الحسين عليه السلام، فحينئذ أقدم الفعلة فيه، وأنهم انتهوا إلى الحفرة وموضع اللحد فلم يروا فيه أثر رمة


[139]

ولا غيرها، ولم تزل الامور على ما ذكرنا إلى أن استخلف المنتصر، فأمن الناس وتقدم بالكف عن آل أبي طالب (1). ثم في زمن المقتدر العباسي خرج الحسن بن علي العلوي، المعروف بالاطروش، وكان خروجه سنة 301 ه‍ في بلاد طبرستان والديلم، كانت الديلم أنذاك على دين المجوسية وهم كفار، وكذلك الجبل، فدعاهم السيد الاطروش إلى الاسلام بعد ما مكث بينهم سنين فاستجابوا له وأسلموا، وحسن إسلامهم، وبنى لهم المساجد. ثم ظهر في الديلم والجبل من بعد الاطروش السيد أبو محمد الحسن ابن القاسم الحسيني، المعروف بالداعي، وقد استولى على طبرستان، ولما اتجه إلى الجبل والديلم حوصر هناك من قبل جيش إسماعيل بن محمد بقيادة محمد بن هارون، ولما قرب النصر من الداعي العلوي عمل محمد بن هارون حيلة، إذ تراجع إلى الوراء وترك مخلفات وغنائم كي يأخذها جيش الداعي، مما انقض هؤلاء على تلك الغنائم وتركوا محمد الداعي وحده، مما عاد محمد بن هارون الكرة وحاصروا الداعي العلوي واثخنوه بالجراح وأسروا ولده زيد، ثم مات الداعي بعد أيام من جراحات كانت فيه، ودفن بباب جرجان، وقبره هناك معروف. أقول: هذه المصائب التي جرت على العلويين، وملاحقتهم من قبل حكام العباسيين، حتى رصدوهم ووضعوا عليهم العيون والجواسيس، بل وضعوا الجوائز والهدايا لمن يأتي بخبرهم أو ينقل إليهم رؤوسهم أحياء أو أمواتا، مما زرع الخوف في قلوب أبنائهم ومحبيهم، حتى تفرقوا في البلدان والجبال، وسكن بعضهم القرى والمزارع والبلاد النائية عن مركز السلطة العباسية، ومن جملة الاماكن التي سكنوها


(1) مروج الذهب: 4 / 51.

[140]

مناطق عديدة من قرى الري وأطرافها، مثل: قصران الداخل التابعة إلى بلاد الري أنذاك، كما أن قبور البعض منهم لا زالت معروفة بين الناس حتى اليوم، ولها مزار، ويؤمها الناس في كل وقت. المجموعة الثانية: بعد الفتح الاسلامي لبلاد الري، وتمركز الخلافة بيد العباسيين، واتساع الرقعة الاسلامية، اختار المأمون العباسي خراسان مركزا لحكومته، ولما أراد تثبيت قوائم هذه الحكومة اتجه الى العلويين لارضائهم واستمالة قلوبهم، حتى يستتب له الامر وتقوى شوكته، فما كان منه إلا أن يرسل على نقيب العلويين وزعيمهم الديني وهو الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فاستدعاه من المدينة الى خراسان، وعرض عليه الخلافة فأبى الامام عليه السلام، ثم عرض عليه ولاية العهد، فكذلك أبى، لعلم الامام عليه السلام بأن المأمون ما أراد من هذا العرض إلا الغدر به، وهو غير صادق فيما يظهره للامام، بل أنها الخدعة والمكيدة، غير أن المأمون أصر أشد الاصرار على قبول ولاية العهد، ثم هدده بالقتل إن لم يقبلها. كيفما كان، لما تمت ولاية العهد للامام الرضا عليه السلام، وهو كاره لها، حاول المأمون أن يستقطب مجموعة كبيرة من العلويين وكبار الشيعة وعلمائهم، كي ينظر في أمرهم، ويستخبر حالهم، ويكون منهم على قرب، فمتى ما يغدر بسيدهم وإمامهم فيكونوا هم في قبضته، وسرعان ما يقع بهم أشد وقيعة، والتنكيل بأسيادهم ومشايخهم. فالذين نزحوا من المدينة – من العلويين – الى خراسان وطبرستان والري وغيرها من البلدان الفارسية زمن ولاية العهد للامام الرضا عليه السلام فقط من نسل علي وفاطمة سلام الله عليهم – ومن أرحام الامام الرضا – كانوا واحدا وعشرين شخصا، وقد استوطنوا هذه المدن، ولهم فيها أولاد وأحفاد وذراري.


[141]

قال مصنف تاريخ طبرستان: “… سادات از آوازه ولايت، وعهدنامه مأمون كه بر حضرت إمامت پناهي داده بود روى بدين طرف نهاوند واو – امام رضا – را بيست ويك برادر ديگر بودند. اين مجموع برادران وبنو أعمام از سادات حسيني و حسني بولايت ري وعراق رسيدند… مأمون به امامت پناهي غدر كرد، وزهر به انگور تعبيه كرده بحضرت امام بحق داد… چون سادات خبر غدر مأمون كه با حضرت رضا كرد بشنيدند پناه بكوهستان ديلمستان وطبرستان بردند، وبعضي بدآنجا شهيد كشتند، ومزار ومرقد ايشان مشهور ومعروف است، وبعضي در همانجا توطن نمودند، وأولاد واتباع ايشان باقيست ” (1). المجموعة الثالثة: وهم العلويون الذين هاجروا من أماكن عديدة، وبلدان مختلفة، كالعراق والحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام الى طبرستان، وخراسان، والري، وما جاور هذه المدن من القرى والنواحي، وأغلب الاحيان كانت هجرتهم بسبب ملاحقة الخلفاء العباسيين لهم، فالامر لا يعدو كونه سياسيا محضا، ثم توالت الازمان حتى أصبحت تلك المدن مستقرا لهم، ومدار رزقهم فيها، فتكسب بعضهم بمزاولة العمل والتجارة، والآخر سعى وراء طلب العلم والتبليغ، والكثير من اولئك الذين قطنوا هذه البلدان الفارسية كانوا من الزيدية، بالخصوص قصران الداخل والخارج التابعين للري آنذاك، أما باقي القرى فكانت إما اثنا عشرية، وإما الاحناف. جاء في تاريخ طبرستان: “… خبر آوردند كه برادر سيد حسن بن زيد كه داعي الصغير حسني اوست بشلمبه دماوند رسيد، واصفهبد با دوسيان بدو


(1) تاريخ طبرستان للمرعشي: ص 275.

[142]

پيوست، ومردم لارجان وقصران هم بدو پيوستند ” (1). وفي كتاب ” النقض ” للرازي القزويني: “… ري ونواحى بسيارى از ري شيعي اصولي امامي باشند ” (2). علما أن للري قرى ورساتيق عديدة جدا، منها: پشاويه (بشابويه)، وشهريار، وقصران الداخل، وقصران الخارج، وخوار (3)، ولكل منطقة من هذه عدة قرى وتوابع. أما بلاد الري فقد عرفت – مما تقدم – بعض السادة من العلويين قد سكنوها، ولهم فيها مآثر كبيرة، ومنزلة مرموقة، إذ كانوا الدعاة الى مذهب التشيع، ومروجي لاهل البيت عليهم السلام، وقد اشتهر من بينهم السيد عبد العظيم الحسني، وهو من اصحاب الامام الهادي عليه السلام، ومات في زمانه، وقد أدرج الشيخ الطوسي ذكره أيضا في أصحاب الامام الحسن العسكري عليه السلام (4)، وهو بعيد. وفي الري بيوت عديدة للعلويين، وهم أهل سيادة، وقامت لهم إمارة فيها، نذكر منهم: الحسن بن زيد العلوي، كان بالري، ثم شخص الى الديلم بطلب من أهلها، واجتمعت كلمتهم عليه فبايعوه وطردوا عاملها ابن أوس، ثم استفحل أمر الحسن حتى ملك الري سنة 250 ه‍. محمد بن زيد العلوي، ملك بعد وفاة أخيه الحسن، إلا أن أيامه كلها كانت


(1) تاريخ طبرستان للمرعشي: ص 276. (2) النقض: ص 493. (3) قال الاصطخري في بيان ريف بلدة ري: ” ومن رساتيقها المشهورة: قصران الداخل والخارج، وبهزان، والسن، وبشاويه “. المسالك: ص 123، صورة الارض: ص 322. (4) رجال الشيخ الطوسي: ص 433.

[143]

حروب وفتن، ومات من جراحاته عام 287 ه‍. الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين عليهما السلام، المعروف بالاطروش، وهذا ملك الديلم. الحسن بن القاسم العلوي، المعروف بالداعي، استولى على الري، ثم قزوين، ثم زنجان وأبهر وقم، وقتل عام 316 ه‍. ثم ملك الري آل بويه، وكانت لهم فيها إمارة كبيرة، وقويت شوكتهم بعد ذلك حتى استولوا على مركز الخلافة العباسية في بغداد. وللري أخبار سوف نأتي عليها في الفصل الثالث إن شاء الله. أما السادة العلويون في الري: زاهد حسين بن عبد الله الابيض بن العباس، أبو عبد الله، ت 319 ه‍. طاهر بن أبي طاهر محمد المبرقع بن محمد، المدفون بجوار عبد العظيم. السيد عبد العظيم بن عبد الله بن علي، أبو القاسم الحسني. في كتاب ” منتقلة الطالبية ” تأليف السيد أبي إسماعيل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ” مخطوط ” يذكر: ” إن 65 نفرا من السادة الفاطمية والعلوية والطالبية هاجروا من بلادهم الى الري، ونزلوا فيها ” (1). من أعيانها وعلمائها: أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الحكيم، ت 311 ه‍. محمد بن عمر بن هشام، أبو بكر الرازي الحافظ، ت 293 ه‍.


(1) انظر ري باستان: 2 / 408.

[144]

عبد الرحمان بن إدريس، أبو محمد بن أبي حاتم الرازي، ت 327 ه‍. اسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن زنجويه، أبو سعد الرازي السمان. أبو إسحاق ابراهيم بن احمد الخواص، ت 291 ه‍، يذكر له القزويني في ” آثار البلاد وأخبار العباد “: ص 379 – 381 مناقب ومعاجز، فراجعها. يحيى بن معاذ الرازي، ت 258 ه‍ أيضا، يذكر له القزويني مناقب ومعاجز ص 381، فراجعها. من أصحاب الائمة عليهم السلام فيها: وفي الري من أصحاب الائمة عليهم السلام عدد كثير، ومنزلتهم لدى المعصومين مرموقة، فمثلا: أ – من أصحاب الامام الباقر عليه السلام الذين كانوا في الري: أعين الرازي، ويكنى أبا معاذ كما ذكره المامقاني في ” التنقيح “. يحيى بن أبي العلاء الرازي البجلي، أبو جعفر. ب – من أصحاب الامام الصادق عليه السلام الذين كانوا فيها: عبد الرحيم بن سليمان الرازي الكوفي، المتوفى عام 187 ه‍ عطية بن نجيح الرازي. عيسى بن ماهان الرازي، أبو جعفر، توفي عام 161 ه‍ نعمان الرازي. هشام بن مثنى الرازي. عبد الله بن نجيح الرازي، أبو مطهر. جعفر بن يحيى بن علاء الرازي. ج – من أصحاب الامام الكاظم عليه السلام: بكر بن صالح الرازي.


[145]

الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين الرازي. د – من أصحاب الامام الرضا عليه السلام: وليد بن أبان الضبي الرازي. ه‍ – من اصحاب الامام الجواد والهادي عليهما السلام: السيد عبد العظيم الحسني، ويبدو أنه من السادة الاوائل الذين نزحوا الى بلاد الري، كان نزوله في مكان اسمه ” ساربانان ” في سكة الموالي. من وجهائها من الشيعة: ومن وجهاء الشيعة الامامية آنذاك: منصور بن عباس الرازي، أبو الحسن، من أصحاب الجواد والهادي عليهما السلام. محمد بن حسان الرازي الزينبي، أبو عبد الله، من أصحاب الهادي عليه السلام. محمد بن خالد الرازي، أبو العباس، من أصحاب الهادي عليه السلام. يحيى بن أبي بكر الضرير الرازي، من أصحاب الهادي عليه السلام. عبد الله بن محمد الرازي، من أصحاب الجواد عليه السلام. عبد الله بن محمد بن حماد الرازي، من أصحاب الجواد عليه السلام. محمد بن أبي زيد الرازي، من أصحاب الجواد عليه السلام، وكان أصله من قم. أحمد بن إسحاق الرازي، من أصحاب الهادي عليه السلام. الحسن بن عباس بن حريش الرازي، أبو علي، يروي عن الجواد عليه السلام. أبو حماد الرازي، من أصحاب الامام الهادي عليه السلام، ويروي عنه سهل بن زياد الادمي الرازي، أبو سعيد، يروي عن الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام، وروى عن عبد العظيم الحسني، وهكذا: الحسن ابن زياد، وأحمد بن مهران رووا عن عبد العظيم في الري.


[146]

صالح بن سلمة بن أبي حماد، أبو الخير الرازي، من أصحاب الامام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام. محمد بن أحمد الرازي، أبو عبد الله. محمد بن خلف الرازي، أبو بكر. { من أصحاب الامام العسكري عليه السلام محمد بن يزداد الرازي. ومن الشيعة الذين سكنوا الري: ابراهيم بن علان الكليني. ابراهيم بن علي بن محمد المقري الرازي، أبو منصور. ابراهيم بن عيسى الرازي. ابن كربويه الرازي، من أصحاب الحسين بن أحمد العلوي الكوكبي. أبو الطيب الرازي، من أجلاء متكلمي الشيعة الامامية. أحمد بن ابراهيم المعروف بعلان الكليني. أحمد بن الحسن الرازي، أبو علي، من مشايخ الاجازة. أحمد بن علي بن العباس الخضيب الايادي الرازي، وقد اتهم بالغلو. أسعد بن سعد بن محمد الحمامي الرازي. جعفر بن أحمد بن وندك الرازي. جعفر بن محمد بن حسن بن زياد الزعفراني الرازي، أبو يحيى، من علماء التفسير، وقد وصفه السيوطي أنه صدوق ثقة، وروى عن سهل بن عثمان العسكري وعلي بن محمد الطنافسي، ت 279 ه‍. جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر الرازي، أبو محمد الدوريستي. الحسن بن أبي الحسن بن محمد الرازي الوراميني.


[147]

الحسن بن جعفر بن محمد الرازي الادريسي. الحسن بن الحسين بن بابويه، شمس الاسلام القمي الرازي. الحسن بن علي بن الحسين بن علوية الرازي الوراميني. الحسن بن علي الخياط الرازي. الحسن بن محمد بن الحسن، موفق الدين الخواجة الرازي. الحسين بن أبي الحسين هموسة الرازي الوراميني. الحسين بن علي بن محمد بن أحمد الخزاعي، أبو الفتوح الرازي. الحسين بن محمد الاشناني الرازي. ذو المناقب بن طاهر بن أبي المناقب الحسيني الرازي. رشيد الدين بن عباس بن علي الرازي الوراميني. الشامي الرازي، من وكلاء الامام القائم عليه السلام بالري، كما في ” ربيعة الشيعة “. عبد الجبار بن عبد الوهاب الرازي، صاحب بستان أوقفها لدفن أموات الشيعة فيها. عبد الله بن محمد بن علي بن عباس بن هارون التميمي الرازي. علي بن ابراهيم بن أبان، علان الكليني الرازي، أبو الحسن. علي بن محمد بن ابراهيم بن أبان. علي بن ابراهيم الوراق الرازي، من تلامذة سعد بن عبد الله. علي بن أحمد بن علي الخزاز الرازي، من متكلمي الشيعة بالري. علي بن محمد بن علي. علي بن الحسين الرازي، أبو الفرج، من كتاب عضد الدولة. علي بن عباس الجراذيني الرازي، من متكلمي الشيعة، ويعد من الغلاة.


[148]

محمد بن ابراهيم، علان الكليني الرازي، من علماء قرن 3 ه‍. محمد بن بدران بن عثمان الرازي، أبو جعفر، من علماء الري، ثم سكن الكوفة محمد بن جعفر، أبو الحسين الاسدي الرازي، صدر التوقيع من الامام القائم عليه السلام بحقه: ” انه من ثقاتنا ” عام 290 ه‍، وتوفي سنة 312 ه‍. محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين بن سنسن الرازي، أبو طاهر، توفي سنة 301 ه‍. علي بن حمزة الكسائي، أبو الحسن، ت 189 ه‍، مؤدب الرشيد والامين والمأمون. محمد بن الحميد بن قبة الرازي. محمد بن عبد الرحمان بن قبة. يعقوب بن اسحاق الكليني، ممن أدرك الامام العسكري عليه السلام. المذاهب المتواجدة في الري: قال الحموي: ” وكان أهل الري أهل سنة وجماعة، الى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع، وأكرم أهلها وقربهم، فتقرب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك، فصنف له عبد الرحمان بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت عليهم السلام وغيره، وكان ذلك في أيام المعتمد، وتغلبه عليها في سنة 275 ه‍ ” (1). وقال المقدسي: ” ومذاهبهم مختلفة ; أما بالري فالغلبة للحنفيين، وهم نجارية إلا رساتيق القصبة، فإنهم زعفرانية يقفون في خلق القرآن، وسمعت بعض دعاة


(1) معجم البلدان: 3 / 121.

[149]

الصاحب يقول: قد لان لي أهل السواد في كل شئ إلا في خلق القرآن، ورأيت أبا عبد الله بن الزعفراني قد عدل عن مذهب آبائه الى مذهب النجار، وتبرأ منه أهل الرساتيق، وبالري حنابلة كثير لهم جلبة، والعوام قد تابعوا الفقهاء في خلق القرآن، وأهل قم شيعة غالية، قد تركوا الجماعات وعطلوا الجامع، الى أن ألزمهم ركن الدولة عمارته ولزومه… الخ ” (1). وقال أيضا: ” يقع بالري عصبيات في خلق القرآن، وبقزوين أيضا بين الفريقين ” (2). أقول: لا يخفى أن تلك العصبيات في الري – وفي غيرها من المدن والامصار – إنما كانت واتسع نطاقها بسبب حكام بني امية وبني العباس، قال الشهرستاني: ” اعلم أن السلف من أصحاب الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في علم الكلام، ومخالفة السنة التي عهدوها من الائمة الراشدين، ونصرهم جماعة من امراء بني امية على قولهم بالقدر، وجماعة من خلفاء بني العباس على قولهم بنفي الصفات وخلق القرآن… الخ ” (3). الفتن وخراب الري: قال المقدسي الذي ألف كتاب ” أحسن التقاسيم ” في سنة 375 ه‍: ” يقع بالري عصبيات في خلق القرآن، وبقزوين أيضا بين الفريقين ” (4). وقال ابن الاثير في ” الكامل ” في حوادث سنة 582 ه‍: ” كان بمدينة الري


(1) الملل والنحل: 1 / 95، أحسن التقاسيم: ص 395. (2) أحسن التقاسيم: ص 396. (3) الملل والنحل: 1 / 95. (4) أحسن التقاسيم: ص 396.

[150]

أيضا فتنة عظيمة بين السنة والشيعة، وتفرق أهلها وقتل منهم، وخربت المدينة وغيرها من البلاد… ” (1). وقال الحموي في ” معجم البلدان “: ” في سنة 617 ه‍ وصل التتر إلى الري “، ثم يقول حدثت فتنة وقتال بين الشيعة والسنة، وكان الانتصار لاهل السنة، وهكذا حدثت حرب بين الاحناف والشوافع، وكان النصر للشافعية ” (2). ولا يخفى أن هذه الفتن والقتال الذي حدث بين الشيعة والسنة إنما له جذور تمتد الى القرن الثاني والثالث الهجري، كما أن عدة عوامل اجتمعت على خراب الري، أهمها – كما عرفت -: الفتن والحروب الدامية بين المذاهب المتعددة المتواجدة في الري، والنفاق الذي صحب ذلك، والتملق إلى الامراء والولاة، والثأر للعصبيات التي كان يحملها قطاع كبير من مهاجري العرب الذين هاجروا الى هذه المنطقة، إضافة الى العصبيات المذهبية التي تأصلت في النفوس. فمثلا النزاع بين الشيعة والسنة، مرة يأخذ طابع الجدل والمناظرة، ومرة اخرى يتخذ السيف وسيلة للدفاع، ففي أذربيجان كان الشيعة أصحاب المناظرة واللسان، وأن دفاعهم ينحى الى السلم، بينما الشافعية أهل القلم والسيف يجنحون الى الاعتداء والقتل، وفي مازندران على العكس من ذلك، إذ أن الشيعة هم أهل السطوة والغلبة على الشوافع ” (3). وأغلب هذه الفتن والعصبيات انما ظهرت من جراء الخلاف العقائدي بين


(1) الكامل لابن الاثير: 9 / 174. (2) معجم البلدان: 2 / 893. (3) النقص: ص 494.

[151]

المذاهب، ومن أبرز المسائل العقائدية التي كانت تثار هي مسألة صفات الله، والرؤية، وخلق أفعاله، وخلق القرآن أو قدمه – وهي أهم مسألة راح ضحيتها آلاف من الناس والعلماء – وعدل الله، وحدوث العالم، والمعرفة بالسمع أو بغيره، والحسن والقبح العقليين، وعصمة الانبياء، ومسألة الامامة، والحب والبغض لاهل البيت عليهم السلام، والجبر والاختيار، ووجوب اللطف والاصلح على الله سبحانه، والجنة والنار وآراء الفرق فيهما، والشفاعة بنظر المذاهب، والاحباط واختلاف المذاهب فيه، وحقيقة الايمان والكفر، ومرتكب الكبيرة عند المذاهب، وإمامة المفضول مع وجود الافضل… الخ. هذه جملة من المسائل المهمة التي شغلت علماء المذاهب في أغلب الامصار والبلدان، وبالخصوص بلاد الري، والتي أدت الى صراعات عنيفة أعقبتها فتن ثم حروب دامية، كانت حصيلتها أن أبيد أهلها، وآلت البلدة الى الخراب والدمار. وأول من ذكى هذا الخلاف بين المذاهب والفرق الاسلامية هم حكام الدولة العباسية، وبالخصوص المأمون (198 – 218 ه‍) الذي اتخذ من الاعتزال المذهب الرسمي للدولة (1)، ثم تمسك بمسألة خلق القرآن، وهكذا من بعده المعتصم بالله العباسي، حتى أنه قتل جملة من العلماء، وأعدادا كثيرة من الناس في هذه المسألة. وأكثر تعصبا من حكام العباسيين هو الواثق العباسي، الذي قتل بيده أحمد بن نصر الخزاعي لامتناعه عن القول بخلق القرآن. وفي سنة 231 ه‍ أمر الواثق بامتحان العلماء بخلق القرآن، وامتحان الاسرى


(1) بحوث في التاريخ العباسي لفاروق عمر: ص 73.

[152]

الذين خاضوا الحرب مع الروم في وقعة طرسوس، وكان عددهم (4600) أسير، و (600) من النساء، و (10) من الاولاد الصغار، وفي زمنه – الواثق – سجن نعيم بن حماد بهذه المسألة الى أن مات في السجن. ولم تهدأ فتنة ” خلق القرآن ” إلا في زمن المتوكل العباسي، حيث ألغى القول بهذه المسألة، وسيأتي الكلام عن هذه الفتن والاوضاع السياسية في الفصل القادم إن شاء الله. ومن جملة المسائل التي اختلفت آراء المسلمين فيها هي مسألة صفات الله سبحانه وتعالى، هل هي عين ذاته أم أنها زائدة على ذاته مخلوقة له. فمن أبرز المتكلمين في هذه المسألة من أهالي الري: ابن كلاب، والحسين بن محمد النجار، وإليه تنسب الفرقة النجارية، وأن أكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، ويسمون بالمجبرة كذلك، لقولهم أن الاعمال مخلوقة لله. كيفما كان فإن الاشاعرة وأتباعهم يدعون أن صفات الله قديمة وزائدة على ذاته، فهو عالم بعلم زائد أو مغاير لذاته، ومريد بإرادة، وحي بحياة، أما الامامية وبعض من وافقهم من المعتزلة قالوا: إن الصفات إما أن تكون قديمة وهذا يلزم تعدد القديم، وهو أسوأ حالا من قول النصارى، وإما أن تكون صفاته حادثة، وهذا يلزم خلو الذات عن الصفات الثابتة له سبحانه، كالقدرة، والعلم، والحياة، والارادة، والسمع، والبصر… الخ، ووجه بطلان هذا القول واضح لا يخفى. فالنزاع وقع بين الاشاعرة والمحدثين من جهة، وبين الامامية والمعتزلة من جهة اخرى.


[153]

وبهذا يتضح رأي الامامية: أن صفاته عين ذاته، وليس وراءها شئ زائد يسمى حالا كما يدعيه الجبائي. على أي حال فهناك صراعات عديدة بين فرق المسلمين في هذه المسائل العقائدية، وسنبين في الخريطة الاتية مناطق سكنى المذاهب والفرق الرئيسية في بلاد الري – قديما – وإن كانت هذه الخريطة تحكي عن الحالة المذهبية في حدود القرن الرابع والخامس الهجري، على ان هذا التقسيم كان له جذوره منذ القرن الثاني والثالث، ثم باتساع المدينة أضيفت إليها مناطق من جهة الشرق والغرب، ثم الجنوب الغربي كما يتضح في الخارطة، فراجع.


[154]

نقشه


[155]

نقشه


[156]

العوامل الطبيعية وخراب الري: اجتمعت عدة عوامل في خراب الري وضواحيها، وهلاك سكانها، وخراب بيوتها وعمارتها، ولم يقتصر خرابها في زمن معين، بل توالت عليها المصائب والمحن حتى أدى الى خرابها، ويمكن اجمال تلك العوامل بالنقاط التالية: 1 – في سنة 236 ه‍ أصاب البلدة زلزالا كبيرا، أدى بسببه الى قتل 45000 نسمة، وذلك في زمن المتوكل العباسي، وفي السنة التي منع فيها من زيارة مرقد الامام الشهيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام (1). 2 – وفي سنة 241 ه‍ أصاب البلدة وباء شديد، بسبب هبوب رياح باردة عليها، قادمة من بلاد الترك عن طريق سرخس ومتجه الى نيشابور ثم الى الري وهمدان وانتهت بحلوان، وقد اصيب بهذا الوباء آلاف من الناس، ولاقوا حتفهم خلال أيام قلائل (2). 3 – وفي نفس السنة حدثت هزة أرضية مات فيها الكثير بحيث خرج عن حد الاحصاء، قال ابن الاثير في الكامل: ” وفيها كانت في الري زلزلة شديدة هدمت المساكن، ومات تحتها خلق كثير لا يحصون، وبقيت تتردد فيها أربعين يوما ” (3). 4 – وفي سنة 242 ه‍ أيضا حدثت هزة أرضية عنيفة وواسعة، شملت نواحي قومس والري وخراسان ونيشابور وطبرستان واصفهان، ولشدة الهزة الارضية انشقت الارض، واندكت الجبال، وتهدمت البيوت والصوامع، وبان البؤس والشقاء


(1) تبصرة العوام: ص 196. (2) تاريخ پيامبران وشاهان، ترجمة ملوك الارض والانبياء: ص 176. (3) الكامل لابن الاثير: 5 / 296.

[157]

على المدينة، ري وغيرها من المدن، وقد ذكر اليعقوبي في تاريخه هذه الزلزلة وأثرها، فقال: ” وكانت الزلازل بقومس ونيشابور وما والاها سنة 242 ه‍ حتى مات بقومس خلق كثير، ونالتهم رجفة يوم الثلاثاء لاحدى عشر ليلة بقيت من شعبان، فمات فيها زهاء مائتي ألف، وخسف بعده مدن بخراسان، ونال أهل فارس في هذا الشهر شعاع ساطع من ناحية الفلروم، ووهج آخذ بأكظام الناس، فمات الناس والبهائم، واحترقت الاشجار، ونال أهل مصر زلزلة عمت حتى اضطربت سواري المسجد، وتهدمت البيوت والمساجد، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة (1). 5 – وفي سنة 249 ه‍ أصاب الري زلزال عنيف، خرب المدينة، ومات الكثير من أهالي البلد، وأما الباقي فتركها ملتجأ الى أطرافها القاحلة، وقد أشار ابن اثير الى هذا الزلزال، فقال: ” وفيها – 249 – أصاب الري زلزال شديد، ورجفة شديدة، هدمت الدور، ومات خلق من أهلها، وهرب الباقون فنزلوا ظاهر المدينة ” (2). 6 – وفي عام 281 ه‍ جفت المياه في الري وطبرستان، وغلت الاسعار، ونقصت الغلات، وكادت أن تقع مجاعة في الري (3). 7 – وفي عام 344 ه‍ اكتسح الري وباء شديد، ومات الكثير من الناس، بحيث تعذر إحصاءهم. قال ابن الاثير في الكامل: ” في هذه السنة وقع بالري وباء كثير، مات فيه من الخلق مالايحصى، وكان فيمن مات أبو علي بن محتاج الذي كان صاحب جيوش


(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 491. (2) تاريخ ابن الاثير: 5 / 314. (3) انظر تاريخ الطبري: حوادث عام 281 ه‍، وتاريخ ابن الاثير: 7 / 467.

[158]

خراسان، ومات معه ولده، وحمل أبو علي الى الصغانيان وعاد من كان معه من القواد الى خراسان (1). وهكذا توالت الزلازل والاوبئة والامراض الفتاكة على الري، وفي كل حادثة يموت خلق كثير، قال الاصطخري: ” أكثر المدينة – الري – خراب، والعمارة في الربض ” (2). وقال ابن حوقل النصيبي: ” وأكثر المدينة خراب والعمارة في الربض ” (3). وقال المقدسي: ” وهو – الري – بلد كبير، نحو فرسخ في مثله، إلا أن أطرافه قد خربت ” (4).


(1) الكامل: 6 / 353. (2) المسالك والممالك: ص 122. (3) صورة الارض لابن حوقل: ص 321. (4) أحسن التقاسيم للمقدسي: ص 391.

[159]

نشأة الكليني العلمية الاولى اتضح من كل ما تقدم أن العوامل الطبيعية – من هزات أرضية، وزلازل، و أمراض، وأوبئة، كالطاعون وموت الفجأة، وعواصف وسيول،… – والعوامل السياسية، والفتن والعصبيات التي ظهرت وتفاقم أمرها في بلاد الري أثرت على المعالم الخارجية للمدينة، فقد خربت المدينة من جراء الفتن الدائرة بين المذاهب آنذاك، وكان خرابها لمرات عديدة، ثم تدخل الحكام، والسياسة العباسية لخلق تلك الصراعات، كان له الدور الكبير في طمس المعالم التأريخية والعلمية لكثير من العلماء ورجال الدين، وبالخصوص علماء الشيعة الامامية، بل قد ضاعت علينا أخبارهم، وانطمست آثارهم، فلم يبق عندنا سوى عناوين وأسماء بين كتب التراجم والرجال. والشيخ الكليني هو أ حد أولئك العلماء التي ضاعت أخباره، ولم تصل الينا عن نشأته وحياته العلمية في مراحلها الاولى إلا النزر القليل، بل وحتى والده يعقوب بن إسحاق الكليني الذي – حاليا – له مقبرة ومزار عام، فهو الاخر لم يحدثنا


[160]

التاريخ عن سيرته بالتفصيل. فالاجواء السياسية في أواخر القرن الثالث الهجري حتمت على كثير من رجال الامامية وعلمائهم أن يتخفوا عن الانظار، أو أن يبتعدوا عن الصراعات الدائرة والفتن الشاخصة، والتي كان من ورائها رجال الدولة العباسيين، بل أن المعنيين من جراء خلق تلك الصراعات هم الشيعة، وهذا ديدن الحكام العباسيين ومن قبلهم الامويين، والتاريخ يعيد نفسه، كما هو اليوم قد اجتمعت كلمة الشرق والغرب على إبادة الشيعة أينما وجدوا، وبأي أسلوب كان، وللبرهنة على ذلك لانحتاج الى مزيد من التفكير، بل أن سير الاحداث السياسية اليوم هو خير دليل. فالظروف السياسية في ذلك الوقت حددت من نشاط بعض الشيعة الامامية في بلاد الري، وليس من الغريب أن يتمسك القسط الاكبر منهم بالتقية درء للخطر، وتلافيا للاضرار الناجمة من الاشتباكات الكلامية، بل أن بعض تلك المناظرات الكلامية تؤدي إلى تكفير بعضهم البعض الاخر، بحيث يمتد الامر إلى عوام الناس فيحملوا السلاح على عواتقهم، وتجد إراقة الدماء أرخص شئ عندهم. هذه بعض الظروف التي كانت سائدة في عصر نشأة الكليني الاولى، لهذا فإن حياته العلمية الاولى لم تكن بارزة في الري، بل أن الغموض هو العنصر البارز في النصف الاول من حياة الشيخ قدس سره. نعم برزت شخصيته العلمية في الري في النصف الثاني من حياته، وقبل سفره الى العراق، ولما انتقل الشيخ الى بغداد، التف حوله علماء الطائفة، وقصده كبار الشيعة، وقصده لاجل علمه وزهده وتقواه القاصي والداني، وأكثر من ذلك أنه أصبح من الاعلام المشهورين في زمن الغيبة، بل ومن المقربين الى النواب الاربعة، ولما كانت له منزلة رفيعة عند اولئك النواب والوكلاء ذاع صيته، وتألق نجمه، وأخذ


[161]

العلماء يختلفون إليه، وينهلوا من علمه، ويرووا عنه، الى أن شاع كتابه – الكافي – في بغداد بين الخاص والعام، وأصبح مرجعا للجميع. فالسبب في اشتهار الشيخ الكليني في بغداد أكثر من اشتهاره في بلاد الري هو الاستقرار النسبي الذي كانت تتمتع به بغداد، وإن كان هناك نزاعات وخصومات قد يثيرها البلاط العباسي بين العلماء بين آونة واخرى إلا أنها لا تؤدي الى إراقة الدماء، بل أن عوام الناس في بغداد ليس لهم ذلك النفوذ الذي كان يتمتع به أهل الري في إثارة الفتن والاعتداء والقتل الذي يؤدي به الى خراب البلد، عدا الفتنة التي حدثت في الكرخ. أما المرحلة العلمية الثانية والتي تبدأ قبيل خروج الكليني من الري فقد اتسمت بالنشاط والفاعلية، وهذا قطعا لم يبرز إلا بعد اطلاع علماء الشيعة على منزلة الشيخ العلمية، ومثابرته على جمع أحاديث أهل البيت في موسوعته الجليلة ” الكافي “، ولا يشك أحد في أن الفترة التي استغرقت في تأليف هذا الكتاب الشريف والتي ناهزت عشرين عاما قد جاب خلالها البلدان كالعراق ودمشق وبعلبك وتفليس، واتصل بالعلماء، حرصا على جمع آثار الائمة الاطهار عليهم السلام، فإن كثرة ملاقاته للمشايخ وجهابذة الشيعة قد اكسبته شهرة وعلوا. قال الوحيد البهبهاني في ” نهاية الدراية “: ” ألا ترى أن الكليني مع بذل جهده في مدة عشرين سنة، ومسافرته الى البلدان الاقطار، وحرصه في جمع آثار الائمة، وقرب عصره الى الاصول الاربعمائة والكتب المعول عليها، وكثرة ملاقاته و مصاحبته مع شيوخ الاجازات، والماهرين في معرفة الاحاديث، ونهاية شهرته في ترويج المذهب وتأسيسه… ” (1).


(1) نهاية الدراية للوحيد البهبهاني: ص 220.

[162]

وحقا كانت شهرته في ترويج المذهب، لهذا كان شيخ أصحابنا – الشيعة – في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس بالحديث وأثبتهم (1). إلا أن هذه الشهرة ما نالها الشيخ إلا بعد ما تهيأت الظروف الامنية الخاصة للشيخ، وعندما كان في مأمن من الفتن والاضطرابات التي ألمت بالمسلمين سنينا طويلة. أما قول مرتضى الزبيدي في تاج العروس: ” وقد انتهت إليه رئاسة فقهاء الامامية في أيام المقتدر ” (2)، إنما يصدق هذا القول عندما كان الشيخ الكليني في بغداد، وسكنها حتى وافاه الاجل فيها، أما متى جاء الى بغداد، ومتى رحل الى غيرها، وإلى أي مدينة سافر.. كل ذلك يبقى في طي الغموض. نعم يحدثنا الشيخ الطوسي في ” الاستبصار ” انه حدث بها – بغداد – سنة 327 ه‍ (3)، وهذا يدلل أنه هاجر الى بغداد في أواخر عصره حيث أن وفاته سنة 329 ه‍، فبين زمان تصديه للدرس والتحدث وبين وفاته سنتان، وإن كان نحن لا نقطع بأن الشيخ نزل بغداد في هذه الفترة القريبة، بل لاأقل أنه سكنها حدود عقد من الزمان إن لم يكن أكثر من ذلك. أما قول صاحب ” كشف المحجة “: ” وقد أدرك زمان السفراء، وجمع الحديث من مشروعه ومورده، وقد انفرد بتأليف كتاب ” الكافي ” في أيامهم… ” (4)، فهذا لا يعني أنه ألف كتابه – الكافي – في بغداد، بل من المحتمل أنه ألفه في الري، وهذا يصدق عليه القول أنه أدرك زمان السفراء، كما يصدق عليه القول أنه انفرد بتأليف


(1) رجال النجاشي: ص 377 ترجمة 1026. (2) تاج العروس لمرتضى الزبيدي: 9 / 322. (3) الاستبصار للشيخ الطوسي: 2 / 352. (4) كشف المحجة: ص 159.

[163]

كتاب ” الكافي ” في أيامهم. نعم، يحتمل أنه سافر الى بغداد أكثر من مرة، كما أنه سافر الى بقية البلدان، إلا أن سفراته تلك غير مفصلة في كتب التاريخ والسيرة أو التراجم. قال ابن الاثير في ” جامع الاصول “: أبو جعفر، محمد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الامام، على مذهب أهل البيت عليهم السلام، عالم في مذهبه، كبير، فاضدهم، مشهور. وعد في حرف النون من كتاب النبوة من المجددين لمذهب الامامية على رأس المائة الثالثة. نستفيد من هذا النص امورا عديدة، بحيث تجعلنا نجزم أن ولادة الشيخ كانت في زمن الامام العسكري عليه السلام، فان لم نقل أنها كانت قبل ولادة الامام الحجة المنتظر – أرواحنا له الفداء – فمما لا يقبل الشك أنها كانت بعد ولادة الامام المباركة بمدة يسيرة قد لا تتجاوز بضعة شهور. ابن الاثير هو أحد علماء السنة الكبار، ومن المشهورين والمبرزين في مجال التأليف والتصنيف، ولما يعرف لنا الكليني فلابد أن يكون قد اشتهر بين الاصحاب الى أن فاقت شهرته فعرفه المؤالف والمخالف، قال ابن الاثير ينعته بالصفات الآتية: 1 – أبو جعفر، محمد بن يعقوب الرازي الفقيه. 2 – الامام على مذهب أهل البيت عليهم السلام. 3 – عالم في مذهبه. 4 – كبير. 5 – فاضل عندهم. 6 – مشهور. 7 – من المجددين لمذهب الامامية على رأس المائة الثالثة.


[164]

فلو أردنا أن نتساءل عن الفقيه متى يكون فقيها ؟ والامام متى يكون إماما ؟ ومتى يكون عالما ؟ والعالم متى يكون كبيرا ؟ والعالم الكبير متى يكون فاضلا عند أبناء لحمته ؟ والعالم الكبير متى يكون مشهورا ؟ كل هذه الاسئلة تدفعنا أن نقول: إن الكليني ما اشتهر عند المذاهب الاسلامية الاخرى إلا بعد ما اشتهر عند الطائفة المحقة، وإن الشهرة التي وصل مداها الى العراق انما هي امتداد لشهرته في البلاد الايرانية، وبالخصوص بلاد الري، وإلا كيف يعرف الشيخ الكليني عند المخالف بأنه: الفقيه، والامام، والعالم، والكبير، والمشهور.. الخ قبل أن يعرف عند أبناء طائفته ؟ ! ثم إن هذه الالقاب والنعوت يتحتم في صحة ثبوتها للشيخ أن تمضي عليها السنون كي تصبح فيما بعد حقائق ثابتة لصاحبها، وهنا لا يمكن تقدير تلك السنين بأقل من عقد من الزمان – كحد أدنى – حتى يحتل المكانة والشهرة اللائقة بين أقرانه من علماء عصره. إذا على هذا التقدير فسوف يكون الشيخ الكليني قد اشتهر بين علماء الطائفة في حدود 290 ه‍. ومما يعضد ذلك أنه المجدد على رأس المائة الثالثة كما ذكره ابن الاثير وآخرون. فكيف يصبح مجددا ما لم تظهر له آراء في الفقه والاصول والتفسير والحديث والرجال وغير ذلك من العلوم والفنون التي كانت متداولة في عصره ؟ بل حتى ظهور تلك الآراء للمصنف هو غير كاف ما لم تأخذ صداها في العالم الاسلامي بأجمعه، أي عند المؤالف والمخالف، وبين جميع المذاهب والفرق الاسلامية. ولما لم يؤثر عن المترجم له انه كان في حالة نبوغ في مقتبل عمره، فهذا يعني أنه تدرج في حياته العلمية كسائر العلماء، وهذا التدرج العلمي الطبيعي – باستثناء


[165]

حالات النوابغ – انما يستغرق أربعة عقود من الزمان حتى يعد الفقيه فقيها، ومن ثم يحتل الصدارة بين علماء عصره بعد مضي بضع سنين. أما كونه مجددا على رأس المائة الثالثة فهذا مما لا يقبل الشك من أنه قد تجاوز مرحلة الكهولة، وعلى وجه التقريب انه قد ناهز الخمسين. وبعض من عاصر الكليني – في بغداد أو في غيرها – قد أهملوا ترجمته، كالخطيب البغدادي، والسمعاني، وياقوت، وابن الجوزي وأمثالهم. فالخطيب لفرط تعصبه لم يترجم له في ” تاريخ بغداد ” على انه انتقل إليها، وأقام بها الى آخر عمره، وأملى الحديث بها الى ان توفي ودفن بها، وقبره بها معروف. وليس غريبا، حيث أهمل الخطيب حتى الشيخ الطوسي ت 460 ه‍، وأبا العباس النجاشي وهما من معاصريه ومعايشيه، بل ويشتركان معه في كثير من المشايخ، بل ولعلهم كانوا يلتقون في كل حلقة من حلقات الحديث على مشايخ بغداد. ترجم للكليني عبد الغني بن سعيد الازدي المصري في كتاب ” المؤتلف والمختلف “: روى عنه – عن الكليني – أبو عبد الله أحمد بن ابراهيم الصيمري. وترجم له ابن عساكر في تاريخه (16 / 127) قال هناك: ” أبو جعفر الكليني الرازي، من شيوخ الرافضة، قدم دمشق، وحدث ببعلبك عن أبي الحسين، محمد بن علي الجعفري السمرقندي، ومحمد بن أحمد الخفاف النيسابوري، وعلي بن ابراهيم ابن هاشم. روى عنه أبو سعد الكوفي، والشيخ الشريف المرتضى، وأبو عبد الله أحمد ابن ابراهيم، وأبو القاسم علي ابن محمد بن عبدوس الكوفي، وعبد الله بن محمد بن ذكوان. وترجم له أبو السعادات، ابن الاثير الجزري في المجددين. جامع الاصول:


[166]

11 / 323. وترجم له أخوه عز الدين في الكامل: 8 / 364. وترجم له الذهبي في المشتبه: 2 / 553. وترجم له سير أعلام النبلاء: 15 / 280. وترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات: 5 / 226. وترجم له ابن حجر في تبصير المنتبه: 2 / 737. وترجم له لسان الميزان: 5 / 433. مشايخ الكليني: ما خلفه الشيخ الكليني من تراث علمي لا يمكن تجاهله، ويكفيه فخرا أن كتابه ” الكافي ” أحد الكتب الاربعة، والتي هي من أهم المراجع عند فقهاء الشيعة طيلة أحد عشر قرنا، وما كتب من بعد تلك الاصول إنما هو تكرار لها، بصورة أو اخرى، وان كان نحن لا نريد أن نبخس الناس أشياءهم، ولكن حقيقة لابد أن تذكر، على أن لكل مصنف – بالفتح – له ميزاته وخصائصه التي لا تخلو من فائدة. فالكليني روى عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام ورجالهم ومحدثيهم، مثل علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه… (1). ونحن نورد أسماء مشايخه الذي تأكد لنا أنه روى عنهم، أو أخذ معالم دينه عنهم أو تتلمذ عليهم، وقد تركنا تفصيل ترجمتهم، لانه يطول بنا المقام، وربما نخرج عن إطار البحث، لهذا اختصرنا الحديث عنهم، عدا الذين كانوا تحت عنوان ” عدة من أصحابنا “، فسيأتي الكلام مفصلا – إن شاء الله – عن موضوع ” العدة “،


(1) بحار الانوار: 108 / 75.

[167]

وأقسامها، ورواتها وتراجمهم في الفصل السابع، ونظرا لاهمية هذا الموضوع يأتي تفصيله هناك. 1 – أبو بكر الحبال (1)، ذكره السيد البروجردي في ” تجريد أسانيد الكافي “، روى عن محمد بن عيسى القطان، الكافي: ج 2 ص 652، كتاب المعيشة، باب نادر، ح 3. 2 – أبو داود (2)، هو عنوان مشترك لعدة رواة، ذكره السيد البروجردي في


(1) تجريد أسانيد الكافي: 1 / 32. أقول: لم أعثر له على ترجمة في كتب الرجال. (2) المصدر السابق: 1 / 32. أقول: روى عنه الكليني، عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته، هل يشرب سؤر شئ من الدواب… الحديث 2 الكافي: ج 3 / 9. ونفس الاسناد 3 / 49 باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شئ بعد الغسل، الحديث الرابع. وفي الحديث الثامن من نفس الباب من الكافي: 3 / 51، هكذا: أبو داود، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض… الخ الحديث. أقول: ورد بعنوان المطلق ” أبو داود ” في (18) موردا من الكافي، وبعنوان ” أبو داود المسترق ” في (12) موردا من الكافي، والمسترق هو: سليمان بن سفيان، ذكره الطوسي في ” الفهرست “: ص 184، وذكره في ” عين الغزال ” ص 6 ضمن مشايخ الكليني، وهو بعيد جدا. وورد بعنوان ” أبو داود النخعي ” في مورد واحد من الكافي، وهو: سليمان بن هارون، ويحتمل: سلمان بن عمرو. وورد بعنوان ” أبو داود ” يوسف بن إبراهيم في مورد واحد من الكافي. ثم استظهر المجلسي الاول – قدس سره – على ما في ” مرآة العقول ” أن أبا داود هذا هو سليمان المسترق، وكان له كتاب يروي الكليني – قدس سره – عن كتابه، ويروي عنه بواسطة الصفار وغيره، ويروي بواسطتين أيضا عنه، ولما كان الكتاب معلوما عنه يقول: أبو داود روى…

[168]

التجريد لاسانيد الكافي. 3 – أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو علي الاشعري (1) القمي، ت 306 ه‍،


فالخبر ليس بمرسل. أما المجلسي الثاني – قدس سره – قال: ” كون أبي داود هو المسترق غير معلوم عندي، ولم يظهر لي من هو إلى الآن، ففيه جهالة “. ونحن بينا العناوين التي تكررت، سواء كانت مطلقة أو كانت مقيدة بالمسترق، انظر الكافي: ج 3 ص 9 و 19 و 21 و 26 و 35 و 37 و 44 و 49 و 51 و 97 و 99 و 265 و 304 و 314 378. ثم ذكر الدكتور حسين علي محفوظ في مقدمته للكافي أن سليمان بن سفيان، أبو داود أحد مشايخ الكليني، حيث ذكره في الرقم (17) نقلا عن ” عين الغزال ” ص 6. أقول: ما ذكره حسين علي محفوظ اشتباه كبير، بل من الغريب جدا أن من شأنه التحقيق أن يقع في هذا الخطأ، لان سليمان بن سفيان، أبو داود، هو المسترق، وليس هناك اسم آخر مشترك بهذا العنوان. قال عنه النجاشي: ” مات سليمان – بن سفيان أبو داود المسترق – سنة إحدى وثلاثين ومائتين “. رجال النجاشي: ص 184. وفي رجال الكشي: ” قال حمدويه: هو سليمان بن سفيان بن السمط المسترق، كوفي، يروي عنه الفضل بن شاذان (إلى أن قال:) وعاش تسعين سنة، ومات سنة ثلاثين ومائة “. رجال الكشي: 2 / 609. وهذا خطأ من النساخ، وإنما الصحيح سنة ثلاثين ومائتين. كيفما كان، فإن الرجل مع كونه من المعمرين، وإن وفاته على أصح الاقوال سنة 231 ه‍، فغير ممكن أن يعد من أشياخ الكليني. نعم، توجد له رواية لكن ينقل الشيخ عنه بواسطة، على أن العنوان المذكور في أثناء السند هو سليمان بن سفيان، ولم يفيد ب‍ ” أبو داود ” ولا ب‍ ” المسترق “، ثم يوجد في مسلسلة أسانيد الكافي ” أبو داود المسترق ” في اثني عشر موضعا، وهذا لا يعني أنه من مشايخ المصنف، فتأمل. (1) أبو علي الاشعري، هو أحمد بن إدريس بن أحمد، فإذا ورد بهذا العنوان ” أبو علي الاشعري ” فلابد من التميز بين أحمد بن إدريس وغيره من الرواة، لانها كنية لعدة من الرواة، منهم: الحسين بن الحسن، والريان بن الصلت من اصحاب الرضا عليه السلام، ومحمد بن عيسى بن عبد الله، وأحمد بن إسحاق بن عبد الله.

[169]

ثقة (1). انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع. 4 – أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وقع في طريق مشيخة من لا يحضره الفقيه (2). انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. 5 – أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة، أبو عبد الله العاصمي الكوفي، ثقة (3). انظر ترجمته في العدة السادسة، الفصل السابع. 6 – أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمان بن زياد، أبو العباس الكوفي، ابن عقدة المتوفى سنة 333 ه‍، موثق كالصحيح (4).


(1) أحد المشايخ الذين يكثر – الكليني – عنهم الرواية، وغالبا يذكره الشيخ بكنيته ” أبو علي الاشعري “، فقد ورد في الكافي تحت هذا العنوان في (643) موردا، وبعنوان احمد بن إدريس في (122) موردا، وبعنوان أحمد بن إدريس القمي في مورد واحد، فالمجموع يكون 766 موردا يروي عنه الشيخ الكليني في ” الكافي “. وكذلك يروي عنه الشيخ بواسطة العدة التي تروي عن أحمد بن محمد بن عيسى. واحمد بن إدريس – في الكافي – يروي عن ستة عشر شيخا، هم: احمد بن إسحاق، أحمد ابن محمد بن عيسى، الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، الحسين بن إسحاق، الحسين ابن الحسن، الحسين بن عبد الله السعدي، عبد الله بن محمد، عبد الله بن موسى، عمران بن موسى، عيسى بن أيوب، محمد بن أحمد، محمد بن حسان، محمد بن سالم، محمد بن عبد الجبار، محمد بن على بن محبوب، أبو محمد الهذلي. (2) روى عن جده أحمد بن محمد بن خالد أحاديث، وله منها في الكافي عشرة أحاديث، و كذا هو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. (3) ورد في ” الكافي ” بعنوان ” أحمد بن محمد العاصمي ” في (15) موردا، وجاء بعنوان ” أحمد بن محمد بن أحمد ” في (4) موارد، وبعنوان ” أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي ” في موردين، وبعنوان ” أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي العاصمي ” في مورد واحد، والجميع متحد، وهو المقصود به: أبو عبد الله العاصمي الكوفي. (4) ورد في ” الكافي ” بعنوان ” أحمد بن محمد بن سعيد ” في موردين، والمقصود به: هو ابن عقدة، والذي يروي في أحد الموضعين عن جعفر بن محمد الحسيني، والموضع الثاني عن جعفر بن عبد الله العلوي. الكافي: 5 / 338 و 510 و 4.

[170]

7 – أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك. الاشعري القمي، أبو جعفر، ثقة. انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع (1). 8 – أحمد بن محمد (2)، عنوان مشترك، فراجع العدة 14 من الفصل السابع. 9 – أحمد بن مهران (3)، حسن. 10 – إسحاق بن يعقوب، حسن كالصحيح. 11 – حبيب بن الحسن (4)، مجهول. 12 – الحسن بن خفيف، مجهول. ورد هذا العنوان في موضع واحد من الكافي، الاصول: ج 1 / 523 الحديث الرابع، وصورته هكذا: ” الحسن بن خفيف، عن أبيه، قال: بعث – الامام المنتظر عليه السلام – بخدم الى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ومعهم خادمان، وكتب إلى أبي خفيف أن يخرج معهم، فخرج معهم، فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكرا، فما خرجوا من الكوفة حتى ورد كتاب من العسكر برد الخادم الذي شرب المسكر، وعزل عن الخدمة “.


(1) هو أحد المشايخ السبعة الذي أكثر الشيخ الكليني الرواية عنهم بواسطة ” العدة “، فقد ورد بعنوان ” أحمد بن محمد بن عيسى ” في (1156) موردا، وفي مورد واحد ذكر فيه الاشعري نقدا للاسم المتقدم. (2) أحمد بن محمد، عنوان مشترك، ورد في ” الكافي ” بدون تقييد في (3764) موردا، فما كان يرويه أحمد بن محمد عن محمد بن الحسن فهو غير أحمد بن محمد العاصمي، وكذلك هو مغاير لاحمد بن محمد بن سعيد الكوفي – ابن عقدة -، وأيضا مغاير لاحمد بن محمد بن عيسى، فأحمد بن محمد روى عن محمد بن الحسين في عشرين موردا في الكافي. (3) روى عنه الكليني في (55) موردا في ” الكافي ” وبعض تلك الموارد يرويها أحمد بن مهران عن عبد العظيم الحسني. (4) روى عنه الكليني في ثلاثة مواضع من كتاب الحدود، ج 7 / 229 و 260.

[171]

نستظهر من الحديث أن خفيفا كان أحد وكلاء الامام عليه السلام، أما ابنه الحسن فلم يكن من الرواة المحدثين حتى نحسبه أحد مشايخ الكليني، وفي غالب الظن أنه روى القصة للمصنف وهو فيها شاهد عيان. ذكره فضل الله شمس الدين في كتابه ” عين الغزال “: ص 5. 13 – الحسين بن محمد، مجهول. 14 – الحسين بن أحمد، مجهول. ورد له في ” الكافي ” ذكر في ستة مواضع، روى الشيخ عنه، وهو يروي عن أحمد بن هلال ج 1 / 342، وحديث آخر يرويه عن أبي كريب وأبي سعيد الاشج ج 1 / 465. ثم له ثلاث روايات في الروضة: ص 370 و 371 و 372. وقال السيد البروجردي في ” تجريد أسانيد الكافي “: 1 / 130: ” إن الحسين ابن أحمد الذي روى الحديثين بل الخمسة هو الحسين بن أحمد المالكي “. 115 – الحسين بن الحسن الحسيني الاسود، حسن. 116 – الحسين بن الحسن الهاشمي، الحسين العلوي، مهمل. روى عنه الكليني في أحد عشر موضعا بعنوان مطلق ” الحسين بن الحسن “، ووصفه بالحسني في موضعين، وبالعلوي في موضع واحد، وبالهاشمي في ستة مواضع. ولا اتحاد في الجميع، بل الحسين بن الحسن الحسيني الاسود هو غير الحسين بن الحسن الهاشمي الحسني العلوي، فالاول حسن كما عبر عنه الشيخ المامقاني في فهرست رجاله، أما الثاني فقال عنه: مهمل. والملقب بالاسود هو الذي ذكره الشيخ الطوسي في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام، فقال: الحسين بن الحسن الحسيني الاسود، فاضل، يكنى أبا عبد الله


[172]

رازي. رجال الطوسي: ص 462. وما ذهب إليه السيد البروجردي قدس سره في ” تجريد أسانيد الكافي “: 2 / 133 يبدو غير صحيح، حيث قال: “… والظاهر وحدة الكل، وأنه هو الذي ذكره الشيخ في (لم) فقال (الحسين بن الحسن الاسود، فاضل، يكنى أبا عبد الله الرازي، انتهى “. ثم قال ” ولا يحضرني الان في أمره، ولا في نسبه شئ غير ذلك، نعم يستفاد من رواياته أنه كان الغالب عليه علم السير والاخبار وهذه.. “. 117 – الحسين بن علي العلوي، مجهول، ذكره في ” عين الغزال “: ص 6. روى الشيخ الكليني عن الحسين بن علي في أربعة مواضع، وقيده بالعلوي في موضع واحد، وروى عنه بتكبير الاسم، أي بعنوان ” الحسن ابن علي العلوي ” في ثلاثة مواضع، وفي أربعة مواضع اخرى قال عنه: الحسن بن علي الهاشمي، على أن الجميع متحد، وعلى هذا فتكون مجموع الاحاديث التي رواها عنه الكليني اثنا عشر حديثا ثم لا يغرب عن البال أن توصيف العلويين بالهاشمي كان شائعا أيام العباسيين، كما أشار إلى ذلك السيد البروجردي في المقصد الاول من كتابه ” تجريد أسانيد الكافي “: 1 / 134. والحسين (الحسن) بن علي العلوي الهاشمي، روى عن سهل بن جمهور عن عبد العظيم الحسني، وعن محمد بن موسى عن يعقوب بن يزيد، وعن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان. انظر اصول الكافي: 1 / 372 و 523، وفروع الكافي: 3 / 369، و 4 / 47 و 146 و 147. 18 – الحسين بن الفضل بن زيد (يزيد) اليماني، لا يبعد حسنه. روى عنه الكليني رواية واحدة في مولد الامام الصاحب عليه السلام، ويبدو أن الرجل ووالده: الفضل بن زيد اليماني كانا من وكلاء الناحية، فلا يبعد حسنهما، بل


[173]

وثاقتهما، قال الكليني: الحسن بن الفضل ابن زيد اليماني قال: كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه، ثم كتبت بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فكانت العلة أن الرجل تحول قرمطيا. قال الحسن بن الفضل: فزرت العراق، ووردت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلا عن بينة من أمري، ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن اقيم بها حتى أتصدق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج، قال: فجئت يوما إلى محمد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صر إلى مسجد كذا وكذا وأنه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه فدخل علي رجل، فلما نظر إلي ضحك وقال: لا تغتم، وأنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما، قال: فاطمأننت وسكن قلبي، وأقول ذا مصداق ذلك والحمد لله، قال: ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ولم يشر الذي قبضها مني علي بشئ، ولم يتكلم فيها بحرف، ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة، وقلت في نفسي: كفرت بردي على مولاي، و كتبت رقعة اعتذر من فعلي، وأبوء بالاثم، واستغفر من ذلك، وأنفذتها وقمت اتمسح، فأنا في ذلك افكر في نفسي وأقول: إن ردت علي الدنانير لم أحلل صرارها، ولم أحدث فيها حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني، ليعمل فيها بما شاء.. الخ. الكافي: 1 / 520. 19 – الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي عمر الاشعري القمي، أبو عبد الله، ثقة، انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع. روى عنه الكليني في ” الكافي ” قريبا من ثمانمائة رواية، وأغلب الاسانيد جاء فيها اسمه بعنوان مطلق، وأحصيناها فكانت (700) موردا، وجاء بعنوان ” الحسين


[174]

ابن محمد ” في (92) موردا، وجاء بعنوان ” الحسين بن محمد القمي ” في مورد واحد، وجاء بعنوان ” الحسين بن محمد بن عامر ” في أربعة مواضع، وجاء بعنوان ” الحسين محمد بن عامر الاشعري ” في موضع واحد، وجاء بعنوان ” الحسين بن محمد بن عمران ” في موضعين، وجميع العناوين متحدة، والمقصود به كما عنوناه في المتن. والمترجم له روى عن: أحمد بن إسحاق، وأحمد بن محمد بن سيار، ومحمد بن أحمد بن خاقان، ومحمد بن عمران السبيعي، ومعلى بن محمد البصري، وجعفر بن محمد بن مالك، وعبد الله بن عامر، وعلي بن محمد الاشعري. يبدو أن الحسين بن محمد الاشعري كان وكيلا للامام العسكري عليه السلام، أو أنه كان مطلعا على ما يصدر إلى الوكلاء من الامام العسكري عليه السلام. انظر اصول الكافي: 1 / 524، الحديث 24. 20 – الحسين بن محمد. 21 – حميد بن زياد بن حماد بن حماد بن زياد، أبو القاسم، المتوفى (310 ه‍)، ثقة، كوفي، سكن سوراء ثم انتقل إلى نينوى كربلاء بالقرب من الحائر الحسيني، كان من الواقفية بل من وجهائهم، ترجم له النجاشي في رجاله: ص 132 تحت رقم 339، وذكر مصنفاته، وقد أكثر الكليني الرواية عنه، فقد روى عنه في (358) حديثا من ” الكافي “، وغير الشيخ الكليني روى عنه خلق كثير. وروى حميد بن زياد – في الكافي – عن أربعة: عن الحسين بن محمد بن سماعة الواقفي، وعن الحسن بن موسى الخشاب، وعن عبيدالله بن أحمد بن نهيك، وعن محمد بن أيوب. 22 – داود بن كورة بن سليمان، أبو سليمان القمي، في أعلى الحسن، بل أنه ثقة. انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع.


[175]

ورد في أسانيد الكافي بعنوان ” داود ” في ثمانية موارد، وبعنوان مقيد في (230) موردا، ف‍ ” داود بن كورة بن سليمان، أبو سليمان القمي ” أحد مشايخ الكليني، إلا أن المصنف لم يبدأ به بعنوانه في شئ من أسانيده. نعم، توجد رواية واحدة ورد فيها (داود بن سليمان)، وهذا مردد بين داود بن سليمان الكسائي – الذي ورد له ذكر في أحد أسانيد الكافي – وبين داود بن سليمان الكوفي والذي له ذكر في مورد واحد كذلك، فيحتمل اتحاد العنوانين مع داود بن سليمان، أو يحتمل كون داود بن كورة نسب إلى جده سليمان ولم ينسب إلى أبيه كورة، والاحتمال الآخر ربما سقط ذكر ” كورة ” أبيه من السند من قلم الناسخ، والله العالم. 23 – سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري، أبو القاسم القمي. انظر العدة الخامسة، الفصل السابع. كانت وفاته سنة 300 ه‍، روى عنه الكليني مقرونا مع عبد الله بن جعفر الحميري في ” الكافي ” (19) حديثا، وروايته عنهما هكذا: سعد بن عبد الله وعبد الله ابن جعفر الحميري، أو يعنونهما: عبد الله بن جعفر وسعد ابن عبد الله جميعا عن إبراهيم بن مهزيار، أو يقول: سعد وأحمد بن محمد جميعا عن ابراهيم بن مهزيار. ولسعد هذا – غير ما تقدم ذكره – خمسة عشر حديثا رواها الكليني عنه لكن بعنوان سعد بن أبي خلف، والمقصود به: سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري، وهذا مستعمل، إذ ينسب الراوي إلى جده دون الاب لشهرته. وعلى هذا يتعين لسعد المتقدم (34) حديثا في ” الكافي “. 24 – سهل بن زياد الآدمي الرازي، أبو سعيد، حسن، ووثقة آخرون. انظر ترجمته في العدة الثالثة، الفصل السابع. المشهور أن الكليني يروي عن سهل بواسطة ” العدة ” والتي سيأتي ذكرها إن


[176]

شاء الله في الفصل السابع – العدة الثالثة – فظاهرا ليس من مشايخه، لكن روى عنه بلا واسطة في سبعة مواضع، لذا نحتمل أن الكليني قد أدرك سهل بن زياد في أواخر عمره، فنقل منه تلك الاحاديث، وبعد وفاته نقل ما رواه في الكافي بواسطة العدة، و هم تلامذة سهل، والموارد هي: 1 – سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد. فروع الكافي: 4 / 170. 2 – سهل بن زياد، عن معاوية بن حكيم. فروع الكافي: 5 / 187. 3 – سهل بن زياد، عن علي بن أسباط. فروع الكافي: 5 / 493. 4 – سهل، عن أحمد بن محمد. فروع الكافي: 6 / 60. 5 – سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى. فروع الكافي: 6 / 474. 6 – سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى. فروع الكافي: 6 / 434. 7 – سهل، عن بعض أصحابه، فروع الكافي: 6 / 474. 25 – عبد الله بن جعفر بن الحسن بن مالك بن جامع الحميري: أبو العباس، ثقة، كان فقيها، ووجها من وجوه العلماء البارزين في قم، ثم سافر إلى العراق و ورد الكوفة سنة نيف ومائتين وتسعين، وقيل: نيف وسبعين، كاتب لامام العسكري عليه السلام على يد محمد بن عثمان العمري. روى عن كبار الاصحاب والاجلاء من الشيعة الامامية، يطول ذكرهم، منهم: أبو هاشم الجعفري، وإبراهيم بن هاشم والد علي، وأحمد بن إسحاق، وأحمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن ظريف، والحسن بن موسى الخشاب، ومحمد بن الريان ابن الصلت، ومحمد بن عيسى… الخ. له في ” الكافي ” اثنان وأربعون رواية، أغلبها رواها الكليني عنه بواسطة ابنه محمد، وبعضها بواسطة محمد بن يحيى، وفي البعض الآخر كليهما إلا في ثمان روايات


[177]

وهي في تواريخ الائمة عليهم السلام، رواها الشيخ عنه وعن سعد بن عبد الله بلا واسطة. انظر اصول الكافي: ج 1 / 457 و 461 و 468 و 472 و 475 و 486 و 491 و 497. والشيخ الكليني عنونه في مورد واحد بالحميري، وبعنوان ” عبد الله بن جعفر ” في خمس وثلاثين موردا، وبعنوان ” عبد الله بن جعفر الحميري ” في سبعة موارد. 26 – علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن القمي، المتوفى 307 ه‍، ثقة. انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع. روى عنه الكليني قريبا من أربعة آلاف حديثا، مضافا إلى ما رواه عنه ضمن العدة عن أحمد بن محمد، وضمن العدة عن أحمد بن محمد البرقي. وعلي بن إبراهيم أكثر شيوخ المصنف رواية، وقد ذكره في ” الكافي ” في أكثر من خمسة آلاف مورد. 27 – علي بن إبراهيم الهاشمي، ونسبه هكذا: علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد الجوائي بن عبيدالله الاعرج بن الحسين بن علي بن الحسين عليهم السلام، قال عنه النجاشي: ثقة، صحيح الحديث. له كتاب أخبار صاحب ” فخ “، وكتاب أخبار يحيى بن عبد الله صاحب الديلم. روى عنه الكليني أربعة أحاديث بلا واسطة، وله روايات اخر يرويها الكليني عنه بواسطة محمد بن يحيى، وواحدة من تلك الروايات يرويها علي عن جده محمد وهي في اصول الكافي: كتاب الايمان والكفر، ج 2 / 275. 28 – علي بن الحسين بن بابوية القمي، أبو الحسن توفي 329 ه‍، في أعلى الوثاقة. روى عنه الكليني حديثا واحدا، وهو من المعاصرين للشيخ، وتوفيا في سنة واحدة، إلا أن ابن بابويه ممن سكن الري، أما الكليني فقد سكن بغداد، ويحتمل


[178]

رواية الكليني عنه عند ما كانا في الري. 29 – علي بن الحسين القمي السعد آبادي، حسن. انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. 30 – علي بن عبد الله بن محمد بن عاصم الخديجي الاصغر، أبو الحسن، قيل عنه: ضعيف. قال النجاشي في ترجمته: كان ضعيفا، فاسد المذهب، وقد سمع منه أصحابنا كتاب ” النوادر “، وكتاب ” خديجة وعقبها وأزواجها،…، وله كتاب ” الصفينيات ” و ” الكوفيات “، يشتمل على أفعال أمير المؤمنين عليه السلام، قال لي بعض أصحابنا: إن هذا الكتاب كتاب ملعون فيه تخليط عظيم. رجال النجاشي: ص 267. 31 – علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان، أبو الحسن الرازي الكليني، ثقة. انظر ترجمته في العدة الثالثة، الفصل السابع. 32 – علي بن محمد بن أبي القاسم بندار، ثقة. انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. 33 – علي بن محمد بن عبد الله بن عمران الحناني، أبو الحسن القمي البرقي. انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. 34 – علي بن محمد بن عبد الله بن اذينة. انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. 35 – علي بن موسى بن جعفر الكمنداني، أبو جعفر القمي، شيخ الاجازة، غني عن التوثيق. انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع. أحد رجال العدة الخمسة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى – وسيأتي التفصيل عنه هناك إن شاء الله – لكن روى عنه الكليني مقرونا بأربعة


[179]

اخر، وله – مفردا – في الكافي رواية واحدة رواها عن أحمد بن محمد، ويحتمل كونه ابن عيسى. انظر اصول الكافي: ج 1 / 192، كتاب الحجة، باب أن الائمة عليهم السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه. 36 – القاسم بن العلا، من أهل أذربيجان، وكيل الناحية، فوق حد الوثاقة، كان وكيلا في بلدة مراغة من ناحية أذربيجان، له روايتان في ” الكافي “: الاولى في الجزء الاول من اصول الكافي: ص 198، والثانية في: ص 519. 37 – محمد بن أبي عبد الله محمد بن جعفر بن عون، أبو الحسين الاسدي الكوفي، ساكن الري، ثقة على الاقوى. انظر ترجمته في العدة الثالثة، الفصل السابع. 38 – محمد بن أحمد بن علي بن الصلت الاشعري القمي، ثقة. روى عنه الكليني أحد عشر رواية، ومحمد بن أحمد يروي عن عم والده أبي طالب عبد الله بن الصلت. وحكى الشيخ الصدوق عن والده أنه كان على مرتبة عالية من العلم والفضل والزهد، فهو ثقة، جليل، له رواية في الاصول الجزء الاول: ص 468، وج 3 / 53، وج 4 / 340، وج 5 / 64 و 374، وكتاب الروضة: حديث 390 و 461 و 462 و 470 و 523 و 524. 39 – محمد بن إسماعيل النيسابوري، الملقب بندفر، ثقة، ذكره الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. ومحمد بن إسماعيل هذا غير متحد مع محمد بن اسماعيل بن بزيع، لان الاخير من الطبقة السادسة، كما عبر عنه السيد البروجردي في ” تجريد أسانيد الكافي “، وقد روى عن الفضل بن شاذان. وقد أكثر الشيخ الكليني الرواية عنه، حتى ورد اسمه بعنوان مطلق ” محمد بن


[180]

إسماعيل ” في (831) موضعا من ” الكافي “. 40 – محمد بن جعفر بن محمد القرشي، أبو العباس الكوفي الرزاز، ت 301 ه‍، ثقة. انظر ترجمته في العدة الثانية، الفصل السابع. محمد بن جعفر الرزاز قد يعنونه الشيخ الكليني في كتابه ب‍ ” أبو العباس الرزاز ” أو ” أبو العباس الكوفي ” أو ” الرزاز “، توفي سنة 301 ه‍، وقيل: 310 ه‍، وهو مولى بني مخزوم، وخال والد أبي غالب الزراري، ومحمد بن جعفر ممن عاصر الامام العسكري عليه السلام إلا أن الشيخ الطوسي قد أغفل في باب ذكره فيمن لم يرو عنهم (1). 41 – محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي، أبو جعفر، المتوفى 290 ه‍، ثقة. انظر ترجمته في العدة الثالثة، الفصل السابع. 42 – محمد بن الحسن الطائي. انظر ترجمته في العدة الخامسة، الفصل السابع. لقد اختلف علماؤنا في أمر تعيين محمد بن الحسن، فمثلا قال السيد البروجردي: ” استظهر الفاضل الاستربادي أنه محمد بن الحسن الصفار، ووافقه الكاظمي فيما حكي عنه واختاره بعض أجلة السادة في رسالة العدة، مستدلا عليه بأن الصفار والكليني في طبقة واحدة.. ” (2). لكن ليس كذلك، وقد ورد في أسانيد الكافي روايات ناهزت 170 رواية كان فيها عنوان ” محمد بن الحسن “، ورواية واحدة بعنوان ” محمد بن الحسن الصفار “، ورواية واحدة بعنوان ” محمد بن الحسن المكفوف “، وفي موضعين وصف بالميثمي ولا اتحاد بين هذه العناوين.


(1) كما أغفل ذكره النجاشي، فلم يفرد له ترجمة مستقلة، بل ذكره في طريقه الى كثير من الكتب، انظر رجال النجاشي ترجمة معمر بن خلاد. (2) تجريد أسانيد الكافي: 1 / 52.

[181]

والمرجح هو: محمد بن الحسن الطائي الذي يكثر الشيخ الكليني الرواية عنه، قال النجاشي في ترجمة علي بن العباس الجراذيني الرازي: ” رمي بالغلو “، ثم قال ” أخبرنا الحسين بن عبيدالله، عن أبي رافع، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن الطائي الرازي، قال حدثنا علي بن العباس بكتبه كلها ” (1). 43 – محمد بن الحسين، عنوان مشترك. انظر العدة الرابعة، الفصل السابع. 44 – محمد بن عبد الله بن جفعر الحميري، أبو جعفر القمي، ثقة. قال النجاشي في ترجمته: ” محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، أبو جعفر القمي، كان ثقة، وجها، كاتب صاحب الامر عليه السلام، وسأله مسائل في أبواب الشريعة، قال لنا أحمد ابن الحسين: وقعت هذه المسائل إلي في أصلها والتوقيعات بين السطور، وكان له إخوة: جعفر، والحسين، وأحمد، كلهم كان له مكاتبه ” (2). 45 – محمد بن عقيل الكليني، حسن. انظر ترجمته في العدة الثالثة، الفصل السابع. 46 – محمد بن علي بن معمر، أبو الحسين الكوفي، حسن. روى عنه الكليني ثلاثة أحاديث. انظر الكافي: 4 / 49، والروضة: الحديث 4 و 5. وروى محمد بن علي بن معمر عن محمد بن علي بن عكاية التميمي في موردين، وفي الثالث رواه مرفوعا. 47 – محمد بن محمود، أبو عبد الله القزويني له حديث واحد رواه الشيخ الكليني في كتابه، في باب نوادر، من كتاب العلم، في ذيل الحديث الخامس، فقال:


(1) رجال النجاشي: ص 255. (2) رجال النجاشي: ص 355.

[182]

وحدثني به محمد بن محمود أبو عبد الله القزويني عن عدة من أصحابنا، منهم جعفر بن محمد الصيقل بقزوين… الخ الحديث (1). 48 – محمد بن يحيى العطار، أبو جعفر القمي الاشعري، ثقة. انظر ترجمته في العدة الاولى، الفصل السابع. تلاميذ الكليني ومن روى عنه: يعد الشيخ الكليني من الطبقة التاسعة، أما الذين يروون عنه فجلهم من الطبقة العاشرة، على أن بعضهم ينتمي إلى الطبقة التاسعة كذلك. وهذا يعني أن لكل طبقة قسمين، الكبار منهم الذين رووا جميع مرويات الطبقة التي سبقتهم، والصغار من كل طبقة هم الذين لم يدركوا من عصر الطبقة السابقة ما يمكنهم تحمل جميع مروياتهم، لهذا رووا بعض مروياتهم عمن سبقهم، ورووا القسط الاكبر عن كبار طبقتهم، وعلى سبيل المثال أن أحمد بن محمد بن عيسى يعد من الطبقة السابعة لكن من صغارها، فهو يروي عمن سبقه من الطبقة السادسة، كابن أبي عمير، وصفوان، والحسن بن محبوب، والبزنطي، وآخرين، لكن مروياته عنهم قليلة بالنسبة إلى مروياته عمن عاصرهم، كالحسين بن سعيد، والعباس ابن معروف، ومحمد بن عبد الجبار، الذين هم من الطبقة السابعة التي ينتمي إليها أحمد بن محمد بن عيسى، وشبيه ذلك هو الكليني، إذ يعد من الطبقة التاسعة، لكن لا يروي عن كبار الطبقة الثامنة، بل أنه يروي عن صغارها جملة قليلة من الروايات التي لو قورنت تلك المرويات بمروياته عن علماء عصره والذين هم من طبقته لوجدتها قليلة جدا، فمثلا أحمد بن محمد بن خالد البرقي الذي هو من


(1) اصول الكافي: 1 / 49.

[183]

الطبقة الثامنة – توفي سنة 280 ه‍ – لا يروي عنه الكليني إلا بتوسط صغار تلك الطبقة، بل جل روايته بواسطة ” العدة “، أما ابن الوليد الذي هو من الطبقة التاسعة – طبقة المصنف – فقد روى عن كبار الطبقة الثامنة… كيفما كان، فإن رواة الشيخ الكليني معدودون، منهم روى كتاب ” الكافي “، ومنهم روى بعض مصنفاته، وقسم ثالث روى جميعها، ولقلة عددهم فقد آثرنا أن نترجم لهم، مع شئ من الايجاز: أبو عبد الله، أحمد بن إبراهيم، المعروف بابن أبي رافع الصيمري (1)، ابن عبيد ابن عازب أخ البراء بن عازب الانصاري، والصيمري نسبة إلى بلدة بين خوزستان وبلاد الجبل، وقيل: نسبة الى نهر بالبصرة عليه قرى كثيرة عامرة. وقيل: بلدة تبعد عن دينور بخمس مراحل مرورا بينها وبين همدان من بلاد العجم، وقيل: ناحيه بالبصرة عند رأس نهر المعقل. قال النجاشي: ” أصله كوفي، سكن بغداد، كان ثقة في الحديث، صحيح الاعتقاد، له كتب، منها: كتاب ” الكشف فيما يتعلق بالسقيفة “، كتاب ” الاشربة وما حلل منها وما حرم “، كتاب ” الفضائل “، كتاب ” الصفا في تاريخ الائمة “، كتاب ” السرائر مثالب “، كتاب ” النوادر “، وهو كتاب حسن أخبرنا عنه بكتبه الحسين بن عبيدالله (2). وفي الفهرست للطوسي، قال: ” اخبرنا بكتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله المفيد، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون، وغيرهم عنه بسائر كتبه ورواياته ” (3).


(1) ذكره الطوسي في الفهرست: ص 135. (2) النجاشي: ص 84 ترجمة 203. (3) الفهرست: 32.

[184]

وقد وثقه جملة من العلماء، كابن داود في رجاله، والعلامة الحلي في ” الخلاصة “، والمجلسي في ” الوجيل “، والمحقق الشيخ سلمان البحراني في ” البلغة “. قال العلامة البروجردي – قدس سره – في المقدمة الثالثة من كتابه ” تجريد أسانيد الكافي “: ” في بيان رواة هذا الكتاب – الكافي – عن مصنفه يستفاد مما ذكره الشيخ والنجاشي في الفهرستين، والشيخ والصدوق في مشيختي التهذيب والفقيه أنه روى هذا الكتاب عن المصنف جماعة، فذكر أحمد بن إبراهيم)، ثم قال: وروى عن أحمد ابن محمد بن زياد، وعلي بن عبد الله الخديجي، وعلي بن محمد بن يعقوب، والمصنف، وهارون بن موسى التلعكبرى (1). وأما شيخ الطائفة فقال: ” أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري، يكنى أبا عبد الله، روى عنه التلعكبري وقال: كنا نجتمع ونتذاكر، فروى عني ورويت عنه، وأجاز لي جميع رواياته، وأخبرنا عنه الحسين بن عبيدالله، ومحمد بن محمد بن النعمان، وأحمد بن عبدون، وابن عزور ” (2). أبو الحسين، أحمد بن أحمد الكاتب الكوفي (3)، ذكره العلامة فضل الله شمس الدين في كتابه ” عين الغزال “، وكذلك العلامة السيد البروجردي في مقدمة ” تجريد أسانيد الكافي ” ما لفظه: ” أحمد بن أحمد النازل ببغداد، أبو الحسين الكوفي الكاتب يظهر مما قدمناه عن النجاشي من أنه كان يروي هذا الكتاب – الكافي – ببغداد عن المصنف، وأنه كان جماعة من أصحابنا يقرأونه عليه، أنه كان من شيوخ أصحاب الحديث، ومعتمدا عندهم ” (4). وبعد التتبع لم أر لابي الحسين، أحمد بن


(1) تجريد أسانيد الكافي للبروجردي: 1 / 26. (2) رجال الطوسي: ص 445. (3) – رجال النجاشي: ص 377، وعين الغزال: ص 12. (4) تجريد أسانيد الكافي: المقدمة الثالثة 1 / 26.

[185]

أحمد الكاتب الكوفي ترجمة يعتد بها في كتب التراجم والرجال، وأهل الحديث ورواته. وأول من ذكره في عداد رواة الكافي هو النجاشي في ترجمته لمحمد بن يعقوب فقال: ” كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي، وهو مسجد نفطويه النحوي أقرأ القرآن على صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب: حدثكم محمد بن يعقوب الكليني “. ثم قال: ” ورأيت أبا الحسن (الحسين) العقراني، يرويه عنه، وروينا كتبه كلها عن جماعة شيوخنا: محمد ابن محمد، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن علي بن نوح عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عنه ” (1). أبو الحسين، أحمد بن علي بن سعيد الكوفي (2)، ذكره الشيخ الطوسي في ” الفهرست ” في ترجمة محمد بن يعقوب الكليني، فقال: “… وأخبرنا السيد الاجل المرتضى عن أبي الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي عن الكليني، وأخبرنا…. ” (3)، وذكره ابن داود في رجاله في القسم الاول (4). ويستفاد من ترجمة ابن داود أنه من الثقات الاجلاء، ومن حملة الحديث، يعتمد عليه. وترجم السيد البروجردي قدس سره في المقدمة الثالثة من كتابه ” تجريد أسانيد الكافي ” فقال: ” أحمد بن علي بن سعيد، أبو الحسين الكوفي، روى هذا الكتاب – الكافي – عن المصنف، ورواه عنه الشريف الاجل المرتضى علم الهدى قدس سره، كما مر * (هامش) (1) رجال النجاشي: ص 377 ترجمة 1026. (2) الفهرست: ص 135. (3) الفهرست: ص 136. (4) رجال ابن داود: ص 41.


[186]

عن ” فهرست ” الشيخ، ويظهر أنه كان شيخا من أصحاب الحديث، معتمدا، ولم أجد له ذكرا في غير هذا الموضع ” (1). ثم ذكره المامقاني فقال: ” احمد بن علي الكوفي، عده الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام، وقال: يكنى أبا الحسين، روى عن الكليني، أخبرنا عنه علي بن الحسين الموسوي المرتضى – رضى الله عليه -، انتهى ” (2). أقول: لم أجد في رجال الشيخ هذا النص، بل أن الشيخ ذكره في ” الفهرست ” ضمن ترجمة محمد بن يعقوب الكليني، ولا يخفى أن السهو من الشيخ المامقاني، فراجع. أبو الحسين، أحمد بن محمد بن علي الكوفي، ذكره الشيخ الطوسي في رجاله فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام فقال: ” أحمد بن محمد بن علي الكوفي، يكنى أبا الحسين، روى عن الكليني، أخبرنا عنه علي بن الحسين الموسوي المرتضى – رضوان الله عليه – ” (3). أقول: لا يستبعد اتحاد هذا العنوان مع العنوان المتقدم ” أحمد بن علي بن سعيد الكوفي “، واتحادهما مع ” أحمد بن علي الكوفي “، حيث الجميع وردت لهم الاشارة أنهم يروون عن الكليني كتابه ” الكافي “، ثم الذي يروي عن هذه العناوين هو السيد الاجل علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى، وشيخ الطائفة ينقل عن السيد المرتضى، وإن كان قد عنونه الحائري في ” المنتهى ” والميرزا في ” المنهج ” بالعنوان المتقدم ” أحمد بن محمد ابن علي الكوفي، أبو الحسين “، إلا أن ما عنونوه كان


(1) تجريد أسانيد الكافي: ص 27. (2) تنقيح المقال: 1 / 73. (3) رجال الطوسي: ص 450.

[187]

نقلا عن رجال الطوسي، والشيخ قدس سره ذكره في ” الفهرست ” بعنوان ” احمد بن علي بن سعيد الكوفي “، روى عن الكليني، والسيد المرتضى روى عنه. أبو غالب، أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين بن سنسن الزراري (285 – 368 ه‍) (1)، قال عنه النجاشي: ” وقد جمعت أخبار بني سنسن، وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم، له كتب، منها: كتاب ” التاريخ ” ولم يتمه، كتاب ” دعاء السفر “، كتاب ” الافضال “، كتاب ” مناسك الحج ” كبير، كتاب ” مناسك الحج ” صغير، كتاب الرسالة إلى ابن ابنه أبي طاهر في ذكر آل أعين، حدثنا شيخنا أبو عبد الله عنه بكتبه ” (2). وقال عنه الشيخ الطوسي بعد ذكر نسبه: “… نزيل بغداد، يكنى أبا غالب، جليل القدر، كثير الرواية، ثقة، روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة أربعين وثلاثمائة، وله مصنفات ذكرناها في ” الفهرست “، وأخبرنا عنها محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، وابن عزور ” (3). روى كتاب ” الكافي ” عن الكليني، كما في مشيخة ” التهذيب ” و ” الفهرست ” في ترجمة محمد بن يعقوب الكليني، إذ قال: ” وأخبرنا الحسين ابن عبيدالله قراءة عليه أكثر كتبه من ” الكافي ” عن جماعة، منهم: أبو غالب أحمد بن محمد الزراري و… (4). وقد ذكره العلامة في الخلاصة القسم الاول منه، وكذلك ابن داود في رجاله


(1) الفهرست: ص 135. (2) رجال النجاشي: ص 84 ترجمة 201. (3) رجال الطوسي: فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام، ص 443، والفهرست: ص 32 (4) الفهرست: ص 135.

[188]

القسم الاول أيضا، فتوثيقه ظاهر لا منازع فيه، وهكذا له توثيق في ” الوجيزة ” و ” المشتركات ” للكاظمي. أبو الحسن، إسحاق بن الحسن بن بكران، العقرائي (1) التمار، قال النجاشي: ” أبو الحسين العقرائي التمار، كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علوا فلم أسمع منه شيئا، له كتاب ” الرد على الغلاة “، وكتاب ” نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله “، وكتاب ” عدد الائمة ” (2) “. أقول: في بعض المصادر: العقرائي بالنون نسبة الى رجل، وبالهمزة نسبة الرملة المشرفة التي لا تثبت في وسطها شيئا، وربما كانت التسمية نسبة إلى أحد المواضع، وهي كثيرة بين الجزيرة والعراق، أشهرها موضع قرب الكوفة، كانت منازل بخت نصر بها، وبالقرب من بابل، وهناك منازل عديدة ببلاد قيس، وبلاد الموصل، وغيرها. أقول: عبارة النجاشي في حق الرجل فيها تناقض صريح، قال: ” ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة، وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علوا فلم أسمع منه شيئا – وفي نسخة اخرى غلوا -، ثم بعد ذلك يقول: له كتاب ” الرد على الغلاة “. ومحصل هذا التناقض أن كتاب ” الكافي ” فيه من الاحاديث الكثيرة في شأن الائمة عليهم السلام وعصمتهم وعلمهم، ولما كانت تلك الاحاديث في ذلك الوقت عند بعض مشايخ الامامية تعد من الغلو، فإن من يرويها كذلك يعد من الغلاة، لذا امتنع


(1) رجال النجاشي: ص 377 في ترجمة محمد بن يعقوب. (2) رجال النجاشي: ص 74 ترجمة 178.

[189]

النجاشي من الاخذ عن إسحاق بن الحسن لهذا الغرض. ويكفيك من الادلة على عدم غلو الرجل أن له كتاب في الرد على الغلاة، إذا لا يمكن تصور كل من يروي أحاديث الائمة عليهم السلام في تنزيههم عن السهو، وغير ذلك من الخصوصيات – وإن كانت على مذاق البعض أنها من الغلو – أن يعد الراوي لها مغاليا… وعلى القياس سار العلامة في رجاله، وابن داود، فعدوه في القسم الثاني من كتابهما ; جريا لمذاق النجاشي، واتباعا لمنهجه، وهذا عجيب منهما. ثم إن الروايات التي يرويها إسحاق بن الحسن من ” الكافي ” أو من غيره لو كان فيها شئ من الغلو فهذا لا يقدح بعدالة الرجل، كما لا يقدح بمذهبه. أبو القاسم، جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه ت 368 ه‍ (1)، قال النجاشي: وكان أبوه يلقب مسلمة، من خيار أصحاب سعد، وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه، روى عن أخيه وأبيه عن سعد وقال: ما سمعت من سعد إلا أربعة أحاديث، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، له كتب حسان: كتاب ” مداواة الجسد “، كتاب ” الصلاة “، كتاب ” الجمعة والجماعة “، كتاب ” قيام الليل “، كتاب ” الرضاع “، كتاب ” الصداق “، كتاب ” الاضاحي “، كتاب ” الصرف “، كتاب ” الوطئ بملك اليمين “، كتاب ” بيان حل الحيوان من محرمه “، كتاب ” قسمة الزكاة “، كتاب ” العدد في شهر رمضان “، كتاب ” العدد “، كتاب ” الرد على ابن داود في عدد شهر رمضان “، كتاب ” الزيارات “، كتاب ” الحج “، كتاب ” يوم وليلة “، كتاب ” القضاء وآداب الحكام “، كتاب ” الشهادات “، كتاب ” العقيقة “، كتاب ” تاريخ


(1) الفهرست: ص 135، ورجال النجاشي: ص 377، تنقيح المقال: 1 / 223.

[190]

الشهور والحوادث فيها “، كتاب ” النوادر “، كتاب ” النساء ” ولم يتمه، قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله رحمه الله، وعلى الحسين بن عبيدالله رحمه الله ” (1). وفي ” معالم العلماء ” لابن شهر آشوب قال: ” جعفر بن محمد بن قولويه، أبو القاسم القمي، روى عن الكليني وعن ابن عقدة… ” (2)، عده الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام (3)، وله ترجمة في ” الفهرست “، وقد ذكر هناك جملة من مصنفاته (4). وابن قولويه استاذ الشيخ المفيد. ولم يقتصر ابن قولويه في روايته عن الكليني فقط، بل روى عن كبار العلماء ومصنفي الامامية، نذكر منهم على سبيل المثال: أحمد بن إسماعيل سمكة، وأحمد بن أصفهبد، وأحمد بن محمد بن الحسن بن سهل، وأحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد، وأحمد بن علي بن مهدي، وأحمد بن محمد بن عمار. وروى عن جعفر بن محمد الموسوي: وجعفر بن محمد بن مسعود، والحسن ابن أبي عقيل العماني، والحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى الاشعري، والحسن بن علي الحجال، والحسين بن شاذويه، والحسين بن محمد الاشعري، وحكيم بن داود، وعبد العزيز الجلودي، وعبد الله بن الفضل بن هلال، وعبيدالله بن أحمد، وعلي بن محمد أخيه، والقاسم بن محمد الهمداني. وروى عن محمد بن أحمد بن سليم الصابوني: ومحمد بن جعفر الرزاز، ومحمد ابن الحسن بن علي بن مهزيار، ومحمد بن عبد المؤمن، ومحمد بن عمر الكشي، ومحمد


(1) رجال النجاشي: ص 124 ترجمة 318. (2) معالم العلماء: ص 30. (3) رجال الطوسي: ص 458. (4) الفهرست: ص 42.

[191]

ابن قولويه، ومحمد بن الوارث السمرقندي. اتفقت كتب التراجم والرجال على توثيقه، فهو من أجلاء الاصحاب، ومن ثقات الامامية. أبو الحسن، عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز التنيسي (1)، جاء في ترجمة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني من ” الفهرست ” للشيخ الطوسي، فقال: “… وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون، عن أحمد بن إبراهيم الصيمري وأبو الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتفليس وبغداد عن الكليني بجميع مصنفاته ورواياته… ” (2). وله ذكر في مشيخة ” التهذيب ” مما يستفاد اعتباره في الجملة، ولم أقف له على ترجمة وافية في كتب التراجم. لكن ظاهر المشيخة أن أحمد بن إبراهيم المعروف بابن أبي رافع وعبد الكريم ابن عبد الله أنهما سمعا ” الكافي ” عن مصنفه الكليني في سنة 327 ه‍ ببغداد بباب الكوفة بدرب السلسلة، وأجازهما في روايته. علي بن أحمد بن موسى الدقاق الاسدي الكوفي، النازل بالري (3)، من مشايخ الصدوق، قال في مشيخة الفقيه: ” وما كان فيه عن محمد بن يعقوب الكليني – رحمة الله عليه – فقد رويته عن محمد بن محمد ابن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن موسى ومحمد بن أحمد السناني – رضي الله عنهم – عن محمد بن يعقوب، وكذلك جميع كتاب ” الكافي ” فقد رويته عنهم عن رجاله…. ” (4).


(1) الفهرست: ص 135. (2) الفهرست: ص 136. (3) مشيخة الفقيه: ص 116، تنقيح المقال: 2 / 267، عين الغزال: ص 12. (4) شرح مشيخة الفقيه للسيد حسن الخراسان: ملحق الجزء الرابع من كتاب من لا يحضره

[192]

ومما يظهر من كلام الصدوق قدس سره أن الرجل من الثقات العدول، وقد قالوا: إن ذكر الثقات مشايخهم مقرونا بالترحم عليهم والدعاء لهم قرين للمدح. قال المحقق الداماد: ” إن لمشايخنا الكبار كالصدوق – رضي الله عنه – مشيخة يلتزمون إرداف تسميتهم بالرضيلة أو الرحملة لهم، فاولئك أجلاء، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه، نص بالتوثيق أو لم ينص… ” (1)، وقال الوحيد البهبهاني في فوائده، الفائدة الثالثة في سائر أمارات الوثاقة والمدح والقوة: “… ومنها ذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما عليه، وغير خفي من ذلك الشخص، بل جلالته… ” (2). وقد عرفت أنه أحد الرجال الثلاث الذين يروي عنهم الصدوق الكافي، وسائر روايات الكافي، عنهم عن محمد بن يعقوب الكليني قدس سره. أقول: ولا يبعد اتحاد هذا العنوان مع علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، وقد روى الصدوق – بهذا العنوان – عنه في العيون: ج 1 / 313، الباب 28 الحديث 86، وروى عنه الصدوق في باب نكت حج الانبياء من الفقيه: ج 2 / 154 باب 63 الحديث 18، وباب الزيارة الجامعة وسائر المشاهد من التهذيب: ج 6 الحديث 177. أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن جعفر، الكاتب النعماني (1)، المعروف بابن زينب، كما قال عنه النجاشي: ” شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث، قدم بغداد، وخرج إلى الشام ومات بها، له كتب،


الفقيه ص 116. (1) ملحق الجزء الرابع من كتاب من لا يحضره الفقيه: ص 116. (2) الفوائد الخمسة للوحيد البهبهاني: ص 53. (3) وذكره المعلق في هامش الروضة: ص 2، مرآة العقول: 1 / 366، عين الغزال: ص 12

[193]

منها: كتاب ” الغيبة “، كتاب ” الفرائض “، كتاب ” الرد على الاسماعيلية “، رأيت أبا الحسين محمد بن علي الشجاعي الكاتب يقرأ عليه كتاب ” الغيبة ” تصنيف محمد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة، لانه كان يقرأه عليه، ووصى لي ابنه أبو عبد الله الحسين بن محمد الشجاعي بهذا الكتاب وبسائر كتبه، والنسخة المقروة عندي، وكان الوزير أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف المغربي، ابن بنته فاطمة بنت أبي عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني رحمهم الله ” (1). أقول: وهو صاحب كتاب ” الغيبة ” المعروف ب‍ ” غيبة النعماني ” المشهور، وقد وثقه جملة من العلماء، كالعلامة في ” الخلاصة “، وابن داود في رجاله، والنجاشي كما تقدم، وكذا في ” البلغة “، و ” الوجيزة “، و ” الحاوي “، وابن طاووس في ” فرج المهموم “، والحر العاملي. وقيل: إنه من الذين اختصوا بالكليني، وكتبوا له ” الكافي “. أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان ابن مهران الجمال (2)، قال النجاشي: ” مولى بني أسد، أبو عبد الله، شيخ الطائفة، ثقة، وفقيه، فاضل، وكانت له منزلة من السلطان، كان أصلها أنه ناظر قاضي الموصل في الامامة بين يدي ابن حمدان، فانتهى بينهما الى أن قال للقاضي: تباهلني، فوعده إلى غد، ثم حضروا فباهله وجعل كفه في كفه، ثم قاما من المجلس، وكان القاضي يحضر دار الامير ابن حمدان في كل يوم، فتأخر ذلك اليوم ومن غده، فقال الامير: اعرفوا خبر القاضي، فعاد الرسول فقال: إنه منذ قام من موضع المباهلة حم، وانتفخ الكف الذي مده للمباهلة وقد اسودت، ثم مات من الغد، فانتشر لابي عبد الله الصفواني


(1) رجال النجاشي: ص 384. (2) ذكره المعلق في هامش الروضة: ص 2، عين الغزال: ص 12.

[194]

بهذا ذكر عند الملوك، وحظي منهم، وكانت له منزلة… ” (1). ذكره الطوسي فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (2). له كتب ومصنفات عديدة ذكرها النجاشي في رجاله، والشيخ الطوسي في ” الفهرست “، ثم قال فيه الشيخ: ” وكان حفظة، كثير العلم، جيد اللسان، وقيل: إنه كان اميا، وله كتب أملاها من ظهر قلبه ” (3). ولا يخفى أن الرجل من كبار علماء عصره، ومن الثقات الاجلاء، ذكره العلامة في ” الخلاصة ” القسم الاول منه، وكذلك ابن داود في القسم الاول منه، ثم ذكره في القسم الثاني فقال: ما أنكرت منه شيئا إلا ما يرويه عن أبيه عن جده عن الصادق عليه السلام فإنه شئ غير معروف، وقد رأيت فيه مناكير مكذوبة عليه، وأظن الكذب من قبل أبيه (4). أقول: عبارة ابن داود صريحة، أن لا شئ يستدعي في تضعيفه، أو ما ينكره عليه، لذا فليس من المعقول أن يقحمه في قسم الضعفاء، علما أن النجاشي في رجاله، والطوسي في رجاله ” والفهرست “، والعلامة في ” الخلاصة ” كلهم قد أثنوا عليه ووثقوه، فغريب جدا من ابن داود أن يذكره في القسم الثاني من رجاله. ثم ذكره ابن طاووس فاثنى عليه ووثقه، وهكذا كل من صاحب ” الذكرى “، و ” الوجيزة “، و ” البلغة “، و ” المشتركاتين “، و ” الحاوي “. كان تلميذ الشيخ الكليني الخاص، وكان يكتب له ” الكافي “، ثم أجازه الشيخ.


(1) رجال النجاشي: ص 393 ترجمة 1050. (2) رجال الطوسي: ص 502. (3) الفهرست: ص 133. (4) رجال ابن داود: القسم الثاني ص 369.

[195]

أبو عيسى، محمد بن أحمد بن محمد بن سنان السناني (1) الزاهدي، نزيل الري، عده الشيخ الطوسي في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام، وقال بعد العنوان: ” يكنى أبا عيسى، نزيل الري، عنه أبيه عن جده محمد بن سنان، روى عنه ابن نوح وأبو الفضل ” (2). وردت إشارة له في ترجمة جده محمد بن سنان من كتاب رجال النجاشي (3). وفي رجال ابن داود، قال: ” محمد بن أحمد بن محمد بن سنان، أبو عيسى لم ” غض ” نسبه وحديثه مضطرب ” (4). ولا يخفى أن الرجل من مشايخ الصدوق قدس سره، وقد أكثر الرواية عنه في كتبه مترضيا عليه ومترحما. روى عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، باب نكت في حج الانبياء والمرسلين الحديث 688، ج 2 / 154. وروى عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي في طريقه إلى محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان، عن الرضا… انظر مشيخة الفقيه، الملحق بكتاب من لا يحضره الفقيه: ص 15. وروى عن محمد بن جعفر الاسدي الكوفي، أبي الحسين أيضا مشيخة الفقيه. وروى عن محمد بن يعقوب الكليني، فقال الصدوق في المشيخة: ” وما كان عن محمد بن يعقوب الكليني – رحمة الله عليه – فقد رويته عن محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن محمد بن موسى، ومحمد بن أحمد السناني – رضى الله عنهم –


(1) مشيخة الفقيه: ص 116، وفيه: ” النسائي ” بدلا من ” السناني “، تنقيح المقال: 2 / 73. (2) رجال الطوسي: ص 510. (3) رجال النجاشي: ص 328. (4) رجال ابن داود: القسم الثاني ص 269.

[196]

عن محمد بن يعقوب الكليني، وكذلك جميع كتاب ” الكافي “، فقد رويته عنهم عنه عن رجاله (1). أقول: لم توجد خدشة في سيرة الرجل، بل أن الذي ذكره ابن داود في رجاله نقلا عن ابن الغضائري لا يعتد به، ثم إن الخلاف إنما في نسب جده محمد بن سنان. أبو الفضل، محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني (2)، ذكره الشيخ الطوسي في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام، ثم قال بعد عنوانه ” أبو الفضل كثير الرواية إلا أنه ضعفه قوم، أخبرنا عنه جماعة ” (3). وفي الفهرست قال: “… كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنه ضعفه جماعة من أصحابنا، له كتاب ” الولادات الطيبة الطاهرة “، وله كتاب ” الفرائض “، وله كتاب ” المزار “، وغير ذلك، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عنه جماعة من أصحابنا ” (4). وعنونه النجاشي فقال: ” محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول بن همام بن المطلب بن همام بن بحر بن مطر بن مرة الصغرى بن همام بن مرة بن ذهل ابن شيبان، أبو المفضل، كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، كان في أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه، له كتب كثيرة، وعد جملة منها، ثم قال: رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه ” (5).


(1) مشيخة الفقيه، الملحق بكتاب من لا يحضره الفقيه: ص 116. (2) الفهرست: ص 135، تنقيح المقال: 3 / 146. (3) رجال الطوسي، ص 511. (4) الفهرست: ص 140. (5) رجال النجاشي: ص 396 ترجمة 1059.

[197]

أقول: وذكره ابن داود في رجاله في القسم الثاني نقلا عن النجاشي (1). أما العلامة في ” الخلاصة ” فقال بعد العنوان: ” يكنى أبا الفضل، كثير الرواية، حسن الحفظ، ضعفه جماعة من أصحابنا. وهذا لما في ” الفهرست “. ثم نقل قول ابن الغضائري فقال: وقال ابن الغضائري: إنه وضاع، كثير المناكير، رأيت كتبه وفيها الاسانيد من دون المتون، والمتون من دون الاسانيد، وأرى ترك ما تفرد به ” (2). أقول: وترجمه العلامة في ” الخلاصة “، الفصل الثاني، الباب الاول منه ترجمة (53) فقال: ” محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول، أبو الفضل… ثم ساق نفس ترجمة النجاشي “. وهذا غريب، حيث أن الاسم واسم الاب والجد واللقب والكنية وجميع الاوصاف هي واحدة، وليس هناك فرق بين ترجمة الشيخ الطوسي في ” الفهرست ” ورجاله، وكذا ترجمة النجاشي. نعم، يمكن القول أن العلامة فهم المغايرة بين ترجمة النجاشي الذي سرد نسبه إلى الجد الرابع عشر، بينما ذكره الطوسي مكتفيا باسمه واسم أبيه وجده ولقبه وكنيته ومصنفاته لذا تكرار العنوان في ” الخلاصة ” وهم من العلامة قدس سره في كون أن العنوانين متغايران. ثم إنه عد الرجل في قسم الضعفاء لاسند له سوى قول ابن الغضائري الذي لا يعتد به. أما قول النجاشي فواضح أنه توقف عن الرواية عنه بسبب غمز الاصحاب وتضعيفهم له، وهذا لا يدلل في كون النجاشي معتقدا بضعفه أو عدم وثاقته، بل أن


(1) رجال ابن داود: ص 273. (2) والخلاصة: ص 252 الفصل الثاني والعشرون، الباب الاول، قم، الترجمة 27.

[198]

توقفه لاعتبارات خاصة. روى أبو الفضل كتاب ” الكافي ” كما في ” الفهرست “، قال الشيخ الطوسي: ” وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من ” الكافي ” عن جماعة، منهم: أبو غالب أحمد بن محمد الزراري، وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبي رافع، وأبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، وأبو الفضل محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب الشيباني، كلهم، عن محمد بن يعقوب ” (1). وللشيخ الطوسي طريق إليه في ” مشيخة التهذيب “، وطريقه إليه صحيح (2). قال السيد البروجردي قدس سره: “… وروى عنه جماعة من العامة والخاصة، وحكي أنه ناقشه العامة في حديث عن أحمد بن محمد بن عيسى بن العراد الكبير سماعا عنه في سنة 310 ه‍ فكذبوه، وقالوا: مات ابن العراد الكبير قبل ذلك، وأبطلوا رواياته “، ثم قال السيد قدس سره ” فكأنه كان تضعيفه والغمز عليه سرى من العامة، أو اطلعوا على أمر آخر، وما ذكره العامة لا يوجب ضعفا، لاحتمال السهو في مثل هذه الخصوصيات، والله العالم ” (3). محمد بن علي ماجيلويه القمي، عده الشيخ الطوسي فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام (4)، من مشايخ الصدوق، وقد أكثر الرواية منه في ” الفقيه “، ” والعلل “، ” والعيون “، ” والخصال “، ” والمجالس “، ” والتوحيد “، ” والمعاني “، وكلما جاء ذكره


(1) الفهرست: ص 136. (2) معجم رجال الخوئي: 16 / 274. (3) تجريد أسانيد الكافي: ص 29. (4) رجال الطوسي: ص 491، تنقيح المقال: 3 / 158.

[199]

ترحم عليه. جاء ذكره في مشيخة الفقيه في اثنتين وخمسين موردا. روى عن أبيه علي، وعن علي بن إبراهيم بن هشام، وعن محمد بن أبي القاسم، وعن محمد بن يحيى العطار. روى ” الكافي ” عن مصنفه محمد بن يعقوب الكليني كما ذكره المحقق النوري في المستدرك الفائدة الثالثة (1). أما توثيقه فلا يختلف فيه اثنان، وقد عرفت إن ذكر كبار الثقات من الاصحاب مشايخهم بالترضي والترحم عليهم دليل على علو مكانتهم وجلالة قدرهم، فهذا الصدوق قدس سره كلما أورد ذكره أردفه بالفضيلة والرحمة. ثم الفاضل الجزائري في ” الحاوي ” في خاتمة فصل الثقات التي عقدها لمن لم يرد فيه توثيق صريح، فقال بعد عنوانه: ” لم نظفر بتوثيقه في شئ من كلام الاصحاب، وهو في طريق الصدوق ابن بابويه إلى معاوية بن وهب، وإلى إسماعيل ابن رباح، وإلى صالح بن الحكم، وإلى يحيى بن عمران، وإلى الحارث بن المغيرة، وقد وصف العلامة طريقه إلى يحيى ب‍ ” الحسن ” بإبراهيم بن هاشم، وباقي الطرق بالصحة، وهو ظاهر في تعديله، وهو الاقوى كما يظهر من قرائن الاحوال، وقد كثر رواية الصدوق رحمه الله عنه من غير واسطة (2) “، وقد وثقه الميرزا في ” الوسيط ” وكذا وثقه المحقق الداماد في ” الرواشح “. محمد بن محمد بن عاصم (عصام) الكليني، أحد مشايخ الصدوق قدس سره والرواية عند في الفقيه: باب الوصي يمنع الوارث ما له بعد البلوغ فيزني لعجرة عن


(1) مستدرك الوسائل: 3 / 527. (2) الحاوي للجزائري: مخطوط فراجع

[200]

التزويج، الحديث الاول (1). وفي العيون: الجزء الاول، الباب الحادي عشر فيما جاء عن الامام الرضا عليه السلام من الاخبار في التوحيد، الحديث 13 ص 120. روى ” الكافي ” عن مصنفه، محمد بن يعقوب، كما في ” مشيخة الفقيه “، قال الصدوق: ” وما كان فيه عن محمد بن يعقوب الكليني – رحمة الله عليه – فقد رويته عن محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن موسى، ومحمد بن أحمد السناني – رضي الله عنهم – عن محمد بن يعقوب الكليني، وكذلك جميع كتاب ” الكافي ” فقد رويته عنهم عنه عن رجاله ” (2). أبو محمد، هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد الشيباني، التلعكبري ت 385 (3). قال النجاشي: ” كان وجها في أصحابنا، ثقة، معتمدا، لا يطعن عليه، له كتب، منها: كتاب ” الجوامع في علوم الدين “، كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر والناس يقرأون عليه “. عنونه الشيخ الطوسي في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام، ثم قال: ” جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، روى جميع الاصول والمصنفات، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا ” (4). روى عنه الشيخ الطوسي في ” التهذيب ” الجزء الاول، باب حكم الحيض


(1) قال الصدوق في ذيل الحديث: ” قال مصنف هذا الكتاب – رحمه الله -: ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب، وما رويته إلا من طريقه، حدثني به غير واحد، منهم: محمد ابن محمد بن عصام الكليني – رضي الله عنه – عن محمد بن يعقوب “. (2) مشيخة الفقيه: ص 116. (3) الفهرست: ص 135، تنقيح المقال: 3 / 286. (4) رجال الطوسي: ص 516.

[201]

والاستحاضة، الحديث 482، والجزء السادس منه باب زيارة الاربعين الحديث 201. وروى عنه الشيخ المفيد وابن الغضائري، كما في ” مشيخة التهذيب ” في طريقه إلى إبراهيم بن إسحاق الاحمري. كما روى عنه ابن الغضائري في طريقه إلى محمد بن يعقوب الكليني كما في ” مشيخة التهذيب “، ” والاستبصار ” الجزء الاول باب وجوب الترتيب في الاعضاء الحديث 223. وأبو محمد هارون بن موسى أحد رواة ” الكافي “، روى عن الكليني كتاب ” الكافي ” الجزء 6، كتاب الصيد باب صيد الكلب والفهد، الحديث الاول (1). أقوال العلماء فيه: * قال النجاشي: ” محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني – وكان خاله علان الكليني الرازي – شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم… ” (2). * وقال الشيخ الطوسي في ” الفهرست “: ” محمد بن يعقوب الكليني، يكنى أبا جعفر، ثقة، عارف بالاخبار… ” (3). * وقال في رجاله:


(1) فروع الكافي: 6 / 202. (2) رجال النجاشي: ص 377. (3) الفهرست: ص 135.

[202]

” يكنى أبا جعفر الاعور، جليل القدر، عالم بالاخبار، وله مصنفات… ” (1). * ” وقال الحافظ محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ت 588 ه‍: محمد بن يعقوب الكليني، أبو جعفر الاعور، عالم بالاخبار… ” (2). * وقال العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر 648 – 726 ه‍: ” ومحمد شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم… ” (3). * وقال الحسن بن علي بن داود: “… أبو جعفر الكليني، بالياء المثناة تحت والنون لم (جش، جخ، ست)، شيخ من أصحابنا في وقته ووجههم، كان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم… ” (4). عبارة ابن داود كأنما نقلها من العلامة الحلي. * وقال السيد رضي الدين بن طاووس: “… الشيخ المتفق على ثقته وأما منته محمد بن يعقوب الكليني… ” (5). * وفي ” فرج المهموم ” قال: “… محمد بن يعقوب أبلغ فيما يرويه، وأصدق في الدراية… ” (6). * قال الشيخ الجليل حسين والد الشيخ البهائي قدس سره في كتابه ” وصول الاخبار “: ” أما كتاب ” الكافي ” فهو للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، شيخ


(1) رجال الطوسي: ص 495. (2) معالم العلماء: ص 99. (3) الخلاصة: القسم الاول، ص 145. (4) رجال ابن داود: ص 178. (5) كشف المحجه: ص 158. (6) فرج المهموم: ص 9.

[203]

عصره في وقته، ووجه العلماء والنبلاء، كان أوثق الناس في الحديث، وأنقدهم له وأعرفهم به، صنف ” الكافي ” وهذبه، ويؤيد في عشرين سنة، وهو يشتمل على ثلاثين كتابا، يحتوي على ما لا يحتوي عليه غيره… ” (1). * وقال الشهيد شمس الدين محمد بن مكي قدس سره في إجازته للشيخ الفقيه علي ابن أبي محمد الحسن زين الدين، الخازن بالحائر الشريف: “… وبه – أي بهذا الاسناد – مصنفات صاحب كتاب ” الكافي ” في الحديث الذي لم يعمل للامامية مثله، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني بتشديد اللام – عن ابن قولويه عنه -، وبهذا الاسناد جميع مرويات الكليني عن الائمة بواسطة من روى عنه… ” (2). * وقال المولى محمد امين الاستربادي في فوائده المدنية: ” وقد سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه، والثناء على الكتاب يدلل على علو قدر مصنفه، ومنزلته العلمية.. “. * وقال الشيخ علي بن هلال الجزائري في إجازته للشيخ علي بن عبدالعالي الكركي: “… الشيخ الامام الاعظم، الشيخ العالم الحافظ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (3). * وقال الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي في إجازته للشيخ علي الميسي: “… الشيخ الامام المحدث الرحلة، جامع أحاديث أهل البيت عليهم السلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب ” الكافي “، وهو الجامع الكبير لاحاديث أئمة


(1) وصول الاخبار لوالد البهائي:، مستدرك الوسائل: 3 / 532. (2) البحار: 107 / 190. (3) البحار: 108 / 33.

[204]

الهدى ومصابيح الدجى صلوات الله عليهم أجمعين… ” (1). * وقال الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي في سنة 941 ه‍: “… الشيخ الامام، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (2). * وقال الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي في إجازته للسيد علي بن الصائغ في سنة 958 ه‍: “… الشيخ السعيد، الجليل، رئيس المذهب، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني عن رجاله المتضمنة لكتابه ” الكافي “، الذي لا يوجد في الدنيا مثله، جمعا للاحاديث، وتهذيبا للابواب وترتيبا، صنفه في عشرين سنة، شكر الله تعالى سعيه، وأجزل أجره، عن رجاله المودعة بكتابه، وأسانيدة المثبتة فيه… ” (3). * وقال الشيخ أحمد بن نعمة الله بن أحمد بن خاتون العاملي في إجازته للمولى عبد الله بن حسين الشوشتري في 988 ه‍: “… الشيخ الاجل الاوحد محمد بن يعقوب الكليني… ” (4). وقال الشيخ جمال الدين حسن بن الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة المعروفة للسيد نجم الدين بن السيد محمد الحسيني: “… ” الكافي ” للامام الجليل أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني – رضي الله عنه -… ” (5).


(1) البحار: 108 / 47. (2) البحار: 108 / 159. (3) البحار: 108 / 141. (4) البحار: 109 / 91. (5) البحار: 109 / 7. (*)

[205]

* وقال الشيخ محمد بن أحمد بن نعمة الله بن خاتون العاملي في إجازته للسيد ابراهيم بن السيد حسين الهمداني في سنة 1008 ه‍: “… والامام العمدة، الحافظ، الرحله، الناقد، الجهبذ، محمد بن يعقوب الكليني… ” (1). * وقال الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في إجازته للمولى صفي الدين محمد القمي في سنة 1015 ه‍: “… ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني… ” (2). * وقال محمد تقي المجلسي الاول: ” والحق أنه لم يكن مثله فيما رأيناه في علمائنا، وكل من يتدبر في أخباره، وترتيب كتابه، يعرف أنه كان مؤيدا من عند الله تبارك وتعالى، جزاه الله عن الاسلام والمسلمين أفضل جزاء المحسنين… ” (3). * وقال الميرزا عبد الله أفندي في ” رياض العلماء “: ” ثقة الاسلام هو في الاغلب يراد منه أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، صاحب ” الكافي ” وغيره، الشيخ الاقدم، المسلم بين العامة والخاصة، والمفتي لكلا الفريقين… ” (4). * وقال السيد مرتضى الزبيدي في ” تاج العروس “: “… من فقهاء الشيعة و رؤساء فضلائهم أيام المقتدر… ” (5).


(1) البحار: 109 / 104. (2) البحار: 109 / 147. (3) شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه (روضة المتقين) 14 / 260. (4) رياض العلماء: ص 226. (5) تاج العروس: 9 / 322.

[206]

* قال المحقق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى: ” ومنها جميع مصنفات ومرويات الشيخ الامام السعيد، الحافظ، المحدث، الثقة، جامع أحاديث أهل البيت عليهم الصلاة والسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، صاحب الكتاب الكبير في الحديث، المسمى بالكافي الذي لم يعمل مثله، بالاسناد المتقدم إلى الشيخ الامام أبي جعفر محمد بن قولويه بحق روايته عنه، قدس الله سرهما، ورفع قدرهما، وقد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية، والاسرار الربانية ما لا يوجد في غيره، وهذا الشيخ يروي عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام، ورجالهم، ومحدثيهم، مثل علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ” (1). * وفي إجازة المحقق الكركي للشيخ أحمد بن أبي جامع: ” وأعظم الاشياخ في تلك الطبقة – يعني المتقدمة على الصدوق – الشيخ الاجل، جامع أحاديث أهل البيت عليهم السلام، صاحب كتاب ” الكافي ” في الحديث الذي لم يعلم في الاصحاب مثله “. ونقل عناية الله القهبائي في رجاله نصوص ترجمة الكليني، من رجال الشيخ الطوسي وفهرسته ورجال النجاشي، فهي كما تقدمت (2). * قال الشيخ الجليل محمد العاملي في إجازته للسيد ظهير الدين إبراهيم بن الحسين الهمداني: “… ثم لا يخفى مشاهير علمائنا، المنتفع بمصنفاتهم، والطرق إليها، واستخراج شعبها بعد الوقوف على ما تشعب عنه… والامام العمدة، الحافظ، الرحالة، الناقد، الجهبذ (3)، محمد بن يعقوب الكليني… ” (4).


(1) البحار: 108 / 75 – 76. (2) راجع مجمع الرجال: 6 / 73 – 75. (3) الجهبذ: العارف والخبير بتمييز الجيد من الردئ. (4) البحار: 109 / 104.

[207]

* قال الفاضل الشيخ حسن الدمستاني في كتابه ” الانتخاب الجيد من تنبيهات السيد ” في باب الكفارة عن خطأ المحرم: “… ولم يكن لاحد أن يسئ الادب في حق أساطين المذهب، سيما ثقة الاسلام، وواحد الاعلام، خصوصا في الحديث، فإنه جهينة الاخبار، وسابق هذا المضمار، الذي لا يشق له غبار، ولا يعثر له على عثار.. ” (1). * وقال المحدث النيسابوري: “.. ومنهم: ثقة الاسلام، قدوة الاعلام، والبدر التام، جامع السنن والآثار، في حضور سفراء الامام، عليه أفضل السلام، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة… ” (2). * وقال السيد ماجد بن السيد هاشم البحراني في إجازته للسيد مير فضل الله بن السيد محب الدين دستغيب الحسيني في سنة 1023 ه‍: “… خصوصا كتاب ” الكافي ” لثقة الاسلام، وعيبة أسرار العترة الهادية عليها السلام، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (3). * وقال الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته للشيخ شمس الدين بن تركي: “… الشيخ التقي الحافظ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (4). * وقال الشيخ إبراهيم القطيفي أيضا في إجازته للشيخ شمس الدين بن محمد الاستربادي:


(1) انتخاب الجيد من تنبيهات السيد: ورقة 135 باب الكفارة عن خطأ المحرم، المستدرك: 3 / 530. (2) روضات الجنات: ص 553، نقلا من كتاب ” منية المرتاد في ذكر نفاة الاجتهاد “. (3) البحار: 110 / 18. (4) البحار: 108 / 96.

[208]

“… عن المفيد عن محمد بن يعقوب الكليني، فهذا إلى أجلاء فقهائنا وطرقهم أشهر من أن يذكر إلى الائمة… ” (1). * وقال المحقق الكركي في إجازته للمولى عبدالعلى الاستربادي: “… الشيخ الامام، المحدث، الثقة، الحافظ، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ” (2). * وقال الامير السيد أحمد العاملي صهر السيد محمد باقر الداماد وتلميذه، وتلميذ الشيخ بهاء الدين العاملي، قال في روايته للكتب الاربعة: (… واو را برئيس المحدثين محمد بن يعقوب الكليني… ” (3). * وقال المولى حسن علي بن المولى عبد الله الشوشتري في إجازته للعلامة محمد تقي المجلسي – الاول – سنة 1034 ه‍: “… الشيخ الامام، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (4). * قال الامير شرف الدين علي الشولستاني النجفي في إجازته للعلامة محمد تقي المجلسي – الاول – والد الشيخ محمد باقر في سنة 1036 ه‍: “… الشيخ الاوحد، الاكمل، رئيس المحدثين، محمد بن يعقوب الكليني، قدس الله روحه… ” (5). * وقال صدر المتألهين محمد بن إبراهيم الشيرازي، المعروف بملا صدرا في شرحه لاصول الكافي:


(1) البحار: 108 / 115. (2) البحار: 108 / 67. (3) البحار: 109 / 159. (4) البحار: 110 / 40. (5) البحار: 110 / 36.

[209]

“… الشيخ الجليل، ثقة الاسلام، سند المحدثين، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (1). * وقال الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي: “… الشيخ الجليل، ثقة الاسلام، محمد بن يعقوب الكليني، رضي الله عنه ” (2). * وقال العلامة محمد تقي المجلسي في إجازته للميرزا إبراهيم بن محمد اليزدي في سنة 1063 ه‍: “… الشيخ الاجل، الاعظم، ثقة الاسلام، المعظم بين الخاص والعام، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي… ” (3). * قال العلامة آقا حسين بن جمال الدين محمد الخونساري في إجازته للامير ذي الفقار أحد تلامذته في سنة 1064 ه‍: “… الشيخ الاجل، الاعظم، الاكمل، الافخم، الاكرم، ثقة الاسلام والمسلمين، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (4). * وقال المجلسي الاول محمد تقي في إجازته للمولى محمد صادق الكرباسي الاصفهاني في سنة 1068 ه‍: “… الشيخ الاعظم، الاوحد، ثقة الاسلام، محمد بن يعقوب الكليني… ” (5). * قال الشيخ علي بن محمد بن الحسن زين الدين العاملي في إجازته للمولى العلامة محمد باقر المجلسي في سنة 1068 ه‍:


(1) شرح اصول الكافي: 1 / 215، بتحقيق وتصحيح محمد خواجوي. (2) وسائل الشيعة: 20 / 36. (3) البحار: 110 / 70. (4) البحار: 110 / 90. (5) البحار: 110 / 82.

[210]

“… الشيخ الامام، الجليل، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، قدس الله روحه ” (1). * قال العلامة المجلسي في أول ” مرآة العقول “: ” وابتدأت بكتابه ” الكافي ” للشيخ الصدوق، ثقة الاسلام، مقبول طوائف الانام، ممدوح الخاص والعام، محمد بن يعقوب الكليني، حشره الله مع الائمة الكرام، لانه كان أضبط الاصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها… ” (2). * قال المحدث النوري: ” ونظائر هذه الكلمات كثيرة في مؤلفات الاصحاب، وظاهر أن هذه المدايح لا ترجع إلى كبر الكتاب وكثرة أحاديثه، فإن مثله وأكبر منه ممن تقدم منه أو تأخر عنه كان كثيرا متداولا بينهم، كالمحاسن، ونوادر الحكمة، وغيرها، وإنما هي لاتقانه، وضبطه، وتثبته… ” (3). * وقال السيد محمد باقر الخوانساري: “… هو في الحقيقة أمين الاسلام، وفي الطريقة دليل الاعلام، وفي الشريعة جليل الاقدام، ليس في وثاقته لاحد كلام، ولا في مكانته عند أئمة الانام… ” (4). * قال المولى أبو القاسم الجرفادقاني في إجازته للمولى الشيخ مهر علي الجرفادقاني الگلپايگاني:


(1) البحار: 110 / 133. (2) مرآة العقول: 1 / 3، وأطرى عليه أيضا في إجازته الشيخ محمد فاضل المشهدي. انظر البحار: 110 / 152. (3) مستدرك الوسائل: 3 / 532. (5) روضات الجنات: ص 552.

[211]

“… أعني ثقة الاسلام، وكهف الانام، المجدد لمنهاج أئمة الهدى في رأس المائة الثالثة بعد الامام علي بن موسى الرضا عليه التحية والسلام، الشيخ الاقدم أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي الكليني… ” (1). * وقال الشيخ أسد الله الشوشتري في ” مقابس الانوار “: “… ثقة الاسلام، وقدوة الانام، وعلم الاعلام، المقدم المعظم عند الخاص والعام، الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (2). * وقال الشيخ عباس القمي في الكنى: “… هو الشيخ الاجل، قدوة الانام، وملاذ المحدثين العظام، ومروج المذهب في غيبة الامام، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، الملقب بثقة الاسلام.. ” (3). * قال العلامة بحر العلوم في رجاله: ” ثقة الاسلام، وشيخ المشايخ الاعلام، ومروج المذهب في غيبة الامام عليه السلام ذكره أصحابنا والمخالفون، واتفقوا على فضله، وعظم منزلته… ” (5). * وقال السيد أحمد الحسيني في الارجوزة المختصرة: كذا الصدوق ثقة الاسلام * وقدوة الاماثل الاعلام نور المهيمن الذي لا يخبو * وصارم العلم الذي لا ينبو العالم العلامة السامي المحل * أعني الكليني بن يعقو ب الاجل وقال:


(1) البحار: 110 / 100. (2) مقابس الانوار: ص 6. (3) الكنى والالقاب: 3 / 98. (4) رجال السيد بحر العلوم (الفوائد الرجالية) 3 / 325.

[212]

والشيخ والصدوق والكليني * وكلهم عدل بغير مين وقال: واسم الكليني محمد الابر * سليل يعقوب المعظم الحظر (1) * قال ابن الاثير في كتاب ” جامع الاصول “: ” أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الامام على مذهب أهل البيت عليهم السلام، عالم في مذهبه، كبير، فاضل عندهم، مشهور. وعده في حرف النون من كتاب النبوة من المجددين لمذهب الامامية على رأس المائة الثالثة (2). وكذا الفاضل الطيبي في شرح المشكاة، وهذا إشارة إلى الحديث المشهور المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” إن الله يبعث لهذه الامة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” (3). * قال المحدث النوري: ” وما ذكره ابن الاثير من أهل الخلاف من أن الكليني هو المجدد لمذهب الامامية في المائة الثالثة من الحق الذي أظهره الله على لسانهم، وأنطقهم به، ومن نظر إلى كتاب ” الكافي ” الذي صنفه هذا الامام – طاب ثراه – وتدبر فيه تبين له صدق ذلك ” (4). * قال ابن حجر في ” التبصير ” (5):


(1) الارجوزة المختصرة: الورقة 76 ب و 89 م و 109 ب. (2) روضات الجنات: ص 551، ولؤلؤة البحرين: ص 237، والوجيزة للشيخ البهائي: ص 25 نقلا عن جامع الاصول، ومنتهى المقال: ص 298. (3) انظر روضات الجنات: ص 551. (4) مستدرك الوسائل: 3 / 527، عن جامع الاصول لابن الاثير. (5) روضات الجنات – نقلا من التبصير -: ص 551.

[213]

” الكليني – بالضم واحالة اللام ثم ياء ساكنة ثم نون – أبو جعفر محمد ابن يعقوب الكليني، من رؤساء فضلاء الشيعة في أيام المقتدر، وهو منسوب إلى كلين من قرى العراق… ” (1). * وقال ابن حجر في ” لسان الميزان “: “… وكان من فقهاء الشيعة، والمصنفين على مذهبهم… ” (2). * وقال الفيروز آبادي في ” القاموس “: ” محمد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة… ” (3). * وقال القاضي التستري في ” مجالس المؤمنين “: “… رئيس المحدثين، الشيخ الحافظ… ” (4). * وقال المولى خليل القزويني: ” اعترف المؤالف والمخالف بفضله، قال أصحابنا: وكان أوثق الناس في الحديث، وأغورهم في العلوم… ” (5). * قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله: ” محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني، خال علان الكليني الرازي، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث، وأثبتهم، صنف كتاب ” الكافي ” في عشرين سنة ” (6) “.


(1) قوله: ” وهو منسوب إلى كلين من قرى العراق “، هذا وهم، وقد أثبتنا أن ” كلين ” من قرى بشاويه، إحدى ولايات بلاد الري قديما. (2) لسان الميزان: 5 / 433. (3) القاموس المحيط: 4 / 265. (4) مجالس المؤمنين: ص 194. (5) الشافي: ورقة 2 ب. (6) اتقان المقال في أحوال الرجال لمحمد طه نجف 1241 – 1323 ه‍: القسم الاول من الثقات

[214]

مؤلفاته: 1 – كتاب ” تعبير الرؤيا ” (1). 2 – كتاب ” الرجال ” (2).


ص 134، م العلوية – النجف – 1340 ه‍. (1) رجال النجاشي: ص 377، وفي الفهرست: تفسير الرؤيا ص 135، معالم: ص 99، هدية العارفين: 6 / 35، منهج المقال: 3 / 223، الذريعة: 4 / 208. وقال النجاشي في ترجمة أحمد بن أصفهبد (أبو العباس القمي) الضرير المفسر: لا يعرف له إلا كتاب ” تعبير الرؤيا “، وقال قوم: إنه لابي جعفر الكليني وليس هو له. رجال النجاشي: ص 97. أقول: لقد صنف أكثر من واحد من علمائنا القدامى في الرؤيا وسموه: ” تعبير الرؤيا “، وأن العناوين ليست حكرا لواحد دون آخر، فعنوان: الرسائل، والدروس، والمحاضرات، وتفسير القرآن، وتاريخ الادب العربي، وعقائد الامامية، والنقد الادبي… الخ كلها عناوين مشتركة لعدة من المصنفين. فكم من مؤلف كتب تحت العنوان الواحد من العناوين المتقدمة وغيرها، ومن تصفح كتب المعاجم والفهارس لا طلع كثيرا، ويكفينا كتاب ” الذريعة ” الذي يسرد أحيانا لعنوان واحد من التصانيف عشرات المصنفين. فالذي رآه النجاشي كان لاحمد بن أصفهبد القمي ولا نقاش في ذلك، وهذا لا يعني أن ننفي كتاب ” تعبير الرؤيا ” المنسوب للكليني. بمعنى آخر: لا ينافي ان يصنف الشيخ الكليني كتابا تحت عنوان ” تعبير الرؤيا ” كما صنف فيه ابن أصفهبد وغيره، ونحن نذكر آخرين أيضا صنفوا بهذا الموضوع، وتحت هذا العنوان، منهم: إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي المتوفى 283 ه‍، أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي المتوفى 280 ه‍، إسماعيل بن الامام موسى الكاظم عليه السلام، الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا المتوفى 427 ه‍، أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد الجلودي المتوفى 332 ه‍، وآخرون غيرهم. انظر الذريعة: 4 / 206 – 208. (2) رجال النجاشي: ص 377، الذريعة: 10 / 141، هدية العارفين: 6 / 35، منهج المقال: 3 / 223 مخطوط.

[215]

3 – كتاب ” الرد على القرامطة ” (1). 4 – كتاب ” رسائل الائمة عليهم السلام ” (2).


(1) رجال النجاشي: ص 377، هدية العارفين: 6 / 235، معالم العلماء: ص 99، الذريعة: 10 / 218، منهج المقال: 35 / 223 مخطوط، الفهرست: ص 135. قال المحدث النوري: “… ينقل عنه السيد رضي الدين بن طاووس في ” كشف المحجة “، و ” فلاح السائل “، و ” فتح الابواب “، ولم نعثر على من نقل عنه بعده، فكأنه ضاع من قل الهمم، وانقلاب الامم “. المستدرك: 3 / 527. (2) إليك ما نقله السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني المتوفى 664 ه‍ في كتابه ” كشف المحجة لثمرة المهجة ” فيقول: ” قد روى الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد ابن يعقوب الكليني – تغمده الله جل جلاله برحمته – رسالة مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى جدك الحسن ولده سلام الله جل جلاله عليهما، وروى رسالة اخرى مختصرة عن خط علي عليه السلام إلى ولده محمد بن الحنفية – رضوان الله جل جلاله عليه – وذكر الرسالتين في كتاب ” الرسائل “، ووجدنا في نسخة قديمة يوشك أن يكون كتابتها في زمان حياة محمد بن يعقوب – رحمة الله عليه – وهذا الشيخ محمد بن يعقوب كان حياته في زمن وكلاء المهدي عليه السلام… ” ثم يقول: ” ورأيت يا ولدي بين رواية الحسن بن عبد الله العسكري مصنف كتاب ” الزواجر والموعظ ” الذي قدمناه وبين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين علي عليه السلام الى ولده تفاوتا، فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني، فهو أجمل وأفضل فيما قصدناه “. كشف المحجة: ص 158 – 159. أما سند هذه الرسائل، فالشيخ الكليني يذكرها بإسناده إلى أبي جعفر بن عنبة، عن عباد بن زياد الاسدي، عن عمر بن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام. وهناك رسالة ثانية من أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام، ذكر ابن طاووس عن كتاب محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بإسناده، وهذه الرسالة ذكرها الامام أمير المؤمنين عليه السلام بعد منصرفه من النهروان، وأمر أن تقرأ على الناس جوابا لبعض من سأله عن أبي بكر وعمر وعثمان، والرسالة الاولى كانت بعد منصرفه من الصفين. كشف المحجة: ص 173 م الحيدرية 1950. وقد نقل العلامة الفيض الكاشاني، محمد بن المحسن بن المرتضى رسالة أمير المؤمنين عليه السلام

[216]

5 – كتاب ” الروضة “، أفرده ابن شهر آشوب، وجعله كتابا مستقلا عن ” الكافي “، وسيأتي تفصيل عنه إن شاء الله (1). 6 – كتاب الكليني ويسمى ” الكافي ” (2). 7 – كتاب ” ما قيل في الائمة عليهم السلام (3) من الشعر “.


لابنه الحسن عليه السلام بعد منصرفه من صفين، وهو ينقلها من كتاب ” الرسائل ” للكليني بنفس الاسناد المتقدم الذي ذكره ابن طاووس. انظر معادن الحكمة: 1 / 188 مؤسسة النشر الاسلامي قم 1407 ه‍. وهذا يبدو أن الكتاب كان في زمن الفيض الكاشاني فنقل منه، ولا يستبعد أنه موجود في زوايا بعض المكتبات في العالم، والله أعلم. وذكر ابن طاووس في كتابه ” الله وف في قتلى الطفوف ” رسالة الامام الحسين عليه السلام الى بني هاشم قبل خروجه إلى العراق، ينقلها من كتاب الرسائل للكليني قال: ” وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب ” الرسائل “، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية عنه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا حمزة، إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا… الخ “. الله وف في قتلى الطفوف: ص 27، مكتبة الداوري – قم. (1) رياض العلماء للميرزا عبد الله أفندي الاصفهاني: 5 / 200، م الخيام 1401 ه‍. يبدو من صاحب ” معالم العلماء ” و ” رياض العلماء ” كتاب مستقل، إلا أنه تكملة لكتاب ” الكافي ” الآتي، ونحن أفردناه لكن بدون ترقيم مستقل حتى نرفع الاشتباه والشك الذي وقع فيه المولى خليل القزويني عند ما تعرض في شرحه ” الصافي ” على ” الكافي “، حيث أن القزويني ذهب الى قول الشهيد – قدس سره – لما شك في انتساب الروضة إلى الشيخ الكليني. ويوجد رد على القزويني والشهيد في فهرس مكتبة جامعة طهران 3 / 1459 – 1483. كما أن للشيخ آغا بزرگ الطهراني رسالة مستقلة في شأن الكافي والكليني. الذريعة 11 / 302. (2) رجال النجاشي: ص 377، الفهرست: ص 135، هدية العارفين: 6 / 35، الذريعة: 17 / 245، منهج المقال: 3 / 223 مخطوط. (3) رجال النجاشي: ص 377، هدية العارفين: 3 / 35، الذريعة: 19 / 23، منهج المقال: 3 / 223 مخطوط.

[217]

8 – ” الدواجن والرواجن ” (1). 9 – ” الزي والتجمل ” (2). 10 – ” الوسائل ” (3). وفاته وقبره: قال النجاشي: ” ومات أبو جعفر الكليني رحمه الله ببغداد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، سنة تناثر النجوم، وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة، وقال لنا أحمد بن عبدون: كنت أعرف قبره وقد درس رحمه الله ” (4). قال السيد الاجل: ” ثم جدد – القبر -، وهو إلى الان مزار معروف بباب الجسر، وهو باب الكوفة، وعليه قبة عظيمة، قيل: إن بعض ولاة بغداد رأى بناء القبر فسأل عنه، فقيل: إنه لبعض علماء الشيعة، فأمر بهدمه، وحفر القبر، فرأى فيه جسدا بكفنه لم يتغير ومعه آخر صغير كأنه ولده بكفنه أيضا، فأمر بابقائه وبنى عليه قبة، وقيل: إنه لما رأى إقبال الناس على زيارة الكاظم عليه السلام حمله النصب على حفر القبر، وقال: إن كان كما يزعمون من فضله فهو موجود في قبره، وإلا منعنا الناس عنه، فقيل له: إن هاهنا رجلا من علماء الشيعة المشهورين ومن أقطابهم، اسمه محمد ابن يعقوب الكليني، وهو أعور، فيكفيك الاعتبار بقبره، فأمر به، فوجده


(1) معالم العلماء: ص 99. (2) معالم العلماء: ص 99. (3) معالم العلماء: ص 99. أقول: لا يخفى أن كتاب ” الدواجن والرواجن ” وكتاب ” الزي والتجمل ” هي أجزاء من كتاب ” الكافي “، وفي النسخة المطبوعة تجدها في آخر الجزء السادس، غير أن ابن شهر آشوب جعلهما كتابين مستقلين، لهذا وضعناهما في المتن لكن المعول عليه ما ذكره النجاشي والطوسي، كما أن النسخة المطبوعة موافقة لهما. (4) رجال النجاشي: ص 377.

[218]

بهيئته كأنه قد دفن تلك الساعة، فأمر بتعظيمه، وبنى قبة عظيمة عليها، فصار مزاره مشهورا “. (1). والقبر الشريف في شرقي بغداد، في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، تزوره العامة والخاصة (2). وضبط السيد تاريخ الوفاة في سنة ثمان وعشرين، ومثله في الفهرست. مستدرك الوسائل: 3 / 527. وقال الشيخ الطوسي في ” الفهرست “: ” وتوفي محمد بن يعقوب سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببغداد، ودفن بباب الكوفة في مقبرتها. قال ابن عبدون: رأيت قبره في هراة الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه ” (3). وقال في رجاله الذي ألفه بعد ” الفهرست “: ” مات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في شعبان في بغداد، ودفن بباب الكوفة.. ” (4). أقول: إن سنة تناثر النجوم سنة مشهورة عند المؤرخين، وهي في عام 329 ه‍. ثم إن الذي صلى عليه هو محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن، ينتهي نسبه الى الامام أمير المؤمنين عليه السلام، يكنى أبا الحسن، ومعروف بأبي قيراط، ويبدو الرجل على مكانة عالية من الجلالة والشرف، لذا لم يتقدم غيره للصلاة على جسد الشيخ قدس سره مع وجود كبار المشايخ والعلماء في وقته، ترجم له الشيخ الطوسي في


(1) لؤلؤة البحرين ليوسف البحراني، نقلا عن السيد هاشم البحراني في كتابه روضة العارفين. (2) مستدرك الوسائل: 3 / 527. (3) الفهرست: ص 136. أقول: ما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست يوافق ابن الاثير في تاريخه: 8 / 364. (4) رجال الطوسي: 496.

[219]

رجاله، وعده ممن لم يرو عنهم عليهم السلام (1). قال السيد ابن طاووس في ” كشف المحجة ” في بيان مقام اعتبار الوصية المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام، وقد أخرجها من كتاب ” رسائل الائمة عليهم السلام ” لابي جعفر الكليني ما لفظه: ” وهذا الشيخ محمد بن يعقوب كان حياته في زمن وكلاء مولانا المهدي صلوات الله عليه، عثمان بن سعيد العمري، وولده أبي جعفر محمد، وأبي القاسم الحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري رحمهم الله، وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السمري رضى الله عنه، لان علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وهذا محمد بن يعقوب الكليني توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين في وقت يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته، وتصديق مصنفاته ” (2). وقال العلامة الحسن بن علي بن داود: توفي ببغداد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ورمز له (جخ)، أي في رجال الشيخ الطوسي، ثم قال: ” سنة تسع وعشرين، ورمز له (جش) ” (3)، أي في رجال النجاشي. أقول: ما ذكره ابن داود نقلا عن رجال الشيخ وهم فيه، حيث أن الشيخ الطوسي في رجاله قال: توفي سنة 329 ه‍. نعم، في ” الفهرست ” قال: توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. لقد اتفق كل من النجاشي والشيخ الطوسي وآخرين على أن الشيخ دفن بباب الكوفة، لكن لم يكونا يعرفان قبر ه، على أنهما كانا من علماء بغداد وساكنيها


(1) رجال الطوسي: ص 500. (2) كشف المحجة لابن طاووس: ص 220، والمستدرك: 3 / 532. (3) رجال ابن داود: ص 187.

[220]

ويحتمل أنه درس، لكن أحمد بن عبدون المتولد في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة قد حكى لهما أنه رآه، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه، كما تقدم ذلك في ” الفهرست “. ويبدو ظهور قبره بعد زمان الطوسي، بأن في زمن الشيخ توالت فتن عديدة على بغداد، ذهب ضحيتها جماعة كبيرة من علماء الشيعة، كما احرقت دور ومكتبات ودكاكين، وفي أحد الفتنة، أي عام 448 ه‍ هرب فيها الشيخ الطوسي إلى النجف على أثر الفتن الكبرى التي عمت بغداد، وعلى هذا فالقبر الذي ذكروه أنه بباب الكوفة هو أحد محلات بغداد القديمة. وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن لبغداد الغربية أربع أبواب جعلها المنصور لما بنى المدينة، فالابواب هي: 1 – باب الكوفة، وهذه ترد منها قوافل الكوفة والحجاز. 2 – وباب البصرة، وهذه ترد منها قوافلها. 3 – وباب الشام، وهذه ترد منها قوافل الشام وما جاورها. 4 – وباب خراسان، وهذه ترد منها قوافل خراسان وبلاد فارس. وبهذه الابواب كانت تسمى محلاتها. فليس غريبا لو قلنا: إن الاضطرابات السياسية وظهور الفتن جعلت قبر الشيخ يندرس، لكن لفترة من الزمن ثم ظهر بعد حين، وهذا لا إشكال فيه أنه كرامة للكليني قدس سره، وقبره اليوم معروف، ويزوره العامة والخاصة، أما تاريخ ظهور القبر فلم يزل مجهولا.


[221]

الفصل الثالث الحالة السياسية في عصر الكليني أدرك الشيخ الكليني من خلفاء العباسيين: المعتمد 256 – 279 ه‍ المتعضد 279 – 289 ه‍ المكتفي 289 – 295 ه‍ المقتدر 295 – 320 ه‍ القاهر 320 – 322 ه‍ الراضي 322 – 329 ه‍ فلابد من الحديث عما جرى في الدولة العباسية من تطورات سياسية ولو بإيجاز منذ عام 256 ه‍ وحتى عام 329 ه‍ والتي عاصرها الكليني قدس سره.


[223]

الترف وجباية الاموال للخلفاء لقد استأثر الخلفاء العباسيون بالاموال والاراضي والخراج، بحيث امتلات خزائنهم بالذهب والفضة، وما يجبيه العمال من شرق البلاد وغربها، حتى أن الاموال كانت تقيم بالوزن لا بالعدد (1). ولو أردنا جرد خزائن الخلفاء العباسيين وما كان بأيديهم من ممتلكات، وأراض زراعية، وقصور، وخدم، و…،…، ليطول بنا المقام، ولكن نذكر نماذج: منها: ما يذكره محمد بن أحمد بن عبد الحميد الكاتب في أخبار خلفاء بني العباس الى مقدار الجباية زمن الرشيد فيقول: ” من العين 50 مليون دينار ذهب، وقيمة الدينار آنذاك 22 درهما، أي ما يساوي 000 / 532 / 125 درهما حسب تقدير المؤلف، أما الورق فقد بلغ ما قيمته 000 / 807 / 404، فالمجموع يكون:


(1) العالم الاسلامي في العصر العباسي لحسن أحمد محمود وأحمد ابراهيم الشريف: ص 210. ط 1 مطبعة المدني – مصر.

[224]

000 / 320 / 530 درهما، وهي جملة موارد الرشيد الخاصة من الخراج ” (1) أما في زمن المأمون وما كان يجبى له فقد بلغ من الخراج 000 / 855 / 390 درهما، وفي زمن المعتصم بلغ الخراج الذي يجبى له فقط 350 / 291 / 388، وفي عهد الواثق بلغ الخراج الذي يجبى له 340 / 265 / 299 درهما (2). وليس الامر في ابتزاز الاموال ليقف عند أخذ الخراج، بل كان الخلفاء فوق هذا كله يملكون موارد ضخمة ومهمة، إذ ملكوا مساحات من الاراضي الزراعية سميت بالضياع السلطانية، كما استولوا على أراض واسعة من طريق نظام الالجاء والمصادرة. فقد صادر الرشيد أموال البرامكة، والتي بلغ قيمتها 000 / 676 / 30 درهما، كما صادر الرشيد أموال علي بن عيسى بن ماهان بعد عزله عن خراسان، وكان قيمة ما صادره منه (80) مليونا من الدراهم (3). كما صادر المعتصم أموال وزيره أبي العباس الفضل بن مروان، وهكذا اقتفى الواثق أثر من سبقه في سياسة المصادرة حتى نال عام 299 ه‍ أموالا طائلة من كبار عماله وكتابه. ولم يحدثنا التاريخ خلفاء أثروا كبني العباس، حيث أصبحوا أغنى الملوك في العالم الاسلامي في القرن الثاني والثالث الهجري. مظاهر الترف في الدولة العباسية: أما عطيات الخلفاء لذوي المناصب والمهام السياسية، ولبعض المقربين،


(1) المصدر السابق: ص 211. (2) النظم الاسلامية لحسن ابراهيم: ص 293. (3) تاريخ الطبري: 10 / 100 عصر الرشيد والبرامكة.

[225]

كالشعراء والمغنين والمغنيات فالحديث عنه ذو شجون، فقد بلغت من الكثرة حدا لا يمكن تصوره، بل الحق أن يرمى هؤلاء العباسيين بالاسراف الذي قد يبلغ حد الهوس (1). ولا نختلف في أن ذلك كله كان بهدف تحقيق بعض الاغراض السياسية، والاطماع الخاصة التي ينويها الحاكم العباسي. فالمأمون في سنة 213 ه‍ ولى أخاه المعتصم الشام، وابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم، ومنح لهما ولعبدالله بن طاهر مليونا ونصف المليون من الدنانير، وفي سنة 218 ه‍ منح المأمون لمحمد بن عباد بن المهلب ثلاثة ملايين درهم، وأعطى جنده وحاشيته في دمشق عشرين مليون درهم، وأعطى وزيره الحسن بن سهل عشرة ملايين درهم. وأعطى المعتصم للاخشيد قائده بعد ما هزم بابك الخرمي عشرين مليون درهم. وأعطى الواثق سنة 231 ه‍ وصيفا التركي الخادم 75 ألف درهم بعد ما قضى على ثورة الاكراد في الجزيرة. ثم ظهر الترف والاسراف واضحا في قصور الخلفاء العباسيين، كالذي بناه المنصور، وهو قصر الذهب الذي جلب إليه كل نفيس من الرخام، والفرش، والديباج، والاعمدة المرصعة بالذهب والفضة. وهكذا بنى الرشيد قصره على ضفاف دجلة، وبالغ في تجميله والبذل عليه. وهكذا المأمون، والواثق في سامراء بنى عدة قصور، منها القصر الهاروني. وقد حذا الامراء والورزاء حذو أسيادهم، فهذا عيسى بن علي بن عبد الله،


(1) العالم الاسلامي في العصر العباسي لحسن أحمد محمود: ص 214.

[226]

عم المنصور، بنى له قصرا عند مصب نهر الرفيل المتفرع من دجلة، وكان في غاية الحسن والجمال والدقة في الهندسة والسعة، بحيث دخله المنصور مع أربعة آلاف رجل فاتسع لهم القصر. أما البرامكة فواضح الترف والاسراف عندهم، حتى قيل: ان جعفرا البرمكي أنفق على بناء قصره عشرين مليون درهم. أما طعام أصحاب القصور من الخلفاء والامراء والوزراء والقواد فقد سجل لنا التاريخ صورة حية عن مظاهر البذخ والاسراف في قصور هؤلاء، ففي سيرة الرشيد قيل: ان الطهاة كانوا يطهون له ثلاثين لونا في اليوم، وكان ينفق على طعامه عشرة آلاف درهم في اليوم. وفي يوم زفاف الرشيد على زبيدة اقيمت له وليمة في قصره، بذل عليها (55) ألف درهم. أما المأمون فكان ينفق على طعامه يوميا ستة آلاف دينار (1). ثم سرى الترف الى الملبس والزينة والتجميل، وطغى هذا اللون من الترف على النساء، بالخصوص نساء وجواري الخلفاء ومواليهم. فزبيدة زوجة الرشيد تفننت في اتخاذ المناطق والنعال المرصعة بالجواهر، وكانت تسرف في شراء ملابسها وتزينها، حتى أنها اتخذت ثوبا من الوشي الرفيع، يزيد ثمنه على خمسين ألف دينار (2). من جراء هذا الترف والاسراف من قبل الطبقة الحاكمة والمتنفذة أن ظهرت الطبقية واضحة في المجتمع، وتمايزت الطبقة البرجوازية الارستقراطية عن باقي


(1) الفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا: ص 207، القاهرة 1923. (2) العالم الاسلامي في العصر العباسي: ص 225.

[227]

الطبقات الاجتماعية، حتى ان ظهر الفقر والبؤس والشقاء على وجوه عامة الناس، وارتفعت الاسعار، وشكا الناس من مظاهر الغلاء، لانه كان على حساب الفقراء، أما الاغنياء فهم المنعمون في كل آن. وبهذه المناسبة قال أبو العتاهية الشاعر، متذمرا: من مبلغ عني الاماما * نصائحا متوالية إني أرى الاسعار أسعار الر * عية غالية لقد صحب الغلاء تفشي الامراض الاجتماعية، والتسيب في الاخلاق، فكثرت البطالة في بغداد بين صفوف العامة، حتى ألجأهم الفقر والعوز ان يتجولوا في الاسواق بحثا عن لقمة العيش، عن طريق النهب والسلب والاعتداء، خصوصا جماعات من العيارين (العراة) الذين فشي أمرهم في بغداد، في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث، وكانوا يسيرون عراة الاجسام، وحتى قيل، ان الفقراء وذوي الحاجة قد ضاقت عليهم بغداد بما رحبت، ولم يستطيعوا العيش فيها (1). ثم انتشرت ظاهرة السكر والعربدة، ومعاقرة الخمور والمسكرات، وفتحت حانات عديدة في بغداد وباقي الامصار، فمن أبرز الحانات في بغداد ذلك الوقت: حانة طبزناباد، وحانة قطربل، وحانة الشط (2)، ناهيك عما يجري في قصور الخلفاء والامراء من لهو وفسق ومجون، فليالي هؤلاء متلبدة بالفحش والدنس. ثم برزت ظاهرة الغناء والمغنين، وكثرت الجواري، وتزايد عدد الغلمان في البلاط، حتى أن الشعراء تغزلوا بهذين العنصرين، وما أكثر شعرهم في ذلك.


(1) مسالك الابصار للعمري: 1 / 395. (2) المصدر السابق.

[228]

ومن مظاهر الفساد والابتذال الاجتماعي أيضا تعاطي القمار، وسباق الخيل، ثم تفشي ظاهرة الخنوثة والميوعة والفساد، وبالاخص في قصور الخلفاء والامراء والقضاة والمترفين من الناس ورجال الدولة. وهذه العوامل وتلك المظاهر السيئة أثرت في مجريات الحياة السياسية للدولة العباسية، بل كانت أحد الاسباب في تجزئة الدولة.


[229]

عصر الكليني والاحداث السياسية في الدولة العباسية عوامل كثيرة اجتمعت لتؤدي الى تجزئة الدولة العباسية، وانفصال الامصار عنها، وإقامة دويلات لطوائف متعددة، فمن تلك العوامل: الترف، والبذخ، وسوء الادارة، وضعف الخلفاء، وتدخل الخدم والنساء والجواري في شؤون الدولة، وتغير الوزارات، وانتشار الرشوة،…، لقد انفصلت السواحل الشمالية من أفريقيا عن الدولة العباسية، وخرجت من قبضة العباسيين منذ أن استقر ولاة الاغالبة سنة 184 ه‍ (800 م) في القيروان. وفي منتصف القرن الثالث الهجري استقلت مصر وسوريا بقيام الدولة الطولونية، التي تأسست سنة 354 ه‍، نسبة الى طولون، أبو أحمد مؤسسها، ثم قيام الدولة الاخشيدية بعد ما سقطت سابقتها الطولونية، نسبة إلى مؤسسها عمر الاخشيد، وفترة وجيزة استعادت السلطة السياسية نفوذها ثم كانت الدولة الاخشيدية.


[230]

ثم أخذت البلدان الواقعة غرب الفرات تعلن استقلالها عن الدولة العباسية، فتشكلت الدولة الطاهرية بعد ما استقل قائدها وأيدها المنصوب من قبل المأمون عام 204، وبعد الامارة الطاهرية قامت الامارة الصفارية، والسامانية، والغزنوية تباعا، تحكم ايران وبلاد فارس وما وراء النهر، على أنها كانت تعلن ولاءها واعترافها بالسلطة الروحية للحاكم العباسي. ثم في عصر الواثق والمتوكل ومن جاء بعدهم وقع العباسيون تحت نفوذ جماعة من رجال السياسية الموالي، وبالخصوص الاتراك الذين توصلوا الى نقاط حساسة في الدولة، وكانت لهم قيادة الجيش، وتدبير شؤون الخليفة والدولة، بل كان عزل ونصب القواد والامراء والولاة والقضاة بيد هؤلاء الاتراك، حتى أنهم أثاروا الفتن والفساد في الدولة، وقاموا بسلب الاموال، وهتك الاعراض، وإذلال الناس بمختلف طبقاتهم، بل أن الخلفاء العباسيين صاروا ألعوبة بأيديهم، كما أن البعض وقع فريسة لبنيه، كما حدث بالنسبة للخليفة المتوكل العباسي. لما ضعفت الادارة السياسية للحكام العباسيين، وبان عجزهم، وقلت همتهم، وقد وكلوا أمر البلاد والعباد الى بعض القواد والجند من الاتراك، ثم هجوم الروم المستمر على ثغور المسلمين من جهة البحر، كسوريا والسواحل الشمالية لافريقيا، وهكذا من جهة البر من منطقة جبال الاناضول والحدود المتاخمة لشمال سوريا والعراق… كل ذلك وأسباب أخرى شجعت بعض الامراء أن يستقلوا عن الخلافة العباسية، وهكذا بالنسبة للعلويين الذين يرون أنفسهم أحق من غيرهم بالخلافة. ففي أواخر القرن الثاني الهجري قامت دولة الادارسة في المغرب، وكان مؤسسها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الامام أمير المؤمنين عليه السلام،


[231]

واستمرت هذه الدولة قرنين من الزمان تحكم بلاد المغرب. ثم قامت دولة الاغالبة في تونس لما جاءها ابراهيم بن الاغلب التميمي واليا، واستمرت هذه الدولة أكثر من قرن، أي منذ سنة 184 – 292 ه‍، وقد توسع نفوذ الاغالبة في البحر المتوسط، حتى أنهم أخذوا يغيرون على السواحل – الجنوبية لاوروپا – الايطالية والفرنسية وسردينيا، كما أنهم فتحوا جزيرة صقلية ومالطة وما قارب مدينة روما، حتى أنهم أصبحوا مورد فزع وخوف لتلك المناطق التي كانت تدين بالمسيحية. ثم قامت دولة الرستمية في الجزائر، حكمت منذ 138 – 297 ه‍، وقد انقرضت هذه الدويلة باستيلاء الحاكم الفاطمي أبي محمد عبد الله المهدي عليها. وفي المغرب الاقصى استقل بنو مدرار عن العباسيين، وحكموا سجلماسة من سنة 155 – 297 ه‍، ثم انقرضت مملكتهم بدخول الحاكم الفاطمي أبي عبد الله المهدي فاتحا. ثم قيام الدولة الفاطمية شمال أفريقيا ومصر برئاسة أبي عبد الله المهدي سنة 297 ه‍، وهو المؤسس الحقيقي لها، وامتد نفوذ الحكم الفاطمي الى كل السواحل الشمالية لافريقيا، ثم استولوا على سوريا، ثم كانت المدينة ومكة تحت نفوذهم الى زوال ملكهم. ثم قامت الدولة الزيادية، وكان مؤسسها محمد من بني زياد سنة 204 ه‍، حيث أقام حكومته في مدينة زبيد بتهامة، وهو الوقت نفسه الذي استقر بنو طاهر بخراسان وقطعوا روابطهم مع الخليفة العباسي، واستمر حكم الزياديين قرنين من الزمان، أي من سنة 204 – 409 ه‍، واحتلوا خلال حكومتهم المناطق المجاورة لهم. وفي منتصف القرن الثالث الهجري أقام بنو يعفر دولتهم في صنعاء، إذ بدأت


[232]

دولتهم سنة 347 ه‍ وتلاشت في سنة 378 ه‍ من تلقاء نفسها. ثم أسس الهادي الى الحق، يحيى الرسي دولته في ” صعدة ” من أرض اليمن عام 280 ه‍، كان يحيى الرسي ينتهي نسبه الى الامام الحسن إبن الامام أمير المؤمنين عليهما السلام، وهو من كبار الزيدية، واستمر حكمهم الى سنة 700 ه‍، وبعدها تولى أمراء الزيدية شؤون البلاد وانفصلوا بالكامل عن الدولة العباسية منذ قيام دولة يحيى في اليمن. ثم قامت دولة الخوارج في عمان سنة 135 ه‍، وكان مؤسسها الاول جلندي ابن مسعود، واستمرت دولتهم الى اليوم. وفي عام 251 ه‍ أسس بنو الاخيضر العلويين دولتهم في مكة واليمامة، ومؤسسها الاول إسماعيل بن يوسف الاخيضر، ينتهي نسبه الى الامام الحسن عليه السلام، وكان خروج إسماعيل أيام الخليفة العباسي المستعين بالله، واستمر ملكهم الى سنة 305 ه‍، حيث استولى عليهم القرامطة، وامتد نفوذ هؤلاء الى الحجاز وما جاورها. ثم ظهرت الدولة الحمدانية في الموصل وحلب والشام من 317 – 394 ه‍. الاسرة الحمدانية تنتمي الى قبيلة تغلب العربية، من أبرز رجال هذه الاسرة حسين ابن حمدان الذي ولي أمر قم وكاشان، وكان حاكما عليهما حتى توفي سنة 306 ه‍. ولما كانت هناك علاقة ودية بين الخليفة العباسي وآل حمدان مما أقدم المكتفي بالله الى تعيين أبي الهيجاء على الموصل وتوابعها عام 293 ه‍، وفي سنة 307 ه‍ ولي ابراهيم بن حمدان ديار ربيعة، ثم وليها أخوه داود سنة 309 ه‍، وأبو العلاء ولي نهاوند. ولما توفي أبو الهيجاء عبد الله عام 317 ه‍ جاء مكانه ابنه الحسن، وهو المؤسس الحقيقي للدولة الحمدانية، ونال لقب ناصر الدولة من الخليفة العباسي،


[233]

وحكم الحسن كلا من الموصل، وديار ربيعة، وديار مضر. ومن أبناء أبي الهيجاء، علي والملقب بسيف الدولة الحمداني الذي أسس إمارته في حلب وحمص، واستخلصها من يد الاخشيديين، ويستمر حكم الحمدانيين في الشام الى سنة 394 ه‍.


[234]

الاحداث السياسية في زمن العباسيين في ايران وهرات أما الحالة السياسية في إيران، فقد تأسست دولة الطاهريين في خراسان والصفارية في هرات، والمؤسس الحقيقي للدولة الطاهرية في خراسان هو طاهر الملقب بذي اليمينين، جاء الى خراسان واليا من قبل المأمون عام 205 ه‍، ثم استقل هو وأولاده عن الخلافة العباسية مع اعترافهم بتبعيتهم للخليفة العباسي ببغداد، وقد ضعفت هذه الدولة لظلمها وجور حكامها، إلا أنها استمرت على هذا الضعف الى عام 285 ه‍، لكن زوالها السياسي كان في عام 259 ه‍، ثم زالت على يد يعقوب بن ليث الصفار في تلك السنة. يعقوب بن ليث هو المؤسس الحقيقي للدولة الصفارية، وكان واليا وقائدا للخليفة العباسي، فقد احتل هرات وفارس وشيراز عام 254 ه‍، ثم ضم إليه بلخ و طخارستان، وفي سنة 259 ه‍ استولى على دولة الطاهريين في خراسان والذي كان يحكمها آنذاك الحسن بن زيد.


[235]

ثم عظم أمر يعقوب حتى استولى على شيراز والاهواز، وسار الى بغداد مهددا قصر الخليفة، إلا أنه مات في الطريق وخلف أخاه عمر بن ليث، إذ دخل في طاعة الخليفة، واستقر الذي كان بيده من الاماكن، حيث أقره الخليفة العباسي عليها، وضم إليه فارس وإصفهان وسجستان وكرمان والهند، إلا أن نفوذ عمرو بن ليث كان يقلق بال الخليفة، مما جهز إليه جيشا ليجتث جذره، وليبعد ثم يقتل وتنتهي الدولة الصفارية في عام 296 ه‍. ثم تأسست في ايران دولة العلويين في طبرستان، ومؤسسها هو الحسن بن زيد بن الحسن، ينتهي نسبه الى الامام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين عليهما السلام. لقد استدعى الحسن المؤسس بعض وجوه ورؤساء العلويين القاطنين في الري الذين كانوا ساخطين على امراء بني طاهر لظلمهم وجورهم وتعسفهم في الحكم في منطقة طبرستان، ولما جاء الحسن اصطدم بالصفاريين من جهة، وبالطاهريين من جهة أخرى حتى استولى على طبرستان وذاع صيته فيها، ودانت له الرقاب، وساد نفوذه على المناطق المجاورة، إلا أن دولة العلويين في طبرستان لم تدم طويلا، حيث انقرضت في عام 316 ه‍ بعد ما دامت ستة وستين عاما. ثم تأسست في إيران دولة العجليين في أرمينية وأذربيجان، ففي عام 210 ه‍ تأسست دولة العجليين في الكرج والبرج، وكان مؤسسها أبو دلف القاسم العجلي من قواد الامين العباسي، إذ عين على همدان سنة 210 ه‍، ثم أقام حكومة مستقلة بين همدان وإصفهان، وبالذات في منطقة الكرج. ومن أحفاد أبي دلف عمر بن عبد العزيز الذي جاء سنة 271 ه‍ الى الحكم، حيث استولى على إصفهان ونهاوند، وقد كان له نفوذ كبير في المنطقة. وفي عام 266 ه‍ أسس أبو الساج ديوداد التركي دولته، والذي كان في البدء


[236]

واليا من قبل الخليفة العباسي على الكوفة والاهواز، وكان محمد بن عبد ديوداد واليا على الحجاز، وبعد وفاة والده نقل الى الانبار، ثم جاء واليا إلى أذربيجان في سنة 276 ه‍، ثم اضيفت إليه ولاية أرمينية سنة 285 ه‍، وبعد وفاة محمد جاء أخوه يوسف الى أرمينية وأذربيجان تاركا وراءه بلاد الري عام 306 ه‍ من غير والي ثم حبس يوسف من قبل الخليفة العباسي ثم اطلق وأعيد الى ولايته عام 310 ه‍ واسترد مدينة الري عام 311 ه‍، وقد خاض مع القرامطة حربا أدت به الى مقتله. ثم تأسست دولة السامانيين في إيران في ما وراء النهر، مؤسسها أولاد أسد ابن سامان، وهم: نوح بن أسد بن سامان، كان واليا على سمرقند أيام المأمون. أحمد بن أسد، كان واليا على فرغانة. يحيى بن أسد، كان واليا على الشاس واشروسنة. إلياس بن أسد، كان واليا على هرات. كان السامانيون في ذلك الوقت تحت نفوذ بني طاهر ورئاستهم، ولما انقرضت دولة الطاهريين عين الخليفة العباسي نصر بن أحمد بن أسد حاكما عاما سنة 261 ه‍، وهذا أول حاكم ساماني. ثم استولى إسماعيل بن أحمد بن أسد على خراسان سنة 287 ه‍، وأخرج منها الصفاريين، ثم استولى على طبرستان بعد ما أخرج محمد بن زيد منها. وقد امتد نفوذ الساماني في عهد اسماعيل الى ما رواء النهر، فدخلت بخارى وسمرقند تحت نفوذه، كما أنه أخضع البلاد الممتدة من الصحراء الكبرى الى خليج البصرة، ومن حدود الهند الى بغداد (1)، واستمرت دولة السامانيين الى عام 389.


(1) تاريخ الدولة الاسلامية والاسر الحاكمة لاحمد السعيد سليمان: ص 276 – مصر.

[237]

ثم تأسست في ايران الدولة الزيارية، كان مرداويج بن زيار – المؤسس الحقيقي لهذه الدولة – قد أعلن استقلاله في طبرستان وجرجان عام 316 ه‍، ثم امتد نفوذه الى باقي المدن والمناطق، فاحتل إصفهان وهمدان، وهدد حلوان الواقعة على الحدود العراقية، ومرداويج هو الذي عين علي بن بويه واليا على الكرج. استمرت حكومة الزياريين حتى عام 470 ه‍، ثم اضمحلت دولتهم، وتلاش نفوذهم.


[238]

الدولة البويهية في جنوب ايران والعراق لقد مر أن علي بن بويه عين واليا على كرج من قبل مرداويج، وأن بويه عميد الاسرة قد دخل في طاعة الزياريين منذ عام 318 ه‍. وقد امتد نفوذ علي بن بويه الى مناطق اخرى غير كرج، بمساعدة القوة الضارية في الديلم وجيلان، استطاع علي أن يحتل إصفهان وارجان والنوبندجان بين عام 320 و 321 ه‍. أما حسن بن بويه استطاع أن يطرد الحامية العربية من كازرون، وفي تلك الفترة التحق بعلي وحسن أخوهم الثالث أحمد، فاستولى الجميع على شيراز عام 322 ه‍، وهكذا أعلنوا استقلالهم في البلاد الايرانية غير آهبين بالخلافة العباسية، مما اضطر الخليفة في بغداد أن يقرهم نوابا له في تلك المناطق. لقد أبدى أحمد بن بويه الجدارة والكفاءة عند ما زحف على غرب كرمان، ثم استيلائه على الاهواز، وبعدها دخوله بغداد في جمادي الاول عام 334 ه‍.


[239]

الشجاعة والبطولة التي أبداها الاخوة الثلاثة أجبرت الخليفة العباسي بالاذعان لهم، وتقليدهم ألقابا تليق بمكانتهم، فأما علي فلقبه الخليفة ب‍ ” عماد الدولة “، وهذا حكم فارس وما دونها، وحسن لقبه الخليفة ب‍ ” ركن الدولة “، حكم الري واصفهان وهمدان، وأحمد لقبه الخليفة ب‍ ” معز الدولة ” و ” أمير الامراء)، حكم الاهواز والعراق. واستمرت دولة آل بويه الى عام 447 ه‍، حيث دب الضعف فيها، ونشبت حروب عديدة بين ورثة العرش من الاسرة الحاكمة، مما استغل طغرل بك السلجوقي الفرصة، فدخل بغداد في تلك السنة. البريديون ودولتهم في البصرة والاهواز وواسط عرفت البصرة شبه حكومة مستقلة في طيلة الحكم العباسي، إذ أن الوالي الذي يأتيها يتمتع بصلاحيات واسعة، تضفي عليه الهيبة والنفوذ. في أوائل القرن الرابع الهجري عرفت البصرة اسرة البريديين، وهم أربعة إخوة، منهم: أبو عبد الله أحمد بن محمد البريدي وهو الاخ الاكبر، ثم أبو عبد الرحمان بن محمد البريدي الذي ذاع صيته وقوي نفوذه حتى أنه هدد الخليفة العباسي المتقي في بغداد، وأبو يوسف يعقوب بن محمد، وأبو الحسين عبد الله بن محمد. حكم البريديون كلا من البصرة والاهواز وواسط، وامتد نفوذهم مؤقتا الى أطراف بغداد، ثم تلاشى حكمهم بعد ما استولى معز الدولة البويهي على ولاية البريديين عام 338 ه‍.


[240]

الاحداث السياسية في الدولة العباسية زمن المأمون من الملاحظ أن عصر المأمون كما يصفه المؤرخون أنه امتاز بالهدوء والازدهار العلمي والتفوق العسكري، إلا ان المتتبع للتاريخ يجد أمامه مجموعة ثورات وانتفاضات في الدولة الاسلامية، وكلها تشكل منعطفا سياسيا في تاريخ الدولة العباسية، بل في تاريخ الشعوب الاسلامية. وقد بدأت الاحداث السياسية قبيل انتهاء القرن الثاني الهجري، حيث أدى النزاع بين الامين والمأمون الى الصراع القومي بين العراق وإيران، أو قل: بين العرب والفرس، ثم نشوء الثورات في: العراق، والحجاز، واليمن، وغيرها. ومن أبرز تلك الثورات هي التي قادها العلويون، كثورة ابن طباطبا محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى عام 199 ه‍ في الكوفة، بالتنسيق مع أبي السرايا الذي كان سابقا مع الامين ضد المأمون، ثم تحول ولاؤه الى المأمون، بعدها انحاز الى ابن طباطبا لما خاب أمله وخسر ما كان يرتقبه من المأمون العباسي.


[241]

ولما نجحت الثورة في الكوفة تتابعت الرسل من المدن المجاورة، للانضمام الى ابي السرايا والدعوة لابن طباطبا العلوي، حتى عين في واسط زيد بن علي والحسن ابن ابراهيم، كما عين العباس بن محمد من أحفاد جعفر بن أبي طالب على البصرة. ثم قامت ثورة العلويين في الحجاز، وهي امتداد لثورة أبي السرايا في الكوفة، لكن لم تنته بانتهاء نفوذ أبي السرايا، فقد استلم المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى، وأصبح واليا فيها. ثم تسلم الحسين بن الافطس مكة بعد ما هرب منها واليها العباس، وقد حاول الحسين أن يعطي الزعامة الى محمد الديباج ابن الامام الصادق عليه السلام، وقد قبلها الديباج وهو غير مقبل عليها. ومما يذكر أن أبا السرايا أرسل الى اليمن ابراهيم بن موسى بن الامام الصادق عليهما السلام ليستولي عليها بأسم ابن طباطبا، وفعلا تم له السيطرة من دون مقاومة تذكر. هكذا يجد الباحث أن العراق والحجاز واليمن خضعت للعلويين زمن المأمون، وان كانت تلك الفترة وجيزة إلا أن شعوب المنطقة وقفت الى جانبهم ضد السياسة العباسية، وحكم المأمون الذي لم يقل ظلمه وجوره عمن سبقه من العباسيين أو الامويين. لهذا كانت ثورة أبي السرايا من أخطر الثورات العلوية في عهد المأمون، ذلك لان هذه الثورة كانت وليدة عوامل كثيرة وليس الولاء العلوي فقط، فهي عبرت عن سخط أهل العراق ضد سياسة المأمون الخراسانية، وسخط القبائل العربية في الكوفة خاصة، والعراق عامة على سياسة الفضل بن سهل وأخيه، ثم ملل الناس من


[242]

الفوضى، وعدم الاستقرار السياسي، كل هذا انتجت ثورة أبي السرايا (1). وقال الدوري: ثورة أبي السرايا كانت ثورة عربية عراقية صرفة، وانها كانت حركة عامة لكل القوات العلوية في العراق، وهذا يؤكد بأن الحركات الشيعية كانت آنئذ عربية، وأن الثورة هذه هي ثورة عربية ضد بني العباس (2). وفي عهد خلافة المعتمد على الله التي دامت من 256 – 279 ه‍ حدثت فتن كثيرة، منها: ثورة الزنج، والتي عظم أمرها في زمن المعتمد وان كان قد بدأت سنة 255 ه‍ بالبصرة إلا أنها دامت خمسة عشر سنة، أي الى سنة 270 ه‍، وكان مسرح هذه الثورة المنطقة الجنوبية من العراق، الممتدة بين البصرة وواسط، ثم امتدت هذه الحركة الى البحرين جنوبا، والاهواز شرقا، وبغداد شمالا، وهكذا احتل الابلة، وعبادان، والاهواز، ورامهرمز، وواسط، والنعمانية (3). وقد التف حول صاحب الزنج خلق كثير من الناس المعدمين، وبالخصوص العمال، والمزارعين، والخدم، وأصحاب الدخل الواطئ، والتعساء من الناس، ليقفوا بوجه الحكام الظلمة، وطواغيت العصر، فكانت دعوته إنقاذ هؤلاء وانتشالهم من حياة البؤس والشقاء. وفعلا وفى الرجل لاتباعه ما وعدهم، وهؤلاء أخلصوا له الولاء، بحيث هددوا حدود المملكة العباسية، وألحقوا بجيوش العباسيين الهزائم الكثيرة. وقد حالف الحظ صاحب الزنج، حيث نادى بتحرير العبيد وتخليصهم من الرق، وحقا نجح في هذه المهمة لتحرير العبيد الزنوج، إلا أن تناقضه في المبدأ مما أسخط الناس عليه، حيث وقع البيض أسرى بأيدي أصحاب السود.


(1) بحوث في التاريخ العباسي لفاروق عمر: ص 125 ط 1 – بيروت 1977 م. (2) العصر العباسي الاول لعبد العزيز الدوري: ص 205 – بغداد 1944 م. (3) العالم الاسلامي في العصر العباسي الثاني لاحمد ابراهيم: ص 351.

[243]

ثم كانت ثورة صاحب الزنج مظهرا من مظاهر العنف والغدر والفتك، بل أنها تيار عارم هددت الدولة العباسية، وجعلت نفوس المسلمين في خطر، وأن المجازر التي ارتكبها صاحب الزنج قد لا يمكن إحصاؤها، حتى قيل: ان أقل إحصائية بعدد القتلى الذين ذهبوا ضحية أطماع صاحب الزنج تقدر بنصف مليون (1). عهد المعتضد 279 – 289 ه‍: في زمن المعتضد ظهرت الاحزاب وأشعلت الفتن في أماكن متعددة من الدولة العباسية، فالقرامطة ظهروا في الكوفة وأعلنوا ثورتهم بقيادة حمدان قرمط، وفي البحرين كانت الثورة على يد أبي سعيد الجنابي، وظهر ابن حوشب في اليمن، وأبو عبد الله الشيعي ظهر في المغرب، والصفاريون ظهروا في طبرستان وكذلك السامانيون، والحمدانيون ظهروا في الموصل. أما الفترة التي حكمها المكتفي 289 – 295 ه‍ فقد كانت مليئة بالاحداث، فالاسماعيليون استطاعوا أن ينفذوا الى بعض البلدان فيحكموها، كما حدث في مصر، واما القرامطة فقد عاثوا بأرض الشام فسادا، وهكذا غيرهم انتهز فرصة ضعف السلطان، وتحكم الاتراك، وانعدام السيطرة على أرجاء الدولة العباسية المترامية الاطراف ليعلن تمرده على السلطة. ولما جاء دور المقتدر 295 – 320 ه‍ بان الضعف على الحاكم، وأصبحت الحكومة هزيلة لا تقوى على الدفاع عن نفسها ومركزها بغداد، ناهيك عن الاطراف والثغور، علما أن المقتدر لما بويع بالخلافة كان عمره آنذاك لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره، ولما شب عكف على لذائذ الدنيا من اللهو والشرب والنساء


(1) مروج الذهب للمسعودي: 4 / 208.

[244]

حتى وكل امور الدولة للقواد الاتراك، وبعض النساء المتنفذات في المملكة. ومن أبرز مظاهر تحكم النساء، والدة المقتدر التي كانت تأمر بعزل الوزراء وتنصيب آخرين بدلهم. وفي زمن المقتدر ارتفع نجم الاتراك، وأصبحوا هم رجال الدولة والساسة الكبار فيها، وعلى رأسهم مؤنس الخادم التركي، وان كان قد انتقم منه المقتدر مرتين أدت أخيرا الى قتله. عصر المقتدر بالله 295 – 320 ه‍: قد يجد الباحث لاول وهلة أن طول خلافة المقتدر والتي هي ربع قرن من الزمان تعني الاستقرار والهدوء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد يتصور أن عصر المقتدر من العصور الذهبية للدولة الاسلامية زمن العباسيين، إلا أن هذا التصور يتلاشى كلما أو غل نفسه في البحث عن سيرة المقتدر، وكيفية وصوله الى الخلافة، والتعرف على شخصيات الحاشية، من قواد، ووزراء، وكتاب، وحريم، وجوار، ومغنيات.. الخ. ومن السمات البارزة في حياة المقتدر: أولا: تبذيره بأموال بيت الخلافة التي تظافرت في جمعها أيدي الخلفاء العباسيين منذ تأسيس الدولة عام 132 ه‍ والى زمن المقتدر الذي وصل الى دفة الحكم عام 295 ه‍، حيث تجمعت في بيت مال الخاصة أموال طائلة تعد بالملايين، وهكذا في بيت مال العامة قد اجتمع فيها من الاموال والمجوهرات ونفائس الآثار ما لا يمكن حصره أو عده أو تقييمه بمال. فالمقتدر بدد كل هذه الاموال الطائلة، وبان عليه الاسراف والتبذير، وكيف


[245]

لا وهو الطفل الترف الذي لم يبلغ الحلم. قال ابن الاثير: ” وكان جملة ما أخرجه من الاموال تبذيرا وتضييعا في غير وجهه نيفا وسبعين ألف ألف دينار ” (1). بل أن هذا الخليفة الطائش فرق الجواهر الثمينة – التي حرص الرشيد على جمعها – على الجواري والمغنيات في لهوه وهزله ولعبه، يقول عبد الملك المكي العصامي: وأخرج – المقتدر – على النساء جميع جواهر الخلافة، وأتلف امورا كثيرة، منها، من النقد ثمانين ألف ألف دينار (2). ومن مظاهر البذخ والاسراف ما أقامه المقتدر من مراسيم فرح يوم ختان أولاده سنة 305 ه‍، حيث بذل من الحلوى والكرزات – الموالح – والنثار والعطور وغير ذلك ما بلغ كلفته ستمائة ألف دينار (3). وقد أرسل الى وزيره أبي الحسن علي بن الفرات يوم ختان ولده ثلاثة موائد، كان استدارة الكبيرة منها خمسون شبرا، يحملونها حمالون، وثوب وشي منسوج بالذهب، وصينية ذهب فيها دنانير وجوز وفستق وبندق، وما يجري هذا المجرى من الاصناف، وجميعه من ذهب وقدره خمسة آلاف دينار (4). ولاسرافه في الاموال والتبذير بمقدرات الدولة فقد اتخذ من الخدم والغلمان والجواري أعدادا هائلة، تعد بالآلاف. ومثال واحد يمكن للباحث أن يقطع برعونة هذا الخليفة، ففي سنة 305 ه‍


(1) الكامل لابن الاثير: 6 / 222. (2) سمط النجوم العوالي لعبد الملك بن حسين المكي العصامي: 3 / 354، م السلفية. (3) المنتظم لابن الجوزي: 6 / 127. (4) تحفة الامراء في تاريخ الوزراء لابي الحسن هلال الصابي: ص 75، دار إحياء الكتب العربية 1958 م.

[246]

لما جاء رسول ملك الروم حاملا معه رسالة القيصر الى المقتدر أمر الخليفة أن يطاف بهذا الرسول بدار الخلافة، فكان المستقبلين من الخدم كما يصف الخطيب البغدادي: سبعة آلاف خادم، منهم أربعة آلاف بيض، وثلاثة آلاف سود، وعدد الحجاب سبعمائة حاجب، وعدد الغلمان السودان غير الخدم أربعة آلاف غلام (1). ثم انغمار المقتدر بالشراب والطرب وعكوفه على المجون والارتماء في أحضان الجواري والمغنيات مما دفع ثمنه، إذ تسيبت الاوضاع في البلاد، وتحكم الاتراك في امور الدولة، وامتدت يد النساء لتعزل وتنصب من تشاء من الوزراء والعمال، وانتشر الفقر والجوع بين الناس، واضطرب المسلمون في أيامه، وفزعوا من الثورات والفتن، وما قام به صاحب الزنج واحتلاله للحرم المكي، وسلب أستار الكعبة وثيابه، وحمل الحجر الاسود الى البحرين، وانتشار الامراض والاوبئة، والضرائب الكثيرة التي كان ينوء بها المجتمع الاسلامي.. كل ذلك والخلفية المقتدر كثيرا ما جمعه مجلس الشراب والطرب مع والدته السيدة ولمة من حفدتها وجواريها (2). ولا غرابة أن يجد الباحث أن بغداد زمن المقتدر أخذت تعج بهذا اللون من الترف، حتى قصدها المغنيون وأهل اللهو والطرب، وقد بالغ المقتدر في إكرام هؤلاء، كابن عائشة، وكنيز المغني. لقد ساءت الاوضاع كثيرا أيام المقتدر، للاخطاء الجسيمة التي كان يرتكبها كل يوم، مما سلبته تلك التصرفات هيبة الخلافة منه، وتحكم في البلاد اناس غير نزيهين لهم مطامعهم الخاصة، وذوو الايدي الخؤنة، فهذه السيدة شغب والدة الخليفة


(1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1 / 101، بيروت. (2) الفرج بعد الشدة – للتنوخي: 1 / 380.

[247]

المقتدر تنصب من تريد وتعزل من تريد، وهذا الوزير علي بن الفرات الذي نهب أموال المسلمين بالملايين، ومؤنس الخادم التركي يهدد حياة الخليفة مرارا، والقهرمانات (1) من النساء يتدخلن في سياسة الدولة، أمثال: القهرمانة [فاطمة]. وكيلة السيدة ام المقتدر، والقهرمانة [ام موسى الهاشمية]، والقهرمانة [ثمل] والتي جلست للمظالم وحسم الدعاوي، والقهرمانة [زيدان] الذي أصبح بيتها سجنا يزج فيه كل من يغضب عليه الخلفية المقتدر، الى غير ذلك من الشخصيات، لكن من أبرز الشخصيات السياسية التي لعبت دورا مهما في زمن المقتدر هي ام الخليفة، واسمها (شغب) (2)، حيث لعبت دورا كبيرا في سياسة الدولة، وقد خافها القواد والوزراء والكتاب، بل أصبحت كرجل الدولة الاول، وفي زمنها عينت القهرمانات لحسم الدعاوي والخصومات، وهي بذلك خالفت سنة الله ورسوله بهذه البدعة الجديدة في توليتها النساء القضاء، وقد مر أن القهرمانة ثمل قد تصدت لهذه المهمة، حيث أمرتها السيدة أن تجلس بالرصافة قرب مرقد أبي حنيفة لتنظر في مظالم الناس وشكاواهم، وجعلت ذلك في كل جمعة، إلا أن الناس أنكروا عليها ذلك، واستبشعوا فعل ام المقتدر (شغب)، واستهجنوا من أن تحكم بينهم امرأة. وأعمال السيدة شغب لم يقف عند هذا الحد، بل أصبحت أطول يد – في المملكة – في سرقة الاموال، وجبايتها من كل مكان وبأي صورة، حتى أنها أرادت أن تمتلك بعض الاوقاف قهرا، وقد ذكر ابن الجوزي موقفها مع القاضي أحمد بن إسحاق بن بهلول الذي طلبت منه أن يلغي وقفية بعض الاماكن حتى يتسنى لام الخليفة أن تأخذه ملكا سائغا حلالا، إلا أن القاضي رفض طلب هذه السيدة الطموح، غير


(1) القهرمان تعني: الوكيل المتصرف، أو الامين. (2) وقيل: إن اسمها: ظلوم، ولكن يبدو ” ظلوم ” جارية المقتدر.

[248]

متأهب للتهديدات الصادرة منها بحقه (1). ثم ظاهرة الرشوة قد تميزت بها ام الخليفة، وأصبح ديدنها جمع المال بأي طريق كان، لهذا تقدم الوزراء بالولاء التام لها، وضمنوا الوزارة بمال كبير يدفعه الوزير قبل تعينه للمنصب، فهذا الوزير عبيدالله بن يحيى الخاقاني قد ضمن لها مائة ألف دينار جراء تدخلها لتقليده الوزارة بعد وزارة ابن الفرات الاولى، ثم جرت العادة على كل وزير أن يضمن الوزارة مقابل مبلغ من المال يدفع الى ام الخليفة المقتدر، فلم يتمكن الوزير ابن الفرات من العودة الى الوزارة ثانية إلا بعد أن تعهد للسيدة ان يدفع لها في كل يوم 333 دينارا وثلث (2) الدينار. لهذا فقد اجتمعت عند ام الخليفة (شغب) أموالا طائلة استأثرتها لنفسها دون منازع، قال ابن الاثير: ” إن دخلها من أملاكها بلغ ألف ألف دينار في السنة ” (3). ولما حلت أزمة مالية عام 317 ه‍ من جراء بعض الفتن وحركة القاهر بالله أخرجوا من بيتها في الرصافة ستمائة ألف دينار كانت مخبأة هناك (4). ومن جراء ابتزازها الاموال بالطرق الملتوية وغير المشروعة أن حصلت على الضياع، والبساتين، والعقارات، والاراضي، والدور، حتى أصبحت أكبر شخصية إقطاعية في الدولة، إلا أن التاريخ يحدثنا حول هذه المرأة الشغوف بحب المال أن جلبت إليها الويلات الكبيرة التي أودت بحياتها من جراء تنافسها للحصول على أكبر قدر ممكن من المال بأي سبب كان. وقد سلط عليها الخليفة القاهر – بعد مقتل ولدها الخليفة المقتدر -، إذ ضربها


(1) المنتظم لابن الجوزي: 6 / 232، والبداية والنهاية لابن الاثير: 11 / 177. (2) تجارب الامم وتعاقب الهمم لابن مسكويه ت 421 ه‍: 1 / 42، م القاهرة 1914 م. (3) الكامل لابن الاثير: 6 / 225. (4) الكامل لابن الاثير: 6 / 201، والمنتظم لابن الجوزي: 6 / 222.

[249]

أشد ما يكون الضرب، وعلقها من رجلها، حتى أن البول كان يسيل على وجهها، حتى تعترف بما لديها من المال والمصوغ والثياب، ولكنها لم تعترف بشئ (1)، غير أنها لم تلبث إلا قليلا حتى أقرت بما عندها من الثياب، والحلي، والمصوغات، والمجوهرات، وصناديق خاصة بلغت قيمتها مائة ألف وثلاثون ألف دينار (2). وقد رضخت من شدة تعذيب القاهر لها في أن تحل جميع وقفياتها، فبيع منها الضياع الخاصة الفراتية، والعباسية، والمستحدثة، والمرتجعة، وما يجري مجراها في سائر النواحي (3)، حتى بلغ قيمة ما بيع نصف مليون دينار، كما ذكره ابن مسكويه. كيفما كان فقد انتهت حياة هذه المرأة الولوع بالمال والجاه والسلطة والرشوة، انتهت بأبشع صورة بعد ما كانت الشخصية الاولى في الدولة. ومن المظاهر البارزة في زمن المقتدر امتداد نفوذ بعض الخدم وتطاولهم في سياسة الدولة، والقبض على زمام الامور فترة من الزمن، وهؤلاء الخدم كان لهم دور كبير في جلب الخلافة الى المقتدر، وتنصيبه على المسلمين، كما أن عدد الخدم في بلاط الخليفة قد ازداد عما كان عليه زمن المكتفي. إن عدد ما احصي في دار الخلافة كما قال ابن الطقطقي: ” أحد عشر ألف خادم خصي، غير الصقالبة، وأبناء الفرس والروم والسودان ” (4). من أبرز هؤلاء الخدم: [صافي الحرمي]، الذي أسدى للمقتدر فضلا كبيرا، ومواقف تعد ذات أهمية وخطيرة في حياة الدولة الاسلامية في العصر العباسي “.


(1) المنتظم لابن الجوزي: 6 / 253. (2) الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي محمد بن علي، ت 660 ه‍: ص 576، بيروت 1966 م. (3) الكامل لابن الاثير: 6 / 224، وتجارب الامم لابن مسكويه: 1 / 245. (4) الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي: ص 260.

[250]

وإن صافي هو المنعم على المقتدر في توليته الخلافة. ومن الخدم الذين لهم دور كبير في سياسة الدولة سوسن [الحاجب]، الذي مال الى ابن المعتز، ثم رجع الى المقتدر بعد ما خابت آماله، وفشل في تحقيق طموحه، ومع هذا فلم يأمن جانبه الخليفة المقتدر. قال عريب في صلة تاريخ الطبري: ” عظم أمر سوسن الحاجب، وتجبر وطغى، فاتهمه المقتدر ولم يأمنه، وأدار الرأي في أمره مع ابن الفرات، فأوصى إليه المقتدر أن خذ من الرجال ما شئت، ومن المال والسلاح ما شئت، وتول من الاعمال ما أحببت، وخل عن الدار أو ولها من أريد، فأبى عليه، وقال: أمر أخذته بالسيف لا أتركه إلا بالسيف، فأحكم المقتدر الرأي مع ابن الفرات في قتله، فلما دخل معه الميدان في بعض الايام أظهر صافي [الحرمي] العلة وجلس في بعض طرق الميدان متعاللا، فنزل سوسن ليعوده، فوثب إليه جماعة فيهم [تكين الخاصة] وغيره من القواد فأخذوا سيفه وأدخلوه بيتا، فلما سمع من كان معه بذلك من غلمانه وأصحابه تفرقوا، ومات سوسن بعد أيام في الحبس، وقلدت الحجابة نصرا الحاجب المعروف بالقشوري (1). ومن الاسماء البارزة في قائمة الخدم الذين لعبوا دورا سياسيا مهما في أوائل القرن الرابع الهجري أحمد بن نصر القشوري، ومحمد بن ياقوت التركي، ومسرور الخادم. ثم من السمات البارزة في عصر المقتدر: اضطراب الوزارة، وتسيب العمال والكتاب وموظفي الدولة، وظهور الرشوة بصورة علنية، وقد كانت الفرصة مناسبة جدا لان يكون المقتدر وامه (شغب) على رأس اولئك المرتشين، حيث ابتزوا أموال الناس، وجعلوا منصب الوزارة يباع ويشترى، وقد يحظى بمنصب الوزارة من


(1) صلة تاريخ الطبري: ص 21.

[251]

يضمنها بأكثر مال، ويرخص نفسه فيتذلل للخليفة أو للحاشية من الخدم والحريم والقهرمانات. ولو ألقينا نظرة سريعة على الوزارات في عصر المقتدر لوجدنا مدى التسيب بل والاضطراب البارز فيها. فالوزارة كانت بيد العباس بن الحسن، ثم تقلدها محمد بن موسى بن الفرات عام 296 ه‍، ثم تقلدها محمد بن عبيدالله بن يحيى بن خاقان في عام 299 ه‍، ثم تقلدها علي بن عيسى بن الجراح عام 301 ه‍، ثم جاء ابن الفرات وتقلدها ثانية عام 304 ه‍، ثم عزل ابن الفرات وتقلدها حامد بن العباس، ثم عزل منها عام 311 ه‍ وتقلدها ابن الفرات ثالثة، ثم عزل منها عام 312 ه‍ وتقلدها أبو القاسم عبد الله بن محمد الخاقاني، ثم تقلدها أبو العباس أحمد بن عبيدالله الخصيبي عام 313 ه‍، ثم تقلدها الوزير ابن مقلة من خلال انقلاب دبره مع القاهر بالله، ثم أقره المقتدر ثانية لما فشل انقلاب القاهر بالله، ثم عزله المقتدر عام 318 ه‍، وتقلدها سليمان بن الحسن بن مخلد، ثم تقلدها الحسين بن القاسم بن وهاب عام 319 ه‍، ثم عزله وتقلدها الفضل بن جعفر بن الفرات عام 320 ه‍، والذي بمجيئه يشتد الخلاف بين المقتدر وقائده المبعد مؤنس بعد ما قام الوزير بدور الوساطة بين الطرفين ظنا منه أنه سيوفق الى وئام بينهما، إلا ان الاحداث خيبت ظن الوزير، وبعدها نشبت معركة ضارية بين المقتدر ومؤنس أدت بحياة المقتدر وانتهاء خلافته التي دامت خمسا وعشرين سنة، وهي مليئة بالاحداث والفتن، وغلاء الاسعار، ونشوب الثورات، كثورة القرامطة واستقلالهم في البحرين، وحركة الخليفة المخلوع القاهر بالله، وسيطرة الفاطميين على مصر، واضطهاد الشخصيات والاسر، ومصادرة أموالهم، وتحكم الخدم والحاشية والنساء والقهرمانات في سياسة الدولة، وشيوع ظاهرة الرشوة في كل دوائر الدولة، ولم يسلم من هذه الرذيلة حتى الخليفة المقتدر وامه شغب، وظلم الرعية، وتدهور الحالة الاقتصادية بسبب تعطيل الاموال وعدم


[252]

تشغيلها بل ودفنها تحت الارض (1). أما الحالة العلمية والفكرية فلا حاجة الى ذكر تفاصيلها، بل المهم أن نذكر أهم حدث برز على الساحة، واستقطب جمهور العلماء والكتاب، وهو ما قام به الحلاج من حركة واسعة ادعى فيها القدرة الغيبية واظهار الكرامات. مولد الحلاج في 244 ه‍، يوم كانت الصوفية في أوج ازدهارها، تقمص الحلاج شخصية الزاهد، والصوفي العابد، ولهج بكلمات وعبارات يخال الباحث أنها من أفكار الصوفية، إلا أنها كانت وسيلة لبز الاموال، والتقرب الى الناس، على أن الرجل كان يطمع بحياة وافرة بعيدة عن الكد والعناء، مما انصرف عن الحياة العلمية والاقتصادية ليتاجر بالشعوذة والسحر. وقد استطاع الحلاج بشعوذته وسحره أن ينفذ الى دار الخلافة، ويتقرب الى المقتدر وامه شغب منذ عام 303 ه‍، بل وأصبح ذا مكانة مرموقة عند المقتدر، ومن الخواص في قصر الخلافة (2). اتضح مما تقدم كيف أهمل المقتدر أحوال الخلافة، وكيف حكم فيها النساء والخدم، وفرط في الاموال، وعزل الوزراء، وولى، مما أوجب طمع أصحاب الاطراف والنواب وخروجهم عن الطاعة، وكان ما فعله مؤنس سببا لجرأة أصحاب الاطراف على الخلفاء، وطمعهم فيما لم يكن يخطر على بال أحد، وانخرقت الهيبة، وضعف أمر الخلافة (3).


(1) تجارب الامم لابن مسكويه: 1 / 102 و 193، وابن الجوزي: 6 / 222. (2) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 134، وصلة تاريخ الطبري: ص 99. والعبر للذهبي: 2 / 142، والبداية والنهاية لابن الاثير: 11 / 121، تجارب الامم لابن مسكويه: 1 / 76. (2) الكامل في التاريخ لابن الاثير: 6 / 221، ط دار الكتاب العربي – بيروت 1967.

[253]

لقد استاء الكثير من الوزراء من جراء تحكيم النساء والجواري ونفوذ كلمتهن، فهذا مؤنس لما أراد أن ينصب أبا العباس أحمد بعد مقتل أبيه المقتدر، اعترض عليه الوزير أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي، فقال: ” بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له ام، وخالة، وخدم يدبرونه، فنعود الى تلك الحال ! والله لا نرضى إلا برجل كامل يدبر نفسه ويدبرنا “، ومازال حتى رد مؤنسا عن رأيه (1)، وكان ابن المقتدر آنذاك صبيا. عصر القاهر 320 – 322 ه‍ أما فترة حكم القاهر بالله فهي قصيرة جدا، إذ بويع في آخر شوال من عام 320 ه‍، ثم خلع في أوائل جمادي الاولى في عام 322 ه‍، بعد ما سملت عيناه، وكانت خلافته سنة واحدة وستة أشهر، وفي هذه المدة الوجيزة استوزر ثلاث أشخاص، استوزر أبا علي محمد بن علي بن مقلة سنة 321 ه‍، ثم عزله واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيدالله بن سليمان، ثم عزله واستوزر أبا العباس أحمد بن عبيدالله الخصيبي. تقلب الاحداث، وكثرة الفتن في الدولة، وتآمر رجال الجيش والخدم، كل ذلك جعل الحياة في عصره مضطربة، والامان مفقود، والخوف سائد على كثير من الناس، وبالخصوص على الكبار من رجال الحكم من القادة والامراء، قال المسعودي: ” وكانت أخلاقه – القاهر – لا تكاد تحصى، لتقلبه وتلونه.. ” (2). فقد أباد جملة من القواد والخدم المتنفذين، منهم مؤنس الخادم الذي لعب


(1) المصدر السابق: 6 / 222. (2) مروج الذهب: 4 / 222.

[254]

دورا مهما فيمن سبق القاهر، حيث كانت له اليد الطولى في عزل ونصب الوزراء. وقد تخلص القاهر أيضا من [بليق] الحاجب وابنه [علي بن بليق]، فقتلهما شر قتلة، وصادر أموالهم، وشدد على أتباعهم ومن يمت لهم بصلة. ومن الاحداث المهمة في زمن القاهر، دخول عبد الواحد بن المقتدر وجماعة من مريديه السوس والاهواز، وجبوا الاموال، وطردوا عمال القاهر، وهناك أحداث اخرى غير ذلك (1). عصر الراضي بالله 322 – 329 ه‍ ولو انتقلنا الى عصر الراضي العباسي فسنرى أن الاوضاع السياسية في زمنه لم تقل سوءا عما سبق، فلضعف شخصية الحاكم الراضي، وسوء الادارة في زمنه، وعدم حنكته في الحكم أدى الى وقوع عدة أحداث خطيرة في تاريخ الدولة العباسية، ولاجل تلك الاحداث المتعاقبة تولى منصب الوزارة خلال فترة قصيرة ستة وزراء، لنذكرهم على الترتيب: أبو علي محمد بن علي بن مقلة، أبو علي عبد الله بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي، أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد، أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، أبو عبد الرحمن بن محمد البريدي. اتصف الراضي بكثرة الشرب والسكر والعربدة، ومجالسة الندماء والمغنين، فأيامه لهو ولعب وطرب، لذا بدد بالاموال، وفرق الهدايا والتحف على الشعراء والمغنين وأهل السكر والغلمان والجواري، حتى عوتب على هذا التصرف، فأجابهم: ” أنا استحسن فعل أمير المؤمنين أبا العباس السفاح، لانه كانت فيه


(1) الكامل في التاريخ لابن الاثير: 6 / 229، ط دار الكتاب العربي – بيروت 967.

[255]

فضائل لا تكاد تجتمع في أحد، لا يحضره نديم ولا مغن مله ولا قينة فينصرف إلا بصلة أو كسو ة، قلت أو كثرت.. ” (1). وقد بلغ الحد من سوء الادارة، وتفشي الفساد والرشوة، وتصرف الموالي والخدم، أن سيطر القواد والامراء الاتراك وغيرهم من الخدم على مرافق الحياة. بل أن الاضطرابات عمت أرجاء الدولة الاسلامية، ففي أيامه الاولى من حكومته استطاع مرداويج – من ترك الديلم – الاستيلاء على رامهرمز والاهواز، وكان ذلك عام 322 ه‍، إلا أن مرداويج لم يدم استيلاؤه طويلا حتى قتل شر قتلة، فعاد القائد التركي ياقوت إليها واستعمل أبا عبد الله البريدي كاتبا له، وعاملا على خراج الاهواز، على أن سير الاحداث كانت سريعة جدا خلال الايام الاولى من حكومة الراضي، فعماد الدولة استطاع أن يستولي على بلاد فارس وشيراز وارجان، وانصراف (وشمگير) أخ (مرداويج) من إصبهان بكتاب القاهر بعد أن ملكها، وكان ذلك قبيل خلع القاهر. ومن الحوادث المهمة قتل هارون بن غريب عامل القاهر على (ماه الكوفة) وقصبتها (الدينور) وعلى (ماسبذان)، ولما خلع القاهر وجد هارون نفسه هو أحق بالدولة من (الراضي بالله) وهو ابن خال المقتدر، فكاتب القواد ببغداد يعدهم بالاحسان إليهم والزيادة بالارزاق، ثم سار بجيش جهزه من الدينور الى خانقين ليدخل بعد ذلك بغداد، فعظم ذلك على ابن مقلة الوزير وابن ياقوت الامير وبقية القواد والخدم من الاتراك، لذا تقدم هؤلاء ليستأذنوا الراضي في قتال هارون، إلا أن الخليفة أذن لهم فقط برده إن كان ذلك ممكنا، لكن الرد الجميل لم ينفع هارون، بل وحتى الزيادة في إمارته وتوسيع نفوذه التي كانت بإشارة من الراضي (2) لم يقبلها


(1) مروج الذهب: 4 / 244. (2) فقد ضم إليه الراضي بالله ولاية خراسان فلم يقنع هارون بهذا النفوذ.

[256]

هارون، وإنما طمع بالخلافة، واخيرا قاده طمعه الى الخسران فقتل. في سنة 322 ه‍ ظهر ب‍ (باسند) من أعمال (الصغانيان) رجل يدعي النبوة. وفي نفس الوقت قتل محمد بن علي الشملغاني المعروف بابن أبي العزاقر، لما أعلن مبدأ التناسخ، وادعى أن الاله قد حل فيه، مما اجمع الفقهاء على إباحة دمه فقتل هو وابن أبي عون، وصلبا واحرقا في النار. وفي نفس السنة اتسع نفوذ أبي طاهر القرمطي وتعرضه للحجاج، ثم في مطلع سنة 321 ه‍ قتل مرداويج الذي استولى من قبل على الاهواز. ثم ساءت الاوضاع في الشرق الاسلامي، وبالخصوص الحالة التي أوجدها الجند التراك الذين كانوا مع مرداويج، فبعد مقتله اتجه بعضهم الى عماد الدولة بن بويه بقيادة (خجخج) الديلمي، والقسم الاعظم منهم اتجه الى الجبل مع قائدهم (بجكم) الذي سيطر على سياسة الدولة فيما بعد، وسيأتي ذكره عن قريب إن شاء الله. ثم سيطره عبد الله البريدي على الاهواز واتساع نفوذه، مما أربك الحكومة في بغداد وللبريدي دور فعال في الاحداث السياسة التي جرت في الاهواز، والبصرة والسوس، وإصبهان، وفارس، وواسط، والري، والكرمان، وغيرها من الامصار والبلدان الواقعة الى جنوب العراق وشرقه – وقد فصلها ابن الاثير في كتابه ” الكامل في التاريخ ” الجزء السادس – حتى ان الامر وصل بالبريدي أن استعصى على الخليفة الراضي، مما اضطر الى تجهيز الجيش لقتاله. وفي هذه السنة قام الحنابلة بالهرج والمرج، حتى عملوا اضطرابات كبيرة في بغداد، فاضطر الخليفة الراضي أن يشدد عليهم وينزل بحقهم أشد العقوبات. وفي سنة 325 ه‍ حدثت حرب بين ابن رائق الامير والبريدي حيث استطاع ابن رائق ان يدخل البصرة والاهواز عنوة بعد ما كانت الامارتان بيد البريدي، ومما ساعد البريدي في هذه الحرب القائد التركي ” بجكم “، حيث استطاع بجكم أن


[257]

يحتل الاهواز، إلا ان البريدي لم يستطع دخولها فهرب الى البصرة، ومنها لجأ الى (عماد الدولة) في (آوال) ليحرضه على دخول العراق. ثم في سنة 326 ه‍ ساءت العلاقات بين البريدي والقائد (بجكم)، واستعد الطرفان للحرب، ثم تصالحا بعد ذلك، وانتقل (بجكم) الى واسط وهناك تعلقت همته بالاستيلاء على بغداد، وأخذ يراسل ابن مقلة الوزير بصدد الامارة، على أن يكون بدلا من الامير ابن رائق، وتمخضت الاحداث أن دخل (بجكم) بغداد في الثالث عشر من شهر ذي القعدة، ولقي الراضي وخلع عليه، وجعله أمير الامراء بعد ما سلم للامر الواقع، والضغط الذي فرضه الجند الاتراك. وفي سنة 327 ه‍ أخر ناصر الدولة بن حمدان المال الذي ضمنه للراضي، لذا سار إليه الراضي بالجيش مع القائد وأمير الامراء (بجكم) فدخلا تكريت، ثم تقدم (بجكم) الى الموصل والتقى مع جيش ناصر الدولة، وجرت بينهما معارك دامية، هرب فيها ناصر الدولة الى (نصيبين) ثم الى (آمد). وفي هذه السنة جهز (وشمكير) الديلمي جيشا كثيفا من الري إلى إصبهان فاحتلها، وانهزم منها ركن الدولة بن بويه. وفي سنة 328 ه‍ حدثت اضطرابات في بلاد جرجان أدت الى استيلاء أبي علي بن محتاج عليها. وفي هذه السنة تجهز (ركن الدولة) وسار الى واسط، لكن فيما بعد رجع قافلا الى الاهواز ورامهرمز لما علم بتوجه الراضي وبجكم الى واسط زاحفين لمحاربته. وهكذا عدة أحداث خطيرة كانت في هذه السنة، منها، استيلاء (ركن الدولة (على إصفهان، واستيلاء (بجكم) على واسط، واستيلاء (ابن رائق) على الشام وحواليها. هذه بعض الاحداث السياسية التي اجتاحت شرق الدولة العباسية، بمعنى


[258]

الشرق الاسلامي، ولم تهدأ الاحداث فيها على الاطلاق، للمنافسة الموجودة بين القواد الاتراك ونفوذ بعض الامراء، وان الولاءات بين الجند الاتراك موزع بين هؤلاء المتنفذين، علما ان الصراعات العرقية والمذهبية المتأصلة في نفوس اولئك قاد البلاد الى هزات عنيفة، وأشعلت الفتن في أغلب هذه المناطق، أضف الى ذلك الاطماع المادية، وحب الرئاسة كان له الاثر الواضح، وخطره الكبير على تلك البقاع، والشعوب التي أصبحت تحت رحمة هؤلاء الجبابرة، مما عرض هذه البلدان الى الفقر والنهب والسلب وانتشار الامراض فيها. وأكثر من ذلك، فقد طمع بعض القادة والامراء الاتراك بالخلافة، فهذا القائد (بجكم) التركي قد سيطر على المرافق الرئيسية للدولة، بل وحتى ضربت النقود باسمه، قال المسعودي: حدث أبو الحسن العروضي مؤدب الراضي، قال: اجتزت في يوم مهرجان بدجلة بدار (بجكم) التركي، فرأيت الهرج والملاهي واللعب والفرح والسرور ما لم أر مثله، ثم دخلت الى الراضي بالله فوجدته خاليا بنفسه قد اعتراه هم، فوقفت بين يديه، فقال لي: ادن فدنوت، فإذا بيده دينار ودرهم، في الدينار نحو من مثاقيل، وفي الدرهم كذلك، عليهما صورة (بجكم) شاك في سلاحه، وحوله مكتوب: إنما العز فاعلم * للامير المعظم سيد الناس بجكم ومن الجانب الآخر الصورة بعينها، وهو جالس في مجلسه كالمفكر المطرق، فقال الراضي: أما ترى صنع هذا الانسان، وما تسمو إليه همته، وما تحدثه به نفسه، فلم أجبه بشئ، وأخذت به في أخبار من مضى من الخلفاء، وسيرهم في أتباعهم، ثم نقلته الى أخبار ملوك الفرس وغيرها، وما كانت تلقاه من أتباعها، وصبرهم عليهم، وحسن سياستهم لذلك، حتى تصلح امورهم، وتستقيم أحوالهم، فسلا عما


[259]

عرض لنفسه، ثم قلت: ما يمنع أمير المؤمنين أن يكون كالمأمون في هذا الوقت، حيث يقول: صل الندمان يوم المهرجان * بصاف من معتقة الدنان بكأس خسرواني عتيق * فإن العيد عيد خسرواني وجنبني الزبيبيين طرا * فشأن ذوي الزبيب خلاف شأني فأشربها وأزعمها حراما * وأرجو عفو رب ذي امتنان ويشربها ويزعمها حلالا * وتلك على الشقي خطيئتان قال: فطرب، وأخذته أريحته، فقال لي: صدقت، ترك الفرح في مثل هذا اليوم عجز، وأمر بإحضار الجلساء، وقعد في مجلس التاج على دجلة، فلم أر يوما كان أحسن منه في الفرح والسرور، وأجاز في ذلك اليوم من حضره من الندماء والمغنين والملهين بالدنانير، والدراهم، والخلع، وأنواع الطيب،… ” (1). هذه نبذة مختصرة عن حياة الراضي، والمأساة التي كان يعانيها، بل أنها مأساة الامة الاسلامية، وقد توفي الراضي بالله في منتصف شهر ربيع الاول من عام 329 ه‍، وقد خلف وراءه جملة من المشاكل والفتن قد أثقلت كاهل الشعوب الخاضعة تحت النفوذ العباسي. علما أن تلك الاحداث السياسية أعقبتها خلافات وصراعات بين المذاهب والفرق الاسلامية، وهذا ما سيأتي الحديث عنه في الفصل القادم إن شاء الله.


(1) مروج الذهب للمسعودي: 4 / 246.

[260]

ظهور بني بويه على الساحة السياسية أنجبت بلاد الديلم عدة قواد وامراء كان لهم نفوذ، وملكوا مناطق كثيرة من البلاد الاسلامية التي كانت تحت نفوذ العباسيين، من هؤلاء القواد ” ما كان بن كالي ” (1)، و ” أسفار بن شيرويه الديلمي ” و ” مرداويج ” وأخوه ” وشمكير “، وأولاد ” أبي شجاع بويه “، وهم ثلاثة، علي، وأحمد، والحسن، وقد منحهم الراضي بالله ألقابا، فلقب عليا بعماد الدولة (2)، وأحمدا بمعز الدولة (3)، والحسن بركن الدولة (4). لقد أشرنا فيما سبق الى بعض الاحداث المرتبطة بأولاد بويه الذين استولوا على بعض المدن، ثم عظم أمرهم وملكوا بلاد فارس، والديلم، والري، وإصبهان. تعاقبت عدة دول شيعية على بلاد الديلم، فقد وليها الحسن بن زيد العلوي، إذ شخص إليها من الري لما توجهت إليه دعوة من أهالي الديلم يبايعونه، وقد اجتمعت كلمتهم عليه، ولما فتحها بايعه أهل ” كلار ” و ” جالوس ” و ” الرويان “، ثم


(1) في مروج الذهب: ” ما كان بن كاكي “. 4 / 279. (2) توفي عام 338 ه‍. (3) توفي عام 356 ه‍. (4) توفي عام 366 ه‍.

[261]

في منتصف القرن الثالث الهجري ملك الحسن بلاد الري، ثم استولى على طبرستان، وظل مستوليا على هذه البلاد حتى وافاه الاجل عام 270 ه‍. ثم أعقبه أخوه محمد بن زيد العلوي، وكانت خلافته مشوبة بحروب مع الصفارية والسامانية، الى أن توفي – من أثر جراحات أصابته – عام 287 ه‍. وبعد وفاة محمد العلوي دخل الديلم الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي زين العابدين عليه السلام المعروف بالاطروش، وملك الديلم وطبرستان حتى عام 304 ه‍، حيث دخلت جنود الساماني فأخرجوه منها. وبعد الاطروش قام بالامر صهره الحسن بن القاسم العلوي، ويعرف بالداعي، فاستولى على الري وأخرج منها أصحاب الساماني، اسماعيل بن أحمد، ثم استولى على قزوين وزنجان وأبهر وقم، وفي تلك الايام ظهر أسفار بن شيرويه الديلمي فاستولى على طبرستان، وكان الداعي في الري، فتوجه لحربه، ودارت بينهما معارك دامية انتهت بمقتل العلوي الداعي عام 316 ه‍. وفي هذا العام أسس (مرداويج بن زيار) الدولة الزيارية في طبرستان وجرجان، ثم امتد نفوذه الى إصفهان وهمدان، وقد استطاع مرداويج خلال أيامه الاولى أن يستقطب أغلب القواد، وبالخصوص أتباع (ما كان بن كالي) أحد الامراء الذين خرجوا من بلاد الديلم. وكان علي، وحسن، وأحمد، أولاد بويه من قواد (ما كان)، ولما ضعف أمره اتجهوا الى مرداويج، وكانوا على مرتبة عالية من العلم والدين، فحسنت منزلتهم عنده، بل وقلدهم بعض النواحي من ملكه. أول من ملك من الاخوة هو أبو الحسن علي بن بويه، إذ قلده مرداويج (كرج)، ولما جاءها أميرا وواليا، أحسن التصرف، وأبدى جدارة في سياسته، وكان


[262]

حسن التدبير، كثير الحلم، واسع الصدر، سمحا، شجاعا، لهذه الاوصاف ولعدله وتدينه أحبه الناس، وكتبوا الى مرداويج يخبرونه بضبط البلاد وارتياح العباد. أخذ نجم أبي الحسن علي بن بويه يتألق في وسط سماء بلاد العجم، وصيته ينتشر في الامصار، كالديلم، وطبرستان، وجيلان، والري، حتى استطاع أن يملك إصبهان في فترة وجيزة بعد ما هرب منها ابن ياقوت خوفا من قوة عماد الدولة ونفوذه وسطوته. وقد امتد نفوذ علي بن بويه (عماد الدولة) الى أرجان والنوبندجان بين عامي 320 – 321 ه‍. إلا أن مرداويج ما كان يروق له ذلك النفوذ، بل كان يخاف على نفسه والتوسع السياسي لعماد الدولة واستيلائه على مناطق اخرى غير التي كانت بقبضته، وهي ولاية كرج، لذا جهز مرداويج جيشا الى إصبهان ليكبس فيها عماد الدولة، فلما علم ابن بويه خرج منها متوجها الى أرجان فاستولى عليها، ثم تقدم الى النوبندجان فاحتلها وانهزم منها ياقوت – حاكمها الاسبق -، وكان ذلك في عام 321 ه‍ كما تقدم. وفي هذا الوقت أرسل عماد الدولة أخاه الحسن (ركن الدولة) ليفتح كازرون، وفعلا تم له ذلك، وعاد عليه بالاموال الطائلة، مما عزز مكانته، واستمال جنده، وطمع الآخرون بنواله. ولما دخلت سنة 322 ه‍ استولى علي بن بويه (عماد الدولة) على شيراز وظفر بياقوت، وغنم أموالا كثيرة، وحاز من السلاح والذخائر الشئ الكثير، حتى امتلات خزائنه، وثبت أمره، وطمع بفارس فاستولى عليها، ولما عظم أمره كتب الى الراضي يعلمه ما صار إليه من النصر والغلبة، ويعرفه أنه على الطاعة، ويطلب منه


[263]

أن يقاطع على ما بيده من البلاد مقابل ألف ألف درهم يبذل له سنويا، فاجيب الى ذلك، وأنفذ إليه الراضي الخلع، وبعثها مع رسول له، وشرط عليه أن لا يسلمه الخلع الا بعد قبض المال، فلما وصل الرسول خرج إليه عماد الدولة الى لقائه وطلب منه الخلع واللواء، فامتنع الرسول وأبلغه بالشرط الذي أمره الراضي، إلا أن عماد الدولة أخذها قهرا، ولبس الخلع، ونشر اللواء بين يديه، ودخل على الامراء والجند، وأخر الرسول عن الذهاب. وقد آلت الامور الى عماد الدولة بعد ما قتل الاتراك صاحبهم مرداويج في إصبهان وتفرق قواده وخدمه، فمنهم التجأ الى ابن بويه مع (خجخج)، وجماعة أخرى وهم الا كثيرة ذهبوا الى الجبل مع (بجكم)، وقد تقدم الحديث عنهم في الصفحات السابقة (1). كان مجرى الاحداث في خدمة آل بويه، إذ اشترك جند الجبل وبجكم في تدبير بعض الامور التي نتج منها معارك طاحنة دارت بين ياقوت الامير مع البريدي والي الاهواز والبصرة، وما انجلت الحرب إلا بقتل ياقوت، وعظم أمر البريدي، وخافه الناس، وتعسف في الرعية، وكثرت المظالم.. ثم تهيأت الاسباب لآل بويه أن يملكوا بلاد فارس، والجبل، وشيراز، وإصبهان، والري وطبرستان، والديلم، وقزوين. وفي سنة 326 ه‍ ملك معز الدولة كرمان، ثم تقدم فاستولى على الاهواز وكان معه البريدي، إلا أن البريدي لم يبق مع معز الدولة إلا 35 يوما ثم هرب منه الى البصرة، فعوتب على ذلك. وفي سنة 332 ه‍ وصل معز الدولة الى واسط ثم ديالى، حيث كان يتهيأ


(1) انظر عصر الراضي بالله العباسي ص 258 من هذا الكتاب.

[264]

لدخول بغداد، لكنه عاد من حيث جاء. وفي سنة 334 ه‍ وصل معز الدولة الى بغداد من جهة الاهواز، وذلك يوم السبت لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادي الاولى في خلافة المستكفي، وقد ملك العراق وما تاخمه من البلدان، وكانت مدة ملكه اثنين وعشرين سنة تقريبا. لقد اهتم آل بويه بالعلماء وأهل العلم، فأنشأوا المدارس ودور العلم، وشيدوا المكتبات، وقربوا الاخيار والوجهاء من الناس، واستجابوا لامر الرعية، وبثوا العدل بينهم، واهتموا بالعتبات المقدسة، وبنوا المراقد، وشيدوا الخانات للزائرين في المدن وأوقفوها، لينتفع منها ابن السبيل والفقراء، واستتب الامن في جميع المملكة، وعم الرخاء، ورخصت الاسعار في زمانهم، حتى مدحهم العدو والصديق، وان أخبارهم مليئة في كتب التاريخ، وقد ذكر طرفا منها ابن الاثير في ” الكامل “. هجرة الشيخ الكليني إلى بغداد كانت البلاد الايرانية حتى بداية القرن الثالث الهجري سنية المذهب، ثم اقيمت دولة الطاهريين الشيعية في هرات عام 205 ه‍، واستمرت الى عام 259 ه‍، ثم انقرضت إمارتهم بعد ما استولى عليها يعقوب بن ليث الصفار، ثم اقيمت الدولة العلوية في الديلم عام 250 ه‍ كما تقدم. أما بقية بلاد ايران فهي على مذهب الاحناف أو الشوافع، عدا بلاد الري التي حوت جميع المذاهب، وقد بينا في الفصل السابق مناطق الشيعة الاثني عشرية، و مناطق المعتزلة، ومناطق الاحناف والشوافع، وبقية المذاهب. فلم يبق من البلاد الايرانية في تلك الفترة سوى قم، وهي شيعية بحتة، وكانت مأوى العلماء، وملجأ السادة الاشراف من أهل البيت عليهم السلام، لذا سميت بعش آل محمد صلوات الله عليهم،


[265]

حتى قال البعض: ان عدد المحدثين في قم زمن علي بن بابويه القمي، كان عشرين ألف عالم ومحدث (1). وبقيت قم محتفظة بمكانتها طيلة القرون الاولى، ولم يمسها من الشر والاضطرابات والفتن كما أصاب بقية المدن، وبالخصوص بلاد الري، حيث توالت عليها المصائب والفتن، وعمها من البلاء والعصبيات ما سطره المؤرخون في كتبهم، ومن جراء تلك العصبيات والخصومات بين الطوائف والمذاهب الاسلامية أن قسمت الري، وأصبح لكل طائفة لها منطقة معينة يسكنوها، يقول الدكتور كريمان: ” إن القسم الاعظم من المدينة كان بيد الشيعة… الى ان يقول: والقسم الغربي الواسع وكل الجنوب والجنوب الشرقي كان بيد الشيعة “، ثم يقول: ” وهذا يعني أنهم كانوا يمتلكون مناطق أوسع من مناطق الشافعية والاحناف، والشافعية كانوا يسكنون القسم الشرقي من مدينة الري، أي القسم المحاذي لمناطق الشيعة، جنوب جبل الري الكبير، والمسمى ب‍ (كوه بي بي شهربانو)، ومع ذلك فإن هذا القسم يشترك فيه الشوافع والاحناف. لان الجامع الكبير الذي فيه منقسم بينهم، فيوم للاحناف ويوم للشوافع، أما الاحناف فلهم القسم الشرقي بكامله (2). أقول: لقيام بعض الامارات الشيعية في بعض نواحي ايران كان له الاثر الكبير لتعزيز مواقع الشيعة في قم وبلاد الري، ثم لظهور آل بويه على الساحة السياسية كان هو العامل الآخر، مما شجع بعض العلماء في الهجرة الى العراق، حيث نزل بعضهم مدينة بغداد، لكونها بلد العلم ومركز الخلافة فيها، ففي ظل إمارة عماد الدولة ومعز الدولة وركن الدولة هاجر الشيخ الكليني الى بغداد، وسكن الكرخ


(1) گنجينه آثار قم لعباس فيض: ص 162. (2) انظر ري باستان: 2 / 83 – 84، أحسن التقاسيم: ص 391.

[266]

حيث موطن الشيعة هناك. لقد عرفت من الفصل السابق قول النجاشي في حق الشيخ الكليني، إذ قال: ” شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث ” (1)، فلست أدري هل للشيخ الكليني قدس سره دور سياسي لتشييد إمارة بني بويه – سواء كان في ايران أو في العراق – أم ليس له دور حقيقي ؟ من خلال بعض النصوص وما قاله النجاشي في حق الشيخ يتضح أن شهرة الكليني لم تخف على امراء آل بويه في وقتهم، وأن منزلته بين العلماء لا تنكر، وبالخصوص في الوسط الشيعي، فهل يعقل أن لا يتصل به عماد الدولة وأخويه ركن الدولة ومعز الدولة، في الوقت الذي كان هؤلاء يظهرون تشيعهم، ويتوددون الى أهل العلم والعلماء، بل ويهتمون بهم، ويصلونهم بالمال، ويبذلون لهم ما أمكنهم وإقامة صرح الدين وتعضيد المذهب ؟ كيفما كان، لابد من دراسة الاحداث جيدا حتى نقف على جواب ما تقدم من سؤال.


(1) رجال النجاشي: ص 377.

[267]

الفصل الرابع الحالة العلمية في عصر الكليني علم الكلام تعريفه، موضوعه غرضه، انتشاره تطوره مدرسة الاعتزال مشايخ المعتزلة في البصرة مؤسس مدرسة الاعتزال في بغداد طبقات المعتزلة معتقدات المعتزلة أثر الاعتزال مدرسة المشاعرة بعض معتقداتها بين الامامية والمعتزلة والاشاعرة


[269]

علم الكلام تعريفه: قال ابن خلدون: ” هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الايمانية بالادلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ” (1). ثم يقول بعد ذلك بصفحات: “… إن الاشاعرة نظروا في مقدمات علم الكلام القديمة فتركوا ما له اختلاط بالفلسفة، وكانت مسائل الكلام قد اختلطت بمسائل الفلسفة، بحيث لا يمكن التمييز بينها، وصاروا في الطريقة الجديدة – أي الاشعرية – يردون على مسائل الفلسفة التي لا تتفق مع العقائد الدينية ” (2). أما الغزالي فعرفه بأنه علم مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها عن تشويش أهل البدعة (3).


(1) مقدمة ابن خلدون: ص 400. (2) مقدمة ابن خلدون: ص 407. (3) المنقذ من الضلال: ص 18.

[270]

وبعد هذا التعريف يفصل الغزالي بأن عقيدة أهل السنة هي الحق، وهي العقيدة النازلة على الرسول صلى الله عليه وآله التي فيها صلاح الامة وتهذيب نفوسهم. أما البدعة فهي عبارة عن وساوس يلقيها الشيطان في بعض النفوس، فيوسوس فيها، ويحركها للعمل المخالف، وإظهار البدع بين الناس، مما قوض الله سبحانه رجال المتكلمين لنصرة الدين والحق، مما نشأ علم الكلام. ولا يخفى على اللبيب ان تعريف الغزالي هو أضيق افقا من تعريف ابن خلدون. وممكن تعريف علم الكلام بأنه العلم الذي يبحث عن اصول العقائد المذهبية، مستعينا بالادلة العقلية والنقلية، خلوصا من العقائد الكافرة الضالة، والتزاما بالعقيدة الحقة. ولا يخفى أن علم الكلام التزمه المسلمون الاوائل، وأهل المذاهب والمدارس الفكرية الاسلامية نصرة لمذهبهم، لذا فهو لم يقتصر على أهل السنة أو الشيعة، كما أن الجميع قد ساهم في تطوير وازدهار هذا العلم – الشريف – والى الآن.. وعلى هذا كل يعتقد أن مذهبه على الحق، فالدفاع عنه لازم، ووسيلة الدفاع هو علم الكلام. من هنا يمكن أن نعرف وجه تسمية هذا العلم بعلم الكلام، كما أن هناك علل مختلفة في تسميته، منها: 1 – بما أن نسبة علم الكلام الى العلوم الاسلامية كنسبة المنطق الى الفلسفة لذا فإن علم الكلام مرادف لعلم المنطق. 2 – من أهم الموضوعات المبحوث عنها في علم الكلام هو حق الله تعالى، وهذا الحق ابتدأ أولا بالبحث عن كلام الله تعالى، هل هو قديم أم حديث، مما سمي هذا العلم بالكلام.


[271]

3 – ولما كانت المناظرات تعقد بين أهل الطوائف المنتحلة للاسلام والمذاهب الاسلامية البارزة، فإن البحث الذي كان يدور بينهم هو حول العقيدة، ولما يكون الاختلاف في شئ ما قالوا: والكلام هنا، فسمي ذلك الجدل بعلم الكلام. موضوعه: بعض المتكلمين قالوا: هو البحث عن ذات الله، وبعضهم قال: له ارتباط بالعقائد الدينية. غرضه: أما غرضه فهو معرفة الحقائق الدينية، والاصول الاعتقادية التي هي موجب الهداية ووصول الانسان الى السعادة الابدية، كما أنه يفضح شبهات المخالفين، وينقي الاصول الاسلامية والعقائد من البدع والسموم التي زرعها أعداء الاسلام. انتشاره: كان المعتزلة يعلمون الكلام في مسجد المنصور ببغداد (1)، فكأن المساجد لم تعد أماكن لتدريس الفقه والدين فحسب، بل دخلتها علوم اخرى، كالفلك، والرياضيات، والكلام، وعلوم الادب واللغة (2). يضاف الى هذا كله انتشار مجالس المناظرة في الدور والقصور والمساجد بين العلماء، وفي حضرة الخلفاء، وكان يشد من أزر هذه المناظرات الشغف بالعلم،


(1) العالم الاسلامي في العصر العباسي لحسن أحمد محمود: ص 256. (2) العالم الاسلامي: ص 257.

[272]

وعطايا الخلفاء والامراء ونيل الحظوة عندهم، وكان بعض الخلفاء والامراء يحضرون هذه المناظرات ويشتركون في الرأي، فيؤيدون البعض ويفندون البعض الآخر (1). تطوره: اهتم بعض حكام الامويين وخلفاء العباسيين بنقل الكتب الفلسفية الى الحضارة الاسلامية، فترجمت عدة كتب من اليونانية والهندية والفارسية، ونشطت حركة الترجمة في زمن المنصور والرشيد والمأمون، ثم ظلت الفلسفة اليونانية تروج نظرياتها الفلسفية في الحياة والكون وما وراء الطبيعة، وكان هدفها نسف العقائد الاسلامية، والاطاحة بفكرة التوحيد وتعاليم القرآن الكريم. ومن يدقق في هذا التيار الفكري الذي دخل الحضارة الاسلامية خلال الحكم العباسي، يجد أن الصليبية كانت وراء ذلك، لهذا استفاد المسلمون من الفلسفة اليونانية لخلق فلسفة اسلامية هادفة من خلال علم الكلام، وقد أسرع المسلمون في بلورة أفكارهم الجديدة للوقوف أمام فاعلية تيار الفلسفة اليونانية التي لاقت رواجا كبيرا في بداية القرن الثاني الهجري. ثم علم الكلام استقطب الكثير من المصطلحات اليونانية واستخدمها للتركيز على ما هو المضاد لها، وللكشف عن مواطن الضعف والخطأ في الفكر اليوناني، وللتركيز على ما هو الاصيل من العقائد الاسلامية. الفلسفة بصورة عامة، واليونانية منها بصورة خاصة تتجه الى المعايير العقلية، غير مبالية بالعقائد الدينية، وان اسلوبها يستند الى الاقيسة العلمية


(1) العالم الاسلامي: ص 257.

[273]

والمنطقية المجردة. أما علم الكلام استخدم العقيدة الى جانب العقل، وصاغ منهما الفكر الفلسفي الاسلامي والمنطق الاسلامي، فكما ان الفلسفة اليونانية خدمت علم الكلام، فإن الاخير – علم الكلام – استطاع أن يضع الحلول لجميع المسائل التي عجز عنها الفكر اليوناني وفلسفته المادية، وهكذا استطاع علم الكلام أن يتطور ويخدم الحضارة البشرية، ويضع الحلول لكثير من المسائل المعقدة، كمسألة الوجود، وما وراء الطبيعة، ومسائل عقلية اخرى استعصت على الفلسفة اليونانية وغيرها. بعد ما استقر علم الكلام وأدى فاعليته بالنسبة لدحض الفكر الفلسفي اليوناني التجأ علماء المسلمين بعد ذلك لتقرير مسألة المبدأ والمعاد والعدل الالهي، ثم تطور هذا العلم ليدخل في صراع جديد نشب بين الفرق والطوائف الاسلامية حول جملة من العقائد والمعارف العقلية، لاجل ذلك تكيف هذا العلم ليدخل حلبة جديدة من الخلافات العقائدية التي كان منشؤها تحزب المسلمين، وتعدد الفرق والمذاهب والاتجاهات، ثم تطورت الخلافات العقائدية لتشمل العصبيات والاهواء. كيفما كان، تحمل علم الكلام مهمة الدفاع عن المبادئ الاسلامية، ودحض الفلسفة اليونانية، وهو بهذا يمثل الصراع الدائر بين الفكر الاسلامي في المبدأ والمعاد وبين الفكر اليوناني الفلسفي الالحادي، هذا من جهة، ومن جهة اخرى تحمل علم الكلام أعباء الصراع الدائر بين فرق المسلمين، وبالذات الاشاعرة والمعتزلة، ومدى فاعلية الفلسفة اليونانية وآثارها في هذا الصراع. فبعد ما كانت المهمة الرئيسية في علم الكلام هو الدفاع عن المبدأ والمعاد، والذب عن فكرة التوحيد، ورد شبهات النصارى واليهود والملحدين والماديين، فقد أصبح في ظل النزاعات المذهبية يبحث عن الدليل العقلي في الامامة والخلافة،


[274]

ثم امتد البحث عند كل طائفة ليشمل مواضيع اخرى، أهمها المسائل الخلافية حول الذات الالهية، وصفاتها، ورؤية الله، والعدل الالهي، والقضاء، والقدر والجبر والاختيار، والمشيئة والارادة، وعصمة الانبياء، وتقديم المفضول مع وجود الفاضل، وغيرها من المسائل التي عصفت بالمسلمين، واحتد النزاع فيها وأودت بحياة الكثير من العلماء. وأبرز صورة للعنف العقائدي التي ظهرت في الساحة الجدلية هي مسألة خلق القرآن، والتي تبناها عدة من الحكام العباسيين، بل تبنى هؤلاء العباسيون فكرة الاعتزال، وجعلوه المذهب الرسمي للدولة بالخصوص زمن المأمون، واستمر فكر الاعتزال يساير الدولة العباسية حتى نهاية القرن الثالث الهجري، بل لا ننسى أن الامويين تبنوا فكرة الارجاء في القرن الاول الهجري، وراج في زمنهم هذا المذهب، واتسع مريدوه، لانه المذهب الوحيد الذي يبرر أعمال الظالمين والحكام الفاسقين، فهؤلاء العصاة الجناة – على حد زعمهم – مؤمنون ولم يحكم عليهم بالعذاب، بل يرجى لهم المغفرة والتوبة، والتجاوز عن خطاياهم ومعاصيهم، لهذا انهم مرجئون الى يوم القيامة، بل المرجئة يجزمون بأنه لاعقاب على مرتكب الكبيرة، لانه لا يضر مع الايمان ذنب ! هذا ما كان في القرن الاول الهجري والثاني منه والثالث. وفي مطلع القرن الرابع الهجري انعكست الامور، وانقلبت الدائرة على المعتزلة، وظهر الاشاعرة الى الوجود، وثبتت الدولة مذهبهم، وأصبح المذهب الرسمي لها. لاجل ذلك الصراع بين المعتزلة والاشاعرة آثرنا ان نتحدث عن الفريقين بشئ من الايجاز، وأثرهما على الساحة العقائدية، وانعكاس ذلك الاثر على منهج الكليني.


[275]

مدرسة الاعتزال مدرسة (1) فكرية عاشت في أكناف أهل السنة، وبعد زمن من نشوئها حدث الخلاف بين رجالها وبين أهل السنة، مما ولد ذلك الخصام تراثا عقليا لكلا المذهبين أغنت المكتبة الاسلامية طيلة قرون عديدة، إلا أن هجمات أهل السنة على المعتزلة كان عنيفا جدا، بل أنهم شوهوا عقائدهم ورموهم بشتى التهم والمساوئ، وقبحوا عقائدهم، حتى أظهروهم للملا الاسلامي أنهم مرقوا عن الدين، وأوجدوا البدع فيه. ظهرت مدرسة الاعتزال في بداية القرن الثاني الهجري في البصرة، ولا يخفى


(1) إطلاق لفظ ” مدرسة ” على المعتزلة أصح من لفظة ” فرقة “، لان الفرقة تشكل لنفسها خطا سياسيا منبثقا من عقائدها الدينية، وتفهمها للاصول والفروع في الاحكام والعبادات، والحياة في منظورها مزيج من الدين بالسياسة، اما المدرسة فهي في الغالب تطلق على التبني الفكري. والمعتزلة مدرسة فكرية كلامية، شأنها شأن بقية المدارس الفكرية في الاسلام كالمرجئة، وغالبا المدارس الفكرية تنبثق من مذهب أو فرقة معينة، وتبقى تحافظ على ذلك التبني في الاصل العقائدي والفقهي، فالمعتزلة مدرسة سنية الاصل والمنشأ.

[276]

ما للبصرة آنذاك من شموخ في عالم العلم والادب والثقافة، وملتقى العلماء والادباء وأهل الكلام. للمعتزلة أسماء مختلفة، منها أسماء خاصة، واخرى عامة. فأما الخاصة فهي مقتصرة على طائفة منهم، ولا يبعد أن تكون مشتقة من بعض عقائدهم، نذكر منها: (1) الحرقية، لقولهم: الكفار لا يحرقون إلا مرة. (2) المفنية، لقولهم: بفناء الجنة والنار. (3) الواقفية، لقولهم: بالوقف في خلق القرآن. (4) اللفظية، لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (5) الملتزمة، لقولهم: الله تعالى في كل مكان. (6) القبرية، لانكارهم عذاب القبر (1). وأما الاسماء العامة، والمشهور بين المؤرخين والعلماء فهي: 1 – المعتزلة: وهو أشهر أسماء هذه المدرسة، والسبب في هذه التسمية كما يذكره البغدادي في كتابه ” الفرق بين الفرق “: الصفحة 94 و 98، يقول: ” إن أهل السنة هم الذين دعوهم معتزلة، لاعتزالهم قول الامة بأسرها في مرتكب الكبيرة من المسلمين، وتقريرهم انه لا مؤمن ولا كافر، بل هو في منزلة بين منزلتي الايمان والكفر “. وروى الشهرستاني في ” الملل والنحل “: 1 / 55 سببا آخر، فقال: ” وهو أن واصل بن عطاء مؤسس المدرسة حين اختلف مع الحسن البصري في مسألة مرتكبي الكبائر وأدلى برأيه فيها، اعتزل مجلس الحسن هو وبعض من وافقه على ذلك الرأي، وجلس قرب إحدى اسطوانات المسجد يشرحه لهم، فقال الحسن البصري:


(1) انظر الخطط والآثار للمقريزي: 4 / 169.

[277]

اعتزل عنا واصل، فسمي هو وأصحابه معتزلة ” (1).


(2) المستشرقة الالمانية () Susanna Diwaldwilzer سوسنه ديفلد يلزر تشكك في صحة هذا الخبر، وتقول: ” يتعذر إثبات سبب هذه التسمية الحقيقي بوجه قطعي “. انظر طبقات المعتزلة، تحقيق سوسنه، التصدير (ح) 1961. وربما قيل: ان الاعتزال كان منشؤه ديني، وآخرون قالوا: إن منشأه سياسي، وقد أدلى كل فريق بأدلة، وهي قابلة للنقاش. مهما يكن من شئ فإن من المسائل المهمة في فكر المعتزلة الاوائل، والتي دارت حولها البحوث والمناظرات هي مسألة الامامة والخلافة، حيث احتلت مكانا بارزا عند المتكلمين الاوائل، أي عند بدء ظهور فكرة الاعتزال، ومن ثم تضاءل الاهتمام بها حتى أصبحت كباقي الموضوعات الفرعية. والمعتزلة تعتقد باصول خمسة، هي: (1) التوحيد (2) العدل (3) الوعد والوعيد (4) المنزلة بين المنزلتين (5) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن جملة الآراء التي قيلت في سبب تسمية هؤلاء بالمعتزلة ما قاله الدكتور علي سامي النشار: ” ان وضع المسألة الصحيح أن اسم ” المعتزلة ” قد ظهر سياسيا – بلا شك – في حروب علي وأصحاب الجمل، وفي حروب علي ومعاوية، ولكنه لم يستخدم لطائفة معينة “، ثم يستطرد فيقول: ” قد عثرت على نص هام، وجدت فيه: من الفرق التي افترقت بعد ولاية علي، فرقة منهم اعتزلت مع سعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن سلمة الانصاري، واسامة بن زيد بن حارثة، فإن هؤلاء اعتزلوا عليا، وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه بعد دخولهم بيعته، والرضاء به، فسموا معتزلة، وصاروا أسلاف المعتزلة الى آخر الابد، وقالوا: لا يحل قتال علي أو القتال معه، والاحنف بن قيس قالها لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم “. أقول: هذا النص الذي ذكره الدكتور النشار ولم يذكر مصدره، إنما هو مذكور في ص 4 من كتاب ” المقالات والفرق ” لسعد بن عبد الله أبي خلف الاشعري القمي المتوفى سنة 301 ه‍، ممن أدرك الامام الحسن العسكري عليه السلام ولم يرو عنه، وبين النصين فرق يسير، فراجع. ثم يستطرد النشار فيقول: ” إن السبب في أنهم اعتزلوا الناس، أو أن هذا الاسم اطلق عليهم هو عدم موافقتهم على انتقال الخلافة لمعاوية، فأصابتهم حسرة مريرة، أن يسلب الحق أهله، فابتعدوا عن المجتمع السياسي، ولجأوا الى العبادة، وسرعان ما تناسوا هذا السبب

[278]

أما ابن خلكان، ففي كتابه ” وفيات الاعيان “: 1 / 609 يذكر ان الذي سماهم بهذا الاسم هو قتادة بن دعامة السدوسي ت 117 ه‍، وكان قتادة من علماء البصرة، وأعلام التابعين، ومن أصحاب الحسن البصري المختلفين الى مجلسه، دخل يوما مسجد البصرة وكان ضريرا، فإذا بعمرو بن عبيد ونفر معه قد اعتزلوا حلقة الحسن البصري وكونوا لهم حلقة خاصة وارتفعت أصواتهم، فأمهم وهو يظن أنهم حلقة الحسن، فلما صار معهم عرف حقيقتهم، فقال: إنما هؤلاء المعتزلة، وقام عنهم، فسموا معتزلة. غير أن المسعودي في ” مروج الذهب ” 3 / 222 و 4 / 22 يؤيد البغدادي بقوله: إن كلمة ” اعتزال ” في اصطلاح مذهب المعتزلة هو القول بالمنزلة بين المنزلتين، أي باعتزال صاحب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين. لهذا أن فكرة الاعتزال لم تأت من اطلاق شخص لتسمية مجموعة ما، أو أن فلانا اعتزل أصحابه فسمي ومن معه بالمعتزلة، بل أن التسمية جاءت لمعتقد فكري، وهذا المعتقد هو الذي أوجد لهم هذه التسمية. ومما يؤيد هذا المفهوم ما تعارف عليه أهل اللغة من إضافة كلمة (أهل) الى متبنى ما أو عقيدة أو فكرة ما..، فالمرجئة يقال عنهم أهل الارجاء، والمعطلة أهل التعطيل التي عطلت صفات الله، والمجبرة بأهل الجبر، أي أن الانسان في عقيدتهم مجبور على أفعاله.. وهكذا. وهناك آراء اخرى في سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم، تركنا التفصيل – لما


السياسي في اعتزالهم وهم يتدارسون القرآن والتفسير، ولكن الحوادث التي كانت تحيط بهم جعلتهم يتجهون مرة اخرى للحياة السياسية والدينية. للاطلاع انظر: المنية والامل في شرح الملل والنحل، تحقيق د. النشار: هامش ص 7.

[279]

فيها من ضعف – لاهل الاختصاص. ثم إن هذا الاسم ما كان مرغوبا عند الاوائل منهم، ولما أكثر أهل السنة التحامل عليهم، واشتدت الخصومة بينهم، حاول علماء المعتزلة أن ينتصروا لهذا الاسم، ويبرهنوا على صحة معتقدهم واعتزالهم البدع، فهذا ابن المرتضى الزيدي، أحمد بن يحيى ت 840 ه‍، في كتابه ” المنية والامل ” ص 2 يقول: ” ان المعتزلة هم الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم لا غيرهم، وأنهم لم يخالفوا الاجماع، بل عملوا بالمجمع عليه في الصدر الاول من الاسلام، وإذا كانوا قد خالفوا شيئا فإنما الاقوال المحدثة والمبتدعة واعتزلوها “. ثم يستشهد ابن المرتضى بآيات وأحاديث في فضل هذا الاسم وصحة المعتقد. 2 – أهل العدل والتوحيد: أطلق المعتزلة على انفسهم اسم أهل العدل والتوحيد، إذ أنهم يعنون بالعدل هو نفي القدر، والقول بأن الانسان هو موجد أفعاله، تنزيها لله تعالى عن أن يضاف إليه الشر، ويعنون بالتوحيد هو نفي الصفات القديمة، والدفاع عن وحدانية الله جل شأنه. فالمعتزلة تفتخر بهذه التسمية، ويفضلونها على سائر الاسماء. ومما أكد هذا الاختيار عند المعتزلة عدة من مؤرخي السنة، كالمقدسي (1)، والشهرستاني (2)، وابن قيم الجوزية (3)، والمقبلي (4)، والقلقشندي (5)، والدميري (6)، وهذا الاخير في كتابه ” حياة الحيوان الكبر ى “، قال: ” إن قسما من


(1) أحسن التقاسيم: ص 37. (2) الملل والنحل: 1 / 50. (3) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: 1 / 185. (4) العلم الشامخ: ص 300 و 415. (5) صبح الاعشى: 13 / 251. (6) حياة الحيوان الكبرى: 1 / 12.

[280]

أهل الكلام دعوا أنفسهم أهل العدل والتوحيد “، وقصد بهم المعتزلة، وكما في ” صبح الاعشى ” (7) أيضا، إذ قال: ” إن المعتزلة يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد “. 3 – أهل الحق: ومن الاسماء المحبذة التي أطلقها المعتزلة على أنفسهم اسم ” اهل الحق “، حيث يرون أنفسهم هم الفرقة الناجية، ويعنون غيرهم من المذاهب والمدارس الفكرية بشتى النعوت والصفات، بل يرون أن غيرهم على باطل ! هذه بعض الاسماء المحبذة التي أطلقها المعتزلة على أنفسهم، إلا أن خصومهم – ولاختلافهم في المعتقد والتفكير – أطلقوا على المعتزلة عدة أسماء وعناوين، معتمدين في ذلك على المعتقدات التي التزمها المعتزلة في تفكيرهم، والتي أصبحت اصولا لمذهبهم. وعلى الاجمال نذكر بعضها: أ – المعطلة: أصل التسمية كانت تطلق على مذهب الجهمية، نسبة الى مؤسسها الاول جهم بن صفوان، المتوفى سنة 128 ه‍، والمدرسة الجهمية ظهرت قبل المعتزلة، إذ كانت تنفي الصفات عن الله جل شأنه، أي تجريده تعالى منها، ولما ظهرت المعتزلة أخذت عن الجهمية قولها بنفي الصفات، فلزمهم الاسم المتقدم، المعطلة. ومن معاني التعطيل، هو تعطيل ظواهر الكتاب والسنة عن المعاني التي تدل عليها، وقد لجأ المعتزلة الى الآيات التي لا توافق مشاربهم وأفكارهم الى تأويلها، ولا يستبعد أن يكون ذلك سببا في هذه التسمية. ومن أشهر الكتاب الذين أطلقوا هذه التسمية على المعتزلة هو ابن القيم الجوزية، وأنك تجد في كتابه ” الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة ” يكرر من إسم المعطلة، والتي يقصد بها المعتزلة، ويفهم من عنوان الكتاب ومحتواه أيضا الرد عليهم.


(1) صبح الاعشى: 13 / 251.

[281]

ب – الجهمية: وهي نسبة الى مؤسس المدرسة جهم بن صفوان، المتوفى عام 128 ه‍. ظهرت هذه المدرسة قبل المعتزلة، وقالت بالجبر، وخلق القرآ ن، ونفي الصفات، وإنكار الرؤية، ولما ظهرت المعتزلة أخذت ببعض أقوال هؤلاء، وانتحلت أفكارهم، مما كان سببا في تسميتهم من قبل أهل السنة بالجهمية. والجدير بالذكر ان الردود التي كتبت من قبل علماء السنة المتأخرين، كابن حنبل ومن جاء بعده، إنما كانوا يقصدون بالجهمية هم المعتزلة. أما علماء السنة المتقدمين على ابن حنبل إنما كانت ردودهم على الجهمية هي الاولى، أتباع جهم بن صفوان، لانهم أسبق من المعتزلة (1). ج – القدرية: من عقائد المعتزلة قولهم بأن الناس هم الذين يقدرون أعمالهم، وأن الله سبحانه ليس له فيها صنع ولا تقدير (2). غير أن هذا المعتقد كان سائدا بين مجموعة – سبقت المعتزلة – ذات مدرسة متميزة، مؤسسها معبد الجهني وغيلان الدمشقي، القائلين بالقدر، خيره وشره من الله سبحانه. ولما كان المعتزلة يعتبرون غيلان الدمشقي واحدا منهم، وهذا من القائلين بالقدر، إذن من البديهي أن يتفقا على هذه التسمية، بل قل: إن المؤرخين لم يفرقوا بين الطائفتين، وهذا ما دأب عليه ابن قتيبة الدينوري ت 276 ه‍ في كتاب ” المعارف “: ص 207، وعبد القاهر البغدادي ت 429 ه‍ في ” اصول الدين “: ص 94 و 135، ط اسطنبول 1928.


(1) انظر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية: 1 / 231 و 2 / 327، وتاريخ الجهمية والمعتزلة: ص 44. (2) الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي الاشعري ت 429 ه‍: ص 94 ط القاهرة 1910

[282]

ففي كلامهما عن القدرية والمعتزلة لا يفرقان بينهما، وكأنما يعتقدان بكونهما مدرسة واحدة. ويدعي عبد القاهر البغدادي أن أهل السنة هم الذين أطلقوا على المعتزلة اسم القدرية (1)، والتحقيق في المقام أن مفهوم القدر له شعبتان، الشعبة الاولى: هو نفي القدر خيره وشره من الله سبحانه، وهذا ما يذهب إليه المعتزلة، والشعبة الثانية: هو إسناد القدر خيره وشره الى الله سبحانه، وهذا ما ذهبت إليه القدرية الاولى والاشاعرة. فليس غريبا أن نجد المعتزلة والاشاعرة كلا منهما يطلق على صاحبه اسم القدرية، فالمعتزلة تثبت القدرة للعبد، والاشاعرة تنفيها عنه. د – الخوارج: من عقائد الخوارج أنهم قالوا بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، مع قولهم أنه ليس بكافر. والمعتزلة وافقت الخوارج في هذا، ومن أشهر علماء المعتزلة الذين ذهبوا الى هذه العقيدة واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، ولهذه الموافقة في العقيدة أطلق عليهم البعض إسم الخوارج. ه‍ – الثنوية والمجوسية: من عقائد الثنوية والمجوسية قولهم: ان الخير من الله سبحانه، والشر من العبد، وهذا كان سائدا في بلاد العجم والهند وما جاورهما من أقاليم، ولهذا اعتبروا النور والنار والضياء وما شاكله هو الخير من خلق الله سبحانه، وأما الظلم والسواد وما شاكلهما شر من خلق الشيطان. فقد ذهبت طائفة من علماء المعتزلة القدماء الى ما ذهب إليه الثنوية، وقد اكتسبوا لقب ” مجوس هذه الامة ” للحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وآله: ” القدرية


(1) الفرق بين الفرق: ص 94.

[283]

مجوس هذه الامة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وان ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم “. و – الوعيدية: وهو منبثق من قول المعتزلة بالوعد والوعيد، والذي يعتبر من الاسس المهمة لفكرة الاعتزال، ومعناه: أن الله سبحانه صادق في كل ما وعده للانسان من خير، ووعيده صادق لمن أساء وأذنب، وأنه تعالى لا يغفر الذنوب إلا بعد التوبة والانابة. وربما جاءت هذه التسمية من بعض خصومهم من المرجئة. مشايخ المعتزلة في البصرة: ظهرت فكرة الاعتزال أولا في البصرة، ومن أبرز مشايخهم وعلمائهم: واصل بن عطاءت 131 ه‍، وقال: إن أحد الطرفين فاسق دون تعين واحد منهما (1)، ومن تلامذته: عثمان الطويل، وحفص بن سالم، والحسن بن زكوان، وعمرو بن عبيد ت 143 ه‍ الذي قال بفسق الطرفين المتقابلين يوم الجمل، ومن تلامذته: خالد بن صفوان ت 133 ه‍، وابراهيم بن يحيى المدني. ثم تأتي طبقة اخرى تمثل: أبو علي الجبائي ت 203 ه‍، ثم أبو الهذيل العلاف ت 230 ه‍ (2)، وأبو هاشم الجبائي ت 231 ه‍، وأبو الحسن الاشعري، وأبو بكر


(1) ويقصد من الطرفين: الامام علي عليه السلام، وطلحة والزبير ومن تابعهما. (2) محمد بن الهذيل العلاف العبدي بالولاء، ولد ونشأ بالبصرة، ثم رحل الى بغداد ودرس على عثمان بن خالد الطويل، وهو أحد تلاميذ واصل بن عطاء، وقد اشتهر برأيه المخالف لآراء مشايخ المعتزلة في صفات الله، فهو القائل بأن لله صفات عين ذاته، فالله عالم وعلمه ذاته، وهو القادر وقدرته هي ذاته، وهذا مذهب الشيعة الامامية، فقد وافقهم العلاف وخالفهم في بقية المسائل الكلامية والعقائدية. فهو يذهب في مسألة القدر مذهب أشياخه من المعتزلة، كما أنه يوافقهم في بقية الاصول الخمسة التي يقوم عليها مذهب الاعتزال.

[284]

الاصم، ومعمر بن عباد ت 220 ه‍. ثم طبقة النظام ت 231 ه‍ (3)، والشحام ت 233 ه‍، ويوسف بن عبد الله بن إسحاق الشحام (4)، وبشر بن المعتمر ت 210 ه‍، وهو مؤسس المدرسة البغدادية في الاعتزال. ثم طبقة الاسوارس ت 200 ه‍، وعباد بن سليمان ت 250 ه‍. ثم طبقة الجاحظ 256 ه‍، والفوطي ت 318 ه‍. مؤسس مدرسة الاعتزال في بغداد: لا يخفى ان بشر بن المعتمر ت 210 ه‍ هو مؤسس هذه المدرسة في بغداد، ومن أبرز تلامذته: أبو موسى المردار ت 226 ه‍ (1)، وأحمد بن أبي داود ت 340 ه‍، وثمامة بن الاشرس ت 213 ه‍.


(1) النظام هو إبراهيم بن سيار بن هاني المصري، أبو إسحاق، أخذ الاعتزال عن خاله أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ورئيسهم في وقته، لقد انفرد بآراء تخالف مذهب الاعتزال، منها: انه قرر: إن الله سبحانه لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وهذا خلافا لاصحابه من المعتزلة القائلين بأن الله قادر على الظلم والشرور وكل قبيح، لكنه لا يفعلها. ومنها: قوله: إن البشر قادر على ان يأتي بمثل القرآن الكريم، إلا أن الله صرف أذهانهم عن ذلك. لقد كفره أغلب علماء المعتزلة الاوائل، كأبي هذيل العلاف، خاله، إذ ألف كتابا في الرد عليه سماه ” الرد على النظام “، وكفره أبو علي الجبائي، وأبو الحسن الاشعري في ثلاث رسائل كبيرة، والقاضي الباقلاني… وآخرون. (2) يكنى أبو يعقوب، من أصحاب أبي هذيل العلاف، وإليه انتهت رئاسة المعتزلة في البصرة، وقد أخذ عنه أبو علي الجبائي، توفي أبو يعقوب 227 ه‍. (3) هو عيسى بن صبيح المردار، درس على بشر بن المعتمر، بالغ في خلق القرآن، وكفر من قال بعدمه، وبالغ في القدر، وكفر من قال: إن أعمال العباد مخلوقة لله.

[285]

ثم تأتي طبقة: جعفر بن حرب ت 236 ه‍، وجعفر بن مبشر ت 234 ه‍. ثم طبقة الاسكافي ت 240 ه‍، وعيسى بن الهيثم الصوفي، والخياط ت 290 ه‍. ثم طبقة أبي القاسم البلخي الكعبي ت 319 ه‍. ومن علماء المعتزلة أيضا: هشام بن عمر الفوطي، بالغ في القدر حتى شذ عن أصحابه في المعتقد، ويسمون أتباعه بالهشامية. طبقات المعتزلة: بعض علماء المعتزلة المتأخرين، كالقاضي أبي الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الاسد آبادي، المتوفى سنة 415 ه‍، قسم طبقات المعتزلة منذ صدر الاسلام الى زمانه الى أحد عشر طبقة، ومن جاء بعده – تلامذته – يعدون في الطبقة الثانية عشرة. ونحن لا يهمنا أسماء وعلماء المعتزلة في كل طبقة، بل إنما يهمنا معرفة الطبقة الاولى منهم. وعند ما نطالع في كتبهم الكلامية وعقائدهم وسند مذهبهم نجد أنهم يدعون أن أول طبقة قال بالاعتزال هم الخلفاء الاربعة، وبعض الصحابة، كعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأبي الدرداء، وأبي ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت… وقد استشهدوا ببعض كلماتهم سندا لصحة فكرة الاعتزال – عندهم – من جهة، وإغراء مريديهم وتلامذتهم وجذبهم لهذا التطور الفكري الذي أصبح فيما بعد تيارا سياسيا وعقائديا خلال القرنين الثاني والثالث الهجري، من جهة اخرى. وقد أوردوا بعض الامثلة من أقوال الصحابة، ملتمسين أنها عين العقيدة التي


[286]

هم عليها، وأن هؤلاء الصحابة – حسب ادعائهم – هم مؤسسوا فكرة الاعتزال، وإليك بعضها: (1) قال أحمد بن يحيى بن المرتضى ت 775 ه‍: ” أما علي عليه السلام فقصة الشيخ الذي سأله عند انصرافه من صفين: أكان المسير بقضاء الله وقدره… الى آخره، مصرح بالعدل وإنكار الجبر، وذلك أنه لما انصرف من صفين قام إليه الشيخ فقال: أخبرنا عن مسيرنا الى الشام، أكان بقضاء وقدر ؟ فقال علي عليه السلام: ” والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما هبطنا واديا ولا علونا قلعة إلا بقضاء وقدر “، فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي مالي من الاجر شئ، فقال: ” بل أيها الشيخ عظم الله لكم الاجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي منقلبكم وأنتم منقلبون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين “، فقال الشيخ: وكيف ذلك والقضاء واجبا وقدرا حتما (1)، ولو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، ولما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولا كان المحسن بثواب الاحسان أولى من المسئ، ولا المسئ بعقوبة الذنب أولى من المحسن، تلك مقالة إخوان الشياطين، وعبدة الاوثان، وخصماء الرحمان، وشهود الزور، وأهل العمى عن الصواب في الامور، هم قدرية هذه الامة ومجوسها، إن الله تعالى أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، ولم يكلف مجبرا، ولا بعث الانبياء عبثا، ” ذلك ظن الذين كفروا من النار ” (2)، فقال الشيخ: وما ذلك القضاء والقدر اللذان ساقانا ؟ قال: أمر الله بذلك وإرادته، ثم تلا: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ” (3) فنهض الشيخ مسرورا بما سمع وأنشأ يقول:


(1) كذا نقله ابن المرتضى. والسقط فيه واضح انظر نص الرواية في هامش الصفحة الآتية. (2) سورة ص: 27. (3) سورة الاسراء: 23.

[287]

أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النشور من الرحمان رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالاحسان إحسانا (1) (2) ثم استشهدوا بقول أبي بكر وعبد الله بن مسعود في اجتهاداتهما، فلما سئل أبو بكر عن الكلالة قال: أقول فيها برأي، فإن كان صوابا فمن الله، وان كان خطأ فمني ومن الشيطان. وهكذا بالنسبة لابن مسعود عندما سئل عن المرأة المفوضة في مهرها، فكان جوابه كصاحبه.


(1) أورد الكليني الرواية في الكافي عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وإسحاق بن محمد وغيرهما رفعوه، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرنا الى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ، ما علوتم تلعة، ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال له: مه يا شيخ ! فوالله لقد عظم الله الاجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين، ولا إليه مضطرين. فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ فقال له: وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما ؟ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب، ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان، وخصماء الرحمن، وحزب الشيطان، وقدرية هذه الامة ومجوسها، إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يملك مفوضا، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا النار، فأنشأ الشيخ يقول: أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمان غفرانا أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالاحسان إحسانا اصول الكافي: ج 1 ب الجبر والقدر والامر بين الامرين: ص 155 ح 1.

[288]

فاستدل المعتزلة بقوليهما، وقالوا: إنهما صرحا بالعدل وأنكرا الجبر. (3) وكذلك استدلوا بما فعله عمر بن الخطاب، إذ جاءوا له بسار ق، فقال: لم سرقت ؟ فقال: قضى الله علي، فأمر به فقطعت يده وضرب أسواطا، فقيل له في ذلك، فقال: القطع للسرق، والجلد لما كذب على الله. قالت المعتزلة: وهذا يقتضي إنكاره للجبر. (4) وكذلك استدلوا بقول ابي بن كعب، إذ قال: السعيد من سعد بعمله، والشقي من شقي بعمله. (5) واستدلوا بقول عثمان لما سأل محاصريه لم ترموني ؟ قالوا: الله يرميك، قال: كذبتم لو رماني ما أخطأني. قالت المعتزلة: وهذا يقتضي إنكاره الجبر. (6) ومن النصوص الصريحة التي استشهد بها المعتزلة على صحة عقيدتهم، وأن الصحابة هم السلف الاول لمدرستهم – على حد قولهم – هو ما جاء عن ابن عباس في مناظرته، لمجبرة الشام، إذ روى مجاهد عن ابن عباس أنه كتب الى قراء المجبرة بالشام: أما بعد، أتأمرون الناس بالتقوى وبكم ضل المتقون، وتنهون الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون، يا أبناء سلف المقاتلين، وأعوان الظالمين، وخزان مساجد الفاسقين، وعمار سلف الشياطين، هل منكم الا مفتر على الله، يحمل إجرامه عليه، وينسبها علانية إليه، وهل منكم إلا من السيف قلادته، والزور على الله شهادته، أعلى هذا تواليتم، أم عليه تماليتم، حظكم منه الاوفر، ونصيبكم منه الاكثر، عمدتم الى موالاة من لم يدع لله ما لا إلا أخذه، ولا منارا إلا هدمه، ولا مالا ليتيم إلا سرقه أو خانه، فأوجبتم لاخبث خلق الله أعظم حق الله، وخاذلتم أهل الحق حتى ذلوا وقلوا، وأعنتم أهل الباطل حتى عزوا وكثروا، فأنيبوا الى الله وتوبوا، فإن الله يتوب على من تاب، ويقبل من أناب.


[289]

وهكذا استدل المعتزلة بأقوال مشابهة لما تقدم، وأدرجوا أسماء عدة من الصحابة، مدعين أنهم من مؤسسي فكرة الاعتزال، وذلك إنطلاقا من فكرة التوحيد والعدل وإنكارا للجبر. وهكذا استشهدت المعتزلة ببقية الصحابة والتابعين المشهورين، وجعلتهم من ضمن طبقاتهم، وعلى سبيل المثال: ادعت أن الحسنين هما من أشهر علماء المعتزلة للطبقة الثانية، مستند ين بذلك الى قول الامام الحسن عليه السلام مخاطبا فيه أهل البصرة، إذ قال في خطبته: ” من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر، إن الله لا يطاع استكراها، ولا يعصى لغلبة، لانه المليك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، وإن عملوا بالمعصية فلو شاء حال بينهم وبين ما فعلوا، فإذا لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر الله الخلق على الطاعات لاسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم على المعاصي لاسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزا في القدرة، ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم، فإن عملوا بالطاعة كانت له المنة عليهم، وان عملوا بالمعصية كان له الحجة عليهم “. وهكذا عملت المعتزلة في إقحام اسماء أبرز الصحابة والتابعين ليشكلوا منهم طبقاتهم. كما عرفت أن واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد من مؤسسي مدرسة الاعتزال، وهذا الثاني أخذ من الاول – واصل بن عطاء -، وهذا أخذ علم الكلام – كما يدعون – من محمد بن الحنفية بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. كما ذهبت المعتزلة أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية يعد من الطبقة الثالثة من المعتزلة،


[290]

ومنه أخذ واصل بن عطاء أيضا كما أخذ عن أبيه. هذه نبذة مختصرة عن طبقات المعتزلة الاولى – حسب زعمهم – ثم انتشر الاعتزال كفكرة عقائدية، وبعد ذلك أصبح تيارا سياسيا، ومذهبا رسميا في الدولة العباسية. معتقدات المعتزلة: لما كان مذهب الاعتزال المذهب الرسمي للدولة العباسية لفترة أكثر من قرن كان لابد أن نستعرض أهم معتقداتهم: استخدموا العقل، والادلة والحجج العقلية في تناول المسائل الكلامية. استطاعوا أن يحرزوا تأييد الخلفاء والامراء العباسيين، حتى تمكنوا في مدة وجيزة أن ينشروا بدعة خلق القرآن بأمر المأمون، غير أن ذلك لم يدم طويلا حتى جاء عصر المتوكل العباسي الذي أطاح بهم، وجعل كل من يقول بخلق القرآن دمه مهدور وهو كافر. لقد كان عمرو بن عبيد من أقرب الاصدقاء الى الخليفة المنصور العباسي، وكان أبو الهذيل استاذا للمأمون. اجماع المعتزلة: اجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثا قديما، قادرا، عالما، حيا لا لمعان، ليس بجسم، ولا عرض، ولا جوهر، عينا واحدا، لا يدرك بحاسة، عدلا، حكيما، لا يفعل القبيح ولا يريده، كلف تعريضا للثواب، ومكن من الفعل، وأزاح العلة، ولابد من الجزاء من وجوب البعثة حيث حسنت، ولابد للرسول من شرع جديد، أو إحياء مندرس، أو فائدة لم تحصل من غيره، وأن آخر الانبياء محمد صلى الله عليه وآله، والقرآن معجزة له، وأن الايمان قول ومعرفة وعمل، وأن المؤمن من أهل


[291]

الجنة، وعلى المنزلة بين المنزلتين هو أن الفاسق لا يسمى مؤمنا ولا كافرا، إلا من يقول بالارجاء، فإنه يخالف في تفسير الايمان، ثم قالوا: إن الفاسق يسمى مؤمنا، وأجمعوا أن فعل العبد غير مخلوق فيه، وأجمعوا على تولي الصحابة، واختلفوا في عثمان بعد الاحداث التي أحدثها، فأكثرهم تولاه، وتأول له، وأكثرهم على البراءة من معاوية وعمرو بن العاص، وأجمعوا على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأجمعوا على نفي الصفات الازلية عن الله سبحانه، وقولهم بأن ليس لله عزوجل علم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا سمع، ولا بصر، ولا صفة أزلية، بل قالوا: إن الله تعالى لم يكن في الازل اسم ولا صفة. أجمعوا باستحالة رؤية الله عزوجل بالابصار، وزعموا أنه لا يرى نفسه، ولا يراه غيره، واختلفوا فيه، هل هو راء لغيره أم لا، فأجازه قوم منهم، وأباه آخرون منهم. وأجمعوا على حدوث كلام الله سبحانه – أي أن كلامه مخلوق -، وحدوث أمره ونهيه وخبره، فزعم القدامى منهم بأن قول الله حادث، والمتأخرون قالوا: إن كلامه مخلوق. وأجمعوا بأن الله تعالى غير خالق لاكساب الناس ولا لشئ من أعمال الحيوانات، أي أن أفعال الحيوانات خارجة عن قدرة الله، وقد زعموا أن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم، ولهذا سماهم المسلمون بالقدرية. وأجمعوا على أن الفاسق من المسلمين هو بالمنزلة بين المنزلتين، وهي أنه فاسق، لا مؤمن ولا كافر. وأجمعوا على أن كل ما أمر الله تعالى به أو نهى عنه من أعمال العباد، لم يشأ


[292]

منها. أنكروا عذاب القبر. أنكروا المفاخر الزائدة لرسول الله، أي الزائدة على الانبياء، مثل الشفاعة والمعراج. إن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد قالا بالمنزلة بين المنزلتين، أي أن المسلم صاحب الكبيرة ليس بالمؤمن وليس بالكافر. وإن واصلا وعمرا وقفا بوجه منافسهم الجهم بن صفوان الذي كان يقول بالجبر، وشنا عليه حربا كلامية عنيفة لا هوادة فيها. ومن الفوارق الاخرى أن جهم بن صفوان كان يقول بخلق القرآن، وربما كان هو أول شخص قال بها، أما إجماع المعتزلة الاولى كانت تنفي ذلك، وتهاجم أتباعه ومريديه. أما أهل الحديث والسنة فكانوا يقولون بأزلية القرآن، وأزلية الصفات. ثم تغير مسلك المعتزلة ليقفوا مع جهم بن صفوان القائل بخلق القرآن، ويحملوا الحاكم العباسي المأمون لاعتناق هذه الفكرة، وجعلها عقيدة رسمية للدولة. قال الاسفرايني: ” كان المعتزلة يكفر بعضهم بعضا، وحالهم في هذا المعنى كما وصفه الله تعالى من حال الكفار، حيث قال تعالى: ” إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب ” (1). ويحكى أيضا: أن سبعة من رؤوس القدرية تناظروا في مجلس واحد في أن الله تعالى هل يقدر على ظلم وكذب يختص به ؟ فافترقوا من هذا المجلس وكل منهم كان يكفر الباقين ” (2).


(1) البقرة: 166. (2) التبصير في الدين للاسفراييني: ص 54. (*)

[293]

من المسائل الاسلامية المهمة التي ظهرت في أواخر القرن الاول الهجري: أ – مشكلة الخلافة والامامة. ب – قدرة الانسان على أعماله. ج – نفي الصفات عن الله تعالى. أما مسألة الخلافة والامامة فقد أكثر المسلمون فيها بحثا وتحقيقا، وألفوا فيهما الكتب والمقالات، قديما وحديثا. فمثلا من تلك الكتب: كتاب ” الامامة والسياسة ” لابن قتيبة. كتاب ” الامامة ” لابن الراوندي. كتاب ” الامامة ” للجاحظ. كتاب ” إمامة الحسن والحسين ” لابي إسحاق بن عباس. كتاب ” نقض الشافي في الامامة ” لابي الحسين البصري. كتاب ” نقض الامامة ” لابي الحسن عبد الجبار. والمعتزلة – أغلب فرقها – تكلمت عن الامامة، وكل مذهب له رأيه الخاص، ومجمل القول أنهم ينقسمون الى قسمين: الاول، يمثله أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم ومن حذا حذوهم، يقولون: الامامة غير واجبة على الامة بالنص الشرعي. والثاني، وهم أغلبية المعتزلة، قالوا بوجوب الامامة على الامة بحكم العقل. وهذا القسم الثاني يفترق الى مجموعتين: المجموعة الاولى، معتزلة أهل البصرة الذين يقولون بوجوب نصب الامام على الامة بالنص عليه من الله سبحانه وتعالى.


[294]

والمجموعة الثانية، معتزلة أهل بغداد الذين يقولون بوجوب نصب الامام على الامة بحكم العقل. وأقرب هذه الآراء الى الشيعة الامامية هم معتزلة أهل البصرة، على أن الامامية تقول بوجوب نصب الامام على الله بحكم العقل والشرع، ثم اختيار الامام من قبل الله سبحانه هو من باب اللطف، واللطف واجب على الله سبحانه. معتقدات المعتزلة في التوحيد: نفت المعتزلة الصفات عن الله سبحانه، وذلك للتوحيد المطلق، وهذا القول لواصل بن عطاء زعيم مدرسة الاعتزال ومؤسسها، وقد أراد بذلك رد أقانيم النصارى، وفي رأيه من أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين، ورد المعتزلة الصفات الازلية لاعتبارات ذهنية (1) للذات. وحجتهم في ذلك أن الحوادث المتغيرة لا يمكن أن تتصف به، ولو اتصف بها بعد ان لم يتصف لتغير، والتغير دليل الحدوث، وهذا لا يصدق على الباري. فمثلا يقولون: إن العلم لا يجوز ان تقول عنه صفة قائمة بذاته تعالى، لانه إما أن تكون هذه الصفة أزلية كالذات، وإما أن تكون حادثة. وإذا كانت أزلية فكيف يمكن أن تحل في الذات ؟ وإذا حلت فيه صار هناك أزليان، وهذا لا يعقل.


(1) أنكر المعتزلة كل الصفات، سواء كانت حقيقية أم قديمة أم متميزة عن الجوهر، وقالوا: هي مجرد اعتبارات ذهنية، بل أنهم قالوا: هي نفس الجوهر. ثم يقولون: لما كانت الذات الالهية ذاتا واحدة غير منقسمة، ونحن غير قادرين على إدراكها، تصورنا فيها هذه الاعتبارات الذهنية، وهي الصفات، وكل ما يطلقونه من الصفات إنما يجعلونها أوجه لذات واحدة بسيطة، لا قسمة فيها ولا كثرة ولا تركيب. (*)

[295]

أما إذا كانت حادثة وحلت في الذات، فهذا يعني أن الذات تغيرت من حال الى حال، أي من حال عدم العلم الى حال العلم، والتغير حادث، لهذا لا بد أن تكون الذات حادثة بصفاتها، وهذا أيضا لا يتفق مع كماله تعالى. لهذا نفوا عنه تعالى كل الصفات وقالوا بالتوحيد الكامل. لكن لا يخلو كلامهم هنا من اشتباه ومغالطة، ولعلمائنا في هذا ونظائره أجوبة شافية، وردود مقنعة، وكلام صائب في مثل هذه المسائل، فراجع. ثم قالوا: إن الصفات إذا أطلقنا تجوزا فهي ليست حقيقية في الذات ومتميزة عنها، بل هي الذات نفسها. كما أن المعتزلة – مثلا – ترى علم الله هو الله، أي أن الله يعلم نفسه، وأن نفسه ليست بذي غاية ولا نهاية، ويستخلصون من ذلك: أن علم الله لا متناهي، كما أن الذات لا متناهية، وهذا ما ذهب إليه أبو الهذيل العلاف، ويدعي الاشعري في ” المقالات “: ص 485 أن العلاف أخذ هذا المعنى عن أرسطو في مقالته الثانية عشر من كتاب ” ما بعد الطبيعة “. ولما اعترفوا بقدم ذات الله، وأن علمه هو ذاته، فإن علمه أيضا قديم. ثم قالوا: بما أن العالم جزء من علمه ومرتبط به، إذا العالم متصف بالقدم أيضا، لانه جزء من موضوع علم الله، وحادثا من حيث أنه متحقق في الزمان، أما الجواهر والاعراض في حال العدم فهي لم تزل معلومة من الله، إذا كل ما يعلمه الله قديم. أما قدرة الله فهي مثل علمه تهيمن على كل شئ، وقدرة الانسان مرتبطة بعلم الله من جهة، ومن جهة أخرى أن لنا حرية الاختيار، وأن عدل الله يضطرنا الى القول بهذه الحرية، لكننا نجهل ما قدره الله لنا، كما نجهل علمه فينا. ثم قالوا: إن الله هل مكلف بفعل الاصلح ؟ أجابوا بالاثبات، وقالوا: إنه


[296]

لا يوصف بالقدرة على ترك الاصلح، وأنه لا يفعل إلا الخير، ولا يمكنه أن يفعل الشر، وهذا قول النظام، وقيل: إنه أخذه من الفلسفة المانوية، حيث تثبت للعالم إلهين: إله الخير وإله الشر، فالخير لا يصدر الا عن إله الخير، والشر لا يصدر إلا عن إله الشر، فهؤلاء هم القائلون بالاثنينية. وبمثل ما تحدثوا في فعل الله تعالى للاصلح والخير، تحدثوا في مسألة الظلم، هل يمكن أن يفعل الله الظلم أم لا يمكنه ؟ كيفما كان فهم ينفون عنه الظلم، وعند ما ينفون عنه الظلم يستخلصون نتيجة وهي: أن الانسان يكون مطيعا بمحض ارادته، ويكون كافرا أيضا بمحض إرادته، ولا قدرة لله في ذلك. وبمثل ما تقدم في العلم والقدرة على الخير والاصلح، تحدثوا عن الارادة، وقالوا: إن إرادة الله تعالى غير إرادتنا، لان إرادة الله من الاعتبارات الذهنية، وهي قديمة بقدم ذاته، غير أن المدرسة البغدادية تقول: إن إرادته أزلية، أما البصريون فيقولون: إنه تعالى مريد بإرادة حادثة لا في محل. ومهما يكن من اختلاف بينهم فهم القائلون بأن إرادة الله سابقة على خلق العالم، وعلى هذا يتعين أنهم فرقوا بين إرادة الله وموضوع الارادة. أما كلام الله يقرره المعتزلة أنه حادث وليس أزلي، لهذا قالوا بخلق القرآن، مدعين أنه لو كان – كلامه – أزليا لوجب إثبات أمر، ونهي، وخبر، واستخبار في الازل، وهذا محال، لعدة أسباب منها: أولا: محال أن يكون أمره ونهيه أزليا. ثانيا: استحالة كلامه مع نفسه. ثالثا: لو كان كلامه قديما لكان من صفاته، وصفاته هي اعتبارات ذهنية


[297]

للذات، وليست أشياء إضافية أو زائدة عن الذات، لذا وجب أن يكون القرآن محدث أزلي. رابعا: قالوا: إذا كان الكلام واحدا، إذا رفعت أقسامه، وهذا محال، لان في القرآن جملة من الاخبار والقصص، أحدها تغاير الاخرى من حيث المضمون والهدف، فمثلا قصة موسى تختلف عن قصة عيسى ويوسف، فكيف يمكن اتحاد الاخبار مع اختلافها في الخبر والاسناد ؟ الى حد ما تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان، وأخذوا بعض عقائدهم من اولئك ثم صاغوها بقالب إسلامي، فقد تأثروا بأرسطو في تقرير الوجود والعالم والمخلوقات والعدم، فأرسطو قال بالهيولي، وهي المادة الاولى الازلية للعالم، التي كانت خالية من كل صورة، والتي يمكنها أن تقبل كل صوره عند الوجود، وهكذا قالت المعتزلة بمقولة أرسطو (1). أما تأثير الفلاسفة اليونان إنما كان لنشاط حركة الترجمة من اليونانية الى العربية من جهة، وتشجيع بعض الحكام والامراء العباسيين على تداول هذه العلوم العقلية بين الناس، وإثارة الجدل بينهم لاغراض سياسية في الدرجة الاولى، واشتغال الناس فيما بينهم كي يبتعدوا عن موضوع الخلافة والحاكمية من جهة اخرى.


(1) أرسطو يعتبر العناصر في ذاتها مركبات، أي من الهيولي والصورة، وليست مبادئ كما زعم انباذ وقليس. ويقول أرسطو: إن الهيولي لا توجد فيه مفارقة، والمركب الطبيعي عبارة عن وحدة متجانسة ذات طبيعة واحدة، وقد يسمى ذلك المركب مزيجا، بحيث كل واحد من أجزائه شبيه بالكل وبأي جزء آخر، وهكذا استفاد المعتزلة من قول أرسطو، مع الاخذ بنظر الاعتبار أقوال غيره من فلاسفة اليونان، ك‍ ” ديموقريطس وانباذ وقليس “، وهذا بخلاف ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني ” أبيقورس “، والذي قال: بأن الجواهر غير متجانسة.

[298]

وخلاصة القول بالنسبة للتوحيد عند المعتزلة: هو أنه واحد أحد، ليس كمثله شئ، سميع، بصير، ليس بجسم ولا بشبح ولا جثة ولا صورة، ليس له لون أو طعم أو رائحة، وليس فيه حرارة ولا رطوبة أو يبوسة، لا عمق له ولا اجتماع أو افتراق، لا يتحرك ولا يسكن، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء، لا يجري عليه الزمان، ولا تجوز عليه العزلة، ولا الحلول في الاماكن، لا يوصف بشئ من صفات الخلق الدالة على حدوثهم، ولا تحيط به الاقدار، ولا تحجبه الاستار، ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه، شئ ولا كالاشياء، عالم، قادر، حي، لا كالعلماء القادرين الاحياء… هذه جملة من معتقدات المعتزلة، وقد عرفت أنهم أو غلوا أنفسهم في البحوث العقلية تاركين جانب الحديث أو السنة، بل أنهم صيروا كل ما في السنة تأييدا لبحوثهم العقلية (1). أقول: لقد اشتبه عبد الله فهد النفيسي عند ما جعل الفكر الشيعي وريث المعتزلة، قال: ” ومن المعلوم أن الشيعة ورثت عن المعتزلة أخذهم بالعقل والمنطق.. ” (2)، على أن هذه العبارة لا محل لها في كلامه، إذ أن حديثه كان عن دور الناس في تقديم الخمس والزكاة الى العلماء… ولا أدري لماذا أقحم هذه العبارة أثناء حديثه ؟ ! فراجع ثم تأمل أقلام هؤلاء من الكتاب.


(1) مقالات الاسلاميين للاشعري: ص 216. (2) دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث: ص 71.

[299]

أثر الاعتزال الاعتزال المذهب الرسمي للدولة: اتخذت الدولة العباسية زمن المأمون الاعتزال مبدأ رسميا للدولة بين سنة 198 – 218 ه‍ (1). بعد ذلك تبنت الدولة العباسية مذهب أهل السنة والجماعة، وشددت على المعتزلة. إلا أن الخدمة التي قدمها علماء المعتزلة في بدء الدعوة العباسية كانت كبيرة ومهمة، وبالخصوص في زمن المنصور الدوانيقي، إذ كانت للمنصور علاقة وطيدة مع عمرو بن عبيد المعتزلي، وكان يحضر حلقاته في البصرة. الدولة العباسية عند ما صيرت من مذهب الاعتزال المذهب الرسمي للدولة إنما أراد الحكام العباسيين أن يمرروا أفكارهم واطروحاتهم السياسية من خلال عقائد المعتزلة التي وجدوها خير وسيلة للنفوذ الى المجتمع، بل لتبرير أعمالهم، كما فعله الامويون لما تبنوا فكرة المرجئة القائلين أن أصحاب المعاصي مؤمنون ولا يضر مع إيمانهم إرتكاب الجرائم والموبقات. ثم اتساع الافق العلمية عند العلماء في بداية القرن الثالث الهجري، وتطور علم الكلام، أدخل لفيفا من العلماء في تيار الاعتزال، بينما نجد في الوقت نفسه علماء آخرين وقفوا ضدهم، لهذا اتسعت حلقات البحث والمناظرة بينهم، بل مما شجعهم على ذلك حضور الحكام العباسيين وكبار القواد والامراء في تلك المناظرات.


(1) البحوث في التاريخ العباسي لفاروق عمر: ص 73، ط 1 – بيروت 1977 م.

[300]

ثم نشاط حركة الزندقة في أواخر القرن الثاني والنصف الاول من القرن الثالث الهجري، خلق نشاطا جديدا من جميع الفرق للوقوف أمام هذا التيار الالحادي، علما أن الدولة كانت تلاحق هذا التيار، وتعصف بهم، وترصد نشاطهم في كل مكان. على أن حركة الزندقة وجدت من عقائد المعتزلة المتناقض، ومن أفكار المرجئة والقدرية السقيم خير دليل للنقض أو الرد على الاسلاميين، لهذا ما استطاعت الدولة أو علماء المعتزلة أن يصلوا الى حل علمي إلا السيف، فالمغرر به لا يستطيع أن ينقاد بسهولة، في الوقت نفسه كانت مناظرات الامام الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام زاخرة بالادلة العلمية والعقلية التي من سمعها رجع عن فكرة الزندقة إلا القليل منهم. هذه بعض الفوارق العلمية التي أدت فيما بعد أن يضمحل فكر الاعتزال ويتلاشى على مر الزمن، ويذهب اسمه ورسمه من سياسة الدولة ليحل محله مذهب أهل الحديث والسنة، والذي تبناه الاشاعرة. نظرة إجمالية في مسألة خلق القرآن بعد ما راج الفكر المعتزلي في الاوساط العامة والمدارس، ودخل البلاط العباسي، وتبناه بعض الحكام، تبنى المعتزلة فكرة خلق القرآن – بعد ما كانوا يعارضون مبتدعها وهو الجهم بن صفوان (1) – وهذا التبني سرى الى المتنفذين في الدولة كالمأمون، فقد أعلن عن معتقده ونادى بفكرة خلق القرآن في سنة 211 ه‍.


(1) برزت فكرة خلق القرآن في العهد الاموي، وخاض في هذه الفكرة – بحثا وجدلا – كل من الجعد بن درهم والجهم بن صفوان.

[301]

وفي سنة 217 ه‍ يأمر المأمون قواده ووزراءه أن يمتحنوا علماء الامصار في مسألة خلق القرآن، الذي حمل الفقهاء والمحدثين على الايمان بخلقه، فقد أمر إسحاق ابن إبراهيم المصعبي نائبه في بغداد أن يجبر العلماء على القول بخلقه، وقد امتنع أحمد ابن حنبل ومحمد بن نوح، حتى ارسلا مقيدين – لعدم قولهما بخلق القرآن – الى المأمون وهو في الشام عند استرجاع طرطوس. وفي مصر يأمر نائبه نصر بن عبد الملك الصفدي الملقب كيدر، بأن يمتحن العلماء والفقهاء في تلك المسألة، بل يجبرهم على القول بها. وفي سنة 219 ه‍ يقتفي المعتصم خطى أخيه المأمون في مسألة خلق القرآن، فيمتحن بها أحمد بن حنبل، ولما لم يجد منه بدا، يأمر به فيجلد، ويضرب ضربا مبرحا حتى يخبط في عقله، ويتهرى لحم بدنه، ثم يأمر به فيقيد ويلقى في الحبس هكذا، ولا يخلو من أسباب اخرى في أمر حبسه. وممن أصابه الضيم في محنة خلق القرآن: الحارث بن مسكين بن محمد الاموي، ومحمد بن عبيدالله بن عمرو الاموي الذي ينتهي نسبه الى عتبة بن أبي سفيان، وقد حمل من مصر الى العراق مع الفقيه البويطي مقيدين، وذلك في حكومة المعتصم العباسي، ولما سئلا عن القرآن أهو مخلوق ؟ فلم يجيبا، فحبسا بسامراء، وماتا فيها مسجونين. على أن المعتصم قتل خلقا كثيرا في هذه المسألة، ولم يتورع. وفي سنة 231 ه‍ يعيد الواثق الكرة – كأسلافه – على العلماء، ويأمر بامتحانهم، وهكذا الاسرى الذين خاضوا الحرب مع الروم في وقعة طرسوس. ثم إنه سجن نعيم بن حماد الى أن مات في السجن. ولم ينج من هذه الفتنة العلماء وغيرهم طيلة فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق إلا القليل، الى أن جاء المتوكل فرفع القول بهذه المسألة.


[302]

مدرسة الاشاعرة بعض عقائدها: عرفت مما سبق أن المعتزلة ركنوا الى العقل وأهملوا النقل، أما الفقهاء وأهل الحديث حرموا الفلسفة، وناصبوا العداء من يقول بمقالة الفلاسفة، بل أعلنوها حربا لاهوادة على المعتزلة ومروجي علم الكلام، أو من يقول بمقالة اليونانيين، وتقدم أن أحمد بن حنبل قد لاقى من مناؤيه التعذيب والضرب والسجن.. ولم تمض مدة طويلة حتى برز على الساحة العقائدية أبو الحسن الاشعري، وهو علي بن إسماعيل تلميذ محمد الجبائي المعتزلي. كان الاشعري في بداية نشأته العلمية يقول بمقالة المعتزلة، إلا أن موقفه مع استاذه كان موقف الخصم، فما تمر الايام حتى يحرج استاذه في عدة مسائل، منها: مسألة وجوب الاصلح على الله سبحانه وتعالى، ولما ثبت للاشعري عجز استاذه عن الجواب تركه ومضى يبحث عن الحقيقة، حتى قيل: لزم بيته مدة ثلاثين سنة يقارن بين آراء المعتزلة وآراء الفقهاء، والمقصود بهم أهل الحديث، وخلال تلك


[303]

الفترة ألف كتاب ” الابانة ” و ” الموجز ” و ” المقالات “، وبين فيها مسلكه الجديد بعد ما رد على المعتزلة، وناصر أهل الحديث وعضد موقفه، إلا أن ذلك لم يشفع له طالما كان في أوائل حياته على رأي أهل الاعتزال، وأن انطباعاته الجديدة لا تخلو من ذلك التراث، وتلك المنهجية السابقة التي كانت الحنابلة ترفضها أشد الرفض، وتكفر معتنقيها. كيفما كان يعد علي بن إسماعيل الاشعري المؤسس الاول لمدرسة الاشاعرة، وهم ينتسبون إليه، وطريقته هو التوفيق بين العقل والحديث، فهو في جميع أبحاثه لم يتعبد بالحديث وحده ولا بالعقل وحده. ولما كان اعتماده على العقل في التوصل الى نتائج مشابه لما يقول بها أهل الحديث، فما كان ذلك يرضي المحدثين، بل لاحقته اللعنة حتى بعد مماته. ينتهي نسب أبي الحسن علي بن إسماعيل الى جده أبي موسى الاشعري، وكان لجده هذا مناظرة مشهورة في مسألة التحكيم مع عمرو بن العاص بعد منصرفهم من صفين. ثم لمدرسة الحديث علماء وفقهاء وقفوا ضد تيار الاعتزال منذ نشأته، بل أنهم سلكوا طريق النقل والدراية، وبينوا المعتقدات الاسلامية من خلال القرآن والسنة. من علماء مدرسة الحديث: بلال بن سعد بن تميم السكوني الاشعري، من التابعين، سكن الشام، وهو يروي عن أبيه سعد. والاوزاعي وعمرو بن شرحبيل يرويان عن بلال، وأهل الشام كانوا يعتنون بكلام بلال، شأن أهل العراق كانوا يعتنون بكلام الحسن البصري. ومن علمائهم: تميم بن أوس الاشعري، يروي عن عبد الله بن بشر، وأهل


[304]

الشام يروون عن تميم. وهناك طبقات متأخرة على هؤلاء، كالخطيب البغدادي، والغزالي، والشهرستاني. أغلب الاشاعرة تبنوا الدليل النقلي، ثم استعانوا بالنقل في الرد على الفلاسفة وتفنيد أقوالهم، وهذا أمر لم يعهد من قبل، لان سياسة الدولة سابقا كانت مع المعتزلة، وهؤلاء كانوا يقدسون الفلاسفة، ويسلمون لآراء الفلاسفة، حيث أنهم أخذوا على عاتقهم أن يوفقوا بين الدين والفلسفة اليونانية، على خلاف الفكر الفلسفي اليوناني الذي كان يقرر أفكاره لمقاييس المنطق والاستدلال، غير مبالين بالنتائج ان توافق عقيدة من العقائد الدينية أم تخالفها. على أي، كان منهج المعتزلة التوفيق بين الدين والفلسفة، وخاصة في المرحلة الثانية من مراحل التطور الفكري لهم. ولا نغالي لو قلنا: إن المعتزلة تطرفت كثيرا في آرائها، وخاصة عند ما أخضعوا النقل للعقل، وهذا بعكس الاشاعرة الذين اكتفوا باستخدام العقل في البرهان على صحة النقل. ومما نستنتج أن الاشاعرة يمثلون خط الاعتدال وموافقتها لاهل السنة، وبالخصوص الحنابلة الذين كانوا يحظرون الخوض في علم الكلام، كما أنهم لا يقرون بقدرة العقل، ولا يلتزمون بموافقته للنقل. ومما ساعد الاشاعرة تثبيت مقولتهم، والتفاف العلماء حولهم، هو مناصرة الدولة لهم من جانب، والاطاحة بفكر الاعتزال وآرائهم من قبل الحاكم العباسي من جانب آخر. ومما يذكر في هذا المقام ان الحاكم العباسي القادر بالله أصدر مرسوما توعد


[305]

فيه المعتزلة بالعقوبات الصارمة ان أصروا على تدريس مذهبهم، أو ناظروا أحدا فيه. وهذا المرسوم كان له الاثر الكبير في امتداد مدرسة الاشاعرة، بل قل: خط أهل الفقه والمحدثين بصورة عامة، ومن ذلك الحين أصبحت الحكومات المتعاقبة تنهج خط أهل السنة الى يومنا هذا. أما عقائد الاشاعرة فهي تختلف في الغالب عن مدرسة الاعتزال وأفكارهم وعقائدهم، وربما هناك نقاط التقاء بين المدرستين، ونحاول هنا أن نوجز شيئا عن عقائدهم: قال أبو الحسن الاشعري المؤسس الاول للمذهب: ” إن الله واحد أحد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وهو على عرشه كما تنص الآية: ” الرحمن على العرش استوى ” (1)، وأن له يدين بلا كيف، لقوله: ” خلقت بيدي ” (2)، ولقوله: ” بل يداه مبسوطتان ” (3)، وله عينان لقوله: ” تجري بأعيننا ” (4)، وله وجه لقوله: ” ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ” (5)، وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما يدعي المعتزلة والخوارج، وله علم لقوله: ” أنزله بعلمه ” (6)، ولقوله: ” وما تحمل من انثى ولا تضع إلا بعلمه ” (7)، وأثبتوا له القوة لقوله تعالى: ” أولم يروا أن الله خلقهم هو أشد منهم قوة ” (8).


(1) سورة طه: 5. (2) سورة ص: 75. (3) سورة المائدة: 64. (4) سورة القمر: 14. (5) سورة الرحمن: 27. (6) سورة النساء: 166. (7) سورة فاطر وفصلت: 11 و 47. (8) سورة فصلت: 15.

[306]

الحنابلة – وهكذا مذهب الاشاعرة – حملوا آيات التشبيه على ظواهرها، ولم يفطنوا الى التناقض في عقائدهم، لان الآيات المذكورة آنفا لو تركت وشأنها لالجأتنا أن نقول بالجسمية والكيفية والكمية، وهذا لا يجوز على الواحد الاحد الفرد الصمد، إذن لابد من تأويل تلك الآيات الكريمة حتى لا نقع بالتشبيه والتجسيم، أما الاشاعرة والحنابلة فقد تركوا التأويل مدعين أن علم هذه الامور عنده سبحانه، و قد تمسكوا بهذه الآية: ” والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا ” (1). والغريب من ذلك أن بعض علماء الاشاعرة – كأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني – التزم بالآيات المتقدمة، فأثبت لله سبحانه وجها ويدا وعرشا وعينا… الخ، ثم يقرر في مقام آخر أن يده ووجهه لا يجب أن يكونا كجوارح مخلوقاته ! ! ويعتقد الاشاعرة أيضا ان سيئات العباد يخلقها الله، وجميع الاعمال مخلوقة له سبحانه، ولا يقدر العباد أن يخلقوا منها شيئا، وأنه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم ليكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن لا يصلحهم ولا يلطف بهم، وأرادهم كافرين، وأن الله يرى بالابصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامه، يراه المؤمنون دون الكافرين، لانهم عنه محجوبون، وأنه ينزل الى السماء الدنيا فيقول: هل من مستقر (2). وهناك عقائد اخرى قد اختلفوا بها عن الامامية والمعتزلة سوف نذكر بعضها على وجه الاختصار.


(1) آل عمران: 7. (2) مقالات الاسلاميين – لابي الحسن الاشعري: ص 33.

[307]

بين الامامية والمعتزلة والاشاعرة ما اختلف فيه من الصفات يبنهم: ما يخص الصفات الذاتية فالامامية اتفقوا على أن صفاته ليست امورا زائدة على ذاته، وإلا لزم تعدد القديم، أو حدوث الصفات، ولا يمكن الالتزام بكل منهما. أما الاشاعرة وبعض المعتزلة يدعون أن الصفات الذاتية قديمة مغايرة لذاته، فهو عالم بعلم، وقادر بقدرة، وسميع بسمع… وهكذا في بقية الصفات (1). اختلف الاشاعرة عن الامامية والمعتزلة في الجسمية، حيث ذهب الاشعري الى ما ذهبت إليه الحنابلة والكلامية، فقالوا: إن الله سبحانه متميز بجهة العلو وهذه عقيدة أهل السنة في الجملة. وبعبارة اخرى أن المحدثين والمشبه من الحنابلة يقولون: إنه متميز كبقية


(1) المواقف للايجي: 8 / 45.

[308]

الاجسام بنحو يصح الاشارة إليه، وهو مماس للصفحة العليا من العرش (1)، ويجوز عليه التحول من مكان الى آخر، وأن العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، ويزيد عن العرش من كل جهة أربعة أصابع، وأضافوا الى ذلك أن المؤمنين المخلصين يعانقونه في الآخرة (2). وادعى بعض الحشوية من المحدثين أنه جسم مركب من لحم ودم (3). وقال آخرون: إنه نور يتلالا كالسبيكة البيضاء، ويبلغ طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وقال آخرون منهم: إنه شيخ أشحط الرأس واللحية…. وقال بعضهم في تفسير قوله تعالى: ” في مقعد صدق عند مليك مقتدر “: إنه يقعد معه على سريره. وادعى معاذ العنبري أحد الحشوية من السنة أن الله على صورة إنسان، وله كل ما للانسان حتى الفرج (4). وأضاف بعضهم أنه رأى صورة آدم فخلق نفسه على مثالها، وأنه يضحك حتى تبدوا نواجذه، وفي رجليه نعلان من ذهب في روضة خضراء تحمله الملائكة، وأن الملائكة مخلوقة من زغب ذراعيه. وجاء عن داود الظاهري أن الملائكة عادته حينما اشتكى من وجع في عينيه، وينزل الى السماء الدنيا في النصف من شعبان في كل عام، وفي الآخرة لا يعرفه الناس إلا بعد أن يظهر لهم العلامة التي امتاز بها في ساقه، فإذا كشف لهم عن ساقه سجدوا


(1) الملل والنحل: 1 / 99. (2) الملل والنحل: 1 / 96 و 97. (3) المصدر السابق: 1 / 96. (4) المصدر السابق: 1 / 96 و 97.

[309]

له. وقال بعضهم: إن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله تأتي يوم القيامة وعليها قميص الحسين عليه السلام لتخاصم يزيد بن معاوية الى الله، لانه قتل ولدها الحسين، وسبى عياله وأطفاله، فإذا رآها الله سبحانه دعا يزيد بن معاوية إليه وأدخله تحت قوائم عرشه، كي لا تظفر به فاطمة عليها السلام، فيدخل يزيد ويختبئ منها، ثم تتظلم فاطمة و تبكي، فيخرج الله سبحانه لها قدمه، وبها جرح من سهم نمرود – على حد زعمهم – فيقول لها: انظري الى جرح قدمي، هذا من آثار سهم نمرود، وقد عفوت عنه. وعن ابن أبي الحديد في شرح النهج قال: إنهم رووا في الصحاح أن آدم مخلوق على صورته تعالى، وأن النار عند ما تتغيظ وتزفر لا تسكن حتى يضع رجله فيها، وقد ذكروا أن الله ينزل ليلة عرفة من السماء الى الارض على جمل أحمر في هودج من ذهب، وهذا منسوب الى حماد بن أبي سلمة شيخ أبي حنيفة، وأحد فقهاء الرأي (1). ثم القول بالتجسيم لازم لكل من يلتزم بظواهر الآيات كالحنابلة وأتباعهم، أما الاشاعرة فمع أنهم يلتزمون بظواهر الآيات بدون تصرف فيها، فقد التزموا بأن لله وجها ويدين وعينا، ولكنهم اعتبروها أوصافا قائمة بذاته، تهربا من التجسيم الذي يدعيه بعض الحنابلة والحشوية، وتمشيا مع العقل الذي يرى التجسيم منافيا للوحدانية (2).


(1) المواقف: 8 / 26، وشرح النهج: 1 / 294 ط مصر. (2) شرح النهج: 1 / 296.

[310]

ما اتفق فيه من الصفات بينهم: اتفقت المذاهب الثلاث – الامامية والمعتزلة والاشاعرة – على جملة امور، منها: (1) ان صفات الله سبحانه منها ما هو ذاتي ثابت لذاته كالعلم والقدرة والحياة والارادة والسمع والبصر، ومنها ما هو اضافي يثبت لذاته بعد وجود المنشأ لانتزاعها كالرازق، والخالق، والمالك، والمميت، وغير ذلك مما تتصف به الذات بعد وجود منشأ لانتزاعها، لان صدق الخالق والمالك والرازق والمميت عليه سبحانه إنما صح باعتبار وجود المخلوق والمملوك والاماتة. (2) قسم المتكلمون الصفات الى قسمين: سلبية وثبوتية، فالسلبية: هي نفي ما لا يليق بذاته عنه، لكونه جسما أو جوهرا أو عرضا..، والثبوتية: فهي التي تليق بذاته، كالعلم والقدرة والسمع والبصر والمحيي والرازق. (3) اتفق الامامية والمعتزلة على عدم كونه جسما، لان كونه جسما يلزمه أن يكون متحيزا، وأن يكون جوهرا لو كان متحيزا، وإذا كان جوهرا، فإما أن لا ينقسم أصلا، أو ينقسم، وكلاهما لا يجوز عليه سبحانه، أما الاول: فلان الجوهر الذي لا ينقسم هو الجزء الذي لا يتجزء، والجزء الذي لا يتجزء أصغر الاشياء، وتعالى الله عن ذلك. وأما الثاني: فلو انقسم كان جسما مركبا، والتركيب الخارجي يتنافى مع الوجود الذاتي. هذا بالاضافة الى أنه لو كان متحيزا لكان مساويا لسائر المتحيزات في الماهية، واللازم من ذلك إما القدم أو الحدوث، لان المتماثلات لابد من توافقها في الاحكام. هذه جملة من العقائد عند المعتزلة والاشاعرة ما اختلفوا فيها وما اتفقوا


[311]

عليها. هذه الحالات التي جنتها أيدي علمائهم، وتلك المنافسات التي اشتركت فيها أغلب الفرق الاسلامية والاتجاهات العلمية، صيرت من علماء الشيعة الامامية ان يقفوا ضد كل تيار منحرف، أو عقيدة خاطئة، لاجل ذلك تظافرت الهمم، ودخل علماء الامامية في تلك المناظرات بكل امكانياتهم العلمية ليضعونها للمسلمين، فصنفوا الكتب العقائدية والكلامية، وعززوا أقوالهم بالدليل العلمي العقلي، والدليل النقلي من الكتاب وسنة النبي وأهل بيته الاطهار، وشاركوا في المناظرات بين علماء المذاهب، وأردفوهم بالحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، من الائمة الهداة الميامين. كل تلك الظواهر قد عاشها شيخنا الكليني، وعاصر جزئيات الاحداث والاضطراب العقائدي الذي كان يموج به العصر العباسي، وبالذات في أواخر القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع منه، لهذا شمر ذراعيه ليضع بين أيدي المسلمين كتابه ” الكافي ” – الاصول -، ليضع مدرسة أهل البيت نصب أعينهم، فينهل منها الشارد والوارد. الصراعات التي حصلت بين هذه المذاهب وتأييد الخلفاء لها قد وجدنا آثارها في كل البلدان الاسلامية، وان كان منشؤها العراق وبالذات بغداد والبصرة، الا ان بلواها قد عم بلاد الشام، ومصر، والحجاز، وبلاد فارس، وما وراء النهر من بلاد السند والهند. وقد وضحنا فيما سبق الصراعات الحادة، والنزاعات الدموية التي حصلت في بلاد الري بين فرق المعتزلة والحنابلة والمجبرة والاشاعرة وغيرهم، وعلى اثر تلك الصراعات العنيفة ذهب ضحيتها كثير من العلماء، من جميع الاطراف، بل أن التاريخ يذكر لنا خراب بلاد الري من جراء تلك الفتن.


[312]

فهل تلك الاحداث كان الشيخ الكليني قدس سره على غفلة منها، أم كانت له مواقف ؟ ولا أقل أنه ساهم في كتاباته للرد على جملة من تلك الاهواء والعقائد المخالفة للاسلام، وكتابه – أصول الكافي – خير شاهد على ما نقوله.


[313]

الفصل الخامس أثر الشيخ الكليني في إعلان مدرسة أهل البيت عليهم السلام في التوحيد في الامامة الاهتمام بالجانب العقلي


[315]

أثره في التوحيد تعددت المذاهب العقلية والفلسفية في القرنين الثاني والثالث الهجري، حتى أهتم خلفاء بني العباس بتلك المدارس الفكرية، وحرصوا على إقامة المجالس والمناظرات بين علماء ومتكلمي تلك المذاهب، وأبرز المدارس نشاطا وفكرا هي مدرسة المعتزلة، ومدرسة الاشاعرة، ومدرسة الشيعة الاثني عشرية الذين تابعوا أهل البيت عليهم السلام في عقائدهم وأفكارهم وأحكامهم الفقهية والاخلاقية، وقد انبرى علماء الشيعة في تفنيد الآراء والاهواء الباطلة، والعقائد الزائفة الضالة، ثم تابع كتاب الشيعة في ترجمة تلك العقائد التي وصلتهم من السلف الصالح من العلماء عن أهل البيت عليهم السلام إلى الملا من الناس، وكشف أباطيل الزنادقة والملحدين ومن في قلبه مرض أو حقد أو خرافة، حتى أصبحت مناظراتهم مع أولئك أشهر من قصيدة (قفا نبك)، وحضرها ملوك بني العباس وكبار المتكلمين آنذاك. ثم رواج بعض المعتقدات الباطلة – في أوساط معينة، من الناس – كمعتقدات المانوية والمزدكية والثنوية الزرادشتية، حتم على كل متكلمي الشيعة وعلمائهم أن


[316]

يقفوا أمام تلك المعتقدات وتفنيدها من خلال أحاديث أهل البيت ومدرستهم وخطهم الصحيح. لهذا راج علم الكلام (1)، وأصبح من أشرف العلوم، لانه تكفل بتحقيق وتنقيح المطالب العقائدية، أو قل: توضيح أصول العقائد الاسلامية والدفاع عنها (2)، فهو أعم من البحث في أمر اعتقادي معين.


(1) سبب رواج علم الكلام في صفوف المسلمين تعود لاسباب عديدة، منها: الاختلاف الذي أوجده ملوك بني امية وبني العباس وتسلطهم على رقاب الناس، حيث روجوا مذهب الارجاء وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، وابنه يزيد، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد وأحزابهم… وهؤلاء المرجئة يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي، أي أخر عنهم، وقيل: لانهم يرجئون العمل على النية، أي يؤخرونه في الرتبة عنها وعن الاعتقاد، وقد استدل هؤلاء على عقيدتهم الفاسدة بالآية الشريفة ” وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ” سورة التوبة آية 106. ثم من أسباب رواج علم الكلام هو دفاع علماء المسلمين ومتكلميهم عن عقائدهم بواسطة البحوث الكلامية، ورد مفتريات الزنادقة وادعاءاتهم، وكما عرفت أن علم الكلام قد تكفل بوضع الاسس والقواعد الكلامية والعقلية. ثم إن ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية والمنطق من اللغة اليونانية والسريانية إلى العربية، واندفاع اناس الى تعلم العلوم العقلية والاستدلالية، مما خلق الاهتمام بعلم الكلام، كما لا يخفى أن هذا الاهتمام روج له بعض ملوك بني العباس كالمأمون 195 – 218 ه‍ الذي اعتنق مذهب الاعتزال وجعله المذهب الرسمي للدولة. (2) قال ملا صدرا الشيرزاي في شرح اصول الكافي: ” علم الكلام هو البحث عن ذات الله وصفاته وأفعاله وعن أحوال المعاد بأدلة ممزوجة من العقل والشرع، بمقدمات مقبولة عند الجمهور، أو مسلمة عند الخصم وكان المقصود منه حراسة المعتقدات التي نقلها أهل الشرع عن آراء المبتدعين وأوهام المضلين، ويحتاج إليه لمناظرة مبتدع أو مخاصمة مفسد مضل، ودفع أفساده وقمع أضلاله بأي وجه حصل ولو بالخداع كما في الحرب، لان بناء الكلام على الجدل والخوض فيه زيادة على ما به يدفع الخصوم “. ثم قال: ” الفائدة في وضعه دفع

[317]

ثم إن علم الكلام انشعب إلى قسمين: الكلام العقلي والكلام النقلي، والمسائل التي تناولها علم الكلام هي مسألة التوحيد، توحيد الذات والصفات، اي أن صفاته هي عين ذاته وليست هي زائدة على الذات (1)، وهذه المسألة طال البحث فيها، وبرزت للمعتزلة مقالات عديدة، كما أظهرت الاشاعرة آراءها، وكان الامر أن ذهب علماء كل فريق بمعتقدهم، وأقاموا الادلة في إبطال معتقد الآخر. وهكذا صراع حاد وجدل مرير تمخضت عنه آراء كثيرة يندى لها جبين الفكر البشري لما فيه من سقطات وهنات. ومن خلال ذلك النزاع برزت مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وقد نقلها لنا الشيخ الكليني بكل أمانة ودقة، بل اهتم كثيرا في ابراز معالم هذه المدرسة بتبويب الاحاديث وتصنيفها وفق المسائل التي كانت بارزة، والتي هي مدار بحث وجدل، وفي مقدمة تلك المسائل موضوع التوحيد. عندما نتكلم عن التوحيد لابد من مقدمة للبحث في أصل معنى الوجود، ثم إقامة الدليل على إثبات الصانع من خلال الدليل العقلي. أقول: إن الموجودات تنقسم من حيث الوجود والعدم إلى الاقسام الآتية: أولا: واجب الوجود، وهذا ينقسم إلى: (أ) واجب لذاته. (ب) واجب لغيره. ثانيا: ممكن الوجود. ثالثا: ممتنع الوجود.


المفسدين وإزاحة صولة المنكرين مع ما يلزم من الخوض فيه من عادات رديئة، وأمراض مزمنة.. “. (1) الصفات تقسم إلى قسمين: صفات الذات وصفات الفعل، والصفات نوعين: أحدها تسمى بالصفات الثبوتية كالقدرة والحياة والعلم، والثانية تسمى بالصفات السلبية، أي صفات النقص وهو سبحانه وتعالى منزه عنها، كالموت والعجز والجهل.

[318]

تعريف الواجب: لغة: يراد به الثبوت، كما عند الراغب الاصفهاني (1)، واصطلاحا: الواجب ما يذم تاركه على بعض الوجوه. أما الوجود فيعرف بالذي يمكن أن يخبر عنه، وما يكون فاعلا ومنفعلا. ونقيض الوجود العدم، الذي لا يمكن أن يخبر عنه، أو ما لا يكون فاعلا ولا منفعلا. ثم إن الواجب والممكن يعرفان من خلال النسبة بين الوجود والعدم، فالواجب عبارة عما لا نسبة له إلى العدم أصلا، والممكن عبارة عما له نسبة إلى الوجود والعدم على حد سواء فإن وجدت علته وجد، وان فقد علته عدم. أما الممتنع فهو عبارة عما لا نسبة له مع الوجود أصلا. ثم إن الوجود إما أن يكون ذهنيا، وإما أن يكون خارجيا. أما القسم الثاني فلا يشك به أحد، ولا يختلف فيه اثنان، وهي الموجودات الخارجية التي تدركها الحواس الانسانية. وأما القسم الاول – حيث الكلام فيه – أثبته المحققون، ونفاه من عداهم وهم الملحدون، والنفي إنما حصل لعدم تصور الوجود ذهنيا بحد زعمهم، فقالوا: إذا أردنا أن نتصور النار في الذهن، اذن لابد أن يكون الذهن – عند تصوره النار – حارا، أو لابد أن يكون محترقا ! ! وهذا لا يخفى بطلانه. ووجه البطلان: أن الموجود في الذهن ليس نفس حقيقة الشئ حتى يلزم اتصاف الذهن بمستلزماته، أو يكون وعاء لصفاته الحقيقية. ويؤكد هذا المعنى الحكيم الطوسي، فيقول: ” والموجود في الذهن إنما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم ” (2)


(1) مفردات الفاظ القرآن ص 512. (2) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للمحقق نصير الدين الطوسي ص 19 ط 1،

[319]

اتضح مما تقدم أن الوجود الذهني ممكن تصوره. ثم هذا الموجود إما أن نتعقل وجوبه، أو نتعقل إمكانه، أو لا نتعقلهما، فالمعقول – أي ما اتسع العقل فأدركه – إذن ينقسم إلى: 1 – واجب بالذات، كالباري سبحانه، وهذا ما نطلق علية واجب الوجود. 2 – ممتنع بالذات، كشريك الباري، وهذا ما نطلق عليه ممتنع الوجود. 3 – ممكن بالذات، كالانسان، وهذا ما نطلق عليه ممكن الوجود. أقول: لا يجتمع اثنان مما تقدم، كما لا يمكن الخلو من أحدهما، كما يتعذر انقلابهما، فالواجب بالذات لا يكون ممتنعا بالذات، بمعنى أن الواجب لا ينقلب إلى ممتنع أو ممكن بالذات، لان لزوم الشئ لذاته أو ما هو داخل في الذات لا يعقل انقلابه الى شئ مغاير لذاته أو حقيقته، فالحيوان لا يمكن أن ينقلب إلى إنسان، والزوج لا ينقلب إلى فرد. نعم يصدق الانقلاب فيما لو كان الشئ خارجا عن الذات، كالنائم ينقلب مستيقظا، أو المتحرك ينقلب ساكنا، والمتكلم ينقلب صامتا. فهذه صفات وحالات تتسم بها الذات الممكنة دون القسمين الآخرين، لهذا نقول: إن القسمين – أعني الوجوب والامتناع – يلازمان الضرورة، فالخالق سبحانه واجب بالضرورة، والشريك له ممتنع بالضرورة. وعلى هذا البيان فإن الوجوب والامتناع يصدق كل منهما على الآخر، أي أن واجب الوجوب، وهو الباري سبحانه، ممتنع العدم، وأن واجب العدم، وهو شريك الباري ممتنع الوجود. مما تقدم نفهم القسم الثالث، وهو الممكن بالذات، ويعرف هذا من خلال الواجب والممتنع، حيث أن الممكن بالذات هو الواجب بالغير، إذ أن الممكن إذا


منشورات شكوري قم.

[320]

وجدت علته التامة كان واجبا بالغير، أي الممكن بالذات، وإن لم توجد علته التامة كان ممتنعا بالغير، وهو، أيضا الممكن بالذات. إذا عرفنا هذه المقدمة الموجزة، فنبسط القول في: القديم، والحادث، والمؤثر. إن الممكن لابد من مؤثر فيه، وقد اختلف الكلاميون في أصل هذا المؤثر فمنهم قال: المؤثر هو الامكان، لكون الممكن معلول، والمعلول يحتاج إلى علة. والبعض ادعى الحدوث لكون الممكن حادثا، وفريق ثالث جمع بين الامرين، الامكان والحدوث، وقد اختار الحكيم الطوسي الاتجاه الاول للمؤثر وهو الامكان (1). وعلى هذا نستلخص من البحث المتقدم أن الموجود: إما قديم، وإما حادث. فالموجود الاول – الذي نعبر عنه بعلة العلل – هو القديم، والذي نعرفه: غير مسبوق بالغير، ولا مسبوق بالعدم. أما الذي يكون مسبوقا بالغير أو مسبوقا بالعدم فهو الحادث، والحادث مترشح من القديم، فالقديم هو الاول. اهتم الشيخ الكليني – قدس سره في إعلاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في شأن توحيد الله سبحانه، فقد أفرد – قدس سره في ” أصول الكافي ” كتابا في التوحيد، وجعل فيه أبوابا، وأول باب عقده هو باب حدوث العلم وإثبات المحدث، وذكر فيه ستة أحاديث هي من أمهات أحاديث أهل البيت عليهم السلام الجامعة لشتات كثير من المسائل العقادية والعقلية، وسوف نتطرق إلى بعضها إن شاء الله. الكليني بإسناده عن أحمد بن محسن الميثمي، قال: كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي، قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء


(1) المصدر السابق: ص 45.

[321]

وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: أترون هذا الخلق – وأومأ بيده إلى موضع الطواف – ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس – يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام – فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ؟ قال: لاني رأيت عنده ما لم أره عندهم، فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه، قال: فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إجلالك إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسمه مالك أو عليك، قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع، ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا، ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له، وكيف ذلك ؟ قال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقا ل: ” إن يكن الامر على ما يقول هؤلاء – وهو على ما يقولون – يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الامر على ما تقولون – وليس كما تقولون – فقد استويتم وهم “، فقلت له: يرحمك الله، وأي شئ نقول وأي شئ يقولون ؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، فقال: ” وكيف يكون قولك وقولهم واحدا. وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا، ويدينون بأن في السماء إلها، وأنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد ؟ ” قال: فاغتنمتها منه، فقلت له: ما منعه إن كان الامر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به، فقال لي: ” ويلك، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في


[322]

نفسك، نشؤك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قدرتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجاءك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك “، وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها، حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه، ثم قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني، إلى مجلس أبي عبد الله عليه السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه “، فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ” ما أعجب هذا، تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله ! ” فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: ” فما يمنعك من الكلام ؟ ” قال: إجلالا لك ومهابة ما ينلق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: ” يكون ذلك، ولكن افتح عليك بسؤال ” وأقبل عليه فقال له: ” أمصنوع أنت أو غير مصنوع ؟ ” فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع، فقال له العالم عليه السلام: ” فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون ؟ ” فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول: طويل، عريض، عميق، قصير، متحرك، ساكن، كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم: ” فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا، لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الامور “، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” هبك علمت أنك لم تسأل


[323]

فيما مضى، فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد ؟ على أنك عبد الكريم نقضت قولك، لانك تزعم أن الاشياء من الاول سواء، فكيف قدمت وأخرت ؟ ” ثم قال: ” يا عبد الكريم، أزيدك وضوحا، أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل: هل في الكيس دينار ؟ فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك: صف لي الدينار، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم ؟ “، قال: لا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة “، فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الاسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض. فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” سل عما شئت “، فقال: ما الدليل على حدث الاجسام ؟ فقال: ” إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاولى، ولو كان قديما ما زال ولا حال، لان الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الازل دخوله في العدم، ولن تجتمع صفه الازل والعدم والحدوث والقدم في شئ واحد “، فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها، فلو بقيت الاشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن ؟ فقال العالم عليه السلام: ” إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر كان لا شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره، ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول: ” إن الاشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شئ الى مثله كان أكبر، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم، كما أن في


[324]

تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شئ يا عبد الكريم “، فانقطع وخزي (1). في هذه المناظرة التي دارت بين الامام الصادق عليه السلام والزنديق عبد الكريم بن أبي العوجاء مطالب كلامية عديدة، ونكات مهمة، وبحوث عقلية كثيرة، وسوف نجمل الحديث عن أهم تلك النقاط والمطالب التي تشعبت منها البحوث والمناظرات الكلامية بعد ما كانت مدار نقاش وجدل بين المذاهب الاسلامية. من تلك المطالب، سؤاله عليه السلام لابن أبي العوجاء ” أمصنوع أنت أو غير مصنوع ؟ ” فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع. البحث هنا يشير إلى موضوع القديم والحادث، وسبحانه وتعالى لا يشاركه شئ في القدم، وهذا ما جاء دليله بالطريق النقلي والعقلي، وأن ليس في الازل سواه، لان كل ما عداه سبحانه ممكن، وكل ممكن حادث. أما الاشاعرة فقد أثبتوا مع قدمه سبحانه معان ثمانية اخرى هي علل في الصفات، كالقدرة والعلم والحياة والارادة والمشيئة. فمثلا قالوا: ان صفات الله تعالى موجودة قديمة زائدة على ذاته، فهو عالم بعلم، وقادر بقدرة، ومريد بإرادة… وهكذا في بقية الصفات. ثم قالوا: إنه تعالى لو كان موصوفا بهذه الصفات، وكانت قائمة بذاته تعالى، كانت حقيقة الالهية مركبة، وكل مركب محتاج الى جزئه، وجزؤه غيره، فيكون الله محتاجا الى غيره، والمحتاج إلى الغير ممكن لا واجب. ثم قالوا: إن هذه المعاني: الحياة، القدر ة،… لا هي نفس الذات ولا مغايرة لها، وهذا واضح البطلان، وغير معقول، لان الشئ إذا نسب إلى آخر، فإما أن يكون


(1) اصول الكافي: 1 / 74 – 77 كتاب التوحيد، باب حدوث العالم وإثبات المحدث الحديث الثاني.

[325]

هو هو أو غيره، فالفضل بن الروزبهان – من كبار علماء الاشاعرة – يوافق الامامية في كون كل ما عدا الله سبحانه ممكن، إلا أنه يخالفهم في كون كل ممكن حادث، حيث استثنى صفات الله سبحانه مدعيا أنها ليست عين ذاته تعالى، فهي إذا حادثة، لان صفاته لا هو ولا غيره، وهكذا قالوا – الاشاعرة -: إن صفاته تعالى ممكنة زائدة على ذاته، وهذا في نظر علماء الامامية باطل لا معنى له، إذ لو كانت صفاته كما قالوا لاحتاجت إلى تأثيره فيها، وتأثيره فيها إما بالاختيار وهو يستلزم الدور أو التسلسل لتوقف إيجاد كل صفة كالحياتية والعلمية والمقدورية على الحياة والعلم والقدرة، فإن توقفت على أنفسها دار وإلا تسلسل، والتسلسل يستلزم حدوثها، وبهذا بطل مدعى الاشاعرة. وأما تأثيره فيها بدون اختيار، وهذا بحث فيه تفصيل يراجع في مظانه. وينبغي هنا أن نشير إلى لوازم الواجب بالذات، وهي: أولا: أن يستحيل صدق التركيب عليه، لان كل مركب محتاج إلى أجزائه، وكل محتاج ممكن. أما كون المركب محتاج فأمر بديهي، لان لفظ التركيب تعني مجموعة أجزائه، وأما كون المحتاج ممكن فهو في وجوده محتاج إلى الغير، كما أن وجوده ليس من نفسه، وما كان وجوده ليس من نفسه فهو الممكن. ثانيا: أن لا يكون جزء من غيره، بأن يتركب الواجب شئ منه ومن غيره، لان في التركيب تماسك الاجزاء، بمعنى تأثير كل جزء بالآخر، والذي يعرف بالفعل والانفعال، وحينئذ يكون تأثير غير الواجب في الواجب، وهذا يحصل إما بزيادة فيه أو نقيصة عنه، أو بتبديل حال منه الى حال آخر، والجميع يستحيل على الواجب بالذات.


[326]

إلا أن الاشاعرة قالوا بالتركيب، كما عرفت من قولهم بأن الاله مركب من الذات والصفات، فهم يتفقون مع النصارى حيث قولهم بالثالوث. ثالثا: أن لا يزيد نسبة وجوده على ذاته، لان زيادة الوجود دليل على تغاير بين الوجود والذات، والذات هي المعبر عنها بالواجب، وهي عين الوجود، ولو كانت الزيادة لكانت المغايرة، وإذا تغاير الوجود لذاته حصل الافتقار للذات في الاتصاف به الى العلة، والمحتاج الى العلة ممكن ليس بواجب. وفي الثلث الاخير من الحديث جرى الكلام أيضا حول الحدوث والقدم، حيث سأل ابن أبي العوجاء الامام الصادق عليه السلام عن الدليل على حدث الاجسام، فأجابه الامام: ” إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاولى، ولو كان قديما ما زال ولا حال… الخ “. بعض الاشاعرة، قال: ” إن القدم وصف ثبوتي قائم بذات الله تعالى ” (1). أما الكرامية فقد ذهبت إلى أن الحدوث وصف ثبوتي قائم بذات الحادث. فقول الكرامية ومن تابعهم من الاشاعرة باطل، لان القدم لو كان موجودا مغايرا للذات لكان واحدا من أمرين: إما أن يكون قديما أو حادثا، فإن كان قديما كان له قدم آخر، وهذا يوجب التسلسل وهو باطل، وإن كان حادثا كان الشئ موصوفا بنقيضه، وهو كسابقه في البطلان، وبه يتم المطلب. وهناك مطالب عديدة في الحديث أرجأنا تفصيلها إلى مناسبة اخرى. استطاع الشيخ الكليني – قدس سره – أن ينقل لنا صورة حية عن القرن الثاني والثالث الهجري، والصراع الدائر بين العلماء والمتكلمين من جهة وبين الزنادقة من


(1) دلائل الصدق للمظفر: 1 / 313 ط 1، دار المعلم، القاهرة 1976.

[327]

جهة اخرى، حيث راجت الزندقة في ذلك الوقت، وأصبحت تيارا سياسيا خطيرا يهدد كيان المسلمين، وقد انبرى لهم في المناظرة والجدل أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهكذا أصحابهم، كهشام بن الحكم، وحمران بن أعين، وقيس بن الماصر، وآخرين… كما أن الخلاف والمناظرة كانت أيضا بين علماء المذاهب الاسلامية ومتكلميهم. ثم لا يخفى أن كتاب التوحيد أودع فيه الكليني عشرات الاحاديث، وبوبه تبويبا جميلا لم يسبقه أحد، وليس لمصنفه مثيل، وقد لبى للناس حاجة ضرورية ملحة وهو تصنيف هذا الكتاب، وقد أصبح فيما بعد المرجع الوحيد لعموم الطائفة، وبهذا يستطيع العلماء والكتاب والمحققين أن يستنتجوا اصول مدرسة أهل البيت عليهم السلام في كل الابحاث العقائدية والكلامية من هذا الكتاب. كما أن الشيخ الكليني اعتمد تقسيم الكتاب إلى أبواب حتى يسهل تناوله، وتعم فائدته، والابواب هي: – باب حدوث العالم واثبات المحدث – كما مر -، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب إطلاق القول بأنه شئ، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب أنه لا يعرف إلا به، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أدنى المعرفة، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب المعبود، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الكون والمكان، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب النسبة، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب النهي عن الكلام في الكيفية، ذكر فيه عشرة أحاديث. – باب في إبطال الرؤية، ذكر فيه اثنا عشر حديثا.


[328]

– باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ذكر فيه اثنا عشر حديثا. – باب النهي عن الجسم والصورة، ذكر فيها ثمانية أحاديث. – باب صفات الذات، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب آخر وهو من الباب الاول، ذكر فيه حديثين. – باب الارادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب حدوث الاسماء، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب معاني الاسماء واشتقاقها، ذكر فيه اثنا عشر حديثا. – باب آخر وهو من الباب الاول، إلا أن فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين، ذكر فيه حديثا واحدا. – باب تأويل الصمد، ذكر فيه حديثين. – باب الحركة والانتقال، ذكر فيه عشرة أحاديث. – باب العرش والكرسي، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب الروح، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب جوامع التوحيد – ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب النوادر، ذكر فيه أحد عشر حديثا. – باب البداء، ذكر فيه خمسة عشر حديثا. – باب في أنه لا يكون شئ في السماء والارض، إلا بسبعة، ذكر فيه حديثين. – باب المشيئة والارادة، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب الابتلاء والاختبار، ذكر فيه حديثين.


[329]

– باب السعادة والشقاء، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الخير والشر، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الجبر والقدر والامر بين الامرين، ذكر فيه أربعة عشر حديثا. – باب الاستطاعة، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب البيان والتعريف ولزوم الحجة، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب اختلاف الحجة على عباده، وفيه حديث واحد. – باب حجج الله على خلقه، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب الهداية وأنها من الله عز وجل، وذكر فيه أربعة أحاديث. ومجموع الاحاديث في كتاب التوحيد هي مائتان واثنا عشر حديثا في خمس وثلاثين بابا، وكل باب يعبر عن رأي الشيعة الامامية ومنهج أهل البيت عليهم السلام اتجاه المسائل العقائدية التي ظهرت إلى الوجود، وأصبحت مدار بحث ونقاش بين المذاهب الاسلامية. ونستطيع أن نوجز الحديث عن كتاب التوحيد عند الشيعة الامامية من خلال جملة من احاديث أهل البيت التي أودعها الشيخ الكليني في كتابه ” الكافي ” بما يأتي: وهو أن التوحيد بحوثه تندرج تحت ثلاثة أقسام: 1 – توحيده في الذات. 2 – توحيده في الصفات. وهذا يشمل: أ – الصفات الثبوتية (الكمالية). ب – الصفات السلبية (الجلالية). 3 – توحيده في العبادة.


[330]

أما توحيده في الذات فقد عرفت أنه سبحانه، واحد أحد، فرد صمد، ليس كمثله شئ، كان موجودا منذ القدم فهو قديم، وأن وجوده واجب لا محالة، وشريكه ممتنع وجوبا لا محالة، لانه لا يصلح للكون أن يكون فيه اله غيره ” لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا ” (1)، لا تدركه الابصار، ولا يستطيع المخلوق أن يصل الى كنهه، فمهما كان ذهن الانسان له من القابلية والقدرة والاستعداد لا يصل إلى ما يريده من تصور ذاته، وعلو الهمم لا يمكن أن تدركه، قد عرفناه قديما منذ الازل، لانه لم يكن مسبوقا بالغير، كما أنه سبحانه لم يكن مسبوقا بالعدم، ولهذا كان واجب الوجود وهو سبحانه. وأما توحيده في الصفات فنقول: لما كانت معرفته أساس الطاعة والعبادة فما لم يعرف لا يمكن أن يطاع، ولا تتم معرفته إلا بإذعان العبد بوجوب وجوده، ولا يكون هذا الاذعان ما لم يؤمن العبد بوحدانيته، أي لا شريك له، لان الواجب لا يتعدد، وقد تم الدليل. عليه بصورة مجملة، وكمال هذا التوحيد لا يتم إلا بالاخلاص له، ومن جملة الاخلاص هو نفي الصفات الزائدة عنه، فصفاته عين ذاته، فعلمه، وقدرته، وإرادته، وسمعه وبصره… كلها موجودة بوجود ذاته الاحدية، وذاته جامعة ومستوعبة لها، وهي عينها، وليست زائد على الذات خارجة عنها، كما أن صفاته الذاتية من القدرة والاختيار والعلم والحياة ليس لها حد معين ينتهي إليه ويقف عنده، كما هو الحال بالنسبة للمخلوقات التي يعتريها التغير، أو توصف بالزيادة والنقصان، فقدرته لا توصف بالقوة والضعف، وكذا علمه لا يوصف بالزيادة والنقصان، فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، فهو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، وصفاته عين ذاته، وهي أزلية ليس لها


(1) الانبياء: 22.

[331]

وقت معدود، وأبدية فليس لها أجل محدود. ثم إن صفاته تكون على قسمين: 1 – الصفات الثبوتية، وهذه على نوعين: أ – الصفات الثبوتية الحقيقية والتي تسمى بالصفات الكمالية – صفات الجمال والكمال – كالعلم، والقدرة، والغنى، والارادة، والحياة. ب – الصفات الثبوتية الاضافية، كالخالقية والرازقية، والتقدم، والعلية…، وهذه ترجع إلى صفة القيومية لمخلوقاته. 2 – الصفات السلبية (الجلال) وهي ترجع جميعها إلى سلب واحد، وهو سلب الامكان عنه أو قل: سلب كل نقص عنه سبحانه، مثل: سلب الجسمية، والسكون، والحركة، والثقل، والخفة. أما توحيده في العبادة، فلا شك أن العبادة ضرب من الشكر، وغاية فيه، لانها الخضوع والتذلل، وهي تدل على أعلى مراتب التعظيم، ولا يستحق العبادة أحد إلا من كان هو الفيض في أصول النعم ومعطيها، والعبادة تختلف عن الطاعة، لان العبادة مختصة بالله سبحانه، والطاعة مشترك بينه وبين غيره، فربما تطع من سواه، كالاب، والزوج، والصديق، والسلطان، ومع ذلك طاعتك لهم قد لا يصحبها التذلل. قال الرسول مخاطبا معاذ: ” يا معاذ تدري ما حق الله على العباد ؟ “، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ” فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، وقد قال سبحانه: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ” (1)، وقوله تعالى: ” وما امروا إلا ليعبدوا الله


(1) الذاريات: 56.

[332]

مخلصين له الدين ” (1). ومن المناسب أن نختم هذه الفقرة بحديث أمير المؤمنين عليه السلام، وبعض من كلمات اهل البيت عليهم السلام في التوحيد، منها، كما نقله لنا الشيخ الكليني قدس سره مرفوعا الى أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية، فلما حشد الناس قام خطيبا فقال: ” الحمد لله الواحد الاحد، الصمد المتفرد، الذي لا من شئ كان، ولا من شئ خلق ما كان، قدرة بان بها من الاشياء وبانت الاشياء منه، فليست له صفة تنال، ولا حد تضرب له فيه الامثال… إلى أن يقول عليه السلام: فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وتعالى الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود، سبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى، سبحانه هو كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، وحد الاشياء كلها عند خلقه، إبانة لها من شبهه، وإبانة له من شبهها، لم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه… إلى آخر الخطبة (2) وفي خطبة الاشباح قال عليه السلام: ” فاشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعتقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ندلك، وكأنه لم يسمع نبرؤ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: ” تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين “، كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وأشهد أن


(1) البينة: 5. (2) اصول الكافي: 1 / 135 كتاب التوحيد، الحديث الاول،

[333]

من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حجج بيناتك ” (1). وقال عليه السلام في مناسبة اخرى: ” الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه، أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال تصديقه توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه، فقد جهله، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم ؟ فقد ضمنه، ومن قال على م ؟ فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده، أنشأ الخلق إنشاءا، وابتدأه، ابتداءا، بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطراب فيها، أحال الاشياء لا وقاتها، ولائم بين مختلفاتها، وعزز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها وانتهائها عارفا بقرائنها وأحنائها ” (2). أشار الامام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته إلى عدة مطالب مهمة: فقد أشار إلى


(1) نهج البلاغة: من خطبة الاشباح رقم 91 ص 126، تحقيق صبحي الصالح. (2) الاحتجاج للطبرسي: 1 / 199، نهج البلاغة: الخطبة الاولى، 1 / 40 تحقيق صبحي الصالح. (*)

[334]

عجز الانسان عن القيام بالثناء عليه، كما أن القصور باد على كل فرد في إحصاء أنعم الله، فهي على وفرتها وكثرتها لا تعد ولا تحصى، وهذه النعم الكثيرة تصير الانسان عاجزا عن أداء شكر المنعم، على أن شكر المنعم واجب. ثم بين عليه السلام أن ليس لصفاته الذاتية من القدرة والحياة والعلم والاختيار حد معين ينتهي إليه كما هو الحال في المخلوقات، فصفاته عين ذاته، وهي أزلية ليس لها وقت معدود، وأبدية ليس لها أجل ممدود. ثم قال عليه السلام في كيفية الدين، وما هو إلا معرفة الله سبحانه، وهذا هو أول الدين، لان إذا عرف الله جل ثناؤه وجب على الناس عبادته وطاعته، فما لم يعرف لا يطاع، أما معرفته فهي متوقفة بإذعان العبد لخالقه، وعلى كونه واجب الوجود، وكونه واجب الوجود لابد من تنزيهه عن الشرك وإخلاص الوحدانية له. ثم بين عليه السلام صفاته كيف نفهمها، وما هي المقولات الباطلة التي لابد أن نحذرها، فمن قال: إن صفاته زائدة على ذاته فقد قرنه، أي أوجد له شريكا في القدم، وواجب الوجود لا شريك له في القدم، ومن قال: بقدمها خرج عن توحيده، لان قد صيره جزءا من قديمين، ومن جزأه فقد جهله. وقد أثبت عليه السلام بهذا أنه سبحانه لا يتعدد ولا يتجزأ. ثم نفى عنه سبحانه التحديد والتركيب، فلا يشار إليه بمكان، لان الاشاره سواء كانت نقلية أم حسية تعطي معنى ال‍ ” أين “، ولان المشار إليه لابد أن يكون في جهة ما، وكل ما هو في جهة لابد أن يوصف بالابعاد الستة، والذي يوصف أو يحد بالابعاد هو المركب، كما ما هو الحال للموجودات. ثم بعد ذلك بين كيف أنشأ سبحانه الخلق. وعن الطبرسي، قال: سأل نافع الازرق أبا جعفر عليه السلام، قال: أخبرني عن الله


[335]

عزوجل متى كان ؟ قال: ” متى لم يكن حتى اخبرك متى كان ؟ ! سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ” (1). وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال في صفة القديم: ” إنه واحد صمد، أحدي المعنى، ليس بمعان كثيرة مختلفة “، قال: قلت: جعلت فداك إنه يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، قال: فقال: ” كذبوا والحدوا، وشبهوا الله تعالى، إنه سميع بصير، يسمع بما به، ويبصر بما به يسمع “. قال: قلت: يزعمون أنه بصير على ما يعقله، قال: فقال: ” تعالى الله، إنما يعقل من كان بصفة المخلوق، وليس الله كذلك “. (2) وهناك مناظرات واحتجاجات بين الامام الصادق عليه السلام وبعض الزنادقة، قد ذكرنا طرفا منها فيما تقدم. وعن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة قال: سأل عمران الصابي الامام الرضا عليه السلام في مجلس كبير، جمع له المأمون فيه متكلمي الملل كلهم المخالفين للاسلام فخصم جميعهم، قال له عمران الصابي: أخبرني نوحد الله بحقيقة أم نوحده بوصف ؟، فقال له الرضا عليه السلام: إن النور البدئ الواحد الكون الاول واحد لا شريك له، ولا شئ معه، فرد لا ثاني معه، ولا معلوم، ولا مجهول، ولا محكم، ولا متشابه، ولا مذكور ولا منسا (3)، ولا شئ يقع عليه إسم شئ من الاشياء كلها، فكان البدء قائما بنفسه، نور، غني، مستغن عن غيره، لا من وقت كان، ولا إلى وقت يكون، ولا على


(1) الاحتجاج للطبرسي: 2 / 321. (2) الاحتجاج: 2 / 322. (3) كذا في المصدر. والصحيح ولا منسيا. (*)

[336]

شئ قام، ولا إلى شئ استتر، ولا في شئ استكن، ولا يدرك القائل مقالا إذا خطر بباله ضوء أو مثال أو شبح أو ظل، وذلك كله قبل الخلق، في الحال التي لا شئ فيها غيره، والحال أيضا في هذا الموضوع، فإنما هي صفات محدثة، وترجمة من متوهم ليفهم… الخ ” (1). أقول: في كلمات الائمة المعصومين عليهم السلام ما فيه الغنى عن كلمات باقي الاصحاب، وأن مناظراتهم مع المخالفين من إسلامين وغيرهم هي كثيرة، وقد ذكر جملة من أحاديثهم الشيخ الكليني، في كتاب التوحيد، كما مر أن فيه ستا وثلاثين بابا قد أودع فيه ما ينبئ عن سعة اطلاع المصنف في الامور العقلية والنقلية، وأن اختياره ذاك يحكي عن عقيدته، بل هي عقيدة الامامية الاثني عشرية تلك العقيدة التي ورثها عن اهل بيت العصمة، وهم الائمة الاطهار، فهي حقا مدرسة أهل البيت التي غرس بذرتها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لانه مدينة العلم، ثم فتح لمدينته بابا فجعلها أفضل الابواب، فمن رام دخول المدينة فليأتي الامام أمير المؤمنين عليه السلام، لانه باب مدينته. فمن الاسباب الداعية لنشر علوم اهل البيت، وبالذات ما يخص التوحيد هو كتاب ” الكافي “، حيث قيض الله سبحانه لنا الكليني، يحفظ ذلك التراث النقي العذب من الضياع والاندراس، على أن تلك الاحاديث والاخبار لا يذكر أن جلها كانت في كتب الاصول – الاربعمائة – لكن تطاول الزمان، وكثرة الحدثان، وقلة الهمم، وتوالي الامم عرض تلك الاصول إلى التلف، حتى أصبحت أسماء لرسوم اندرست. وربما هناك الشئ الكثير في هذا الباب لم يصلنا لحد الآن، ولا يختلف في هذا


(1) تحف العقول لابن شعبة: ص 316، ط 5 م الحيدرية، النجف 1961.

[337]

الشأن إثنان، ومهما يكن، فإن عمل الشيخ الكليني يستحق الاكبار والاجلال والتقدير. رد شبهة: لقد تحامل بعض الكتاب في التشنيع على مذهب الامامية بل أن بعضهم ممن كتب في الفرق والمذاهب قد بالغ في نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم، ونسب إليه بعض المقالات المنافية لاصول الاسلام والتي لا يقرها العقل، وكان الغرض من ذلك رمي الامامية بالتشبيه والتجسيم من خلال هشام. هشام بن الحكم، من أبرز تلامذة الامام الصادق عليه السلام، وقد وردت في حقه عدة روايات مدح وثناء من الامام عليه السلام، منها قوله عليه السلام: ” لا تزال يدا بروح القدس يا هشام ما نصرتنا بلسانك “. وكذلك دخل على الامام الصادق عليه السلام وكان شابا قبل أن يخط عارضاه بالشعر، وفي مجلسه. أجلاء الشيوخ من شيعته وتلامذته، فوسع له في مجلسه، وأدناه منه، ثم قال: هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه “. وقال فيه الامام في مناسبة ثالثة: ” هشام بن الحكم رائد حقنا، والمؤيد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أمره تبعنا، ومن خالفه وألحد فيه خالفنا وألحد فينا… “. غير أن الاسفرايني في ” تبصير الدين ” (1) اتهم هشام بن الحكم بالتجسيم، ونسب إليه أقوال وعقائد فاسدة مخالفة لعقيدة هشام ومذهب الامامية. إلا أن كل التهم التي وجهت إلى هشام سببها العداء والخصومة التي خاضها


(1) تبصير الدين للاسفراييني: ص 106.

[338]

مع المعتزلة من جانب، ومع الاشاعرة من جانب آخر، فهو كان يحاجج علماء هؤلاء واولئك، ويلقمهم حجرا في كل ما يدعونه حتى ينتصر عليهم، مما ولد له أعداء و خصماء، أخذوا يلصقون به التهم والمعتقدات التي هو بعيد عنها كل البعد. نعم ربما استفادوا من مقولته على حساب الغرض للرد على المعتزلة، حيث قال: إن الله (جسم لا كالاجسام)، قبال المعتزلة الذين قالوا: هو (شئ لا كالاشياء). (1) ولهشام مواقف حاسمة بينه وبين رأس المعتزلة عمر بن عبيد وزعيمهم أنذاك، وكذلك له مخاصمات مع عمرو بن عبيد في موضوع الامامة وبقية اصول الدين. انظر رجال الكشي في قصة إنكار المعتزلة لبقاء أهل الجنة إلى الابد (2). ثم هناك ادعاء في هشام أنه كان ديصانيا، ثم رجع وأصبح جهميا، ثم اعتنق المذهب الامامي، وهذا ليس له دليل، بل أنه إمامي قبل أن يختط عارضه بالشعر (3)، لهذا تمادى الكتاب في التهريج والتشنيع على هشام ومذهب الامامية، قال علي الغرابي في ” تاريخ الفرق الاسلامية ” وهو ينقل عن الشهرستاني في كتابه الملل والنحل بتصرف قال: ” إن أصل التشبيه يرجع الى طائفتين: طائفة الروافض من الشيعة، وطائفة الحشوية من المحدثين، ويمثل الطائفة الاولى هشام بن الحكم… ” (4). أقول: وأصل الشبهة إنما جاءت من قول هشام على سبيل الفرض


(1) رجال الكشي: 2 / 562. (2) رجال الكشي: 2 / 549. (3) في الشافي للسيد المرتضى: إن الامام الصادق عليه السلام كان يرفع هشام على باقي أصحابه. ص 13، ورجال الكشي، الهامش 2 ص 562. (4) أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 105 من طبعة دار المعرفة بيروت.

[339]

والمعارضة في مقابلته للمعتزلة، فقال لهم: ” إذا قلتم إن القديم تعالى شئ لا كالاشياء، فقولوا، إنه جسم لا كالاجسام ” وليس كل من عارض بشئ وسأل عنه يكون معتقدا له ومتدينا به، وقد فهم من هذا الفرض والمعارضة أنه يدين بذلك، وهذا الوهم حمل الشهرستاني وابن الراوندي والكعبي وأضرابهم أن يصيروا تلك الفرضية مذهبا وعقيدة لهشام. قال الشهرستاني: ” وكان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، وجرت بينه وبين أبي الهذيل مناظرات في علم الكلام، منها في التشبيه، ومنها في تعلق علم البارئ تعالى حكى ابن الراوندي عن هشام أنه قال: إن بين معبوده وبين الاجسام تشابها ما بوجه من الوجوه، ولولا ذلك لما دلت عليه، وحكى الكعبي عنه أنه قال هو جسم ذو أبعاض، له قدر من الاقدار، ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شئ (1). ثم نقل غير ذلك، لكن لا يعلم مصدرها، ولا أشك أن تلك الاقوال قد ألصقها به خصومه من المعتزلة والاشاعرة وغيرهم، لحقدهم وحسدهم. ثم جميع ما نقل عن هشام إنما هي محكية في كتب المخالفين، ولم نجد أي نص أو خبر في كتبنا تسئ إلى هشام بن الحكم، أو فيها مما يخالف عقائد الامامية. بل أن التشبيه والتجسيم إنما هو مسطور في كتب القوم، وهي جزء من عقائدهم، فهؤلاء الحشوية أحد فرق الجمهور هم الذين قالوا بالتجسيم، حكى الاشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن: مضر، وكهمس، وأحمد الهجيمي أنهم أجازوا على ربهم: الملامسة، والمصافحة، وأن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة، إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد الى حد الاخلاص والاتحاد المحض ! ! ! (2).


(1) الملل والنحل: 1 / 164. (2) الملل والنحل: 1 / 96. (*)

[340]

وحكى الكعبي عن بعضهم: انه كان يجوز الرؤية في دار الدنيا، وأن يزوروه ويزورهم. وحكي عن داود الجواربي أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك ! (1) وقال: إن معبوده جسم، ولحم، ودم، وله جوارح وأعضاء، من يد، ورجل، ورأس، ولسان وعينين، واذنين، ومع ذلك: جسم لا كالاجسام، ولحم لا كاللحوم، ودم لا كالدماء، وكذلك سائر الصفات، وهو لا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شئ ! ! (2) وحكي عنه أنه قال: هو جوف من أعلاه إلى صدره، مصمت ما سوى ذلك، وأن له وفرة سوادء، وله شعر قطط ! ! (3) وأما ما ورد في التنزيل من: الاستواء، والوجه، واليدين، والجنب، والمجئ، والاتيان، والفوقية… وغير ذلك، فأجروها على ظاهرها، أعني ما يفهم عند الاطلاق على الاجسام (4). وقال الاشعريون: إن اليدين صفة من صفات الله، والاستواء على العرش صفة من صفات الله، وأن وجه الله صفة من صفاته أيضا (5). وقال ابن أبي الحديد – في جملة ما قال عن المجسمة والاشاعرة وأهل السنة، وأقوالهم في الخالق -: ” وقال بعضهم: إنه في صورة غلام أمرد، صبيح الوجه، عليه كساء أسود، ملتحف به. وسمعت أنا في عصري هذا من قال في قوله تعالى: ” وترى


(1) المصدر السابق 1 / 96. (2) المصدر السابق 1 / 96. (3) المصدر السابق 1 / 96. (4) الملل والنحل: 1 / 96. (5) شرح نهج البلاغه: 2 / 142، و 1 / 296.

[341]

الملائكة حافين من حول العرش ” أنهم قيام على رأسه بسيوفهم وأسلحتهم ! فقال له آخر – على سبيل التهكم -: به يحرسونه من المعتزلة أن يفتكوا به، فغضب وقال: هذا إلحاد. ورووا أن النار تزفر وتتغيظ تغيظا شديدا، فلا تسكن حتى يضع قدمه فيها، فتقول: قط قط، أي حسبي حسبي، ويرفعون هذا الخبر مسندا، وقد ذكر شبيه به في الصحاح. وروي في الكتب الصحاح أيضا أن الله خلق آدم على صورته… (1). ومن آراء الحشوية وطرهاتهم، أنهم يجيزون على الله تعالى العدو، والجري، والهرولة ! ! قال ابن أبي الحديد: ” وقال قوم منهم: إنه تعالى يجوز أن ينزل فيطوف البلدان، ويدور في السكك، وقال بعض الاشعريين أن سائلا سأل السكاك فقال: إذا أجزت عليه الحركة فهل أجزت عليه أن يطفر ؟ ! ! فقال: لا يجوز عليه الطفر، إنما يكون فرارا من ضد، أو إتصالا بشكل، فقال له: فالحركة أيضا كذلك، فلم يأت بفرق (2). وهناك كلمات كثيرة لو أردنا أن نحصيها على فرق جمهور السنة لخرجنا عن إطار البحث، وإنما ذكرنا نماذج قليلة من عقائدهم، حتى يتضح للقارئ إنما ما الصق بالامامية وعلمائنا الكبار إنما هو تقول عليهم، بل هي في الحقيقة منسوبة إلى كبار علماء الاشاعرة والحشوية، ومن حذا حذوهم من الاحناف والحنابلة والشوافع. أما هشام بن الحكم فقد وردت فيه أخبار صحيحة عن الامام الكاظم والامام الرضا عليهما السلام في مدحه والثناء عليه، بل أنه من المقربين إلى الامام الصادق عليه السلام.


(1) شرح النهج: 1 / 295. (2) شرح النهج: 1 / 296.

[342]

قال الكشي: حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا محمد بن عيسى العبيدي، قال: حدثني جعفر بن عيسى، قال: قال موسى بن الرقي لابي الحسن الثاني عليه السلام: جعلت فداك روى عنك… وأبو الاسد أنهما سألاك عن هشام بن الحكم، فقلت: ضال مضل، شرك في دم أبي الحسن عليه السلام، فما تقول فيه يا سيدي نتولاه ؟ قال: ” نعم “، فأعاد عليه: نتولاه على جهة الاستقطاع ؟ قال: ” نعم تولوه، نعم تولوه، إذا قلت لك فاعمل به، ولا تريد إن تغالب به، اخرج الآن فقل لهم: قد أمرني بولاية هشام بن الحكم، فقال المشرقي لنا بين يديه وهو يسمع: ألم أخبركم ان هذا رأيه في هشام بن الحكم غير مرة (1). وفي كثير من الاخبار ترحم عليه الامام الرضا عليه السلام، منها: الكشي، قال: حدثنا حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثني زحل عمر بن عبد العزيز بن أبي بشار، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن هشام بن الحكم، قال: فقال لي: ” رحمه الله، كان عبدا ناصحا، أوذى من قبل أصحابه حسدا منهم له ” (2). وقال الكشي بسنده عن أسد بن أبي العلاء، قال: كتب أبو الحسن الاول عليه السلام إلى من وافى الموسم من شيعته في بعض السنن في حاجة له، فما قام بها غير هشام بن الحكم، قال: ” فإذا هو قد كتب صلى الله عليه وآله، جعل الله ثوابك الجنة “، يعني هشام بن الحكم (3). وقد بلغ من مرتبته وعلوه عند الامام الصادق عليه السلام، أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعين، وقيس


(1) رجال الكشي: 2 / 546. (2) رجال الكشي: 2 / 547. (3) رجال الكشي: 2 / 548.

[343]

الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الاحول، وغيرهم، فرفعه على جماعتهم وليس فيهم إلا من هو أكبر منه سنا، فلما رأى أبو عبد الله عليه السلام أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال: ” هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ” (1). وقال له أبو عبد الله عليه السلام وقد سأله عن أسماء الله واشتقاقها، فأجابه عليه السلام ثم قال له: ” أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا الملحدين، المتخذين مع الله سبحانه وتعالى غيره ؟ ” قال هشام: نعم، قال أبو عبد الله عليه السلام: ” نفعك الله به وثبتك “، قال هشام: فوالله، ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا ” (2). أقول: هذا نزر قليل من غث سمين في حق هشام بن الحكم، إذ أن الروايات المادحة له كثيرة جدا، قبالها أربع روايات ضعيفة السند، عدا واحدة منها، وقد أجمع العلماء على وثاقته، وجلالة قدره، بل هو من خواص الامام الصادق عليه السلام وممن أخذ علم الكلام عنه، وفي ذيل الرواية المتقدمة عن الكليني أن الامام دعا له بالنفع والثبات، كما تقدم أيضا عن الامام الرضا عليه السلام الترحم عليه. نكتفي بهذا القدر عن هشام بن الحكم. لقد أورد الكليني عرضا موجزا في كتاب التوحيد، وفي ثلاث أبواب منه، ففي (باب الارادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل) ذكر بعد ما أورد الحديث السابع جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل، وهذا العنوان جعله في آخر الباب، ليبين فيه رأي الامامية بالنسبة إلى صفات الذات وصفات الفعل، وإن كانت الاحاديث المندرجة في الباب قد تبنت موضوع المشيئة وبعض الصفات الثبوتية، إلا أن الشيخ ارتأى أن يذكر بعض العبائر لتوضيح ما غمض، فقال: ” إن كل شيئين


(1) اصول الكافي: 1 / 172. (2) انظر الحديث من اصول الكافي: ج 1 باب المعبود ص 87، وباب معاني الاسماء واشتقاقها ص 114.

[344]

وصفت الله بهما وكان جميعا في الوجود فذلك صفة فعل، وتفسير هذه الجملة: أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد، وما يرضاه وما لا يرضاه وما يسخطه، وما يحب وما يبغض، فلو كانت الارادة من صفات الذات – مثل العلم والقدرة – كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضا لتلك الصفة، ألا ترى إنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه، وكذلك صفات ذاته الازلي لسنا نصفه بقدرة وعجز، وعلم وجهل، وسفه وحكمة وخطاء، و عز وذلة، ويجوز أن يقال: يحب من أطاعه، ويبغض من عصاه، ويوالي من أطاعه، ويعادي من عصاه، وأنه يرضى ويسخط، ويقال في الدعاء: اللهم ارض عني، ولا تسخط علي، وتولني، ولا تعادني، ولا يجوز أن يقال: يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم، ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك، ويقدر أن يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أن لا يكون عزيزا حكيما، ويقدر أن يكون جوادا، ولا يقدر أن لا يكون جوادا، ويقدر أن يكون غفورا ولا يقدر أن لا يكون غفورا،…، ولا يجوز أيضا أن يقال: أراد أن يكون ربا وقديما وعزيزا وحكيما ومالكا وعالما وقادرا… لان هذه من صفات الذات، والارادة من صفات الفعل، ألا ترى أنه يقال: أراد هذا ولم يرد هذا، وصفات الذات تنفي عنه بكل صفة منها ضدها، يقال: حي، وعالم، وسميع، وبصير، وعزيز، وحكيم، وغني، وملك وحليم، وعدل، وكريم، فالعلم ضده الجهل، والقدرة ضدها العجز، والحياة ضدها الموت، والعزة ضده الذلة، والحكمة ضدها الخطأ، وضد الحلم العجلة والجهل، وضد العدل الجور والظلم. (1) والمورد الثاني من كتاب التوحيد، تعليقته على الحديث الاول من (باب أنه لا يعرف إلا به).


(1) اصول الكافي: 1 / 111.

[345]

أما الحديث فهو بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ” اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، واولي الامر بالامر بالمعروف والعدل والاحسان “. ثم علق الشيخ فقال: ومعنى قوله عليه السلام ” اعرفوا الله بالله ” يعني أن الله خلق الاشخاص والانوار والجواهر والاعيان، فالاعيان: الابدان، والجواهر: الارواح، وهو جل وعز لا يشبه جسما ولا روحا، وليس لاحد في خلق الروح الحساس الدارك أمر ولا سبب، هو المتفرد، يخلق الارواح والاجسام، فإذا نفى عنه الشبهين: شبه الابدان وشبه الارواح فقد عرف الله بالله، وإذا شبه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله (1). فصل الشيخ بين الاعيان والجواهر، وبعبارة اخرى ميز بين الابدان والارواح، ثم نفى الشبهية، لان سبحانه ليس كباقي المخلوقات التي لها جوهر وروح، بل هو سبحانه خلق الاجسام والارواح، وليس لاحد له دخل فيها عدا خالقهما سبحانه. أما المورد الثالث من تعليقات الشيخ الكليني في كتاب التوحيد بعد الحديث الاول من (باب جوامع التوحيد). الحديث الذي رواه الشيخ هو خطبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام لما استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية، أولها: ” الحمد لله الواحد الاحد، الصمد المتفرد… الخ “. قال الشيخ: وهذه الخطبة من مشهورات خطبه عليه السلام، حتى لقد ابتذلها العامة، وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فيها، فلو اجتمع ألسنة الجن


(1) المصدر السابق: 1 / 85.

[346]

والانس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به – بأبي وأمي – ما قدروا عليه، ولولا إبانته عليه السلام ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد، ألا ترون إلى قوله: ” لا من شئ كان ولا من شئ خلق ما كان “، فنفى بقوله: ” لا من شئ كان ” معنى الحدوث، وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال، نفيا لقول من قال: إن الاشياء كلها محدثة بعضها من بعض، وإبطالا لقول الثنوية الذين زعموا أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل، ولا يدبر إلا باحتذاء مثال، فدفع عليه السلام بقوله: ” لا من شئ خلق ما كان ” جميع حجج الثنوية وشبههم، لان أكثر ما يعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا: لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الاشياء من شئ أو من لا شئ، فقولهم: من شئ، خطأ، وقولهم: من لا شئ، مناقضة وإحالة، لان (من) توجب شيئا، (ولا شئ) تنفيه، فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام هذه اللفظة على أبلغ الالفاظ وأصحها فقال: ” لا من شئ خلق ما كان ” فنفى (من) إذ كانت توجب شيئا، ونفى الشئ إذ كان كل شئ مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق كما قالت الثنوية: إنه خلق من أصل قديم، فلا يكون تدبير إلا باحتذاء مثال. ثم قوله عليه السلام: ” ليست له صفة تنال، ولا حد تضرب له فيه الامثال، كل دون صفاته تحبير اللغات ” فنفى عليه السلام أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة، و غير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء، وقولهم: (متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية، ولم ترجع إلى إثبات هيئة لم تعقل شيئا، فلم تثبت صانعا) ففسر أمير المؤمنين عليه السلام أنه واحد بلا كيفية، وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا احاطة. ثم قوله عليه السلام: ” الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وتعالى الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود “، ثم قوله عليه السلام: ” لم يحلل – في


[347]

الاشياء – فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن “، فنفى عليه السلام بهاتين الكلمتين صفة الاعراض والاجسام، لان من صفة الاجسام التباعد والمباينة، ومن صفة الاعراض الكون في الاجسام بالحلول على غير مماسة، ومباينة الاجسام على تراخي المسافة. ثم قال عليه السلام: ” لكن أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه “، أي هو في الاشياء بالاحاطة والتدبير وعلى غير ملامسة (1). من هذه الكلمات وغيرها يتضح أن الشيخ الكليني له باع في علم الكلام، كما أن ذهنيته في التحليل والنقد قد جرت مجرى الفلاسفة وأهل المنطق، ومما يدلل على صحة ذلك أنه ألف كتابا في الرد على القرامطة، ولا يخفى أن الرد له صناعة خاصة، وبضاعة دقيقة تعتمد منطق العقل والدليل، وشيخنا برع في ذلك.


(1) اصول الكافي: 1 / 136 – 137.

[348]

أثره في الامامة المسألة الاخرى التي أطنب فيها العامة، وكثر حديثهم وجد لهم انتصارا للباطل، هي مسألة الامامة. ولما كانت النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله كثيرة جدا في أحقية الامام علي ابن أبي طالب عليه السلام بإمرة المسلمين، و إمامته لهم، وخلافته، إنما كانت منصوبة من الله سبحانه، فما كان من أهل السنة والجماعة إلا أن يأولوا تلك النصوص من الآيات والاحاديث، تمشيا لما جرى في الخارج من أحداث، وتبريرا لما فعله الخليفة الاول والثاني والثالث، إلا أن تأويلهم ذاك لا طائل من ورائه. وقد حرص أهل البيت عليهم السلام على إظهار معنى الامامة للناس، وبيان شرائطها ولزومها، ثم بيان عدد الائمة، وصفاتهم، وميراثهم من الرسول صلى الله عليه وآله وخصوصياتهم… وقد اعتمد الكليني الاصول الاربعمائة، ومصنفات أصحاب الائمة عليهم السلام، وانتقى منها ما يلائم هذا الموضوع، وأفرد له كتابا خاصا سماه كتاب الحجة، وهو ثالث الكتب التي بدأ بها كتابه ” الكافي “، وقد تضمن هذا الكتاب مائة وثلاثين


[349]

بابا، بدأه بباب الاضطرار إلى الحجة، وجعل فيه خمسة أحاديث، الحديث الاول منه: قول الامام الصادق عليه السلام للزنديق لما سأله: من أين أثبت الانبياء والرسل ؟ قال عليه السلام: ” إنما لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلق ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشرونه ويحاجهم ويحاجونه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقائهم وفي تركه فنائهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز، وهم الانبياء، وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس – على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب – في شئ من أحوالهم، مويدين عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان، مما أتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته، وجواز عدالته ” (1). في هذا الحديث أبعاد كثيرة، ومطالب متعددة لا تخلو من كونها داخلة في قسم الاستدلال العقلي بمقدمات عقلية. فمن تلك المقدمات: أولا: أن لنا خالقا صانعا، لا يشبه أحدا من خلقه. ثانيا: أن الصانع الخالق متعال عن التجسيم، ومنزه عن التعلق بالمواد أو المواصفات الجسمية التي هي أجزاء للمخلوق، كالحواس الستة، والابعاد، كالفوقية، والتحتية، والطولية، والعرضية، والوزن، والكثافة، وما شابه ذلك. فالامامية نزهوا سبحانه وتعالى عن كل ما تقدم، على خلاف الكرامية


(1) اصول الكافي: ج 1 كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، ح 1 ص 168.

[350]

الذين أثبتوا له تلك الحواس. ثالثا: أنه تعالى أوجد الوسائط بينه وبين المخلوقات، وجعلها السبيل في التدبير والتأثير والايجاد، فسبحانه رتب الامور على مبدأ العلية، فلولا العلة لا نعدم المعلول، وإليه تنتهي العلل. إلا أن الاشاعرة نفوا هذا المبدأ، وأنكروا ذلك الترتيب للوجود، وهم القائلون بخلق الاعمال وسائر الامور الجزئية منه تعالى بلا وسائط ولا ترتيب، والقائلون بالارادة الجزافية، وعلى هذا القول لا يبقى مجال لاثبات نبوة الانبياء، بل تنتفي سفارة الرسل والانبياء إلى البشر، ويكون الخلق غير محتاج إلى النبي، وبالخصوص ينطبق هذا على من قال – منهم – تجويز رؤية الخلق له سبحانه وتعالى. رابعا: أوضح سبحانه وتعالى مهمة الانبياء في كونهم وسائط وسفراء من الله إلى البشر، وفي كونهم الادلاء والهداة، يعلمون الناس طرق معاشهم، وكيف النجاة من كل بلاء، والحديث أشار إلى هذه الخصوصية “… ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقائهم وفي تركه فنائهم… “. خامسا: نفى الامام مشاهدة الخلق له سبحانه، وهذا يتضمن الرد على بعض الاشاعرة وعلماء السنة من الحشوية والمشبهة الذين جوزوا على العباد رؤيته في الدنيا، وقالوا: إنهم يزوروه ويزورهم كما حكاه الشهرستاني عن الكعبي في ” الملل والنحل “، وقال أيضا: ” وروى المشبهة عن النبي عليه السلام أنه قال: لقيني ربي، فصافحني، وكافحني، ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله ! ! “. وقال: ” ومن المشبهة من مال الى مذهب الحلولية “، وقال: ” يجوز أن يظهر الباري تعالى بصورة شخص، كما كان جبرئيل عليه السلام ينزل في صورة أعرابي، وقد تمثل لمريم بشرا سويا، وعليه حمل قول النبي عليه السلام: رأيت ربي في أحسن صورة،


[351]

وفي التوراة عن موسى عليه السلام: شافهت الله تعالى فقال لي كذا ” (1). وقالوا: إن الله يرى بالابصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامة، يراه المؤمنون دون الكافرين، لانهم عنه محجوبون، وأنه ينزل الى السماء الدنيا فيقول هل من مستقر… (2). سادسا: أثبت الامام سلام الله عليه إمامة المعصوم، وخلافته الشرعية بعد مرحلة النبوة، واتخذ لاثبات هذه الحقيقة مقدمة أجمل فيها الحديث عن السفراء ومهمتهم هي الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ثم أردف القول بعطف الصفوة من خلقه – وهم الاوصياء عليهم السلام – على الانبياء، فقال عليه السلام: ” وهم الانبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة… ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان… لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته، وجواز عدالته “. حديث جامع في الامامة: لو أردنا البسط في الكلام عن موضوع الامامة وشرائطها ومواصفات الامام لطال بنا المقام، ولما كنت أبحث عن أبواب كتاب الحجة في اصول الكافي وجدت حديث الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام مع عبد العزيز بن مسلم، خير حديث يجمع شتات الموضوع، ويهدي الباحث الى مطالب مهمة لاغنى له عنها. قال عبد العزيز بن مسلم: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الامامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فاعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال ” يا عبد


(1) الملل والنحل: 1 / 96 و 97 و 99. (2) مقالات الاسلاميين – لابي الحسن الاشعري ص 330 – 333.

[352]

العزيز، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والاحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: ” ما فرطنا في الكتاب من شئ ” (1)، وأنزل في حجة الوداع وهى آخر عمره صلى الله عليه وآله: ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ” (2)، وأمر الامامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينه، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما، وما ترك لهم شيئا تحتاج إليه الامة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به. هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم ؟ إن الامامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلا مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الامامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكره، فقال: ” إني جاعلك للناس إماما “، فقال الخليل عليه السلام سرورا بها: ” ومن ذريتي “، قال الله تبارك وتعالى: ” لا ينال عهدي الظالمين ” (3)، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: ” ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات


(1) سورة الانعام: 38. (2) سورة المائدة: 3. (3) سورة البقرة: 124.

[353]

وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ” (1)، فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض، قرنا فقرنا، حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله، فقال جل وتعالى: ” إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” (2) فكانت له خاصة، فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الاصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان، بقوله تعالى: ” وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ” (3)، فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، فمن أين يختار هؤلاء الجهال ؟ ! إن الامامة هي منزلة الانبياء، وإرث الاوصياء، إن الامامة خلافة الله، و خلافة الرسول صلى الله عليه وآله، ومقام أمير المؤمنين عليه السلام، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام، إن الامامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الامامة اس الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالامامة تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والاحكام، ومنع الثغور والاطراف. الامام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة. الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم، وهي في الافق بحيث لا تنالها الايدي والابصار.


(1) سورة الانبياء: 73. (2) سورة آل عمران: 68. (3) سورة الروم: 56.

[354]

الامام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار. الامام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، والمنجي من الردى. الامام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به، والدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الامام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة والارض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير، والروضة. الامام الانيس الرفيق، والوالد الشفيق، والاخ الشقيق، والام البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد. الامام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله. الامام المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيض المنافقين، وبوار الكافرين. الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعاد له عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام، أو يمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الالباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الالباء، وكلت الشعراء، وعجزت الادباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من


[355]

فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه (1) أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا كيف وأنى ؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا… ؟ ! أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله كذبتهم والله أنفسهم، ومنتهم الاباطيل، فارتقوا مرتقا صعبا دحضا، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الامام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه الا بعدا ” قاتلهم الله أنى يؤفكون ” (2)، ولقد راموا صعبا، وقالوا إفكا، وضلوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الامام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: ” وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ” (3)، وقال عزوجل: ” وما كان لمؤمن، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.. الآية ” (4)، وقال: ” ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا


(1) قد يبدو للرائي أول مرة أن في العبارة شبهه غلو، والامر ليس كذلك، بل هي حقيقة قد تنطوي عليه كل نفس بشرية، فكيف بأولياء الله سبحانه وأصفيائه، فما انطوت عليه النفس وما جبلت عليه علمه عند الله. (2) سورة التوبة: 30. (3) سورة القصص: 68. (4) سورة الاحزاب: 36.

[356]

بشركائهم إن كانوا صادقين ” (1)، وقال عز وجل: ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” (2)، أم ” طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ” (3)، أم ” قالوا سمعنا وهم لا يسمعون. إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ” (4)، أم ” قالوا سمعنا وعصينا ” (5)، بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. فكيف لهم باختيار الامام ؟ ! والامام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله، ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله، والرضا من الله عز وجل، شرف الاشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد، الله حافظ لدين الله. إن الانبياء والائمة صلوات الله عليهم يوثقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان، في قوله تعالى: ” فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ” (6)، وقوله تبارك وتعالى: ” ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ” (7)، وقوله في


(1) سورة القلم: 36 – 41. (2) سورة محمد: 24. (3) سورة التوبة: 87. (4) سورة الانفال: 21 – 23. (5) سورة البقرة: 93. (6) يونس: 35. (7) سورة البقرة: 269.

[357]

طالوت: ” إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ” (1)، وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: ” أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ” (2)، وقال في الائمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ” (3). وإن العبد إذا اختاره الله عزوجل لامور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، ” ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ” (4). فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه، أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه ؟ تعدوا – وبيت الله – الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم، فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم، فقال جل وتعالى: ” ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ” (5)، وقال: ” فتعسا لهم وأضل أعمالهم ” (6)، وقال: ” كبر مقا


(1) سورة البقرة: 247. (2) سورة النساء: 113. (3) سورة النساء: 54 – 55. (4) سورة الحديد: 21. (5) سورة القصص: 50. (6) سورة محمد (ص): 8.

[358]

عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ” (1)، وصلى الله على النبي محمد وآله، وسلم تسليما كثيرا ” (2). يمكن أن نوجز شرح الحديث الشريف بنقاط، هي: أولا: تحدث الامام الرضا عليه السلام في أمر الامامة لما وجد الناس قد اختلفوا في شأنها، وهذا – كما يبدو – في أول نزوله في خراسان، بمرو. ثانيا: جعل الامامة من تمام الدين، ثم وضح ذلك بأن الرسول لم يمض من دار الدنيا حتى بين الدين بتمامه، واستشهد الامام عليه السلام بالآية المسبقة ” اليوم كملت لكم دينكم… الخ “. ثالثا: بيان الرسول صلى الله عليه وآله للامة امور دينهم وما يحتاجون إليه قد استلزم أن يبين لهم من الخليفة من بعده، لانه من تمام الدين تنصيب الامام، لاجل ذلك أعلن مرارا أن عليا هو الامام من بعده، وذلك ما قامت عليه الشواهد النقلية الكثيرة كحجة الوداع يوم غدير خم، فالامام الرضا عليه السلام صرح بهذا المعنى. رابعا: الامامة تخصيص من الله تعالى يخص بها من يشاء، وقد آشار الامام الرضا عليه السلام إلى عجز الناس أن يبلغوها، لانها ليست علما اكتسابيا، ولا رتبة يبلغها المرء بالوارثة، بل هي رتبة دون النبوة، يختار الله لها من اجتمعت فيه خصال ما لا تجتمع في غيره، ففي علمه جرت المصالح، حتى بين لنبيه – قبل أن يرحل إليه – ما يريده، فأقام الامام بأمر من المولى. خامسا: لقد أبطل القرآن الكريم إمامة كل ظالم وجعلها إمامة فاسدة تبطل على ضوئها الاعمال والعبادات إلا ما استثني بدليل خاص.


(1) سورة غافر: 35. (2) اصول الكافي: ج 1 باب نادر جامع في فضل الامام وصفاته ص 198 – 203.

[359]

ففي الذكر الحكيم قال تعالى لابراهيم: ” إنى جاعلك للناس إماما ” سرر بها إبراهيم عليه السلام فقال: ” ومن ذريتي “، قال سبحانه، ” لا ينال عهدي الظالمين ” (1) (سادسا: ذكر الامام الرضا عليه السلام أن الامامة كانت في ذرية إبراهيم يتوارثونها، وأن النبي محمد صلى الله عليه وآله قد ورثها من إبراهيم، فكانت له خاصة، ثم قلدها عليا عليه السلام. سابعا: ثم ورث الامامة من أمير المؤمنين عليه السلام أبناؤه، وهم صفوة الله وحجته في الارض على الناس. ثامنا: لقد أوضح الامام الرضا عليه السلام منزلة الامامة، وأبان تعريفها، فقال: ” هي منزلة الانبياء، وإرث الاوصياء… الخ “. تاسعا: بعد ما عرف الامامة، ذكر مهمة الامام وصفته، والكلمات التي تجدها في الحديث فيها مضامين عالية، وفوائد جمة. عاشرا: في الامام شروط لازمة إن توفرت فيه صح الاطلاق عليه، لكن يفهم من النص المتقدم إنما تتوفر في الامام بإلهام من الله سبحانه لعدة من البشر قد اختارهم في سابق علمه، وعبارة الامام الرضا عليه السلام خير دليل: ” ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب… الخ “. احد عشر: لما كان منصب الامامة من الله، والتعين لا مفر منه، وليس للعباد فيه دخل بل ولا كرامة، لهذا لا يمكن للناس أن يحيطوا بكل ما لدى الامام، بل هم في العجز سواء، فلا يستطيعوا أن يصفوا شأنا من شأنه… اثنا عشر: خيب الامام الرضا عليه السلام كل مدعي الامامة، سواء كانوا من


(1) سورة البقرة: 124.

[360]

قريش أم من غيرهم، عدا الائمة الاثنا عشر المنصوص عليهم من الرسول صلى الله عليه وآله، وكل من ادعاها من غيرهم فهو كاذب. ثالث عشر: ثم بين عليه السلام سوء اختيار القوم لما اختاروا غير الوصي، وهم بذلك اساؤا إلى الرسول، بل إلى المولى الجليل إذ بدلوا كلمات الله سبحانه، وركنوا إلى التأويل والتطويل، فباعوا آخرتهم بدنياهم ألا ساء ما يفعلون. رابع عشر: ثم ذكر عليه السلام علم الامام، وأنه يفوق أهل زمانه، بل أن علمه من مخزون علم الله سبحانه. خامس عشر: لقد استشهد الامام الرضا عليه السلام بآيات عديدة تؤدي إلى المقاصد التي شرحها، وبين أهم المطالب المتعلقة بالامامة، فهو إستدلال معصوم، وحجته دامغة لا تقابلها أي حجة اخرى من الناس. وقد ختم الامام حديثه بجملة رائعة بين فيها قصور البشر وعجزهم عن الاتيان بتلك الصفات التي ذكرها – في معرض كلامه الشريف – في حق الامامة. وخلاصة البحث: أجمعت الامة الاسلامية – بجميع فرقها – على ضرورة الامامة، ثم افترقوا في تلك الضرورة إلى آراء ومذاهب، فقالت الشيعة الامامية: إن الامامة بالنص من الله سبحانه، وليس لاحد أن يدعيها لنفسه أو يجعلها لغيره، وإن أجمعت عليه الامة، فاجتماعها ذاك على خطأ. ثم وجود الامام لطف من الله سبحانه، وهذا اللطف منه مستمر، وقد بدا لما آفاض على الوجود، فأنشأ الخلق، وأبدع المخلوقات الاخرى وسخرها للناس، ثم أرسل الانبياء والرسل لطفا منه بعباده. ولما انتهت الرسالة وأذن للرسول بالرحيل إلى الرفيق الاعلى، وكانت رحلته تعني خاتمة للرسالات السماوية وانقطاعا للوحي، فهل يعقل أن النبي الذي أهتم


[361]

طيلة فترة نبوته أو حياته الشريفة في النصح والارشاد وإقامة الحدود وتبيان الشريعة وأحكامها، فهل يصح منه أن يترك الامة بدون مرشد يتابع أمرهم، ويسدي لهم النصح، ويعلمهم ما جهلوا. إن تركه صلى الله عليه وآله الامة بدون هاد يهديها ومرشد يرشدها أمر لا يمكن تصوره، بل أنه إخلال بوظيفته السماوية، والاخلال والاهمال منه صلى الله عليه وآله محال. أما أهل السنة فقالوا: الامام يختار بإجماع الامة عليه، إلا أن هذا لم يحصل، لان أبا بكر رشح من قبل عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة، في الوقت نفسه أن وجوه المسلمين، وكبار الصحابة، كابن عباس وابن مسعود والمقداد وأبي ذر وسلمان وعمار ولفيف من بني هاشم، كل أولئك كانوا مع الامام أمير المؤمنين في تجهيز الرسول صلى الله عليه وآله وتغسيله، فأين الاجماع… ؟ ! أليس هؤلاء من المسلمين إن لم نقل من خيرتهم وكبارهم ؟ ! بل أن امتناع البعض منهم يكفي في خرق الاجماع، ثم إن عمر بن الخطاب تعين بنص أبي بكر عليه، أما عثمان بن عفان فقد تعين بالشورى التي سنها عمر بن الخطاب لستة نفر… فأين الاجماع ؟ ! أما خلافة بني امية وبني العباس فقد أصبحت وراثة من الآباء عن الاجداد، وليس للامة أي حق في الاختيار، بل أصبحت مغلوبة على أمرها. هكذا أصبح مفهوم الاجماع عند جمهور المسلمين، فعمليا انقلب الامر من حق الامة وانتخابها إلى العمل بالنص والتعيين كما فعله الخليفة الاول والثاني ومعاوية وسائر ملوك بني امية وليس للامة حول ولا قوة في ذلك. ولا نريد أن ندخل في تفصيل هذا البحث ونفتح بابا طالما طرقه أكثر الباحثين قديما وحديثا، وأن الادلة والبراهين لا يمكن ردها أو إخفاؤها، كما لا يمكن إبطال ضوء الشمس إذا صادف أعمى فأنكرها.


[362]

كيفما كان فإن الكليني وضع أمامنا ثروة كبيرة من أحاديث المعصومين في هذا الباب، ونحن لا يسعنا أن نفصل أو نبسط الحديث أو الكلام فيه، خوفا أن نخرج عن إطار البحث، ولكن نشير الى ما تبقى من الابواب في كتاب الحجة: – باب طبقات الانبياء والرسل والائمة، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الارض لا تخلو من حجة، ذكر فيه ثلاثة عشر حديثا. – باب أنه لو لم يبق في الارض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب معرفة الامام والرد إليه، ذكر فيه أربعة عشر حديثا. – باب فرض طاعة الائمة عليهم السلام، ذكر فيه سبعة عشر حديثا. – باب في أن الائمة عليهم السلام شهداء الله عز وجل على خلقه، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام هم الهداة، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه وأبوابه والتي منها يؤتى، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام نور الله عز وجل، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام هم أركان الارض، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب نادر جامع في فضل الامام وصفاته، وفيه حديثان. – باب أن الائمة عليهم السلام ولاة الامر، وهم الناس المحسودون الذين ذكرهم الله


[363]

عز وجل ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب ما فرض الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله من الكون مع الائمة عليهم السلام، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الائمة عليهم السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الائمة عليهم السلام، ذكر فيه حديثين. – باب أن الراسخين في العلم هم الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام قد اوتوا العلم واثبت في صدورهم، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الائمة عليهم السلام، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله، وإمام يدعو الى النار، وفيه حديثان. – باب أن القرآن يهدي للامام، وفيه حديثان. – باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الائمة عليهم السلام، وذكر فيه أربعة أحاديث.


[364]

– باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الائمة عليهم السلام، والسبيل فيهم، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب عرض الاعمال على النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي عليه السلام، ذكر فيه حديثين. – باب أن الائمة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة، ذكر فيه حديثين. – باب أن الائمة عليهم السلام ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام ورثوا علم النبي وجميع الانبياء والاوصياء الذين من قبلهم، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها، وفيه حديثان. – باب أنه لم يجمع القرآن كلة إلا الائمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله، وفيه ستة أحاديث. – باب ما اعطي الائمة عليهم السلام من اسم الله الاعظم، وذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب ما عند الائمة عليهم السلام من آيات الانبياء عليهم السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب ما عند الائمة عليهم السلام من سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ومتاعه، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب أن مثل سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله مثل التابوت في بني إسرائيل، ذكر فيه


[365]

أربعة أحاديث. – باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب في أن الائمة عليهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب لولا أن الائمة عليهم السلام يزدادون لنفذ ما عندهم، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والانبياء والرسل عليهم السلام، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب نادر فيه ذكر الغيب، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشئ صلوات الله عليهم، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه كان شريكه في العلم، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب جهات علوم الائمة عليهم السلام ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب ان الائمة عليهم السلام لو ستر عليهم لاخبروا كل امرئ بما له وعليه، فيه حديثان. – باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الائمة عليهم السلام في أمر الدين، ذكر فيه عشرة أحاديث.


[366]

– باب في أن الائمة عليهم السلام بمن يشبهون ممن مضى، وكراهية القول فيهم بالنبوة، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام محدثون مفهمون، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب فيه ذكر الاوراح التي في الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الروح التي يسدد الله بها الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب وقت ما يعلم الامام جميع علم الامام الذي كان قبله عليهم السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب في أن الائمة عليهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الامام عليه السلام يعرف الامام الذي يكون من بعده، وأن قول الله تعالى: ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها ” فيهم نزلت، ذكر في هذا الباب سبعة أحاديث. – باب أن الامامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب الامور التي توجب حجة الامام، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب ثبات الامامة في الاعقاب، وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الائمة عليهم السلام واحدا فواحدا، ذكر فيه سبعة أحاديث.


[367]

– باب الاشارة والنص على أمير المؤمنين عليه السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب الاشارة والنص على الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام، وذكر فيه سبعة أحاديث. – باب الاشارة والنص على الحسين بن علي الشهيد عليهما السلام، وذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الاشارة والنص على علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، وذكر فيه أربعة أحاديث. – باب الاشارة والنص على أبي جعفر الاول الباقر عليه السلام، وذكر فيه أربعة أحاديث. – باب الاشارة والنص على أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، وذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب الاشارة والنص على أبي الحسن الاول موسى بن جعفر عليهما السلام، وذكر فيه ستة عشر حديثا. – باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثاني الرضا عليه السلام، وذكر فيه ستة عشر حديثا. – باب الاشارة والنص على أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام، وذكر فيه أربعة عشر حديثا. – باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث علي الهادي عليه السلام وذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب الاشارة والنص على أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، وذكر فيه ثلاثة عشر حديثا.


[368]

– باب الاشارة والنص على صاحب الدار عليه السلام، وذكر فيه ستة أحاديث. – باب في تسمية من رأى الحجة عليه السلام، وذكر فيه حديثا واحدا. – باب في النهي عن الاسم، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب نادر في حال الغيبة، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب في الغيبة، ذكر فيه إحدى وثلاثين حديثا. – باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة، ذكر فيه تسعة عشر حديثا. – باب كراهية التوقيت، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب التمحيص والامتحان، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الامر أو تأخر، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب من ادعى الامامة وليس لها بأهل، ومن جحد الائمة أو بعضهم، ومن أثبت الامامة لمن ليس لها بأهل، ذكر فيه اثني عشر حديثا. – باب فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى، وهو من الباب الاول، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب ما يجب على الناس عند مضي الامام عليه السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب في أن الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب حالات الائمة عليهم السلام في السن، ذكر فيه ثمانية أحاديث.


[369]

– باب أن الامام لا يغسله إلا إمام من الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب مواليد الائمة عليهم السلام، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب خلق أبدان الائمة وأرواحهم وقلوبهم عليهم السلام، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب التسليم وفضل المسلمين، ذكر فيه ثمانية أحاديث. – باب أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الامام فيسألونه عن معالم دينهم ويعلمونه ولا يتهم ومودتهم له، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالاخبار عليهم السلام، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب أن الجن يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم، ويتوجهون في امورهم، ذكر فيه سبعة أحاديث. – باب في الائمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة ذكر فيه خسمة أحاديث. – باب مستقى العلم في بيت آل محمد عليهم السلام، ذكر فيه حديثين. – باب أنه ليس شئ من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الائمة عليهم السلام، و أن كل شي لم يخرج من عندهم فهو باطل، ذكر فيه ستة أحاديث. – باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب ما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعاتهم، ومن هم، ذكر فيه خمسة أحاديث. – باب ما يجب من حق الامام على الرعية وحق الرعية على الامام عليه السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب أن الارض كلها للامام عليه السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث.


[370]

– باب سيرة الامام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الامر، ذكر فيه أربعة أحاديث. – باب نادر، ذكر فيه أربعة أحاديث. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ذكر فيه اثنان وتسعين حديثا. – باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية، ذكر فيه تسعة أحاديث. – باب في معرفتهم أوليائهم والتفويض إليهم، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. ثم ذكر أبواب التاريخ، والذي اشتملت على مولد النبي صلى الله عليه وآله ووفاته، والنهي عن الاشراف على قبر النبي صلى الله عليه وآله، وهكذا مواليد الائمة الاطهار عليهم السلام، وهي خمسة عشر بابا ذكر فيها مائة وسبعة وتسعين حديثا، ثم ذكر: – باب فيما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام، ذكر فيه عشرين حديثا. – باب في أنه إذا قيل في الرجل شئ ولم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فإنه هو الذي قيل فيه، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب أن الائمة عليهم السلام كلهم قائمون بأمر الله هادون إليه، ذكر فيه ثلاثة أحاديث. – باب صلة الامام، ذكر فيه سبعة أحاديث.


[371]

الاهتمام بالجانب العقلي لا نريد أن نتحدث عن فلسفة الشيخ الكليني وآرائه العقلية، وإظهار مسلكه في المسائل العقائدية والمتنازع عليها بين مذاهب المسلمين، بل يكفي أن نعطي صورة واضحة عن اهتمامه بالجانب العقلي من خلال الابواب التي تطرق لها، والاحاديث التي اختارها، لتكون مادة مهمة، واسسا عقائدية ثابتة للطائفة الناجية. المسائل العقائدية والعقلية التي كشف الخمار عنها بأحاديث أهل البيت عليهم السلام، هي مسائل عديدة، نذكر منها: حدوث العالم وإثبات المحدث، وموضوع الخير والشر، والجبر والقدر والامر بين الامرين، والمشيئة والارادة، والنسبة، والمعرفة، والبساطة والتركيب وهو باب أفرد له عنوان: النهي عن الجسم والصورة، وهكذا أفرد بابا بعنوان: النهي عن الكلام في الكيفية. ولا يخفى أن المتكلمين من الشيعة لهم مواقف بطولية رائعة في إظهار معالم أهل البيت منذ صدر الاسلام، فهذا علي بن إسماعيل بن ميثم التمار من أوائل متكلمي الشيعة، ومن معاصري أبي هذيل العلاف وعمرو بن عبيد وضرار بن عمرو، والجميع من علماء القرن الثاني الهجري، وكانت بينهم وبين علي بن إسماعيل


[372]

مباحث اعتقادية حول مسائل عديدة (1). ثم بيت آل نوبخت من البيوتات المعروفة في التشيع، ظهر منهم علماء ومتكلمون، كالفضل بن أبي سهل النوبختي الخازن لمكتبة بيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد، وإسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وابناه إسماعيل وعلي، ثم الحسن بن موسى النوبختي، وإسماعيل بن علي بن إسحاق، والذي عرف فيما بعد بشيخ المتكلمين عند الشيعة. ومن متكلمي الشيعة هشام بن الحكم، والفضل بن شاذان، ومحمد بن عبد الله الجرجاني الاصفهاني المعاصر لابي علي الجبائي، وأبو جعفر بن قبة الرازي الذي كانت له مناظرات مع أبي القاسم الكعبي البلخي في مسألة الامامة. وكذلك أبو الحسن السوسنگردي المعاصر لابن قبة، وأبو علي بن حسكويه الرازي، وهناك عشرات المتكلمين الذين ساهموا في إبراز المسائل العقائدية الشيعية بواسطة أحاديث أهل البيت والاستناد عليها. لكن لا يخفى أن هؤلاء المتكلمين ما كان اعتمادهم في مناظراتهم ينصرف إلى غير أهل البيت، كالصحابة والتابعين، بل أن جل براهينهم وأدلتهم كانت مستقاة من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والامام الصادق عليه السلام، وهكذا الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، فالامام أمير المؤمنين عليه السلام له من الخطب والكلام المأثور في توحيد الخالق وصفاته الشئ الكثير وذلك ما هو مسطور في ” نهج البلاغة “، بل أغلب المسائل العقلية قد تطرق لها أمير المؤمنين عليه السلام. وقد تشابهت الادوار والاعصر حتى رأينا القرن الثاني وقد عصفت بالمسلمين عقائد بالية، وآراء واهية نسجها المعتزلة والاشاعرة وبقية الطوائف، مما


(1) خدمات متقابل إسلام وايران لمرتضى مطهري: ص 700 ط 1 فارسي، تهران 1349 ه‍. ش.

[373]

تصدى لها الامام الرضا عليه السلام، ومناظراته عليه السلام في مجلس المأمون مشهودة، وهكذا مع الزنديق و…. ثم لم يكن من بين الصحابة أو علماء التابعين بالخصوص، والعرب بشكل عام من يعرف تلك المسائل العقلية (1) والبحوث الكلامية والمطالب الفلسفية، بل أكثر من ذلك أن الغالبية العظمى – كما يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام همج رعاع، ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع كل ريح. ومن المسائل المهمة التي أثبت الشيخ الكليني اصولها وأدلتها في ” الكافي ” هي مسألة الهداية، وأنها من الله سبحانه، وأن لزوم الحجة وبيانها وتعريفها للناس أوجبها الله سبحانه على نفسه، لطفا بعباده، وقد جاء في الذكر الحكيم ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ” (2)، فسبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهذه المشيئة وقع الكلام فيها بين المعتزلة والاشاعرة والامامية، على أن المخالفين للامامية جمدوا على النصوص وظواهر الالفاظ من القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، وما استطاعوا أن يخرجوا بنتيجة توافق أصل مبدأ التوحيد، حتى أنهم تحيروا في مثل تلك الآيات، وما هو السبيل إلى تعقلها وتفهمها، ثم إنه سبحانه وتعالى قال في كتابه: ” ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ” (3)، فما المراد من الختم على القلوب والاسماع والابصار، وغير ذلك من التساؤلات التي جرى الحديث فيها بين العلماء والمتكلمين، وكل يحسب أن الحق معه وغيره لا شئ. وقد نسي هؤلاء أن الهداية على قسمين أساسيين: إما أن يراد بها النصح


(1) شيعة در اسلام لمحمد حسين الطباطبائي، فارسي، انتشارات هجرت قم 1398 ه‍. (2) سورة الاسراء: 15. (3) سورة البقرة: 7.

[374]

والارشاد والبيان، وإما أن يراد بها اللطف، وكلا القسمين قد أظهره الله سبحانه للناس المؤمنين منهم والكافرين، فما كان في حق المؤمنين من: الارشاد، والبيان، والنصح، واللطف، وإرسال الرسل، وإيداع العقل، والقدرة، والقوة، والتمكين، ونصب العلة أو إزاحتها، وغير ذلك من الامارات والادلة، فهي كذلك أبرزها سبحانه للكافرين، والدليل على ذلك أنه سبحانه وتعالى إن لم يجعل تلك الهداية لجميع البشر لكانت الحجة بيد الكافر، وأنه معذور على كفره، وهذا محال، وقد أشار سبحانه في القرآن الكريم، فقال: ” لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ” (1)، وقال تعالى: ” فلله الحجة البالغة ” (2). ثم سبحانه وتعالى لم يجبر المؤمنين على الطاعة، كما أنه سبحانه لم يجبر الكافرين على الكفر، قوله تعالى: ” ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ” (3)، بمعنى أنه سبحانه يستطيع أن يهدي كل الناس على سبيل القهر والقسر، ولكن لا فخر للانسان آنذاك، ولا تفاضل فيما بينهم. فالتكاليف اختيارية وليست إجبارية كما فهمها البعض، حتى يثاب المؤمنون على أعمالهم، ويجازى الكافرون على سيئاتهم، ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” (4). ومما يؤكد ذلك الاختيار قوله تعالى: ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا ” (5).


(1) سورة النساء: 165. (2) انظر سورة الانعام: 149. (3) سورة السجدة: 13. (4) سورة التوبة: 105. (5) سورة يونس: 99.

[375]

وهكذا الاضلال إنما اختياره بيد الانسان، وليس للمولى دخل في ذلك الاختيار، وقال تعالى في امر ثمود: ” وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ” (1). فإنهم باختيارهم سلكوا الهوى واستحبوا العمى، لهذا خذلهم الله ومن حذا حذوهم في الضلال، حيث لم يستفيدوا من ذلك اللطف والارشاد والنصح والبيان وإرسال الرسل وإقامة الادلة والامارات فأضلهم الله. وقوله تعالى: ” يضل من يشاء ” (2)، أي لمن شاء الخذلان والضلال فإنه سوف يخذل، حيث إصراره على الكفر والعناد يؤدي به إلى التهلكة ” ويمدهم في طغيانهم يعمهون ” (3)، وقوله تعالى: ” ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ” (4). أما وسائل الضلال كثيرة، منها: اتباع هوى النفس، أو اتباع الكافرين كما هو في قوم فرعون في قوله تعالى ” وأضل فرعون قومه وما هدى ” (5)، واتباع الشيطان، قوله تعالى في ذلك: ” وقد أضل منكم جبلا كثيرا… ” (6). وللشيطان جنود وأتباع، وهؤلاء زينوا للناس حب الشهوات والمال والبنين، فأخرجوهم عن طاعة الله، كما أنه نصب لهم الاوثان والاصنام كي يعبدوها، وسبحانه أشار إلى ذلك: ” إنهن أضللن كثيرا من الناس ” (7)، وقال تعالى في قصة هارون وقوم موسى والعجل: ” وأضلهم السامري ” (8)، إلى غير ذلك.


(1) سورة فصلت: 17. (2) انظر سورة فاطر: 8. (3) انظر سورة البقرة: 15. (4) سورة الانعام: 125. (5) سورة طه: 79. (6) سورة يس: 62. (7) سورة إبراهيم: 36. (8) انظر سورة طه: 85.

[376]

لقد ذهب المتكلمون والفلاسفة إلى آراء متضاربة في تفسير تلك الآيات، وبيان مراد الله سبحانه، منها، وأبرز هؤلاء هم: المجبرة الذين أثبتوا تعلق الارادة الحتمية الالهية بالافعال كسائر الاشياء وهو القدر، وهم القائلون بأن جميع الافعال مخلوقة لله تعالى، والانسان فيها مجبور غير مختار. أما المفوضة فقالوا: إن الانسان مختار في جميع أفعاله، والارادة الالهية لا تعلق لها بأفعال الانسان. على أن كلا الفريقين ضلت عن الهدى، وسلكت طريق الغواية والهوى، والذي ينقله الكليني في ” الكافي ” بسنده عن أمير المؤمنين هو الصواب، وقوله عليه السلام ردا على المجبرة والمفوضة، إليك جزء من كلامه لما سأله الشيخ في الكوفة بعد منصرفه من حرب صفين، فقال له الشيخ: وكيف لم تكن في شئ من حالتنا مكرهين ولا إليه مضطرين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ فقال له عليه السلام: ” وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما ؟ أنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب، ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان، وخصماء الرحمان، وحزب الشيطان، وقدرية هذه الامة ومجوسها. إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها، ولم يملك مفوضا، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا، ذلك ظن الذين كفروا فويل


[377]

للذين كفروا من النار… ” (1). ففي هذه الفقرات من كلامه الشريف ردا على الجبرية والمفوضة، كما أن قوله عليه السلام ولم يخلق السماوات والارض وما بينها باطلا، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا “، بيان على كون الافعال ليست مخلوقة لله سبحانه، فلو كانت مخلوقة له قائمة به لكان المعاد الذي هو غاية الخلقة أمرا باطلا، لبطلان المكافأة والجزاء، ولاصبح الثواب والعقاب الذي وعده للناس أمرا لغوا، وحاشا له أن يكون في كلامه المقدس لغو. وأما بعثه للرسل فإنما هو لاقامة صرح الفضيلة بين عباده، حيث أنهم الادلاء والهداة، فبعثهم كان لغرض الهداية التي لا يملكها إلا الانسان، والله هو الموفق والمسدد لعباده حيث يقول جل وعلا: ” إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا… ” (2). ثم: ” بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة ” (3). فمهمة الانبياء هو انتشال الناس من الجهل والغواية، وهدايتهم إلى سبيل الحق والرشاد، قال تعالى: ” هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” (4). والحديث الثالث – من نفس الباب ذكره الشيخ الكليني – حديث يونس بن يعقوب، وإليك نصه: قال – يونس -: كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه، منهم:


(1) اصول الكافي: ج 1 كتاب الحجة، باب الجبر والقدر، ح 1، ص 155. (2) سورة الانسان: 3. (3) سورة القيامة: 14. (4) سورة الجمعة: 2.

[378]

حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو ابن عبيد (1)، وكيف سألته “، فقال هشام: يا ابن رسول الله، إني أجلك واستحييك، ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله: ” إذا أمرتكم بشئ فافعلوا “. قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك علي فخرجت إليه، ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمر بن عبيد، وعليه شملة سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها، والناس يسألونه فأستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم، إني رجل غريب تأذن لي في مسألة ؟ فقال لى: نعم، فقلت له: ألك عين ؟ فقال: يا بني، أي شئ هذا من السؤال، وشئ تراه كيف تسأل عنه ؟ ! فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بني، سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيها، قال لي: سل: قلت: ألك عين ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها ؟ قال: أرى بها الالوان والاشخاص، قلت: فلك أنف ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أشم به الرائحة،


(1) شيخ المعتزلة في البصرة، ولد سنة 80 ه‍، وتوفي سنة 144 ه‍، وقيل غير ذلك، كان جده (باب) من سبي كابل من جبال السند، وكان أبوه يخلف أصحاب الشرط بالبصرة، وكان يختلف إلى الحسن البصري، كانت له صداقة مع أبي جعفر المنصور العباسي قبل الخلافة، وله معه مجالس وأخبار، ولما توفي عمر بن عبيد رثاه المنصور بأبيات، وقيل: لم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه، والابيات هي: صلى الاله عليك من متوسد * قبرا مررت به على حران قبرا تضمن مؤمنا متحنقا * صدق الاله ودان بالعرفان لو أن هذا الدهر أبقى صالحا * أبقى لنا عمرا أبا عثمان له ترجمة في مروج الذهب: 3 / 303، أمالي المرتضى: 1 / 164 – 171 و 177 – 178، وتاريخ بغداد: 12 / 166، البداية والنهاية: 10 / 78.

[379]

قلت: ألك فم ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أذق به الطعم، قلت: ألك اذن ؟ قال: نعم، قلت فما تصنع بها: ؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب ؟ قال نعم: قلت فما تصنع به ؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس، قلت: أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب. فقال: لا، قلت: كيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني، إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته الى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك، قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح، قال: نعم، قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح، قال: نعم، فقلت: له يا أبا مروان، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك ؟ قال: فسكت ولم يقل لي شيئا، ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم. فقلت: لا، قال: أمن جلسائه ؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت ؟ قال: قلت: من أهل الكوفة. قال فأنت إذا هو، ثم ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت، قال – يونس -: فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال: ” يا هشام من علمك هذا ؟ ” قلت: شئ أخذته منك وألفته، فقال: ” هذا والله مكتوبا في صحف إبراهيم وموسى ” (1). في هذا الحديث جملة من النكات المهمة، منها: أولا: سؤال الامام الصادق هشام بن الحكم أن يقص عليه مناظرته مع عمرو بن عبيد، والامام غني عن هكذا مناظرة، وإنما أراد تنبيه أصحابه – من حضر منهم، ومن غاب عنه – أن يقتدوا باسلوب الحق والجدل النزيه، ويتعلموا من هشام


(1) اصول الكافي: ج 1 كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، ح 3 ص 169.

[380]

ابن الحكم آداب المناظرة، على أن هشام بن الحكم أخذ ذلك من الامام الصادق عليه السلام. ثانيا: لا ينبغي للناس أن يمتنعوا فيما لو أمرهم الامام بشئ، وذلك قوله عليه السلام: ” إذا أمرتكم بشئ فافعلوا “، وإنما طاعتهم واجبة، ولا يجوز الرد عليهم، لان الراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول راد على الله سبحانه، وأن أوامرهم ونواهيهم هي نفس أوامر الرسول ونواهيه، كما أن أوامر الرسول ونواهيه هي أوامر الله ونواهيه، قال تعالى: ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” (1). ثالثا: استدرج هشام بن الحكم خصمه – عمرو بن عبيد – بالاسئلة وبالشئ المحسوس، حتى ألزمه بما يقره العقل، إذ عقد المقارنة بين القلب – لكونه المرجع الاخير فيما لو شكت الجوارح بالنتائج، فإنما القلب يستيقن اليقين ويبطل الشك – وبين الامام الذي مآل العباد إليه، وهو دليلهم في إظهار الحق وكشف الباطل، فلا غنى للناس عنه عليه السلام، وهو الحجة على العباد. رابعا: ذيل الحديث يكشف لنا أن الامام الصادق عليه السلام قد لقن أصحابه اسلوب المحاججة والمناظرة، وانتصارا للحق وإزهاقا للباطل قوله عليه السلام: ” يا هشام، من علمك هذا ؟ قلت: شئ أخذته منك وألفته “. خامسا: لقد تبين أن اسلوب المحاججة والمناظرة في سبيل إحقاق الحق إنما من الامور المحبذة، والتكاليف الواجبة على سبيل الكفاية، فهذا إبراهيم عليه السلام نبي الله قد حاج خصمه كما في قوله تعالى: ” ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا احي وأميت قال إبراهيم فإن الله


(1) سورة الحشر: 7.

[381]

يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ” (1). وهكذا احتجاجات إبراهيم عليه السلام مع قومه الذين كانوا يعبدون الاصنام والاوثان، حتى استدل لهم بالكواكب التي كانوا يعبدونها (2)، وأقام لهم الحجة والبرهان القاطع، وقد استخدم في استدلاله عليه السلام الشئ المحسوس، ثم هداهم إلى منطق العقل، لكن فريقا منهم استحب العمى بدل الهدى، ثم سبحانه وتعالى أشار إلى تلك المحاججة – بين إبراهيم وقومه – فقال عز من قائل: ” وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ” (3). وقد أشار الامام صلوات الله عليه إلى ذلك بقوله في ذيل الحديث هذا: ” والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى “. أما غلط الحواس أو شكها إنما يكون لسبب من الاسباب، قال ملا صدرا: ” ومعنى شك الحواس أو غلطها أن العقل أو الوهم المشوب بالحس ليشك أو يغلط بسبب من الاسباب، ثم يعلم النفس بقوة العقل ما هو الحق لتيقن، كما يرى البصر العظيم صغيرا لبعده، والصغير كبيرا لقربه، والواحد اثنين لحول العين، والشجرة التي في طرف الحوض منكوسة لانعكاس شعاع البصر من الماء إليها…، فهذا وأمثالها أغلاط حسية تعرف القلب حقيقة الامر فيها، والمراد منه كما علمت هو اللطيفة النورانية المتعلقة أول تعلقها بهذا القلب الصنوبري، ونسبته إلى أعضاء الحس والحركة كنسبة النفس إلى قوى الحس والحركة، في أنه ينبعث منه الدم والروح البخاري إلى سائر الاعضاء، فالنفس رئيس القوى وإمامها، والقلب – وهو


(1) سورة البقرة: 258. (2) انظر سورة الانعام: 74 – 83. (3) الانعام: 83.

[382]

مستقرها وعرش استواها بإذن الله – رئيس سائر الاعضاء وإمامها… ” (1). ومن الاحاديث المهمة التي اختارها الشيخ الكليني – قدس سره في كتاب الحجة، الحديث الرابع من باب الاضطرار إلى الحجة، وفيه من الفوائد المهمة التي سنأتي على ذكرها إن شاء الله بعد سرد نص الحديث. الكليني بإسناده عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كلامك من كلام رسول الله صلى اله عليه وآله أو من عندك ؟ ” فقال: من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ومن عندي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” فأنت إذن شريك رسول الله ” قال: لا، قال: ” فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك “، قال: لا، قال: ” فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله “، قال: لا، فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى فقال: ” يا يونس بن يعقوب، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم “، ثم قال: ” يا يونس، لو كنت تحسن الكلام كلمته “، قال يونس: فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك، إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ” ويل لاصحاب الكلام، يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله “، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” إنما قلت: فويل لهم أن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون “، ثم قال لي: ” اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله “. قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين عليهما السلام، فلما استقر بنا المجلس – وكان أبو عبد الله عليه السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة – قال: فأخرج أبو عبد الله عليه السلام رأسه من


(1) شرح اصول الكافي لملا صدرا: 2 / 404، ط 1، تهران 1367 ه‍ ش.

[383]

فازته فإذا هو ببعير يخب، فقال: ” هشام ورب الكعبة “، قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له، قال: فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، قال: فوسع له أبو عبد الله عليه السلام وقال: ” ناصرنا بقلبه ولسانه ويده “، ثم قال: ” يا حمران كلم الرجل، فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال: ” يا طاقي كلمه “، فكلمة فظهر عليه الاحول، ثم قال: ” يا هشام بن سالم كلمه “، فتعارفا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لقيس الماصر: ” كلمه “، فكلمه، فأقبل أبو عبد الله عليه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي، فقال للشامي: ” كلم هذا الغلام – يعني هشام بن الحكم – ” فقال: نعم، فقال لهشام: يا غلام، سلني في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم ؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال: أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم، قال: فمن هو ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله، قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: الكتاب والسنة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا ؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت، وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله عليه السلام للشامي: ” ما لك لا تتكلم ؟ “، قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لانهما يحتملان الوجوه، وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” سله تجده مليا “، فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم ؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لانفسهم. فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم


[384]

كلمتهم، ويقيم أودهم، ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله أو الساعة ؟ قال الشامي: في وقت رسول الله رسول الله: صلى الله عليه وآله والساعة من ؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء والارض، وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لي أن اعلم ذلك، قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي قطعت عذري فعلى السؤال، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” يا شامي، اخبرك كيف كان سفرك ؟ وكيف كان طريقك ؟ كان كذا كذا “، فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” بل آمنت بالله الساعة، إن الاسلام قبل الايمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان عليه يثابون “، فقال الشامي: صدقت، فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، و أنك وصي الاوصياء، ثم التفت أبو عبد الله عليه السلام إلى حمران، فقال: ” تجري الكلام على الاثر فتصيب “، والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: ” تريد الاثر ولا تعرفه “، ثم التفت إلى الاحول، فقال: ” قياس رواع، تكسر باطلا بباطل، إلا أن باطلك أظهر “، ثم التفت إلى قيس الماصر، فقال: ” تتكلم، وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، أنت والاحول قفازان حاذقان “، قال يونس: فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: ” يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها إن شاء الله، الحديث ” (1). في هذا الحديث جملة من الامور، منها: أولا: أن قدوم الرجل الشامي من بلاده لمناظرة أصحاب الامام الصادق عليه السلام دليل على أن أصحاب الامام عليه السلام لهم باع طويل في علم الكلام، بحيث


(1) اصول الكافي: ج 1 كتاب الحجة، باب الاضطرار الى الحجة ح 4 ص 171 – 173.

[385]

ذاع صيتهم في الآفاق والامصار. وقد عرفت قبل هذا الحديث مناظرة هشام بن الحكم عمرو بن عبيده في البصرة، وقد سبق أن ناظر الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام الرجال لما سأله في الكوفة بعد رجوعه من صفين، بل أن الرسول الله كان يحاجج اليهود والنصارى، بل أكثر من ذلك أن القرآن الكريم أمر بالجدل، لكن على سبيل المعروف، فقال تعالى: ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ” (1)، وقال تعالى: ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” (2). وهكذا مواقف المعصومين عليهم السلام مع خصومهم من أهل الكتاب، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والصائبة، ومواقفهم عليهم السلام مع المشركين والكافرين. ثانيا: أن الامام الصادق عليه السلام ابتدأ بمناظرة الشامي قبل أصحابه، ثم اتضح أنه كان يشوق أصحابه على مثل ذلك، فقد التفت إلى يونس بن يعقوب فقال: ” يا يونس، لو كنت تحسن الكلام كلمته “، قال يونس: فيا لها من حسرة… ثالثا: في الحديث أن الامام رفع وهما كان قد ارتكز في ذهن يونس، وذلك أنه قال للامام: جعلت فداك، إني سمعتك تنهى عن الكلام، وتقول: ” ويل لاصحاب الكلام، يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله “، فقال أبو عبد الله عليه السلام: وإنما قلت: ” فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون “، بمعنى أنه نهى اولئك الذين يقولون بآرائهم في مسائل الدين ويتركون ما ثبت عنهم عليهم السلام. رابعا: يبدو من الحديث أن في عصر الامام الصادق عليه السلام برز من علماء الشيعة رجال متكلمون قد عرفوا في الاوساط، وقد بذلوا مهجهم في إعلان مدرسة


(1) سورة النحل: 125. (2) سورة العنكبوت: 46.

[386]

أهل البيت عليهم السلام، فإن سؤال الامام الصادق يونس بن يعقوب أن يخرج لينظر من في الباب من المتكلمين فيدخله هو خير دليل على رواج علم الكلام، واتساع الجدل، وكثرة المناظرات بين المذاهب، وقد عرفت أن في الباب كان من رجال الشيعة المتكلمين عدة أشخاص، منهم: حمران بن أعين، والاحول مؤمن الطاق، وهشام بن سالم، وقيس بن الماصر، وهشام بن الحكم وكان أصغرهم. خامسا: كإنما الذين أدخلهم الامام عليه السلام في مجلس المناظرة إنما أراد أن يختبرهم، ثم لقنهم درسا علميا في البحث والمناظرة والكلام، وقد عرفت ما قال عليه السلام لكل واحد منهم، كما هو في ذيل الحديث. وهناك نكات اخرى تركنا ذكرها، يهتدي إليها القارئ النبيه. ولا يخفى أن الشيخ الكليني – قدس سره قد أفرد كتابا في أول المجلد الاول من اصول الكافي سماه: (كتاب العقل والجهل)، حيث تضمن ستا وثلاثين حديثا، وقد قدمه على كتاب فضل العلم، ولا يعرف للعلم فضل عند الجاهل، والعقل هو موصل الانسان الى درجات الفضل والكمال، كما أن إدراك الحجة ومعرفة الانبياء والرسل والائمة إنما يكون بفضل العلم.


[387]

الفصل السادس حول كتاب الكافي – الكافي ودواعي تأليفه – دعوى عرض الكافي على الامام عليه السلام – عدة أحاديث الكافي – مراتب الاحاديث واعتبارها – التبويب الاجمالي – كتاب الروضة – آراء العلماء في الكافي قديما وحديثا – خصائص الكافي – شروحه – تعليقات الكافي وحواشيه – ترجمته – اختصاره – تحقيقه – فهارسه – نسخه الخطية – طبعاته


[389]

حول كتاب الكافي الكافي ودواعي تأليفه: لقد شهدت كتب التراجم والسيرة، والاخبار المتواترة أن محمد بن يعقوب الكليني كان معاصرا للنواب الاربعة، ووكلاء الناحية المقدسة، وكان وجه الطائفة وعينهم ومرجعهم في حل الامور، ومهام الدين والدنيا، وأن إقامته في أواخر عمره كانت في بلد النواب رضوان الله تعالى عليهم، ولما كان سبب تأليف الكافي لسؤل بعضهم الشيخ الكليني واستدعاه لان يؤلف له كتابا جامعا يجمع فيه فنون الدين لاجل العمل به، وقد صرح المؤلف بهذا المعنى في أول الكتاب فقال: ” أما بعد، فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة، وتؤازرهم وسيعهم في عمارة طرقها، ومباينتهم العلم وأهله، حتى كاد العلم معهم أن يأزركله، وينقطع مواده، لما قد رضوا أن يستندوا إلى الجهل، ويضيعوا العلم وأهله. وسألت: هل يسع الناس المقام على الجهالة والتدين بغير علم، إذا كانوا داخلين في الدين، مقرين بجميع اموره على جهة الاستحسان، والنشوء عليه،


[390]

والتقليد للآباء، والاسلاف والكبراء، والاتكال على عقولهم في دقيق الاشياء وجليلها. فاعلم يا أخي – رحمك الله – أن الله تبارك وتعالى خلق عباده خلقة منفصلة من البهائم في الفطن والعقول المركبة فيهم، محتملة للامر والنهي وجعلهم جل ذكره صنفين… الى أن يقول: وذكرت أن امورا قد اشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، وأنك تعلم أن إختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها، وأنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها، وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام، والسنن. القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك الله تعالى بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم… وقد يسر الله – وله الحمد – تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت، فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لاخواننا وأهل ملتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا وفي غابره إلى انقضاء الدنيا… الخ ” (1). نستظهر من هذه الاسطر ومن غيرها، من مقدمة المصنف – رضوان الله تعالى عليه – أن دواعي تأليف هذا الكتاب: أولا: الطلب الحثيث من بعض أهل العلم والفضل المتمسك بعرى الدين والحبل المتين، – وهم حجج الله تعالى في أرضه من أهل بيت نبيه صلوات الله


(1) مقدمة الكافي للمصنف.

[391]

وسلامه عليهم – والذي له ارتباط وثيق مع الشيخ الكليني في تصنيف هذا الكتاب. ثانيا: كما أن الدافع المسبب ما وجده السائل من تكالب الناس على الدنيا، وضعف الهمم، وإنتشار الجهل، (… فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة، وتؤازرهم وسيعهم في عمارة طرقها… الخ). ثالثا: الدافع الديني والواجب الشرعي الذي تحسسه المؤلف من خلال إنتشار العقائد الفاسدة والمذاهب الضالة حفزه أن يصنف ذلك الكتاب، (ولهذه العلة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الاديان الفاسدة، والمذاهب المستشنعة التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلها…). رابعا: من الدوافع المهمة رغبة السائل أن يكون المصنف – بالفتح – مرجعا ينهل منه الطالب والاستاذ والعالم، (وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف، يجمع فيه من جميع فنون علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام. لقد تحسس المصنف – بالكسر – حاجة الامة الملحة إلى هذه الموسوعة الجامعة لاخبار وسنن أهل البيت عليهم السلام، الداعية إلى العمل بها، ولما قدر الكليني – قدس سره هذه الحاجة والضرورة شرع في كتابه ” الكافي “، وحرص على أن لا يقتني إلا ما صح من الاخبار الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، لهذا جهد نفسه في مدة عشرين سنة يقابل بين الاخبار، ويدقق فيها، ويبحث عن أسانيدها ورواتها ومتونها، وكل شئ يستدعي الفحص والتمحيص، علما أنه عاش فترة الغيبة الصغرى، وكان على مقربة من النواب الاربعة، إذ عاصرهم، وكان يختلف إليهم والى الابواب والوكلاء للامام عليه السلام، فلا يستبعد أن كتابه قد اطلع عليه الوكلاء ونواب الامام عليه السلام، بل من الطبيعي والانصاف أن يطلعوا عليه، بل لا يخلو الامر


[392]

أنه عرض على الامام عليه السلام. فمن البعيد غاية البعد أنه في طول عشرين سنة – وهي المدة التي ألف بها الكافي – لم يعلم النواب عن كتابه، ولم يطلعهم عليه، كما أنه من البعيد جدا أنه لم يطلع عليه الامام والمصنف على مقربة من أبوابه ووكلائه، وكيف لا يستفهم الناس أصحاب ووكلاء الناحية المقدسة عن شأن هذا الكتاب الجليل، وكيف يعمل به من دون إشارة من الامام عليه السلام، أو قل: على أقل تقدير من النواب الاربعة – رضوان الله عليهم – وإن كان قد شاع بين بعض أهل الفضل، وكذا في كتب التراجم أنه عرض الكتاب على الامام عجل الله تعالى فرجه فقال فيه: ” الكافي كاف لشيعتنا “. أقول: ليس غرضنا إثبات هذا القول أو نفيه، بل أقول: ان كثيرا من الاصحاب كانوا يختلفون الى النواب ليسألوا الامام عن بعض حوائجهم الدنيوية وامورهم الخاصة، فيأتيهم الجواب من الناحية المقدسة، فهذا أبو غالب الزراري قدم بغداد لشقاق حدث بينه وبين زوجه منذ سنين عديدة في أيام أبي القاسم الحسين بن روح، فسأل الدعاء لامر قد أهمه، دون أن يذكر حاجته، فخرج التوقيع الشريف: ” والزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما “، فتعجب أبو غالب ورجع، وقد جعل الله المودة والرحمة بينهما إلى أن فرق الموت بينهما (1). أقول: كيف لم يطلع نواب الامام على كتاب ” الكافي ” وقد اهتموا بشأن من هو أقل رتبة وأدنى منزلة ؟ فهذا أبو محمد المهدي يروي عن أبي الحسين محمد بن الفضل بن تمام قال: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن الزكوزكي رحمه الله وقد ذكرنا كتاب ” التكليف “، وقد كان عندنا أنه لا يكون إلا مع غال، وذلك أنه أول ما كتبنا


(1) انظر التوقيع الذي خرج إلى أبي غالب الزراري أيام نصب أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني في حالة استقامته، كتاب الغيبة للطوسي: ص 184.

[393]

الحديث، فسمعناه يقول: وأي شئ كان لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف، إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضى الله عنه فيعرضه عليه ويحككه، فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه، يعني أن الذي أمرهم به الحسين بن روح – رضى الله عنه، قال أبو جعفر: فكتبته في الادراج بخطي ببغداد، قال ابن تمام: فقلت له: تفضل يا سيدي فادفعه حتى اكتبه من خطك، فقال لي: قد خرج عن يدي، فقال ابن تمام: فخرجت وأخذت من غيره فكتبت بعد ما سمعت هذه الحكاية (1). وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح – رضى الله عنه قال: سئل الشيخ – يعني أبا القاسم رضى الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء ؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال صلوات الله عليه: ” خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا ” (2). وهذا الحسين بن روح – رضى الله عنه عرض كتاب التأديب على فقهاء قم، يرى رأيهم، وهل فيه شئ مما يخالف المذهب، قال الشيخ الطوسي: وأخبرني الحسين بن عبيد الله، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي، قال: حدثني سلامة بن محمد، قال: أنفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التأديب إلى قم، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم: انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيئا يخالفكم ؟ فكتبوا إليه: أنه كله صحيح، وما فيه شئ يخالف إلا قوله: الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام،


(1) كتاب الغيبة للطوسي: ص 239. (2) كتاب الغيبة للطوسي: 239.

[394]

والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع (1). وفي رواية الشيخ الطوسي، عن الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي ابن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد، قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي، وكان شيخا مستورا، قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال – يعني أبا القاسم رضى الله عنه: اطلبوه إلي لانظره، فجاءوا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شئ إلا وقد روي عن الائمة إلا موضعين أو ثلاثة، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله (2). هذه بعض الشواهد التي تدل على اهتمام الشيعة آنذاك بأخبار أهل البيت، والكتب المصنفة، كما لا يخفى أن أصحاب الامام الصادق والكاظم والرضا والعسكريين عليهم السلام قد عرضوا جل مصنفاتهم على الائمة عليهم السلام، لغرض تثبت من صحة الاحاديث والاخبار التي أودعوها في كتبهم، فكيف لا يعرض الشيخ الكليني كتابه على الامام عليه السلام، أو على أحد من نوابه، وأقل ما يقال عنه: إنه اطلع عليه الاجلاء من العلماء والفقهاء من معاصريه، وكبار الشيعة في زمنه ؟ !. لقد ذهب بعض العلماء أن ” الكافي ” عرض جميعه على الامام عليه السلام، فهذا المولى الجليل خليل القزويني صرح أن جميع ” الكافي ” قد شاهده الصاحب عليه السلام واستحسنه، وانه كلما وقع فيه بلفظ: ” وروي ” فهو مروي عن الصاحب عليه السلام بلا واسطة، وأن جميع أخبارها حق واجب العمل بها، حتى أنه ليس فيه خبر للتقية ونحوها… (3).


(1) كتاب الغيبة للطوسي: 240. (2) كتاب الغيبة للطوسي: ص 252. (3) رياض العلماء: ترجمة المولى خليل القزويني.

[395]

أقول: ما أفاده المولى خليل القزويني ليس فيه دليل، وربما قوله مبني على الحدس والظن، وهذا لا يغني عن الحق شيئا، بل أن المحدث الاسترآبادي الذي حرص أن يجعل كل أخبار الكافي قطعية الصدور عن المعصومين حسب القرائن التي استنبطها، مع ذلك لم يدل بأي تصريح فيما شاع بين الناس من أن ” الكافي ” عرض على الامام عليه السلام، بل وقال: ” ما روي فيه عن الامام: ” الكافي كاف لشيعتنا ” لا أصل له (1). الكافي وعرضه على الامام كان علي بن الحسين بن بابويه القمي من المعاصرين للشيخ الكليني، وكان ابن بابويه من الاعلام البارزين في قم، وأحد مشايخها الافذاذ، وهو موضع ثقة جميع العلماء والاصحاب في قم، ومرجعها في كل الامور الدينية وغيرها، ثم كانت له أسفار إلى العراق، منها: أنه ورد بغداد سنة 328 ه‍، وتشرف بالحضور عند الحسين ابن روح أحد النواب الاربعة – رضوان الله عليهم -، ثم كانت بينهم مكاتبات، قد سأله في إحداها أن يوصل له رقعة إلى الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه يطلب فيها الولد، وفعلا جاء التوقيع من الامام عليه السلام يقول فيه: ” اوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمي وفقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته ” (2).


(1) حكاه المحدث النوري في مستدرك الوسائل: 3 / 522. (2) قال النجاشي: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو الحسن، شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم، وفقيههم، وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح – رحمه الله، سأله مسألة، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الاسود يسأله أن يوصل

[396]

أقول: من الغريب جدا لو سلمنا عدم اتصال الشيخ الكليني بالامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه على ما له من جلالة قدر، وعظيم منزلة، وفريد زمانه، ووحيد دهره، وأنه من المقربين إلى مشايخ الامامية في بغداد، وعاصر الغيبة الصغرى والنواب الاربعة، وله معهم صلات وتردد، ويسألونه كبار الشيعة في مجالس هؤلاء النواب العظام… فكيف لا يصدر من الامام بحقه أو كتابه شئ، فهذا علي بن بابويه القمي يسأل من الامام الولد فيدعو (عليه السلام) له ويرزق، وهكذا آخرون يرفعون رقاعهم عن طريق النواب والوكلاء فيأتيهم التوقيع من الناحية المقدسة تتضمن ما يناسب الرقاع من الاجوبة والتصريحات… فهلا رفع الشيخ الكليني رقعة إلى الامام، وهلا سأله عما جمعه من الاحاديث في كتابه ” الكافي ” ؟ ! قال العلامة المجلسي في ” مرآة العقول “: ” وأما جزم بعض المجازفين بكون جميع ” الكافي ” معروضا على القائم عليه السلام، لكونه في بلد السفراء، ولا يخفى ما فيه، نعم عدم إنكار القائم عليه السلام وآباؤه صلوات الله عليهم في أمثاله في تأليفاتهم ورواياتهم


له رقعة إلى الصاحب عليه السلام، ويسأله فيها الولد، فكتب إليه: ” قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيرين “، فولد له أبو جعفر – محمد – وأبو عبد الله – حسين – من ام ولد. وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الامر عليه السلام، ويفتخر بذلك… ثم قال النجاشي: بإسناده عن مروان الكلوذاني قال: أخذت إجازة علي بن الحسين بن بابويه لما قدم بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة بجميع كتبه. ومات علي بن الحسين سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وهي السنة التي تناثرت فيها النجوم، وقال جماعة من أصحابنا: سمعنا أصحابنا يقولون: كنا عند أبي الحسن علي بن محمد السمري – رحمه الله فقال: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه، فقيل له: هو حي، فقال: إنه مات في يومنا هذا، فكتب اليوم، فجاء الخبر بأنه مات فيه. رجال النجاشي: ص 262 ترجمة 684.

[397]

مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم السلام راضين بفعلهم، ومجوزين للعمل بأخبارهم ” (1). عبارة المجلسي – قدس سره تحكي بعدم عرض جميع أجزاء الكافي على الامام عليه السلام، فمن المحتمل المتاخم للواقع أن بعض أجزاء ” الكافي ” قد عرضت على الامام عليه السلام، وربما يؤكد هذا الاحتمال فيكون بمصاف اليقين ما أدلى به المولى خليل القزويني من أن ” الكافي ” عرض على الامام الصاحب جميعه عليه السلام فشاهده واستحسنه، بل واشتهر بين الاخبار أن الامام عليه السلام قال: ” الكافي كاف لشيعتنا “. أقول: لا تخلو هذه النصوص من الافراط أو التفريط بحق الكتاب. نعم، يمكن القول بأن بعض أجزاء ” الكافي ” قد عرض على الامام عليه السلام فاستحسنه وقبله، كما لا يخلو من أن بعض النواب والفقهاء الاجلاء قد اطلعو على الاجزاء الاخرى من ” الكافي “، وبهذا يكون قولنا حدا وسطا من بين الاقوال التي اتضح الافراط فيها أو التفريط. عدة أحاديث الكافي تعدد النسخ المخطوطة والمطبوعة أدى إلى عدم ضبط عدة أحاديث ” الكافي “، وربما يكون السبب واضحا فيما لو تصفحنا أجزاء ” الكافي “، فإن نسخة الصفواني فيها عدة أحاديث لم تدخل ضمن الترقيم الموجود في نسخة دار الكتب الاسلامية المطبوعة بطهران، في الوقت نفسه هناك أحاديث وردت في نسخة الصفواني لكنها دخلت ضمن الترقيم المعهود، كما في كتاب الحجة، باب الاشارة والنص على الحسن بن علي عليهما السلام الحديث الرابع، فبعد ما ذكر الحديث الثالث قال –


(1) مرآة العقول:

[398]

وأحسبه أحد رواة الكافي -: وفي نسخة الصفواني:… ثم ذكر الحديث الرابع (1). وفي كتاب الحجة، باب الاشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما ذكر الراوي الحديث الرابع تحت عنوان: وفي نسخة الصفواني (2)، وأيضا في كتاب الحجة، باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه السلام، ذكر الراوي لكاتب الكافي الحديث الثالث من نسخة الصفواني (3). وكذلك في نفس الكتاب، باب مولد علي بن الحسين عليهما السلام، ذكر الراوي الحديث الرابع من نسخة الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه وقد أشار إليه بعنوان: (ابن بابويه)، ثم ذكر الحديث بعده. وعلى هذا فقد تبين من خلال التتبع أن النسخ التي رواها تلامذة الشيخ الكليني – قدس سره بواسطة أو بدونها كانت مختلفة، فعرض هؤلاء الرواة المتأخرون عن عصرهم تلك النسخ بعضها على بعض، فما كان فيها من اختلاف أشاروا إليه، سواء كانت الزيادة من نسخة الصفواني (4)، أو من نسخة النعماني (5)، أو من نسخة ابن بابويه (6)، أو من غيرهم. وهناك شواهد اخرى في بقية أجزاء الكافي، وأن استقصائها يحتاج الى


(1) اصول الكافي: 1 / 298. (2) اصول الكافي: 1 / 304. (3) اصول الكافي: 1 / 325. (4) هو أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال الصفواني، نزل بغداد، وكان تلميذه الخاص به، يكتب كتابه ” الكافي “، وأخذ عنه العلم والادب وأجاز – الكليني – له في قراءة الحديث. ذكره عين الغزال: ص 12، وقد مرت ترجمته. (5) هو أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني، المعروف بابن زنب، وكان من خواص تلاميذ الشيخ – قدس سره، يكتب كتابه ” الكافي ” كما في مرآة العقول: المقدمة 1 / 396، وعين الغزال: ص 12. (6) اصول الكافي: 1 / 468.

[399]

تفصيل يطول فيه الحديث، ولا طائل من ورائه. ومن دواعي الاختلاف في عدة الاحاديث، أن بعض المتون تروى برواية اخرى، إما مشابه للمتن الاساس أو مقارب لها، بل في البعض منها زيادة في العبارة، كما في ذيل الحديث الخامس من كتاب فضل العلم، باب سؤال العالم وتذاكره (1). وكما في ذيل الحديث الثامن من كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الامام على الرعية وحق الرعية على الامام. أصل الحديث: ” لا تصلح الامامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم “، ثم قال الراوي: في رواية اخرى: ” حتى يكون للرعية كالاب الرحيم (2). ومثل ذلك كتاب الحجة، باب نادر، الحديث الثالث (3). وفي نفس الكتاب، باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم، الحديث الاول (4). وفي نفس الكتاب، باب مولد النبي صلى الله عليه وآله ووفاته، الحديث الواحد والعشرون (5)… الخ من الموارد المتشابه في هذا الصدد. ثم هناك أحاديث لم يعرف أنها من نسخة الصفواني أو النعماني أو ابن بابويه القمي..، فقد توجد في بعض النسخ الخطية ولم تجدها في باقي النسخ، ومع ذلك فهذه الزيادة تربك إحصاء الاحاديث، وربما يتعذر إحصاؤها، لكثرة النسخ وتفرقها في


(1) اصول الكافي: 1 / 40. (2) اصول الكافي: 1 / 407. (3) اصول الكافي: 1 / 412. (4) اصول الكافي: 1 / 438. (5) اصول الكافي: 1 / 446.

[400]

البلدان. ففي النسخة المطبوعة بطهران، نسخة دار الكتب الاسلامية ذكرت روايتان بعد الحديث الرابع والثلاثين، وقد رمزتا ب‍ (الف، ب). قال المصحح والمعلق علي أكبر غفاري في هامش الصفحة 28: ” هاتان الروايتان المرموزتان ب‍ (ألف، ب) لم نجدهما في أكثر النسخ التي بأيدينا، وإنما وجدناهما في نسختين مخطوطتين (في حدود القرن العاشر) أثبتناهما هنا مزيدا للفائدة، واقتفاء بالمحدث الكبير المجلسي – قدس سره حيث قال في باب حدوث العالم في شرحه للكافي مرآة العقول: ص 50 وعند ذكر الحديث الثالث ما نصه: وليس هذا الحديث في أكثر النسخ لكنه موجود في توحيد الصدوق، ورواه عن الكليني… الخ “. ومن دواعي الاختلاف في عدة الاحاديث، أن بعض الروايات لم يكن لها سند، أو أنها مرفوعة، ومع ذلك لم تدخل ضمن الترقيم، بل أنها مدرجة في الموضوع المناسب من الباب والكتاب. فعلى سبيل المثال – لا الحصر -: في كتاب الحجة، باب ما عند الائمة من سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ومتاعه، بعد الحديث التاسع قال – والقول للشيخ الكليني، كما هو الظاهر من السياق -: وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ” إن ذلك الحمار كلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ” (1). وهناك أحاديث تجدها في أبواب متفرقة، أسانيدها كسوابقها، أما متونها فقد تختلف ومع ذلك لم تندرج ضمن الترقيم.


(1) اصول الكافي: 1 / 237.

[401]

ثم هناك للمتن الواحد أحيانا أكثر من سند، لذا فالاسانيد التي لم تندرج ضمن الترقيم كثيرة جدا. كل ذلك أوجب التفاوت في عدد أحاديث الكتاب، فالذي أحصيته كان 15503 حديثا، وعدها بعض المتأخرين 15328 (1) وفي لؤلؤة البحرين 16199 (2). قال الدكتور حسين علي محفوظ: ” وأما حسب ما رقم في هذه الطبعة فهي 15176 حديثا، ولعلهم عدوا أسانيدها المكررة فبلغت 16199 حديثا (3)، وأما الشيخ المجلسي – قدس سره فقال: وعددها 16121 حديثا (4). أقول: ولا يخفى أن بعض الكتب من الكافي لم يكن فيها الترقيم صحيحا، فمثلا في كتاب الجنائز سقط منه 133 عددا. كما أن ما روي عن نسخة الصفواني والنعماني ونحوه لم يرقم، ولم يحص إلا نادرا. أضف إلى ذلك لم يرقم ولم يحص متون الاحاديث المروية بحذف الاسانيد إلا ما ندر. أقول: لو عدت الاسانيد المتكررة لزادت العدة عما ذكر بكثير، وهكذا بالنسبة للاحاديث المرسلة لو احصيت لزادت عدة أحاديث الكتاب عما هو مرقوم. مراتب الاحاديث واعتبارها ذكر الشيخ المجلسي في مرآة العقول (5) مجموع أحاديث كتاب الكافي، فقال:


(1) كتاب الاوليات من الكافي: في المقدمة. (2) لؤلؤة البحرين: ص 238، ونهاية الدراية: ص 219. (3) هامش مقدمة الكافي: ص 28، هامش رقم 3. (4) مرآة العقول: 2 / 437. (5) مرآة العقول: 2 / 437.

[402]

وعددها 16121، كما أشرنا إليه قبل قليل، ثم قال: الصحيح منها: 5072. والحسن: 144. والموثق: 1118. والقوي: 302. والضعيف: 9485. وفي اللؤلؤة نقل عن بعض المشايخ المتأخرين فقال: أما الكافي فجميع أحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا، ثم ذكر نفس تقسيم الشيخ المجلسي، وهذا التقسيم ينقص عن المجموع ب‍ (78) حديثا. وقد أحصيت عدد أحاديث الكافي بأجزائه الثمانية فكانت كالآتي: الجزء الاول فيه: 1437 حديثا. الجزء الثاني فيه: 2346 حديثا. الجزء الثالث فيه: 2049 حديثا. الجزء الرابع فيه: 2443 حديثا. الجزء الخامس فيه: 2200 حديثا. الجزء السادس فيه: 2727 حديثا. الجزء السابع فيه: 1704 حديثا. الجزء الثامن فيه: 597 حديثا. وعلى هذا الاحصاء فيكون مجموع الاحاديث هي 15503 حديثا. فمن المحتمل أن 618 حديثا لم يندرج في أصل المجموع، لكون الطرق في الاسانيد متعددة والمتن واحد.


[403]

تبويب الكافي اصولا وفروعا لقد اختلف الشيخ الطوسي والنجاشي وغيره (1) في بيان الكتب التي يشتمل عليها كتاب ” الكافي “، وفي عددها وترتيبها، وكلاهما مخالف لما هو موجود بأيدينا اليوم من النسخ المطبوعة. فالشيخ الطوسي أسقط منها كتاب العشرة وكتاب العقيقة رأسا، وجعل كتابي العقل وفضل العلم كتابا واحدا، وكذلك جعل كتابي الطهارة والحيض كتابا


(1) كالعلامة الحلي، فقد ذكر في إجازته الى السيد نجم الدين مهنا بن سنان المدني، وهو يجيزه مروياته، والكتب التي رواها عن السلف، منها: كتاب الكافي فقال: “… وكتاب الكليني تصنيف محمد بن يعقوب الكليني، المسمى بالكافي، وهو خمسون كتابا بالاسانيد المذكورة في هذه الكتب كل رواية برجالها على حدتها بإسنادي عن أبي جعفر الطوسي… ” البحار: 107 / 146. أقول: لا أدري هل هناك سهو وقع من قلم النساخ فيما أفاده العلامة من أن عدة كتب الكافي خمسون كتابا، أم هناك حقيقة أخرى ؟ ! فإن الشيخ الطوسي – قدس سره في ” الفهرست ” ذكر عدة كتب الكافي ثلاثين كتابا. وتكرر المضمون المتقدم في إجازة محمد بن علي بن خاتون العاملي للشيخ الكركي، علي بن الحسين بن عبد العالي. انظر البحار: 108 / 26. وتكرر المضمون السابق في إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسن والد الشيخ البهائي فقال: “… وعن ابن قولويه جميع مصنفات ومرويات الشيخ الامام شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني التي من جملتها كتاب الكافي، وهو خمسون كتابا بالاسانيد التي فيه كل حديث متصل بالائمة عليهم السلام البحار: 108 / 159. وتكرر الامر المتقدم في إجازة العلامة آقا حسين الخونساري في إجازته لذي الفقار – أحد تلامذته – في سنة 1064 ه‍ فقال: “… من جملتها كتاب الكافي وهو خمسون كتابا بالاسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالائمة المعصومين عليهم السلام… “. البحار: 110 / 90.

[404]

واحدا، وهكذا فعل في توحيد كتابي الصيد والذبائح، ووحد كتابي الاطعمة والاشربة، ثم زاد على التقسيم الموجود بأيدينا: كتاب الوقوف والصدقات قبل كتاب الصيد. أما النجاشي فقد أسقط من الكتب الموجودة بأيدينا: كتاب القضاء والاحكام، ووحد كتابي النكاح والعقيقة، وكتابي الصيد والذبائح، وكتابي الطهارة والحيض، على أنه بدل كتاب الطهارة بالوضوء، فصار عدد الكتب التي ذكرها واحدا وثلاثين كتابا. ثم اتفق كل من الشيخ الطوسي والنجاشي على أن كتاب الروضة خاتمة كتاب الكافي وعدوه منه. أما ترتيب الكتب فأيضا فيها تقديم وتأخير، وإليك ترتيب ما في رجال النجاشي: قال النجاشي: ” صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى ” الكافي ” في عشرين سنة. شرح كتبه: كتاب العقل، كتاب فضل العلم، كتاب التوحيد، كتاب الحجة كتاب الايمان والكفر، كتاب الوضوء والحيض، كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الزكاة والصدقة، كتاب النكاح والعقيقة، كتاب الشهادات، كتاب الحج كتاب الطلاق، كتاب العتق، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الايمان، والنذورو الكفارات، كتاب المعيشة، كتاب الصيد والذبائح، كتاب الجنائز، كتاب العشرة، كتاب الدعاء، كتاب الجهاد، كتاب فضل القرآن، كتاب الاطعمة، كتاب الاشربة، كتاب الزي والتجمل، كتاب الدواجن والرواجن، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض،


[405]

كتاب الروضة. وله غير كتاب ” الكافي “… ” (1). أما الشيخ الطوسي فقال: ” له كتب منها: كتاب ” الكافي ” يشتمل على ثلاثين كتابا: اوله كتاب العقل وفضل العلم، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة، وكتاب الايمان والكفر، وكتاب الدعاء، وكتاب فضل القرآن، وكتاب الطهارة والحيض، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب العتق والتدبير والمكاتبة، وكتاب الايمان والنذور والكفارات، وكتاب المعيشة، وكتاب الشهادات، وكتاب القضايا والاحكام، وكتاب الجنائز، وكتاب الوقوف والصدقات، وكتاب الصيد والذبائح، وكتاب الاطعمة والاشربة، وكتاب الدواجن والرواجن، وكتاب الزي والتجمل، وكتاب الجهاد، وكتاب الوصايا، وكتاب الفرائض، وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الروضة آخر كتاب ” الكافي “… (2). التبويب الاجمالي للاصول والفروع المجلد الاول: كتاب العقل والجهل، وفيه: 34 حديثا. كتاب فضل العلم، يحوي 22 بابا، وفيه: 176 حديثا. كتاب التوحيد، فيه: 215 حديثا في 35 بابا. كتاب الحجة، فيه: 1015 حديثا في 130 بابا.


(1) رجال النجاشي ص 377. (1) رجال الطوسي: 135.

[406]

المجلد الثاني: كتاب الايمان والكفر فيه: 1609 حديثا في 209 بابا. كتاب الدعاء، فيه: 409 حديثا في 60 بابا. كتاب فضل القرآن، فيه: 124 حديثا في 13 بابا. كتاب العشرة، فيه: 204 حديثا في 30 بابا. المجلد الثالث: كتاب الطهارة، فيه: 340 حديثا في 46 بابا. كتاب الحيض، فيه: 93 حديثا في 24 بابا. كتاب الجنائز، فيه: 545 حديثا في 95 بابا. كتاب الصلاة، فيه: 927 حديثا في 103 بابا. كتاب الزكاة، فيه: 277 حديثا في 47 بابا. المجلد الرابع: ملحق كتاب الزكاة (أبواب الصدقة)، فيه: 252 حديثا في 43 بابا. كتاب الصيام، فيه: 452 حديثا في 83 بابا. كتاب الحج وأبواب الزيارات، فيه: 1486 حديثا في 236 بابا. المجلد الخامس: كتاب الجهاد، فيه: 149 حديثا في 32 بابا.


[407]

كتاب المعيشة، فيه: 1061 حديثا في 159 بابا. كتاب النكاح، فيه: 990 حديثا في 192 بابا. المجلد السادس: كتاب العقيقة، فيه: 223 حديثا في 38 بابا كتاب الطلاق، فيه: 499 حديثا في 82 بابا. كتاب العتق والتدبير والكتابة، فيه: 114 حديثا في 19 بابا. كتاب الصيد، فيه: 119 حديثا في 17 بابا. كتاب الذبائح، فيه: 74 حديثا في 15 بابا. كتاب الاطعمة، فيه: 709 حديثا في 134 بابا. كتاب الاشربة، فيه: 268 حديثا في 37 بابا. كتاب الزي والتجمل والمروة، فيه: 553 حديثا في 69 بابا. كتاب الدواجن، فيه: 106 حديثا في 13 بابا. المجلد السابع: كتاب الوصايا، فيه: 240 حديثا في 39 بابا. كتاب الموار يث، فيه: 309 حديثا في 69 بابا. كتاب الحدود، فيه: 448 حديثا في 63 بابا. كتاب الديات، فيه: 366 حديثا في 56 بابا. كتاب الشهادات، فيه: 123 حديثا في 23 بابا. كتاب القضاء والاحكام، فيه: 78 حديثا في 19 بابا.


[408]

كتاب الايمان والنذور والكفارات، فيه: 144 حديثا في 18 بابا. المجلد الثامن: كتاب الروضة، فيه: 597 حديثا. روضة الكافي كثر الحديث حول كتاب الروضة عند العلماء المتقدمين، فمنهم جعله بين كتاب العشرة وكتاب الطهارة، ومنهم من جعله مصنفا مستقلا عن الكافي، وقسم ثالث تردد في نسبته للمصنف، بل في كلمات بعض المتأخرين نفاه عن الكليني ونسبه إلى ابن إدريس صاحب ” السرائر “. قال المولى خليل القزويني: ” وأن الروضة ليس من تأليف الكليني، بل هو من تأليف ابن إدريس، وإن ساعده في الاخير بعض الاصحاب، وربما ينسب هذا القول الاخير إلى الشهيد الثاني ولكن لم يثبت ” (1). أقول: هذا شئ غريب جدا، ولا أدري لماذا هذا الاغفال ؟ ونحن لا نشك في كون كتاب الروضة من تأليف الشيخ الكليني، بل هو جزء من كتابه ” الكافي “، ودليلنا على ذلك عدة امور، منها: أولا: أن الشيوخ الرواة المذكورين في أوائل أسانيد الروضة كلهم من الطبقة الثامنة أو التاسعة، والشيخ الكليني يعد من الطبقة التاسعة، وهو يروي عن صغار


(1) رياض العلماء: في ترجمة المولى خليل القزويني 2 / 262، والمستدرك: 3 / 546.

[409]

الطبقة الثامنة الذين يعدون من مشايخ الكليني، كما أنه يروي من الطبقة التاسعة الذين عاصرهم. أما ابن إدريس فيعد من الطبقة الخامس عشرة، فكيف ينسب تصنيف الكتاب إليه ؟ علما أن الرواة في أوائل أسانيد الاحاديث من الروضة كلهم من الطبقة الثامنة أو التاسعة. ثانيا: أسانيد الروضة وأسانيد الاصول والفروع من ” الكافي ” كلها واحدة متشابهة، ولنذكر بعض تلك الاسانيد في الروضة كنموذج مماثل لتلك الاسانيد في الاصول والفروع، منها: حديث أبي عبد الله مع المنصور في موكبه، سند الكليني هو: محمد بن يحيى، عن أحمد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير جميعا، عن محمد بن أبي حمزة، عن حمران…، الحديث السابع ص 36. حديث موسى عليه السلام، سند الكليني هو: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر ابن عثمان، عن علي بن موسى عليهما السلام…، الحديث الثامن ص 42. حديث أن الله اختار من بني هاشم سبعة، سند الكليني: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن عيثم بن أثيم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام…، الحديث العاشر ص 49. رسالة أبي جعفر عليه السلام الى سعد الخير، سنده: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، والحسين بن محمد الاشعري، عن أحمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الله…، الحديث 16 ص 52. خطبة لامير المؤمنين عليه السلام، سنده: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن علي بن رئاب ويعقوب السراج، عن أبي عبد الله عليه السلام…، الحديث 23 ص 67.


[410]

وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام، عدة أحاديث، اخترنا سند أحدها: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثني جعفر بن إبراهيم، عن محمد من أحفاد جعفر الطيار، عن أبي عبد الله عليه السلام…، الحديث 34 ص 79. وفي حديث البحر مع الشمس جملة من الروايات، أخذنا سند أحدها: الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستورد، عن علي بن الحسين عليهما السلام…، الحديث 41 ص 83. في حديث الاحلام والحجة على أهل ذلك الزمان، سند أحدها: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه النضر بن سويد، عن درست بن أبي منصور، عن أبي بصير…، الحديث 62 ص 91. حديث إذا كان يوم القيامة بعث الله الخلائق في صعيد واحد، سنده: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن ثوير بن أبي فاختة…، حديث 79 ص 104. حديث أبي ذر مع الرسول صلى الله عليه وآله، سنده: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد ابن سماعة، عن محمد بن أيوب وعلي بن ابراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام…، الحديث 96 ص 126. حديث جابر بن يزيد والخروج إلى الجبانة، سنده: عدة من أصحابنا، عن صالح بن أبي حماد، عن إسماعيل بن مهران، عمن حدثه، عن جابر بن يزيد، قال: حدثني محمد بن علي عليهما السلام….، الحديث 149 ص 157.


[411]

الحديث الوارد في قوله تعالى: ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر “، سنده: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام…، الحديث 245 ص 203. حديث إن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك…، سنده: الحسين ابن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن بن محمد الهاشمي، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله…، الحديث 270 ص 219. ثالثا: أكثر روايات ” الكافي ” مروية بواسطة العدد، وأشهرها ثلاثة: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي… وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى… وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد الآدمي القمي نزيل الري… وفي الروضة نجد عين هذه العدد، ونفس تلك الاسانيد المذكورة هناك مذكورة هنا في الروضة. وما لم يروه – في الاصول والفروع – عن هؤلاء أصحاب العدة فهو إنما يروي عن غيرهم، ففي الروضة كذلك، مثل: علي بن إبراهيم، وحميد بن زياد، وسهل بن زياد – بلا واسطة -، ومحمد بن يحيى، وأبو علي الاشعري، والحسين بن محمد الاشعري، وعلي بن الحسين المؤدب، وآخرين… رابعا: صرح المؤلف بنسبة الكتاب إليه، واعترف بكونه جزء من ” الكافي “، وعرفنا ذلك من خلال منهجية الشيخ في كتابه المزبور.


[412]

لقد نهج الشيخ – قدس سره بعد إكمال كل كتاب أن يذكر في آخره عبارة الاتمام، وما هو الذي يليه من كتاب. ولا يخفى أن تجزأة الشيخ – على ما يبدو – للكافي غير التي بأيدينا الآن، وهذا حسب ما نستظهره من العبارات المذيلة لبعض كتب الكافي من النسخة المطبوعة التي بأيدينا. كيفما كان، فإن المصنف ختم كل كتاب بكلمة ” تم “. ففي نهاية كتاب التوحيد قال: ” تم كتاب العقل والعلم والتوحيد من كتاب الكافي، ويتلوه كتاب الحجة في الجزء الثاني من كتاب الكافي، تأليف الشيخ أبي جعفر محمد ابن يعقوب الكليني رحمة الله عليه… “. على أن عبارة ” في الجزء الثاني… الخ ” نستظهر منها قول أحد رواة ” الكافي “، أو قول الناسخ. وفي نهاية كتاب الحجة قال: ” كمل الجزء الثاني (1) من كتاب الحجة (من كتاب الكافي)، ويتلوه كتاب الايمان والكفر، والحمد لله رب العالمين، والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين “. وفي آخر كتاب الايمان والنذور، قال المصنف: ” هذا آخر كتاب الايمان والكفر والطاعات والمعاصي من كتاب الكافي، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله ” (2). وفي آخر كتاب الدعاء، قال المصنف: ” تم كتاب الدعاء، ويتلوه كتاب فضل


(1) في النسخة المطبوعة كتاب العقل والجهل، وكتاب العلم والتوحيد والحجة في الجزء الاول من الاصول، فالتقسيم المشار إليه، إما من المصنف، وإما من الناسخ. (2) اصول الكافي: 2 / 464.

[413]

القرآن ” (1). وفي آخر كتاب فضل القرآن قال المصنف: ” تم كتاب فضل القرآن بمنه وجوده، (ويتلوه كتاب العشرة) ” (2). وفي آخر كتاب العشرة، قال المصنف: ” تم كتاب العشرة، ولله الحمد والمنة، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، (هذا آخر كتاب العشرة، وبه تم كتاب الاصول من الكافي) ” (3). وقال المصنف في آخر كتاب الطهارة: ” هذا آخر كتاب الطهارة من كتاب الكافي (وهو خمسة وأربعون بابا)، ويتلوه كتاب الحيض إن شاء الله ” (4). قد سبقت الاشارة منا إلى ما ذكره الطوسي والنجاشي، في كيفية تقسيم كتب الكافي، إذ جعلا كتابي الطهارة والحيض في كتاب واحد. وقال المصنف في آخر كتاب الحيض: ” تم كتاب الحيض من كتاب الكافي، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله ” (5). وقال المصنف في آخر كتاب الجنائز: ” هذا آخر كتاب الجنائز من كتاب الكافي لابي جعفر (محمد بن يعقوب) الكليني – رحمه الله والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله أجمعين، ويتلوه كتاب الصلاة ” (6). وهكذا ديدن الشيخ في الاشارة إلى انتهاء الكتاب، ثم الاشارة – في أغلب


(1) اصول الكافي: 2 / 595. (2) اصول الكافي: 2 / 634. (3) اصول الكافي: 2 / 674. (4) فروع الكافي: 3 / 74. (5) فروع الكافي: 3 / 110. (6) فروع الكافي: 3 / 263.

[414]

الاحيان – إلى ما يتلوه من كتاب آخر. ففي آخر كتاب الايمان والنذور والكفارات قال المصنف: هنا آخر كتاب الايمان والنذور والكفارات، وبه تم كتاب الفروع من الكافي تأليف أبي جعفر محمد ابن يعقوب الرازي الكليني – رحمه الله والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، ويتلوه كتاب الروضة من الكافي إن شاء الله (1). خامسا: من الادلة المعتبرة، اعتراف الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في كون الكتاب للشيخ الكليني، وأنه جزء من الكافي. قال النجاشي في ترجمة محمد بن يعقوب: ” صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى ” الكافي ” في عشرين سنة “. شرح كتبه: كتاب العقل، كتاب فضل العلم… ثم سرد جميع أقسام – كتب – الكافي حتى وصل إلى آخرها، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض، كتاب الروضة. وله غير كتاب ” الكافي “، كتاب ” الرد على القرامطة “، كتاب ” رسائل الائمة “… الخ ” (2). الشيخ النجاشي ذكر جميع كتب الكافي، والتي بضمنها الروضة، وبعد ذلك استأنف الكلام في سرد مصنفات الشيخ قدس سره. أما الشيخ الطوسي في ” الفهرست ” فقد ذكر ترجمة الشيخ – قدس سره، وشرح كتب الكافي إلى أن وصل إلى آخره، فقال: وكتاب الديات، وكتاب الروضة، آخر كتاب الكافي.


(1) فروع الكافي: 7 / 464. (2) رجال النجاشي: ص 377.

[415]

وله كتاب الرسائل، وكتاب ” الرد على القرامطة… الخ ” (1). هذان الشيخان العارفان بكتب المشايخ وتراجمهم قد ذكرا كتاب الروضة عن خمسة من الشيوخ الاجلاء، وهم رووه عن سبعة من مشايخهم جميعا رووه عن المصنف. آراء العلماء في الكافي: كان هذا الكتاب معروفا بالكليني (2)، ويسمى أيضا بالكافي (3). وقد روى المصنف من مشايخ عصره، وعلماء دهره، ومن كتب الاصول التي صنفت في عهد الائمة المعصومين عليهم السلام، وكانت أغلب تلك الاصول عنده، فروى منها، وأخذ ما يوافق منهجه الشريف، فقد أمضى عشرين سنة في شأن تصنيف الكافي، ولا يخفى أن تلك المدة طويلة جدا، فلو كان الموضوع في التاريخ أو الادب أو اللغة أو الاصول لما احتاج الى هذا الزمن المديد، ولما كان تصنيفه في الحديث، وهذا يستوجب معرفة الراوي وكتبه وسيرته وتقلب أحواله، ومعرفة الرجل حال التحمل وحال الاداء، إلى غير ذلك من الجرح والتعديل، فلا غرابة للشيخ أن يستهلك تلك المدة لاجل تصنيف ” الكافي “، حيث كان يتحرى الدقة والضبط في الرجال والاسانيد والمتون والطرق، وهذا بدوره يستلزم الاحاطة الكاملة بفن علم الرجال. وشيخنا الكليني من خلال كتابه يكشف لنا مدى تضلعه بهذا الوقف، ودقته في نقل الاسانيد والطرق المتعددة من غير خلط أو التباس، لهذا أصبح المرجع الاول


(1) الفهرست: ص 161. (2) قال النجاشي: صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي… رجال النجاشي: ص 377، البحار: 107 / 146 إجازة العلامة السيد نجم الدين مهنا. (3) الفهرست ص 135، رجال النجاشي: ص 377، معالم العلماء ص 99.

[416]

للطائفة، وحقا أنه لم يصنف مثله، والذين جاءوا بعده فهم عيال عليه. ولاهمية الكتاب حرص العلماء المعاصرون للمصنف أن يقرؤونه عليه، و يروونه عنه سماعا وإجازة، ومن لم يدركه أو لم يسعفه الحظ أن يقرأه على الشيخ، فقد قرأه على تلميذه أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب الخاص له (1). وقد رواه جملة من أكابر علماء الشيعة عن شيوخ الطائفة، وحملة فقه العترة الطاهرة، كالنجاشي (2)، والصدوق (3)، وابن قولويه (4)، والسيد المرتضى علم الهدى (5)، والشيخ المفيد (6)، وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (7)، وهارون بن موسى التعلكبري (8)، وأبي غالب الزراري (9)، وأحمد بن إبراهيم الصيمري (10)، ومحمد بن عبد الله الشيباني (11)، وغيرهم. وقد أحصيت عدة أحاديثه فكانت 16199 حديثا، وهو بهذا يزيد على ما في الصحاح الستة متونا وأسانيدا (12). أما عدة أحاديث كتاب صحيح البخاري 7275 حديثا بالاحاديث المكررة


(1) رجال النجاشي: ص 377. (2) رجال النجاشي: ص 377. (3) مستدرك الوسائل: 3 / 666. (4) الفهرست: ص 135، رجال النجاشي: ص 377، وسائل الشيعة: 20 / 4. (5) الفهرست: ص 136، ومقابس الانوار: ص 7. (6) الفهرست: ص 135، وسائل الشيعة: 20 / 3. (7) الفهرست: ص 135، الاستبصار: 4 / 305. (8) الفهرست، ص 136، وسائل الشيعة: 20 / 5. (9) الفهرست، ص 135، وسائل الشيعة: 20 / 5. (10) الفهرست، ص 135، وسائل الشيعة: 20 / 5. (11) الفهرست: ص 136، وسائل الشيعة: 20 / 6. (12) ذكرى الشيعة: ص 6، وصول الاخبار: ص 70.

[417]

بل، وقيل: 4000 حديث بإسقاط المكررة منها (1). قال الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق: ” كتاب الكافي، وهو من أجل كتب الشيعة، وأكثرها فائدة… ” (2). قال الشهيد الاول محمد بن مكي – قدس سره في إجازته لابن الخازن، زين الدين علي: “… كتاب الكافي في الحديث، الذي لم يعمل للامامية مثله، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني… ” (3). قال الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته للشيخ شمس الدين الاستربادي في سنة 920 ه‍: “… وكتاب محمد بن يعقوب الكليني، فإنه كاف شاف واف… ” (4). وقال الشهيد الثاني في إجازته الشيخ إبراهيم الميسي سنة 957 ه‍: “… سيما كتب الحديث الاربعة التي هي عماد الايمان، وأساس دعائم الاسلام، وهي: الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار… ” (5). وقال المحقق علي بن عبدالعالي الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى في سنة 1002 ه‍: “… الكتاب الكبير في الحديث، المسمى، بالكافي، الذي لم يعمل مثله… وقد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية، والاسرار الدينية ما لا يوجد


(1) انظر منهاج السنة: 4 / 59. (2) ذكر الشيخ المفيد هذا الاطراء في كتابه شرح عقائد الصدوق في فصل: ” وقد ذكر الكليني – رضوان الله عليه -… حديث يونس بن يعقوب مع أبي عبد الله عليه السلام حيث ورد عليه الشامي لمناظرته، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: وددت أنك يا يونس تحسن الكلام… الخ الحديث “. شرح عقائد الصدوق، الملحق بأوائل المقالات: ص 202. (3) البحار: 107 / 190. (4) البحار: 108 / 114. (5) البحار: 108 / 138.

[418]

في غيره ” (1). وقال في إجازته للشيخ أحمد العاملي: “… كتاب الكافي في الحديث، الذي لم يعمل للاصحاب مثله، وهو يروي عمن لا يتناهى من رجال أهل البيت… الخ ” (2). قال المولى محمد تقي المجلسي في إجازته للميرزا إبراهيم ابن المولى كاشف الدين محمد اليزدي في سنة 1063 ه‍: “… سيما كتاب الكافي، الذي لم يصنف في الاسلام مثله… ” (3). قال المولى محمد طاهر القمي في إجازته للعلامة المولى محمد باقر المجلسي في سنة 1086 ه‍: “… قد طلب مني إجازة ما صح لي إجازته مما صنفه ورواه علمائنا الماضون، وسلفنا الصالحون، من الكتب الاربعة المشهورة، التي هي دعائم الايمان، ومرجع الفقهاء في هذا الزمان، أعني كتاب الكافي للشيخ ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، و… ” (4). وقال الفيض الكاشاني في شرحه للكافي: ” الكافي… أشرفها، وأوثقها، وأتمها، وأجمعها، لاشتماله على الاصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها… ” (5). وقال المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على ” من لا يحضره الفقيه ” بالفارسية: “… وهم چنين أحاديث مرسله محمد بن يعقوب كليني، ومحمد بن بابويه قمي بلكه جميع أحاديث ايشان كه در كافي ومن لا يحضر است، همه را صحيح


(1) البحار: 108 / 76. (2) البحار: 108 / 62. (3) البحار: 110 / 70. (4) البحار: 110 / 129. (5) الوافي: 1 / 6، ط طهران.

[419]

مى توان گفت، چون شهادت اين دو شيخ بزرگوار در أول كافي ومن لا يحضر كمتر از شهادت أصحاب رجال نيست، يقينا بلكه بهتر است، حقير گويد شهادت كليني بصحت كتاب كافي وصدوق در أول من لا يحضر، وشيخ طوسي در كتاب فهرست خود بآنكه كافي أصح كتب اربعة است كافي است… ” (1). وللعلامة المولى محمد باقر بن محمد أكمل، المعروف بالوحيد البهبهاني – قدس سره – رسالة الاخبار والاجتهاد في صحة أخبار كتاب الكافي. وقال المحدث القمي في ” هدية الاحباب “: ” الكليني شيخ أجل، أوثق، أثبت، أبو جعفر محمد بن يعقوب كليني، كهف الاعلام، ومفتي طوائف الاسلام، ومروج المذهب في غيبة الامام، ثقة الاسلام، صاحب كتاب كافي شريف كه ملاذ مرجع فقهاء ومحدثين وروشني چشم شيعه است… ” (2). وقال المحدث القمي، شيخ عباس في الكنى: “… ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الاسلامية، وأعظم المصنفات الامامية، الذي لم يعمل مثله… ” (3). قال المولى محمد أمين الاسترآبادي في فوائده المدنية: “… وقد سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه… ” (4). قال السيد مير محمد باقر الداماد في اجازته للسيد حيدر الكركي في سنة 1038 ه‍: “… ولا سيما الاصول الاربعة للابي جعفرين الثلاثة – رضوان الله عليهم – التي هي المعول عليها، المحفوفة بالاعتبار، وعليها تدور رحى دين الاسلام، في هذه


(1) شرح من لا يحضره الفقيه الفارسي للمولى محمد تقي المجلسي: المقدمة الفائدة الحادية عشر. (2) هدية الاحباب: ص 227. (3) الكنى والالقاب: 3 / 98. (4) الفوائد المدنية للاستر آبادي: ص 200.

[420]

الادوار والاعصار، وهي: الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار… ” (1). وقال الامير شرف الدين علي الشولستاني النجفي في إجازته للعلامة المولى محمد تقي المجلسي – الاول – والد العلامة المجلسي محمد باقر سنة 1036 ه‍: “… إني أذكر ما لا بد منه، وهو بعض الطرق إلى المشايخ الثلاثة المحدثين المشهورين، أصحاب الكتب الاربعة المشهورة، التي هي من دعائم الايمان، ومرجع فقهاء الزمان… ” (2). والكتب الاربعة – كما تعلم -: الكافي أحدها، ثم من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار. وقال المولى محمد باقر المجلسي صاحب الشرح المعروف على الكافي: ” كتاب الكافي… أضبط الاصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها… ” (3). وقال بعض المشايخ: ” اعلم أن الكتاب الجامع للاحاديث، في جميع فنون العقائد والاخلاق والفقه مما لا يوجد في كتب أحاديث العامة، وأنى لهم بمثل الكافي، في جميع فنون الاحاديث، وقاطبة أقسام العلوم الالهية، الخارجة من بيت العصمة، ودار الرحمة ” (4). وقال السيد محسن الحكيم – قدس سره – في المستمسك: ” الكافي… أحد الكتب الاربعة الخالدة المعروفة، التي عليها يدور عمل الشيعة الامامية – رفع الله شأنهم -،


(1) البحار: 110 / 4. (2) البحار: 110 / 34. (3) مرآة العقول: 1 / 3. (4) نهاية الدراية: ص 218.

[421]

تأليف شيخ المحدثين وأوثقهم أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، المعروف بثقة الاسلام…. ” (1). خصائص الكافي: لا يزال الكافي يحتل الصدارة الاولى من بين الكتب الحديثية والفقهية عند الشيعة الامامية، فهو المصدر الاساس، والمعين الذي لا تنضب مناهله، ولا يمل منه طالبه، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه، ولا العالم، ولا المعلم ولا المتعلم، ولا الخطيب، ولا الاديب، فقد جمع بين دفتيه جميع الفنون والعلوم الالهية، واحتوى على الاصول والفروع، وكما عرفت – مما تقدم – أنه يزيد على ما في الصحاح، وأن الشيخ قد تحمل المشاق والآلام في سفره وحضره ولمدة عشرين سنة لاجل تصنيف ” الكافي “. قال الوحيد البهبهاني: ” ألا ترى أن الكليني مع بذل جهده في مدة عشرين سنة، ومسافرته إلى البلدان والاقطار، وحرصه في جمع آثار الائمة، وقرب عصره إلى الاصول الاربعمائة والكتب المعول عليها، وكثرة ملاقاته ومصاحبته مع شيوخ الاجازات، والماهرين في معرفة الاحاديث، ونهاية شهرته في ترويج المذهب وتأسيسه ” (2). فمنذ أحد عشر قرنا والى الآن اتكا الفقه الشيعي الامامي على هذا المصدر، لما فيه من تراث أهل البيت سلام الله عليهم، ولكونه أصح الكتب الاربعة، وأكثرها فائدة، وأفضلها من حيث الشمولية والترتيب والتقسيم، وأن مصنفه جمع بين الاصول والفروع والآثار والسنن، كما أن تبويبه حسب كتب الفقه، مما يعين المجتهد


(1) مستمسك العروة الوثقى: ج 5، فهرست رموز الكتاب لكتاب الكافي. (2) نهاية الدراية: ص 220.

[422]

والمستنبط للاحكام الشرعية. كل ذلك يستدعي المزيد من الاهتمام والبحث والدراسة لهذا الكتاب الجليل الشريف، الذي نأمل أن نكون نحن فاتحة خير للآخرين في تكريس الجهود للكشف عن خبايا هذا الكتاب، وما له من ميزات تستحق الدراسة المفصلة من قبل مختصين بعلم الحديث والرجال والفقه، فما أحوجنا اليوم إلى مثل اولئك، كي يسدوا خدمة نافعة للطائفة ومن ثم لخدمة الاسلام والمسلمين. ونحاول هنا أن نذكر أبرز الخصائص والميزات التي اتسم بها كتاب الكافي، على أن تلك الميزات قد تخص الاسانيد، أو رجال الشيخ الذين أجازوا مروياتهم له، وهو بدوره روى عنهم وتتلمذ عليهم، وهناك ميزات نذكرها وهي تخص المتون، أو المواضيع وأبواب الفقه، وهناك ميزات أو ملاحظات مشتركة بين الاسانيد والمتون والتي هي بمثابة السمات العامة للكتاب، لذا وجدت من الاسلم أن لا أفصل هذه الاقسام بعضها عن البعض الآخر، بل آثرت أن يكون الحديث بصورة عامة و إجمالية، لان التفصيل يستغرق جهدا وزمنا أكثر، كما أن هذه الدراسة المختصرة لا تستوعب التفصيل. أقول من أهم الميزات العامة: أولا: أن المؤلف كان حيا في زمن النواب والسفراء الاربعة رضوان الله عليهم (1). ثانيا: أمضى مدة عشرين سنة في تأليفه، قد حاب خلالها البلدان والاقطار


(1) قال ابن طاووس في كتابه ” كشف المحجة “: فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا الى تحقيق منقولاته… كشف المحجة ص 159.

[423]

وأتصلي بالمشايخ وأهل الاجازات، وممن لقى الامام وأخذ عنه، بالخصوص وكلاء الناحية المقدسة. ثالثا: أظهر الشيخ آثار مدرسة أهل البيت في المعقول، وبين في الجزء الاول من الاصول الخصائص العقلية لتلك الآثار، ودورها في البناء العقائدي للطائفة. وقد يجد القارئ أن الكثير من معتقدات أهل الاعتزال هي عائدة في اصولها الى الفكر الشيعي الامامي، إلا أن تعدد فرق المعتزلة، وسوء فهمهم لكثير من النصوص، ذهبت إلى تأويلات وتفصيلات قد انحازت بها إلى الباطل، تاركة التراث الاسلامي الذي نقله السلف عن أسلافهم عن المنهل العذب المتمثل بأهل بيت العصمة عليهم السلام، وهكذا بالنسبة لبعض الفرق الشيعية – غير الامامية – إنما أسات فهم تلك الاحاديث، مما أخرجها عن خط الفرقة الناجية. وربما يدعي البعض (1) أن الشيخ الكليني هو أميل الى خط الاعتزال، وخاصة في اصوله، وتبنيه لاحاديث أصالة العقل. أقول: وذلك وهم، ولا يمكن الاخذ به، لان فكر أهل البيت عليهم السلام بدأ منذ صدر الاسلام بوجود النبي صلى الله عليه وآله بين ظهرانيهم، أما فكرة الاعتزال فانما ظهرت بوادره في أواخر القرن الاول الهجري، واتسع نطاقه في منتصف القرن الثاني، حتى أصبح المذهب الرسمي للدولة العباسية في زمن المأمون، فالمدة والفاصلة الزمنية بين نشوء فكر الاعتزال ومذهب أهل البيت كبيرة جدا، وقد ذكرنا بعض تلك الشواهد فيما تقدم، وبالخصوص فيما جرى بين الامام علي عليه السلام والشيخ الكبير بعد منصرفه من حرب صفين، وهكذا ما جرى بين أئمة الهدى وبعض الزنادقة، ومناظراتهم في


(1) المقصود منه استاذنا السيد أحمد المددي الموسوي، إذ أنهينا عنده دورة كاملة في السطوح، وقد أجاد وأفاد، نأمل أن يحتل موقعه المناسب بين العلماء الاماجد.

[424]

ذلك شاهد محسوس، فراجع: رابعا: في الاعم الاغلب يذكر المصنف سلسلة سند الحديث في كل الابواب والكتب إلا ما ندر، وأحيانا يعول السند على ما سبقه، وأحيانا اخرى لا يذكره إذا سبق له ذكر في أحد الابواب المتقدمة، لذا توهم البعض أنها – في تلك الموارد – مرسلة أو مقطوعة، والمتتبع لاسانيد الكتاب يجد هذه النكتة المهمة. فالشيخ في اسلوبه هذا يلفت الباحث والعالم إلى السند قبل المتن حتى يكون المستنبط للاحكام على يقين من أمره منذ البداية، وليوفر عليه الوقت، هذا على العكس من كتاب التهذيبين ومن لا يحضره الفقيه، ففي التهذيبين لم يذكر الشيخ الطوسي – قدس سره سند الحديث، بل أنه حذف جملة من السند لغرض الاختصار، ولم يذكر إلا أوله: كمحمد بن يعقوب، أو علي بن إبراهيم، أو أبي علي الاشعري، أو محمد ابن الحسن الصفار… الخ. فمن الملاحظ أن الشيخ يرجع القارئ في السند إلى رجاله، والذي جعله بعنوان المشيخة، لذا فان الطريق إلى سند الحديث لا يعرف بتمامه إلا بمراجعة المشيخة، والتي جعلها في آخر التهذيبين. أما الشيخ الصدوق فغالبا يذكر السند، لكن في موارد كثيرة يحذفه ويقتصر على بعضه، كأن يقول: سأل على بن يقطين أبا الحسن عليه السلام، أو يقول: روي عن أبي جعفر عليه السلام، أو يقول: روى ابن أبي عمير عن عمار بن مروان قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام، أو يقول: روى البزنطي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام إلى غير ذلك… ثم يميل الشيخ الصدوق في معرفة تمام السند الى المشيخة التي ذكرها في آخر ” من لا يحضره الفقيه “، إلا أن الملفت أن مشيخة الفقية أنفع بكثير من مشيخة التهذيبين فإن الصدوق – قدس سره في مشيخته يقول: وما كان فيه عن فلان… فقد روته


[425]

عن فلان… أما في مشيخه التهذيبين فليس الامر في الكل كذلك، إذ في موارد كثيرة يجمل في القول، مما لا يقضي الحصر ولا يفيده، فقد عبر عن ذلك بقوله: ومن جملة ما رويته أو ذكرته عن فلان… فقد رويته عن…، فإن كلمة ” جملة ” في بعض المرويات مما لا يفيد الحصر. لهذا إن جهل الطريق في بعض روايات الشيخ الطوسي – لعدم تبينه في المشيخة – فلابد من: أولا: مراجعة ” الفهرست “، فإن فيه قد تعرض لبيان الطرق والاسانيد إلى الاصول والكتب التي أخذ منها. ثانيا: مراجعة رجاله، كما في طريقه إلى هارون بن موسى التلعكبري فإنه غير مذكور في الاسانيد، ولا في ” الفهرست “، ولكنه في رجاله قال: أخبرني عنه جماعة من أصحابنا، وقد روى جميع الاصول والمصنفات، ومن الجماعة التي يذكرها: المفيد محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيدا لله الغضائري، فالطريق صحيح “. وللتفصيل انظر رجال الطوسي، باب ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الائمة عليهم السلام، فإنك تجد كثيرا من الاسانيد التي في طريقها التلعكبري قد رواها الشيخ الطوسي عنه بواسطة الشيخ المفيد، أو بواسطة الحسين بن عبيد الله الغضائري. ثالثا: إذا لم يعرف الطريق مما تقدم من ” الفهرست ” أو رجال الشيخ، فقد يعرف بالرجوع إلى طريق الصدوق من كتاب المشيخة في آخر من لا يحضره الفقيه لو كان الخبر المبحوث عن حاله من مرويات الصدوق، فإن للشيخ طريقا معروفا إليه.


[426]

رابعا: أو الرجوع إلى طريق الكافي لو كان الخبر من جملة مرويات الشيخ الكليني – قدس سره، إذ له طريق معروف إليه. هذه بعض الميزات الفارقة بين أسانيد ” الكافي ” وأسانيد التهذيبين و ” من لا يحضره الفقيه “، والذي ظهر أنه أكثر فائدة هو ما في ” الكافي “، لانه المرجع والاساس، الذي لو تعذر معرفة سند أحد أحاديث الكتب المتأخرة، يرجع الطالب الى أسانيد رجال الكليني، والتي هي مذكورة في أوائل الاحاديث. ومن مميزات كتاب الكافي: خامسا: إن ما أورده الكليني في الابواب من أحاديث إنما مقتصرة على ما يوافق عنوان الباب فحسب، ولم يورد ما يعارضه من الاحاديث (1). على أن منهجية الشيخ الطوسي تختلف عن ذلك، قال الشيخ في مقدمة ” الاستبصار “: “… وأن ابتدئ في كل باب بايراد ما اعتمده من الفتوى والاحاديث فيه، ثم أعقب بما يخالفها من الاخبار، وابين وجه الجميع بينها على وجه لا اسقط شيئا منهما ما أمكن ذلك فيه، واجري في ذلك على عادتي في كتابي الكبير المذكور، وأن اشير في أول الكتاب إلى جملة مما يرجح به الاحاديث بعضها على بعض، ولاجله جاز العمل بشئ منها دون جميعها، وأنا مبين ذلك على غاية من الاختصار… ” (2). سادسا: لا يروي عن شيخه و استاذه سعد بن عبد الله الاشعري في الفروع من الكافي، على أن سعد الاشعري من أصحاب الاصول والكتب، بينما يروي عنه في تاريخ مواليد الائمة عليهم السلام، ولا يخلو من أن سعدا كان يروي شواذ الاحاديث، أو أنه


(1) نهاية الدراية: ص 222، وروضات الجنات: ص 553. (2) مقدمة الاستبصار: 1 / 3.

[427]

يروي عن الشواذ والضعفاء، لذا تركه للاحتياط الذي لابد منه في الاحكام الشرعية… سابعا: أكثر الكليني الرواية عن سهل بن زياد الآدمي، أبي سعيد، وقد أحصيت الموارد في الاصول والفروع والروضة فكانت 1740 موردا، سواء كانت بواسطة العدة، أم من دون واسطة. وفي سهل حديث طويل، فبعض ضعفه، وآخرون عدوه في الحسان، وقسم ثالث يستفاد من قولهم المدح. قال أبو عمرو الكشي قال نصر بن الصباح: سهل بن زياد الرازي، أبو سعيد الآدمي، يروي عن أبي جعفر، وأبي الحسن، وأبي محمد صلوات الله عليهم (1)، و ذكرهم: فلان يروي عن الائمة عليهم السلام يراد به المدح والثناء. ثامنا: لقد ذكر الشيخ – قدس سره – في المقدمة: ” وقلت أنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف، يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين، والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام، والسنن القائمة التي عليها العمل… إلى أن يقول: وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت… “. فقول الشيخ صحيح في أنه ألف كتابه من الاخبار والآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام، بينما نجد روايات عديدة تنتهي إلى غير المعصوم عليه السلام، نذكر على سبيل المثال: (1) ما رواه عن العدة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، عن أحمد بن زيد النيسابوي قال: حدثني عمر بن إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمر، عن


(1) رجال الكشي: 2 / 837.

[428]

اسيد بن صفوان قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبكاء… الخ الخبر (1). (2) ما رواه عن الحسين بن محمد، قال: حدثني أبو كريب وأبو سعيد الاشج، قال: حدثنا عبد الله بن ادريس، عن أبيه إدريس بن عبد الله الاودي، قال: لما قتل الحسين عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه… الخ الخبر (2). (3) ما رواه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن هشام بن الحكم، قال: الاشياء لا تدرك إلا بأمرين: بالحواس… الخ الخبر (3). (4) ما رواه عن علي بن محمد، عن سهل أو غيره، عن محمد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربي، عن أبي أيوب النحوي، قال: بعث إلي أبو جعفر… الخ الخبر (4). (5) ما رواه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي عن فضيل، قال: صنائع المعروف وحسن البشر… الخ الخبر (5). ما رواه بسنده عن أبي حمزة قال: المؤمن خلط عمله بالحلم… الخ الخبر (6). وهكذا روايات عديدة اخرى، كالحديث السادس عشر من كتاب الايمان


(1) اصول الكافي: ج 1 باب مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 454، الحديث الرابع. (2) اصول الكافي: ج 1 باب مولد الامام الحسين عليه السلام ص 465، الحديث الثامن. (3) اصول الكافي: ج 1 باب في إبطال الرؤية ص 101، الحديث الثاني عشر. (4) اصول الكافي: ج 1 باب الاشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السلام ص 307، الحديث الثالث عشر والرابع عشر. (5) اصول الكافي: ج 2 باب حسن البشر، 103 الحديث الخامس. (6) اصول الكافي: ج 2 باب الحلم ص 111 الحديث الثاني.

[429]

والكفر باب مجالسة أهل المعاصي (1)، والحديث الثالث من كتاب الجنائز باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبة (1) والحديث الاول من كتاب النكاح باب تفسير ما يحل من النكاح وما يحرم والفرق بين النكاح والسفاح والزنا (3)، وموارد اخرى يطول المقام في استقصائها. انظر أول كتاب الارث، وكتاب الديات، وكتاب الشهادات وشهادة الصبيان، وباب النوادر. أقول: لو اقتصر في مقدمته بالاخبار الصحيحة فقط لارتفع الاشكال. تاسعا: لم يقع الكليني في فهارس النجاشي، والطوسي، والصدوق كما ينبغي، على أنه من كبار وأجلاء علماء الطائفة، فلم يرد في مروياتهم إلا في بعض الاسانيد، على أنه متقدم عليهم، وشيخ الطائفة في وقته، ومن المجددين على رأس المائة الثالثة، أي القرن الرابع الهجري، وأن كتابه – كما عرفت – أصح الكتب الاربعة، وأكثرها إعتبارا، وأقربها في التأليف إلى عصر الائمة عليهم السلام…. عاشرا: لقد تعمد الكليني أن لا يروي عن بعض الاصول والصنفات، والتي هي معتبرة في حد ذاتها، فمثلا ” كتاب العلل ” للفضل بن شاذان عند السيد الخوئي معتبر – من المتأخرين -، والشيخ الصدوق ينقل منه عن الامام الصادق عليه السلام بواسطين ولحديثين، أما الشيخ الطوسي – قدس سره ينقله كاملا، الا أن الشيخ الكليني لم يرو منه قط، على أن الكليني أقرب إلى الفضل بن شاذان من الصدوق والطوسي، و هذا مما يثير التسائل والتعجب، في الوقت نفسه روى عنه الكليني مرويات كثيرة غير كتاب العلل في موارد عديدة، حتى ورد له في 346 موضعا من ” الكافي “.


(1) اصول الكافي: 2 / 379. (2) اصول الكافي: 3 / 204. (3) اصول الكافي: 5 / 570.

[430]

أحد عشر: ترتيب أحاديث الابواب إنما تكون حسب الصحة والوضوح، لذا أحاديث أواخر الابواب لا تخلو من نظر في صحتها، سندا ومتنا، لما فيها من اجمال أو خفاء. اثنا عشر: وردت في أسانيد الكافي بعض الالفاظ، منها يمكن إرجاعها الى أسماء الرواة، وهي معروفة من السند، كأن يقول: علي بن إبراهيم عن أبيه، وقد ورد بهذا الشكل في 4960 موردا، والمعني هو: إبراهيم بن هشام، وهناك ألفاظ لم يظهر لنا – على وجه الدقة – تعيينهم، لذا سنورد قائمة بتلك الالفاظ جميعا: جاءت لفظة (ابيه) في 4960 موردا. وذكر (أخ فلان) في 59 موردا. وذكر لفظة (أبو فلان) في 4109 موردا. وذكر (ابن فلان) مجردة من التخصيص في 6502 موردا. وذكر من الالقاب دون الاسماء في (1528) موردا. وذكر لفظة (جد فلان) في 65 موردا. وذكر لفظة (ام فلان) في 10 موارد. وذكر لفظة (بعضهم)، (أو بعض أشياخ فلان)، أو (بعض أصحاب فلان)، أو (بعض رجال فلان)، أو (بعض مشايخ فلان)، أو (بعض موالي فلان) في 973 موردا. وذكر لفظة (رجل من أصحابنا)، أو (رجل من أهل كذا)، أو (فلان بلدة)، أو (رجال فلان) في 85 موردا. وذكر لفظة (شيخ) في 15 موردا. وذكر (العدة) – وسيأتي تفصيلها – في 3886 موردا.


[431]

وذكر (عم فلان) في 83 موردا. وذكر (غير فلان…) في 368 موردا. وذكر (استاذ فلان) في 16 موردا. وذكر (أصحاب فلان…) في أربعة موارد. وذكر (مولى فلان…) في عشرة موارد. وذكر (بعض أصحاب أب أحمد بن محمد البرقي) في أربعة موارد. على أن بعض تلك الالفاظ ممكن إرجاعها إلى مداليلها، ويمكن تشخيص الاعلام منها، ولكن قد يلتبس الامر فيصعب التمييز بينها إلا بمعرفة الراوي والمروي عنه. ثالث عشر: قد يذكر الشيخ في سند أحاديثه: عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان… والمراد ب‍ ” غير واحد ” هم: جعفر بن محمد بن سماعة، والميثمي، والحسن بن حماد، وقد صرح الشيخ الطوسي في ” التهذيب “، بهؤلاء كما هو في باب الضرر والمجازفة. رابع عشر: أغلب الاصول الاربعمائة ومصنفات أصحاب الائمة عليهم السلام كانت عند الشيخ الكليني – قدس سره، وقد نقل عنها مباشرة، ثم ما نجده في صدر الحديث من سلسلة السند إنما هي طرق إجازته إلى أصحاب الاصول التي ثبتت نسبتها إلى أصحابها، كثبوت الكتب الاربعة للمشايخ الثلاثة: الكليني، والصدوق، والطوسي. بل إن تلك الاصول كانت متداولة بين حملة العلم والحديث والفقهاء، إلى أن وصلت جملة كبيرة منها وعديدة، بل كلها إلى هارون بن موسى التلعكبري فصنف منها كتابة ” الجوامع “، وأغلبها وصلت كذلك إلى ابن إدريس صاحب ” السرائر “، وإلى


[432]

المحقق صاحب ” المعتبر “، وإلى العلامة الحلي صاحب ” المختلف “، وإلى العلامة الحر العاملي صاحب ” الوسائل ” الذي نقل عنها بالواسطة ما يناهز المائة أصل، والعلامة المحدث النوري صاحب ” المستدرك ” ذكر من الاصول التي كانت بحوزته أكثر من خمسين أصلا. ومع كل ذلك فقد أنكر بعض المتأخرين جملة كبيرة من الاحاديث التي أودعها الشيخ في ” الكافي “، فهذا محمد باقر البهبودي قد صير ” الكافي ” في ثلاث أجزاء صغيرة وسماه ب‍ ” صحيح الكافي “، ثم أعاد طبعه تحت عنوان ” زبدة الكافي ” ظنا منه أنه يحسن صنعا، وما يدري أن ذلك إساءة كبيرة إلى التراث الشيعي، بل إساءة الى أهل البيت عليهم السلام: عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن حمزة بن بزيع، عن علي السائي، عن أبي الحسن عليه السلام أنه كتب إليه في رسالة: ” ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب الينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلنا، وعلى أي وجه وصفة ” (1). وعن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: ” أما والله ان أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالا وامقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، أشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، و إلينا اسند، فيكون بذلك خارجا من ولايتنا (2). وعن سفيان بن السمط، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إن


(1) البحار: 2 / 186، نقلا عن البصائر. (2) البحار: 2 / 186.

[433]

الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الامر، فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: ” أليس عني يحدثكم ؟ ” قال: قلت: بلى، قال: فيقول لليل: إنه نهار، وللنهار: إنه ليل ؟ ” قال: فقلت له: لا، قال: فقال: ” رده إلينا، فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا ” (1). وفي كتاب سليم بن قيس أن علي بن الحسين عليهما السلام قال لابان ابن أبي عياش: ” يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله، وإلا فاسكت تسلم، ورد علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والارض “، قال أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني… ” (2). وفي ” منية المريد “: قال النبي صلى الله عليه وآله: ” من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عني حديث لم تعرفوا فقولوا: الله أعلم ” (3). وهناك عشرات الاحاديث الواردة في هذا المعنى، وقد أحصى منها الشيخ العلامة المجلسي أكثر من مائة حديث، فراجع. فما أكثرها الاحاديث التي لا تدركها عقولنا، أو لا يمكن أن نظفر لها على وجه للجمع بينها وبين غيرها من الروايات، فهل يعني ذلك أن نردها أو ننفيها ؟ ! نعم، ما خالف القرآن والسنة، وما جاء عن المخالفين ونقطع بعدم صدوره عن الامام، للقرائن الخارجية والامارات الدالة على كذب الراوي وفسقه وعناده… آنذاك نستطيع أن نشكك في الحديث، أما إذا كان السند صحيح والرواة ثقات فلابد من الوقوف عنده أو رده إلى الامام، لان حديثهم صعب مستصعب، لا يتحمله إلا عبد امتحن الله قلبه للايمان، ولا تعي أحاديثهم إلا الصدور الامينة والاحلام


(1) البحار: 2 / 187. (2) كتاب سليم بن قيس: ص 67. (3) البحار: 2 / 212.

[434]

الرزينة، كما قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة (1). كيفما كان، لا يسوغ لاحدنا أن ينكر وجود الاصول الاربعمائة عند الكليني، وكيف يعقل أن تلك الاصول لم تكن عند الشيخ مع قرب عصره إلى أصحابها ومصنفيها ؟ ! ومما يؤكد من أن أغلب الاصول الاربعمائة كانت عند الكليني، هو أن الاحاديث التي ذكرها قد أشار إلى طرق أسانيدها – تصريحا أو تلويحا – وأما التي لم يذكر سندها، فإنما يحتمل عدم وجود طريق الاجازة من المشايخ إلى الكليني في روايتها، لكن هذا لا يعني أن تلك الاصول التي يروي عنها الكليني لم تكن عنده. لهذا نؤكد أن الاسانيد التي ذكرت في صدر الاحاديث إنما هي طرق إجازات الشيخ إليها، وإلا تعين عدم اطلاعه عليها، وهذا باطل، حيث عرفت أن هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385 ه‍ كان قد رواها كلها، وألف منها كتابه المسمى ب‍ ” الجوامع في علوم الدين “. قال الشيخ الطوسي في رجاله: ” هارون بن موسى التلعكبري، يكنى أبا محمد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، روى جميع الاصول والمصنفات، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا ” (2). وهذا الشيخ الصدوق – قدس سره صرح في مقدمة كتابه ” من لا يحضره الفقيه ” أنه أخذ الاحاديث جميعها، واستخرجها من الكتب المشهورة التي عليها المعول، وإليها المرجع (3).


(1) نهج البلاغة خطبة 189 من تحقيق صبحي الصالح ص 279. (2) رجال الطوسي: باب فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام ص 516. (3) انظر مقدمة الفقيه.

[435]

أما الشهيد الثاني فقد قال في شرح دراية الحديث: ” إن أمر المتقدمين قد استقر على أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف سموها اصولا، فكان عليها اعتمادهم، ثم تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الاصول، ولخصها جماعة في كتب خاصة، و أحسنها الاربعة المعروفة ” (1)، أي وأحسن ما جمع منها: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه. أما المحقق الحلي فقد ذكر في أول كتابه ” المعتبر ” بأنه روى عن الصادق عليه السلام ما يقارب أربعة آلاف رجل، وكتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها اصولا. وذكر في الفصل الرابع منه أنه ينقل الاخبار من كتب أخبار المتقدمين على مابان فيه اجتهادهم وعليه اعتمادهم، فممن اختار: الحسن بن محبوب، والبزنطي، والحسين بن سعيد، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمان، ومن المتأخرين: الصدوق، والكليني، ثم ذكر أصحاب كتب الفتاوي. أقول: واضح جدا من كلامه أن كتب أصحاب الاصول كانت عنده، كما أن ” الكافي “، ” ومن لا يحضره الفقيه ” كانت كذلك لديه، وقد أخذ منها. وقال المحدث البحراني صاحب الحدائق: ” إن هذه الاحاديث التي بأيدينا إنما وصلت إلينا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها، وذابت الابدان في تنقيحها، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، وهجروا في تنقيتها الاولاد والنسوان، كما لا يخفى على من تتبع السير والاخبار، وطالع الكتب المدونة في تلك الآثار، فإن المستفاد منها أنه كان دأب قدماء أصحابنا المعاصرين لهم عليهم السلام إلى وقت المحمدين الثلاثة في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الاحاديث وتدوينها في مجالس الائمة عليهم السلام، والمسارعة إلى إثبات ما يسمعونه، خوفا من تطرق السهو والنسيان، وعرض ذلك


(1) تنقيح المقال: ج 1، المقدمة، المقام الثالث ص 180.

[436]

عليهم، وقد صنفوا تلك الاصول الاربعمائة المنقولة كلها من أجوبتهم عليهم السلام أنهم ما كانوا يستحلون رواية لم يجزموا بصحتها ” (1). وقال الفاضل التوني: ” إن أحاديث الكتب الاربعة مأخوذة من اصول وكتب معتمدة، معول عليها، كان مدار العمل عليها عند الشيعة، وكان عدة من الائمة عليهم السلام عالمين بأن شيعتهم يعملون بها في الاقطار والامصار، وكان مدار معاملة الحديث وسماعه في زمان العسكريين عليهما السلام، بل بعد زمان الصادقين على هذه الكتب… ” (2). وهناك شواهد اخرى عديدة تدلل على أن الاصول الاربعمائة كانت عند ثقة الاسلام الكليني، ومنها ألف كتابه الشريف. خامس عشر: لقد دأب الكليني أن يجعل طريقه إلى الاصول والمصنفات، وسلسلة رجال السند، وإجازات مؤلفيها في أول الحديث، وهذا المسلك حتم عليه أن يكرر الطريق الى ذلك الاصل بعدد الاحاديث المنقولة منه، فلو كان الاصل مشتملا على خمسين حديثا أو مائة حديث أو أكثر، فعند ذكر كل حديث منه يكرر طريقه إلى ذلك المصنف، مثل كتاب علي بن جعفر كان عنده وطريقه إليه محمد بن يحيى عن العمركي عنه، فقد كرر هذا الطريق أكثر من ثلاثمائة مرة، ومثل كتاب الحسين بن محبوب كان عنده ويأخذ منه الحديث فقد كرر طريقه أكثر من مائتي مرة. وهكذا بالنسبة إلى طريقه لكتاب معاوية بن عمار، فقد كرره أكثر من مائة وخمسين مرة. وهذا بخلاف ما نهجه الصدوق والطوسي – قدس سرهما – في كتبهما الفقيه والتهذيبين،


(1) الحدائق: ص 3. (2) تنقيح المقال: ج 1 المقام الثالث في المقدمة ص 180.

[437]

إذ ذكرا طرقهما في آخر الكتاب حذرا من التكرار. لقد استساغ المتأخرون أن يقسموا الحديث بحسب اعتبار راويه إلى: * الصحيح: ما كان جميع رجال سنده من الامامية الممدوحين. * والحسن: ماكان أحد رجال السند مجروح مع تعديل بقية رجاله. * والموثق: ما كان بعض رجال السند لم يرد فيه توثيق، أو مسكوت عن مدحه وذمه. * والقوي: ما كان بعض رجال سنده أو كله الممدوح من غير الامامي. * والضعيف: ما كان بعض رجال سنده فيه جرح، أو أن الحديث فيه تعليق أو انقطاع أو ارسال… واما على مسلك القدامى – كالطوسي والمرتضى والمفيد والصدوق والكليني – فإن للصحيح ثلاث معان: أحدها: ما علم وروده عن المعصوم. وثانيها: ما علم وروده عن المعصوم مع قيد زائد، وهو عدم وجود معارض أقوى منه يخالفه، كالوارد للتقية ونحوها. وثالثها: ما قطع بصحة مضمونه في الواقع، أي بأنه حكم الله ولو لم يقطع بوروده عن المعصوم. أما الضعيف فكذلك للقدامى فيه ثلاث معان مقابلة للمعنى الصحيح: أحدها: ما لم يعلم وروده عن المعصوم بشئ من القرائن. وثانيها: ما علم وروده وظهر له معارض أقوى منه. وثالثها: ما علم عدم صحة مضمونه في الواقع، لمخالفته للضروريات ونحوها.


[438]

وأما الضعيف الذي لم يثبت وروده عن المعصوم عليه السلام، أو لم يعلم كون مضمونه حقا، فقد دأب القدامى أن لا يثبتوه في كتاب معتمد، ولا يهتموا بروايته، بل ينصون على عدم صحته. سادس عشر: ما ورد عن المجلسي في تضعيف أسانيد بعض أحاديث الكافي إنما كان على مسلك المتأخرين، والذي ابتكر هذا الفن هو العلامة الحلي – قدس سره – وشيخه أحمد بن طاووس. وقد بينا أن مسلك القدامى يختلف عن المتأخرين، وإلا كيف يصح للشيخ الكليني أن يودع في كتابه آلاف الاحاديث الضعيفة كما زعمها العلامة المجلسي (1) ؟ ! وقد قامت شهادة أجلاء الشيعة وكبار الطائفة بتعظيمه ؟ ! وقد ذكرنا فيما سبق قول النجاشي فيه أنه شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم (2). أين هذا من قول العلامة المجلسي الذي عد من الاحاديث الضعيفة 9485، أي أن أكثر من نصف أخبار ” الكافي ” ضعيفة ؟ ! ولا يجوز العمل بها إلا بعد الانجبار ! في الوقت الذي يعرض كتاب ” التكليف ” لابي جعفر محمد بن علي الشلمغاني – المعاصر للكليني – على وكيل الناحية المقدسة، فلم يذكر منه إلا حديثين. كيفما كان، فإن للشيخ الكليني مقاييس معينة قد وضعها لنفسه، واتخذ من تلك المقاييس مسلكا خاصا يوافق ما اختاره من الاصول المذهبية والمنهج العام للطائفة، سواء كان ذلك في الاصول أم الفروع، فهو بالاضافة إلى تدقيقه في رجال السند


(1) ذكر في مقدمة مرآة العقول أن عدة الاحاديث الضعيفة 9485 من مجموع 16121 حديثا. (2) انظر رجال النجاشي: ص 377.

[439]

ورواة الاحاديث ما كان ينقل كل أحاديث الاصول والمصنفات، وخير دليل على ذلك أن الستة عشر التي بأيدينا لم يذكر منها إلا ما وافق مسلكه، وأما ما تبقى فلم يذكره في ” الكافي “، فماذا يدلل ذلك ؟ ! كتاب العلل للفضل بن شاذان – كما مر – على ما فيه من اعتبار إلا أنه لم يرو منه شيئا ! ! لقد ذكر الحر العاملي في ” الوسائل ” بعد ما نقل كلام الكليني من مقدمته، قال: ” ومعلوم أنه لم يذكر فيه قاعدة يميز بها الصحيح عن غيره لو كان فيه غير صحيح، و لا كان اصطلاح المتأخرين موجودا في زمانه قطعا كما يأتي، فعلم أن كل ما فيه صحيح باصطلاح القدماء بمعنى الثابت عن المعصوم عليه السلام بالقرائن القطعية أو التواتر ” (1). وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في ” مشرق الشمسين ” بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الاقسام الاربعة الرئيسية: ” وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه… ” (2)، ثم ذكر عدة امور توجب الوثوق بصحة الحديث. قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، في ” المعالم ” و ” المنتقى ” في عدة مواضع بأن أحاديث كتبنا المعتمدة محفوفة بالقرائن، وأن المتقدمين إلى زمن العلامة كانوا يعملون بالقرائن، لا بهذا الاصطلاح المشهور بعده، وأن المتأخرين قد يعملون بذلك أيضا (3).


(1) وسائل الشيعة: 20 / 64 الفائدة السادسة. (2) مشرق الشمسين: المقدمة. (3) معالم الاصول: ص 163.

[440]

وفي موضع آخر قال: ” ان أحاديث الكتب الاربعة وأمثالها محفوفة بالقرائن، وأنها منقولة من الاصول والكتب المجمع عليها بغير تغيير “. أما ما أورده الصدوق في أول كتابه الفقيه: ” ولم أقصد فيه قصد المصنفين من إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به، وأحكم بصحته… “. هذا الكلام لا يراد به الطعن على الكليني في كتابه، والانتقاص منه كما ذهب إليه بعض علمائنا المعاصرين حفظهم الله (1). أما قول الصدوق في باب الوصي يمنع الوارث: ” ما وجدت هذا الحديث الا في كتاب محمد بن يعقوب – رضى الله عنه، وما رويته إلا من طريقه… (2). فهذا لا يدل على أن الصدوق على شك من روايات ” الكافي “، وأن قوله: ” ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب، وما رويته إلا من طريقه… ” لا يعني الطعن بمرويات الكليني – قدس سره، بل الظاهر العمل بهذه الرواية، وهذا خير دليل على حكمه بصحتها وقبولها، وإلا لا وجه – مع مبناه – أن يعنون بابا ويذكر رواية لا يقبلها. ولو سلمنا أن قول الصدوق طعن فإنما هو كذلك في مقام وجود معارض أقوى له حقيقة أو في نظره، ومع ذلك فيه نقاش (3).


(1) انظر معجم رجال السيد الخوئي: 1 / 104. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ح 578 باب الوصي يمنع الوارث ما له بعد البلوغ ص 165، والكافي: ج 7، الحديث التاسع من باب الوصي ص 69. (3) ومن جملة الموارد ما ذكره الصدوق في باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كل واحد منهم بنصف التركة ما لفظه: ” وفي كتاب محمد بن يعقوب – رحمه الله عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن الميثمي، عن أخويه محمد وأحمد، عن أبيهما، عن داود بن أبي يزيد، عن يزيد بن معاوية قال: إن رجلا مات وأوصى إلى رجلين، فقال أحدهما لصاحبه: خذ نصف ما ترك

[441]

تلخص مما تقدم أن مصطلح الصحيح عند القدامى هو أعم منه عند المتأخرين، وكونه صحيحا لاعتبارات، منها: وجوده في كثير من الاصول الاربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم، بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة من الائمة الهداة، وكانت متداولة في أزمانهم.


واعطني النصف مما ترك، فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: ” ذاك له “. قال مصنف هذا الكتاب – أي الصدوق رحمه الله لست افتي بهذا الحديث، بل افتي بما عندي بخط الحسن بن علي – العسكري – عليهما السلام، ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الاخذ بقول الاخير كما أمر به الصادق عليه السلام، وذلك أن الاخبار لها وجوه ومعان، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس، وبالله التوفيق “. انظر من لا يحضره الفقيه: 4 / 151، والكافي: 7 / 47، والاستبصار: 4 / 118. قال الشيخ الطوسي في ” الاستبصار ” بعد ما نقل كلام الصدوق: ظن – الصدوق – أنهما متنافيان، وليس الامر على ما ظن، لان قوله عليه السلام: ” ذاك له ” – يعني في هذا الحديث أن لمن يأبى أن يأبى على صاحبه ولا يجيب مسألته – ليس في صريحه، إن ذلك للطالب الذي طلب الاستبداد بنصف التركة، وليس يمتنع أن يكون المراد بقوله: ” ذلك له “، يعني الذي أبى على صاحبه الانقياد إلى ما يريده، فيكون تلخيص الكلام: أن له أن يأبى عليه ولا يجيب مسألته، وعلى هذا الوجه لا تنافي بينها على حال. وقال صاحب ” الوافي: ” وظن صاحب الاستبصار أنه لو لا تفسيره للحديث بما فسره لكانا متنافسين، وليس الامر على ما ظن لان حديث الصفار ليس نصا على المنع من الانفراد، لجواز أن يكون معناه: أنه ليس عليهما الا إنفاذ وصاياه على ما أمرهما، وأن لا يخالفا فيها أمره، تفردا أو اجتمعا، أو يكون معناه: أنه إن نص على الاجتماع وجب الاجتماع، وإن جوز الانفراد جاز الانفراد. وبالجملة، إنما الواجب عليهما أن لا يخالفاه، إلا أن ما ذكره في ” الاستبصار ” هو الاحسن والاوفق والاصوب “. وقال المحدث النوري في ” مستدرك الوسائل “: “… رأيناهم يطعنون في الخبر عند التعارض بما لا يطعنون فيه به عند انفراده، فكان الخبر عندهم عند انفراده له حكم، وعند ابتلائه بالمعارض له حكم آخر، فربما كان فيه وهن لا يسقط الخبر عن الحجية، فيغمضون عنه ويستسرونه إذا انفرد، ويظهرونه إذا ابتلي بالمعارض “. المستدرك: 3 / 539.

[442]

تكررها في أصل أو أصلين فأكثر بطرق مختلفة وأسانيد متعددة معتبرة. وجودها في أصل مشهور، والانتساب إلى أحد الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة، ومحمد بن مسلم…، أو تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمان…، أو على العمل برواياتهم، كعمار الساباطي… اندراجها في أحد الكتب التي عرضت على الائمة فأثنوا على مصنفيها، ككتاب يونس بن عبد الرحمان، وكتاب الفضل بن شاذان، اللذان عرضا على الامام العسكري عليه السلام، وكتاب عبيدالله بن على الحلبي الذي عرضه على الامام الصادق عليه السلام، وهناك كتب اخرى عرضت على الائمة عليهم السلام. كونها مأخوذة من الكتب التي شاع بين أصحاب الائمة الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفوها من الفرقه الناجية المحقة مثل: كتاب الصلاة لحريز بن عبد الله، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار، أو من غير الامامية مثل: كتاب حفص ابن غياث القاضي، وكتب الحسين بن عبد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاهري. وهناك ضوابط وأمارات اخرى توجب الاخذ بتلك الاحاديث، والعمل بها فيما إذا كانت مطابقة لدليل قطعي (1). ولا يخفى أن بعض أصحاب الاصول كانوا فاسدي العقيدة، إلا أنهم ثقات، وأن تأليفهم لتلك الاصول إنما هو قبل الانحراف، ككتاب على بن الحسن الطاهري المتقدم، فإنه كان من أشد الواقفية عنادا. وكذلك كتاب إسحاق بن جرير فهو من الاصول، وأما اسحاق فقالوا عنه: ثقة، فما رووه هؤلاء – الواقفة وغيرهم – يؤخذ به، وما رأوه يترك. أما المراسيل فقد عمل الاصحاب بمراسيل محمد بن أبي عمير، وصفوان ابن


(1) انظر وسائل الشيعة: 20 / 66 الفائدة السادسة.

[443]

يحيى، لانهم لا يرسلون إلا عن الثقات. مع كل ما تقدم لا نذهب إلى ما قاله الاخباريون بقطعية صدور أحاديث الكتب الاربعة، كما لا نجاري اولئك الذين حذفوا ثلثي كتاب ” الكافي ” مدعين ضعف أحاديثه أو لكثرة مراسيله، فلا إفراط ولا تفريط، بل أن كثير من المراسيل بنظر المتأخرين هي صحيحة معتبرة، حيث إن الشيخ الكليني قد يذكر للحديث أكثر من سند، فربما ذكره أولا بسند صحيح معتبر، ثم في مورد آخر لباب ثان يذكره بسند ضعيف، أو لا يذكر سنده تعويلا على ما تقدم في الابواب السابقة، وهذه نكتة مهمة لو انتبه إليها الباحث لاهتدى إلى نتائج اخرى غير ما توصل إليها الشيخ المجلسي ومن جاء بعده. هذه جملة من الخصائص البارزة، تاركين التفصيل إلى مناسبة اخرى إن شاء الله. شروح الكافي: اهتم العلماء في الكافي – اصولا وفروعا وروضة – حتى كثرت شروحه والتعاليق عليه والحواشي، مما أصبحت تلك الشروح مورد اعتناء أهل العلم، لعموم فائدتها وأهميتها، ونحن نذكر جملة منها، ولا ندعي الاستقصاء: 1 – شرحه المولى نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 673 ه‍. (1) 2 – شرحه الشيخ محمد علي بن محمد البلاغي النجفي، المتوفى سنة 1000 ه‍. 3 – شرحه المولى محمد باقر الداماد الحسيني، المتوفى 1040 ه‍، طبع بطهران


(1) أعيان الشيعة: القسم الثاني من ج 1 / 61.

[444]

سنة 1311 ه‍ (1)، والشرح اسمه: ” الرواشح السماوية في شرح الاحاديث الامامية “. 4 – شرحه بعض العلماء، وقد ابتدأ به سنة 1057 ه‍ وانتهى إلى شرح مقبولة عمر بن حنظلة في أواخر كتاب العقل والجهل. 5 – شرحه الامير إسماعيل الخاتون آبادي، شيخ واستاد السيد نعمة الله الجزائري، وكان ولد الخاتون آبادي (المير محمد باقر المدرس) استاد الشاه سلطان حسين أحد ملوك الصفوية. 6 – شرحه المولى محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي – الاخباري، المتوفى سنة 1036 ه‍ -، وقد عرف هذا بتعصبه ورده العنيف على الاصوليين، ولم تزل آراؤه مورد بحث ونقاش وتفنيد في الجامعات العلمية العالمية عند فقهائنا الاعاظم، والمولى محمد أمين تلميذ العالم الرجالي الميرزا محمد الاسترآبادي. وشرح المولى قد يعبر عنه بالتعليقة، لاصطلاحه هو عليه (2). 7 – شرحه السيد ميرزا محمد باقر بن محمد إبراهيم القمي الهمداني، المتوفى سنة 1218 ه‍. 8 – شرحه المولى حسين السجاسي الزنجاني، المتوفى سنة 1320 ه‍، يبدو أنه استفاد كثيرا من شرح المولى صدرا، يقع الشرح في ثلاث مجلدات، تناول فيه: كتاب العقل والجهل، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة. 9 – شرحه المولى محمد حسين بن يحيى النوري، تلميذ المجلسي (3). 10 – شرحه الميرزا رفيع الدين محمد النائيني ابن السيد حيدر، المتكلم


(1) كشف الحجب والاستار: ص 293 و 348. (2) كشف الحجب والاستار: ص 348. (3) مقدمة علي عابدي شاهرودي على شرح ملا صدرا على الكافي: ص 113.

[445]

والفيلسوف، استاذ المجلسي، المتوفى سنة 1082 ه‍ (1). 11 – شرحه الشيخ خليل بن الغازي القزويني، المتوفى سنة 1089 ه‍، أسماه: ” الشافي “، عربي مخطوط، توجد منه نسخة بخزانة كتب السيد محمد المشكاة (2). 12 – شرحه الامير محمد معصوم بن الامير القزويني، المتوفى 1091 ه‍ (3). 13 – شرحه الفيض الكاشاني، المتوفى 1091 ه‍، وأسماه ” الوافي “، طبع لاول مرة سنة 1310 ه‍ في ثلاث مجلدات، وله طبعة جديدة، وللوافي شرح للسيد بحر العلوم المتوفى سنة 1262 ه‍، كما في مستدرك الوسائل: 3 / 539. 14 – شرحه المولى محمد رفيع بن محمد مؤمن الجيلاني، واشتمل شرحه هذا بعض الفروع والروضة (4). 15 – شرحه المولى محمد صالح بن أحمد بن شمس الدين السروي المازندراني، المتوفى سنة 1086 ه‍، اشتمل شرحه أيضا بعض الفروع والروضة، وقد رد فيه اعتراضات صدر المتألهين (5). 16 – شرحه الشيخ قاسم بن محمد بن جواد بن الوندي، المتوفى بعد سنة 1100 ه‍. انظر الذريعة: 5 / 39 تحت عنوان جامع الاحاديث والاقوال. 17 – شرحه الشيخ علي بن محمد بن حسن بن زين الدين الشهيد العاملي، المتوفى سنة 1104 ه‍، أسماه: ” الدر المنظوم من كلام المعصوم “، مخطوط، توجد نسخة


(1) كشف الحجب والاستار: ص 348، والذريعة: 14 / 27. (2) كشف الحجب والاستار: ص 316 و 348، والنسخة تحت رقم 915، وتوجد عدة نسخ مخطوطة اخرى في مكتبة استان قدس المركزية في مشهد، تحت الارقام: 1714، و 11439، و 1715. (3) مقدمة شرح ملا صدرا على الكافي لعلي عابدي شاهرودي: ص 114. (4) الذريعة: 14 / 28. (5) كشف الحجب والاستار: ص 347، والذريعة: 14 / 27.

[446]

منه بخزانة كتب السيد محمد المشكاة الموقوفة بجامعة طهران برقم 926 (1). 18 – شرحه المولى صدر الدين الشيرازي، المعروف بصدر المتألهين، المتوفى سنة 1050 ه‍ (2)، نهج في شرحه اسلوب الفلاسفة والمتكلمين، إذ اعتمد على المطالب العقلية وتعمق بها، وأشكل أو أبدى اعتراضات وتساؤلات كثيرة حول المفاهيم التي كانت مدار البحث من خلال الرواية المعينة وما ظهر فيها من قول المعصوم عليه السلام، وقد كان يعوزه في شرحه ذاك ربط الرواية الواحدة ببقية الروايات من نفس الباب. 19 – شرحه الشاه محمد الاصطهباناتي الشيرازي، ألفه للشاه سلطان حسين الموسوي الصفدي، مخطوط، نسخة منه بخزانة السيد محمد المشكاة برقم 634 (3)، والشرح أسماه: ” كشف الكافي “. 20 – شرحه العلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، المتوفى 1110 ه‍، عنونه ب‍: ” مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ” طبع أول مرة سنة 1321 ه‍ وبطهران في أربع مجلدات، وطبعة جديدة تقع في 28 مجلدا، وقدم له السيد العسكري في مجلدين. 21 – شرحه السيد محمد شبر بن حسين الحسيني الجنفوري، المولود في سنة 1308 ه‍، شرحه بلغة الاردو. 22 – شرحه الشيخ عباس بن المولى حاجي الطهراني، المتوفى سنة 1360 ه‍، والشرح ترجم إلى الفارسية.


(1) كشف الحجب والاستار: ص 212 و 348، والذريعة: 6 / 183 و 8 / 79. (2) كشف الحجب والاستار: 347 طبع منه: كتاب العقل والجهل، وكتاب فضل العلم وكتاب الحجة. (3) ترجم له صاحب كتاب ريحانة الادب: 2 / 295.

[447]

23 – شرحه الشيخ عبد العزيز الشيرواني، في مجلدين، مخطوط في مكتبة استاذه قدس، ألفه سنة 1292 ه‍، تحت رقم 12355 و 12356 (1). 24 – شرحه الشيخ محمد بن الشيخ عبدالعلي آل عبد الجبار البحراني القطيفي، يقع في أربعة عشر مجلدا، مخطوط، توجد نسخة منه في خزانة كتب مدرسة عالي سبهسالار برقم 1700. انظر فهرست مكتبة مدرسة عالي سبهسالار: 1 / 260، وبروكلمن: 1 / 187، والشرح اسمه: ” هدى العقول في شرح أحاديث الاصول “. 25 – شرحه القطيفي المتقدم، فسماه ” هدى العقول “، وهو مختصر، ضم كتاب العلم فقط، ويبدو غير الشرح المتقدم. 26 – شرحه ابن محمد شفيع بالفارسية، ويبدو أنه من تلاميذ الميرزا رفيع، ذكره أغا بزرگ الطهراني. 27 – ” حثيث الفلجة في شرح حديث الفرجة ” شرح للحديث الخامس من كتاب التوحيد باب حدوث العالم، للسيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسني المختاري، النائيني، السبزواري، من علماء القرن الثاني عشر الهجري (2). 28 – شرحه المولى محمد هادي بن المولى محمد صالح المازندراني، المتوفى في فتنة الافغان، وهو شرح لخصوص فروعه، وقد ذكره المولى حيدر علي المجلسي في إجازته الكبيرة (3). 29 – شرحه الشيخ يعقوب بن إبراهيم بن جمال بن ابراهيم البختياري الحويزي، المتوفى سنة 1147 ه‍، وقد عمر كثيرا، وهو شرح من أول كتاب الزكاة


(1) توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة استان قدس رضوي المركزية – مشهد، تحت رقم 13147. (2) الذريعة: 6 / 248، انظر الهامش من نفس المصدر والصفحة. (3) الذريعة: 14 / 28.

[448]

الى أواخر الاطعمة والاشربة، توجد نسخة مخطوطة منه في مدرسة السيد البروجردي في النجف الاشرف (1). 30 – شرحه المولى خليل بن الغازي القزويني بالفارسية، أسماه ” الصافي “، في مجلدات كثيرة، شرع فيه سنة 1064 ه‍، وخرج منه إلى سنة 1074 ه‍، شرح 15 كتابا، وشرع في السادس عشر في شوال 1074 ه‍، له عدة نسخ مخطوطة منها في المكتبة الرضوية. 31 – شرحه المولى محمد زمان التبريزي، له نسخة مخطوطة في مكتبة استان قدس، كتبت سنة 1123 ه‍ (2). 32 – شرحه الشيخ علي العابدي الشاهرودي المعاصر، وهو شرح مختصر بمثابة المقدمة على شرح ملا صدرا لاصول الكافي. 33 – شرح ” البضاعة المزجاة ” شرح الروضة (3) للمولى شيخ محمد حسين ابن قاريا غدي، عربي في ق 11 ه‍، في 4 مجلدات، الرابع كمل تأليفه 14 محرم 1098 ه‍. 34 – شرح باسم: ” توضيح الكافي “، فارسي (4) للشيخ محمد قاسم بن محمد رضا الشريف، من أعلام القرن الثاني عشر، ألف ج 1 في 1118 ه‍. 35 – ” جمع الشتات ” لمحمد نصير بن ملا أحمد النراقي (5).


(1) الذريعة: 14 / 28. (2) فهرست ألفبائي كتب خطي ص 355، استانة قدس رضوي، تحت رقم 7262. (3) توجد نسخة منه في مكتبة السيد المرعشي – قم، تحت رقم 7692. (4) نسخة منه في مكتبة السيد المرعشي في قم. (5) نسخة منه مخطوطة في مكتبة استان قدس رضوي، تحت الرقم 8532، فهرست مخطوطات استان قدس رضوي: ص 168.

[449]

36 – ” هدية النجدين وتفصيل الجندين ” شرح للحديث الرابع عشر من كتاب العقل والجهل، اصول الكافي: 1 / 21 – 23، للسيد حسن الصدر، المتوفى 1354 ه‍ (1). 37 – شرح الشيخ ابراهيم بن سلمان القطيفي (2). 38 – شرحه السيد محمد علي الموسوي طبع في ثلاث مجلدات على الحجر (3). 39 – شرح عبد الحسين المظفر طبع عدة مرات. تعليقات الكافي وحواشيه: كتاب التعليقة أو الحاشية على الكتب والبحوث والمطالب الفقهية والاصولية والحديثية وغيرها كان شائعا بين العلماء منذ أقدم العصور الاسلامية، حتى أصبح ديدن العلماء والفقهاء، ونحن نذكر جملة منها: 1 – حاشية الشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن الشيخ حسن، صاحب ” المعالم ” (4). 2 – حاشية الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني، المعروف بالشيخ محمد السبط العاملي، المتوفى سنة 1030 ه‍ (5). 3 – حاشية محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي، المتوفى سنة 1036 ه‍ (6).


(1) تأسيس الشيعة: ص 17 (2) انظر فهرست مخطوطات السيد المرعشي / قم. (3) تاريخ الادب العربي – بروكلمان 3 / 341. (4) الذريعة: 6 / 182. (5) نفس المصدر، وكشف الحجب والاستار: ص 184. (6) الذريعة: 6 / 181، توجد منه نسختان خطيتان في مكتبة السيد المرعشي تحت رقم 4594 و 6665.

[450]

4 – حاشية المير محمد باقر الداماد الحسيني، المتوفى 1040 ه‍ (1). 5 – حاشية الشيخ علي الصغير بن زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (2). 6 – حاشية الشيخ علي الكبير بن زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (3). 7 – حاشية الميرزا رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني، المتوفى سنة 1080 ه‍ (4). 8 – حاشية الشيخ قاسم بن محمد بن جوال الكاظمي، المعروف بابن الوندي، المتوفى بعد سنة 1100 ه‍ (5). 9 – حاشية إبراهيم بن الشيخ قاسم الكاظمي (6). 10 – حاشية المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (7). 11 – حاشية السيد المير أبي طالب بن الميرزا بيك القندرسكي، من علماء أوائل القرن الثاني عشر (8). 12 – حاشية السيد نور الدين علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي، المتوفى سنة 1068 ه‍ (9).


(1) نفس المصدر 6 / 182، والبحار: 110 / 4 في إجازة الداماد للسيد حيدر الكركي. (2) الذريعة: 6 / 182. (3) نفس المصدر. (4) الذريعة: 6 / 184، وكشف الحجب والاستار: ص 184. (5) الذريعة: 6 / 183. (6) الذريعة: 6 / 180. (7) الذريعة: 6 / 181، وكشف الحجب والاستار: ص 185. (8) الذريعة: 6 / 181. (9) الذريعة: 6 / 182.

[451]

13 – حاشية محمد حسين بن يحيى النوري، تلميذ المجلسي (1). 14 – حاشية أبي الحسن الشريف الفتوني العاملي، المتوفى 1138 ه‍ (2). 15 – حاشية بدر الدين أحمد الانصاري العاملي، تلميذ الشيخ البهائي (3)، توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة المرعشي. 16 – حاشية الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري، المتوفي سنة 1149 ه‍ (4). 17 – حاشية حيدر علي بن الميرزا محمد بن حسن الشيرواني (5). 18 – حاشية السيد شبر بن محمد بن ثنوان الحويزي النجفي (6). 19 – حاشية المولى بن رفيع الجيلاني، أسماها: ” شواهد الاسلام “. 20 – حاشية نظام الدين بن أحمد الدشتگي. 21 – حاشية محمد بن قاسم الكاظمي (7). 22 – وللسيد الميرزا أبو القاسم الاصفهاني المتوفى سنة 1203 ه‍ تعاليق على ” الكافي “، وهكذا له تعليقات على ” التهذيب ” و ” الاستبصار ” ومن ” لا يحضره الفقيه “. 23 – حاشية المولى محمد باقر بن الغازي الذي كان حيا في سنة 1103 ه‍، وهذه الحاشية دونها المصنف على ” الصافي شرح الكافي ” للمولى خليل بن الغازي المتقدم ذكره (8).


(1) الذريعة: 6 / 182. (2) الذريعة: 6 / 180. (3) الذريعة: 6 / 181، وكشف الحجب: ص 184، نسخة مخطوطة تحت رقم 2849. (4) الذريعة: 6 / 180. (5) الذريعة: 6 / 182. (6) الذريعة: 6 / 184. (7) الذريعة: 6 / 184. (8) الذريعة: 14 / 27. (*)

[452]

24 – حاشية محمد نصير بن عبد الله المجلسي ابن أخ العلامة المجلسي (1). 25 – حاشية لمؤلف مجهول، نسخة مخطوطة توجد في مكتبة السيد المرعشي، الموجود منها: كتاب الايمان والكفر، تحت رقم 3237، كتبت سنة 1108 ه‍. 26 – حاشية للمير السيد أحمد العلوي العاملي، مخطوط، توجد نسخة منه في مكتبة السيد المرعشي النجفي – قم برقم 2849. 27 – حاشية الشيخ عبد الحسين المظفر، ناقصة. 28 – حاشية الشيخ علي أكبر غفاري، طبعت في فترات مع نسخة الكافي. 29 – حاشية اسمها: (كشاف حقائق الاحاديث)، المحشى مجهول (2). ترجمة الكافي: ترجم الكافي – اصولا وفروعا – إلى الفارسية والانكليزية والاردو. والذي وصل إلينا أو اطلعنا عليه من ترجماته هي: 1 – ” تحفة الاولياء ” لمحمد علي بن محمد حسن الاردكاني، المعروف بالنحوي، تلميذ السيد بحر العلوم، مخطوط، توجد نسخة منه بخزانة كتب السيد محمد المشكاة برقم 634. 2 – ” الصافي شرح اصول الكافي ” للشيخ خليل بن الغازي القزويني مطبوع سنة 1308 ه‍ في لكنهو، في مجلدين كبيرين (3). 3 – شرح فروع الكافي، للشيخ خليل بن الغازي القزويني، مخطوط، في عدة


(1) تعليق العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي على الذريعة، انظر نسخة المؤلف، الذريعة: 17 / 245. (2) الذريعة 6 / 183. (3) كشف الحجب والاستار: ص 348 و 365. (*)

[453]

مجلدات، توجد نسخة منه بخزانة كتب السيد محمد المشكاة برقم 671 و 914. 4 – ترجمة مواعظ اصول الكافي، للشيخ محمد حسين الكرمنشاهي توفي قبل سنة 1280 ه‍، فرغ منه في 14 ربيع الاول، سنة 1250 ه‍، توجد النسخة في مكتبة الآغا محمد مهدي بن المولى محمد تقي الكرمنشاهي المتوفى سنة 1346 ه‍. 5 – ترجمة قسم من الجزء الاول من اصول الكافي: (كتاب العقل، فضل العلم التوحيد…) إلى اللغة الانكليزية. 6 – ترجمة أحاديثه مع شرحه للسيد محمد شبر بن حسين الجنفوري بلغة الاردو، وقد مر في قسم شرح الكافي (1). اختصاره: اختصر الكافي عدة كثيرة – قديما وحديثا وعلى سبيل المثال نذكر: 1 – مختصر الكافي للشيخ الصدوق، محمد بن علي ت / 38 ه‍ مخطوط في مكتبة أمير المؤمنين (ع) في النجف. 2 – مختصر الكافي لمحمد جعفر بن محمد صفي الناعسي الفارسي، توجد نسخة منه مخطوطة سنة 1273 ه‍ بخزانة كتب السيد المشكاة. 3 – مختصر الشيخ، وقد أسماه ب‍ ” الاوليات من الكافي “. 4 – مختصر محمد باقر البهبودي، المطبوع أخيرا في بيروت، في ثلاث أجزاء، وقد أسماه ب‍ ” صحيح الكافي “، نهج فيه طريقا غير مرضي، أسقط ما يقارب نصف أحاديث الكتاب، واختار الصحيح حسب مذاقه الخاص، ولا أحسبه يجيد هذا الفن أو يحسن اختياره، بل أن ذلك موكول إلى علماء الطائفة ومراجعها، لانهم


(1) انظر ص 451 تحت الرقم 21.

[454]

منزهون عن الاهواء والميول، والله العالم بالسرائر. 5 – غير عنوان هذا المختصر في الطبعة الثانية فأسماه: ” زبدة الكافي “، وهذا خير دليل على سوء فعلته السابقة. ولا ادري ما هو المبنى الذي يسير عليه، فلا هو يطابق مسلك القدماء، كما أنه نأى عن مذاق المتأخرين، ومن مثله يصدق عليه القول: ” حاطب ليل “. 6 – وفي تاريخ الادب العربي لبروكلمان توجد إشارة الى بعض مختصرات الكافي منها في الهند ومنها في المتحف البريطاني ومنها في دبلن (1). تحقيقه: عنى أهل العلم والفضل بتحقيق عدة جوانب من ” الكافي “، كأسانيده، أو بعض الفاظه، أو في صحة متونه. نذكر جملة منها: 1 – ” الرواشح السماوية في شرح أحاديث الامامية ” للمولى محمد باقر الداماد ت سنة 1040 ه‍، وطبع سنة 1311 ه‍ بطهران (2) وقد مر. 2 – ” رموز التفاسير الواقعة في الكافي والروضة ” للمولى خليل القزويني (3). 3 – ” نظام الاقوال في معرفة الرجال “، رجال الكتب الاربعة، لنظام الدين محمد بن الحسين الفرشي الساوجي، تلميذ الشيخ بهاء الدين العاملي. كتاب نافع يذكر فيه أسماء الذين روى عنهم الكليني والصدوق والطوسي – قدس سرهم – من الكتب الاربعة، أو ذكر واحدا من أصحابنا وقال عنه: إنه ثقة،


(1) تاريخ الادب العربي 3 / 341. (2) كشف الحجب والاستار: ص 293 و 348. (3) روضات الجنات: 267.

[455]

أو عالم، أو فاضل، وما في معناها، أو قال: روى عنه أحد، أو روى عن أحد (1). 4 – ” جامع الرواة ” للمولى الحاج محمد الاردبيلي، تلميذ المجلسي (2). 5 – ” رسالة الاخبار والاجتهاد “، في صحة أخبار الكافي، لمحمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني (3). 6 – ” معرفة أحوال العدة الذين يروي عنهم الكليني ” للسيد محمد باقر الشفتي الاصفهاني، المتوفى سنة 1260 ه‍، طبع مع مجموعته الرجالية بطهران سنة 1314 ه‍ (4). 7 – ” الفوائد الكاشفة عن سلسلة مقطوعة، وأسماء في بعض أسانيد الكافي مستورة ” للسيد حسين الطباطبائي التبريزي (5). 8 – ” ترجمة علي بن محمد المبدوء به أسانيد الكافي ” للشيخ أبي المعالي ابن محمد إبراهيم بن محمد حسن الكافي الخراساني الاصفهاني، المتوفى سنة 1315 ه‍ (6). 9 – ” البيان البديع في أن محمد بن إسماعيل المبدوء به في أسانيد الكافي إنما هو بزيع ” للسيد حسن الصدر، المتوفى سنة 1354 ه‍ (7). 10 – ” تجريد أسانيد الكافي ” لفقيه الطائفة المغفور له الحاج السيد حسين الطباطبائي البروجردي، يقع في جزءين، طبع أخيرا في سنة 1409 ه‍ عنى بإخراجه الميرزا مهدي الصادقي.


(1) كشف الحجب والاستار: ص 582. (2) الذريعة: 5 / 54. (3) مستدرك الوسائل: 3 / 536. (4) الذريعة: 4 / 57. (5) مخطوطة. (6) الذريعة: 4 / 161. (7) تأسيس الشيعة: ص 18. (*)

[456]

11 – تحقيق علي أكبر الغفاري المطبوع بهامش طبعة دار الكتب الاسلامية، وهو تحقيق جميل تناول فيه المحقق بعض ألفاظ المتون، وعرف بالمطالب والفرق ورجال الاسانيد، مستفيدا من الشروح المدونة على الكافي، كمرآة العقول، والوافي، وغيرهما، فلا يستغني عنه طالب العلوم الدينية في مراحله الاولى. فهارس الكافي: 1 – فهرس الكافي إلى آخر الروضة، للمولى محمد جعفر بن صفي الناعسي، أو عبد الباعبي الفارسي. قال أغا بزرك: وأظن المؤلف الحاج مولى محمد جعفر الابادة، أي الاصفهاني، الفارسي الاصل، المتوفى سنة 1280 ه‍ يوجد في خزانة شيخ الشريعة الاصفهاني، ونسخة أخرى عند السيد جلال المحدث بطهران، كتابته 14 رجب في 1266 ه‍، يقرب من 5600 بيتا، وعليه حواشي 2 – فهرس الكافي وأبوابه وأحاديثه والجرح والتعديل لرواته للسيد الصدر علاء الملك ابن السيد عبد القادر بن شكر الله بن عبد القادر بن منصور ابن مغفور بن محمد الحسيني المرعشي. يذكر في كل باب عدد أحاديثه، ويعين الصحيح منها والحسن والموثق والقوي والضعيف، ويبين أحوال رجال سنده من الجرح والتعديل. ذكر فيه أنه كتبه في ظرف ستين يوما بالتماس أحب الاخوان واوثق الافاضل والثقات الاماجد، وفرغ منه صباح الجمعة سابع عشر جمادي الثانية في سنة 985 ه‍ وفرغ الكاتب وهو المولى محمد علي بعد يوم من فراغ المؤلف، وأكثر الثناء عليه.


[457]

توجد نسخة منه عند الشيخ صالح الجزائري في النجف الذريعة: 16 / 386. 3 – فهرس الكافي وأبوابه وأحاديث كل باب منه، للسيد محمد علي ابن عبد الله الحسيني ذكره في كشف الحجب: الذريعة: 16 / 387. 4 – فهرس أبواب فروع الكافي، للمولى الحاج محمد طالب ابن الحاج حيدر الاصفهاني (كان حيا في سنة 1042 ه‍. توجد نسخة منه في مكتبة خزانة آل بحر العلوم في النجف. 5 – فهرس أبواب الكتب الاربعة: الكافي، والفقيه، والتهذيبين. للسيد أبي القاسم أحمد بن محمد الحسني القهبائي. الذريعة: 16 / 375. 6 – مفتاح الكتب الاربعة، لمحمد الموسوي، طبع في النجف الاشرف في سنة 1386 ه‍. 7 – فهرس للشيخ محمد مظفري تحت عنوان (راهنماى كتب اربعه) طبع في قم سنة 1405 ه‍. 8 – المعجم المفهرس لالفاظ الاصول في الكافي، اعداد علي رضا برازش طبع سنة 1408 في مطبعة سبهر، طهران. 9 – فهرس أحاديث اصول الكافي، إعداد مجمع البحوث الاسلامية طبع في استانة رضوي، مشهد، سنة 1409 ه‍. 10 – فهرس أحاديث الفروع من الكافي، اعداد مجمع البحوث الاسلامية، طبع في استانة رضوي، مشهد، سنة 1410 ه‍. 11 – فهرس أحاديث الروضة من الكافي، اعداد مجمع البحوث الاسلامية، طبع في استانة رضوي، مشهد سنة 1408. 12 – المعجم المفهرس لاحاديث الكتب الاربعة، اعداد مجموعة، طبع سنة


[458]

1370 ه‍ ش طهران. 13 – فهرس اصول الكافي، اعداد الياس كلانتري، طبع في طهران. 14 – فهرس أحاديث الكتب الاربعة – تغذية كامپيوترية – مركز تحقيقات السيد جعفر مرتضى. 15 – فهرس أحاديث الكتب الاربعة، مركز خدمات كامپيوترية قم. نسخ الكافي الخطية نسخه الخطية في المكتبة الرضوية: أما المكتبة الرضوية المركزية ففيها من نسخ الكافي أكثر من 150 نسخة، وقد رقم أكثرها، ونحن نذكرها حسب التسلسل الزمني لكتابتها، مع ذكر نوع الخط، واسم الناسخ، ورقم المخطوط في الخزانة: 1 – مخطوط بخط نسخ، علي أمينا، سنة 675 ه‍، تحت رقم 13800. 2 – نسخ، حسين استرآبادي، سنة 891 الحلة، تحت رقم 11294. 3 – نسخ، شاه محمد قايني، سنة 953 ه‍، تحت رقم 1781. 4 – نسخ، محمد نصر الله، كتبه سنة 957 ه‍، تحت رقم 1789. 5 – نسخ، محمد، كتبه سنة 961 ه‍، تحت رقم 1765. 6 – نسخ، أحمد، كتبه سنة 976 ه‍، تحت رقم 2107. 7 – نسخ، ضياء الدين القزويني، سنة 980 ه‍، تحت رقم 1766، 1779. 8 – مجهول الناسخ، كتبه سنة 1008 ه‍، تحت رقم 6171. 9 – نسخ، محمد زمان حسيني، سنة 1009 ه‍، تحت رقم 1784.


[459]

10 – مجهول الناسخ، كتب في مكة المعظمة، سنة 1016 ه‍، تحت رقم 10116. 11 – نسخ، محمد حسين، سنة 1034 ه‍، تحت رقم 1783. 12 – نسخ، صالح، كتبه سنة 1035 ه‍، تحت رقم 14074. 13 – نسخ، نظر علي، كتبه سنة 1036 ه‍ مشهد، تحت رقم 14041. 14 – نسخ، خان محمد قزويني، كتبه سنة 1038 ه‍، تحت رقم 12886. 15 – نسخ، سراج الدين دزماري، كتبه سنة 1041 ه‍، تحت رقم 11270. 16 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1045 ه‍، تحت رقم 11153. 17 – نسخ، أبو المفاخر رضوي، كتبه سنة 1052 ه‍، تحت رقم 6593. 18 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1053 ه‍، تحت رقم 7853. 19 – نسخ، حسين الشيرازي، كتبه 1056 ه‍، تحت رقم 1813. 20 – نسخ، أحمد شريف أنصاري، كتبه سنة 1059 ه‍، تحت رقم 1770. 21 – نسخ، درويش علي زشكي، كتبه سنة 1060 ه‍، تحت رقم 1792. 22 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1062 ه‍، تحت رقم 1777. 23 – نسخ، حسين الهمداني، كتبه سنة 1062 ه‍، تحت رقم 2119. 24 – نسخ، حبيب الله، كتبه سنة 1062 ه‍، تحت رقم 9323. 25 – نسخ، محمد رضا، كتبه سنة 1065 ه‍، تحت رقم 1791. 26 – نسخ، برجعلي كتبه سنة 1067 ه‍، تحت رقم 2105. 27 – نسخ، عبد الله جنيدي، كتبه سنة 1067 ه‍، تحت رقم 1787. 28 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1069 ه‍، تحت رقم 2120. 29 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1070 ه‍، تحت رقم 13830. 30 – نسخ، رضا فندر سكي، كتبه سنة 1071 ه‍، تحت رقم 14166.


[460]

31 – نسخ، مهدي التوني، كتبه سنة 1071 ه‍، تحت رقم 14072. 31 – نسخ، مختلف محمد شريف، كتبه سنة 1072 ه‍، تحت رقم 9905. 32 – نسخ، محمد علي نيشابوري، كتبه سنة 1072 ه‍، تحت رقم 1764. 33 – نسخ، حسن كاظمي، كتبه سنة 1072 ه‍، تحت رقم 12888. 34 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1072 ه‍، تحت رقم 10092. 35 – نسخ، محمد قايني، كتبه سنة 1073 ه‍، مشهد تحت رقم 13052. 36 – نسخ، عبد الكريم حسيني، كتبه سنة 1074 ه‍، تحت رقم 1799. 37 – نسخ ونستعليق، محمد ناصر، كتبه في إصفهان سنة 1074 ه‍، تحت رقم 6618. 38 – نسخ، إبراهيم كشميري، كتبه سنة 1075 ه‍، تحت رقم 1775. 39 – نسخ، محمد كريم، كتبه في تبريز سنة 1075 ه‍، تحت رقم 7854. 40 – نسخ، علي أكبر، كتبه سنة 1077 ه‍، تحت رقم 7856. 41 – نسخ، محمد علي طبسي، كتبه سنة 1078 ه‍، تحت رقم 1769. 42 – نسخ ونستعليق، عبد الرشيد شوشتري، كتبه سنة 1078 ه‍، تحت رقم 13437. 43 – نسخ، حسين سبزواري، كتبه سنة 1080 ه‍، تحت رقم 2114. 44 – مجهولة الناسخ، كتبت سنة 1081 ه‍، تحت رقم 2112. 45 – نسخ، محمد صادق گلپايگاني، كتبه سنة 1081 ه‍، تحت رقم 11255. 47 – نسخ، محمد نجيب، كتبه سنة 1082 ه‍، تحت رقم 1767. 48 – نسخ، غياث الدين، كتبه سنة 1083 ه‍، تحت رقم 1785. 49 – مجهولة الناسخ، كتبت سنة 1083 و 1092 ه‍، تحت رقم 12880.


[461]

50 – نسخ، محمد شفيع نويسركاني، كتبه في إصفهان سنة 1084 ه‍، تحت رقم 8524. 51 – نسخ، محمد علي يزدي، كتبه في أردكان سنة 1084 ه‍، تحت رقم 11664. 52 – نسخ، عبد الله، كتبه سنة 1088 ه‍، تحت رقم 9017. 53 – نسخ، محمد صادق استرآبادي، كتبه سنة 1090 ه‍، تحت رقم 1794. 54 – نسخ، محمد رفيع گلپايگاني، كتبه سنة 1091 ه‍، تحت رقم 9981. 55 – نسخ، عبد العزيز، كتبه سنة 1092 ه‍، تحت رقم 12947. 56 – مجهول الناسخ كتبت سنة 1094 ه‍، تحت رقم 2116. 57 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1095 ه‍، تحت رقم 1793. 58 – نسخ، يحيى مهدوي، كتبه سنة 1095 ه‍، تحت رقم 2121. 59 – نسخ، محمد أمين، كتبه سنة 1096 ه‍، تحت رقم 6823. 60 – مجهول الناسخ، كتبت قبل سنة 1097 ه‍، تحت رقم 2108. 61 – نسخ، محمد علي يوسف، كتبه سنة 1097 ه‍، تحت رقم 2108. 62 – نسخ، علي خان، كتبه سنة 1104 ه‍، تحت رقم 13799. 63 – نسخ، محمد أمين، كتبه سنة 1100 ه‍، تحت رقم 1790. 64 – نسخ، حسين، كتبه سنة 1105 ه‍، تحت رقم 1768. 65 – مجهول الناسخ، كتبت سنة 1123 ه‍، تحت رقم 13829. 66 – نسخ، حسن موسوي، كتبه في مشهد سنة 1124 ه‍، تحت رقم 1773. 67 – نسخ، قاسم سبزواري، كتبه سنة 1125 ه‍، تحت رقم 13449. 68 – نسخ، محمد إبراهيم، كتبه سنة 1129 ه‍، تحت رقم 6594.


[462]

69 – نسخ، محمود، كتبه سنة 1133 ه‍، تحت رقم 11252. 70 – نسخ، محمد خوانساري، كتبه سنة 1280 ه‍، تحت رقم 12914. 71 – نسخ، سعد الحويزي بدون تاريخ، تحت رقم 1771. 72 – نسخ، محمد طاهر استرآبادي، بدون تاريخ، تحت رقم 11213. 73 – نسخ، إبراهيم كشميري، بدون تاريخ، تحت رقم 1762. 74 – 100 وهناك 27 نسخة ناقصة الاول، تحت الارقام: 1761، 1763، 1774، 1776، 1778، 1780، 1782، 1786، 1795، 1796، 1797، 1798، 1800، 2106، 2109، 2110، 2111، 2115، 2117، 6824، 7855، 7857، 7770، 9980، 10087، 13431، 13659. 101 – 113 وهناك نسخ ناقصة الطرفين تحت الارقام: 2118، 10653، 11146، 11217، 11383، 13824، 13825، 13827، 13828، 14071، 14075، 14453، 14862. 114 – 122 وهناك تسع نسخ ناقصة الآخر وهي تحت الارقام: 11484، 11554، 11654، 12996، 13005، 13010، 13101، 14047، 14919. وجميع النسخ الناقصة الاول والآخر والطرفين بدون تاريخ. 123 – 125 وهناك عدة نسخ مجهولة الناسخ والتاريخ، تحت الارقام: 1788، 13801، 13826 (1). النسخ الخطية في مكتبة السيد المرعشي: بعض النسخ الخطية الموجودة في مكتبة السيد المرعشي النجفي في قم، كما في


(1) انظر فهرست الفبائي كتب خطي، كتابخانه مركزي آستان قدس رضوي، تأليف محمد آصف فكرت: ص 455 – 456، ط 1، 1369 ش / 1990 م – مشهد.

[463]

فهرست مخطوطاتها المطبوع، تصنيف فضيلة العلامة المحقق السيد أحمد الحسيني. توجد نسخة مخطوطة من أول الطلاق إلى آخر الروضة، كتبت في سنة 953 ه‍، وقابله الشهيد الثاني، توجد هذه النسخة في مكتبة السيد المرعشي النجفي في قم، تحت رقم 268. نسخة بخط المولى فتح الله الكاشاني، مؤلف ” منهج الصادقين “، سنة كتابتها في 972 ه‍، والنسخة في مكتبة السيد المرعشي – قم، تحت رقم 372. نسخة كتابتها في القرن السابع الهجري، في مكتبة السيد المرعشي – قم، تحت رقم 564. ونسخة كتابتها في القرن التاسع والعاشر، في مكتبة السيد المرعشي، تحت رقم 1415. نسخة كتابتها في القرن السابع والثامن، توجد في مكتبة السيد المرعشي، قم، تحت رقم 810. شرح لمؤلف مجهول، وهو شرح مطول مبسوط، تحت عنوان ” قوله ” ” قوله ” يورد الحديث، ثم يتكلم على إسناده، ثم على متنه ومعناه ودلالته، ويهاجم فيه الفلاسفة والمتصوفة. توجد هذه النسخة المخطوطة في مكتبة السيد المرعشي النجفي – قم، تحت الرقم 2549 (1). وغير ما ذكر توجد نسخ خطية في الهند وبريطانيا والمانيا وفرنسا وپاكستان وتركيا وروسيا وافغانستان وغيرها من الدول (2).


(1) مستدرك الذريعة: مخطوط – للعلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي. (2) تاريخ الادب العربي – بروكلمان 3 / 339.

[464]

طبعاته طبع الكافي مرات عديدة، فأما الاصول فقد طبع في: 1 – شيراز عام 1279 ه‍، طبعة حجرية. 2 – طهران عام 1278 ه‍، طبع في 300 صفحة. 3 – تبريز عام 1281 ه‍، في 494 صفحة إلى آخر كتاب الايمان والكفر، طبعة حجرية بخط محمد علي تبريزي. 4 – تبريز عام 1311 ه‍، مع هوامش ملا صالح المازندراني. 5 – طهران عام 1311 ه‍، في 468 صفحة مع حواش لا تخلو من فائدة، طبعة حجرية، الناشر: أبو القاسم الخوانساري. 6 – طهران عام 1307 ه‍، في 418 صفحة باهتمام سيد محمد صادق الخوانساري. 7 – طهران عام 1331 ه‍، طبعة حجرية. 8 – طهران عام 1318 ه‍، حجري بخط أحمد التفرشي، الجزء الاول إلى آخر الخمس، في 427 صفحة. 9 – طهران عام 1374 ه‍، الطبعة الاولى بالحروف الچينية. 10 – طهران عام 1325 ه‍، حجري. 11 – لكنهو عام 1302 ه‍، طبعة حجرية. 12 – نجف عام 1376 ه‍، الجزء الثاني من الاصول في 169 صفحة. 13 – طهران عام 1375 – 1378 ه‍، الآخوندي، وزيري، الجزء الاول في


[465]

568 صفحة، والثاني في 691 صفحة، والثالث في 588 صفحة والرابع في 608 صفحة، والخامس 594 صفحة، والسادس في 575 صفحة والسابع في 478 صفحة، والثامن في 441 صفحة. – نجف عام (…) حروفي، مع شرح عبد الحسين المظفر. – بيروت، طبع على الافست، على طبعة دار الكتب الاسلامية. أما فروع الكافي: فقد طبع في: 1 – طهران عام 1314 و 1315 ه‍، في مجلدين كبيرين مع حواش في الهامش، والطبعة حجرية، يقع المجلد الاول في 427 صفحة والثاني في 375 صفحة، بتصحيح فضل الله بن شمس الدين الحكيم الالهي الثاني. طبع مع عين الغزال. 2 – طهران عام 1325 ه‍ في مجلدين كبيرين. 3 و 4 و 5 – طهران، دار الكتب الاسلامية عام 1391 ه‍ ق / 1350 ه‍ ش، مع حواش وتعاليق في الهامش، في خمس مجلدات، وقد ذكرنا عدد صفحات الاجزاء في الاصول ولها طبعة ثانية عام 1404 ه‍ ق / 1362 ه‍ ق، وطبعة ثالثة، ثم صور عدة مرات بالاوفست. 6 – طهران عام 1377 ه‍ طبع في خمسة أجزاء فيها شروح وتعليقات الشيخ علي أكبر غفاري. 7 – بيروت، طبع بالاوفست على طبعة دار الكتب الاسلامية. 8 – لكنهو عام 1302 ه‍، طبعة حجرية، المجلد الاول في 640 صفحة، والثاني في 340 صفحة، والروضة في 196 صفحة.


[466]

أما الروضة من الكافي: فقد طبع في: 1 – طهران عام 1303 ه‍ في 142 صفحة مع كتاب ” تحف العقول ” و ” منهاج النجاة “، والطبعة حجرية. 2 – طهران عام 1303 ه‍ مع ” تحف العقول ” في 321 صفحة. 3 – طهران عام 1307 ه‍، حجري. 4 – طهران عام 1318 ه‍، حجري. 5 – لكنهو عام 1302 ه‍، طبعة حجرية. 6 – طهران، دار الكتب الاسلامية. 7 – نجف، مطبعة النجف بإهتمام الشيخ هادي الاسدي. 8 – بيروت – دار التعارف – الطبعة الثالثة 1401 ه‍، (اوفست على طبعة الآخوند، دار الكتب الاسلامية.


[467]

الفصل السابع في العدة العدة وتعريفها العدد في أول السند العدد في وسط السند العدد المجهولة الخاتمة سنذكر في هذا الفصل – إن شاء الله – تراجم رجال العدد، وتراجم مشايخهم، كأحمد بن محمد الاشعري، وأحمد بن محمد البرقى، وسهل بن زياد… الخ، وقد تقدمت الاشارة منا إليهم في الفصل الثاني، تحت عنوان: مشايخ الكليني وممن روى عنهم.


[469]

العدة وتعريفها يراد من العدة – في أسانيد الكافي – الجماعة، وقد أكثر الكليني الرواية عنهم، وهي تنقسم الى ثلاثة أقسام: 1 – العدة في أول السند، والتي يروي عنها الشيخ مباشرة، وهذه العدد قد أحصينا المعلوم منها فوجدناها تسعة أقسام، وكل عدة منها ينطوي تحتها رواة قد شخصهم الكليني، سواء كان التشخيص في كتابه الكافي، أو في كتابه الرجالي، الذي ينقل منه النجاشي والحلي وغيرهما من المتأخرين كالمحدث النوري. وسوف نتعرض لهذه العدد بشئ من الايجاز. 2 – العدة في وسط السند، وهي تنقسم الى قسمين: أ – معلومة الاشخاص والحال، ورجال هذه العدد قد تنقل عن المعصوم عليه السلام. ب – مجهولة الاشخاص والحال. 3 – العدة في آخر السند، والتي تقترب من عصر المعصوم، أو تروي عنه


[470]

مباشرة، وحال هذه العدد وأقسامها كسابقتها. اما أهم الاقسام فهو القسم الاول لكون رجال العدة فيه مشخصة من جهة، ولكثرة ما يرويه الكليني من جهة اخرى. ثم ان تعدد الرواة في العدة الواحدة مما يعضد الرواية – متنا وسندا – وبالتالي إمكان قبولها وترجيحها على غيرها من الروايات أولى من تركها إن وجد المعارض لها. ومحصل الكلام أن مجموع العدد – سواء التي روى عنها الكليني مباشرة في أول السند، أم كانت وسط السند، أم كانت في نهاية السند – وهي عشرون عدة، وأهمها ثلاثة: العدة الاولى عن أحمد بن عيسى الاشعري. العدة الثانية عن أحمد بن محمد البرقي. العدة الثالثة عن سهل بن زياد الآدمي. وقد أحصى رجال هذه العدد الثلاثة الراجز العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس سره: عدة أحمد بن عيسى بالعدد * خمسة أشخاص بهم تم السند علي العلي والعطار * ثم ابن ادريس وهم أخيار ثم ابن كورة كذا ابن موسى * فهؤلاء عدة ابن عيسى وإن عدة التي عن سهل * من كان فيه لامر غير سهل ابن عقيل وابن عون الاسدي * كذا علي بن الحسن وأحمد وبعد ذين ابن اذينة، علي * وابن لابراهيم واسمه علي (1)


(1) الارجوزة الشعرية في علم الرجال للسيد بحر العلوم قدس سره.

[471]

العدد في أول السند العدة الاولى عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي (1). والعدة هنا تشمل: – محمد بن يحيى العطار، أبو جعفر القمي. – علي بن موسى بن جعفر الكميذاني (2)، (الكمنداني – خ ل). – داود بن كورة، أبو سليمان القمي. – أحمد بن إدريس بن أحمد الاشعري، أبو علي القمي، ت 306 ه‍. – علي بن ابراهيم بن هاشم، أبو الحسن القمي. قال العلامة في ” الخلاصة ” نقلا عن الشيخ الصدوق محمد بن يعقوب الكليني


(1) في كثير من الاخبار: سعد بن عبد الله عن أبي جعفر، وأبو جعفر هذا هو أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي. ولا يستبعد أن أبا جعفر هي كنية أحمد بن خالد البرقي، وسعد بن عبد الله يروي عنه أيضا. (2) في خاتمة الوسائل ذكر الحر العاملي محمد بن موسى الكميذاني بدلا من علي بن موسى. الوسائل: 20 / 32. وهذا وهم قطعا، ولا يستبعد أنه من خطأ الناسخ.

[472]

في كتابه ” الكافي ” في أخبار كثيرة عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: والمراد بقولي ” عدة من أصحابنا “: محمد بن يحيى، وعلي بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعلي بن ابراهيم بن هاشم.. ” (1). أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري: هو أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص بن السائب بن مالك بن عامر، يكنى أبا جعفر، أول من سكن قم من أجداده سعد بن مالك بن الاحوص، وله مع النبي صلى الله عليه وآله صحبة. وأبو جعفر شيخ القميين، ووجههم، وفقيههم، لقى الامام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وله نفوذ في قم، بل رئيسها في وقته، وهو ثقة، جليل، عالي المنزلة. قال الكشي عن نصر بن الصباح: ” ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب، من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن أبي حمزة – الثمالي – ثم تاب أحمد بن محمد فرجع قبل موته، وكان يروي عمن كان أصغر سنا منه ” (2). وجه الاتهام هو أن ابن محبوب على رواية أنه لم يلتق بأبي حمزة، حيث ولادة ابن محبوب سنة مائة وخمسين، وهي السنة التي توفي فيها أبو حمزة الثمالي، أما وفاة ابن محبوب فكانت سنة أربع وعشرين ومائتين، لهذه المناسبة كان أحمد بن محمد بن عيسى لا يأخذ برواية ابن محبوب، والذي كان يروي بلا واسطة عن أبي حمزة، ثم


(1) الخلاصة للحلي: الفائدة الثالثة ص 271، ورجال النجاشي: ص 378 ترجمة 1026. (2) اختيار معرفة الرجال: 2 / 799. وأحمد بن محمد لم يرو عن ابن المغيرة والحسن بن خزاز، لتضعيفهم من جهة إيرادهم الاحاديث التي – عنده – تدل على الغلو، بل وقد خرج أحمد جماعة من قم لذلك.

[473]

رجع أحمد الاشعري عن ذلك، لتحقق الاشتباه في أحد التاريخين: إما في تاريخ وفاة أبي حمزة، وإما في تاريخ ولادة ابن محبوب، بحيث استقر يقينه على أن إدراك أحدهما للآخر يتحقق، وأن ابن محبوب قد أخذ عن الثمالي، ولهذا تاب الاشعري واستغفر من الاشتباه الذي حصل لديه. كيفما كان، فإن أبا حمزة الثمالي من أجلاء أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام، وهو ثقة، صالح، عابد، له كرامات، منها: ما رواه الكشي عن حمدويه بن نصير، قال: حدثنا أيوب بن نوح، عن ابن أبى عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي حمزة، قال: كانت بنية لي سقطت فانكسرت يدها، فأتيت بها التيمي فأخذها فنظر إلى يدها فقال: منكسرة، فدخل يخرج الجبائر وأنا على الباب، فدخلتني رقة على الصبية، فبكيت ودعوت، فخرج بالجبائر فتناول بيده الصبية فلم ير بها شيئا، ثم نظر الى الاخرى فقال: ما بها شئ، قال فذكرت ذلك لابي عبد الله عليه السلام فقال: ” يا أبا حمزة، وافق الدعاء الرضاء، فاستجيب لك في أسرع من طرفة العين ” (1). أما السيد رضي الدين بن طاووس قدس سره ذكر القصة والدعاء معا في كتابه ” مهج الدعوات “، وهي كالآتي: قال أبو حمزة الثمالي – رحمه الله تعالى -: انكسرت يد ابني مرة، فأتيت به يحيى بن عبد الله المجبر، فنظر إليه فقال: أرى كسرا قبيحا، ثم صعد غرفته ليجئ بعصابة ورفادة، فذكرت في ساعتي تلك دعاء علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فأخذت يد ابني فقرأت عليه ومسحت الكسر فاستوى الكسر بإذن الله، فنزل يحيى بن عبد الله ولم ير شيئا، فقال: ناولني اليد الاخرى فلم ير كسرا، فقال: سبحان الله أليس عهدي به كسرا قبيحا، فما هذا ؟ أما أنه ليس بعجيب من سحركم معاشر الشيعة ! فقلت: ثكلتك امك ليس هذا بسحر، بل أني ذكرت دعاء


(1) اختيار معرفة الرجال: 2 / 456 – 457.

[474]

سمعته من مولاي علي بن الحسين عليهما السلام فدعوت به، فقال: علمنيه، فقلت: أبعد ما سمعت ما قلت، لا ولا نعمة عين، لست من أهله. قال حمران بن أعين: فقلت لابي حمزة: نشدتك بالله إلا ما أوردتناه، فقال: سبحان الله ما ذكرت ما قلت إلا أنا افيدكم، اكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، يا حي قبل كل حي، يا حي بعد كل حي (1). أقول: الم تكن هذه مكرمة قد أجراها الله سبحانه على يد أبي حمزة الثمالي لما توفرت أسباب الاجابة، منها قراءة دعاء مولانا الامام زين العابدين… ؟ وإلا كم منا – اليوم – يقرأ الادعية المأثورة والآيات المباركة ولم يحصل منها الاثر الظاهر الا ما ندر. وفوق كل ذلك شهادة الامام الرضا عليه السلام بحق الثمالي: قال الكشي: وجدت بخط أبى عبد الله محمد بن نعيم الشاذاني، قال: سمعت الفضل بن شاذان، قال: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ” أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك أنه قدم أربعة منا، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام، ويونس بن عبد الرحمان كذلك هو سلمان في زمانه ” (2). أما الرواية التي ينقلها على بن الحسين بن فضال واتهامه أبا حمزة بشرب النبيذ، ففيها: أولا: أن ابن فضال استدرك فقال: إن أبا حمزة ترك شرب النبيذ قبل موته. وثانيا: لم يكن في علم أبي حمزة أن جميع الانبذة حرام شربها، بل كان يتوقع


(1) مهج الدعوات لابن طاووس: ص 165. (2) اختيار معرفة الرجال: 2 / 458.

[475]

بعضها، لذا لما سمع قول أبي عبد الله عليه السلام في المسكر لما سئل عنه فقال عليه السلام: ” كل مسكر حرام.. “، قال أبو حمزة: استغفر الله من الآن وأتوب إليه… (1). أصل الرواية في الكشي هكذا: قال: حدثني علي بن محمد بن قتيبة أبو محمد، ومحمد بن موسى الهمداني، قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: كنت أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعة الازدي، وحجر بن زائدة، جلوسا على باب الفيل، إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار، فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشت علي أبا عبد الله عليه السلام، فقلت: أبو حمزة يشرب النبيذ ؟ فقال له عامر: ما حرشت عليك أبا عبد الله عليه السلام، ولكن سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسكر، فقال: ” كل مسكر حرام “، وقال: ” لكن أبا حمزة يشرب ” قال: فقال أبو حمزة: استغفر الله منه الآن وأتوب إليه (2). هذه الرواية على أنها مرسلة فهي موضوعة، لان محمد بن عبد الحسين ابن أبي الخطاب لم يدرك أبا حمزة الثمالي، وأبو حمزة هذا مات سنة 150 ه‍، وهو من أصحاب الامام السجاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، أما محمد بن الحسين بن أبي الخطاب مات سنة 262 ه‍، وهو من أصحاب الامام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام. ثالثا: الرواية التي ينقلها علي بن الحسن بن فضال، على أنه لم يدرك أبا حمزة الثمالي فان اخباره رواية وليست دراية، وربما اعتمد على اخبار من لا يوثق بخبره. فاتضح أن الاتهام الموجه إلى أبي حمزة من حيث شربه للنبيذ قد ارتفع، بل هو من الثقات كما مر، بل أنه لقمان زمانه كما تقدم عن الامام الرضا عليه السلام.


(1) اختيار معرفة الرجال: 2 / 456. (2) رجال الكشي: 2 / 456.

[476]

أما الاشتباه الذى حصل لاحمد بن محمد الاشعري في شأن ابن محبوب من حيث أن الاصحاب اتهموه بروايته عن أبي حمزة (1) فقد عرفت الوهم أين كان، وحاصله: إذا كان من جانب عدم استطاعة رواية الصبي عن الشيخ فيمكن القول: إن ابن محبوب روى عن الثمالي بالوجادة إن لم نقل أن ابن محبوب قد أدرك زمنا من حياة أبي حمزة، بحيث تسنى له الرواية عن الثمالي، وان كان هذا الرأي غير مقبول عندنا، لما فيه من تدليس، حيث لم يصرح في كون أخذه للرواية وجادة، وعدم التصريح يخالف العدالة، وابن محبوب يجل عن هذا التدليس، لهذا يتعين كون أبي حمزة ليس المقصود به الثمالي، وإنما هو البطائني كما أشرنا إليه في الهامش. ثم ان أحمد بن محمد الاشعري لم يرو عن عبد الله بن المغيرة، ولا عن الحسن ابن خرزاذ.


(1) في رجال الكشي كلمة (ابن) وردت قبل كلمة أبي حمزة، أي أن الحسن بن محبوب ما كان يروي عن ابن أبي حمزة، وهذا المقصود منه هو علي بن أبي حمزة البطائني، وهو واقفي خبيث، معاند للامام الرضا عليه السلام، ويبدو ما قصده الكشي هو الصواب، وإلا ابن محبوب ما كان يروي عن أبي حمزة الثمالي الا بواسطة، لما عرفت أن ابن محبوب لم يدرك زمان الثمالي، أو هو يروي عنه مرسلا. أما تخريج البعض بأن (ابن أبي حمزة) هو أحد أولاد الثمالي الذي لم ندرك اسمه، فهو بعيد، لان أولاد أبي حمزة الثمالي الثلاثة: حسين، وعلي، ومحمد، كلهم من الثقات المعروفين، ولا مجال للشك فيهم، أو في سيرتهم حتى يتهم ابن محبوب من أجل النقل والرواية عنهم. أما نوح، ومنصور، وحمزة، وهم أولاد الثمالي أيضا فقد استشهدوا مع زيد بن علي عليهما السلام. فالمتعين انما هو علي بن أبي حمزة البطائني، حيث كان معاصرا لابن محبوب، ثم رواية الثقة عن غيره من المخالفين لا يقدح في عدالة الراوي الثقة، كما أن الكذوب قد يصدق، فلو كان الخبر المنقول وفق الموازين السليمة فلا ضير فيه، وأن القدح والذم لا يختص فيمن روى بل في المروي عنه، ولما عرف أحمد بن محمد بن عيسى حرص ابن محبوب على أخذ الحديث والتأكد من صحته، فرجع عن سوء ظنه، وتاب الى الله تعالى مما كان عليه من الخطأ، ثم بعد ذلك روى عن ابن محبوب بواسطة، وذلك في زمن الامام العسكري عليه السلام

[477]

روى أحمد في زمن العسكري عليه السلام عن حماد بن عيسى، وحماد ابن المغيرة، وابراهيم بن إسحاق النهاوندي. لاحمد كتب، منها: كتاب التوحيد، كتاب فضل النبي صلى الله عليه وآله، كتاب المتعة، كتاب النوادر، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب الاظلة، كتاب المسوخ، كتاب فضائل العرب. وقال ابن نوح: ورأيت له عند الدبيلي كتابا في الحج (1). محمد بن يحيى العطار: هو محمد بن يحيى العطار أبو جعفر الاشعري القمي، قال الشيخ، بعد ما عده ممن لم يرو عنهم عليهم السلام: ” روى عنه الكليني، قمي، كثير الرواية ” (2). قال النجاشي: ” شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث، له كتب، منها: كتاب مقتل الحسين عليه السلام، وكتاب النوادر (3). عده العلامة الحلي في ” الخلاصة ” في قسم الثقات، وابن داود ذكره في القسم الاول من رجاله، ووثقه الحاوي والشهيد الثاني والمجلسي والبحراني. محمد بن يحيى إذا ورد مطلقا فهو مشترك بين ثلاثة، هم: محمد بن يحيى العطار أبو جعفر الاشعري القمي، ومحمد بن يحيى الخزاز، ومحمد بن يحيى بن سليمان الخثعمي. والجميع ثقات ويمكن تمييزهم بالطبقة، فالاول من طبقة مشايخ أبي جعفر الكليني، فإذا ورد في أول السند مطلقا فهو المعني.


(1) النجاشي: ص 82. (2) رجال الشيخ الطوسي: ص 495. (3) رجال النجاشي: ص 353 ترجمة 946.

[478]

أما الخزاز والخثعمي فقد رويا عن الامام الصادق عليه السلام. لقد أحصيت ما رواه الكليني عن محمد بن أبي يحيى – العطار – فكانت أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وخمسين (4751) موردا، بضمنها المكرر. فهو يعد من مشايخ الكليني، وأحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، روى عنه الكليني – على سبيل المثال – في الجزء الاول، كتاب العقل والجهل، الحديث الاول والثاني والثالث والعاشر والثلاثون. وروى عنه في كتاب فضل العلم باب صفة العلم، باب ثواب العالم والمتعلم، باب صفة العلماء، باب فقد العالم، باب سؤال العالم، باب بذل العلم، باب النهي عن القول بغير علم. وروى عنه الكليني في الجزء الاول كتاب التوحيد باب المشيئة والارادة، الحديث السادس. وروى عنه في كتاب الايمان والكفر. وهكذا روى عنه في كتاب الطهارة، والصلاة، والحج، والمواريث، والكفر، والطلاق، والمعيشة، والعقيقة، والديات، والحدود، والعتق… الخ. ومحمد بن يحيى العطار يروي عن الكثير، نذكر منهم: أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، وأحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن إسماعيل، ومحمد بن الحسين، وأحمد بن عبد الله بن خاقان، وحمدان بن سليمان، وعبد الرحمان بن جعفر، وعلي بن الحسين بن علي، وعلي بن الحسين الميثمي، وعلي ابن محمد بن سعيد، وعبد الله بن محمد الخشاب، ومحمد بن أحمد بن يحيى، وعمران ابن موسى، وأحمد بن أبي زاهر، وجعفر ابن محمد، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن عبد الجبار، وأحمد بن إسحاق، وسلمة بن الخطاب.


[479]

علي بن موسى بن جعفر الكمنداني (1): علي بن موسى من شيوخ الاجازة، كما أنه من مشيخة محمد بن يعقوب الكليني، وأحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى، فهو ثقة، بل غني عن التوثيق. روى علي بن موسى، عن احمد بن محمد. وروى الكليني عن علي بن موسى في باب ان الائمة عليهم السلام ولاة أمر الله، الحديث 3 (2). وقد روى علي بن موسى، عن صفوان بن يحيى في باب جهات علوم الائمة من كتاب الكافي (3). وربما روى الكليني عن علي بن موسى بلا واسطة كما في باب أن الائمة عليهم السلام ولاة أمر الله وقد يروي عنه بواسطة، كما في باب جهات علوم الائمة، حيث روى عنه الكليني بواسطتين، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر عنه. وللصدوق طريق إلى علي بن موسى، بواسطة أبيه. له في الكافي ذكر في خمسة موارد، وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم. داود بن كورة: أبو سليمان القمي، عده الشيخ الطوسي ممن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال: ” بوب


(1) الكمنداني – بضم الكاف وفتح الميم وسكون النون وفتح الدال المهملة والالف والنون -: اسم لبلدة قم المقدسة أيام الفرس، ولما فتحها المسلمون اختصروها فسموها ” قما “. ونقل النجاشي أنها قرية من قرى قم. وربما كتبت ” كميذان “، بالياء والذال المعجمة. (2) اصول الكافي: 1 / 192، الحديث الثالث. (3) اصول الكافي: 1 / 264 الحديث الثاني.

[480]

كتاب النوادر لاحمد بن محمد بن عيسى ” (1)، وفي ” الفهرست ” إضافة إلى ما تقدم قال: ” وله كتاب الرحمة، مثل كتاب سعد بن عبد الله ” (2). وقال النجاشي: ” وهو الذي بوب كتاب النوادر لاحمد بن محمد بن عيسى، وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب السراد على معاني الفقه “. له كتاب الرحمة في الوضوء، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج (3). عده ابن داود في القسم الاول (4)، مما يدل على أن الرجل من الثقات، بل و أنه من كبار المشيخة، لذا فهو وأمثاله غني عن التعريف، لا سيما أنه من مشيخة الكليني. والعجيب أن العلامة الحلي لم يذكره في كتابه ” الخلاصة “، ولا أدري سبب هذا الاهمال منه، مع كونه معروفا عند النجاشي والطوسي وابن شهر آشوب (5)، وأعجب من ذلك أن الحاوي عدة في قسم الضعفاء، على أن أحمد بن محمد بن يحيى يروي عنه، مما يدل على وثاقة الرجل. ذكره القهبائي داود بن كوزة بالزاي المعجمة (6)، وهذا وهم والصواب ما تقدم. كيفما كان، فالرجل في أعلى درجات الحسن إن لم يكن ثقة.


(1) رجال الشيخ الطوسي: ص 472. (2) فهرست الطوسي: ص 68. (3) رجال النجاشي: ص 158. (4) رجال ابن داود: ص 90. (5) معالم العلماء: ص 48. (6) مجمع الرجال: 2 / 292.

[481]

أحمد بن إدريس بن أحمد: هو أحمد بن إدريس بن أحمد الاشعري القمي، يكنى أبا علي، ثقة، فقيه كما عنونه النجاشي، والطوسي في ” الفهرست ” قال: ” كان ثقة في أصحابنا، فقيها، وكثير الحديث صحيحه، وله كتاب النوادر الكبير، كثير الفوائد، أخبرنا بسائر رواياته الحسين بن عبيدالله، عن أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، ومات أحمد بن إدريس بالقرعاء في طريق مكة سنة 306 ه‍ ” (1). وقد وثقه الحاوي، إذ جعله في قسم الثقات، ووثقه في الوجيزة، ومشتركات الطريحي والبلغة، وعده الطوسي في رجاله من أصحاب الامام العسكري عليه السلام إذ عنونه بالمعلم وقال: لحقه ولم يرو عنه، وتارة عدة في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام (2). روى عنه جملة من أصحابنا الاعاظم، منهم: التلعكبري، وأحمد بن جعفر بن شعبان البزوفري، والحسن بن حمزة العلوي، ومحمد بن يعقوب الكليني. فابن إدريس أحد مشايخ الكليني، وأحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري. وأحمد بن إدريس يروي عن جماعة كثيرة من الثقات، منهم: محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن أحمد بن يحيى، ومحمد بن الحسن بن الوليد. يروي عنه الكليني في ” الكافي ” 124 موردا مفردا، أما السيد البروجردي فقد ذكر أنه روى عنه المصنف مفردا ومقرونا قريبا من ثمانمائة حديث، وكان هذا الشيخ من أجلاء الطبقة الثامنة من أصحابنا وثقاتهم وفقهائهم… (3).


(1) الفهرست: ص 26. (3) تجريد أسانيد الكافي: 1 / 33. (2) و (3) رجال الطوسى: ص 428 و 444.

[482]

علي بن إبراهيم بن هاشم: أبو الحسن القمي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتبا وأضر في وسط عمره (1)، وله ذكر في أغلب الكتب الرجالية – قديما و حديثا – وعباراتهم واضحة وصريحة في توثيقه. روى عنه حمزة بن القاسم، من أحفاد الشهيد أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهم السلام في سنة 307 ه‍ (2) لما كتب إليه علي بن ابراهيم. يعني أنه كان حيا إلى ذلك الوقت، وأما وفاته فغير معروفة. أكثر محمد بن يعقوب الكليني الرواية عن علي بن إبراهيم بن هاشم، فهو أحد مشايخه، وأحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، إذ ورد علي بن إبراهيم في أسانيد الكافي في أكثر من 5061 موضعا. وروى عنه الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله العلوي. كما وروى عنه كل من: علي بن الحسين، ومحمد بن الحسين، ومحمد بن علي ماجيلويه، وآخرون (3). لعلي بن إبراهيم مصنفات عديدة، منها: كتاب التفسير، وكتاب الناسخ والمنسوخ، رسالة في معنى هشام ويونس، كتاب قرب الاسناد، كتاب الشرائع، كتاب الحيض، كتاب التوحيد والشك، كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، كتاب المغازي، كتاب الانبياء، جوابات مسائل سأله عنها محمد بن بلال، كتاب يعرف بالمشذر. قال النجاشي: أخبرنا محمد بن محمد وغيره، عن الحسن بن حمزة بن علي بن


(1) النجاشي: ص 260، وقد ورد توثيقه في ” الخلاصة “. و ” رجال ابن داود “، إذ ذكراه في القسم الاول، وفي ” البلغة ” و ” الوجيزة ” وفي ” إعلام الورى ” وغيرها… (2) تنقيح المقال: 1 / 377 رقم 3384. (4) انظر جامع الرواة: 1 / 545، الفهرست: ص 88، تنقيح المقال: 2 / 260 رقم 8102.

[483]

عبد الله، قال: كتب إلي علي بن ابراهيم بإجازة سائر حديثه وكتبه (1). وزاد ابن النديم كتاب المناقب، وكتاب اختيار القرآن (2). وعلي بن ابراهيم هذا هو صاحب التفسير المعروف بتفسير علي بن ابراهيم القمي. العدة الثانية عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. والعدة هنا تشمل: – علي بن ابراهيم (3) بن هاشم (4)، أبو الحسن القمي. – علي بن محمد بن عبد الله بن اذينة (5). – أحمد بن عبد الله بن أبيه (6) (امية) (7).


(1) النجاشي: ص 260. (2) الفهرست لابن النديم: ص 311، تنقيح المقال: 2 / 260. (3) يحتمل – وهو الاقوى – علي بن محمد بن إبراهيم، وهو علان الكليني، خال محمد بن يعقوب. أما المراد به علي بن ابراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، فذلك احتمال ضعيف. (4) أضافها فضل الله بن شمس الدين في كتابه عين الغزال: ص 10، حيث ذكرنا فيما تقدم أن علي بن ابراهيم بن هاشم تندر روايته عن أحمد بن محمد بن خالد. (5) رجال الخاقاني: ص 16، ومجمع الرجال: 7 / 200. (6) في عين الغزال: ص 10 ” بن امية “، وفى رجال الخاقاني: ” عن أبيه ” بدلا من (ابن امية “. رجال الخاقاني: ص 16. (7) الخلاصة: ص 272.

[484]

– علي بن الحسن (1) (السعد آبادي). – محمد بن يحيى العطار (2). – محمد بن جعفر (3). – علي بن عبد الله القمي (4). قال العلامة في ” الخلاصة ” نقلا عن الكليني محمد بن يعقوب: “… كلما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، فهم: على بن ابراهيم، وعلي بن محمد بن عبد الله بن اذينة (5)، وأحمد بن عبد الله بن امية (6)، وعلى بن الحسن ” (7). قال الخاقاني: وفي كتاب العتق لم يذكر – في العدة الآنفة الذكر – علي بن محمد ابن عبد الله بن اذينة، بل أضاف إلى العدة محمد بن جعفر، وعلي بن عبد الله القمي… انتهى “.


(1) الصحيح علي بن الحسين السعد آبادي. انظر مجمع الرجال للقهبائي: 7 / 200. (2) كما في المنتقى، وقد سبقت ترجمته في العدة الاولى. (3) و (4) رجال الخاقاني: ص 18. قال الخاقاني: ” وهناك عدة اخرى ذكرها في ” الكافي ” في كتاب العتق، هكذا: عدة من أصحابنا، علي بن ابراهيم، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن يحيى، وعلي بن عبد الله القمي، وأحمد بن عبد الله، وعلي بن الحسن جميعا، عن أحمد بن محمد بن خالد. ويحتمل علي بن عبد الله القمي هو أبو الحسن العطار. رجال الخاقاني: ص 18. أقول: ما ذكره الخاقاني نقلا عن ” الكافي ” في كتاب العتق لا أصل له، فقد دققت النظر في أسانيد كتاب العتق – النسخة التي عندي – فلم أجد أي إشارة – من قريب أو بعيد – من الشيخ الكليني بصدد هذه العدة، ولعل الاشتباه في عنوان الباب، أو أنه نقل العبارة من غيره لا على وجه التحقيق، فراجع ثم تأمل. (5) و (6) قد يرد الخلط في نسبة كل واحد منهما إلى جد الآخر. (7) الخلاصة: الفائدة الثالثة ص 272، وفي مستدرك الوسائل: 3 / 541، قال علي بن محمد بن عبد الله بن امية، وهذا لا يخلو من اشتباه.

[485]

أحمد بن محمد بن خالد ت 274 ه‍: أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمان بن محمد بن علي البرقي، أبو جعفر، أصله كوفي. كان جده محمد بن علي ممن آزر زيد الشهيد، فحبسه يوسف بن عمر والي العراق بعد قتل زيد بن علي ثم قتله هو الآخر، وكان خالد صغير السن، فهرب مع أبيه عبد الرحمان إلى ” برق رود ” وهي قرية بقم. له كتب كثيرة، منها: كتاب المحاسن، وكتاب التهاني، وكتاب التعازي، و كتاب أخبار الامم، وغيرها، حتى عد منها الشيخ في ” الفهرست ” ثمانية وثمانين كتابا، ثم قال الشيخ: أخبرنا بهذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة من أصحابنا، و منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد، وأبو عبد الله الحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون، وغيرهم، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال: حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ابو الحسن القمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، وأخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي، قال: حدثنا جدي أحمد بن محمد، وأخبرنا هؤلاء إلا الشيخ أبا عبد الله وغيرهم، عن أبي المفضل الشيباني، عن محمد بن جعفر ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته. وأخبرنا بها ابن أبى جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته ” (1). قال النجاشي: ” كان أحمد بن محمد ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل ” (2)، ثم ذكر تصانيفه وطريقه إليه.


(1) فهرست الشيخ الطوسي: ص 22. (2) رجال النجاشي: ص 76.

[486]

وهكذا وصفه الطوسي في ” الفهرست ” والعلامة في ” الخلاصة “. وقال ابن الغضائري: ” طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه إنما الطعن فيمن يروي عنه، فإنه كان لا يبالي عمن أخذ، على طريقة أهل الاخبار، وقد أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم، ثم أعاده إليها واعتذر إليه، ولما توفي مشى أحمد بن محمد في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه مما قذفه به ” (1). ثم ابن الغضائري الذي من شأنه الجرح والقدح، فقد وثقه ودافع عنه، و عبارته صريحة كما تقدمت. ثم وردت في حقه توثيقات كثيرة، منها: توثيق النجاشي ص 76، والشيخ الطوسي في ” الفهرست ” ص 20، والعلامة في ” الخلاصة ” ص 14، وابن داود في رجاله ص 43، والمجلسي في ” الوجيزة ” والبحراني في ” البلغة “، والطريحي، والكاظمي في المشتركاتين. وقد توهم ابن داود لما قال: ” وذكرته في الضعفاء، لطعن ابن الغضائري فيه ” (2). وقد عرفت من عبارة ابن الغضائري أنه لم يطعن في أحمد بن محمد بن خالد، بل الطعن فيمن يروي عنه. ثم يكفي أن يكون في أعلى درجات التوثيق لما ثبت لاحمد بن محمد بن عيسى نزاهة الرجل، وصحة مذهبه، وأن ما قذفه به قد تبين فساده، وقد ندم على ما أقدم عليه من إخراجه من قم، وأن ديانة ابن عيسى وعدالته أظهرت توبته من فعله ذاك، وأعاده إلى قم ثانية، ثم مشى في جنازته حافيا حاسرا نادما، ليظهر للناس


(1) انظر رجال ابن داود ص 229، قسم الضعفاء وتقدم ذكره في قسم الثقات ص 43. (2) رجال ابن داود: ص 43.

[487]

سلامة مذهب الرجل. أما القدح الذي ذكره البعض إنما نشأ من فعل أحمد بن محمد بن عيسى، وهذا قد عرفت توبته وندمه، كما أن التوثيقات الصادرة بحق أحمد البرقي متواترة، و اسانيدها صحيحة، والقائلين بها أهل فن وخبرة بالرجال. أما موارد التضعيف والقدح لم تكن من أهل الخبرة، ولا ممن يعتد بقوله، لذا ليس لقولهم وزن ولا أثر. ثم لابد من الاشارة الى كون الرجل يروي عن الضعفاء ليس قدحا فيه، بل إنما هذا طريقة جمع من المحدثين وأهل الرواية من المجتهدين القدماء، فاعتماد المراسيل ليس قدحا في الرجل، بل هو مذهب جماعة ممن مضى من الفقهاء، وما ورد في كتب الرجال من أنه يروي عن الضعفاء لا يراد الطعن به، بل غايته التنبيه على طريقته، كي لا يعتمد – لحسن الظن به – على مراسيله. وإنما يبينوا هذه الطريقة تميزا للآخرين الذين لا يرسلون إلا عن ثقة، كابن صفوان، والبزنطي، وابن أبى عمير، وأن مرسلاتهم هي بحكم مسانيدهم، لذا يعمل بكل مروياتهم. عده الطوسي في رجاله من أصحاب الامام الجواد عليه السلام (1)، وعده أيضا من أصحاب الامام الهادي عليه السلام (2). توفي عام 274 ه‍، وقيل: 280 ه‍، لذا فقد أدرك الامام العسكري وشطرا من الغيبة الصغرى. يروي عنه الكليني بواسطة العدة، كما سيأتي ذكرهم إن شاء الله، وقد جاء في أسانيد ” الكافي ” في (1370) موردا. وقد روى أحمد البرقي عن جملة من العلماء والمحدثين الامامية، نذكر بعضهم:


(1) رجال الطوسي: ص 398. (2) رجال الطوسي: ص 410.

[488]

روى عن ابراهيم بن عقبة، وابراهيم بن محمد الثقفي، وأحمد بن عبيد، وأحمد ابن المبارك الدينوري، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وإدريس بن الحسن، وإسماعيل ابن أبان، وإسماعيل بن مهران، وبكر بن صالح، وجعفر بن محمد الاشعري، وجعفر ابن محمد بن حكيم، والجهم بن الحكم المدائني، والحسن بن ظريف، والحسن بن علي ابن فضال، والحسن بن علي بن يقطين، والحسن بن علي الوشاء، والحسن بن محبوب، والحسين بن سعيد، والحصين بن مخارف، وحماد بن عيسى، وداود بن إسحاق الحذاء، وعبد الرحمان بن أبي نجران، وعبد الرحمان بن حماد الكوفي، والسيد عبد العظيم بن عبد الله الحسني، وعبد الله بن محمد النهيكي، والعلاء بن رزين، وعلي بن أحمد بن أشيم، وعلي بن أسباط، وعلي بن حفص العويصي الكوفي، وعلي بن محمد القاساني، وفرات بن أحنف، ومحمد بن اسماعيل ابن بزيع، ومحمد بن الحسن بن سمون، ومحمد بن سنان، ومحمد بن عيسى بن عبيد، ونوح بن شعيب، ووهب بن وهب، والهيثم بن عبد الله النهدي، ويحيى بن ابراهيم بن أبي البلاد، وآخرين… أما الذين رووا عنه، فهم: علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي، وعلي بن محمد بن عبد الله بن اذينة، أو ابن امية، وأحمد بن عبد الله بن أبيه، وعلي بن الحسين السعد آبادي، ومحمد ابن يحيى العطار، ومحمد بن جعفر، وعلي بن عبد الله القمي. وهؤلاء جميعا هم العدة الذي يروي عنهم الشيخ الكليني في ” الكافي “، وممن روى عن البرقي: سعد بن عبد الله، وسهل بن زياد، وعلي ابن الحسن المؤدب، وعلي ابن الحسين، وعلي بن الحسين المؤدب، وعلي بن محمد بن بندار، وعلي ماجيلويه، ومحمد بن أبي القاسم، ومحمد بن أحمد بن يحيى، والسياري.


[489]

علي بن محمد بن عبد الله: هو علي بن محمد بن عبد الله بن اذينة (1). وفي تنقيح المقال: علي بن محمد بن عبد الله القمي، قال: ” لم أقف فيه إلا على رواية الكليني عنه عن أحمد بن محمد بن خالد، وعنه عن أبيه عن محمد بن عيسى، وعنه عن أبيه عن أحمد بن محمد البرقي و إبراهيم بن إسحاق الاحمر والسياري “، ثم قال: ” وحاله مجهول ” (2). وقال السيد أبو القاسم: علي بن محمد بن عبد الله، من مشايخ الكليني – قدس سره – وتقدم في علي بن محمد أنه علي بن محمد بن بندار، وقد أكثر الكليني الرواية عنه، وقع بهذا العنوان في إسناد عدة من الروايات تبلغ تسع وثلاثين موردا. أقول: وهذا يثير الشك، لان علي بن محمد بن عبد الله – كما يبدو – غير متحد ” (3) مع علي بن محمد ابن بندار، وإن كان كل منهما يعد من مشايخ الكليني، وأنهما من رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. فإن علي بن محمد بن عبد الله ورد في أسانيد روايات ” الكافي ” في 39 موردا، أما علي بن محمد بن بندار فإنه ورد في أسانيد روايات ” الكافي ” في 99 موردا. روى علي بن محمد بن عبد الله عن: أبيه، وإبراهيم بن إسحاق، وإبراهيم ابن إسحاق الاحمر، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن عبد الله، والسياري. أقول: ذكر السيد البروجردي قدس سره في ” تجريد أسانيد الكافي ” الجزء الاول أن علي بن محمد بن عبد الله في عدة أحمد بن محمد بن عبد الله، هو علي بن محمد بن ماجيلويه بن أبي القاسم عبد الله بن بندار بن عمران الحناني، أبو الحسن القمي البرقي، وابن بنت أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأن ابن اذينة في العبارة المحكية


(1) مجمع الرجال للقهبائي: 7 / 200، ورجال الخاقاني: ص 16. (2) تنقيح المقال: 2 / 306. (3) معجم رجال الحديث: 12 / 164.

[490]

مصحف، وصوابه، ابن ابنته (1). وهذا يعني أن قول السيد الخوئي يؤيد قول السيد البروجردي – قدس سره ما – وعلى هذا يبدو اتحاد علي بن محمد بن عبد الله مع علي بن محمد بن بندار، والله أعلم. والرجل من مشايخ الكليني، والذي ورد بكثرة في أسانيد روايات الكافي، هو علي بن محمد بالعنوان المطلق، فأحصيت الموارد فكانت في خمسمائة وسبعة موارد، فهو يروي عن الامام أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام، ويروي عن الامام صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه، وهو يروي عن أبيه عن النوفلي كما في الكافي: الجزء 3، كتاب الجنائز، باب دخول القبر والخروج منه الحديث 3. وروى عن ابراهيم بن اسحاق الاحمر، كما في الكافي: الجزء 7، كتاب القضاء والاحكام باب النوادر الحديث 6. وروى عن الحسين بن محمد عن علي بن محمد عن الحسين بن الوشاء، كما في الكافي: الجزء 7، كتاب الحدود، باب النوادر، الحديث 30. وروى عن صالح ابن أبي حمزة، كما في الكافي: الجزء 4، كتاب الحج، باب انه يعق اليوم السابع، الحديث الاول. وروى عن سهل بن زياد، كما في الكافي: الجزء 3، كتاب الصلاة، باب ما يسجد عليه وما يكره، الحديث 7. وروى عن محمد بن أبى عبد الله عن إسحاق بن محمد النخعي، كما في الكافي: الجزء 7، كتاب المواريث، باب علة كيف صار للذكر، سهمان، الحديث 2. وروى عن محمد بن عيسى عن يونس كما في الكافي: الجزء 3، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، الحديث 2.


(1) تجريد أسانيد الكافي: 1 / 59.

[491]

وروى عن علي بن غياث، كما في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب مولد الامام الصاحب عليه السلام، الحديث 22. وروى عن أحمد بن محمد بن عبد الله، كما في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، الحديث 11. وروى عن الحسن بن عبد الحميد، كما في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب مولد الامام الصاحب عليه السلام، الحديث 14. وروى عن الحسن بن عيسى، كما في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب في الغيبة، الحديث 2. وقد ورد في ” الكافي “، علي بن محمد بن بندار (1)، وهو متحد مع على بن محمد. كما أن ابن بندار هو لقب علي بن محمد بن عبيدالله (2) بن عمران الجانبي البرقي، وكنيته أبو القاسم، والملقب ماجيلويه، وهذه النسبة صرح بها النجاشي، فقال: محمد بن أبي القاسم عبيدالله بن عمران الجنابي البرقي، أبو عبد الله، الملق ماجيلويه، وأبو القاسم يلقب بندار، سيد من أصحابنا القميين، ثقة، عالم، فقيه، عارف بالادب والشعر، وهو صهر أحمد بن أبى عبد الله البرقي على ابنته، وابنه علي ابن محمد منها، وكان أخذ عنه العلم والادب “، ثم قال: ” له كتب، منها: كتاب المشارب، قال أبو العباس: هذا الكتاب قصد فيه أن يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله،


(1) كما في الكافي: الجزء الخامس، كتاب النكاح، باب نوادر، الحديث السابع: الكليني عن علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله. والكليني يروي عن ” ابن بندار ” في 99 موردا. (2) كما في الكافي: الجزء 3، كتاب الطهارة، باب النوادر، الحديث الاول: الكليني عن على بن عبد الله، عن ابراهيم بن اسحاق الاحمر، عن الحسن بن علي الوشاء. والكليني يروي عن (علي بن محمد بن عبد الله) في 39 موردا.

[492]

وكتاب الطب، وكتاب تفسير حماسة أبي تمام. أخبرنا أبي علي بن أحمد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، قال: حدثنا أبي علي بن محمد، عن أبيه محمد بن أبي القاسم. انتهى ” (1). وقد روى علي بن محمد عن اناس كثيرين جدا، نذكر جملة منهم: روى عن أبي أيوب المدني، وأبي أحمد بن راشد، وأبي عبد الله بن صالح، وأبي محمد الاسبارقيني، وأبي محمد الوجنائي، وابن جمهور، وإبراهيم ابن إسحاق الاحمر، وإبراهيم بن إسحاق، وإبراهيم بن محمد الثقفي، وإبراهيم بن محمد الطاهري، وأحمد بن إدريس، وأحمد بن الحسين، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأحمد بن ميثم الطلحي، وأحمد بن هلال، وإسحاق بن محمد النخعي، وأيوب بن نوح، وبكر ابن صالح، وجعفر بن محمد الكوفي، والحسن بن داود البرقي، والحسن بن الحسين، والحسن بن عبد الحميد، والحسن بن علي بن إبراهيم، والحسن بن عيسى العريضي، وحمدان القلانسي، وسعد بن عبد الله، وسعيد بن محمد الكوفي، وسهل بن زياد، وصالح بن أبي حماد، وعبد الله بن إسحاق العلوي، وعبد الله بن سنان، وعبد الله بن محمد بن خالد، وعبد الله بن يحيى الكاهلي، وعلي بن الحسن بن الفضل اليماني، وعلي ابن الحسن التميمي، وعلي بن شبرة، وعلي بن العباس، وعلي بن قيس، وعيسى بن نصر، والفضل الخزاز المدائني، وخديجة بنت محمد أبي جعفر الثاني عليه السلام، ومحمد بن إبراهيم الملقب ابن كردي، ومحمد بن أحمد الخراساني، ومحمد بن أحمد القلانسي، ومحمد بن أحمد النهدي، ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم، ومحمد بن جعفر الكوفي، ومحمد بن سعيد الاذربايجاني، ومحمد بن سكين، ومحمد بن علي بن إبراهيم، ومحمد ابن علي بن شاذان النيسابوري، وآخرين كثير عددهم.


(1) رجال النجاشي: ص 353 ترجمة 947.

[493]

فما ورد بعنوان على بن محمد – عن أحد هؤلاء أو عن غيرهم – فقد ورد ذكره في 507 موردا، وما ورد بعنوان علي بن محمد بن عبد الله، ففي الكافي (39) موردا، وما ورد بعنوان علي بن محمد بن بندار، ففي الكافي (99) موردا، وما ورد بعنوان علي بن محمد بن عبد الله القمي، ففي الكافي موردان. فحاصل ما أورده الكليني في كتاب الكافي بجميع أجزائه وفروعه عن على بن محمد القمى ستمائة وسبع وأربعون موردا، والله العالم بالسداد. كيفما كان، فعلي بن محمد ثقة، فاضل، فقيه، أديب، من كبار مشايخ الاجازة، وهو أحد مشايخ الكليني، كما أنه أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. أحمد بن عبد الله: هو أحمد بن عبد الله بن امية، كما في عين الغزال (1). وفي رجال الخاقاني قال: ” أحمد بن عبد الله عن أبيه ” (2)، ويحتمل اتحاد أحمد بن عبد الله بن امية مع أحمد بن عبد الله الذي يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. وكما قيل: إنه ابن بنت البرقي، أي حفيده، وعلى هذا فيكون تسلسل نسبه هكذا: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن خالد البرقي. فإذا ورد أحمد بن عبد الله عن أبيه، فيعني أنه يروي عن جده أحمد البرقي. والبعض جعل أحمد بن عبد الله بن أحمد متحد مع أحمد بن عبد الله بن امية (3).


(1) عين الغزال: ص 10. (2) رجال الخاقاني: ص 16. (3) رجال السيد الخوئي: 2 / 135. وذكر المامقاني في التنقيح: 1 / 65 أحمد بن عبد الله بن

[494]

كيفما كان، فهو من مشايخ الكليني، وقد روى عنه في ” الكافي ” في (15) موردا، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد. روى عنه الكليني في ” الكافي “: الجزء الاول، كتاب فضل العلم، باب صفة العلماء، الحديث الخامس والسادس. وروى عنه في الجزء الثالث، كتاب الصلاة باب تقديم النوافل وتأخيرها، الحديث العشرون، وفيه كتاب الحج، باب من يترك قرابته وإخوانه في محبته، الحديث العاشر. وروى عنه في الجزء الرابع، كتاب تتمة الزكاة، باب فضل الصدقة، الحديث السادس. وروى عنه كذلك في باب فضل القصد، الحديث الثاني عشر. وروى عنه في الجزء الخامس، كتاب المعيشة، باب الحث على الطلب والتعرض للرزق، الحديث الثامن، والحديث الثالث من باب عمل الرجل في بيته، والحديث الثالث من باب ما تكره معاملته ومخالطته. أقول: ما جاء في العنوان ” ابن امية ” أو ” ابن أبيه “، وهم كما ذكره السيد البروجردي قدس سره فقال: ” وأن أحمد بن عبد الله فيها أيضا هو نافلة أحمد البرقي، فقوله: ابن امية أو ابن أبيه وهم، وصوابه ابن ابنه، بالموحدة ثم النون ” (1). لهذا فإن أحمد بن محمد البرقي هو جد أحمد بن عبد الله صاحب الترجمة، ووجه الاستدلال هو بعض أسانيد الروايات من كتاب الامالي للشيخ الطوسي، إذ ورد في الجزء الثالث منه هذا النص: ” قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا الشريف الصالح أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي – رضوان الله عليه – قال: حدثنا أحمد بن


امية، فقال: ” لم أقف فيه على ما ينفع ويعتمد عليه… “. أقول: ويحتمل كون ابن امية تصحيف عن أبيه فتدبر. (1) تجريد أسانيد الكافي: 1 / 59.

[495]

عبد الله، قال: حدثنا جدي أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه… الحديث (44) الا أخبركم بأشد ما افترض الله على خلقه… (1). وفي مشيخة كتاب ” من لا يحضره الفقيه ” عند ذكر طريقه الى خبر ” جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله ” قال: وكلما كان فيه: ” جاء نفر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوا… الحديث “، فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله البرقي – رضوان الله عليه -، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبى عبد الله، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي… الخ ” (2). ولا إشكال في تعيين أحمد بن عبد الله أحد أحفاد أحمد بن محمد البرقي، لكن النزاع: هل أن أحمد بن محمد جده لامه أم لابيه ؟ ! فإذا كان جده لامه وهو قول بعضهم، فيكون عبد الله والده صهرا لاحمد البرقي على بنته، كما زعمه عدة من المتأخرين، ويدل عليه ما في الفهرست للطوسي في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي عند ذكر طريقه إليه فقال: ” وأخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بنت البرقي، قال: حدثنى جدي أحمد بن محمد… ” (3). وإذا كان جده لابيه، فيكون نسبه هكذا: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد. والصواب هو الثاني، والدليل على ذلك ما في النجاشي في ترجمة محمد بن خالد البرقي، قال: ” أخبرنا أحمد بن علي بن نوح، قال: حدثنا الحسن بن حمزة الطبري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن أبى عبد الله محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه بجميع كتبه ” (4).


(1) أمالي الشيخ الطوسي الجزء الثالث من المجلد الاول، ص 86. (2) مشيخة من لا يحضره الفقيه: ص 10. (3) الفهرست: ص 22، ترجمة 55. (4) رجال النجاشي: ص 335، ترجمة 898.

[496]

ومما يؤكد ذلك ما في أمالي الشيخ الطوسي: الحديث السادس من الجزء الخامس عشر، مما رواه عن الحسين بن عبيدالله، عن أبي جعفر محمد بن بابويه القمي، قال: وبالاسناد قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبى عبد الله البرقي، قال: حدثنى أبي، عن جدي أحمد بن أبى عبد الله البرقي، قال: حدثنا أبي، عن علي بن نعمان… ” (1). ومما يؤكد قولنا أيضا ما ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه، عند ذكر طريقه الى محمد بن مسلم الثقفي، حيث قال: ” وما كان فيه عن محمد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبى عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم ” (2). علي بن الحسين، أبو الحسن القمي: هو علي بن الحسين، أبو الحسن القمي السعد آبادي (3)، عده الشيخ الطوسي ممن لم يرو عنهم عليهم السلام (4). أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد، وهو أحد مشايخ الكليني. روى عنه أبو غالب الزراري صاحب الرسالة في آل أعين، وقد صرح أن أبا الحسن علي بن الحسين السعد آبادي كان مؤدبه.


(1) أمالي الشيخ الطوسي: المجلد الثاني الجزء الخامس عشر، الحديث السادس ص 38 مطبعة النعمان. (2) مشيخة الفقيه: ص 6. (3) نسبه إلى سعد آباد، قرية في جبل طبرستان، وما ورد في إعجام الدال فهو غير صحيح، كما توهم المولى القهبائي، وقبله العلامة. انظر مجمع الرجال: 7 / 200، تنقيح المقال: 2 / 1 (4) رجال الطوسي: ص 484.

[497]

روى السعد آبادي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، وروى عن أحمد بن أبي عبد الله. وروى عنه جعفر بن محمد بن قولويه، وأحمد بن محمد الرازي، ومحمد بن موسى بن المتوكل، وعلي بن الحسين بن بابويه، والد الصدوق، والشيخ الكليني. وقع في أسانيد عدة من روايات ” الكافي “، فبلغ عددها بهذا العنوان أربعا وعشرين موردا، وقد عد حديث السعد آبادي في الحسان، وذلك لكونه من مشايخ الاجازة، ولكثرة رواياته، ومن عد حديثه صحيحا فهي دعوى بلا دليل. أقول: ما جاء في العنوان ” علي بن الحسين ” فيه تصحيف، والصواب: علي بن الحسن السعد آبادي المؤدب، أبو الحسن القمي. محمد بن جعفر، أبو العباس الرزاز الكوفي: وهو من الاسماء المشتركة التي وردت في أسانيد عديدة من روايات الكليني في كتابه ” الكافي “، ولا يستبعد أنه متحد مع محمد بن جعفر، أبو العباس الرزاز الكوفي. روى عن أحمد بن محمد بن خالد، وأيوب بن نوح، وعبد الله بن محمد، وعبد الله بن محمد بن خالد، ومحمد بن أحمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن الحسين، ومحمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، ومحمد بن خالد، ومحمد بن عبد الحميد، ومحمد بن عيسى، ومحمد بن عمرو، وعبد الله بن سنان، وعبد الله بن طلحة، ويحيى بن شيبان، ويحيى بن زكريا اللؤلؤي. أما الذين رووا عنه فهم كثيرون، منهم: محمد بن يعقوب الكليني، وعلي بن إبراهيم، وعبد الله بن حماد الانصاري، وعلي بن حاتم، وابن مسكان، وأحمد بن


[498]

داود، وأحمد بن محمد، ومحمد بن يوسف التميمي، ويعقوب بن يزيد، وآخرون… وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن خالد بن محمد البرقي، وهو أحد مشايخ الكليني. ورد في أسانيد الكافي في إحدى وستين موردا، لعناوين متعددة، إما بعنوان محمد بن جعفر، أو محمد بن جعفر الكوفي، أو محمد بن جعفر الرزاز، أو أبو العباس الكوفي، أو محمد بن جعفر أبو العباس الكوفي، أو محمد بن جعفر الرزاز الكوفي، أو محمد بن جعفر أبو العباس الرزاز. وكما بينا أن الكل متحد، والله العالم. ومحمد بن جعفر الرزاز الكوفي، أبو العباس، ثقة. علي بن عبد الله القمي: يحتمل أبو الحسن العطار، ثقة. وقع في أسانيد الكافي بعنوان ” علي بن عبد الله ” في (13) موردا، وقد أشار الخاقاني إلى أحدها من كتاب الكافي للكليني، كتاب العتق فقال: ” وهناك عدة اخرى ذكرها الكافي في كتاب العتق هكذا: عدة من أصحابنا علي بن إبراهيم، و محمد بن جعفر، ومحمد بن يحيى، وعلي بن عبد الله القمي، وأحمد بن عبد الله، وعلي بن الحسن – جميعا – عن أحمد بن محمد بن خالد ” (1). أقول: وقد راجعت كتاب العتق من الكافي، فلم أعثر على هكذا عدة. قال النجاشي: ” علي بن عبد الله، أبو الحسن العطار القمي، ثقة من أصحابنا، له كتاب الاستطاعة على مذهب أهل العدل، أخبرنا به أبو عبد الله القزويني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبي عن أحمد بن محمد بن عيسى عنه


(1) رجال الخاقاني، للشيخ علي: ص 18.

[499]

بكتابه ” (1). روى علي بن عبد الله عن الامام الصادق والكاظم عليهما السلام. وعن أبي خديجة، وأبيه، وسليمان، وعبد الله بن سنان، وعلي بن حسان، وعلي بن منصور، ويزيد بن إسحاق، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد. أما الذين رووا عنه، فمنهم: الحسن بن الحسين، وعبد الله بن جبلة، وعمر بن عثمان، ومحمد بن علي، ومحمد بن عيسى بن محمد، ومحمد بن يحيى، ومعلى بن محمد، والسياري. روى عنه الكليني بسنده عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن سعيد، عن علي ابن عبد الله، عن أبي الحسن موسى عليه السلام. الكافي: الجزء 3، كتاب الجنائز، باب غسل الاطفال والصبيان، الحديث السابع. وروى عنه الكليني في كتاب الكافي: الجزء 7، كتاب المواريث، باب ابن أخ وجد، الحديث العاشر. وعده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الامام الجواد عليه السلام (2). أقول: يبدو علي بن عبد الله قد أدرك الامام الهادي عليه السلام، ويعد من أصحابه. أما أنه أدرك الامام الصادق والكاظم، وروى عنهم عليهم السلام ومن دون واسطة فهو بعيد، وكونه من أصحاب الامام الهادي عليه السلام، بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه. كيفما كان، فهو أحد مشايخ الكليني، وربما كان أحد أصحاب العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد، والله العالم.


(1) رجال النجاشي: ص 254 ترجمة 666. (2) رجال الطوسي: ص 404.

[500]

العدة الثالثة عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد. والعدة هنا تشمل: – علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي، المعروف بعلان الكليني (1). – محمد بن أبي عبد الله، وهو أبو الحسن محمد بن جعفر بن عون الاسدي. – محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي ت 290 ه‍ (2). – محمد بن عقيل الكليني. قال العلامة في ” الخلاصة “، في الفائدة الثالثة، نقلا عن الكليني في ” الكافي “: “… وكلما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم: علي بن محمد بن علان، ومحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني ” (3). سهل بن زياد: هو سهل بن زياد الرازي الآدمي، أبو سعيد، عده الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب الامام الجواد عليه السلام (4)، واخرى من أصحاب الامام


(1) خال الكليني. (2) رجال الخاقاني: ص 18، وهو مولى عيسى بن موسى بن جعفر الاعرج. (3) الخلاصة للحلي: الفائدة الثالثة ص 272. (4) رجال الطوسي: ص 401.

[501]

الهادي عليه السلام (1)، وثالثة من أصحاب الامام العسكري عليه السلام (2). لقد وثقه الشيخ في رجاله، وضعفه في ” الفهرست ” (3). أما النجاشي فقد تقدم في الفصل الرابع من الكتاب تضعيفه (4) له. أما ابن الغضائري فقال: ” كان ضعيفا جدا، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه من قم، وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل (5). وأما الكشي فقال في أبي الخير الصالح بن أبي حماد الرازي: ” قال علي بن محمد القتيبي: سمعت الفضل بن شاذان، يقول في أبي الخير: وهو صالح بن سلمة أبي حماد الرازي كما كني، وقال علي: كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه، ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي، ويقول: هو الاحمق ” (6). وأما العلامة في ” الخلاصة ” فقد عده في القسم الثاني (7). وهكذا ابن داود في رجاله، إذ عده في قسم الضعفاء (8). وهكذا ابن شهر آشوب في ” معالم العلماء ” قال عنه: ” ضعيف، له كتاب… ” (9).


(1) رجال الطوسي: ص 416، وقد وثقه هنا فقال: ” يكنى أبا سعيد، ثقة، رازي “. (2) رجال الطوسي: ص 431. (3) الفهرست للطوسي: ص 80. (4) رجال النجاشي: ص 185. (5) رجال ابن الغضائري: انظر رجال العلامة الحلي، قسم الضعفاء، ص 229، مجمع الرجال للقهبائي: 3 / 179. (6) رجال الكشي (بتعليقة الداماد): 2 / 837. (7) رجال العلامة الحلي: ص 228. (8) رجال ابن داود: ص 249. (9) معالم العلماء: ص 57.

[502]

أقول: لقد اختلف العلماء في سهل بن زياد الآدمي، فمنهم من ضعفه كما مر آنفا، ومنهم من وثقه لاعتبارات وأمارات قد ذكروها، إلا أنها لا تورث القطع بوثاقته، كما أن بمجموعها يفيد الاطمئنان بسلامة عقيدة الرجل وحسن مذهبه، علما أن الكثير من فحول العلماء، وأساطين الامامية قد اعتمدوا على أحاديثه ورووا عنه، مما يكشف عن كونه معتمدا عندهم، كالشيخ الطوسي، والكليني، والصدوق، وابن قولويه، والفضل بن محمد الهاشمي الصالحي، وعلي بن محمد، ومحمد بن أحمد بن يحيى، وأحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن أبى عبد الله، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي، ومحمد بن الحسين، وأبي الحسين الاسدي، ومحمد بن نصير، وعلي بن ابراهيم، ومحمد بن يحيى، فهؤلاء من أجلاء علماء الشيعة في وقتهم، وقد أكثروا الرواية عنه، وهذا كاشف عن حسن حاله، ولا أقل عن صحة مروياته، وإن كان لا تلازم بين وثاقة الرجل وصحة مروياته. ثم إن سهل بن زياد هو أحد مشايخ الاجازة، ومن مشايخ الكليني، والعدة التي يروي عنها الكليني – والذي سيأتي ذكرهم – إنما كانوا يروون عن سهل هذا. لقد ورد سهل بن زياد بالعنوان المطلق في أسانيد ” الكافي ” في ألف وسبعمائة وأربع وثلاثين موردا، ثم جاء مقيدا بعنوان: سهل بن زياد أبو سعيد، وفي مكان آخر: سهل بن زياد الآدمي، وفي موضع ثالث: سهل بن (زيد) بدلا من (زياد)، وهو تصحيف زياد. وهذه العناوين المقيدة وردت في ستة موارد. كيفما كان، فالرجل إن لم يكن ثقة فهو حسن. علي بن محمد بن إبراهيم: هو علي بن محمد بن ابراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف بعلان، يكنى


[503]

أبا الحسن. قال عنه النجاشي: ” ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم عليه السلام، أخبرنا محمد، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا علي بن محمد، وقتل علان بطريق مكة، وكان استأذن الصاحب عليه السلام في الحج، فخرج: توقف عنه في هذه السنة، فخالف (1). علي بن محمد أحد مشايخ الاجازة، وشيخ الكليني، وهو أحد العدة الذين يروون عن سهل بن زياد، كما أنه خال الشيخ محمد بن يعقوب. وقد عرفت وثاقته من قبل النجاشي، وهكذا وثقه ابن داود وآخرون، إلا أن الكليني لم يرو عنه كثيرا، بل جاء بعنوان: علي بن محمد بن ابراهيم في أربعة موارد، وبعنوان: علي بن محمد في أكثر من (516) موردا، وهو عنوان مشترك كما عرفت، وورد بعنوان: علي بن محمد الكليني في مورد واحد في ” الكافي ” (2). وجاء بعنوان: علي بن محمد ابراهيم في ثلاث موارد من ” الكافي “، ولا يخفى أن العنوان قد سقط منه كلمة ” بن ” قبل ” ابراهيم “، والمقصود ابن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني. والله ولي السداد، والتوفيق والرشاد. لقد عرفت أن علان استأذن الامام صاحب الامر – عجل الله تعالى فرجه – للذهاب الى الحج، فصدر الامر بالمنع منه عليه السلام، لكنه خالف وذهب، فقتل بطريق مكة، ومع ذلك صدر التوثيق من الاصحاب بحقه مع ورود تلك المخالفة منه لامام زمانه – عجل الله تعالى فرجه -، لعل هناك وجها لم نطلع عليه… أقول: فقد ورد العنوان هكذا: علي بن محمد بن علان، وهذا وهم، وصوابه كما ذكرناه، فيكون ” علان ” بدلا من ” علي ” لا جده.


(1) رجال النجاشي: ص 261، ترجمة 682. (2) الكافي: 5 / 540 كتاب النكاح، باب الخضخضة ونكاح البهيمة، الحديث الخامس.

[504]

محمد بن أبي عبد الله: وهو أبو الحسين محمد بن جعفر بن عون الكوفي الاسدي الرازي، ساكن الري، ثقة، صحيح الحديث. قال النجاشي: ” يقال له: محمد بن أبي عبد الله، كان ثقة، صحيح الحديث، إلا أنه روى عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه، وكان أبوه وجها، روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى، له كتاب الجبر والاستطاعة، أخبرنا أبو العباس بن نوح، قال: حدثنا الحسن بن حمزة، قال: حدثنا محمد بن جعفر الاسدي بجميع كتبه، قال: ومات أبو الحسين محمد بن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادي الاول سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. قال بن نوح: حدثنا أبو الحسن بن داود قال: حدثنا أحمد بن حمدان القزويني عنه بجميع كتبه ” (1). وقال الشيخ الطوسي في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام: ” محمد بن جعفر الاسدي، يكنى أبا الحسين الرازي، كان أحد الابواب ” (2). وفي كتاب الغيبة قال: ” فقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الاصل، منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الاسدي رحمه الله، أخبرنا أبو الحسين بن أبي جنيد القمي، عن محمد بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شئ، فامتنعت من ذلك وكتبت استطلع الرأي، فأتاني الجواب: ” بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه، فإنه من ثقاتنا ” (3).


(1) رجال النجاشي: ص 373 ترجمة 1020. (2) رجال الطوسي: ص 496. (3) كتاب الغيبة للطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن ت 460 ه‍: ص 257 – طهران.

[505]

وقد ورد بحقه التوثيق من الامام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه، منها: ما ذكره الشيخ الطوسيي في كتاب ” الغيبة “، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن محمد بن شاذان النيشابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهما، فلم احب أن ينقص هذا المقدار، فوزنت من عندي عشرين درهما ودفعتها إلى الاسدي، ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها من مالي، فورد الجواب: ” قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون “، ومات الاسدي على ظاهر العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه، في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة (1) وكذلك صدر من الامام عجل الله تعالى فرجه توقيع بتوثيقه، كما ذكره الشيخ الطوسي في كتاب ” الغيبة “، قال: وروى محمد بن يعقوب الكليني، عن أحمد بن يوسف الساسي، قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجهت الى حاجز الوشاء مائتي دينار، وكتبت الى العزيم بذلك فخرج الوصل، وذكر: أنه كان قبلي ألف دينار، وأني وجهت إليه مائتي دينار، وقال: ” إن أردت أن تعامل أحدا فعليك بأبي الحسين الاسدي بالري “، فورد الخبر بوفاة حاجز – رضي الله عنه – بعد يومين أو ثلاثة، فأعلمته بموته فاغتم، فقلت: لا تغتم، فإن لك في التوقيع إليك دلالتين، إحداهما: إعلامه إياك أن المال ألف دينار، والثانية: أمره إليك بمعاملة أبى الحسين الاسدي لعلمه بموت حاجز (2). وهناك أخبار اخرى مؤكدة صادرة من الناحية المقدسة بحق الرجل، ومنزلته عند الامام، ووثاقته (3).


(1) كتاب الغيبة: ص 258. (2) كتاب الغيبة: ص 257. (3) وفي إكمال الدين للشيخ الصدوق: بإسناده عن نصر بن الصباح البلخي، قال: كان بمرو

[506]

والذي هكذا شأنه ومنزلته عند الاما م، فكيف يعقل أن يقول بالجبر والتشبيه، والامام عليه السلام لا يرد عليه أو على أقل تقدير لا ينبهه على سوء عقيدته في الله، في توحيده في الذات والصفات والافعال… ؟ ! وقد ذكر النجاشي في ترجمة حمزة بن القاسم العلوي العباسي أنه له كتاب الرد على محمد بن جعفر الاسدي (3). وأن خبر النجاشي معارض مع ما أورده الشيخ الطوسي في كتاب ” الغيبة “، حيث قال – كما تقدم -: ” ومات الاسدي على ظاهر العدالة، لم يتغير ولم يطعن عليه… “. ومما يؤيد وثاقته اعتماد الصدوق قدس سره على مروياته منها، قال: ” وأما الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات، فإني افتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه، أو بطعام محرم عليه ; لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الاسدي – رضي الله عنه – فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري – قدس الله روحه – ” (2). ومما يؤيد وثاقته هو إكثار الكليني من النقل عن محمد بن أبى عبد الله، فمرة ينقل عنه بعنوان: محمد بن أبى عبد الله، واخرى بعنوان: محمد بن جعفر الكوفي، وكلا الاسمين متحدان.


كاتب للخوزستاني سماه، لي نصر، واجتمع عنده ألف دينار للناحية… إلى أن قال: وكتب إليه: ” كان المال ألف دينار فبعثت بمائتي دينار، فإن أحببت أن تعامل أحدا فعامل الاسدي بالري “. إكمال الدين: ج 2، باب 45، في ذكر التوقيعات الواردة عن القائم عليه السلام، الحديث 10. اصول الكافي: ج 1، باب مولد الصاحب عليه السلام، الحديث 17. (1) رجال النجاشي: ص 140 ترجمة 364. (2) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، محمد بن على ت 381 ه‍، 2 / 73، الحديث 317، ط 4، مطبعة النجف، دار الكتب الاسلامية 1377.

[507]

ثم إن قول النجاشي في كون الاسدي يعتقد بالجبر والتشبيه مردود، كيف لا والشيخ الكليني تلميذه والراوي عنه ؟ علما أن الكليني في ” الكافي ” في كتاب التوحيد روى عدة أحاديث في بطلان القول بالتشبيه، وبطلان القول بالجبر، وقد أفرد بابا تحت عنوان: باب النهي عن الصفة، وباب النهي عن الجسم والصورة، وباب الجبر والقدر، وباب الاستطاعة… محمد بن جعفر الاسدي، أحد مشايخ الكليني، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد. ورد ذكر (محمد بن جعفر الاسدي) بهذا العنوان، وبالعنوان الثاني في أسانيد ” الكافي ” في اثنين وثمانين موردا. وكيفما كان، فالرجل من كبار علماء الشيعة الذين أدركوا الغيبة الصغرى، و جاء التوقيع من صاحب الدار عليه السلام بوثاقة الرجل كما تقدم. محمد بن الحسن الصفار: هو محمد بن الحسن الصفار بن فروخ، أبو جعفر الاعرج، القمي، مولى عيسى ابن موسى بن طلحة بن عبيدالله بن السائب بن مالك بن عامر الاشعري، أبو جعفر الاعرج. قال النجاشي: ” كان وجها في أصحابنا القميين، ثقة، عظيم القدر، راجحا، قليل السقط في الرواية، له كتب، منها: كتاب الصلاة، كتاب الوضوء… إلى أن قال: أخبرنا بكتبه كلها ما خلا ” بصائر الدرجات ” أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن طاهر الاشعري القمي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد عنه بها. وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه بجميع كتبه و


[508]

ببصائر الدرجات ” (1). ذكره الطوسي في رجاله في أصحاب الامام العسكري عليه السلام فقال: ” محمد ابن الحسن الصفار، له إليه عليه السلام مسائل، يلقب ممولة ” (2). وفي ” الفهرست ” قال: ” له كتب مثل: كتب الحسين بن سعيد، وزيادة كتاب بصائر الدرجات، وغيره، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن ابن علي العسكري عليهما السلام، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد عن ابن الوليد عنه. و أخبرنا بذلك أيضا جماعة عن ابن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن رجاله الا كتاب بصائر الدرجات، فإنه لم يرو عنه ابن الوليد. وأخبرنا به الحسين بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن الصفار ” (3). الصفار من كبار علماء الامامية، وأحد مشايخ الاجازة، وشيخ الكليني، وهو أحد العدة الذين يروون عن سهل بن زياد. كما أنه يروي عن يعقوب بن يزيد، وأحمد بن محمد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم، وعبد الله بن الحسن العلوي، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن عيسى بن عبيد، وعلي بن اسماعيل، ومعاوية بن حكيم. أما الذين يروون عنه فهم عديدون، أبرزهم الشيخ الكليني، حيث جاء ذكره في أسانيد ” الكافي ” بعنوان: محمد بن الحسن في مائة واثنين وستين موردا، وبعنوان: محمد بن الحسن الصفار في مورد واحد. أبرز كتاب ينسب إليه هو ” بصائر الدرجات “، إلا أن ابن الوليد ما كان يرويه لتوهمه أن فيه أخبار من الغلو بحق الائمة المعصومين عليهم السلام، وهو اشتباه، فتح


(1) رجال النجاشي: ص 354 ترجمة 948. (2) رجال الطوسي: ص 436. (3) الفهرست: ص 144.

[509]

الطريق لمن تأخر عنه لان يطعن على الرجل، على أنه في أعلى درجات الوثاقة، وكما عرفت أنه من أصحاب الامام العسكري عليه السلام. كما أن البعض اعتقد أن محمد بن الحسن الصفار هو غير محمد بن الحسن بن فروخ، والحقيقة أنه متحد. لان بصائر الدرجات ينسب لهذا العنوان – الصفار -، وللعنوان الثاني – ابن فروخ -، فلا يعقل تعددهما وانفرد كل منهما بتأليف هذا الكتاب، وبالخصوص تحت هذا العنوان. ثم القرائن الاخرى تؤكد على اتحاد الاسمين، وأنهما لشخص واحد. توفي محمد بن الحسن الصفار بقم سنة مائتين، وقيل غير ذلك. محمد بن عقيل الكليني: أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد، وهو من مشايخ محمد بن يعقوب الكليني، ذكره العلامة الحلي في ” الخلاصة ” في الفائدة الثالثة كما تقدم. قال المحدث النوري في ” المستدرك “: ” محمد بن عقيل الكليني، من مشايخ الكليني ثقة الاسلام، روى عنه في باب الزيارات في فقه الحج، وهو أحد العدة الذين روى عنهم عن سهل، وحاشا من هو أوثق الناس وأثبتهم في الحديث أن يكون شيخه غير ثقة ” (1). روى عنه الكليني في الكافي: الجزء الرابع في باب نادر بعد باب (في قوله تعالى: ” فيه آيات بينات “)، الحديث الاول، إلا أن محمد بن عقيل هذا يروي الحديث عن الحسن بن الحسين، عن علي بن عيسى، عن علي بن الحسن، عن محمد ابن يزيد الرفاعي… (2).


(1) المستدرك للنوري: 3 / 846، ط حجرية، م إسماعيليان – قم. (2) الفروع من الكافي للكليني محمد بن يعقوب: 4 / 224، دار الكتب الاسلامية – طهران

[510]

لهذا لم نعثر في الكافي رواية لمحمد بن عقيل عن سهل بن زياد، والله العالم. فالرجل على أقل تقدير حسن إن لم يكن ثقة. العدة الرابعة عدة من أصحابنا عن جعفر بن محمد الكوفي (1). والعدة هنا تشمل: – أبو عبد الله، الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر الاشعري القمي. – محمد بن الحسين. – الحسين بن محمد. – الحسن بن محمد. – علي بن محمد بن بندار (2). – محمد بن يحيى العطار (3). – علي بن محمد الكليني (4). يروي الكليني في ” الكافي ” أحيانا عن محمد بن يحيى، ومحمد بن الحسين عن


1391 ه‍ (1) انظر خاتمة مستدرك الوسائل، الفائدة الرابعة 3 / 541. (2) وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد، ترجمنا له في العدة الثانية، فراجع. (3) وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن خالد، ترجمنا له في العدة الاولى. (4) وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد، ترجمنا له في العدة الثالثة.

[511]

جعفر بن محمد، كما أنه يروي أحيانا عن محمد بن يحيى، والحسن بن محمد عن جعفر ابن محمد. جعفر بن محمد الكوفي: ممن لم يرو عن أحد الائمة عليهم السلام، روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى. استثنى الشيخ الصدوق جملة من روايات محمد بن أحمد بن يحيى، منها تلك التى يرويها عن جعفر بن محمد الكوفي. روى جعفر بن محمد الكوفي عن أحمد بن بشار، وعن جعفر بن محمد المكفوف، وعن الحسن بن محمد الصيرفي، وموسى بن جعفر بن وهب، ويوسف الابزاري. أما الذين رووا عنه، فمنهم: علي بن محمد كما في الكافي: جلد 1، كتاب الحجة، باب الاشارة والنص على أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام الحديث الثاني والثالث، وكتاب الحجة، باب الاشارة والنص على صاحب الدار عليه السلام الحديث الثالث، والحديث الثاني عشر من باب في تسمية من رآه عليه السلام، وفى باب النهي عن الاسم من كتاب الحجة الحديث الاول، وفي الحديث الثالث من نفس الباب. قال الكليني: عدة من أصحابنا عن جعفر بن محمد عن ابن فضال، والحديث 22 من باب الغيبة. وروى عنه محمد بن يحيى والحسن بن محمد، الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب في الغيبة، الحديث الاول والحديث 31. وروى عنه علي بن محمد، الكافي: الجزء الاول، باب في الغيبة الحديث 22، و باب الاشارة والنص على أبي محمد عليه السلام من كتاب الحجة، الحديث الرابع.


[512]

وروى عنه الحسين بن محمد، الكافي: الجزء الاول، باب كراهية التوقيت، الحديث 7. وروى عنه محمد بن يحيى والحسن بن محمد، باب التمحيص والامتحان من كتاب الحجة، الحديث الثاني والثالث. وروى عنه أحمد بن أبي زاهر، كما في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب أن الائمة يزدادون في ليلة الجمعة الحديث الثاني. وفي هذا الحديث محمد بن يحيى يروي عن أحمد بن أبي زاهر. يتضح من ذلك أن محمد بن يحيى مرة يروي عن جعفر بن محمد الكوفي مباشرة بلا واسطة، واخرى يروي مع الواسطة كما في هذا الحديث. أما وثاقة الرجل فلا كلام فيه، الا أن الصدوق قد استثنى ما يرويه محمد بن يحيى عن جعفر بن محمد (1)، وهذا يلفت النظر، وقد يقال: إن الرجل ضعيف، والله العالم بالصواب. ثم إن الكليني يروي عن جعفر بن محمد بواسطة في ثلاثة عشر موردا. الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر: هو الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر ; أبو عبد الله الاشعري القمي (2). ورد في الكافي بعنوان: أبو عبد الله في مائة وثمان موارد. قال عنه النجاشي: “… ثقة، له كتاب النوادر، أخبرنا (3) محمد بن محمد، عن


(1) الفهرست للطوسي: ص 145، ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري. (2) انظر معجم الرجال للخوئي: 6 / 71 – 77. (3) في الاصل: ” أخبرناه “، والصواب ما أثبتناه.

[513]

أبي غالب الزراري، عن محمد بن يعقوب عنه (1). فالرجل ثقة، من مشايخ الاجازة، وأحد مشايخ الكليني، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن جعفر بن محمد الكوفي. ثم ورد بعنوان: الحسين بن محمد في سبعمائة مورد من الكافي، كما ورد بعنوان: الحسين بن محمد القمي في مورد واحد من الكافي، وهذا العنوان متحد مع: الحسين ابن محمد الاشعري، كما أنه متحد مع: الحسين بن محمد بن عامر الاشعري. ذكر الشيخ الكليني بعنوان: الحسين بن محمد الاشعري في اثنين وتسعين موردا من الكافي. وذكر أربعة موارد بعنوان: الحسين بن محمد بن عامر. وذكر موردا واحدا بعنوان: الحسين بن محمد بن عامر الاشعري، كما انه ذكر الحسين بن محمد بن عمران في مورد واحد، وبما أن جميع هذه العناوين متحدة في شخص واحد، إذا مجموع ما يرويه الكليني في الكافي عنه يكون تسعمائة موردا وثمان موارد. الحسين بن محمد يروي عن كبار الامامية وفقهائهم، على سبيل المثال والايجاز: روى عن أحمد بن اسحاق الاشعري، وأحمد بن اسحاق القمي، وأحمد بن محمد السياري، وجعفر بن محمد، وحمدان القلانسي، وعبد الله بن عامر، وعبدويه بن عامر، وعلي بن محمد بن سعيد، ومحمد بن أحمد النهدي، ومحمد بن سالم بن أبي سلمة، ومحمد بن عمران بن الحجاج السبيعي، والمعلى بن محمد البصري. ثم إن طريق الشيخ الكليني إليه صحيح في المشيخة. روى عن الامام أبي محمد العسكري عليه السلام، وعن صاحب الدار عليه السلام. وقيل روى عن الامام الرضا عليه السلام (2).


(1) رجال النجاشي: ص 66، ترجمة 156. (2) معجم السيد الخوئي 6 / 74.

[514]

محمد بن الحسين: ورد بهذا العنوان في كتاب الكافي في أربعمائة وتسعين موردا. ثم احتمل السيد الخوئي انه متحد مع محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (1) عده الشيخ الطوسي تارة من أصحاب الامام الجواد عليه السلام، واخرى من أصحاب الامام الهادي عليه السلام، وثالثا عده من أصحاب الامام العسكري عليه السلام. كوفي ثقة (2) ومحمد بن الحسين هذا هو نفسه أبو جعفر الزيات، واسم أبي الخطاب زيد، كما قيل: عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، له تصانيف عديدة حسنة، توفي سنة 262 ه‍ وقال عنه النجاشي بعد العنوان: ” أبو جعفر الزيات الهمداني – واسم أبي الخطاب زيد – جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته، له كتاب التوحيد، كتاب المعرفة والبداء، كتاب الرد على أهل القدر، كتاب الامامة، كتاب اللؤلؤة، كتاب وصايا الائمة عليهم السلام، كتاب النوادر. أخبرنا علي بن أحمد بن محمد بن الحسن، عن الصفار قال: حدثنا محمد بن الحسين في سائر كتبه. ومات محمد بن الحسين سنة اثنتين وستين ومائتين ” (3). أقول: محمد بن الحسين، والملقب بأبي جعفر الزيات، ووالده الحسين بن أبي الخطاب، فإن أبا الخطاب جده واسمه زيد. وهذا غير أبي الخطاب الملعون ; محمد بن أبي زينب مقلاص، الذي لعنه الامام الصادق عليه السلام. روايات كثيرة ذكرها الكليني في ” الكافي “، والتى في سندها محمد بن الحسين،


(1) المصدر السابق 15 / 298 و 324. (2) رجال الطوسي 407 و 423 و 435. (3) رجال النجاشي: ص 334، ترجمة 897.

[515]

فقد روى عن أبي نصر، وابن محبوب، وإبراهيم بن أبي البلاد، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وجعفر بن بشير البجلي، والحسن بن علي بن فضال، والحسن بن محبوب، والحسن بن موسى الخشاب، والحكم ابن مسكين، وحماد بن عيسى، وذبيان بن حكيم، وسويد بن سعيد القلاد، وصفوان بن يحيى، وعبد الرحمان بن أبي نجران، وعبد الله بن عبد الرحمان الاصم، وعثمان بن عيسى، وعلي بن عقبة، وعلي بن النعمان، ومحمد بن أسلم، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن سنان، ومحمد بن عبد الله بن هلال، ومحمد بن يحيى، ويزيد بن إسحاق، وآخرين. أما الذين رووا عنه، فهم: أحمد بن إدريس، وجعفر بن محمد بن مالك، والحسن بمتيل الدقاق، وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري، وعلي بن الحسن، وعلي بن سليمان الرزاز، ومحمد بن أحمد بن يحيى، ومحمد بن جعفر الرزاز، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن يحيى العطار، وموسى ابن الحسن، والحميري. الحسين بن محمد: عنوان مشترك بين عدة من الثقات من أصحابنا، إلا أنه يتميز العنوان بالراوي والمروي عنه، والحسين بن محمد روى عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام. روى الكليني عن الحسين بن محمد بواسطة أو بواسطتين أو أكثر، روى عنه – على سبيل المثال – في الكافي: الجزء الاول، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر الحديث 13 (1). الحسين يروي عن محمد بن يحيى، أما الكليني فيروي عن الحسين بواسطة


(1) اصول الكافي: 1 / 160.

[516]

محمد بن أبي عبد الله. وروى الكليني بسنده الجزء الثاني من الكافي، كتاب الدعاء، باب الدعاء عند النوم والانتباه، الحديث الثالث (1)، روى عنه بواسطة حميد بن زياد عن الحسين ابن محمد. وروى الكليني بسنده الجزء الثاني من الكافي، الحديث الثاني من كتاب فضل القرآن (2)، روى عنه بواسطة حميد بن زياد عن الحسين بن محمد. وروى الكليني بسنده في الجزء الرابع، كتاب الحج، باب الكفارات ما أصاب المحرم من الوحش، الحديث الثاني (3)، روى عنه بواسطة محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن محمد. الحديث (4). وروى الكليني في الجزء الرابع، كتاب الحج، باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الحديث التاسع، روى عنه بأربع واسطات، عن الحسين بن محمد… الحديث. وروى الكليني بسنده الجزء الخامس، كتاب الجهاد، باب الامر بالمعروف والنهيى عن المنكر، الحديث التاسع (5)، روى عنه بواسطة حميد بن زياد عن الحسين ابن محمد… وروى الكليني عن الحسين بن محمد مباشرة، كما في كتاب الطلاق، باب الوقت الذي تبين منه المطلقة والذي يكون فيه الرجعة، الحديث العاشر (6)،


(1) اصول الكافي: 2 / 536. (2) اصول الكافي: 2 / 620. (3) فروع الكافي: 4 / 385. (4) فروع الكافي: 4 / 582. (5) اصول الكافي: 2 / 58. (6) فروع الكافي: 6 / 88.

[517]

والحديث الثالث من كتاب الذبائح، باب إدراك الزكاة (1). وهناك روايات عديدة ذكرها الشيخ الكليني بإسناده عن الحسين بن محمد، والذي روى الحسين بن محمد عدة من الثقات، كما أنه روى عن الامام أبي الحسن الاول موسى بن جعفر عليه السلام. أقول: ما يرويه الكليني عن الحسين بن محمد مباشرة فهو المقصود به: ابن عمران بن أبي بكر (أبي عامر) الاشعري القمي، أحد رجال العدة الذين رووا عن جعفر بن محمد الكوفي، وما كان يرويه الكليني عن الحسين بن محمد بواسطة أو أكثر فهذا ليس من العدة المذكورة، فلاحظ. الحسن بن محمد: كثيرا من الروايات – في الكافي – في سندها (الحسن بن محمد)، إذ بلغ عددها ثلاثا وخمسين رواية، إلا أن هذا العنوان مشترك بين عدة من الثقات الاجلاء. روى الحسن بن محمد عن: ابن محبوب، وابن رباط، وابن سماعة، وأحمد بن الحسن الميثمي، وأحمد بن عبد الله بن ربيعة الهاشمي، وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي، والحسن بن حذيفة، وجعفر بن سماعة، والحسن بن محبوب، وحميد بن زياد، وصفوان بن يحيى، وصالح بن خالد، وعلي بن الحسن بن حماد، وعلي بن الحسن بن رباط، وعلي بن خالد العاقولي، وعلي بن أبي حمزة، ومحمد بن أبي حمزة، ومحمد بن الحسن العطار، ومحمد بن زياد، وغيرهم… والحسن بن محمد هذا، عنوان مشترك بين الحسن بن محمد بن سماعة، وبين الحسن بن محمد الهاشمي، وبين الحسن بن محمد بن خالد بن يزيد، وبين الحسن بن


(1) فروع الكافي: 6 / 232.

[518]

محمد بن سلام، وبين الحسن بن محمد بن مهزيار، وبين الحسن بن محمد بن بشار. والتمييز بينهما إنما يعرف من خلال الراوي والمروي عنه، إلا أن في الغالب الاعم يراد به الحسن بن محمد بن سماعة إذا كان الراوي عنه حميد بن زياد، أو من هو في طبقته. نذكر على سبيل المثال ما رواه الكليني في الكافي: الجزء الثاني، كتاب الدعاء، باب التحميد والتمجيد الحديث الرابع (1)، والجزء الثالث، كتاب الجنائز، باب في كم يعاد المريض الحديث الخامس (2)، فإنه روى عن الحسن بن محمد بواسطة حميد بن زياد، ومثله في الجزء الثالث، كتاب الجنائز باب من يموت في السفينة الحديث الثاني (3)، فإنه روى عن الحسن بن محمد بواسطة حميد بن زياد. والجزء الخامس، كتاب النكاح باب نكاح المرأة التي بعضها حر وبعضها رق الحديث الرابع (4). أما الروايات التي جاء في أسانيدها الحسن بن محمد بن سماعة – بهذا العنوان – فكانت مائة وستة وثلاثين موردا في ” الكافي “، والتي جاءت بعنوان: الحسن بن محمد الصيرفي – بهذا العنوان، وهو المقصود ابن سماعة – كانت في خمسة موارد في ” الكافي “، والتي جاءت بعنوان: الحسن بن محمد الكندي – وهو أيضا ابن سماعة – كانت في أربع وعشرين موردا في ” الكافي “. العدة الخامسة عدة من أصحابنا عن سعد بن عبد الله 5، (عن أحمد بن الحسن)، أو عن


(1) اصول الكافي: 2 / 503. 3 – فروع الكافي: 3 / 214. (2) فروع الكافي: 3 / 118. 4 – فروع الكافي: 5 / 482. (5) انظر الكافي: 1 / 341 كتاب الحجة، باب الغيبة، الحديث الثالث والعشرون، والخامس والعشرون.

[519]

(أيوب بن نوح). والعدة هنا تشمل: – محمد بن الحسن (1). – محمد بن يحيى العطار (2). على بن محمد (3). سعد بن عبد الله: عنوان مشترك بين عدة من الرواة، وقد ورد بهذا العنوان في أسانيد و روايات ” الكافي ” في سبعة عشر موردا، كما ورد في ” الكافي ” بعنوان: سعد بن أبي خلف في خمسة عشر موردا، وورد: سعد بن عبد الله الحميري في مورد واحد، وسعد ابن عبد الله بن جعفر في موردين، وهذه العناوين غير متحدة، بل العنوان يتميز بالراوي والمروي عنه. سعد بن عبد الله هذا، روى عن أحمد وعن أيوب بن نوح، كما أنه روى عن جملة من الرواة، مثل: إبراهيم بن إسحاق، وإبراهيم بن محمد الثقفي، وإبراهيم بن مهزيار، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وأحمد بن الحسن بن علي


(1) يحتمل كونه الطائي، كما في فهرست الشيخ الطوسي. (2) وهو أيضا أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى، مر ذكره من العدة الاولى، وترجمته هناك. روى محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله، وروى الكليني عن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله من كتاب الحجة، باب مولد النبي صلى الله عليه واله، الحديث 27. (3) يحتمل كون ابن إبراهيم بن أبان الكليني، المعروف بعلان، خال محمد بن يعقوب الكليني، روى الكليني عن علي بن محمد عن سعد بن عبد الله.. في كتاب الحجة، باب مولد الصاحب عليه السلام، الحديث الرابع.

[520]

ابن فضال، وأحمد بن سعيد، وأحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد الاشعري، وأحمد بن محمد بن مطهر، وجميل بن صالح، والحسن بن علي بن فضال، وعلي بن مهزيار، ومحمد بن أحمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن خالد الطيالسي، ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، ومحمد بن الوليد الخزاز، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، وروى عن آخرين يطول ذكرهم… ويحتمل سعد هذا، هو ابن عبد الله بن أبي خلف الاشعري، وقد روى عنه عدة من أصحابنا – كما سيأتي – منهم: محمد بن الحسن، ومحمد بن يحيى العطار، وعلي ابن محمد، والكل من مشايخ الاجازة. سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري القمي، أبو القاسم، من وجوه فقهاء الشيعة الامامية، ووجهها البارز، قال عنه النجاشي: ” شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها، كان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا، وسافر في طلب الحديث، لقى من وجوههم: الحسن بن عرفة، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبا حاتم الرازي، وعباس الترقفي، ولقى مولانا أبا محمد عليه السلام، ورأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لابي محمد عليه السلام، يقولون: هذه حكاية موضوعة عليه، والله أعلم. وكان أبوه عبد الله بن أبي خلف قليل الحديث، وروى عن الحكم بن مسكين، وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى. وصنف سعد كتبا كثيرة، وقع إلينا منها: كتاب الرحمة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة… الخ. ثم توفي سعد رحمه الله سنة إحدى وثلاثمائة، وقيل: سنة تسع وتسعين ومائتين ” (1).


(1) رجال النجاشي: ص 178.

[521]

وأما الشيخ الطوسي فقد عده في رجال الامام العسكري عليه السلام، فقال: ” عاصره عليه السلام، ولم أعلم أنه روى عنه ” (1). وفي (من لم يرو عنهم عليهم السلام) قال: ” سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، جليل القدر، صاحب تصانيف ذكرناها في ” الفهرست “، روى عن أبي الوليد وغيره، روى ابن قولويه عن أبيه عنه ” (2). كما ذكر الشيخ الطوسي في ” الفهرست ” قال فيه: جليل القدر، واسع الاخبار، كثير التصانيف، ثقة ” (3). محمد بن الحسن: وقع بهذا العنوان في أسانيد ” الكافي ” في مائة واثنين وستين موردا، وقد روى عن جملة من الثقات ; كإبراهيم بن إسحاق الاحمر، وإبراهيم بن إسحاق النهاوندي، وإبراهيم بن مسلم، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد بن الحسن بن علي، وأحمد بن علوية الاصفهاني، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأيوب بن نوح، والحسن بن متيل الدقاق، والحسن بن محبوب، والحسين ابن راشد، وسعد بن عبد الله، وسهل بن زياد، وصالح ابن أبي حماد، وعبد الله بن أحمد، وعبد الله بن جميل بن عياش، وعبيدالله الدهقان، وعلي بن يعقوب الهاشمي، ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن حفص التميمي، ومحمد بن سنان، ومحمد بن عيسى، ومحمد بن يحيى العطار، وهشام بن الحكم، ويعقوب بن يزيد، وآخرين.


(1) رجال الشيخ الطوسي: ص 431. (2) رجال الشيخ الطوسي: ص 475. (3) الفهرست: ص 75.

[522]

ومحمد بن الحسن مشترك بين عدة من الاشخاص، وتمييزه بواسطة الراوي والمروي عنه، فهو مشترك بين محمد بن الحسن الاشعري، وبين محمد بن الحسن الصفار، وبين محمد بن الحسن الطائي، وبين محمد بن الحسن العطار، وبين محمد بن الحسن المكفوف، وبين محمد بن الحسن الميثمي، وبين محمد بن الحسن بن خالد، وبين محمد بن الحسن بن زياد، وبين محمد بن الحسن بن شمعون، وبين محمد بن الحسن بن علي بن يقطين، وبين محمد بن الحسن بن عمار. ومحمد بن الحسن الذي يروي عن سعد بن عبد الله هو أحد رجال العدة، وأحد مشايخ الكليني. ويحتمل أن يكون محمد بن الحسن هذا هو الصفار، والذي يروي عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف الاشعري، والاخير يروي عن أحمد وعن أيوب بن نوح. علي بن محمد: وقع في أسانيد روايات ” الكافي ” بهذا العنوان في خمسمائة مورد وسبعة موارد. وهذا عنوان مشترك بين علي بن محمد بن بندار، وبين علي بن محمد بن إبراهيم، وبين علي بن محمد بن الاشعث، وبين علي بن محمد الحضيني، وبين علي بن محمد العلوي، وبين علي بن محمد القاساني أو القاشاني، وبين علي بن محمد الكليني، وبين علي بن محمد النوفلي، وبين علي بن محمد الهرمزاني، وبين علي بن محمد بن أبي جميلة، وبين علي بن محمد بن أشيم، وبين علي بن محمد بن سعد، وبين علي بن محمد ابن شبرة، وبين علي بن محمد بن عبد الله القمي، وبين علي بن محمد بن عبد الرحمان، وبين علي بن محمد بن سليمان.


[523]

والتمييز بينهم إنما بالراوي والمروي عنه. علي بن محمد أحد رجال العدة الذين يروون عن سعد بن عبد الله، وهو كذلك أحد مشايخ الكليني. وقد مر التفصيل في العدة الثانية تحت عنوان علي بن محمد، فراجع. أقول: والمتعين في هذه العدة هو علي بن محمد الكليني، حيث روى هو ومحمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله، وكذلك رويا عن جعفر بن محمد الكوفي. العدة السادسة عدة من أصحابنا عن علي بن الحسن بن فضال. والعدة هنا تشمل: – أحمد بن محمد العاصمي. – علي بن محمد الكليني (1). – محمد بن يحيى (2). علي بن الحسن بن علي بن فضال، أبو الحسن: قال النجاشي: ” كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا، ولم يعثر له على زلة فيه ولاما يشينه، وقل ماروى عن ضعيف، وكان فطحيا، ولم يرو عن أبيه شيئا، وقال: كنت


(1) وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد. تقدمت ترجمته في العدة الثالثة، فراجع. (2) مر ذكره في العدة الاولى، يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى، وكذا في العدة الخامسة يروي عن سعد بن عبد الله. انظر ترجمته في العدة الاولى.

[524]

اقابله وسني ثمان عشرة سنة بكتبه، ولا أفهم إذ ذاك الروايات، ولا استحل أن أرويها عنه. وروى عن أخويه عن أبيهما، وذكر أحمد بن الحسين – رحمه الله – أنه رأى نسخة أخرجها أبو جعفر بن بابويه، وقال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام. ولا يعرف الكوفيون هذه النسخة، ولا رويت من غير هذا الطريق… ثم قال: وقد صنف كتبا كثيرة، وذكر منها خمسا وثلاثين كتابا ” (1). عده الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب الامام الهادي عليه السلام (2)، وتارة ثانية من أصحاب الامام العسكري عليه السلام (3). وقال في ” الفهرست “: فطحي المذهب، ثقة، كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والاخبار، جيد التصانيف، غير معاند، وكان قريب الامر إلى أصحابنا الامامية القائلين بالاثني عشر، وكتبه في الفقه مستوفاة في الاخبار حسنة، وقيل: إنها ثلاثون كتابا… ” (4). وقال عنه أبو عمرو الكشي: ” سألت أبا النصر محمد بن مسعود، عن جميع هؤلاء ؟ (5) أما علي بن الحسن بن علي بن فضال ; فما رأيت فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من علي بن الحسن بالكوفة، ولم يكن كتاب عن


(1) رجال النجاشي: ص 257. (2) رجال الطوسي: ص 419. (3) رجال الطوسي: ص 433. (4) الفهرست: ص 92، ترجمة 381. (5) ” هؤلاء “، المقصود بهم: علي وأحمد ابني الحسن بن علي بن فضال الكوفيين، وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي الكوفي، والقاسم بن هاشم اللؤلؤي الكوفي، ومحمد بن أحمد وهو حمدان النهدي الكوفي، وعلي بن عبد الله بن مروان البغدادي، وإبراهيم بن محمد بن فارس، ومحمد بن يزداد الرازي، وإسحاق بن محمد البصري.

[525]

الائمة عليهم السلام من كل صنف إلا وقد كان عنده، وكان أحفظ الناس، غير أنه كان فطحيا، يقول بعبدالله بن جعفر، ثم بأبي الحسن موسى عليه السلام، وكان من الثقات… الخ ” (1). روى عن علي بن الحسن بن فضال جمع غفير، منهم: العدة التي يروي عنها الكليني. والعدة التي تروي عن ابن فضال هم: أحمد بن محمد العاصمي، وعلي بن محمد الكليني، ومحمد بن يحيى. أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة العاصمي ; أبو عبد الله: قال النجاشي: ” وهو ابن أخي أبي الحسن علي بن عاصم المحدث، يقال له: العاصمي، كان ثقة في الحديث، سالما، خيرا، أصله كوفي وسكن بغداد، روى عن الشيوخ الكوفيين، له كتب، منها: كتاب النجوم، وكتاب مواليد الائمة وأعمارهم، أخبرنا أحمد بن علي بن نوح، قال: حدثنا الحسين بن علي بن سفيان عن العاصي ” (2). لقد وثقه جل العلماء ; كالعلامة في ” الخلاصة “، وابن داود في رجاله، والمجلسي في ” الوجيزة “، و ” البلغة “، والطريحي في ” المشتركات “، والكاظمي، و ” الحاوي “. وفي ” الوجيزة ” ذكر أنه استاذ الكليني. روى عنه الكليني في ” الكافي ” بعناوين متعددة، منها: بعنوان، أحمد بن محمد الكوفي في ثلاث وعشرين موردا، وروى عنه بعنوان: أحمد بن محمد العاصمي في


(1) رجال الكشي: 2 / 812. (2) رجال النجاشي: ص 94، ترجمة 232.

[526]

خمسة عشر حديثا، وروى عنه بعنوان: أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي في حديثين، وروى عنه بعنوان: أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي العصامي في مورد واحد، وروى عنه بعنوان: أبو عبد الله العصامي في حديثين. وهو أحد رجال العدة الذين رووا عن علي بن الحسن بن فضال، كما أنه روى عن إبراهيم بن الحسن، وعن محمد بن خاقان النهدي القلانسي، وعن ابن جمهور. العدة السابعة عدة من أصحابنا عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر. والعدة هنا تشمل: – الحسين بن الحسن العلوي. – علي بن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه (1) بن بندار. – محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (2). – علي بن محمد الكليني (3). ابراهيم بن اسحاق الاحمر: قال الشيخ الطوسي في رجاله، في أصحاب الامام الهادي عليه السلام: ” إبراهيم بن


(1) ترجمنا له في العدة الثانية، فراجع، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد ابن خالد. (2) ذكرنا ترجمته في العدة الثالثة، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد. (3) ذكرنا ترجمته في العدة الثالثة، وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن سهل بن زياد.

[527]

إسحاق، ثقة ” (1). وقال في رجاله، فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام: ” إبراهيم بن إسحاق الاحمري النهاوندي، له كتب، وهو ضعيف ” (2). وقال في ” الفهرست “: ” إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الاحمري النهاوندي، كان ضعيفا في حديثه، متهما في دينه، وصنف كتبا جملتها قريبة من السداد، منها: كتاب الصيام، كتاب المتعة، كتاب الدواجن، كتاب جواهر الاسرار كبير، كتاب النوادر، كتاب الغيبة، كتاب مقتل الحسين بن علي عليهما السلام، أخبرنا بكتبه ورواياته أبو القاسم علي بن شبل بن أسد الوكيل، قال: أخبرنا بها أبو منصور ظفر بن حمدون ابن شداد البادرائي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الاحمري. وأخبرنا بها أيضا الحسين بن عبيدالله، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبو سليمان أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي المعروف بابن هراسة، قال: حدثنا إبراهيم الاحمري بجميع كتبه. وأخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسين بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بمقتل الحسين عليه السلام خاصة ” (3). وقال العلامة في ” الخلاصة “، القسم الثاني منه: ” إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الاحمري النهاوندي، كان ضعيفا في حديثه، متهما في دينه، وفي مذهبه ارتفاع، وأمره مختلط، لاأعمل على شئ مما يرويه، وقد ضعفه الشيخ في ” الفهرست ” وقال في كتاب الرجال، في أصحاب الهادي عليه السلام: إبراهيم بن إسحاق،


(1) رجال الطوسي: ص 409. (2) المصدر السابق: ص 451. (3) الفهرست: ص 7، ترجمة 9.

[528]

ثقة. فإن يكون هو هذا فلا تعويل على روايته (1). أقول: لااتحاد بين العنوانين، فإن إبراهيم بن إسحاق من أصحاب الامام الهادي عليه السلام، والذي وثقه الشيخ الطوسي في رجاله هو غير إبراهيم بن إسحاق النهاوندي الذي عده فيمن لم يرو عن الائمة عليهم السلام. ثم إن الضعف والاتهام في الدين ربما حصل له من الروايات التي ينقلها من الغلاة، أو الذين اتهموهم بالغلو، ومع ذلك فقد روى عنه جماعة من أجلاء الاصحاب، وكبار فقهاء الامامية من المعاصرين له، مثل: محمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن أحمد بن يحيى، وعلي بن محمد بن بندار أبو القاسم ماجيلويه، وعلي بن محمد بن عبد الله، والحسين بن الحسن الحسيني، والحسن بن الحسين الهاشمي، ومحمد بن هوذة، وأحمد بن هوذة، ومحمد بن الحسين، ومحمد بن الحسن، وسعد بن عبد الله، و صالح بن محمد الهمداني، وإبراهيم بن هاشم. روى عنه الكليني بواسطة العدة وهم: الحسين بن الحسن العلوي، وعلي بن محمد الكليني، ومحمد بن الحسن الصفار أو الطائي، وعلي بن محمد بن بندار. الحسين بن الحسن العلوي: أحد رجال العدة الذي يروي عنهم الكليني في ” الكافي “. روى الشيخ الكليني عن الحسين بن الحسن في أحد عشر موضعا، ووصفه بالحسين في موضعين، ووصفه بالعلوي في موضع واحد، ووصفه بالهاشمي في خمسة مواضع. أقول: لا يخلو أن ما يرويه الحسين بن الحسن مطلقا فهو مشترك بين جملة من


(1) الخلاصة: ص 198.

[529]

الرواة، منهم: الحسين بن الحسن العلوي. عده الشيخ الطوسي في رجاله في من لم يرو عن الائمة عليهم السلام فقال: ” الحسين ابن الحسن الحسيني الاسود، فاضل، يكنى أبا عبد الله، رازي ” (1). إلا أن الشيخ الطوسي في كتاب ” الغيبة ” ذكر روايتين فيهما الحسين بن الحسن العلوي قد هنأ الامام العسكري بولادة مولانا صاحب الامر عليه السلام. الرواية الاولى: قال: أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي، عن حنظلة ابن زكريا، عن الثقة، قال: حدثني عبد الله بن العباس العلوي – ما رأيت أصدق لهجة منه، وكان خالفنا في أشياء كثيرة – قال: حدثنى أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي، قال: دخلت على أبي محمد عليه السلام بسر من رأى فهنأته بسيدنا صاحب الزمان عليه السلام لما ولد (2). والرواية الثانية: قال: أخبرني ابن أبى جيد القمي، عن محمد بن الحسين بن الوليد، عن عبد الله بن العباس – العلوي عن الحسن بن الحسين العلوي – بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبي الفضل الحسين ابن الحسن بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: وردت على أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام بسر من رأى فهنأته بولادة ابنه (3). روى عنه الكليني في مولد الحجة عليه السلام، وفي كتاب المعيشة، وكتاب المكاسب، ثم ترحم عليه في عدة موارد من ” الكافي “.


(1) رجال الطوسي: ص 462. (2) كتاب الغيبة للطوسي: ص 138. (3) غيبة الطوسي: ص 151.

[530]

روى الحسين بن الحسن العلوي عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، كما في ” الكافي ” و ” التهذيب ” و ” الاستبصار “. يستفاد من عدة روايات أنه كان مطلعا بالاخبار والسير، وكان على مقربة من وكلاء الناحية المقدسة وأخبارهم. روى الكليني عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني – واليا بالعسكر – وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الاموال، وله وكلاء، وسموا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيدالله بن سليمان الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل، فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيدالله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوما لا يعرفون بالاموال، فمن قبض منهم شيئا قبض عليه، قال: فخرج ; بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئا، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الامر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال اريد أن اوصله، فقال له محمد: غلطت، أنا لاأعرف من هذا شيئا، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم، لما كان تقدم إليهم (1). العدة الثامنة عدة من أصحابنا عن صالح بن أبي حماد. والعدة هنا تشمل: – الحسين بن الحسن العلوي (2).


(1) الكافي: 1 / 525، الحديث 30. (2) أحد رجال العدة الذين يروون عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر. انظر ترجمته في

[531]

– الحسين بن محمد الاشعري (1). – علي بن محمد الكليني (2). – محمد بن الحسن (3). صالح بن أبي حماد: أبو الخير الرازي، عده الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الامام الجواد عليه السلام (4)، واخرى عده من أصحاب الهادي عليه السلام (5)، وثالثة من أصحاب العسكري عليه السلام (6)، وذكره في ” الفهرست ” قال: ” له كتاب ” (7). وقال النجاشي: ” صالح بن أبي حماد، أبو الخير الرازي، واسم أبي الخير زادويه، لقى أبا الحسن العسكري عليه السلام، وكان أمره ملبسا (ملتبسا)، يعرف وينكر، له كتب، منها: كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام، وكتاب نوادر، أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن صالح بن أبي حماد ” (8).


العدة السابعة. (1) وهو أحد رجال العدة الذين يروون عن جعفر بن محمد الكوفي، وقد ذكرنا ترجمته في العدة الرابعة، فراجع. (2) أحد رجال العدة الذين يروون عن سعد بن عبد الله. انظر العدة الخامسة. (3) عنوان مشترك، ويحتمل كونه الصفار، وقد مرت ترجمته في العدة الثالثة، فراجع. (4) رجال الطوسي: 402. (5) المصدر السابق: ص 416. عنونه: صالح بن مسلمة الرازي، يكنى أبا الخير. (6) المصدر السابق: ص 432. (7) الفهرست: ص 84. (8) رجال النجاشي: ص 198.

[532]

وقال أبو عمرو الكشي في أبي الخير صالح بن أبي حماد الرازي: ” قال علي بن محمد القتيبي: سمعت الفضل بن شاذان، يقول في أبي الخير: وهو صالح بن سلمة أبي حماد الرازي كما كني، وقال علي: كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه، ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول: هو الاحمق ” (1). أقول: لو ثبتت وثاقة علي بن محمد القتيبي لامكن أن يقال بحسن الرجل – صالح بن أبي حماد – لشهادة الفضل بن شاذان، وبهذه الشهادة يسقط قول النجاشي. ويمكن القول بوثاقة علي بن محمد، حيث ورد في إسناد تفسير علي بن إبراهيم. كما وثقه الحلي في رجاله حيث عده في القسم الاول واعتمد عليه الكشي في رجاله (2). روى عنه الكليني بواسطة العدة، وهم: الحسين بن الحسن العلوي، والحسين ابن محمد الاشعري، وعلي بن محمد الكليني، ومحمد بن الحسن. جاء في أسانيد ” الكافي ” في ثلاث وستين حديثا. العدة التاسعة عدة من أصحابنا عن محمد بن عبد الله (ماجيلويه). والعدة هنا تشمل: – علي بن محمد بن عبد الله (ماجيلويه) (3).


(1) رجال الكشي: 2 / 837. (2) انظر رجال العلامة الحلي: قسم الثقات ص 94 ورجال الكشى. (3) أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن خالد، وقد ترجمنا له في العدة الثانية،

[533]

– محمد بن يحيى (1). محمد بن عبد الله (ماجيلويه): قال النجاشي: محمد بن أبى القاسم عبيدالله بن عمران الجنابي البرقي، أبو عبد الله، الملقب ماجيلويه، وأبو القاسم يلقب بندار، سيد من أصحابنا القميين، ثقة، عالم، فقيه، عارف بالادب والشعر والغريب، وهو صهر أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ابنته، وابنه علي بن محمد منها، وكان قد أخذ عنه العلم والادب، له كتب، منها: كتاب المشارب، قال أبو العباس: هذا كتاب قصد فيه أن يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وكتاب الطب، وكتاب تفسير حماسة أبي تمام، أخبرنا أبي علي بن أحمد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلوية، قال: حدثنا أبي علي بن محمد، عن أبيه محمد بن أبي القاسم ” (2). روى عن محمد بن عبد الله جملة من علماء الاصحاب، منهم: ابنه علي بن محمد، ومحمد بن علي ماجيلويه، وابن بطة، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن يحيى. روى عنه الكليني بواسطة العدة، والتى شملت كلا من: محمد بن يحيى، وعلي ابن محمد بن عبد الله (ابنه). ورد توثيق الرجل في ” الخلاصة “، ورجال ابن داود، ورجال النجاشي كما تقدم، وفي ” الوجيزة ” و ” البلغة ” و ” الوسيط ” للميرزا، وفي ” الحاوي “.


فراجع. (1) أحد رجال العدة الذين يروون عن أحمد بن محمد بن عيسى، وقد ترجمنا له في العدة الاولى، فراجع. (2) رجال النجاشي: ص 353.

[534]

العدد في وسط السند العدة العاشرة عدة من أصحابنا عن الامام الصادق عليه السلام (1). والعدة هنا تشمل: – عبد الاعلى. – أبو عبيدة. – عبد الله بن بشر الخثعمي.


(1) جاء ذكر هذه العدة في الكافي: ج 1، كتاب الحجة، باب أن الائمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشئ صلوات الله عليهم، ص 261، الحديث الثاني. وهذه العدة لم يعاصرها الكليني – قطعا – وإنما روى بإسناده عنهم عن الامام الصادق عليه السلام. وأصل السند هو هذا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، وعدة من أصحابنا منهم عبد الاعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي، سمعوا أبا عبد الله عليه السلام يقول.. الحديث. ولما كانت هذه العدة وسط السند، ولم يدركها الكليني، فقد أعرضنا عن ذكر ترجمة أصحابها.

[535]

العدة الحادية عشرة في كتاب فضل العلم: الكليني، عن محمد بن محمود أبو عبد الله القزويني، عن عدة من أصحابنا، منهم: جعفر بن محمد الصيقل بقزوين، عن أحمد بن عيسى العلوي، عن عبادة بن صهيب البصري، عن أبى عبد الله عليه السلام. ذكر هذا السند بعد الحديث الخامس من دون ترقيم، انظر الكافي 1 / 49. العدة الثانية عشرة عدة من أصحاب أحمد البرقي عن الحسن بن علي بن يوسف. جاء في كتاب العقيقة، باب فضل البنات، الحديث الحادي عشر: الكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عدة من أصحابه، عن الحسن بن علي بن يوسف. ومن العدة في وسط السند ما رواه الكليني في كتاب الصلاة، باب التطوع في وقت الفريضة، والساعات التي لا يصلى فيها، الحديث السابع، الكافي 3 / 289، قال: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن عمربن اذينة، عن عدة من أصحابنا، عن أبي جعفر الباقر عليهم السلام.. الحديث. العدة الثالثة عشرة منها كما في باب من اضطر إلى الخمر للدواء من كتاب الاشربة: الكليني، عن


[536]

علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عدة من أصحابنا، عن علي بن أسباط، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن، ثم قال: سألته عن الكحل يعجن بالنبيذ أيصلح ذلك ؟ قال: ” لا ” (1). أقول: والعدة هنا قد تشمل جملة من الذين رووا عن علي بن أسباط، وقد جاء في أسانيد الكافي ما يناهز العشرة، نذكر منهم: المعلى بن محمد عن علي بن أسباط، روى الكليني في باب حالات الائمة في السن عن الحسين بن محمد عن معلى ابن محمد عن علي بن أسباط..، ومنصور بن العباس عن علي بن أسباط، ومحمد بن عيسى عن علي بن أسباط، ومحمد بن أيوب الدهقان عن علي بن أسباط، وأحمد بن يوسف عن علي بن أسباط، وعلي بن فضال عن علي بن أسباط، وأحمد بن هلال عن علي بن أسباط، وموسى بن جعفر البغدادي عن علي بن أسباط، ومحمد بن يحيى ; ابن أبي الخطاب عن علي بن أسباط، وعلي بن مهزيار عن علي بن أسباط. وفي كتاب العقيقة، باب ما يستحب أن نطعم الحبلى النفساء، الحديث الرابع: الكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عدة من أصحابه، عن علي بن أسباط. ومثله في نفس الكتاب، باب تأديب الولد، الحديث الثاني. وفي كتاب العتق، باب نوادر: عدة، عن علي بن أسباط، الحديث الثاني عشر. انظر الكافي: 6 / 196. علي بن أسباط: هو علي بن أسباط بن سالم، بياع الزطي، أبو الحسن المقرئ، كوفي، ثقة.


(1) الكافي: 6 / 414، الحديث التاسع.

[537]

قال النجاشي: ” وكان فطحيا، جرى بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام، فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه، وقد روى عن الرضا عليه السلام من قبل ذلك، وكان أوثق الناس، وأصدقهم لهجة ” (1). عده الشيخ الطوسي في أصحاب الرضا عليه السلام (2) تارة، واخرى في أصحاب الجواد عليه السلام (3). قال الكشي: ” كان علي بن أسباط فطحيا، ولعلي بن مهزيار إليه رسالة في النقض عليه مقدار جزء صغير، قالوا: فلم ينجع ذلك فيه، ومات على مذهبه ” (4). لا إشكال في كون علي بن أسباط فطحي المذهب، لكن هل بقي على مذهبه ذاك أم تركه ؟ قول النجاشي: الذى تقدم أنه رجع عن ذلك القول وتركه، أما الكشي كما سمعت، أن بينه وبين علي بن مهزيار رسالة في النقض، ولكن لم ينجح ذلك فيه ومات على الفطحية، وهذا يوجب التهافت في القول والتعارض، فيسقطان عن الاعتبار. ثم ابن داود رجح قول النجاشي، وهو ترجيح بدون مرجح، بل أنه علل قوله على أساس الشياع بين العلماء فقال: ” والاشهر ما قال النجاشي، لان ذلك شاع بين أصحابنا وذاع، فلا يجوز بعد ذلك الحكم بأنه مات على المذهب الاول، والله أعلم بحقيقة الامر ” (5).


(1) رجال النجاشي: ص 252، ترجمة 663. (2) رجال الطوسي: ص 382. (3) رجال الطوسي: ص 403. (4) رجال الكشي: 2 / 835. (5) رجال ابن داود: القسم الثاني، ص 260.

[538]

وترجيح ابن داود ليس فيه اعتبار ; لان جاء ذكره في القسم الثاني، وهو مخصص بالضعفاء، وإلا كان يلزمه على هذا الترجيح أن يذكره في القسم الاول المعد للثقات. نعم، يمكن ترجيح توبته ورجوعه عن مذهب الفحطية، وأنه تركه – بعد ما قال به فترة – وذلك بدليل مكاتبته لابي جعفر الجواد عليه السلام، وترحم الجواد عليه السلام عليه. الكافي: الجزء 5، كتاب النكاح، باب أن المؤمن كفؤ المؤمنة، باب آخر منه – بعد باب تزويج ام كلثوم – الحديث الثاني: قال الكليني: سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن علي بن مهزيار قال: كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام في أمر بناته، وأنه لا يجد أحدا مثله، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: ” فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وأنك لاتجد أحدا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير “. المصدر. هذا الحديث يثبت وثاقة علي بن أسباط، وحسن مذهبه واعتقاده، وإلا لما راسل الامام الجواد عليه السلام في أمر بناته، كما أن الامام المعصوم ليس من شأنه أن يترحم على فاسدي العقيدة والمذهب… روى علي بن أسباط عن جماعة كثيرة من الرواة والمحدثين والثقات من الفقهاء، وكما عرفت أنه ثقة بتصريح النجاشي. روى عن أبي الحسن موسى الكاظم، وأبي الحسن علي بن موسى الرضا، وأبي جعفر الجواد عليهم السلام، كما روى عنه الكليني بعدة وسائط، وقد جاء ذكره في ” الكافي ” في مائتين وستة موارد.


[539]

ذكر الخاقاني في رجاله: ” إن الكليني روى بواسطة العدة عن علي بن أسباط في باب التطوع في وقت الفريضة، فقال: وفي باب التطوع في وقت الفريضة: عدة عن أبي جعفر عليه السلام، في مقام آخر: عدة عن علي بن أسباط ” (1). أقول: وإني لم أعثر على هذه العدة في الباب المشار إليه. العدة الرابعة عشرة ومن العدة في وسط السند: ما رواه محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن الحسين بن علي بن مروان، عن عدة، عن أبي حمزة الثمالي. روى الكليني في كتاب الحج، باب أن أول ما خلق الله في الارضين موضع البيت وكيف كان أول ما خلق، صفحة 189، الحديث الخامس (2). أبو حمزة الثمالي: ثابت بن دينار، ثقة، جليل. قال عنه النجاشي: ” ثابت بن أبي صفية، أبو حمزة الثمالي، واسم أبي صفية دينار، مولى، كوفي، ثقة، وكان آل المهلب يدعون ولاءه وليس من قبيلهم ; لانهم من العتيك، قال محمد بن عمر الجعابي: ثابت بن أبى صفية مولى المهلب بن أبى صفرة، وأولاده نوح ومنصور وحمزة قتلوا مع زيد، لقى علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن عليهم السلام، وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: ” أبو حمزة في


(1) رجال الخاقاني: ص 19. (2) الكافي: 4 / 189.

[540]

زمانه مثل سلمان في زمانه “، وروى عنه العامة، ومات في سنة خمسين ومائة ” (1). مر ذكر أبي حمزة الثمالي في ترجمة أحمد بن محمد الاشعري. انظر العدة الاولى. جاء ذكر أبي حمزة، ثابت بن دينار في أسانيد روايات الكليني في مائتين وثلاث وستين موردا. أما العدة التي تروي عن أبي حمزة فغير معلومة، وقد جاء ذكرها في الكافي: الجزء 4، كتاب الحج، باب أن أول ما خلق الله من الارضين موضع البيت وكيف كان أول ما خلق، الحديث الخامس (2). العدة الخامسة عشرة من العدة في وسط السند: ما رواه حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عدة، عن أبان بن عثمان، عن زرارة. روى الكليني في الجزء الرابع في كتاب الصوم، باب من لم يجب له الافطار والتقصير في السفر ومن يجب له ذلك، الحديث السابع (3). أبان بن عثمان: هو أبان بن عثمان الاحمر البجلي، كان من أهل البصرة، وسكن الكوفة، قال عنه الكشي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام: ” أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه، من دون


(1) رجال النجاشي: ص 115، ترجمة رقم 296. (2) الكافي: 4 / 189. (3) الكافي: 4 / 129.

[541]

اولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم، ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه – يعني ثعلبة بن ميمون -: أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ” (1). وفي نفس الوقت روى الكشي عن محمد بن مسعود، قال: حدثني محمد بن نصير وحمدويه، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: كنت أقود أبي وقد كان كف بصره، حتى صرنا إلى حلقة فيها أبان الاحمر، فقال لي: عمن تحدث ؟ قلت: عن أبي عبد الله عليه السلام فقال: ويحه، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أما إن منكم الكذابين، ومن غيرهم المكذبين ” (2). والخبر واضح في ذم أبان. وقال – الكشي – عن محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن الحسن، قال: كان أبان من أهل البصرة، وكان مولى بجيلة، وكان يسكن الكوفة، وكان من الناووسية ” (3). والناووسية فرقة وقفت على إمامة أبي عبد الله الصادق عليه السلام. وفي بعض نسخ رجال الكشي أنه كان من القادسية، وقد حرف وزيد في التحريف فأصبح يكتب من الناووسية. أقول: كيف يكون من الناووسية الذين وقفوا على إمامة الصادق عليه السلام وقد روى عن الامام أبي الحسن الاول موسى بن جعفر عليهما السلام ؟ ! قال النجاشي: ” أبان بن عثمان الاحمر البجلي، مولاهم، أصله كوفي، كان يسكنها تارة، والبصرة تارة، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وعبد الله محمد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والايام،


(1) رجال الكشي: 2 / 673. (2) رجال الكشي: 2 / 640. (3) رجال الكشي: 2 / 640.

[542]

روى عن أبي عبد الله وأبي (1) موسى عليهما السلام… ” (2). عدة الشيخ الطوسي من أصحاب الامام الصادق عليه السلام (3). روى الكليني عن أبان بالواسطة في موارد كثيرة، فقد ذكره في ” الكافي ” بعنوان: أبان بن عثمان في ثلاثمائة وثمان موارد، وذكره بعنوان: أبان الاحمر في تسع موارد، وذكره بواسطة العدة في مورد – واحد – وقد وقع في وسط السند. الكافي: الجزء الرابع، كتاب الصوم، باب من لا يجب له الافطار والتقصير في السفر ومن يجب له ذلك، الحديث السابع: روى الكليني عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عدة، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: الرجل يشبع أخاه في شهر رمضان اليوم واليومين… الحديث (4). روى أبان بن عثمان عن اناس كثيرين، منهم: زرارة، ومحمد بن الفضيل الهاشمي، وكثير النواء، ومحمد الحلبي، وأبي الجارود، وأبي بصير، وأبي جعفر الاحول، وأبان بن تغلب، وأبي الصباح الكناني، وأبي مريم الانصاري، وإسحاق بن عمار، وإسماعيل بن عبد الرحمان الجعفري، وبريد بن معاوية، وبشير بن يسار، وبشير النبال، وبكير بن أعين، والحسن بن زياد الصيقل، والحسين بن زياد، والحسين بن حماد، والحسين بن المغيرة، والحسن بن المنذر، وحمران بن أعين، وذريح المحاربي، وسماعة، وشعيب بن يعقوب العقرقوفي، وضريس بن عبد الملك، وعامر بن عبد الله بن جذاعة، وعبد الله بن أبي يعفور، وعنبسة بن مصعب، وعيسى بن عبد الله القمي، ومحمد الحلبي، ومحمد الواسطي، وموسى بن العلاء، ويحيى بن أبي العلاء الرازي، وآخرين…


(1) الصواب ابنه. (2) رجال النجاشي: ص 13، ترجمة 8. (3) رجال الطوسي: ص 152. (4) الكافي: 4 / 129.

[543]

العدد المجهولة العدة السادسة عشرة عدة من أصحابنا، عن الحسين بن الحسن بن يزيد، عن بدر. والعدة هنا مجهولة، لا نعلم من يندرج فيها على وجه الدقة، الا أن من المحتمل أن يكون أبو علي الاشعري أحدهم. الحسين بن الحسن بن يزيد: روى الشيخ الكليني قدس سره بواسطة (عدة من أصحابنا) عن الحسين بن الحسن ابن زيد في مورد واحد في الكافي: الجزء الاول، كتاب الحجة، باب أنه ليس بشئ من الحق في يد الناس الا ما خرج من عند الائمة عليهم السلام، وأن كل شئ لم يخرج من عندهم فهو باطل، الحديث السادس. والحسين بن الحسن هذا يروي عن بدر، كما في النسخة المتداولة من الطبعة


[544]

الثالثة، لكن في بعض النسخ هكذا: الحسين بن الحسن عن بريد بن يزيد عن بدر. كيفما كان، أن بدر عنوان مشترك بين جماعة من الرواة، منهم: بدر غلام أحمد ابن الحسن جاء في موردين من أسانيد الكافي، وبدر بن الخليل الازدي له ذكر في مورد واحد من الكافي، وبدر بن الخليل الاسدي أيضا وقع في مورد واحد من أسانيد الكافي، وبدر بن الوليد جاء في ثلاث موارد من أسانيد الكافي. وبدر بن الوليد الخثعمي له ذكر في أسانيد الكافي في موردين. أما العدة التي تروي عن الحسين بن الحسن بن يزيد فمجهولة، وقد روى الكليني عنها في ” الكافي ” في مورد واحد كما سبق آنفا. وفي الكافي: الجزء الثاني، كتاب الايمان والكفر، باب اخوة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث السابع: روى الكليني، عن أبي علي الاشعري، عن الحسين بن الحسن، عن محمد بن أورمة، عن بعض أصحابه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام… الحديث (1). ويحتمل الحسين بن الحسن مشترك مع الحسين بن الحسن بن يزيد، والله العالم. كما ويحتمل أن أبا علي الاشعري هو أحد رجال العدة الذين يروون عن الحسين بن الحسن بن يزيد. العدة السابعة عشرة عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبى نصر (2)، عن (أحمد ابن


(1) اصول الكافي: 2 / 166. (2) الكافي: ج 4، كتاب الحج، باب النهي عن الصيد وما يصنع به إذا أصابه المحرم والمحل في

[545]

محمد بن أبي نصر) (1). العدة هنا مجهولة. أحمد بن محمد: جاء في أسانيد الكافي (أحمد بن محمد) في ثلاثة آلاف وسبعمائة وأربعة وستين موردا، وهو عنوان مشترك بين جمع من الرواة والمحدثين والفقهاء، وهذه العناوين المشتركة هي كالآتي، وفي ” الكافي ” فقط: أحمد بن محمد بن عيسى، جاء في ألف ومائة وستة وثلاثين موردا. أحمد بن محمد البرقي، جاء في ستة وثلاثين موردا.


الحل والحرم ص 381، الحديث الرابع. وفي نفس الباب الحديث الخامس: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب. وفي نفس الجزء، كتاب الصوم، باب الرجل يجامع أهله في السفر أو يقدم من سفر في شهر رمضان، ص 133، الحديث الاول: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير… الخ. وفي الجزء الاول من الكافي، باب الخمس، ص 545، الحديث الثالث عشر: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر… وجاء في كتاب الصوم، باب المعتكف يمرض والمعتكفة تطمث، الحديث الثاني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب… وأحيانا يقدم سهل بن زياد على أحمد بن محمد بعد العدة. وقد عرفت العدة التي تروي عن سهل بن زياد، أما العدة التي تنفرد بالرواية عن أحمد بن محمد فهي مجهولة. انظر كذلك جامع الرواة: 2 / 465 الفائدة الثالثة والرابعة. (1) الجزء الاول كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ص 429، الحديث 83، من اصول الكافي. لا يخفى أن كلمة (عن) قد سقطت من بين كلمتي (محمد وابن)، فالصواب: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن حماد.

[546]

أحمد بن محمد بن خالد، جاء في ثمانمائة واثنين وسبعين موردا. أحمد بن محمد بن خالد البرقي، جاء في أربعمائة واثنين وتسعين موردا. أحمد بن محمد بن خالد عرابية، جاء في ستة موارد. أحمد بن محمد البصري، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد الحجال، جاء في موردين. أحمد بن محمد السياري، جاء في ثلاثة موارد. أحمد بن محمد العاصمي، جاء في خمسة عشر موردا. أحمد بن محمد القلانسي، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد الكوفي، جاء في ثلاث وعشرين موردا. أحمد بن محمد بن إبراهيم الا زمني، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن أبي نصر، جاء في أربعمائة وخمس وثلاثين موردا. أحمد بن محمد بن أبي الفضل المدائني، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن أبي عبد الله، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الانزال، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن أبي نصر عبد الكريم، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن أحمد، جاء له ذكر في أربعة موارد. أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي العاصمي، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن الاقرع، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن الحسين، جاء في مورد واحد.


[547]

أحمد بن محمد بن بصر، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن سعيد، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن عبد الله، جاء في اثنين وعشرين موردا. أحمد بن محمد بن عبد الله بن مروان الانباري، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن عثمان بن عيسى، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن علي، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن علي بن الحكم، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن سنان، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن نصر، جاء في موردين. أحمد بن محمد بن يزيد، جاء في مورد واحد. أحمد بن محمد علي بن الحكم، جاء في موردين. هذه جملة من الاسماء المشتركة بهذا العنوان – أحمد بن محمد – في أسانيد الكافي. روى (أحمد بن محمد) عن اناس كثيرين، قد يناهز عددهم ثلاثمائة راوي. وروى عنه في ” الكافي ” بواسطة العدة، وهي مجهولة عندنا، الا أننا نذكر بعض الموارد من أسانيد الكافي. روى الكليني في الجزء الثاني، كتاب الايمان والكفر، باب زيارة الاخوان، الحديث 10. وفي الجزء الثالث، كتاب الزكاة، باب تفضيل القرابة في الزكاة، الحديث 2. وفي باب منع الزكاة، الحديث 11.


[548]

وفي الجزء الرابع، كتاب الصوم، باب كفارة الصوم وفديته، الحديث الاول. وفيه كتاب الحج، باب الوقوف على الصفا، الحديث 5. وفيه باب ما يجب على الحائض في أداء المناسك، الحديث 2. وفيه باب السعي بين الصفا والمروة، الحديث 2. وفيه باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة، الحديث 7. وفيه باب الرجل يموت صرورة أو يوصى به الحج، الحديث 2. وفي الجزء الرابع، كتاب الصوم، باب ما يقال في مستقبل شهر رمضان، الحديث 4. وفيه الحديث السابع. وفيه باب آداب الصوم، الحديث 7 و 8. وفيه باب في الصائم يسعط، الحديث 4 و 6. وفيه باب ليلة القدر، الحديث 10. وفيه باب الدعاء في العشر الاواخر من شهر رمضان، الحديث 2. وفيه باب النوادر، الحديث 2. وفي الجزء الخامس من الكافي، كتاب المعيشة، باب أن من السعادة أن يكون معيشة الرجل في بلده، الحديث 2. وفي الجزء السادس، كتاب الزي والتجميل والمروءة، باب التجميل وإظهار النعمة، الحديث 11. العدة الثامنة عشرة عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد (1). والعدة هنا مجهولة. أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد: روى عن المعصوم عليه السلام مكاتبة، في الكافي له ذكر في مورد واحد. الجزء


(1) جامع الرواة: 2 / 465، الفائدة 3 و 4.

[549]

الاول منه، كتاب الحجة، باب الفئ والانفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه، الحديث 12 (1). قال الكليني: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد، قال: كتبت – إلى المعصوم -: جعلت لك الفداء، تعلمني ما الفائدة وما حدها ؟ رأيك – أبقاك الله تعالى – أن تمن علي ببيان ذلك لكي لاأكون مقيما على حرام، لاصلاة لي ولاصوم، فكتب: ” الفائدة مما يفيد إليك من تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام أو جائزة “. أقول: في بعض النسخ: أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد، كما في هامش الصفحة من اصول الكافي: 1 / 545. وبهذا يتعين كون أحمد بن محمد بن عيسى هو الاشعري القمي، من أصحاب الامام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ثقة، جليل، من وجوه الفقهاء والاعيان في قم، له كتب ومصنفات. تقدم ذكره في العدة الاولى. والعدة هنا مجهولة ; بتقدير كون أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد عنوان مغاير للاشعري. العدة التاسعة عشرة عدة، عن علي بن الحسن بن صالح الحلبي. أقول: لم نعثر على ترجمة علي بن الحسن بن صالح الحلبي، كما أن العدة هنا مجهولة، ولعل هناك تصحيف. نعم، ورد في ” الكافي “: علي بن الحسن بن صالح التيملي، ولا يستبعد أن العدة المقصودة هنا هي عن علي بن الحسن بن فضال، لذا يحتمل التصحيف في لفظة


(1) اصول الكافي: 1 / 545.

[550]

” فضال ” فابدلت إلى ” صالح “، و ” الحلبي ” بدلا من ” التيملي “، والله العالم بالصواب. العدة العشرون عدة من أصحابنا، عن علي بن ابراهيم. والعدة هنا مجهولة. يحتمل الاشتباه من قلم النساخ، وإلا فإن الشيخ الكليني يروي عن علي بن ابراهيم من دون واسطة في أكثر من خمسة آلاف موضع. نعم، يمكن القول أن علي بن إبراهيم هو غير بن هاشم القمي، والذي يكنى أبا الحسن، ويعد من أصحاب الامام الهادي عليه السلام. فمن المحتمل أن يكون المعنى هو علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد ابن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، الملقب بالهاشمي. قال النجاشي – بعد العنوان -: ” أبو الحسن الجواني، ثقة، صحيح الحديث، له كتاب أخبار صاحب فخ، وكتاب أخبار يحيى بن عبد الله بن الحسن، أخبرنا العباسي بن عمر بن العباس، قال: حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني من كتابه وسماعه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بكتبه ” (1). والكليني يروي عنه مباشرة، فهو من مشايخه، روى عنه في الجزء الثاني، كتاب الايمان والكفر، باب الذنوب، ص 275، الحديث 26 (2). وروى عنه في الجزء الثالث، كتاب الصلاة، باب الرجل يخطو إلى الصف أو


(1) رجال النجاشي: ص 262، ترجمة 687. (2) اصول الكافي: 2 / 275.

[551]

يقوم خلف الصف وحده، الحديث الثامن (1). وروى عنه في الجزء السادس، كتاب الصيد، باب القنبرة، الحديث الرابع (2). وروى عنه نفس الجزء، في كتاب الاطعمة، باب الجبن، الحديث الثالث (3). أقول: ويحتمل أن يكون محمد بن يحيى هو أحد العدة ; لانه يروي عن علي بن إبراهيم الهاشمي، كما في الحديثين المتقدمين. وفي خاتمة التنقيح (4) أن الغالب رواية الكليني عن العدة عن أحد الثلاثة المذكورين، وقد يروي نادرا عن عدة من أصحابنا عن غيرهم. بعض الاحاديث تروى بالعدة، وكذا تروى بأسانيد اخرى، كما في الكافي الجزء السادس، نذكر على سبيل المثال بعضها: أ – كتاب الطلاق، باب تفسير طلاق السنة والعدة وما يوجب الطلاق، الحديث الثاني: قال الكليني: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام. ب – وفي الكتاب نفسه، باب أنه لا طلاق قبل النكاح، الحديث الثاني: الكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وعلي بن ابراهيم، عن أبيه… ومثله في باب عدة الحبلى المتوفى عنها زوجها ونفقتها، الحديث الاول. ومثله في باب طلاق الصبيان، الحديث الاول، والحديث الثاني من باب


(1) اصول الكافي: 3 / 386. (2) فروع الكافي: 6 / 225. (3) فروع الكافي: 6 / 340. (4) تنقيح المقال: ص 83.

[552]

الخلية والبريئة والبتة. ج – وفي نفس الكتاب، باب من طلق بغير الكتاب والسنة، الحديث الاول: الكليني، عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان… وفي كتاب العقيقة، باب نوادر، الحديث الثالث. ومثله في باب طلاق التي لم يدخل فيها الحديث الاول. د – الكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى…، ومثله في باب أنه يعق يوم السابع للمولود ويحلق رأسه ويسمى، الحديث السادس. ه‍ – وفي نفس الكتاب، باب من طلق ثلاثا على طهر بشهود في مجلس أو أكثر أنها واحدة، الحديث الاول: الكليني، عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل ابن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر…


[553]

الخاتمة سلك علماء الشيعة الامامية – وهم في ظل عصر التشريع وإلى يومنا هذا – خطا مستقيما في نهجهم ومعتقداتهم وتبنيهم للاصول المذهبية، وكل جيل من العلماء والفضلاء يقتفي أثر من سبقه، ويحذو حذو المتقدمين، ولا يقدح من شذ منهم في إجماع علماء العصر الواحد، على أن الشذاذ من كل وقت إنما يستند في أدلته على ظواهر الكتاب والاخبار، دون إحراز المخرج السليم في ذلك، كالتأويل لبعض النصوص، أو اتباع أوثق الاخبار، أو أصحها، وأكثرها شهرة بين الاصحاب، أو كونها مورد اعتماد وعمل الجميع طوال الاعصر. وعلى هذا النهج حرص العلماء القدامى، وبالخصوص القميين في تنقية الاجواء العلمية، ومراقبة المحدثين، ومتابعة أحاديثهم، واستدراجهم في طلب الحجة أو المصدر الذي يستند عليه – في كل ما يقوله – المحدث في الدرس أو المناظرة. لذا لم تجد أحدا من العلماء يجرأ أن يخرج عن الحد المألوف في معتقداته وأفكاره، سواء كان ذلك في الاحكام الشرعية أو القواعد الفقهية أو ما يتعلق


[554]

بالاصول المذهبية والضرورات التى درج عليها الشيعة الاثنا عشرية، وأن موقف أحمد بن محمد بن عيسى من البعض واضح جدا، حيث أخرج جملة من علماء قم في وقته، ظنا منه أنهم كانوا يغالون في عقيدتهم. إخراج بعض القميين: لقد عرف أحمد بن محمد بن عيسى أنه الرجل الثقة، والرئيس الذي يلقى السلطان بقم، وهذا يعني أنه كان متنفذا، وله مقام سام، تهابه طبقات المجتمع على اختلافها، وله منزلة عند السلطان… ولما كان هو الوجه الذيى يؤتى، والشخص المبرز في قم، ومكانته الدينية والاجتماعية بل والسياسية معروفة عند الجميع، فمن البديهي أن تكون له سطوة على أبناء المدينة، ويهمه ما يهمها… كان في قم بعض من اتهم بالغلو، فهو لا يتفق مع غيره في المشرب وبعض جزئيات المذهب، لذا حرص الاشعري على سلامة خط أهل البيت، والاحتفاظ بالولاء الصادق الصحيح، مما أقدم على إخراج جماعة من قم قد اتهموا بعقيدتهم لاهل البيت عليهم السلام، فممن أخرجهم ابن عيسى: أحمد بن محمد بن خالد البرقى (1)، وكان إخراجه لشبهة حدثت ثم زالت بعد ذلك، ولما اتضح الامر لديه أعاد الاشعري أحمد بن محمد بن خالد إلى قم واعتذر إليه، ولما توفي أحمد بن محمد بن خالد مشى في جنازته الاشعري حافيا حاسرا. وربما يظهر من قول السيد صدر الدين التنقيص من شخصية الاشعري


(1) من أصحاب الامام الجواد والهادي عليهما السلام. انظر ترجمة أحمد بن محمد البرقي في الفصل السابع، العدة عن أحمد بن محمد البرقي.

[555]

والخدشة به، إيماء منه – بأنه كان يلقى السلطان – على أن إخراج الاشعري بعض القميين ما كان برضا أهل قم، بل أن سكوتهم لا يخلو من أمر خفي… وإلا لا يعقل أن يطبق جميع العلماء والاصحاب الذين عاصروا الاشعري في قم بالسكوت وتحملهم التقية على عدم إنكار المنكر وعدم الامر بالمعروف… إذا إخراج اولئك النفر لامر هو حق يراه الاشعري، ولا بد ان يتصدى له… ومن الذين أخرجهم أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري: سهل بن زياد الرازي الآدمي، أبو سعيد. قال النجاشي: ” كان ضعيفا، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وإخراجه من قم إلى الري وكان يسكنها، وقد كاتب أبا محمد العسكري عليه السلام على يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين… ” (1). أقول: واستثنى ابن الوليد – من مشايخ الصدوق – جملة من روايات محمد بن أحمد بن يحيى، منها روايات عن سهل بن زياد الآدمي، ثم تبعه على ذلك الصدوق وابن نوح. وهذا يعني أنهم لا يعتمدوا على رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد، لضعفه، أو لكونه يروي المراسيل. قال ابن الغضائري: “… وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه عن قم، وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه، ويروي المراسيل، ويعتمد المجاهيل ” (2). ومن الذين اخرجوا من قم – قهرا -: السيد أبو جعفر، موسى بن محمد بن


(1) رجال النجاشي: ص 185، ترجمة 490. (2) رجال الخوئي: 8 / 340.

[556]

على بن الامام موسى الكاظم عليه السلام، وإليه تنسب عائلة المبرقع، ولا يزال لهم أحفاد وأبناء في قم منتشرين في كل نواحيها، داخلها وخارجها، والاراضي المجاورة لها من النواحي والقرى. والذي مشهور بين القميين لقب (برقعي)، وهم المعنيون، نسبة إلى جدهم الكبير موسى بن محمد المبرقع. وكان سبب إخراج هذا السيد من قم هو بفعل بعض من ينسب إلى العلم والعلماء، بل من نسبته إلى الجهل أقرب منه إلى العلم، وتظافرت جهود بعض الحاسدين ومن له مقربة إلى السلطان فغرر بالوالي، مما أعانهم على إخراج السيد، فالتجأ أبو جعفر موسى المبرقع إلى كاشان، حيث استقبله هناك أحمد بن عبد العزيز ابن دلف العجلي، فأنزله المكان المناسب، وأكرمه بما يليق شأنه، على ما في ذلك من آيات التكريم والحفاوة والتعظيم. وقد مر الحديث عنه باختصار في الفصل الاول، فراجع. وبعد هذا العرض السريع نستخلص أن علماء الشيعة الامامية، سواء كانوا في قم أم في الري، قد حرصوا على تنقيح اصول المذهب، والمحافظة على تراث أهل البيت عليهم السلام، وإيصاله إلى الاجيال بصورة نقية سالمة، بعد تهذيب الاحاديث، وتمحيص الزائف من الصحيح، ثم أودعوا – ما وصل بهم الدليل – تلك الاحاديث والاخبار في مصنفاتهم وموسوعاتهم الحديثية والفقهية، وقد عرفت أن أول عمل ضخم برز إلى الوجود ليتناقلة العلماء والفقهاء هو عمل الشيخ الكليني قدس سره. وأرجو أنك – أيها الباحث الجليل، والقارئ الكريم – قد اطلعت على ” الكافي ” من خلال حديثنا المتقدم الذي وضعناه في سبعة فصول. وخلاصة تلك الفصول تبين أن للشيخ الكليني – رحمة الله عليه ورضوانه – مسلكا خاصا قد انفرد به وهو يؤلف كتابه ” الكافي “، وأن لمسلكه ذاك خصوصيات


[557]

متعددة، كما أنه يختلف عن مذاق المتأخرين ومسلكهم، فلا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نخضع أحاديث وروايات الكافي في الاصول والفروع إلى مقاييس المتأخرين، كالحلي، والشيخ المجلسي، ومن اقتفى منهجهم، بل أن البعض منهم قد أساء إلى الشيخ بصورة مزرية، بل أنه أساء إلى الفكر الامامي، وإلى تراث أهل البيت كالبهبودي، محمد باقر، الذي اختزل كتاب الشيخ من غير أن يستند في عمله ذلك على منهج علمي صحيح، أو مبنى واضح سليم، حتى يعذر فيما صنفه في كتابه ” صحيح الكافي “، الذي يعد من أحد مساوئه التى لا تغتفر، وسبيله إنما ينطوي تحت شعار ” خالف تعرف “. هذا آخر ما حررته، وأنا أقل العباد عبد الرسول عبد الحسن علي الغفار، والحمد لله أولا وآخرا

اترك تعليقاً